همع الهوامع - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

اللفظ أو في المخرج نحو : خدرنق نونه أصل لكنها مثل النون الزائدة من حيث اللفظ ، فيقال : خدارق بحذفها وإقرار القاف ، وهو الحرف الخامس ، وفرزدق داله أصل لكنها تشبه التاء التي هي من حروف الزيادة من حيث المخرج لا من حيث اللفظ فيقال : فرازق بحذفها وإقرار القاف ، هذا هو الأجود ويجوز فيه وجه آخر وهو إبقاء الرابع وحذف الخامس فيقال : خدارن وفرازد ، هذا المذكور من جواز حذف الخامس مطلقا أو الرابع بشرطه مذهب سيبويه ، وقال المبرد : لا يجوز إلا حذف الخامس لا غير ، وما جاء من قولهم : فرازق غلط ، وما كان غلطا لا يتعدى به اللفظة المسموعة ، قال أبو حيان : وقد وافق المبرد على هذا غيره.

أما الثالث فلا يحذف فلا يقال : فرادق ولا خدانق ، وأجازه الكوفيون والأخفش ، قال أبو حيان : وكأنهم رأوا حذف الثالث أسهل ؛ إذ تحل ألف الجمع محلها فيبقى ما قبل الألف معادلا لما بعدها في كون كل منهما حرفين متساويين في نظم الترتيب ، وكأنهم رأوا أن بالثالث حصل الامتناع من الوصول إلى مماثلة مفاعل أو مفاعيل ، فأجروه مجرى الزائد الذي جاء ثالثا فحذفوه نحو : واو فدوكس حيث قالوا : فداكس.

ولا يبقى في هذا الجمع الذي على مماثلة مفاعل أو مفاعيل زائد مع أربعة أصول ، بل يحذف سواء كان أولا أو ثانيا أو ثالثا أو رابعا أو خامسا أو سادسا نحو : مدحرج وقنفخر وفدوكس وصفصل وسبطرى وعنكبوت وعقربان وبرنساء ، فيقال : دحارج وقفاخر وفداكس وصفاصل وسباطر وعناكب وعقارب وبرانس ، ولا توجد زيادة رابعة في رباعي الأصول إلا حرف لين أو مدغما ، ولا سادسة في رباعي الأصول أيضا إلا مع زيادة أخرى ، ويكونان زيدتا معا كما مثلنا به من عنكبوت وعقربان وبرنساء.

فإن كان الزائد حرف لين رابعا سواء كان حرف مد أيضا كعصفور وقنديل وسرداح ، أم غير حرف مد كغرنيق وفردوس لم يحذف ذلك الزائد ، بل إن كان ياء أقر على حاله ، أو واوا أو ألفا قلب فيقال : عصافير وقناديل وسراديح وغرانيق وفراديس ، فإن كان حرف علة لا لين حذف كالصحيح فيقال في كنهور : كناهر.

وحرف اللين ما كان ساكنا سواء كانت الحركة قبله مناسبة له أم لا ، فإن ناسبته سمي حرف مد ولين ، واحترز برابع من غير الرابع فإنه يحذف أيضا وإن كان حرف لين سواء كان ثانيا أم ثالثا أم خامسا كفدوكس وسميذع وعذافر وخيتعور وخيسفوج ، فيقال : فداكس وسماذع وعذافر وختاعر وخسافج.

٢٤١

ويجوز أن يعوض مما حذف سواء كان ثلاثي الأصول أم رباعيه أم خماسيه ياء ساكنة قبل الآخر نحو : مطاليق في منطلق ، وفداكيس في فدوكس ، وسفارج في سفرجل ما لم يستحقها من غير تعويض نحو : لغيزى فإنه يقال فيه : لغاغز بفك التضعيف وحذف ألفه وياء قبل آخره ، لكن هذه الياء هي التي في المفرد فليست تعويضا من المحذوف في الجمع.

وقد تعوض هاء التأنيث من ألفه الخامسة تقول في حبنطى وعفرنى : حبانط وعفارن ، فإذا عوضت الياء قلت : حبانيط وعفارين ، أو الهاء قلت : حبانطة وعفارنة ، لكن باب تعويض الياء أوسع جدا ؛ لأنها يجوز دخولها في كل ما حذف منه شيء غير باب لغيزى وتعويض الهاء مقصور على ما ذكر.

وهاء التأنيث أحق بالاسم الذي حذفت منه ياء النسب عند الجمع من غيره ، مثاله أشعثي وأشاعثة وأزرقي وأزارقة ومهلبي ومهالبة.

ولا يجوز حذف الياء من مفاعيل ولا إثباتها في غيره كمفاعل وفواعل عند البصريين إلا في الضرورة كقوله :

١٧٧٥ ـ ألا إن جيراني العشيّة رائح

دعتهم دواع من هوى ومنادح

والأصل مناديح ؛ لأنه جمع مندوحة ، وقوله :

١٧٧٦ ـ سوابيغ بيض لا تخرّقها النّبل

والأصل سوابغ ؛ لأنه جمع سابغة ، وأجاز الكوفية الأمرين في الاختيار ، واستدلوا بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩] ، والأصل مفاتيح ؛ لأنه جمع مفتاح ، وبقوله تعالى : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) [القيامة : ١٥] ، والأصل معاذره ؛ لأنه جمع معذرة.

وتأول البصريون ذلك على أنه جمع مفتح بلا ألف ومعذار بألف ، ووافق ابن مالك الكوفيين فأجاز في سربال وعصفور سرابل وعصافر ، وفي درهم وصيرف دراهيم وصياريف ، ولا يفتتح باب مفاعل ومفاعيل بالحرف الذي لم يفتتح به المفرد ، بل أي حرف كان أول المفرد يكون أول هذه الجمعين كما مر في الأمثلة ، قال أبو حيان : وهذا الحكم

__________________

١٧٧٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لحيان بن جبلة المحاربي في الأشباه والنظائر ٤ / ٢٢٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٧٠ ، ومعجم ما استعجم ص ١٧٣ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٧٠.

١٧٧٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٠٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٣٣ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٧٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨١.

٢٤٢

مشترك بين هذين المثالين وبين كثير من أمثلة الجموع ، وإنما يخرج عنه ما جمع على أفعل وأفعال وأفعلة وأفعلاء وفعل في جمع أفعل.

ولا يختم باب مفاعل ومفاعيل بحرف لين ليس في الواحد هو ولا ما أبدل منه ، فإن كان هو أو ما أبدل منه في الواحد ختم هذا الجمع به كحذرية وحذاري وعرقوة وعراقي ، وما ورد بخلاف ذلك في الأمرين أعني الافتتاح والاختتام فهو جمع لواحد قياسي مهمل أو مستعمل قليلا ، مثاله في الافتتاح ملامح ومذاكير ومحاسن افتتح بغير الحرف الذي في أول لمحة وذكر وحسنة ، فقدر كأنها جمع ملمحة ومذكار ومحسنة وهي مفردات مهملة الوضع جاء الجمع عليها ، وأظافير افتتح بغير الحرف الذي في أول ظفر لكنه ورد الأظفور في معنى الظفر فكأن الجمع جاء عليه وإن كان الظفر أشهر وأكثر استعمالا ، ومثاله في الاختتام باللين الكياكي ختم به ، والمفرد كيكة وليس هو فيه ، ولا ما أبدل منه فقدر كأنه جمع كيكاة وهو مفرد قياسي قد أهمل والليالي مفرد ليلة ولم يختم به ، ولكنه قد استعمل قليلا ليلاة قال :

١٧٧ ـ يا ويحه من جمل ما أشقاه

في كل يوم ما وكلّ ليلاه

فجاءت الليالي على مراعاة هذا القليل.

(ص) مسألة : يجمع العلم المرتجل والمنقول من غير اسم جامد له جمع موازنه أو مقاربه من جامد اسم الجنس الموافقه تذكيرا ، وضده ، ولا يتجاوز بالمنقول في جامد له جمع وزنه ، فإن لم يكن عومل كأشبه الأسماء به.

