ابن الأعرابي : يقال للون الفيل : المُدَعَّر. قال ثعلب والمُدعّر : اللون القبيح من جميع الحيوان. والدّعَّار المُفْسِد.
ردع : أبو عبيد عن الأصْمَعي الرُّدَاع الوجع : في الجسد وأنشدنا :
فواحزَنَا وعاودني رُدَاعِي
وقال الأصمعي : المرتدِع من السهام : الذي إذا أصاب الهَدَف انفضح عودُه.
وقال ابن الأعرابي : رُدِعَ إذا نُكِس في مرضه. وقال كُثَير :
وإني على ذاك التجلّد إنني |
مُسِرّ هُيَامٍ يَسْتَبِلّ وَيُرْدَعُ |
وقال أبو العيال الهذليّ :
ذكرت أخي فعاودني |
رُدَاع السُقْم والوصبُ |
الرُّدَاع : النُكْس ، قد ارتدع في مرضه.
وفي حديث عمر بن الخطاب أن رجلاً أتاه فقال له : إني رميت ظبياً محرماً فأصبت خُشَشَاءَهُ فركب رَدْعَه فأسِنَ فمات.
قال أبو عبيد : قوله ركب رَدْعَه يعني أنه سقط على رأسه.
قال وإنما أراد بالرَدْع : الذم ، شبّهه برَدْع الزعفران. وركوبُه إياه : أن الدم سال فخَرّ الظبيُ عليه صريعاً ، فهذا معنى قوله : ركب رَدْعَه.
وقال أبو عبيد : ليس يُعرف ما ذكر أبو عبيد ، ولكنّ الرَّدْع العُنُق ، رُدِعَ بالدم أو لم يُرْدَع. يقال : اضرب رَدْعَهُ كما يقال اضرب كَرْدَهُ. قال وسُمِّي العُنُق رَدْعاً لأنه بها يَرتدع كلُّ ذي عُنُقٍ من الخيل وغيرها. وقال ابن الأعرابي : ركب رَدْعَهُ إذا وقع على وجهه ، وركب كُسْأَه إذا وقع على قفاه.
قال شمر : وقال ابن الأعرابي في قولهم : ركب رَدْعَه أي خرّ صريعاً لوجهه ، غير أنه كلّما همّ بالنهوض ركب مقاديمه. وقال أبو دُوَادٍ :
فعلّ وأنهل مِنْها السنا |
نَ يركبُ منها الرَّدِيعُ الظِلَالا |
قال : والرَّدِيع : الصريع يركب ظِلّه.
وقال شمر : الرَّدْعُ على أربعة أوجه : الرَّدْعُ : الكَفّ. رَدَعته : كففته. والرَّدْع : اللَطْخ بالزعفران. وركب رَدْعَه : مقاديمه وعلى ما سال من دمه والرَّدْع : رَدع النَصْل في السهم ، وهو تركيبه وضربك إيَّاه بحجر أو غيره حتى يدخل. وقيل : ركب رَدْعَه إن الرَّدْع كلّ ما أصاب الأرض من الصريع حين يَهْوي إليها ، فما مَسّ الأرض منه أولاً فهو الرَّدْع ، أيّ أقطاره كان. قال : ويقال رُدِعَ بفلان أي صُرِع ، وأخذ فلاناً فَرَدَعَ به الأرض إذا ضَرَبَ به الأرض. ويقال : رَدَع الرجل المرأة إذا وطئها.
وقال الليث : الرَّدْعُ : أن تردَعَ ثوباً بطيب أو زعفران ، كما تردَع الجاريةُ صَدْرَ جَيْبها بالزعفران بملء كفّها.
وقال امرؤ القيس :
حُوراً يُعَلّلْنَ العَبِيرَ رَوَادِعاً |
كَمَهَا الشقائق أو ظِبَاء سَلَامِ |
السلَام : الشجر.
وأما قول ابن مقبل :
يجري بديبَا جَتَيْه الرشح مُرْتَدِعُ
ففيه قولان. قال بعضهم : منصبغ بالعَرَق الأسود ، كما يُرْدَع الثوبُ بالزعفران.
وقال خالد : مُرْتدِع قد انتهت سِنّه. يقال قد ارتدع الجمل إذا انتهت سِنّه. وأقرأني المنذري لأبي عبيد ـ فيما قرأ على أبي الهيثم ـ الرديع الأحمق بالعين غير معجمة. وأما الإيادي فإنه أقرأنيه عن شمر : الردِيغ بالغين معجمة. قلت : وكلاهما عندي من نعت الأحمق.
وقال الليث : يقال خَرّ في بئر فركب رَدْعه إذا هَوَى فيها. وركب فلان رَدْع المَنِيَّة.
قال والرَّدْع : مقاديم الإنسان إذا كانت في ذلك منيّته.
وأنشد قول الأعشى في رَدْع الزعفران وهو لَطْخه :
ورَادعَة بالطيب صفراء عندها |
لجسّ الندامى في يد الدرع مُفْتَقُ |
وقيل ركب رَدْعَه إذا رُدِع فلم يرتدع ، كما يقال : ركب النَّهْيَ. عمرو عن أبيه : المِردَع : الرجل الذي يمضي في حاجته فيرجع خائباً ، والمِرْدَع : السهم الذي يكون في فُوقه ضِيق ، فيُدقّ فُوقُه حتى يتفتَّح. قال : ويقال فيه كله بالغين ، قال والرَّدْع : الدقّ بالحجر. والمِرْدَع الكَسْلان من الملاحين.
رعد : قال الله جلّ وعزّ : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) [الرّعد : ١٣].
قال ابن عباس : الرَّعْد : مَلَك يسوق السحاب ، كما يسوق الحادي الإبل بحُدَائه. وسئل وهب بن منبِّه عن الرعد فقال : الله أعلم.
وقال ابن الأنباري : قال اللغويون : الرعد : صوت السحاب والبَرْق ضوء ونور يكونان مع السحاب. قالوا : وقول الله عزوجل : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) [الرّعد : ١٣] ذِكْره الملائكة بعد الرعد يدل على أن الرعد ليس بمَلَك. وقال : الذين قالوا : الرعد ملك : ذكر الملائكة بعد الرعد وهو من الملائكة كما يذكر الجنس بعد النوع.
وقال عِكْرِمة وطاوس ومجاهد وأبو صالح وأصحاب ابن عباس : الرَّعْد : مَلَكٌ يسوق السحاب ، وسئل عليّ عن الرعد فقال : مَلك ، وعن البرق فقال : مَخَاريق بأيدي الملائكة من حديد.
وقال الليث : الرَّعْد : مَلَك اسمه الرَّعْد يسوق السحاب بالتسبيح ، قال ومِن صَوته اشتُقّ فِعل رَعَدَ يَرعُدُ ، ومنه الرِّعْدَة والارتعاد. قال : ورجلٌ رِعْدِيد : جَبَان. قال وكل شيء يترجرج من نحو القَرِيس فهو يَتَرعدَد كما تترعدَد الأَلْية.
وأنشد للعجَّاج :
فهي كرعديد الكَثِيب الأَهْيَم
وقال الأخفش : أهل البادية يزعمون أن الرَّعد هو صوت السحاب. والفقهاء يزعمون أنه مَلَك.
أبو عبيد عن الأصمعي : يقال : رَعدَت السماء وبرقَتْ ، وَرعد له وبَرَق له إذا أوعده. ولا يجيز أَرْعَد ولا أبرق في الوعيد ولا في السماء. وكان أبو عبيدة يقول : رَعَد وأَرْعدَ وبَرَقَ وأَبْرَقَ بمعنًى واحدٍ ، ويحتجّ بقول الكُمَيت :
أَبْرِق وأرعد يا يزي |
د فما وعِيدُك لي بضائرْ |
ولم يكن الأصمعي يحتج بشعر الكُمَيت.
وقال الفرَّاء : رَعَدت السماء وبرَقَت ، رَعداً ورُعوداً وبَرْقاً وبُرُوقاً ، بغير ألف. قال : ويقال للمرأة إذا تزيَّنتْ وتهيّأتْ : أبرَقَتْ. قال : ويقال للسماء المنتظَرة إذا كثر الرعد والبرق قبل المطر : قد أرعدت وأبرقت ، ويقال في كله : رَعدَتْ وبَرَقَتْ. قال : وَإذا أوعدَ الرَجل قيل : قد أرْعدَ وَأَبْرَقَ ، وَرَعَدَ وَبَرقَ.
وقال ابن أحمر :
فابْرُقْ بأرضِك ما بدا لك وارْعُدِ
وقال النضر : جارية رِعْدِيدة : تارّة ناعمة ، وجَوَارٍ رَعَادِيد.
