النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

[و ٢٣] سيفانه فلو أعمل الأول لنصبها وقوله :

[٨٢] قضى كل ذي دين فوفى غريمه (١)

 ...

فلو أعمل الأول ، كان الأحسن أن يقول : فوفاه ومعّنى هو (٢) ، لأن الضمير في معنى خبر عن عزة ، وقد جرى على ممطول فيجب إبرازه ، لأنه جرى على غير من هوله والكوفيون (٣) يقولون حذف الضمير في (فوفى) اختصار ، وأما عدم إبرازه في (معنى) فليس بوجوب إبرازه إذا التبس وأما القياس فلقربه ، ولأن العرب قد اعتورته مع زوال المعنى فبالأولى مع بقائه ، قالوا : (حجر ضب خرب) (٤).

[٨٣] ...

كبير أناس في بجاد مزمّل (٥)

__________________

لرجل من باهلة كما في الكتاب ١ / ٧٧ ، وينظر المقتضب ٤ / ٧٥ ، والأنصاف ١ / ٨٩. ويروى (نرى) بدل أرى.

الشاهد فيه قوله : (ولقد أرى تغنى به سيفانة) حيث تنازع عاملان معمولا واحدا وهما أرى وتغنى والمعمول قوله (سيفانة) وأول العاملين يطلب مفعولا والثاني يطلب فاعلا وقد أعمل الشاعر العامل الثاني في هذا المعمول بدليل مجيئه مرفوعا وهو سيفانه.

(١) سبق تخريجه برقم ...

(٢) ينظر الإنصاف ١ / ٩٢ وقال : ولو أعمل الأول لوجب إظهار الضمير بعد (معّنى) فتقول :

(وعزة ممطول معّنى هو غريمها).

(٣) ينظر الإنصاف ١ / ٩٢.

(٤) ينظر الإنصاف ١ / ٩٢ قال : (والذي يدل على أن للقرب أثرا أنه قد حملهم القرب والجوار حتى قالوا : (جحر ضب خرب) فأجروا خرب على ضب وهو في الحقيقة صفة للحجر ، لأن الضب لا يوصف بالخراب فهاهنا أولى) وهذا ما ذهب إليه الشارح. وتذكرة النحاة ٣٤٦.

(٥) البيت من البحر الطويل وهو لامرئ القيس في ديوانه ٢٥ وينظر تذكرة النحاة ٣٠٨ ـ ٣٤٦ ، ومغني اللبيب ٦٦٩.

وصدره :

كأن ثبيرا في عرانين وبله

الشاهد فيه قوله : مزمل : مجرور لمجاورته لـ (أناس) تقديرا لا لبجاد لتأخره عن مزّمل في

٢٠١

فجرّ خرب ومزمل لجواره لضب وبجاد ، وإن كان الخرب صفة لحجر والمزمل صفة كبير ، ولأنك لو أعلمت الأول في العطف ، نحو (قام وقعد زيد) لفصلت بين العامل والمعمول بأجيني بلا ضرورة ، ولعطفت على الشيء وقد بقيت منه بقية ، وكلاهما خلاف الأصل (١) وروى سيبويه (٢) أن إعمال الثاني هو الأكثر في كلام العرب.

وحجة الكوفيين القياس السماع.

أما القياس فلأن الأول أهم لسبقه قال :

[٨٤] ...

ما الحب إلا للحبيب الأول (٣)

اعتبر الأسبق عند اجتماع الشرط والقسم ، ولأن إعمال الثاني يؤدي إلى عود الضمير إلى غير مذكور ، وأما السماع فقوله :

[٨٥] ...

كفانى ولم أطلب قليل من المال (٤)

فلو أعمل الثاني نصب (قليل) قوله :

__________________

الرتبة وحقه الرفع لأنه نعت لكبير ولكن من أجل القرب والمجاورة جرّ.

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٩ وهذه العبارة منقولة بالنص من الرضي دون أن يعزوها الشارح إليه (السطر ١١) ١ / ٧٩.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٧٦ وما بعدها ، وتذكرة النحاة ٣٤٥ ـ ٣٤٨ ، وشرح المفصل ١ / ٧٨ وما بعدها.

(٣) البيت من البحر البسيط وهو لأبي تمام في ديوانه ٤٦٣.

وصدره :

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

والتمثيل فيه : (ما الحب إلا للحبيب الأول) حيث استدل على أهمية سبق الأول. في الترتيب.

(٤) سبق تخريجه برقم ٧٧.

٢٠٢

[٨٦] ...

تنخل فاستاكت به عود إسحل (١)

فلو أعمل الثاني لقال : (بعود إسحل ، قوله :

[٨٧] ...

سمعت ببينهم نعب الغرابا (٢)

ولو أعمل الثاني لقال (الغراب) بالرفع.

وأجاب البصريون (٣) عن حججهم ، أما الإضمار فهو كثير في القرآن ، نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٤) في ضمير الشأن ، و (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٥) (وربّ هو رجلا) وأما (قليل من المال) فليس من التنازع ، وأما (عود

__________________

(١) البيت من البحر الطويل وهو لعمرو بن ربيعة في ملحق ديوانه ٤٩٨ ، وصدر :

إذا هي لم تستك بعود أراكه

ونسب لطفيل الغنوي في ديوانه ٦٥ ولعمر أو لطفيل أو للمقنع الكندي وغيرهم. ينظر الكتاب ١ / ٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٨٨ ، وشرح المفصل ١ / ٧٩ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤٤٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ٨٩ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧٧٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦.