(ش) إذا كان الاسم علما مرتجلا فإنك تجمعه جمع ما وازنه من أسماء الأجناس إن كان له نظير في الأوزان ، أو ما قاربه في الوزن إن لم يكن له نظير مراعيا للموافقة في التذكير والتأنيث ، فإن كان العلم مذكرا جمع جمع اسم الجنس المذكر ، أو مؤنثا جمع جمع اسم الجنس المؤنث ، مثال ما له نظير زينب وسعاد وأدد فيجمع زينب على زيانب

__________________

١٧٧٧ ـ الرجز لدلم أبي زغيب في اللسان ١٢ / ٢٠٤ ، مادة (دلم) ، والتاج (دلم) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ١٢٣ ، والخصائص ١ / ٢٦٧ ، ٣ / ١٥١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٧٧ ، ٢ / ٢٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤١١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٠٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٥٠ ، ولسان العرب ٢ / ٣٣٥ ، مادة (عوج) ، ١١ / ٦٠٨ ، مادة (ليل) ، ١٤ / ٢٩١ ، مادة (رأي) ،. انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٨٧.

٢٤٣

كما تجمع أرنبا على أرانب ، وسعاد على أسعد كما تجمع كراع على أكرع ، وأدد على أدان كما تجمع نغز على نغران ، ومثال ما لا نظير له : ضربب إذا ارتجلت علما من الضرب على وزن فعلل فإنه مفقود في كلامهم فتجمعه جمع برثن ؛ لأنه قاربه في الوزن.

وكذلك العلم المنقول من غير اسم جامد سواء كان منقولا من صفة أو من فعل ، وقد استقر له جمع قبل النقل فإنه أيضا يجعل كاسم الجنس الموافق له فيما ذكر ، مثاله لو سميت رجلا بجامد أو بضرب المنقول من الفعل لقلت في جمع جامد : جوامد كما تقول في حائط : حوائط ، وفي جمع ضرب : أضراب كما تقول في جمع حجر : أحجار ، وكذا إذا سميت امرأة بخالد جمعتها على خوالد كما تجمع طالق على طوالق ، ولو سميتها ب : (قال) لقلت في جمعها : قول كما تقول في جمع ساق : سوق ، ولو سميت ب : (أقتل) منقولا من المضارع المبني للمفعول فإنه لا نظير له في أوزان الأسماء فيجمع مثل جمع أفكل المقارب لوزنه.

ولا تتجاوز بالمنقول من جامد مستقر له جمع ما كان له من الجمع ، فلو سميت رجلا بغراب قلت في جمعه : أغربة وغربان كما قيل فيه قبل النقل ، ولا يزيله النقل عما كان له في حال كونه اسم جنس ، فإن لم يستقر له جمع قبل النقل بأن لم يجمع ألبتة كالمنقول من أكثر المصادر فإنها لم تجمع ، أو جمع لكنه ما استقر فيه جمع بل اضطرب ولم تطرد فيه قاعدة بحيث تكون مقيسة في جمع ذلك الاسم فإنه إذ ذاك يجمع جمع ما كان أشبه به ، مثال الأول أن يسمى ب : (ضرب) فإنه لم يجمع وهو مصدر فجمع مسمى به على أفعل في القلة فتقول : أضرب ككلب وأكلب وضروب من الكثرة ككعب وكعوب ، ومثال الثاني.

(ص) ولا يجمع جمع كثرة واسم جنس لم تختلف أنواعه وفاقا ، فإن اختلف فالجمهور لا يقاس هو ولا اسم الجمع ، وأنه يقاس في القلة ، أما جمع الجمع فلم يثبته غير الزجاجي وابن عزيز.

(ش) لا خلاف في أن جموع الكثرة لا تجمع قياسا ، ولا أسماء المصادر ولا أسماء الأجناس إذا لم تختلف أنواعها ، فإن اختلفت فسيبويه لا يقيس جمعها على ما جاء منه وعليه الجمهور ، ومذهب المبرد والرماني وغيرهما قياس ذلك.

قال أبو حيان : والصحيح مذهب سيبويه لقلة ما حكى منه ، وسواء في اسم الجنس ما ميز واحده بالتاء وما ليس كذلك ، ومن المسموع في الأول قولهم : رطبة وأرطاب ، واختلفوا في جموع القلة وهي أفعال وأفعلة وأفعل وفعلة ، فمذهب الأكثرين أنه منقاس

٢٤٤

جمعها ، ولا خلاف أنه ما سمع من جمع القلة أكثر مما سمع من جمع الكثرة ، ولكن أهو من الكثرة بحيث يقاس عليه أم لا؟ واختيار ابن عصفور أنه لا ينقاس جمع الجمع لا جمع القلة ولا جمع الكثرة ، ولا يجمع إلا ما جمعوا ، ومن المسموع في ذلك أيد وأياد وأوطب وأواطب وأسماء وأسام وأسورة وأساورة وأبيات وأباييت وأنعام وأناعيم وأقوال وأقاويل وأعراب وأعاريب ومعن ومعنان ومصران ومصارين وحيشان وحشاشين وجمل وجماميل وأعطية وأعطيات وأسقية وأسقيات وبيوت وبيوتات وموال ومواليات بني هاشم ودور ودورات وعوذ وعوذات وصواحب وصواحبات يوسف وحدائد وحديدات وحمر وحمرات وطرق وطرقات وجزر وجزرات وأنصاء وأناص وهو ما رعي من النبات.

قال أبو حيان : فهذا ما جمع من الجمع في الكلام ، والمفرد يد ووطاب واسم وسوار وبيت ونعم وقول وعرب ومعن ومصير وحش وجمل وعطاء وسقاء وبيت ومولى ودار وعائذ وصاحبة وحديدة وحمار وطريق وجزور ونصو ، قال : وأما ما جاء في الضرورة فأعينات والبرعات وأيامنون ونواكسون وعقابين وغرابين.

أما جمع جمع الجمع فأثبته الزجاجي ، ومثله بأصائل وهي العشايا فإنه جمع آصال وآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل كما تقول : رغيف ورغف ، ثم تشبه أصلا الجمع بعنق فتجمعه على آصال كما تجمع عنقا على أعناق ، ثم تشبه آصالا بأعصار لموافقته في الزيادة وعدد الحروف فتجمعه على أصائل ، وكان قياسه أصائيل لأجل الألف كأعاصير ، وبعضهم قال : إن أصلا قد استعمل في لسان العرب مفردا بمعنى أصيل ، فأصائل من جمع الجمع.

قال أبو حيان : وهذا أحسن من أن يجعل جمع جمع جمع ، قال : وذكر أبو الحسن بن الباذش أن النحويين على أن آصالا جمع أصيل كيمين وأيمان ، وأن أصائل جمع أصيلة كسفينة وسفائن ، وقد حكى يعقوب أصيلة في معنى أصيل ، فعلى هذا لا يكون أصائل من باب جمع الجمع ، ولا من باب جمع جمع الجمع ، قال : وهذا أولى من تكلف لا يضطر إليه انتهى.

وقال السهيلي : لا أعرف أحدا قال جمع جمع الجمع غير الزجاجي وابن عزيز ، قال أبو حيان : وظاهر كلام سيبويه أنه لا ينقاس جمع اسم الجمع ، ومن المسموع منه قوم وأقوام ورهط أراهط.

