الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

لا تدلّ على المنع من العمل بالظواهر الواضحة المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وإرادة خلاف ظاهرها في الأخبار.

______________________________________________________

و (لا تدلّ على المنع من العمل بالظواهر الواضحة المعنى) لدى اهل اللسان (بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها) وتقييدها(وارادة خلاف ظاهرها) فحصا(في الاخبار) الواردة عنهم عليهم‌السلام.

ثمّ انّ هنا ثلاثة امور : ـ

الأوّل : الترجمة ،

الثاني : التفسير بمراجعتهم عليهم‌السلام.

الثالث : التفسير بالرأي.

والاخبار انّما تدلّ على منع الثالث ، لا على منع الاوّلين ، فالترجمة معناها : تبديل اللفظ بلفظ اوضح ، سواء بنفس اللغة او بسائر اللغات ، فاذا ترجمنا قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...)(١) ، بطريق من انعمت عليهم ، كان من الترجمة ، وكذلك اذا ترجمناها بلغة آخرى.

والتفسير بالرأي معناه : انّه يفسّر الآية بدون مراجعتهم عليهم‌السلام كما اذا فسّر قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٢).

بانّ معناه : هو اوّل الاشياء ، فهو واحد ، ثمّ العقل الّذي خلقه الله تعالى اوّلا فهو ثان ، ثمّ ثالث ، ورابع ، وهكذا ، بينما ورد في الاخبار :

«إنّه واحد لا بالعدد» (٣).

لان العدد يلزم انّ يكون من سنخ واحد ولا سنخيّة بين الله تعالى ومخلوقاته ،

__________________

(١) ـ سورة الفاتحة : الآية ٧.

(٢) ـ سورة الاخلاص : الآية ١.

(٣) ـ التوحيد : ص ٣٧ ب ٢ ح ٢ وفيه (انه احد لا بالعدد).

١٦١

إذ من المعلوم أنّ هذا لا يسمّى تفسيرا ، فانّ أحدا من العقلاء إذا رأى في كتاب مولاه أنّه أمره بشيء بلسانه المتعارف في مخاطبته له ، عربيّا او فارسيّا او غيرهما ، فعمل به وامتثله ، لم يعدّ هذا تفسيرا ، إذ التفسير كشف القناع.

ثم لو سلّم كون مطلق حمل اللّفظ على معناه تفسيرا ،

______________________________________________________

وانّما يقال : اول وثان وثالث لما يكون بينهما سنخيّة ومشاكلة ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وامّا التفسير بمراجعة كلامهم عليهم‌السلام فمعناه : ان يأخذ بظاهر القرآن الّذي انزل لفهم الناس ، مع الخصوصيّات الّتي ذكروها عليهم‌السلام في بيان المراد(اذ من المعلوم انّ هذا) الاخذ بالظاهر بعد مراجعة كلامهم عليهم‌السلام (لا يسمّى تفسيرا).

وعلى فرض تسميته : تفسيرا ، لا يسمّى تفسيرا بالرأي (فانّ احدا من العقلاء ، اذا رأى في كتاب مولاه : انّه امره بشيء بلسانه المتعارف في مخاطبته له) أي مخاطبة المولى لهذا العبد العاقل باللسان المتعارف بينهما(عربيا) كان (أو فارسيا او غيرهما) كالتركي والهندي (فعمل) العبد العاقل (به) أي بما كان ظاهر كلام المولى (وامتثله) بظاهره بعد الفحص ، وعدم ظهور قرينة على الخلاف (لم يعد هذا تفسيرا).

فلا يقال : انّ العبد فسر كلام المولى (اذ التفسير : كشف القناع) وليس في الأخذ بالمعنى الظاهر كشف للقناع ، وانّما المجملات والمبهمات والاشارات والرموز هي الّتي بحاجة إلى التفسير وكشف القناع ، ولو فرض انّه سمّي تفسيرا ، لم يكن من التفسير بالرأي ، بل انّما هو تفسير بالعرف ، وإلى هذا اشار بقوله :

(ثم لو سلّم كون مطلق حمل اللفظ على معناه : تفسيرا) لا ترجمة ، وانّ

١٦٢

لكنّ الظاهر أنّ المراد بالرأي : هو الاعتبار العقليّ الظنّيّ الراجع إلى الاستحسان ، فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على معانيها اللغوية والعرفيّة.

______________________________________________________

التفسير أعمّ من حمل المجمل على احد محتملاته ، وحمل اللفظ على ظاهر معناه (لكن) الاخبار لا تدل على حرمة التفسير مطلقا ، حتّى في مثل حمل اللفظ على معناه الظاهر ، بل تدلّ على حرمة التفسير بالرأي وهو غير ما نحن بصدده.

وذلك لانّ كلا من الاصوليّين والاخباريّين ، متّفقون على حرمة التفسير بالرأي من دون الاستعانة بهم عليهم‌السلام ، ويفترقون في انّ الاصوليين لا يمنعون من الأخذ بظاهر القرآن ، بعد الاستعانة بهم عليهم‌السلام ، بينما الاخباريّون يمنعون الأخذ بظاهر القرآن مطلقا ممّا نقوله نحن الاصوليّين غير ما في الاخبار الناهية اذ(الظاهر : انّ المراد بالرأي) الممنوع في هذه الاخبار(هو الاعتبار العقلي الظنّي) والاعتماد على الظنّ في تفسير معنى القرآن (الراجع إلى الاستحسان) فما يستحقّه بظنّه يفسّر القرآن به ولو لم يقم عليه دليل ، فيستحسن ـ مثلا ـ ان يكون معنى قوله سبحانه : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)(١).

