الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ونحو ذلك ، وبالجملة الامور المعتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم ، بحيث لو أراد المتكلم القاصد للتفهيم خلاف مقتضاها من دون نصب قرينة معتبرة عدّ ذلك منه قبيحا.

______________________________________________________

ونحو ذلك) كأن يكون الراوي من اهل بلد كذا ، او ما اشبه ، فاذا قال المولى :

(وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(١).

فهم منه : حلّية الصيد الّذي حرم في حال الاحرام ، لا وجوبه ، فان الامر عقيب الحظر او عند توهم الخطر ، ظاهر في الحلّية.

وكما اذا قال الامام الصادق عليه‌السلام لرجل من اهل الكوفة ، التقى به في طريق الحجّ وسأله عن الكرّ : ـ «الكر كذا رطلا» استفيد منه الرطل العراقي لا المدني.

وكقوله سبحانه : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ،) فان الظاهر من المطلقات : الرجعيات فقط ، لا البائنات لقوله سبحانه بعد ذلك : ـ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ...)(٢) ، حيث ان هذا الحكم لا يكون في البائنة.

(وبالجملة) هذا القسم من الأمارات هي (الامور المعتبرة عند اهل اللسان في محاوراتهم) وتكون قرينة على انّ المتكلّم اراد هذه المعاني لا غيرها(بحيث لو اراد المتكلم القاصد للتفهيم) لا المتكلم القاصد : الاهمال او الاجمال لمصلحة(خلاف مقتضاها) أي مقتضى هذه القرائن والأمارات (من دون نصب قرينة معتبرة) تدلّ على ذلك الخلاف ، كما اذا اراد من الرطل : المدني ، لا العراقي ـ في المثال المتقدم ـ (عدّ ذلك منه قبيحا) ويقال له : لما ذا تكلمت خلاف المتفاهم عرفا ، وانت رجل حكيم وتقصد التفهيم في اخبارك ، واوامرك ونواهيك ، وتريد

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٢.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ٢٢٨.

١٤١

والقسم الثاني : ما يعمل لتشخيص أوضاع الألفاظ وتشخيص مجازاتها من حقائقها وظواهرها عن خلافها ،

______________________________________________________

ان يأتي المكلّف بما تأمره به وتنهاه عنه؟.

هذا تمام الكلام في القسم الأوّل من الأمارات الظنيّة ، الخارجة عن ادلة حرمة العمل بالظنّ.

(والقسم الثاني : ما) أي الأمارات الظنيّة التي (يعمل لتشخيص اوضاع الالفاظ) لغة او عرفا ، اذ قد يكون الوضع تعيينيّا ، وقد يكون تعيّنيّا ، بسبب كثرة الاستعمال عرفا(وتشخيص مجازاتها من حقائقها).

والفرق بين هذا والأوّل ـ من قسمي الأمارة ـ انّ في الأوّل : نعلم الحقيقة والمجاز ، لكن لا نعلم : هل اراد المولى الحقيقة او المجاز؟ فيكون التشخيص :

باعمال اصالة الحقيقة ، وهنا نريد ان نعرف : ايّهما حقيقة ، وايّهما مجاز ، فالتشخيص يكون بالتبادر ، وصحة السلب ، والاطراد ، وتصريح الواضع ، وقول اللغوي ـ حيث انّه من اهل الخبرة ـ وما أشبه ذلك فانها علائم الحقيقة ، واضدادها علائم المجاز.

ولا يخفى : انّ بناء اللغويّين على ذكر الحقائق ، الّا اذا صرّحوا بانّه مجاز ، ولذا لا يوجد في كتبهم حتّى اكثر المجازات استعمالا فانّهم لا يذكرون في مادة الاسد ـ مثلا ـ معنى «الرجل الشجاع» ، ونضيف استطرادا : بأنّ ما اشتهر من تسمية اهل اللسان ب : «اللغوي» لم يعرف مدركه ، لأنّه منسوب إلى اللغة وهي مشتقّة من اللغو ، فلا يناسب هذه المهنة العملية.

(و) كذا تشخيص (ظواهرها عن خلافها) ، ولا يخفى انّ بين الحقيقة والمجاز والظاهر وغير الظاهر ، عموما من وجه لإمكان ان يكون حقيقة غير

١٤٢

كتشخيص أنّ لفظ «الصعيد» موضوع لمطلق وجه الأرض او التراب الخالص ، وتعيين أن وقوع الأمر عقيب توهّم الحظر هل يوجب ظهوره في الاباحة المطلقة ، وأنّ الشهرة في المجاز المشهور هل توجب احتياج الحقيقة إلى القرينة الصارفة من الظهور العرضيّ المسبّب من الشهرة ،

______________________________________________________

ظاهرة ، لانّ الظهور يحصل من التكرر ، بخلاف الحقيقة حيث قد تحصل من الوضع ، فمن الممكن ان يكون ظهور من غير حقيقة ، كالمجازات المشهورة ، وحقيقة من غير ظهور ، وهكذا.

وفي القسم الثاني امثلة كثيرة(كتشخيص انّ لفظ الصعيد) في الآية المباركة :

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ...)(١).

