٧ ـ كانت علاقة الإمام الكاظم عليهالسلام حسنة مع المهدي
روى في الكافي ( ١ / ٣٥٨ ) قصة موسى بن عبد الله بن الحسن المعروف بموسى الجون ، وأن الإمام الصادق عليهالسلام نصحه أن لا يخرج مع أخيه محمد الذي ادعى المهدية ، وأخبرهم بأنه سيهزم معهم ويتشرد ، ونصحه بأن يطلب الأمان من العباسيين . وكيف طلب الأمان من المهدي العباسي فعفا عنه وأعطاه جائزة ، وأعطى للإمام الكاظم لأنه كأبيه الصادق عليهماالسلام لايريان الثورة على العباسيين !
فقد حكى موسى الجون مجيئه مع أبيه عبد الله بن الحسن الى الإمام الصادق عليهالسلام ومحاولته أن يأخذ منه البيعة لولده محمد على أنه هو المهدي الموعود ! فقال له الإمام عليهالسلام : « فوالله إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ، والله إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها ، والله لكأني به صريعاً مسلوباً بزته بين رجليه لبنة ! ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع ! قال موسى بن عبد الله : يعنيني ، وليخرجن معه فيهزم ويقتل صاحبه ، ثم يمضي فيخرج معه راية أخرى ، فيقتل كبشها ويتفرق جيشها ، فإن أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس ، حتى يأتيه إليه بالفرج » .
قال موسى : « فلما ضاقت علي الأرض واشتد
بي الخوف ، ذكرت ما قال أبو عبد الله عليهالسلام
فجئت إلى المهدي وقد حج وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر فقلت : لي الأمان يا أمير المؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي . فقال : نعم ، ما هي ؟ قلت : أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن ! فقال لي : نعم لك الأمان ، فقلت له : أعطني ما أثق به ، فأخذت منه
عهوداً ومواثيق ووثقت لنفسي ، ثم قلت : أنا موسى بن عبد الله ، فقال لي : إذاً تُكرم وتحبى ! فقلت له : أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عندك ، فقال لي : أنظر إلى من أردت ، فقلت : عمك العباس بن محمد ، فقال العباس : لا حاجة لي فيك ، فقلت : ولكن لي فيك الحاجة ، أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني فقبلني شاء أو أبى ، وقال لي المهدي : من يعرفك ، وحوله أصحابنا أو أكثرهم ؟ فقلت : هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن بن عبد الله بن العباس يعرفني ! فقالوا : نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا ! ثم قلت للمهدي : يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل وأشرت إلى موسى بن جعفر ! قال موسى بن عبد الله : وكذبت على جعفر كذبة فقلت له : وأمرني أن أقرئك السلام وقال إنه إمام عدل وسخاء !
قال : فأمر لموسى بن جعفر بخمسة آلاف دينار ، فأمر لي منها موسى بألفي دينار ، ووصل عامة أصحابه ووصلني فأحسن صلتي .
فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين فقولوا صلى الله عليه وملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبد الله بأطيب ذلك ، وجزى موسى بن جعفر عني خيراً ، فأنا والله مولاهم بعد الله » !
كما أن علاقة الإمام الكاظم عليهالسلام كانت حسنة مع والي المدينة ، فقد روى الزيات في طب الأئمة / ٩٢ ، أن والي المدينة شكى الى الإمام الكاظم عليهالسلام : « تواتر الوجع على ابنه ، قال : تكتب له هذه العوذة في رق ، وتصيرها في قصبة فضة وتعلق على الصبي ، يدفع الله عنه بها بكل علة » .
٨ ـ وكان المهدي يحترم مقام الإمام الكاظم عليهالسلام
١ ـ في السنة الثانية لتوليه الخلافة وهي سنة ستين ومائة حج المهدي : « وأمر بتوسعة المسجد الحرام ، وكشط كسوة الكعبة ، وكساها » . ( المحبر / ٣٦ ) .
« لما بنى المهدي المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد ، فطلبها من أربابها فامتنعوا ، فسأل عن ذلك الفقهاء فكل قال له إنه لا ينبغي أن يدخل شيئاً في المسجد الحرام غصباً ، فقال له علي بن يقطين : يا أمير المؤمنين لو كتبت إلى موسى بن جعفر لأخبرك بوجه الأمر في ذلك . فكتب إلى والي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك ؟ فقال أبو الحسن : ولا بد من الجواب في هذا ؟ فقال له : الأمر لا بد منه ، فقال له : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى بفنائها ، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها . فلما أتى الكتاب إلى المهدي أخذ الكتاب فقبله ، ثم أمر بهدم الدار ! فأتى أهل الدار أبا الحسن فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتاباً في ثمن دارهم ، فكتب إليه أن ارضخ لهم شيئاً فأرضاهم » . ( تفسير العياشي : ١ / ١٨٥ ) .
