منقوص ، فهم يعبدون الله بكل ما شرع. وأما من عداهم من المسلمين فهم ضالون لحرمانهم من كثير من كتاب الله تعالى وهدايته فيه.
أقول :
كل طائفة من طوائف هذه الأمة تعتقد أو تدَّعي بأنها هي الطائفة المحقّة والفرقة الناجية ، أهل السنة والشيعة في ذلك سواء.
والشيعة الإمامية يعتقدون بأنهم هم أهل الحق ، لأنهم تأمَّلوا المذاهب ، ونظروا في قول النبي صلىاللهعليهوآله : «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة» (١) ، ورأوا أن النبي قد
__________________
(١) أخرجه الترمذي في سننه ٥/٢٥ ، ٢٦ ، وأبو داود في سننه ٤/١٩٧ ، ١٩٨ ، وابن ماجة كذلك ٢/١٣٢١ ، ١٣٢٢ ، والدارمي كذلك ٢/٢٤١ ، واحمد في المسند ٢/٣٢ ، ٣/١٢٠ ، ١٤٥ ، والحاكم في المستدرك ١/٦ ، ١٢٨ ، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨/٢٥٨ ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ١/٧ ، ٢٥ ، ٣٢ ، ٣٣ ، والسيوطي في الجامع الصغير ١/١٨٤ ، والدر المنثور ٢/٢٨٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/٢٠٨ ، والبغوي في شرح السنة ١/٢١٣ ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ١/٦١ ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٣/٨٦ ، ٨٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧/٢٥٨ ، ٢٦٠. وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والبغوي والسيوطي فيما تقدم من كتبهم ، والبوصيري في مصباح الزجاجة ٣/٢٣٩ ، والسخاوي في المقاصد الحسنة ، ص ١٥٨ ، والشاطبي في الاعتصام ٢/١٨٩ ، والسفاريني في لوامع الأنوار البهية ١/٩٣ ، والزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار ٣/٢٣٠ ، وابن تيمية في كتاب المسائل كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة ١/٣٥٩ ، والألباني في سلسلته الصحيحة ١/ ٣٥٦ ،
عيَّن هذه الفرقة في أحاديث صحيحة ، منها قوله صلىاللهعليهوآله : «إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلُّوا بعدي أبداً» (١) ، وكَشَف المراد بأهل بيته في أحاديث أخر ، حيث قال : «اللهم هؤلاء أهلي» أو «... أهل بيتي» (٢) ، يعني
__________________
٣٥٨ ، وصحيح الجامع الصغير ١/٢٤٥ ، ٥١٦ ، وصحيح سنن أبي داود ٣/٨٦٩. وصحيح سنن ابن ماجة ٢/٣٦٤ ، بل ادعى السيوطي تواتره كما في فيض القدير ٢/٢١ ، وكذلك الكتاني في نظم المتناثر ، ص ٥٧.
(١) أخرجه الترمذي في سننه ٥/٦٦٢ ، ٦٦٣ ، وأحمد في المسند ٣/١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ، ٥/١٨١ ، ١٨٩ ، والحاكم في المستدرك ٣/١٠٩ ـ ١١٠ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/١٩٤ ، وابن ابي عاصم في كتاب السنة ، ص ٦٣٠/٦٢٩ ، والسيوطي في الجامع الصغير ١/٤٠٢ والدر المنثور ٧/٣٤٩ في تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى ، وفي إحياء الميت ، ص ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٨ ، ٥٥ ، ٥٦ ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٤/٦٥ ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ٣/١٧٣٥ ، أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ١/٣٣٥ ، والبغوي في شرح السنة ١٤/١١٩ ، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ص ٩٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١/١٧٠ ، ٩/١٦٢ وما بعدها ، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٤/١١٣ ، وفي البداية والنهاية ٥/١٨٤. وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والسيوطي وابن حجر العسقلاني والهيثمي وابن كثير فيما تقدم من كتبهم. وصححه كذلك ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ، ص ٤٥ ، ٢٢٨ ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/٣٥٥ وصحيح الجامع الصغير ١/٤٨٢.
(٢) قال صلىاللهعليهوآله ذلك في أحاديث كثيرة ، منها حديث المباهلة وحديث
علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام.
