٤ ـ الإمام الكاظم عليهالسلام حامي بغداد
فقد قال زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري للإمام الرضا عليهالسلام : « إني أريد الخروج عن أهل بيتي ( يقصد أهل قم ) فقد كثر السفهاء فيهم ! فقال له الإمام الرضا عليهالسلام : لا تفعل فإن الله يدفع البلاء بك عن أهل قم ، كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بقبر موسى بن جعفر عليهالسلام » ( رواه المفيد رحمهالله في الإختصاص / ٨٧ ، بسند موثق ، واختيار معرفة الرجال : ٢ / ٨٥٧ ، ورجال الكشي / ٤٩٦ ، وتاريخ الكوفة / ٢٢٨ ، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي : ٨ / ٢٨٣ ، ورجال الطوسي : ٢ / ٨٥٨ ) .
وفي كامل الزيارات / ٥٠٠ : « عن علي بن الحكم ، عن رحيم قال قلت للرضا عليهالسلام : إن زيارة قبر أبي الحسن عليهالسلام ببغداد علينا فيها مشقة ، فما لمن زاره ؟ فقال له : مثل ما لمن أتى قبر الحسين عليهالسلام من الثواب . قال : دخل رجل فسلم عليه وجلس وذكر بغداد ورداءة أهلها ، وما يتوقع أن ينزل بهم من الخسف والصيحة والصواعق ، وعدَّد من ذلك أشياء قال : فقمت لأخرج فسمعت أبا الحسن عليهالسلام وهو يقول : أما أبو الحسن فلا » .
أقول : الظاهر سقوط الواو من الرواية ، وأن الأصل : أما وأبو الحسن ، فلا . أي أما وقبر أبي الحسن عليهالسلام موجود ، فلا يصيب بغداد خسف أو صواعق !
وقد أخذ بعضهم ذلك ووضعه للمحاملي : « قال محمد بن الإسكاف : رأيت في النوم كأن قائلاً يقول : إن الله ليدفع عن أهل بغداد البلاء بالمحاملي» ! ( سير الذهبي : ١٥ / ٢٦٠ ) وسبب قولنا إنهم أخذوه ونسبوه الى المحاملي لأنه توفي سنة ٣٣٠ ( سير الذهبي : ١٥ / ٢٨٤ ) ، أي بعد قرن ونصف من وفاة الإمام الكاظم عليهالسلام .
٥ ـ زيارة قبر الإمام الكاظم عليهالسلام دواء مجرب
قال الإمام الشافعي كلمته المشهورة في زيارة قبر الإمام الكاظم عليهالسلام : إنه الترياق المجرب ( كرامات الأولياء للسجاعي / ٦ ) لكن بعضهم أخذ ذلك ووصف به قبر معروف الكرخي ! قال الخطيب في تاريخ بغداد : ١ / ١٣٤ : « سمعت أبا علي الصفار يقول : سمعت إبراهيم الحربي يقول : قبر معروف الترياق المجرب » .
والحربي هذا كابلي نسب الى محلة الحربية ببغداد ( تاريخ بغداد : ٦ / ٢٨ ) ، وقد توفي سنة ٢٨٥ ، أي بعد أكثر من قرن من وفاة الإمام الكاظم عليهالسلام ( تاريخ بغداد : ٦ / ٣٨ ) .
كما روى في تاريخ بغداد : ١ / ١٣٤ ، عن : « عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال سمعت أبي يقول : قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج »
والزهري هذا محمد بن غلام الزهري المتوفى سنة ٣٨٠ ، أي بعد قرنين من شهادة الإمام الكاظم عليهالسلام ! ( سير الذهبي : ١٦ / ٤٣٧ ) .
الفصل الخامس
الإمام الكاظم عليهالسلام والمهدي العباسي
١ ـ أخبر الإمام عليهالسلام عن قرب موت المنصور
كان موكب الخليفة المنصور في طريقه إلى الحج سنة ١٥٨ ، فأخبر الإمام الكاظم عليهالسلام بأنه سيموت قبل أن يصل الى مكة ، وقال : لا والله لا يرى بيت الله أبداً !
قال أبو حمزة الثمالي : « فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن عليهالسلام فوجدته في المحراب ، قد سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه إليَّ فقال : أخرج فانظر ما يقول الناس ! فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر ، فرجعت فأخبرته فقال : الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبداً » ! ( قرب الإسناد / ٣٣٧ ) .
وبايعوا ابنه المهدي بعده : «والمهدي إذ ذاك ببغداد ، فأقام بعد قدوم منارة ( غلامه ) يومين لم يظهر الخبر ، ثم خطب الناس يوم الخميس ونعى لهم المنصور وبويع بيعة العامة ، وذلك في سنة ثمان وخمسين ومائة » . ( تاريخ بغداد : ٣ / ٩ ) .
