إبراهيم إبراهيم بركات
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥
ـ وقد يكون الفاصل جارا ومجرورا متعلقين بالوصف المشتق : كما فى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «هل أنتم تاركو لى صاحبى» ، (صاحب) مضاف إليه (تارك) ، وفصل بينهما بشبه الجملة (لى) «هل أنتم تاركو لى أمرائى».
ومنه قول الشاعر :
لأنت معتاد فى الهيجا مصابرة |
|
يصلى بها كلّ من عاداك نيرانا (١) |
أى : معتاد مصابرة فى الهيجا ، ففصل بين اسم الفاعل المضاف (معتاد) ومعموله المفعول به محلا المضاف المجرور لفظا (مصابرة) بشبه الجملة المتعلقة باسم الفاعل (معتاد).
ثالثا : أن يكون المضاف غير مشبه للفعل فى العمل ويكون الفاصل واحدا من :
ـ القسم : نحو : هذا غلام ـ والله ـ زيد ، بجر (زيد) على الإضافة ، ذكره الكسائى ، وقول بعضهم : (إن الشّاة لتجترّ فتسمع صوت ـ والله ـ ربّها) ، أى صوت ربها ، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالقسم.
ـ الشرط : كما ذكر الأنبارى : هذا غلام ـ إن شاء الله ـ ابن أخيك ، بإضافة (ابن) إلى (غلام) ، والفاصل بينهما الشرط (إن شاء) ...
ـ إما : زاده ابن مالك ، ويستشهد عليه بقول «تأبط شرا» :
هما خطّتا إما إسار ومنّة |
|
وإما دم والقتل بالحرّ أجدر (٢) |
برواية جر (إسار) بالإضافة إلى (خطتا) ، والفصل بينهما بـ (إما).
أما المواضع الأخرى فهى خاصة بالشعر ، وهى :
ـ الفصل بين المتضايفين بأجنبى ، أى معمول غير المضاف ، على النحو الآتى :
أ ـ من الفصل بالفاعل قول الأعشى ميمون بن قيس :
__________________
(١) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٣ / الدر المصون ٣ ـ ١٨٩ / هامش الإنصاف ٢ ـ ٤٣٥.
(٢) ينظر : شرح التصريح : ٢ ـ ٥٨ ، الإسار : الأسر.
أنجب أيام والده به |
|
إذ نجلاه فنعم ما نجلا (١) |
(والداه) فاعل (أنجب) ، وفصل به بين المضاف الظرف (أيام) والمضاف إليه (إذ) ، وشبه الجملة (به) متعلقة بأنجب ، والتقدير : أنجب والده به أيام إذ نجلاه ...
ومنه قول الشاعر :
تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت |
|
غلائل عبد القيس منها صدورها (٢) |
أى شفت عبد القيس غلائل صدورها منها ، ففصل الشاعر بين المضاف المفعول به (غلائل) والمضاف إليه (صدورها) بالفاعل (عبد القيس).
وقول الشاعر :
نرى أسهما للموت تصمى ولا تنمى |
|
ولا ترعوى عن نقض أهواؤنا العزم (٣) |
حيث (أهواؤنا) فاعل بالمصدر (نقض) ، وقد فصل به بين المصدر ، والمضاف إليه (العزم).
ب ـ كما فصل بالمفعول به فى قول جرير :
تسقى امتياحا ندى المسواك ريقتها |
|
كما تضمّن ماء المزنة الرّصف (٤) |
(تسقى) فعل يتعدى إلى اثنين ، فاعله مستتر تقديرة (هى) يعود إلى (أم عمرو) فيما سبق هذا البيت ، ومفعوله الأول (ندى) ، والثانى (المسواك) ، وقد فصل بين المفعول الأول المضاف (ندى) والمضاف إليه (ريقتها) بالمفعول الثانى كما نرى ، والأصل : تسقى ندى ريقتها المسواك.
__________________
(١) ينظر : شرح ابن الناظم ١٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٨ / الهمع ٢ ـ ٥٣. نجلاه : نسلاه.
(٢) ينظر : الإنصاف ٢ ـ ٤٢٨ / شرح الكافية ٢ ـ ٩٩١ / حاشية التفتازانى على الكشاف ٢ ـ ٣٥٤ / الخزانة ٤ ـ ٤١٣ / الدر المصون ٣ ـ ١٣٧.
(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ٢٧٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٤ / العينى ٣ ـ ٢٤٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٧٩.
(٤) ينظر المواضع السابقة. الامتياح : الاستياك ، المزنة : السحاب ، الرصف بفتح ففتح : جمع رصفة وهى حجارة مرصوف بعضها إلى بعض ، وماؤها أرق وأصفى.
ج ـ وفصل بالظرف بين المضاف غير الصفة والمضاف إليه فى قول أبى حية النّميرى :
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما |
|
يهودىّ يقارب أو يزيل (١) |
بإضافة (كف) إلى (يهودى) ، والفصل بينهما بالظرف (يوما).
يلحظ أن : الفعل (خط) مبنى للمجهول ، نائب فاعله (الكتاب) ، وشبه جملة (بكف) متعلقة به. جملتا (يقارب أو يزيل) نعت ليهودى.
د ـ قد يفصل بفاعل المضاف ، والمضاف غير صفة ، كما هو فى قول الشاعر :
ما إن وجدنا للهوى من طبّ |
|
ولا عدمنا قهر وجد صبّ (٢) |
الأصل : ما وجدنا للهوى طبّا ولا عدمنا قهر صبّ وجد ، فأضاف المصدر (قهر) إلى مفعوله (صب) ، وفصل بينها بفاعل المصدر (وجد).