انّ الخير هو : اعمال الخير في العبد ، لا الايمان ـ مثلا ـ كما ورد في التفسير.

وعليه : (فلا يشمل) التفسير بالرأي ـ المنهي عنه في الاخبار ـ ما نحن بصدده ، من جواز(حمل ظواهر الكتاب) الحكيم بعد الاستعانة بتفسيرهم عليهم‌السلام (على معانيها اللغويّة والعرفيّة) فاللفظ ان كان له معنى عرفي ، حمل عليه ، والّا حمل على المعنى اللغوي.

فقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ...)(٢).

يحمل على الصلاة في عرف المتشرّعة ، فانّ ظاهر كلّ عرف : انّهم يتكلّمون

__________________

(١) ـ سورة النور : الآية ٣٣.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ٤٣.

١٦٣

وحينئذ : فالمراد بالتفسير بالرأي : إمّا حمل اللفظ على خلاف ظاهره او أحد احتماليه ، لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر.

ويرشد إليه

______________________________________________________

حسب اصطلاحهم ، امّا اذا لم يكن لهم عرف ، حمل على المعنى اللغوي.

وقوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً ...)(١) يحمل الخير فيه على المال ، اذ لا اصطلاح خاص للشارع في لفظ «الخير».

(وحينئذ : فالمراد بالتفسير بالرّأي) المنهي عنه في الاخبار المتقدّمة(: امّا حمل اللفظ على خلاف ظاهره) مثل حمل قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ...)(٢).

على خلاف ظاهر «عنكم» بحمله على النساء ، بينما لو كان المراد ذلك ، كان اللازم انّ تقول الآية حينئذ «عنكنّ» بقرينة ما قبله : ـ

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ...)(٣) ، وغيرها.

(أو) حمل اللفظ على (احد احتماليه) اذا كان مجملا ، وله احتمالات مثل حمل : «القرء» في قوله سبحانه : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٤) على احد معنييه ، وهما «الطهر والحيض» بدون قرينة واردة عنهم عليهم‌السلام ، (لرجحان ذلك) الأوّل الّذي هو خلاف الظاهر ورجحان الثاني في احد المعنيين المحتملين (في نظره) أي نظر المفسّر(القاصر ، و) في (عقله الفاتر) الّذي لا حرارة ولا قوّة حتّى يتمكن من التحرك والتوصل إلى الواقع المراد من الآية.

(ويرشد اليه) أي إلى ما ذكرناه : من انّ التفسير بالرأي ، يراد به : الحمل على

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٠.

(٢) ـ سورة الاحزاب : الآية ٣٣.

(٣) ـ سورة الاحزاب : الآية ٣٣.

(٤) ـ سورة البقرة : الآية ٢٢٨.

١٦٤

المرويّ عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، قال في حديث طويل : «إنّما هلك الناس في المتشابه ، لأنّهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء عليهم‌السلام ، فيعرّفونهم».

______________________________________________________

خلاف الظاهر ، او على احد المعنيين المحتملين بدون قرينة ، الحديث (المروي عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، قال في حديث طويل) نذكر محل الشاهد منه : ـ

(«إنّما هلك النّاس في المتشابه») من الآيات («لأنّهم لم يقفوا») ولم يطلعوا(«على معناه») الّذي اراده الله تعالى («ولم يعرفوا حقيقته») والمقصود منه («فوضعوا له تأويلا») ومعنى يئول المتشابه اليه («من عند أنفسهم ب») سبب («آرائهم») الفجّة ، بأن كان ـ مثلا ـ رأيهم «الجبر» فقالوا في قوله سبحانه : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ...)(١).

إنّ المراد منه : انّ الله سبحانه يجبر عباده على الضلال («واستغنوا») أي طلبوا الغنى وعدم الاحتياج العلمي («بذلك عن مسألة») وسؤال («الاوصياء») من اهل بيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فيعرّفونهم») (٢) بأن كان نتيجة الاستغناء برأيهم حرمانهم عن تفسير الاوصياء وتعرفة المعنى الواقع للقرآن لهم.

أقول : هنا سؤالان :

الأوّل : لما ذا لم يستوعب القرآن الحكيم كلّ قصّة ، وحكم ، وما اشبه ، كاملا حتّى يعرفها كلّ الناس ، ولا يحتاجون فيها إلى تفسير النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاوصياء عليهم‌السلام؟.

__________________

(١) ـ سورة النحل : الآية ٩٣.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ب ١٣ ص ٢٠١ ح ٣٣٥٩٣.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : لما ذا جاء في القرآن المتشابه ، ممّا يحوج المسلم إلى السؤال والاستفسار ، ويوجب التفرقة في الفهم.

