الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وبعبارة اخرى : إذا فرضنا الشيء في الواقع واجبا وقامت أمارة على تحريمه ، فان لم يحرّم ذلك الفعل لم يجب العمل بالأمارة ، وإن حرّم

______________________________________________________

الباطل عندكم.

(وبعبارة اخرى) يمكن تقرير هذا الاشكال ببيان آخر ، وهو : انه ان بقي الواقع والظاهر ، فهما حكمان متنافيان ، وهو غير معقول وإن محي الحكم الواقعي ، فهو تصويب وان بقي لكن بلا ملاك ، فهو خلاف رأي العدلية ، او مع الملاك فهو خلاف ما ذكرتم : من ان الحكم الظاهري يمحو مصلحة الواقع ، حيث ينال المكلّف المصلحة السلوكية ، الجابرة لمفسدة الواقع.

وعليه : ف(اذا فرضنا الشيء) كالظهر في المثال المتقدم (في الواقع واجبا ، وقامت أمارة على تحريمه) وعلى ان الواجب الجمعة فصار الظهر حراما لانه تشريع ، كما اذا صلّى الظهر وقت الصبح ، وقد دلّ الدليل : على انه لا يراد من المكلّف في الظهر صلاتان (فان لم يحرم ذلك الفعل) وهو الظهر(لم يجب العمل بالأمارة) اذ معنى وجوب العمل بالأمارة : ان لا يأتي بالظهر ، لانه حرام حسب الأمارة(وان حرم) الظهر ، فذلك اما بسبب المصلحة السلوكيّة ، او بدون المصلحة السلوكيّة ، وعلى كلّ حال : فامّا ان يبقى الحكم الواقعي ، او لا يبقى فهذه اربع صور :

فعلى الأوّل : وهو اشتمال الحكم الظاهري على المصلحة ، مع بقاء الحكم الواقعي ، يلزم منه اجتماع حكمين متضادين وهذا غير معقول.

وعلى الثاني : وهو انتفاء الحكم الواقعي وبقاء الحكم الظاهري فقط ، وهو تصويب باطل.

وعلى الثالث : وهو عدم اشتمال الحكم الظاهري على المصلحة ، مع بقاء

٨١

فان بقي الوجوب لزم اجتماع الحكمين المتضادّين ، وإن انتفى ثبت انتفاء الحكم الواقعيّ».

ففيه : انّ المراد بالحكم الواقعيّ الذي يلزم بقائه هو الحكم المتعيّن المتعلّق بالعباد الذي تحكي عنه الأمارة ويتعلّق به العلم والظنّ

______________________________________________________

الحكم الواقعي ، وهو مستلزم ، اولا : اجتماع الحكمين.

وثانيا : كون الحكم الظاهري بلا ملاك.

وثالثا : تفويت مصلحة الواقع.

وعلى الرابع : وهو عدم اشتمال الحكم الظاهري على المصلحة مع انتفاء الحكم الواقعي ، وهو مستلزم للتصويب ، بالاضافة إلى انه كيف يشرّع الحكم الظاهري بدون المصلحة؟

والحاصل : (فان بقي الوجوب) للواقع (لزم اجتماع الحكمين المتضادّين) من الوجوب للظهر في الواقع ، والحرمة له في الظاهر(وان انتفى) الوجوب للواقع (ثبت انتفاء الحكم الواقعي) وهو التصويب.

(ففيه :) ان الحكم الواقعي يبقى على حاله من الواقعيّة والمصلحة ، وفي الظاهر ليس حكم ، بل تنجيز أو اعذار ، وله مصلحة سلوكية ، وأي مانع من ذلك؟.

وعليه : فلم يلزم : اجتماع الحكمين ، ولا خلو الحكم الواقع عن المصلحة ، ولا عدم تدارك المولى لمن عمل بالظاهر ، ف(ان المراد بالحكم الواقعي ، الّذي يلزم بقائه) عند المخطئة ، فيما لو لم تصل الأمارة اليه (هو الحكم) ذو المصلحة(المتعيّن) عند الله (المتعلق بالعباد) جميعا ، وهو عارض لذات الظهر ، مع قطع النظر عن علم المكلّف او جهله ، وهذا الحكم الواقعي هو (الّذي تحكي عنه الأمارة ويتعلق به العلم) تارة(والظنّ) أخرى بسبب وصول الخبر اليه ، او وصول

٨٢

وأمر السفراء بتبليغه ، وإن لم يلزم امتثاله فعلا في حقّ من قامت عنده أمارة على خلافه إلّا أنّه يكفي في كونه حكمه الواقعيّ أنّه لا يعذر فيه إذا كان عالما به او جاهلا مقصّرا ، والرخصة في تركه عقلا ، كما في الجاهل القاصر ، او شرعا ، كمن قامت عنده أمارة معتبرة على خلافه.

______________________________________________________

الظنّ الانسدادي ، وتارة لا يعلمه الانسان ولا يظنه ، بل يشك فيه ، او يتوهّمه ، او يجهل به جهلا مركبا(و) الله تعالى (امر السفراء) عليهم‌السلام (بتبليغه) وانزل القرآن لبيانه (وان لم يلزم امتثاله فعلا ، في حقّ من) جهله و (قامت عنده أمارة على خلافه) كمن قامت الأمارة لديه على وجوب الجمعة ، لا الظهر.

لا يقال : فما هي فائدة هذا الحكم الواقعي ، الّذي لا يتمكن المكلّف من اطاعته ، بسبب قيام الأمارة على خلافه؟.

