تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

واللذان هما قطعة من رسول الاسلام وسيد الانس والجان الذي انقظهم من الظلام الى النور وفي بيت محمد ص وآله جميع بني هاشم وخيرة الاصحاب على الاطلاق مثل سليمان وابي ذر وعمار والمقداد وما ينتمي اليهم من الصفوة الاخيار.

كل هؤلاء الصفوة البرر قد ضمهم بيت محمد الراحل والذي لم يزل على فراشه لم يغيب في ثراه. واذا بفارس الهيجاء ومدوخ الابطال والشجعان قرين ربات الحجال عمر بن الخطاب قد جمع الحطب وأتى مع اقرانه من المنافقين والنصاب الاشرار جاءوا باجمعهم يحملون حزمات الحطب وبايديهم مشاعيل النيران يريدون حرق آل بيت محمد الصفوة الابرار والمعصومين الاخيار الذين عصمهم الله وطهرهم من كل نقص وزلل وفضلهم على العالمين وأوجب محبتهم ومودتهم على كل أبيض وأسود الى يوم القيامة وجاء عبدة العجل واتباع السامري جاءوا جميعا ليحرقوا بيت محمد على كل من فيه فما نفعهم تحذير القرآن ولا وعظ نبي الاسلام فسلكوا مسلك بني اسرائيل واضافوا اليه زيادات ومنكرات وفظائع لم يحدث التاريخ بمثلها منذ وجد الانسان على وجه الارض ولن يحدث امثالها الى منتهى الدهر.

والاعجب والاغرب والافظع ان الاتباع لهؤلاء المنافقين ـ حتى اليوم ـ قد جعلوا تلك المنكرات والفظائع فضائل ومكارم لمن صنعها وفعلها ويفتخرون بها حتى قال المصري الشهير شاعر النيل في القرن العشرين يمتدح بطل هذه المزاجر الفظيعة قائلا :

وقولة لعلي قالها عمر

اكرم بسامعها اعظم بملقيها

حرقت دارك لا ابقي عليك بها

ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

امام فارس عدنان وحاميها

٤٦١

القصيدة العمرية القيت بحفل هائل بمصر سنة ١٩١٨ م ونشرتها الجرائد في ارجاء العالم. فيا للخزي والعار على من نظمها ومن نظمت فيه. ومن القاها والمكان التي القيت فيه.

واذا القلوب اصابها داء العمى

ما ينفع الانسان نور الاعين

وصدق الله العظيم حيث يقول : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)

وما عسى أن يقول العاقل المنصف حينما يسمع عربدة شاعر النيل في القرن العشرين (محمد حافظ ابراهيم المتوفي ١٣٥١ ه‍ ١٩٣٣ م يمدح ابن الخطاب لانه احرق بيت النبي سيد المرسلين وخاتم النبيين على جميع اهله واولاده واصحابه وعشيرته.

واذا أردت البيان الوافي فراجع الجزء العاشر ماذا في التاريخ ص (٤١٠) ترى العجائب.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧))

ـ البيان : لقد سبق ان بينا ـ باختصار ـ كيف ومتى تربت

٤٦٢

هذه المقولات المنحرفة من المجامع الى العقيدة النصرانية التي جاء بها عيسى (ع) رسولا من عند الله كأخوانه من الرسل. الذين جاؤوا بكلمة التوحيد الخاصة. لا يشعر بها ظل من الشرك لأن الرسالات كلها جاءت لتقرير كلمة التوحيد في الارض وابطال كلمة الشرك من الوجود.

فالآن نذكر ـ باختصار كذلك ـ ما انتهت اليه تلك المجامع من الاتفاق على التثليث وألوهية المسيح (ع) والخلاف فيما بينهما بعد ذلك على النحو الذي اسلفناه.

جاء في كتاب (سوسنة سليمان) لنوفل ابن نعمة ابن جرجس النصراني :

ان عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس. وهي الدستور الاصلي. الذي بينه المجمع النيقاوي. هي الايمان بآله واحد : أب واحد. ضابط الكل. خالق السموات والارض. كل ما يرى وما لا لا يرى. وبرب واحد يسوع ، الأبن الوحيد المولود من الاب قبل الدهور. من نور الله. والذي من أجلنا نحن البشر. ومن اجل خطايانا نزل من السماء. وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأس. وصلب عنا على عهد بيلاطيس. وتألم وقبر. وقام من الاموات في اليوم الثالث على ما في الكتب.