والشاهد فيه قوله : (تنخل) و (فاستاكت) حيث تنازع العامل الأول الفعل وهو (عود) حيث أعمل العامل الأول تنخل لو أعمل الثاني استاكت لقال بعود إسحل.

الإسحل هو : نبات يستعمل في الاستياك. تنخل : اختير مثل الأراك.

(٢) البيت من الوافر. وصدره :

ولما أن تحمل آل ليلى

وهو بلا نسبة في الإنصاف ١ / ٨٦.

والشاهد فيه قوله : (سمعت ببينهم نعب الغرابا) حيث تقدم عاملان ، وهما سمعت ونعب وتأخر عنهما معمول واحد وهو (الغراب) والأول يطلبه مفعولا لأنه استوفى فاعله ، والثاني يطلبه فاعلا لأنه فعل لازم لم يستوف فاعله ظاهرا ، ولذلك أعمل الأول فنصبه مفعولا ولو أعمل الثاني لرفعه فاعلا كما ذكر الشارح.

(٣) ينظر رأي البصريين في الإنصاف ١ / ٨٧ وما بعدها.

(٤) الإخلاص ١١٢ / ١.

(٥) الحج ٢٢ / ٤٦ وتمامها : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.) ولكن لا تعمى أبصار العيون ، لأنها ثابتة للكفار بل تعمى بصائرهم.

٢٠٣

إسحل) ، فلانكسار البيت ، وأما (نعب الغراب) فللقافية ، وإذا أردت معرفة التنازع في جميع أقسام الأفعال السبعة ، وهي اللازم والمتعدي بحرف والمتعدي تارة بنفسه وتارة بحرف ، والمتعدى إلى واحد ، والمتعدي إلى اثنين ، الثاني غير الأول ، والمتعدي إلى اثنين الثاني هو الأول ، والمتعدي إلى ثلاثة إذا اجتمعت شروطه الستة التي ذكرنا.

قوله : (فإن أعملت الثاني) بدأ بكلام البصريين (١) كما كان هو المختار. قوله : (أضمرت الفاعل في الأول على وفق الظاهر) المراد بالتنازع ، عند إرادة النطق بالعامل على معمول واحد ، وأما بعد النطق والإضمار للملغى ، فإطلاق التنازع فيه مجاز وحاصله أنّ العاملين إذا استدعيا فاعلا ، أو الأول منهما أضمرته في الأول على وفق الظاهر في الأفراد ، والتثنية ، والجمع ، والتذكير ، والتأنيث ، وهي مسألة الخلاف بين الجمهور والكسائي والفراء (٢) وإن استدعيا مفعولا ، أو الأول منهما حذفته بلا خلاف ، ولأنك لو أضمرته لعاد إلى غير مذكور ، وجواز حذفه بخلاف الفاعل ، فإنه لا يجوز حذفه ، فارتكبوا الإضمار قبل الذكر ، فنقول في اللازم (قام وقعد زيد) (قاما وقعد الزيدان) (قاموا وقد الزيدون) ، (قامت وقعدت هند) (قامتا وقعدت الهندان) (قمن وقعدت الهندات) ونقول في المتعدي بحرف إذا استدعيا فاعلا (مر وسار بي زيد) (مرا وسار بي الزيدان) (مروا وسار بي الزيدون) (مرّت وسارت بي هند) (مرتا وسارت بي الهندان) مررن وسارت بي الهندات) وكذلك تفعل إذا

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٩ ، والإنصاف ١ / ٨١ وما بعدها ، وينظر شرح المفصل ١ / ٧٩.

(٢) ينظر تذكرة النحاة ٣٤٥ وما بعدها ، والإنصاف ١ / ٩٢ وما بعدها.

٢٠٤

استدعيا الأول فاعلا [ظ ٢٣] ومفعولا نحو (مرّ وسرت بزيد). والكسائي يحذف هربا من الإضمار قبل الذكر (١) ، والفراء يظهره (٢) ولا يحذف ، ولا يضمر ، ويخرج من باب التنازع ، وإن استدعيا مفعولا حذفت اتفاقا تقول : (مررت وسرت بزيد) ، (مررت وسرت بالزيدين) ، (مررت وسرت بالزيدين) ، (مررت وسرت بهند) ، (مررت وسرت بالهندين) ، (مررت وسرت بالهندات) وكذلك إذا استدعى الأول مفعولا والثاني فاعلا ، نحو (مررت وسار بي زيد) ولا يجوز الإضمار ، لأنه فضلة يعود إلى غير مذكور ، وأما المتعدي تارة بنفسه ، وتارة بحرف ، فإن استعملت العاملين جميعا بحرف جر كانا من المتعدي بحرف ، وإن استعملتا بغير حرف ، كانا من المتعدي إلى واحد فإن استعمل أحدهما بحرف ، والآخر بغير حرف ، فإن قدمت الذي بحرف ، فإن استدعيا فاعلا أضمرته على الخلاف ، تقول : (شكر لي ورجّعه زيد) ، (شكرا لي ورجّعه الزيدان) ، (شكروا لي ورجعه الزيدون) ، (شكرت لي ورجعته هند) (شكرتا لي ورجعته الهندان) ، (شكرن لي ورجّعته الهندات) ، وكذلك تفعل إذا استدعى الأول منهما فاعلا نحو : (شكر له ورجعت زيدا) ، وإن استدعيا مفعولين حذفت الإضمار نحو (شكرت له ورجعت زيدا) فتقول : (شكرت ورجعت زيدا) ، (شكرن ورجعت الزيدين) ، (شكرت ورجعت الزيدين) ، (شكرن ورجعت هند) ، (شكرت ورجعت الهندان) (شكرت ورجعت الهندات) ، وكذلك يجب الحذف إذا استدعى الأول مفعولا والثاني فاعلا ، نحو :

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٩ ، وشرح المصنف ٢١.

