فالزورق مذكر ، لكن ألحقت العلامة لما كنى به عن الحرّة ، وإن كان المؤنث قد كنى به عن مذكر ـ كان ترك العلامة إذ ذاك أحسن منه قبل أن يكون كناية عنه ؛ نحو قولك : «هذا البلد نعم الدار» وإذا كان فاعلها مضمرا ، لم يبرز فى حال تثنية ولا جمع ؛ نحو قولك : «نعم رجلين الزيدان ، ونعم رجالا الزّيدون» ؛ لأنهم استغنوا بتثنية التمييز وجمعه عن ذلك ، وقد حكى الأخفش ظهور الضمير عن قوم من العرب (١) إلا أنه لم يتحقق بقاؤهم على الفصاحة لمخامرتهم أهل الحاضرة.
ولا يجوز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر إلا إذا أفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل ، فأما قول جرير (٢) [من البسيط] :
١٦ ـ والتّغلبيّون نعم الفحل فحلهم |
|
فحلا ، وأمّهم زلاء منطيق (٣) |
__________________
بضم الميم وسكون الجيم وكسر الفاء : العظيمة الجنب الواسعة الجوف. والجفرة بالضم : الوسط ، يقال : فرس مجفر وناقة مجفرة ، إذا كانت عريضة الجرم. وصفها بأنها عظيمة القوائم ، وكني عن ذلك بدعائم الزور. و (الدعائم) القوائم. و (والزور) بفتح الزاى : أعلى الصدر. وقال ابن المستوفي : دعائم الزور : الضلوع ، وكل ضلع دعامة.
والشاهد فيه : أنه قد يؤنث (نعم) لكون المخصوص بالمدح مؤنثا وإن كان الفاعل مذكرا ، فإنّه أنّث نعم مع أنه مسند إلى مذكر ، وهو زورق البلد.
لأنه يريد الناقة ، فأنث على المعنى كما أنث مع البلد في قولهم : هذه الدار نعمت البلد ، حين أراد به الدّار. وكقول الراجز :
نعمت جزاء المتّقين الجنّة |
|
دار الأماني والمنى والمنّه. |
ينظر : ديوانه (١٧٤) ، وخزانة الأدب (٩ / ٤٢٠ ، ٤٢٢) ، وشرح المفصل (٧ / ١٣٦) ، ولسان العرب (زرق) ، (نعم).
(١) م : وقولى : «وقد حكى الأخفش ظهور الضمير عن قوم من العرب» حكى ذلك فى كتابه الكبير عن ناس من بنى أسد فصحاء ، قال : لقيتهم ببغداد ، قال : منهم أبو محمد وأبو صالح إلا أنه ارتاب فيهم ؛ لمخامرتهم أهل الحاضرة. أه.
(٢) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعى ، من تميم أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمانه ويساجلهم ، وكان هجّاء مرّا ، فلم يثبت أمامه إلا الفرزدق والأخطل. وكان عفيفا وهو من أغزل الناس شعرا.
ينظر : الأعلام ٢ / ١١٩ ، وفيات الأعيان ١ / ١٠٢ وابن سلام / ٩٦ ، خزانة الأدب ١ / ٣٦ ، الشعر والشعراء ص ١٧٩.
(٣) البيت لـ «جرير بن عطية» كما ذكر المصنف
والشاهد فيه قوله : «فحلا» حيث جمع بينه ، وهو تمييز ، وبين الفاعل الظاهر على