الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

هذا مع أنّه لا يعرف الحقيقة عن المجاز بمجرّد قول اللغويّ ، كما اعترف به المستدلّ في بعض كلماته ، فلا ينفع في تشخيص الظواهر.

______________________________________________________

مع انّ سائق هذه الوسائل شخص واحد ، بدون التعدّد والعدالة غالبا ، إلى غير ذلك من رجوع العقلاء ، بل والمتشرعة إلى الواحد من أهل الخبرة.

أمّا ما يشاهد من مراجعة الفقهاء إلى المتعدد من اللغويين ، عند ارادتهم الاستنباط ، فهو من وجه الاتقان.

بل يؤيد عدم لزوم التعدد : رجوع المتشرّعة وسائر العقلاء ، إلى قاض واحد ، في الدماء والاموال والفروج. ورجوعهم إلى فقيه واحد ، في مطلق الفتاوى.

وكذلك رجوع المتنازعين إلى محام واحد ، في الاستفادة من كلامه ، بالنسبة إلى قضيته ، مع وضوح وجود الخطر الكبير ، دينا ودنيا في الرجوع إلى امثال اولئك ، لانّ مصير الانسان ومسيره ، وعرضه ، وماله ، ودمه ، متوقف عليهم.

(هذا مع انّه لا يعرف الحقيقة عن المجاز ، بمجرّد قول اللغوي ، كما اعترف به المستدلّ في بعض كلماته) فانّه وان ذكر : حجّية قول اللغوي من باب الظنّ الخاصّ ، لكن كلامه : بعدم معرفة الحقيقة عن المجاز في أقوال اللغويين ، يناقض ذلك (فلا ينفع) قولهم (في تشخيص الظواهر).

فانّ اللغويين ، لا يعيّنون الحقيقة عن المجاز ، حتّى يحمل اللفظ على حقيقته عند الاطلاق ، وانّما عادتهم انّهم يذكرون : مجرد موارد الاستعمال ، سواء كان حقيقة ، أو مجازا.

لكن فيه : انّ الظاهر : انّهم يذكرون الحقيقة فقط ، واذا ذكروا مجازا جاءوا معه بالقرينة ، ولذا لا تجدهم يذكرون حتّى أظهر المجازات في معاني الألفاظ.

مثلا : لا يذكرون في معنى الأسد الرجل الشجاع ، ولا يذكرون في معنى القمر :

٣٢١

فالانصاف : أنّ الرجوع إلى أهل اللغة مع عدم اجتماع شروط الشهادة : إمّا في مقامات يحصل العلم بالمستعمل فيه من مجرّد ذكر لغويّ واحد او أزيد له على وجه يعلم كونه من المسلّمات عند أهل اللغة ، كما قد يحصل العلم بالمسألة الفقهيّة من إرسال جماعة لها إرسال المسلّمات ؛ وإمّا في مقامات يتسامح فيها ،

______________________________________________________

الشخص الجميل ، ولا يذكرون في معنى البحر : الشخص الكريم ، إلى غيرها ، مع انّها من اظهر المجازات.

(فالانصاف) عند المصنّف قدس‌سره (: انّ الرجوع إلى أهل اللغة ، مع عدم اجتماع شروط الشهادة) انّما يكون في ثلاثة موارد فقط ، وليس في كلّ مكان ، كما ذكره جماعة لادّعائهم بانّ قول اللغوي حجّة مطلقا ، وهي كما يلي :

أولا : (أمّا في مقامات يحصل العلم) فيها(بالمستعمل فيه ، من مجرّد ذكر لغوي واحد ، او أزيد) من واحد(له) أي للمعنى ، وذلك لمناسبات حاليّة أو مقاليّة ، يقطع الانسان منها ، بأنّ المعنى لهذا اللفظ ، هو هذا الّذي ذكره اللغوي لانّه (على وجه يعلم كونه من المسلّمات عند أهل اللغة) أو من المسلّمات عند أهل العرف ، من أهل اللّسان الّذي ينقل اللغوي المعنى لكلامهم ، (كما قد يحصل العلم بالمسألة الفقهية من ارسال جماعة) أو فرد(لها) أي : لتلك المسألة(ارسال المسلّمات) فاذا قال الشهيدان : ـ مثلا ـ الحكم كذا ، بلا ريب ، أو بلا اشكال ، أو بانّه ما ذكره المعصومون عليهم‌السلام ، أو غير ذلك ، فانّ الانسان الّذي يراجع كلامهما يحصل له العلم بتلك المسألة الفقهيّة ، بسبب هذه القرائن المقالية.

ثانيا : وقد تكون القرائن مقاميّة ، كما في قوله ، (وامّا في مقامات يتسامح فيها ،

٣٢٢

لعدم التكليف الشرعيّ بتحصيل العلم بالمعنى اللغويّ ، كما إذا اريد تفسير خطبة او رواية لا تتعلّق بتكليف شرعيّ ،

وإمّا في مقام انسدّ فيه طريق العلم ولا بدّ من العمل ، فيعمل بالظنّ بالحكم الشرعيّ المستند بقول أهل اللغة.

ولا يتوهّم : «أنّ طرح قول اللغويّ الغير المفيد للعلم

______________________________________________________

لعدم التكليف الشرعي بتحصيل العلم بالمعنى اللّغوي ، كما اذا أريد تفسير خطبة ، أو رواية ، لا تتعلّق بتكليف شرعي) او تفسير قصّة من قصص القرآن الحكيم ، أو غير ذلك ، فانّها حيث لا تحتاج إلى العلم ، لا يهمّ ان لا يحصل للانسان العلم ، أو ما هو بمنزلته من الحجّة الشرعيّة.