أما قول الأحوص السابق :
لئن كان النكاح أحلّ شىء |
|
فإن نكاحها مطر حرام |
ففى رواية خفض (مطر) بإضافته إلى (نكاح) يحتمل الفاعلية والمفعولية ، فإن قدرت مفعولا فتكون فى تقدير (إياها) ، فيكون فاعل النكاح مطرا ، وتكون الإضافة إلى الفاعل ، وإن قدرت الهاء فاعلا على تقدير (هى) ، فيكون مطر مفعولا به ، وتكون إضافة (نكاح) إلى المفعول به.
وهو يروى بنصب مطر وبرفعه على هذين التأويلين ، فالهاء فى محلّ نصب أو رفع مع جرّ نكاح بالإضافة.
ه ـ قد يفصل بنعت المضاف ، فى قول معاوية بن أبى سفيان :
نجوت وقد سلّ المرادىّ سيفه |
|
من ابن أبى شيخ الأباطح طالب (٣) |
__________________
(١) الكتاب ١ ـ ١٧٩ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٥ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٨٧ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٠٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٨٣ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٩ / الصبان على الأشمونى : ٢ ـ ٢٨٧.
(٢) الموضع السابق. الصب : العاشق.
(٣) ينظر : شرح ابن الناظم ٤١١ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٩. همع الهوامع ٢ ـ ٥٢. قيل : لما اتفق ثلاثة
فصل بين المتضايفين أبى ، وطالب بالنعت (شيخ الأباطح).
و ـ قد يفصل بالنداء ، كما هو فى قول الشاعر :
كأنّ برذون أبا عصام |
|
زيد حمار دق باللّجام (١) |
والأصل : يا أبا عصام ، كأن برذون زيد حمار دقّ باللجام ، فأضيف (برذون) إلى (زيد) ، وفصل بينهما بالمنادى (أبا عصام) ، و (حمار) خبر (كأن).
ز ـ قد يكون الفصل بالجملة الفعلية كما فى قول الشاعر :
بأىّ تراهم الأرضين حلّوا |
|
أألدّبران أم عسفوا الكنارا (٢) |
الأصل : بأىّ الأرضين تراهم ، ففصل بين المضاف (أى) والمضاف إليه (الأرضين) بالجملة الفعلية (تراهم).
ح ـ أو الفصل بالمفعول لأجله ، كما فى قول أبى زيد الطائى :
معاود جرأة وقت الهوادى |
|
أشمّ كأنه رجل عبوس (٣) |
الأصل : معاود وقت الهوادى جرأة ، ففصل بين المضاف (معاود) والمضاف إليه (وقت) بالمفعول لأجله (جرأة).
ط ـ قد يكون الفصل بشبه الجملة ، كما فى قول امرأة ترثى أخوين لها ؛ وهى (درنا بنت عبعبة من بنى قيس بن ثعلبة) :
هما أخوا فى الحرب من لا أخاله |
|
إذا خاف يوما نبوة فدعاهما (٤) |
__________________
من الخوارج أن يقتل كل واحد منهم واحدا من على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص ـ رضى الله عنهم ـ فقتل ابن ملجم (بضم فسكون ففتح) عليا ، وسلم معاوية وعمرو. الأباطح :جمع بطحاء ، والمراد بها مكة ، فقد كان أبو طالب شيخ مكة ومن أعيانها وأشرافها.
(١) الخصائص ٢ ـ ٤٠٤ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٩٩٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٨٦ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٠ / الأشمونى ٢ ـ ٢٧٨ / الهمع ٢ ـ ٥٣.
(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٦٠ / الهمع ٢ ـ ٥٣ / الدرر ٢ ـ ٦٨ / الدر المصون ٣ ـ ١٣٧.
(٣) المقتضب ٤ ـ ٣٧٧ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٥ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٩ / الهمع ٢ ـ ٥٣ / ديوانه ٩٨.
(٤) الكتاب ١ ـ ١٨٠ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٥ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢١ / شرح ابن الناظم ٤١٠ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ٥٣٤ / الهمع ٢ ـ ٥٢.
أراد : أخوا من لا أخاله فى الحرب ، ففصل بين الخبر المثنى المضاف (أخوا) وما أضيف إليه الاسم الموصول (من) بشبه الجملة (فى الحرب) ، ولذلك فإن نون المثنى قد حذفت لأجل الإضافة.
ومنه قول ذى الرمة :
كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا |
|
أواخر الميس أصوات الفراريج (١) |
أراد : أصوات أواخر. ففصل بن المتضايفين بشبه الجملة (من إيغالهن).
ى ـ قد يكون الفصل بالنعت : كما جاء فى قول الفرزدق :
ولئن حلفت على يديك لأحلفن |
|
بيمين أصدق من يمينك مقسم (٢) |
أراد : بيمين مقسم أصدق من يمينك ، ففصل بين المتضايفين بأصدق ، وهو نعت للمضاف مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف.
قضية الحذف فى الإضافة
كما ذكرنا للإضافة ركنان ، أحدهما مقصود فى الكلام ، وهو الأول المضاف ، والثانى يؤتى به لتبيين الأول وتوضيحه ؛ لذا فإن كلا منهما له اتجاهه الدلالىّ فى الجملة التى لا يغنى عنه شىء غيره ؛ لذا فإنه لا يجب أن يحذف أىّ منهما.