لانه يقال : ان الحكم الواقعي باق في الواقع (الّا انه يكفي في كونه حكمه الواقعي انه) اي المكلّف (لا يعذر فيه) اذا تركه (اذا كان عالما به) من الأوّل ، أو بانكشاف الخلاف بعد اتيان الظاهري ، للزوم الاعادة ، أو القضاء ، أو الكفارة(او) كان (جاهلا مقصرا) فان الجاهل المقصر ليس بمعذور ، كما دلّ عليه النصّ والفتوى (و) من آثار كونه حكما واقعيا(الرخصة) من الشارع (في تركه عقلا) وشرعا(كما في الجاهل القاصر) حيث لا يعقل تكليفه ، ومعنى «الرخصة» : انه ليس بمكلّف به (أو شرعا) وان لم يكن عقلا ، لان العقل كان يلزم الفحص والاحتياط(كمن قامت عنده أمارة معتبرة) عند الشرع (على خلافه) اي خلاف ذلك الحكم الواقعي.

وان شئت قلت : ان الحكم تابع للمصلحة وحيث توجد المصلحة يوجد

٨٣

وممّا ذكرنا يظهر حال الأمارة على الموضوعات الخارجيّة ، فانّها من القسم الثالث.

______________________________________________________

الحكم ، فان وصل المكلّف اليه علما ، او ظنّا خاصّا ، او عامّا ، فهو ، وان لم يصل اليه تقصيرا عوقب عليه ، لانه كان متمكنا منه وان لم يصل اليه قصورا ، كان معذورا.

لكن مع ذلك يبقى سؤال وهو : انه لما ذا ينشئ المولى الحكم لهذا الجاهل القاصر ، الّذي لا اثر له اصلا ، لا في الدّنيا : لانه لم يعرفه قصورا ، ولا في الآخرة : لانه ليس يعاقب عليه ، وكذلك حال الموضوع الّذي لم يعرفه المكلّف ، ليأتي بحكمه ، فمن تيقنت بان زوجها ميت ولا يعرف الزوج الثاني ، ولا المرأة ، ولا ايّ احد آخر ، حياته ، لا حالا ولا مستقبلا ، فان قلتم : انها محرمة على الازواج قلنا : ما فائدة هذا التحريم؟ وان قلتم : انها غير محرمة ، لزم ان لا يكون لها حكم التحريم ، وهو شعبة من التصويب ، لكن الّذي يهون الخطب ان التصويب الباطل هو : ان لا يكون للكلّ حكم اصلا في الواقع ، او ان يكون حكم ، لكن يتغير بتغيّر رأي الفقيه.

امّا هذا القسم الّذي ذكرناه في الجهل القصوري بالحكم ، او بالموضوع ، فلم يعدّه احد من التصويب.

(وممّا ذكرناه) من الأمارة على الاحكام الشرعية(يظهر حال الأمارة على الموضوعات الخارجيّة) فاذا قامت الأمارة على ان هندا زوجة زيد ، والحال انّها في الواقع زوجة عمرو (فانها) اي الأمارة على الموضوع باجماع المخطئة ، تكون (من القسم الثالث) لا من التصويب القسم الأوّل او الثاني.

٨٤

والحاصل : أنّ المراد بالحكم الواقعيّ هو مدلولات الخطابات الواقعيّة الغير المقيّدة بعلم المكلّفين ولا بعدم قيام الأمارة على خلافها ، لها آثار عقليّة وشرعيّة يترتّب عليها عند العلم بها او قيام أمارة حكم الشارع بوجوب البناء على كون مؤدّاها هو الواقع ، نعم ، هذه ليست أحكاما فعليّة بمجرّد وجودها الواقعي.

وتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ ما ذكره ابن قبة ـ من استحالة التعبّد

______________________________________________________

(والحاصل : ان المراد بالحكم الواقعي) الّذي يفحص عنه الفقيه (هو مدلولات الخطابات الواقعية) الّتي جاءت الخطابات لاجل بيانها ، وتلك الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة(غير المقيدة) تلك المدلولات (بعلم المكلفين) فانهم سواء علموها او لم يعلموها ، كانت تلك الاحكام (ولا) مقيدة(بعدم قيام الأمارة على خلافها) فانه سواء قامت الأمارة او لم تقم على خلافها ، فهي احكام واقعيّة و (لها آثار عقليّة) كوجوب الاطاعة ان علم ، او وجوب الاحتياط ، وحرمة المعصية كذلك (وشرعية) كوجوب القضاء والاعادة ، والكفارة في بعض الصور ، و (يترتب عليها) اي على تلك الاحكام (عند العلم بها ، او قيام أمارة) عليها ، او وجوب الاحتياط فيها(حكم الشارع) والعقل (بوجوب) سلوكها و (البناء على كون مؤدّاها) اي مؤدّى هذه الأمارات (هو الواقع) ان قلنا بلزوم الموافقة الالتزاميّة.

(نعم ، هذه) الاحكام الواقعيّة(ليست احكاما فعليّة) يطالب بها المولى المكلّف (بمجرد وجودها الواقعي) بل انّما يطلبها المولى تنجيزا اذا علم بها المكلّف ، او قام بها ظنّ خاصّ او عام ، او لزم الاحتياط فيها.

(و) قد(تلخّص من جميع ما ذكرناه : ان ما ذكره ابن قبة : من استحالة التعبد

٨٥

بخبر الواحد او بمطلق الأمارة الغير العلميّة ـ ممنوع على إطلاقه ، وإنّما يقبح ، إذا ورد التعبّد على بعض الوجوه ، كما تقدّم تفصيل ذلك.

