الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وبالجملة ، فالعمل بالظنّ إذا لم يصادف الاحتياط محرم إذا وقع على وجه التعبّد به والتديّن ، سواء استلزم طرح الأصل او الدليل الموجود في مقابله ام لا ؛ وإذا وقع على غير وجه التعبّد به فهو محرّم إذا استلزم طرح ما يقابله من الأصول والأدلّة المعلوم وجوب العمل بها.

______________________________________________________

(وبالجملة : فالعمل بالظنّ اذا لم يصادف الاحتياط) بأن لم يكن من باب الاحتياط ، بل كان من باب التشريع ، ونسبة العمل إلى الشارع فهو (محرّم ، اذا وقع) هذا العمل (على وجه التعبّد به والتديّن) لانه افتراء ، ونسبة ما لا يعلم انه من المولى إلى المولى (سواء استلزم طرح) ما يقابله من (الاصل) العملي (او الدّليل) الاجتهادي ، كالاخبار والاجماعات ، وما اشبههما(الموجود في مقابلة) ممّا يجب العمل به ، لا ممّا لا يجب ، بان كان الاصل البراءة ، او الدليل خبرا يدل على الاباحة ـ مثلا ـ.

(ام لا) يستلزم الطرح ، كما اذا كان عمله موافقا لاصل غير معتبر ، او أمارة كذلك.

والفرق بين استلزام الطرح وعدمه : انّه ان كان موجبا لطرح اصل او أمارة وقد ألزم العمل بهما ، فعمله محرم من جهتين : الطرح ، والتشريع ، وان لم يكن موجبا للطرح ، فعمله محرما من جهة التشريع فقط.

(واذا وقع) العمل (على غير وجه التعبد به) كما اذا اوقعه احتياطا او تشهيا ـ على ما تقدّم من ان الاقسام ثلاثة ـ (فهو محرم ، اذا استلزم طرح ما يقابله من الاصول ، والادلة ، المعلوم وجوب العمل بها) حيث لا تشريع حينئذ حتّى يكون محرما من جهة التشريع ايضا ، فهو محرّم من جهة الطرح فقط.

واذا لم يكن على وجه التعبد ، ولم يستلزم طرح دليل او اصل ، قد وجب

١٠١

هذا ، وقد يقرر «الأصل» هنا بوجوه أخر :

منها : أنّ الأصل عدم الحجيّة وعدم وقوع التعبّد به وإيجاب العمل به.

وفيه : ان الاصل وان كان ذلك إلّا انه لا يترتّب على مقتضاه شيء ،

______________________________________________________

العمل بهما ، يكون غير محرم ، لانه لا سبب لتحريمه ـ على ما تقدّم الالماع اليه ـ.

وب(هذا) الّذي ذكرناه مفصلا ، تبيّن : ان الاصل : حرمة العمل بالظنّ من جهة التشريع.

(وقد يقرر الاصل هنا) في مسألة حرمة العمل بالظنّ (بوجوه أخر) غير الوجه المتقدم.

(منها : ان الاصل) فيما شك في حجّيته : (عدم الحجّيّة) لان الحجّيّة امر جديد ، فاذا شكّ فيه كان الاصل عدمه (وعدم وقوع التعبد به) وهذا الاصل ، مقدم على عدم الحجّيّة ، لان الحجّيّة صفة تأتي بعد التعبد ، فاذا جعل الشارع شيئا متعبدا به ، صار حجة(و) كذا الاصل : عدم (ايجاب العمل به) وهذا يفيد عدم الحكم التكليفي ، بينما اصل عدم التعبد يفيد الحكم الوضعي ، فما يضعه الشارع وضعا ، يكون واجبا تكليفا ، كما اذا قال : الشيء الفلاني جزء ، فانه يجب الاتيان به ، لكنّ الجزئيّة حكم وضعي ، ووجوب الاتيان به حكم تكليفي.

(وفيه : انّ الاصل وان كان ذلك) من : عدم الحجّيّة ، وعدم التعبّد ، وعدم ايجاب العمل (الّا انّه لا يترتب على مقتضاه) أي مقتضى هذا لاصل (شيء) ولا اثر ، وكلّ اصل لا يترتب على مقتضاه اثر ، لم يجر ، فاذا شككنا ـ مثلا ـ في انّ اناء زيد ، الّذي هو في الهند ولا يرتبط بنا اصلا ، طاهر او نجس ، فان الاصل فيه وان كان : الطهارة ، إلّا انّه حيث لا يترتب على هذه الطهارة أثر ـ بالنسبة الينا اطلاقا ـ لم يجر ، فيكون تشريعه من الشارع لغوا ، ولا فائدة فيه اصلا.

١٠٢

فانّ حرمة العمل بالظنّ يكفي في موضوعها عدم العلم بورود التعبّد من غير حاجة إلى إحراز عدم ورود التعبّد به ، ليحتاج في ذلك إلى الأصل ثمّ إثبات الحرمة ، والحاصل : أنّ أصالة عدم الحادث إنّما يحتاج إليها في الأحكام المترتّبة على عدم ذلك الحادث.

