إليه ، وهو قولُ أهلِ السنّة والجماعة.
والدّليل على صحّة ما قالوا : أن الله جلّ وعزّ ذكر تصويرَه الخَلْق في الأرحام قبل نَفْخ الرُّوح ، وكانوا قبلَ أَنْ صوَّرهم نُطَفاً ، ثم عَلقَاً ، ثم مُضَغاً ، ثم صوّرَهم تصويراً.
فأمّا البَعْث فإنّ الله جلّ وعزّ يُنشِئهم كيف شاء ، ومن ادّعى أنه يصوِّرُهم ثم ينفخ فيهم فعليه البَيَان ، ونَعوذ بالله من الخِذْلان.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصَّوْرةُ : النَّخْلة ، والصَّوْرةُ : الحِكَّة انتغاشِ الحَطى في الرأس.
وقالت امرأةٌ من العرب لابنة لها : هي تَشْفِيني من الصَّوْرة ، وتستُرني من الغَوْرَة ، وهي الشّمس. والصِّوارانِ صِماغَا الفَمِ ، والعامّة تُسمِّيهما الصَّوَّارَيْن ، وهما الصّامغانِ أيضاً.
صير : وروي عن النَّبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «مَن اطَّلع من صِيرِ بابٍ فقد دَمَرَ»، قال أبو عُبيد : تفسيره في الحديث : إن الصِّير : الشّقُّ.
وفي حديثٍ آخَر يَروِيه سالمٌ عن أبيه : أنه مَرّ به رجُل معه صِيرٌ فذاقَ منه.
قال : وتفسيرُه في الحديث أنه الصَّحْناء.
وقال أبو عُبيد : الصِّيرة : الحَظِيرة للغنم ، وجمعُها صِيَر ، قال الأَخْطَل :
واذكرْ غُدانَةَ عِدّاناً مُزَنَّمةً |
من الحَبَلَّقِ تُبْنَى حولَها الصِّيَرُ |
قال : ويقال : أنا على صيرِ أمرٍ ، أي : على طَرَف منه ، قال زُهَير :
وقد كنتُ من سَلْمَى سنينَ ثمانياً |
على صِير أَمَرٍ ما يمرُّ وما يَحْلُو |
وقال اللّيث : صِيرُ كُلَ أمرٍ مَصيرُه.
والصَّيْرُورة مصدرُ صارَ يصيرُ.
قال : وصارةُ الْجبَل : رأسُه.
وقال شمر : قال ابن شميل : الصِّيرةُ على رأس القَارة مثلُ الأمَرَة ، غير أنّها طوَيْت طَيّاً ، والأَمَرَةُ أطوَلُ منها وأعظَم ، وهما مطويّتان جميعاً ، فالأَمَرَة مُصَعْلكَة طَوِيلة ، والصِّيرة مستديرةٌ عريضة ذاتُ أَرْكان ، وربّما حُفِرَتْ فوجد فيها الذّهب والفضّة ، وهي من صَنْعة عادٍ وإرَم. والصَّيِّرُ : الجماعة ، وقال طُفَيْل الغَنَويُّ :
أَمسى مُقيماً بذي العَوْصاءِ صَيِّرُهُ |
بالبئر غادره الأحياءُ وابتَكَرُوا |
وقال أبو عَمْرو : صَيِّرُه : قَبْرُه ، يقال : هذا صَيِّرُ فلان ، أي : قبرُه ، وقال عروة بن الوَرْد :
أحاديثُ تَبقَى والفتَى غيْر خالدٍ |
إذ هوَ أمسى هامةً فوقَ صَيِّرِ |
وقال أبو عَمْرو : بالهُزَر ـ وهو موضع ـ ألفُ صَيِّر ، يعني قُبوراً من قُبورِ أهل الجاهلية ذكَره أبو ذؤيب فقال :
* كانتْ كَلْيَلةِ أَهلِ الهَزَرْ*
أبو عُبيد عن أبي زيد : تصيَّرَ فلانٌ أباه وتقيَّضَه : إذا نَزَع إليه في الشَّبه. قال : ويقال : ما لَه صَيُّور ، مثال فَيْعُول ، أي : ما لَه عَقْل ونحو ذلك.
قال ابن الأعرابي : وقال أبو سَعِيد : صَيُّور الأمرِ : ما صَار إليه.
وقال أبو العَمَيْثَل : صارَ الرجلُ يَصيرُ : إذا حَضَرَ الماء فهو صائر ، والصائِرة : الحاضِرة ، وقال الأعشى :
بما قَدْ تَرَبَّعَ رَوْضَ القَطا |
ورَوْضَ التَّناضُبِ حتى تَصِيرَ |
أي : حتّى تحضر الماء ، ويقال : جمعتهم صائرةُ القَيظ.
وقال أبو الهيثم : الصَّيْرُ : رُجُوع المنتجِعين إلى مَحاضِرِهم ، يقال : أين الصائرة ، أي أين الحاضرة. والصِّيارُ : صَوْت الصَّنْجِ وأنشَد :
كأنّ تَراطُنَ الهاجاتِ فِيها |
قُبَيْلَ الصُّبْح رَنّاتُ الصِّيَارِ |
يريدُ : رَنِين الصَّنْجِ بأوْتاره.
ويقال : صِرْت إلى مَصِيري وإلى صِيرِي وصَيُّوري. وصَيرُ الأَمْرِ : مُنْتَهاه.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال للمنزل الطيّب مَصِيرٌ ومِرَبٌّ ومَقْمَرٌ ومَحْضَر ، يقال : أين مصيرُكم؟ أي : أين منزلُكم.
والصائر : المُلَوِّي أعناقَ الرِّجال.
وصر : قال اللّيث : الوَصَرَّةُ معرّبة ، وهي الصَّكّ ، وهي الأَوْصَر ، وأنشَد :
وما اتَّخذْتُ صَراماً للمُكُوثِ بها |
وما انْتَقَيْتُك إلا للوَصَرّاتِ |
ورُوِي عن شُريح : أنّ رجلين احتَكَما إليه ، فقال أحدهما : إنّ هذا اشتَرى منّي داراً وقَبضَ منّي وِصْرَها ، فلا هُو يُعطيني الثمن ولا هُوَ يُردّ عَلَى الوِصْر.
قال القتيبي : الوِصْرُ : كتاب الشّراء ، والأصلُ إصْرٌ سمِّي إصْراً لأنّ الإصْرَ العَهْدُ ، ويسمَّى كتابَ الشُّروط ، وكتابَ العُهودِ والمَواثِيق ، وجمع الوِصْر أَوْصار ، وقال عَدِيّ بنُ زَيْد :
فأيُّكُمْ لَم يَنله عُرْف نائِله |
دَثْراً سَواماً وفي الأَريافِ أوصارَا |
أي : أقطعَكم فكتب لكم السجلّات في الأَرياف.
وقال أبو زيد : أخذت عليه إصْراً ، وأخذتُ منه إصْراً ، أي : مَوثقاً من الله.
وقال الله جلّ وعزّ : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) [البقرة : ٢٨٦] ، الآية.
وقال الفراء : الإصْر : العَهْد ، وكذلك في قوله : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) [آل عمران : ٨١] ، قال : والإصْرُ ههنا إثم العَقْد والعَهْد إذا ضَيّعوه كما شُدّد على بني إسرائيل.
وروَى السُّديّ عن أبي الهزهار عن ابن عبّاس في قوله : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) : قال : عهداً تعذِّبنا بترْكِه ونَقْضه.
وقوله : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) قال : ميثاقِي وعَهْدِي.
وقال أبو إسحاق : كُلّ عَقْد من قرابة أو عَهْد فهو إصْر. وتقول : ما تأصيرُني على فلان آصرة ، أي : ما تعطفني عليه مِنّة ولا قرابة. وقال الحُطَيْئة :
عَطَفوا عليّ بِغير آ |
صِرَة فقد عَظُم الأوَاصِرْ |
أي : عَطَفُوا عليَّ بغير عَهْدٍ أو قرابة.
أبو عبيد عن الأموي : أَصَرْتُ الشيءَ آصِرُه أصْراً : كسَرْتُه. والمآصِرُ يقال : هو مأخوذٌ من آصِرَة العَهْد ، إنما هو عقْدٌ ليُحبَس به. ويقال للشيء الذي تُعقَد به الأشياءُ : الإصار من هذا.
وقال الزجاج : المعنى : لا تَحْمل علينا إصْراً يثْقُلُ علينا كما حملته على الذين من قَبْلنا نحوَ ما أمِر به بنو إسرائيل من قَتْل أنفسِهم ، أي : لا تَمتحِنّا بما يثقُل علينا أيضاً.
