عامر الحلو
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت عليهم السلام الثقافي الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨
بلية في الدنيا أحداها الردة عن دينك ، ويدخر لك في الآخرة ألف منزل أحداها مجاورة نبيك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم »
وعلّم الإمام موسى الكاظم عليهالسلام بعض أصحابه ، وكان يشكو الحاجة ، قل : « سبحان الله العظيم وبحمده ، أستغفر الله وأسأله التوبة » ١ .
أمثلة على تسبيح الكائنات غير العاقلة :
١ ـ قبل سنوات عدة عرضت أحدى محطات التلفزيون الفرنسية ريبورتاجا علميا عن الحيتان وحياتها ، وهجرتها السنوية إلى بحر الشمال ، وفي سياق الريبورتاج ، يقول المعلق :
[ بأن الحيتان سوف تتوقف عن الطعام والشراب عدة أشهر في السنة ، وتغني أثناء ذلك وحين تنتهي رحلة الهجرة ويستقر بها المقام في موطنها الجديد في بحر الشمال تعود الحيتان إلى تناول الطعام والغذاء ، وتتوقف عن الغناء ] .
وقد يكون توقف الحيتان عن الطعام شكلا من أشكال الصيام فلعل هذه الفريضة مفروضة على هذا الكائن بلون من ألوان الفرض .
وقد ورد في الحديث الشريف : « أن الصيام هو زكاة الأبدان » فإذا كانت زكاة بدن الإنسان لا تزيد عن شهر الصيام في العام الواحد فلا بد أن تكون زكاة بدن الحوت الذي يصل وزنه إلى (٣٠٠) طناً عدة شهور في السنة .
__________________
١ ـ الباقيات الصالحات : ٢١
أما عن غناء الحيتان في فترة الصيام هذه فلعل الأصح أن نتحدث عن تسبيح ، وترتيل ، وذكر لا غناء وطرب ، فالقرآن الكريم يقول : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ ) ١ ، ويقول : ( يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ٢ .
وورد في دعاء الافتتاح المنسوب للإمام المهدي المنتظر عليهالسلام : « وتموج البحار ومن يُسبح في غمراتها » ٣ ـ أحدى قرائتين ـ ، كما ورد في دعاء الإمام السجاد علي بن الحسين عليهماالسلام : « سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور ، سبحانك تسمع تسبيح الحيتان في البحور » ٤ .
[ فالتسبيح تنزيه ونفي لأي نقص أو حاجة عن ساحة القدس والكمال الإلهي ، فالممكنات التي تُسبح الله تعالى تبرئه من أي نقص أو عيب أو حاجة ، وتُحس أن النقص في وجودها المرتبط عينيا بوجود الخالق ، وعليه فهي بتسبيحها وحمدها ترتقي سلالم الكمال لتنهل من الفيض ، وتستغرق في التفكير بالجلال الأزلي من نافذة العشق والمحبة ، وتتوله في التأمل والجمال الأبدي إذ ليس لها من معشوق سوى المبدأ الأعلى ، ومن محبوب إلا العلة الأولى ] ٥ .
٢ ـ كشف إذاعة موسكو عن نتائج لتحقيقات علماء روسيين في عالم النبات حيث قالت : [ بأن علماء النبات
__________________
١ ـ سورة الإسراء : الآية : ٤٤
٢ ـ سورة الحشر ، الآية : ٢٤
٣ ـ مفاتيح الجنان : ٢٤٣
٤ ـ راجع : الصحيفة السجادية
٥ ـ مجلة نور الإسلام ـ البيروتية ـ بحث عن التسبيح ، للدكتور : محمد مهدي الصدر
توصلوا مؤخرا إلى أن للنبات أجهزة عصبية شبيهة بالأجهزة العصبية في الحيوانات ، ولقد توصلوا إلى هذه الحقيقة بعد أن علقوا أجهزة سمع وبث الكترونية دقيقة على ساق نبات القرع ، ثم لاحظوا بوضوح ظهور ردود فعل غريبة على ساق النبات المذكور عندما أرادوا أن يقطعوا ]
٣ ـ أن المواد الثلاث للذرة إلكترونات وبروتونات ونيوترونات تدور حول النواة كدوران السيارات حول الشمس ، وبسرعة مذهلة كسرعة الضوء مائة مرة ، تدور كما هو عدد عقد السبحة ، وهذا يدل على تسبيح كل شيء لله تعالى وفي ذلك رد على من يستغرب من تسبيح الجماد .
