السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٨
المجلس الثاني والتسعون بعد المئة
قال عُروة بن الزّبير : كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول الله (ص) ، فتذاكرنا أحوال أهل بدر ، وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدّرداء : يا قوم ، ألاَ اُخبركم بأقلِّ القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا : مَن هو؟ قال : علي بن أبي طالب. قال : فوالله ، إنْ كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه ، ثمّ انتُدب له رجل من الأنصار ، فقال له : يا عُويمر ، لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء : يا قوم ، إنّي قائل ما رأيته ، وليقل كلُّ قوم ما رأوا. شهدت علي بن أبي طالب (ع) بسويحات بني النّجار ، وقد اعتزل عن مواليه ، واختفى ممّن يليه ، واستتر ببُعيلات النّخل ، فافتقدته وبعُد عليَّ مكانه ، فقلت : لحق بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي ، وهو يقول : «إلهي ، كمْ من موبقةٍ حملتُها فقابلتَها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرّمتَ عن كشفها بكرمك. إلهي ، إنْ طال في عصيانك عُمري ، وعظم في الصُّحف ذنبي ، فما أنا مؤمّلٌ غير غفرانك ، ولا أنا براجٍ غير رضوانك». فشغلني الصوت ، واقتفيت الأثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب (ع) بعينه ، فاستترت له لأسمع كلامه ، وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثمّ فزع إلى الدعاء والتّضرع والبكاء ، والبثّ والشكوى ، فكان ممّا به ناجى أنْ قال : «إلهي ، اُفكّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي». ثمّ قال : «آهٍ إنْ أنا قرأت في الصحف سيئةً ، أنا ناسيها وأنت مُحصيها! فتقول : خذوه. فيا له من مأخوذٍ لا تُنجيه عشيرتُه ، ولا تنفعه قبيلتُه ، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنّداء». ثمّ قال : «آهٍ من نار تنضج الأكباد والكِلى! آهٍ من نار نزّاعة للشوى! آهٍ من غمرةٍ من مُلتهبات لظى!». ثمّ انغمر في البكاء ، فلمْ أسمع له حسّاً ولا حركة ، فقلتُ : غلب عليه النّوم لطول السهر ، اُوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدّرداء : فأتيته ، فإذا هو كالخشبة المُلقاة ، فحرّكته فلمْ يتحرّك ، وزويته فلم ينزوِ. قلت :
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مات والله ، علي بن أبي طالب. فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : «يا أبا الدّرداء ، أخبرنا ما كان من شأنه وقصّته؟». فأخبرتها الخبر ، فقالت : «هي والله ، الغشية التي تأخذه من خشية الله». ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليَّ وأنا أبكي ، فقال : «ممّ بكاؤك يا أبا الدّرداء؟». فقلت : ممّا أراه تُنزله بنفسك. فقال : «يا أبا الدّرداء ، فكيف لو رأيتني وقد دُعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكةٌ غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفتُ بين يدَي الملك الجبّار ، قد أسلمتني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدَّ رحمة لي بين يديّ مَنْ لا تخفى عليه خافية». قال أبو الدّرداء : فوالله ، ما رأيتُ ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (ص). أقول : كلّ مَنْ يُغمى عليه يؤتى إليه بالماء ، فيُنضح على وجهه حتّى يفيق ، إلاّ غريب كربلاء أبو عبد الله الحسين (ع) ؛ فإنّه لمّا سقط عن ظهر جواده إلى الأرض ، واُغمي عليه ساعة ، لمْ يُنضح على وجهه الماء حتّى يفيق ، وإنّما أفاق على ضرب السّيوف وطعن الرماح ، وهو مع ذلك يطلب جرعة من الماء ، وهم يقولون : لنْ تذوق الماء ـ أبا عبد الله ـ حتّى تذوق الموت عطشاً.