وقال الليث : المأْصِرُ : حَبْلٌ يُمدُّ على نَهْر أو طريقٍ تُحبَس السُّفُن والسابلة لتؤخذ منهم العُشور. وكلأٌ آصِرٌ : يَحبِس من يَنتهي إليه لكثرته.
أبو عبيد عن أبي عمرو : الإصارُ : الطُّنُبُ وجمعُه أُصُرٌ. والأيْصَر : الْحَشيش المجتمِع ، وجمعُه أياصر.
وقال الأصمعيّ : الإصار : وَتِدٌ قَصِير ، وجمعُه أُصُر.
وقال الليث : الأيْصَر : حُبَيْل قَصير يُشَدّ في أسفل الخِباء إلى وَتِد ، وفيه لغةٌ : أَصارٌ.
أبو عبيد عن الأحمر : هو جارِي مُكاسِري ومُؤاصِرِي ، أي : كِسْر بيتِه إلى جَنْب كِسْر بَيتي ، وإصارُ بيتي إلى جَنْب إصَارِ بيتِه ، وهو الطُّنُب.
وقال الكسائيُّ : أصَرَني الشيءُ يَأْصِرني ، أي : حَبَسني.
ثعلب عن ابن الأعرابي : الإصْرانِ : ثَقْبَا الأُذَنين ، وأَنشَد :
إنّ الأُحَيمِرَ حين أرجُو رِفْدَه |
غَمْراً لأَقطَعُ سيّىءُ الإصْرانِ |
قال : والأقطع الأصمّ والإصْران : جمعُ إصْرٍ.
وفي حديث ابن عُمر : «مَن حَلَف على يمينٍ فيها إصرُ فلا كفّارَة لها»، يقال : إنّ الإصْرَ أنْ تَحلِف بطَلاقٍ أو عِتْق أو نَذْرٍ.
وأَصْلُ الإصْر الثِّقْلُ والشدَّة ، لأنَّها أثقَل الأيْمان وأَضْيَقُها مَخْرَجاً. والعَهْدُ يقال له : إصْرٌ.
ورص : سَلَمة عن الفرّاء : وَرَّصَ الشَّيخُ
وأَوْرَصَ : إذا استرخَى حِتارُ خَوْرانِه فَأَبْدى. وامرأةٌ مِيراصٌ : تُحدِث إذا أُتِيَتْ.
رصى : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : رصَاه : إِذا أَحْكمه.
قال : وراصَ الرجُل : إذا عَقَل بعد رُعُونة ، ورساه : إذا نَوَاه للصَّوْم.
باب الضاد واللّام من المعتل
ص ل (وا يء)
صلى ، صول ، وصل ، لصا ، لوص ، (ألاص ، يليص).
وصل : قال الليث : كلُّ شيءٍ اتّصل بشيء ، فما بينهما وُصْلَة. وموْصِل البعير : ما بين العَجُز وفخِذِه ، وقال أبو النّجم :
تَرَى يَبِيس الماءِ دُونَ المَوْصلِ |
منه بعَجْزٍ كصفَاة الجَيْحل |
وقال المتنخّل :
ليس لمَيْتٍ بوَصيلٍ وقد |
عُلِّق فيه طَرَفُ المَوْصلِ |
يقول : باتَ الميّت فلا يُواصلُه الحيّ ، وقد عُلّق في الحيّ السّبب الذي يُوصّله إلى ما وصل إليه الميّت ، وأنشد ابن الأعرابي :
إنْ وصلتَ الكتابَ صِرْتَ إلى الله |
ومَن يُلْفَ واصلاً فهو مُودي |
قال أبو العباس : يعني لَوْح المقَابر يُنقَر ويُترَك فيه موضعٌ بَياضاً فإذا مات إنسان وُصل ذلك الموضع باسمه. ويقال : هذا وَصيلُ هذا ، أي : مِثْله. والوَصائل : بُرودُ اليَمَن ، الواحدة وصيلة.
وفي الحديث : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم لعن الواصلة والمستوصلة»، قال أبو عُبيد : هذا في الشَّعر ، وذلك أن تصل المرأة شَعْرَها بشعرٍ آخَر.
ورُوِي في حديثٍ آخَر : «أيُّما امرأةٍ وصلت شعَرها بشعرٍ آخَر كان زُوراً».
قال : وقد رَخصَت الفُقهاءُ في القَرَامِل ، وكلُّ شيء وُصِل به الشَّعر ما لم يكن الوَصل شعراً لا بأس به.
وقال الله جلّ وعزّ : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ) [المائدة : ١٠٣] ، قال المفسّرون : الوصيلةُ : كانت في الشّاء خاصّة ، كانت الشاةُ إذا وَلَدتْ أنثى فهي لهم ، وإن ولَدَتْ ذكراً جعلوه لآلهتهم ، وإذا ولدتْ ذكراً وأنثى قالوا : وصلَتْ أخاها ، فلم يَذبحوا الذَّكَر لآلهتهم.
قالوا : والوصيلة : هي الأرض الوَاسِعة كأنها وُصلَت بأُخرى ، يقال : قطَعْنَا وصيلةً بعيدةً.
ورُوِي عن ابن مسعود أنه قال : إذا كنتَ في الوصيلة فأَعْطِ راحِلَتَك حَظَّها.
لَم يُرد بالوصيلة هنا الأرضَ البعيدة ، ولكنه أراد
أرضاً مُكْلِئة تتّصل بأخرى ذات كلأ ، وفي الأولى يقول لَبيد :
ولقد قَطَعت وصيلةً مجرُودةً |
يَبكِي الصَّدَى فيها لشَجْوِ البُومِ |
وقال الله جلّ وعزّ : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) [النساء : ٩٠] ، والمعنى : اقتلوهم ولا تتّخذوا منهم أولياءَ إلّا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق واعتَزوْا إليهم ، وهو من قول الأعشى :
إذا اتَّصلتْ قالت أَبَكْرَ بن وائلٍ |
وَبَكْرٌ سَبَتها والأُنُوفُ رَوَاغِمُ |
أي : إذا انتَسَبتْ.
أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ) أي : يَنتسبون.
قلتُ : والاتّصالُ أيضاً : الاعتزاءُ المَنهي عنه إذا قال : يال فلان. والوِصلُ بكَسر الواو كلُّ عَظْمٍ على حدةٍ لا يُكسَر ولا يُوصل به غيره ، وهي الكِسْر والجَدْل ، وجمعُه أوْصال وجُدول ، ويقال : وصل فلانٌ رَحمه يصلُها صلةً. ووصل الشيءَ بالشيء يَصلُه وصلاً. ووصل كتابُه إليّ وَبرُّه يَصل وُصولاً ، وهذا غيرُ واقع.
وواصَلْتُ الصيامَ بالصيام : إذا لم تُفْطر أياماً تباعاً. وقد نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن الوصال.
وتوصّلتُ إلى فلان بُوصلَةٍ وسببٍ تَوصُّلاً : إذا تسبَّبْتَ إليه بحُرمة. ومَوصل كُورَةٌ معروفة.
صول : قال أبو زيد : صالَ الجملُ يصُول صيالاً وصُوالاً ، وهو جَمَلٌ صَوْلٌ وجمالٌ صَوْلٌ لا يُثنَى ولا يُجمع لأَنه نعتٌ بالمَصدر.
قال أبو زيد : يقال : صَؤُلَ البعيرُ يصؤُل صآلةً ، وهو جملٌ صَؤُلٌ ، وهو الّذي يأكل راعِيه ويواثِبُ الناس فيأكلهم قال : والصَّؤول من الرّجال : الذي يضرب الناسَ ويتطاول عليهم.
قلت : الأَصل فيه تركُ الهَمْز ، وكأنه هُمِز لانضمام الواو ، وقد همزَ بعضُ القرَّاء : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) [النساء : ١٣٥] ، لانضمام الواو.
أبو العباس عن ابن الأَعرابي قال : المِصْولة : المِكْنَسة التي يُكنَس بها نواحي البَيْدَر.
صلى : روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : «إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليُجب ، فإن كان مُفْطراً ، فلْيَطْعم ، وإن كان صائماً فليُصلّ».
