الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٢

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٠

من النقمة منهم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يحكم «حكيم» فيما يحكم ، ومن علمه وحكمته أمر النصح بشأن الأسرى ، باحتمال التأثير فيهم وفتح منفذ من الهدى إليهم.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٧٢).

هنا الولاية المتقابلة مفروضة بين المؤمنين المهاجرين بإيمانهم المجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وكذلك المؤدين والمناصرين لهم بإحسان ، وهي في نفس الوقت غير مفروضة ككلّ بينهم أولاء وبين المؤمنين غير المهاجرين حتى يهاجروا ، وهذه المهاجرة بطبيعة الحال هي المستطاعة غير المحرجة ، فالمؤمنون الذين لا يهاجرون بإيمانهم في سبيل الله ، تفضيلا لراحة الوطن والشغل والمال والعيال على صالح الإيمان (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ولكن مع الوصف (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) حيث الإنتصار للدين فرض المؤمنين على أية حال ، (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) لهم أولاء اللهم (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) فلا تنصروا هؤلاء المؤمنين غير المهاجرين عليهم فيما فيه نقض ميثاق اللهم إلا ما فيه نقض إيمان أو نقصه ، إذ لا يصح ميثاق بين المؤمنين والكفار فيه نقض أو نقص للإيمان (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

ذلك ، فلا استنصار لهم فيه واجب النصر فيما يخالف صالح الميثاق كأن يستنصروهم في حرب بادءة من المستنصرين ، وأما الحرب المعتدية المفروضة عليهم من الكفار فليست النصرة فيها مما يخالف الميثاق ، إذ إن ميثاق متاركة الحرب وعدم المهاجمة طليقة بالنسبة لكل المسلمين ، ولا يحق لجماعة من المسلمين أن يعاهدوا محاربهم في متاركة حرب خاصة بينهم ، حتى إذا حاربوا سائر المسلمين كانت نصرتهم باستنصاركم مخالفة لذلك الميثاق.

فا الإستنصار في الدين يفرض النصرة على أية حال ، وقد يصح

٣٠١

القول ـ إذا ـ إن الاستثناء في (إِلَّا عَلى قَوْمٍ) منقطع عن المستثنى منه (اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) فإذا كان الإستنصار في الدين فالنصرة محتمة على أية حال ، وإذا لم يكن في الدين فلا نصرة فيما يخالف الميثاق.

ذلك ، وليست المهاجرة المأمور بها في القرآن لتختص بزمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإن كل الزمن هي زمن الرسول في تحقيق رسالاته كلها.

أفترى (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (٤ : ٩٧) ردا على (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) تختص بالمهاجرة زمن الرسول؟ والآية تندد بكافة المستضعفين المقصرين في ترك المهاجرة بإيمانهم.

فلا يتبلور الإيمان بشروطه وظروفه ومعداته إلا بالحركة المهاجرية ، أن يهاجر المؤمن بإيمانه ، حفاظا عليه ، أم دعوة أوسع مما فيه إليه.

وترى ما هي هذه الولاية المثبتة بالمهاجرة الإيمانية ، المنفية في غير مهاجرة؟ هل هي ولاية المحبة والإيمان (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ (١) وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٩ : ٧١)! أم ولاية النصرة والأمان؟ (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)!

إنها بعد ما لم تكن من هاتين ، هي ولاية الوراثة إذ كانت قبل الهجرة بالإيمان ، وبعدها بالهجرة والإيمان ، ومن ثم ثبتت بأولي الأرحام في حقل الإيمان كما فصلناها في آيات الميراث.

فقد اختصت ولاية الميراث هذه بالمهاجرة ترغيبا فيها وترعيبا عن تركها ومن ثم تركزت وثبتت في أولي الأرحام كما هنا وفي آية النساء (١)

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٢٠٥ ـ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن غراء وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر وطلحة بن عبيد الله وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وقال لسائر أصحابه : تآخوا وهذا أخي يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال وكان مما شدد الله به عقد نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قول الله تعالى : إن الذين آمنوا وهاجروا فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله (صلى الله عليه ـ

٣٠٢

وذلك بعد فتح مكة إذ لم تبق للمهاجرة دور حتى تدور معها الوراثة.

ذلك ، والإستنصار في الدين كما المحبة فيه لهما دور ثابت جلي في حقل الإيمان وان لم يهاجر المؤمن ، اللهم إلّا على قوم بينكم وبينهم ميثاق فليس هنا على المؤمنين المهاجرين أن ينصروا المؤمنين غير المهاجرين في مال وما أشبه ، وأما في الدين فهو ثابت لا مردّ له ، حيث النصرة الدينية لا ينقضها أو ينقصها ميثاق ، بل ولا يعقد ميثاق يناحر واجب النصرة في الدين ، حيث الدين ليس لينقض نفسه أو ينقص من نفسه بإقرار قرار يعارضه.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)(٧٣).

هنا موالات الكافرين وهناك موالات المؤمنين وبينهما برزخ الموالاة بين المؤمنين المهاجرين وغير المهاجرين ، وكل ذلك حسب العقيدة والعملية الطالحة أو الصالحة أو العوان بينهما ، وهنا (إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) في كل هذه (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) إذ يخرج عن الإسلام غير المهاجرين الذين هم من المسلمين مهما قصروا في الهجرة ، وهذه فتنة وفساد كبير ، كما «وإن لم تفعلوا» في ولاية الميراث ما أمرتم به (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) لمكانة المهاجرة الهامة قبل الفتح ، مهما اختلف فساد عن فساد قضية مختلف التخلفات عن هذه الفروض.

