قال ابن الخطيب (١) : «والسّكوت عن هذه المباحث واجب ؛ لأنه ليس فيها نصّ متواتر ، ولا يتعلّق بها عمل حتى يكتفى فيها بالظّن المستفاد من أخبار الآحاد».
فصل في المراد بالحجر
إن قلنا : الألف واللام في «الحجر» للعهد ، فالإشارة إلى حجر معلوم ، روي أنه حجر طوري مربّع قدر رأس الشّاة يلقى في كسر جوالق ويرحل به ، ينبع من كل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين تسيل في جدول إلى ذلك السّبط ، فإذا نزلوا وضع في وسط محلّتهم.
وقيل : بل كانوا يجدونه في كل مرحلة في منزلته من المرحلة الأولى ، وهذا من [أعظم](٢) الإعجاز.
وقال سعيد بن جبير : هو الحجر الذي وضع عليه موسى ثوبه حين اغتسل ، فضربه حتى برّأه الله مما رموه به من الأدرة ، فقال له جبريل : فيقول الله ـ تعالى ـ لك : ارفع هذا الحجر ، فإن لي فيه قدرة ، ولك فيه معجزة ، فحمله في مخلاته. قال أبو روق : كان من [الكدّان](٣) ، وقيل : من الرّخام.
[فإن قلت](٤) : الألف واللام للجنس ، فمعناه : [اضرب] أي حجر كان.
قال الحسن : لم يأمره أن يضرب حجرا بعينه ، قال : وهذا أظهر في الحجّة. وروي أنه كان يضره ضربة واحدة ، فيظهر فيه اثنتا عشر عينا كل عين مثل ثدي المرأة فيعرق ، وهو الانبجاس ، ثم ينفجر بالأنهار.
قال عطاء : ثم يضربه ضربة واحدة فيببس.
وقال عبد العزيز بن يحيى الكتاني (٥) : كان يضربه اثنتا عشرة ضربة لكل عين ضربة.
قال القرطبي : ما أوتي نبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ من نبع الماء وانفجاره من بين أصابعه أعظم في المعجزة ، فإنا نشاهد الماء يتفجّر من الأحجار ، ومعجزة نبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ يخرج الماء من بين لحم ودم!
وروى الأئمة الثقات عن عبد الله قال : كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم فلم مجد ماء فأتي بتور
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٨٩.
(٢) في ب : عظيم.
(٣) في ب : الكتان.
(٤) في ب : وإن قلنا.
(٥) عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكتاني المكي : فقيه مناظر. كان من تلاميذ الإمام الشافعي يلقب بالغول لدمامته ، قدم بغداد في أيام المأمون له تصانيف عديدة منها الحيدة مطبوع ، رسالة في مناظرة لبشر المريسي توفي في ٢٤٠ ه.
ينظر تهذيب التهذيب : ٦ / ٣٦٣ ، دول الإسلام : ١ / ١١٣ ، مفتاح السعادة : ٢ / ١٦٣ ، ميزان الاعتدال : ٢ / ١٤١ ، الأعلام : ٤ / ٢٩.