(ص) مسألة : ما دل على أكثر من اثنين ولا واحد له من لفظه إن كان وزنه

٢٤٥

خاصا بالجمع أو غالبا ، فجمع واحد مقدر ، وإلا فاسم جمع ، وما له واحد يوافقه في أصل اللفظ والدلالة عند عطف أمثاله ، فجمع ما لم يخالف أوزانه أو يساوي الواحد في خبره ووصفه ونسبه ، أو يميز من واحده بياء نسبة فاسم جمع ، أو بتاء فاسم جنس في الأصح ، أما ما يقع على المفرد والجمع فإن لم يثن كجنب على الأفصح فغير جمع ، وإلا فقيل : اسم جمع ، وقيل : جمع مقدر تغييره ، وقيل : مفرد.

(ش) كل اسم دال على أكثر من اثنين ولا واحد له من لفظه فهو جمع واحد مقدر إن كان على وزن خاص بالجمع ، أو غالب فيه ، مثال الخاص عبابيد وشماطيط فهذا جمع وإن لم ينطق له بمفرد ؛ لأنه جاء على وزن يختص بالجمع ؛ إذ لم يجيء لنا من لسانهم اسم مفرد على هذا الوزن ، ومثال الغالب أعراب فإنه جمع لمفرد لم ينطق به ، وجاء على وزن غالب في الجموع ؛ لأن أفعالا قل في المفردات جدا ، ومنه برمة أعشار ، وإلا فهو اسم جمع كإبل وذود واحدهما جمل أو ناقة ، وقوم واحده رجل.

فإن كان له واحد يوافقه في أصل اللفظ دون الهيئة وفي الدلالة عند عطف أمثاله فهو جمع ، مثاله : رجال ، له واحد يوافقه في الحروف الأصلية دون الهيئة ، ويقال فيه : قام رجل ورجل ورجل ، فإن وافقه في اللفظ والهيئة كفلك للواحد والجمع فسيأتي حكمه ، أو لم يوافقه في الدلالة عند عطف أمثاله كقريش فإن واحدهم قرشي ، وإذا عطف أمثاله عليه فمدلوله جماعة منسوبة إلى قريش ، وليس مدلول قريش ذلك فليس بجمع.

وكذا إن وجد الشرطان ولكن خالف أوزان الجموع السابقة ، أو ساوى الواحد في خبره ووصفه نحو : الركب سائر وهذا ركب سائر ، كما تقول : الراكب سائر وهذا راكب سائر ، أو ساواه في النسب إليه بأن نسب إليه على لفظه نحو : ركبي كما تقول : راكبي ، بخلاف الجمع فإنه لا ينسب إليه على لفظه ، بل يرد إلى المفرد كما سيأتي.

أو ميز من واحده بنزع ياء النسب نحو : روم وترك فإن الواحد منهما رومي وتركي ومع ذلك لا يكون روم وترك ونحوهما جموعا.

أو ميز من واحده بتاء التأنيث كبسر وبسرة في المخلوقات ، وسفن وسفينة في المصنوعات ، فليس شيء من هذه الأقسام الأربعة بجمع ، بل كل من الثلاثة الأول اسم جمع ، والأخير اسم جنس ، وخالف الأخفش فيما كان على فعل كركب طير وصحب ونحوها ، فقال : إنها جموع تكسير لراكب وطائر وصاحب لا أسماء جموع.

٢٤٦

قال أبو حيان : وهو مردود بأن العرب صغرتها على لفظها ، ولو كانت جموعا ردت في التصغير إلى مفرداتها ، وخالف الفراء في كل ما له واحد موافق في أصل اللفظ كبسر وغمام وسحاب ونحوها ، ورد بأنه لو كان جمعا لم يجز وصفه بالمفرد وقد وصف به قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر : ١٠] ، (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، ومن الواقع على جمع ما يقع على الواحد والجمع بغير تغيير ظاهر فإما أن يثنى أو لا ، فإن لم يثن فإنه ليس بجمع كالمصدر إذا أخبر به أو وصف به أو وقع حالا ، ونحو : جنب أيضا فإن الأفصح فيهما ألا يثنيا ولا يجمعا فليسا بجمعين ، وإن ثني فهو جمع عند الأكثرين كفلك وهجان ودلاص فإنها تطلق على المفرد والجمع ، ففلك في حالة الإفراد نظير قفل وفي حالة الجمع نظير رسل ، وهجان في حالة الإفراد نظير لجام ، وفي حالة الجمع نظير كرام ، فقدر التغيير في حالة الجمع بتبدل الحركات ، ولم يجعل من باب المشترك لوجود تثنيته في كلامهم ، بخلاف نحو : جنب فإنه هكذا المفرد والمثنى والمجموع على الفصيح ، وإن كان بعضهم قد ثناه فيكون إذا ذاك من باب فلك ، فلما ثنيت دل ذلك على عدم الاشتراك.

وذهب آخرون إلى أن باب فلك ونحوه أسماء جموع وأنه لا تغيير فيها مقدرا ، فيكون إذ ذاك من قبيل المشترك بين المفرد والجمع ، ولا يمتنع أن يوضع لفظ مشترك بين المفرد والجمع ؛ لأنهما معنيان متغايران بكيفية الإفراد والجمع ، وإن كنت إذا أطلقته على الجمع دل على المفرد والجمع ضم مفردات ينظمهن لفظ ، كما لم يمتنع أن يوضع المشترك بين الكل وجزئه نحو : إنسان فإنه موضوع لهذا الشخص وموضوع لإنسان العين ، وإن كنت إذا أطلقته على الإنسان دل بطريق التضمين على إنسان العين ، فكما لم يمتنع وضع مثل هذا فكذلك لا يمتنع بين المفرد والجمع وهو في هذا أسهل ؛ لأنه ليس فيه أكثر من ضم أمثال ، بخلاف إنسان فإن المباينة فيه أكثر ؛ لأن مباينة الجزء للكل أكثر من مباينة المفرد للجمع ، وهذا الرأي صححه ابن مالك في «التسهيل» ، وقال بعض النحويين : الفلك اسم مفرد يذكر ويؤنث ، وقوله تعالى : (وَالْفُلْكَ تَجْرِي) [الحج : ٦٥] على التأنيث المسموع فيه وهو مفرد واللام للجنس ، وقوله : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ، أعيد فيه على المعنى كما قالوا : الدينار الصفر ، والدرهم البيض ، وغير هذا القائل يجعله دليلا على الجمع.

التصغير

(ص) المصغر هو المصوغ لتحقير أو تقليل أو تقريب أو تعطف ، قال الكوفية : أو

٢٤٧

تعظيم بضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة بعده ، قيل : أو ألف.

(ش) فوائد التصغير خمس :

أحدها : تحقير شأن الشيء وقدره نحو : رجيل وزييد تريد تحقير قدره والوضع منه.

الثاني : التقليل إما لذاته نحو : كليب ، أو لكمّيته نحو : دريهمات.

الثالث : التقريب إما لمنزلته نحو : صديقة ، أو لزمانه ومسافته نحو : قبيل وبعيد وفويق وتحيت ودوين.

الرابع : التعطف نحو : يا أخي يا حبيبي.

الخامس : التعظيم أثبته الكوفيون واستدلوا بقوله :

١٧٧٨ ـ وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل

والبصريون تأولوا ذلك.

ويكون تصغير الاسم بضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة بعده ، أعني بعد الثاني ، واعتل السيرافي لضم أول المصغر بأنهم لما فتحوا في التكسير لم يبق إلا الكسر والضم ، فكان الضم أولى بسبب الياء والكسر بعدها في الأكثر ، وهي أشياء متجانسة ، وتجانس الأشياء مما يستثقل ، وقال أبو بكر بن طاهر : جعلوا الألف والفتح في الجمع ؛ لأنه أثقل فطلبوا فيه الخفة والضمة والياء للمصغر ؛ لأنه أخف ، وقال بعضهم : إنما ضم أول المصغر ؛ لأنه ثان للمكبر وتال له ، فلما كان بعده جرى مجرى الفعل الذي لم يسم فاعله ، قالوا : وإنما فتح ما قبل الياء ؛ لأن الياء في التصغير والألف في شبه مفاعل متقابلان ؛ لأن التصغير والتكسير من باب واحد ، فكما أن ما قبل الألف مفتوح فكذلك ما قبل هذه الياء المقابلة لها.