هذا ، فضمير الغائب في (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) راجع إلى كل ما مضى من أمر أو نهي في حقل الولاية والميثاق والنصرة ، ولا سيما استنصار المؤمنين غير المهاجرين في الدين.

__________________

ـ وآله وسلم) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار يتوارثون الذين تآخوا دون من كان مقيما بمكة من ذوي الأرحام والقرابات فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله ثم أنزل الله الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها فقال : والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام والقرابات ورجع كل رجل إلى نسبه ورحمه وانقطعت تلك الوراثة.

٣٠٣

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(٧٤).

فالذين لم يهاجروا من المؤمنين أو لم يأووا وينصروا فما أولئك بالمؤمنين حقا مهما كانوا من المؤمنين ، ثم :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٧٥)

فالإيمان والمهاجرة والمجاهدة في سبيل الله هي الإيمان حقا من قبل ومن بعد ، ثم (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) من هؤلاء المؤمنين حقا (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ـ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً).

فهنا وفي النساء نسخت آية (أُولُوا الْأَرْحامِ) آيات الميراث بالأخوة والمهاجرة الإيمانية ، فقد كان الميراث قبل الهجرة بالأخوة الإيمانية ، ثم بدل بعد الهجرة بالمهاجرة مع الإيمان ، ثم بعد فتح مكة بدل بالأرحام مهما بقيت الأخوة الإيمانية في الوارث على حالها ولكن شرط أن تكون في حقل الأرحام الأقرب فالأقرب إلى الميت (١) وقد يروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله : «لا هجرة بعد الفتح» إذ أصبحت مكة المكرمة بعد الفتح دار الإسلام ، ولكن بقيت الهجرة ـ على طول الخط ـ من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لها أحكامها إلّا ما يستثنى.

وهنا بعد استقرار الوجود الفعلي للإسلام وبعد فتح مكة المكرمة يعود الميراث إلى أولوية أولي الأرحام داخل النطاق الإسلامي العام ، إلغاء شرط المهاجرة إذ لم يبق لها دور أم مضى دوره الهام ، وكذلك شرط المجاهدة في سبيل الله ، حيث يلبي تركيز الميراث على الأرحام جانبا فطريا عريقا عريفا في كل الحقول والعقول ، فما دامت لا تعارض تلبية

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٢٠٧ ـ أخرج الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : آخى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.

٣٠٤

الفطرة أهم منها من تكاليف الكيان الإسلامي ، فالفطرة تلبّى دون معارض.

ذلك ، وفي واجهة أخرى لآية (أُولُوا الْأَرْحامِ) وهي ولاية الأمر كما فصلناها على ضوء آية النساء نجد هذه الولاية ناصة خاصة في الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام).

ومن ذلك قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) حصن الله» (١) و «هو الصراط المستقيم» (٢) ومن القول الثابت ولاية علي (عليه السلام)(٣) وإن الناس لا يضلون ولا يهلكون وهم في ولاية علي (عليه السلام) (٤) و «من لم يوال عليا لم يشم رائحة الجنة» (٥) «فليتمسك بولاية علي (عليه السلام)» (٦) و «أوصي من آمن بي وصدقني من جميع الناس بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)»(٧)و «ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله» (٨) و «تمام دين الله ولاية علي (عليه السلام) بعدي»(٩) و «من لقى الله وهو جاحد لولاية علي لا يقبل الله من أعماله شيئا» (١٠)وهو «إمام أوليائي» (١١) و «إمام أولياء ربي» (١٢) ف «علي ولي الله» (١٣) و «ولي رسول الله» (١٤) و «ولي كل

__________________

(١) ملحقات إحقاق الحق ٧ : ١٢٣ و ١٤ : ٥٢٢.

(٢) المصدر ٧ : ١٢٥ و ١٤ : ٤٨٧.

(٣) المصدر ١٤ : ٤٠٢.

(٤) المصدر ١٦ : ٤٣٩.

(٥) المصدر ٧ : ١٧٧ ـ ١٧٨ و ١٧ : ١٨٣ و ٢١ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

(٦) المصدر ٤ : ٣٣١ و ٥ : ١٠٨ ـ ١١١ و ٧ : ٣٨٦.

(٧) المصدر ٦ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ و ١٦ : ٦١٩ ـ ٦٢٠ و ٢١ : ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٨) المصدر ٢ : ٣٣٥ و ٦ : ٤٣٦ و ١٧ : ٩٦ ـ ٩٧ ، ٣٢٢ و ٧ : ١٢٢ و ١٦ : ٦١٩ و ٢١ : ٣٦٠.

(٩) المصدر ٥ : ٣٥.

(١٠) المصدر ٦ : ٤٠٩.

(١١) المصدر ٢٠ : ٢٤٦ ، ٣٤٣ ـ ٣٤٤ و ١٥ : ٨١ ـ ٨٣ ، ٨٥ ، ٨٦ ـ ٨٧ ، ١٩٠.

(١٢) المصدر ٢٠ : ٣٢٠ ، ٣٤١ ، ٣٤٤.

(١٣) المصدر ٤ : ١٢٨ ـ ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٤٤ ـ ١٤٨ ، ٢٨٧ ، ٢٨١ ، ٣٥٧ ، ٤٨٩ و ٥ : ٤ و ٦ : ٤٤٢ و ٧ : ٣٨٥ و ١٥ : ٨٨ ـ ٩٢ و ٢٠ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، ٣٢٨ ، ٣٩١ ، ٤٣٥ ـ ٤٣٦.

