الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فانّ هذه الظواهر المتواترة حجّة للمشافهين بها ، فيشترك غير المشافهين ، فيتمّ المطلوب ، كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يعرف النظر فيما ذكره المحقق القمّي رحمه‌الله ، بعد ما ذكر من عدم حجيّة ظواهر الكتاب بالنسبة إلينا بالخصوص ، بقوله : «فان قلت : إنّ أخبار الثقلين

______________________________________________________

خصوصيّة ، بل كان اللازم أن يأمروا عليهم‌السلام بعرض الأخبار المتعارضة على كلّ ظنّ انسدادي ، وحيث ان هذه الأخبار متواترة قطعيّة سندا ، ونصّ دلالة ، نقطع بانّ ظواهر الكتاب ، حجّة من باب الظنّ الخاص للكل ، سواء كان مشافها ، أو غير مشافه.

(فانّ هذه الظواهر المتواترة) في الأخبار الواردة لعلاج المتعارضين (حجّة للمشافهين بها) قطعا ، لأن المشافهين كانوا يعملون بهذه الأخبار المتواترة ، في علاج الروايات المتعارضة ، ويعرضونها على القرآن الحكيم ، فاذا ثبت لأولئك المشافهين وجوب العرض على القرآن ، ثبت لنا أيضا وان كنا غير مشافهين لان جميع العباد مشتركون في هذا الأمر ، بلا اشكال ولا خلاف (فيشترك غير المشافهين) مع المشافهين في هذا الامر(فيتم المطلوب كما لا يخفى).

ثم ان المحقّق القمي ، أشكل على نفسه باشكال ، وأجاب بجواب لم يرتضه المصنّف قدس‌سره ، ولذا قال : (ومما ذكرنا) من انّا نقطع بتلك الأخبار المتواترة ، الدالة على عرض الاخبار على ظواهر الكتاب (يعرف النظر فيما ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله ، بعد ما ذكر من عدم حجيّة ظواهر الكتاب بالنسبة إلينا بالخصوص) أي من باب الظن الخاص وانّما ظواهر الكتاب حجة لنا ، من باب الظنّ بالانسداد.

وذلك (بقوله : فان قلت : إن أخبار الثقلين) أي الأخبار الواردة ، عن

٢٨١

يدلّ على كون ظاهر الكتاب حجّة لغير المشافهين بالخصوص.

فأجاب عنه : بأنّ رواية الثقلين غير ظاهرة في ذلك ، لاحتمال كون المراد التمسّك بالكتاب بعد ورود تفسيره عن الأئمة عليهم‌السلام ، كما يقوله الأخباريّون.

______________________________________________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القائلة : «أنّي تارك فيكم الثّقلين ، ما إن تمسّكتم بهما ، لن تضلّوا بعدي أبدا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (١) ، ظاهرة في حجيّة ظواهر الكتاب ، بالنسبة الى كل المسلمين ، سواء من كان منهم مشافها ، او لم يكن ، كان في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او لم يكن ، كما فيمن يأتي بعد ذلك ، الى يوم القيامة ، فانها ممّا(يدلّ على كون ظاهر الكتاب حجّة لغير المشافهين بالخصوص) أي من باب الظنّ الخاص ، لا من باب الظنّ الانسدادي ، كما يقوله المحقّق القمي.

(فأجاب عنه) أي عن هذا الاشكال بقوله : قلت : (بأن رواية الثقلين) وان كان سندها قطعيّا الّا انها(غير ظاهرة في ذلك) أي في حجيّة ظواهر الآيات ، بالنسبة الى غير المشافهين من باب الظنّ الخاص (لاحتمال كون المراد : التمسّك بالكتاب بعد ورود تفسيره عن الأئمة عليهم‌السلام ـ كما يقوله الاخباريون ـ) ، وعليه : فلم يثبت حجيّة ظواهر القرآن بالنسبة الى غير المشافهين ، كما أراده المستشكل ، فانه أراد : حجيّة ظواهر القرآن مجرّدة عن التفسير ، بالنسبة الى الغائبين عن مجلس الخطاب.

ثم قال المحقّق القميّ : فان قلت : نتمسّك بظاهر خبر الثقلين ، ونحكم بحجيّة

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٣٣ ب ٥ ح ٣٣١٤٤ وكذا راجع معاني الاخبار : ص ٩١ ، كمال الدين: ص ٢٤٧ ، ارشاد القلوب : ص ٣٤٠ ، كشف الغمة : ج ١ ص ٤٣ ، متشابه القرآن : ج ٢ ص ٣٥ ، المسائل الجارودية : ص ٤٢.

٢٨٢

وحجّيّة ظاهر رواية الثقلين بالنسبة إلينا مصادرة ، إذ لا فرق بين ظواهر الكتاب والسنّة في حقّ غير المشافهين بها».

وتوضيح النظر :

______________________________________________________

ظواهر الآيات لنا.

قلت : (وحجّية ظاهر رواية الثقلين بالنسبة الينا) نحن معاشر الغائبين (مصادرة ، اذ لا فرق بين ظواهر الكتاب والسنّة في حقّ غير المشافهين بها) (١) أي بالظواهر.