والجواب عن الأوّل : انّه لو كان القرآن خاصّا بالاحكام فقط ، دون الكونيات ، والعقائد ، والتاريخ ، وما اشبه ، وكان يريد الاستيعاب حتّى يفهمه كلّ انسان خبير باللسان ، لكان اللازم ان يكون مئات المجلدات ، لانّ المسائل الشرعيّة ، والآداب والاخلاق ، وما اشبه ، ربّما تبلغ اكثر من ذلك ، فانّا وان لم نذكر كلّ المسائل في «الفقه» بلغ اكثر من مائة مجلد (١) ، فكيف بمن هو عالم بكلّ الاحكام بادقّ معنى العلم ، قال سبحانه : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٢).

وجعل القرآن مئات المجلّدات ، ان لم يكن متعذّرا على الناس من حيث الاستيعاب كان من اشدّ انحاء العسر عليهم.

وعن الثاني : انّ كتاب التشريع يوازن كتاب التكوين ، وكما انّ من جمال الكون ان يكون فيه اشياء سهلة ، واشياء معقّدة ، كذلك من جمال التشريع ان يكون فيه محكما ومتشابها ، مضافا إلى ما فيه من تحريك الاذهان لاستكشاف الغوامض واستجلاء الكوامن.

ثمّ لا يخفى : انّه قد طرأ بالنسبة إلى القرآن الحكيم ـ كما في سائر كتب الحكماء والقرآن سيد الكتب ـ اجمال جديد وهو : تغيّر العصر عمّا كان عليه ، ممّا سبّب قلّة معرفة الانسان بخصوصيّات عصر الوحي ، فانّ كون الدنيا في تغيّر دائم ، والاجتماع في تحوّل مستمر ، اوجبا اشتباه غير المطّلعين الكمّلين ، في بعض

__________________

(١) ـ هذا ، وقد بلغ عدد مجلدات الموسوعة مائة وخمسين مجلدا.

(٢) ـ سورة الانعام : الآية ١٢٤.

١٦٦

وإمّا الحمل على ما يظهر له في بادي الرأي من المعاني العرفيّة واللغويّة ، من دون التأمّل في الأدلّة العقليّة ومن دون تتبّع في القرائن النقليّة ، مثل الآيات الأخر الدالّة على خلاف هذا المعنى

______________________________________________________

الآيات ممّا يحتاج إلى التدقيق والتحقيق كما اذا تغيّرت لغة العرب ، حيث لا يفهمون القرآن بسبب تغيير لغتهم لا بسبب القرآن نفسه ، وهذا بحث طويل ، أردنا الالماع اليه ، فقط ، والله العالم.

(وامّا الحمل) على ظاهر اللفظ ، بالنظر البدوي مقابل الحمل على خلاف الظاهر ، فبالحمل (على ما يظهر له) أي للشخص (في بادي الرأي) والنظر السطحي بلا تعمّق ، وقد قال سبحانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)(١).

والتدبّر عبارة عن التعمّق والتوغّل للوصول إلى «دبر الشيء» وخلفه ، حتّى يظهر للمتدبّر مختلف جوانب ذلك الشيء ، فيحمل على ما يبدوا له (من المعاني العرفيّة واللغويّة) وقد تقدّم سبب ذكرهما معا وانّهما امران ، لا من باب عطف البيان (من دون التأمّل في الادلة العقلية) فانّهم ـ مثلا ـ يقولون : الله جسم بدليل انّه على العرش استوى ، من دون تأمّل في استحالة الجسميّة على الله تعالى (ومن دون تتبع في القرائن النقليّة) الّتي توجب صرف الظاهر عن ظاهره (مثل الآيات الأخر ، الدالّة على خلاف هذا المعنى) الّذي يظهر من الآية ، فيقول ـ مثلا ـ انّ الله قابل للرؤية ، لقوله سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٢) ، بدون ملاحظة قوله سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ)(٣).

__________________

(١) ـ سورة النساء : الآية ٨٢.

(٢) ـ سورة القيامة : الآيات ٢٢ ـ ٢٣.

(٣) ـ سورة الانعام : الآية ١٠٣.

١٦٧

والأخبار الواردة في بيان المراد منها وتعيين ناسخها عن منسوخها.

______________________________________________________

وقوله سبحانه : (لَنْ تَرانِي)(١).

و «لن» لنفي الأبد ، ولو كان قابلا للرؤية لرآه موسى عليه‌السلام ، ولو في الآخرة مع انّ ظاهر «لن» : العدم إلى الابد.

(و) مثل (الاخبار الواردة في بيان المراد منها) أي من الآيات ، فقد ورد : انّ المراد بالصلاة الوسطى في قوله تعالى : ـ (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ...)(٢) بأنّها صلاة الظهر ـ مثلا ـ.

(و) مثل الاخبار الواردة في (تعيين ناسخها عن منسوخها) والمراد بالمنسوخ ، احد احتمالين : ما كان ظاهرة الابديّة ثمّ نسخ ، او ما كان لظرف زماني خاصّ ، ثمّ بيّن ذلك.

والاوّل : هو ما عليه المشهور.

والثاني : هو الّذي اختاره بعض المحققين ، ولعلّه اقرب إلى الواقع ، فقد قالوا في قوله تعالى : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ، فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً)(٣) : انّها منسوخة بقوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ، فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ...)(٤).