(١٤) المصدر ٤ : ٦٤ ـ ٦٥ ، ١٣١ ، ١٣٤ ، ٣٣٠ ، ٣٥٧ و ١٥ : ١١٤ ، ١٢٣ و ١٧ : ٣٠٧ ـ

٣٠٥

مؤمن» (١) و «من كنت وليه فعلي وليه» (٢) «من كنت نبيه فعلي وليه» (٣) «فهو أولي الناس بكم بعدي» (٤) و «من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه» (٥) و «من آمن بي فليتول عليا وذريته» (٦) و «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٧).

سورة التوبة

مدنية وهي

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى

__________________

ـ و ٢٠ : ٣٤٥ ـ ٣٤٧.

(١) المصدر ٤ : ٧٩ ، ٩٩ ، ١٢١ ، ١٣٥ ـ ١٣٩ ، ٢٣٠ ، ٢٧٧ ، ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، ٣٨٧ و ٥ : ٣٥ ، ٣٧ ، ٤١ ـ ٤٢ ، ٥٨ ، ٩٨ ، ٢٨٨ ، ٣٠٤ ، ٣٠٩ ، ١٥ : ٩٢ ـ ١١٤ و ١٦ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، ١٦٥ و ٢٠ : ٣٤٨ ، ٣٦٢ ، ٥٥٣ ، ٤٩٤.

(٢) المصدر ٤ : ٤٣٧ و ٦ : ٣٦٩ ـ ٣٨٠ و ١٧ : ٣٢٥ و ١٦ : ٥٧٧ ـ ٥٧٨ ، ٥٨٤ و ٢٠ : ٣٥٣ ، ٣٥٦ و ٢١ : ٣٩٨.

(٣) المصدر ٦ : ٣٨٠.

(٤) المصدر ١٥ : ١٢٤ ـ ١٢٥ و ٤ : ٣٨٨.

(٥) المصدر ٢ : ٣٦١.

(٦) المصدر ٦ : ٤٣٦ و ١٧ : ٩٦ ـ ٩٧ ، ٣٢٢ و ٢١ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

(٧) المصدر ٢ : ٤٢٦ ـ ٤٦٥ و ٣ : ٣٢٢ ـ ٣٢٧ و ٤ : ٢٩٢ ٤٠٨ ـ ٤١٠ ، ٤٣٧ ـ ٤٤٣ ، ٤٤٧ ـ ٤٥٠ و ٥ : ٤٣ ، ٦٠ ، ٧٢ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٩ ، و ٦ : ٢٢٥ ـ ٣٠٤ و ١٦ ٥٥٩ ـ ٥٨٧ و ٢١ : ١ ـ ٩٣.

٣٠٦

النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا

٣٠٧

فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا

٣٠٨

مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١٦)

إنها «سورة التوبة» والبراءة ، براءة ببازغة البراءة فيها (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وتوبة أمرا لهم ولأضرابهم بها ، وتقبّلا ـ بشروطها ـ لها ، ولأن البراءة قد تبوء إلى التوبة ، دون التوبة الصالحة حيث لا تبوء إلى براءة ، فقد سميت بالتوبة تغليبا لها على البراءة ، مهما بزغت تأليبا بالبراءة ، ولذلك نراها تبدء دون بسملة ، فإنها لكل أمر ذي بال ولا بال للبراءة إلا إذا آلت إلى توبة ، وقضية الأمر بين أمرين ترك البسملة وأن تسمى بالتوبة وقد فعل.

نزلت تاسعة الهجرة بعد الفتح وبعد ما رجع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك إنذارا للمشركين حتى يحسبوا كل حساباتهم بعد طائل هذه الهجرة الهاجرة وبعد عمرة الجعرانة.

والتشكيك في أنها والأنفال سورتان أم واحدة لا مجال له ، وقد جاءت فذّة بعد الأنفال في كافة القرائين (١) ، إضافة إلى العديد الجديد للآيات ، وهو دليل سديد على استقلالها عن الأنفال ، وهكذا تواتر الروايات عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل بيته (عليهم السلام) بصيغة «سورة التوبة» أو «البراءة» (٢) ولا تسمى شطر سورة سورة.

وقد أصفق الفريقان (٣) دون اختلاف على نقل وتصديق رواية البراءة

__________________

(١) في الدر المنثور ٣ : ٢٠٨ عن عسعس بن سلامة قال قلت لعثمان يا أمير المؤمنين ما بال الأنفال وبراءة ليس بينهما «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قال : كانت تنزل السور فلا تزال تكتب حتى تنزل «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فإذا جاءت «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» كتبت سورة أخرى فنزلت التوبة ولم تكتب «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وفيه عن أبي عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور.

(٢) المصدر أخرج الطبراني في الأوسط عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): المنافق لا يحفظ سور هود وبراءة ويس والدخان وعم يتساءلون.

(٣) قد أخرج حديث البراءة فيمن أخرج ـ أن عليا (عليه السلام) هو المبعوث باذان البراءة ـ ثلاث وسبعون من أئمة الحديث وحفاظه بعدة طرق ذكرهم العلامة الاميني في الغدير كما يلي : ثم وآخرون ذكرهم في ملحقات إحقاق الحق (٥ : ٣٦٨ ـ ٤٦٨) و (١٦ : ٢٢١

٣٠٩

__________________

ـ ٢٣٦ و ٢ : ٦٢ و ٣ : ٤٢٧ و ١٤ : ٦٤٤) مما يبلغهم إلى نيف ومائة :