(٢) ينظر معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٩٩ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ٧٩ ـ ٨٠ ، وشرح المفصل ١ / ٧٩.

٢٠٥

(شكرت له ورجعه زيد) وإن قدمت المتعدي بنفسه فإن استدعيا فاعلا أضمرت على الخلاف ، تقول : (شكرني ورجع إليّ زيد) (شكراني ورجع إلى الزيدان) (شكروني ورجع إليّ الزيدون) (شكرتني ورجعت إلى هند) (شكرتاني ورجعت إليّ الهندان) (شكرنني ورجعت إلى الهندات) وكذلك نفعل إذا استدعى الأول منهما فاعلا والثاني مفعولا ، نحو : (شكرني ورجعت إلى زيد) وإذا ستدعيا مفعولا حذفت اتفاقا ، نقول (شكرت ورجعت إلى زيد) (شكرت ورجعت إلى الزيدين) (شكرت ورجعت إلى الزيدين) (شكرت ورجعت إلى هند) (شكرت ورجعت إلى الهندين) (شكرت ورجعت إلى الهندات) وكذلك نفعل إذا استدعى الأول مفعولا والثاني فاعلا نحو (شكرت ورجع إلى زيد) ونقوله في المتعدي إلى واحد ، وهي مسألة الكتاب (١) ، إن استدعيا فاعلا أضمرته على وفق الظاهر ، تقول : (ضربني وأكرمني زيد) ، (ضرباني وأكرمني الزيدان) ، (ضربوني وأكرمني الزيدون) ، (ضربتني وأكرمتني هند) ، (ضربتاني وأكرمتني الهندان) ، (ضربنني وأكرمني الهندات) (٢) وكذلك نفعل إذا استدعى الأول فاعلا ، والثاني مفعولا نحو : (ضربني وأكرمت زيدا).

قوله : (دون الحذف) أي لا تحذف بل تضمر كما مثلنا ، لأن حذف الفاعل لا يجوز.

قوله : (خلافا للكسائي) يعني ، فإنه يحذف الفاعل هربا من الإضمار

__________________

(١) والمقصود مسألة الكتاب عند سيبويه في باب التنازع ، ينظر الكتاب ١ / ٧٣ وما بعدها.

(٢) هذه الأمثلة هي نفسها عند الرضي ، ينظر ١ / ٧٩ ، وشرح المصنف ١ ، والإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب ١ / ١٦٣.

٢٠٦

قبل الذكر ، والفرق بين الحذف والإضمار يظهر في التثنية ، والجمع والتأنيث ، تقول على الحذف : (ضربني وأكرمني الزيدان) ، (ضربني وأكرمني الزيدون) ، (ضربتني وأكرمتني هند) ، (ضربتني وأكرمتني الهندان) ، (ضربنني وأكرمنني الهندات) والذي هرب إليه أشنع مما فرّ منه ، لأن الذي فرّ منه وقد جاء بعده ما يفسره (١).

قوله : (وجاز خلافا للفراء) أي جاز إضمار الفاعل في الأول خلافا للفراء (٢) ، فلم يجر الإضمار قبل الذكر كما [و ٢٤] فعل البصريون (٣) لعوده إلى غير مذكور ، ولا الحذف كما فعل الكسائي ، لأنه حذف الفاعل لا يجوز ، بل أوجب ، إما إعمال الأول والإضمار في الثاني ، والإظهار في الفاعل الأول يخرجه عن باب التنازع ، وتقول (ضربني زيد) ، (وضربت زيدا) هذه حكاية المصنف ، وحكى السيد شرف الدين أبو قاسم بن محمد نجم الدين (٤) أن الفراء يجيز الإضمار بأن يؤخر ضمير الفاعل الأول مفصولا بعد الظاهر ، فتقول (ضربني وضربت زيدا) وهو (٥) ، وهما ، وهم ، وهي ، وهن ، في التثنية ، والجمع ، والمؤنث ، وحكى ابن مالك ذلك عنه في

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٩ ، والعبارة منقولة عن الرضي دون إسناد إليه.

(٢) ينظر شرح المفصل ١ / ٧٩ ، وشرح المصنف ٢١.

(٣) ينظر الإنصاف ١ / ٤٤٤.

(٤) هو شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد اليمني الإمام شرف الدين بن المقري توفي سنة ٨٣٧ ه‍ ، ينظر ترجمته في بغية الوعاة ١ / ٤٤٤.

(٥) ينظر تذكرة النحاة لأبي حيان ، ٣٤٥ ، وشرح التسهيل لابن مالك السفر الأول ٢ / ٧٧٩ ـ ٧٨٠٠.

٢٠٧

المختلفين فاعلية ومفعولية ، دون المتفقين ، وهما اللذان يقتضيان فاعلا ، فإنه يجيز فيهما أن يرفع الظاهر بعدهما جميعا ، ويجيز معمولا بين عاملين ، وقد أبطلت أقواله الثلاثة ؛ الأول : بما ورد من نحو قوله :

[٨٨] وكمتا مدّماة كأن متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب (١)

بنصب لون ، فإنّ (جرى) و (استشعرت) تنازعا (لون) مذهب ، و (جرى) يقتضي الرفع ، و (استشعرت) يقتضي النصب ، فأعمل (استشعرت) وأضمر الفاعل في (جرى) وحكى بعضهم عنه جواز الإضمار قبل الذكر (٢) ، كالبصريين ، لكنه يقتصر على السماع ، وكذلك نفعل إذا استدعى الأول فاعلا ، والثاني مفعولا ، نحو : (ضربني وأكرمت زيدا).