وللعلم فإن الذرة أصغر ما في الكون ، وهي الجزء الذي لا يتجزأ ، وقد قال العالم ستورمر : [ لو أن الإنسان أراد رؤية الذرة بالعين المجردة فعليه إن يكبر كل شيء مائة مليون مرة حتى يصبح سمك الذرة عشرة كيلوا مترات ، وحينئذ سوف يرى الذرة بحجم سنتيمتر واحد ] ١ .
٤ ـ [ تسبيح الرعد : فالرعد يُسبح بحمد الله كما مر بنا في سورة الرعد ، والمراد بتسبيح الرعد ما فيه من الدلالة على قدرة الله وعظمته ، وتماما كدلالة الكتابة على الكاتب ، والبناء على الباني ] ٢ .
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا سمع الرعد والصواعق ، قال : « اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تُهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ـ ثم يقول ـ : سبحان من يُسبح الرعد بحمده »
__________________
١ ـ تفكر سبعون معجزة إسلامية : ٦٩ ـ ٧٠
٢ ـ تفسير الكاشف : ٤ / ٣٨٨
وعن أبن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم « إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يُصيب ذاكراً » ١ .
كيفية التسبيح وصيغته :
هو كما علمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبضعته فاطمة :
١ ـ أربع وثلاثون تكبيرة .
٢ ـ وثلاث وثلاثون تحميدة .
٣ ـ وثلاث وثلاثون تسبيحة
ومن المسنون أن يهلل بعد التسبيحات ، قائلاً : ( لا إله إلا الله ) .
فضل هذا التسبيح :
اهتم أهل البيت عليهمالسلام في هذا التسبيح كثيرا وأوصوا به شيعتهم ، وأن يعلموه لأولادهم كما نجد ذلك في كثير من الأحاديث ومنها :
١ ـ قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام : « من سبّح تسبيح الزهراء عليهاالسلام ثم استغفر غفر له ، وهي مائة باللسان وألف في الميزان ، وتطرد الشيطان وترضي الرحمن ، ويدفع الثقل الذي في الآذان »
٢ ـ وقال أيضا عليهالسلام : « ما عُبد الله بشيء أفضل من تسبيح فاطمة كل يوم بعد كل صلاة »
ولا شك أنه من أفضل المستحبات التي يعبد بها الله تعالى .
__________________
١ ـ مختصر تفسير ، أبن كثير : ٢ / ٢٧٤
٣ ـ قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « من سبح بعد كل فريضة بتسبيح فاطمة عليهاالسلام ، وعقبه بلا إله إلا الله غفر الله له »
٤ ـ قال أيضا : « تسبيح فاطمة كل يوم دبر كل صلاة أحبُّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم ، وإنا لنأمر صبياننا به كما نأمرهم بالصلاة »
٥ ـ وقال أيضا : « من سبح تسبيح فاطمة قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ، ويبدأ بالتكبير »
وثواب التسبيح هذا يجعل الصلاة كل ركعة بألف ركعة .
٦ ـ وقال الإمام الصادق عليهالسلام لأبي هارون المكفوف :
« يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليهاالسلام كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه لم يلزمه عبد فشقي » ١ .
التسبيح عند النوم :
ورد أن المواظبة عليه عند النوم ترفع التعب والإعياء ، وقد ذكر ذلك من الشيعة الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، وعلل الشرائع .
ومن السنة أبن تيمية في منهاج السنة ، والبخاري في الصحيح ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وقد ذكر تسبيح الزهراء عليهاالسلام في النوم أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في ـ كتابه ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ورقم الحديث (٦٣١٨) ٢ .