(موضوع لمطلق وجه الارض) فيشمل : الحجر ، والرمل ، والحصى ، والتراب (او التراب الخالص) فقط فلا يصحّ التيمّم الّا عليه (وتعيين : انّ وقوع الأمر عقيب توهم الحظر ، هل يوجب ظهوره في الاباحة المطلقة؟ وانّ الشهرة في المجاز المشهور) كاستعمال الامر في النّدب ، والنهي في الكراهة ، وما اشبه ذلك (هل توجب) ظهور اللفظ في المعنى المجازي المشهور ، فاذا ألقاه المولى فهم منه المعنى المجازي لا الحقيقي ، ممّا يوجب (احتياج الحقيقة إلى القرينة الصارفة من) هذا(الظهور العرضي المسبب من الشهرة).

فهل الظهور المجازي حجّة الّا اذا قامت قرينة تصرف عن الظهور المجازي إلى الحقيقة؟ او انّ اللفظ يحمل على الحقيقة وانّ كانت القرينة العامّة وهي : الشهرة ، موجودة؟ او يحتمل كلا الامرين على سبيل التساوي؟.

__________________

(١) ـ سورة النساء : الآية ٤٣.

١٤٣

نظير احتياج المطلق المنصرف إلى بعض افراده.

وبالجملة ، فالمطلوب في هذا القسم أنّ اللفظ ظاهر في هذا المعنى او غير ظاهر ، وفي القسم الأوّل أنّ الظاهر المفروغ عن كونه ظاهرا مراد أو لا ،

______________________________________________________

الأوّل : استدل بانّه (نظير احتياج المطلق المنصرف إلى بعض افراده) كالعالم المنصرف إلى عالم الفقه والاصول ، في الحوزات العلميّة ، حيث انّه لو اريد منه الاطلاق الشامل للمهندس والطبيب وما اشبه ، لزم جعل قرينة صارفة عن الانصراف العرضي ، ليكون ظاهرا في الاطلاق الّذي هو حقيقة الاوّليّة.

والثاني : استدلّ بهجران الحقيقة وانّ العرف يقدّم الظاهرة المجازيّة المشهورة ، على الحقيقية المهجورة.

والثالث : استدلّ بأنّ لكلّ منهما قوة ، فللحقيقة قوة الوضع تعيينا او تعيّنا ، وللمجاز قوة الشهرة ، فيكون اللفظ فيهما كالمعنيين الحقيقيّين ، حيث كلّ واحد منهما بحاجة إلى القرينة.

(وبالجملة : فالمطلوب في هذا القسم) الثاني من الأمارات ان نتكلّم حول (انّ اللفظ ظاهر في هذا المعنى ، او غير ظاهر؟) فاذا كان ظاهرا رتّب الحكم عليه ، واذا كان غير ظاهر ولم نجد ما يفيد المعنى من الادلّة الاجتهاديّة ، لزم العمل بالاصول العمليّة ، امّا كون اللفظ حقيقة او غير حقيقة ، فليس بمهم بعد ان كان المعيار هو الظهور.

(وفي القسم الأوّل :) كان الكلام حول (انّ الظاهر) المسلّم ظهوره (المفروغ عن كونه ظاهرا ، مراد) للمتكلّم (او لا؟) اذ هناك ظهور ، وارادة لذلك الظهور ، فانّ من تكلم وقال ـ مثلا ـ بعت هذا بهذا ، فانّه يريد اللفظ ، ويريد المعنى ، ويريد تطابق اللفظ للمعنى ، ويريد الجدّ او الهزل في استعماله هذا اللفظ في المعنى ،

١٤٤

والشكّ في الأوّل مسبّب عن الأوضاع اللغويّة والعرفيّة وفي الثاني عن اعتماد المتكلّم على القرينة وعدمه ، فالقسمان من قبيل الصغرى والكبرى لتشخيص المراد.

______________________________________________________

وبعد ذلك يقال : هل انّه طيّب النفس بهذه المعاملة ـ مثلا ـ او ليس بطيّب النفس بها؟ وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب «الفقه : كتاب البيع» (١).

(والشكّ في) القسم (الأوّل مسبّب عن الاوضاع اللغويّة) التعيينيّة(والعرفيّة) التعيّنيّة ، فانّ الوضع اللغوي قد يوجب الظهور ، والوضع العرفي باستعمال اللفظ في معنى آخر ، قد يوجب الظهور ايضا ، والمراد بالعرف : اعمّ من العرف العامّ ، كالناس عموما ، والعرف الخاصّ ، كالفقهاء والاصوليّين والادباء ، وغيرهم ، حيث يكون لهم عرف خاصّ ، يوجب انصراف اللفظ إلى المعنى الجديد الّذي اصطلحوا عليه دون المعنى اللغوي الموضوع بسبب واضع اللغة.

(و) الشكّ (في) القسم (الثاني) مسبّب (عن اعتماد المتكلّم على القرينة وعدمه) أي عدم اعتماده عليها ، فاذا شككنا في الاعتماد وعدمه ، شككنا في انّ الظاهر مراد أم لا؟.

(فالقسمان ، من قبيل : الصغرى والكبرى لتشخيص المراد) فيقال مثلا : «هذا ظاهر» و «كلّ ظاهر مراد».

ففي القسم الأوّل من كلام المصنف : الكلام كبروي ، بمعنى «انّ المتكلّم اراد كذا».

وفي القسم الثاني : صغروي ، بمعنى : انّ «هذا ظاهر».