لكنه ذكر تقدير حذف أحدهما طبقا لما يقتضيه السياق الجملى العام ، وهذه أحوال جواز لا وجوب ، ويجب أن يكون فى الجملة ما يدلّ على المحذوف.
أولا : حذف المضاف :
يجوز أن يحذف المضاف لدليل السياق والكلم فى الجملة ، وحينئذ يخلفه المضاف إليه على حالين : إما أن يتخذ الموقع الإعرابىّ للمضاف المحذوف ، وإما أن يبقى على حاله من الجرّ ، والأول أكثر شيوعا.
__________________
(١) ديوانه ٢ ـ ٦٩٦ / الكتاب ١ ـ ١٧٩ / المقتضب ٤ ـ ٣٧٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٠٨.
(٢) ديوانه ٢ ـ ٢٢٦ / الدر المصون ٣ ـ ١٩٢.
أ ـ حذف المضاف مع اتخاذ المضاف إليه موقعه من الإعراب :
ـ حذف المضاف خبر المبتدإ : ذلك كما هو فى قول الشاعر (١) :
شرّ المنايا ميت بين أهله
التقدير : شر المنايا منية ميت ، حيث حذف الخبر (منية) وهو مضاف ، وأقيم المضاف إليه (ميت) مقامه ، وأخذ موقعه الإعرابىّ.
ـ حذف المضاف الفاعل : كما هو فى قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] ، والتقدير وجاء أمر ربك ، فحذف الفاعل المضاف (أمر) ، وأقيم المنسوب إليه المضاف إليه (رب) مقامه ، ورفع رفعه.
ـ حذف المفعول به : فى قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف ٨٢] ، التقدير : واسأل أهل القرية ، فحذف المفعول به المضاف (أهل) ، وأقيم المضاف إليه مقامه منصوبا (القرية).
ومنه قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة ٩٣] ، والتقدير : أشربوا حبّ ، العجل ، فحذف المفعول به الثانى المضاف (حب) وأقيم المضاف إليه مقامه (العجل) منصوبا. والمفعول به الأول واو الجماعة تحول إلى نائب فاعل فى محل رفع.
ـ حذف المفعول المطلق : فى قول الأعشى ميمون (٢) : ألم تغتمض عيناك ليلة إرمد ..
والتقدير : تغتمض اغتماض ليلة إرمد ، فحذف المفعول المطلق المضاف (اغتماض) ، وأقيم المضاف إليه مقامه منصوبا (ليلة)
ـ المفعول فيه (الظرف) : كأن تقول : أتينا طلوع الشمس ، أى : وقت طلوع الشمس ، فحذف ظرف الزمان المضاف (وقت) وأقيم ما أضيف إليه (طلوع) مقامه منصوبا.
__________________
(١) شرح التصريح ٢ ـ ٥٥.
(٢) الموضع السابق.
ـ المفعول لأجله : كأن يقال : جئت زيدا فضله ، والتقدير : ابتغاء فضله ، فحذف المفعول لأجله المضاف ، وأقيم ما أضيف إليه مقامه (فضل) منصوبا.
ـ حذف المفعول معه : نحو : جاء محمد والشمس ، التقدير : جاء محمد وطلوع الشمس ، فحذف المفعول معه (طلوع) ، وأقيم ما أضيف إليه (الشمس) منصوبا.
ـ حذف الحال : كما هو فى القول : تفرّقوا أيادى سبا ، والتقدير : مثل أيادى سبا ، فحذف الحال المضافة (مثل) ، وأقيم ما أضيف إليها مقامها (أيادى سبا).
ـ حذف المجرور : كما هو فى قوله تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [الأحزاب ١٩](١) ، أى : كدوران عين الذى ، فحذف المجرور وما أضيف إليه (دوران عين) ، وأقيم ما أضيف إلى ما أضيف إليه مقامه (الذى) ، ويكون فى محل جرّ.
وقد يكون المحذوف المجرور مجرورا بالإضافة ، من ذلك القول : ولا يحول عطاء اليوم دون غد ، التقدير : دون عطاء غد ، فحذف المضاف إلى ما سبقه ، وهو مضاف مجرور ، وأقيم ما أضيف إليه (غد) مقامه مجرورا.
ومثل المضاف المحذوف وهو مجرور بحرف جرّ قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، التقدير : كم من أهل قرية ... ، فحذف المجرور بمن المضاف (أهل) ، وأقيم ما أضيف إليه مقامه (قرية) ، وقد لا يكون هنا محذوف ، حيث يجوز أن يقع الإهلاك على القرية ذاتها ، ويكون أكثر بلاغة حيث شمول المعنى.
ـ حذف البدل : كما هو فى قول عبد الله بن قيس الرقيات :
رحم الله أعظما دفنوها |
|
بسجستان طلحة الطّلحات (٢) |
__________________
(١) يجوز أن تكون شبه الجملة فى محلّ نصب على الحالية من (أعينهم).
(٢) ديوانه ٢٠ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٤٧ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٢ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٧ / الدرر ٢ ـ ١٦٢.
أى : أعظم طلحة الطلحات. فحذف البدل المنصوب (أعظم) ، وأبقى المضاف إليه مجرورا.