__________________
١ ـ كشف الغمة : ٢ / ٩٩ ، الباقيات الصالحات : ١٧
٢ ـ الباقيات الصالحات : ١٦
سبحة فاطمة عليهاالسلام :
روي أن فاطمة عليهاالسلام كانت سبحتها من خيط صوف مُفتل معقود عليه فكانت تديرها بيدها تُكبر وتُسبح إلى أن استشهد حمزة بن عبد المطلب رضياللهعنه فاستعملت تربته وعملت التسابيح فأستعملها الناس .
وقيل : كانت سبحتها من خيط معقود عليه بعدد التكبير وبعد أن استشهد حمزة استعلمت حبات من تربته ، وجرا الناس على ذلك ١ .
وكانت فاطمة بعد شهادة حمزة تزور قبره ، وترش عليه الماء وتصلحه وتُرِّمه وذلك في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
التسبيح والذكر :
قال الشيخ القمي رحمهالله : [ قد أتى في الروايات المعتبرة أن الذكر الكثير المأمور به في الكتاب العزيز هو هذا التسبيح ، ومَن واظب عليه بعد الصلوات فقد ذكر الله ذكراً كثيراً وعمل بهذه الآية الكريمة : ( اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) ] ٢ .
أقوال العلماء فيه :
١ ـ قال الشيخ : محمد حسن النجفي قدسسره ما نصه :
[ ما عُبد اللهُ
__________________
١ ـ فتح الباري : ١١ / ١١٨
٢ ـ مفاتيح الجنان : ٧٠٣
بشيء من التحميد أفضل منه ، ولو كان شيء أفضل منه لَنَحَلّهُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة ، وبه يندرج العبد في الذاكرين الله كثيرا ، ويستحق ذكر الله له تعالى كما وعد بقوله : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ] ١ .
٢ ـ قال السيد : محسن الحكيم قدسسره وهو يتحدث عن التعقيب بعد الصلاة :
[ وأفضله تسبيح الزهراء عليهاالسلام وهو التكبير أربعاً وثلاثين ، ثم الحمد ثلاثا وثلاثين ، ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين ] ٢ .
٣ ـ قال السيد : أبو القاسم الخوئي قدسسره :
[ وأفضل التعقيب تسبيح الزهراء عليهاالسلام بعد الفراغ من الصلاة ] ٣ .
٤ ـ قال السيد : عبد الأعلى السبزواري قدسسره :
[ وأفضل التعقيبات تسبيح الزهراء عليهاالسلام الذي ما عُبد الله بشيء من التحميد أفضل منه ، وأنه في كل يوم في دبر كل صلاة أفضل من صلاة ألف ركعة ، كما ورد عن ـ الإمام ـ الصادق عليهالسلام ، بل هو مستحب في نفسه وأن لم يكن في التعقيب ] ٤ .
__________________
١ ـ جواهر الكلام : ١٠ / ٣٩٦
٢ ـ منهاج الصالحين : ١ / ١٢٣
٣ ـ منهاج الصالحين : ١ / ١٨٢
٤ ـ جامع الأحكام الشرعية : ٩٢
٥ ـ قال المرحوم الشيخ : أسد حيدر رحمهالله في كتابه الإمام الصادق والمذاهب الأربعة وهو يتحدث عن مستحبات الصلاة عند الشيعة الإمامية :
[ ومنها التعقيب بالأدعية والأذكار الواردة وتسبيح الزهراء صلوات الله عليها ] ١ .
٦ ـ قال السيد : علي السيستاني دام ظله :
[ التعقيب هو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر والدعاء وأفضله تسبيح الزهراء عليهاالسلام وهو التكبير أربع وثلاثين ، ثم الحمد ثلاثا وثلاثين ، ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين ] ٢ .
٧ ـ قال السيد : محمد سعيد الحكيم دام ظله :
[ من التعقيب تسبيع الزهراء عليهاالسلام وهو : الله أكبر أربعا وثلاثين ، ثم الحمد ثلاثا وثلاثين ، ثم سبحان الله ثلاثا وثلاثين ، وأن يختمه بقول : لا إله إلا الله ] ٣ .