١ ـ أبو محمد إسماعيل السدي الكوفي المتوفى (١٢٨) ٢ ـ ابن هشام البصري (٢١٨) ٣ ـ محمد بن سعد الزهري (٢٣٠) ٤ ـ الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة العبسي الكوفي (٢٣٥) ٥ ـ الحافظ أبو الحسن ابن أبي شيبة العبسي (٢٣٩) ٦ ـ الإمام أحمد بن حنبل (٢٤١) ٧ ـ الدارمي صاحب السنن (٢٥٥) ٨ ـ ابن ماجة صاحب السنن (٢٧٣) ٩ ـ الترمذي صاحب الصحيح (٢٧٩) ١٠ ـ ابن أبي عاصم الشيباني (٢٨٧) ١١ ـ النسائي صاحب السنن (٣٠٣) ١٢ ـ محمد بن جرير الطبري (٣١٠) ١٣ ـ ابن خزيمة النيسابوري (٣١١) ١٤ ـ النيسابوري صاحب المسند (٣١٦) ١٥ ـ البغوي صاحب المصابيح (٣١٧) ١٦ ـ أبي حاتم التميمي (٣٢٧) ١٧ ـ ابن حبان التميمي (٣٥٤) ١٨ ـ الطبراني (٣٦٠) ١٩ ـ أبو الشيخ (٣٦٩) ٢٠ ـ الدار قطني (٣٨٥) ٢١ ـ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك (٤٠٥) ٢٢ ـ ابن مردويه (٤١٦) ٢٣ ـ أبو نعيم الإصبهاني (٤٣٠) ٢٤ ـ البيهقي صاحب السنن (٤٥٨) ٢٥ ـ ابن المغازلي (٤٨٣) ٢٦ ـ البغوي (٥١٦) ٢٧ ـ النسفي السمرقندي (٥٣٧) ٢٨ ـ جار الله الزمخشري (٥٣٨) ٢٩ ـ القرطبي صاحب التفسير (٥٦٧) ٣٠ ـ موفق بن أحمد الخوارزمي (٥٦٨) ٣١ ـ ابن عساكر (٥٧١) ٣٢ ـ الأندلسي (٥٨١) ٣٣ ـ الإمام الرازي (٦٠٦) ٣٤ ـ أبو السعادات ابن الأثير الشيباني (٦٠٦) ٣٥ ـ أبو الحسن ابن الأثير الشيباني (٦٣٠) ٣٦ ـ ضياء الدين المقدسي (٦٤٣) ٣٧ ـ النصيبي (٦٥٢) ٣٨ ـ ابن الجوزي (٦٥٤) ٣٩ ـ ابن أبي الحديد (٦٥٥) ٤٠ ـ الكنجي (٦٥٨) ٤١ ـ البيضاوي (٦٨٥) ٤٢ ـ محب الدين الطبري (٦٩٤) ٤٣ ـ إبراهيم الحموي (٧٢٢) ٤٤ ـ التبريزي صاحب مشكاة المصابيح (٧٣٧) ٤٥ ـ علي بن محمد الخازن صاحب تفسير الخازن (٧٤١) ٤٦ ـ أبو حبان الأندلسي صاحب التفسير (٧٤٥) ٤٧ ـ الذهبي (٧٤٨) ٤٨ ـ النيسابوري صاحب التفسير (٧٤٨) ٤٩ ـ ابن كثير الدمشقي (٧٧٤) ٥٠ ـ الهيثمي (٨٠٧) المقريزي (٨٤٥) ٥٢ ـ العسقلاني (٨٥٢) ٥٣ ـ الصباغ المكي (٨٥٥) ٥٤ ـ العيني (٨٥٥) ٥٥ ـ السخاوي (٩٠٢) ٥٦ ـ جلال الدين السيوطي (٩١١) ٥٧ ـ القسطلاني (٩٢٣) ٥٨ ـ الشيباني (٩٤٤) الديار بكري صاحب تاريخ الخميس (٩٦٦) ٦٠ ـ ابن حجر الهيثمي (٩٧٤) ٦١ ـ القرشي الهندي (٩٧٥) ٦٢ ـ المناوي (١٠٣١) ٦٣ ـ العيدروس الحسيني (١٠٤١) ٦٤ ـ أبا كثير المكي (١٠٤٧) ٦٥ ـ الزرقاني (١١٢٢) ٦٦ ـ البدخشي (١١٢٢) ٦٧ ـ الصنعاني (١١٨٢) ٦٨ ـ محمد بن الصبان (١٢٠٦) ٦٩ ـ الشوكاني (١٢٥٠) ٧٠ ـ الآلوسي صاحب التفسير (١٢٧٠) ٧١ ـ القندوزي (١٢٩٣) ٧٢ ـ أحمد زيني دحلان (١٣٠٤) ٧٣ ـ السيد مؤمن الشبلنجي صاحب نور الأبصار (١٣٠٤).

٣١٠

حيث يبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالعشر الأولى من آي البراءة مع أبي بكر أذانا من الله تعالى ومنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أهل مكة بما فيها من الأحكام المحدّدة إياهم ، المهددة لهم ، ألّا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا ، فلما غادر أبو بكر المدينة إلى مكة دعى (صلّى الله عليه وآله وسلم) عليا فقال : أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه ورجع أبو بكر فقال : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نزل فيّ شيء؟ قال : لا ، ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (١) ـ

أجل ـ فلما غادر أبو بكر المدينة إلى مكة جاء جبرائيل الأمين إلى الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله وسلم) قائلا : إن العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك يا محمد! : لا يؤدي عنه إلا أنت أو رجل منك ـ فابعث عليا (عليه السلام) ليتناول الآيات فيكون هو الذي يقرء الآيات ، يا محمد! ما أمرك ربك بدفعها إلى علي ونزعها من أبي بكر سهوا ولا شكا ولا استدراكا على نفسه غلطا ، ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين : أن المقام الذي يقومه أخوك علي لن يقومه غيره سواك يا محمد ، وإن جلت في عيون هؤلاء الضعفاء مرتبته من أمتك (٢).