ثمّ إنّه ربما ينسب الى بعض : «إيجاب التعبّد بخبر الواحد او بمطلق الأمارة على الله تعالى ، بمعنى قبح تركه منه» ، في مقابل قول ابن قبة.

______________________________________________________

بخبر الواحد ، او بمطلق الأمارة غير العلمية) كالاجماع ، والشهرة ، والسيرة ، والشهادة والسوق ، واليد ، وغيرها ، من حيث انها جميعا متحدة في الملاك ، سواء في الموضوعات او الاحكام ، وان فيها تفويت المصلحة او الالقاء في المفسدة وكلاهما قبيح (ممنوع على اطلاقه) فالتعبد لا يستحيل في جميع الفروض (وانّما يقبح اذا ورد التعبد) بما لا يعلم (على بعض الوجوه) وهو : انه اذا لم يكن امر أهم ، ومن ذلك الامر الأهم ، ما اذا تداركه المولى بالمصلحة السلوكيّة(كما تقدّم تفصيل ذلك) فيما مضى : من ان الواقع موجود ، وانه يبقى على ما هو عليه ، سواء وافقه الطريق او خالفه ، وانه لا يستلزم من ذلك لا جمع النقيضين ، ولا التصويب الباطل.

(ثم انه ربّما ينسب إلى بعض) (١) العامة : (ايجاب التعبد بخبر الواحد ، او بمطلق الأمارة) الّتي تكشف عن الواقع كشفا عرفيا(على الله تعالى) والوجوب على الله (بمعنى : قبح تركه) اي ترك التعبد(منه) تعالى ، واستدلّوا لذلك : بانّه لو لا التعبد ، لزم وقوع الناس في ضدّ المصلحة والمفسدة ، وايقاع الله تعالى الناس في ذلك قبيح وهذا القول (في مقابل قول ابن قبة) القائل باستحالة التعبد

__________________

(١) ـ ذلك البعض كابن الشريح وابي الحسين البصري عن الميرزا محمد حسن الآشتياني بحر الفوائد : ج ١ ص ٧٦.

٨٦

فان أريد به وجوب إمضاء حكم العقل بالعمل به عند عدم التمكّن من العلم وبقاء التكليف ، فحسن.

وإن أراد وجوب الجعل بالخصوص في حال الانسداد ، فممنوع ، إذ جعل الطريق بعد انسداد باب العلم إنّما يجب عليه اذا لم يكن هناك طريق عقليّ وهو الظنّ ،

______________________________________________________

عليه سبحانه.

(فان اريد به) اي بوجوب التعبد عليه تعالى (: وجوب امضاء) الشارع (حكم العقل بالعمل به) اي بالطريق المؤدّي إلى الواقع عند العرف كخبر الواحد ، ونحوه (عند عدم التمكن من العلم ، وبقاء التكليف) وتعسر أو تعذر الاحتياط ، وعدم طريق آخر يساوي الاصابة مع الخبر ، او يكون اقل اصابة من الخبر ، حيث ان العقل في هذه الصورة ، وبهذه الشروط ، يرى : حجّية الظنّ خاصّا كان او عامّا ، فالواجب عليه تعالى ـ عقلا ـ امضاء ما يراه العقل (فحسن) لما تقدّم وجهه في جواب ابن قبة.

(وان اراد) القائل بالوجوب عليه تعالى : (وجوب الجعل بالخصوص ، في حال الانسداد) بما له من مقدمات يذكرها المصنّف فيما بعد(فممنوع) هذا الوجوب عليه تعالى (اذ جعل الطريق) منه تعالى (بعد انسداد باب العلم ، انّما يجب عليه) تعالى (اذا لم يكن هناك) بحكم العقل (طريق عقلي ، وهو : الظن) وهذا ما يسمّى ب : «الظن على الحكومة» وذلك لانه اذا دلّ العقل على حجّية الظنّ ، لم يبق داع إلى جعل الشارع ، فان المولى يجب عليه الارشاد إلى الطريق ، اذا لم يدل العقل على الطريق ، امّا اذا دلّ العقل عليه ، فايّ وجوب عقلي هذا يدعو المولى إلى الجعل والامضاء؟.

٨٧

إلّا أن يكون لبعض الظنون في نظره خصوصيّة.

وإن أراد حكم صورة الانفتاح : فان أراد وجوب التعبّد العينيّ ،

______________________________________________________

لا يقال : اذا حكم العقل ، حكم الشرع ايضا ، للملازمة.

لانه يقال : لا ملازمة في باب الاطاعة والمعصية ، وانّما الملازمة في باب الاسباب ، ولذا قالوا : بانها في سلسلة العلل ، لا المعاليل ، كما ذكرناه في بحث الانسداد من «الاصول» (١).

وعلى ايّ ، لم يحتج الشارع إلى جعل الطريق ، ولا امضائه ، بعد حكم العقل بالطريق (الّا ان يكون لبعض الظنون في نظره) اي نظر الشارع (خصوصية) سلبية ، بان لا يريدها الشارع فيمنع عنها ، كما منع من الظن القياسي في حال الانسداد ـ على المشهور ـ او فيها خصوصية ايجابية ، بان يراها أفضل من سائر الظنون ، كما اذا رأى الشارع ان الظنّ الاقوى سببا ، او نحو ذلك أفضل من الظنّ الاضعف ، فاللازم عليه : ان يستثني الظنّ القياسي ، او الظنّ الضعيف ، في حال الانسداد.