٢ ـ « عن علي بن يقطين أنه قال : أمر
أبو جعفر الدوانيقي يقطين أن يحفر له بئراً بقصر العبادي ، فلم يزل يقطين في حفرها حتى مات أبو جعفر ولم يستنبط منها الماء ، وأخبر المهدي بذلك فقال له : إحفر أبداً حتى يستنبط الماء ، ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال ! قال : فوجه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها ، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقباً في أسفل الأرض ، فخرجت منه الريح قال فهالهم
ذلك ! فأخبروا به أبا موسى فقال : أنزلوني ! قال : فأنزل وكان رأس البئر أربعين ذراعاً في أربعين ذراع ، فأجلس في شق محمل ودلي في البئر ، فلما صار في قعرها نظر إلى هول ، وسمع دوي الريح في أسفل ذلك ، فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ، ثم دلى فيه رجلاً في شق محمل فقال : إيتوني بخبر هذا ما هو ؟ قال : فنزلا في شق محمل فمكثا ملياً ، ثم حركا الحبل فأصعدا فقال لهما : ما رأيتما ؟ قالا : أمراً عظيماً ! رجالا ! ونساءً وبيوتاً وآنيةً ومتاعاً ، كله ممسوخ من حجارة ! فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم ، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ ، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشا شبه الهباء ومنازل قائمة !
قال : فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي ، فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر عليهالسلام يسأله أن يقدم عليه فقدم عليه ، فأخبره فبكى بكاءً شديداً وقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد ، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الأحقاف ! قال : فقال له المهدي : يا أبا الحسن وما الأحقاف ؟ قال : الرمل » . ( الإحتجاج : ٢ / ١٥٩ ، وبعضه اليعقوبي : ٢ / ٤٠٢ ، وتاريخ الطبري : ٦ / ٣٧٨ )
وفي معجم البلدان : ٤ / ٣٠٤ : « قبر العبادي : منزل في طريق مكة من القادسية إلى العذيب ، ثم المغيثة ، ثم القرعاء ، ثم واقصة ، ثم العقبة ، ثم القاع ، ثم زبالة ، ثم شقوق ، ثم قبر العبادي ، ثم الثعلبية ، وهي ثلث الطريق » .
وفي الخرائج : ٢
/ ٦٥٥ : « ومنها : أن المهدي أمر بحفر بئر
بقرب قبر العبادي لعطش الحاج هناك ، فحفرت أكثر من مائة قامة ، فبينا هم كذلك يحفرون إذ خرقوا خرقاً فإذا تحته هواء لا يدرى ما قعره ، فإذا هو مظلم وللريح فيه دوي ! فأدلوا
رجلين إلى مستقره فلما خرجا تغيرت ألوانهما وقالا : رأينا دوي هواء واسعاً ورأينا بيوتاً قائمة ورجالاً ونساء ، وإبلاً وبقراً وغنماً كلما مسسنا شيئاً منها رأيناه هباءً . فسئل الفقهاء عن ذلك ، فلم يدر أحد ما هو . فقدم أبو الحسن موسى عليهالسلام على المهدي فسأله عنه فقال : أولئك أصحاب الأحقاف ، هم بقية من عاد ساخت بهم منازلهم . وذكر على مثل ما قال الرجلان » .
وفي تفسير القمي : ٢ / ٢٩٨ : « فلما وليَ المتوكل أمر أن يحفر ذلك البئر أبداً حتى يبلغ الماء ! فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة حتى انتهوا إلى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرج منها ريح باردة فمات من كان بقربها . فأخبروا المتوكل بذلك فلم يعلم بذلك ما ذاك ! فقالوا : سل ابن الرضا عن ذلك وهو أبو الحسن علي بن محمد عليهماالسلام فكتب إليه يسأل عن ذلك ، فقال أبو الحسن : تلك بلاد الأحقاف ، وهم قوم عاد الذين أهلكهم الله بالريح الصرصر » .