ب ـ حذف المضاف مع بقاء المضاف إليه مجرورا :
من ذلك حذف المضاف المعطوف : قد يحذف المضاف المعطوف على مضاف مثله بلفظه ومعناه ، ويبقى المضاف إليه على إعرابه ، كما هو فى قول أبى دؤاد الأيادى :
أكلّ امرئ تحسبين امرأ |
|
ونار توقّد فى الليل نارا (١) |
بجرّ (نار) ، حيث التقدير ؛ وكلّ نار توقد ، فحذف المضاف (كل) ، وبقى المضاف إليه (نارا) على إعرابه قبل الحذف ، وهو الجر ، ومن ذلك قول بشير القشيرى :
ولم أر مثل الخير يتركه الفتى |
|
ولا الشرّ يأته امرؤ وهو طائع (٢) |
بكسر (الشرّ) ، والأصل : ولا مثل الشرّ ، فحذف المضاف (مثل) لأنه معطوف على ما يماثله لفظا ومعنى (ومثل الخير) ، وأبقى المضاف إليه (الشر) على حالته الإعرابية الأولى من الجرّ بالكسرة.
ومنه قولهم : ما كلّ سوداء تمرة ، ولا بيضاء شحمة ، بفتح بيضاء ، والتقدير : ولا كل بيضاء ، فحذف المضاف (كل) المعطوف على مماثله لفظا ومعنى (كل سوداء) ، وأبقى المضاف إليه (بيضاء) على حاله من الجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.
ومنه قول الشاعر :
كلّ مثر فى أهله ظاهر العزّ |
|
وذى غربة وفقير مهين (٣) |
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٦٦ / المسائل البصريات ١ ـ ٥٢١ / المفصل ١٠٦ / الهادى فى الإعراب ١٢٠ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢٦ / المقرب ١ ـ ٢٣٧ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٧٧ / المساعد ١ ـ ٥٧٠.
(٢) ينظر : المؤتلف والمختلف ٧٨ / شرح عمدة الحافظ ٥٠٠ / المساعد ٢ ـ ٣٦٦ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣١ / الأشمونى ٢ ـ ٢٧٣. ويروى : يأتيه الفتى.
(٣) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣١ / الهمع ٢ ـ ٥٢ / الدرر ٢ ـ ٦٥.
أى : وكل ذى غربة ، فحذف المضاف ، وأبقى المضاف إليه مجرورا ، وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة ، وتلحظ أن المحذوف معطوف على المضاف المذكور (كل).
ومما يعدّ عند الكثيرين شاذا قراءة سليمان بن جمّاز المدنى (١) قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] ، بجر (الآخرة) على تقدير حذف مضاف معطوف على (عرض) ، ويقدر بمثل لفظه ، فتكون : والله يريد عرض الآخرة ، فحذف المضاف ، وبقى المضاف إليه مجرورا بدون شرط ، حيث يشترط فى حذف المضاف المعطوف ألا يفصل بين المحذوف وحرف العطف ، أو يكون الفاصل (لا).
ثانيا : حذف المضاف إليه :
قد يحذف الجزء الثانى من الإضافة وهو المضاف إليه ، ويبقى الجزء الأول وهو المضاف على أحوال ثلاثة : إما البناء ، وإما التنوين ، وإما عدم التنوين على نية الإضافة.
أولاها : البناء :
قد يحذف المضاف إليه لفظا ، ويبقى المضاف مبنيّا على الضم وذلك إذا كان المضاف إليه معرفة ، وهذا يحدث بعد أسماء الجهات الست ، وهى ما تسمى بالغايات ، حيث تكون حينئذ مقطوعة عن الإضافة لفظا لا معنى. من ذلك قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، والتقدير : من قبل النصر ومن بعد النصر ، فحذف المضاف إليه ، وبقى المضاف الظرف المبهم (قبل ، وبعد) مبنيّا على الضم فى محل جرّ.
كما يحذف ما أضيف إلى ما هو شبيه بالغايات ، من مثل : غير ، وأول ، وعل ، وحسب ... وتبنى على الضمّ كذلك لانقطاعها عن الإضافة لفظا لا معنى ، فالإضافة معها منوية معنى.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ ـ ٤٣٧.
ثانيتها : بقاء المضاف على إعرابه مع التنوين :
وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على إعرابه وتنوينه ، وذلك فى موضعين :
أ ـ أن يكون المضاف مما سبق ـ أى : ظرفا ، أو ما يشبه الغايات ـ ويكون المضاف إليه المحذوف نكرة ، حينئذ يعرب المضاف وينون.
من ذلك قول امرئ القيس :
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا |
|
كجلمود صخر حطّه السيل من عل |
بكسر اللام على الإعراب بالجرّ مع حذف المضاف إليه ، وهو نكرة ، فيكون العلوّ مبهما ، لإضافته إلى النكرة ، وتكون السرعة أبلغ.
وقد يكون المقصود غير الإضافة ، فيكون العلوّ غير محدد ، وغير مقيد ، وهذا أدعى إلى المبالغة فى وصف سرعة فرسه أبلغ مما سبق.
ب ـ قد يحذف المضاف إليه اختصارا ، وذلك مع كلّ الأشياء التى لا يفهم معناها إلا من خلال الإضافة ، نحو : مثل ، وكل ، وبعض ، وقبل ، وبعد ، وأى الشرطية ، وأى الاستفهامية ، وما أشبه ذلك ، وتلحظ أن المضاف غير ظرف. كأن تقول : كلّ يأتينا ، والتقدير : كلكم يأتينا ، فحذف المضاف إليه ضمير المخاطبين ، أو غيره مما يقدر ، وبقى المضاف على إعرابه مع تنوينه ، فكأن الإضافة منوية.
ومنه قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] ، أى : أى الاسمين تدعوا. ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [يس : ٣٢].