والحاصل : ان الظواهر ، ليست حجّة بالنسبة الينا نحن الغائبين ، سواء ظواهر القرآن ، أو ظواهر السنّة ، فلا يمكن إثبات حجيّة ظواهر الكتاب بظواهر السنّة ، كأخبار الثقلين ، ونحوها.

(وتوضيح النظر :) هو : ان اشكال المحقّق القمّي ، على نفسه ـ بسبب اخبار الثقلين ـ غير وارد ، وذلك :

اولا : انه لا حاجة الى الاشكال على كلام المحقّق ، بسبب اخبار الثقلين ، فان هناك أخبارا أخر ، تدلّ على حجيّة الظواهر ، ولو بالنسبة الى غير المشافهين.

ثانيا : ان اخبار الثقلين لا ربط لها بحجيّة الظواهر ، لانّها بصدد وجوب اطاعة الكتاب والعترة ، وهذا بمنزلة الكبرى ، أمّا الصغرى : أي ان مراد الكتاب والعترة ما ذا؟ ، فليست في هذه الأخبار.

مثلا ـ نقول : هذا ظاهر ، والظاهر يجب اطاعته ، فاخبار الثقلين بصدد بيان الكبرى : الظاهر يجب اطاعته لا بصدد بيان الصغرى : هذا ظاهر.

__________________

(١) ـ القوانين المحكمة : ص ٢١٩.

٢٨٣

أنّ العمدة في حجيّة ظواهر الكتاب غير خبر الثقلين من الأخبار المتواترة الآمرة باستنباط الأحكام من ظواهر الكتاب ، وهذه الأخبار تفيد القطع بعدم إرادة الاستدلال بظواهر الكتاب بعد ورود تفسيرها من الأئمة عليهم‌السلام ، وليست ظاهرة في ذلك حتّى يكون التمسّك بظاهرها لغير المشافهين بها مصادرة.

بل يمكن ان يقال ان خبر الثقلين ليس له ظهور ، إلّا في وجوب إطاعتهما

______________________________________________________

اذ(انّ العمدة في) اثبات (حجيّة ظواهر الكتاب) لكل من المشافه ، وغير المشافه (غير خبر الثقلين من الأخبار المتواترة ، الآمرة باستنباط الأحكام من ظواهر الكتاب) وقد ذكرنا هذا الموضوع سابقا فلا حاجة الى تكراره ، (وهذه الأخبار) المتواترة ، الآمرة باستنباط الأحكام ، من ظواهر الكتاب ، قطعيّة دلالة ، وسندا ، ومضمونا ، أي ليس مضمونها موافقا للعامة ، فهي (تفيد) نا(القطع : بعدم ارادة الاستدلال بظواهر الكتاب ، بعد ورود تفسيرها من الأئمة عليهم‌السلام) بل المراد الاستدلال بهذه الاخبار بالاستقلال ، (و) هذه الأخبار المقطوع بها(ليست ظاهرة في ذلك) المدعى حتى يقال : انه لا يمكن اثبات ظواهر القرآن ، بظواهر الأخبار ، لان تلك الأخبار نصّ في المدعى ، لا انها ظاهرة فيه (حتى يكون التمسّك بظاهرها) أي بظاهر تلك الاخبار المتواترة(لغير المشافهين بها) أي بتلك الاخبار المتواترة(مصادرة) كما قاله المحقق القمي.

هذا حاصل الجواب الأوّل ، واما الجواب الثاني : الذي اشرنا اليه ، فقد ذكره المصنّف قدس‌سره بقوله : (بل يمكن أن يقال : ان خبر الثقلين ليس له ظهور إلّا في) أمر آخر ، لا يرتبط بالمقام اطلاقا ، والأمر الآخر هو : (وجوب اطاعتهما) أي الكتاب

٢٨٤

وحرمة مخالفتهما ، وليس في مقام اعتبار الظنّ الحاصل بهما في تشخيص الاطاعة والمعصية ، فافهم.

ثمّ إنّ لصاحب المعالم رحمه‌الله في هذا المقام كلاما يحتمل التفصيل المتقدم ، لا بأس بالاشارة اليه ،

______________________________________________________

والعترة(وحرمة مخالفتهما) ، بعد احراز الاطاعة والمخالفة أي بعد معرفة الواجبات والمحرمات ، من الكتاب والسنة ، وجب علينا اطاعتهما ، (وليس) خبر الثقلين (في مقام اعتبار الظنّ الحاصل بهما) أي بالثقلين (في تشخيص الاطاعة والمعصية) وتعيين المراد من الواجبات والمحرمات ، اذ كون هذا ظاهرا ، او ليس بظاهر ، مرتبط بباب آخر ، وأمّا أخبار الثقلين فهي مرتبطة بالكبرى ـ كما ذكرنا صورة القياس سابقا ـ.

(فافهم) ولعله يريد بذلك : ان اخبار الثقلين قطعيّة السند ، لكنها ليست قطعيّة الدّلالة ، بل هي ظنيّة الدّلالة كسائر الظواهر ، فيسقط الجواب الأوّل للمصنّف ، الذي ذكره بقوله : وهذه الاخبار تفيد القطع.