فعزَّ أنْ تتلظَّى بينَهُمْ عَطشاً |
|
والماءُ يصدرُ عنه الوحشُ ريّانا |
ونظر أمير المؤمنين (ع) ذات يوم إلى امرأة وعلى كتفها قربة ماء مملوءة ، فحملها معها إلى منزلها ، ثمّ سألها عن شأنها ، قالت : بعث علي بن أبي طالب (ع) بصاحبي إلى بعض الثغور فقُتل ، وترك عليّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء ، وقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة النّاس. فمضى أمير المؤمنين (ع) وبات تلك الليلة قلقاً ، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً مملوءاً من الدقيق واللحم والتمر على كتفه ، فقال له بعض أصحابه : أعطني أحمل عنك هذا؟ فقال : «مَن يحمل عنّي وزري يوم القيامة؟». ثمّ أتى إلى باب تلك الامرأة وقرع الباب ، قالت : مَن في الباب؟ قال : «أنا العبد الذي حمل معك القربة ، افتحي الباب ؛ فإنّ معي شيئاً للصبيان». فقالت : رضي الله عنك ، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب. ثمّ فتحت له الباب ودخل ، وقال لها : «يا أمة الله ، إنّي أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أنْ تعجني وتخبزي ، وبين أنْ تُعللي الصبيان لأخبز أنا لهم؟». قالت : يا عبد الله ، أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ، دونك الصبيان فعلّلهم. فعمدت الامرأة إلى الدقيق تعجنه ، وعمد أمير المؤمنين (ع) إلى اللحم فطبخه ، وجعل يُلقم الصبيان من ذلك اللحم والتمر ، وكلّما ناول صبياً منهم ، قال له : «يا بُني ، اجعل علي بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمركم». ولمّا اختمر العجين ، قالت الامرأة : قُم يا عبد الله
اسجر التّنور. فلمّا أشعل النّار لفحت وجهه ، فجعل يقول : «ذُق يا علي ، هذا جزاء مَن ضيَّع الأرامل واليتامى». فدخلت امرأة من خارج الدار فعرفته ، فقالت : ويحك! هذا الإمام علي بن أبي طالب (ع). فبادرت إليه الامرأة ووقعت على قدميه تُقبّلهما ، وهي تقول : وا حيائي منك يا أبا الحسن! فقال : «بل وا حيائي منك يا أمة الله ، فيما قصّرتُ في أمرك!». أمير المؤمنين (ع) حمل اللحم والتمر والدقيق إلى يتامى بعض أصحابه ، فأين كان أمير المؤمنين (ع) عن يتامى ولده أبي عبد الله الحسين (ع) ليلة الحادي عشر من المُحرّم ، حين باتوا تلك الليلة بلا محامٍ ولا كفيل ، وهم عطاشى جياعى؟!
قُمْ يا عليُّ فما هذا القعْودُ وما |
|
عَهْدي تَغضُّ على الأقذاءِ أجفانَا |
وانهضْ لعلّكَ منْ أسرٍ أضرَّ بنَا |
|
تَفكَّنا أو تولَّى دفْنَ قتلانَا |
هذا حسينٌ بلا غُسلٍ ولا كَفنٍ |
|
عارٍ تجولُ عليه الخيلُ ميدانَا |
المجلس الثالث والتسعون بعد المئة
في (غاية المرام) ، عن ابن المغازلي الشافعي في (المناقب) ، بعدّة طرق ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أخذ النّبي (ص) بعضد علي (ع) ، وقال : «هذا أمير البررة ، وقاتل الكفرة ـ أو الفجرة ـ منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله». ثمّ مدّ بها صوته ـ أو قال : مدّ بصوته ـ فقال : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمَن أراد العلم ـ أو فمَن أراد المدينة ـ فليأتِ الباب». وفي رواية : «أنا مدينة وعليٌّ بابها ، ولا تُؤتى البيوت إلاّ من أبوابها». وفي رواية : «يا علي ، أنا مدينة العلم وأنت الباب ، كذب مَن زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من الباب». وفي ذلك يقول الصفي الحلّي ـ رحمه الله تعالى :
مدينةُ علمٍ وابنُ عمِّكَ بابُها |
|
فمِنْ غيرِ ذاكَ البابِ لمْ يُؤتَ سُورُها |