قال أبو عبيد : قولُه : «فليُصلّ» يعني فليَدْعُ لهم بالبَرَكة والخير ، وكلُّ داعٍ فهو مصلٍ ومنه قولُ الأعشى :
عليكِ مِثلَ الذي صلَّيْتِ فاغتمِضي |
نَوماً فإنَّ لجَنْب المرء مُضْطجعا |
وأما حديثُ ابن أبي أوْفَى أنه قال : أعطاني أبي صدقة ماله فأتيتُ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : «اللهم صلّ على آل أبي أوْفَى» فإنّ هذه الصلاةَ عندي الرحمةُ ، ومنه قولُه جلَّ وعزَّ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] ، فالصلاة من الملائكة دعاءٌ واستغفار ، ومن الله سبحانه رحمة. ومن الصلاة بمعنى الاستغفار حديثُ الزُّهْريِّ عن محمد بن عبد الرحمن بن نَوفَل عن سَوْدة أنها قالت : يا رَسول الله إذا مُتْنا صلَّى لنا عُثمان بنُ مَظْعون حتى تأتيَنا ، فقال لها : «إن الموت أشدُّ مما تقدِّرين».
قال شمر : قولها : «صَلى لنا» ، أي : استغْفَرَ لنا عند رَبّه ، وكان عثمانُ ماتَ حينَ قالت سَوْدَةُ ذلك. وأمَّا قولُ الله جلَّ وعزَّ : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة : ١٥٧] ، فمعنى الصلوات ههنا : الثناء عليهم من الله ، وقال الشاعر :
صلَّى على يَحيَى وأشياعِه |
رَبٌّ كريمٌ وشفيعٌ مُطاعْ |
معناه : ترحّم الله عليه على الدّعاء لا على الخبر.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصلاة من الله رحمة ، ومن المخلوقين ـ الملائِكة والإنس والجنِّ ـ القِيامُ والركوعُ والسجودُ والدعاءُ والتسبيحُ. والصلاةُ من الطّير والهَوام التسبيح.
قال أبو العباس في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) [الأحزاب : ٤٣] ، فيصلّي يَرحَم ، وملائكتُه تدعو للمسلمين والمسلمات.
قال : وقولُ الأعشى :
* وصَلّى على دَنِّها وارتَسَمْ*
قال : دعا لها ألا تَحمَض ولا تَفسُد.
وقال الزجاج : الأصلُ في الصلاة اللّزوم ، يقال : قد صلِيَ واصطَلَى : إذا لزم ، ومن هذا : من يُصْلَى في النَّار ، أي : يُلزَم النارَ.
وقال أهلُ اللغة في الصلاة : إنها من الصلَوَيْن ، وهما مُكتَنِفا الذَّنَب من الناقة وغيرها ، وأوّلُ مَوْصِلِ الفَخِذين من الإنسان فكأنَّهما في الحقيقة مكتنفا العُصْعُص.
قال : والقولُ عندي هو الأول ، إنما الصلاة لُزوم ما فَرَض الله ، والصلاةُ من أعظَم الفَرْض الذي أُمِرَ بلزومه. وأما المُصلِّي الذي يَلي السابقَ فهو مأخوذٌ من الصلَوَيْن لا مَحالَة ، وهما مكتَنِفا ذَنب الفرس ، فكأنه يأتي ورأسُه مع ذلك المكان.
وفي حديثٍ آخر : «إنّ للشيطان مَصالِيَ وفُخُوخاً»، والمصالِي شبيهةٌ بالشَّرَك
تنصب للطير وغيرِها.
قال ذلك أبو عُبَيد : يعني ما يَصيدُ به الناسَ من الآفات التي يستفِزُّهم بها من زِينة الدّنيا وشَهواتها.
وفي حديثٍ آخَر : «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أُتِيَ بشاةٍ مَصْلِيَّةٍ».
قال أبو عُبَيد : قال الكسائيّ : المَصْلِيّة المشوِيّة ، يقال : صَلَيتُ اللحمَ وغيرَه : إذا شَوَيْتَه ، فأنا أَصْلِيه صَلْياً : إذا فعلتَ ذلك وأنت تريد أن تشويَه ، فإذا أردتَ أنّك تُلقِيه فيها إلقاءً كأنّك تريد الإحراقَ قلت : أصليتُه ـ بالألف ـ إصلاءً ، وكذلك صلَّيته أُصَلِّيه تَصْلِيَة.
قال الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) [النساء : ٢٩].
ويُروَى عن عليّ أنه قرأ : (ويُصَلَّى سعيراً) [الانشقاق : ١٢].
وكان الكسائيّ يقرأُ به ، فهذا ليس من الشيء ، إنما هو من إلقائك إياه فيها.
وقال أبو زُبيد :
فَقَدْ تصلّيت حَرّ حَرْبهمُ |
كما تَصَلَّى المقرورُ مِنْ قَرَسِ |
ويقال : قد صَلِيت بالأمر أَصلَى به : إذا قاسَيْت شدّتَه وتَعَبه. وَصلَيْتُ لِفُلان بالتخفيف ، وذلك إذا عمِلتَ له في أمرٍ تريد أن تَمْحَلَ به ، وتُوقِعَه في هَلَكة ، والأصل في هذا من المَصالِي وهي الشَّرَك تُنْصَب للطَّير.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : صَلَّيت العَصا تَصلِيةً : إذا أدرْتها على النَّار لتقوِّمها ، وأنشد :
* وَمَا صَلّى عَصاكَ كمستَديم*
ويقال : أَصْلَتِ الناقةُ فهي مُصْليَةٌ : إذا وقع ولَدُها في صَلَاها وقَرُبَ نتَاجُها.
وفي حديث عليّ أنه قال : «سبقَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم ، وصلَّى أبو بكر ، وثَلَّث عُمَر ، وحَبَطَتْنا فِتنةٌ فما شاء الله».
قال أبو عُبَيد : وأصلُ هذا في الخيل ، فالسابقُ الأوَّلُ ، والمصلِّي الثاني ، قيل له : مُصَلٍ لأنه يكون عند صَلَا الأوّل ، وصَلَاه : جانِبا ذَنَبِه عن يمينه وشِماله ، ثم يتلوه الثالث.
قال أبو عُبَيد : ولم أسمعْ في سوابق الخيل ممن يُوثَقُ بِعِلمِه اسماً لشيء منها إلا الثاني ، والسُّكَيْت ، وما سِوَى ذَيْنِك إنما يقال الثالث والرابع ، وكذلك إلى التاسع.
قال أبو بكر : قال أبو العبَّاس : المصلِّي في كلام العرب : السابقُ : المتقدِّم.
قال : وهو مُشَبَّهٌ بالمصلِّي من الخيل ، وهو السابقُ الثاني ، ويقال للسابق الأوّل : المُجَلِّي ، وللثاني : المصلِّي ، وللثالث : المُسَلِّي ، وللرابع : التَّالي ، وللخامس :
المُرْتاح ، وللسادس : العاطِفِ ، وللسابع : الحَظِيّ ، وللثامن : المؤمَّل ، وللتاسع : اللَّطيم ، وللعاشر : السُكَيْت ، وهو آخر السُّبَّق.
وقال ابن السكِّيت : الصِّلاء اسمٌ للوَقود ، وهو الصَّلا : إذا كَسَرْتَ الصادَ مَدَدْتَ ، وإذا فَتحتَها قَصَرْتَ ، قاله الفرّاء.
وقال اللَّيث : الصِّلِّيَان : نَبْت ، قال بعضُهم : هو على تقدير فِعِّلَان.
وقال بعضُهم : فِعْلِيان ؛ فمن قال فِعليان قال : هذه أرضٌ مَصْلاةٌ ، وهو نَبتٌ له سَبْطة عظيمة كأنّها رأس القَصَبة ، إذا خَرجَت أذنابُها تَجِدُ بِهَا الإبلُ ، والعربُ تسمِّيه خُبزَة الإبل.
وقال غيرُه : من أمثال العرب في اليمين إذا أَقدَم عليها الرجلُ ليَقْتَطِع بها مالَ الرجلِ : جَذَّها جَذَّ العيْرِ الصِّلِّيَانَة ، وذلك أن لها جِعْثِنةً في الأرض ، فإذا كَدَمَها العَيْرُ اقتَلَعها بجِعْثِنَتها.
شَمر عن أبي عمرو : الصَّلَايَةُ : كلُّ حَجَر عريضٍ يُدَقّ عليه عِطْرٌ أو هَبِيد ، يقال : صَلاءةٌ وصَلاية.
وقال ابن شُميل : الصَّلَاية : سَرِيحة خَشِنةٌ غليظةٌ من القُفّ.
وقال أبو العبَّاس في قول الله تعالى : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) [الحج : ٤٠] ، قال : الصلوات : كنائسُ اليهود ، قال : وأصلُها بالعِبْرانيّة صَلُوتا ، ونحو ذلك.
قال الزجَّاج : وقُرِئَت : (وصُلُواتٌ ومَساجد) [الحج : ٤٠]. قال : وقيل : إنها مواضعُ صلوات الصابِئِين.