ويبدو أن المقصود ثمود بقايا قوم عاد ، لأن مساكن عاد الأولى في حضرموت والربع الخالي ، ففي كنز الفوائد / ١٧٩ ، أن أمير المؤمنين عليهالسلام سأل رجلاً من حضرموت : « أعالمٌ أنت بحضرموت ؟ فقال الرجل : إن جهلتها لم أعلم شيئاً ! قال : أفتعرف موضع الأحقاف ... الخ . » .
٩ ـ ومع ذلك أراد المهدي العباسي قتل الإمام عليهالسلام !
قال في تاريخ بغداد : ١٣ / ٢٩ : « أقدمه المهدي بغداد ، ثم رده إلى المدينة وأقام بها إلى أيام الرشيد » .
وفي الكافي : ١ / ٤٧٧ ، وقرب الإسناد / ٣٣٠ : « عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبو الحسن موسى عليهالسلام زبالة ، ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم المهدي في إشخاصه إليه ، أمرني بشراء حوائج له ونظر إلي وأنا مغموم فقال : يا با خالد مالي أراك مغموماً ؟ قلت : جعلت فداك هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنه عليك ! فقال : يا با خالد ليس علي منه بأس ، إذا كانت سنة كذا وكذا وشهر كذا وكذا فانتظرني في أول الميل ، فإني أوافيك إن شاء الله . قال : فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور والأيام ، فغدوت إلى أول الميل في اليوم الذي وعدني ، فلم أزل انتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب فلم أر أحداً فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم ، فنظرت قرب الميل فإذا سواد قد رفع ، قال : فانتظرته فوافاني أبو الحسن عليهالسلام أمام القطار على بغلة له فقال : إيهٍ يا با خالد ! قلت : لبيك جعلت فداك قال : لا تشكن ، ود والله الشيطان أنك شككت ! قلت : قد كان والله ذلك جعلت فداك ! قال : فسررت بتخليصه وقلت : الحمد الله الذي خلصك من الطاغية . فقال : يا با خالد إن إن لي إليهم عودة لا أتخلص منهم » ! والخرائج : ١ / ٣١٥ والمناقب : ٣ / ٤١٣ .
ورواه في دلائل الامامة /
٣٣٥
، وفيه : «فنزل في هاتين القبتين في يوم شديد
البرد في سنة مجدبة ، لا يقدر على عود يستوقد به تلك السنة ، وأنا يومئذ أرى رأي الزيدية أدين الله بذلك فقال لي : يا أبا خالد إئتنا بحطب نستوقد . قلت : والله ما أعرف في
المنزل عوداً واحداً ، فقال : كلا ، خذ في هذا الفج فإنك تلقى أعرابياً معه حملين فاشترهما منه ولا تماكسه ، فركبت حماري وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي ، فإذا أعرابي معه حملين حطب فاشتريتهما منه وأتيته فاستوقدوا منه يومهم . وأتيته
بظرف مما عندنا يطعم منه ، ثم قال : يا أبا خالد أنظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتى نقدم عليك يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا .
قال أبو خالد : وكتبت تاريخ اليوم وليس همي غير هذه الأيام ، فلما كان يوم الميعاد ركبت حماري وسرت أميالاً ونزلت فقعدت عند الجبل أفكر في نفسي ، وأقول : والله إن وافاني هذا اليوم الذي قال لي ، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه لا يسع الناس جهله ! فقعدت حتى أمسيت ، وأردت الإنصراف فإذا أنا براكب مقبل فأشرت إليه فأقبل إلي فسلم فرددت عليهالسلام فقلت : وراءك أحد ؟ قال : نعم ، قطار فيه نحو من عشرين يشبهون أهل المدينة .
قال : فما لبثت أن ارتفع القطار فركبت حماري وتوجهت نحو القطار فإذا هو يهتف بي : يا أبا خالد هل وفينا لك بما وعدناك ؟ قلت : قد والله كنت أيست من قدومك حتى أخبرني راكب ، فحمدت الله على ذلك وعلمت أنك هو .
قال : ما فعلت القبتان اللتان كنا نزلنا
فيهما ؟ قلت : جعلت فداك تذهب إليهما ؟ وانطلقت معه حتى نزل القبتين فأتيناه بغذاء فتغذى وقال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : أصلحتها فأتيته بها فسر بذلك ، فقال : يا أبا خالد ، زودنا
من هذه الفسقارات التي بالمدينة ، فإنا لا نقدر فيها على هذه الأشياء التي تجدونها
عندكم . قال : فلم يبق شئ إلا زودته منه ، ففرح وقال : سلني حاجتك ، وكان معه محمد أخوه . قلت : جعلت فداك أخبرك بما كنت فيه وأدين الله به ، إلى أن وقعت عليك وقدمت علي فسألتني الحطب ، فأخبرتك بما أخبرتك ، فأخبرتني بالأعرابي ، ثم قلت لي إني موافيك يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا ، فكان كما
قلت ، لم ينقص ولم يزد يوماً واحداً ، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته لا يسع الناس جهلك ، فحمدت الله لذلك . فقال : يا أبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الإسلام » .