أبو عبيد عن الفراء : في الطعام رُعَيْدَاء ممدود وهو ما يُرْمَى به إذا نُقِّيَ. وقال ابن الأعرابي : كثيب مُرْعَد أي مُنْهَال وقد أُرعِد إرعَاداً وأنشد :
وكفل يرتجّ تحت المِجْسَدِ |
كالدِعْصِ بين المُهُدَات المُرْعَدِ |
أي ما تمهّد من الرمل. ورجلٌ رِعديد إذا كان جَبَاناً. ورعشِيش مثله. وجمعهما الرعاديد والرعاشيش. وهو يرتعد ويرتعش.
باب العين والدال مع اللام
[ع د ل]
عدل ، علد ، دلع ، دعل : مستعملة.
عدل : قال الله جلّ وعزّ : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المَائدة : ٩٥].
قال الفراء : العَدْل : ما عَادلَ الشيء من غير جنسِه. والعِدْل : المِثل ، مثل المِحْمَل وذلك أن تقول : عندي عِدْلُ غلامك وعِدْل شاتك إذا كانت شاةٌ تعدِل شاةً أو غلام يَعدل غلاماً. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت : عَدْل. وربما قال بعض العرب : عِدلُه ، وكأنه منهم غلط ؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل. وقد اجتمعوا على أنّ واحد الأعدال عِدْلٌ. قال ونُصب قوله (صِياماً) على التفسير ، كأنه : عَدلُ ذلك من الصيام ، وكذلك قوله : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [آل عِمرَان : ٩١] أخبرني بجميع ذلك المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء.
وقال الزجّاج : العَدلُ والعِدْل واحد في معنى المِثْل. قال : والمعنى واحد ، كان المِثلُ من الجنس أو من غير الجنس.
قال أبو إسحاق : ولم يقولوا : إن العرب غلِطت. وليس إذا أخطأ مخطىء وجب أن يقول : إن بعض العرب غلِط.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَدْلُ : الاستقامة. وقال
عَدْلُ الشيء وعِدْلُه سواء أي مثله.
قال وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس قال : العَدْلُ : الفِدء في قوله جلّ وعزّ : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الأنعام : ٧٠].
قال وسمعت أبا الهيثم يقول : العِدْلُ : المِثل : هذا عدله : والعَدْلُ : القِيمة يقال : خذ عَدْله منه كذا وكذا أي قيمته. قال : ويقال لكلّ من لم يكن مستقيماً : حَدْلٌ وضدّه عَدْلٌ. يقال : هذا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ. قال والعِدْلُ : اسم حِمْل مَعدُولٍ بحمل أي مُسَوًّى به. والعَدْل : تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مِثلاً. وقول الله جلّ وعزّ : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢].
قال سعيد بن المسيّب : ذَوَيْ عقل.
وقال إبراهيم : العَدْل الذي لم تظهر منه ريبة.
وكتب عبد الملك إلى سَعيد بن جُبَير يسأله عن العَدْل ، فأجابه : إن العَدْل على أربعة أنحاء : العَدْل في الحكم : قال الله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(١) [النساء : ٥٨] والعَدل في القول ؛ قال الله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [الأنعام : ١٥٢]. والعَدل : الفِدْية ؛ قال الله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) [البَقَرَة : ١٢٣]. والعَدْل في الإشراك قال الله جلّ وعزّ : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعَام : ١]. وأمّا قوله جلّ وعزّ : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النِّساء : ١٢٩]. قال عَبِيدة السَلْماني والضحَّاك : في الحُبّ والجماع. وقوله سبحانه : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الأنعَام : ٧٠] كان أبو عبيدة يقول معناه وإن تُقسط كل أقساطٍ لا يُقبل منها. قلت : وهذا خطأ فاحش وإقدام من أبي عُبِيدة على كتاب الله. والمعنى فيه : لو تفتدي بكل فِداء لا يقبل منها الفداء يومئذ. ومثله قوله : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) [المعَارج : ١١] الآية أي لا يقبل ذلك منه ولا يُنْجيه. وقولهم : رجلٌ عَدْل معناه ذو عدل ألا تراه. قال في موضعين : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، فنُعِتَ بالمصدر. وقيل : رجل عَدْلٌ ، ورجلان عَدْلٌ ورجال عَدلٌ ، وامرأة عَدْلٌ ، ونِسْوة عَدْلٌ ، كل ذلك على معنى : رجال ذوِي عَدلٍ ونسوة ذوات عَدل. والعَدْل : الاستقامة. يقال : فلان يَعدِل فلاناً أي يساويه. ويقال ما يعدِلك عندنا شيء أي ما يقع عندنا شيء مَوْقعك. وإذا مال شيء قلت : عَدلتُه أي أقمتُه فاعَتَدَلَ أي استقام ومن قرأ قول الله جلّ وعزّ : (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) ـ بالتخفيف ـ (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ) [الانفِطار : ٧ ، ٨].
قال الفراء : من خفّف فوجهه ـ والله أعلم ـ فصرفك إلى أيّ صورة شاء إما حَسَن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير. ومن قرأ : (فَعَدَّلك) فشدد ـ وهو أعجب الوجهين إلى
__________________
(١) في المطبوعة (وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل) وهي ليست بآية.
الفراء وأجودهما في العربية ـ ومعناه : جعلك مُعْتَدِلاً مُعْدَّلَ الخَلْق. قال : واخترتُ (عَدّلك) ؛ لأن (في) للتركيب أقوى في العربيِّة من أن تكون (في) للعَدْلِ ؛ لأنك تقول : عَدَلْتُكَ إلى كذا وصَرفتُك إلى كذا. وهذا أجود في العربية من أن تقول : عَدلتك فيه وصرفتك فيه.
قلت : وقد قال غير الفرّاء في قراءة مَن قرأ : فَعَدَلَكَ ـ بالتخفيف ـ : إنه بمعنى : فسوّاك وقوّمك ، من قولك : عَدلتُ الشيء فاعتدل أي سوّيتهُ فاستوى.
ومنه قوله :
وعَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل
أي قوّمناه فاستقام. وقرأ عاصم والأعمش بالتخفيف فَعَدَلَكَ ، وقرأ نافِع وأهل الحجاز. (فَعَدَّلَكَ) بالتشديد. وقوله : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] قرأها الكسائي وأهل المدينة بالفتح ، وقرأها ابن عامر بالكسر : (أو عِدْلُ ذلك صياماً) وقال الليث : العَدْل من الناس : المرضِيّ قولُه وحُكمه. قال : وتقول إنه لعَدْلٌ بيّن العَدْل والعَدَالة. قال : والعَدْلُ : الحُكم بالحقّ. يقال هو يقضي بالحقّ ويعدل وهو حَكَم عَادلٌ : ذو مَعْدَلةٍ في حكمه وقال شمر : قال القُزْملي : سألت عن فلانٍ العُدَلَة أي الذين يُعَدُّلُونَه. وقال أبو زيد : يقال رجل عُدَلَة وقوم عُدَلَة أيضاً وهم الذين يزكّون الشهود. وقال يونس : جائز أن يقال : هما عَدْلَان وهم عُدُول ، وامرأة عَدْلة. وقال الكلابيون : امرأة عَدْلٌ وقومٌ عُدُل. وقال يونس عن أبي عمرو : الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ ، وقومٌ عَدْلٌ ، ورجلٌ عَدْلٌ. وقال الباهليّ : رجلٌ عَدْل وعَادِل : جائز الشهادة. وامرأة عَادِلة : جائزة الشهادة. وقال الأصمعي : يقال عَدَلت الجُوَالق على البعير أعدِله عَدْلاً يُحمل على جَنْب البعير ويُعْدَل بآخر. وفي الحديث : «مَن شرب الخمر لم يقبل الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً أربعين ليلة». قال بعضهم : الصَرْف الحيلة. والعَدل : الفِدْية. قال يونس بن عُبَيد : الصرف الحيلة ، ويقال منه فلان يتصرّف أي يحتال. قال الله عزوجل : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) [الفرقان : ١٩] وقال ابن عباس : الصَرْف : الدِية ، والعَدْلُ : السَّوِيَّة ، وقال شمر : أخبرني ابن الحَرِيش عن النضر بن شميل قال : العَدْلُ : الفريضة. والصرف : التطوّع. وقال مجاهد في قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام : ١] أي يُشركون. وقال الأحمر : عَدَل الكافر بربه عَدْلاً وعُدُولاً إذا سَوَّى به غيره فعَبَدَهُ. وقال الكسائي : عَدَلت الشيء بالشيء أعدِله عُدُولاً إذا ساويته به. وعَدل الحاكِم في الحكم عَدْلاً. وقال شمر : أما قول الشاعر :
أفذَاكَ أم هي في النَجَا |
ء لمن يُقَاربُ أو يُعَادِلْ |
يعني : يُعَادِل بين ناقته والثَوْر ، قال : وقال ابن الأعرابي المعادلة : الشكّ في الأمرين وأنشد :
وذو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ |
إذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِل |
يقول يعَادِل بين الأمرين أيُّهما يَركبُ ، تُمَيِّثه : تُذَلِّله المَشُورَات ، وقول الناس : أين تذهب ، وقال المرَّار :
فلما أن صَرَمَتْ وكان أمْرِي |
قويماً لا يميل به العُدُولُ |
قال عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولاً لا يميل به عن طريقه الميْلُ.
