الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

«فتحرير رقبة» : ابتداء ، وخبره محذوف ؛ تقديره : فعليه تحرير رقبة ، و «دية مسلمة» مثله ، وكذلك : «فصيام شهرين» ؛ أي : فعليه صيام شهرين.

«توبة من الله» : نصبت على المصدر ، أو على المفعول من أجله ؛ والرفع فى الكلام جائز ، على تقدير : ذلك توبة.

٩٥ ـ (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ

بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً

وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)

«غير أولى الضّرر» : من نصب «غير» فعلى الاستثناء من «القاعدين» ، وإن شئت من «المؤمنين» ، وإن شئت نصبته على الحال من «القاعدين» ؛ أي : لا يستوى القاعدون فى حال صحتهم.

ومن نصب «غير» جعله نعتا ل «القاعدين» ؛ لأنهم غير معنيين ، لم يقصد بهم قوم بأعيانهم ، فصاروا كالنكرة ، فجاز أن يوصفوا ب «غير» ، وجاز الحال منهم ، لأن لفظهم لفظ المعرفة ، وقد تقدم نظيره فى نصب «غير المغضوب» ١ : ٧ ، وخفضه.

والأحسن أن يكون الرفع فى «غير» على البدل من «القاعدين».

وقد قرأ أبو حيوة «غير» بالخفض ، جعله نعتا ل «المؤمنين».

«وكلّا وعد الله الحسنى» : كلا ، نصب ب «وعد».

«أجرا» : نصب بفعل ؛ وإن شئت على المصدر.

٩٦ ـ (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)

«درجات» : نصب على البدل من «أجر».

٩٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ

قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)

«ظالمى أنفسهم» : نصب على الحال من الهاء والميم فى «توفاهم» ، وحذفت النون للإضافة.

«فيم كنتم» : حذفت ألف «ما» ، لدخول حرف الجر عليها ، للفرق بين الخبر والاستفهام ، فتحذف الألف فى الاستفهام وتثبت فى الخبر ، ومثله (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) ٧٨ : ١ ، و (لِمَ أَذِنْتَ) ٩ : ٤٣ و (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) ١٥ : ٥٤ ، وشبهه.

١٠١

٩٨ ـ (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ

حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)

«إلا المستضعفين» : استثناء ، فى موضع نصب من «الذين توفاهم» الآية : ٩٧.

«لا يستطيعون» : فى موضع نصب ، على الحال من «المستضعفين» ، وكذلك : «ولا يهتدون سبيلا».

١٠٠ ـ (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ)

«مهاجرا» : نصب على الحال ، من المضمر فى «يخرج».

١٠١ ـ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ

خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً)

«أن تقصروا من الصلاة» : أن ، فى موضع نصب ، بحذف حرف الجر ؛ تقديره : فى أن تقصروا «عدوا» : إنما وحد ، وقبله جمع ، لأنه بمعنى المصدر ؛ وتقديره : كانوا لكم ذوى عداوة.

١٠٣ ـ (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ)

«قياما وقعود» : حالان ، من المضمر فى «اذكروا» ، وكذلك : «وعلى جنوبكم» ، لأنه فى موضع. مضطجعين.

١٠٥ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً)

«بالحق» : فى موضع الحال ، من «الكتاب» ، وهى حال مؤكدة ، ولا يجوز أن يكون تعدى إليه «أنزلنا».

بحرف ؛ لأنه قد تعدى إلى مفعول بغير حرف وإلى آخر بحرف.

١٠٩ ـ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ

عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)

«ها أنتم هؤلاء جادلتم» : هو مثل قوله (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) ٢ : ٨٥ ، وقد مضى شرحه والاختلاف فيه ؛ إلا أنك فى هذا لا تجعل «جادلتم» حالا ، إلا أن تضمر فيه «قد».

«فمن يجادل» : من ، ابتداء ، و «يجادل» الخبر ، و «أم من يكون» مثلها ، عطف عليها.

١٠٢

١١٤ ـ (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ

بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)

«إلا من أمر بصدقة» : من ، فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، إن جعلت «نجواهم» اسما لما يتناجون به ، ومعنى الاستثناء المنقطع ، والاستثناء الذي ليس من الأول ، هما شىء واحد.

وإن جعلت «نجواهم» بمعنى : جماعتهم الذين يتناجون ، كانت «من» فى موضع خفض على البدل من «من نجواهم» ، وهو بدل بعض من كل.

«ابتغاء مرضاة الله» : ابتغاء ، مفعول من أجله.

١١٥ ـ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ

نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)

«وساءت مصيرا» : نصب على التفسير.

١٢٢ ـ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً)

«قيلا» : نصب على التفسير أيضا ، يقال : قيلا ، وقولا ، وقالا ؛ بمعنى

١٢٣ ـ (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ)

اسم «ليس» فيها مضمر ، يعود على ما ادعى عبدة الأوثان من أنهم لن يبعثوا ، وعلى ما قالت اليهود والنصارى : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ٢ : ١١١ ، فأنزل الله «ليس بأمانيكم» ، يعنى : يا عبدة الأوثان ، ولا بأمانى أهل الكتاب ؛ والمعنى : ليس الكائن من أموركم يوم القيامة ما تتمنون.