__________________
١ ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٣ / ٣٢٢
٢ ـ منهاج الصالحين : ١ / ٢٣٠
٣ ـ الأحكام الفقهية : ١٠٤
التسبيح بتربة الإمام الحسين عليهالسلام :
كانت سيدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام بعد شهادة حمزة ابن عبد المطلب في معركة أحد استعملت حبات من تربته وجرى الناس على ذلك إلى أن استشهد أبو عبد الله الحسين عليهالسلام بكربلاء سنة : ( ٦١ هـ ) فعدل الناس إلى تربته لما فيها من المزايا ، وقد أشارت روايات أهل البيت عليهمالسلام إلى ذلك وهي :
١ ـ قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام :
« من أدار الحجر من تربة الحسين فاستغفر به مرة واحدة كتب له الله أجر سبعين مرة ، وأن السجود على تربة الحسين يخرق الحجب السبع »
٢ ـ وقال أيضا عليهالسلام :
« من كانت بيده سبحة من تربة سيد الشهداء كتب مسبحا وأن لم يُسبح بها »
٣ ـ وقال أيضا عليهالسلام :
« السبحة التي من قبر الحسين تسبح بيد الرجل من غير أن يُسبح»
٤ ـ وقال أيضا عليهالسلام :
« من سبح بسبحة من طين قبر الحسين تسبيحة كتب الله له أربعمائة حسنة ، ومحى عنه أربعمائة سيئة ، وقضية له أربعمائة حاجة ، ورفعت له أربعمائة درجة » ١ .
__________________
١ ـ الباقيات الصالحات : ١٧
٥ ـ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام :
« لا يخلو المؤمن من خمسة : سواك ، ومشط ، وسجادة ، وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة ، وخاتم عقيق » ١ .
٦ ـ وعن الإمام المهدي المنتظر عليهالسلام قال :
« من نسي الذكر وفي يده سبحة من تربة الحسين كتب له أجر » ٢ .
قال المرجع الفقيه السيد : محمد سعيد الحكيم دام ظله : [ ويُستحب أن يكون التسبيح بسبحة من طين قبر الحسين عليهالسلام ، وفي بعض الأخبار أنها تُسبح في يده من يُديرها ويكتب ثواب تسبيحها له وأن غفل عن التسبيح ] ٣ .
التسبيح بعد انتهاء المجلس :
قال تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) ٤ ، وقد ورد في كنز العرفان في فقه القرآن للمقداد السيوري الحلي [ قيل المراد تقوم من مجلسك بأن تقول : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أغفر لي كل ذنب وتُب عليَّ ، ولأنه كفارة المجلس .
وعن علي أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « من أحب أن يكتال حسناته بالمكيال الأوفى فليكن أخر كلامه إذا قام من مجلسه
__________________
١ ـ مفاتيح الجنان : ٧٠٤
٢ ـ الباقيات الصالحات : ١٧
٣ ـ الأحكام الفقهية : ١٠٤
٤ ـ سورة الطور ، الآية : ٤٨
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) ، ( وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ١ .
الباقيات الصالحات :
الباقيات الصالحات : المذكورة في القرآن الكريم ، فسرها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : « يقول أحدكم إذا فرغ من الصلاة سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة فإن أصلهن في الأرض ، وفرعهن في السماء ، وهن يدفعن : الحرق ، والغرق ، والهدم ، والتردي في البئر ، وافتراس الذئب ، وميتة السوء » ٢ .
التسبيح في الصلاة :
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى من سورة الواقعة : ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) ٣ ، وجاء أيضا قوله تعالى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) ٤ .
قال المقداد السيوري : [ باسم ربك ، أي : بذكر ربك ، أو الأسم الذكر ، أي : سبح بذكر ربك العظيم ، يحتمل كونه صفة للاسم ، أو للرب .
وسبح أسم ربك ، أي : نزّهه عما لا يجوز إطلاقه عليه ،
__________________
١ ـ كنز العرفان : ١ / ٧٨
٢ ـ الباقيات الصالحات : ٢٠
٣ ـ سورة الواقعة ، الآية : ٧٤
٤ ـ سورة الأعلى ، الآية : ١
أو نزهه عن أطلاق أسمه على غيره . ـ ثم قال ـ روى عقبة أبن عامر قال : لما نزل ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أجعلوها في ركوعكم » ، ولما نزل ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) ، قال : « أجعلوها في سجودكم » ١ .