وصعد الى السماء وجلس على يمين الرب. وسيأتي بمجد ليدين الاحياء والاموات ولا فناء لملكه. والايمان بالروح القدس. الرب المحي المنبثق من الأب الذي هو مع الابن يسجد له ويمجده. الناطق بالانبياء.

وقال الدكتور (بوست) في تاريخ الكتاب المقدس : طبيعة الله عبارة عن ثلاثة اقانيم متساوية : الله الاب ، والله الابن ، والله الروح

٤٦٣

القدس. فالى الاب ينتمي الخلق بواسطة الابن. والى الابن الفداء ، والى الروح القدس التطهير) (١)

ونظرا لصعوبة تصور الاقانيم الثلاثة في واحد ، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث فان الكتاب النصارى عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظر العقلي. في هذه القضية التي يرفضها العقل ابتداء. ومن ذلك ما كتبه القس (يوطر) في رسالة (الأصول والفروع) حيث يقول :

(قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا. ونرجو ان نفهمه فهما اكثر جلاء في المستقبل حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الارض وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية (٢)

والله سبحانه يقول : ان هذه المقولات كلها كفر. وهي تتضمن ـ كما رأينا ـ القول بألوهية المسيح (ع). والقول بان الله ثالث ثلاثة. وليس بعد قول الله سبحانه قول : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (أَفَلا يَتُوبُونَ).

ثم يواجههم بالمنطق الواقعي القويم. لعله يرد فطرتهم الى الادراك السليم. مع التعجيب من أمرهم في الانصراف عن هذا المنطق بعد البيان والايضاح :

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ..)

وأكل الطعام مسألة واقعية في حياة المسيح (ع) وامه. وهي من خصائص الحادثين ودليل على بشرية المسيح وامه ـ أو على ناسوته

__________________

(١ و ٢) نقلا عن كتاب محاضرات في النصرانية للاستاذ الشيخ محمد ابي زهرة.

٤٦٤

بتعبيرهم اللاهوتي ـ فأكل الطعام تلبية لحاجة الجسد لا مراء فيها. ولا يكون الها من هو مفتقر الى الطعام وبدونه يهلك.

والآله الحقيقي هو القائم بذاته الغني عن كل مخلوقاته. (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) واختيار (ما) في التعبير ليشمل جميع المعبودات من حي وجماد. وعاقل وغير عاقل وهو تعبير بديع. في منتهى الشمول والتعميم. (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا) فمن الغلو في عيسى (ع) جاءت كل الانحرافات ومن أهواء الحكام الرومان جاءت الوثنية.

وهذا النداء الجديد هو دعوة الانقاذ لمن له عقل وارادة. وتفكير صحيح. واذا كان الاسلام لا يكره احدا من اتباع الاسلام من أهل الكتاب لا لكونهم على دين بل لتضليلهم الناس وها هو يحكم عليهم بالكفر والضلال المبين وقطع كل علاقة منهم مع الله عزوجل.

ومن هنا يتضح استحالة الولاء مع الكافرين الذين لا يؤمنون بالله الخالق العظيم الواحد الذي لا شريك له ولا ولد. وهو الموجود بذاته المستغني عن كافة مخلوقاته.

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَلِدُونَ (٨٠)) (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِىِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَسِقُونَ (٨١))

البيان : هكذا يبدو ان تاريخ بني اسرائيل في الكفر والمعاصي واللعنة لهم عريق. وان أنبياءهم الذين ارسلوا لهدايتهم وانقاذهم. هم

٤٦٥

الذين في النهاية تولوا لعنتهم وطردهم من هداية الله تعالى. فسمع الله دعاءهم وكتب اللعنة لهم والغضب عليهم.