لكن هل الآية الاولى يراد بها الاستمرار واقعا : بأن تطابقت الارادة الجدّية مع الارادة الاستعمالية ثمّ نسخت ، أو يراد بها مقطعا خاصّا من الزمان ، بأن لم تتطابق الارادة الجدّية مع الارادة الاستعمالية ، ثمّ اظهر ذلك بالآية الثانية؟.

__________________

(١) ـ سورة الاعراف : الآية ١٤٣.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ٢٣٨.

(٣) ـ سورة المجادلة : الآية ١٢.

(٤) ـ سورة المجادلة : الآية ١٣.

١٦٨

وممّا يقرّب هذا المعنى الثاني ، وإن كان الأوّل أقرب عرفا ، أنّ المنهيّ ، في تلك الأخبار ، المخالفون الذين يستغنون بكتاب الله عن أهل البيت عليه‌السلام ، بل يخطّئونهم به.

ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نصّ الامام عليه‌السلام ، على ظاهر القرآن ،

______________________________________________________

(وممّا يقرّب هذا المعنى الثاني) للتفسير بالرأي وانّ النهي عن حمل اللفظ على المعنى الظاهر من دون فحص (وان كان) المعنى (الأوّل) للتفسير بالرأي ، وهو النهي عن حمل اللفظ على خلاف الظاهر(اقرب عرفا) لما ذكرناه : من انّه هو الّذي يسمّى : بالتفسير بالرأي.

وعليه : فالمقرّب للمعنى الثاني هو : (انّ المنهي في تلك الاخبار) الناهية عن التفسير بالرأي ، هم (المخالفون) للأئمّة عليهم‌السلام (الذين يستغنون بكتاب الله عن اهل البيت عليهم‌السلام) ويقولون : حسبنا كتاب الله (بل يخطئونهم) عليهم‌السلام في تفسيرهم وبيان أحكام القرآن (به) أي بسبب كتاب الله حيث يأخذون بظاهر القرآن ويقولون : انّ الامام عليه‌السلام الّذي فسر القرآن بغير هذا الظاهر ، أخطأ في تفسيره.

فالمخالف ـ مثلا ـ يقول : «الصلاة الوسطى : صلاة العصر ، لانّها وسط بين الصبح والظهر ، من جانب ، وبين المغرب والعشاء من جانب آخر» فاذا قال الامام عليه‌السلام : انّ المراد بها : صلاة الظهر ، قال : انّ الامام عليه‌السلام أخطأ.

هذا(و) لكن الواجب ـ نظرا إلى انّهم عليهم‌السلام أوصياء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملة علمه ـ ، ان يكون بالعكس ـ كما عليه المؤالف ـ فاذا كان ظاهر القرآن شيئا ، وقال الامام : المراد به غير ذلك يقدّم نصّ الامام على ظاهر القرآن ، فانّه (من المعلوم ضرورة من مذهبنا : تقديم نصّ الامام عليه‌السلام على ظاهر القرآن) فالخاصّ والمقيّد

١٦٩

كما أنّ المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس.

______________________________________________________

الامامي ، مقدّم على العام والمطلق القرآني.

(كما انّ المعلوم ضرورة من مذهبهم) أيّ المخالفين (العكس) فانّهم يقدّمون العامّ والمطلق القرآني ، على الخاص والمقيّد الامامي.

فاذا قال سبحانه : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)(١).

أو قال تعالى : (قُلْ : لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٢).

قالوا : المراد : مودّة كلّ انسان قريبه ، وصلته له ، بينما الوارد في الروايات : انّ المراد : اعطاء اقرباء الرسول واهل بيته حقّهم ووجوب مودة المؤمنين لهم ، اجرا لرسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى غير ذلك.

إن قلت : كيف نقدّم الخاصّ والمقيّد الامامي ، على العام والمطلق القرآني ، ونحن نرى : انّه ورد في كثير من الروايات ، تفسير جملة من الآيات المطلقة بهم عليهم‌السلام ، او انّها في اعدائهم او ما اشبه ذلك ، بينما الظاهر منها خلاف ما ورد؟.

قلت : الظاهر انّ المراد بتلك الروايات احد احتمالات ثلاثة : ـ

الأوّل : بيان «المصاديق» لا الانحصار الكلّي فيه.

الثاني : بيان المعنى المرادف للمعنى الظاهر ، لا اختصاص الآية بذلك المعنى.

الثالث : بيان البطون من معاني الآيات.

فاذا ورد ـ مثلا ـ في الخبر : انّ قوله سبحانه : ـ

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، سِرًّا وَعَلانِيَةً)(٣).

يراد به عليّ عليه‌السلام ، فالمراد من ذلك احد احتمالات ثلاثة :

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ٢٦.

(٢) ـ سورة الشورى : الآية ٢٣.

(٣) ـ سورة البقرة : الآية ٢٧٤.

١٧٠

ويرشدك إلى هذا

______________________________________________________

أوّلا : انّ عليّا عليه‌السلام من أجلى مصاديق الآية ، وان كانت الآية شاملة لكلّ من كان كذلك ، ولهذا ورد في خبر آخر : انّ المراد بالآية هو : من ينفق على فرسه ، الّذي يجاهد عليه في سبيل الله.