٢ ـ فروقات شخصية المهدي عن أبيه المنصور
(١)
كان المنصور مخضرماً بين الفقر والغنى ،
فقد عاش في بادية الأردن حيث يسكن أبوه مبعداً عن دمشق من الخليفة الأموي ، وكان يأتي الى المدينة فيخدم
الحسنيين ، ويأخذ بركاب محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ادعوا له المهدية !
وتوسط الحسنيون له عند عامل الأهواز فوظفه عاملاً على خراج قرية أمه ( إيذه ) ، فسكن المنصور فيها ، ثم كسر الخراج كما تقدم فسجنوه ، وهرب من السجن ، واشتغل فترة في طلب العلم والفقه .. الخ .
أما ابنه المهدي فكان مترفاً ، فقد ولد في إيذه أو إيذج ، ونشأ عند أخواله في جو فارسي ، وكان يتجاهر بشرب الخمر ومجالس الغناء بعكس أبيه !
وقد اعترف الذهبي وهو المتعصب لبني أمية والعباس بأن المهدي العباسي كغيره من خلفائهم منهمكٌ في شهواته !
قال في تاريخه ( ١٠ / ٤٤٤ ) : « والمهدي كغيره من عموم الخلائف والملوك ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، كان منهمكاً في اللذات واللهو والعبيد » .
وتدل وفاته على ترفه ، فقد ذهب للصيد الى منطقة ماسبذان الجبلية في إيران ، ومعه موكبه من الصيادين والندماء والمغنين والجواري ، فطارد غزالاً فدخل في خربة والكلاب وراءه ، ودخل فرسه وراء الغزال فضرب رأسه بعتبة باب الخربة فمات على الفور ! ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٠٠ ، والطبري : ٦ / ٣٩٢ ) .
وتقع ماسبذان وقرية الرذ قرب إيلام بين بغداد وهمدان : « ومات المهدي بالرذ من ماسبذان لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة ... وكان عمره ثلاثاً وأربعين سنة ، وخلافته عشر سنين وشهر وخمسة أيام » . ( تاريخ بغداد : ٣ / ١٨ ) .
(٢)
لم يكن المهدي مقتنعاً بسياسة أبيه
المنصور في تعظيم أبي بكر وعمر والترضي
عنهما في صلاة الجمعة ، ففي أخبار السيد الحميري / ١٧٦ ، والأغاني : ٧ / ٢٦٣ ، ( وطبعة : ٢ / ٢٩٠ ) : « جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلاتٍ لهم وهو ولي عهد ، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش ، فجاء السيد ( الحميري ) فرفع إلى الربيع رقعة مختومة ، وقال إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه ، فأوصلها فإذا فيها :
قُل لابن عَبّاسٍ سَمِيِّ محمدٍ |
|
لا تُعْطِينّ بني عَدِيّ درهَما |
إِحْرِمْ بني تَيْم بن مُرّةَ إنهم |
|
شرُّ البريّة آخراً ومُقَدَّما |
إن تُعْطِهمْ لا يشكروا لك نعمةً |
|
ويكافئوك بأن تُذَمّ وتُشْتما |
وإنِ ائتمنتهمُ أو استعملتَهم |
|
خانوك واتّخذوا خَراجك مَغْنما |
ولئن منعتَهمُ لقد بدأوكمُ |
|
بالمَنْع إذ ملكوا وكانوا أظلما |
منعوا تُراثَ محمدٍ أعمامَه |
|
وابنَيْهِ وابنتَه عَدِيلةَ مَرْيما |
وتأمّروا من غير أن يُسْتَخْلَفوا |
|
وكفى بما فعلوا هنالك مَأْثَما |
لم يشكروا لمحمد إنعامَه |
|
أفيشكرون لغيره إن أنْعما |
واللهُ منّ عليهمُ بمحمد |
|
وهداهمُ وَكَسا الجُنوبَ وأطْعما |
ثم انبَروْا لوصيِّه ووليّه |
|
بالمُنْكَرات فجرَّعوه العَلْقَما |
وهي قصيدة طويلة ، حذف باقيها لقبح ما فيه . قال : فرمى بها إلى أبي عبيد الله ثم قال اقطع العطاء فقطعه ! وانصرف الناس ودخل السيد إليه فلما رآه ضحك وقال : قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل ! ولم يعطهم شيئاً » !
وكان يخالف أتباع أبي بكر وعمر ويوافق أهل البيت عليهمالسلام فيجهر بالبسملة !