ومثله من طرقنا رواية هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليهالسلام تقول في الركوع سبحان ربي العظيم ، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ، الفريضة واحدة والسنة ثلاث .
ثم قال المقداد : ويجوز إضافة وبحمده في الذكرين استحبابا عندنا وفي الركعات الثالثة والرابعة من الصلاة اليومية ، يقول فيها المصلي تسبيحا معروفا هو : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ] ٢ .
الذكر :
نقصد بالذكر مجموع الكلمات التي يذكر بها الله تعالى بالثناء والتمجيد ، أو الاستعانة من قبيل : الحمد لله ، وبسم الله ، وما شاء الله ، والله أكبر ، ولا إله إلا الله ، وسبحان الله .
والذكر بهذا المعنى الواسع عبادة من العبادات الإسلامية الواجبة التي حث القرآن الكريم في كثير من آياته أو جاءت نصوصها في آياته ، ومنها قوله تعالى :
١ ـ ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ) ٣ .
__________________
١ ـ سنن أبي داود : ١ / ٢٠١
٢ ـ كنز العرفان : ١ / ١٢٨
٣ ـ سورة الإنسان ، الآية : ٢٦
٢ ـ ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) ١ .
٣ ـ ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ٢ .
وفي الأحاديث الواردة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل البيت عليهمالسلام :
١ ـ روى الكليني عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكثر من ذكر الله عز وجل أحبه الله ، ومن ذكر الله كثيرا كتبت له براءتان من النار وبراءة من النفاق »
٢ ـ وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج على أصحابه فقال : « ارتعوا في رياض الجنة »
قالوا يا رسول الله : وما رياض الجنة ؟ .
قال : « مجالس الذكر أغدوا وروحوا واذكروا ، ومن كان يحبُ أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده ، فإن الله تعالى يُنزل العبد حيث أنزل العبد الله من نفسه ، وعلموا أن خير أعمالكم وأزكاها وأرفعها في درجاتكم وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله سبحانه فإنه أخبر عن نفسه فقال : أنا جليس من ذكرني أو قال تعالى : فاذكروني أذكركم بنعمتي واذكروني بالطاعة والعبادة أذكركم بالنعم والإحسان والرحمة والرضوان » ٣ .
__________________
١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٩١
٢ ـ سورة آل عمران : ١٣٥
٣ ـ مجلة رسالة الثقلين ، ع : ٢٩ ، ص ١٠٢ ، بحث لشهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم قدسسره .
التهليل والتحميد والتكبير :
١ ـ التهليل :
هو قول : ( لا إله إلا الله ) ، أو ( لا إله إلا هو ) ، وقد ورد في القرآن قوله تعالى : ( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ١ .
وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « ما من مسلم يقول : لا إله إلا الله يرفع بها صوته حتى تتناثر ذنوبه تحت قدميه كما يتناثر ورق الشجر تحتها » ٢ .
٢ ـ الحمد لله :
أول ما يفتح به العبد صلاته في سورة الفاتحة بعد البسملة ، وقد أدبنا القرآن الكريم ، كما أنه آخر دعوى المؤمنين وكلامهم ، ( وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ٣ .
والحمد هو أحب الأعمال لله تعالى ، فقد روى الكليني في الكافي عن محمد بن مروان قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟
قال : « أن تحمده ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يُكثر من الحمد في الصباح والمساء » ٤ .
__________________
١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨
٢ ـ جامع أحاديث الشيعة : ١٥ / ٤٠٧
٣ ـ سورة يونس ، الآية : ١٠
٤ ـ جامع أحاديث الشيعة : ١ / ٣٨٠
٣ ـ التكبير لله :
لقد ورد الحديث عن التكبير في القرآن في عدة مواضع ، كما في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) ١ ، وقوله تعالى : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ٢ ، وقوله تبارك وتعالى : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) ٣ .