ثالثا : (وامّا في مقام انسدّ فيه طريق العلم ، ولا بدّ من العمل) كما اذا وجب عليه التيمّم بالصعيد ، ولا يعلم المراد منه ، ولا بدّ له من العمل والتيمّم في حين انّه لم يكن التراب عنده حاضرا ، فانّه يتيمّم بالحجر ، أو الرمل ، أو ما اشبه ذلك ، والّا بان كان يمكن له الاحتياط بالجمع بين الأمرين ، أو الأخذ بالقدر المتيقّن ـ مثلا ـ فلا يجوز له أن يعمل بقول اللغوي ، الّذي لم يحصل له العلم منه ، لعدم الانسداد بالنسبة اليه ، من جهة تمكنه من الأخذ بالقدر المتيقّن ، أو من الاحتياط.

امّا غير المتمكن (فيعمل بالظنّ بالحكم الشرعي المستند بقول أهل اللغة).

(و) لا يقال : انّا اذا طرحنا قول اللغوي ، لزم عدم فهم الكتاب والسنّة ، لانّهما مستندان إلى اللغة ، واللغة تعرف من قول اللغوي ، فاذا سقط قول اللغوي لم نفهم الكتاب والسنّة ، فدليل الانسداد ، يدلّ على حجيّة قول اللغوي من باب الظنّ المطلق وان سلمنا انّه ليس بحجّة ، من باب الظنّ الخاصّ.

لانّه يقال : (لا يتوهّم ، انّ طرح قول اللّغوي غير المفيد للعلم) أي : طرحه

٣٢٣

في ألفاظ الكتاب والسنّة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام.

لاندفاع ذلك : بأنّ أكثر موارد اللغات إلّا ما شذّ وندر ـ كلفظ الصعيد ونحوه ـ معلوم من العرف واللغة ، كما لا يخفى ، والمتبع في الهيئات

______________________________________________________

(في الفاظ الكتاب والسنّة ، مستلزم لانسداد طريق الاستنباط ، في غالب الأحكام) فاللازم ان نأخذ بقول اللغوي من باب الانسداد ، وان لم نأخذ بقوله ، لحجّيته من باب الظنّ الخاصّ (لاندفاع ذلك : بأنّ أكثر موارد اللّغات ، الّا ما شذّ وندر ، كلفظ الصعيد ونحوه ، معلوم من العرف واللّغة ، كما لا يخفى) ، فموارد طرح قول اللغوي شاذ ، أو نادر ، والفرق بين الشاذّ والنادر : أنّ الشاذ : ما ليس على الموازين ، والنادر : ما كان على الموازين ، لكن يندر استعماله ، ومن المعلوم : انّ في الموارد القليلة الشاذّة ، أو النادرة ، اذا لم نأخذ بقول اللغوي ـ ممّا ينجرّ إلى الاحتياط ، أو الاستصحاب ، أو البراءة ، أو التخيير ـ لا يوجب الخروج عن الدّين الّذي هو من مقدمات دليل الانسداد ، كما يأتي تفصيل الكلام فيه.

كما انّه لو استلزم الاحتياط ، فانّه لا يكون من الاحتياط المرفوع لعسره وحرجه الّذي هو ايضا من مقدمات الانسداد.

(و) انّ قلت : انّ ما ذكرتم : من ندرة أو شذوذ الالفاظ غير الظاهرة المعنى ، وان تمّ فلا انسداد لباب العلم في المفردات ، بل اللازم تحصيل العلم بمعانيها ، إلّا ان المركّبات الّتي تعطي معاني زائدة عن المفردات ، لا علم بمعانيها ، فللازم ان نقول : بحجّية قول اللغوي فيها ، امّا من باب الظنّ الخاصّ ، أو من باب الظنّ الانسدادي.

قلت : (المتبع في الهيئات) أي هيئات المشتقّات ، والمركبات ، ونحوهما

٣٢٤

هي القواعد العربيّة المستفادة من الاستقراء القطعيّ ، واتّفاق أهل العربية او التبادر بضميمة أصالة عدم القرينة ، فانّه قد يثبت به الوضع الأصليّ الموجود في الحقائق ، كما في صيغة «افعل» او الجملة الشرطيّة او الوصفيّة.

ومن هنا يتمسّكون ـ في إثبات مفهوم الوصف بفهم

______________________________________________________

(هي : القواعد العربية المستفادة من الاستقراء القطعي ، واتفاق أهل العربية) من اللغويين ، والادباء وأهل البلاغة ونحوهم ، حيث انّ الهيئات منتشرة في هذه الكتب ، ذكروا معانيها وخصوصياتها ، وقد اخذ الاصوليون جملة منها ، وذكروها ، كمفهوم الشرط ، ومفهوم الوصف ، ومفهوم الغاية ، ودليل الاقتضاء ، ونحوها.

(أو التبادر) لمن كان من أهل اللغة(بضميمة اصالة عدم القرينة) فقد تقدّم حجيّة اصالة عدم القرينة ، سواء كانت القرينة المحتملة ، مقاميّة ، أو مقاليّة(فانّه قد يثبت به الوضع الاصلي ، الموجود في الحقائق) اللفظية ، (كما في صيغة افعل) أو لا تفعل (أو الجملة الشرطيّة ، أو الوصفيّة) أو الغائيّة ، أو دلالة الاقتضاء ، أو الجملة الّتي فيها العدد ، ونحو ذلك ، فانّا اذا رأينا انّ أهل اللّسان ، يفهمون من الأمر : الوجوب ، ومن النهي : الحرمة ، ومن الشرط : انتفاء المشروط بانتفائه ، ومن الوصف : كذلك وهكذا من الغاية ، والعدد ، ورأينا انّ صدق الكلام ، أو صحته ، منوط بدلالة الاقتضاء ، وشككنا انّهم هل يفهمون هذه المعاني ، من نفس هذه الهيئات ، أو من القرائن الخارجية ، وما إلى ذلك؟ اجرينا اصالة عدم القرينة ، وبذلك يثبت : انّ هذه الهيئة ، حقيقة في هذا المعنى لانّه طريق أهل اللسان.