______________________________________________________

والمقام من هذا القبيل (فان حرمة العمل بالظنّ) ليس موضوعها : عدم الحجّيّة حتّى نجري الاصل في عدم الحجّيّة فيترتب على هذا الاصل حرمة العمل ، بل (يكفي في موضوعها) أي موضوع الحرمة(عدم العلم بورود التعبد) فبمجرّد ان لم نعلم : ورود التعبد ، تترتب الحرمة(من غير حاجة) لنا في ترتيب الحرمة هذه (إلى احراز عدم ورود التعبّد به) أي بالظنّ ، احرازا بالاستصحاب (ليحتاج) الامر(في ذلك) التحريم (إلى الاصل) المذكور ، و (ثمّ) بعد اجراء الاصل يكون (اثبات الحرمة).

فاذا شككنا ـ مثلا ـ في ان هذا الماء طاهر او نجس ، والشارع قال :

«كلّ شيء لك طاهر» (١).

فبمجرد هذا الشك نقول : انّه طاهر ، ولا حاجة لان نقول : كان سابقا طاهرا ، وحيث نشكّ الآن في طهارته ، نجري استصحاب الطهارة ، اذ لا مجال للاستصحاب حينئذ ، لانّ بمجرّد الشكّ تترتب الطهارة ، فالاثر للشكّ ، ولا حاجة إلى احراز الطهارة بالاستصحاب.

(والحاصل : ان اصالة عدم الحادث) كاصل عدم الحجّيّة ـ في المقام ـ (انّما يحتاج اليها ، في الاحكام المترتبة على عدم ذلك الحادث) فاذا نذر ـ مثلا ـ بان

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٨٥ ب ١٢ ح ١١٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١ ص ١٩٠ ب ٤ ح ٣١٨.

١٠٣

وامّا الحكم المترتب على عدم العلم بذلك الحادث فيكفي فيه الشكّ ولا يحتاج الى احراز عدمه بحكم الأصل. وهذا

______________________________________________________

زيدا ان لم يأت اعطى الفقير درهما ، فانّه يلزم ان يعلم عدم اتيان زيد ، امّا علما وجدانيّا ، أو علما تنزيليّا ، بالاستصحاب ، أو بقيام الشهود على عدم مجيئه ، فاذا كان أحد الثلاثة : العلم ، أو الشهود ، أو الاستصحاب ، وجب عليه اعطاء الفقير ، امّا اذا شكّ في مجيئه وعدمه ، ولم يكن احد الثلاثة ، لم يلزم عليه ان يعطي الفقير ، لان موضوع نذره : «عدم المجيء» لا «الشكّ في المجيء وعدمه».

(وامّا الحكم المترتّب على عدم العلم بذلك الحادث) بأن كان موضوع الحكم : «عدم العلم» لا «العلم بالعدم» (فيكفي فيه) أي في ترتب الحكم (الشكّ) في ذلك الحادث (ولا يحتاج) لترتيب الحكم (إلى احراز عدمه) احرازا وجدانيّا ، او تنزيليا ـ بسبب الشهود ، او الاستصحاب أي (بحكم الاصل) وهو متعلق ب «احراز».

وما نحن فيه ليس من قبيل الأوّل ، بل من قبيل الثاني ، لانه بمجرد الشكّ في الحجّيّة يترتب عدم الحجّيّة ، ولا حاجة إلى استصحاب عدم الحجّيّة ، فما قاله المستدل : من ان «الاصل عدم الحجّيّة» غير تام ، اذ لا أصل في المقام يترتب عليه الاثر.

وبالجملة : ان علمنا الحجّيّة عملنا على وفقها ، ولو لم نعلم فبمجرد الشكّ يحرم العمل ، ولا حاجة إلى اجراء اصالة عدم الحجّيّة ـ الّذي ذكره المستدل بالاصل ـ.

(وهذا) الّذي ذكرناه : من انّ مجرّد الشكّ في الحجّيّة يكفي لتحريم العمل من دون حاجة إلى اجراء اصالة عدم الحجّيّة ، فانّه يأتي في موارد أخر ، وذلك فيما اذا

١٠٤

نظير قاعدة الاشتغال الحاكمة بوجوب اليقين بالفراغ ، فانّه لا يحتاج في إجرائها إلى إجراء أصالة عدم فراغ الذمّة ، بل يكفي فيها عدم العلم بالفراغ ،

______________________________________________________

شككنا في انا صلّينا الظهر ام لا ، فبمجرّد الشكّ يجب علينا : الاتيان بالظهر ، ولا حاجة إلى أن نستصحب عدم الاتيان بالظهر ، ليلزم علينا الظهر ، لان الاثر انّما هو للشكّ في الاتيان ، لا لعدم الاتيان ، حتّى يحتاج الامر إلى الاستصحاب.

إذن : ممّا نحن فيه (نظير قاعدة الاشتغال) حيث ان الاشتغال اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينيّة(الحاكمة) هذه القاعدة(بوجوب اليقين بالفراغ) عن التكليف ، والّا فقاعدة الاشتغال محكّمة ، بدون حاجة إلى استصحاب الشغل ، فان الاثر «للشكّ في الفراغ» لا «لعدم الفراغ» حتّى يتوقف الحكم على استصحاب عدم الفراغ (فانّه) أي الشأن (لا يحتاج في اجرائها) أي اجراء قاعدة الاشتغال (إلى) العلم بعدم الفراغ ، او ما ينزل منزلة العلم ، كالشهود ، والاستصحاب وهو : (اجراء اصالة عدم فراغ الذمّة) حتّى يلزم الاتيان بالمشكوك ، كالظهر ـ في المثال ـ الّذي شكّ في انّه أتى به أم لا(بل يكفي فيها) أي في قاعدة الاشتغال (عدم العلم بالفراغ) فبمجرد الشكّ ، يلزم الاتيان ، ولا حاجة إلى استصحاب عدم الاتيان.