وإنما كانت علامة التصغير ياء ؛ لأن الأولى بالزيادة حروف المد واللين ، والجمع قد أخذوا الألف فأرادوا حرفا يخالفه ويقاربه ليقع الفصل فجاؤوا بالياء ؛ لأنها أقرب إلى

__________________

١٧٧٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٦ ، وجمهرة اللغة ص ٢٣٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، وسمط اللآلي ص ١٩٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ٨٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٥٠ ، ولسان العرب ٣ / ١٤ ، مادة (خوخ) ، والمعاني الكبير ص ٨٥٩ ، ١٢٠٦ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٦ ، ١٩٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٦.

٢٤٨

الألف ، وزعم بعض الكوفيين وصاحب «الغرة» أن الألف قد تجعل علامة للتصغير ، كقولهم : هدهد وتصغيره هداهد ودابة وشابة والتصغير دوابة وشوابة بالألف ، وأجيب بأن الأصل دويبة وشويبة فأبدلت الألف من الياء ، وبأن هداهد اسم موضوع للتصغير لا أنه تصغير هدهد.

(ص) ويحذف أول ياءين ولياها ، وتقلب ياء واو سكنت أو اعتلت أو كانت لاما وجوبا ، أو تحركت في مفرد وجمع اختيارا ، وواو ثان فتح للتصغير منقلب عنها ، أو ألف زائدة أو مجهولة أو بدل همزة تليها ، لا ياء ومنقلب عنها في الأصح ، ويجري ذلك في الجمع الموازن مفاعل أو مفاعيل.

(ش) إذا ولي ياء التصغير ياءان حذف أولاهما لتوالي الأمثال ، وإن وليها واو قلبت ياء وجوبا إن سكنت كعجوز وعجيز ، أو اعتلت كمقام أصله مقوم ومقيم ، أو كانت لاما كغزو وغزي وغزوة وغزية وعشوا وعشيا ، واختيارا إن تحرك لفظا في إفراد وتكسير ولم يكن لاما كأسود وأساود وأسيد وجدول وجداول وجديل ، ويجوز في هذا الإقرار وترك القلب فيقال : أسيود وجديول.

وجه الأول : الجري على قاعدة اجتماع ياء وواو سبقت إحداهما بالسكون من قلب الواو ياء وإدغامها في الياء ، ووجه الثاني : الإجراء على حدها في التكسير ؛ لأنهما من باب واحد.

فإن تحركت فيهما وهي لام قلبت في التصغير وجوبا ، ولم يلتفت إلى الجمع نحو : كروان وكراوين وكريان ، ويقلب ثاني المصغر المفتوح للتصغير واوا وجوبا إن كان منقلبا عنها كديمة ودويمة وقيمة وقويمة وريح ورويحة وميزان ومويزن ومال ومويل وريان ورويان ، وشذ من هذا الأصل قولهم : عيد وعييد وكان قياسه عويدا ؛ لأنه مشتق من العود ، وكذا قولهم في الجمع : أعياد ، وقصدوا بذلك الفرق بينه وبين تصغير عود وجمعه ، أو كانت ألفا زائدة كضارب وضويرب وكاهل وكويهل وقاصعاء وقويصعاء وخاتام وخويتيم وجاموس وجويميس ، أو كانت ألفا مجهولة الأصل كصاب وصويب وعاج وعويج وآوى وأوي ، أو كانت ألفا بدل همزة كآدم وأويدم أصله أأدم ؛ لأنه أفعل من الأدمة فأبدلت الهمزة ألفا ، ولا تقلب إن كانت ياء كبيت وشيخ وميت وسيد ، أو كان منقلبا عن ياء كناب للسن في الأصح الذي هو مذهب البصريين ، بل يجب إقرار الياء في الحالين فيقال : بييت وشييخ ومييت وسييد ونييب.

٢٤٩

وجوز الكوفيون الإقرار والقلب واوا كراهة اجتماع الياءات ، واختاره ابن مالك فيقال : بويت وشويخ ومويت وسويد ونويب وسمع في بيضة بويضة بالواو ، وفي ناب للمسنة من الإبل نويب ، وذلك عند البصريين شاذ لا يعمل به ، وعلى مذهبهم الأحسن ضم ما قبل الياء ويجوز كسرها فيقال : شييخ وهكذا ويجرى ما ذكر من القلب في الجمع على مثال مفاعل أو مفاعيل فيقال في الأمثلة السابقة : عجائز وروائح وموازين وضوراب وكواهل وقواصع وخواتيم وجواميس وأوادم.

(ص) ويكسر تالي ياء التصغير لا آخرا ، أو متصلا بهاء التأنيث ، أو ألفيه أو ألف أفعال ، أو ألف ونون مزيدتين.

(ش) إذا كان تالي ياء التصغير مكسورا بقي على كسر كزبرج وزبيرج ، قال أبو حيان : ولا نقول إن الكسرة الأصلية زالت وجاءت كسرة التصغير ؛ لأنه لا حاجة إلى دعوى ذلك ، قال : ويشبه ذلك الكسرة في نحو : شرب فإنه إذا بني للمفعول ضم أوله ، ولا يقال : إن كسرته زالت وجاء غيرها ، قال : ولو قيل : إن الكسرة في زبرج وشرب زالت وجاءت كسرة أخرى لكان وجها كما قالوا في من زيد في الحكاية على أحد القولين ، وفي يا منص إذا رخم منصور على لغة من لا ينتظر ، فإنهم زعموا أنها ضمة بناء غير الضمة الأصلية ا ه.

وإن كان تالي ياء التصغير غير مكسور كسر للمناسبة بين الياء والكسرة كجعيفر وبريثن ودريهم إلا أن يكون آخرا كرجيل ؛ لأن الآخر مشغول بحركة الإعراب وهي متبدلة عليه ، فلم يمكن كسره ، أو متصلا بهاء التأنيث كطليحة ، فإن كانت الهاء فيه ولم يتصل بها كسر كدحرج ودحيرجة ، أو متصلا بما هو منزل منزلة هاء التأنيث كبعيلبك فلا تكسر اللام ، أو بألف التأنيث المقصورة أو الممدودة ككسيرى وحميراء بخلاف ألف الإلحاق كعلقى وعلباء فإنه يكسر ما هي فيه ، فيقال : عليق وعليب ، أو متصلا بألف أفعال جمعا كأتراب وأنياب وأسقاط وأسباط ، أو مفردا كأن يسمى بأجمال فيقال : أجيمال ، أو متصلا بالألف والنون المزيدتين ك : سكيران بخلاف ما نونه أصلية فإنه يكسر فيه ما قبل الألف.

(ص) والثنائي حذفا برد ما حذف وضعا ، يزاد آخره ياء ، قيل : أو يضعف من جنسه ولا يعتد بالتاء ، ولا يرد محذوف تأتي بدونه فعيل على الأصح.

(ش) يتوصل إلى مثال فعيل في الثنائي برد ما حذف منه إن كان منقوصا سواء كان المحذوف منه الفاء أو العين أو اللام ، مثال الفاء عدة وزنة وشية وسعة وصفة وصلة وجهة ولدة وخدة وكل ومر وعد مسمى بها ، فإذا صغرت هذا النوع رددت المحذوف في موضعه ،

٢٥٠

فتقول : وعيد وأخيذ وأعيد وكذا باقيها ، ومثال العين سه ومذ وسل وقم ومر وبع مسمى بها ، فتقول : ستيهة ومنيذ وسويل وقويم وبييع ، ومثال اللام يد ودم وشفة ودد وحر وفوك وقط وفل ، فتقول : يديه ودمي وشفيهة وددين وحريح وفويهك وقطيط وفلين ، وإن لم يكن منقوصا بل كان ثنائي الوضع زيد فيه ياء فيقال في (من) و (عن) و (إن) مسمى بها مني وعني وإني ، وذكر ابن مالك فيه وجهين أحدهما هذا ، والآخر أنه يضاعف الحرف الأخير من جنسه فيقال في عن : عنين ، ولا يعتد بتاء التأنيث فلا يقال في شفة مثلا : إنه ثلاثي ، بل هو ثنائي وكذا بنت وأخت وكيت وذيت وهنت ومنت فكلها ثنائية ، فإذا صغرت رددت المحذوف فقلت : شفيهة وبنية وأخية وكيية وذيية وهنية ومنية ؛ لأن لامها مختلف فيه عند العرب.