« صلى بنا المهدي صلاة المغرب فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، قال فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا ؟ فقال : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) جهر ببسم الله الرحمن الرحيم » ! ( تاريخ دمشق : ٥٣ / ٤١٢ ) .
(٣)
كان لعلي بن يقطين رحمهالله تأثير كبير على المهدي العباسي ، فقد وضعه المنصور في حجر يقطين : « فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان ، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي بن يقطين وقدمه وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم ، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحداً من أمره ، إلى أن توفي الهادي » ( ذيل تاريخ بغداد : ٤ / ٢٠٢ ) .
« وكان علي بن يقطين والحسن بن راشد يغلبان على أموره » ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٠٠ ) .
وكان علي بن يقطين شخصية كفوءة ، وشيعياً جلداً ، أما الحسن بن راشد فيظهر أنه معاونه ، وأنه أكبر منه سناً لأنه يروي عن الإمام الصادق عليهالسلام كثيراً ، ويروي عنه حفيده يحيى بن القاسم . ويأتي ذكره في ترتيب الخيزران خدماً لقبر الحسين عليهالسلام . راجع : فهرست الشيخ الطوسي / ١٠٦ ، ورجال ابن الغضائري / ٤٩ ، ومعجم السيد الخوئي : ٥ / ٣١٢ ، وأعيان الشيعة : ٥ / ٧١ .
(٤)
خالف المهدي أباه في سياسته المالية ، فقد
كان المنصور بخيلاً طماعاً جمَّاعاً للمال حتى سموه أبا الدوانق ! فلما تولى المهدي أخرج خزائن أبيه وقناطير ذهبه وأنفقها ! « لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور ، أخذ في
رد المظالم ، وأخرج ما في الخزائن ففرقه حتى أكثر من ذلك ، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به ، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مائة درهم ، لكل رجل ستة آلاف درهم في السنة ، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة ألف درهم ، وزاد بعضهم » .
« جمع من الأموال ما لايعبر عنه ، وكان مسيكاً ( بخيلاً ) » ( الذهبي في تاريخه : ١٠ / ٤٣٨ )
(٥)
خفض المهدي قليلاً قرار أبيه بإبادة العلويين ، وتقدم أنه تقزز من وصية أبيه له بالغرفة المخروطية التي جمع فيها رؤوس العلويين ، وأمر بدفنها . ولكنه ظل يبغضهم ويعتبرهم أخطر أعداء العباسيين !
ويدل على ذلك تعامله مع الإمام الكاظم عليهالسلام ، كما سترى .
ويدل عليه موقفه من وصية القاسم بن مجاشع التميمي وكان من نقباء بني العباس وكبار ولاتهم ( الطبري : ٦ / ٣٥ ) فلما توفي : « أوصى إلى المهدي فكتب : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، إن الدين عند الله الإسلام إلى آخر الآية .. ثم كتب : والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ويشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله ووارث الإمامة بعده . قال : فعرضت الوصية على المهدي فلما بلغ هذا الموضع رمى بها ولم ينظر فيها » ! ( تاريخ الطبري : ٦ / ٣٩٧ ) .
ويدل عليه : تعامله مع شريك النخعي ، وكان
من كبار الفقهاء ، فقد دعاه المهدي ليكون قاضي قضاة الخلافة فقال : « لا أصلُحُ لذلك . قال : ولَم ذلك ؟
قال : لأني نسَّاءٌ . قال : عليك بمضغِ اللُّبان . قال : إني حَدِيدٌ ( عصبي ) قال : قد فرض لك أمير المؤمنين فالُوذَجةَ توقرك ( تهدئ أعصابك ) . قال : إني امرُؤ أقضي على الوارد والصادرِ ( بدون تمييز ) ! قال : إقضِ عليَّ وعلى والدي ! قال : فاكفِني حاشِيتَك . قال : قد فعلتُ .
فكانت أول رُقْعة وردت عليه من خالصة جاريةُ المهدي ، فجاءت لتتقدَّم الخصْم فقال : وراءَك مع خصْمِك ، مِراراً فأبَتْ . فقال : وراءكِ يالخَنْاءُ !
قالت : يا شيخُ أنت أحمقُ ! قال : قد أخْبرتُ مولاك فأبى عَلي ! فجاءت إلى المهدي تشكو إليه ، فقال لها : إلْزميِ بيتَكِ ولا تعْرضي له » !