وعيَّن صلىاللهعليهوآله عدد أئمة الحق بقوله : «لا يزال الاسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ... كلهم من قريش» (١). ورأوا أن
__________________
الكساء. راجع صحيح مسلم ٤/١٨٧١ ، ١٨٨٣ ، وسنن الترمذي ٥/٢٢٥ ، ٣٥٢ ، والمستدرك ٣/١٠٨ ـ ١٠٩ ، ١٣٣ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٥٨ ، ومجمع الزوائد ٩/١٦٦ ، وما بعدها ، ومسند أحمد ١/١٨٥ ، ٣٣١/٣٣٠ ، ٤/١٠٧ ، ٦/٢٩٢ ، ٣٢٣ ، والاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٩/٦١ ، والسنن الكبرى ٢/١٤٩ ، ومسند أبي داود الطيالسي ، ص ٢٧٤ ، وكتاب السنة ، ص ٥٨٩/٥٨٨ ، ومشكاة المصابيح ٣/١٧٣١ ، والدر المنثور ٦/٦٠٣ وما بعدها في تفسير آية التطهير ، وتاريخ بغداد ١٠/٢٧٨ ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ص ٧/٣٠ ، ٤٩/٤٧ ، ٧٣.
(١) أخرج حديث الخلفاء الاثني عشر باختلاف ألفاظه : البخاري في صحيحه ٩/١٠١ كتاب الأحكام ، باب ٥١ ، ومسلم في صحيحه ٣/١٤٥٢ ـ ١٤٥٤ كتاب الإمارة ، باب ١ بتسعة طرق ، والترمذي في سننه ٤/٥٠١ بطريقين صححهما ، وأبو داود في مسنده ٤/١٠٦. بثلاثة طرق صحّحها الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣/٨٠٧. وأخرجه أحمد في مسنده ١/٣٩٨ ، ٥/٨٦ ـ ٩٠ ، ١٠١/٩٢ ، ١٠٨/١٠٦ ، والحاكم في المستدرك ٣/٦١٧ ، ٦١٨ ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ، ص ١٨٠ ، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الاولياء ٤/٣٣٣ ، وأبو عوانة في مسنده ٤/٣٩٦ ـ ٣٩٩ ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ٢/٥١٨ ، ٥٣٤ ، ٥٤٤ ، ٥٤٩ ، والبيهقي في دلائل النبوة ٦/٥١٩ ـ ٥٢٣ والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٢/١٢٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٥/١٩٠ ، ١٩١ ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٢/١٩٧ ، وابن حبان في صحيحه كما في الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان
أئمة أهل البيت الاثني عشر قد اتفقت الأمة على نجاتهم ونجاة أتباعهم.
فلما رأوا كل ذلك اتّبعوهم ، فصاروا بذلك هم الناجين دون غيرهم (١). أما أن الشيعة رأوا أنهم هم أهل الحق لما قاله الجزائري فهذا غير صحيح ، وقد أوضحنا ذلك فيما تقَّدم ، فلا نعيده.
قال الجزائري : أرأيت لو قيل لهذا القائل : أرِنا هذا القرآن الذي خَصَّ به آل البيت شيعتهم ، أرنا منه سورة أو سوراً يتحداه في ذلك ، فما ذا يكون موقفه؟
أقول :
إن أئمة أهل البيت عليهمالسلام لم يخصُّوا شيعتهم بقرآن غير هذا القرآن الذي يتداوله الناس ، ولو كان عندهم قرآن آخر لأظهروه ولما خافوا في الله لومة لائم ، وكل مَن نسب إليهم غير هذا فهو كاذب مفترٍ عليهم ، وقد أوضح ذلك أعلام المذهب في مصنفاتهم المعروفة ، وأثبتوا أن ما أنزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله هو ما بين
__________________
٨/٢٢٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، والبغوي في شرح السنة ١٥/٣٠ ، ٣١ والألباني في صحيح ابن الجامع الصغير ٢/١٢٧٤ ، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ١/٦٥١ رقم ٣٧٦ ، ٢/٦٩٠ رقم ٩٦٤.