وقيل : تقديره : ليس ثواب الله بأمانيكم.

١٢٥ ـ (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ

وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)

«حنيفا» : حال من المضمر فى «اتبع».

١٢٧ ـ (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى

النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ)

«وما يتلى عليكم» : ما ، فى موضع رفع عطف على اسم «الله» ؛ أي : «الله يفتيكم» ، والمتلو فى الكتاب يفتيكم ، وهو القرآن.

١٠٣

«وترغبون أن تنكحوهن» : أن ، فى موضع نصب بحذف الخافض ؛ تقديره : فى أن تنكحوهن.

«والمستضعفين» : مخفوض : عطف على «يتامى النساء» ؛ ومثله ، «أن» فى قوله : «وأن تقوموا» ؛ والتقدير : الله يفتيكم فى النساء ، والقرآن الذي يتلى عليكم فى النساء ، وفى المستضعفين من الولدان ، وفى أن تقوموا لليتامى بالقسط ، يفتيكم أيضا ، و «ما» : هو ما قصه الله من ذكر اليتامى فى أول السورة.

وقال الفراء : «ما» فى «وما يتلى» فى موضع خفض ، عطف على الضمير فى «فيهن» ؛ وذلك غير جائز عند.

البصريين ، لأنه عطف ظاهر على مضمر مخفوض.

١٢٨ ـ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً)

«وإن امرأة» : رفع عند سيبويه ، بفعل مضمر ؛ تقديره : وإن خافت امرأة خافت ، وهو رفع بالابتداء عند غيره :

«أن يصلحا» : مثل «أن تنكحوهن» الآية : ١٢٧ ؛ أي : فى أن يصلحا.

«صلحا» : مصدر ، على تقدير : إلا أن يصلحا بينهما فيصلح الأمر صلحا.

١٣١ ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ

أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ)

«أن اتّقوا الله» ؛ أي : بأن اتقوا الله.

١٣٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ

الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا

الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)

«شهداء» : نعت ل «قوامين» ، أو خبر ثان

ويجوز أن يكون حالا من المضمر فى «قوامين».

«بهما» : مثنى ، وقبله الإيجاب لأحد الشيئين ب «أو» ؛ ف «أو» ، عند الأخفش ، فى موضع الواو.

وقيل : تقديره : أن يكون الخصمان غنيين أو فقيرين فالله أولى بهما.

وقيل : هو مثل قوله : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) ٤ : ١٢.

١٠٤

وقيل : لما كان معناه : فالله أولى ؛ يعنى : غنى الغني وفقر الفقير ، عاد الضمير عليهما.

وقيل : إنما رجع الضمير إليهما ، لأنه لم يقصد قصد فقير بعينه ولا غنى بعينه.

«أن تعدلوا» : أن ، فى موضع نصب على حذف الخافض ؛ أي : فى أن لا تعدلوا ، فلا معذرة.

وأن تلووا» : من قرأ بضم اللام وواو واحدة ، احتمل أن يكون من : ولى يلى ؛ وأصله : توليوا ؛ ثم أعل بحذف الواو ، لوقوعها بين ياء وكسرة ، ثم ألقى حركة الياء على اللام وحذف الياء ، لسكونها وسكون الواو بعدها.

ويحتمل أن يكون من : لوى ؛ فأصلها : تلووا ، كقراءة الجماعة ، إلا أنه أبدل من الواو همزة ، لانضمامها ، وألقى حركتها على اللام ، فصارت مضمومة.

١٤٠ ـ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها

وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)

«أن إذا سمعتم» : أن ، موضع رفع ، مفعول به لم يسم فاعله ، على قراءة من قرأ «نزل» بالضم.

فأما من قرأ «نزل» بالفتح ، فإنه مفعول به ب «نزل».

١٤٢ ، ١٤٣ ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ

قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ

ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)

«كسالى» : حال من المضمر فى «قاموا» ؛ وكذلك : «يراءون» حال. أيضا ، ومثله : «ولا يذكرون» ، ومثله : «مذبذبين» حال من المضمر فى «يذكرون».

ومعنى «مذبذبين» : مضطربين ، لا مع المسلمين ولا مع الكافرين.

١٤٦ ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ

مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)

«فأولئك مع المؤمنين» : أولئك ، مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ تقديره : فأولئك مؤمنون مع المؤمنين.

١٤٧ ـ (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً)

«ما يفعل الله» : ما ، استفهام ، فى موضع نصب ب «يفعل».

١٠٥

١٤٨ ـ (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً)

«إلّا من ظلم» : من ، فى موضع نصب ، استثناء ليس من الأول.

ويجوز أن يكون فى موضع رفع على البدل من المعنى ؛ لأن معنى الكلام : لا يحب الله أن يجهر واحد بالسوء إلا من ظلم ، فتجعل «من» بدلا من «أحد» المقدّرة.