__________________

(١) ـ للمزيد راجع موسوعة الفقه : كتاب البيع ، للشارح.

١٤٥

القسم الأوّل

أمّا القسم الأوّل : فاعتباره في الجملة لا إشكال فيه ولا خلاف ، لأنّ المفروض كون تلك الامور معتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم المقصود بها التفهيم ، ومن المعلوم بديهة

______________________________________________________

مثلا يقال : الصعيد في الآية المباركة ، ظاهر : في مطلق وجه الارض ، وقد اراد القرآن الحكيم من الصعيد : هذا الظاهر. امّا الأوّل : ظهوره في مطلق وجه الارض ، فللانصراف. وامّا الثاني : اراد القرآن هذا الظاهر ، فلاصالة عدم القرينة ، بعد عدم اعتماد الحكيم في فهم مراده على ما لا يظهر للمخاطب ، لانّه قبيح عقلا.

القسم الأول

(امّا القسم الأوّل) وهي الأمارات المعمولة لتشخيص المراد ـ وقد تقدّم انّها راجعة إلى اصالة عدم القرينة(فاعتباره في الجملة).

وانّما قال في الجملة ، لأنّه يأتي بعض الخلاف فيه لكن في الجملة(لا اشكال فيه ولا خلاف) فانّ الاصوليين والفقهاء اجمعوا على حجيّة الظواهر ، وانّما اجمعوا على ذلك (لانّ المفروض كون تلك الامور) الّتي تنتهي إلى اصالة عدم القرينة(معتبرة عند اهل اللسان) فانّهم مجمعون على الاعتماد على اصالة عدم القرينة ، سواء المتكلّم او المخاطب ، او الّذي يسمع كلامهما ، فيما لم يكن بينهما تباين على الخلاف (في محاوراتهم المقصود بها التفهيم) والتّفهم ، حتّى انّ احدهم لو حاد عن ذلك اشكلوا عليه ، فاذا تكلّم شيئا ، ثمّ قال : لم ارد ظاهره ، او سمع شيئا ، ثمّ قال : لم افهم منه ظاهره ، كان مورد تقبيح العقلاء وعقاب الموالي.

(ومن المعلوم بديهة) بالاضافة إلى قوله سبحانه : (ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ)

١٤٦

أنّ طريق محاورات الشارع في تفهيم مقاصده للمخاطبين لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات أهل اللسان في تفهيم مقاصدهم.

______________________________________________________

(إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ...)(١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّا معاشر الأنبياء ، أمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم» (٢).

فانّ الآية والرواية تشملان الظاهر والقدر معا ، بمعنى : انّا نكلّمهم حسب الظواهر الّتي يفهمونها ، وانّا نكلّمهم حسب مقدار افهامهم.

ومن المعلوم (انّ طريق محاورات الشارع في تفهيم مقاصده للمخاطبين) ومن عناهم من غيرهم ، فانّ الشارع لا يتكلّم للمخاطبين فقط ، وانّما لهم ولكلّ من يأتي ولمن لم يكن حاضرا مجلس الخطاب من الغائبين والمعدومين حال الخطاب (لم يكن طريقا مخترعا) كطريق الرموز والاشارات الّا نادرا ، كما انّ النّادر موجود ايضا عند سائر اهل اللسان ، لكن لا يبنى عليها ، فلم يكن طريق الشارع (مغايرا لطريق محاورات اهل اللسان في تفهيم مقاصدهم).

لا يقال : فكيف اختصّ رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكلام بلغة واحدة ، وهي العربية؟.

لأنّه يقال : هذا من ضيق مجال المخاطب ، حيث لم يكن يفهم كلّ لغة ، وضيق مجال الكلام ، حيث لم تكن اللغة تعرب اكثر من لسان واحد ، والّا لأمكن المتكلّم انّ يتكلّم بما يفهم منه مختلف الالسنة ، كما ورد عن احد الحكماء انّه لمّا سمع انّ راعيا ـ موسى الكليم ـ يدّعي النبوّة جاء اليه وسأله قائلا : أنت الّذي تزعم انّ علة

__________________

(١) ـ سورة ابراهيم : الآية ٤.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٢٣ ح ١٥ والكافي (روضة) : ج ٨ ص ٢٦٨ ب ٨ ح ٣٩٤ ، الامالي للشيخ الصدوق : ص ٤١٨ ، تحف العقول : ص ٣٧ ، بحار الانوار : ج ١ ص ٨٥ ح ٧ ب ١.

١٤٧

وإنّما الخلاف والاشكال وقع في موضعين : أحدهما : جواز العمل بظواهر الكتاب.

______________________________________________________

العلل كلّمك؟.

فاجابه موسى عليه‌السلام : نعم.

قال الحكيم : وكيف كلّمك؟.

قال موسى عليه‌السلام : من جميع الجهات ، وبكلّ الجهات.

فتوجّه الحكيم إلى بني اسرائيل ، وقال لهم : يا بني اسرائيل اتّبعوا نبيّكم!

ومعنى «جميع الجهات» : الجهات الست وما بينها ، فكلامه سبحانه يحيط بالانسان كاحاطة الماء والهواء به.