وفي العقد الفريد : ١ / ١٤٧ : « كان بين شريك القاضي والربيع حاجب المهدي معارضة ، فكان الربيع يحمل عليه المهدي ( يحركه عليه ) فلا يلتفت إليه ، حتى رأى المهدي في منامه شريكاً القاضي مصروفاً وجهه عنه ، فلما استيقظ من نومه دعا الربيع وقص عليه رؤياه ، فقال : يا أمير المؤمنين إن شريكاً مخالف لك وإنه فاطمي محض ! قال المهدي : عليَّ به فلما دخل عليه قال له : يا شريك بلغني أنك فاطمي ! قال له شريك : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون غير فاطمي إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى !
قال : ولكني أعني فاطمة بنت محمد (ص)
. قال : أفتلعنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : معاذ الله . قال : فماذا تقول فيما يلعنها ؟ قال : عليه لعنة الله ، قال : فالعن
هذا يعني الربيع ، فإنه يلعنها فعليه لعنة الله ! قال الربيع : لا والله يا أمير المؤمنين
ما ألعنها ! قال له شريك : يا ماجن فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين ، في
مجالس الرجال ؟! قال المهدي : دعني من هذا ، فإني رأيتك في منامي كأن وجهك مصروف عني وقفاك إليَّ ، وما ذلك إلا بخلافك علي ! ورأيت في منامي كأني أقتل زنديقاً ! قال شريك : إن رؤياك يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف الصديق صلوات الله على محمد وعليه ، وإن الدماء لا تستحل بالأحلام ، وإن علامة الزندقة بينة ! قال : وما هي قال : شرب الخمر والرشا في الحكم ومهر البغي . قال : صدقت والله أبا عبد الله . أنت والله خير من الذي حملني عليك » !
« ودخل على المهدي فقال له : يا شريكُ بلغني أنَّك فاطميُّ ! فقال : أتحبُّ فاطمةَ ، أعثرَ الله من لا يحبُّ فاطمةَ ! فقال المهدي : آمين . فلما خرج شريكٌ قال المهديُّ لمن عنده : لَعنهُ الله ما أظنُّهُ إلا عَنَاني !
وقال له يوماً : أيُّنا أشرفُ ، نحن أم ولدُ عليَّ ؟ فقال شريك : أمك مثلُ فاطمة حتى تُساويُهم في الشَّرف ؟! » . ( نثر الدر للآبي : ٢ / ٣٨٦ ) .
« ذُكر معاوية بن أبي سفيان عنده ووُصف بالحلم فقال شريك : ليس بحليم من سفه الحق ، وقاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه » . ( وفيات الأعيان : ٢ / ٤٦٥ ) .
وفي تاريخ دمشق : ٥٣ / ٤٢٢ : « قال أبو يوسف القاضي للمهدي : يا أمير المؤمنين إن شريكاً لا يرى الصلاة خلفك ! فأرسل إليه المهدي فأحضره ، قال فقال له : ما تقول في أبي يوسف ؟ قال : من أبو يوسف يا أمير المؤمنين ؟ قال : يعقوب . قال : ومن يعقوب يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا . قال : تسأل عنه فإن كان عدلاً جازت شهادته . قال فقال له المهدي : ما تقول أنت فيه ؟ قال : أعرفه وأعرف أباه ، وكان أبوه غلاماً عندنا بالكوفة ينتمي إلى العرب ، وليس من العرب !
قال فغضب المهدي قال فقال : يا بن الفاعلة بالزنا ! قال فقال له شريك : مه مه فما علمتها إلا صوامة قوامة ! قال فقال له المهدي : يا زنديق والله لأقتلنك !
قال فجعل شريك يضحك ويقول ها ها ! قال : وكان شريك جهوري الصوت وقال : يا أمير المؤمنين إن للزنادقة علامات : شربهم النبيذ ، واتخاذهم القينات ووقوفهم عن الجماعات . قال : فأطرق المهدي وقام شريك فانصرف » . وفي تاريخ بغداد : ٩ / ٢٩٤ : «إن للزنادقة علامات ، تركهم الجماعات ، وشربهم القهوات وتخلفهم عن الجماعات ! فقال المهدي يا أبا عبد الله لم نعنك بهذا » !
« قال : ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : ما قال فيه جدك العباس وعبد الله . قال : وما قالا فيه ؟ قال : أما العباس فمات وعلي عنده أفضل الصحابة وقد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عما ينزل من النوازل ، وما احتاج إلى أحد حتى لحق بالله . وأما عبد الله فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين ، وكان في حروبه رأساً متبعاً وقائداً مطاعاً ، فلو كانت إمامة علي جوراً لكان أول من يقعد عنها أبوك لعلمه بدين الله ، وفقهه في أحكام الله ! فسكت المهدي وأطرق ، ولم يمض بعد هذا المجلس إلا قليل حتى عزل شريكاً » ! ( وفيات الأعيان : ٢ / ٤٦٢ ) .