قوله : (وحذفت المفعول إن استغني عنه) يعني إذا استدعى العاملان مفعولا نحو : (ضربت وأكرمت زيدا) أو الأول منهما ، نحو (ضربت وأكرمني زيدا) ، (ضربت وأكرمت الزيدين) ، (ضربت وأكرمت الزيدين) (ضربت وأكرمت هندا) (ضربت وأكرمت الهندين) ، (ضربت وأكرمت الهندات).

قوله : (وإلا ظهرا) (٣) وذلك حيث لا يستغني عنه وهو حيث يلتبس (٤) ،

__________________

(١) سبق تخريجه برقم ٧٩.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٢ ، وشرح الرضي ١ / ٨٠.

(٣) في الكافية المحققة (أظهرت) بدل ظهر.

(٤) قال ابن الحاجب في شرح الكافية ٢٢ : (حسبي وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا ، أظهرت منطلقين لتعذر الإضمار لأنك لو أضمرته مفردا لم يستقم ، لأنه مفعول ثان لحسبتهما فيجب أن يكون مثنى ولو أضمرته مثنى لم يستقم ، لأنه عائد على منطلقا. وضمير المفرد لا

٢٠٨

أو حيث يكون العاملان من أفعال المبتدأ وتقول في المتعدي إلى اثنين الثاني غير الأول ، إذا اقتضى العاملان فاعلا (أعطاني جبة وكساني زيد جبة) ، (أعطياني جبة وكساني الزيدان جبة) ، (أعطوني جبة وكساني الزيدون جبة) ، (أعطتني جبه وكستني هند جبة) ، (أعطتاني جبة وكساني الهندان جبه) ، (أعطيتني جبه وكساني الهندات جبه) وكذلك تضمر إذا اقتضى الأول فاعلا والثاني مفعولا ، نحو : (أعطاني جبة ، وكسوت زيدا جبة) والخلاف ما تقدم ، وإن اقتضى مفعولين حذفت نقول (أعطيت وكسوت زيدا) ، (أعطيت وكسوت الزيدين جبة) ، (أعطيت وكسوت هندا جبه) ، (أعطيت وكسوت الهندين جبة) (أعطيت وكسوت الهندات جبة) بلا خلاف ، ونقول في المتعدي إلى اثنين ، وكذلك تحذف إذا اقتضى الأول مفعولا والثاني فاعلا نحو (أعطيت وكساني زيد جبة) بلا خلاف (١) ، ونقول في المتعدي إلى اثنين الثاني هو الأول ، إذا اقتضى العاملان فاعلين نحو (علمني قائما ، ورآني زيد قائما) (علماني قائما ، ورآني الزيدان قائما) (علموني قائما ، ورآني الزيدون قائما) (علمتني قائما ، ورأتني هند قائما) (علمتاني قائما ، ورأتني الهندان قائما) (علمتني قائما ، ورأتني الهندات قائما) على الخلاف في الإضمار ، وكذلك إذا اقتضى الأول فاعلا والثاني مفعولا نحو (علمني قائما ورأيت زيدا قائما) وإن اقتضينا مفعولين ، أو الأول منهما ، فاختلف في ذلك ، فمذهب المبرد (٢) ، وجماعة ، واختاره [ظ ٢٤] المصنف (٣) إلى إظهار المعمول ويخرج عن باب التنازع فتقول :

__________________

يكون مثنى فلما امتنع الإضمار وجب الإظهار).

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٨١.

(٢) ينظر رأي المبرد في المقتضب ٤ / ٧٥.

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٢.

٢٠٩

(علمت زيدا منطلقا) و (رأيت زيدا منطلقا) لأنك إن أضمرت عاد إلى غير مذكور ، وهو مفعول فضلة ، وإن حذفت حذفت أحد مفعولي علمت ، وذلك لا يجوز ، وقال بعضهم : يجوز الإضمار ، لأنه إذا امتنع حذف مفعول علمت صار كالفاعل ، فكما أن الفاعل يضمر قبل الذكر ولا يحذف ، كذلك هذا ، وقال بعضهم إنه يضمر ويؤخر وراء الظاهر ، فنقول :(علمت زيدا ورأيت عمرا منطلقا) وقال ابن عصفور (١) وجماعة : إنه يحذف الظاهر الأول كـ (باب أعطيت) لأنه قد ورد في القرآن والشعر ، قال تعالى (وَلا يَحْسَبَنَ) [بالياء](الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)(٢) أي بخلهم هو خيرا لهم فحذوف الأول من مفعولي حسبت وقوله :

[٨٩] إنى ضمنت لمن أتانى ما جنى

وأتى وكان وكنت غير غدور (٣)

وقال ابن الحاجب : (٤) غير غدور خبر عنهما معا ولا حذف ، لأنه يطلق

__________________

(١) ينظر رأي ابن عصفور في الهمع ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٢) آل عمران ٣ / ١٨٠ وهي بتمامها : (بل هو شر لهم سيطوفون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) وقد زاد الناسخ لفظة (بالياء) بعد قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ) مشيرا إلى قراءة من قرأ بها من القراء وهم السبعة ما عدا حمزة.

ينظر حجة القراءات ابن زنجلة ١٧٣ ، وإعراب القرآن للنحاس ١ / ٤٢٠ ، والبحر ٣ / ١٣٣.