ومعنى «بكلّ الجهات» : انّ في كلامه سبحانه كلّ شيء ، فليس كلامه ككلام احدنا خاصّا بأمر ، او مشيرا إلى معنى واحد ، فانّا اذا قلنا ـ مثلا ـ الماء كان معناه الجسم السيّال ، امّا اذا قاله تعالى ـ لانسان قابل الفهم ـ كان معناه الماء ، والهواء ، والكتاب ، والقلم ، والارض ، والسماء ، والسهل ، والجبل ، وإلى آخره ، ممّا لا ندركه نحن وليس هذا بدعا من الامر ، وانّما له مشابه ، فقد ورد في الحديث : انّ كلّ واحد من اطعمة الجنّة يحتوي على كلّ الطعوم ، إلى غير ذلك ممّا هو خارج عن مقصود الشرح.

وعلى أيّ ، فلا خلاف في حجّيّة الظواهر في الجملة(وانّما الخلاف والاشكال وقع في موضعين : أحدهما : جواز العمل بظواهر الكتاب) فانّ المشهور بل فوق المشهور قالوا : بالجواز ـ بمعنى اللزوم ـ في قبال جملة من الاخباريين القائلين بعدم الجواز ، وذلك امّا لعدم ظهور للقرآن ، وامّا لانّه ظاهره لم يعلم كونه مراد الله سبحانه وتعالى.

١٤٨

والثاني : أنّ العمل بالظواهر مطلقا في حقّ غير المخاطب بها قام الدليل عليه بالخصوص بحيث لا يحتاج إلى إثبات انسداد باب العلم في الأحكام الشرعيّة ام لا.

والخلاف الأوّل ناظر إلى عدم كون المقصود بالخطاب استفادة المطلب منه مستقلا.

______________________________________________________

وكان ينبغي له قدس‌سره ان يذكر هنا : ذهاب بعضهم إلى عدم جواز العمل بظواهر كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ايضا ـ كما ذكره كاشف الغطاء : في رسالة له ، معمولة لذلك ، ناقلا عن بعضهم : انّ اللازم فقط هو : العمل باخبارهم عليهم‌السلام.

(والثاني : انّ العمل بالظواهر مطلقا) في القرآن وغيره ، في كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلامهم عليهم‌السلام ، وفي سائر كلمات المتكلّمين في الوصايا ، والاقارير ، وما اشبه (في حقّ غير المخاطب بها) هل (قام الدليل عليه بالخصوص بحيث لا يحتاج) حجّيّة الظواهر في حقّه (إلى اثبات انسداد باب العلم في الاحكام الشرعية أم لا) بأن لم يقم على ذلك دليل؟.

فالمشهور على الأوّل ، والمحقّق القمي قدس‌سره وبعض آخر على الثاني ، بمعنى : انّ حجّيّة الظواهر لم تكن بدليل خاص ، كاتفاق اهل اللسان ، على اعتبار الظاهر لأصالة عدم القرينة ، بل حجّيّة الظواهر من باب : دليل الانسداد والظنّ المطلق.

(والخلاف الأوّل) وهو في ظواهر القرآن (ناظر إلى عدم كون المقصود بالخطاب استفادة المطلب منه مستقلا) بل كان مقصوده سبحانه : ان يستفيد الناس المطلب من القرآن ، بضميمة تفسير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته عليهم‌السلام ـ لا انّ مرادهم : انّ القرآن كالأحاجي والألغاز ـ فهو كما اذا قال المولى لعبده :

١٤٩

والخلاف الثاني ناظر إلى منع كون المتعارف بين أهل اللسان اعتماد غير من قصد إفهامه بالخطاب على ما يستفيده من الخطاب بواسطة أصالة عدم القرينة عند التخاطب.

فمرجع كلا الخلافين إلى منع الصغرى ،

______________________________________________________

خذ معاني ظواهر كلامي من رئيس الخدم ، ثمّ قال : ائتني بالماء ، فانّه لا يحقّ للعبد انّ يأتي اليه بالماء ، الّا بعد سؤاله من الرئيس عن ذلك ، اذ قد يقول له : المراد بالماء هو المضاف بالسكر ، او ما اشبه ذلك.

(والخلاف الثاني) وهو في مطلق الظواهر(ناظر إلى منع كون المتعارف بين اهل اللسان : اعتماد غير من قصد افهامه ب) سبب (الخطاب) متعلّق بافهام (على ما يستفيد) غير المقصود(من الخطاب ، بواسطة اصالة عدم القرينة عند التخاطب) فالشخص الثالث لا حقّ له في ان يقول : الاصل عدم وجود قرينة عند التخاطب تصرف الكلام عن ظاهره ، فالظاهر حجّة لديّ ايضا وذلك لانّ اهل اللسان لا يعتمدون على أصالة عدم القرينة ـ كي يعملوا بظاهر كلام المتكلم ـ الّا اذا كانوا هم مقصودون بخطاب المتكلّم ، فاذا قال زيد مخاطبا عمرا : انّك تطلبني دينارا ، فلا يحقّ لبكر ان يشهد باعتراف زيد لعمرو ، بانّه يطلبه ، اذ لعلّه كان بين زيد وعمرو قرائن ، دلّت على خلاف ظاهر كلامه له.