وفي (غاية المرام) ، عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن زيد بن أرقم ، قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (ص) أبواب شارعة في المسجد ، فقال يوماً : «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي». فتكلّم في ذلك اُناس ، فقام رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم. والله ، ما سددتُ شيئاً ولا فتحتُه ، ولكنّي اُمرتُ بشيء فاتّبعتُه». وفي رواية ابن المغازلي الشافعي : فأتاه العبّاس ، فقال : يا رسول الله ، سددت أبوابنا وتركت باب علي؟! قال : «ما أنا فتحتُها ، ولا أنا سددتُها». وروى ابن المغازلي الشافعي بسنده عن سعد بن أبي وقاص ، قال : كانت لعليٍّ مناقبُ لمْ تكن لأحد ؛ كان يبيت في المسجد ، وأعطاه النّبي (ص) الراية يوم خيبر ، وسدّ الأبواب كلّها إلاّ باب علي. وجاء في عدّة روايات ، عن النّبي (ص) أنّه قال : «يا علي ، أنت قسيم النّار ؛ تقول : هذا لي ، وهذا لكِ». وفي رواية : «إنّك قسيم الجنّة والنّار». وفي ذلك يقول الشاعر :
عليٌّ حُبّهُ جُنَّةْ |
|
قسيمُ النَّارِ والجَنَّةْ |
وصيُّ المُصطفَى حقَّاً |
|
إمامُ الإنسِ والجِنَّةْ |
وفي (غاية المرام) ، عن موفق بن أحمد عن النّبي (ص) أنّه قال لعلي (ع) : «أنا أوّل مَن تنشقُّ الأرض عنه يوم القيامة وأنت معي ، ومعي لواء الحمد ، وهو بيدك تسير به أمامي ، وتسبق به الأوّلين والآخرين». وفيه ، عن الزمخشري في الفائق : إنّ النّبي (ص) قال لعلي (ع) : «أنت الذائدُ عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجالَ كما يُذاد البعير الصاد». اي الذي به الصيد وهو داء يلوي العنق ولهذا لمّا ضيّق أهل الكوفة على الحسين (ع) يوم كربلاء ، ومنعوه من الماء حتّى نال العطش منه ومن أصحابه ، قام متوكّئاً على قائم سيفه ، وذكّرهم بفضائله فاعترفوا بها ، فقال لهم : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصاد عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!». قالوا : قد علمنا ذلك كلّه ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.
قسَتْ القلوبُ فلمْ تَملْ لهدايةٍ |
|
تبّاً لهاتيكَ القُلوبِ القاسيَهْ |
ما ذاقَ طعْمَ فُراتِهمْ حتَّى قَضَى |
|
عَطشاً وغُسِّلَ بالدِّماءِ القَانِيهْ |
المجلس الرابع والتسعون بعد المئة
في غاية المرام : عن مسند أحمد بن حنبل بسنده ، عن سفينة مولى رسول الله (ص) قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (ص) طيرين بين رغيفين ، فقال رسول الله (ص) : «اللهمّ ، ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك». فجاء علي (ع) فرفع صوته ، فقال رسول الله (ص) : «مَن هذا؟». فقلت : علي. قال (ص) : «فافتح له». ففتحت له فأكل مع النّبيِّ (ص) من الطيرين حتّى كفيا. وفي غاية المرام : عن ابن المغازلي الشافعي في المناقب بسنده ، عن أنس بن مالك قال : اُهدي إلى النِّبيِّ (ص) نُحامة (١) ، فقال (ص) : «اللهمّ ، ابعث إليّ أحبّ خلقك إليك وإلى نبيّك ، يأكل معنا هذه المائدة». قال : فأتى علي ، فقال : «استأذن لي على رسول الله». فقلت : النّبيُّ عنك مشغول. فرجع علي (ع) ، ولمْ يلبث أنْ جاء ، فقال : «استأذن لي على رسول الله». فقلت : النّبيُّ عنك مشغول. فرجع علي (ع) ولمْ يلبث أنْ جاء ، فهممت أنْ أقول مثل قولي الأوّل والثاني ، فسمع رسول الله (ص) من داخل الحجرة كلام علي (ع) ، فقال : «ادخل يا أبا الحسن ، ما الذي أبطأ بك عنّي؟». قال (ع) : «قد جئتُ يا رسول الله مرّتين وهذه الثالثة ، كلّ ذلك يردّني أنس ، يقول : النّبيّ عنك مشغول». فقال (ص) : «يا أنس ، ما حملك على هذا؟». فقلت : يا رسول الله ، سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال النّبي (ص) : «كلٌ يُحبّ قومه يا أنس». وروي حديث الطائر المشوي في غاية المرام أيضاً ، عن سنن أبي داود وموفّق بن أحمد الحموئي والسّمعاني وغيرهم ، بطرق كثيرة تبلغ الستّة وثلاثين طريقاً ، كلّها من طرق أهل السُّنّة ، ورواه بثمانية طرق من طرق أهل الشيعة خاصّة. وقال الصاحب بن عبّاد ـ رحمه الله تعالى :
__________________
(١) النُّحَام : طائر كالأوز. وغلّظ الجوهري : في فتحه وشدّه. ـ المرلف ـ
يا أميرَ المؤمنينَ المُرتَضى |
|
إنّ قلبي عندكُمْ قدْ وَقَفَا |