وما اختلف في لامه المحذوف فكان حرفا في لغة وحرفا غيره في لغة جاز تصغيره على كل منهما ، فإن تأتي فعيل بما بقي من منقوص لم يرد إلى أصله كهار وميت وشاك وخير وشر وناس فيقال : هوير ومييت وشويك وخيير وشرير ونويس ، هذا مذهب سيبويه ، ونقل ابن مالك عن أبي عمرو أنه يرد المحذوف فيقال : هوير ومويت وشويك وأخير وأشير وأنيس ، وفي يرى علما يريء ، ونقل غيره هذا المذهب عن يونس.

(ص) ويحذف الوصل خلافا لثعلب وشرط المازني وزانه للأسماء.

(ش) تزال ألف الوصل عند تصغير ما هي فيه سواء كان ثنائيا كابن واسم ، أم أكثر كافتقار وانطلاق واستضراب واشهيباب واعديدان واقعنساس واعلواط واضطراب ؛ لزوال الحاجة إليها بتحريك أول المصغر ، فيقال : بني وسمي وفتيقير ونطيليق وشهيبيب وعديدين وقعيسيس وعلييط وضييريب ، وسواء بقي على مثال الأسماء أم لا هذا مذهب سيبويه ، وأثبت ثعلب همزة الوصل في الأسماء في حال التصغير ولم يسقطها ، فيقال في اضطراب : أضيريب فحذف الطاء ؛ لأنها بدل من تاء افتعل وهي زائدة وأبقى همزة الوصل ؛ لأنها فضلتها بالتقدم ، ومنع المازني من تصغير انفعال وافتعال ، فلم يجز في انطلاق نطيليق ولا في افتقار فتيقير ؛ لأنهما ليس لهما مثال في الأسماء ، بل يحذف حتى يصير إلى مثال الأسماء فيقال : طليق وفقير ، قال أبو حيان : وليس خلاف المازني مختصا بانفعال وافتعال فقط ، بل يشترط في المصغر كله أن يكون على مثال الأسماء.

(ص) ويتوصل إلى فعيعل وفعيعيل في التصغير بما يتوصل به إلى مفاعل ومفاعيل حذفا وإبقاء ، لكن لا تحذف هنا التاء والألف الممدودة وياء النسب والألف

٢٥١

والنون الزائدتان بعد أربع ، ولا يعتد بهن ، ويحذف واو جلولاء وشبهها في الأصح.

(ش) يتوصل إلى مثال فعيعل وفعيعيل في التصغير بما يتوصل به إلى مفاعل ومفاعيل في التكسير ؛ لأنهما من واد واحد ، فكما تقول في خدب : خداب ، وفي بهلول : بهاليل ، وفي عطرد : عطارد وعطاريد ، فكذا تقول : خديب وبهيليل وعطيريد ، والحذف والترجيح والتخيير في الزيادتين هنا كما هناك فكما تقول : عطاميس ومطاليق وتخاريج ودحاريج تقول : عطيميس ومطيليق وتخيريج ودحيريج ، وكما تقول في سفرجل : سفاريج تقول : سفيريج ، وكما تقول في حبنطى وعفرنى وقندأو : حباطي وحبانط وعفاري وعفارن وقنادي وقداين تقول : حبينط وحبيطى وعفيرن وعفيرى وقنيد وقدينى.

لكن خالف التصغير التكسير في أنه لا يحذف فيه هاء التأنيث ، وإن حذفت في الجمع فيقال في دحرجة : دحيرجة ، والجمع دحارج ، ولا تحذف فيه ألفه الممدودة ، ويقال في قاصعاء : قويصعاء ، والجمع : قواصع بحذفها ، ولا تحذف فيه ياء النسب فيقال في لوذعي : لويذعي ، والجمع لواذع بحذفها ، ولا يحذف فيه الألف والنون الزائدتان بعد أربعة أحرف فصاعدا فيقال في زعفران : زعيفران والجمع زعافر بحذفهما ، وفي عرنقصان : عريقصان والجمع عراقص بحذفهما ، فإن كانتا بعد ثلاثة أحرف لم يحذفا لا هنا ولا هناك ، وكذا لو كانت النون أصلية ثبتت في البابين كأسطوانة وأساطين وأسيطينة ، ولو كانت ألف التأنيث المقصورة حذفت في البابين كقرقرى وقراقر وقريقر ولا يعتد بهذه الأمور الأربعة أعني هاء التأنيث وألفه الممدودة وياء النسب والألف والنون المزيدتين ، بل يصغر الاسم على أحد المثالين وفيه اللواحق المذكورة.

ومذهب سيبويه في واو جلولاء وشبهها والمراد به ألف براكاء وياء قريثاء : أنها تحذف عند التصغير فيقال : جليلاء وبريكاء وقريثاء ؛ لأن لألف التأنيث الممدودة شبها بهاء التأنيث ، وشبها بألفه المقصورة فاعتبرنا الشبه بالهاء في عدم الحذف لها ، واعتبرنا الشبه بالمقصورة في إسقاط الواو والألف والياء ؛ لأنها كالألف في حبارى ، وخالفه المبرد فأثبتها وأدغمها بعد القلب فقال : جليلاء وبريكاء وقريثاء كما لم تحذف واو فروقة وألف رسالة وياء صحيفة ، ولم يعتبر إلا أحد الشبهين فقط.

(ص) ويرد إلى الأصل هنا وفي مفاعل ومفاعيل وأفعال وأفعلة وفعال ذو البدل آخرا مطلقا ، وغيره إن كان لينا بدل غير همزة تلي همزة الاستفهام ، لا تاء متعد ونحوه ، خلافا للزجاج ، ولا ذو القلب وما خالف فشاذ أو مادة أخرى.

٢٥٢

(ش) يرد إلى أصله في التصغير وفي التكسير على مثال مفاعل أو مفاعيل أو أفعال أو أفعلة أو فعال ذو البدل الكائن آخرا مطلقا ، سواء كان حرف لين نحو : ملهى ، أم غير حرف لين نحو : ماء ، فإن الألف في ملهى بدل من الواو ؛ لأنه مشتق من اللهو ، والهمزة في ماء بدل من الهاء لقولهم : مياه ، فمثال التكسير على مفاعل ملاهي ، وعلى مفاعيل صحاري ، وعلى أفعال أمواه ، وعلى أفعلة أسقية ، وعلى فعال مياه ، ويقال في تصغيرها : مليهى ومويه وسقي ؛ لأن التصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها.

فإن لم يكن ذو البدل آخرا فيشترط فيه شرطان :

أحدهما : أن يكون حرف لين.

والثاني : أن يكون بدلا من حرف لا يكون ذلك الحرف همزة تلي همزة أخرى مثاله مال ، وقيل : وريان وميزان وموقن ، فيقال : مويل وقويل ورويان ومويزين ومييقين ، وإنما رجع في هذه إلى الأصل لزوال موجب البدل ؛ لأن الواو إنما أبدلت في نحو : مال لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وفي قيل وميزان لكسر ما قبلها ، وفي ريان لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ، وفي موقن أبدلت الياء بضم ما قبلها وقد زال الموجب في التصغير.