(ثم انّ لصاحب المعالم رحمه‌الله في هذا المقام) اي في مقام حجيّة ظواهر الآيات (كلاما يحتمل التفصيل المتقدّم) الّذي ذكره المحقّق القمّي : من الظواهر حجّة بالنسبة الى المخاطبين ، أو الأعم منهم ومن الموجودين في زمن الخطاب ، أو الأعم منهم ومن أراد المتكلم افهامه ، أما غيرهم فليست الظواهر حجّة بالنسبة اليهم.

بينما المشهور يقولون : بأن الظواهر حجّة حتّى بالنسبة الى من لم يرد افهامه ، كما تقدّم التصريح بذلك ، (لا بأس بالاشارة اليه) أي الى كلام صاحب المعالم موجزا ، لتوضيح كلام القوانين أكثر ، فيتّضح جوابنا منه أكثر أيضا.

٢٨٥

قال : ـ في الدليل الرابع ، من أدلّة حجيّة خبر الواحد ، بعد ذكر انسداد باب العلم في غير الضروريّ من الأحكام ، لفقد الاجماع والسنّة المتواترة ووضوح كون أصل البراءة لا تفيد غير الظنّ وكون الكتاب ظنّيّ الدّلالة ـ ما لفظه : ـ لا يقال : إنّ الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب مقطوع لا مظنون وذلك بضميمة مقدّمة خارجية ، وهي قبيح خطاب الحكيم بما له ظاهر وهو يريد خلافه من غير دلالة تصرف عن ذلك الظاهر ،

______________________________________________________

(قال في الدليل الرابع ، من أدلّة حجيّة خبر الواحد ـ بعد ذكر انسداد باب العلم ، في غير الضروري من الاحكام) وانّما كان باب العلم منسدّا لامور اربعة :

أوّلا : (لفقد الاجماع) المحصل المفيد للعلم.

ثانيا : (و) فقد(السنّة المتواترة) لان السنّة المتواترة ، انّما هي موجودة في بعض الأحكام النادرة ، لا في كلها.

ثالثا : (ووضوح كون أصل البراءة ، لا تفيد غير الظنّ) اذا وصلت النوبة الى الاصل ، بان لم يكن اجماع ولا سنّة.

رابعا : (وكون الكتاب ظنيّ الدّلالة) فلا يفيد الكتاب العلم أيضا ، لان ما كان بعض أسسه ظنّا يكون ظنيّا ، لان النتيجة تابعة لأضعف المقدّمتين ، فان الكتاب وان كان قطعيّ السند لكنه ظنيّ الدّلالة.

قال (ـ ما لفظه : لا يقال : ان الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب مقطوع لا مظنون ، وذلك) القطع (بضميمة مقدّمة خارجيّة ، وهي : قبح خطاب الحكيم بماله ظاهر) بأن كان للفظه ظهور في معنى خاص (وهو يريد خلافه) أي خلاف ذلك الظاهر ، فان هذا الخطاب قبيح لدى العقلاء ، والحكيم سبحانه لا يفعل القبيح ـ كما ثبت في اصول الدين ـ طبعا(من غير دلالة تصرف عن ذلك الظاهر).

٢٨٦

سلّمنا ، ولكن ذلك ظنّ مخصوص ،

______________________________________________________

نعم ، يجوز للحكيم : ان يكون لكلامه ظاهر وهو لا يريده ، لكنه ينصب قرينة على الخلاف ، والقرآن الحكيم لم ينصب على خلاف ظواهره دليلا ، الّا في المقيدات ، والمخصّصات ، وما أشبه.

مثلا : نقطع من قوله سبحانه : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ...)(١) ، وجوب الصلاة ، لأن الأمر ظاهر في الوجوب وكذلك وجوب الزكاة ، ومن قوله سبحانه :

(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ...)(٢) ، حرمة الزنا ، الى غير ذلك ، فانّ العقلاء يقولون : انّ الله سبحانه وتعالى الحكيم ، لما أمر ونهى ، ولم يقم قرينة على ان أمره يراد به : الاستحباب ، أو انّ نهيه يراد به : الكراهة ، أو انهما في مقام الحضر ، ونحوه ، مما لا يفيد حتى الاستحباب ، مثل قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(٣) ، كان لا بد وان يريد الحكيم سبحانه وتعالى ، الظواهر بوجوب الصلاة والزكاة ، وحرمة الزنا ونحوه.

(سلمنا) عدم حصول القطع من ظواهر الكتاب ، وذلك لاحتمال غفلتنا عن القرينة ، بأن كانت القرينة موجودة ، لكنها اختفت علينا ، لأن القرينة كانت مقامية ، ولم تكن لفظية حتى تكون مذكورة ، كما في قوله سبحانه : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(٤) ، حيث كانت القرينة فيها مقامية ، لان المشركين كانوا قد نصبوا على الجبلين صنمين ، فزعم المسلمون انه يحرم الطواف بهما.

(ولكن ذلك) الظنّ الحاصل من ظواهر الكتاب ، وان لم نقل بالمقدّمة الخارجيّة المتقدّمة(ظنّ مخصوص) وليس من الظنون العامّة ، التي يظنّ بها

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٤٣.

(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ٣٢.

(٣) ـ سورة المائدة : الآية ٢.

(٤) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٨.

٢٨٧

فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلى غيره إلّا بدليل.