(٣) البيت من الكامل وهو للفرزدق كما في الإنصاف ١ / ٩٥ ، وليس في ديوانه ، ينظر الكتاب ١ / ٧٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٦ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ / ١٦٨ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦١٢ ، واللسان مادة (قعد) ٥ / ٣٦٨٨.

الشاهد فيه قوله : (وكنت غير غدور) حيث أنه أخبر عن أحدهما واكتفى بالخبر عنه عن الخبر عن الآخر لاتفاق خبريهما في المعنى ، وتقديره : فكان غير غدور وكنت غير غدور فاكتفى بالخبر عن الثاني عن الخبر عن الأول.

(٤) ينظر الإيضاح في شرح المفصل ١ / ١٦٨.

٢١٠

على الواحد والجمع كـ (عدو) و (صديق) ، قال صاحب البرود : هذا منه وهم ، لأنه يلزمه أشنع مما فرّ عنه ، وهو عمل عاملين في معمول واحد.

هذا الكلام إذا تنازع أحد المفعولين ، فإن تنازعهما جميعا حذفتهما بلا خلاف. وأما المتعدي إلى ثلاثة ، فإن تنازعا فاعلا أضمرته على الخلاف ، تقول : (أعلمني عمرا قائما) و (أنبأني زيد عمرا قائما) و (أعلماني عمرا قائما) و (أنبأني الزيدان عمرا قائما) (أعلموني عمرا قائما) (أنبأني الزيدون عمرا قائما) (أعلمتني عمرا قائما) و (أنبأتني هند عمرا قائما) (أعلمتاني عمرا قائما) و (أنبأتاني الهندان عمرا قائما) (أعلمتني عمرا قائما) و (أنبأتني الهندات عمرا قائما) وكذلك إذا استدعي الأول فاعلا ، والثاني مفعولا ، نحو (أعلمني عمرا قائما) و (أنبأت زيدا عمرا قائما) وإن تنازعا مفعولا ، فإن تنازع المفاعيل الثلاثة كلها ، أو المفعول الأول وحده ، أو الثانيين جميعا حذفت بلا خلاف ، وإن تنازعا أحد المفعولين الأخيرين فالخلاف فيه ، كالخلاف في أحد مفعولي (علمت).

قوله : (وإن أعملت الأول ، وأضمرت الفاعل في الثاني والمفعول على المختار) يعني إذا أضمرت الأول على ما اختاره الكوفيون (١) ، فإن اقتضى الثاني فاعلا أضمرته اتفاقا ، لأنه يعود إلى متقدم رتبة ، ما لم يمنع مانع ، كالعائد المتصل بالمعمول على ما تقدم ، وإن اقتضى مفعولا ، فالأجود الإضمار ، لأنه يعود إلى متقدم رتبة ، ويجوز حذفه ، لأنه مفعول فضلة ، فتقول في اللازم : (قام وقعد زيد) (قام وقعدا الزيدان) (قام وقعدوا الزيدون) (قامت وقعدت هند) (قامت وقعدتا الهندان) (قامت وقعدن

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٠.

٢١١

الهندات) وفي المتعدي بحرف إذا اقتضى فاعلا ، (مرّ وسار بي زيد) (مرّ وسارا بي الزيدان) (مرّ وساروا بي الزيدون) (مرت وسارت بي هند) (مرت وسارتا بي الهندن) (مرت وسرن بي الهندات) وكذلك يجب الإضمار إذا اقتضى الثاني فاعلا نحو (مررت وسار بي بزيد) (مررت وسارا بي بالزيدين) (مررت وساروا بي بالزيدين) (مررت وسارت بي بهند) (مررت وسارتا بي بالهندين) (مررت وسرن بي بالهندات) وإن اقضى الأول والثاني منهما مفعولين جاز الإضمار والحذف ، والإضمار أجود ، تقول : (مررت وسرت به بزيد) (مررت [و ٢٥] وسرت بها بالزيدين) (مررت وسرت بهم بالزيدين) (مررت وسرت بهما بهند) (مررت وسرت بهما بالهندين) (مررت وسرت بهن بالهندات) ونقول في الحذف : (مررت وسرت بزيد) (مررت وسرت بالزيدين) إلى آخرها ، وعلى قياس ذلك تفعل بالمتعدي تارة بنفسه وتارة بحرف ، والمتعدي إلى واحد ، إن اقتضى العاملان فاعلين أو الثاني وجب الإضمار في الثاني ، وإن اقتضى مفعولين أو الثاني جاز الحذف والإضمار ، والإضمار أجود ، ونقول في المتعدي إلى اثنين ، الثاني غير الأول ، إذا اقتضى فاعلا (أعطاني وكساني جبة زيد جبة) (أعطاني وكساني جبة الزيدان جبة) (أعطاني وكسوني جبة الزيدون جبة) وكذلك في المؤنث ، وكذلك يجب الإضمار إذا اقتضى الثاني وحده فاعلا ، نحو : (أعطيت وكساني جبة زيدا جبة) (أعطيت وكسياني جبة الزيدين جبة) (أعطيت وكسوني جبة الزيدين جبة) إلى آخرها ، وإن اقتضيا مفعولين جاز الحذف والإضمار ، والإضمار أجود ، تقول (أعطيت وكسوته إياها زيدا جبة) (أعطيت وكسوتهما إياهما الزيدين جبة) (أعطيت وكسوتهم إياهم الزيدين جبة) وكذلك في