ثانيا : انّ عليا عليه‌السلام معنى ، والكلّي معنى آخر ، والمعنى الاوّل مرادف للمعنى الثاني ومراد ايضا ، كما ورد ـ مثلا ـ في قوله تعالى : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ...)(١).

انّه يراد به دولة القائم عليه‌السلام ، فالظاهر : انّ الرواية في صدد بيان مصداق آخر للآية ، وانّه هناك مصداقان : ـ مصداق في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومصداق في زمن الامام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وارادة المصداقين تكون أما بارادة الله : لهما من لفظ واحد ، وامّا بإرادة الله : الملاك ، وهو آت في دولة الامام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ثالثا : انّ عليّا عليه‌السلام في الآية بطنا من البطون ، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام :

«يا جابر إنّ للقرآن بطنا وللبطن بطن ، وله ظهر وللظهر ظهر ...» (٢).

أقول : كما ثبت انّ لكلّ جسم ومادة ظهر وبطن ، ولظهرها ظهر ، ولبطنها بطن ، ـ فالتفّاح مثلا له ظاهر ، ولظاهره ظاهر هو : قشره ، ولباطنه باطن هو : نواته ـ كذلك القرآن له ظاهر وباطن ، ولكلّ منهما ظاهر وباطن ، وتفصيل الكلام فيه ، ذلك في موضعه ، والله العالم.

(ويرشدك إلى هذا) الّذي ذكرناه : من انّ المراد بتلك الأخبار الناهية من

__________________

(١) ـ سورة الروم : الآيات ١ ـ ٣.

(٢) ـ تأويل الآيات : ص ٢٣ ، المحاسن : ص ٣٠٠ مع تفاوت ، بحار الانوار : ج ٩٢ ص ٩١ ب ٨ ح ٣٧.

١٧١

ما تقدّم في ردّ الامام عليه‌السلام ، على أبي حنيفة حيث انّه يعمل بكتاب الله ، ومن المعلوم أنّه إنّما كان يعمل بظواهره ، لا أنّه كان يؤوّله بالرأي ، إذ لا عبرة بالرأي عندهم مع الكتاب والسنّة.

ويرشد إلى هذا قول أبي عبد الله عليه‌السلام ، في ذمّ المخالفين : «أنهم

______________________________________________________

التفسير : هم المخالفون (ما تقدّم في ردّ الامام) الصادق (عليه‌السلام على ابي حنيفة ، حيث انّه) اجاب : بانّه (يعلم بكتاب الله ، ومن المعلوم انّه) أي أبا حنيفة(انّما كان يعمل بظواهره) أي ظواهر القرآن من دون مراجعة اخبارهم عليهم‌السلام (لا انّه) أي أبا حنيفة(كان يؤوّله) أي الكتاب (بالرأي) وانّما كان لا يعمل بالرأي (اذ لا عبرة بالرأي عندهم) أي عند المخالفين (مع) وجود(الكتاب والسنّة).

فان مع وجود الكتاب ، يكون النهي موجّها إلى من يعمل بظواهر القرآن بدون مراجعة الروايات ، ولهذا وقع المخالفون في تحريم ما أحلّ الله ، وتحليل ما حرّم الله ، فمنهم من يقول : بصحة بيع الكالي بالكالي لاطلاق : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ...)(١).

او يقول : بصحة نكاح الشغار ، لاطلاق : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ...)(٢).

او يقول : باباحة الاستمناء ، لأنّه لا يوجد نهي عنه في القرآن.

او يقول : بإباحة اكل لحم الكلب ، او نكاح الغلام لعدم تعرّض القرآن لهما ، كما في شعر الزمخشري ، واشار اليه ابن الحجاج في قصيدته المعروفة ، وإلى غير ذلك.

(ويرشد إلى هذا) الّذي ذكرناه : من انّ المخالفين يعملون بالظواهر من دون مراجعة كلامهم عليهم‌السلام (قول ابي عبد الله) الصادق (عليه‌السلام في ذمّ المخالفين : «أنّهم

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٧٥.

(٢) ـ سورة النور : الآية ٣٢.

١٧٢

ضربوا القرآن بعضه ببعض ،

______________________________________________________

ضربوا القرآن بعضه ببعض») (١) أي فسّروا آية بآية اخرى ، مع العلم انّ بينهما : عموما مطلقا ، او عموما من وجه ، او احداهما في مقام والاخرى في مقام آخر.

انّ قلت : كيف لا يجوز ذلك ، وقد ورد : انّ القرآن يفسّر بعضه بعضا؟.

قلت : ان ضرب القرآن بعضه ببعض ، على قسمين : ـ

القسم الأوّل : كون المفسّر ـ بالكسر ـ تفسيرا للمفسر ـ بالفتح ـ وهذا تامّ.

القسم الثاني : ان لا يكون كذلك ، وهذا غير تام ، والمخالفون حيث لا يرجعون في التفسير اليهم عليهم‌السلام يعملون بالقسمين ، ولذا يقعون في الخطأ ، بينما المؤالف ، انّما يضربه بعضا ببعض على ضوء ما ذكروه عليهم‌السلام من التفسير.

هذا ، ولا بأس بذكر مثال على ذلك ، فالمخالف ـ مثلا ـ ربط بين قوله تعالى :

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٢).

وبين قوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها ...)(٣).