«فلما رجع أبو بكر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جزع ـ يبكي ـ (٣)» وقال يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : إنك أهّلتني

__________________

(١) المصدر أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي (عليه السلام) قال : لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) دعى أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي أدرك أبا بكر ورواه أنس وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو رافع وابن عباس وجابر وعروة.

(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) البحار ٣٥ : ٢٩٧ ح ٢١ ولقد أخرج حديث البراءة (٧٣) من الحفاظ وأئمة الحديث كما في الغدير (٦ : ٣٣٨ ـ ٣٥٥).

(٣) أخرجه ابن عساكر باسناده عن الحرث بن مالك.

٣١١

لأمر طالت الأعناق فيه فلما توجهت رددتني عنه؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : الأمين هبط إلي عن الله عزّ وجلّ أنه «لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي» (١).

وجملة المروي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سبب عزله أبا بكر عن هذه المهمة التي تمد إليها الأعناق جوابا عن سؤاله : هل نزل في شيء؟ أنه : «لن تؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك» (٢).

«ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي» (٣).

«إنه لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني» (٤).

«إنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهلي» (٥) «من أهل بيتي» (٦).

__________________

(١) رواه الطبري والبلاذري والترمذي والواقدي والشعبي والسدي والثعلبي والواحدي والقرظي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق وأبو يعلي الموصلي والأعمش وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي هريرة وأنس بن أبي رافع وزيد بن نقيع وابن عمر وابن عباس.

(٢) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والحافظ أبو الشيخ وابن مردويه والسيوطي في الدر المنثور ٣ : ٢٠٩ وكنز العمال ١ : ٢٤٧ والشوكاني في تفسيره ٢ : ٣١٩ والرياض النضرة ٢ : ١٤٧ وذخائر العقبى ٦٩ وتاريخ ابن كثير ٥ : ٣٨ ومناقب الخوارزمي ٩٩ وفرائد السمطين للحمويني ومجمع الزوائد ٧ : ٢٩ وشرح صحيح البخاري للعيني ٨ : ٦٣٧ ووسيلة المال لابن كثير وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ٣ : ٩١ وتفسير المنار ١٠ : ١٥٧ ـ أخرجوه عن علي (عليه السلام) عن طريق زيد بن يشيع.

(٣) تفسير الطبري ١٠ : ٤٦ وتفسير ابن كثير ٢ : ٣٣٣ وخصائص النسائي ٢ والأموال لأبي عبيد ١٦٥.

(٤) مسند أحمد ١ : ٣ وابن خزيمة وابن عوانة والدار قطني في الأفراد كما في كنز العمال ١ : ٢٤٦ والكنجي في الكفاية ١٢٥ نقلا عن أحمد وأبي نعيم وابن عساكر وابن كثير في تاريخه ٧ : ٣٥٧.

(٥) الترمذي في جامعه ٢ : ١٣٥ والبيهقي في سننه ٩ : ٢٢٤ والخوارزمي في مناقبه ٩٩ وابن طلحة في مطالب السئول ١٧ والشوكاني في تفسيره ٢ : ٣١٩ وابن أبي حاتم والحكم وابن مردويه والبيهقي ، وابن حجر في فتح الباري ٨ : ٢٥٦.

(٦) رواه أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري بسند متصل عن أنس عنه (صلّى الله عليه وآله ـ

٣١٢

«إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني» (١).

«إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو علي» (٢).

«لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه» (٣) ـ «علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي» (٤).

ذلك ، وفي حوار بينه وبين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سبب عزله وانتصاب علي (عليه السلام) يقول (صلّى الله عليه وآله وسلم): «كيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار» (٥) لا! أنت صاحبي في الغار ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ، مما يحث على التساءل كيف أخره صحبته مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الغار! وأصحابه

__________________

ـ وسلم) وأحمد بن حنبل من طرق جماعة منها عن أنس عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي (عليه السلام) وجماعة آخرين.

(١) رواه محمد بن جرير الطبري بسند متصل إلى حارث بن مالك وأبو الصباح الكنائي عن الصادق (عليه السلام) والحارث بن مغيرة النصري عنه وحريز عنه (عليه السلام) وأحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا إلى أبي بكر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والثعلبي في تفسيره وابن مردويه عن أبي رافع عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وابن أبي حاتم عن حكيم بن حميد عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وابن مردويه وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم).

(٢) لقد تواتر النقل فيما يؤدي هذا المعنى أخرجه أرباب الصحاح والسنن ، راجع (محمد وعلي وبنوه الأوصياء) لنجم الدين الشريف العسكري رحمه الله.

(٣) رواه ابن عباس وأخرجه كثير من أئمة الحديث وحفاظه في المسانيد بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

(٤) مطالب السؤل ١٨.

(٥) رواه حسن بن أشناس في كتابه بسند متصل عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) (البحار ٣٥ : ٢٨٧ ، وأخرجه الطبري كما في فتح الباري للعسقلاني ٨ : ٢٥٦ ويدل عليه من الروايات المتواترة ما ورد في حديث البراءة من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنت صاحبي في الغار ، ورواه أكثر من روى حديث البراءة ونص الحديث هكذا ، يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما كنت ترى أني مؤد عنك هذه الرسالة؟ أبى الله أن يؤديها إلا علي بن أبي طالب ، كيف ذلك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ كيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار؟

٣١٣

ينادونه «صاحب الغار» كفضيلة كبرى وافتخار.