(٦)
لم يهتم المهدي العباسي بمشروع أبيه فيه وزعمه أنه المهدي الموعود على لسان النبي صلىاللهعليهوآله ! وقد ألقى المنصور بثقله لإنجاح هذا المشروع فبنى له قصر الرصافة وأقام فيه احتفالاً تاريخياً ومجلساً شرعياً ، وأحضر الفقهاء والقضاة فبايعوه بولاية العهد ، وشهدوا بأنه هو المهدي المنتظر !
ففي الأغاني : ١٣ / ٣١٣ : « عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك ، فأمر بإحضار الناس فحضروا ، وقامت الخطباء فتكلموا ، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله وفيهم مطيع بن إياس ، فلما فرغ من كلامه الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور : يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك !
ثم أقبل على العباس فقال له : أنشدك الله هل سمعت هذا ؟ فقال : نعم ، مخافةً من المنصور ! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي !
قال : ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به ، قال : أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز وجل ورسوله حتى استشهدني على كذبه ، فشهدت له خوفاً ، وشهد كل من حضر عليَّ بأني كاذب !
وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر ، وكان مطيع منقطعاً إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته ! قال وكان جعفر ماجناً فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج ( ... آلته ) ثم قال : إن كان أخي محمد هو المهدي ، فهذا القائم من آل محمد » ! راجع : الطبري : ٦ / ٢٦٩ ، واليعقوبي : ٢ / ٣٩٥ ، والمعارف / ٣٧٩ ، والنهاية : ١٠ / ١١١ ، وشذرات الذهب : ١ / ٢١٩ ، وعبر الذهبي : ١ / ٢٠٧ ، وتاريخ دمشق : ٤٨ / ٩ .
وقد اعترف هارون بكذبة جده المنصور !
قال سليمان بن إسحاق العباسي
: « كنت يوماً عند الرشيد فذُكر المهدي وما ذكر من عدله فأطنب في ذلك ، فقال الرشيد :
أحسبكم تحسبون أبي المهدي ! حدثني عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب أن النبي (ص) قال له : يا عم ، يملك من ولدي إثنا عشر خليفة ، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة ، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثم يخرج الدجال » . ( إعلام الورى / ٣٦٥ وطبعة : ٢ / ١٦٥ ، وقصص الأنبياء / ٣٦٩ ، ومناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٢٩٢ ، والعدد القوية / ٨٩ ، وفرائد السمطين : ٢ / ٣٢٩ ) .
ومن العجيب في الموضوع موقف المهدي العباسي نفسه ، حيث لم يكترث بادعاء أبيه له ! ولم نجد عنه كلمة يزعم فيها أنه المهدي أو يؤيد ادعاء أبيه !
٣ ـ رووا هم أن المهدي العباسي ليس بمهدي !
روى الطبراني بسند موثق ( المعجم الأوسط : ٦ / ٢٩٧ ) أن النبي صلىاللهعليهوآله أخبر عمه العباس بملك أولاده ، وقال له : « يا عباس إنه لا يكون نبوة إلا كانت بعدها خلافة . وسيلي من ولدك في آخر الزمان سبع عشرة ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي وليس بمهدي ، ومنهم الجموح ، ومنهم العاقب ، ومنهم الواهن ، وويل لأمتي منه كيف يعقرها ويهلكها ... » ومجمع الزوائد : ٥ / ١٨٧ .
وكان المنصور يعلم أنه كاذب في ادعائه
أن ابنه المهدي ! لأنه كان يروي أن المهدي من ولد أبي طالب ! قال سيف بن عميرة ( الكافي : ٨ / ٢٠٩ )
: «كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداءً من نفسه : يا سيف بن عميرة : لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت : يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي
بيده لسمعتْ أذني منه يقول : لابد من مناد ينادي باسم رجل قلت : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط ! فقال لي : يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا ! قلت : أي بني عمكم ؟ قال : رجل من ولد فاطمة عليهاالسلام .ثم قال : يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي » ! ومثله الإرشاد / ٣٥٨ ، وغيبة الطوسي / ٢٦٥ ، والخرائج : ٣ / ١١٥٧ ، وإثبات الهداة : ٣ / ٧٢٥ .
وسبب يقين المنصور بكلام الإمام الباقر عليهالسلام ، أنه رأى صدق ما أخبره به عن المستقبل ، وأنه سوف يحكم !
ومهما يكن ، فإن الواقع كذب أن ابن المنصور هو المهدي ، فلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولا بيته ! بل زاد الأرض ظلماً وجوراً ! ولم يعط المال للناس حثياً بدون عد ، بل صادر أموالهم وزادهم فقراً !