٢١٢

المؤنث ، وكذلك إذا اقتضى الثاني مفعولا ، نحو : (أعطاني وكسوته إياها زيدا جبة) إلى آخرها ، وإن شئت حذفت ، فقلت (أعطيت وكسوت زيدا جبة) (أعطيت وكسوت الزيدين جبة) (أعطيت وكسوت الزيدين جبة) وكذلك المؤنث ، وأما المتعدي إلى اثنين الثاني هو الأول ، فإن تنازع العاملان المفعولين معا ، كان مثل باب (أعطيت) يجوز الحذف والإضمار والإضمار أجود ، وإن تنازع أحدهما ، أو فاعلا وجب الإضمار ولم يجز الحذف ، وإنما جاز التنازع في باب (علمت) مع إعمال الأول دون الثاني ، لأنه قد عاد إلى مذكور ، وأما المتعدي إلى ثلاثة (١) فإن تنازع العاملان المفعولات كلها ، أو الأول وحده ، أو الآخرين معا ، جاز الحذف والإضمار ، والإضمار أجود ، وإن تنازعا فاعلا ، أو أحد المفعولين الآخرين ، وجب الإضمار ، لأن الفاعل وأحد مفعولي (علمت) لا يجوز حذفه ، فتقول على تنازعهما للمفعولات كلها ، (أعلمت وأنبأته إياه إياه زيدا قائما) (أعلمت وأنبأتهما إياهما إياهما الزيدين العمرين قائمين) (أنبأ وأعلمت وأنبأتهم إياهم إياهم الزيدين العمرين قائمين) وكذلك في المؤنث ، وإن حذفتها ، قلت : (أعلمت وأنبأت زيدا عمرا قائما) (أعلمت وأنبأت الزيدين العمرين قائمين) (أعلمت وأنبأت الزيدين العمرين قائمين) وكذلك في المؤنث ، وإذا كان أحد الضمائر أعرف جاز الاتصال والانفصال نحو : (أعلمت وأعلمينه إياه زيدا عمرا قائما) (٢).

قوله : (إلا أن يمنع مانع فتظهر) يعني إلا أن يمنع مانع من الحذف والإضمار ، فإنه يجب ظهوره ، ويخرج عن باب التنازع وذلك حيث يتصل

__________________

(١) ينظر تذكرة النحاة ٣٥٥ ، وشرح الرضي ١ / ٨٢.

(٢) ينظر تذكرة النحاة ٣٥٥.

٢١٣

بالمفعول عائد يعود إلى مبتدأ كما تقدم. وحيث يختلف المفسّر والمفسّر في أفعال المبتدأ أو الخبر نحو (حسبتني وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا) ووجه المنع أنك إذا أعملت الأول أضمرت موضع (منطلقين) فإن أضمرته مفردا لم يصح لأنه يأتي (مفعولا) (١) لـ (حسبتهما) فإن أضمرته مثنى لم يصح لأنه عائد على منطلقا) ، وضمير المفرد لا يكون مثنى وإن حذفته فمفعولي (علمت) لا يجوز حذف [ظ ٢٥] أحدهما ، فلم يبق إلا أن يظهر (٢) ، ويخرج عن باب التنازع ، وكذا في باب (كان) و (وكنت قائما الزيدان قائمين) وأجاز ركن الدين (٣) ونجم الدين (٤) وغيرهما في المختلفين ، وقالوا : إن الأول والثاني تنازعا اسم فاعل القيام والانطلاق من غير نظر إلى كونه مفردا أو مثنى ، والإفراد إنما لزم من أنه أعمل فيه الأول ولو أعمل فيه الثاني لزم التثنية وليس تجب المطابقة بين الضمير والمعود إليه إلا إذا وقع لبس ، فإما إذا لم يقع لبس لم تجب المطابقة (٥) قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٦). وقال تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً)(٧) وقبلها : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) والضمير للأولاد حملا على المعنى المقصود وقوله :

__________________

(١) في الأصل (مفعولي).

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٢.

(٣) ينظر رأي ركن الدين في الوافية في شرح الكافية ٥٠.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٨١.

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ٨١.

(٦) يونس ١٠ / ٤٢ ، وتمامها : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ.)

(٧) سورة النساء ٤ / ١١ وهي آية الميراث وهي : (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ...).

٢١٤

[٩٠] تعشّ ، فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (١)

فعلى هذا ، يجوز التنازع في المختلفين ، إفرادا ، وتثنية ، وجمعا وتذكيرا ، وتأنيثا ، فتقول : (حسبتني وحسبتهما إياهما الزيدان منطلقا) و (حسبت وحسباني إياه الزيدين منطلقين) و (حسبت وحسبتني إياه هند منطلقة) و (حسبتنى وحسبتهما إياها هند قائما) و (حسبني وحسبتهم إياهم الزيدون منطلقا) (٢) هذا على إعمال الأول ، كذلك يجوز على إعمال الثاني ، في قول من أجاز التنازع في أفعال المبتدأ والخبر. (٣)

قوله : (وقول امرئ القيس) :

[٩١] ولو أنما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ولم أطلب قليلا من المل (٤)

ليس منه لفساد المعنى) يعني أن الكوفيين (٥) ، احتجوا على إعمال الأول مع أنه حذف ضمير المعمول من الثاني وهو ضعيف ، إلا أنه

__________________

(١) البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣٢٩ ، وينظر الكتاب ٢ / ٤١٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٤ ، والخصائص ٢ / ٤٢٢ ، وشرح ابن يعيش ٢ / ١٣٢ ، ومغني اللبيب ٥٢٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٣٦ ، واللسان مادة (منن) ٦ / ٤٢٨٠ ، ويروى فيه تعالى بدل تعش.