والذين كفروا من بني اسرائيل هم الذين حرفوا كتبهم المنزلة من خالقهم. وهم الذين يتحاكمون الى الجبت والطاغوت وتركوا شرائع الله عزوجل. وهم الذين نقضوا عهد الله وخالفوه .. (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) فهي المعصية والاعتداء يتصفون بهما وقد حفل تاريخ بني اسرائيل بالمعصية والاعتداء. ولم تكن المعصية والاعتداء منهم فردية. أو وقتية. بل انتهت الى ان اصبحت طابعهم الخاص في كل حياتهم (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) ان العصيان والاعتداء قد يقعان في كل زمان من جماعة من الشريرين المنحرفين في الارض. لكن لا تخلو من جماعة صالحين يستنكرون مثل هذه الجرائم على اهلها وفعاليها. ولكن اصبح فعل هذه الجرائم في بني اسرائيل امرا اعتياديا لا يراه احد بانه عدوان وعصيان ولا ننسى ان الاسلام غايته من ذكر جرائم بني اسرائيل ليس استنكاره منهم فقط بل ايضا تحذيره للمسلمين ان يصيبهم ما اصاب بني اسرائيل في ارتكاب الجرائم والعصيان.

والرسول ص وآله يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فان لم يقدر فبلسانه فان لم يقدر فبقلبه والابتعاد عن اهله ـ والا كان شريكا لهم في الوزر والاثم) فان لم يفعلوا ذلك استحقوا اللعنة كما استحقها بنو اسرائيل لتركهم ذلك. (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)

لقد كان اليهود يتولون عبدة الاصنام ويساعدونهم على حرب المسلمين ويقولون لهم انتم (أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) فلماذا اصبح المسلمون يفعلون

٤٦٦

مع الكافرين ما فعله بنو اسرائيل مع عبدة الاصنام. فيتولون اعداء الاسلام مع انهم يقرأون ماذا يقول الله عزوجل عن غيرهم حين تولوا الكافرين وقد ورد في الخبر عن سادة البشر : ان من رأى ما يغضب الله تعالى من المعاصي ولم يغضب لذلك استحق غضب الله عليه وكان شريكا لفاعل المعصية بالاثم.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦))

البيان : ان صيغة العبارة تحتمل ان تكون خطابا للرسول ص وآله وان تكون كذلك خطابا خاصا خرج مخرج العموم. لانه يتضمن امرا ظاهرا وهي صيغة لها نظائرها في الاسلوب القرآني. فاذا تقرر هذا فان الامر الذي يلفت النظر في صياغة العبارة. ان اليهود اشد عداوة للمسلمين حتى من عبدة الاصنام وهذا امر محسوس.

(وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى)

ان هذه الايات تصور لنا حالة شريفة لبعض اتباع عيسى (ع) ولا يجوز ان تكون لكاملهم والا لما بقي هناك نصارى مقابل مسلمين. لأن الذين تذكرهم الآية الشريفة اصبحوا مسلمين واعتنقوا الاسلام وصدقوا النبي ص وآله وزالت عنهم صفة النصارى وعنوانه الا بلحاظ ما كانوا عليه سابقا. وهذا أمر مقطوع انه ليس لجميع النصارى بل لبعضهم خاصة.

٤٦٧

يقول الامام الصادق (ع) هذه الآيات نزلت في النجاشي ملك الحبشة حينما هاجر المسلمون اليه من ظلم قريش وكان قائدهم جعفر بن ابي طالب (ع) وقد ارسلت قريش وفدا للنجاشي ليردهم اليهم بقيادة عمرو العاصي. وارسلوا اليه هدايا بالغة.

فارسل وراء جعفر وجماعته فسأله عما يذكر وفد قريش فجعل جعفر يشرح له حالهم مع قريش.

فقال : ايها الملك سلهم أعبيد نحن لهم. فقال عمرو العاص لا بل احرار كرام. فقال سلهم الهم علينا ديون يطالبوننا بها ـ فقال لا ـ فقال فلكم في أعناقنا دماءنا تطالبون بها. قال عمرو العاص : لا. فقال جعفر فما تريدون منا (آذيتمونا فخرجنا من بلادكم لنسلم من ظلمكم لنا قال عمرو : ايها الملك خالفوننا في ديننا وسبوا الهتنا وأفسدوا شبابنا. وفرقوا جماعتنا فردهم الينا لنجمع امرنا. فقال جعفر (ع) ايها الملك لقد خالفناهم حين بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الانداد وترك الاستقسام بالازلام. وأمرنا بالصلاة والزكاة وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حقها. وحرم الزنا والربا. والميتة والدم ولحم الخنزير.