ثالثتها : بقاء المضاف مع إعرابه بدون تنوين :
قد يحذف المضاف إليه ، ويبقى المضاف على إعرابه بدون تنوين ، كأنه مضاف ، وذلك إذا عطف على المتضايفين متضايفان آخران ، والمضاف إليه فيهما واحد ، نحو : خذ ربع ونصف ما حصل ، والأصل : خذ ربع ما حصل ونصف ما حصل ،
فحذف المضاف إليه (ما حصل) ؛ لأنه يوجد مضاف إليه بلفظه ومعناه ، وبقى المضاف (ربع) على إعرابه مع عدم تنوينه ، وكأنه مضاف. ومنه أن تقول : أعطنى كراسة وكتاب محمد. وبعض النحاة يرون أن هذا من قبيل الفصل بين المتضايفين (١).
يذكر ابن مالك فى ذلك :
ويحذف الثانى فيبقى الأول |
|
كحاله إذا به يتصل |
بشرط عطف وإضافة إلى |
|
مثل الذى له أضفت الأولا |
من ذلك قول الشاعر :
علقت آمالى فعمّت النعم |
|
بمثل أو أنفع من وبل الديم (٢) |
والتقدير : بمثل وبل الديم أو أنفع من ... فحذف (وبل الديم) الأولى لدلالة الثانى عليه. ومنه قول الفرزدق :
يا من رأى عارضا أسرّ به |
|
بين ذراعى وجبهة الأسد (٣) |
والأصل : بين ذراعى الأسد وجبهة الأسد ، فحذف المضاف إليه الأول (الأسد) لأنه بلفظ المضاف إليه الثانى ومعناه ، وأبقى المضاف بحذف نون التثنية كما لو كان المضاف إليه مذكورا.
ومنه قول أبى ثروان ، (قطع الله يدو رجل من قالها) ، بفتح (يد) بدون تنوين مع حذف ما أضيف إليه ، والتقدير : يدمن قالها ورجل من قالها.
ومنه قول الأعشى :
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ١٧٩ ، ١٨٠.
(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٥٧.
الوبل : المطر الشديد / الديم : جمع ديمة ، وهى المطر الذى ليس به رعد وولا برق.
(٣) ديوانه ١ ـ ٢١٥ / الكتاب ١ ـ ١٨٠ / معانى القرآن للفراء ٢ ـ ٣٢٢ / المقتضب ٤ ـ ٢٢٩ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٧ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٥٢ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢١ / الخزانة ١ ـ ٣٦٩.
إلا علالة أو بدا |
|
هة سابح نهد الجزارة (١) |
أى : علالة سابح ، أو بداهة سابح.
ملحوظة فى قضية الحذف :
المضاف إليه جملة :
إذا كان المضاف إليه جملة فلا يجوز حذفه إلا فيما سمع من إضافة الجملة إلى (إذ) المضافة إلى أسماء الزمان ، حيث تحذف الجملة المضاف إليه ، وتنون (إذ) بالكسر ، وهى حينئذ ، يومئذ ، وقتئذ ، ساعتئذ ... إلخ. وتنوين (إذ) بالكسر عوضا من الجملة المضافة المحذوفة.
من ذلك قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة ٨٤] ، التقدير : حين إذ بلغت الروح الحلقوم ، فحذفت الجملة الفعلية (بلغت الروح) ، وهى فى محل جر بالإضافة إليها (إذ) التى فى محل جر بالإضافة إليها (حين) ، و (إذ) مبنية على السكون ، ولكنها حركت بالكسر ونونت عوضا عن الجملة المضافة المحذوفة.
قد يحذف أكثر من مضاف :
قد يضاف إلى مضاف ، ويحذف الأول والثانى ، فيقام الثالث مقام الأول ، ويعرب إعرابه. ومنه قوله تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) [طه : ٩٦] ، التقدير : من أثر حافر فرس الرسول. فحذف مضافان (حافر وفرس) ، وأقيم الثالث مقامهما (الرسول).
ومنه كذلك قوله تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [الأحزاب : ١٩] ، والتقدير : كدوران عين الذى.
وقد يكون المحذوف أكثر من ذلك كما ورد فى قول إمام بن أقرم النميرى :
__________________
(١) الكتاب ١ ـ ٩١ ، ٢٩٥ / المقتضب ٤ ـ ٢٢٨ / المقرب ٣٨ / شرح ابن الناظم ٤٠٤ / خزانة الأدب ١ ـ ٨٣ / ٢ ـ ٣٤٦.
علالة : آخر جرى الفرس ، بداهة : أول جريه. سابح : الفرس السريع الجرى : نهد : غليظ : الجزارة :القوائم والرأس.
ولا الحجّاج عينى بنت ماء |
|
تقلب طرفها حذر الصقور (١) |
يريد : ولا الحجاج صاحب عين مثل عينى بنت ماء (٢).
وقد يكون المحذوف أكثر من واحد وليست على التوالى ، من ذلك قول الشاعر :
أبيتنّ إلا اصطياد القلوب |
|
بأعين وجرة حينا فحينا |
وتقديره : بمثل أعين ظباء وجرة.
مراعاة المحذوف فى التركيب :
إذا حذف المضاف فإنه يجوز أن يراعى لفظيا ومعنويا فى مجمل التركيب ، أى : يلتفت إليه ، ويجوز ألا يلتفت إليه ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤].
المضاف المحذوف (أهل) ، والتقدير : كم من أهل قرية ، لكنه لم يراع ، ولم يلتفت إليه ، فى : أهلكناها ، وجاءها ، حيث عاد الضمير على (قرية) ، وروعى والتفت إليه فى : هم قائلون.