(فافهم) حتّى لا تقول : انه لا يكفي مجرد الشكّ في الحجّيّة ، اذ الامر بحاجة إلى الفحص.

لأنّا نقول : مرادنا بالشكّ : الشكّ بعد الفحص ، في الاحكام امّا في الموضوعات ، فالمشهور بينهم : عدم الحاجة إلى الفحص ، وان كنّا في بعض مباحث الاصول ذكرنا : عدم مساعدة الدليل على ما ذكروه.

١٠٥

فافهم.

ومنها : أنّ الأصل هي إباحة العمل بالظنّ ، لأنّها الأصل في الأشياء ، حكاه بعض عن السيّد المحقق الكاظمي.

وفيه : على تقدير صدق النسبة ، أوّلا ، أنّ إباحة التعبّد بالظنّ غير معقول ، إذ لا معنى

______________________________________________________

وربّما يقال : ان مراد المصنّف قدس‌سره من : (فافهم) شيء آخر.

او يقال : ان مراد المستدل «بأصل : عدم الحجّيّة» هو : ما ذكره المصنّف قدس‌سره لا الاستصحاب ، حتّى يستشكل عليه : بان المقام ليس من الاستصحاب ، لان الاثر للشكّ ، لا للمشكوك.

(ومنها : ان الاصل هي اباحة العمل بالظنّ ، لانّها) أي الاباحة(الاصل في الاشياء) ف : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (١) ـ كما في الحديث ـ.

وفي الآية الكريمة : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ...)(٢).

والظن ممّا في الارض ، إلى غير ذلك وهذا الوجه قد(حكاه بعض عن السيد) محسن الاعرجي قدس‌سره المعروف ب(المحقق الكاظمي) وربّما يقال له : المحقق البغدادي ايضا ، وهو صاحب الوسائل في الفقه.

(وفيه ـ على تقدير صدق النسبة ـ) وان السيد قال هذا الكلام : ـ

(أولا : ان اباحة التعبّد بالظنّ غير معقول ، اذ) الاباحة معناها : جواز كلّ من الفعل والترك ، مثل شرب الماء ، حيث يجوز فعله ، ويجوز تركه ، و (لا معنى

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣١٧ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ١٦٦ ح ٦٠ وج ٣ ص ٤٦٢ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٢٨٩ ب ١٩ ح ٧٩٩٧ وج ٢٧ ص ١٧٤ ب ١٢ ح ٣٣٥٣٠.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ٢٩.

١٠٦

لجواز التعبّد وتركه لا إلى بدل ، غاية الأمر التخيير بين التعبّد بالظنّ والتعبّد بالأصل او الدليل الموجود هناك في مقابله الذي يتعيّن الرجوع إليه لو لا الظنّ هناك فغاية الأمر وجوب التعبّد به او بالظنّ تخييرا ،

______________________________________________________

لجواز التعبد) بان يعلم الانسان بالظنّ ناسبا له إلى المولى (و) جواز(تركه لا إلى بدل) بان لا يعمل الانسان بالظنّ كذلك ، كأن يقول المولى : انت مخيّر بين ان تعمل بظنّك ، او ان لا تعمل بظنّك ، من دون ان يكون شيء آخر تعمله بدل ذلك ، فاذا ظننت بصلاة الجمعة ـ مثلا ـ فان شئت صلّها ، وان لم تشأ لا تصلها من دون ان تأتي بدلها بصلاة الظهر.

وانّما لا يعقل مثل هذه الاباحة والتخيير ، لان معنى اباحة العمل بالتعبد بالظنّ هو : الالتزام بوجوب صلاة الجمعة ، فان ثبت التعبد بهذا الظنّ ، وجب العمل به ، والّا كان الالتزام بوجوب صلاة الجمعة ، حراما من جهة التشريع.

(غاية الامر) ان في معنى التخيير هو : ان يكون هناك صلاة الجمعة وصلاة الظهر ، والعبد مخيّر بينهما ، فيكون معناه : (التخيير بين التعبّد بالظنّ ، والتعبّد بالاصل) مثل استصحاب وجوب الظهر ، حيث ان الواجب في سائر ايام الاسبوع هو : الظهر ، فاذا شككنا في ان وجوب الظهر ، ارتفع في يوم الجمعة ام لا ، نستصحب ذلك الوجوب (او الدليل) كالخبر الوارد في وجوب صلاة الظهر(الموجود هناك في مقابله) أي مقابل الظنّ ـ على سبيل البدليّة ـ فان ذلك الأصل او الدليل ، هو (الّذي يتعين الرجوع اليه ، لو لا الظنّ هناك) بوجوب الجمعة ، اذ لو لا الظنّ ، كان اللازم : العمل بالظهر امّا من جهة الاصل ، أو من جهة الدليل ـ على ما عرفت ـ (فغاية الامر) في التخيير لا الاباحة بين الفعل والترك ـ هو : (وجوب التعبّد به) أي بذلك الاصل ، او الدليل (أو بالظنّ تخييرا) بينهما

١٠٧

فلا معنى للاباحة التي هي الأصل في الأشياء.

وثانيا ، أنّ أصالة الاباحة إنّما هي فيما لا يستقلّ العقل بقبحه ، وقد عرفت استقلال العقل بقبح التعبّد بالظنّ من دون العلم بوروده من الشارع.