وأمرنا بالعدل والاحسان وايتائى ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى بن مريم. ثم قال النجاشي يا جعفر تحفظ شيئا مما انزل الله على نبيكم قال نعم فقرء عليه سورة مريم. فلما بلغ الى قوله وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا) ..

فلما سمع النجاشي بهذا بكا بكاء شديدا. وقال هذا والله هو الحق. فقال عمرو العاص ايها الملك ان هذا مخالف لنا فرده الينا فرفع

٤٦٨

النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو. ثم قال اسكت والله لئن ذكرته بسوء لافقدنك نفسك. فقام عمرو العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو يقول ان كان هذا كما تقول ايها الملك. فانا لا نتعرض له وتمام القصة موجود فيما سبق. فانزل الله تعالى هذه الآيات في النجاشي وقد اسلم وكتم اسلامه بأمر من النبي ص وآله ورجع جعفر الى رسول الله يوم فتح خبير فقال ص وآله ما ادرى بأيهما انا أسر بفتح خبير ام بقدوم جعفر بن ابي طالب (ع) وبعث النجاشي الى النبي ص وآله جارية وهي مارية القبطية ام ولده ابراهيم. فكانت من خيار النساء (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩))

ـ البيان : روى ان امرأة عثمان بن مظعون دخلت على عائشة وكانت امرأة جميلة فقالت لها عائشة : مالي أراك متعطلة. فقالت ولمن أتزين. فو الله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا فانه قد ترهب ولبس المسوح وزهد في الدنيا. فلما دخل رسول الله ص وآله اخبرته عائشة بذلك فخرج فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال قوم يحرمون على أنفسهم الطيبات. اني أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس من امتي. فأخبره ابن مظعون بأنه حلف ان لا يقرب النساء فنزلت الآية. بعد ما

٤٦٩

تقدم ذكر الرهبان وكانوا قد حرموا على أنفسهم الطيبات فنهى الله المؤمنين عن ذلك :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣))

ـ البيان : لقد كانت الخمر والميسر والانصاب والازلام من معالم الحياة الجاهلية. ومن التقاليد المتغلغلة في المجتمع الجاهلي. وكانت كلها حزمة واحدة ذات ارتباط عميق في مزاولتها وفي كونها من سمات ذلك المجتمع وتقاليده. وكانوا يشربون الخمور بكثرة ويتفاخرون بشربها. وكان يلازم مجالس الشراب نحر الذبائح وتقديمها لشاربها. وكانت تنحر على الانصاب وهي الاصنام. وكانت الميسر ملازمة لذلك كله. وهي قداح يستقسمون بها. فقد يكون نصيب البعض بعض ذبيحة وقد يكون كامل الذبيحة.

ولم يكافح الاسلام هذه الامور من اول غرسته. انما بدأ الاسلام من عقدة النفس البشرية. عقدة العقيدة. وحين عرفوا بأن لهم آلها واحدا عظيما اذا قال للشيء كن فيكون.

وحين عرفوا اله الحق بدأت نفوسهم تستمع الى ما يحبه الله منهم وما يكرهه.

لقد كانت هذه هي المرحلة الثالثة في علاج مشكلة الخمر في المنهج الاسلامي وهي الحاسمة والاخيرة ، وقد تهيأت النفوس لها تهيؤا

٤٧٠

كاملا فلم يكن الا النهي حتى تتبعه الطاعة الفورية.

ولما نزلت آيات التحريم هذه في السنة الثالثة بعد وقعة أحد ، لم يحتج الامر الى أكثر من مناد في نوادي المدينة. (ألا أيها القوم ان الخمر قد حرمت) فمن كان في يده كأس فليحطمها. ومن كان في فمه جرعة فيلتفلها. وشقت زقاق الخمر والميسر والانصاب والازلام ، وانتهى كل شيء فهي دنسة لا ينطبق عليها وصف (الطيبات) التي أحلها الله ، وهي من عمل الشيطان. وفي هذه اللحظة يصدر النهي مصحوبا كذلك بالترغيب بالفلاح ـ وهي لمسة اخرى من لمسات الايحاء النفسي العميق ـ (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

فهذا يكشف للضمير الحي هدف الشيطان وغاية كيده وثمرة رجسه انه (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ). وهذه أهداف للشيطان غايته وقوع الناس فيها. فما يحتاج العاقل المؤمن لتجنب الخطر سوى الفات النظر فبمجرد ما يسمع صوتا ولو من الصداء بان أمامك خطرا هائلا ، فيلتفت فيدركه ويجزم بوجوده فورا يقفز مبتعدا عنه بأسرع ما يمكنه الابتعاد والحذر.