وقال الآخر :
إذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو داء فأَمضِهِ |
ولست بمُمْضيه وأنت تُعَادِله |
قال : معناه : وأنت تشكّ فيه.
رَوى أبو عبيد عن النبي صلىاللهعليهوسلم حين ذكر المدينة فقال : «من أحدث فيها حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً» ، قال أبو عبيد رُوي عن مكحول أنه قال الصرف التوبة والعدل : القدية. وقال أبو عبيد : قوله «من أحدث فيها حَدَثاً» فإن الحدث كل حَدّ يجب لله تعالى على صاحبه أن يقام عليه.
ثعلب عن ابن الأعرابي العَدَلُ مُحرّك : تسوية الأوْنَين ، وهما العِدْلان.
وقال الليث : العَدْل أن تعدِل الشيء عن وجهه ، تقول ، عَدَلْتُ فلاناً عن طريقه ، وعَدَلْتُ الدابة إلى موضع كذا فإذا أراد الاعوجاج نفسه قال : هو يَنْعَدِل أي يعوجّ. وقال في قوله :
وإني لأنْحِي الطَرْف من نحو أرضها |
حياءً ولو طاوعتُهُ لم يُعَادِل |
قال : معناه ، لم ينعَدِل قلت معنى قوله لم يعادل أي لم يَعْدِل بنحو أرضها أي بقصدها نحواً ولا يكون يُعَادِل بمعنى ينعدل.
وقال الليث : المعتدِلة من النوق : الحسَنَة المتّفقة الأعضاء بعضُها ببعض. وروى شمر عن محارب : قال : المُعْنَدِلة من النوق وجعله رباعيًّا من باب عَندَل. قلت والصواب المعتدلة بالتاء.
وروى شمر عن أبي عدنان أنّ الكناني أنشده :
وعَدَل الفَحل وإن لم يُعْدلِ |
واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل |
قال : اعتدال ذات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من السِمَن بعدما كان مائلاً.
قلت : وهذا يدلّ على أن قول محارب : المُعْنَدِلة غير صحيح ، وأن الصواب : المُعْتَدِلة ، لأن الناقة إذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام وغيره. ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وهو الصُلب الرأس وليس هذا الباب له بموضعٍ ، لأن العَنْدل رباعي خالص. شمر العَدِيل : الذي يُعَادِلك في المحمِل والعَدْل : نقيض الجَوْر.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : الحمد لله الذي جعلني في قومٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السهم في الثِقاف ، أي قَوَّموني. شمر عن أبي عدنان : شرب حتى عَدَّل أي امتلأ. قلت وكذلك عَدَّنَ وأوَّن بمعناه. ويقال أخذ الرجل من مَعْدَل الباطل أي في طريق الباطل ومذهبه ، ويقال انظروا
إلى سُوء مَعَادِلِهِ ، ومذموم مداخله ، أي إلى سوء مذاهبه ومسالكه ، وقال زهير :
وسُدِّدَتْ ... عليه سِوَى |
قَصْد الطريق مَعَادِلُهْ |
ويقال عَدَّلْتُ أمتعة البيت إذا جعلتها أعدالاً مستوِية للاعتكام يوم الظعْن. وعَدَّل القسَّام الأنصباء للقَسْم بين الشركاء إذا سوّاها على القِيم. وأمّا قول ذي الرمّة :
إلى ابن العامريّ إلى بلالٍ |
قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا |
فالعرب تقول : قطعْتُ العِدَال في أمري ، ومضيت على عزمي ، وذلك إذا مَيَّلَ بين أمرين أيُّهما يأتي ، ثم استقام به الرأي فعزم على أوْلَاهُما عنده ، ويقال أنَا في عِدَال من هذا الأمر أي في شك منه : أأمضي عليه أم أتركه ، وقد عَادَلت بين أمرين أيَّهما آتي أي ميِّلت وفرسٌ معتدل الغُرّة إذا توسّطَت غُرَّتُه جبهته ، فلم نصب واحدة من العينين ولم تَمل على واحد من الخدّين ، قاله أبو عبيدة.
أبو عبيد عن الأصمعي : العَدَوليّ من السفن منسوب إلى قرية بالبحرين يقال لها : عَدوْلَى.
قال وَالخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.
وَقال شمر : قال ابن الأعرابي قول طرَفة :
عَدَوْليَّة أو من سفين ابن نَبْتَل
قال نسبها إلى ضِخَم وقِدَم ، يقول : هي قديمة أو ضخمة.
وقال الليث : العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إلى موضع كان يسمى عَدَوْلَاة وهو بوزن فَعَوْلَاة.
وذكر عن الكلبي أنه قال : عَدَوْلَى ليسوا من ربيعة ولا مضر ولا ممّن يعرف من اليمن ، إنما هم أمّة على حِدَة ، قلت : والقول في العَدَوْليّ ما قاله الأصمعي.
ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال لزوايا البيت : المعَدَّلات والدراقيع والمُزَوَّيات والأخصام والثَفنات. وقال في قول الله : (فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ) [الانفطار : ٧ ، ٨] أي فقوّمك. ومن خفّف أراد : عَدَلَك من الكفر إلى الإيمان ، وهما نعمتان. وهذا قول ابن الأعرابي.
وقال ابن السكيت عن ابن الكلبي في قول الناس للشيء الذي يُئِسَ منه : وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قال : هو العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة ، وكان وَلي شُرَط تُبَّع ، فكان تُبَّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فقال الناس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.
علد : قال أبو عمرو والأصمعي : الأعلاد : مضائغ في العُنُق من عَصَب ، واحدها عَلْد. وقال رؤبة يصف فحلاً :
قَسْبَ العَلَابيّ جُرَازَ الأعلاد
وقال ابن الأعرابي : يريد عَصَب عُنُقه.
والقَسْبُ : الشديد اليابس.
وقال الليث : العَلْدُ الصُلْب الشديد ، كأنَّ فيه يُبْساً من صلابته.
أبو عبيد عن الأموي : العِلْوَدُّ : الكبير.
قال : وقال أبو عبيدة : كان مُجَاشع بن دارم عِلْوَدّ العنق.
وقال أبو عمرو : العِلْوَدّ من الرجال :
الغليظ الرقبة.
وقال ابن شميل : العِلْوَدّة من الخيل : التي تنقاد بقوائمها وتجذِب بعنقها القائدَ جَذْباً شديداً ، وقلَّما يقودها حتى يسوقها سائق من ورائها ، وهي غير طَيِّعة القِيَاد ولا سَلِسة. وأما قول الأسود بن يَعْفَرُ :
وغُودِرَ عِلْوَدٌّ لهَا مُتَطَاوِل |
نبيل كجُثمان الجُرَادة نَاشِرُ |
فإنه أراد بعلْوَدّها : عنقها ، أراد : الناقة والجُرَادة : اسم رملة بعينها.
وقال الراجز :
أيُّ غلامٍ لَشِ عِلْوَدّ العُنُق |
ليس بكيَّاسٍ ولا جَدٍّ حَمِقْ |
قوله : لشِ أراد : لك لغة لبعض العرب وأنشدني المنذري في صفة الضبّ لبعضهم :
أنهم ضَبَّان ضَبّا عَرَادَةٍ |
كبيران عِلْوَدَّانِ صُفْر كُشَاهُمَا |
عِلودّان : ضخمان.
وقال أبو عبيدة : اعْلَوَّدَ الرجل بعدي إذا غَلُظ.
وقال أبو زيد : رجل عِلْوَدّ وامرأة عِلْوَدَّة ، وهو الشديد ذو القَسْوة. وبعير عِلْوَدّ وناقة عِلْوَدَّةٌ ، وهي الهَرِمة.
وقال الليث : سَيِّدٌ عِلْوَدٌّ : رَزِين ثخين. وفِعْلُهُ عَلْوَدَ يُعَلْوِدُ إذا لزم الشيء مكانه فلم يُقدر على تحريكه.
دعل : أهمله الليث ولم يذكره شمر في «كتابه» وروى أبو عُمَر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال : الدَّعَل : المخاتلة بالعين. وهو يُدَاعِلُهُ أي يخاتله. وقال في موضع آخر : الداعِل الهارِب.
دلع : أبو عبيد عن أبي زيد : دَلَع لِساني ، ودَلَعْتُه أنا. قال : وبعضهم يقول أدلَعتُهُ.
وقال ابن بُزُرْج : دَلَعْت اللسان وأدلعته. وقاله ابن الأعرابي.
وقال الليث : دَلَع اللسان يَدْلَعُ دُلُوعاً إذا خرج من الفم واسترخى. وأدلع الرجلُ لسانَه. وقد يقال اندلَعَ لسانه قال : وجاء في الأثر عن بَلْعَمَ أن الله لعنه فأدلع لسانه فسقطت أسَلَتُه على صدره ، فبقيت كذلك. ويقال للرجل المندَلِث البطنِ أمامه : مُنْدَلِع البَطْن.
