القسم الثانى
في العلم الضّرورى (١)
واختلف النّاس فيه.
وقد قال القاضى أبو بكر : (٢)
العلم الضّرورى : هو الّذي يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد عن الانفكاك عنه سبيلا.
وهذه العبارة وإن وقع (٣) الاحتراز فيها (٣) عن علم الله ـ تعالى ـ إلا أنّه لا مانع من زوال العلم الضّرورى ، وثبوت أضداده كما يأتى ؛ فلا يكون جامعا.
وإن قيل : المراد به منع الانفكاك مقدورا للعبد ، أو عادة (٤) ، فيدخل العلم النظرى (٤) بعد حصوله ، فإنّه كذلك وليس ضروريّا عنده ؛ فلا يكون الحدّ مانعا ، وإنّما يصح أن لو أريد به منع الانفكاك قبل النّظر مقدورا للمكلّف ، أو عادة (٥).
والحقّ أن الضّرورى قد يطلق على ما أكره عليه ، وعلى ما تدعو الحاجة إليه دعوا قويّا : كالحاجة إلى الأكل في المخمصة ، وعلى (٦) ما سلب فيه الاقتدار على الفعل والترك : كحركة المرتعش. إلا أنّ إطلاق العلم الضّرورى على العلم الحادث ؛ إنّما هو بهذا الاعتبار الأخير.
وعلى هذا : فالعلم الضّرورى : هو العلم الحادث الّذي لا قدرة للمخلوق على تحصيله بالنّظر والاستدلال. (٧)
وذلك كالعلم بالمحسوسات (٨) الظّاهرة (٨) : كالعلم بالمسموعات ، والمبصرات ، والمشمومات ، والمذاقات ، والملموسات.
__________________
(١) انظر أصول الدين للبغدادى ص ٨ ، ٩ ، ٣١ ، ٣٢ والمغنى للقاضى عبد الجبار ١٢ / ٥٩ ، وشرح الأصول الخمسة له أيضا ص ٤٨ والإرشاد للجوينى ص ١٣ ـ ١٥ والشامل له أيضا ص ١١١ ـ ١١٤ وشرح المواقف للجرجانى ص ٣٨ وشرح المقاصد للتفتازانى ص ١٥.
(٢) انظر التمهيد ص ٣٥ والإنصاف ص ١٤.
(٣) فى ب (فيها الاحتراز).
(٤) فى ب (فيدخل فيه العلم النظرى وثبوت أضداده).
(٥) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).
(٦) فى ب (وإلى).
(٧) انظر الإحكام للآمدى ١ / ١٠ ومنتهى السئول ١ / ٥ له أيضا.
(٨) فى ب (بالحس الظاهر).