ثم كان خماراً مغرماً بمجالس الرقص والغناء ، فأنجب للمسلمين بنتاً مغنية ضرابة عود هي عُلَيِّة العباسية ، وأنجب أخاها المغني إبراهيم بن المهدي « قال ابن الفضل بن الربيع : ما اجتمع أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهدي وأخته علية » . ( سير الذهبي : ١٠ / ٥٦١ ) .
« وكانت علية بنت المهدي تهوى غلاماً خادماً اسمه طل ، فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكره في شعرها ، فاطلع الرشيد يوماً عليها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة : فإن لم يصبها وابل فالذي نهى عنه أمير المؤمنين » ! ( المستطرف : ١ / ١٠٠ ) .
لكن الذهبي قال فيها : « رخيمة الصوت ذات عفة وتقوى ومناقب » ! ( سيره : ١٠ / ١٨٧ ) .
كما أنجب المهدي عباسة عشيقة جعفر البرمكي ، وكان أخوها هارون : «لا يصبر عن جعفر وأخته عباسة وكان يحضرهما مجلس الشراب فيقوم هو فقال : أزوجكها على أن لا تمسها ! قال : فكانا يثملان ويذهب الرشيد ويثب جعفر عليها فولدت منه غلاماً» ! ( الطبري : ٤ / ٦٦٠ ، وسير الذهبي : ٩ / ٦٦ ) .
وقال أعرابي للمهدي : « إني هجين ! قال : ليس يضرك ذاك ، فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن » ! و ( تاريخ الذهبي : ١٠ / ٤٤٢ ) .
« وكان المهدي يحب الحمام ويشتهيها ، فأدخل عليه غياث بن إبراهيم فقيل له حدث أمير المؤمنين ، فحدثه بحديث أبي هريرة : لا سبق إلا في حافر أو نصل وزاد فيه : ( أو جناح ) فأمر له المهدي بعشرة آلاف !
قال : فلما قام قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله (ص) ، وإنما استجلبت ذاك أنا » . ( تاريخ بغداد : ١٢ / ٣٢٠ وميزان الإعتدال : ٣ / ٣٣٧ ، ولسان الميزان : ٤ / ٤٢٢ ) .
٤ ـ كان المهدي يخاف من زوجته الخيزران !
تتوقف معرفة شخصية المهدي وولديه موسى الهادي وهارون الرشيد ، على معرفة شخصية زوجته الخيزران ! وهي امرأة يمانية من مدينة جرش في اليمن قرب نجران ، من قبيلة حِمْيَر ، وليست من جرش في الأردن قرب عمان ( معجم البلدان : ٢ / ١٢٦ ) واسمها أروى بنت منصور . ( الطبري : ٦ / ٣٤١ )
قال في المنتظم : ٨ / ٣٤٦ : « لما عرضت الخيزران على المهدي قال لها : والله يا جارية إنك لعلى غاية التمني ، ولكنك حمشة الساقين ! فقالت : يا مولانا أحوج ما تكون إليهما لا تراهما ! فقال : إشتروها ، فحظيت عنده فأولدها موسى وهارون » !
وقال الجاحظ في المحاسن والأضداد / ٧٠ : « كانت الخيزران لرجل من ثقيف ، فقالت لمولاها الثقفي : إني رأيت رؤيا . قال : وما هي ؟ قالت : رأيت كأن القمر خرج من قُبلي وكأن الشمس خرجت من دبري ! قال لها : لست من جواري مثلي أنت تلدين خليفتين ! فقدم بها مكة فباعها في الرقيق فاشتريت ، وعرضت على المنصور فقال : من أين أنت ؟ قالت : المولد مكة والمنشأ بجرش . قال : فلك أحد ؟ قالت : ما لي أحد إلا الله ، وما ولدت أمي غيري ! قال : يا غلام إذهب بها إلى المهدي وقل له : تصلح للولد ، فأتى بها المهدي فوقعت منه كل موقع ، فلما ولدت موسى وهارون قالت : إن لي أهل بيت بجرش ، قال : ومن لك ؟ قالت : لي أختان اسمهما أسماء وسلسل ولي أم وأخوان . فكتب فأتى بهم ، فتزوج جعفر بن المنصور سلسل فولدت منه زبيدة واسمها سكينة تزوجها الرشيد . وبقيت أسماء بكراً فقال المهدي للخيزوان : قد ولدت رجلين وقد بايعت لهما ، وما أحب أن تبقيْ أمة ، وأحب أن أعتقك وتخرجين إلى مكة ، وتقدمين فأتزوجك .