وقال نُصَير ـ فيما روى له أبو تراب : اندَلَعَ بطن المرأة واندلق إذا عظُم واسترخى وقال غيره : اندلَع السيف من غِمْده واندلق. وناقة دَلُوع : تتقدَّم الإبل.
وقال الربيع : الدَّلِيع : الطريق السهل في مكان حَزْن لا صَعُود فيه ولا هَبُوط.
وروى أبو عُمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الدَّوْلَع : الطريق البَيّن.
وروى شمر عن محارب : طريق دَلَنَّع ـ وجمعه دَلَانِع ـ إذا كان سهلاً.
وقال شمر قال الهُجَيمي : أحمقٌ دالِعٌ ، وهو الذي لا يزال دالِع اللسان ، وهو غاية الحُمْق. قال : وقال أبو عمرو : الدَّوْلَعة : صَدَفة متَحوّيَة إذا أصابها ضَبْح النار خرج منها كهيئة الظفر فيُسْتَلُّ قدر إصبع ، وهو هذا الأظْفار الذي في القُسْط. وأنشد للشَمَرْدَل :
دَوْلَعَة تستلُّها بظفرها
علد (علند): وقال الليث في باب العَلْد : العَلَنْدَى : البَعِير الضخم الطويل. والجميع العَلَانِد والعَلَادِي والعَلَنْدَيَاتُ وأحسنه العَلَانِد على تقدير قلانس.
وقال النضر : العَلَنْدَاة من الإبل : العظيمة الطويلة. ولا يقال : جمل عَلَنْدَى. قال والعَفَرْنَاة مثلها ، ولا يقال : جمل عَفَرْنَى. وقال الليث : العَلَنْدَاة : شجرة طويلة لا شوك ، لها من العضاهِ قلت : لم يُصِبْ الليث في صفة العَلَنْدَاة ؛ لأن العلنداة شجرة صُلْبة العيدان جاسية لا يَجْهَدها المالُ وليست من العضاه وكيف تكون من العِضَاهِ ولا شوك لها والعِضَاهُ من الشجر ما كان له شوك ، صغيراً كان أو كبيراً ، والعَلَنْدَاة ليست بطويلة. وأطولها على قدر قَعْدَة الرجُل. وهي مع قِصَرها كثيفة الأغصان مجتمعة.
باب العين والدال مع النون
[ع د ن]
عند ، عدن ، دعن ، دنع [ندع] : مستعملة.
عدن : قال الله جلّ وعزّ : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) [التّوبَة : ٧٢] رُوى عن ابن مسعود أنه قال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : بُطْنَان الجنّة. قلت وبُطْنَانها : وسطها. وبُطْنان الأودية : المواضع التي يسترِيض فيها ماء السيل. فيَكْرُم نباتُها ، واحدها بَطْنٌ. قلت : والعَدْنُ مأخوذ من قولك : عَدَنَ فلان بالمكان إذا أقام به ، يَعْدِن عُدُوناً ، قاله أبو زيد وابن الأعرابيّ. قال شمر : وقال القُزْمُلِيّ : اسم عَدْنَان مشتق من العَدْن ، وهو أن تلزم الإبلُ المكانَ فتألفَه ولا تبرحه. تقول تركتُ إبل بني فلان عَوَادِن بمكان كذا وكذا. قال : ومنه المَعْدِن ، وهو المكان الذي يثبت فيه الناس ولا يتحوّلون عنه شتاءً ولا صيفاً. قلت : ومَعْدِن الذهب والفضّة سُمِّي مَعْدِناً لإنبات الله جلّ وعزّ فيه جوهرهما وإثباته إيّاه في الأرض حتى عَدَنَ أي ثبت فيها. قال الله جلّ وعزّ : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحِجر : ١٩] ، وفُسِّرَ الموزون على وجهين : أحدهما أن هذه الجواهر كلّها ممّا يوزَن ، مثل الرَصَاص والنُحاس والحديد والثمنين أعني الذهب والفضة ، كأنه قَصَدَ قصْد كل شيء يُوزَن ولا يُكَال. وقيل : معنى قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أنه المقَدّر المعلوم وزنُه وقدرُه عند الله تعالى. وقال أبو مالك : يقال : عَدَنَتْ إبلُ فلان بمكان كذا وكذا أي صَلحَتْ بذلك المكان. وعَدَنَتْ مَعِدَته على كذا وكذا أي صَلحَتْ. وقال الليث : المَعْدِن مكان كل شيء يكون فيه أصله ومُبتدؤه ؛ نحو معدن الذهب والفضة والأشياء. ويقال : فلان مَعدِن للخير والكرم إذا جُبِل عليهما. قال : والعَدْن : إقامة الإبل في الحَمْض خاصَّةً. وقال أبو زيد : عَدَنَت الإبِلُ في الحَمْض تَعْدِن عُدُوناً إذا استمرأت المكانَ ونَمَتْ عليه ، ولا تَعْدِن إلا في الحَمْض.
وقال أبو مالك : يكون في كل شيء. أبو عبيد : العَدَّان : الزمان ، وأنشد بيت الفرزدق :
أتبكي على عِلْجٍ بمَيْسَان كافِرٍ |
ككِسْرَى على عِدَّانِهِ أو كقَيْصَرَا |
يخاطب مسكيناً الدارميّ لمّا رثى زياداً ، وفيها يقول البيت :
أقول له لمّا أتاني نَعِيُّهُ |
به لا بظبي في الصرائم أعْفَرَا |
وقال أبو عمرو في قوله :
ولا على عَدَّان مُلك محتَضَر
أي على زمانه وإبّانه. قلت : وسمعت أعرابيًّا من بني سعدٍ بالأحساء يقول : كان أمر كذا وكذا على عِدّان ابن بورٍ ، وابن بور كان والياً بالبحرين قبل استيلاء القرامطة ـ أبادهم الله ـ عليها. يريد : كان ذلك أيام ولايته عليها. وقال الفرّاء : كان ذلك على عِدَّان فِرْعون. قلت : من جعل عِدَّان فِعلَاناً فهو من العَدّ والعِدَاد. ومن جعله فِعلالاً فهو من عَدَن. والأقرب عندي أنه من العَدّ ؛ لأنه جُعِل بمعنى الوقت. والعَيْدان من النخل ما طال وأمَّا العَدَان ـ بفتح العين ـ فإن الفرّاء حكى عن المفضّل أنه قال : العَدَان : سبع سنين. يقال : مكثنا في غلاء السعر عَدَانَيْنِ ، وهما أربع عشرة سنة ، الواحد عَدَانٌ.
وهو سبع سنين. وأمَّا قول لبيد :
ولقد يعلم صحبي كلهم |
بعَدَان السِيف صَبري وَنَقَلْ |
فإن شمراً رواه بِعَدَان السِيف. وقال : عَدَان : موضع على سِيف البحر. ورواه أبو الهيثم بِعِدان السيف بكسر العين. قال : ويروى بعَدَانِي السيف. وقال : أرادُوا : جمع العَدِينة فقلبوا والأصل بعَدَائن السيف فأخّر الياء ، وقال عَدَانِي. وروى أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : عَدان النهر ـ بفتح العين ـ : ضَفّته ، وكذلك عِبْره ومِعبَره وبِرْغيله. وقال أبو عمرو : العَدَانة : الجماعة من الناس ، وجمعه عَدَانات. وأنشد :
بَني مَالكٍ لدَّ الحُضَينُ وراءكم |
رجالاً عَدَاناتٍ وخَيْلاً أكاسِما |
وقال ابن الأعرابي : رجال عَدانَات : مقيمون. وقال : روضة أُكْسُوم إذا كانت ملتفّةً بكثرة النبات. أبو عبيد عن الفرّاء : عَدّنتُ به الأرضَ ووَجَنْتُ به الأرض ومَرّنتُ به الأرض إذا ضربْتَ به الأرض. عمرو عن أبيه قال : العَدِين : عُرًى مُنَقَّشة تكون في أطراف عُرَى المزادة ، واحدتها عَدِينة. وقال ابن الأعرابي : العَدِينة : رقعة منقَّشَة تكون في عروة المَزَادة. وقال ابن شميل : الغَرْبُ يُعَدَّن إذا صغُر الأدِيم وأرادوا توفيره زادوا له عَدِينَة أي زادوا في ناحية منه رُقعة ، والخُفُ يُعَدَّن : يزاد في مؤخّر الساق منه زيادة حتى يتّسع. قال : وكل رقعة تزاد في الغَرْب فهي عَدِينَة ، وهي كالبَنِيقة في القميص. وأنشد :
والغَرْبَ ذا العَدِينة الموَعَّبَا
والموعّب : الموسَّعُ الموَفّر. وقال أبو سعيد في قول المخبَّل :
خَوَامِس تنشقّ العصا عن رؤوسها |
كما صَدَع الصخر الثِقالَ المُعَدِّنُ |
قال : المُعَدِّن : الذي يُخرِج من المعدِن
الصخر ثم يكسِّرها يبتغي فيها الذهب. وعَدَّنَ الشاربُ إذا امتلأ ، مثل أَوَّنَ وعَدَّلَ. وعَدَنُ أبْيَن : بلد على سِيف البحر في أقصى بلاد اليمن.