لوص : قال أبو تُراب : يقال : لاصَ عن الأمر ونَاص : بمعنى حادَ.
وقال أبو سعيد اللِّحياني : أَلَصْتُ أنْ آخُذَ منه شيئاً أُلِيصُ إلاصَةً ، وأَنَصْتُ أُنِيصُ إِنَاصَةً ، أي : أَرَدْتُ.
أبُو عُبَيْد : الإلاصةُ مِثْلُ العِلاصة ، إدارَتك الإنسانَ على الشّيء تطلُبُه منه ، يقال : ما زلتُ أُلِيصُه على كذا وكذا.
وقال عُمر لعثمان : هي الكلمة التي أَلَاصَ النبِيُّ صلىاللهعليهوسلم عليها عمَّه عند الموت : شهادة أن لا إله إلّا الله.
اللَّيْثِ : اللَّوْص من الملاوَصة ، وهو في النَّظَر كأَنه يَخْتِل لِيَرُوم أَمْراً. والإنسانُ يُلَاوِصُ الشجرةَ إذا أراد قَلْعَهَا بالفأس ، فَتَراه يُلَاوِصُ في نظرِه يَمْنَةً ويَسْرَةً كيف يَضْرِبُهَا.
ثعلب عن ابن الأعْرَابيِّ : يقال للفالُوذ : المُلَوَّصُ وَالمُزَعْزَعُ وَالمُزَعْفَرُ ، وهو اللَّمْص. قال : ولوَّص الرجلُ : إذا أَكلَ اللَّواص ، وهو العَسَل الصافي.
أصل : قال اللّيث : الأصلُ : أسفلُ كلِّ شيء ، ويقال : اسْتَأصَلَتْ هذه الشجرةُ ، أي : ثَبَتَ أَصلُها ، واسْتَأصَلَ الله بني
فلان ، أي : لم يَدَعْ لهم أصْلاً. ويقال : إنَّ النَّخلَ بِأَرْضِنا لأَصِيل ، أي : هوَ به لا يزال ولا يَفْنَى. وفلانٌ أَصِيلُ الرَّأيِ ، وقد أَصُلَ رأيُه أصالةً ، وإنه لأَصيلُ الرَّأي والعَقْل. والأصيل : هو العَشِيّ. وهو الأُصُل.
ابن السِّكِّيت : يقال : لقيتُه أُصَيْلالاً وأُصَيْلَاناً : إذا لقيتَه بالعشيّ. ولقِيتُه مُؤْصِلاً. وجمعُ أَصيل العشيِّ : آصالٌ.
وقال اللَّيث : الأصيل : الهَلاك ، وقال أَوْس :
خافُوا الأَصيلَ وقد أَعْيَتْ مُلُوكَهُمُ |
وحُمِّلُوا مِن ذَوِي غَوْمٍ بأَثْقَالِ |
والأَصِيلُ : الأصْل. ورَجُلٌ أَصِيلٌ : له أَصْل.
ابن السّكِّيت : جاءُوا بِأَصِيلَتِهِمْ ، أي : بِأَجْمَعِهِمْ.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أخذتُ الشيءَ بِأَصَلَتِه : إذا لم تَدَعْ منه شيئاً.
ويقال : أَصِلَ فُلانٌ يَفعَل كذا وكذا ، كقولك : عَلِقَ وطَفِقَ.
وقال شَمر : الأَصَلَة : حيَّةٌ مِثْلُ رِئة الشاة لها رِجْلٌ وَاحِدَةٌ ، وقيل : هي مِثْلُ الرَّحَى مستديرةٌ حَمْراءُ لا تَمَسّ شجرةً ولا عُوداً إلا سَمَّتْه ، ليست بالشديدةِ الْحُمْرَة ، لها قائمة تَخُطُّ بها في الأرض ، وتَطْحَن طَحْنَ الرَّحَى.
لصا : قال اللّيث : يقال : لَصَى فلانٌ فلاناً يَلْصُوه ويَلْصُو إليه : إذا انْضمّ إليه لِريبة ، ويَلْصِي أعربهُما ، وأَنشد :
* عَفٌّ فلَا لاصٍ ولا مَلْصِيُ *
أي : لا يُلْصَى إليه.
وقال غيرُه : اللَّصْوُ والقَفْوُ : القَذْفُ للإنسان برِيبة يَنسبُه إليها ؛ يقال : لَصاه يَلْصُوه ويَلْصِيه : إذا قَذَفه.
وقال أبو عُبَيد : يُروَى عن امرأة من العَرَب أنّه قيل لها : إنّ فلاناً قد هَجاكِ ، فقالت : ما قَفَا ولا لَصَا ؛ تقول : لم يَقْذِفْني. قال : وقولها لَصَا مثل قَفَا ؛ يقال منه : رجلٌ قافٍ لاصٍ ؛ وأَنشدَ :
إِنِّي امرؤٌ عن جارتي غنيُ |
عَفٌّ فلا لاصٍ ولا مَلْصِيُ |
يقول : لا قاذِف ولا مقْذوفُ.
باب الصاد والنون
ص ن (وا ىء)
صون ، صين ، صنا ، نوص ، نصا ، نصأ ، وصن ، نيص.
صون : قال الليث : الصَّوْنُ : أَنْ تَقِيَ شيئاً ممّا يُفسِده. والصِّوانُ : الشيءُ الذي تَصون به ، أو فيه ، شيئاً أو ثوباً.
والفَرَسُ يَصُون عَدْوَه وجَريَه : إذا اذّخر منه ذخيرة لحاجته إليه. والحُرُّ يَصُون عِرْضَه كما يَصُون الإنسان ثوبَه.
وقال لَبيد :
* يُراوِح بين صَوْنٍ وابتذالِ*
أي : يَصُون جَرْيَه مرة فيُبقِي منه ويبتَذِلُه مرّة فيجتهدُ فيه.
أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ : الصَّوّان : الحِجارة الصُّلْبة ، واحدتُها صَوّانة.
قلتُ : والصَّوّانُ : حَجَر صُلْبٌ إذا مَسّتْه النار فَقَّع تفقيعاً وتَشقَّق ، وربّما كان قَدَّاحاً تُقْتَدَح منه النار ، ولا يَصلح للنُّورة ولا للرِّضاف.
وقال النابغة :
بَرَى وَقَعُ الصَّوّان حَدّ نُسُورها |
فهنّ لِطافٌ كالصِّعاد الذَّوابلِ |
أبو عُبَيد : الصَّائن من الخَيل : القائمُ على طَرفِ حافرِه من الحَفا.
وقال النابغة :
وما حاوَلْتُما بقِيادِ خَيْلٍ |
يَصُون الوَرْدُ فيها والكُمَيْتُ |
وأمَّا الصائِم فهو القائم على قَوائمِه الأَربعِ من غير حَفا.
ويقال : صنتُ الشيءَ أَصُونه ، ولا تَقُل أَصَنْتُه وهو مَصُون ، ولا تَقُل مُصانٌ.
وقال الشافعيّ : بِذْلةُ كلامِنا صَوْن غَيرِنا.
صنا : رُوِيَ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيه».
قال أبو عُبَيد : معناه : أن أصلَهما واحد.
قال : وأصلُ الصِّنْو إنما هو في النَّخْل.
ورَوَى أبو إسحاق عن البَراء بن عازب في قول الله جلّ وعزّ : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) [الرعد : ٤] ، قال : الصِّنْوان : المجتمعُ ، وغير الصِّنْوان المتفرِّق.
وقال الفرّاء : الصِّنْوانُ : النَّخَلاتُ أصلُهُنّ واحد.
وقال شَمِر : يقال : فلانٌ صِنْوُ فلانٍ ، أي : أخوه ، ولا يُسمَّى صِنْواً حتى يكون معه آخَرُ ، فهما حينئذ صِنْوان ، وكلُّ واحدٍ منهما صِنْوُ صاحبِه.
قال : والصِّنْوان : النَّخْلَتان والثلاثُ والخَمسُ والستّ ، أصلُهنّ واحد وفروعُهُنّ شتَّى. وغيرُ صِنْوانٍ : الفارِدة.
وقال أبو زيد : هاتان نَخْلتان صِنْوان ، ونَخِيل صِنْوانٌ وأَصْنَاءٌ.
ويقال للاثنين : قِنْوان وصِنْوان ، وللجماعة قِنْوانٌ وصِنْوانٌ.
أبو عُبَيد عن الفرّاء : أخذْتُ الشيءَ بصنايَته وسِنايَته ، أي : أخذْتُه بجميعه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصِّناء : الرَّماد ، يُمَدّ ويُقْصَر.