(١) راجع كتابنا دليل المتحيرين ، فإنا ذكرنا فيه مزيداً من الأدلة الدالة على ان الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية دون غيرهم.
الدفتين ، لم يُزَد فيه ولم يُنقَص منه.
قال الشيخ الصدوق : اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلىاللهعليهوآله هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سُوَره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ... ومَن نسب إلينا أنا نقول : «إنه أكثر من ذلك» فهو كاذب (١).
وقال أمين الاسلام الطبرسي (ت ٥٤٨ ه) : الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ... لا يليق بالتفسير ، فأما الزيادة فيه فمُجمَع على بطلانها ، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء (٢).
وقال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ ه) : الكلام في زيادته ونقصانه ... الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى رحمهالله ، وهو الظاهر في
__________________
(١) الاعتقادات ، ص ٧٥/٧٤.
(٢) مجمع البيان ١/١٥.
الروايات (١).
وقال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه : أما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع منه ... وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلِمِه ولا من آية ولا من سورِه ، ولكن حُذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليهالسلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ...
وقد يسمَّى تأويل القرآن قرآناً ... وعندي أن هذا القول أشبه مِن مقال مَن ادَّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل.
وقال : وأما الزيادة فمقطوع على فسادها (٢).
وقال السيد رضي الدين ابن طاوس (ت ٦٦٤ ه) : كان القرآن مصوناً من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع (٣).
وقال الميرزا محمد حسن الآشتياني قدسسره : المشهور بين المجتهدين والأصوليين ، بل أكثر المحدثين عدم وقوع التغيير مطلقاً ، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك (٤).
__________________
(١) التبيان في تفسير القرآن ١/٣.
(٢) أوائل المقالات ، ص ٩١ ـ ٩٢.
(٣) سعد السعود ، ص ١٩٣/١٩٤.
(٤) بحر الفوائد ، ص ٩٩.
والحاصل أن القول بسلامة القرآن من التحريف بالزيادة أو النقصان هو الذي عليه عامة علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً ، ومن ذهب إلى غير هذا القول فهو شاذ لا يعتد ولا يعول عليه.
كشف الحقيقة الثالثة
قال الجزائري :
الحقيقة الثالثة
استئثار آل البيت وشيعتهم دون المسلمين بآيات
الأنبياء كالحجر والعصا
يشهد لهذه الحقيقة ويثبتها ما أورده صاحب الكافي بقوله : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : خرج أمير المؤمنين عليهالسلام في ليلة مظلمة وهو يقول : هَمْهَمة همهمة ، وليلة مظلمة ، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم ، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى.
وأورد أيضاً قوله : عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : ألواح موسى عندنا ، وعصا موسى عندنا ، ونحن ورثة النبيين.
أقول
كل الأحاديث المروية في هذا الباب من الكافي ضعيفة (١).
__________________
(١) الحديث الأول من الباب هو خبر محمد بن الفيض عن أبي جعفر عليهالسلام ، ومن جملة رواته سلمة بن الخطاب ، وهو ضعيف ضعفه النجاشي في رجاله ، ص ١٣٣ ،
أما الحديث الأول : الذي أورده الجزائري في حقيقته هذه فقد رواه الكليني رحمهالله عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن أبي الحسن الأسدي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام.
وحسبك أن من جملة رواته موسى بن سعدان ، وهو موسى بن سعدان الحناط الكوفي ، وهو ضعيف لا يعتمد حديثه.
قال النجاشي : موسى بن سعدان الحناط ضعيف في الحديث (١).
وقال ابن الغضائري : موسى بن سعدان الحناط كوفي ، روى عن
__________________
وابن الغضائري كما في معجم رجال الحديث ٨/٢٠٤ ، والعلامة في الخلاصة ، ص ٢٢٧ وغيرهم. ومن رواته أيضا منيع بن الحجاج البصري ومحمد ابن الفيض وهما مجهولان. وأما الحديث الثاني فهو خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وهو الحديث الثاني الذي ذكره الجزائري في حقيقته هذه ، وسيأتي بيان ما فيه. وأما الحديث الثالث والرابع (وهو أول الحديثين اللذين ذكرهما الجزائري هاهنا) فمن رواتهما موسى بن سعدان ، وهو ضعيف كما سيتضح حاله. وأما الحديث الخامس والأخير فمن رواته بشر بن جعفر وهو مجهول الحال ، والمفضل بن عمر وهو مختلف في وثاقته ، والمشهور ضعفه ، إذ ضعفه النجاشي في رجاله ، ص ٢٩٥ ، وابن الغضائري والعلامة في الخلاصة ، ص ٢٨٥ ، وابن داود وغيرهم. راجع تنقيح المقال ٣/٢٣٨.