(ومن هنا يتمسكون) أي : الفقهاء(في اثبات مفهوم الوصف ، بفهم

٣٢٥

أبي عبيدة في حديث : «ليّ الواجد» ونحوه غيره من موارد الاستشهاد ـ بفهم أهل اللسان ، وقد يثبت به الوضع

______________________________________________________

أبي عبيدة ، في حديث : «ليّ الواجد) يحل عقوبته وحبسه» (١) وهذا حديث مروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختلفا ، فقد روي تارة باللّفظ الّذي ذكرناه ، واخرى بهذا اللفظ : «ليّ الواجد يحل عقوبته وعرضه» (٢) ، ومعناه : انّ من قدر على أداء دينه وأخّره عن وقته ، جاز عقوبته وهتكه ، بأن يقال له : يا مسوّف ، ويا فاعل الحرام ، ويا عاصي الله ، وما اشبه.

وليّ : مصدر لوى يلوي ، بمعنى : انّه اذا طولب أعطى ظهره ، وانصرف بدون اجابة الطالب ، وأداء دينه.

والواجد : بمعنى المقتدر.

وقد قال ابو عبيدة : هذا الحديث ، يدلّ على انّ ليّ غير الواجد ، لا يحل عقوبته وعرضه.

واذا ضممنا إلى ذلك اصالة عدم القرينة الخارجية ، مقالية ، أو مقاميّة ، أفادا معا : مفهوم الشرط ، وأنّ العرف يستفاد من القرينة الشرطية مفهوما.

(ونحوه) أي نحو تمسّك أبي عبيدة(غيره ، من موارد الاستشهاد بفهم أهل اللّسان) كما يجدها المتتبع في كتب الادب ، والبلاغة ، ونحوها.

لا يخفى : انّه لو لا مفهوم الوصف ، لامكن ـ أيضا ـ ان يستفاد الحكم المذكور من قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ ، فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)(٣).

(وقد يثبت به) أي : بالتبادر ، بضميمة اصالة عدم القرينة الخاصة ، (الوضع

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٣٣٤ ب ٨ ح ٢٣٧٩٢ ، مجمع البحرين : مادة «لوا».

(٢) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٧٢ ح ٤٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٩ ص ٧٠.

(٣) ـ سورة البقرة : الآية ٢٨٠.

٣٢٦

بالمعنى الأعم الثابت في المجازات المكتنفة بالقرائن المقاميّة ، كما يدّعى أنّ الأمر عقيب الحظر بنفسه مجرّدا عن القرينة يتبادر منه مجرّد رفع الحظر دون الايجاب والالزام ، واحتمال كونه لأجل قرينة خاصة يدفع بالأصل ، فيثبت به كونه لأجل القرينة العامّة ، وهي الوقوع في مقام رفع الحظر ، فيثبت بذلك ظهور ثانويّ لصيغة «افعل» بواسطة القرينة الكليّة.

______________________________________________________

بالمعنى الأعمّ) والمراد بالوضع بالمعنى : الاعمّ ، أعمّ من الوضع التعييني أو التعيّني ، الحقيقي أو المجازي ، لأنّ للمجازات أيضا أوضاعا(الثابت في المجازات المكتنفة بالقرائن) العامّة(المقاميّة ، كما يدعى : انّ الامر عقيب الحظر بنفسه) أي : (مجردا عن القرينة) الخاصّة(يتبادر منه : مجرّد رفع الحظر ، دون الايجاب والالزام) مثل قوله سبحانه : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(١) ، فان كون الأمر عقيب الحظر ، بنفسه قرينة على عدم الايجاب ، وكذلك النهي بعد الوجوب ، (واحتمال كونه لاجل قرينة خاصة ، يدفع بالاصل ، فيثبت به كونه لاجل القرينة العامّة ، وهي : الوقوع) النهي بعد الوجوب (في مقام رفع الحظر) فاذا رأينا أنّ اهل اللسان يفهمون من هذه الهيئات هذه المعاني ضممنا ذلك إلى اصالة عدم قرينة خاصّة(فيثبت بذلك ظهور ثانوي لصيغة افعل) أو لا تفعل (بواسطة القرينة الكلّيّة) ، وهذا الظهور الثانوي بسبب القرينة العامّة ، أعمّ من أن يكون حقيقة عرفيّة ، كما ذهب اليه بعض في أمثال هذه الجمل ، أو مجازا لغويّا ، كما هو المشهور بين الادباء.

وعليه : فلا حاجة في فهم المعاني اللغويّة ، سواء كانت معاني حقيقية أو معاني مجازيّة ، مفردة ، أو مركّبة ، للرجوع إلى قول اللغوي ، الّذي لا يورث إلّا الظنّ ،

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٢.

٣٢٧

وبالجملة ، فالحاجة إلى قول اللغويّ الذي لا يحصل العلم بقوله ، لقلّة مواردها لا تصلح سببا للحكم باعتباره لأجل الحاجة.