عند : قال الله جلّ وعزّ : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٤] قال قتادة : العنيد : المُعرِض عن طاعة الله تعالى. وقال الزجاج : عَنَدَ أي عَنَدَ عن الحقّ. ورُوِي عن ابن عباس أنه سئل عن المستحاضة فقال : إنه عِرْقٌ عانِد أو رَكْضة من الشيطان. قال أبو عبيد : العِرْق العانِد : الذي عَنَدَ وبَغَى ؛ كالإنسان يُعَانِد ، فهذا العِرْق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته ، وأنشد للراعي :
ونحن تركنا بالفُعَالِيِّ طَعنَة |
لها عَانِد فوق الذراعين مُسْبِلُ |
وقال شمر : العَانِد : الذي لا يَرْقأَ. قال : وأصله من عُنود الإنسان إذا بَغَى وعَنَدَ عن القصد. وأنشد :
ومَجَّ كل عانِدٍ نَعُورِ
أبو عبيد : عَنَدَ العِرْق وأَعْنَدَ إذا سال. وقال الكِسائي : عَنَدَت الطعنةُ تَعْنُدُ وتَعْنِد إذا سال دمها بعيداً من صاحبها ، وهي طعنة عانِدة. قال : وعَنَدَ الدمُ يَعْنِدُ إذا سال في جانب. رواه ثعلب عن سلمة عن الفرّاء أن الكسائي قاله. أبو حاتم عن الأصمعي : عَنَدَ فلان عن الطريق يَعْنِدُ عُنُوداً إذا تباعد. ويقال : فلان يعانِد فلاناً أي يفعل مثل فعله ، وهو يعارضه ويباريه. قال : والعامّة يفسّرُونه : يعانِدُه : يفعل خلاف فعله. قال : ولا أعرف ذلك ولا أُثبته ، وأنشد :
وقد يحبّ كلُّ شيء وَلَدَهْ |
حتى الحُبَارَى وتَدِفُ عَنَدَهْ |
أي معارضة للولد. قلت : تعارِضه شفقةً عليه. شمر عن أبي عدنان عن الأصمعي : يقال عَانَدَ فلان فلاناً إذا جانَبَه. ودمٌ عَانِد : يسيل جَانِباً. قلت أنا : المُعَانِد هو المعارِض بالخلاف لا بالوفاق. وهذا الذي يعرفه العوامّ. وقد يكون العِنَاد معارضةً بغير الخلاف ؛ كما قال الأصمعي. واستخرجه من عَنَدِ الحُبَارَى جعله اسماً من عانَد الحُبَارَى فَرخَهُ إذا عارضه في الطيران أوَّلَ ما ينهض كأنه يعلّمه الطيران شفَقة عليه. وقال الليث : عَنَدَ الرجل يَعْنِد عُنُوداً وعَاندَ مُعَانَدَةً ، وهو أن يعرف الشيءَ ويأبى أن يقبله ؛ ككفر أبي طالب ، كان كفره مُعَانَدَة ؛ لأنه عرَف وأقرّ وأنِف أن يقال : تبع ابن أخيه ، فصار بذلك كافراً.
وأمَّا العَنِيد فهو من التجبّر ، يقال : جبّار عَنِيد. قال : والعَنُود من الإبل الذي لا يخالطها ، إنما هو في ناحية أبداً. وروى شمر بإسنادٍ له رَفَع الحديث فيه إلى عمر أنه وصف نفسه بالسياسة فقال : إني أَنْهز اللَفُوت وأضُمّ العَنُود وأُلْحِق القَطُوف وأزجُر العرُوض. قال : العَنُود : التي تُعَانِد عن الإبل تطلب خيار المَرْتَع تتأنَّف ، وبعض الإبل يرتع ما وجَد. وقال ابن الأعرابي وأبو نصر : هي التي تكون في طائفة الإبل أي في ناحيتها. وقال القيسيُّ : العَنُود من الإبل : التي تعانِد
الإبل فتعارضها. قال : فإذا قادتهن قُدُماً أمامهنّ فتلك السلوف. أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي : أعنَدَ الرجل إذا عارض إنساناً بالخِلاف ، وأَعْنَدَ إذا عارض بالاتّفاق. قال : ومنه قوله : حتى الحُبَارَى ويُحبّ عَندَه أي اعتراضه. وقال ابن شميل : عَنَدَ الرجل عن أصحابه يعنِد عُنوداً إذا ما تركهم واجتاز عليهم ، وعَنَدَ عنهم إذا ما تركهم في سَفَرٍ وأخذ في غير طريقهم أو تخلَّف عنهم. والعُنُود كأنه الخلاف والتباعد والتَرك لو رأيت رجلاً بالبصرة من أهل الحجاز لقلت : شَدَّ ما عَنَدْت من قومك أي تباعدت عنهم. وسحابةٌ عَنُود : كثيرة المطر. وجمعه عُنُدٌ وقال الراعي :
دِعْصاً أرذَّ عليه فُرَّقٌ عُنُدٌ
وقدح عَنُود وهو الذي يخرج فائزاً على غير وجهة سائر القِدَاح. ويقال : استعنَدني فلان من بين القوم أي قَصَدَني. وعَانَد ، البعيرُ خِطامه أي عَارَضَه. أبو عبيد عن أبي زيد : ما لي عن ذلك الأمر عُنْدَدٌ ولا مُعْلَنْدَدٌ ، أي ما لي منه بُدّ. وكذلك قال ابن الأعرابي. وقال أبو عمرو : العَنْدُدُ : الحِيلة. أبو عبيد عن أبي زيد : أعنَدَ الرجل في قَيْئه إعناداً إذا أتبع بعضَه بعضاً. وقال الليث : عِنْدَ : حرفُ صفةٍ يكون موضعاً لغيره ، ولفظه نصبٌ ؛ لأنه ظَرْف لغيره وهو في التقريب شِبه اللِزْق.
ولا يكاد يجيء في الكلام إلا منصوباً ؛ لأنه لا يكون إلا صفة معمولاً فيها أو مضمراً فيها فِعلٌ ، إلّا في حرف واحد. وذلك أن يقول القائل لشيء بلا عِلم : هذا عِندي كذا وكذا ، فيقال : أوَلك عِندٌ فيُرفع. وزعموا أنه في هذا الموضع يراد به القلب وما فيه من معقول اللبّ. قلت : وأرجو أن يكون ما قاله الليث في تفسير (عند) قريباً مما قاله النحويون. الفرّاء : العرب تأمر من الصفات بعليك وعندك ودونك وإليك. يقولون : إليك إليك عَنّي يريدون : تأخّر ، كما يقولون : وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة. وزعم الكسائيّ أنه سمع : البعيرَ بينكما فخذاه ، فنصب البعير. وأجاز ذلك في كل الصفات التي تفرد. ولم يجزه في اللام ولا الباء ولا الكاف. وسمع الكسائي العرب تقول : كما أنْتِني يريد : انتظرني في مكانك. أبو زيد يقال : إنّ تحت طِرِّيقتك لعِنْدَاوَة. والطِّرِّيقة : اللين والسكون. والعِنْدَاوَة : الجفْوة والمكر. وقال الأصمعي : معناه : إن تحت سكونك لنَزْوةً وطِماحاً. وقال غيره : العِنداوة الالتواء والعَسَرُ. وقال : هو من العَدَاء. وهمزه بعضهم فجعل النون والهمزة زائدتين ، على بناء فِنْعَلْوَة. وقال غيره : عِنْدَأْوة فِعْلَلْوَة.
دنع : الليث : رجلٌ دَنيعة من قوم دَنَائع. وهو الفَسْل الذي لا لُبّ له ولا عقل : وأنشد شمر لبعضهم :
فله هنالك لا عليه إذا |
دَنِعَتْ أنوفُ القوم للتّعْسِ |
يقول له الفضل في هذا الزمان لا عليه إذا دُعِي على القوم. ودَنِعَتْ أي دَقّتْ
ولَؤُمَتْ. ورواه ابن الأعرابي وإن رَغِمَتْ. ابن شميل : دَنِعَ الصبي إذا جُهِدَ وجاع واشتهى. وقال ابن بزرج : دَنِع وَرَثِع إذا طمِعَ.
عمرو عن أبيه قال : الدنيع : الخسيس.
ندع : ثعلب عن ابن الأعرابي : أندَعَ الرجل إذا تبع أخلاق اللئام والأنذال. قال : وأدنع إذا تبع طريقة الصالحين.