فسرق شيئا وتصدّق به ، بزعم : انّ السرقة سيّئة واحدة ، والصدقة عشر حسنات ، فينقص منها سيئة واحدة ، وتبقى له تسع حسنات بينما لم يكن بين الجملتين من الآية المباركة ربط ، حتّى يضرب احدهما بالآخر ، بل كان الربط بين قوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(٤) وبين قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها.)

وعليه : فانّ اعطاء مال السرقة للفقير لم يكن حسنة اصلا ، اذ القبول من المتّقي ، والسارق ليس متّقيا ولو انّ هذا المخالف راجعهم عليهم‌السلام في ذلك ،

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠١ ب ١٣ ح ٣٣٥٩٣.

(٢) ـ سورة الانعام : الآية ١٦٠.

(٣) ـ سورة الانعام : الآية ١٦٠.

(٤) ـ سورة المائدة : الآية ٢٧.

١٧٣

واحتجّوا بالمنسوخ وهو يظنّون أنّه الناسخ واحتجّوا بالخاصّ وهم يظنّون أنّه العامّ ، واحتجّوا بأوّل الآية وتركوا السنّة في تأويلها

______________________________________________________

لأرشدوه إلى انّ تفسيره هذا او ضربه للقرآن بعضه ببعض انّما هو من القسم الممنوع لا من القسم الصحيح.

(«واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون انّه الناسخ») مثلا يظنّون في آية الحول وآية اربعة اشهر وعشرا ، انّ الثانية منسوخة بالاولى لا انّ الاولى منسوخة بالثانية(«واحتجّوا بالخاصّ») بزعم انّ ملاكه آت في فرد آخر ايضا(«وهم يظنّون انّه العام») لانّ الملاك كان في نظرهم عام ، فتعدّوا من الخاصّ إلى سائر الافراد ، فآية الارث ـ مثلا ـ خاصة بغير القاتل ، والكافر ، وما اشبه ، فمن زعم انّها عامّة ، فانّه يسريها إلى القاتل ، ونحوه ، وآية ارث الازواج ـ مثلا ـ خاصّة بغير الارض للزوجة ، لكن من زعم انّها عامّة فانّه يقول بشمولها للزوجة ايضا.

(«واحتجّوا بأوّل الآية ، وتركوا السنّة في تأويلها») والتأويل من الأوّل ، بمعنى : آخر الشيء مثل قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(١).

أي انّ الرّد إلى الله والرسول ، مآله احسن من مآل ترونه انتم في رفع النزاع ، ودفع الخصومات ، وحلّ المشاكل ، لانّ الله والرسول يريان العواقب ، وانتم لا ترونها ، فتحكمون بما يكون عاقبته سيّئة ، وان كان في الحال لا يظهر لكم تلك العاقبة السيّئة.

مثلا : قال سبحانه : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ)

__________________

(١) ـ سورة النساء : الآية ٥٩.

١٧٤

ولم ينظروا إلى ما يفتح به الكلام وإلى ما يختمه ولم يعرفوا موارده ومصادره

______________________________________________________

(يَكُونَ مَيْتَةً ، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ...)(١) فانّ رأس الآية لها دلالة : على حليّة ما لم يكن في القرآن من المحرّمات ، بينما اللازم بالعمل بالسنة الواردة في سائر المحرّمات ايضا ، لأن السنّة وردت في تأويل الآية ونتيجتها.

(«ولم ينظروا إلى ما يفتح به الكلام وإلى ما يختمه») اذ قد يكون اول الكلام دليلا على ما هو المراد من آخره ، وقد يكون آخر الكلام دليلا على ما هو المراد من اوّله ، لانّ احد طرفي الكلام قرينة على الطرف الآخر.

فاذا قال ـ مثلا ـ : «أسد يرمي» فيرمي الّذي هو آخر الكلام دليل على ما هو المراد من الاسد الّذي هو اول الكلام.

واذا قال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٢) ، كان «هدى» الّذي هو أوّل الكلام دليل على ما هو المراد من المتّقين الّذي هو آخر الكلام ، وهكذا.

(«ولم يعرفوا موارده ومصادره») اذ كلّ شيء يصدر من مكان ، ويرد في مكان فمصدر الفرات ـ مثلا ـ العيون ، ومورده : البحر ، ومصدر الانسان : الرحم ، ومورده : القبر ، وهكذا ، وكما يخطئ من لا يعرف المورد والمصدر ، في التكوينيّات ، كذلك يخطي من لم يعرف المورد والمصدر في التشريعيّات ، فمن لم يعرف ـ مثلا ـ المصدر لهذا المصداق بأن لم يعرف : انّ المعاطاة تؤخذ من أيّ الكلّيّات؟ هو تؤخذ من قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)؟ (٣).

أو من قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(٤)؟.

__________________

(١) ـ سورة الانعام : الآية ١٤٥.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ٢.

(٣) ـ سورة النساء : الآية ٢٩.

(٤) ـ سورة النساء : الآية ٢٩.

١٧٥

إذ لم يأخذوه عن أهله فضلّوا وأضلّوا».

وبالجملة : فالانصاف : يقتضي عدم الحكم بظهور الأخبار المذكورة في النهي عن العمل بظاهر الكتاب بعد الفحص والتتبّع في سائر الأدلة ، خصوصا الآثار الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام ،

______________________________________________________

فانّه لا يعرف حكمها ، اذ على الأوّل تكون باطلة ، وعلى الثاني تكون صحيحة.