نعم ، سيجيء أنّ كلّ من عمل بالظنّ في مطلق الأحكام الشرعية الفرعية يلزمه العمل بالظن بالحكم الناشئ من الظنّ بقول اللغويّ ، لكنّه لا يحتاج إلى دعوى انسداد باب العلم في اللغات ، بل العبرة

______________________________________________________

والظنّ ليس بحجّة ، فلا يحكم بحجيّة قول اللغوي بدون العدد والعدالة ، تمسّكا بانسداد باب العلم بالاحكام (وبالجملة ، فالحاجة إلى قول اللغويّ ، الّذي لا يحصل العلم بقوله لقلّة مواردها) أي : موارد الحاجة(لا تصلح سببا للحكم باعتباره) أي : باعتبار قول اللغوي (لأجل الحاجة) والظرف في قوله : «لاجل» متعلق بقوله : «سببا» أي : لا يكون سببا من جهة الحاجة إلى قولهم.

اقول : لكنّك قد عرفت الاشكال فيما ذهب اليه المصنّف ، وان تبعه جماعة من الفحول.

(نعم ، سيجيء) في مبحث الانسداد(: انّ كلّ من) قال بانسداد باب العلم بالاحكام ، كالمحقق القمّي ، وغيره و (عمل بالظنّ في مطلق الاحكام الشرعيّة الفرعيّة ، يلزمه العمل بالظنّ بالحكم ، الناشئ من الظنّ بقول اللغوي) أيضا ، وذلك ، لأنّ الظنّ بقول اللغوي في هذه الحال ، صغرى من صغريات مبحث الانسداد ـ وقد عرفت انّ المراد بالظنّ : ليس الظنّ الناشئ من الامور الفرديّة ، بل المراد بالظنّ : الظنّ الناشئ من الامور النوعيّة ، ممّا يكون النوع يظنّ بسبب هذه الأمارة كالشهرة ، والاجماع ، وقول اللغوي ، وغير ذلك ـ وحينئذ فيجب العمل بهذا الظنّ لحجيّة مطلق الظن.

هذا ، و (لكنّه لا يحتاج إلى دعوى انسداد باب العلم في اللغات ، بل العبرة

٣٢٨

عنده بانسداد باب العلم في معظم الأحكام ، فانّه يوجب الرجوع إلى الظنّ بالحكم الحاصل من الظنّ باللغة وإن فرض انفتاح باب العلم فيما عدا هذا المورد من اللغات.

______________________________________________________

عنده) أي عند العالم الانسدادي (بانسداد باب العلم في معظم الاحكام) ، وحاصل هذا الوجه هو : انّ الانسداد في باب الأحكام ، يوجب حجّية قول اللغوي من باب الظنّ المطلق ، بخلاف ما ذكرناه سابقا من قولنا : «ولا يتوهّم : انّ طرح قول اللغوي» إلى آخره ، فانّه كان بمعنى : انّ الانسداد في باب اللغة يوجب حجيّة قول اللغوي ، من باب الظنّ الخاصّ ، وكذلك في باب الرجال ، فانّه قد نقول :

بحجيّة الظنون الرجاليّة من باب الانسداد في باب الرجال ، وقد نقول : بحجّيّتها من باب الانسداد ، في باب الاحكام ، وسيأتي تفصيل الكلام في محله ، ان شاء الله تعالى.

(فانّه) أي : الانسداد في اللغة(يوجب الرجوع إلى الظنّ بالحكم ، الحاصل من الظنّ باللغة) لانّ الانسداد في اللغة ، يوجب الانسداد في الاحكام ، لعدم فهمهم معاني الآيات والاخبار ، فهما بالعلم أو بالعلمي ـ كما يفرض في مقدمات الانسداد ـ.

وكذلك الانسداد في الرجال ، يوجب الانسداد في باب الاحكام على ما تقدّم في المثال.

حتّى (وان فرض انفتاح باب العلم ، فيما عدا هذا المورد من اللّغات) لما عرفت : من انّ العبرة في حجّية الظنّ المطلق ، انسداد باب العلم بمعظم الاحكام ، وان كان هناك انفتاح في غير المعظم.

والحاصل : انّ المصنّف لا يرى : حجّية قول اللغوي ؛ لانّه لا انسداد لباب العلم

٣٢٩

هذا ، ولكنّ الانصاف : أنّ موارد الحاجة إلى قول اللغويّين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول الأفراد المشكوكة او خروجها وإن كان المعنى في الجملة معلوما من دون مراجعة قول اللغويّ ، كما في مثل ألفاظ الوطن

______________________________________________________

إلّا في النادر من اللغات ، والانسداد في النادر لا يوجب الانسداد المطلق الّذي هو معيار حجّية الظنّ المطلق.

(هذا ، ولكن الانصاف انّ) ما تقدّم من جوابنا على : «ولا يتوهم : انّ طرح قول اللغوي ، غير المفيد للعلم في الفاظ الكتاب والسنّة ، مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الاحكام» إلى آخره ، ليس جوابا تاما ، بل التوهّم في محله.

لانّ (موارد) الانسداد و (الحاجة إلى قول اللغويين أكثر من ان يحصى في تفاصيل المعاني) دخولا وخروجا من جهة الافراد المشكوكة(بحيث يفهم دخول الأفراد المشكوكة ، أو خروجها) عن المعنى للالفاظ(وان كان المعنى في الجملة معلوما ، من دون مراجعة قول اللغوي).

والحاصل : انّ اللفظ وان كان معلوم المعنى في الجملة ، ولا نحتاج في معناه إلى قول اللغوي ، لكن هناك الفاظ كثيرة لا نعلم معانيها على التفصيل ، بحيث نحرز دخول الافراد المشكوكة في هذه المعاني أو خروجها عنها ، فنحتاج في تعيين حكمها إلى قول اللغوي.

(كما في مثل الفاظ : الوطن) الّذي يرتبط به حكم الصلاة والصوم ، فهل هو مختصّ بمسقط رأس الانسان ، أو يدخل فيه الوطن الاقتصادي؟ وهل يخرج منه المسقط بعد الإعراض ، أو لا يخرج بالإعراض ، فيكون الصلاة والصوم فيه تماما ـ مثلا ـ؟.