(١) رجال النجاشي ، ص ٢٨٩.
أبي الحسن عليهالسلام ، ضعيف ، في مذهبه غلو (١).
ومثله كلام العلامة في الخلاصة (٢).
وأما الحديث الثاني : فقد رواه الكليني رحمهالله عن أحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الفضيل ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام.
وعمران بن موسى مشترك بين عمران بن موسى الخشاب ، وهو مجهول الحال ، وبين عمران بن موسى الأشعري ، وهو مجهول أيضاً ، وبين عمران بن موسى الزيتوني الثقة.
وأما موسى بن جعفر البغدادي فهو مجهول الحال ايضاً. قال
المامقاني : ظاهره كونه إمامياً ، إلا أن حاله مجهول (٣).
وأما محمد بن الفضيل فهو مشترك بين الضعيف وغيره.
قال المامقاني : الرجل إما ضعيف أو مجهول ، اتحد أو تعدد (٤).
__________________
(١) راجع تنقيح المقال ٣/٢٦٥ ، والخلاصة ، ص ٢٥٧.
(٢) الخلاصة ، ص ٢٥٧.
(٣) تنقيح المقال ٣/٢٥٤.
(٤) المصدر السابق ٣/١٧٢.
قال الجزائري : وبعد : أيها الشيعي إن هذا المعتقد في هذه الحقيقة بالذات يلزمك أموراً في غاية الفساد والقبح ، لا يمكنك وأنت العاقل إلا أن تتبرأ منها ولا تعترف بها ، وهي:
١ تكذيب علي رضي الله عنه في قوله وقد سئل : هل خصّكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم آل البيت بشيء؟ فقال : لا ، إلا ما كان في قراب سيفي هذا. فأخرج صحيفة مكتوباً فيها أموراً أربعة ، ذكرها أهل الحديث كالبخاري ومسلم.
أقول :
كل ما ذكره من اللوازم غير لازم للشيعة ، وذلك لأمرين :
الأول : أن أحاديث هذا الباب كما قلنا كلها ضعيفة ، والحديث الضعيف لا يُلزِم ولا يُلزَم به كما هو واضح.
الثاني : ما ظنه الجزائري من اللوازم ولا سيما الثالث والرابع مما ذكره هو في حقيقة الأمر ليس بلازم ، وهذا ما سيتضح فيما سيأتي قريباً.
أما ما ذكره من لزوم تكذيب علي عليهالسلام فيما قاله في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم فغير صحيح ، وذلك لأن هذا الحديث الذي ساقه ليس متواتراً عن علي عليهالسلام ، وإنما هو حديث رواه أهل السنة في كتبهم ، فلا يصح الاحتجاج به على غيرهم.
ولو سلَّمنا بصحته فلا نقطع بصدوره من علي عليهالسلام وإن كان حجة يلزم العمل به ، وذلك لأن الخبر الصحيح لا يفيد القطع ، بل غاية ما يفيده الظن.
ثمّ إنَّا لو صحَّحنا هاتين الروايتين أعني رواية الكليني ورواية البخاري وسلَّمنا بالتعارض بينهما ، فمَن أخذ بأحد الخبرين المتعارضين المرويين عن علي عليهالسلام وترك الآخر فإنه لا يُعَد مكذِّباً له عليهالسلام ، وإلا لما جاز العمل بالأخبار المتعارضة.
ثمّ إن أكثر الشيعة ولا سيَّما عوامّهم لم يطَّلعوا على هذا الحديث الذي رووه عن علي عليهالسلام ، فكيف يتحقق تكذيبهم لكلام لم يطلعوا عليه؟!