والتكبير هو : شعار المسلمين أيضا لأنه ورد في الأذان عدة مرات ، وكذلك في الإقامة للصلاة ، وبدأ الصلاة والإحرام بها يكون بالتكبير ، وكذلك الانتقال من فعل إلى آخر في الصلاة يكون بالتكبير ، وقد ورد في فضله أنه قُرن بالتهليل في الفضل في بعض الروايات ، حيث : « أنه ليس شيء أحب إلى الله تعالى من التهليل والتكبير ، وأن ثمنه الجنة ، وأنه يُكفر الذنوب » ٤ .
والتكبير هو قرين التسبيح والحمد والتهليل في التسبيحات الأربع المعروفة التي ورد فيها ثواب وفضل كبيران ، ويعوض الإتيان بها عن الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الصلاة .
__________________
١ ـ سورة المدثر ، الآيات : ١ ـ ٣
٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٥
٣ ـ سورة الإسراء ، الآية : ١١١
٤ ـ جامع أحاديث الشيعة : ١٥ / ٤٣١
السجود على التربة الحسينية :
بعد أن تحدثنا عن التسبيح بتربة الإمام الحسين عليهالسلام نتحدث عن السجود على التربة الحسينية ، فنقول : يجب كما هو المعروف فقهيا السجود على الأرض الطاهرة أو ما أنبتت من غير المأكول ولا الملبوس لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ١ ، أي : للسجود والتيمم .
[وفي عصرنا هذا حيث لا يتيسر التُراب في الدور والمساجد لأنها مفروشة بالسجاد يلزم أن يأخذ المصلي قطعة من الحجر الطاهر والأفضل أن يكون من مكان مقدس فيه ذكرى وعبرة للمؤمنين كالتربة الحسينية لما فيها من ذكرى مكافحة الظلم والطغيان ، ولهذا السبب تُقدس كما يُقدس ماء زمزم لما ترمز إليه من ذكريات أبي الأنبياء إبراهيم عليهالسلام وزوجته هاجر وأبنه إسماعيل] ٢ .
قصة التربة الحسينية :
لهذه التربة قصتان :
١ ـ [الأولى شائعة بين البسطاء تزعم أن دم الحسين قد أختلط بهذه التربة ، فأصبحت ذات قيمة دينية عند من يقدسها .
٢ ـ قصة ثانية غير شائعة تقول : أن الخليفة عمر بن الخطاب لاحظ أن جماعة من المسلمين بعد فتح بلاد فارس أخذوا
__________________
١ ـ صحيح البخاري : ١ / ١٩
٢ ـ لماذا أنا جعفري : ١٣٥
يصلون على الأرض المفروشة فساءه ذلك وأوصى بأن تظل الصلاة على الأرض ، وأن يبتعد المسلمون عن إدخال الترف إلى طقوس صلواتهم .
وقد يكون بعض المسلمين قد اهتدوا إلى طريقة لتجفيف الطين النقي المأخوذ من تراب الصحراء لتلامس جبهة المصلي قطعة التراب المجفف ، ولا قطعة الفراش الوثير ] ١ .
السجود على الأرض * :
عن هشام بن الحكم أنه قال لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز ؟ .
قال : « السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لُبس »
فقال له : جُعلت فداك ما العلة في ذلك ؟ .
قال : « لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا لغرورها » ٢ .
__________________
١ ـ مجلة صوت الإسلام : س ١ ، ع ٢ ، ص ١٧٣ ، الشيعة والدولة القومية في العراق : ٣٣٢
* للتوسعة في مراجعة البحوث والمؤلفات المفردة حول السجود على الأرض والتربة الحسينية خاصة ، راجع : ما كتبه الأستاذ : عبد الله المنتفكي والذي عرف بتلك الكتب المفردة في هذا الموضوع كتاب : القطوف الدانية في المسائل الثمانية : ١ / ١٠١ ـ ١٠٤
٢ ـ وسائل الشيعة : ١ / ٣ ، ب ١
ولما كانت الطهارة من شروط موضع السجود جرت السيرة عند المتشرعة منذ القديم على اتخاذ قطعة طاهرة طيبة من التربة من أي أرض كانت على الخصوص الأرض الطاهرة لمراقد الأئمة ـ أهل البيت الطاهرين عليهمالسلام ـ كالنجف الأشرف ، وكربلاء المقدسة ، ومشهد المشرفة .