ولم أجد كلمة ( الفسقارات ) ولا بد أنها سلعة تتوفر في محطة زبالة ، دون المدينة .
ويظهر أن المهدي بعث جماعة أو سرية ، ليُحضروا الإمام الكاظم عليهالسلام ، ليقتله ، وقد ناظره أولاً ، ثم حبسه وعزم على قتله ، فرأى ذلك المنام المرعب فأطلقه ، وعاد الإمام عليهالسلام الى المدينة في الوقت الذي حدده لأبي خالد الزبالي رحمهالله !
ويبدو أن الإمام عليهالسلام أخذ عائلته معه في تلك السفرة ، ففي الكافي : ٣ / ٢٠٢ : « لما رجع أبو الحسن موسى عليهالسلام من بغداد ومضى إلى المدينة ، ماتت له ابنة بفيد ، فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر » . وتقع فيد ، بين الحجاز والعراق ، جنوب حائل . ( معجم البلدان : ٤ / ٢٨٢ ) .
وسيأتي أن المهدي حبس الإمام عليهالسلام فرأى مناماً مرعباً فأطلقه .
١٠ ـ وأخبر عليهالسلام بأن المهدي لا يقتله ولا الذي بعده !
« عن ابن سنان قال : دخلت على أبي الحسن
موسى عليهالسلام
من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعليٌّ ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليَّ فقال : يا محمد أما إنه سيكون في
هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ! قال قلت : وما يكون جعلت فداك ؟ فقد أقلقني ما ذكرت ! فقال : أصير إلى الطاغية ، أما إنه لا يبدأني منه سوء ، ومن الذي يكون بعده . قال قلت : وما يكون جعلت فداك ؟ قال : يضل الله الظالمين ويفعل الله ما
يشاء ! قال قلت : وما ذاك جعلت فداك ؟ قال : من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي ، كان كمن ظلم علي بن أبي طالب حقه وجحده إمامته بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ! قال قلت : والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته . قال : صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده . قال قلت : ومن ذاك ؟ قال محمد ابنه ! قال قلت : له الرضا والتسليم » . ( الكافي : ١ / ٣١٩ ) .
١١ ـ قال الإمام عليهالسلام للخليفة : ما بال مظلمتنا لاترد ؟!
في الكافي : ١
/ ٥٤٣ : « عن علي بن أسباط قال : لما ورد أبو
الحسن موسى عليهالسلام
على المهدي رآه يرد المظالم فقال : يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ فقال له
: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه صلىاللهعليهوآله فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآله
: وَآتِ
ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ
، فلم يدر رسول الله صلىاللهعليهوآله
من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل ، وراجع جبرئيل ربه فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة عليهاالسلام
، فدعاها رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال لها : يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدكاً ، فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك ! فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها : إئتيني بأسود أو أحمر يشهد
لك بذلك ، فجاءت بأمير المؤمنين عليهالسلام
وأم أيمن ، فشهدا لها فكتب لها بترك التعرض ، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال : ما هذا معك يا بنت محمد ؟
قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة ، قال أرينيه فأبت ، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه ، فقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولاركاب ، فضعي الحبال في رقابنا !
فقال له المهدي : يا أبا الحسن حُدَّهَا لي ، فقال : حد منها جبل أحد ، وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل !
فقال له : كل هذا ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين هذا كله ، إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله صلىاللهعليهوآله بخيل ولاركاب ! فقال : كثيرٌ ، وأنظر فيه » !
أقول : يشمل هذا التحديد قسماً من الجزيرة وبلاد الشام الى العريش ، وهو أول حدود مصر ( معجم البلدان : ٣ / ٣١٢ ) وقسمٌ من هذه البلاد فتح عنوة ، فلا بد أن يكون استحقاق النبي صلىاللهعليهوآله لأرضها بسبب أنها لم تفتح بإذن الإمام بعده عليهالسلام ، ولا ينافي ذلك أن الإمام شارك في فتحها ، وخطط لمعاركها عسكرياً .