(وان اراد :) هذا القائل بوجوب التعبد على الشارع (حكم صورة الانفتاح) اي انفتاح باب العلم أو العلمي ، كما عليه مشهور الاصوليين ، حيث ذهبوا الى انفتاح باب العلم والعلمي الى الاحكام ، حتى في عصر غيبة الامام عليه‌السلام ، وذهب بعض إلى انسداد باب العلم والعلمي ، وقال : بلزوم اتباع الظنّ ويسمّى ذلك بالظنّ الانسدادي ، ومن هؤلاء صاحب القوانين.

(فان اراد : وجوب التعبد العيني) مقابل التعبد التخييري ـ بأن يقول الشارع ـ

__________________

(١) ـ للمزيد راجع كتاب الاصول الجزء السادس ، الأدلّة العقلية ، بحث الانسداد ، للشارح.

٨٨

فهو غلط ، لجواز تحصيل العلم معه قطعا ، وإن أراد وجوب التعبّد به تخييرا ، فهو ممّا لا يدركه العقل ، إذ لا يعلم العقل بوجود مصلحة في الأمارة يتدارك بها مصلحة الواقع التي تفوت بالعمل بالأمارة ، اللهم إلّا أن يكون في تحصيل العلم حرج يلزم في العقل رفع إيجابه بنصب أمارة هي أقرب من غيرها إلى الواقع

______________________________________________________

في صورة الانفتاح : يجب عليك العمل بالأمارة وحدها ، ولا يجوز لك تحصيل العلم بالواقع (فهو غلط) لانه من اين هذا الوجوب العيني؟ (لجواز تحصيل العلم معه قطعا) اي مع الانفتاح فانك اذا تمكنت من تحصيل العلم : بطريق النجف ، وتمكنت ايضا ان تسأل اهل الخبرة عن الطريق ، فهل يعقل ان يقول المولى لك : لا تحصل العلم ، بل اسأل اهل الخبرة ـ فيما اذا لم يكن هناك محذور في تحصيل العلم؟.

(وان اراد) القائل بوجوب التعبد في حال الانفتاح : (وجوب التعبد به) اي بالظن (تخييرا) بينه وبين العلم ، كأن يقول الشارع : انت مخير بين تحصيل العلم بالاحكام ، وبين ان تعمل حسب الأمارة(فهو ممّا لا يدركه العقل) ولا يتوصل اليه فمن اين يقول العقل على الشارع : ان يخيّر المكلّف بين العلم أو الأمارة؟ (اذ لا يعلم العقل بوجود مصلحة في الأمارة ، يتدارك بها مصلحة الواقع ، الّتي تفوت بالعمل بالأمارة) ثمّ ما هو الملزم لجعل الأمارة في حال الانفتاح ـ مع قطع النظر عن تدارك المصلحة وعدم تداركها.

نعم ، ان قال البصري وشريح : «امكن» لكان لقولهم وجه ، لكنهما قالا : «يجب» (اللهم الّا ان يكون) استفادتهم الوجوب ، لان (في تحصيل العلم حرج) والشارع لا يريد الحرج ، ف(يلزم في) موازين (العقل رفع ايجابه) ورفع

٨٩

او أصحّ في نظر الشارع من غيرها في مقام البدليّة عن الواقع ، وإلّا فيكفي إمضاؤه للعمل بمطلق الظنّ ، كصورة الانسداد.

ثمّ إذا تبيّن

______________________________________________________

الحرج يكون امّا(بنصب أمارة ، هي اقرب من غيرها) من الأمارات (إلى الواقع) من حيث الكم ، كخبر الثقة فانه أقرب إلى الواقع ، من خبر من لم يعرف بفسق ولا فسوق ، حيث ان خبر الثقة نصفه يطابق الواقع بينما خبر من لم يعرف لا يطابق منه الّا الثلث ـ مثلا ـ.

(او اصح) من حيث الكيف ، كما في كل واحد من : خبر الثقة ، والمجهول الوثاقة ، فانه يطابق نصفهما ، الواقع ، لكن خبر الثقة أصح حيث ان الصلاة لو فرضنا انها ذات عشرة اجزاء فخبر الثقة يصل إلى تسعة اجزاء منها ، بينما خبر المجهول يصل إلى ثمانية اجزاء منها ، فان الكمّ بالنسبة إلى الواقع وان كان متحدا ، الّا ان كيف الثقة احسن من كيف المجهول ، فيقدّم الثقة(في نظر الشارع من غيرها) كالخبر المجهول في مثالنا(في مقام البدليّة عن الواقع) الّذي هو الحكم الأوّلي.

(والّا) بان لم يكن لبعض الأمارات مزيّة في نظر الشارع ، لا من جهة الكمّ ، ولا من جهة الكيف ، بل كانت في نظره متساوية من جميع الجهات (فيكفي) الشارع في رفع حرج تحصيل العلم ـ على المكلّف ـ (امضاؤه للعمل بمطلق الظنّ) الّذي يحكم العقل به ، بل قد تقدّم انه لا يحتاج إلى الامضاء ايضا(كصورة الانسداد) اذ الواجب على الشارع بيان الاحكام ، امّا الطرق اليها ، فالعرف هو المكلّف بتحصيلها ، كسائر الموالي ، حيث يبيّنون الاحكام دون الطرق ، الّا اذا أرادوا طرقا خاصة.