(فمرجع كلا الخلافين) في ظواهر القرآن ، وظواهر كلّ كلام (إلى منع الصغرى) أي لا ظاهر ، لا انّه : ظاهر ، وليس بمراد ، فالقياس : «انّ هذا الكلام ظاهر في كذا» «وكلّ ظاهر مراد» ليس المنع في الكبرى ، وانّما المنع في الصغرى ، امّا في القرآن : فلما دلّ على انّه لا يجوز الاستفادة منه الّا بضميمة رواياتهم عليهم‌السلام ، وأمّا في مطلق الكلمات : فلانّه من المحتمل ، انّ المتكلّم قد اعتمد قرينة

١٥٠

وأمّا الكبرى ـ أعني كون الحكم عند الشارع في استنباط مراداته من خطاباته المقصود بها التفهيم ما هو المتعارف عند أهل اللسان في الاستفادة ـ فممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.

______________________________________________________

عند التخاطب لا يعرفها غير المخاطب ، فلا يكون لكلامه ظاهر عند غير المخاطب ، وليس بناء العقلاء من أهل اللسان الاعتماد على مثل هذا الظاهر المحتمل وجود قرينة خلافه.

وعليه : فاللازم في العمل بالظاهر أمران : ـ

الأوّل : كون الخطاب صادرا للافهام.

الثاني : كون الشخص مقصودا بالافهام.

أما الاوّل : فمفقود في القرآن ، حيث لم يصدر لافهام الناس ، بل افهام المعصومين عليهم‌السلام.

وأمّا الثاني : فمفقود ـ ايضا ـ في غير من قصد افهامه ، حيث لم يصدر الكلام الّا لافهام المخاطب دون غيره.

(وأمّا الكبرى أعني : كون الحكم) والطريق (عند الشارع في استنباط) وفهم (مراداته من خطاباته المقصود بها التفهيم) لا ما كان منها بصدد الرمز والاجمال ، كفواتح السور والمتشابهات ، حيث لم يكن مقصوده بها تفهيم العامة ، فدأب الشارع على (ما هو المتعارف عند أهل اللسان) من الطرق : كالخبر الواحد ، والظواهر ، وما أشبه ذلك (في الاستفادة) من مراد المتكلّم (ف) انّ هذا(ممّا لا خلاف فيه ولا اشكال) ولذا لا نحتاج إلى الكلام حوله ، فانّ البديهي دليله هو نفسه ، ولذا قالوا : الشمس دليل الشمس.

١٥١

أمّا الكلام في الخلاف الأوّل :

فتفصيله أنّه ذهب جماعة من الاخباريّين إلى المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون ما يرد التفسير وكشف المراد عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم.

وأقوى ما يتمسّك لهم على ذلك وجهان : أحدهما الأخبار المتواترة

______________________________________________________

(امّا الكلام في الخلاف الأوّل) وهو : منع العمل بظاهر الكتاب (فتفصيله : انّه ذهب جماعة من الاخباريين) الملتزمين ، بخصلتين : ـ

اوّلا : انّهم يحصرون الاحكام في الفهم من الاخبار فقط.

ثانيا : انّهم لا يهتمّون في طريق الاستنباط بالقواعد الاصوليّة.

فهؤلاء ذهبوا : (إلى المنع عن العمل بظواهر الكتاب) وقالوا : بأنّ اصالة عدم القرينة الّتي تجري في كلمات المتكلمين ليست جارية في ظواهر القرآن الحكيم (من دون ما يرد) و : «ما» بمعنى : «انّ» أي من دون ان يرد فيه (التفسير ، وكشف المراد) من تلك الظواهر(عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم).

وقد استدلّوا لذلك بأدلة متعدّدة(و) لكن (اقوى ما يتمسّك لهم على ذلك) الّذي ادّعوه من المنع (وجهان : احدهما : الاخبار المتواترة) والخبر المتواتر : هو الّذي يؤمن فيه من تواطؤ المخبرين على الكذب ، والتواتر على ثلاثة اقسام :

اولا التواتر اللفظي : وهو انّ يروي امرا بلفظ واحد ، جماعة كثيرة عن المعصوم عليه‌السلام وتقييده بالمعصوم انّما هو بالنسبة إلى ما نحن بصدده من اخبارهم عليهم‌السلام ، والّا فالتواتر يأتي في كلّ خبر ، ولو عادي ، كالاخبار بالحروب ، وبفتح المدن ، وبما اشبه ذلك ـ.

١٥٢

المدّعى ظهورها في المنع عن ذلك : مثل النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسر القرآن برأيه ، فليتبوأ مقعده من النّار» ، وفي رواية اخرى : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ الخ».

وفي نبويّ ثالث : «من فسر القرآن برأيه ، فقد افترى على الله

______________________________________________________

ثانيا : التواتر المعنوي : وهو ان يكون الرواة المتعدّدون ، قد نقلوا الاخبار المتعدّدة بألفاظ مختلفة ، ولكن بمعنى واحد.

ثالثا : التواتر الاجمالي : وهو ان نعلم : بأنّ أحد هذه الطوائف من الاخبار المتعددة وارد عن المعصوم ، لكن لا نعلم ايّها ورد؟ فيؤخذ بالاخص من الجميع ، لأنّه معلوم الورود.

فالأخبار المتواترة(المدعى) وهو الاخباري (ظهورها في المنع عن ذلك) العمل بظاهر الكتاب ، أي عن اثبات الظاهر واجراء اصالة عدم القرينة.