وسواء كان اللين بدلا من لين كما مثلنا ، أم من غيره كقيراط وديباج فيقال فيه : قريريط ودبيبيج وقراريط ودبابيج ، ويقال في ذئب : ذؤيب ، وفي آل : أهيل.

فلو انخرم الشرط الأول بأن كان حرفا صحيحا بدلا من حرف صحيح أو من حرف لين لم يرد إلى أصله ، بل يصغر على حاله كتخمة وتخيمة وتراث وتريث وأباب في عباب وأبيب وقائم وقويم بالهمز.

وكذا لو انخرم الشرط الثاني بأن كان بدلا من همزة تلي همزة كآدم فيقال : أويدم من غير رد الألف إلى أصلها من الهمز ، بل تقلب واوا كما تقدم لضمة ما قبلها.

أما ما فيه تاء الافتعال كمتعد ومتسر فسيبويه يحذف منه تاء الافتعال مع تاء أخرى مبدلة من حرف لين عند التصغير فيقول : متيعد ومتيسر كما يقول : في مكتسب مكيسب ، وتبقى التاء المبدلة على حالها من غير رد إلى الأصل ، وذهب قوم منهم الزجاج إلى أنه يرد

٢٥٣

إلى أصله فيقال مويعد ومييسر ؛ لأنهما من الوعد واليسر ، قال صاحب" الإفصاح" : إنما كان المحذوف تاء الافتعال ؛ لأنه لا بد من حذف وهي زائدة والزائد أحق بالحذف من الأصلي.

وأما ذو القلب فإنه لا يرد في البابين إلى أصله ، بل يصغر ويكسر على لفظه كجاه أصله وجه ؛ لأنه من الوجاهة فقلب فيقال في تصغيره : جويه لا وجيه ؛ لعدم الاحتياج إلى الرد إلى الأصل ، ويجمع أينق على أيانق ويصغر على أيينق ، ويقال في شاك وأصله شائك : شواك وشويك.

وما ورد بخلاف ما قررناه من رد ذي البدل إلى أصله فإما شاذ كقولهم في عيد : عييد وأعياد ، أو من مادة أخرى كقولهم : فسيتيط فهو تصغير فستاط لغة في فسطاط ، وفسيطيط بالطاء لتصغر فسطاط ، فهما مادتان ، لا أنه رد أحدهما إلى الآخر.

(ص) وتلحق التاء غالبا ؛ إذ لا لبس في مؤنث عار ثلاثي أو رباعي بمدة قبل لام معتلة لا غيره ، وقد تعوض من ألف تأنيث خامسة أو سادسة مقصورة ، قيل : أو ممدودة ، ولا يعتبر في العلم ما نقل منه في الأصح ، وتحذف بلا عوض من بنت علم مذكر.

(ش) تلحق تاء التأنيث غالبا عند تصغير مؤنث بلا علامة بشرطين :

الأول : ألا يلبس فإن حصل لبس لم تلحقه كخمس ونحوه من عدد المؤنث ؛ إذ لو لحقته لألبس بعدد المذكر ، وكشجر وبقر ؛ إذ لو لحقته لالتبس بتصغير شجرة وبقرة.

الثاني : أن يكون ثلاثيا كدار ودويرة ، نار ونويرة ، أو رباعيا بمدة قبل لام معتلة كسماء وسمية ، بخلاف رباعي ليس كذلك كزينب وسعاد وعناق وعقرب فيقال : زيينب وسعيد وعنيق وعقيرب بلا تاء ، وبخلاف ما زاد على الرباعي إلا ما حذف منه ألف تأنيث مقصورة خامسة أو سادسة ، فإنه يجوز لحاقه التاء كحبارى يجوز تصغيره بإقرار الألف فيقال : حبيرى ، وبحذفها فيجوز حينئذ لحاق التاء تعويضا فيقال : حبيرة كما يجوز تركها فيقال : حبير ، وكلغيزى يجوز فيه الأمران دون إقرار الألف ك : لغيغيزة ولغيغيز.

وشذ ترك التاء في تصغير قوس وحرب ودرع الحديد ونصف لمتوسطة السن وخود وعرب وفرس وبغل وناب للمسن من الإبل وعرس وشول ونحل وضحى ، قال أبو حيان : هذه جملة ما حفظ مما شذ من ذلك ، وشذ لحاقها للرباعي والخماسي بدون شرط كقولهم

٢٥٤

في وراء وأمام وقدام : وريئة وأميمة وقديديمة ، وهذان المحترز عنهما بقولي : «غالبا».

وجوز ابن الأنباري أن تحذف ألف التأنيث الممدودة خامسة أو سادسة كباقلاء وبرنساء وتعوض منها التاء قياسا على المقصورة ، ولا يجوز عند غيره إلا الإقرار فيقال : بويقلاء وبرينساء وذهب أيضا إلى أنه يعتبر في العلم ما نقل عنه ، فإن كان علم المؤنث منقولا من مذكر كرمح علم امرأة لم تدخله التاء رعاية لأصله الذي نقل منه ، فيقال : رميح.

وغيره منع ذلك وقال : لما سمي به مؤنث صار اسما خاصا بالمؤنث فيصغر كما يصغر مؤنث الأصل اعتبارا بما آل إليه من التأنيث ، وكذا لو كان علم المذكر منقولا من مؤنث كأذن علم رجل فإن الجمهور على أنه لا تدخله التاء إذا صغر اعتبارا بما آل إليه من التذكير.

وذهب يونس إلى أنها تدخله اعتبارا بأصله ، واحتج بقولهم : عروة بن أذينة ، ومالك بن نويرة ، وعيينة بن حصن ، فإنها أسماء مذكرين أعلام قد دخلتها التاء وأصلها مؤنث ، وأجيب بأن كلا من هؤلاء لم يسم بأذن ولا بنار ولا بعين ثم حقر بعد التسمية ، وإنما هي أسماء أعلام سمي بها بعد أن صغرت ، وهي نكرات.

فإن سمي مذكر ببنت وأخت ثم صغر بعد التسمية حذفت التاء وردت لام الكلمة من غير تعويض بتاء تأنيث فيقال : بني وأخي ، بخلاف ما إذا سمي بهما مؤنث فتحذف هذه التاء ويعوض عنها تاء التأنيث فيقال : بنية وأخية إجراء لهما حال العلمية مجراهما حال التنكير.

(ص) مسألة : يصغر اسم الجمع والقلة بلفظه ، ورد الأخفش نحو : (ركب) لواحده لا الكثرة ، بل يرد إلى قلة أو تصحيح المذكر إن كان لعاقل ، وإلا فالإناث ، وجوزه الكوفية فيما له نظير في الآحاد ، وما له واحد مهمل قياسي رد إليه ، لا إن كان له مستعمل خلافا لأبي زيد.

(ش) تصغر أسماء الجموع وجموع القلة على لفظها فيقال في ركب : ركيب ، وفي قوم : قويم ، وفي رهط : رهيط ، وفي أجمال : أجيمال ، وفي أكلب : أكيلبة ، وفي أرغفة : أريغفة ، وفي غلمة : أغيلمة ، قال أبو حيان : ويندرج اسم الجنس تحت اسم الجمع فيقال في تمر تمير.

٢٥٥

ورد الأخفش باب ركب لواحده فيقال : رويكبون وصويحبون وطويمرات ، بناء على قوله : إن فعلا جمع ، وقول الجمهور مبني على أنه اسم جمع.

وأما جمع الكثرة فلا يصغر على لفظه عند البصريين فلا يقال في رغفان : رغيفان ؛ لأن التثنية تدل على الكثرة ، والتصغير يدل على القلة فيتنافيان ، بل يرد إلى جمع القلة إن كان له جمع قلة فيقال في تصغير فلوس أفيلس ردا إلى أفلس ، وفي عنق أعينق ردا إلى أعنق ، وإلى جمع تصحيح المذكر إن كان لمذكر عاقل سواء كان مفرده مما يجمع بالواو والنون أم لا ، فإن التصغير يوجب الجمع بالواو والنون حيث لا يجوز في المكبر فيقال في تصغير زيود حال الرد زييدون ، وفي تصغير رجال وغلمان وفتيان رجيلون وغليمون وفتيون ، وإن كان رجل وغلام وفتى لا يجمع بالواو والنون ، والأمران جائزان فيما له جمع قلة.