(ثم اذا تبيّن) الكلام في المقام الأوّل ، وهو مقام امكان التعبد ، أو وجوبه ، أو

٩٠

المقام الثاني

عدم استحالة تعبّد الشارع بغير العلم وعدم القبح فيه ولا في تركه ، فيقع الكلام في : المقام الثاني : في وقوع التعبّد به في الأحكام الشرعيّة مطلقا او في الجملة ، وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من تأسيس الأصل الذي يكون عليه المعوّل عند عدم الدليل على وقوع التعبّد بغير العلم مطلقا او

______________________________________________________

استحالته ، وذلك على ما قررنا من : (عدم استحالة تعبد الشارع بغير العلم ، وعدم القبح فيه) كما ادعاه ابن قبة(ولا في تركه) التعبد ، كما تقدّم عن بعض العامّة(ف) بعد بطلان الرأيين ، وثبوت الامكان وجودا وعدما(يقع الكلام في المقام الثاني) اي : (في وقوع التعبد به في الاحكام الشرعية مطلقا) سواء اورث الظنّ ام لا(او في الجملة) اي فيما اورث الظنّ الشخصي او النوعي.

والحاصل : هل الشارع تعبّدنا بالظنّ ، ام لا؟.

وعلى تقدير التعبد ، هل تعبّد بما اورث الظنّ مطلقا ، او بما اورث ظنّا خاصّا؟.

(وقبل الخوض) والدخول (في ذلك) البحث وهو : هل تعبد ام لا؟ وعلى تقديره ، اطلق التعبد ، او خصّصه ببعض الأمارات؟ (لا بد من تأسيس الاصل) في انه اذا لم نعلم بتعبد الشارع بأمارة ـ كالشهرة ـ مثلا ـ فهل الاصل حرمة العمل بتلك الأمارة ، او حلّية العمل بها؟ فان مثل هذا الاصل هو (الّذي يكون عليه المعوّل) والاعتماد(عند عدم الدليل) عقلا : كما في الظن الانسدادي على الحكومة ، أو شرعا كما في الظنّ الانسدادي على الكشف وكذا في الظنون الخاصة ، فانه اذا لم يكن دليل (على وقوع التعبد بغير العلم) و : «بغير العلم» قيد توضيحي ، لانه لا يمكن التعبد بالعلم ، فان العلم ـ كما مرّ في مباحث القطع ـ لا يمكن اثباته ولا اسقاطه (مطلقا) وهو قيد لعدم الدليل بأن لم يكن دليل مطلقا(او) لم يكن

٩١

في الجملة ، فنقول :

التعبّد بالظنّ ، الذي لم يدلّ على التعبّد به دليل محرّم بالأدلّة الأربعة.

______________________________________________________

دليل (في الجملة).

ففي الأوّل : ما هو الاصل في كلّ ما لم يعلم دليل على التعبد به؟.

وفي الثاني : فيما لم يعلم التعبد به ، وان علم التعبد ببعض الاشياء ، كما اذا علم ـ مثلا ـ التعبد بالخبر الواحد ، ولم يعلم التعبد بالشهرة ، فما هو الاصل في الشهرة؟ هل يتعبد فيه بالظنّ أم لا؟.

(فنقول :) ان جماعة من العلماء : كالوحيد البهبهاني وصاحب الرياض قدس‌سرهما قالا : ان العمل بالظن ، من دون دليل حرام ذاتي كشرب الخمر ، واكل لحم الخنزير.

لكن المشهور قالوا : بالحرمة التشريعيّة ، اي الادخال في الدّين ما لم يعلم كونه من الدّين ـ وسيأتي الفرق بين القولين ـ فاذا لم يعلم الانسان ان الشارع اوجب الدعاء عند رؤية الهلال ، ثم دعا ناسبا ذلك إلى الشارع ، كان تشريعا محرما.

وعليه : ف(التعبّد) من المكلّف (بالظنّ) ظنّا مطلقا ، لم يقم على حجّيته دليل الانسداد ، او ظنّا خاصّا ، كالشهرة ـ مثلا ـ كذلك فان (الّذي لم يدل على التعبد به) من الشارع (دليل) فهو تشريع (محرم بالادلّة الاربعة :) الكتاب ، والسنة والاجماع ، والعقل.

لا يقال : العقل لا مدخلية له في الاحكام ، ف «ان دين الله لا يصاب بالعقول» (١).

لانه يقال : العقل اذا اكتشف حكم الله كشفا قطعيّا ، كان حجة ، لانه احد

__________________

(١) ـ كمال الدين : ص ٣٢٤ ح ٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٣٠٣ ب ٣٤ ح ٤١ ، مستدرك الوسائل : ج ١٧ ص ٢٦٢ ب ٦ ح ٢١٢٨٩.

٩٢

ويكفي من الكتاب قوله تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ، دلّ على أنّ ما ليس باذن من الله من إسناد الحكم الى الشارع فهو افتراء ؛

______________________________________________________

الحجّتين الذين جعلهما الله تعالى ، فهو حجّة باطنة ، كما انّ الأنبياء حجّة ظاهرة.

المراد من : «إنّ دين الله لا يصاب بالعقول» (١) غير المورد الّذي ذكرناه ، فان مثل كشف العقل : عن حرمة سبّ الابوين ، من قوله سبحانه : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(٢) ، يكون حجة ، فيكون حراما شرعا ، إلى غير ذلك.

والحاصل : انّ ما يراه العقل قبيحا بحيث يمنع من النقيض ، يكون حراما ، او حسنا بحيث يمنع من النقيض يكون واجبا ، أو قبيحا لا يمنع من النقيض يكون مكروها ، أو حسنا كذلك ، يكون مستحبا ، للتلازم بين حكم العقل والشرع في سلسلة العلل ـ كما تقدّم الإلماع اليه ـ.