الإضافة إلى ياء المتكلم :
إذا أضيف الاسم إلى ياء المتكلم فإن ما قبل الياء يكسر ؛ إلا أن يكون الاسم المضاف مقصورا ، أو منقوصا أو مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما. ذلك على التفصيل الآتى :
إضافة الصحيح الآخر إليها :
إذا أضيف الاسم الصحيح الآخر إلى ياء المتكلم فإن آخره يجب فيه الكسر لتناسب الكسرة الياء ، ويأخذ الاسم موقعه الإعرابىّ بعلامات إعراب مقدرة ،
__________________
(١) الكتاب ٢ ـ ٧٣ / البيان والتبيين ١ ـ ٢٥٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٠.
(٢) الموضع السابق.
فالاسم المضاف إلى ضمير التكلم تقدر فيه الحركات الثلاث ، فتقول : جاء صديقى ، (صديق) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
أكرمت صديقى ، (صديق) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.
أعجبت بأخلاق صديقى ، (صديق) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة.
أما الياء فإنها يجوز فيها السكون ، والتحريك بالفتح ، والفتح اختيار الخليل وسيبويه (١) والزمخشرى.
ويقوم الخلاف بين النحاة على كون أىّ من الفتح والسكون الأصل ، ويعلل الذين يرون أن السكون هو الأصل بأن الياء حرف علة ، فوجب بناؤها على السكون ، كضمير الجميع وياء المخاطبة.
ويعلل الذين يختارون الفتح بأنها اسم على حرف واحد ، فوجب بناؤه على حركة تقوية له ، كضمير المتكلم والمخاطب ، أما سكونها فتخفيف.
وقد تحذف الياء ، وقد تبدل ألفا بعد فتح المكسور قبلها ، وقد يستغنى بالفتحة عن الألف (٢). فتقول : هذا غلامى (بإسكان الياء وبفتحها) ، وهذا غلام (بحذف الياء) ، وهذا غلاما (إبدال الياء ألفا ، وفتح ما قبلها ، وهذا غلام (بالفتح دون الألف). وفيه لغة ضعيفة بالضم (هذا غلام).
إضافة الاسم المعتلّ الآخر إلي الياء :
حال إضافة الاسم المعتلّ الآخر إلى الياء ينظر إلى حركة ما قبل حرف العلة وهو لا يخلو فى ذلك من أمرين ؛ إما أن يكون ساكنا ، وإما أن يكون متحركا.
إذا كان ما قبل حرف العلة ساكنا ، وهذا لا يكون إلا فى معتلّ الآخر بالواو والياء ، فإنه يكون ملحقا بالصحيح الآخر ، حيث يكسر حرف العلة (الواو أو الياء)
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٢٢١.
(٢) ينظر شرح الشافية : ٢ ـ ١٠٠٥.
لخفة النطق بحرف العلة المتحرك لسكون ما قبله ، فيقال : دلوى ، رأيى ، ظبيى ، نجوى. ويعرب بحركات مقدرة.
ـ فإن كان ما قبل حرف العلة متحركا فإنه يتّبع ما يأتى :
ـ إن كان حرف العلة الألف فإن الألف تبقى على حالها مع فتح الياء ، فيقال : عصاى ، فتاى ، رحاى ، مناى ، صباى ، قواى ، ويعرب بحركات مقدرة.
ـ والمثنى حال الرفع يعامل معاملة المعتلّ الآخر بالألف المتحرك ما قبله ، فيقال : كتاباى ، غلاماى ، قصتاى ، قلماى ، ابناى ، تلحظ حذف نون المثنى.
ـ لكن المثنى حال النصب والجرّ تحذف نونه أثناء إضافته إلى ضمير المتكلم ، وتسكّن ياؤه ، وتدغم فى ياء المتكلم ، فتنشأ ياءان ، أولاهما ساكنة ، والأخرى متحركة بالفتح ، فتقول : أكرمت ولدىّ (ولدى) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى. وضمير المتكلم مبنى فى محلّ جرّ بالإضافة.
وتقول : استمعت إلى سائلى. (سائلى) اسم مجرور بإلى ، وعلامة جرّه الياء لأنه مثنى. وضمير المتكلم مبنىّ فى محلّ جرّ بالإضافة.
ومثل ذلك أن تقول : إنّ كتابىّ جديدان ، لعلّ كوبىّ نظيفان ، إن الموضوع كلّه بين يدىّ.
وتكون علامة رفع المثنى الألف ، وتكون علامة نصبه وجرّه الياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها.
ـ أما ألف «لدى وعلى» فتقلب ياء مع إدغامها فى ياء المتكلم ، فيقال : لدىّ ، وعلىّ مثل المثنى فى حالى النصب والجرّ ، يلحظ تحريك الياء بالفتح.
وهذيل تقلب الألف ـ إذا لم تكن للتثنية ـ ياء ، وتدغمها فى ياء المتكلم.
قال أبو ذؤيب :
سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم |
|
فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (١) |
__________________
(١) ديوان الهذليين ١ ـ ٢ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٣٣ / المقرب ١ ـ ٢١٧ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٩٠ / الأشمونى ٢ ـ ٢٨٢.
ويقال : عصىّ ورحىّ ، وأصلها : عصوى ورحيى ، استثقلت الحركة على الواو والياء ، فحذفت ، فسكن حرف العلة قبل ياء المتكلم فوجب إدغامه (١).