وإن لم يكن له جمع قلة ، ولا هو لمذكر عاقل بأن كان لمذكر لا يعقل ، أو لمؤنث مطلقا وجب الرد إلى جمع تصحيح الإناث سواء كان مفرده مما يجمع بالألف والتاء أم لا ، فيقال في تصغير دراهم : دريهمات ، وفي سكارى جمع سكرى : سكيرات ، وفي حمر جمع حمراء : حميروات ، وفي جوار : جويريات.

وأجاز الكوفيون تصغير جمع الكثرة إذا كان له نظير في الآحاد كرغفان صغروه على رغيفان كعثيمان وزعموا أن أصيلانا تصغير أصلان جمع أصيل ، فإن كان جمع الكثرة مكسرا على واحد مهمل وليس له واحد مستعمل بأن لم ينطق له بمفرد أصلا لا قياسي ولا غير قياسي يرد عند التصغير إلى مفرده القياسي المهمل ، فيقال في تفرق إخوتك شماطيط : تفرقوا شميطيطين ، وفي تفرقت جواريك شماطيط : تفرقت شميطيطات.

وإن كان مكسرا على واحد مهمل وله واحد مستعمل رد إلى الواحد المستعمل لا إلى المهمل القياسي ، خلافا لأبي زيد فيقال في ملاميح ومذاكير : لميحات وذكيرات ردا إلى لمحة وذكر ، لا إلى ملمحة ومذكار ؛ لأنا حينئذ صغرنا لفظا عربيا ، ولو رددناه إلى المهمل كنا قد صغرنا لفظا لم تتكلم به العرب من غير داعية إلى ذلك ، وكأن أبا زيد لما لم ينطق له بواحد قياسي جعل ذلك الواحد الذي ليس على قياس كالمعدوم في لسانهم فسوى بين ملاميح وشماطيط.

(ص) وقد يكون للاسم تصغيران قياسي وشاذ ، وقد يستغني مصغر عن مكبر ، أو مهمل عن مستعمل ، أو أحد المترادفين عن الآخر ، قال ابن مالك : ويطرد إن جمعهما أصل واحد ، وتوقف أبو حيان.

٢٥٦

(ش) قد يكون للاسم تصغيران قياسي وشاذ كصبية وغلمة ، قالوا فيهما : صبية وغليمة ، وهذا هو القياس ؛ لأنهما جمعا قلة ، وجموع القلة تصغر على لفظها ، وقالوا : أصيبية وأغيلمة وهذا هو الشاذ ، وكأنهم صغروا أغلمة وأصبية وإن لم يستعمل في الكلام ، وقد جاءت أسماء على صورة المصغر ولم ينطق لها بمكبر نحو : الكميت من الخيل الحمر والكعيت وهو البلبل والثريا للنجم المعروف ، في ألفاظ كثيرة استوعبتها في كتاب" المزهر في علم اللغة".

قال أبو حيان : وكثر مجيء المصغر دون المكبر في الأسماء الأعلام كقريظة وجهينة وبثينة وطهية وحنين وعرين وفرين وأم حبين وهذيل وسليم ، وقد يستغنى بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل كقولهم في مغرب الشمس : مغيربان ، وفي عشية عشيشة ، وفي العشاء عشيان ، وفي ليلة لييلية ، وفي رجل رويجل ، وفي بنون أبينون ، كأنه تصغير مغربان وعشاة وعشيان وليلاة وراجل وابن ، وهذا التصغير الذي جاء على خلاف المكبر نظير جمع التكثير الذي جاء على خلاف تكثير المفرد نحو : ليال وبابه.

وقد يستغنى بتصغير أحد المترادفين عن تصغير الآخر ، قالوا : أتانا قصرا ، أي : عشيا ولم يصغروا قصرا استغناء عنه بتصغير عشيا.

قال ابن مالك : ويطرد ذلك فيهما جوازا إن جمعهما أصل واحد نحو : جليس بمعنى مجالس فلك أن تستغني بتصغير أحدهما عن الآخر ؛ لأنهما جمعهما أصل واحد وهو اشتقاقهما من الجلوس ؛ لأن مادة كل منهما «ج ل س» ، فلك أن تستغني بتصغير مجالس وهو مجيلس عن تصغير جليس ، ولك أن تستغني بتصغير جليس وهو جليس عن تصغير مجالس ، وتوقف في ذلك أبو حيان قاله في «الارتشاف».

(ص) مسألة : لا يصغر مبني إلا أوه ، والمنادى والمزج وذا وتا والذي وفروعهما ، لا اللاتي واللواتي واللاء واللائي في الأصح ، فيبقى أولها مفتوحا ، ويزاد آخرها ألف ، وقد يضم اللذيا واللتيا ، وفي التعجب ، ثالثها : الصحيح يصغر أفعل فقط ، ولا عامل عمل الفعل ، وفي المصدر ثالثها ما يقبل القلة والكثرة ، ولا غير وسوى وغد والبارحة وحسبك ، ومختص بالنفي ، ومعظم شرعا ، ومنافيه ، وكل وبعض ومع وأي ، وظرف غير متمكن ، ومحكي ، ومصغر ، وشبهه ، وأسماء الشهور ، وفي الأيام ثالثها يجوز في الرفع دون النصب ، ورابعها عكسه.

(ش) أطلق ابن مالك وغيره أنه لا تصغر الأسماء المبنية ، قال أبو حيان : ويرد عليه

٢٥٧

أن بعض المبنيات يصغر وذلك الأسماء المركبة تركيب المزج في لغة من بنى كبعلبك وعمرويه ، فيقال : بعيلبك وعميرويه ، والأسماء المبنية بسبب النداء يقال : يا زييد ويا جعيفر ، قال : وقد احترز بعضهم عن هذين النوعين فقال : لا تصغر الأسماء المتوغلة في البناء وهي التي لم تعرب قط ، فإن هذين النوعين لهما حالة يعربان فيها ، قال : ومع ذلك يرد عليه المركب الذي آخره ويه ، فإنه لا يعرب قط على أصح القولين ومع ذلك يصغر ، قال : ولنا نوع ثالث لم يعرب قط ويصغر ذكره صاحب «البسيط» ، قال : ويقال : أويه من كذا وهو تصغير أوه ، كما قالوا في المبهمة كالتي والذي ، والضم الذي فيها لا يمنع من التحقير كما لم يمنعه في رويد زيدا وهو اسم الفعل ؛ لأنه على حد أسماء الفاعلين.

ويستثنى من المبنيات اسم الإشارة والموصول فيصغران ؛ لأنه صار فيهما شبه بالأسماء المتمكنة من حيث إنهما يوصفان ويوصف بهما ، وقد خولف بهما قاعدة التصغير حين أبقي أولهما على الفتح وزيد في آخرهما ألف عوضا عما فات من ضم الأول ، فقالوا في ذا : ذيا ، وفي تا : تيا ، وفي أولى : أليا ، وفي ذان وتان : ذيان وتيان ، وفي الذي وفروعه : اللذيا واللتيا واللذيان واللتيان واللذيون بضم الياء ، وقيل : بفتحها ، وكذا اللذيين بكسرها ، وقيل : بفتحها ، واللتيات واللوتيا في اللاتي واللوياء واللويئون في اللائي واللائين ، وضم لام اللذيا واللتيا لغة لبعض العرب.