قالت : الصواب رأيت ، فأعتقها وخرجت إلى مكة ، فتزوج المهدي أختها أسماء ومهرها ألف ألف درهم ! فلما أحس بقدوم الخيزران استقبلها ، فقالت : ما خبر أسماء وكم وهبت لها ؟ قال : من أسماء ؟ قالت : امرأتك . قال : أما إذا علمت فقد مهرتها ألف ألف درهم ، ووهبت لها ألف ألف درهم ، ثم تزوج الخيزران » .
وذكر اليعقوبي ( ٢ / ٣٩٩ ) أن المنصور ولى يزيد بن منصور خال المهدي على اليمن ، وأن المهدي ولاه مع ابنه الهادي على بغداد سنة مئة ستين ( ابن خلدون : ٣ / ٢٠٩ )
وذكر الطبري ( ٦ / ٣٧٩ ) أن يزيداً هذا توفي فولى ابنه منصوراً مكانه .
وكانت الخيزران قوية على زوجها المهدي ، ففي تاريخ بغداد : ١٤ / ٤٣١ : « عن الواقدي قال : دخلت يوماً إلى المهدي فدعا بمحبرته ودفتره ، وكتب عني أشياء حدثته بها ثم نهض وقال : كن مكانك حتى أعود إليك ودخل إلى دار الحرم ، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً ! فلما جلس قلت : يا أمير المؤمنين خرجت على خلاف الحال التي دخلت عليها ؟ فقال : نعم ! دخلت على الخيزران فوثبت عليَّ ومدت يدها إليَّ وخرقت ثوبي ، وقالت : يا قشاش وأي خير رأيت منك ؟ وإنما اشتريتها من نخاس ، ورأت مني ما رأت وعقدت لابنيها ولاية العهد ! ويحك فأنا قشاش ؟ قال فقلت : يا أمير المؤمنين قال رسول الله (ص) إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام ! وقال : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي . وقال : خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته . وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني ، فسكن غضبه وأسفر وجهه ، وأمر لي بألفي دينار ، وقال : أصلح بهذه من حالك وانصرفت . فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران فقال : تقرأ عليك ستي السلام وتقول لك : يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين فأحسن الله جزاءك ، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير ، بعثت بها إليك لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ، ووجهت إليَّ بأثواب » ! وتاريخ دمشق : ٥٣ / ٤٢٥ .
وقال الذهبي في تاريخه : ١٠ / ٤٠ : « هلك الخليفة موسى الهادي من قرحة أصابته في جوفه ، وقيل سمته أمه الخيزران لما أجمع على قتل أخيه الرشيد . وكانت أيضاً حاكمة مستبدة بالأمور الكبار فمنعها ، وقد كانت المواكب تغدو إلى بابها ، فردهم عن ذلك وكلمها بكلام فج ، وقال : إن وقف بدارك أمير لأضر بن عنقه ، أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو سبحة ؟!
فقامت ما تعقل من الغضب ، فقيل إنه بعث إليها بطعام مسموم ! فأطعمت منه كلباً فانتثر ! فعملت على قتله لما وُعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه ، وكان يريد إهلاك الرشيد ليولي العهد ولده وهو صغير له عشر سنين .. وكانت خلافته سنة وربع ، وعاش ستاً وعشرين سنة » .
وروى الطبري في تاريخه : ٦ / ٤٢١ ، تفاصيل كثيرة في الصراع على السلطة بين موسى الهادي وأخيه الرشيد وأمهما خيزران ، وفيها أن موسى اتهم الخيزران بعبد الله بن مالك وأراد قتلها ، وعندما قتلته قالت ليحيى ين خالد : « إن الرجل قد توفي ، فاجدد في أمرك ولا تقصر » أي رتب الأمر للرشيد ، فرتبه وكان هو رئيس وزرائه ! وكان ذلك في سنة ١٧٠ ، وعاشت خيزران الى سنة ١٧٣ . ( تاريخ الذهبي : ١١ / ١٠٩ ) .
٥ ـ لم تكن الخيزران ناصبية كزوجها وولديها !
يدل على ذلك أنها وظفت مسؤولاً يخدم قبر الإمام الحسين عليهالسلام وزواره ! وأن الإمام الكاظم عليهالسلام أرسل لها رسالة يعزيها بموت موسى ويهنيها بتولي هارون !
فقد منع المنصور بعد ثورة الحسنيين زيارة قبر الحسين عليهالسلام في كربلاء ، وأمر والي الكوفة عيسى بن موسى أن يخرب القبر : « كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها » ! لكن الشيعة واصلوا زيارته . ( أمالي الطوسي / ٣٢١ ) .