٣٣٠

والمفازة ، والتمر ، والفاكهة ، والكنز ، والمعدن ، والغوص ،

______________________________________________________

(والمفازة) من الاراضي الموات ، الّتي لا ماء فيها ، ولا عشب ، هل يدخل فيها ـ مثلا ـ ساحل البحر اذا نشف ماؤه؟ وهل يخرج منها اذا احاط بها الماء؟ إلى امثال ذلك ، من الافراد المشكوكة للمفازة المرتبط بها بعض الاحكام الشرعيّة ، كما روي فيمن لا يهتدي الى القبلة في مفازة : «يصلّي إلى اربع جوانب» (١) ، وفي اللقطة قال عليه‌السلام : «إن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ، ثمّ كله» (٢).

(والتمر) هل يدخل فيه الرطب ، والحشف ، أم لا؟. وهذا في باب الزكاة ونحوها(والفاكهة) هل يدخل فيها أمثال : الجوز ، واللوز ، وما اشبه ، حيث قد ورد في باب الأطعمة ، والأشربة روايات حول الفاكهة؟.

(والكنز) وهو : المال المذخور تحت الارض ، بقصد ، أو بدون قصد ، هل يدخل فيه ، ما يوجب في الصندوق ، والكوز ، وما اشبه؟ وهل يخرج منه ، ما ظهر من الارض ، لزوال التراب بزلزلة ونحوها ، أم لا ، حيث انّ الكنز مورد أحكام الخمس ونحوه؟.

(والمعدن) وهو ما كان في الارض ممّا كان أصله ارضا : كالقير والنفط ، والفيروزج ، والذهب ، وما اشبه ، هل يدخل فيه ما له منفعة عقلائيّة : كالطين الأرمني والجص ، ونحوهما ، حيث انّ المعدن موضع حكم الخمس ، وموضع حكم عدم جواز السجود عليه؟.

(والغوص) وهو : ما اخرج من الماء بالغوص ، هل يدخل فيه ما يؤخذ من

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٤ ص ٣١٠ ب ٨ ح ٥٢٣٥.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٥ ص ٤٤٤ ب ٢ ح ٣٢٣١٤.

٣٣١

وغير ذلك من متعلّقات الأحكام ممّا لا يحصى ، وإن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقف فيها محذورا ، ولعلّ هذا المقدار مع الاتفاقات المستفيضة كاف في المطلب ، فتأمل ، وسيتضح هذا زيادة على هذا إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

ساحل البحر ، أو عن سطح الماء ـ مثلا ـ حيث انّ الغوص فيه الخمس؟.

(وغير ذلك من متعلقات الأحكام ممّا لا يحصى) كآلة اللهو : هل تشمل كلّ آلة ، ليست لها فائدة عقلائيّة؟. والغناء : هل يشمل التصنيف؟.

والقمار : هل يشمل كلّ لعب بشيء ولو بدون مراهنة ، كلعب المحبس؟.

والماء : هل يشمل المياه الزاجية ، والكبريتية ، ونحوهما؟.

والآنية : في حرمة آنية الذهب والفضة ، هل تشمل ما له ثقب كالمصفاة ، او مثل الحب ، والكوز ، وما اشبه ذلك؟ الى غيرها(وان لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقّف فيها ، محذورا) والمراد بالمحذور : الخروج من الدّين اذا أجرينا البراءة ، أو الحرج الشديد والعسر الأكيد ، اذا أجرينا الاحتياط ، وهما من مقدّمات دليل الانسداد(ولعلّ هذا المقدار) من الانسداد(مع الاتفاقات المستفيضة) في حجّية قول اللغوي ، كما تقدّم عن السيد والسبزواري (كاف في المطلب) أي : في حجيّة قول اللّغوي.

وبهذا ظهر : انّ المصنّف رحمه‌الله ، يميل إلى انّ قول اللّغوي من الظنون الخاصّة ، كما استقربناه في أول المبحث.

(فتأمّل) ولعلّه اشارة إلى انّ الانسداد اذا لم يتمّ ، كما اشكلنا عليه سابقا لم ينفع في حجيّة قول اللّغوي انضمام الاجماع اليه (وسيتّضح هذا) أي : حجيّة الاجماع المنقول ، اذا انضم اليه اسباب أخر وعدم حجّيّته (زيادة على هذا إن شاء الله تعالى) في باب الاجماع.

٣٣٢

الاجماع المنقول

ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل الاجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممّن يقول باعتبار الخبر بالخصوص ،

______________________________________________________

الاجماع المنقول

فصل : قال المصنّف رحمهم‌الله : (ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل : الاجماع المنقول بخبر الواحد) كما اذا نقل الاجماع السيد المرتضى ، أو شيخ الطائفة ، أو صاحب الجواهر ، أو من أشبههم ، فانّ هذا الاجماع الّذي نقل بخبر واحد ، خارج عن اصالة حرمة العمل بالظنّ.

وهو اذا أورث القطع كان حجّة ولا كلام فيه ، وانّما الكلام فيما اذا أورث الظّنّ النوعي وذلك (عند كثير ممّن يقول باعتبار الخبر بالخصوص) لا عند من يقول باعتبار الخبر بالظنّ الانسدادي.

والاجماع على اربعة اقسام ، لأنّه قد يكون الاجماع محصّلا ، وقد يكون منقولا ، وكلّ منهما على قسمين : سمعي وبصري ، فالاقسام اربعة :

الأوّل : ما اذا تتّبع شخص افراد العلماء ، وسمع منهم باذنيه مباشرة فرأى انّ كلّ واحد منهم ، أفتى في مسألة كذا بحكم متّفق عليه بينهم ، حتّى يحصل له العلم بقول المعصوم ، من اتّفاق هؤلاء العلماء.