ويقال : تَصنَّى فلانٌ : إذا قَعَدَ عند القِدْر من شَرَهِه يُكَيِّب ويَشْوِي حتى يصيبَه الصِّناء.
شمر عن أبي عمرو : الصُّنَيُ : شِعْبٌ صغيرٌ يسيلُ فيه الماءُ بين جَبَلين.
وقالت ليْلَى الأخيليّة :
أنابِغَ لم تَنْبُغ ولم تَكُ أوّلاً |
وكنتَ صُنَيّاً بين صُدَّيْن مَجْهلا |
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الصَّاني : اللازم للخِدْمة. والناصي : المُعَرْبِد. قال : والصَّنْوُ : الغَوْرُ الخَسِيس بين الجَبَلَين.
قال : والصَّنْوُ : الماءُ القليل بين الجَبَلين.
والصَّنْوُ : الحجر يكون بين الجبلين ، وجمعُها كلُّها صُنُوٌ.
سَلَمة عن الفرّاء قال : الأصْناءُ : الأمْثال.
والأصْناءُ : السابقون.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الصِّنْوَة : الفَسِيلة. ابن بُزُرْج : يقال للحَفَرِ المعطَّلِ صِنْوٌ ، وجمعُه صِنْوان. ويقال : إذا احتَفَر : قد اصْطَنَى ، وهو الاصطِناء.
نصا : وفي الحديث : «أنَّ بنت أبي سَلَمة تَسَلَّبتْ على حمزة ثلاثةَ أيام ، فدعاها رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم وأمَرَها أن تَنصَّى وتَكتَحِل».
قولُه : «أمَرَها أن تَنَصَّى» ، أي : تُسرِّح شعرَها ، ويقال : تَنَصَّت المرأةُ : إذا رَجَّلَتْ شعرَها.
وفي حديث عائشةَ حين سُئلتْ عن الميّت يُسرَّح رأسُه؟ فقالت : علامَ تنْصون ميِّتَكم.
قولُها : تَنْصُون : مأخوذٌ من النَّاصية ، يقال : نَصوْتُ الرجلَ أنصُوه نصْواً : إذا مددْتَ ناصِيَتَه : فأرادت عائشةُ أنَّ الميّتَ لا يَحتاج إلى تسريح الرأس ، وذلك بمنزلة الأخْذ بالنَّاصية.
وقال أبو النَّجم :
إنْ يُمْسِ رأسِي أشمَطَ العنَاصِي |
كأنما فَرَّقَه مُناصِي |
ويقال : نَاصيْتُه : إذا جاذَبْتَه ، فأخَذَ كلُّ واحد منكما بناصية صاحِبه ، وقال عمرو بن مَعدِيكرب :
أعبّاسُ لو كانت شَيَاراً جِيادُنَا |
بتَثليثَ ما ناصَيْتَ بعدِي الأحَامِسا |
وقال اللّيث : الناصية : هي قُصاصُ الشّعَر في مقدَّم الرأس ، وقال الفرّاء في قول الله جل وعز : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق : ١٦] ، ناصيتُه مُقدَّمُ رأسه ، أي : لنَهْصُرَنَّها ، لَنأخذنّ بها ، أي : لنقيمنّه ولنُذِلّنّه.
قلتُ : والناصية عند العَرب : مَنبِتُ الشعر في مقدَّم الرأس ، لا الشّعر الّذي تسمّيه العامّة الناصية ، وسُمِّي الشعرُ ناصيةً لنَباتِه في ذلك الموضع. وقد قيل في قوله : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) ، أي : لنُسَوِّدَنَّ وجهه فَكَفَت النَّاصيَةُ لأنّها من الوجه والدّليل على ذلك قول الشاعر :
وكنتُ إذا نَفْسُ الغَوِيِّ نَزَتْ به |
سَفَعْتُ عَلَى العِرْنِين منه بِمِيسَمِ |
ولغة طَيِء في الناصيَة : النّاصَاةُ حكاه أبو عُبَيد وأنشد فقال :
لقد آذَنَتْ أَهْلَ اليمَامةِ طَيِءٌ |
بحربٍ كنَاصَاةِ الحِصان المُشَهَّرِ |
وقال ابن السكّيت : النَّصِيّةُ : البقيّة ، وأنشد :
تجرَّدَ من نَصيَّتِها نَوَاجٍ |
كما يَنْجُو من البَقَرِ الرَّعِيلُ |
وفي الحديث : أنّ وَفْدَ همْدانَ قَدِموا عَلَى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : نحن نصيَّةٌ من هَمْدانَ.
قال الفرّاء : الأَنْصَاءُ : السابقون. قال القتيبي : نصية قومهم ، أي : خيارهم.
والنصِّية : الخيارُ الأَشراف. ونواصِي القومِ : أشرافُهم ، وأما السّفِلةُ فهم الأَذْناب.
الحزّاز عن ابن الأعرابيّ : إني لأجد في بَطْني نَصْواً ووَخْزاً ، والنّصْوُ مِثلُ المَفْس ، سُمِّي نَصْواً لأنّه يَنْصُوك ، أي : يُزعِجك عن القَرار.
وقال الفرَّاء : وجدتُ في بطني حَصْواً ونَصْواً وقَبْصاً بمعنًى واحد. ويقال : هذه الفَلاة تُناصِي أرضَ كذا وتُواصِيها ، أي : تتّصل بها. والنَّصِيُ : نبتٌ معروف ، يقال له : نَصِيُ ما دام رَطْباً ، فإذا يَبِسَ فهو حَلِيّ. وقال الليث : هذه مفازة تناصي مفازة أخرى إذا كانت متصلة بالأولى.
[نصأ] : أبو زيد في كتاب «الهمز» : نَصأْتُ الناقةَ أَنصَؤها نَصْأ : إذا زَجَرْتَها.
أبو زيد عن الأصمعيّ : نَصَأْتُ الشيء : رَفَعْتُه نَصْأً.
نوص : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : النَّوْصَةُ : الغَسْلَة بالماء أو غيره.
قلت : الأصلُ المَوْصَةُ فقُلِبت الميم نوناً.
قال ابن الأعرابيّ : والنَّيْصُ : الحركة الضعيفة. اللّحيانيّ عن أبي عَمْرو : ما يَنُوص فلانٌ لحاجتي وما يَقْدِر على أن يَنُوص ، أي : يتحرَّك لشيء.
أبو سعيد : انتاصَتْ الشمسُ انتياصاً : إذا غابت.
وقال الله جلَّ وعزَّ : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣].
قال الفرَّاء : ليس بحين فرار. النَّوْصُ : التأخُّر في كلام العرب.
قال : والبَوْصُ : التقدُّم ؛ ويقال : بصْتُه ، وأنشد قول امرئ القيس :
أمِن ذكر سَلمى إنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ |
فتقصر عنها خطوَةً وَتَبُوص |
فمناص : مَفعل مثل مَقام.
وقال الليث : المناص : المَنْجَا.
قال : والنَّوْصُ : الحِمَار الوحشي لا يزال نائِصاً رافعاً رأسه يتردَّد كأنه نافرٌ جامح.
والفرس يَنُوص ويَسْتنيصُ ، وذلك عند الكَبْح والتّحريك.
وقال حارثة بن بَدْر :
غَمْرُ الجِراء إذا قصرتُ عِنانه |
بِيَدِي استناص ورامَ جَرْيَ المَسْحَلِ |
وصن : أبو العباس عن ابن الأعرابي :
الوَصْنَة : الخِرْقة الصّغيرة. والصَّوْنَةُ : العَتيدة. والصِّنْوة : الفَسِيلة.
نيص : قال اللّيث : النَّيْص من أسماء القُنْفُد الضَّخْم.
قلت : لم أسمعه لغيره.
صين : والصِّين : بلدٌ معروفٌ ، إليه يُنْسَبُ الدّارصِينيّ.
باب الصاد والفاء
ص ف (وا ىء)
صوف ، صيف ، صفا ، وصف ، فيص ، فصا ، أصف.
صوف : قال اللّيث : الصُّوفُ للضَّأن وما أشْبَهَه. ويقالُ : كَبْشٌ صافٌ ، ونَعْجَةٌ صائِفَة.
أبو عُبَيْد عن الكسائيّ : كَبْشٌ أَصْوَفُ وصَوِفٌ ـ مِثالُ فَعِل ـ وصائفٌ وصافٌ ، كلُّ هذا أن يكون كثيرَ الصُّوف. وأخبرَني المنْذِرِيُّ عن أبي الهَيْثم ، يقال : كبشٌ صائِفٌ وصافٌ ، كما يقال : جُرُفٌ هَائرٌ وهارٍ على القَلْب. وقال اللَّيث : كبشٌ صُوفانِيٌ أو نَعْجَةٌ صُوفانَةٌ. ويقال لواحدة الصُّوف : صُوفَة ، وتصغَّر صُوَيْفَة.
أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ : من أمثالهم في المال يَملِكه من لا يَستأهِله : خَرْقَاءُ وَجدتْ صُوفاً ، يُضرَبُ للأحمَق يُصِيبُ مالاً فَيضعه في غير موضِعه.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الصُّوفَانَةُ : بقلة معروفة.
وقال اللّيث : هي بَقْلَةٌ زَغْبَاءُ قصيرةٌ.
قال : وتسمَّى زَغَبَاتُ القَفَا : صوفةُ القفَا.
قال : وصُوفة : اسمُ حَيٍّ من بني تميم ، وكانوا يُجِيزون الحاجّ في الجاهليَّةِ مِنْ مِنًى ، فيكُونون أَوَّلَ ، مَنْ يَدْفَعُ ، يقال : أَجِيزِي صُوفَة ، فإذا أَجَازَتْ قيلَ : أَجِيزِي خِنْدِفٌ ، فإذا أجازتْ أُذِنَ للناسِ كلِّهِمْ في الإجازةِ وهي الإفاضةُ ، وفيهم يقولُ أَوْس بن مَغْرَاء :
* حتَّى يُقالَ أَجِيزُوا آلَ صُوفانَا*
ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : خُذْ بصوفةِ قَفاه ، وبصوفِ قَفاه ، وبِقَرْدَنِهِ وبِكَرْدنِه.
وقال أبو زيد : يقال : أخذَه بصُوفِ رقَبتِه وبطوفِ رقبته ، بمعنًى واحد ، يريدُ بشعرِ رقبته.
وصف : في حديث أبي ذَرّ أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال له : «كيف أنتَ وموتٌ يصيبُ الناسَ حتى يكون البَيتُ بالوَصيف».
قال شمِر : معناه : أن الموت يَكثُر حتى يصيرَ موضعُ قبرٍ يُشتَرى بعَبْدٍ من كثرة الموت مِثل المُوتَان الذي وقع بالبصرة وغيرِها.
ثعلب عن ابن الأعرابي : أَوْصفَ الوَصيفُ : إذا تَمّ قَدُّهُ ، وأوصفتِ الجاريةُ ، ووَصِيفٌ ووُصفاء ، ووَصِيفةٌ
ووصائف.
وقال الليث : الوَصفُ : وصفُك الشيءَ بحليتهِ ونَعْتِه.
قال : ويقال للمُهْر إذا تَوجَّه لشيءٍ من حُسن السِّيرَة : قد وَصَف ، معناه : أنه قد وَصَف المشي ؛ يقال : هذا مُهر حين وَصف.
وفي حديث الحَسَن أنّه كَرِه المواصفة في البيع.
قال شَمِر : قال أحمد بنُ حنبل : إذا باع شيئاً عنده على الصِّفة لزِمَه البيع. وقال إسحاق كما قال.
قلتُ : وهذا بَيْعُ الصِّفة المضمونة بلا أَجَل بمنزِلة السَّلَم ، وهو قول الشافعيّ ، وأهلُ الكوفة لا يجيزون السَّلَم إذا لم يكن إلى أجَلٍ معلوم.
صفا : الليث : الصَّفْوُ : نَقِيضُ الكَدَر ، وصَفْوَةُ كلِّ شيء : خالصُه مِن صَفْوة المال وصَفْوَة الإخاء.
أبو عُبَيد عن الكسائيّ : هو صِفْوة الماء ، وصَفْوةُ الماء ، وكذلك المالُ ، وهو صَفوةُ الإهالة لا غَيرُ.
وقال الليث : الصفاءُ : مُصافاةُ المودّةِ والإخاء. والصَّفْو أيضاً : مصدر الشيء الصافي.
قال : وإذا أَخَذَ صَفْوَ ماءٍ من غَديرٍ ، قال : استصفَيتُ صَفْوةً.
والاصطفاء : الاختيارُ ، افتعالٌ من الصفْوَة ، ومنه النبي المُصطَفى ، والأنبياء المُصطَفَوْن ، وهم من المُصطَفَيْن : إذا اختِيروا ، وهم المُصطَفُون : إذا اختاروا ، هذا بضَمِّ الفاء.
وصفِيّ الإنسان : أخوه الذي يُصافيه الإخاء. وناقة صَفِيٌ : كثيرة اللبن. ونخلةٌ صَفِيٌ : كثيرةُ الحَمل ، والجميعُ الصفايا.
أبو عُبَيد عن الأصمعي : النَّاقة الصفيُ : الغَزِيرة.
وقال أبو عمرو مِثله.
وقال : صَفْوَتْ وصَفَتْ.
وقال الكسائي : صَفَوَتْ.
وقال أبو عُبَيد : الصَّفِيُ من الغنيمة : ما اختاره الرئيسُ قَبل القسمة من فَرَس أو سَيْف أو جارية ، وجمعُه صفَايَا ، وأنشد :
* لك المِرْبَاعُ فيها والصَّفايَا*
واستصفَيْتُ الشيء : إذا اسْتَخلَصته. ومن قرأ : (فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عليها صَوَافِيَ) [الحج : ٣٦] ، بالياء ، فتفسيره : أنها خالصة لله ؛ يُذْهَبُ بها إلى جمع صافية ، ومنه قيل للضياعِ التي يَستخلصها السّلطان لخاصَّته : الصَّوافي.
ويقال : أصفَيْتُ فلاناً بكذا وكذا ، أي : آثَرْتُه به.
أبو عُبَيْد عن الأصمعي : الصفوَاء والصفْوَانُ والصفَا ـ مقصورٌ ـ كلُّه واحد.
وأنشد :
* كما زَلَّتْ الصفْوَاءُ بالمتنزَّلِ*
الحرَّاني عن ابن السكيت قال : الصَّفَا : العريضُ من الحجارة ، الأمْلس ، جمع صفَاة ، يُكتب بالألف ، وإذا ثنِّي قيل صَفَوان ، وهو الصفْواءُ أيضاً ، ومنه الصفَا والمَرْوَة : وهما جبلان بين بَطْحَاء مكَّة والمسجد. وبالْبحرَين نهر يتخلَّجُ من عَيْنِ محلِّم يقال له : الصَّفَا ، مقصور.
أبو عبيد عن الكسائي : أصْفَتْ الدَّجاجة إصفَاءً : إذا انقطع بَيْضها. وأَصْفَى الشاعرُ : إذا لم يَقُل شعراً.
وقال ابن الأعرابي : أَصفَى الرجل : إذا أنفد النساءُ ماءَ صُلْبِهِ. واصطفيت الشيء ، أي : اخترته. والمصفاة : الراووق.
وصفّيت الشراب.
فيص : قال الليث : يقال : قبضْتُ عَلَى ذَنَب الضَّبّ فأَفاصَ من يدي حتى خلص ذنَبُه ، وهو حين تنفرج أصابعك عن مقبِض ذنبه ، ومنه التَّفَاوُصُ.
وقال أبو الهيثم : يقال : قبضْتُ عليه فلم يَفِصْ ولم يَنْزُو لَمْ يَنُصْ بمعنى واحد.
ثعلب عن ابن الأعرابي : الفَيْصُ : بيانُ الكلام.
وفي حديث النَّبي صلىاللهعليهوسلم : «وما يُفيصُ بها لسانُه»، أي : ما يُبين. وفلانٌ ذو إفاصةٍ : إذا تكلم ، أي : ذو بيان.
وقال الليث : الفَيْصُ من المُفَاوصة ، وبعضهم يقول : مُفايصة.
فصى : في حديث قَيْلَةَ بنت مَخْرَمة أن جُوَيْرِيةً من بنات أختها حُدَيْبَاء قالت حين انتَفَجَتِ الأرنبُ وهما يسيران الفَصية.
قال أبو عُبَيد : تفاءلت بانتفاج الأرنب ، وأرادت أنها خرجتْ مِن الضِّيق إلى السَّعة.
ومن هذا حديث آخر عن النَّبي صلىاللهعليهوسلم أنه ذكر القرآن فقال : «لَهُوَ أَشَدُّ تفصِّياً من قلوب الرجَال من النعَم من عُقُلها»، أي : أشدُّ تَفَلُّتاً. وأصل التفصِّي أن يكون الشيءُ في مضيق ، ثم يخرج إلى غيره.