١٥٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ

وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)

«بين ذلك سبيلا» : ذلك ، تقع إشارة لواحد ولاثنين ولجماعة ، لذلك أتت إشارة بعد شيئين فى هذه الآية ، وهما : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ؛ فمعناه : تريدون أن تتخذوا طريقا بين الإيمان والكفر.

١٥٣ ـ (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)

«جهرة» : حال من المضمر فى «قالوا» ؛ أي : قالوا ذلك مجاهرين.

ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ؛ تقديره : رؤية جهرة.

١٥٤ ـ (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)

«سجّدا» : حال من المضمر فى «ادخلوا»

١٥٥ ـ (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ)

«فيما نقضهم ميثاقهم» : ما ، زائدة للتأكيد ، و «نقضهم» خفض بالباء.

وقيل : ما ، نكرة فى موضع خفض ، و «نقضهم» بدل من «ما».

١٥٦ ـ (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً)

«بهتانا» : حال. وقيل : مصدر.

١٥٧ ـ (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً)

«إلّا اتّباع الظنّ» : نصب على الاستثناء ، الذي ليس من الأول.

ويجوز فى الكلام رفعه على البدل من موضع «من علم» ، ومن «زائدة» ، «وعلم» رفع بالابتداء.

١٠٦

١٦٠ ـ (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ

وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً)

«كثيرا» : نعت لمصدر محذوف ؛ أي : صدودا كثيرا.

١٦٢ ـ (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ

وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ

وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً)

«والمقيمين الصّلاة» : انتصب على المدح ، عند سيبويه.

وقال الكسائي : هو فى موضع خفض عطف على «ما» فى قوله «بما أنزل إليك» ، وهو بعيد ؛ لأنه يصير المعنى : يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة ؛ وإنما يجوز على أن يجعل «المقيمين الصلاة» هم الملائكة ، فتخبر عن الراسخين فى العلم وعن المؤمنين بما أنزل الله على محمد ، ويؤمنون بالملائكة الذين من صفتهم إقامة الصلاة ، بقوله (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) ٢١ : ٢٠.

وقيل : «المقيمين» معطوفون على الكاف فى «قبلك» ؛ أي : ومن قبل المقيمين الصلاة ؛ وهو بعيد ؛ لأنه عطف ظاهر على مضمر مخفوض.

وقيل : هو معطوف على الهاء والميم فى «منهم».

وكلا القولين فيه عطف ظاهر على مضمر مخفوض.

وقيل : هو عطف على «قبل» كأنه قال : وقبل المقيمين ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

ومن جعل نصب «المقيمين» على المدح جعل خبر «الراسخين» : يؤمنون.

فإن جعل الخبر فى قوله «أولئك سنؤتيهم» لم يجز نصب «والمقيمين» على المدح ، إلا بعد تمام الكلام.

«والمؤتون الزكاة» : رفع عند سيبويه ، على الابتداء.

وقيل : على إضمار مبتدأ ؛ أي : وهم المؤتون.

وقيل : هو معطوف على المضمر فى «المقيمين».

وقيل : على المضمر فى «يؤمنون».

وقيل : على «الراسخين».

١٠٧

١٦٣ ـ (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ)

«كما أوحينا» : الكاف ، نعت لمصدر محذوف ؛ أي : إيحاء.

١٦٤ ـ (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ)

«ورسلا قد قصصناهم» : نصب بإضمار فعل ؛ أي : وقصصنا رسلا قصصناهم عليك من قبل.

وقيل : هو محمول على المعنى ، عطف على ما قبله ؛ لأن معنى «أوحينا» : أرسلنا ، فيصير تقديره : إنا أرسلناك وأرسلنا رسلا.

١٦٥ ـ (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)

«رسلا» : بدل من «ورسلا» الآية : ٦٤.

وقيل : هو نصب على إضمار فعل ؛ أي : أرسلنا رسلا مبشرين.

وقيل : هو حال ، و «مبشرين» نعت له.

١٧٠ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ)

«خيرا» : منصوب ، عند سيبويه ، على إضمار فعل ؛ تقديره : ائتوا خيرا لكم ؛ لأن «آمنوا» دل على إخراجهم من أمر وإدخالهم فيما هو خير لهم.

وقال الفراء : هو نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : إيمانا خيرا لكم.

وقال أبو عبيدة : هو خبر «كان» مضمر ؛ تقديره : فآمنوا يكن خيرا لكم ؛ أي : يكن الإيمان خيرا لكم.

١٧١ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا

الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ

وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ

يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً)

«ولا تقولوا ثلاثة» : ثلاثة ، خبر ابتداء محذوف ؛ تقديره : آلهتنا ثلاثة.

«انتهوا خيرا لكم» : خيرا ، عند سيبويه ، انتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ؛ لأنك إذا قلت : انته ، فأنت تخرجه من أمر وتدخله فى أمر آخر ، فكأنك قلت : ائت خيرا لك.