فكيف اذا كان هو الصد عن ذكر الله وعن الصلاة ـ يعني قطع صلته بالله عزوجل. وهكذا عندما تبلغ العاقل المؤمن حقيقة الاشارة الى هذه المخاطر الهائلة الى هدف الشيطان والحفر التي يريد أن يوقع عدوه الانسان المؤمن بها انها خسران هائل وخطر فظيع :

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)

٤٧١

انه التهديد في الوقوع بهذا الخطر الهائل عند الاهمال وعدم الاسراع في الابتعاد عن هذا الخطر انه قد يكون انفجار القنبلة الموقتة. وقد رآها بأم عينه فكيف يكون عاقلا عارفا بما ستؤول حاله ان هو تمهل في التجنب والابتعاد قبل الانفجار المدمر الفظيع.

انه المنهج الرباني الذي يطرق القلوب الحية ، والعقول المتفتحة الواعية للحذر في الوقوع في أشد الخطر والضرر والخسران خسران الدنيا والآخرة والسعادتين معا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥))

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)

اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠))

البيان : وتبدأ هذه الفقرة الاولى بالنداء المألوف (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تم يخبرهم انهم مقدمون على امتحان من الله وابتلاء في أمر الصيد الذي نهوا عنه وهم محرمون ، انه صيد سمال يسوقه الله اليهم ، ومما يحكى ان الله تعالى كان يسوق الصيد اليهم حتى يطوف حول

٤٧٢

خيامهم ، انه الامتحان والسعيد الفائز والشقي الراسب الساقط. انها الدنيا دار الامتحان بشهواتها ومصائبها وغرورها وزخارفها وشياطينها.

انه ذاك الاغراء السابق لبني اسرائيل في صيد البحر يوم سببتهم كانت تأتي الاسماك من ظهور البحار فتلعب بها الصبيان يوم سبتهم الذي حرم الله عليهم فيه الصيد. ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ولا يرون لها أثرا مهما فتشوا عليها حتى اعماق البحار انه الامتحان والاختبار ليتميز الخبيث من الطيب ، والمنافق من المؤمن المتيقن.

(لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) وهو بهم خبير عليم ، يعلم ما تكنه صدورهم ولكن هكذا أراد.

(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ـ (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).

فتعمد الاول يقبل منه الفداء والتوبة ليعفو ويصفح عنه واما اذا عاد فلا فدية ولا توبة بل يلازمه الغضب والانتقام. والشقاء والانقطاع ، والطرد والابتعاد نهائيا الى الابد.

(لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

ان المناسبة الحاضرة لذكر الخبيث والطيب في المقام ، هي المايز بين المؤمن الصحيح والمنافق بين المذعن المستسلم وبين المجرم المعاند المنحرف ، بين من يطيع الرحمن ، ومن يعبد الشيطان.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢))

البيان : كان بعضهم يكثر على رسول الله ص وآله من السؤال

٤٧٣

عن أشياء لم يتنزل فيها أمر أو نهي ، وقد يلح في طلب أمور ليست هي محل ابتلائه ، وفي حديث أنس عن النبي ص وآله

(فو الله لا تسألوني عن شيء الا اخبرتكم به مادمت في مقامي هذا فقام اليه : الرجل. فقال : اين مدخلي يا رسول الله قال : (النار) وقام الثاني فقال : اين انا يا رسول الله. فقال ص وآله له : (في النار) وكانوا يسألونه عن آبائهم وقد يكونون أبناء زنا فلا يرغب بفضحهم.

لقد جاء هذا القرآن لا يقرر عقيدة فحسب ، ولا ليشرع شريعة فحسب ، ولكن كذلك ليربي امة وينشىء مجتمعا صالحا أخلاقيا ، وهو هنا يعلمهم ادب السؤال وحدود البعث والبحث.

لذلك نهى الله الذين يسألون عن أشياء يسوؤهم الكشف عنها ولذا قال عمر ابن الخطاب بعد ذلك : انا يا رسول الله حديثوا عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا ...