ـ وإن كان حرف العلة ياء وقبلها متحرك أدغمت الياء فى ياء المتكلم ، مع ملاحظة كسر ما قبل الياءين ، مع تحريك ياء المتكلم ، فيقال : قاضىّ ، غازىّ.
ويعرب بحركات مقدرة.
ـ ومثله المثنى وجمع المذكر السالم فى حالتى النصب والجر ، وقد ذكرنا المثنى ، أما جمع المذكر السالم المضاف إلى ضمير المتكلم فى حالى النصب والجرّ ، فتقول : أستمع فى إنصات إلى معلمىّ. والأصل : إلى معلمين مضافة إلى ضمير المتكلم ، فحذفت نون جمع المذكر السالم ، ثم تدغم ياء الجرّ فى ياء المتكلم ، فتنشأ ياءان : أولاهما ساكنة ، والأخرى متحركة. (معلمى) اسم مجرور بإلى وعلامة جره الياء ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.
وتقول : احترمت مدرسىّ. (مدرسى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وحذفت النون للإضافة ، وضمير المتكلم مبنىّ فى محلّ جر بالإضافة.
ـ وإنّ كان ما قبل ياء المتكلم واوا قلبت الواو ، وأدغمت فى ياء الإضافة ، وكسر ما قبلها إذا كان مضموما ، ويبقى بالفتح إن كان مفتوحا ، لأنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمتا لاجتماع المثلين ، مع تحريك ياء المتكلم لوجود الساكن قبلها.
ويكون ذلك فى جمع المذكر السالم حال الرفع ، فتقول فى (مسلمون) : مسلمىّ (بكسر الميم وإدغام الياءين).
ومثلها : (مواطنون) مواطنىّ ، وفى (مصطفون) مصطفىّ ، (بفتح الفاء ، وإدغام الياءين) ، ومثلها (مرتضون) مرتضىّ ، مع ملاحظة تحريك الياء الثانية.
__________________
(١) ينظر شرح الكافية لابن الحاجب : ١ ـ ٥٥.
إضافة الأسماء الستة إلى ضمير المتكلم :
الأسماء الستة هى : ذو ، وأبو ، وأخو ، وحمو ، وهن ، وفو. ترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء. على ألا تثنى ، وألا تجمع ، وأن تضاف إلى غير ياء المتكلم ، وألا تكون مصغرة ، وأن تضاف (ذو) إلى مظهر.
وهى إذا أضيفت إلى غير ياء المتكلم فحكمها حكم الاسم الصحيح ، فتقول : أخوك ، أبوه ، حماه ، فيه ... إلخ.
أما إذا أضيفت إلى ضمير المتكلم فلكلّ منها أحكام ، وهى على النحو الآتى :
ـ أب ، أخ ، حم ، هن :
إذا أضيفت هذه الأسماء إلى ضمير المتكلم كسرت عين الكلمة وألحقت بها الياء ، فتقول : أخى ، أبى ، حمى ، هنى ، ويلاحظ حذف لام الكلمة ، وهى الواو. وتعرب ـ حينئذ ـ بحركات مقدرة. فتقول : هذا أخى. (أخى) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
وأكرمت حمى. (حم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.
وتقول : استمعت فى أدب إلى أبى. فتكون (أب) اسما مجرورا ، وعلامة جره الفتحة المقدرة ، يمنع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم.
أجاز المبرد ردّ المحذوف فيها ، وقلب الواو ياء ، وإدغامها فى ياء المتكلم ، فتقول : أبىّ ، أخىّ ... بتشديد الياء.
فو :
أصله ، فوه ، فلامه هاء ، بدليل تصغيره (فويهة) ، وجمعه (أفواه) ، حذفت ، لامه ، وأصبح (فو) ، وعند إسناده إلى ضمير المتكلم يصير : فوى فتجتمع الواو والياء ، وأحدهما ساكن ، فتقلب الواو ياء ، وتدغم فى ضمير الإضافة ، ويكسر ما قبلها فاء الكلمة المناسبة ، فتصير : فىّ ، بتشديد الياء ، فتقول : فىّ نظيف ، (فو) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر
بالإضافة إليه فو. وتقول : نظفت فىّ ، فتكون (فو) مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة إليه فو ، وتقول : رفعت يدى إلى فىّ. (فو) اسم مجرور بإلى وعلامة جره الكسرة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.
وفى (فو) لغة ثانية بإبدال الواو ميما ، فتصير (فما) ، وعند إسناده إلى ضمير المتكلم يصبح (فمى) بإبقائه على حاله. فتقول : هذا فمى ، وغسلت فمى ، ونظفت أسنان فمى. ومنهم من ينكر هذه اللغة عند الإضافة ، ويجعل حذف الميم من (فم) عند إضافته إلى ضمير المتكلم واجبا ، ولكن حذفها أكثر عند الإضافة إلى غير ياء المتكلم.
ملحوظة :
إذا لم تكن هذه الأسماء مضافة فإنها تعرب بالحركات الثلاث الظاهرة المنونة على عينها ، فيقال : هذا أب ، أكرمت أخا له ، سررت بأخ له.
ذو :
أما ذو فإنها لا تضاف إلى مضمر ، ولا تقطع عن الإضافة لفظا ، فهى ملازمة لها معنى ولفظا وتضاف إلى اسم ظاهر اسم جنس ، وتعرب بالحروف.
ملاحظة :
جاءت (حم) مثل : يد ، ومثل : خبء ، ومثل : دلو ، ومثل : عصا.