١٠٨

وقال الفراء : هو نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : انتهوا انتهاء خيرا لكم.

وقال أبو عبيدة : هو خبر «كان» محذوفة ؛ تقديره : انتهوا يكن خيرا لكم.

وحكى عن بعض الكوفيين أن نصبه على الحال ؛ وهو بعيد.

«إنما الله إله واحد» : ما ، كافة ل «إن» عن العمل ؛ و «والله» مبتدأ ؛ و «إله» خبر ؛ و «واحد» نعت ؛ تقديره : إنما الله منفرد فى الألوهية.

وقيل : «واحد» تأكيد ، بمنزلة : لا تتخذوا إلهين اثنين.

ويجوز أن يكون «إله» بدل من الله ، و «واحد» خبره ؛ تقديره : إنما المعبود واحد.

«سبحانه» : نصبه على المصدر.

«أن يكون» : أن ، فى موضع نصب بحذف حرف الجر ؛ تقديره : سبحانه عن أن يكون ، ومن أن يكون ؛ أي : تنزيها له من ذلك وبراءة له.

«وكيلا» : نصب على البيان ؛ وإن شئت على الحال. ومعنى «وكيل» : كاف لأوليائه.

١٧٢ ـ (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ)

«أن يكون عبدا» : أن ، فى موضع نصب بحذف حرف الجر ؛ تقديره : بأن يكون عبد الله.

١٧٥ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ

وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً)

«ويهديهم إليه صراطا» : صراطا ، نصب على إضمار فعل ؛ تقديره : يعرفهم صراطا ؛ ودل «يهديهم» على المحذوف.

ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ل «يهدى» ؛ تقديره : ويهديهم صراطا مستقيما إلى ثوابه وجزائه.

١٧٦ ـ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ

وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا

الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ

أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

«فإن كانتا اثنتين» : إنما ثنى الضمير فى «كانتا» ، ولم يتقدم إلا ذكر واحد ، لأنه محمول على المعنى. لأن تقديره ، عند الأخفش : فإن كانتا من ترك اثنتين ؛ ثم بنى الضمير على معنى «من».

١٠٩

«أن تضلّوا» : أن ، فى موضع نصب ب «يبين» ؛ معناه : يبين الله لكم الضلال لتجتنبوه.

وقيل : «لا» ، مقدرة محذوفة من الكلام ؛ تقديره. يبين الله لكم لا أن تضلوا.

وقيل : معناه : كراهة أن تضلوا ، فهى مفعول من أجله.

ـ ٥ ـ

سورة المائدة

١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى

عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ)

«إلا ما يتلى عليكم» : ما ، فى موضع نصب على الاستثناء من «بهيمة».

«غير محلّى الصّيد» : نصب على الحال من المضمر فى «أوفوا».

«وأنتم حرم» : ابتداء وخبر ، فى موضع نصب على الحال ، من المضمر فى «محلين» ، ونون «محلين» سقطت لإضافته إلى «الصيد».

٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ

وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا

وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا

وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا

اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)

«يبتغون» : فى موضع النصب ، ل «آمين».

«أن صدّوكم» : من كسر «إن» ، فمعناه : إن وقع صد لكم ، فلا يكسبنكم بعض من صدكم أن تعتدوا ، فالصد منتظر ؛ ودل على ذلك أن فى حرف ابن مسعود : «أن يصدوكم» ؛ فالمعنى : إن وقع صد مثل الذي فعل بكم أولا فلا تعتدوا.

ومن قرأ بالفتح ، ف «أن» فى موضع نصب ، مفعول من أجله ، وعليه أتى التفسير ؛ لأن الصد قد كان وقع قبل نزول الآية ؛ لأن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان ، وصد المشركون المسلمين عن البيت الحرام عام الحديبية سنة ست.

١١٠

فالفتح ، لأنه علته ، بدليل التفسير والتاريخ ، والكسر يدل على أمر لم يقع ، والفتح يدل على أمر قد كان وانقضى.

ونظير ذلك لو قال رجل لامرأته ، وقد دخلت داره : أنت طالق إن دخلت الدار ، فكسر «إن» ، لم تطلق عليه بدخولها الأول ؛ لأنه أمر منتظر ؛ ولو فتح ، لطلقت عليه ، لأنه أمر قد كان ، وفتح ، «أن» ، إنما هو علة لما كان ، وكسرها إنما يدل على أمر منتظر قد يكون أو لا يكون ؛ فالوجهان حسنان على معنييهما.

«أن تعتدوا» : أن ، فى موضع نصب ب «يجرمنكم» ؛ و «شنآن» مصدر ، وهو الفاعل ل «يجرمنكم» ؛ والنهى واقع فى اللفظ على «الشنآن» ، ويعنى به المخاطبين ، كما تقول : لأرينك هاهنا ؛ فالنهى فى اللفظ على المتكلم والمراد به المخاطب ، ومثله (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ٢ : ١٣٢ ، ومثله : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) ١١ : ٨٩ ومن أسكن نون «شنآن» جعله اسما.