مَنْ كمولايَ عليٍّ زاهدٌ |
|
طلَّقَ الدُّنيا ثلاثاً ووفَى |
مَنْ دُعِي للطِّيرِ كيْ يأكلُهُ |
|
ولنَا في بعضِ هذا مُكتَفَى |
مَنْ وصيُّ المُصطفَى عندكُمُ |
|
فوصيُّ المُصطَفَى مَنْ يُصْطفَى |
وفضائل أمير المؤمنين (ع) ومناقبه لا يُحيط بها الحصر. وقد احتجّ الحسين (ع) على أهل الكوفة يوم كربلاء بفضائل أبيه أمير المؤمنين (ع) ـ في جملة ما احتجّ به ـ ، فقال (ع) : «ألستُ ابنَ بنت نبيّكم ، ، وابنَ وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين به والمُصدِّقين برسول الله (ص) وبما جاء به منْ عند ربّه؟!». وقال (ع) في مقام آخر : «أنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ عليّاً كان أوّل القوم إسلاماً ، وأعلمهم علماً وأعظمهم حلماً ، وأنّه وليُّ كلِّ مؤمن ومؤمنة). قالوا : اللهمّ نعم. قال (ع) : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصادر (١) عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة؟». قالوا : قد علمنا ذلك كلّه ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.
قسَتْ القلوبُ فلمْ تَملْ لهدايةٍ |
|
تبّاً لهاتيكَ القُلوبِ القاسيَهْ |
ما ذاقَ طعْمَ فُراتِهمْ حتَّى قَضَى |
|
عَطشاً وغُسِّلَ بالدِّماءِ القَانِيهْ |
_________________________
(١) مرّ عن الزمخشري : أنّه الصاد. ووجدناه : الصادر ، وله وجهُ.
المجلس الخامس والتسعون بعد المئة
قال الله تعالى في سورة المائدة : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) اتّفق المفسرون على أنّها نزلت في حقّ علي بن أبي طالب (ع) حين مرّ سائل ، وهو راكع ، في المسجد فأعطاه خاتمه. ورُوي في الجمع بين الصحاح الستّة من صحيح النسائي ، عن ابن سلام ، قال : أتينا رسول الله (ص) ، فقلنا : إنّ قومنا حادّونا لمّا صدّقنا الله ورسوله ، وأقسموا أنْ لا يُكلّمونا. فأنزل الله تعالى : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). ثُمّ أذّنَ بلال لصلاة الظهر ، فقام النّاس يُصلّون ؛ فمِنْ بين ساجد وراكع وسائل ، إذ سائل يسأل ، فأعطاه علي (ع) خاتمه وهو راكع ، فأخبر السّائل رسول الله (ص) ، فقرأ علينا رسول الله (ص) : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ...) إلى آخر الآية. وروى الثعلبي في تفسيره بسنده : إنّ أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : أيّها النّاس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله (ص) بهاتين ـ وإلاّ صُمّتا ـ ورأيته بهاتين ـ وإلاّ فعميتا ـ يقول : «عليٌّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله». أما إنّي صلّيت مع رسول الله (ص) يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلَمْ يعطِه أحد ، فرفع السّائل يده إلى السّماء ، وقال : اللهمّ ، اشهد إنّي سألت في مسجد رسول الله (ص) فلمْ يعطني أحدٌ شيئاً. وكان علي راكعاً ، فأومأ إليه بخنصره اليُمنى ـ وكان يتختّم فيها ـ ، فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النّبي (ص) ، فلمّا فرغ [النبيُّ] من صلاته ، رفع رأسه إلى السّماء ، وقال : «اللهمّ ، موسى سألك فقال : (رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً من لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ
أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي). فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : (سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا) اللهمّ ، وأنا محمّد نبيّك وصفيّك. اللهمّ ، فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً عليّاً ، اشدد به ظهري». قال أبو ذر : فما استتم رسول الله (ص) الكلمة حتّى نزل جبرائيل (ع) من عند الله تعالى ، فقال : يا محمّد ، اقرأ. قال (ص) : «ما أقرأ؟». قال : اقرأ : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).