لأنّا نقول : أحكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة ، وقد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب وأنّ ثبوت حكمه في حقّ من تأخّر إنّما هو بالاجماع وقضاء الضرورة باشتراك التكليف بين الكلّ.

______________________________________________________

الانسان ، لان حجيّة الظواهر بين العقلاء ، وأهل اللسان ، اتفاقية ، (فهو) أي الظنّ الحاصل من ظواهر الكتاب (من قبيل الشهادة) في الموضوعات ، فكما انّ الشهادة تفيد الظنّ ، لكنّه ظنّ حجّة ، وليس من قبيل الظنون العامّة ، كذلك الظنون الحاصلة من ظواهر القرآن الحكيم ، فانّها ظنون خاصة حجّة عند العقلاء ، وحينئذ(لا يعدل عنه) أي عن الظن الحاصل من ظاهر القرآن (الى غيره الّا بدليل) خارجي ، من السنة ، أو الاجماع ، أو العقل ، بصرف ظاهر القرآن ، عن ظاهره ، كما دل العقل والاجماع والأخبار ، على ان الله سبحانه وتعالى ليس بجسم ، ممّا يسبّب صرف ظاهر قوله سبحانه وتعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١) ، عن ظاهره فيكون الحاصل من اشكال المعالم : انّ الظواهر حجّة.

وذلك (لانا نقول) في جواب هذا الاشكال : ان (احكام الكتاب ، كلها من قبيل خطاب المشافهة ، وقد مرّ : انّه) اي خطاب المشافهة(مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب ، وان ثبوت حكمه) أي حكم الكتاب العزيز(في حق من تأخر) من سائر الأجيال الآتية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (انّما هو بالاجماع ، وقضاء الضرورة ، باشتراك التكليف بين الكل).

فالظواهر ليست حجة بالنسبة الى الذين تأخروا عن زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانها مخصوصة بالمشافهين ، وانّما نستفيد الحكم من ادلة الاشتراك.

__________________

(١) ـ سورة طه : الآية ٥.

٢٨٨

وحينئذ : فمن الجائز أن يكون اقترن ببعض تلك الظواهر ما يدلّهم على إرادة خلافها ، وقد وقع ذلك في مواضع علمناها بالاجماع ونحوه ، فيحتمل الاعتماد في تعريفنا لسائرها على الأمارات المفيدة للظنّ القويّ ، وخبر الواحد من جملتها ، ومع قيام هذا الاحتمال

______________________________________________________

(وحينئذ) أي : اذا كان ظواهر القرآن حجة بالنسبة الى المشافهين ، والذين هم في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون الغائبين يكون القرآن الحكيم دليلا لهم فقط لا لنا ، (ف) انه (من الجائز ان يكون اقترن ببعض تلك الظواهر) من القرآن الحكيم (ما) أي : قرينة حالية أو مقالية(يدلّهم) أي : يدل المشافهين والحاضرين في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (على ارادة خلافها) أي خلاف تلك الظواهر ، وقد اختفت تلك القرينة علينا ، (وقد وقع ذلك) أي : الاقتران ببعض ما يدل المشافهين على ارادة خلاف الظواهر(في مواضع) من الآيات (علمناها بالاجماع ونحوه) مثل ارادة الرجعيات في قوله سبحانه وتعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ...)(١) ، حيث انّ الآية مطلقة ، لكن الاجماع ، ونحوه ، قام على ارادة الرجعيات فقط ، فلا تشمل الآية البائنات.

وعليه : (فيحتمل الاعتماد) من الشارع (في تعريفنا لسائرها) ، أي معرفتنا لسائر خلاف الظواهر في الآيات ، التي أريد خلاف ظواهرها ـ حيث لم يكن اجماع ، أو ضرورة ، على تلك الارادة ـ ان يكون الشارع قد اعتمد فيها(على الأمارات المفيدة للظنّ القوي) دون الظّنون العرفيّة ، بل الظّنون المعتبرة عند العقلاء(وخبر الواحد من جملتها) أي : من جملة تلك الأمارات المفيدة للظن القوي ، (ومع قيام هذا الاحتمال) من : ارادة الشارع خلاف الظاهر ، واختفاء القرينة

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٢٨.

٢٨٩

ينفي القطع بالحكم ، ويستوي حينئذ الظنّ المستفاد من ظاهر الكتاب والحاصل من غيره بالنظر إلى إناطة التكليف به ، لابتناء الفرق بينهما على كون الخطاب متوجّها إلينا ، وقد تبيّن خلافه ،

______________________________________________________

(ينفي القطع بالحكم) فلا يكون ظاهر القرآن دليلا قطعيا على المراد منه ، كما لا يكون ظنّا خاصّا ، وذلك لاختصاص الظنّ الخاص ، بالمشافهين الحاضرين ، في زمن الخطاب ، فلا يكون هذا الظنّ شاملا لنا نحن الغائبين ، (ويستوي حينئذ) أي حين لم يكن قطع بالحكم ، ولم يكن ظن خاص من قبيل ظن المشافهين والحاضرين (الظنّ المستفاد من ظاهر الكتاب ، والحاصل من غيره) أي : غير الكتاب كالظنّ من الأخبار ، فلا يكون للكتاب خصوصيّة من هذه الجهة ، وان كان بينهما فرق من جهة : انّ الكتاب قطعي الصدور ، والخبر على الأغلب ظني الصدور ، والاستواء انّما يكون (بالنظر الى اناطة التكليف به) أي : بالظنّ ، فحيث لم يكن قطع على المراد من الكتاب ، يكون الظن وهو الذي يجب الاعتماد عليه ، في افادة مراد الله سبحانه وتعالى من الكتاب أو في افادة مراد المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين» من احاديثهم.

وانّما قلنا : يستوي الظن المستفاد من ظاهر الكتاب ، والظن الحاصل من غيره (لابتناء الفرق بينهما على كون الخطاب) من القرآن الحكيم (متوجها الينا) فانه لو كان مقصود القرآن افهام الكل ، لكان ظواهر الكتاب دليلا قطعيا او ظنّيّا ظنّا خاصّا ، فكان خلاف سائر الظنون ، هذا(و) لكن (قد تبيّن خلافه) لانا قلنا : انّ الخطاب للمشافهين ، وحيث لم نكن نحن مشافهين ، لم يكن فرق بين الظنون الحاصلة من الكتاب ، وبين الظنون الحاصلة من الاخبار.

وإن قلت : هب ان الخطاب لم يكن شاملا لنا ، فلما ذا لا نقطع بالمراد من ظواهر

٢٩٠

ولظهور اختصاص الاجماع والضرورة الدالّين على المشاركة في التكليف المستفاد من ظاهر الكتاب بغير صورة وجود الخبر الجامع للشرائط الآتية المفيدة للظنّ»

______________________________________________________

القرآن الحكيم ، والحال ان ادلة الاشتراك في التكليف بين المشافهين والغائبين ، تجعل حالنا نحن الغائبين حال المشافهين ، في القطع بالمراد من الظواهر.

قلت : الضرورة والاجماع لا يوجبان القطع بالمراد ، حتى فيما اذا كان هناك خبر على خلاف ظاهر الكتاب ، (و) ذلك (لظهور اختصاص الاجماع والضرورة الدّالين على المشاركة في التكليف) بين المشافهين والغائبين و (المستفاد من ظاهر الكتاب ، بغير صورة وجود الخبر ، الجامع للشرائط الآتية) ، «والآتية» : صفة «للشرائط» أي : سنبيّن فيما بعد ان الخبر يجب ان يكون جامعا لشرائط خاصة ، كالعدالة ، والضبط ، والايمان في الراوي ، وغيرها(المفيدة للظنّ) (١) ، «والمفيدة» : صفة ل «صورة وجود الخبر» كما ان قوله : «ولظهور» عطف على قوله : «لابتناء الفرق».

والحاصل : انّ الاجماع والضرورة يقتضيان اشتراكنا ، نحن الغائبين مع المشافهين ، لخطابات القرآن الحكيم في الحكم ، المستفاد من ظاهر الكتاب ، بشرط عدم كونه معارضا ومخالفا للخبر المعتبر ، فانه اذا انتفى الشرط انتفى المشروط ، بمعنى : انه اذا كان خبر معتبر يخالف ظاهر الكتاب لا يمكن الأخذ بظاهر الكتاب ، وانّما يجب الأخذ بظاهر الخبر ، مثلا قوله سبحانه : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)(٢) ، ظاهر في الوجوب ، لكن الخبر قام على ان المراد : استحباب المكاتبة.

__________________

(١) ـ معالم الدين : ص ١٩٣.

(٢) ـ سورة النور : الآية ٣٣.

٢٩١

انتهى كلامه.

ولا يخفى : أنّ في كلامه قدس‌سره ، على اجماله واشتباه المراد منه كما يظهر من حواشي المحشّين

______________________________________________________

وكذا قوله سبحانه : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ ...)(١) ، ظاهر في الوجوب ، لكن المستفاد من الخبر : الاستحباب.

وفي عكسه قوله سبحانه : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ)(٢) ، وقوله سبحانه : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(٣) ، ظاهر أن في الاستحباب ، لكن ـ قامت الاخبار على وجوب القصر في السفر ، بشرائطه الخاصة وعلى وجوب السعي بين الصفا والمروة.

(انتهى كلامه ، ولا يخفى : انّ في كلامه قدس‌سره على اجماله واشتباه المراد منه ، كما يظهر من حواشي المحشين) حيث فهم كل محشي من كلامه شيئا ، فلم يعلم ما هو المراد من كلام المعالم؟ هل انه فصّل على النحو التالي :

أوّلا : بين المشافه وغيره ، بان الظواهر حجّة للأوّل من باب القطع ، وللثاني من باب الظنّ المطلق؟.

ثانيا : او انه فصّل بينهما بانها حجّة للأول من باب الظنّ الخاص ، وللثاني من باب الظنّ المطلق؟.

ثالثا : او انه اراد ان يبين ان الغائبين لم يكونوا مشافهين فلا يكون الظاهر حجّة عليهم ، اذا كان على خلاف ذلك الظاهر القرآني خبر معتبر ، كما يستفاد من آخر كلامه؟.

__________________

(١) ـ سورة النور : الآية ٣٢.

(٢) ـ سورة النساء : الآية ١٠١.

(٣) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٨.