______________________________________________________

(فلا معنى للاباحة) هنا(التي هي الاصل في الاشياء) اذ هنا : مقام التعبّد ، والاباحة جارية في غير ما يتعبد بها.

وان شئت قلت : انّه لا يمكن للمولى ان يقول : انت مخيّر في ان تلتزم بالوجوب ، او لا تلتزم لانه اذا كان ملاك الوجوب وجب ، واذا لم يكن لم يجب ، امّا كون الوجوب باختيار الانسان ، فهو غير صحيح.

(وثانيا) لو سلمنا امكان الاباحة ، نقول : ان الاباحة لا مجرى لها فيما يستقل العقل بقبحه ، والعقل مستقل بقبح نسبة العبد إلى المولى ما لا يعلم ان المولى قاله ، و (ان اصالة الاباحة) في الاشياء(انّما هي فيما لا يستقل العقل بقبحه) اذ كيف يبيح الشارع ما هو قبيح؟ وهل هذا الّا مثل ان يقول الشارع ما لا يعقل؟ كأن يقول : الاربعة فرد ، او الجزء يساوي الكلّ ، او الفوضى جائز ، إلى غير ذلك.

(وقد عرفت) فيما تقدّم (: استقلال العقل بقبح) التشريع ، ومن اقسام التشريع (التعبّد بالظنّ) بان ينسب العبد إلى المولى ما ظنه (من دون العلم بوروده من الشارع) ولعلّ مراد السيد الكاظمي قدس‌سره هو ما يكون في قبال ابن قبة ، الّذي يقول باستحالة التعبّد بالظنّ ، لا ما نقل عنه : من انّ التعبّد بالظنّ مباح.

وكيف كان : فقد عرفت : ان الاشكال الأوّل : في الكبرى ، وانه لا يعقل اباحة التعبد ، والاشكال الثاني : في الصغرى ، وانه على تقدير تماميّة الكبرى ، ليس هذه الصغرى من مصاديق تلك الكبرى.

١٠٨

ومنها : أنّ الأمر في المقام دائر بين الوجوب والتحريم ، ومقتضاه التخيير او ترجيح جانب التحريم ، بناء على أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.

وفيه : منع الدوران ، لأنّ عدم العلم بالوجوب كاف في ثبوت التحريم ، لما عرفت من إطباق الأدلّة الاربعة على عدم جواز التعبّد بما لا يعلم وجوب التعبّد به من الشارع.

______________________________________________________

(ومنها : ان الامر في المقام) وهو التعبّد بالظنّ (دائر بين الوجوب والتحريم) فان الأمارة التي لم يقم على اعتبارها دليل ، ان كانت معتبرة في الواقع ، وجب التعبد بها ، والّا فيحرم (ومقتضاه) أي مقتضى الدوران : (التخيير) بناء على عدم ترجيح احد الجانبين (او ترجيح جانب التحريم ، بناء على ان دفع المفسدة) بالالتزام بالحرمة ، فلا يأتي الانسان بها. حذرا من الوقوع في المفسدة(اولى من جلب المنفعة) بالالتزام بالوجوب.

وعلى أيّ حال : فالالتزام بالحرمة صحيح وذلك ، امّا من باب التخيير بين الحرمة والوجوب ، أو من باب تقديم الحرمة.

(وفيه : منع الدوران) بل الحكم هنا هو : الحرمة متعينا(لان عدم العلم بالوجوب ، كاف في ثبوت التحريم) فان النسبة إلى المولى بدون العلم محرم (لما عرفت : من اطباق الادلّة الاربعة ، على عدم جواز التعبد بما لا يعلم وجوب التعبد به من الشارع).

هذا ، بالاضافة إلى انه لا دليل على : تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة ، اذ لو تساويا فالتخيير ، ولو رجّح احدهما على نحو المنع عن النقيض قدّم ذلك الراجح ترجيحا لازما ، وان كان الترجيح لا بقدر المنع عن النقيض قدّم ذلك

١٠٩

ألا ترى أنّه إذا دار الأمر بين رجحان عبادة وحرمتها كفى عدم ثبوت الرجحان في ثبوت حرمتها.

ومنها : أنّ الأمر في المقام دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعيّة المعلومة إجمالا وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعيّ ، فيرجع إلى الشكّ في المكلّف به

______________________________________________________

الراجح ترجيحا غير لازم ، ممّا يوجب : المستحب ، او المكروه.

(ألا ترى) إلى ما يدل على لزوم التحريم في المقام وهو : (انه اذا دار الامر بين رجحان عبادة) وجوبا : كصلاة الجمعة ، او ندبا : كالدعاء عند رؤية الهلال (وحرمتها ، كفى عدم ثبوت الرجحان) عقلا او شرعا(في ثبوت حرمتها) فان المشروعية منحصرة في وجود الدليل ، واذا لم يكن دليل ، كان محلا للحرمة ، سواء شكّ ، او ظنّ ، او وهم ، ولا حاجة إلى النهي : كصلاة التراويح التي جعلها عمر ، ولا إلى عدم الامر ، قطعا.

(ومنها :) ما ينتج حرمة العمل بالظنّ ، لكن لا من الطريق الّذي قرّره المصنّف بل من طريق آخر وهو (ان الامر في المقام) وهو : أي مقام اطاعة الاحكام (دائر بين : وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد) الشامل للعلم والظنّ (بالاحكام الشرعية ، المعلومة اجمالا) فانا نعلم اجمالا باحكام شرعية متوجهة الينا وانّ اللازم علينا ان نعلم بتلك الاحكام تفصيلا اما بعلم قطعي ، او بالظنّ.