ثعلب عن ابن الأعرابي : أفْصَى : إذا تَخَلص من خير أو شر ، وأفْصَى عنك الحرُّ أو البرد : إذا انسلخ.
وقال ابن السكيت : يقال : أفْصَى عنا الحر : إذا خرج ولا يكون أَفْصى عنّا البرد.
وقال الليث : كل شيء لازِقٍ فخلَّصته.
قلت : قد انْفَصَى. واللّحْمُ المتهرِّىء يَنْفَصِي عن العظم ، والإنسَانُ يَتَفَصَّى من البليّة.
وقال أبو الهيْثم : من أمثالهم في الرّجل يكون في غمّ فيخرج منه قولهم : أفْصَى عنَّا الشتاء. وأفْصَى : اسمُ أبي ثَقِيف ، واسم أبي عبد القيس.
صيف : قال الليث : الصيْفُ : رُبْعٌ من أرباع السنة ، وعند العامة نصفُ السَّنة.
قلتُ : الصيْفُ عند العرب : الفَصل الذي يُسمِّيه عوامُّ الناس بالعِراق وخُراسان : الرَّبيع ، وهي ثلاثةُ أشهر ، والفَصلُ الذي يليه : القَيْظُ ، وفيه تكون حَمراء القَيْظ ، ثم بعده فصل الخَريف ، ثم بعده فصلُ الشتَاء. والكَلأُ الذي ينبت في الصيف : صَيْفيّ ، وكذلك المطر الذي يقع فيه صَيِّف وصيْفيّ.
وقال ابن كُناسة : واعلم أن السنة أربعةُ أزمنة عند العرب : الربيع الأول ، وهو الذي يسميه الفرس الخريف ، ثم الشتاء ثم الصيف ، وهو الربيع الآخر ، ثم القيظ ، فهذه أربعة أزمنة.
وسُمِّيت غزوَة الروم : الصائفة ، لأن سُنَّتَهُم أن يُغْزَوْا صيفاً ويُقفل عنهم قبل الشِّتاء.
ويقال : صافَ القومُ : إذا أقاموا بالصيف في موضع فهم صائفون. وأصافوا فهم يُصيفون : إذا دخلوا في زمان الصيف.
وأَشْتَوْا : إذا دخلوا في الشتاء.
ويقال : صُيِّف القوم ورُبِعُوا : إذا أصابهم مطر الصيف والربيع ، وقد صِفْنا ورُبِعْنَا ، وكان في الأصل صُيِفْنَا فاستُثقلت الضمة مع الياء فحذِفت الياء وكُسرت الصاد لتدل عليها.
ابن السكيت : أصافَ الرجل فهو مُصيف : إذا وُلِد له بعد ما يُسِنّ ، وولدُه صَيْفِيُّون.
وصاف فلانٌ ببلَدٍ يصيف : إذا أقام به في الصيف. وصاف السَّهْم عن الغرض يصيف ، وضاف يَضِيف : إذا عدل عنه.
وقال أبو زُبيد :
كلَّ يومٍ تَرْميه منها برَشْقٍ |
فَمُصيفٌ أو صافَ غير بعيدِ |
أبو عبيد : استأجرته مُصايفة ومُرابعة ومشاتَاة ومُخَارفة : من الصيف والرَّبيع والشِّتاء والخريف.
ومن أمثالهم : الصيف ضيَّعَت اللبن : إذا فَرّط في أمره في وقته.
ومن أمثالهم في إتمام قضاءِ الحاجة : تمامُ الرَّبيع الصيفُ ، وأصله في المطر ، فالربيعُ أوّله ، والصيفُ الذي بعده ، فيقول الحاجة بكمالها ، كما أنَّ الربيع لا يكون تمامُه إلَّا بالصيف.
أصف : قال الليث : الأصَفُ : لغةٌ في اللَّصَف.
قال أبو عُبَيد : قال الفرّاء : هو اللَّصَف ، وهو شيء يَنبُت في أَصْل الكَبَر ؛ ولم يَعرف الأَصَف.
وقال الليث : آصف : كاتبُ سليمانَ الّذي دعا الله جلَّ وعزَّ باسمه الأعظم ، فرأَى
سليمانُ العرشَ (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ)، والله أعلم.
باب الصاد والبّاء
ص ب (وا يء)
صيب ، صأب ، صبا ، بوص ، وصب ، وبص ، أبص ، بصا.
صيب : ثعلب عن ابن الأعرابي : صابَ : إذا أَصابَ. وصابَ : إذا انصَبّ ؛ وقال الله جلّ وعزّ : (أَوْ كَصَيِّبٍ) [البقرة : ١٩].
قال الزَّجاج : الصيِّبُ في اللغة : المطر : وكلُّ نازلٍ من عُلْوٍ إلى استِفالٍ فقد صابَ يَصُوبُ ، وأنشد :
كأنهُم صابَتْ عليهمْ سحابةٌ |
صَواعقُها لطَيْرِهِنَّ ذَبِيبُ |
وقال الليث : الصَّوْبُ : المَطَرُ. والصيِّب : سحاب ذو صَوْب. وصابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا ، وصابَ السهمُ نحو الرَّمِيَّة يَصُوب صَيْبُوبَةً : إذا قَصَدَ ، وإنه لسهمٌ صائِبٌ ، أي : قاصِدٌ. والصوابُ : نقيضُ الخطأ. والتصوّبُ : حَدْبٌ في حُدُور.
وصَوّبتُ الإناءَ ورأسَ الخشبةِ تصويباً : إذا خَفَضْتَه.
وكُرِه تصويب الرأس في الصَّلاة.
والعرَبُ تقول للسائر في فَلاةٍ تُقطَع بالحَدْس إذا زَاغَ عن القَصْد : أقِمْ صَوْبَك ، أي : قَصْدَك.
وفلانٌ مستقيم الصَّوْب : إذا لم يَزِغْ عن قَصْده يميناً وشِمالاً في مَسيره.
وقال الأصمعيّ : يقال : أصاب فلانٌ الصواب فأَخطأَ الجواب ؛ معناه : أنه قَصَد قَصْد الصواب ، وأَرادَه فأَخطأَ مُرادَه ولم يُصِب.
وقال غيره في قوله تعالى : (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) [ص : ٣٦] ، أي : حيث أراد أنه يصيب.
ويقال : صابَ السهمُ الرمِيّة يَصوبها وأَصابها : إذا قَصدها.
وقال الزَّجَّاج : أجمعَ النحويّون على أن حَكَوْا مصائب في جمع مُصيبة بالهمز ، وأَجمعوا على أنّ الاختيارَ مصاوِب ؛ ومصائب عندهم بالهمز من الشاذّ.
قال : وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة ، كما قالوا وِسادة وإسادَة.
قال : وزعم الأخفشُ أنّ مَصائب إنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو ، لأنها أُعِلّت في مُصيبة.
قال الزّجّاج : وهذا رديء ، لأنه يُلزم أن يقالَ في مَقام : مَقائم ، وفي مَعونة : مَعَائن.
وقال أحمدُ بنُ يحيى : مُصيبة كانت في الأصل مُصْوِبَة ، ومثلُه (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، أصلُه أَقْوِموا ، فألقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرتْ ، وقلَبُوا الواوَ ياءً لكسرة القاف.
وقال الفرّاء : يُجْمَع الفُواق أَفْيِقَة ، والأصل أفْوِقَة.
وقال ابن بَزُرج : تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم ، أي : على طبقاتهم ومَنازلهم.
وقال ابن السكّيت : في عَقْل فلان صابةٌ ، أي : كأنه مجنون.
ويقال للمجنون : مُصاب. والصُّوبة : الكُثْبة من تُرابٍ أو غيره.
أبو عُبَيد : فلانٌ من صُيَّابةِ قومِه ، أي : من مُصَاصِهم وأخلَصِهم نَسَباً.
وقال غيره : من صُوَّابة قومِه مثله.
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : الصَّابُ والسَّلَع ضَرْبان من الشَّجر مُرّان.
وقال الليث : الصابُ : عُصارةُ شجر مُرٍّ.
ابن الأعرابي : المِصْوَبُ : المِغْرفَة.
صأب : أبو عُبَيد عن الفرّاء ، وثعلب عن ابن الأعرابي : صَئِبَ من الماء : إذا كَثُر شُرْبُه. وزاد ابن الأعرابيّ : صَئِمَ بمعناه ، وكذلك قَئبَ وذَئِجَ.
وقال اللِّحياني : صَئِب وصَئِمَ : إذا رَوِي وامتلأَ ، وكذلك زَئِمَ.