قال أبو حيان : وذلك دليل على أن الألف ليست عوضا من ضم الأول ؛ إذ لا يجمع بين العوض والمعوض منه ، قال : ولم يصغروا من ألفاظ إشارة المؤنث سوى (تا) ، وتركوا تصغير تي وذي وذهي وذه استغناء بتصغير (تا) ، أو خوفا من الالتباس بالمذكر ، قال : وإجازة تصغير اللاتي واللواتي واللاء واللائي مذهب الأخفش قاله قياسا ، ومذهب سيبويه أنه لا يجوز تصغيرها استغناء بجمع الواحد المحقر وهو اللتيات جمع اللتيا ، قال ومذهب سيبويه هو الصحيح ؛ لأنه لم يثبت عن العرب ولا يقتضيه قياس ؛ لأن قياس هذه الأسماء ألا تصغر ، فمتى صغرت العرب منها شيئا وقفنا فيه مع مورد السماع ولا نتعداه ، وقد دخل في المبنيات الحروف والأفعال فلا تصغر ؛ لأن التصغير وصف في المعنى ، والحرف والفعل لا يوصفان فلا يصغران ، وقد سمع تصغير فعل التعجب قال :

١٧٧٩ ـ يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

__________________

١٧٧٩ ـ تقدم البيت برقم (٢٠١) ، (٢٠٦) ، (١٤٤٦).

٢٥٨

وفي قياسه خلاف.

ولا تصغر الأسماء العاملة عمل الفعل ، وفي تصغير اسم الفاعل مع عمله خلاف ، وفي شرح «التسهيل» لأبي حيان : «لا تصغر الأسماء المصغرة ولا المشبهة بها ككميت ونحوه ، ولا غير وسوى وسوى بمعنى غير ولا البارحة ولا أمس وغد ، وقصر بمعنى عشية ولا حسبك ولا الأسماء المختصة بالنفي ، ولا الأسماء الواقعة على معظم شرعا كأسماء الله تعالى ، ولا الأسماء المنافية لمعنى التصغير ككبير وجسيم ، ولا كل ولا بعض ولا أي ، ولا الظروف غير المتمكنة نحو : ذات مرة ، ولا الأسماء المحكية ولا أسماء شهور السنة كالمحرم وصفر وباقيها ، ولا أسماء الأسبوع كالسبت والأحد وباقيها على مذهب سيبويه ، واختاره ابن كيسان ، ومذهب الكوفيين والمازني والجرمي جواز تصغير أيام الأسبوع ، وزعم بعض النحويين أنك إذا قلت : اليوم الجمعة واليوم السبت فرفعت اليوم جاز تصغير الجمعة والسبت ، وإن نصبت لم يجز تصغيرهما ، وزعم بعضهم أنه يجوز التصغير في النصب ويبطل في الرفع ، وأجاز المازني تصغيرهما في الرفع والنصب» ا ه.

(ص) مسألة : تصغير الترخيم تحذف فيه الزوائد ، وربما حذف أصل يشبهه ، ولا يستغني عن التاء مؤنث ، والأصح أنه لا يختص بالعلم ، وأنه يقال في غير الترخيم في إبراهيم وإسماعيل بريهيم وسميعيل ، ومنه بريه وسميع وفاقا.

(ش) من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم وذلك بحذف الزوائد مع إعطاء ما يليق به من فعيل أو فعيعل كقولك في أزهر : زهير ، وفي أسود سويد ، وفي منطلق طليق ، وفي مستخرج خريج ، وفي مدحرج دحيرج ، وفي زعفران زعيفر ، ولا فرق في جواز تصغير الترخيم بين الأعلام وغيرها عند البصريين ، وزعم الفراء وثعلب أنه يختص بالأعلام كحارث وأسود علمين ، فيقال فيهما : حريث وسويد بخلافهما وصفين ، فلا يقال إلا حويرث وأسيود أو أسيد ، فإن كان المصغر اسما لمؤنث عاريا من التاء وجب دخول التاء مطلقا فيقال في زينب وسعاد وحبلى : زنيبة وسعيدة وحبيلة.

قال أبو حيان : نعم الصفات التي للمؤنث نحو : طالق وحائض لا تلحقها التاء في تصغير الترخيم ، بل يقال : طليق وحييض.

وقد يحذف لتصغير الترخيم أصل يشبه الزائد مثاله ما حكاه سيبويه عن الخليل في تصغير إبراهيم وإسماعيل تصغير ترخيم : بريه وسميع بحذف الميم واللام من آخرهما وهما أصل باتفاق ، لكن لما كانا مما يزادان من كلامهم ذهبوا بهما مذهب الزيادة فحذفوهما ،

٢٥٩

وحسن ذلك طول الاسم ، وكونهما آخرا تحذف الهمزة منهما ، وهي أصل في قول المبرد ، زائدة في قول سيبويه.

حجة المبرد أن الهمزة لا تكون زائدة أولا إلا وبعدها أربعة أصول ، وحجة سيبويه أن العرب حين صغرت هذين الاسمين تصغير ترخيم حذفت الهمزة ، وينبني على هذا الخلاف تصغيرهما تصغير غير الترخيم ، فذهب سيبويه إلى حذف الهمزة فيصير ما بقي على (فعيعيل) خماسيا رابعه حرف مد ولين فلا يحذف منه شيء ، وتقول : بريهيم وسميعيل ، وذهب المبرد إلى إبقاء الهمزة لأصالتها عنده وإلى حذف الميم واللام كما تحذف آخر الخماسي الأصول فيقال : أبيريه وأسيميع كما يقال في سفرجل : سفيرج ، قال أبو حيان : والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، وهكذا صغر العرب فيما رواه أبو زيد وغيره.

المنسوب

(ص) المنسوب هو المجعول حرف إعرابه ياء مشددة يكسر متلوها ، ويحذف تاء التأنيث ، وعلامة التثنية والتصحيح ، فإن لحق المؤنث تغيير وهو غير علم رد إلى مفرد ، وإلا أبقي ، إلا نحو : سدرات ، وعجز المركب والمضاف إن لم يفد تعريفا تحقيقا أو تقديرا ، ولم يلبس ، وإلا فصدره ، وجوز الجرمي حذف صدر المزج والجملة ، ونسب أبو حاتم إلى الجزأين ، والأخفش إن ألبس.

(ش) يجعل حرف الإعراب من المنسوب ياء مشددة تزاد في آخره ويكسر لأجلها ما قبلها كهاشمي ومالكي وإنما كسر تشبيها بياء الإضافة وهذا أحد التغييرات اللاحقة للاسم المنسوب إليه ؛ إذ يلحقه ثلاث تغييرات : لفظي وهو كسر ما قبل الياء وانتقال الإعراب إليها ومعنوي وهو صيرورته اسما لما لم يكن له ، وحكمي وهو رفعه لما بعده على الفاعلية كالصفة المشبهة نحو : مررت برجل قرشي أبوه كأنك قلت : منتسب إلى قريش أبوه ، ويطرد ذلك فيه وإن لم يكن مشتقا ، وإن لم يرفع الظاهر رفع الضمير المستكن فيه كما يرفعه اسم الفاعل المشتق ، ولما كان فيه هذه التغيرات كثر فيه التغير والخروج عن القياس ؛ إذ التغيير يأنس بالتغيير ، ويحذف لهذه الياء آخر الاسم إن كان تاء تأنيث كقولك في النسب إلى مكة وفاطمة مكي وفاطمي حذرا من اجتماع تاءي تأنيث عند نسبة مؤنثة في نحو : مكية وفاطمية ؛ إذ لو بقيت لقيل مكيتة وفاطميتة قال أبو حيان : وقول الناس (درهم خليفتي لحن) ، أو كان علامة تثنية أو جمع تصحيح بواو ونون أو بألف وتاء كقولك في النسب إلى عبدان وعبدين وزيدان وزيدين واثنين ومسلمين ومسلمات وعشرين عبدي وزيدي واثني

٢٦٠