٣ ـ (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

«فمن اضطرّ» : من ، ابتداء ، وهى شرط ، والجواب : «فإن الله غفور رحيم» ، وهو الخبر ، ومعه ضمير محذوف ؛ تقديره : فإن الله غفور رحيم له.

٤ ـ (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ

مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ)

«ما ذا أحلّ لهم» : «ما» و «ذا» ، اسم فى موضع رفع بالابتداء ؛ و «أحل لهم» الخبر.

وإن شئت جعلت «ذا» بمعنى «الذي» ، فيكون هو خبر الابتداء ؛ و «أحل لهم» صلته.

ولا يعمل «يسألونك» فى «ما» فى الوجهين : لأنها استفهام ، ولا يعمل فى الاستفهام ما قبله.

«مكلّبين» : حال من التاء والميم فى «علمتم».

٥ ـ (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ

وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)

«محصنين» : حال من المضمر المرفوع فى «آتيتموهن» ، ومثله : «غير مسافحين» ، ومثله

١١١

«ولا متخذى أخدان» ، وهو عطف على «غير مسافحين» ، ولا تعطفه على «محسنين» ، لدخول «لا» معه تأكيدا للنفى المتقدم ، ولا يقع مع «محصنين».

وإن شئت جعلت «غير مسافحين ولا متخذى» نعتا ل «محصنين» ، أو حالا من المضمر فى «محصنين».

«وهو فى الآخرة من الخاسرين» : العامل فى الظرف محذوف ؛ تقديره : وهو خاسر فى الآخرة ؛ ودل على الحذف الألف واللام فى قوله «من الخاسرين». فإن جعلت الألف واللام فى «الخاسرين» ليستا بمعنى «الذين» ، جاز أن يكون العامل فى الظرف «الخاسرين».

٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ

وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ

كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)

«وأرجلكم» : من نصبه عطفه على «الأيدى» و «الوجوه» ؛ ومن خفضه عطفه على «الرءوس» وأضمر ما يوجب الغسل ، فالآية محكمة ، كأنه قال : وأرجلكم غسلا.

وقال الأخفش ، وأبو عبيدة : الخفض فيه على الجوار ، والمعنى ، بالغسل ، وهو بعيد لا يحمل القرآن عليه.

وقال جماعة : هو عطف على «الرءوس» محكم اللفظ ، لكن التحديد يدل على الغسل ، فلما حد غسل الأيدى إلى المرفقين على أنه غسل كالأيدى.

وقيل : «المسح» ، فى اللغة : يقع بمعنى : الغسل ؛ يقال : تمسحت للصلاة ؛ أي : توضأت ، وبينت السنة أن المراد بمسح الأرجل ، إذا خفضت : الغسل.

«فتيمّموا صعيدا» : من جعل «الصعيد» : الأرض ، أو وجه الأرض ، نصب «صعيدا» على الظرف.

ومن جعل «الصعيد» : التراب ، نصبه على أنه مفعول به ، حذف منه حرف الجر ؛ أي : بصعيد طيبا نعته ؛ أي : نظيفا.

وقيل : «طيبا» ، معناه : حلالا ؛ فيكون نصبه على المصدر ، أو على الحال.

١١٢

٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ)

«شهداء» : حال من المضمر فى قوله : «قوامين».

ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ل «كان».

وقيل : هو نعت ل «قوامين».

٩ ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)

«وعد الله الذين آمنوا» : أصل «وعد» أن يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما ، وكذلك وقع فى هذه الآية ، تعدى إلى مفعولين : واحد ، هو «الذين» ، ثم فسر المفعول المحذوف وهو «العدة» بقوله : «لهم مغفرة وأجر عظيم».

١٣ ـ (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)

«فبما نقضهم» ، كالذى فى «النساء» ٤ : ١٥٥.

«يحرّفون» : حال من أصحاب القلوب.

١٤ ـ (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)

«من» : متعلقة ب «أخذنا» ؛ أي : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ؛ مثل قولك : من زيد أخذت درهمه ؛ ولا يجوز أن تنوى ب «الذين» التأخير بعد «الميثاق» ، لتقدم المضمر على المظهر ، إنما ينوى به أن يكون بعد «أخذنا» ، وقبل «الميثاق» ؛ لأنهما مفعولان ل «أخذنا» ، فليس لأحدهما مزية فى التقدم على الآخر.

والهاء والميم يعودان على «الذين» ، وليس موضع «الذين» أن يكون بعد «ميثاقهم» ، فلذلك جاز ، ألا ترى أنك لو قلت : ضرب غلامه زيدا ، لم يجز ، ولا يجوز أن ينوى بالغلام التأخير ، لأنه فى حقه ورتبته ؛ وحق الفاعل أن يكون قبل المفعول ، فلا ينوى به غير موضعه ، فإن نصبت «الغلام» ورفعت «زيدا» جاز ؛ أنك تنوى بالغلام والضمير التأخير ؛ لأن التأخير هو موضعه ، فينوى به موضعه بعد الفاعل.