وقد روي أن الإمام الكاظم عليهالسلام حدد فدكاً للرشيد بتحديد آخر ، يشمل كل الدولة الإسلامية ، ليقول له بذلك إن فدكاً رمز لظلامتنا في الخلافة !
ففي مناقب آل أبي طالب : ٣
/ ٤٣٥ : « في كتاب أخبار الخلفاء : أن هارون
الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : خذ فدكاً حتى أردها إليك فيأبى حتى ألح عليه فقال عليهالسلام لا آخذها إلا بحدودها ! قال : وما حدودها ؟ قال : إن حددتها لم تردها ؟ قال : بحق جدك إلا فعلت ، قال أما الحد الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد وقال : إيهاً ، قال : والحد الثاني سمرقند . فاربد وجهه ! والحد الثالث : إفريقية ، فاسود وجهه وقال : هيه ! قال : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية ! قال الرشيد : فلم
يبق لنا شئ ، فتحول إلى مجلسي ! قال موسى : قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها ! فعند ذلك عزم على قتله !
وفي رواية ابن أسباط أنه قال : أما الحد الأول فعريش مصر ، والثاني دومة الجندل ، والثالث أحد ، والرابع سيف البحر . فقال : هذا كله هذه الدنيا ! فقال : هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب ، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة عليهاالسلام » .
ويظهر أن المهدي العباسي أرجع فدكاً للإمام عليهالسلام ، لكن بالحدود التي رآها !
ففي الطرائف / ٢٥٢ : « ذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الأوائل أن أول من رد فدكاً على ورثة فاطمة عليهاالسلام عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان بن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية ، وجعلها بينهم أثلاثاً ، ثم قبضت من ورثة فاطمة عليهاالسلام فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدي ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه .
ومن غير كتاب أبي هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ، ثم قبضت فردها عليهم المستعين ، ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ، ثم قبضت فردها المعتضد ، ثم قبضت فردها عليهم الراضي » !
وفي تاريخ الذهبي : ٩
/ ٣١ : « وحدث أيوب بن عمر قال : لقي جعفر
بن محمد أبا جعفر المنصور فقال : يا أمير المؤمنين رد علي قطيعتي عين أبي زياد آكل منها ، قال : إياي تكلم هذا الكلام ، والله لأزهقن نفسك ! قال : فلا تعجل عليَّ فقد
بلغت ثلاثاً وستين سنة وفيها مات أبي وجدي وعلي بن أبي طالب ، فرق له ، فلما مات المنصور رد المهدي على أولاد أبي جعفر عين أبي زياد » .
١٢ ـ المهدي العباسي يختبر علم الإمام الكاظم عليهالسلام
في الكافي : ٦ / ٤٠٦ : « عن علي بن يقطين قال : سأل المهدي أبا الحسن عليهالسلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل ، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها ؟ فقال له أبو الحسن عليهالسلام : بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير المؤمنين ، فقال له : في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه يا أبا الحسن ؟ فقال : قول الله عز وجل : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالآثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ . فأما قوله : ما ظهر منها ، يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية . وأما قوله عز وجل : وما بطن ، يعني ما نكح من الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلىاللهعليهوآله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها ، تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه . فحرم الله عز وجل ذلك . وأما الإثم فإنها الخمرة بعينها ، وقد قال الله عز وجل في موضع آخر : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ . فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر ، وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى .
قال فقال المهدي : يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية . قال قلت له : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال : فوالله ما صبر المهدي أن قال لي : صدقت يا رافضي » .
وفي الإحتجاج : ٢ / ٣٤٦ : « فقال لأبي الحسن موسى عليهالسلام : إني أريد أن أسألك عن شئ ، قال : هات . فقال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح ، قال : فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه ؟ قال : نعم . قال : فما فرق بين هذا وذلك ؟ قال أبو الحسن موسى عليهالسلام : ما تقول في الطامث تقضي الصلاة ؟ قال : لا ، قال : تقضي الصوم ؟ قال : نعم ، قال : ولم ؟ قال : إن هذا كذا جاء . قال أبو الحسن عليهالسلام : وكذلك هذا ! قال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئاً ! قال : يا أمير المؤمنين رماني بحجة » . ومناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٩ .