هذا مع أنه لا تعارض في البين بين أحاديث هذا الباب من الكافي والحديث الذي رووه عن علي عليهالسلام ، وذلك لأن المروي في صحيح البخاري أن علي عليهالسلام سُئل : هل عندكم كتاب؟ فقال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة ... (١).
وفيه أيضاً : عن علي رضي الله عنه ، قال : ما كتبنا عن النبي صلىاللهعليهوآله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة ، قال النبي صلىاللهعليهوآله : المدينة حرام ما بين
__________________
(١) صحيح البخاري ١/٣٨ كتاب العلم ، باب كتابة العلم.
عائر إلى كذا ، فمن أحدث أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ... (١).
وفيه أيضاً : أن علياً خطب فقال : ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة ... (٢).
وفي رواية مسلم أن علياً قال : من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة ، (قال : وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب ... (٣).
ولو سلَّمنا بصحة هذه الأحاديث فالظاهر منها أن علياً عليهالسلام قد أخبر أنه ليس عند آل بيت النبي صلىاللهعليهوآله شيء مكتوب يقرءونه ، قد خصَّهم به رسول الله صلىاللهعليهوآله دون الناس غير القرآن إلا تلك الصحيفة.
ولهذا قال ابن حجر في شرح قول السائل : «هل عندكم كتاب» : أي مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله مما أوحي إليه. ويدل على ذلك رواية المصنف يعنى البخاري في الجهاد : «هل عندكم شيء
__________________
(١) المصدر السابق ٤/١٢٤ ـ ١٢٥ كتاب الجزية ، باب إثم من عاهد ثمّ غدر.
(٢) المصدر السابق ٤/١٢٢ كتاب الجزية ، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة ...
(٣) صحيح مسلم ٢/١١٤٧ كتاب العتق ، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه.
من الوحي إلا ما في كتاب الله؟» (١) ، وله في الديات : «هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟» (٢) ، وفي مسند إسحاق بن راهوايه : عن جرير ، عن مطرف : «هل علمت شيئا من الوحي؟» (٣).
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي في شرح قول السائل : «هل عندكم من رسول الله صلىاللهعليهوآله شيء سوى القرآن؟» : أي شيء مكتوب ، وإلا فلا شك أنه كان عنده أكثر مما ذكر (٤).
ويدل على ذلك أيضاً أن ما ذكر في الصحيفة لم يكن من الأمور المخصوصة بعلي عليهالسلام دون سائر المسلمين (٥).
__________________
(١) صحيح البخاري ٤/٨٤ كتاب الجهاد ، باب فك الاسير.
(٢) المصدر السابق ٩/١٣ ـ ١٤ كتاب الديات ، باب العاقلة.
(٣) فتح الباري ١/١٦٥.
(٤) سنن النسائي بشرح السيوطي ٨/٢٣.
(٥) ما ذكر في الصحيفة هو : لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من سرق منار الارض ، ولعن الله من لعن والده ، ولعن الله آوى محدثا (راجع صحيح مسلم ٣/١٥٦٧ ، ومسند أحمد ١/١١٨). وذكر فيها أسنان الإبل ، وأشياء من الجراحات وفيها أيضا : المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، ومن ادعى الى غير أبيه ، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ، (راجع صحيح مسلم ٢/١١٤٧ ، ومسند أحمد ١/١١٩ ، ١٢٢ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، وسنن النسائي ٨/١٩ ، ٢٣ ، وسنن أبي داود ٤/١٨٠ ـ ١٨١ وما
قال أبو الطيب العظيم آبادي : ليس يخفى أن ما في كتابه أي صحيفة علي عليهالسلام ليس من الأمور المخصوصة (١).
ومثله قول السندي في حاشيته على سنن النسائي (٢).
وهذا يدل على أن مراد السائل هو معرفة ما إذا كان النبي صلىاللهعليهوآله قد اختص علياً عليهالسلام دون الناس بشيء مكتوب فيه شيء من العلم. لأن داعي السؤال هو أن علياً عليهالسلام كان إذا وقع حدث قال : صدق الله ورسوله. وهذا يشعر بأن النبي صلىاللهعليهوآله كان قد اختصّه بأمور غيبيّة تقع ، أخبره بها ولم يخبر أحداً سواه.