وتجاوبت معهم الخيزران فرتبت بدون علم زوجها قيِّماً وخدماً لقبر الحسين عليهالسلام ، وأمرت الوزير الشيعي الحسن بن راشد أن يجري عليهم راتباً شهرياً !
فقد روى الطبري في تاريخه : ٦ / ٥٣٦ ، وفي طبعة : ٥ / ٢١ ، عن : « القاسم بن يحيى قال : بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير ( أي كربلاء ) قال فأتيَ بهم ، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال : ما لك ؟ قال بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضرني ، ولست آمنه على نفسي ! قال له : فإذا دخلت عليه فسألك فقل له : الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع ! فلما دخل عليه قال هذا القول ، قال : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن ، أحضروه ! قال فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير ؟ قال : رحم الله من صيره في الحير ، أمرتني أم موسى ( الخيزران ) أن أصيره فيه وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً ! فقال : ردوه إلى الحير وأجروا عليه ما أجرته أم موسى » !
والحسن بن راشد معاون علي بن يقطين . ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٠١ ) .
٦ ـ كتب الإمام الكاظم عليهالسلام رسالة الى الخيزان
في قرب الإسناد للحميري القمي / ٣٠٦ : « محمد بن عيسى ، عن بعض من ذكره ، أنه كتب أبو الحسن موسى عليهالسلام إلى الخيزران يعزيها بموسى ابنها ويهنؤها بهارون ابنها : بسم الله الرحمن الرحيم . للخيزران أم أمير المؤمنين من موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، أما بعد : أصلحك الله وأمتع بك ، وأكرمك وحفظك ، وأتم النعمة والعافية في الدنيا والآخرة لك برحمته . ثم إن الأمور أطال الله بقاءك كلها بيد الله عز وجل يمضيها ويقدرها بقدرته فيها والسلطان عليها ، توكل بحفظ ماضيها وتمام باقيها ، فلا مقدم لما أخر منها ولا مؤخر لما قدم ، استأثر بالبقاء وخلق خلقه للفناء ، وأسكنهم دنيا سريع زوالها قليل بقاؤها ، وجعل لهم مرجعاً إلى دار لا زوال لها ولا فناء ، وكتب الموت على جميع خلقه ، وجعلهم أسوة فيه ، عدلاً منه عليهم عزيزاً ، وقدرة منه عليهم ، لا مدفع لأحد منه ولا محيص له عنه ، حتى يجمع الله تبارك وتعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه ، ويرث به أرضه ومن عليها ، وإليه يرجعون .
بلغنا أطال الله بقاءك ما كان من قضاء الله الغالب ، في وفاة أمير المؤمنين موسى وإنا لله وإنا إليه راجعون ، إعظاماً لمصيبته وإجلالاً لرزئه وفقده ، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون ، صبراً لأمر الله عز وجل وتسليماً لقضائه ... ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك ، وأن يحسن عقباك ، وأن يعوضك من المصيبة أفضل ما وعد الصابرين ... وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به ... وأن يمتعك وإيانا خاصة والمسلمين عامة بأمير المؤمنين ، حتى نبلغ به أفضل الأمل فيه ...
إن رأيت أطال الله بقاءك أن تكتبي إلي بخبرك في خاصة نفسك ، وحال جزيل هذه المصيبة وسلوتك عنها ، فعلت ، فإني بذلك مهتمٌّ إلى ما جاءني من خبرك وحالك فيه متطلع ، أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمه ، واصطنع عندك من كرامته ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . وكتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبعين ومائة » .
أقول : مات موسى الهادي في نصف ربيع الأول ( الطبري : ٦ / ٤٢٨ ) فتكون رسالة الإمام عليهالسلام لخيزران بعد موته بثلاثة أسابيع . ومع أن الحميري رحمهالله تفرد بالرسالة وروايته مرسلة ، إلا أنها ممكنة الصحة ، فقد كانت الخيزران مركز القوة في الخلافة العباسية ، فخاطبها الإمام عليهالسلام بليونة كما يخاطب الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام جبابرة عصورهم !
ويبدو أن إنفاقها على قيِّم وخدام قبر الإمام الحسين عليهالسلام كان واحداً من سياستها الإيجابية مع الإمام عليهالسلام وشيعته ، وقد تكون لها إيجابيات أخرى ، وتكون أرسلت اليه مبعوثين ورسائل .
وقد علق المجلسي رحمهالله في البحار ( ٤٨ / ١٣٥ ) على هذه الرسالة بقوله : « أنظر إلى شدة التقية في زمانه عليهالسلام حتى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، فهذا يفتح لك من التقية كل باب » !