فهناك يختص الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) جدارة هذه الرسالة بنفسه أو عليّ لأنه منه ، وهنا يقتسم صحبة بين الغار وبين أمثال هذه الرسالة التي لا يحملها إلا الرسول نفسه امن هو منه ، أفلا يدل ذلك على خلافته الرسالية بعده (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد ما هو خليفته معه؟!

ذلك الأمر المؤكد لعلي (عليه السلام) أن يركب ناقته الغضباء ويلحق أبا بكر بسرعة فيجده في العرج أو في ذي الحليفة أو ضجنان أو جحفة ، وحين يرجع أبو بكر غضبان أسفا يسمع الجواب كلمة واحدة : «لا يؤدي عني إلا أنا أو علي» وما أشبه ، وأخرى «كيف تؤدي عني وأنت صاحبي في الغار» ثم وحين يعزل أبو بكر عن هذه الرسالة فمن هو أبو هريرة في روايته اليتيمة حتى يبلغ ذلك البلاغ؟!

هذه وتلك مع هذه الملابسة الهامة هي ذات الدلالة العامة على محتد الإمام علي (عليه السلام) من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه هو ـ فقط ـ المبلغ عنه بعده في حياته ، أفلا يكون مبلغا عنه ـ إذا ـ بعد مماته؟!

وترى ما هو القصد من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) «كيف تؤدي عني وأنت صاحبي في الغار» ألأن صحبته في الغار افتخار؟ فليؤد عنه لذلك! أم إنه عار؟ فلا يؤدي عنه.

وهل الجمع بين المنصبين محظور عدلا في التقسيم؟ فكيف جمع لعلي (عليه السلام) رسالة الأداء عنه إلى مقامه ليلة المبيت مقامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو أعلى محتدا لصحبة الغار وكما يقول الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢ : ٢٠٧) فالذي يضحي بنفسه إيّاه (صلّى الله عليه وآله وسلم) دونما تخوف ، هو أحرى أن يؤدي عنه من صاحبه في الغار فرارا أم أنسا للغار على تخوّفه ، ولا سيما في هذه الهامة العظيمة التي هي بحاجة إلى قوة في القلب وقمة

٣١٤

في الإيمان ، فصاحب المبيت لم يخف عن الخطر الهاجم ، وصاحب الغار خاف عن الخطر الناجم ، وهو يرى كيف سدل ستار العنكبوت على باب الغار ، وقد نهاه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن حزنه : (لا تَحْزَنْ) ثم «أنزل (سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) لا عليهما! وصاحبه كان أحوج إلى السكينة ، وقد «أنزل (اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٤٨ :) ٢٦) (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ) (٩ : ٢٦) أو لم يكن صاحبه في الغار مؤمنا فتشمله السكينة النازلة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) (إِذْ هُما فِي الْغارِ)؟ أم لم يكن بتلك الدرجة من الإيمان حتى يقرن بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في تلقي السكينة ، إذا فليفرد بسكينة بعد الرسول كما قد أفرد المؤمنون بعد ما جمعوا معه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) (٤٨ : ٤) ـ (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٤٨ : ١٨).

إذا ف «كيف تؤدي عنه وأنت صاحبي في الغار»؟ «إنما يؤدي عني أنا أو رجل مني» ـ «رجل هو مني وأنا منه» وكما تواتر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): «علي مني وأنا منه» (١).

__________________

(١) لقد تواتر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هذا الحديث بألفاظ عدة منها : «علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا وعلي» رواه حبشي بن جنادة وأخرجه عنه تسعة وثلاثين من أعاظم المحدثين.

والثاني حديث جابر رواه عنه جماعة من الأعاظم ، والثالث حديث أبي رافع عن عشرة ونصه قال : لما قتل عليّ أصحاب الألوية يوم أحد قال جبرئيل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إن هذه لهي المواساة فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : إنه مني وأنا منه فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله ـ أخرجه أحمد في المناقب ، والرابع حديث بريدة رواه عنه خمسة عشر من الأعاظم ، قال فيه (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا تقع في علي فانه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ، والخامس حديث عمران بن حصين عن إحدى وأربعين وفيه ما لهم ولعلي إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي ، والسادس حديث زيد عن ستة وفيه قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني ، والسابع حديث هبيرة بن بريم عن علي (عليه السلام) عن ثمانية وفيه : وأما أنت يا علي فمني وأنا منك ـ

٣١٥

ولا يعني «رجل مني» فقط نسبة النسب أو السبب ، فإن مكانة الرسالة الربانية لا تعرف نسبا ولا سببا ولا حسبا وما أشبه ، فإنما «مني» هو من عقيلتي الرسالية حتى يؤدي عني ما أنا مؤديه كرسول ، ومما يشهد له «وأنا منه» وصحبة الغار ـ ولا سيما مع ذلك العار ـ ليست لتصحب معها الأداء عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فمجرد «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ـ أو علي ـ فإنه مني» يكفي في أفضليته على أبي بكر ومن سواه ، فأما «كيف تؤدي عني وأنت صاحبي في الغار» فعلى كافة الاحتمالات تدل على عدم جدارته لذلك البلاغ (١).

__________________

ـ والثامن حديث حسن بن علي عن ثلاثة وفيه : أما أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي ، والتاسع حديث عمر بن الخطاب عن ثلاثة وفيه قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): أنت مني وأنا منك ، وقال عمر : توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو عنه راض ، والعاشر حديث البراء عن تسعة وعشرين ، ثم وحديث أبي ذر وأم سلمة وابن عباس وغيرهم رواه عنهم جماعة.