دعن : قرأت بخط أبي الهيثم في تفسير شعر ابن مقبل لأبي عمرو : يقال : أُدعِنت الناقةُ وأُدعِن الجمل إذا أطيل ركُوبه حتى يهلك ، رواه بالدال والنون. وقد أهمل اللّيث وشمر دعن.
باب العين والدال مع الفاء
[ع د ف]
عدف ، عفد ، فدع ، دفع : مستعملة.
عدف : أبو عبيد : العَدْف : الأكل. قال : وقال الأحمر : ما ذقت عَدُوفاً ولا عَلُوساً ولا أَلُوساً. وقال أبو حسّان : سمعت أبا عمرو الشيباني يقول : ما ذقت عَدوفاً ولا عَدُوفَة. قال : وكنت عند يزيد بن مَزْيَدْ الشيباني فأنشدته بيت قيس بن زهير :
ومُجَنَّبات ما يَذُقْن عَدُوفة |
يَقْذفن المُهُرات والأمهارِ |
بالدال ، فقال لي يزيد من مَزْيَد : صحَّفتَ يا أبا عمرو. وإنما هي عَذوفة بالذال. قال : فقلت له : لم أصحِّف أنا ولا أنت. تقول رَبيعة هذا الحرف بالذال ، وسائر العرب بالدال. أبو عبيد عن أبي زيد : العِدْفَة : ما بين العشرة إلى الخمسين وجمعها عِدَفٌ. قال شمر : وقال ابن الأعرابي مثله ، قال : والعَدَف : القَذَى.
وقال الليث : العَدُوف : الذَوَاق اليسير من العَلَف. قال : والعِدْفة كالصَّنِفَة من قطعة ثوبٍ. وعِذْفَة كل شجرة : أصلها الذاهب في الأرض ، وجمعها عِدَفٌ. وأنشد :
حَمَّال أثقالِ دِيَاتِ الثَأَى |
عن عِدَف الأصْل وكُرَّامِهَا |
قال : ويقال : بل هو عن عَدَف الأصل جمع عَدَفَة أي يلمّ ما تفرّق منه.
ويقال : عَدَفَ له عِدْفَةً من ماله إذا قطع له قِطعة من ماله. ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَدَف والعائر والغُضَابُ : أذى العين. وقال ابن السكيت : العَدْفُ الأَكْل يقال ما ذَاق عَدْفاً. والعَدَفُ القَذَى.
عفد : أهمله الليث. وقال أبو عمرو : الاعتفاد : أن يُغلق الرجل الباب على نفسه ، فلا يَسأل أحداً حتى يموت جوعاً. وأنشد :
وقائلةٍ ذا زمان اعتفادْ |
ومَن ذاك يَبْقى على الاعتفَادْ |
وقد اعْتَفَدَ يَعْتَفِدُ اعتِفاداً.
وقال شمر : قال محمد بن أنس : كانوا إذا اشتدّ بهم الجوع وخافوا أن يموتوا أغلقوا عليهم باباً ، وجعلوا حَظِيرة من شجرة يدخلون فيها ليموتوا جوعاً. قال : ولقي رجل جارية تبكي فقال لها : ما لك؟ قلت : نريد أن نَعْتَفِد. قال : وقال النظّار بن هاشم الأسَديّ :
صاحَ بهم على اعتِفَادٍ زمانْ |
مُعْتَفِدٌ قَطّاع بينِ الأقرانْ |
قال شمر : ووجدته في «كتاب ابن بزرج» : اعتقد الرجل ـ بالقاف ـ وآطم وذلك أن يغلق عليه باباً إذا احتاج حتى يموت. قال : ووجدته في «كتاب أبي خَيرة» : عَفَدَ الرجل وهو يَعْفِد. وذلك إذا صفّ رجليه فوثب من غير عَدْوٍ.
دفع : قال الليث : الدَّفْع معروف. يقول : دفع الله عنك المكروه دَفْعاً ، ودافع عنك دِفاعاً. قال والدَّفْعَة : انتهاء جماعة قوم إلى موضع بمرّة. والدُّفْعَة ما دَفَعْتَ من سِقَاء أو إناء فانصبَّ بمرَّةٍ. وقال الأعشى :
وسَافَتْ من دَمٍ دُفَعَا
وكذلك دُفَع المطر ونحوِه. قال : والدُّفَّاع :
طَحْمة الموج والسيل. وأنشد قوله :
جَوَاد يَفيض على المعتَفِين |
كما فاضَ يَمٌ بدُفَّاعِهِ |
وقال ابن شميل : الدوافع : أسافل المِيث حيث تَدْفَعُ في الأودية ، أسفلُ كل مَيْثاء دافِعَة.
وقال الليث : الدَّافِعَة : التَّلْعَة تَدفَع في تلعَة أخرى من مسايل الماء إذا جرى في صَبب وحدور من حَدَبٍ ، فترى له في مواضع قد انبسط شيئاً أو استدار ثم دفع في أخرى أسفل منه ، فكلّ واحد من ذلك دَافِعَة. والجميع الدَّوَافِع. قال : ومَجْرَى ما بين الدافعتين مِذْنَبٌ. وقال غيره : المَدَافِع : المجاري والمسايل. وأنشد ابن الأعرابي :
شِيبِ المبارك مدروسٌ مَدَافِعُهُ |
هَابي المراغِ قليلِ الوَدْق مَوْظُوبِ |
قال شمر قال أبو عدنان : المدروس : الذي ليس في مَدْفِعِه آثار السيل من جدوبته. والموظوب : الذي قد وُظِبَ على أكله أي ديم عليه. وقال أبو سعيد : مدروس مَدَافِعُهُ : مأكول ما في أوديته من النبات. هابي المراغِ : ثائرٌ غُبَاره. شِيبٌ : بيضٌ.
وقال الليث : الاندفاع : المضيّ في الأرض كائناً ما كان. وقال في قول الشاعر :
أيها الصُلصُل المُغِذُّ إلى المَدْ |
فَعِ من نهر مَعقلٍ فالمذَارِ |
أراد بالمَدْفَع اسم موضعٍ. قال : والمُدَفَّع : الرجل المحقور الذي لا يُقْرَى إن ضاف ، ولا يُجْدَى إن اجتدى. ويقال : فلان سيّد قومه غير مُدَافَعٍ أي غير مزاحَمٍ في ذلك ولا مدفوع عنه. ويقال : هذا طريق يدفع إلى مكان كذا أي ينتهي إليه. ودُفِعَ فلان إلى فُلان أي انتهى إليه.
ويقال غشيتْنا سحابة فدفَعْناها إلى بني فلان أي انصرفت عنا إليهم. والدافع : الناقة التي تَدْفع اللبَنَ على رأس ولدها ، إنما يكثر اللبن في ضَرْعها حين تريد أن تصنع. وكذا الشاة المِدفاع. والمصدر الدَّفْعة.
وقال أبو عبيدة : قوم يجعلون المفْكِه والدافع سواءً. يقولون : هي دَافِع بولد ،
وإن شئت قلت : هي دافِع بلبن ، وإن شئت قلت : هي دافِع بضَرْعها ، وإن شئت قلت : هي دافِع وتسكت. وأنشد :
ودافِع قد دَفَعَتْ للنَّتْجِ |
قد مَخضَتْ مَخَاض خَيْل نُتْجِ |
وقال النضر : يقال دفعت بلبنها وباللبن إذا كان ولدها في بطنها ، فإذا نُتِجت فلا يقال : دَفَعَتْ. وقال أبو عمرو : الدُّفَّاع : الكثير من الناس ومن السير ومن جَرْي الفرس إذا تدافع جَرْيُه. وفرسٌ دَفَّاعٌ. وقال ابن أحمر :
إذا صَلِيتُ بدفَّاع له زَجَلٌ |
يُوَاضِخُ الشَدَّ والتقريب والخَبَبَا |
ويروى بدُفَّاعٍ يريد الفرس المتدافِع في جريه.
وقال الأصمعي : بعيرٌ مُدَفَّعٌ : كالمُقْرم الذي يودَّع للفِحْلة فلا يُرْكَبُ ولا يُحْمَل عليه.
وقال الأصمعي : هو الذي إذا أُتِي به ليحمل عليه. قيل : ادفع هذا أي دَعْه إبقاء عليه.
وأنشد غيره لذي الرمّة :
وَقَرَّبْنَ للأظعان كل مُدَفَّعِ
قال : ويقال : جاء دُفَّاع من الرجال والنساء إذا ازدحموا فركب بعضهُم بعضاً.
أبو زيد : يقال دَافَع الرجلُ أمرَ كذا وكذا إذا أولع به وانهمك فيه. ويقال دَافَع فلان فلاناً في حاجته إذا ماطله فيها فلم يقضها.
وفي «كتاب شمر» قال أبو عمرو : المَدَافِع : مجاري الماء.
وقال ابن شميل : مَدْفَع الوادي : حيث يدفع السيل وهو أسفله حيث يتفرّق ماؤه. وقال الأصمعي : الدوَافِع : مَدَافِع الماء إلى المِيث ، والميث تدفع إلى الوادي الأعظم.