(وبين : وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي) بتلك الاحكام ، فلا يكفي الظنّ بها في مقام الامتثال.

(فيرجع) ما نحن فيه (إلى الشك في المكلّف به) لا إلى الشك في التكليف ، الّذي حكمه البراءة ، بل الشكّ في انه هل إنّا مكلّفون بالعلم ، او بالاعمّ من العلم

١١٠

وتردّده بين التخيير والتعيين ، فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعيّ تحصيلا لليقين بالبراءة ، خلافا لمن لم يوجب ذلك في مثل المقام.

______________________________________________________

والظن؟ (وتردده) أي المكلّف به (بين التخيير والتعيين) لانه لا نعلم هل يلزم علينا العلم فقط ، او نخيّر بين العلم والظنّ؟ (فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ، تحصيلا لليقين بالبراءة).

فاذا علم الانسان : بانه مخيّر بين امرين او متعين احدهما عليه فانّه ان جاء بذلك المحتمل التعييني ، فقد برء عن التكليف قطعا ، امّا اذا جاء بما يقابل المعيّن ، فلا يعلم انه قد برء من التكليف ، والاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

(خلافا لمن لم يوجب ذلك) من تحصيل اليقين بالفراغ (في مثل المقام) الّذي هو من دوران الامر بين التعيين والتخيير ، فقد اختلفوا في ان الاصل في مثله : هل هو التخيير او التعيين؟ فمن اختار الأوّل ، قال : بالتخيير بين العلم والظنّ ، ومن اختار الثاني ، قال : بلزوم تحصيل العلم.

استدل الأوّل : بالبراءة من الخصوصيّة ، فاذا شكّ بين ان الواجب : الظهر او الجمعة ، تخييرا بينهما ، او تعيينا للجمعة ، فان اصل الصلاة محرز ، اما خصوصيّة الجمعة ، فمرفوعة بأصل البراءة.

واستدل الثاني : بانّه ان أتى بالجمعة ، فقد برء من التكليف قطعا ، امّا اذا أتى بالظهر ، فلا يعلم بالبراءة ، والحال ان الشغل اليقيني ، يحتاج إلى البراءة اليقينيّة ، فاللازم : ان يأتي بالجمعة ، لتحصيل العلم بالفراغ.

١١١

وفيه : أولا : أنّ وجوب تحصيل الاعتقاد بالاحكام مقدّمة عقليّة للعمل بها وامتثالها ، فالحاكم بوجوبه هو العقل ، ولا معنى لتردّد العقل في موضوع حكمه

______________________________________________________

(وفيه : اولا :) ان المقام ليس من التعيين والتخيير الشرعي ، حتّى يقال : بانه محل البراءة ، او الاشتغال ، وانّما من التعيين والتخيير العقلي ، اذ(ان وجوب تحصيل الاعتقاد بالاحكام ، مقدمة عقليّة للعمل بها وامتثالها) لوضوح ان الواجب في الاحكام امتثال تلك الاحكام ، ولما كان الامتثال متوقفا على القطع الاعتقاد بها ، وجب تحصيل الاعتقاد مقدّمة للامتثال.

(فالحاكم بوجوبه) أي وجوب تحصيل الاعتقاد(هو العقل) لا الشرع ، فليس المقام من قبيل : ما لو شك في انه ، هل يجب في صلاة الجمعة بعد الفاتحة ، سورة الجمعة تعيينا ، او سورة الجمعة او ايّة سورة اخرى تخييرا ، حتّى يأتي التعيين أو التخيير؟.

بل المقام عقلي (و) العقل لا يشكّ في موضوع حكمه ابدا ، فانه (لا معنى لتردد العقل في موضوع حكمه) لان تردّده في الموضوع ، يستلزم التردّد في نفس الحكم ، ولا يعقل ان يتردّد الحاكم في نفس حكمه.

فالعقل ـ مثلا ـ يحكم بحسن الاحسان ، وقبح الظلم ، فاذا تردد في ان سقي الحيوان المؤذي الماء ، اذا كان عطشانا ، هل هو من الاحسان ام لا؟ كان معناه : انه تردد في ان سقيه الماء هل هو حسن ام لا؟.

فانه يجب اولا : ان نعرف حدود الاحسان وافراده ، حتّى نعرف هذه الكلّيّة : «الاحسان حسن» اذ لو احتملنا انه احسان غير حسن ، كان معناه : انا لم نعرف تلك الكلّيّة ، فان كلّيّة الموضوع وجزئيته يرجعان إلى كلّيّة الحكم وجزئيّته ، وكلّيّة

١١٢

وأنّ الذي حكم هو بوجوبه تحصيل مطلق الاعتقاد او خصوص العلم منه ، بل امّا أن يستقلّ بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعيّ على ما هو التحقيق ، وامّا أن يحكم بكفاية مطلق الاعتقاد ،

______________________________________________________

الحكم وجزئيّته يرجعان إلى كلّيّة الموضوع وجزئيّته ، فاذا قال : اكرم كلّ عالم ، كان الاكرام كليّا ، لان «كلّ عالم» كلّي ، واذا قال : اكرم بعض الفقهاء ، كان الاكرام جزئيا ، وكذا العكس : فاذا قال : «افراد الاكرام الواجب عليك تجاه كلّ عالم عالم الف» وفرض ان العلماء خارجا الف شخص ، كان «العالم» كليّا خارجيّا ، واذا قال : افراد الاكرام تسعمائة ، كان العالم جزئيّا ، لان مائة من العلماء ـ في ضمن الالف ـ لا يجب اكرامهم.