يمنع الكوفيون أكثر هذا.

وقد رووا الآية على حذف ، تقديره عندهم : ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم ؛ فالهاء والميم يعودان

١١٣

على «من» المحذوفة ، وهى مقدرة قبل المضمر ، وجاز عندهم حذف «من» كما جاز فى قوله : وما منا إلا له مقام ٣٧ : ١٦٤ ؛ أي : من له ، وكما قال : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ) الآية : ٦٤ ؛ أي : من يحرفون.

١٥ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ

وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ)

«يبيّن» : فى موضع الحال من «رسولنا» ، ومثله : «ويعفو».

١٦ ـ (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ

بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)

«يهدى به الله» : يهدى ، فى موضع رفع على النعت ل «كتاب» الآية : ١٥

وإن شئت فى موضع نصب على الحال من «كتاب الآية : ١٢ ؛ لأنك قد نعته ب «مبين» ، فقرب من المعرفة ، فحسنت الحال منه ؛ ومثله : «ويخرجهم» ، و «يهديهم».

«سبل السلام» : مفعول ، حذف منه حرف الجر ؛ أي : إلى سبل السلام.

١٩ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ

أَنْ تَقُولُوا)

«أن تقولوا» : مفعول من أجله.

٢١ ـ (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ)

«خاسرين» : حال من المضمر فى «تنقلبوا».

٢٣ ـ (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا)

«أنعم الله» : فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «يخافون».

ويجوز أن يكون فى موضع رفع على النعت ل «رجلين» ؛ وكذلك قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ).

٢٤ ـ (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها)

«أبدا» : ظرف زمان.

«ما داموا» : بدل من «أبدا» ، وهو بدل بعض من كل.

١١٤

٢٥ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)

«أخى» : فى موضع نصب عطف على «نفسى».

وإن شئت عطفته على اسم «إن» ، وتحذف خبره ، لدلالة الأول عليه ، كأنه قال : وإن أخى لا يملك إلا نفسه.

وإن شئت جعلت «الأخ» فى موضع رفع بالابتداء ، عطف على موضع «إن» وما عملت فيه ، وتضمر الخبر كالأول.

وإن شئت عطفته على المضمر فى «أملك» ، فيكون فى موضع رفع.

٢٦ ـ (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)

«أربعين» : ظرف زمان ؛ والعامل فيه «يتيهون» ، على أن يجعل التحريم لا أمد له ، كما جاء فى التفسير : أنه لم يدخلها أحد منهم ، وإنما دخلها أبناؤهم وماتوا هم كلهم فى التيه ؛ فيكون «يتيهون» على هذا القول حالا من الهاء والميم فى «عليهم» ؛ ولا تقف على «عليهم» فى هذا القول ، إلا أن يجعل «يتيهون» منقطعا مما قبله ، فتقف على «عليهم».

وإن جعلت للتحريم أمدا ، هو أربعون سنة ، نصبت «أربعين» ، ب «محرمة» ، ويكون «يتيهون» حالا من الهاء والميم أيضا فى «عليهم» ، ولا يجوز الوقف ، على هذا القول ، على «عليهم» البتة ؛ ولا تقف على «أربعين سنة» فى القول الأول البتة ؛ وتقف عليه فى هذا القول ، إذا جعلت ، «يتيهون» منقطعا عن حال.

٢٩ ـ (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ)

«إنى» ، و «إنا» ، و «لكنى» ، و «لكنا» ، وشبهه ، كله أصله ثلاث نونات ، ولكن حذفت. واحدة استخفافا ، لاجتماع ثلاثة أمثال لا حاجز بينهن. وقد استعمل فى كثير من القرآن على الأصل بغير حذف.

ومذهب الخليل ، فيما حكى عنه سيبويه ، أن المحذوفة هى التي قبل «الياء» ، يريد الثالثة.

والذي يوجبه النظر ، وعليه العلم ، هو أن المحذوفة من هذه النونات هى الثانية ، لأنه لو حذفت الثالثة لوجب تغيير الثانية إلى الكسر فى «إنى» ، و «لكنى» ، فيجتمع حذف وتغيير ، وذلك مكروه ؛ ولو حذفت الأولى لوجب إدغام الثانية فى الثالثة بعد إزالة حركتها وإسكانها ، وذلك حذفان وتغيير ، فكان حذف الثانية أولى.

وأيضا فإن «إنى» قد تحذف منها الثانية ، وهما نونان ، فحذفها بعينها ، إذا صارت ثلاث نونات ، أولى من

١١٥

حذف غيرها ، ولو حذفت الثالثة من «إنى» لوجب حذف الثالثة فى «إننا» ، ولكننا» ، فتحذف علامة المضمر ؛ وذلك لا يجوز ؛ لأنه اسم ، والأسماء لا تحذف ولا يحذف بعضها ، لاجتماع أمثال.

٣٢ ـ (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ

أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)

«أو فساد فى الأرض» : عطف «على نفس» ؛ أي : بغير فساد.