يقول المرحوم الشيخ : عبد الحسين الأميني صاحب كتاب الغدير قدسسره : [ نحن نتخذ من تربة كربلاء قطعة لمعا وأقراص نسجد عليها كما كان فقيد السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة سجد عليها والرجل تلميذ الخلافة الراشدة ، فقيه المدينة ومعلم السنة بها ، وحاشاه من البدعة .
فليس في ذلك أي حزازة أو تعسف أو شيء يضاد نداء القرآن الكريم ، أو يخالف سنة الله وسنة رسوله ، أو خروج من حكم العقل والاعتبار ، وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدى الشيعة الإمامية من الفرض المحتم ولا من واجب الشرع والدين ، ولا مما ألزمه المذهب ، ولا يفرق أي أحد منهم منذ أول يومها بينها وبين غيرها من تراب الأرض في جواز السجود عليها خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم ، وأن هو إلا استحسان عقلي ليس إلا واختيار لما هو أولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت .
وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يُوثق بطهارته أو خُمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم ] ١ .
__________________
١ ـ سيرتنا وسنتنا : ١٦٦ ـ ١٦٧
هل السجود على تربة الحسين عليهالسلام شرك بالله :
١ ـ [ ينتقد البعض الشيعة الإمامية لسجودهم على التربة الحسينية ويظنون ظنا واهما أن ذلك شرك بالله تعالى
٢ ـ السجود على التربة لا يكون شركا لأن الشيعة تسجد على التربة لا لها ، وأن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم ـ على الفرض والمحال ـ أن التربة هي أو في جوفها شيء يسجدان لأجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها إذ لا يسجد الشخص على معبوده لأن السجود يجب أن يكون للمعبود وهو الله ، يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه .
أما السجود على الله فهو كفر محض فسجود الشيعة على التربة ليس شركا .
٣ ـ ما هو سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ولما لا يسجدون على سائر الأشياء كما يسجدون على التربة ؟
والجواب : هو عملا بالحديث الشريف « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » ، فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين ، ولذلك نسجد دائما على التراب الذي اتفق المسلمون جميعا على صحة السجود عليه .
٤ ـ والدليل على أتفاق المسلمين عليه أن أول ما جاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة وأمر ببناء مسجده فيها ، فهل كان المسجد مفروشا بفرش ؟ .
والجواب : كلا لم يكن مفروشا .
وكان النبي والمسلمون يسجدون على الفراش أم على التراب ؟ ومن بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فهل كان المسجد مفروشا بفرش ؟
والجواب : قطعا لا ، إذن جميع صلوات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت على الأرض والتراب .
٥ ـ الشيعة تجوز السجود على الأرض سواء في ذلك المتحجر منها أو التراب .
٦ ـ حيث أنه يُشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة فلا يجوز السجود على أرض نجسة ، أو تراب غير طاهر ، لذلك يحملون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر لأن حمل التراب وأن كان طاهرا يوجب وسخ الثياب والفرش
٧ ـ أن السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع والتواضع لله فإن السجود هو غاية الخضوع ، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله فكلما كان مظهر السجود أكثر في الخضوع لا شك أن يكون أحسن لأنه يوجب وضع أشرف مواضع الجسد ـ وهو الجبهة ـ على الأرض خضوعا لله تعالى وتصاغرا أمام عظمته .
٨ ـ فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه شركا وكفرا ؟ ، والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى تقريبا من الله ؟ .
٩ ـ أما أن يضع الإنسان في حال السجدة جبهته على سجاد ثمين ، أو على معادن كالذهب والفضة وامثالهما ، أو على ثوب غال القيمة فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله .
١٠ ـ والخصوصية في تربة كربلاء حيث أن أكثر الشيعة الأمامية مقيدون بالسجود عليها مهما أمكن لما ورد في الحديث الشريف : « السجود على التربة الحسينية يخرق السماوات السبع » ، كما ذكر ذلك أبن قولويه في كتابه كامل الزيارات .