والحاصل : انه اذا تردد العقل في الموضوع ، تردد في الحكم ، واذا كان مترددا فكيف يحكم؟.

(و) اذا ثبتت هذه الكلّيّة ، نقول : كيف يتردد العقل في المقام (ان الّذي حكم هو) أي العقل (بوجوبه) هل هو : (تحصيل مطلق الاعتقاد) الاعمّ من العلم او الظنّ (او خصوص العلم منه).

وبالجملة : ان العقل لا يشكّ في المقام بين التعيين والترديد(بل امّا ان يستقل : بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي) من العلم فقط ، فلا يكفي الظنّ وذلك لانه يرى عدم حصول الطاعة بدون الاعتقاد القطعي (على ما هو التحقيق ، وامّا ان يحكم : بكفاية مطلق الاعتقاد) الاعمّ من القطع والظنّ ـ كما سيأتي من المحقّق السبزواري قدس‌سره ـ لانّ العقل يستقل : بانه لا يكفي الوهم والشكّ في الاطاعة ، ومن المعلوم : ان كلّ واحد من العلم والظنّ ، ليس شكّا او وهما.

١١٣

ولا يتصوّر الاجمال في موضوع الحكم العقليّ ، لأن التردّد في الموضوع يستلزم التردّد في الحكم ،

______________________________________________________

(ولا يتصوّر الاجمال) والشكّ (في موضوع الحكم العقلي) سواء في الاجتماعيات : كحسن الاحسان ، وقبح الظلم.

أو في الهندسيات : مثل ان مساحة المربع ـ كامل التربيع او المستطيل منه ـ تحصل : بضرب أحد اضلاعه في مجاوره.

أو الحسابيات : مثل ان نتيجة ضرب الزوج في مثله زوج ، ونتيجة ضرب الفرد في مثله فرد ، ونتيجة ضرب الزوج في الفرد زوج ، إلى غير ذلك ، كالكلّيات العقلية ، فلا يشكّ العقل في انه : هل كلّ انسان حيوان ام لا؟ او : هل كلّ جسم ذو أبعاد ثلاثة أم لا؟ إلى غير ذلك.

وكما ان العقل لا يشكّ في موضوعه ولا حكمه ، كذلك الشرع الّذي هو سيّد العقلاء ، وانّما الجهل في الموضوع او الحكم ، يأتي في مقامين : ـ

الأوّل : في الاستقرائيات ، مثل : هل كلّ من يعيش في خط الاستواء اسود أم لا؟.

الثاني : في الاحكام والموضوعات المجملة ، الصادرة من الغير ، مثل : انه هل قوله تعالى : ـ

(أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) يشمل المعاطاة ام لا؟ إلى غير ذلك.

وعلى أيّ حال : فلا تردد في موضوع الحكم العقلي (لان التردد في الموضوع ، يستلزم التردد في الحكم) اذ الحكم لا يتصور الّا بعد تصور الموضوع ، لعدم

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٧٥.

١١٤

وهو لا يتصور من نفس الحاكم ، وسيجيء الاشارة الى هذا في رد من زعم أنّ نتيجة دليل الانسداد مهملة ، مجملة مع عدّة دليل الانسداد دليلا عقليّا وحكما يستقلّ به العقل.

______________________________________________________

معقوليّة حكم بلا موضوع ، فاذا تردد العقل في ان الموضوع ـ مثلا ـ : التعيين او التخيير؟ كان معناه : انه مردّد في ان الواجب هو : الأوّل ، او الثاني؟.

(وهو) أي التردد(لا يتصور من نفس الحاكم) فانه تناقض بين حكمه ، وبين تردده ، فان العقل لا يكون حاكما ، الّا بعد احراز الموضوع بتمام خصوصيّاته ـ وإلّا على ما ذا يحكم؟ ـ وبعد احرازه الموضوع بتمام الخصوصيات والقيود ، لا يبقى تردد ، لا في الموضوع ، ولا في الحكم ، والعقل حاكم في ما نحن فيه بوجوب الاطاعة ، فلا يمكن ان يكون مرددا في : ان موضوع الوجوب ، هل هو : «الاعتقاد القطعي» او : «الاعتقاد الاعمّ من القطع والظنّ»؟ وقد مضى : انه كما لا تردد في موضوع الحكم العقلي ، كذلك لا تردد في موضوع الحكم الشرعي بطريق اولى.

(وسيجيء الاشارة إلى هذا) الّذي ذكرناه : من عدم تردّد العقل في حدود موضوع حكمه (في ردّ من زعم : ان نتيجة دليل الانسداد مهملة) فلا تفيد مراتب الظنّ وموارده واسبابه ، على نحو الكلّيّة و (مجملة) فلا تعطي خصوصيّات النتيجة ، والفرق بين الاهمال والاجمال : ان الاهمال : في مقام الثبوت والاجمال : في مقام الدلالة(مع عدّه) أي عدّ هذا الزاعم (دليل الانسداد دليلا عقليّا) على حجّيّة مطلق الظنّ (وحكما يستقل به العقل).

فانهم اختلفوا في ان مقدمات الانسداد لو تمت ، وانتجت حجّيّة الظنّ المطلق ، فهل النتيجة : الكشف او الحكومة؟.