فدع : ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الأفدع : الذي يمشي على ظهر قدميه.
أبو نصر عن الأصمعي : هو الذي ارتفع أَخْمَص رجله ارتفاعاً لو وطىء صاحبُها على عصفورٍ ما آذاه قال : وفي رجله قَسَطٌ وهو أن تكون الرِجل ملساء الأسفل كأنها مَالَجٌ.
وقال الليث : الفَدَعُ : مَيْل في المفاصل كلّها ، كأن المفاصل قد زالت عن مواضعها ، وأكثر ما يكون في الأرساغ. قال : وكلّ ظلِيم أفدَع ؛ لأن في أصابعه اعوجاجاً.
وقال رؤبة :
عن ضَعفِ أطنابٍ وسمْكٍ أَفْدَعَا
فجعل السّمْك المائل أَفْدَع. وأنشد شمر لأبي زُبَيد :
مُقَابَل الخَطْوِ في أَرْسَاغِهِ فَدَعُ
قال : وأنشدني أبو عدنان :
يومٌ من النَثْرة أو فَدْعَائِهَا |
يُخْرِج نَفْسَ العَنْزِ من وَجْعَائِهَا |
قال : يعني بفدعائها : الذراع تُخرج نَفْس العَنْز من شدّة القُرِّ.
قال ابن شميل : الفَدَعُ في اليد : أنْ تراه يطأ على أم قِردَانِهِ فيشخص صدر خُفه ،
جملٌ أفَدع وناقةٌ فَدْعاء. ولا يكون الفدع إلا في الرُسْغ جُسْأة فيه.
وقال غيره : الفَدَع : أن يصطك كعباه ويتباعد قدماه يميناً وشِمالاً.
قلت : أصل الفَدَع الميل والعَوَج ، فكيفما مالت الرِجْل فقد فَدِعَتْ.
باب العين والدال مع الباء
[ع د ب]
عبد ، عدب ، دعب ، بعد ، بدع : مستعملة.
عبد : أبو عبيد عن الفرّاء : ما عَبَّد أَن فعل ذاك وما عَتَّم وما كذّب معناه كله : ما لبَّث. قال : ويقال امتَلّ يعدو ، وانكدر يعدُو ، وعَبّدَ يَعدُو إذا أسرع بعض الإسراع.
وقال الله جلّ وعزّ : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١].
قال الليث : العَبَد : الأنفُ والحمِيَّة من قول ليُستحيا منه ويُستنكف. قال : وقوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي الآنفين من هذا القول. قال : ويُقرأ : (فأنا أول العَبدِين) مقصور من عَبِدَ يَعْبَدُ فهو عَبِد. قال : وبعض المفسرين يقول : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي كما أنه ليس للرحمن ولد أنا لست بأول من عبد الله.
قلت : وهذه آية مشكلة. وأنا ذاكر أقاويل السلف فيها ، ثم مُتبعها بالذي قال أهل اللغة وأُخبِر بأصَحِّها عندي والله الموفق.
فأما القول الذي ذكره الليث أوّلاً فهو قول أبي عبيدة ، على أني ما عَلِمتُ أحداً قرأ : (فأنا أول العَبِدين) ولو قرىء مقصوراً كان ما قاله أبو عبيدة محتملاً. وإذْ لم يقرأ به قارىء مشهورٌ لم يُعبَأ به.
والقول الثاني : ما روي عن ابن عُيَيْنَة أنه سئل عن هذه الآية فقال : معناه : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١] ، يقول : فكما أني لستُ أوّل من عَبَدَ الله فكذلك ليس لله ولد. وهذا القول يقارب ما قاله الليث آخِراً ، وأضافه إلى بعض المفسرين.
وقال السُّدي : قال الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) لهم : (إِنْ كانَ) ـ على الشرط ـ (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) كما تقولون لكنت أوّل من يطيعه ويعبده.
وقال الكلبي : إن كان ما كان.
وقال الحسَنُ وقتادة : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) على معنى ما كان (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : أوّلُ من عَبَدَ الله من هذه الأمّة.
وقال الكسائي : قال بعضهم : (إِنْ كانَ) أي ما كان (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : الآنفين ، رجلٌ عَابِد وعَبِدٌ وآنِف وأنِفٌ.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١] أي الغِضاب الآنفين ويقال : فأنا أول الجاحدين لِمَا تقولون. ويقال : أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالَفةً لكم.
وروي عن عليّ أنه قال : عَبِدتُ فصَمَتُ أي أنِفْتُ فسَكَتُّ.
وقال ابن الأنباريّ : معناه : ما كان للرحمن ولد والوقف على الولد ، ثم
يبتدىء : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) له ، على أنه لا ولد له. والوقف على (الْعابِدِينَ) تامّ. قلت : قد ذكرتُ أقاويل مَن قدّمنا ذكرهم ، وفيه قول أحسن من جميع ما قالوا وأَسْوغ في اللغة ، وأبعد من الاستكراه وأسرع إلى الفهم.
رَوَى عبد الرازق عن مَعْمَر عن ابن أبي نَجِيع عن مجاهد في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١] يقول : إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عَبَدَ الله وحده وكذّبكم بما تقولون.
قلت : وهذا واضح. وممّا يزيده وضوحاً أن الله جلّ وعزّ قال لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) يا محمد للكفار (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في زعمكم (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) إلهَ الخلق أجمعين الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ، وأولّ الموحِّدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده ؛ لأن من عَبَدَ الله واعترف بأنه معبوده وحده لا شريك له فقد دَفَعَ أن يكون له ولد. والمعنى : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في دعواكم فالله جلّ وعزّ واحد لا شريك له ، وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد.
قلت : وإلى هذا ذهب إبراهيم بن السَرِيّ وجماعة من ذوي المعرفة ، وهو القول الذي لا يجوز عندي غيره.
وقال الله جلّ وعزّ : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشُّعراء : ٢٢] الآية.
قلت : وهذه الآية تقارِب التي فسّرنا آنفاً في الإشكال ، ونذكر ما قيل فيها ونخبر بالأصحّ الأوضح ممَّا قيل.
أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال : قال الأخفش في قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) قال : يقال : إن هذا استفهامٌ ، كأنه قال : أوَ (تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ)! ثم فَسَّر فقال : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) فجعله بدلاً من النعمة.
قال أبو العبّاس : وهذا غلط ؛ لا يجوز أن يكون الاستفهام يُلْقى وهو يُطْلَبُ ، فيكون الاستفهام كالخبر. وقد استُقبح ومعه (أم) وهي دليل على الاستفهام. استقبحوا قول امرىء القيس :
تروح من الحَيّ أم تَبْتَكِرْ
قال بعضهم : هو أتروح من الحيّ أم تبتكر فحذف الاستفهام أوّلاً واكتفى بأم. وقال أكثرهم : بل الأول خبر والثاني استفهام. فأمَّا وليس معه (أم) لم يقله إنسان.
قال أبو العباس : وقال الفرّاء : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) ، لأنه قال : (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) لنعمتي أي لنعمة تربيتي لك ، فأجابه فقال : نعم هي نعمة (عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ولم تستعبدني. يقال : عَبَّدَتُ العَبِيد وأعبدتهم أي صيّرتُهم عبيداً ، فيكون موضع (أَنْ) رفعاً ويكون نصباً وخفضاً. من رَفَع ردّها على النعمة ، كأنه قال : وتلك نعمة تعبيدك بني إسرائيل ولَمْ تُعَبِّدْني. ومن خفض أو نصب أضمر اللام. قلت : والنصب أحسن الوجوه ، المعنى : أن فرعون لمّا قال لموسى : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء : ١٨] فاعتَدّ فرعونُ على
موسى بأن ربّاه وليداً منذ وُلِد إلى أن كَبِر ، فكان من جواب موسى له : تلك نعمة تَعتدّ بها عليّ لأنك عَبّدتَ بني إسرائيل ولو لم تُعبْدهم لكفَلني أهلي ولم يُلْقوني في اليمّ ، فإنما صارت نعمة لِمَا أقدمت عليه ممَّا حظره الله عليك.
وقال أبو إسحاق الزجّاج : المفسّرون أخرجوا هذه على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة ، كأنه قال : وأيّ نعمة لك عليّ في أن عَبَّدت بني إسرائيل واللفظ لفظ خبر. قال : والمعنى يخرج على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر. وفيه تبكيتٌ للمخاطَب كأنه قال له هذه نعمة أن اتخذتَ بني إسرائيل عَبيداً ، على جهة التهكّم بفرعون. واللفظ يوجب أن موسى قال له : هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيداً ولم تتخذني عَبداً ، وقال الشاعر في أعبَدت الرجل بمعنى عَبَّدته :
علام يُعْبِدُني قومي وقد كثرت |
فيهم أباعِر ما شاءوا وعُبْدانُ |
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : المُعَبَّد : المُذَلَّل. والمُعَبّد : البعير الجَرِبُ.