(مثل : النّبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسّر القرآن برأيه ، فليتبوأ مقعده من النّار») (١) وتبوّأ ، بمعنى : اتخذ مكانا من : باء يبوء ، لانّ الانسان الّذي يتّخذ مكانا ، يبوء ويرجع اليه كلما خرج منه ، والمقعد اسم مكان بمعنى : يتخذ مكانا لقعوده وسكنه ، و «من النار» كناية عن استحقاقه جهنّم بذلك التفسير.

(وفي رواية اخرى) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : («من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ الخ») (٢) أي مقعده من النار.

بتقريب : انّه بدون تفسيرهم عليهم‌السلام يكون قولا بغير علم.

(وفي نبويّ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ثالث : «من فسّر القرآن برأيه ، فقد افترى على الله

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٠٤.

(٢) ـ منية المريد : ص ٣٦٨ ، بناء المقالة الفاطمية : ص ٨٤ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠٤ ب ١٣ ح ٣٣٦٠٧.

١٥٣

الكذب».

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر وإن أخطأ سقط أبعد من السّماء».

وفي النبويّ العاميّ : «من فسّر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ».

وعن مولانا الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله عزوجل قال في الحديث القدسيّ :

______________________________________________________

الكذب») (١) والافتراء هو نسبة الكذب وانّما يذكر الكذب بعده ، للتأكيد ، مثل ليل أليل ، ونهار منير.

(وعن ابي عبد الله) الصادق (عليه‌السلام : «من فسّر القرآن برأيه ، إن أصاب لم يؤجر ، وانّ أخطأ سقط ابعد من السّماء») (٢) إلى الارض.

فان في جهنم دركات ، قد تكون المسافة بين درك إلى درك ، ابعد من السماء إلى الارض ، وهي جزاء من فسر القرآن لا بما جاء عنهم عليهم‌السلام واخطأ.

(وفي النبويّ العامي) ممّا رواه العامّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : («من فسّر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ») (٣) أي اخطأ الطريق لانّ الطريق إلى مراده سبحانه هم المعصومون صلوات الله عليهم اجمعين لا هو بنفسه ، وانّ أصاب مراد الله تعالى.

(وعن مولانا الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ الله عزوجل قال في الحديث القدسي) وهو الحديث المنسوب إلى ساحة القدس ـ والنزاهة ـ والأحاديث القدسية ، هي : كلماته تعالى

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ب ١٢ ص ١٩٠ ح ٣٣٥٦٨ ، كمال الدين : ص ٢٥٦ ، التحصين لابن طاوس : ص ٦٢٥ وفيه (كذبا).

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠٢ ب ١٣ ح ٣٣٥٩٧ وفيه (خرّ).

(٣) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠٥ ب ١٣ ح ٣٣٦١٠.

١٥٤

ما آمن بي من فسّر كلامي برأيه ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني».

وعن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ،

______________________________________________________

الّتي أنزلها على أنبيائه وأوليائه من غير قصد التحدّي ، بينما القرآن نزل بقصد التحدّي ، وانّه المعجز للجنّ والانس عن الاتيان بمثله ابدا.

ولا يخفى : انّ الملائكة أيضا عاجزون عن ذلك ، لكنّهم ليسوا مكلّفين بتكاليفنا ، ولذا لم يذكروا في باب التحدّي.

(«ما آمن بي من فسّر كلامي برأيه»).

والمراد ايمانا غير مشوب بالعصيان ، فالمفسر عاص لله تعالى.

(«وما عرفني من شبّهني بخلقي»).

فانّ الله ليس شبيها بالخلق ، فاذا شبهه أحد بهم ، لم يكن عارفا به سبحانه.

(«وما على ديني من استعمل القياس في ديني») (١).

لأنّ الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، والقياس لا طريق له إلى تلك المصالح والمفاسد.

(وعن تفسير العياشي ، عن ابي عبد الله) الصادق (عليه‌السلام قال : «من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ..») (٢) ، أي كفرا عمليّا ، فانّ الكفر عقيدي ، وهو : عدم الاعتقاد بواحد من اصول الدّين ، وعملي ، وهو : عصيانه سبحانه في ما أمر أو نهى.

__________________

(١) ـ الأمالي للصدوق : ص ٦ ، التوحيد : ص ٦٨ ، مشكاة الانوار : ص ٩ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٤٥ ب ٦ ح ٣٣١٧٢.

(٢) ـ بحار الانوار : ج ٩٢ ص ١١١ ح ١٥ ، تفسير العياشي : ج ١ ص ١٨ ، بحار الانوار : ج ٩٢ ص ١١١ ب ١ ح ١٥ وج ١٠٤ ص ٢٦٤ ب ١ ح ٩.

١٥٥

ومن فسّر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر».

وعن مجمع البيان : «إنّه قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الأئمة القائمين مقامه : أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح والنصّ الصريح».

وقوله عليه‌السلام : «ليس شيء أبعد من عقول الرّجال من تفسير القرآن ، إنّ الآية تكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه».

______________________________________________________

قال سبحانه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(١).

وقال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ)(٢).