٢٩٢

مواقع للنظر والتأمّل.

______________________________________________________

رابعا : او انه اراد بيان كل تلك الامور الثلاثة ، وردّ من قال : بانّ القرآن قطعي الدلالة.

وعلى أي حال : ففي كلامه قدس‌سره بالاضافة الى اجماله (مواقع للنّظر والتأمل).

منها : انّ العلم بحكمة المتكلم ، لا يجعل ظاهر كلامه من قبيل النصوص ، حتى يكون ظاهر كلامه مقطوعا به.

ومنها : انّه لم يدّع أحد : كون ظاهر القرآن من الظنون العادية لا الظنون الخاصة ، وهذان الاشكالان واردان على قوله : «لا يقال».

ومنها : انه جعل كل خطابات الكتاب من قبيل خطابات المشافهة ، مع ان قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ...)(١) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)(٢) و (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...)(٣) ، وغير ذلك ، من قبيل تأليف المؤلفين ، الذين لا يريدون المشافهة ، فقط.

ومنها : انه لم يحتمل احد ، انه مع وجود خبر معتبر ينافي ظاهر القرآن ـ كما ذكرناه : في ظاهر أوامره ، ونواهيه ، ونحوهما ـ أو ينافي اطلاق القرآن ، أو عمومه ان لا يعمل بالخبر ، ويعمل بالظاهر ، والاطلاق ، والعموم ، وهذان الاشكالان يردان على قوله : «لانّا نقول» الى آخره.

مع ان هناك أيضا ايرادات اخرى على جوابه ، نصفح عنها خوف التطويل.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢١.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٣.

(٣) ـ سورة الانفال : الآية ٢.

٢٩٣

ثمّ إنّك قد عرفت :

أنّ مناط الحجّيّة والاعتبار في دلالة الألفاظ هو الظهور العرفيّ ، وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو بواسطة القرائن المقاميّة المكتنفة بالكلام.

______________________________________________________

(ثم انّك قد عرفت) في اوّل توجيهنا لتفصيل المحقّق القمّي رحمه‌الله (انّ مناط الحجيّة والاعتبار في دلالة الالفاظ) ليس هو لأن العقلاء عبّدونا بذلك ، فنحن متعبدون بما قاله العقلاء ، ولا لانه يلزم ان يحصل لنا ظنّ فعلي بمراد المتكلم ، حتى نعمل بذلك الظاهر ، بل الحجيّة والاعتبار في دلالة الالفاظ(هو الظهور العرفي) ، بمعنى : انّ العرف يرون هذا اللفظ ظاهرا في هذا المعنى : (وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى) وهذا ما يعبّرون عنه بالظن النوعي ، أي : انّ نوع العقلاء يظنون بمراد المتكلم من ظاهر كلامه ، وان كان هناك افراد لا يستظهرون من كلامه ، ذلك المراد الذي يفهمه النوع.

كما ان الظهور معناه : انّ أمرا يتكرر ، حتى ينتقل الانسان من هذا الكلام ، أو من هذا الفعل الى ذلك الأمر المخفي تحته ، كتكرر الرعد والبرق ، وانصباب المطر بعدهما ، حيث يكون للرعد والبرق ظهور في مجيء المطر بعدهما.

وهكذا حال ظهور الالفاظ في المعاني الخاصة ، فان ظهور : أسد في الحيوان المفترس ، انّما هو لتكرر ذكر الاسد في كلمات العقلاء ، وارادتهم الحيوان المفترس منه ، فيقال : انّ الأسد ظاهر في الحيوان المفترس.

ولا يخفى : انه لا يلزم في الظهور ان يكون اللفظ بنفسه ظاهرا في المعنى المراد ، بل يكون له ظهور(ولو بواسطة القرائن المقاميّة المكتنفة بالكلام) ، فانّ الظهور قد يكون بسبب الوضع التعييني أو الوضع التعيّني ، وقد يكون بسبب

٢٩٤

فلا فرق بين إفادته الظنّ بالمراد وعدمها ، ولا بين وجود الظنّ الغير المعتبر على خلافه وعدمه ، لأنّ ما ذكرنا من الحجّة على العمل بها جار في جميع الصور المذكورة.

______________________________________________________

القرائن اللفظية أو الحالية كقول زيد : كان معي البارحة أسد جلسنا معه الى الصباح ، فان هذه القرينة المقالية أو الحالية ، تدل على ان المراد بالاسد : الرجل الشجاع ، وهذا نوع من الظهور ، لكنه ظهور مجازي ، الى غير ذلك من القرائن ، التي ذكروها في باب المجاز.

وعليه : (فلا فرق) في حجيّة الظاهر ، الحاصل من الحقيقة ، أو من المجاز(بين افادته الظن بالمراد) ظنّا فعليّا ، كما في الاشخاص المتعارفين الذين اذا سمعوا اللفظ ، استظهروا المراد منه (وعدمها) كما في غير العاديين ، مثل الانسان الوسواسي ، في ارادات المتكلمين من ظواهر الفاظهم.