الثاني : ان يتتبّع اقوال العلماء في كتبهم ويرى فتاواهم ، وذلك بمقدار يحصل له الظنّ النوعي ، بقول المعصوم عليه‌السلام.

الثالث : ما اذا لم يتتبّع هو ، بل سمع اقوال العلماء الذين ادّعوا الاجماع ، بحيث حصل له تواتر الاجماعات.

٣٣٣

نظرا إلى أنّه من أفراده ، فيشمله أدلّته ، والمقصود من ذكره هنا ، مقدما على بيان الحال في الأخبار ، هو التعرّض للملازمة بين حجّيّة الخبر وحجّيته ، فنقول :

إنّ ظاهر أكثر القائلين باعتباره بالخصوص أنّ الدليل عليه هو الدليل على حجيّة خبر

______________________________________________________

الرابع : ان يرى ادّعاء الاجماع في قول بعض العلماء وكتبهم ، كشيخ الطائفة وغيره.

والكلام الآن في القسم الرابع ، فانّه قد ذهب جماعة من العلماء إلى حجيّة هذا القسم (نظرا إلى انّه من افراده) أي من افراد الخبر ، فكما انّ زرارة اذا حكى قول المعصوم ، وجب علينا اتّباعه ، كذلك اذا الشيخ ادّعى اجماع العلماء لزم اتّباعه ، وعليه : (فيشمله) أي : الاجماع المنقول ، (ادلّته) أي ادلّة الخبر ، فيكون للخبر فردان : الأوّل : رواية زرارة ، أو محمد بن مسلم ، أو من اشبههما.

والثاني : دعوى الشيخ ، أو السيد المرتضى أو من اشبههما ، الاجماع على مسألة.

(والمقصود من ذكره) أي : حجّيّة الاجماع (هنا ، مقدّما على بيان الحال في الاخبار) وانّ الخبر الواحد حجّة ، أو ليس بحجّة(هو التعرّض للملازمة بين حجّية الخبر ، وحجيّته) أي حجّية الاجماع ، وانّه هل بين الأمرين ملازمة ، حتّى اذا كان الخبر الواحد حجّة ، كان الاجماع المنقول ايضا حجّة ، او ليس بينهما ملازمة؟ (فنقول) في وجه التلازم بين حجّية الخبر الواحد ، وحجّية الاجماع المنقول : (أنّ ظاهر أكثر القائلين باعتباره) أي : باعتبار الاجماع المنقول (بالخصوص انّ الدّليل عليه) أي : الاجماع المنقول (هو : الدّليل على حجّية خبر

٣٣٤

العادل ، فهو عندهم كخبر صحيح عالي السند ، لأنّ مدّعي الاجماع يحكي مدلوله ويرويه عن الامام عليه‌السلام ، بلا واسطة ،

______________________________________________________

العادل ، فهو) أي : الاجماع المنقول (عندهم ، كخبر صحيح عالي السّند) ، والمراد بعالي السند : ما كان بلا واسطة إلى الامام ، أو كان بوسائط قليلة ، مثل : رواية زرارة عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، أو رواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام.

وانّما كان الاجماع المنقول كالخبر العالي السند(لانّ مدعي الاجماع) الّذي هو شخص عادل ، كشيخ الطائفة(يحكي مدلوله) أي مدلول الاجماع ، والمراد بمدلول الاجماع : ما يفيده الاجماع ، كما اذا قال : قام الاجماع على نجاسة ماء البئر ، فنجاسة ماء البئر هو مدلول الاجماع (ويرويه) أي يروي هذا المدلول (عن الامام عليه‌السلام بلا واسطة).

وانّما كان في خبر عالي السند : لانّ ناقل الاجماع ، كشيخ الطائفة ـ مثلا ـ رأى كلمات العلماء ، وكلماتهم حاكية عن قول المعصوم ، فلا واسطة بين كلماتهم وبين قول المعصوم ، أمّا رؤيته لكلماتهم ، فهو واضح حسّي ، وامّا حكاية أقوالهم عن قول المعصوم بلا واسطة : فلما سيأتي ـ انّ شاء الله ـ من دليل اللطف ، أو الحدس ، أو الدخول ، أو غير ذلك.

وعليه : فالاجماع المنقول ، خبر من الاخبار ، يشمله دليل حجيّة الخبر ـ كما سيأتي ـ بل جعله بعضهم أفضل من الخبر ، واستدل على حجيّته : بأنّ ناقل الاجماع ، يقطع المجمع عليه ، سندا ودلالة ، أمّا سندا : فلانّه يرى الفتاوى في كتب العلماء أو يسمعها منهم.

وأمّا دلالة : فلأنّ فتاواهم نصّ في مرادهم ، فاذا انضمّ إلى ذلك : الدخول ، أو

٣٣٥

ويدخل الاجماع ما يدخل الخبر من الأقسام ويلحقه ما يلحقه من الأحكام.

والذي يقوى في النظر هو عدم الملازمة بين حجّيّة الخبر وحجّيّة الاجماع المنقول ، وتوضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين :

______________________________________________________

الكشف ، أو اللّطف ، أو ما أشبه ، كان في الحجيّة أقوى من الخبر ، لأنّ اجماع العلماء ، يعطيه قوة ليس للخبر الواحد ، هذه القوة.