ثمّ اذا صحّت المعاطاة ، فهل موردها كلّ المعاملات ، حتّى «النكاح» او خاصّة بغير النكاح؟ إلى غير ذلك.

وانّما وقعوا في هذه الاخطاء(«اذ لم يأخذوه») أي لم يأخذوا علم الكتاب («عن اهله») وهم الائمّة عليهم‌السلام («فضلّوا») بانفسهم («واضلّوا») (١) الناس.

(وبالجملة : فالانصاف يقتضي : عدم الحكم بظهور الاخبار المذكورة) الّتي استدل بها الاخباريون ، لعدم جواز الاستدلال بظواهر القرآن (في النهي عن العمل بظاهر الكتاب) كما تقدّم جملة منها(بعد الفحص والتّتبع في سائر الادلّة) : كاخبارهم عليهم‌السلام والادلّة العقلية القطعية ، والاجماع الّذي يكون حجّة ، وقد تقدّم انّ العمل بالظاهر بعد الفحص ، لا يسمّى تفسيرا ، واذا سلّمنا كونه تفسيرا فليس تفسيرا بالرأي.

(خصوصا) اذا تتبّعنا في (الآثار الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام) ووجه الخصوصيّة : انّ العقل الّذي يصرف الكتاب عن ظاهره ، قليل المورد ، كمورد اصول الدين ، من قبيل ذات الله وصفاته ، حيث انّ العقل يدلّ على : انّه ليس بجسم ، ولا قابل للرؤية ، وانّه عادل ولا يجبر احدا ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠١ ب ١٣ ح ٣٣٥٩٣.

١٧٦

كيف ، ولو دلّت على المنع من العمل على هذا الوجه دلّت على عدم جواز العمل بأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام.

ففي رواية سليم بن قيس الهلاليّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل القرآن ، منه ناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ومحكم

______________________________________________________

اما الآثار الواردة عنهم عليهم‌السلام فهي في اكثر آيات القرآن : كالاحكام ، ونحوها ، فاذا فحصنا في الآثار ، واخذنا بها ، وحملنا آيات القرآن عليها لم يكن مانع من الأخذ بالظواهر بعد ذلك.

هذا هو جوابنا الأوّل وكان جوابا حليّا ـ عن استدلال الاخباري بالاخبار الناهية عن العمل بظواهر القرآن (كيف و) لنا جواب عنهم ـ وهو جواب نقضي ـ : بأنّه (لو دلّت) الاخبار المتقدّمة(على المنع من العمل) بظاهر القرآن (على هذا الوجه) أي حتّى بعد الفحص وقلنا : بأنّ قوله تعالى : ـ (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١).

ممّا لا يجوز الاخذ بظاهره في جواز كلّ بيع جامع للشرائط ، حتّى بعد الاخبار المخصصة للبيع ، واخراج الكالي بالكالي ونحوه ل(دلّت) تلك الاخبار ـ بالملاك ـ واخبار اخرى بالتصريح (على عدم جواز العمل باحاديث اهل البيت عليهم‌السلام) اذ ملاك اخبار القرآن ، آت في رواياتهم عليهم الصلاة والسلام ، وكذلك ما دلّ من الروايات على انّ حالها حال القرآن ، في وجود : الناسخ والمنسوخ ، وما اشبه ، فالمانع في القرآن مانع في الروايات ايضا.

(«ففي رواية سليم بن قيس الهلالي ، عن امير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ أمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مثل القرآن ، منه ناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، ومحكم

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٧٥.

١٧٧

ومتشابه ، وقد كان يكون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، يكون له وجهان ، كلام عامّ وكلام خاصّ ، مثل القرآن».

وفي رواية أسلم بن مسلم : «إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن».

هذا كلّه مع معارضة الأخبار المذكورة بأكثر منها ، ممّا يدلّ على جواز التمسّك بظاهر القرآن :

______________________________________________________

ومتشابه ، وقد كان يكون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، يكون له وجهان ، كلام عام ، وكلام خاصّ ، مثل القرآن») (١).

بل ذلك شأن رواياتهم عليهم‌السلام ايضا ، فانّ البليغ يتكلّم على هذا الاشكال ، فكيف بهم عليهم‌السلام وهم في اعلى قمّة البلاغة.

(«وفي رواية اسلم بن مسلم») قال عليه‌السلام («إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن») (٢) ، فانّه كما لبعض آيات القرآن أمد ، كذلك لبعض الروايات أمد ايضا ، ففي رواية : ينهى الامام عليه‌السلام ـ مثلا ـ : عن التكلّم حول بني اميّة ، لكن ذلك محدود بأمد بقائهم ، فاذا زال ملكهم جاز التكلّم حولهم ، وهكذا.

وهذا : قسم من النسخ فان تبدّل الشيء بانتهاء أمده يسمّى نسخا ، ولذا قالت العرب نسخ الشمس الظلّ ، إلى غير ذلك.