(و) هكذا(لا) فرق (بين وجود الظن غير المعتبر على خلافه وعدمه) فسواء كان هناك ظنّ غير معتبر على خلاف الظاهر ، أو لم يكن ظنّ كذلك يكون الظهور حجّة ، فلا يقيّد حجيّة الظاهر بالظنّ على وفقه ، ولا بعدم الظنّ غير المعتبر على خلافه (لان ما ذكرنا من الحجّة على العمل بها) أي بالظواهر(جار في جميع الصور المذكورة) ، وذلك لان أهل اللسان يعملون بالظاهر ، سواء حصل لهم الظنّ الفعلي بالمراد ام لا ، وسواء كان هناك ظنّ غير معتبر على خلاف الظاهر ، أو لم يكن ، فاذا قال المولى : جئني بالماء ، كان اللازم على العبد ان يأتي به ، سواء ظنّ بارادة المولى الجسم السائل ام لا ، وسواء ظنّ بارادة المولى خلاف الجسم السائل أم لا.

٢٩٥

وما ربما يظهر من العلماء ـ من التوقّف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور او طرحه مع اعترافهم بعدم حجّيّة الشهرة ـ فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح من عموم او إطلاق ،

______________________________________________________

(و) ان قلت : انتم ذكرتم : ان حجيّة الظّواهر ليست مشروطة بعدم الظنّ بالخلاف ، وهذا ينافي (ما ربما يظهر من العلماء : من التوقّف في العمل بالخبر الصحيح) الجامع للشرائط(المخالف لفتوى المشهور ، أو طرحه ، مع اعترافهم بعدم حجيّة الشهرة) فاذا لم يكن حجيّة الظواهر عندهم مشروطة بعدم الظنّ على خلافه ، فلما ذا يتوقفون في الخبر أو يطرحونه ، اذا كان مخالفا للمشهور؟.

قلت : ليس التوقف أو الطرح ، من جهة المناقشة في الدلالة والحجيّة ، حيث الظهور قائم ، بل من جهة المناقشة في السند ، لان دليل حجيّة الخبر لا يشمل الخبر المخالف للمشهور.

وعدم شموله ، أمّا من جهة : انّ العقلاء لا يرون لمثل هذا الخبر حجيّة ، والشارع سيدهم ، فدليل الحجيّة منصرف عن مثل هذا الخبر.

وأمّا من جهة المناط ، في قوله عليه‌السلام : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النّادر» (١) (فليس) ما ربما يظهر من العلماء(من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح ، من : عموم ، أو اطلاق) بأن تكون الشهرة مخصصة للعموم ، او مقيّدة للاطلاق ، او صارفة لظاهر الخبر من الوجوب الى الاستحباب ، أو لظاهر النهي من التحريم الى الكراهة ، أو ما اشبه ذلك.

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧.

٢٩٦

بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور ، بناء على أنّ ما دلّ من الدليل على حجّيّة الخبر الواحد من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور ، ولذا لا يتأمّلون في العمل بظواهر الكتاب والسنّة المتواترة إذا عارضها

______________________________________________________

(بل من جهة مزاحمتها) اي : الشهرة(للخبر من حيث الصدور) فان للخبر حيثيتين :

أولا : حيثيّة الصدور عن المعصوم عليه‌السلام.

ثانيا : حيثية ظهوره في المراد.

أمّا حجيّة الخبر من حيث الصدور ، فمشروط بعدم قيام ظنّ على خلافه ، والشهرة تورث الظنّ على خلاف الخبر.

كما ان هناك في الخبر جهة ثالثة هي : جهة الصدور ، بمعنى : ان يكون الصدور لأجل الحكم الواقعي لا لأجل التقية ، فربما زاحمت الشهرة هذه الجهة الثالثة ، كما ذكروه في وقت المغرب وغيره ، فقد وردت الروايات بأن الصلاة مع سقوط قرص الشمس ، لكن المشهور لم يعملوا بهذا الخبر ، لا من جهة الظهور ، ولا الصدور ، بل من جهة احتمال التقيّة ؛ وذلك (بناء على ان ما دلّ من الدّليل ، على حجّيّة الخبر الواحد من حيث السند لا يشمل) الخبر(المخالف للمشهور) ، فالخبر مشروط في صدوره ، أو جهة صدوره ، بعدم المخالفة للمشهور ، لا انّه مشروط في ظهوره بعدم الظنّ على الخلاف ، الذي يأتي من المشهور غالبا ، فانّ الانسان اذا رأى الخبر من حيث ظهوره في جانب والمشهور في جانب آخر يظنّ على خلاف هذا الخبر ، لكن هذا الظن لا اعتبار به.

(ولذا) الذي ذكرناه : من انّ الظنّ على الخلاف لا يضر بظهور الخبر في وجوب العمل به (لا يتأمّلون في العمل بظواهر الكتاب والسنّة المتواترة ، اذا عارضها

٢٩٧

الشهرة.

فالتأمّل في الخبر المخالف للمشهور إنّما هو إذا خالفت الشهرة نفس الخبر لا عمومه او إطلاقه ، فلا يتأمّلون في عمومه اذا كانت الشهرة على التخصيص.

______________________________________________________

الشهرة) مع وضوح انّه اذا عارض الشهرة ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة أيضا ، يكون الظنّ على خلاف الظاهر.