ذلك وقد تواتر أيضا هذا الحديث ضمن حديث الأداء ومنه حديث حبشي بن جنادة والبراء بن عازب وعمران بن حصين وأسامة بن زيد وأبي رافع وبريدة وعلي (عليه السلام) وجابر وأنس ورافع بن أبي خديج ويتحد الكل في معنى (علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي أم بإسقاط ذيله ، والقسم الأول ذكره المرجع الديني السيد شهاب الدين المرعشي في ملحقات إحقاق الحق ٥ : ٢٧ ـ ٣١٧ ، والقسم الثاني ذكره في ١٦ : ١٣٧ ـ ١٦٧ ، والمجموع ٧٣ صفحة فيها اسماء المخرجين والرواة والكتب ومتون الحديث المتقاربة المعني.

(١) فهنا احتمالات تالية : ألا يحق الجمع بين منصبين اثنين لصحابي واحد؟ والإمام جمع هنا بين هذا الأداء وأفضل من صحبة في الغار! أن صحبة في النار هي أفضل من هذا الأداء؟ و «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهلي» يفضل ذلك الأداء على كل المناصب ، إن هذه الصحبة وهذا الأداء سيان؟ فلما ذا يحرم بعد نصبه عن منصب هو مثل صحبته في الغار! فلم يبق أن هذه الصحبة سلبت عنه تلك الجدارة ، أو ليس الأجدر بالرسول في مثل تلك الرسالة في حياته أجدر به باستمرارية رسالته بعد مماته؟!

أقول : ولا يعبأ باختلاف الروايات في أن المؤدي ـ بالأخير ـ كان هو أبا بكر أم وأبو هريرة بأمره ، أم وحتى علي (عليه السلام) كان يؤدي تحت قيادته ، حيث المتواتر الذي ـ

٣١٦

وجوابا عن السؤال : كيف بعث أبا بكر أولا ثم عزله بعلي وهو (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)؟ نقول : كان بعثه إياه وعزله كلاهما بوحي من الله ، تدليلا على أنه لا يصلح مؤديا عنه بعد مماته حين لا يصلح أن يؤدي عنه في حياته ، تذكارا للغافلين الذين سوف يرتئون خلافته لكونه صاحبه في الغار أم لكبر سنه وما أشبه من حجج داحضة.

وقيلة البعض من المتعصبين لأبي بكر أن عادة العرب جارية في مثل هذه المواقف أن يبعثوا من أهليهم دون الغرباء ، هي غيلة على الرسول

__________________

ـ لا شك فيه عزل أبي بكر ، فكيف يأمر المعزول أبا هريرة أم عليا الذي هو المأمور بأخذ البراءة عنه؟

ولقد تشوشت الروايات قصدا أم إهمالا حتى يضل الحق في هذا البين ، ففي عدد الآيات المبعوثة بين تسع وعشر وست عشرة وثلاثين وثلاثا وثلاثين وسبعا وثلاثين وأربعين وتمام البراءة ، اختلافا سداسيا فيها في عدد الآيات المبعوثة ثم في قصة بعث البراءة منها المتواترة أنه عزل واسترجع أبا بكر وبعث عليا مكانه فتساءل لماذا عزلتني فقال : «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ـ أو علي ـ كيف تؤدي عني وأنت صاحبي في النار» ، ومنها اليتيمة الدالة على أن أبا بكر ذهب لوجهه أميرا على الحاج ، فأمر عليا وأبا هريرة أن يأذنا بما أرسل! خلافا للتواتر الأول!

أجل ، وكيف يبعث أبو بكر في هذه المهمة وهو صاحب الغار حيث هو المختار له في الأخطار ، وكما تظافر النقل أن أبا بكر وعمر فرّا من بعض الغزوات كما عن تسعة من فطاحل العامة ، فقد روي أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) اختار أبا بكر وأعطاه الراية يوم خيبر فرجع منهزما ، وفي أخرى أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد فراره أختار عمر وهو اختار الفرار على القرار حتى فتح الله على يد الحيدر الكرار وقد صرح بمثل ذلك جماعة من الأعلام مثل أبو داود الطيالسي في مسنده (٨ : ٢٦٤) ينقل فرار عمر وعثمان ، والطبري في تفسيره (٢ : ١٩٩) ينقل فرار عمر في غزوة أحد والهيثمي في مجمع الزوائد (٩ : ١٢٣) ينقل فرار أبي بكر وعمر وان عمر كان يجبن أصحابه ، وشارح المواقف (٢ : ٤٧٥) ينقل فرارهما في غزوة حنين ، وابن قتيبة في كتاب المعارف (٥٤) والكاشفي في المعارج الركن الرابع (٣٧٠) والترمذي في المناقب المرتضوية (٤١٠) والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل (٤٤) ينقل فرارهما في غزوة خندق ، والطبري يحكي فرار عثمان في تفسيره (٢ : ٢٠٣) وفرار عمر في غزوة خندق (٢ : ٣٠٠)

٣١٧

(صلّى الله عليه وآله وسلم) انه ترك أولا هذه العادة ثم عاد يحققها ، وفيه تزييف لموقف الرسول وأبي بكر معا ، تخطئة للرسول كيف بدأ بالغريب ، ولأبي بكر كيف عزله بعد نصبه ، ثم ولم تكن للعادات الجاهلية موقف في هذه الرسالة السامية حتى يوقف رسالة أبي بكر لها عن قصة البراءة ، وقد كان ينسخ يوميا العادات الجاهلية وكما قال يوم فتح مكة عند الكعبة المباركة : «ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج» ثم ولو كانت هي عادة عربية صالحة الإتباع في هذه الرسالة فلما ذا تناساها ثم ذكرها وفيه فضح أبي بكر على رؤوس الأشهاد ، ولما يتساءل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا يسمع جوابا أمثال هذه المختلقات المتعصبة ، بل هو كلمة واحدة «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني».