١١٥

وأمّا ثانيا : فلأنّ العمل بالظنّ في مورد مخالفته للاصول والقواعد

______________________________________________________

ومعنى الكشف : ان المقدمات تكشف عن ان الشارع جعل الظنّ المطلق حجّة.

ومعنى الحكومة : ان نتيجة المقدمات تثبت ان العقل يحكم بحجّيّة الظنّ.

ثمّ ان القائل بالكشف ، له ان يقول : باجمال النتيجة ، اذ الاجمال يأتي في عالم الاثبات ، والدلالة في مراد الآخرين ، اما القائل بالحكومة فلا يتمكن من القول :

باجمال النتيجة ، اذ قد عرفت : ان العقل لا اجمال في حكومته ، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى.

(واما ثانيا) فلانّ المستدلّ استدلّ للزوم تحصيل الاعتقاد القطعي ، مدّعيا عدم كفاية العلم بالظنّ بدليل الاشتغال اليقيني بالتكليف ـ لانّا نعلم ان لكلّ واقعة حكما شرعيا ـ يستدعي البراءة اليقينية ، والبراءة لا تحصل إلّا باليقين وهو : العمل بالقطع ، لا بالتخيير بينه وبين الظنّ لاحتمال مخالفة الظنّ للواقع المؤدّية لعدم حصول البراءة اليقينيّة ، مع انه لا بدّ من احرازها بعد العلم بالشغل اليقيني.

لكن هذا الاستدلال غير محتاج اليه اذ هناك استدلال آخر مقدم عليه رتبة ، ممّا لا يدع مجالا لهذا الاستدلال وهو : ان الشارع امر بالعمل بالاصول والادلّة المخالفة ، فرضا ـ لهذا الظنّ ، فاذا اخذ المكلّف بالظنّ ، وترك الاصول والادلّة ، قطع بانه خالف الشرع ، (ف) لا تصل النوبة إلى ما ذكره المستدل : من احتمال المخالفة.

وذلك (لان العمل بالظنّ) ان كان على وجه التعبّد ، كان حراما ، لانه تشريع ـ كما عرفت ـ وان كان على وجه الاحتياط او التشهّي ، فان وافق الاصول والادلة ، حلّ بلا اشكال ، ولا كلام فيه ، وامّا(في مورد مخالفته للاصول والقواعد) الشرعيّة

١١٦

الذي هو محلّ الكلام مخالفة قطعيّة لحكم الشارع بوجوب الأخذ بتلك الاصول حتى يعلم خلافها فلا حاجة في ردّه الى مخالفته لقاعدة الاشتغال الراجعة إلى قدح المخالفة الاحتماليّة للتكليف المتيقّن ، مثلا إذا فرضنا أن الاستصحاب يقتضي الوجوب والظنّ حاصل بالحرمة ، فحينئذ يكون العمل بالظنّ مخالفة قطعيّة لحكم الشارع بعدم نقض اليقين بغير اليقين ،

______________________________________________________

ممّا سمّيناها بالادلة(الذي هو) مورد البحث و (محل الكلام) وانه جائز او حرام على نحو يكون (مخالفة قطعيّة لحكم الشارع) الّذي حكم (بوجوب الأخذ بتلك الاصول) والقواعد(حتّى يعلم خلافها) ويقطع بخلاف تلك الاصول والقواعد وما دام لم يقطع بالخلاف ، يكون العمل بالظنّ حراما من جهة انه طرح للقواعد الشرعيّة ، والاصول العملية.

إذن : (فلا حاجة في ردّه) أي ردّ العمل بالظن ـ كما ذكره المستدل ـ (إلى مخالفته لقاعدة الاشتغال الراجعة) تلك القاعدة(الى : قدح المخالفة الاحتماليّة ، للتكليف المتيقّن) حيث ذكر المستدل : ان العمل بالظنّ فيه احتمال المخالفة ، فاللازم : ان لا يعمل بالظنّ ، بل باليقين لان الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.

(مثلا : اذا فرضنا ان) الدليل الشرعي ، او (الاستصحاب : يقتضي الوجوب) في صلاة الجمعة ، حيث نشكّ في بقاء وجوبها بعد عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ام لا(والظنّ) بسبب خبر غير معتبر(حاصل بالحرمة ، فحينئذ يكون العمل بالظنّ) المذكور بترك صلاة الجمعة حراما ، لكونه (مخالفة قطعيّة لحكم الشارع) بسبب دليل اجتهادي ، قام على ان صلاة الجمعة واجبة ، او : (ب) سبب الاصل العملي الدال على (عدم نقض اليقين بغير اليقين) أي بالشكّ كما ورد في

١١٧

فلا يحتاج الى تكلّف ان التكليف بالواجبات والمحرّمات يقيني ، ولا نعلم كفاية تحصيل مطلق الاعتقاد الراجح فيها او وجوب تحصيل الاعتقاد القطعيّ وأنّ في تحصيل الاعتقاد الراجح مخالفة احتماليّة للتكليف المتيقّن فلا يجوز ، فهذا أشبه شيء بالأكل عن القفا.

فقد تبيّن ممّا ذكرنا

______________________________________________________

نصّ الاستصحاب.