(«ومن فسّر برأيه آية من كتاب الله ، فقد كفر») (٣) ، أي كفرا عمليّا ايضا على ما عرفت (وعن مجمع البيان : انّه قد صحّ عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الائمة) عليهم‌السلام (القائمين مقامه : انّ تفسير القرآن لا يجوز الّا بالأثر الصحيح والنصّ الصريح) (٤) ، أي : بالخبر الّذي سنده حجّة ونصّه صريح لا لبس فيه. (وقوله عليه‌السلام : ليس بشيء أبعد من عقول الرجال ، من تفسير القرآن).

وهذا كناية : عن انّ العقل لا يبلغ مراد الله سبحانه من كلامه في كتابه الحكيم ، ثمّ بيّن عليه‌السلام وجه عدم بلوغ العقول معنى القرآن بقوله : (إنّ الآية تكون أوّلها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متّصل ينصرف إلى وجوه) (٥) فاذا اعتمد الانسان على عقله في فهم الآية ، توهّم انّ آخر الآية مرتبط من حيث

__________________

(١) ـ سورة آل عمران : الآية ٩٧.

(٢) ـ سورة ابراهيم : الآية ٧.

(٣) ـ تفسير العياشي : ج ١ ص ١٨ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ب ٦ ص ٦٠ ح ٣٣١٩٥ ، بحار الانوار : ج ٩٢ ص ١١١ ب ١٠ ح ١٥.

(٤) ـ مجمع البيان : ج ١ ص ٨ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٥٠٤ ب ١٣ ح ٣٣٦٠٩.

(٥) ـ تفسير العياشي ج ١ ص ١٧ مع تفاوت ، المحاسن : ص ٣٠٠ ح ٥ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٠٣ ب ١٣ ح ٣٣٦٠٤ (بالمعنى) وص ٢٠٤ ب ١٣ ح ٣٣٦٠٥ (بالمعنى).

١٥٦

وفي مرسلة شعيب بن أنس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّه قال لأبي حنيفة : أنت فقيه أهل العراق؟ قال : نعم ، قال عليه‌السلام : فبأي شيء تفتيهم؟ قال بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : عليه‌السلام يا أبا حنيفة! تعرف كتاب الله حقّ معرفته وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : نعم ، قال عليه‌السلام : يا أبا حنيفة! لقد ادّعيت علما ،

______________________________________________________

المعنى باوّل الآية ، فيفسّرها بما هو خارج عن ارادة الله تعالى ، فآية التطهير (١) ـ مثلا ـ اوّلها في نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآخرها في اهل البيت عليهم‌السلام ، فاذا لم يعرف الانسان تفسيرها منهم عليهم‌السلام ، تصور انّ آخر الآية ايضا في نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهكذا في آيات اخرى.

ولذا نراهم اختلفوا في ـ بيع المكاسب ـ كلمة : «بالباطل» علّة ، والاستثناء متّصل او جزء ، والاستثناء منقطع؟ ليكون المعنى على الأوّل. (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ ...)(٢)(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ...)(٣) لانّ الأكل بدون التجارة «باطل».

وعلى الثاني «لا تأكلوا بالباطل» ويستثنى من الاكل بالباطل : «التجارة» إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على من راجع التفاسير.

(وفي مرسلة شعيب ابن انس ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، انّه قال لابي حنيفة : «أنت فقيه أهل العراق» قال) ابو حنيفة(: «نعم ، قال عليه‌السلام : «فبأيّ شيء تفتيهم؟ قال») ابو حنيفة : («بكتاب الله وسنة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال عليه‌السلام : يا أبا حنيفة») هل («تعرف كتاب الله حقّ معرفته») في مراداته («وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال») ابو حنيفة(«نعم» ، قال عليه‌السلام : «يا أبا حنيفة لقد ادّعيت علما»)

__________________

(١) ـ اشارة الى سورة الاحزاب : الآية ٣٣ ، وان هذه الآية نزلت في حق الرسول وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، انظر صحيح مسلم : ج ٢ ص ٣٦٨ باب فضائل اهل البيت وصحيح الترمذي : ج ٥ ص ٣٠ ، مسند احمد بن حنبل : ج ١ ص ٣٣٠ ، مستدرك الصحيحين للحاكم : ج ٣ ص ١٣٣ ، تاريخ دمشق لابن عساكر : ج ١ ص ١٨٥.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٨.

(٣) ـ سورة النساء : الآية ٢٩.

١٥٧

ويلك ، ما جعل الله ذلك العلم إلّا عند أهل الكتاب الذين انزل عليهم ، ويلك ، وما هو إلّا عند الخاصّ من ذريّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ورّثك الله من كتابه حرفا».

______________________________________________________

أي علما عظيما(«ويلك ما جعل الله ذلك العلم») باكتساب بل لا يكون هذا العلم («إلّا عند اهل الكتاب ، الذين انزل عليهم») من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، ثمّ بيّن عليه‌السلام المقصود من اهل الكتاب بيانا اكثر ايضاحا بقوله : («ويلك وما هو») ذلك العلم («الّا عند الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم») لا كلّ الذريّة ، بل المعصومين منهم عليهم‌السلام («وما ورّثك الله من كتابه حرفا») (١) أي طرفا.