أبو عُبَيدة : الصِّئبان : ما يتحبَّبُ من الْجَليد كاللّؤلؤ الصِّغار ، وأنشد :
فأَضحَى وصِئبانُ الصَّقيع كأنّه |
جُمانٌ بضاحِي مَتْنِه يتحدَّرُ |
وقال اللّيث : الصُؤَابة : واحدةُ الصِّئْبان وهي بَيْضة القَمْل والبُرغُوت.
وصب : قال اللّيث : الوَصَبُ : المَرَض ، وتكسيرُه والجميعُ الأوْصاب.
ورجلٌ وَصِبٌ ، وقد وَصِبَ يَوْصَب وَصَباً ، وأصابه وصيب : أي وجع.
قال : والوُصوبُ : دَيْمُومَةُ الشيء.
قال الله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) [النحل : ٥٢].
قال أبو إسحاق : قيل في معناه : دائماً ، أي : إنَّ طاعته دائمةٌ واجبة أبداً.
قال : ويجوز ـ والله أعلم ـ أن يكون (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي : له الدينُ والطاعة ، رَضِيَ العبدُ بما يُؤمَر به أو لم يَرْضَ به ، سَهُل عليه أو لم يَسْهلُ ؛ فله الدِّينُ وإن كان فيه الوَصَب.
والوَصَبُ : شدّة التَّعَب.
وقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) [الصافات : ٩] ، أي : دائم ، وقيل : مُوجِع.
ويقال : واظَبَ على الشَيء وواصَبَ عليه : إذا ثابَرَ عليه.
وبص : الليث وغيرُه : الوَبيصُ : البَريق ، وقد وَبَص الشيءُ يبِيصُ وَبِيصاً ، وإن فلاناً لوَابِصَةُ سَمْعٍ : إذا كان يَسْمع كلاماً فيعتمد عليه ويظنّه ولمَّا يكن على ثقة ، يقال : هو وابصةُ سَمعٍ بفلان ، ووابصةُ سمع بهذا الأمر.
وفي الحديث : «رأيتُ وبِيص الطِّيب في مَفارِق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو مُحرِم»، أي : بَرِيقَه. وأَوْبَصَت النارُ عند القَدْح : إذا ظَهَرتْ. وأوبصَت الأرضُ : أوّل ما يَظْهر من نَباتها. ورجلٌ وبّاص : بَرّاق اللَّون.
وقال الفراء : في أسماء الشهور : وَبْصان شهر ربيع الآخَر.
وقال ابن الأعرابيّ : الوَبِيصة والوابِصةُ : النار.
عَمْرو عن أبيه : هو القَمَر ، والوَبّاص.
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : وقع القومُ في حَيْص بَيْصَ ، أي : في اختلاطٍ من أمرٍ لا مَخرَجَ لهم منه.
قال : وقال الكسائيّ : وقَع في حِيْصَ بِيصَ ، بكسر الحاء والباء.
وقال غيره : وقع حَيْصَ بَيْصَ.
وقال ابن الأعرابي : البَيْصُ : الضِّيق والشّدّة.
صبا : قال الله جلّ وعزّ مخبِراً عن يوسفَ : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) [يوسف : ٣٣].
قال أبو الهيثم فيما أخبَرَني المنذريُّ عنه ، يقال : صَبَا فلانٌ إلى فلانَة ، وَصَبَا لها يَصْبُو صَباً ـ مَنْقوصٌ ، وصَبْوَةً ـ : أي : مالَ إليها.
قال : وصَبَا يَصْبُو فهو صَابٍ وصَبِيٌ ، مثل قادِر وقَدِير.
قال : وقال بعضُهم : إذا قالوا صَبِيٌ فهو بمعنى فَعُول ، وهو الكثير الإتيان للصِّبَا.
قال : وهذا خطأ ، لو كان كذلك لقالوا : صَبُوٌّ ، كما قالوا : دَعُوٌّ وسَمُوٌّ ولَهُوٌّ في ذوات الواو ، وأمّا البَكِيُ فهو بمعنى فَعُول ، أي : كثيرُ البكاء ، لأن أصله بَكُويٌ.
وأَنْشَدَ :
* وإنّما يَأتي الصِّبَا الصَّبِيُ *
وقال الليث : الصَّبْوَةُ : جَهْلةُ الفُتُوة واللهو من الغَزَل ، ومنه التّصابي والصِّبا.
قال : والصِّبْوة : جمعُ الصَّبِي ، والصِّبْيةُ لغة ، والمصدر الصِّبا. يقال : رأيتُه في صِباه ، أي : في صِغَرِه.
وقال غيرُه : يقال : رأيتُه في صَبائه ، أي : في صِغَره. وامرأة مُصْبٍ بلا هاء : معها صَبِيّ.
قال : وإذا أَغمَد الرجلُ سيفَه مقلوباً قيل : قد صَابَى سيفَه يُصَابِيه.
قال : والصَّبِيُ من السّيف : ما دُون الظَّبَة قَليلاً. والصَّبِيُ من القَدَم ما بين حِمَارَتِها إلى الأصابع.
وقال شمر : الصَّبِيّان : مُلتقَى اللَّحيين الأسفَلين.
وقال أبو زيد : الصَّبِيَان : ما دَقّ من أسافل اللَّحْيين.
قال : والرَّأْدانِ : هما أعلى اللَّحيين عند الماضِغَين ، ويقال : الرُّؤْدانِ أيضاً.
والصَّبا : ريحٌ معروفةٌ تُقابِل الدَّبور ، وقد صَبَت الريحُ تَصْبو. ويقال : صَابَى البعيرُ مَشافِرَه : إذا قَلَبها عند الشُّرب.
وقال ابنُ مقبل يذكر إبلاً :
يُصابِينَها وهي مَثْنِيّةٌ |
كثَنْيِ السُّبوتِ حُذِينَ المِثَالا |
وقال أبو زيد : صابَيْنا عن الحَمْض ، أي : عَدَلْنا. ويقال : صَابَى رُمْحَه : إذا حَدَر سنانَه إلى الأرض للطعن.
وقال النابغة الجعديّ :
مُصَابَين خِرْصَانَ الرماحِ كأنّنا |
لأعدائنا نُكْبٌ إذا الطَّعْنُ أفْقَرا |
ويقال : أصْبَى فلانُ عِرْسَ فلانٍ : إذا استمالَها.
وقال ابن شميل : يقال للجارية صَبِيَّة وصَبِيٌ ، وصَبَايَا للجماعة ، والصِّبْيَان : الغِلْمان.
وقال أبو زيد : صَبَأَ الرجلُ في دينه يَصْبَأْ صُبُوءاً : إذا كان صابئاً.
وقال أبو إسحاق في قوله : (وَالصَّابِئِينَ) [البقرة : ٦٢] ، معناه الخارِجِين من دين إلى دين ، يقال : صبَأَ فلانٌ يَصْبَأَ : إذا خرجَ من دِينه.
قال : وصَبَأَتِ النجوم : إذا ظَهرتْ ، وصَبَأ نابُه : إذا خرجَ ، يَصْبَأُ صُبُوءاً.
قال الليث : الصَّابِئُونَ : قوم يُشبِه دينهُم دينَ النّصارى ، إلا أن قِبلتَهم نحوَ مَهَبّ الجَنوب ، يَزعمون أنّهم على دِين نوح ، وهم كاذبون.
وكان يقال للّرجل إذا أسلم في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم : قد صَبَأَ ؛ عَنَوْا أنه خرج من دِينٍ إلى دينٍ.
وقال أبو زيد : أصبأْتُ القومَ إصبَاءً ، وذلك إذا هجمتَ عليهم وأنت لا تَشعُر بمكانهم وأنشد :
* هَوَى عليهمْ مُصْبِئاً مُنْقَضَّاً*
وقال أبو زيد : يقال : صَبَأْتُ على القَوْم صَبْأٌ وصَبَعْتُ ، وهو أن يَدُلَّ عليهم غيرهم.
وقد فسرت قوله : لتعودن صُبّاً ، في باب المضاعف بما فيه الكفاية.
وسئل ابن الأعرابيّ عنه فقال : إنما هو «أساود صُبَّى» معناه : أنّهم مجتمعون جماعات ، ويقتتلون فيكونون كالحيات التي تميل بعضها على بعض ؛ يقال : صبا عليه : إذا خرج عليه بالعداوة.
وقال ابن الأعرابيّ : صَبَأَ عليه : إذا خرج عليه ، ومالَ عليه بالعداوة. وجعلَ قوله عليهالسلام : «لَتَعُودُنَّ فيها أساوِدَ صُبيَ» فُعَّلاً من هذا ، خُفِّف همزُهُ ، أراد أنّهم كالحيات التي يَميل بعضُها على بعض.