(ويكفي من الكتاب) الحكيم (قوله تعالى) في ذم الّذين حرّموا بعض ما احلّ الله : ((قُلْ)) لهم يا رسول الله ((آللهُ أَذِنَ لَكُمْ)) واعلمكم انه حرام؟ ((أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)) (٣)؟.

فتحكمون بالحرمة من دون دليل من الله تعالى.

فقد(دلّ) مضمون الآية المباركة(على ان ما ليس باذن) صريح (من الله ، من اسناد الحكم إلى الشارع) و «من» بمعنى : التبعيض ، وفيه اشارة إلى ان ذلك : أحد مصاديق اسناد الحكم إلى الشارع بدون العلم (فهو افتراء) لانه نسبة بدون

__________________

(١) ـ كمال الدين : ص ٣٢٤ ح ٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١٧ ص ٢٦٢ ب ٦ ح ٢١٢٨٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٣٠٣ ب ٣٤ ح ٤١.

(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ٢٣.

(٣) ـ سورة يونس : الآية ٥٩.

٩٣

ومن السنّة قوله عليه‌السلام ، في عداد القضاة من أهل النار : «ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم».

______________________________________________________

العلم ، كما اذا قال أحد : فعل زيد كذا ، وهو لا يعلم انه فعله ، او : قال زيد كذا ، وهو لا يعلم انه قاله ، إلى غير ذلك.

ولا يخفى : ان بين الكذب والافتراء عموما مطلقا حيث الكذب اعمّ من الافتراء.

(و) يكفي (من السنة : قوله عليه‌السلام في عداد القضاة من اهل النار : ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم).

فقد قال الصادق عليه‌السلام : «القضاة اربعة : ثلاثة في النار ، وواحد في الجنة :

رجل قضى بجور وهو يعلم ، فهو في النار.

ورجل قضى بجور وهو لا يعلم انّه قضى بجور ، فهو في النار.

ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم ، فهو في النار.

ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنة» (١).

ولا يخفى : ان ما ذكره الإمام عليه‌السلام هو : رءوس الاقسام والّا فالقضاء قد يكون بالحق ، وقد يكون بالجور ، والقاضي في كلّ من الاثنين اما يعلم الوجود او العدم ، او لا يعلم ، ومن لا يعلم ، اما قاصر او مقصّر.

وعلى ايّ حال : فاذا كان العمل بدون العلم مستوجبا للنار ـ وان كان مطابقا للواقع ـ فالنسبة بدون العلم كذلك ، لوحدة الملاك عرفا ، وقد ادّعى بعضهم : ان الآيات الدّالة على حرمة النسبة بدون العلم مائة آية ، والروايات خمسمائة رواية.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٤٠٧ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٢ ب ٤ ح ٣٣١٠٥.

٩٤

ومن الاجماع ما ادّعاه الفريد البهبهانيّ ، في بعض رسائله ، من كون عدم الجواز بديهيّا عند العوامّ فضلا عن العلماء ؛ ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلّف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى ولو كان عن جهل مع التقصير.

______________________________________________________

(ومن الاجماع : ما ادّعاه الفريد البهبهاني في بعض رسائله : من كون عدم الجواز) وحرمة التعبّد بغير علم (بديهيّا عند العوام ، فضلا عن العلماء) فعدم الجواز من ضروريات الدّين.

(ومن العقل : تقبيح العقلاء) تقبيحا مانعا عن النقيض ، لكلّ (من يتكلف) بالقول او العمل (من قبل مولاه ، بما لا يعلم بوروده عن المولى) فاذا قال العبد :

قال المولى؟ كذا والحال انّه لا يعلم ، ان مولاه قال هذا القول ، ذمّه العقلاء وقبّحوه بما يستوجب عقاب المولى ، وللمولى ان يقول له : لما ذا نسبت إليّ ما لا تعلم انه قولي؟ وكذا اذا عمل العبد عملا ، ثم نسبه إلى مولاه ، وهو لا يعلم ان المولى اراده منه من دون فرق في الفعل والترك ، فاذا ترك العبد المشي في الليل ، ناسبا ذلك إلى المولى قبّحه العقلاء وذمّوه ، ورأوه مستحقا للعقاب اذا لم يعلم صحّة النسبة إلى المولى.

ثم اذا قطع العبد : بان المولى ، قال ذلك القول ، أو امر به ، او نهى عنه ، فنسبه اليه ، والحال : ان المولى لم يقله ، ولم يأمر به ولم ينه عنه ، فان كان العبد قد قصّر في مقدمات القطع ، كان معاقبا ايضا ، والّا لم يكن عليه عقاب بسبب جهله المركب ، الّذي لم يقصّر فيه ، وإلى هذا اشار المصنّف قدس‌سره بقوله : ـ

(ولو كان) تكلّف العبد بالنسبة إلى المولى (عن جهل) بان زعم ان المولى قاله لكن كان جهله (مع التقصير) لا مع القصور ، اذ الجاهل المقصر معاقب ، دون

٩٥

نعم ، قد يتوهم متوهّم أنّ الاحتياط من هذا القبيل.

وهو غلط واضح ، إذ فرق بين الالتزام بشيء من قبل المولى على انه منه مع عدم العلم بأنّه منه ، وبين الالتزام باتيانه لاحتمال كونه منه او رجاء كونه منه ، وشتّان ما بينهما ، لأنّ العقل يستقلّ بقبح الأوّل وحسن

______________________________________________________

الجاهل القاصر.