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤))

البيان : ان القلب البشري اما أن يستقيم على فطرته التي فطره الله عليها فيعرف الهه الحقيقي الواحد الأوحد الموجود بذاته الواجد لجميع الموجودات ، والمخلوقات ، ويعترف له بوحدة العبودية ، ويستسلم لشرعه وحده ، ويرفض ربوبية من عداه فيرفض أن يتلقى شريعة من سواه.

واما ان يستقيم القلب البشري على فطرته هذه فيجد اليسر في الاتصال بربه عزوجل ويجد البساطة في طاعته وعبادته ، ويجد الوضوح في علاقاته به.

٤٧٤

واما أن يتيه في دروب الجاهلية والوثنية التي تلقاه في درب مظلمة فيتهاوى في حفر المتاهات المهلكة ، وحينئذ يعاني البلاء من عبودية شتى الارباب والالهة الزائفة.

ولقد جاء الاسلام بالتوحيد ليوحد السلطة التي تدين العباد وتحررهم من عبودية المخلوقات ، وجاء ليحرر الضمير الحي من أوهام الوثنية ، وليرد للعقل البشري كرامته ويطلقه من ربقة الالهة وطقوسها ، ومن ثم فقد حارب الوثنية في كل صورها وأشكالها. سواء في أعماق الضمير أم في شعائر العبادة أم في اوضاع الحياة ، وشرائع الحكم والنظام.

البحيرة من الابل يمنع درها للطواغيت (أي يحجز لبنها ويخصص لكهنة الالهة) والسائبة من الابل كانوا يسيبونها لطواغيتهم ، والوصيلة كانت الناقة تبكر بالانثى ثم تثنى بالانثى فيسمونها الوصيلة. (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ).

وهؤلاء كانوا اذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ، فاتبعوا ما شرعه العبيد ، وتركوا ما شرعه رب العبيد ورفضوا نداء التحرر من عبودية العبيد للعباد.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥))

البيان : ان هذه الآية الواحدة تقرر مبادىء اساسية في طبيعة الامة المسلمة وفي طبيعة علاقاتها بالامم الاخرى.

ان الامة المسلمة هي حزب الله ومن عداها من الامم فهم حزب الشيطان ، ومن ثم لا يقوم بينها وبين الامم الاخرى ولاء ، ولا تضامن ، لعدم وجود علاقة بينهما في عقيدة او مبدأ.

٤٧٥

وعلى الامة المسلمة أن تتضامن فيما بينها وان تتناصح وان تهتدي بهدي الله عزوجل. ثم لا يضيرها بعد ذلك ضلال غيرها من الناس مادامت هي على هدى الله وطاعته.

ولكن ليس معنى هذا أن تتخلى الامة المسلمة عن تكاليفها في الامر بالمعروف والنهي على المنكر والدعوة الى الاسلام وهداية الناس الى الحق المبين والصراط المستقيم ، وبسط شريعته على كافة أرضه ليكون الدين كله لله والسلطنة كلها لله والحكم كله لله دون سواه من الطواغيت

ان هذه الآية لا تسقط عن الفرد ولا عن الامة التبعة في كفاح الشر والفساد ومقاومة الضلال ومحاربة الطغيان ، نعم هي تقول ان المؤمن اذا أدى واجبه من جميع الجهات فلا يتحمل من أوزار غيره شيئا ، فعمله الصالح له ، وعمل غيره السيء لغيره وهو سالم من طبعته وعقابه ومن هنا ورد في الخبر عن رسول الله ص وآله انه قال :

(ان الناس اذا رأوا المنكر ولا يغيرونه ـ وهم قادرون عليه ـ عمهم الله بعقابه)

وقال ص وآله (اذا تركت أمتي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سلط الله عليها اشرارها)

(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨))

٤٧٦

البيان : هذا الحكم الذي تضمنته الآيات الثلاث : هو أن على من يحس بدنو أجله ويريد ان يوصي لأهله بما يحضره من المال ، او يوصي لنفسه من قضاء صلاة وصيام وحج وغير ذلك ان يحضر شاهدين عدلين من المسلمين ان كان في الحضر ويسلمهما ما يريد فعله بعد موته فان ارتاب المسلمون أو ارتاب الوراث في صدق ما يبلغه الشاهدان وفي أمانتهما في اداء ما استحفظا عليه فانهم يوقفوها بعد اداء الصلاة ليحلفا بالله ـ كما ذكرت الآية ـ

ثم يقول النص : ان هذه الاجراءات أضمن في اداء الشهادة بالحق (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ).

