إبراهيم [٢٦] التي أوردناها سابقا أيضا. ولقد فرّع المؤولون والمفسرون عن هذه الجملة معاني أو أحكاما أخرى. فذهب الطبري إلى أن فيها دليلا على أن العذاب لا يقع فقط على الضالّ المعاند لربّه بل يقع على الضالّ الذي يظن أنه على هدى. وهناك من فرّق بين من تحرّى واجتهد وظنّ أنه على هدى وبين من انحرف دون تحرّ واجتهاد تقليدا لغيره. فذهب إلى أن الأول يكون معذورا وأن العذاب لا يكون إلّا على الثاني. وهناك من قال إنه لا يكون بعد الإسلام عذر لمن يضلّ عن مبادئ الإسلام ومما فيها من عقائد وأحكام صريحة وقطيعة بنصّ قرآني أو سنّة نبوية ثابتة لأنّ فهم هذا من متناول الجميع. وإن العذر إنما يكون للمجتهد فيما ليس فيه نصّ صريح وقاطع بل ويكون له أجران إذا أصاب وأجر إذا أخطأ. ويتبادر لنا أن القول الأخير هو الأوجه الأسدّ. وهناك من قال إن الآية تدلّ على أن مجرد الظنّ والحسبان لا يكفي في صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم والقطع واليقين وفي هذا وجاهة وسداد أيضا (١). والله تعالى أعلم.
تعليق على (مَسْجِدٍ)
وبمناسبة ورود هذه الكلمة لأول مرة في هذه الآيات إنها تأتي في القرآن في معنى السجود والصلاة إطلاقا كما تأتي في معنى أماكنهما إطلاقا. غير أنها صارت علما على أماكن عبادة المسلمين ولا تطلق على أماكن غيرهم.
ولقد أثرت أحاديث نبوية كثيرة فيها حثّ على بناء المساجد والتنويه بمنشئيها وحثّ على غشيانها وما يجب على المسلمين إزاءها من آداب ، من ذلك حديث رواه الخمسة إلّا أبا داود عن عثمان قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول من بنى مسجدا يبتغي وجه الله بنى الله له مثله في الجنّة وفي رواية بيتا في الجنة» (٢).
__________________
(١) انظر تفسير الآية في تفسير رشيد رضا والقاسمي.
(٢) هذا الحديث والأحاديث التالية له منقولة من الجزء الأول من كتاب التاج ص ٢٠٥ وما بعدها.