(ويدخل الاجماع ما يدخل الخبر من الاقسام) بناء على انّه من اقسام الخبر ـ فكما يكون الخبر صحيحا ، أو موثّقا ، أو ضعيفا ، أو ممدوحا ، كذلك يكون حال الاجماع ، فهو : امّا صحيح : ان كان ناقله اماميّا عادلا ، كشيخ الطائفة ، وامّا موثّق : ان كان ناقله ممدوحا لكنّه غير امامي ، وإمّا ضعيف : ان كان ناقله فاسقا. إلى غير ذلك من الاقسام الّتي ذكروها في الخبر ، فانّه اذا كان من صغريات الخبر(و) من افراده ، صحّ ان (يلحقه) أي : الاجماع المنقول (ما يلحقه) أي ما يلحق الخبر ، (من الأحكام) الّتي ذكروها في باب التعادل والتراجيح ، فيما اذا كان الاجماعان متعارضين ، حيث يأتي في التعارض التعادل احيانا ، والترجيح احيانا اخرى.

هذا هو حاصل ما يراه القائلون بحجّية الاجماع المنقول.

(و) لكن (الّذي يقوى في النّظر : هو عدم الملازمة بين حجّية الخبر ، وحجّية الاجماع المنقول) فاذا قلنا : بحجيّة الخبر ، لا يستلزم ذلك ان نقول : بحجّيّة الاجماع المنقول ، لانّ الاجماع المنقول ليس من صغريات الخبر(وتوضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين) : الأمر الأوّل : انّ ادلّة حجّية الخبر الواحد ، تدلّ على حجيّة الاخبار عن حسّ ، سواء كان حسّا مبصرا ، أو حسا مسموعا ، او حسّا مشموما ، او حسّا ملموسا ، أو حسّا مذوقا ، أو عن حدس بديهي ينتهي إلى الحسّ أيضا ، كالإخبار بشجاعة عليّ عليه‌السلام ، حيث انّها من التواتر الاجمالي ـ مثلا ـ بينما الاجماع

٣٣٦

الأوّل : إنّ الأدلّة الخاصّة التي أقاموها على حجّيّة خبر العادل لا تدلّ إلّا على حجّيّة الاخبار عن حسّ ، لأنّ العمدة من تلك الأدلّة هو الاتفاق الحاصل ، من عمل القدماء وأصحاب الأئمة عليهم‌السلام ومعلوم عدم شمولها إلّا للرواية المصطلحة ، وكذلك الأخبار الواردة في العمل بالروايات.

______________________________________________________

ليس اخبارا عن قول المعصوم عن حسّ ، ولا عن حدس ضروري.

الامر الثاني : انّ ناقل الاجماع ، يخبر عن قول الامام عليه‌السلام بطريق الحدس ، الّذي ليس بضروري ، كالحدس : بأنّ الدواء الفلاني ينفع لمرض كذا ، فيما لم يصل إلى العلم والقطع ، والحدس : بانّ المرض الكذائي حصل من السبب الفلاني ، فيما لم يصل إلى القطع أيضا إلى غير ذلك.

ويتحصّل من هذين الامرين ، عدم دخول نقل الاجماع تحت أدلّة الخبر ، وقد أشار المصنّف لتوضيح الامرين ، وقال :

(الأوّل : انّ الادلّة الخاصّة ، الّتي أقاموها على حجّية خبر العادل) من : الكتاب والسنّة ، والاجماع ، والعقل ، بل والسيرة ـ كما ذكروها ـ أيضا(لا تدلّ الّا على حجّيّة الاخبار عن حسّ) وقد عرفت : انّ الحسّ أعمّ من الحواس الخمس ، وذلك (لأنّ العمدة من تلك الأدلّة ، هو : الاتفاق الحاصل من عمل القدماء ، وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام) حيث انّهم عملوا بالضرورة بالخبر الواحد ، مع الواسطة وبلا واسطة ، فيكون هذا هو العمدة من بين الادلّة ، لكنها عند المصنّف مخدوشة في الجملة ، لما فيها من المناقشات ، الّتي يأتي ذكرها ، عند بحث حجيّة الخبر ، (ومعلوم عدم شمولها) أي : اعمال القدماء وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام (الّا للرّواية المصطلحة) اذ عملهم هذا لا يشمل الاجماع المنقول.

(وكذلك الاخبار الواردة في) لزوم (العمل بالروايات) كقوله عليه‌السلام : «لا عذر

٣٣٧

اللهم إلّا أن يدّعى أنّ المناط في وجوب العمل بالروايات هو كشفها عن الحكم الصادر عن المعصوم ، ولا يعتبر في ذلك حكاية ألفاظ الإمام عليه‌السلام ، ولذا يجوز النقل بالمعنى.

فاذا كان المناط كشف الروايات عن صدور معناها عن الامام عليه‌السلام ،

______________________________________________________

لاحد من موالينا ، في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا» (١) وغير ذلك ممّا يدلّ على حجيّة الخبر المرويّ عنهم عن حسّ ، ولا يشمل مثل الاجماع ، الّذي هو دليل حدسي ، (اللهمّ الّا ان يدّعى : انّ المناط في وجوب العمل بالرّوايات ، هو : كشفها) أي : كشف تلك الروايات كشفا ظنّيا(عن الحكم الصّادر عن المعصوم) عليه‌السلام ، وهذا المناط موجود أيضا في الاجماع المنقول.

(ولا يعتبر في ذلك) أي في لزوم العمل بها(حكاية الفاظ الامام عليه‌السلام) والاجماع أيضا كذلك ، فانّه لا يحكي عن الفاظ الإمام فيما اذا كان له قدر متيقّن ، وكذا اذا كان له معقد ، فهو أيضا ليس لفظ الإمام ، وانّما هو لفظ الفقيه الّذي استفاده من كلامه عليه‌السلام ـ فرضا ـ.