وقرأ الحسن بالنصب ، على معنى : أو فسد فسادا ، فهو مصدر.

٣٣ ـ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً

أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا)

«أن يقتّلوا» : أن ، فى موضع رفع خبر عن «جزاء» ؛ لأن «أن» وما بعدها مصدر ، فهو خبر عن مصدر ، وهو هو.

«أو يصلّبوا» : أو ، هنا ، وفيما بعده ، للتخيير للإمام على اجتهاده ، وللعلماء فى ذلك أقوال.

٣٤ ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

«إلا الّذين تابوا» : نصب على الاستثناء.

٣٨ ـ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ

وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

«والسّارق والسّارقة» : رفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، عند سيبويه ؛ تقديره : ومما يتلى عليكم السارق ؛ أو : وفيما فرض عليكم.

وكان الاختيار ، على مذهب سيبويه ، فيه النصب ؛ لأنه أمر ، وهو بالفعل أولى ، وبه قرأ عيسى بن عمر.

والاختيار فيه ، عند الكوفيين : الرفع ، على قراءة الجماعة ؛ لأنه لم يقصد به سارق بعينه ، فهو عندهم مثل (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) ٤ : ١٦ ، لا يراد به «اثنان» بأعيانهما ، فلذلك اختير الرفع فى (الَّذانِ يَأْتِيانِها) ، وليس فى قوله «والسارق والسارقة» ما فى «واللذان» من العلة.

«جزاء بما كسبا» مفعول من أجله وإن شئت مصدرا ، ومثله : «نكالا».

١١٦

٤١ ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا

بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ

لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا

وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً)

«سماعون» ، و «يحرفون» : صفتان لمحذوفين مرفوعين بالابتداء ، وما قبلهما الخبر ؛ تقديره : فريق سماعون وفريق يحرفون الكلم ليكذبوا ، لم يرد أنهم يسمعون الكلم وينقلونه ، إنما أراد يسمعون ليكذبوا ويقولون ما لم يسمعوا ، ودل على ذلك قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ)

ويجوز أن يكون «يحرفون» حال من المضمر فى «سماعون». وتكون هى الحال المقدرة ، أي : يسمعون مقدرين التحريف ، مثل قوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) ٥ : ٩٥

«آخرين لم يأتوك» : صفتان ل «قوم».

«يقولون إن أوتيتم» : حال من المضمر فى «يحرفون» ، فتقف على «قلوبهم» فى هذا القول ، وتبتدئ «ومن الذين هادوا» ، وهو خبر الابتداء.

وقد قيل : إن «سماعون» رفع على «هم سماعون» ، ابتداء وخبر ، فتقف على «هادوا» فى هذا القول.

والقول الأول أحسن وأولى.

٤٢ ـ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ)

«سماعون للكذب» : رفع على إضمار مبتدأ ؛ أي : هم سماعون للكذب أكالون للسحت.

٤٤ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا)

«الذين» : صفة «النبيين» ، على معنى المدح والثناء ، لا على معنى الصفة التي تأتى للفرق بين الموصوف وبين ما ليس صفته ؛ كما تقول : رأيت زيدا العاقل ، فتحتمل هذه الصفة أن تكون جئت بها لتفرق بين زيد العاقل وبين زيد آخر ليس بعاقل ، وهذا لا يجوز فى الآية ، لأنه لا يمكن أن يكون ثم نبيون غير مسلمين ؛ كما يحتمل أن يكون ، ثم زيد آخر غير عاقل ، فإن قلت : رأيت زيدا الأحمر ، فهذه صفة جئت بها لتفرق بين زيد الأحمر وبين زيد ، أو زيود أخر ، ليسوا بحمر ؛ فلا تحتمل هذه الصفة غير هذا المعنى. ولو كان «زيد» لا يعرف إلا بأحمر ، لم يجز حذف الأحمر ، لأنه كان من تمام اسمه.

١١٧

٤٥ ـ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ

بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)

«والعين بالعين» : من نصبه ، وما بعده من الأسماء ، عطفه على ما عملت فيه «أن» ، وهو «النفس» ، و «بالنفس» خبر «أن» ، وكذلك كل مخفوض خبر لما قبله.

ومن رفع «والعين» ، و «الأنف» ، و «السن» ، عطفه على المعنى ؛ لأن معنى «كتبنا عليهم» : قلنا لهم : النفس بالنفس ، فرفع على الابتداء.

وقيل : هو مبتدأ مقطوع مما قبله.

وقيل : هو معطوف على المضمر المرفوع فى «بالنفس» ، وإن كان لم يؤكد ، فهو جائز ، كما قال تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) ٦ : ١٤٨ ، وليس فى زيادة «لا» بعد حرف العطف حجة تنفى أنها فصلت ؛ لأنها بعد حروف العطف ، والمخفوض خبر كل ابتداء.

«والجروح قصاص» : من نصبه عطفه على «النفس» ، و «قصاص» الخبر ؛ ودل على أنه مكتوب فى التوراة كغيره.

