ففيه ضرورتان : تأكيد النكرة ، واستعمال أكتع غير تابع لأجمع.
وإن كان معنى الكلام يغنى عن التأكيد ، لم يجز التأكيد ، لا تقول : «اختصم الزيدان كلاهما» ، إذ لا فائدة فيه ؛ لأنّه معلوم أنّ الاختصام إنّما يكون من اثنين.
ولا يجوز تأكيد ضمير الرفع المتّصل بالنّفس والعين ، إلا بعد تأكيده بضمير رفع منفصل ؛ نحو قولك : «قمت أنت نفسك».
__________________
قال ابن عبد ربه (في العقد الفريد) : نظر أعرابي إلى امرأة حسناء ومعها صبي يبكي ، فكلما بكى قبلته ، فأنشأ يقول هذا الرجز.
(الذلفاء) بفتح الذال المعجمة وبعد اللام الساكنة فاء : وصف مؤنث أذلف ، ومن الذلف ، وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة. ويحتمل أنه اسم امرأة منقول من هذا.
وحال حولا من باب قال ، إذا مضى. ومنه قيل للعام حول وإن لم يمض ، لأنه سيكون حولا ، تسمية بالمصدر.
و (أكتع) قال صاحب الصحاح : يقال : إنه مأخوذ من قولهم : أتى عليه حول كتيع ، أي تام.
والشاهد فيه قوله : «حولا أكتعا» حيث أكد النكرة المحدودة ، وهو مذهب الكوفيين.
والنكرة لا تؤكد مطلقا عند أكثر البصريين بشيء من ألفاظ التوكيد لأنها معارف فلا تتبع النكرة وأجازه بعضهم مطلقا سواء كانت محدودة أم لا نقله ابن مالك في شرح التسهيل.
ورأى الأخفش والكوفيين يجوّز توكيدها إن كانت محدودة أي مؤقتة وإلا فلا قال ابن مالك : وهذا القول أولى بالصواب لصحة السماع بذلك ولأن فيه فائدة لأن من قال صمت شهرا ، قد يريد جميع الشهر ، وقد يريد أكثره ففي قوله احتمال يرفعه التوكيد ، ومن الوارد فيه قوله : قد صرت البكرة يوما أجمعا الشاهد فإن قال البصريون إنه مصنوع فهناك غيره من الشواهد مثل : قول الشاعر : تحملني الذلفاء حولا أكتعا وقوله : أوفت به حولا وحولا أجمعا ، وقول عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صام شهرا كله إلا رمضان ؛ أما غير المحدود فلا فائدة فيه ، فلا يقال اعتكف وقتا كله ، ولا رأيت شيئا نفسه والمانعون مطلقا أجابوا بأن ما ورد من ذلك محمول على البدل أو النعت أو الضرورة. والزمخشري يري أن النكرات لا تؤكد بالتوكيد المعنوي ، وإنما تؤكد بالتوكيد اللفظي لا غير لو قلت أكلت رغيفا كله أو قرأت كتابا أجمع لم يجز وإنما تقول أكلت رغيفا رغيفا ، أو قرأت كتابا كتابا وإنما لم تؤكد النكرات بالتوكيد المعنوي لأن النكرة لم تثبت لها حقيقة والتأكيد المعنوي إنما هو لتمكين معنى الاسم وتقرير حقيقته وتمكين ما لم يثبت في النفس محال فأما التوكيد اللفظي فهو أمر راجع إلى اللفظ وتمكينه في ذهن المخاطب وسمعه خوفا من توهم المجاز أو توهم غفلة عن استماعه.
ينظر : الدرر ٦ / ٣٥ ، ٤١ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٦٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٢ ، ٥٦٥ ، ولسان العرب (كتع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣ ، ١٢٤ ، شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ٤٤.