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩))

البيان : يوم يجمع الله الرسل الذين فرقهم في الزمان فذهب كل الى المكان الذي أرسل اليه والامة التي أرسلوا إليها.

انه الاستجواب المرهوب في يوم الحشر العظيم ، على مشهد الملأ الاعلى والناس أجمعين وانما يراد من هذا الاستجواب مواجهة المكذبين لرسل الله ، في ذلك العرض الاكبر ، ليعلن في موقف لاعلان أن هؤلاء الرسل الكرام انما جاؤوهم من عند الله. وان اممهم قد كذبوهم ولم يتبعوهم فيما أمروهم ، ويأتي الجواب من تلك الرسل الكرام لخالقهم العظيم :

(قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وذلك تأدبا بين يدي مولاهم الجليل.

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ

٤٧٧

الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١))

البيان : انها المواجهة بما كان من نعم الله على عيسى بن مريم وأمه ، من تأييده بروح القدس ـ والمراد به جبرائيل (ع) ـ انها النعم التي آتاها عيسى (ع) لتكون له شهادة وبينة على انه عبد مخلوق مطيع مذعن لخالقه ، وبالوقت نفسه تكون تلك الآيات تبرئة لامه من الدنس الذي يخشى أن ترمى به أو لتكذيب من رماها بالفجور ، وانها طاهرة نقية.

(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣)

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥))

البيان : يكشف لنا هذا الحوار عن طبيعة قوم عيسى ، المستخلصين منهم وهم الحواريون فاذا بينهم وبين أصحاب رسولنا ص وآله فرق بعيد.

انهم الحواريون الذين ألهمهم الله الايمان به وبرسوله عيسى (ع) فآمنوا وأشهدوا عيسى ومع هذا ، فهم بعد ما رأوا من معجزات

٤٧٨

عيسى (ع) ما رأوا فاذا هم يطلبون منه خارقة سخيفة من شأن الحيوانات التي همها بطونها ، وبها يشهدون بانه قد صدقهم في دعواه ،

واختلفت التأويلات في قولهم : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كيف سألوا بهذه الصيغة بعد ايمانهم بالله واشهاد عيسى (ع) على اسلامهم له ، بمعنى هل تملك أنت أن تدعو ربك لينزل علينا مائدة من السماء (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

ولكن الاغبياء كرروا الطلب معلنين عن علته وما يرجونه من ورائه) قال عزوجل :

(إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)

فهذا هو الجد اللائق بهؤلاء وبجلال الله عزوجل ، حتى لا يصبح طلب الخوارق تسلية ولهوا.

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦))

ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨))

البيان : ان الله تعالى يعلم ماذا قال عيسى (ع) للناس ، ولكنه الاستجواب الهائل الرهيب ، في يوم هائل رهيب ، وفي الاجابة عليه ما يزيد من بشاعة موقف المؤلهين له ويسرع الى التبرؤ المطلق : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)

٤٧٩

(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩))

البيان : انه التعقيب المناسب على كذب الكاذبين الذين اطلقوا تلك الفرية الضخمة على ذلك النبي الكريم في أعظم القضايا كافة ، وهي قضية الالوهية ، والعبودية التي يقوم على أساسها الحق فيها في هذا الوجود كله وما فيه ومن فيه.

هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، انها كلمة رب العالمين في ختام الاستجواب الهائل على مشهد من العالمين ، وهي الكلمة الحاسمة ومعها ذلك الجزاء لهم جنات تجري من تحتها الانهار).

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ) ختام يتناسق مع تلك القضية الكبرى التي أطلقت حولها تلك الفرية الضخمة ، في ذلك المشهد العظيم الذي ينفرد الله فيه بالعلم ويتفرد بالالوهية ـ لقد زالت ألوهية كل الالهة في ذلك اليوم الرهيب الهائل ـ

ويتفرد الله بالالوهية والقدرة وينيب اليه الرسل ، وهو الملك يحكم بين عباده بالعدل :

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)

٤٨٠