قال ابن حجر : السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق أبي حسّان ، أن علياً كان يأمر بالأمر فيقال : قد فعلناه. فيقول : صدق الله ورسوله. فقال له الأشتر : هذا الذي تقول أهو شيء عهد إليك رسول الله صلىاللهعليهوآله خاصةً دون الناس ... (٣).
__________________
سبق ذكره من صحيح البخاري).
(١) عون المعبود ١٢/١٦٠.
(٢) سنن النسائي بشرح السيوطي ٨/١٩.
(٣) فتح الباري ١/١٦٦.
وجواب علي عليهالسلام يدل على أن النبي صلىاللهعليهوآله لم يخصه بشيء مكتوب دون الناس إلا ما في تلك الصحيفة التي حوت أموراً غير مخصوصة به. أما ما خصّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غير ما ذكر فلم يقع في جواب علي عليهالسلام وإن قصده السائل.
ومنه يتضح أن الأحاديث المذكورة في الكافي في باب ما عند الأئمة عليهمالسلام من آيات الأنبياء عليهمالسلام لا تتنافى مع ما أخرجه البخاري ومسلم من أحاديث الصحيفة ، لأن تلك الأخبار تدل على أن النبي صلىاللهعليهوآله قد اختص أهل بيته ببعض آيات الأنبياء ، كقميص آدم وعصا موسى وخاتم سليمان ، وأحاديث الصحيفة تنفي أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله قد اختص علياً وأهل بيته عليهمالسلام بكتاب غير القرآن إلا تلك الصحيفة ، وهذا لا ينفي اختصاصه صلىاللهعليهوآله لأهل بيته بغير ذلك من المقتنيات والعلوم.
على أنَّا لو لم نقل إن النبي صلىاللهعليهوآله ورّث أهل بيته بعض آيات الأنبياء التي كانت عنده فلا نجد محذوراً في القول بحيازتهم لها بعد ذلك ، إذ انّها كانت في أيديهم عند ما قُبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فبقيت كذلك ، كما قالوا في حيازة أبي بكر لخاتم النبي صلىاللهعليهوآله ، وحيازة عائشة لبعض ثيابه ، وحيازة غيرهما لغيرها.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر (رض) ، قال : اتّخذ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتماً من ورِق (١) ، وكان في يده ، ثمّ كان بعدُ في يد أبي بكر ، ثمّ كان بعدُ في يد عمر ، ثمّ كان في يد عثمان ، حتى وقع بعد في بئر أريس ، نقشه : محمد رسول الله (٢).
وأخرج البخاري أيضاً بسنده عن أبي بردة ، قال : أخرجتْ إلينا عائشة رضي الله عنها كساءً ملبَّداً ، وقالت : في هذا نُزع روح النبي صلىاللهعليهوآله. وزاد سليمان ، عن حميد ، عن أبي بردة ، قال : أخرجتْ إلينا عائشة رضي الله عنها إزاراً غليظاً مما يُصنع باليمن ، وكساءً من هذه التي تدْعونها الملبَّدة (٣).
وهذه المقتنيات وغيرها بقيت بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد مَن كانت عنده كما نصَّ على ذلك ابن حجر ، حيث قال : إنه صلىاللهعليهوآله لم يُورِّث ولا بِيْع موجودُهُ ، بل تُرك بيد مَن صار إليه للتّبرك به ، ولو كانت ميراثاً لبيعت وقُسِّمت (٤).
__________________
(١) أي فضة.
(٢) صحيح البخاري ٢٠٢/٧ كتاب اللباس ، باب نقش الخاتم. وراجع ص ٢٠٣ ، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر ، ١٠٠/٤ كتاب فرض الخمس ـ باب ما ذكر من درع النبي (ص) وعصاه الخ. صحيح مسلم ١٦٥٦/٣ كتاب اللباس والزينة ، باب لبس النبي (ص) خاتماً من ورق ... الخ.
(٣) صحيح البخاري ٤/١٠١ كتاب فرض الخمس ، باب ما ذكر من درع النبي صلىاللهعليهوآله وعصاه ... الخ.
(٤) فتح الباري ٦/١٦٠.