إذن : فالمعيار ليس الظن على خلاف الظاهر وعدمه ، بل المعيار ما ذكرناه في الخبر الواحد : من سقوط السند ، او سقوط جهة الصدور ، وحيث ان في الكتاب والسنّة المتواترة ، لا يكون سقوط لاحدهما ، فالعمل يكون بالكتاب والسنّة المتواترة ، في قبال الشهرة.

وعليه : (فالتأمّل) أو التوقّف (في الخبر المخالف للمشهور ، انّما هو اذا خالفت الشهرة نفس الخبر) سندا ، أو خالفت جهة صدوره (لا عمومه ، أو اطلاقه) أو ظهوره في الوجوب ، او التحريم ، أو ما اشبه ذلك ـ كما تقدّم من قوله سبحانه : (فَلا جُناحَ)(١) في مسألتي القصر والسعي ـ.

(ف) انهم (لا يتأملون في عمومه) أي : عموم الخبر ، أو اطلاقه ، أو ظهوره بعد إحراز سنده وإحراز جهة صدوره ، فيما(اذا كانت الشهرة على التخصيص) أو على التقييد ، أو على صرف الظهور.

مثلا : لو ورد في خبر متواتر : اكرم العلماء واقتضت الشهرة استثناء النحاة فهذه الشهرة ، لا تبطل عموم : اكرم العلماء بالنسبة الى العام والخاص.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٨.

٢٩٨

نعم ، ربما يجري على لسان بعض متأخّري المتأخّرين من المعاصرين عدم الدليل على حجّيّة الظواهر إذا لم تفد الظنّ او إذا حصل الظنّ الغير

______________________________________________________

وكذلك اذا ورد : اكرم العالم ، واقتضت الشهرة عدم اكرام الصرفيين منهم ، فان الشهرة لا تقيد اطلاق العالم.

هكذا بالنسبة الى ما ورد من قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)(١) ، واقتضت الشهرة : الاستحباب ـ مثلا ـ بدون أن يكون هناك دليل من اجماع ، أو ضرورة ، أو خبر متواتر ، لم تكن الشهرة تبطل الظهور وتقلبه من الوجوب الى الاستحباب.

ثم انه قد تحصل مما مضى ان الظاهر حجّة مطلقا ، سواء حصل الظنّ على خلافه ، أو حصل الظنّ على وفاقه ، أو لم يحصل الظنّ على احد الطرفين.

(نعم) ظاهر المحقّق الكلباسي في الاشارات : انّ أدلّة كون الظاهر حجّة خاصة ، بما اذا أفاد الظنّ الفعليّ ، وهذا تفصيل آخر غير التفصيل السابق بين مفيد الظنّ وعدمه ، اذ التفصيل السابق كان يقول : أهل اللسان لا يعملون بظاهر حصل الظنّ على خلافه ، وهذا التفصيل يقول : الدليل الشرعي منع عن عمل أهل اللسان في مورد حصول الظنّ على الخلاف.

فالتفصيل الأوّل : من باب عدم المقتضي.

والتفصيل الثاني : من باب عدم وجود المانع من الشارع.

فانه (ربما يجري على لسان بعض متأخّري المتأخّرين من المعاصرين : عدم الدليل على حجيّة الظواهر ، اذا لم تفد الظنّ) الفعلي (أو اذا حصل الظنّ غير

__________________

(١) ـ سورة النور : الآية ٣٣.

٢٩٩

المعتبر على خلافها.

لكن الانصاف : أنّه مخالف لطريقة أرباب اللسان والعلماء في كلّ زمان ولذا عدّ بعض الاخباريّين كالأصوليّين ، استصحاب حكم العامّ والمطلق حتّى يثبت المخصص والمقيّد من الاستصحابات المجمع عليها ،

______________________________________________________

المعتبر على خلافها) فالكلباسي قدس‌سره يرى جواز العمل بالظواهر مشروطا بأحد أمرين :

الأوّل : أن يحصل الظنّ بالوفاق.

الثاني : أن لا يحصل الظنّ بالخلاف.

(لكن الانصاف انه) اي : ما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين (مخالف لطريقة أرباب اللّسان) حيث عرفت انهم يرون حجيّة الظواهر مطلقا ، فالمقتضي موجود ، (والعلماء في كلّ زمان) ومكان يرون حجيّة الظواهر مطلقا ، ولا يرون ان الشارع منع عن ذلك فيما اذا كان غير مفيد للظنّ ، أو فيما حصل الظنّ غير المعتبر على خلافه.

(ولذا) الذي ذكرناه : من اطلاق حجيّة الظواهر(عدّ بعض الأخباريين) مثل المحدث الاسترابادي قدس‌سره (كالأصوليين : استصحاب حكم العام والمطلق) فيما اذا شككنا : انّ العام باق ، أو خصص ، وان المطلق باق أو قيد ، فانّ الاخباريين والاصوليين يستصحبون بقاء العام على عمومه ، والمطلق على اطلاقه (حتى يثبت المخصص والمقيّد ، من الاستصحابات المجمع عليها) ، فانّ بعض اقسام الاستصحاب مختلف فيه ، كالشك في المقتضي واستصحاب الحكم الكلي ، وبعض اقسامه مجمع عليه ، كاستصحاب عدم النسخ ، واستصحاب الجزئي ، واستصحاب عدم المانع.

٣٠٠