(ولذا) الّذي ذكرناه : من انّ المناط في حجّية الروايات المصطلحة ، هو : الكشف عن حكم الامام عليه‌السلام ـ لا نقل الفاظه ـ فهذا المناط موجود في الاجماع أيضا ، ولذلك (يجوز) في باب الاحاديث (النقل بالمعنى) بأن لا يذكر الراوي الفاظ الامام نصا وانّما يذكر معاني تلك الالفاظ.

وعليه : (فاذا كان المناط) في لزوم العمل بالروايات (كشف الرّوايات عن صدور معناها عن الإمام عليه‌السلام) من دون نظر إلى اللفظ الخاصّ

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٨ ب ٢ ح ٦١ وج ٢٧ ص ١٥٠ ب ١١ ح ٣٣٤٥٥ ، رجال الكشي : ص ٥٣٦ ، بحار الانوار : ج ٥ ص ٣١٨ ب ٤ ح ١٥.

٣٣٨

ولو بلفظ آخر والمفروض أنّ حكاية الاجماع أيضا حكاية حكم صادر عن المعصوم عليه‌السلام ، بهذه العبارة التي هي معقد الاجماع او بعبارة اخرى وجب العمل به.

لكن هذا المناط لو ثبت دلّ على حجّيّة الشهرة بل فتوى الفقيه إذا كشف عن صدور الحكم

______________________________________________________

(ولو) كان الصدور عن المعصوم (بلفظ آخر) غير اللفظ الّذي يرويه الرّاوي.

(والمفروض : انّ حكاية الاجماع ـ أيضا ـ حكاية حكم صادر عن المعصوم عليه‌السلام) سواء كان صدوره (بهذه العبارة ، الّتي هي معقد الاجماع) فيما اذا كان للاجماع لفظ خاصّ هو معقده (أو بعبارة اخرى) بان كان النقل بالمعنى وذلك فيما اذا لم يكن للاجماع معقد ، حيث يكون دليل لبّي ، وله قدر متيقّن ، فانّهم يقولون : انّه اذا كان للاجماع معقد ، كان حجّة مطلقا ، وأمّا اذا كان من قبيل الادلّة اللبيّة ، الّتي لا معقد لها ، فانّ القدر المتيقّن منها حجّة ، كالقدر المتيقّن من شجاعة عليّ عليه‌السلام ، الّذي اختلفت الالفاظ فيها ، فهي وان لم تكن كلّ واحدة واحدة حجّة ـ فرضا ـ ، لكنّها جملة تثبت انّه عليه‌السلام كان شجاعا.

إذن : فلوحدة المناط فيهما ، نقول : (وجب العمل به) أي : بالاجماع أيضا.

(لكن هذا المناط) غير ثابت عندهم ، اذ(لو ثبت دلّ على حجّية الشهرة) أيضا ، لانّ الشهرة أيضا ، كاشفة كشفا ظنيّا ، عن حكم المعصوم اذ كيف يكمن أن يذهب مشهور الفقهاء العدول المتّقون في نسبة حكم إلى الشارع ، بدون ان يكون قد وصل اليهم من المعصوم عليه‌السلام ما يدلّ على ذلك الحكم؟.

(بل فتوى الفقيه) الواحد أيضا حجّة(اذا كشف عن صدور الحكم) عن الامام عليه‌السلام لو لم نعلم انّه من استنباطاته ، أمّا اذا علمنا : انّه من استنباطاته ، لم يكن

٣٣٩

بعبارة الفتوى او بعبارة غيرها ، كما عمل بفتوى عليّ بن بابويه ، قدس‌سره ، لتنزيل فتواه منزلة روايته ، بل على حجّيّة مطلق الظنّ بالحكم الصادر عن الامام عليه‌السلام ، وسيجيء توضيح الحال إن شاء الله.

وأمّا الآيات ، فالعمدة فيها من حيث وضوح الدلالة هي آية النبأ.

______________________________________________________

كاشفا ، ثمّ انّ كشف الفتوى عن صدور الحكم منهم عليهم‌السلام أمّا يكون (بعبارة الفتوى) كأن يقول : ما أفتي به : كذا وكذا(أو بعبارة غيرها) أي : غير الفتوى ، بأن يقول : الحكم عندي كذا ، أو الموضوع الفلاني كذا ، أو ما اشبه ذلك (كما عمل بفتوى عليّ بن بابويه قدس‌سره ، لتنزيل فتواه منزلة روايته) لانّه : ـ كما ذكروا ـ ما كان يفتي الّا بعين الرواية ، أو بالنقل بالمعنى ، وهكذا بالنسبة إلى شيخ الطائفة قدس‌سره ، في كتاب النهاية ، بل وجملة من القدماء ، كما ثبت في علم الرجال.

(بل) لو ثبت انّ مناط حجّيّة الخبر هو : كشفه عن الحكم الصادر عن المعصوم عليه‌السلام ، ليشمل الاجماع ، دلّ (على حجّية مطلق الظنّ ، بالحكم الصّادر عن الامام عليه‌السلام) لأنّ المناط على ذلك : هو الكشف الظنّي ، وكلّ ظنّ كاشف على هذا ، بينما لا يقول بهذا احد في باب الانفتاح ، الّذي هو مفروض كلامنا.

نعم ، في باب الانسداد نقول بحجّيّة الاجماع المنقول ، وغير المنقول ، من باب مطلق الظنّ ، لكنّه ليس محل كلام من يقول بحجيّة الاجماع من باب مناط الخبر(وسيجيء توضيح الحال إن شاء الله) في خبر الواحد.

(وأمّا الآيات ، فالعمدة فيها من حيث وضوح الدّلالة) وقلّة الاشكالات عليها(هي آية النبأ) وهي قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ، أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ، فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١).

__________________

(١) ـ سورة الحجرات : الآية ٦.

٣٤٠