(نعم ، قد يتوهم متوهم : ان الاحتياط من هذا القبيل) فكما انه اذا دعا عند رؤية الهلال ناسبا ذلك إلى المولى ـ وهو لا يعلم ان المولى قاله ـ كان عمله قبيحا ، كذلك اذا أتى بدعاء الهلال احتياطا ، فكما ان الأوّل تشريع قبيح ، كذلك الثاني ، فكيف قال الفقهاء بجواز الاحتياط مع الجهل ، بل بحسنه؟.

(وهو) هذا التوهّم (غلط واضح اذ) لا يشبه الاحتياط التشريع بأيّ وجه ، بل هناك (فرق بين الالتزام بشيء) التزاما عمليّا ، اذ الالتزام القلبي بدون العمل وان كان قبيحا ، لكن لا حرمة له في غير اصول الدّين (من قبل المولى) بمعنى : ان يلتزم (على انه منه) اي من المولى (مع عدم العلم بانه منه) فكيف بما اذا علم انه ليس من المولى وعدم العلم شامل للظنّ والشكّ والوهم ، (وبين الالتزام باتيانه) بالشيء(لاحتمال كونه منه) اي من المولى (او رجاء

كونه منه).

قد يقال : ان الاحتمال : في الشكّ والوهم ، الرجاء : في الظنّ ، وقد يقال : بان كلّا من الثلاثة ، يمكن مع الرجاء وبدون الرجاء ، اذا الرجاء : حال تطلب خير يحتمله الانسان ، احتمالا مساويا ، او مرجوحا ، او راجحا.

(و) على ايّ حال : فانه (شتّان) اي بعد واسع (ما بينهما) اي بين النسبة والرجاء(لأنّ العقل يستقل بقبح الأوّل) وباستحقاق العبد العقاب عليه (وحسن

٩٦

الثاني.

والحاصل : أنّ المحرّم هو العمل بغير العلم متعبّدا به ومتديّنا به.

وأمّا العمل به من دون تعبّد بمقتضاه : فان كان لرجاء إدراك الواقع ،

______________________________________________________

الثاني) وهو الاحتياط ، وباستحقاق العبد المدح عليه ، بالاضافة إلى ان اطلاق ادلة الاحتياط شاملة لذلك.

وربّما يفرق بين قول من قال : بالحرمة الذاتيّة في العمل بما لا يعلم ، وبين من قال : بالحرمة التشريعيّة : بان الأوّل يرى الحرمة وان أتى به احتياطا ، بينما الثاني يرى الحرمة ، إلّا اذا أتى به احتياطا ، لكن هذا الفرق غير ظاهر الوجه.

(و) كيف كان : ف(الحاصل) من الفرق بين التشريع والاحتياط(: ان المحرم) من جهة التشريع (هو العمل بغير العلم ، متعبدا به) وناسبا له الى المولى

(ومتدينا به) أي جاعلا ذلك له دينا وطريقة في الحياة ، فان الدّين بمعنى :

الطريقة ، والتعبد : نسبة الشيء إلى المولى ، وان يأتي به العبد بصفة انّه عبد ، بينما التدين : جعل الشيء طريقا دينيا.

(وامّا العمل به ، من دون تعبّد بمقتضاه) ومن دون نسبة إلى المولى ، سواء في كلّ الاحكام الخمسة ، كأن يأتي بالشيء على انّه واجب شرعي ، او مستحب شرعي ، او مباح شرعي ، او انه لا يأتي على انه حرام ، او مكروه ، او مباح ، مع النسبة إلى الشرع.

(فان كان لرجاء ادراك الواقع) بان يغتسل غسل الجمعة يوم الاحد ـ حيث ورد دليل ضعيف بانه يؤتى به في كلّ ايام الاسبوع ـ او يدرك الواقع بدعائه عند رؤية الهلال ـ حيث اوجبه بعض ـ او يدرك الواقع بتركه التدخين ـ حيث حرّمه

٩٧

فهو حسن ما لم يعارضه احتياط آخر او لم يثبت من دليل آخر وجوب العمل على خلافه ، كما لو ظنّ الوجوب واقتضى الاستصحاب الحرمة ، فانّ الاتيان بالفعل محرّم وإن لم يكن على وجه التعبّد بوجوبه والتديّن به.

______________________________________________________

بعض ، وكرّهه بعض ـ وكذلك بالنسبة إلى المباح المحتمل فعلا او تركا(فهو حسن) لانه من مصاديق الاحتياط(ما لم يعارضه احتياط آخر ، او لم يثبت من دليل آخر : وجوب العمل على خلافه) فانه ليس من الاحتياط حينئذ.

(كما لو ظنّ الوجوب) بسبب شهرة ، او سيرة ، او ما اشبه ـ وقلنا بانهما ليسا بحجة ـ (واقتضى الاستصحاب الحرمة) حيث ان الاحتياط بالاتيان ، يعارض بالاحتياط الاقوى ، وهو : الاستصحاب ، وحينئذ لا يكون حسنا بل قبيحا ، لان الاستصحاب حجّة بخلاف الاحتمال المقابل له.

وربّما يتساوى الاحتياطان ، كما اذا كان الاحتياط في الصلاة الاتيان بالتسبيحات الاربع ثلاث مرّات ، لكن في آخر الوقت حيث الاحتياط بالثلاث ، يوجب خروج بعض الصلاة عن الوقت بتعارض الاحتياطان ـ على فرض عدم المرجّح ـ ويكون التخيير فلا احتياط في جانب.