ومن عطفه على موضع «أن» وما عملت فيه ، فهو مبتدأ ، مكتوب أيضا ، «وقصاص» خبر الابتداء.

وقيل : هو ابتداء منقطع مما قبله ، على أنه غير مكتوب ، وإنما يكون هذا منقطعا على قراءة من نصب «العين» وما بعده ، ورفع «الجروح».

فأما من رفع «العين» وما بعده ، ورفع «الجروح» فهو كله معطوف بعضه على بعض ؛ وهى قراءة الكسائي.

٤٦ ـ (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ

وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً

وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)

«مصدّقا» الأول : حال من «عيسى» ، و «مصدقا» الثاني ، إن شئت عطفته على الأول ، حالا من «عيسى» أيضا ، على التأكيد ؛ وإن شئت جعلته حالا من «الإنجيل».

«وهدى وموعظة» : نصب ، عطف على «مصدقا».

١١٨

وقد قرأ الضحاك برفع «موعظة» ، وقال : على أن «هدى» فى موضع رفع ، والرفع فى ذلك عن العطف على قوله «فيه هدى ونور».

٤٨ ـ (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ

وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)

«مصدّقا ، ومهيمنا» : حالان من «الكتاب»

٤٩ ـ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ

وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ)

«وأن احكم» : أن ، فى موضع نصب عطف على «الكتاب».

«واحذرهم أن يفتنوك» : أن ، فى موضع نصب على البدل من الهاء والميم فى «واحذرهم» ، وهو بدل الاشتمال ، وإن شئت جعلته مفعولا من أجله.

٥٢ ـ (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا

دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)

«فعسى الله أن يأتى» : أن ، فى موضع نصب ب «عسى» ، ولو قدمت فقلت : فعسى أن يأتى الله ، لكانت فى موضع رفع ب «عسى» ، وتسد مسد خبر «عسى».

٥٣ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ

حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ)

«ويقول الذين آمنوا» : من نصبه عطفه على المعنى ، كأنه قدر تقديم «أن يأتى» ، بعد «عسى» ، فعطفه عليه ، إذ معنى : فعسى أن يأتى الله ، وعسى الله أن يأتى ، واحد ، فعطف على المعنى ؛ ولو عطف على اللفظ على «أن يأتى» وهو مؤخر بعد اسم الله ، لم يجز ، كما يبعد أن تقول : عسى زيد أن يقوم ويأتى عمرو ، إذ لا يجوز : عسى زيد أن يأتى عمرو.

فأما إذا قدمت «أن» بعد «عسى» فهو حسن ، كما تقول : عسى أن يقوم زيد ويأتى عمرو ، فيحسن كما يحسن : عسى أن يقوم زيد ويأتى عمرو.

ولو كان فى الجملة الثانية هاء تعود على الأول ، لجاز كل هذا ، نحو : عسى أن يقوم زيد ويأتى أبوه ، وعسى

١١٩

زيد أن يأتى ويقوم أبوه ؛ كل هذا حسن جائز ، بخلاف الأول ؛ لأنك لو قلت : عسى زيد أن يقوم أبوه ، حسن ، وهذا كله بمنزلة : ليس زيد بخارج ولا قائم عمرو ، وهذا لا يجوز ؛ وإن كان فى موضع «عمرو» : «أبوه» ، جاز.

وقد قيل : «ويقول» معطوف على «الفتح» ؛ لأنه بمعنى : أن يفتح ، فهو معطوف على اسم ، فاحتيج إلى إضمار «أن» ، ليكون مع «يقول» مصدرا ، فتعطف اسما على اسم ، فيصير بمنزلة قول الشاعر :

للبس عباءة وتقر عينى

والرفع فى «ويقول» ، على القطع.

«جهد أيمانهم إنهم» : إنهم ، نصب على المصدر ؛ وكسرت «إن» من «إنهم» على إضمار : قالوا إنهم ، لأن اللام فى خبرها.

٥٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ

أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ

لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)

«يحبهم ويحبونه» : نعت ل «قوم» ، وكذلك «أذلة» ، و «أعزة» ، و «يجاهدون» ، نعت أيضا لهم.

ويجوز أن يكون حالا منهم ، والإشارة بالقوم الموصوفين فى هذا الموضع هى إلى الخلفاء الراشدين بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن اتبعهم ، وهذا يدل على تثبيت خلافتهم رضى الله عنهم أجمعين.

٥٥ ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ

الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)

«وهم راكعون» : ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من المضمر فى «يؤتون» ؛ أي يعطون ما يزكيهم عند الله فى حال ركوعهم ؛ أي : وهم فى صلاتهم ، فالواو واو الحال ، والآية على هذا المعنى نزلت فى على بن أبى طالب ، صلوات الله عليه.

ويجوز أن يكون لا موضع للجملة ، وإنما هى جملة معطوفة على الموصول ، وليست بواو الحال ، والآية عامة.

١٢٠