* * *
الاستفهام (١)
الاستفهام والاستخبار والاستعلام بمعنى واحد ، وهى مصادر أفعالها : استفهمت واستخبرت واستعلمت ـ على الترتيب ـ وتعنى طلب الفهم أو الخبر أو العلم.
وكلّ منها معنى من المعانى ، فكان لا بدّ لها من حروف دالة عليها.
والاستخبار ـ بمعنى عام ـ هو طلب إخبار عن مجهول ، والمجهول فى الفكر الإنسانى يكون معنى فى نمطين : الأول : أن يكون المجهول صحة العلاقة المعنوية بين طرفين مكونين لجملة ، وهو ما نسميه بالحكم ، فالحكم علاقة معنوية بين طرفى الجملة ، أحدهما يتضمن الحكم.
فالسؤال أو الاستفهام فى هذا النوع من المجهول يكون عن تقرير هذه العلاقة المعنوية من عدمه ، ويفضل عندنا أن نجعل هذه العلاقة المعنوية علاقة مقترحة ، حيث إن السؤال عنها يجعلها مشكوكا فيها ، أو يجعلها علاقة مقترحة تحتاج إلى التقرير أو الموافقة فيكون الإيجاب ، أو عدم التقرير أو عدم الموافقة فيكون السلب.
ولنؤكد على أن طرفى الجملة فى هذا النوع من المجهول يكونان مذكورين ، فلا يحتاج الجواب عن السؤال إلى ما يتمّم ركنى الجملة من تعويض للمجهول ، لأن المجهول إنما هو صحة العلاقة المعنوية بين الطرفين المذكورين أو عدم صحّتها
لذا ؛ فإن الاستفهام عن هذه العلاقة المجهولة يكون بالحرف ؛ لأن المجهول صحة أو عدم صحة ، وليس هناك مجهول فى ركنى الجملة ، ولا يحتاج الجواب إلى تعويض.
__________________
(١) المسائل المنشورة ٨١ / المسائل العضديات ١٩٥ / المفصل / ٣١٩ / الإيضاح فى شرح المفصل ٢ ـ ٢٤٠ ، ٢٢١ / شرح المفصل لابن يعيش ٨ ـ ١٥٠ / التسهيل ٢٤٢ وما بعدها / الجنى الدانى ٣٠ ، ٢٠٤ ، ٢٣٤ ، ٢٦١ ، ٣٢٢ ، ٣٤١ ، ٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٣٣ ، ٥٠٥ / مغنى اللبيب ١ ـ ١٣ ، ٢٠ ، ٤١ ، ١١٣ ، ١٢٠ ، ١٨٣ ، ٢٩٨ ، ٣٢٧ ، ٣٣٤ / ٢ ـ ٣٤٥ ، ٣٤٩ / الجامع الصغير ٢١٢ ، ٢١٧ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٣٦٦ ، ٣٧٨.
والسؤال عن صحة العلاقة المعنوية بين طرفى الجملة يأتى فى صورتين :
أولاهما : أن تكون العلاقة المقترحة منسوبة إلى واحد فقط فى السؤال ، والمقصود بالواحد طرف واحد من ركنى الجملة ، فيراد من الإجابة التقرير أو عدم التقرير ، ويتصدر الإجابة ما يدل على الإيجاب أو النفى ، ويكون السؤال بأحد حرفى الاستفهام : (الهمزة وهل).
ويكون الجواب بأحد حروف التصديق والإيجاب ، أو أحد حروف النفى.
وحروف الإيجاب والتصديق هى : نعم وبلى وأجل وجير وإى وإنّ.
وحروف النفى فى السؤال : لا ، ونعم فى نوع خاص من التراكيب الاستفهامية المتضمنة نفيا. وتشرح بالتفصيل بعد ذكر أدوات الاستفهام.
تسأل : أأذّن المغرب؟ فيكون السؤال عن صحة العلاقة بين طرفى الجملة ، أى :
أذان المغرب ، فتجاب إثباتا : نعم ؛ أذّن المغرب ، ونفيا : لا ؛ لم يؤذن المغرب. وتسأل : ألم يأت الضيف؟ فتجاب إثباتا : بلى ؛ أتى الضيف ، وتجاب نفيا : نعم ؛ لم يأت الضيف.
والأخرى : أن تكون العلاقة المقترحة منسوبة إلى أكثر من واحد ، فيراد من الإجابة التعيين ، ويتضمن السؤال الحرف (أم) المتصلة المعادلة لهمزة الاستفهام.
تسأل : أأذّن الظهر أم العصر؟ فيكون السؤال عن صحة إحدى علاقتين بينهما مشترك ، وهما : أذان الظهر وأذان العصر ، أيهما حدث؟ ، فتكون الإجابة بالتعيين : أذّن الظهر. أو تكون : أذّن العصر.
والثانى من نمطى الاستخبار عن المجهول فى الفكر الإنسانى يمثل الاستعلام عن شىء ما مجهول ، والمقصود بالشىء كلّ ما هو اسم ، سواء أكان إنسانا أم حيوانا ، أم نباتا ، أم جمادا ، أم زمانا ، أم مكانا ، أم اسم معنى ، أم عددا وكمية ، أم شيئا كامنا أو متخيلا. وقد يكون حدثا معبرا عنه بالجملة الفعلية ... إلخ.
فالمسئول عنه فى هذا النمط فى كل مستوياته المعنوية إنما يكون اسما بالضرورة ، أى : أن المجهول اسم ، لذا وجب أن يحلّ محلّه فى السؤال اسم ؛ فأداة الاستفهام