(فلا يحتاج) في اثبات الحرمة ، لترك الجمعة ، بما ذكره المستدل (إلى تكلف : ان التكليف بالواجبات والمحرّمات يقيني) لانا نعلم بذلك ـ قطعا اجمالا ـ وهذا العلم يوجب علينا تحصيل الاعتقاد بتلك التكاليف مقدمة للعمل ، (و) لكن (لا نعلم) لبراءة الذمة(كفاية : تحصيل مطلق الاعتقاد الراجح فيها) أي في التكاليف الشامل للقطع والظنّ (او : وجوب تحصيل الاعتقاد القطعي) حيث الامر دائر بين التعيين والتخيير(وان في تحصيل الاعتقاد الراجح) من الظنّ فقط ، دون الاعتقاد القطعي ، وتحصيل العلم (مخالفة احتماليّة للتكليف المتيقن) حيث انا مكلفون بالاحكام قطعا(فلا يجوز) الاكتفاء بالظنّ ، دون تحصيل القطع.

(فهذا) التكلّف الّذي وقع فيه المستدل (اشبه شيء بالاكل عن القفا) لانه ترك الطريق الواضح : من كون العمل بالظنّ مخالفة قطعيّة للادلّة والاصول وسار في الطريق الملتوي : من كون العمل بالظنّ فيه احتمال مخالفة التكليف ، فاللازم تحصيل الاعتقاد القطعي ، فهو كما اذا كان نصّ القرآن يدلّ على : تحريم شيء ، وظاهر رواية ضعيفة يدل على : التحريم ايضا ، فيستدل انسان على التحريم بظاهر تلك الرواية ، ويدع نصّ القرآن الدال على التحريم.

(فقد تبيّن ممّا ذكرنا) : من الاشكال على الاصول التي ذكروها في باب التعبّد

١١٨

أنّ ما ذكرنا في بيان الأصل هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه ، وحاصله : أنّ التعبّد بالظنّ مع الشكّ في رضا الشارع بالعمل به في الشريعة تعبّد بالشك ، وهو باطل عقلا ونقلا.

وأمّا مجرّد العمل على طبقه فهو محرّم إذا خالف أصلا من الاصول اللفظيّة

______________________________________________________

بالظنّ : (انّ ما ذكرنا في بيان الاصل) : من حرمة التعبّد بالظنّ ، ما لم يدل على التعبّد به دليل ، انّه (هو الّذي ينبغي ان يعتمد عليه) ويرجع اليه.

(وحاصله : ان التعبّد بالظنّ ، مع الشكّ في) حجّيته ، وعدم العلم ب(رضا الشارع بالعمل به) أي بالظنّ يكون (في الشريعة ، تعبد بالشكّ) لانّا سواء ظننا او وهمنا او شككنا ، كنّا شاكّين في الحكم الّذي وصل الظنّ اليه ، فيكون من التشريع ، وادخال ما لم يعلم كونه من الدّين في الدّين.

(وهو) أي التعبّد بالشكّ (باطلا عقلا) لان العقل يرى لزوم العلم فيما ينسبه الانسان إلى المولى.

(و) باطل (نقلا) لان الآية الكريمة تقول :

(قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ ، أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(١).

هذا اذا كان على نحو التشريع.

(وامّا مجرد العمل على طبقه) ووفق الظنّ ، من دون النسبة والتشريع ، احتياطا او تشهّيا(فهو محرم ، اذا خالف اصلا من الاصول اللفظيّة).

كما اذا قال الشارع : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...)(٢).

__________________

(١) ـ سورة يونس : الآية ٥٩.

(٢) ـ سورة الحجرات : الآية ٦.

١١٩

او العمليّة الدالّة على وجوب الأخذ بمضمونها حتى يعلم الرافع.

فالعمل بالظنّ قد يجتمع فيه جهتان للحرمة ، كما إذا عمل به ملتزما أنّه حكم الله وكان العمل به مخالفا لمقتضى الاصول.

وقد يجتمع فيه جهة واحدة ، كما إذا خالف الأصل ولم يلتزم بكونه

______________________________________________________

وأتى خبر فاسق يدلّ على حرمة الجمعة في عصر الغيبة ، بينما تدلّ الآية على الوجوب ، فاذا طرحنا الوجوب لخبر الفاسق ، كان الاصل اللفظي مخالفا للظنّ الحاصل من خبر الفاسق.

(او) مخالفا للاصول (العملية) كما اذا اقتضى الاستصحاب : وجوب الجمعة ، ودلّ خبر الفاسق على : الحرمة(الدالة) تلك الاصول اللفظية او العملية(على وجوب الأخذ بمضمونها) اذ كيف يجتمع الاصل الّذي يجب العمل به ، مع العمل بالظنّ ، المخالف لذلك الاصل.

وهذا الوجوب مستمر(حتّى يعلم الرافع) فان الاصل يقول : خذ بمضموني ، حتّى تعلم الرافع لمضموني ، فاذا ظنّ الانسان بالرافع ـ ولم يعلمه ـ لم يحقّ له : الأخذ بالظنّ وترك الاصل.

وعليه : (ف) الصور أربع : اولا : (العمل بالظنّ قد يجتمع فيه جهتان للحرمة) جهة التشريع ، وجهة مخالفة الدليل (كما اذا عمل به) أي بمؤدى الظنّ (ملتزما انه حكم الله) فانه محرّم من جهة التشريع (وكان العمل به ، مخالفا لمقتضى الاصول) اللفظيّة او العمليّة فانه محرّم من جهة مخالفة الدليل.

(و) ثانيا : (قد يجتمع فيه) أي في العمل بالظنّ (جهة واحدة) للحرمة فقط(كما اذا خالف) العمل (الاصل) العملي او اللفظي (و) لكن (لم يلتزم : بكونه

١٢٠