وعلى أيّ : (ف) مثال المصنّف قدس‌سره يكشف عن (ان الاتيان بالفعل محرّم) وفي عكسه : واجب ، وانهما من تعارض الحجّة مع ما ليس بحجّة(وان لم يكن) الاتيان به (على وجه التعبّد بوجوبه والتّدين به) اذ الشارع بسبب الاستصحاب ألزم عدم الفعل ، فكيف يأتي به المكلّف برجاء ادراك الواقع ، او بدون ذلك ، بل بمجرد شهوة النفس وميل القلب؟ كمن لديه استصحاب بقاء زوجته في الحيض ، ثم يأتيها برجاء ادراك ثواب ليلة اوّل رمضان ، او بدون ذلك الرجاء بل لمجرد تشهّي النفس وميل القلب.

٩٨

وإن لم يكن لرجاء إدراك الواقع ، فان لزم منه طرح أصل دلّ الدليل على وجوب الأخذ به حتّى يعلم خلافه ، كان محرّما أيضا ، لأنّ فيه طرحا للأصل الواجب العمل ، كما فيما ذكر ، من مثال كون الظنّ بالوجوب على خلاف استصحاب التحريم ؛ وإن لم يلزم منه ذلك جاز العمل ، كما لو ظنّ بوجوب ما تردّد بين الحرمة والوجوب ،

______________________________________________________

(و) عليه : فانه (ان لم يكن) الاتيان به (لرجاء ادراك الواقع) بل لتشهي النفس ، وعدم المبالات بالاحكام (فان لزم منه) أي من اتيانه لا بقصد الرجاء(طرح اصل) من الاصول العملية ، او دليل اجتهادي قد(دلّ الدليل على وجوب الأخذ به ، حتّى يعلم خلافه) كما اذا دلّ الاستصحاب على حرمة الجمعة او قام خبر واحد صحيح عليها ، فان في الأوّل : اذا جاء بالجمعة طرح الاصل ، وفي الثاني : اذا جاء بها طرح الدليل المعتبر(كان محرّما ايضا) كما قلنا بالحرمة في الصورة الاولى ، وهي : النسبة إلى المولى من دون علم بان المولى قاله (لان فيه) أي في العمل المذكور(طرحا للاصل) او الدليل (الواجب العمل).

فان الاصل قد لا يجب العمل به ، كما اذا كان مستصحب الطهارة ، فانّ له ان لا يعتني به ويتوضأ ، وكذلك اذا قام الشاهد على انه صلّى فانّ له ان لا يعتني به ويصلّي ثانيا(كما فيما ذكر من مثال : كون الظنّ بالوجوب على خلاف استصحاب التحريم) او قيام الخبر على التحريم.

(وان لم يلزم منه) أي من العمل تشهيا(ذلك) الّذي قلناه : من طرح اصل ، او دليل قد ألزم العمل بهما شرعا(جاز العمل) على خلاف الاصل والدليل ، اذا لم يلزم العمل بهما فرضا.

(كما لو ظنّ بوجوب ما تردد بين الحرمة والوجوب) فاذا ذهب بعض الامّة

٩٩

فانّ الالتزام بطرف الوجوب ، لا على أنه حكم الله المعيّن جائز ، لكن في تسمية هذا عملا بالظنّ مسامحة ، وكذا في تسمية الأخذ به من باب الاحتياط.

______________________________________________________

ـ مثلا ـ : إلى وجوب الجمعة ، وبعضهم : إلى حرمتها ، فالذي يظنّ بالوجوب ويأتي بالجمعة ، لم يكن فعله محرّما ، لانه مردد بين الفعل والترك ، ظنّ بالوجوب ام لا.

وكما اذا تردّد بين انّها محلوفة الوطي او الترك ، ووطأ لظنه الوجوب ، فانّه لم يفعل حراما(فان الالتزام) العملي من المكلّف المردد(بطرف الوجوب) والاتيان بالفعل (لا على انه حكم الله المعيّن) في حقّه ، بل اشتهاء(جائز).

والحاصل : ان الاقسام ثلاثة :

الأوّل : ان يأتي به تعبدا واستنادا إلى الشارع ، فهذا حرام مطلقا ، كان في قباله اصل او دليل ، او لم يكن.

الثاني : أن يأتي به برجاء المطلوبيّة ، ولم يكن في قباله دليل معتبر ، فهذا جائز ، امّا اذا كان في قباله دليل معتبر يمنع من الاتيان به ، لم يكن جائزا.

الثالث : ان يأتي به لا بقصد التعبد ، ولا رجاء ، بل تشهيا.

(لكن في تسمية هذا) العمل بالامارة غير العلمية ، بدون رجاء ادراك الواقع (عملا بالظنّ ، مسامحة ، وكذا في تسمية الأخذ به من باب الاحتياط) اذ العمل بالظنّ عبارة عن التعبد به ، واما مجرد انطباق العمل على وفق الظنّ بدون الاستناد ، سواء كان العمل من باب الاحتياط ، او من باب التشهي ، فلا يسمّى من العمل بالظنّ الّا من باب المشابهة ، لان هذا العمل شبيه بالعمل بالظنّ ، لا انه عمل بالظنّ ، كما اذا عمل انسان مثل عمل انسان آخر ، لا من باب التقليد والمحاكاة ، بل من باب انّه فعله لهدف أراده ، فانه لا يسمّى تقليدا ومحاكاة الّا من باب المجاز.

١٠٠