١٣ ـ الإمام عليهالسلام يأمر تلاميذه بإيقاف المناظرة في زمن المهدي
في رجال الطوسي : ٢ / ٥٤٢ : « عن يونس قال : قلت لهشام إنهم يزعمون أن أبا الحسن عليهالسلام بعث إليك عبد الرحمن بن الحجاج يأمرك أن تسكت ولا تتكلم ، فأبيت أن تقبل رسالته ! فأخبرني كيف كان سبب هذا ، وهل أرسل إليك ينهاك عن الكلام أو لا ، وهل تكلمت بعد نهيه إياك ؟
فقال هشام : إنه لما كان أيام المهدي
شدد على أصحاب الأهواء ، وكتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفاً صنفاً ، ثم قرأ الكتاب على الناس فقال يونس : قد سمعت هذا الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ، ومرة أخرى بمدينة الوضاح ، فقال إن ابن المقعد صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة ، حتى قال في كتابه : وفرقة منهم يقال لهم الزرارية ، وفرقة منهم يقال لهم العَمَّارية أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لها اليعفورية ، ومنهم فرقة أصحاب
سليمان الأقطع ، وفرقة يقال لها الجواليقية . قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ولا أصحابه ، فزعم هشام ليونس أن أبا الحسن عليهالسلام بعث إليه فقال له : كفَّ هذه الأيام عن الكلام فإن الأمر شديد قال هشام : فكففت عن الكلام حتى مات المهدي وسكن الأمر ، فهذا الذي كان من أمره ، وانتهائي إلى قوله » .
وفي / ٥٤٧ ، عن هشام : « أتاني عبد الرحمن بن الحجاج ، وقال لي يقول لك أبو الحسن : أمسك عن الكلام هذه الأيام ، وكان المهدي قد صنف له مقالات الناس وفيه مقالة الجواليقية هشام بن سالم ، وقرأ ذلك الكتاب في الشرقية ، ولم يذكر كلام هشام ، وزعم يونس أن هشام بن الحكم قال له : فأمسكت عن الكلام أصلاً حتى مات المهدي ، وإنما قال لي هذه الأيام » .
١٤ ـ قرر المهدي أن يقتل الإمام عليهالسلام فرأى مناماً مرعباً
في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤١٨ : « لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال : إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف ، فقال : أفديك بالمال والنفس ، فقال : هذا لسائر الناس ، قال : أفديك بالروح والمال والأهل والولد ، فلم يجبه المهدي فقال : أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين ! فقال : لله درك ، فعاهده على ذلك ، وأمره بقتل الكاظم عليهالسلام في السحر بغتة ، فنام فرأى في منامه علياً عليهالسلام يشير إليه ويقرأ : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ؟ فانتبه مذعوراً ، ونهى حميداً عما أمره ، وأكرم الكاظم عليهالسلام ووصله » .
وقد روت عامة مصادر السنة عزم المهدي على قتل الإمام عليهالسلام ومنام المهدي العباسي المتقدم ، كتاريخ بغداد : ١٣ / ٣٢ ، وتهذيب الكمال : ٢٩ / ٤٩ ، وسير الذهبي : ٦ / ٢٧٢ ، وتاريخه : ١٢ / ٤١٨ ، وصفة الصفوة : ٢ / ١٨٤ ، والمستطرف : ٢ / ١٥٧ ، والفصول المهمة : ٢ / ٩٣٧ .
الفصل السادس
الإمام الكاظم عليهالسلام وموسى الهادي العباسي
١ ـ الخليفة موسى الهادي قصير العمر كثير الشر
أوصى المهدي بالخلافة الى ابنيه من زوجته المفضلة خيزران ، فجعل ولي عهده موسى الهادي ، وبعده أخاه هارون الرشيد .
وحكم المهدي عشر سنوات ، وكان في الصيد يطارد مع كلابه غزالاً ، فاقتحم به فرسه خربة فاصطدم رأسه بعتبة بابها فمات على الفور سنة ١٦٩ ، فحكم بعده ابنه موسى الهادي سنة وربعاً ، ومات وعمره ٢٦ سنة .
كان موسى الهادي : « طويلاً جسيماً جميلاً ، أبيض مشرباً حمرة ، وكان بشفته العليا تقلص » . « وكان يشرب المسكر ، وفيه ظلم وشهامة ولعب ، وربما ركب حماراً فارهاً » . ( سير الذهبي : ٧ / ٤٤١ ) . « كان يثب على الدابة وعليه درعان ، وكان المهدى يسميه ريحانتي » . ( الطبري : ٦ / ٤٢٨ ، ٤٣٣ ) .