والشاهد فيه قوله : (يصطحبان) ثنّى حملا على معنى (من) لأنها كناية عن اثنين وقد فصل بين (من) وصلتها بالنداء ، وقد توضع من للتثنية وذلك قليل كما قال ابن جني في الخصائص ٢ / ٤٢٢.

(٢) ينظر الرضي ١ / ٨١.

(٣) أي الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولات الثاني والثالث أصلهما مبتدأ وخبر كـ (أعلم وأنبأ) وما في معناها. وممّن جوز التنازع في باب الثلاثة المازني ، وجماعة كما حكى ذلك أبو حيان في التذكرة ٣٥٥ وما بعدها ومن منع ذلك الجرمي وجماعة ينظر المرجع نفسه.

(٤) سبق تخريجه برقم ٨٥.

(٥) ينظر الإيضاح في شرح المفضل ١ / ١٦٩.

٢١٥

أفصح (١) ، فأجاب البصريون (٢) بأنه ليس من التنازع لفساد المعنى ، لأنا لو وجهنا الفعل إلى شيء واحد لفسد المعنى ، لأن لو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ، فإذا كان بعدها مثبت كان منفيا في المعنى ، وإن كان منفيا كان مثبتا في المعنى لأنها تدل على امتناعه ، وامتناع النفي إثبات ، فقوله (لو أنما أسعى لأدنى معيشة) بمعنى ما سعيت لأدنى معيشة لأن (لو) دخلت على إنما أسعى ، وهو مثبت ، وقوله : (ولم أطلب) بمعنى طلبت قليلا من المال) لأن الواو عاطفة لـ (لم) على (لو) وهي للنفي ، وإذا دخلت (لو) على ما كان إثباتا ، فيصير الكلام : (ما سعيت لأدنى معيشة ، وطلبت قليلا من المال) والمعلوم أن من سعى لأدنى معيشة فقد طلب قليلا من المال ، فيصير الكلام منفيا مثبتا في حالة واحدة وهو لا يصح ، فإذا أدى إلى ذلك خرج عن باب التنازع ، وقدر لقوله : (ولم أطلب) مفعولا آخر تقديره : ملكا ، أو مجدا ، يدلّ عليه البيت الثاني :

[٩٢] ولكنما أسعى لمجد مؤثل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي (٣)

وقال بعضهم : يقدر (ولم أطلب الكثير) وقيل يقدر (ولم أطلب قليلا

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٢ ، وتذكرة النحاة ٣٤١.

(٢) ينظر المصادر السابقة.

(٣) البيت من البحر الطويل وهو لامرئ القيس كما في ديوانه ٣٩ ، وينظر شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ٩٢ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ / ٧٠ ، والرضي ١ / ٨٢ ، ورصف المباني ٣٨٥ ، ومغني اللبيب ٣٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، وتذكرة النحاة ٣٤٠ ، والهمع ٢ / ١٩٠.

والشاهد جاء تفسيرا لغاية الشاعر من البيت الذي سبقه قال أبو حيان : (لأنه يكون قد نفى السعي لأدنى معيشة وأثبت طلب الملك وهذا معنى مستقيم ويؤكد أن المطلوب عنده الملك).

٢١٦

من المال) لدلالة الظاهر عليه ، ولأنه أبلغ ، إذا نفي القليل يدخل فيه نفي كثير (١) وهو مثل : (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه) (٢) وجعله الفارسي (٣) وجماعة من التنازع ، قالوا والواو في (ولم أطلب) يجعلها الكوفيون للحال ، لأنها إذا كانت للحال استقام توجد الفعل إلى قليل من المال ، ولم يلزم منه تناقض ، لأن الحال غير داخل في الجواب ، فلا يلزم ثبوت الطلب ، ويصير المعنى : كفاني قليل من المال عندي ، ولم أطلب قليلا من المال من أحد ، فلا تناقض ، لأن القليل الكافي غير القليل الذي لم يطلب. [و ٢٦] فيدخل في التنازع على الخلاف ، وفي نحو (كان زيد قائما ، وكان عمرو قائما) (٤).

__________________

(١) ينظر مغني اللبيب ٦٦١ حيث نقل ابن هشام رأي الفارسى والكوفيين ، ونقل أبو حيان في التذكرة رأي الفارسي والمبرد في أن هذا البيت (ولم أطلب قليلا من المال) من باب التنازع ينظر التذكرة ٣٤١.

(٢) وهو قول عمر رضي الله عنه كما نقل ذلك ابن هشام في المغني ٣٣٨.

وصهيب بن سنان بن مالك ت ٣٨ ه‍ صحابي عربي جليل أسره الروم صغيرا فعرف بالرومي ، شهد بدرا وأحدا وغيرهما من المواقع وهو الذي نزل به قوله تعالى : على ما ذكره القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن عند تفسير الآية ٢٠٧ من سورة البقرة وهي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) وهذا القول لم يثبت عن عمر ولا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وينظر لهذا القول : شرح التسهيل السفر الأول تكملة ٢ / ١٠٥٧ ورصف المباني ٣٦٠ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٨٨.

(٣) ينظر رأي الفارسي في المقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٤٣ وما بعدها.

(٤) ينظر مغني اللبيب ٦٦٠ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ٨٢ ، والإنصاف ١ / ٩٣ وتذكرة النحاة ٣٤١.

٢١٧

نائب الفاعل

قوله : (مفعول ما لم يسم فاعله) لما أخرجه الشيخ عن الفاعل بقوله : (على جهة قيامه به) وجب أن يتكلم عليه مستقلا.