(هذا كلّه) في الجواب النقضي ، وهناك جواب ثالث عن استدلال الاخباري أشار اليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (مع معارضة الاخبار المذكورة) الّتي تمسّك بها الأخباري ، للمنع عن تفسير القرآن (باكثر منها ، ممّا يدلّ على : جواز التمسّك بظاهر القرآن) فاللازم : انّ يراد بالاخبار المعارضة ، الّتي ذكرها الاخباري :

__________________

(١) ـ الكافي (أصول) : ج ١ ص ٦٣ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠٧ ب ٤ ح ٣٣٦١٤.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٤ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٠٨ ب ٩ ح ٣٣٣٣٧ وص ٢٠٨ ب ١٤ ح ٣٣٦١٥.

١٧٨

مثل خبر الثقلين المشهور بين الفريقين ، وغيرها ، ممّا يدل على الأمر بالتمسّك بالقرآن والعمل بما فيه ، وعرض الأخبار المتعارضة بل ومطلق الاخبار عليه ، وردّ الشروط المخالفة للكتاب في أبواب

______________________________________________________

غير الّذي فسّرها به الاخباري ، والّا لوقع التضادّ بين الطائفتين (مثل : خبر الثقلين المشهور بين الفريقين) حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انّي مخلّف فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا» (١).

فانّه لو لم يكن للقرآن ظاهر يؤخذ به ، لم يكن معنى للتمسك به.

(وغيرها) أي غير خبر الثقلين (ممّا يدلّ على الامر بالتمسك بالقرآن ، والعمل بما فيه) وهي كثيرة ذكرت في : الوسائل ، والمستدرك ، والبحار ، وغيرها.

(و) ما يدّل على (عرض الاخبار المتعارضة ، بل ومطلق الاخبار) وان لم تكن متعارضة(عليه) أي على القرآن.

امّا عرض الاخبار المتعارضة ، فانّه ليظهر ما يلزم الاخذ به منها ، وامّا عرض الاخبار مطلقا ، فانّه ليظهر الصحيح من السقيم منها ، فان قصّاص المخالفين اكثروا من الروايات المختلقة والاخبار الكاذبة ، المخالفة صريحا للقرآن ، ولهذا فانّ المخالفين انفسهم طرحوا اكثر اخبارهم ، حتّى انّ البخاري اختار صحيحه ـ حسب اصطلاحه ـ من بين ستمائة الف حديث ، وانّ أبا حنيفة كان يقول : لم يصحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّا سبعة احاديث ـ على ما ببالي ـ.

(و) كذا ما دلّ على (ردّ) وابطال (الشروط المخالفة للكتاب في ابواب

__________________

(١) ـ معاني الاخبار : ص ٩٣ ، كمال الدين : ص ٢٤٧ ، المسائل الجارودية : ص ٤٢ ، بحار الانوار : ج ٥ ص ٦٨ ح ١ ب ٢ ، وج ١٣ ص ١٤٧ ب ٧ ح ١٠١ ، ارشاد القلوب : ص ٣٤٠.

١٧٩

العقود والأخبار الدالّة قولا وفعلا وتقريرا على جواز التمسّك بالكتاب.

مثل قوله عليه‌السلام ، لمّا قال زرارة : «من أين علمت أنّ المسح ببعض الرّأس؟ فقال عليه‌السلام : لمكان الباء» ، فعرّفه عليه‌السلام مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب.

وقول الصادق عليه‌السلام ، في مقام نهي الدوانقيّ عن

______________________________________________________

العقود و) من المعلوم : انّه اذا لم يكن للقرآن ظاهر فكيف يمكن كلّ ذلك.

هذا بالاضافة إلى (الاخبار الدالّة : قولا وفعلا وتقريرا) من المعصوم عليه‌السلام (على جواز التمسّك بالكتاب) والاستدلال به ، واستخراج الاحكام منه.

(مثل : «قوله عليه‌السلام ، لما قال») له («زرارة : من اين علمت انّ المسح ببعض الرأس») حيث اراد زرارة ان يستظهر الأمر من القرآن ، او من قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتمكن من ردّ المخالفين القائلين : بأنّ المسح على كلّ الرأس («فقال عليه‌السلام : لمكان الباء») (١) في قوله تعالى : ـ (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ...)(٢).

فاذا قال احد : مسحت الحائط ، كان ظاهره : انّه مسح كلّ الحائط ، واذا قال : مسحت بالحائط : كان ظاهره : انّه مسح ببعض الحائط ، وهنا بحث طويل خارج عن مقصد الشرح ، ولذا نتركه لمحلّه (فعرّفه) الامام (عليه‌السلام مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب) حتّى يتمكن من الاستدلال والردّ على المخالفين.

لا يقال : لعلّ البحث كان جدليا فانّ المخالفين لا ينكرون ظهور القرآن ، بل يقولون به ؛ لأنّه يقال : الاصل عدم جدليّة البحث ـ كما هو بناء العقلاء ـ.

(و) مثل : (قول الامام الصادق عليه‌السلام في مقام نهي) المنصور(الدوانيقي) حين سعى الوشاة عنده على الامام عليه‌السلام وأراد المنصور ايذائه ، فنهاه عليه‌السلام (عن

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ١٠٣ ح ٢١٢ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤١٣ ب ٢٣ ح ١٠٧٣.

(٢) ـ سورة المائدة : الآية ٦.

١٨٠