أقول : القرآن له أطراف كثيرة ، طرف كوني ، وطرف تاريخي ، وطرف عقيدي ، وطرف قصصي ، وطرف أحكامي ، وطرف أمثالي ، إلى غير ذلك من الأطراف ، وقد أشار القرآن إلى كلّ طرف اشارة عابرة ، ولم يستوعبه كاملا ، فجاء ـ مثلا ـ ببعض من قصة الكون يرتبط بالماضي ، وببعض ما يرتبط بالاخرة ، وحول ما بقي من الدّنيا ممّا يرتبط بالمستقبل ، وكذلك ذكر بعضا من تاريخ الأنبياء والامم السابقة ، وأشار إلى نزر من وقايع المستقبل وأنباء عن بعض الملاحم والفتن اللاحقة ، كما في قوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ...)(٢).

وكذلك تحدث عن طرف من العقيدة وعن طرف من القصص وعن طرف من الواجبات والمحرمات ، والأخلاق والآداب ، وعن طرف من الأمثال والعبر ، وهكذا ، وترك علم بقيّة كلّ طرف من الاطراف وتفصيله عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين من اهل بيته عليهم‌السلام ، وطبيعي لمثل ابي حنيفة انّه لم يكن

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ب ٦ ص ٤٨ ح ٣٣١٧٧.

(٢) ـ سورة النمل : الآية ٨٢.

١٥٨

وفي رواية زيد الشحّام : «قال دخل قتادة على أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال له : أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون ، فقال عليه‌السلام بلغني أنّك تفسّر القرآن ، قال : نعم ـ الى أن قال ـ : يا قتادة! إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسّرت من الرجال فقد هلكت وأهلكت. يا قتادة! ويحك! إنّما يعرف القرآن

______________________________________________________

يستوعب علم حتّى طرف واحد من اطراف القرآن ، فبقيّة قصة يوسف عليه‌السلام ـ مثلا ـ ، وبقيّة خصوصيّات الصلاة والصيام ، وبقية خصوصيّات الجنة والنار وغير ذلك ، ممّا لم يذكر في القرآن ، لا يعرفها الّا من نزل القرآن عليه وهو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين من أهل بيته عليهم‌السلام الّذين ورثوا عنه هذه العلوم دون غيرهم.

وعليه : فلا يحقّ لأحد أن يحكم بالقرآن بدون مراجعتهم.

(وفي رواية زيد الشحام «قال : دخل قتادة على ابي جعفر») الباقر(«عليه‌السلام ، فقال له : انت فقيه اهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون») وكان كلامه هذا تواضعا منه وحسن ادب مع الامام عليه‌السلام («فقال عليه‌السلام : بلغني انّك تفسّر القرآن؟ قال») قتادة(«نعم ، إلى ان قال») عليه‌السلام (: «يا قتادة ان كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك») بلا مراجعة المعصومين عليهم‌السلام («فقد هلكت») حيث استحققت العذاب («واهلكت») الذين يأخذون منك («وان كنت قد فسّرت من») ، قول («الرجال») الذين لم يأخذوا العلم من الحجج عليهم‌السلام («فقد هلكت واهلكت») ايضا ، لأنّ كلا الامرين موجب للهلاك والاهلاك ، وانّما فصّل عليه‌السلام للتأكيد(«يا قتادة ويحك انّما يعرف القرآن») عامّا وخاصّا ، ومطلقا ومقيّدا ، وناسخا

١٥٩

من خوطب به».

إلى غير ذلك ، ممّا ادّعى في الوسائل ، في كتاب القضاء ، تجاوزها عن حدّ التواتر.

وحاصل هذا الوجه يرجع الى أنّ منع الشارع عن ذلك يكشف عن أنّ مقصود المتكلم ليس تفهيم مطالبه بنفس هذا الكلام ، فليس من قبيل المحاورات العرفيّة.

والجواب عن الاستدلال بها : أنّها

______________________________________________________

ومنسوخا ومفصّلا ومجملا وغير ذلك («من خوطب به») (١) وهم المعصومون عليهم‌السلام.

(إلى غير ذلك ممّا ادّعى في الوسائل في كتاب القضاء) وكذلك في كتاب المستدرك (تجاوزها عن حدّ التواتر) ، فانّ دون هذه الكثرة يكون التواتر.

(وحاصل هذا الوجه) الّذي استدل به الاخباريون : لعدم جواز العمل بظاهر القرآن (يرجع إلى : ان منع الشارع عن ذلك) العمل بظواهر القرآن (يكشف عن انّ مقصود المتكلّم) تعالى وتقدّس (ليس تفهيم مطالبه بنفس هذا الكلام) ولهذا لا يتمكن الشخص من العلم بالظاهر ، بعد ان كان دأب المتكلّم ذلك.

وعليه : (فليس) القرآن الحكيم (من قبيل المحاورات العرفيّة) الّتي بنوا فيها على التفهيم والتفهّم ، حتّى يكون ظاهره حجّة للانسان وعلى الانسان واذا تمّ ذلك ، فلا يصحّ اجراء أصالة عدم القرينة فيه لاثبات ظاهره.

هذا(والجواب عن الاستدلال بها) أي بهذه الاخبار على عدم حجّيّة ظواهر القرآن (انّها) أي تلك الاخبار الناهية ، انّما تدلّ على المنع عن التفسير بالرأي

__________________

(١) ـ الكافي (روضة) : ج ٨ ص ٣١١ ح ٤٨٥ ب ٨ مع تفاوت ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٨٥ ب ١٣ ح ٣٣٥٥٦.

١٦٠