فقوله : (كل مفعول حذف فاعله) جنس ، وخرج الحال والتمييز والاستثناء ، فإنها مشبهة ، وليست مفعولة ، قاله ركن الدين : (١) قوله : (وأقيم هو مقامه) أي وأقيم المفعول مقام الفاعل ، يحترز من أن يبقى على ما كان عليه ، كـ (ضربت زيدا) ومن أن لا يكون له مفعول ، كاللازم على الخلاف.

وحذف الفاعل وإقامة المفعول مقامه يكون لأحد أمور خمسة : إما للاختصار ، أو لعدم العلم به ، أو للإيهام والإبهام ، إما لجلالته ، أو لخساسته ، أو لخوف من تبعته أو بغضا له أو غيرة عليه (٢) ، قال :

[٩٣] وإياك ذكر العامرية إننى

أغار عليها من فم المتكلم (٣)

__________________

(١) ينظر الوافية في شرح الكافية لركن الدين الاستربادي ٥٧.

(٢) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧١٣ ـ ٧١٤ ، وينظر لتفصيل هذه الأمور التي ذكرها الشارح شرح المفصل ٧ / ٦٩ ـ ٧٠ ، والهمع ٢ / ٢٦٢ وما بعدها.

(٣) لم أقف له على قائل أو مصدر.

٢١٨

أو لكونه معلوما كخلق الخلق ، أو لتقويم السجع (١) نحو : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى)(٢).

قوله : (وشرطه أن تغير صيغة الفعل إلى فعل يفعل) فقوله : (فعل) كناية عن الماضي في ضم أوله وكسر ما قبل آخره ، و (يفعل) كناية عن المضارع في ضم أوله وفتح ما قبل آخره ، وسيأتي تفصيله في بابه.

قوله : (ولا يقع المفعول الثاني من باب علمت) (٣) حاصله أن الفعل إن كان لازما ، نحو قام زيد ، وباب (كان) وأخواتها ، فالأكثرون لا يجيزون بناءه للمفعول ، لعدم ما يقوم مقام الفاعل ، وأجازه بعضهم ، قال الفراء : (٤) لا فاعل له كالمصدر ، وقال الكسائي : (٥) فيه ضمير مجهول قائم مقام الفاعل ، وإنما كان مجهولا لأنه يحتمل أن يراد أحد ما يدل عليه الفعل من مصدر ، أو ظرف مكان أو زمان ، ولم تدل قرينة تدل على تعيينه وقال بعضهم : فيه ضمير للمصدر ، ومنه ما لا يصح فيه قيدا ، إنما لا تصح إقامته ، لأن ما عدا ما ذكر تصح إقامته ، فقال : ولا يقع المفعول الثاني من باب (علمت).

__________________

(١) في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧١٢ : أو إلى إصلاح النظم إذ لا يقال للقرآن سجع ، وجاءت العبارة في الهمع : وإصلاح السجع نحو (من طابت سريرته حمدت سيرته) ويكون في غير القرآن ، ينظر الهمع ٢ / ٢٦٣.

(٢) الليل ٩٢ / ١٩ ـ ٢٠.

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٢ ، وشرح الرضي ١ / ٨٣.

(٤) ينظر الهمع ٢ / ٢٧٠.

(٥) ينظر رأي الكسائي في الرضي ١ / ٨٣.

٢١٩

(ولا الثالث من باب أعلمت) الثالث من باب أعلمت هو الثاني من باب علمت ، والذي زاد بسبب الهمزة ، هو المفعول الأول وفيه تفصيل ، وهو أن يقول : إن كان المفعول الثاني والثالث من (علمت) و (أعلمت) ظرفا أو بحرف جر ، أو جملة ، لم تصح إقامته مطلقا مع وجود المفعول به الصريح ، وهو الأول من باب (علمت) والأول والثاني من باب (أعلمت) خلافا للكوفيين (١) ، وإن كان مفعولا به صريحا ، نحو (علمت زيدا قائما) و (أعلمت زيدا عمرا قائما) فمنع النحاة مطلقا ، لأنه في الأصل خبر للمبتدأ ، وهو مسند ، فلو أقيم مقام الفاعل لكان مسندا ومسندا إليه في حالة واحدة وهو لا يصح ، قال نجم الدين : (٢) فيما قالوه نظر لأن الشيء إذا كان مسندا ، أو مسندا إليه بالنسبة إلى شيئين صح ذلك ، كقولك (أعجبني ضرب زيدا عمرا) فأعجبني مسند إلى ضرب ، وضرب مسند إلى زيد ، فهو مثل قولك مضاف ومضاف إليه بالنسبة إلى شيئين ، كقولك (فرس غلام زيد) وأجازه المتأخرون (٣) ، حيث لا يلتبس بالمبتدأ ، وهو حيث يكون نكرة ، لأن التنكير يدل على أنه خبر نحو (علم زيد قائم) وأما إذا التبس نحو (علم زيد أخوك) لم يجز وهو ضعيف ، لأن اللبس منتف مع بقاء كل من المفعولين في مركزه ، لأن الخبر مرتبته بعد المبتدأ ، وإذا أقمته مقام الفاعل فليس من شرطه أن يلي الفعل ، وإذا حصل ثمّ لبس ، نحو (ضرب موسى عيسى) لم يجز تقدمه (٤).

__________________

(١) ينظر الهمع ٢ / ٢٦٤.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٣ ـ ٨٤.

(٣) ينظر المصدر السابق ، والهمع ٢ / ٢٦٣ وما بعدها.

(٤) ينظر شرح المصنف ٢٢ ، وشرح الرضي ١ / ٨٤.

٢٢٠