« قال ابن دأب : فدخلت عليه وهو منبطح على فراشه ، وإن عينيه لحمراوان من السهر وشرب الليل ، فقال لي : حدثني بحديث في الشراب ! فقلت : نعم يا أمير المؤمنين خرجت رجُلة من كنانة ينتجعون الخمر من الشام ، فمات أخ لأحدهم فجلسوا عند قبره يشربون .. الخ . » . ( الطبري : ٦ / ٤٣٦ ) .
وقال الطبري : ٦ / ٤٢١ : « كانت الخيزران في أول خلافة موسى تفتات عليه في أموره ، وتسلك به مسلك أبيه من قبله ، في الإستبداد بالأمر والنهي ... فكان يجيبها إلى كل ما تسأله حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته ، وانثال الناس عليها وطمعوا فيها ، فكانت المواكب تغدو إلى بابها . قال فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلاً ، فاعتل بعلة فقالت : لا بد من إجابتي . قال : لا أفعل ! قالت : فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، قال فغضب موسى وقال : ويلي على ابن الفاعلة قد علمت أنه صاحبها ، والله لا قضيتها لك !
قالت : إذاً والله لا أسألك حاجة أبداً » !
أقول : عبد الله بن مالك ، الذي اتهم به موسى الهادي أمه الخيزران ، كان رئيس شرطة أبيه المهدي .ثم رئيس شرطته . ( الطبري : ٦ / ٤٤٣ ) .
٢ ـ كان موسى الهادي مشهوراً بالفسق !
في معاهد التنصيص / ١٩٨ ، والوافي : ١٠ / ٨٦ : « وكان السبب في قتل المهدي بشاراً أنه كان نهاه عن التشبيب فمدحه بقصيدة ، فلم يحظ منه بشئ ، فهجاه فقال :
خَليفةٌ يَزْني بعمّاتِهِ |
|
يَلْعَبُ بالدّبُّوقِ والصَّولَجانْ |
أَبدَلنَا الله بهِ غيرَهُ |
|
ودسَّ موسى في حِرِ الخيزُرَانْ |
وأنشدها في حلقة يونس النحوي ، فسعى به إلى يعقوب بن داود الوزير ، وكان بشار قد هجاه بقوله من البسيط :
بنِي أميةَ هُبّوا طَالَ نوْمُكْمُ |
|
إنّ الخليفةَ يعقوبُ بنُ داود |
ضاعتْ خلافَتُكُمْ يا قومُ فالْتَمِسُوا |
|
خَليفةَ الله بين الزّقّ والعُودِ |
فدخل يعقوب على المهدي فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك ! قال : بأي شئ ؟ قال : بما لا ينطق به لساني ولا يتوهمه فكري ! فقال : بحياتي أنشدني إياه ، فقال : والله لو خبرتني بين إنشادي إياه وضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي ! فحلف عليه المهدي بالأيمان التي لا فسحة له فيها ، فقال : أما لفظاً فلا ، ولكنني أكتب ذلك فكتبه ودفعه ! فكاد ينشق غيظاً ! وعمل على الإنحدار إلى البصرة لينظر في أمرها وما في فكره غير بشار ، فانحدر فلما بلغ إلى البطيحة .. فإذا بشار ... فأمر بضربه بالسوط فضربه بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطاً أتلفه فيها ... فألقي في سفينة حتى مات ، ثم رمى به في البطيحة فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة » . والطبري : ٦ / ٤٠١ ، وطبعة : ٤ / ٤٨٥ ، و٥٩٠ ، والكامل : ٦ / ٨٦ ، والأغاني : ٣ / ٢٤١ ، وفيات الأعيان : ١ / ٢٧٣ ، وبدائع البداية / ١٥ .
٣ ـ ثورة الحسين بن علي صاحب فخ على موسى الهادي
كان عهد المهدي العباسي على سوئه ، فسحةً للإمام الكاظم عليهالسلام وشيعته ، أما عهد ابنه موسى الهادي فكان على قصره ، شراً على الأمة وخاصة أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم لأنه نفذ سياسة جده المنصور في إبادة أبناء علي وفاطمة عليهمالسلام !
وقد قرر العلويون مواجهة هذه السياسة ، فكانت ثورة الحسين بن علي في منطقة فخ ، وهو مكان في مكة يعرف بوادي الزاهرية . ( معجم البلدان : ٤ / ٢٣٧ ) .
وفي مقاتل الطالبيين /
٢٩٤ : « كان سبب خروج الحسين بن علي بن
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أن موسى الهادي ولَّى المدينة إسحاق بن عيسى بن
علي ، فاستخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله ، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض كل يوم وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه ، فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن ، الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن .
ووفى أوائل الحاج وقدم من الشيعة نحو من
سبعين رجلاً ، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا حسيناً وغيره ، فبلغ ذلك العمري فأنكره .. فأشاع أنه وجدهم على شراب .. أغلظ العمري أمر العرض وولى على الطالبيين رجلاً يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار ، فعرضهم يوم جمعة ، فلم يأذن لهم بالإنصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى المسجد ، ثم أذن لهم فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى المسجد ، فلما صلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ، ثم عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر ، فقال ليحيى والحسين بن علي : ليأتياني به أو لأحبسنكما فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب .. فغضب يحيى بن عبد الله فقال له : فما تريد منا ؟ فقال : أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد ! فقال : لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ثم أعرضهم رجلاً رجلاً فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا ، فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته ، وأنه إن لم يجئ به ليركبن إلى سويقة فيخربها ويحرقها ،
وليضربن الحسين ألف سوط ، وحلف بهذه اليمين إن وقعت عينه على الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته !
فوثب يحيى مغضباً فقال له : أنا أعطي الله عهداً ، وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوماً حتى آتيك ... فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي ، فلما أذن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحدٌ أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلىاللهعليهوآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذن بحي على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها وسمعه العمري فأحس بالشر ودهش وصاح : إغلقوا البغلة وأطعموني حبتي ماء !
قال علي بن إبراهيم في حديثه : فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء » !
قال اليعقوبي في تاريخه : ٢ / ٤٠٤ : « وبويع لموسى الهادي بن محمد المهدي ... وكانت هادئة والأمور ساكنة ، والملوك في الطاعة ، فظهر منه أمور قبيحة ، وضعف شديد ، فاضطربت البلاد ... وتحرك جماعة من الطالبيين وصاروا إلى ملوك النواحي ، فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة ، وذلك أن موسى ألحَّ في طلب الطالبيين ، وأخافهم خوفاً شديداً ، وقطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق والأعطية ، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم !
فلما اشتد خوفهم وكثر من يطلبهم ويحث
عليهم ، عزم الشيعة وغيرهم إلى الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان له مذهب جميل وكمال ومجد وقالوا له : أنت رجل أهل بيتك ، وقد ترى ما أنت وأهلك وشيعتك فيه من
الخوف والمكروه ، فقال : وإني وأهل بيتي لا نجد ناصرين فننتصر ، فبايعه خلق كثير ممن حضر الموسم ، فقال لهم : إن الشعار بيننا أن ينادي رجل : من رأى الجمل الأحمر ، فما وافاه إلا أقل من خمس مائة ، وكان ذلك في سنة ١٦٩ بعد انقضاء الموسم . فلقيه سليمان بن أبي جعفر ، والعباس بن محمد بن علي ، وموسى بن عيسى ( قادة عسكريون ) بفخ فانهزم ومن كان معه وافترقوا ، وقتل الحسين بن علي وجماعة من أهله ، وهرب خاله إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ، فصار إلى المغرب ، فغلب على ناحية تتاخم الأندلس يقال لها فاس ، فاجتمعت عليه كلمة أهلها ، فذكر أهل المغرب أن موسى وجه إليه من اغتاله بسم في مسواك فمات ، وصار إدريس بن إدريس مكانه ، وولده بها إلى هذه الغاية يتوارثون تلك المملكة ... فلم تزل البلاد مضطربة أيام موسى ( الهادي ) كلها » .
وفي مقاتل الطالبيين / ٣٠٢ : « لما قتل أصحاب فخ ، جلس موسى بن عيسى ( العباسي ) بالمدينة ، وأمر الناس بالوقيعة ( السب ) على آل أبي طالب ، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد ، فقال بقي أحد قيل له : موسى بن عبد الله ( الحسني ) وأقبل موسى بن عبد الله على أثر ذلك وعليه مدرعة وإزار غليظ وفي رجليه نعلان من جلود الإبل ، وهو أشعث أغبر حتى قعد مع الناس ولم يسلم عليه ، وإلى جنبه السري بن عبد الله من ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب ، فقالوا لموسى بن عيسى : دعني أكسف عليه باله وأعرفه نفسه ! قال أخافه عليك ! قال : دعني فأذن له فقال له : يا موسى ! قال : أسمعت فقل ! قال : كيف رأيت مصارع البغي الذي لا تدعونه لبني عمكم المنعمين عليكم . فقال موسى : أقول في ذلك :