وأنشد لَطَرفة :
وأفردت إفراد البعير المعُبَّدِ
قال والمُعَبَّد : المكرَّم في بيت حاتم حيث يقول :
تقول ألا تُبقي عليك فإنني |
أرى المال عند الممسكين مُعَبَّدَا |
أي مُعَظَّماً مخدُوماً. قال : وأخبرني الحرّاني عن ابن السكيت : يقال اسْتَعْبَده وعَبَّدَه أي أخذه عَبْداً وأنشد قول رؤبة :
يَرْضَوْنَ بالتعبيد والتأمِيّ
قال : ويقال : تَعَبَّدت فلاناً أي اتّخذته عَبداً ، مثل عَبَّدته سَوَاء. وَتَأَمَّيْتُ فلانةَ أي اتخذتها أَمَةً.
وقال الفرّاء : يقال : فلان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة والعُبُودِيَّة والعَبْدِيّة. وتَعَبَّد الله العَبْد بالطاعة أي استعبده.
وقال الله جلّ وعزّ : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] قرأ أبو جعفر وشَيْبَة ونافِع وعاصِم وأبو عمرو والكسائي : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ).
قال الفرّاء : هو معطوف على قوله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) ومن عَبَدَ الطاغوت.
وقال الزجاج : قوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) نَسَقٌ على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) المعنى : من لعنه الله ومن عبد الطاغوت. قال وتأويل (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي أطاعه ـ يعني الشيطان ـ فيما سوّل له وأغواه. قال : والطاغوت هو الشيطان.
قال في قول الله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفَاتِحَة : ٥] : إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها.
قال : ومعنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع. ويقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلاً بكثرة الوطء ، وبعيرٌ مُعَبَّد إذا كان مَطْليًّا بالقَطِران. وقرأ : (وعَبُدَ الطاغوتِ)
يحيى بن وَثّابٍ والأعمش وحمزة.
قال الفرّاء : ولا أعلم له وجهاً إلا أن يكون عَبُدَ بمنزلة حذُر وعَجُل.
وقال نُصَير الرازيّ : (عَبُدٌ) وَهمٌ ممَّن قرأه ، ولسنا نعرف ذلك في العربيَّة.
ورُوي عن النخعي أنه قرأ : (وعُبُدَ الطاغوتِ) وذكر الفرّاء أن أُبَيَّاً وعبد الله قرءا (وعبدوا الطاغوت).
ورُوي عن بعضهم أنه قرأ : (وعُبَّاد الطاغوت) وبعضهم (وعَابِدَ الطاغوت).
ورُوي عن ابن عباس : (وعُبِّدَ الطاغوت).
ورُوي عنه أيضاً : (وعُبَّدَ الطاغوت).
قلت : والقراءة الجيّدة التي لا يجوز عندنا غيرها هي قراءة العامّة التي بها قرأ القُرّاء المشهّرون. (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] على التفسير الذي بيّنته من قول حُذَّاق النحويين.
قلت : وأما قول أوس بن حجر :
أبَنِي لبيني أن أُمَّكُمُ |
أَمَةٌ وإن أباكم عَبُدُ |
فإنه أراد : وإن أباكم عَبْد فثقَّله للضرورة ، فقال : عَبُدُ.
وقال الليث : العَبد : المملوك. وجماعتهم : العَبِيد ، وهم العِبَاد أيضاً ؛ إلَّا أنّ العامّة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله والمَماليك ، فقالوا : هذا عَبْد من عباد الله ، وهؤلاء عبيد مماليك.
قال : ولا يقال : عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً إلّا لمن يَعْبُدُ الله. ومن عَبَدَ مِن دونه إلهاً فهو من الخاسرين.
قال : وأما عَبْدٌ خَدَمَ مولاه فلان يقال : عَبَدَه.
قال الليث : ومن قرأ : (وَعَبُدَ الطاغوتُ) فمعناه صار الطاغوتُ يُعْبَد ، كما يقال : فَقُهَ الرجل وظَرُفَ. قلت : غَلِط الليث في القراءة والتفسير. ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار وغيرهم (وَعَبُدَ الطاغوتُ) برفع الطاغوت ، إنما قرأ حمزة : (وَعَبُدَ الطاغوتِ) وهي مهجورة أيضاً.
قال الليث : ويقال للمشركين : هم عَبَدَة الطاغوتِ. ويقال للمسلمين : عِبَاد الله يَعْبُدُون الله. وذكر الليث أيضاً قراءة أخرى ما قرأ بها أحد وهي (وعابدو الطاغوت) جماعة.
وكان رَحِمه اللهُ قليل المعرفة بالقراءات. وكان نَوْلُه ألّا يحكي القراءات الشاذَّة ، وهو لا يحفظها القارىء قرأ بها وهذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح ، لأن الخليل كان أعقل وأورع من أن يسمِّى مثل هذه الحروف قراءات في القرآن ، ولا تكون محفوظة لقارىء مشهور من قُرّاء الأمصار ودليل على أن الليث كان مغفَّلاً ونسأل الله التوفيق للصواب.
وقال الليث : يقال أعبَدني فلان فلاناً أي ملّكني إيّاه.
قلت : والمعروف عند أهل اللغة : أعبَدت فلاناً أي استعبدته. ولست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحَّ لثقة من الأئمة ، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لا تستمرّ
ولا تطّرد.
وقال الليث : العِبِدَّى : جماعة العَبيد الذين وُلِدُوا في العُبُودَة ، تعبيدةً ابنَ تعبيدة ، أي في العُبُودة إلى آبائه.
قلت : هذا غَلَط. يقال : هؤلاء عِبِدَّى الله أي عِبَادُه.
وفي الحديث الذي جاء في الاستسقاء : «وهذه عِبِدّاك بِفناء حَرَمك».
قال الليث : والعبادِيد : الخيل إذا تفرّقتْ في ذهابها ومجيئها ، ولا تقع إلا على جماعة : لا يقال للواحد عِبْدِيد.
قال ويقال في بعض اللغات : عبابيد ، وأنشد :
والقوم آتوك بَهزٌ دون إخوتهم |
كالسيل يركب أطراف العبَابِيد |
قال : وهي الأطراف البعيدة ، والأشياء المتفرقة. وهم عَباديد أيضاً.
قلت : وقال الأصمعي : العبابيد : الطُرُق المختلفة.
ورَوَى أبو طالب عن أبيه عن الفرّاء أنه قال : العَبَاديد والشماطِيط لا يُفْرد له واحد.
قال : وقال غيره : ولا يُتكلم بهما في الإقبال ، إنما يتكلم بهما في التفرق والذهاب.
قال : وقال الأصمعي : يقال صاروا عَبابِيد وعَبَادِيد أي متفرّقين.
وقول الله جلّ وعزّ : (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) [المؤمنون : ٤٧] أي دائنون ، وكل من دان لملكٍ فهو عَابد له.
وقال ابن الأنباري : فلان عَابِد وهو الخاضع لربّه المستسلم لقضائه المنقاد لأمره. وقوله (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] أي أطيعوا ربّكم. وقيل في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] : إيّاك نوحِّد ، والعابد الموحِّد. والدراهم العَبْديَّة كانت دراهم أفضل من هذه الدراهم وأكثر وزناً. وأما بيت بشر :
مُعَبَّدةُ السقائف ذات دُسْرٍ |
مُضَبَّرةٌ جوانبها رَداحُ |
فإن أبا عبيدة قال : المعَبَّدة : المطليَّة بالشحم أو الدُهْن أو القار. وقيل مُعَبَّدة : مُقَيرة. وقال شمر : يقال للعبيد مَعْبَدَة.
وأنشد للفرزدق :
وما كانت فُقَيم حيث كانت |
بيثرب غيرَ مَعْبَدَة قُعُودِ |
قلت : ومثل معبَدة جمع العبْد مشيْخة جمع الشيخ ، ومسْيفة جمع السيف. أبو عبيد عن أبي زيد : أعبَدَ القوم بالرجُل إذا ضربوه ، وقد أُعْبِدَ به إذا ذهبتْ راحلته ، وكذلك أُبْدِعَ به. أبو عبيد عن أبي عمرو : ناقة ذات عَبَدَة أي لها قوّة شديدة. وقال شمر : العَبَدَة البقاء يقال ما لثوبك عَبَدَة أي بقاء سُمِّي عَلْقمة بن عَبَدَة وقال أبو دوادٍ الإياديُ :
إنْ تُبتذل تُبتذل من جندلٍ خِرسٍ |
صَلَابةٍ ذات أَسدارٍ لها عَبَدَه |
وقيل أراد بالعَبَدَة : الشدّة. وقال شمر : يُجمع العَبْدُ عَبيداً ومَعْبُودَاء وعِبِدَّى ومَعْبَدَة وعُبْدَاناً وعِبْدَاناً وأنشد :