ذلك ، ولأن المخرجين قصة حديث البراءة هم فوق التواتر طول القرون الإسلامية ، والمخرج عنهم منهم علي (عليه السلام) وأبو بكر وابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري (١) وأنس بن مالك وأبو سعد الخدري وأبو رافع وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وحبشي بن جنادة وعمران بن حصين وأبو ذر الغفاري ، في المسانيد ، وعشرات أضعافهم في المراسيل ، فلا محيد ـ إذا ـ عن تصديقه وتقبّل معناه ومغزاه ولو كره الفاسقون.

ولقد ناشد الإمام علي (عليه السلام) ـ فيما ناشد ـ القوم حجاجا

__________________

(١) عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التكبير فقال : هذه رغوة ناقة رسول الله الجدعاء لقد بدا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الحج فلعله أن يكون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فنصلي معه فإذا علي (عليه السلام) فقال له أبو بكر : أمير أم رسول؟ قال : لا بل رسول أرسلني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج أخرجه جماعة ذكرناهم فيما سبق من الهوامش.

٣١٨

لإمرته بحديث البراءة دون نكير ، وفي حديث ابن عباس (١) وأضرابه تصديقه ، وكما تواتر ـ أيضا عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حديث المناشدة يوم الشورى وسواه ، فذلك إطباق من أئمة الإسلام ومعظم الرواة والمصنفين والمفسرين على قصة حديث البراءة ، فهم براء كلهم ممن تبرء من مضمونه.

وذلك كله دليل على الهامة المتميزة لرسالة البراءة إلى المشركين ، فما كانت هي رسالة يصح أو يسمح لحملها غير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو من هو منه ، فمادة رسالة البراءة كانت أحكاما جديدة جادة لمّا تبلّغ إلى من يجب تبليغها إليه ، وهذه تختلف عن الدعوة العامة إلى الإسلام ، أو الكتابات المرسلة إلى الملوك والرؤساء ، فالفارق بينهما أن رسالة البراءة رسالة أصيلة غير مسبوقة بإعلام فهي من اختصاصات الرسول أو من هو منه ، وتلك وما أشبه هي رسالات عامة يحملها كل من يصلح لحمل الرسالات العامة المسبوقة بالإعلام ، ولقد كفت «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني» دلالة على ميزة رسالة البراءة هذه ، ولا ينكرها إلا نكير عقله وضميره.

على أية حال لقد أدى الإمام علي (عليه السلام) هذه الرسالة الهامة يوم الحج الأكبر ، بازغا ب (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أذانا من الله ورسوله يوم الحج الأكبر (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) مهددا إياهم بالعتل بعد الأشهر الحرم (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

__________________

(١) أخرج ابن عساكر باسناده من طريق الحافظ عبد الرزاق عن ابن عباس قال : مشيت وعمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة فقال : يا ابن عباس أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولده أموركم ، فقلت : والله ما استصغره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذ اختاره لسورة براءة يقرأها على أهل مكة ، فقال لي : الصواب تقول والله لسمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي بن أبي طالب : من أحبك أحب الله ومن أحب الله أدخله الجنة مدلا(كنز العمال ٦ : ٣٩١ وشرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٠٥).

٣١٩

ومن ذا الذي يجرأ على أداء هذه الرسالة في وسط من الإشراك ـ مهما فتحت مكة ـ دونما تخوف ومجارات إلّا الذي بات على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في وسط المشركين المهاجمين ، دون الذي صاحبه في الغار عدة للفرار وهو مع ذلك خائف لحد يستحق النهي!

تنزل هذه السورة قبل المائدة وبعد الفتح ، معدة للمشركين أن يستعدوا للإسلام أو الاستسلام ، بما تتضمن أحكاما نهائية في صلات وعلاقات بين كتلتي الإيمان والكفر ، كما تضمنت تصنيف كلّ من الضّفتين.

فالسورة ـ إذا ـ ذات أهمية في بيان المنهج الحركي للإسلام ، والتكتيكي لارتجاع عاصمة الإسلام كاملة بعد ما فتحت وبعد تأسيس دولته بعيدا عن العاصمة ، وذلك بكل حسم ومرونة ، حسما في مجاله ومرونة في مجالته.

وهذه السورة بطبيعة حالها بعد الكل وقبل الأخيرة ، هي في عرض الأحكام بين مرحلية ونهائية ، مرحلية هي نهائية للمرحليات السابقة ، وبدائية طليقة للمائدة.

نجد مقاطع ستة للسورة في دراسة عنها خاطفة ، هي في الحق عرض لأخطر المواقف للدولة الإسلامية أمام أهليها بمختلف من فيها وما فيها من أوساط حرجة مرجة لتخلخل جموع من مختلف الطوائف في هذا الدين الجديد ، جادّين أم منافقين أم عوان بينهما.

في المقطع الأول ـ وهو ثمانية وعشرون من آيها ـ عرض لتحديد العلاقات النهائية والوقائية بين المعسكر الإسلامي وجموع المشركين ، فإنها قوية التحضيض والتأليب على قتالهم ، لما في المرونة معهم عرونة للهيكل الإسلامي السامي.

والمقطع الثاني يضمن تحديدا وتجديدا للعلاقات النهائية بين المسلمين وأهل الكتاب بصورة عامة ، من (قاتِلُوا الَّذِينَ ـ إلى ـ

٣٢٠