وكما جاد أمير المؤمنين (ع) بخاتمه في صلاته ، جاد ولده الحسين (ع) بخاتمه بعد قتله ؛ وذلك لمّا أقبل القوم على سلب الحسين (ع) فأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي. ولكنّ فرق عظيم بين المقامين ؛ فأمير المؤمنين (ع) أشار إلى السّائل ـ وهو في صلاته ـ أنْ يأخذ الخاتم من يده فأخذه ؛ وأمّا الحسين (ع) ، فجاء بجدل بن سليم الكلبي ليسلبه بعد قتله ـ مع الذين جاؤوا إلى سلبه ـ فوجد الخاتم في يده وقد جمدت عليه الدماء ، فلمْ يستطعْ نزعه من يده الشريفة ، فقطع إصبعه مع الخاتم.
ومُبدَّدُ الأوصالِ لازَمَ حزُنُهُ |
|
شملَ الكمالِ فلازم التّبديدَا |
ومجرحٌ ما غيَّرتْ منه القنَا |
|
حُسناً وما أخلقْنَ منه جديدَا |
المجلس السّادس والتسعون بعد المئة
في غاية المرام : عن مسند أحمد بن حنبل بسنده : أنّ النّبيّ (ص) آخى بين النّاس وترك عليّاً ، فقال (ع) : «يا رسول الله ، آخيت بين النّاس وتركتني!». قال (ص) : «ولِمَن تراني تركتك؟ إنّما تركتك لنفسي. أنت أخي وأنا أخوك ، فإنْ فاخرك أحد ، فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله. لا يدّعيها أحدٌ غيرك إلاّ كذاب». وفيه عن مسند أحمد بن حنبل أيضاً ، وذُكر مؤاخاة رسول الله (ص) بين الصحابة ، فقال علي (ع) للنبيّ (ص) : «لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإنْ كان هذا من سَخَطٍ منك ، فلك العُتبى والكرامة؟». فقال رسول الله (ص) : «والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، ما اخّرتك إلاّ لنفسي ، فأنت منِّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي». قال (ع) : «وما أرث منك يا رسول الله؟». قال (ص) : «ما ورث الأنبياء قبلي». قال (ع) : «ما ورث الأنبياء قبلك؟». قال (ص) : «كتاب الله وسنّة نبيّهم. وأنت معي في الجنّة ، وأنت أخي ورفيقي». ثمّ تلا رسول الله (ص) (إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) المُتحابّون في الله ينظر بعضهم إلى بعض. وقال صفي الدين الحلّي رحمه الله :
أنت سرُّ النّبيِّ والصنوُ وابنُ الْ |
|
عمِّ والصهرُ والأخُ المُستَجادُ |
لو رأى مثلَكَ النّبيُّ لآخا |
|
هُ وإلاّ فأخطَأَ الانتقادُ |
وعن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت عليّاً يُنشد رسول الله (ص) شعراً :
أنا أخو المُصطفَى لا شكَّ في نسَبي |
|
معْهُ رُبيتُ وسِبطاهُ هُما ولدِي |
صدقتُهُ وجميعُ النّاسِ في بُهَمٍ |
|
من الضَّلالةِ والإشراكِ والنكَدِ |
فالحمدُ للهِ شُكراً لا شريكَ لهُ |
|
البَرّ بالعبدِ والباقِي بلا أمدِ |
ولمّا بات علي (ع) على فراش رسول الله (ص) ليلة الغار ، أوحى الله عزّ وجل إلى جبرائيل وميكائيل : «إنّي قد آخيت بينكما ، وجعلتُ عُمرَ أحدكما أطول من عُمرِ صاحبه ، فأيّكما يُؤثر أخاه؟». فكلاهما كره الموت ، فأوحى الله إليهما : «عبديَّ ، ألا كُنتما مثلَ وليي علي بن أبي طالب ؛ آخيتُ بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثمّ رقَد على فراشه يُفديهِ بمهجته؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه منْ عدوّه». فهبط جبرائيل فجلس عند راسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرائيل يقول : بخٍ بخٍ ، مَنْ مثلك يابنَ أبي طالب والله عزّ وجل يُباهي بك الملائكة! ودرجة الإخوّة درجة عظيمة ومنزلتها منزلة رفيعة ؛ ولهذا لمّا بعث الحسين (ع) ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة ، كتب إليهم معه : «وأنا باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي ، وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل». وقد قام مسلم بأعباء هذه الإخوّة وحقّق ظنّ الحسين (ع) فيه ، ولمّا خذله أهل الكوفة وتفرّقوا عنه ، وأرسل إليه ابن زياد سبعين رجلاً مع محمّد بن الأشعث ، وسمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال ، علم أنّه قد اُتي في طلبه فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ، ثمّ عادوا إليه ، فشدّ عليهم كذلك ، فأخرجهم مراراً وقتل منهم جماعة ، فلَمّا رأوا ذلك ، أشرفوا عليه من فوق البيت يرمونه بالحجارة ، ويُلهبون النّار في القصب ويرمونها عليه ، فخرج عليهم مُصلتاً سيفه في السّكة ، وهو يقول :
أقسمتُ لا اُقتلُ إلاّ حُرّا |
|
وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكْرَا |
وتكاثروا عليه بعدما اُثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض فاُخذ أسيراً. فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ، ثمّ اتبعوه جسده. ففُعل به ذلك ، فلمّا بلغ خبره الحسين (ع) ، استعبر باكياً ، ثمّ قال : «رحم الله مُسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّاته ورضوانه ، أما أنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا».
يا مُسلمُ بنَ عقيلٍ لا أغبَّ ثرَى |
|
ضريحِكَ المُزنُ هطّالاً وهتّانا |
بذلتَ نفْسكَ في مرضاةِ خالِقِها |
|
حتّى قضيتَ بسيفِ البغْي ظمْآنا |
المجلس السّابع والتسعون بعد المئة
لمّا بُويع أمير المؤمنين (ع) بالخلافة ، خرج إلى المسجد مُتعمّماًً بعمامة رسول الله (ص) ، لابساً بُردة رسول الله (ص) ، مُنتعلاً نعل رسول الله (ص) ، مُتقلّداً سيف رسول الله (ص) ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكّناً ، ثمّ شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثمّ قال : «يا معشر النّاس ، سلوني قبل أنْ تفقدوني ، هذا سفطُ العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقّني رسول الله (ص) زقاًّ. سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين. أمَا والله ، لو ثُنيت لي الوسادة وجلست عليها ، لأفتيتُ أهلَ التَّوراة بتوراتهم ، وأهلَ الإنجيل بإنجيلهم ، وأهلَ القُرآن بقرآنهم حتّى ينطق كلُّ واحدٍ من هذه الكتب ، فيقول : صدقَ عليٌّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ. وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً ، فهل فيكم أحدٌ يعلم ما أنزل الله فيه؟ ولولا آيةٌ في كتاب الله عزّ وجل ، لأخبرتُكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة». وهي هذه الآية : (يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ اُمّ الْكِتَابِ) ثمّ قال : «سلوني قبل أنْ تفقدوني ، فوالذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النّسمة ، لو سألتموني عن أيّةِ آية ، في ليلٍ نزلت أو في نهار ، مكِّيِّها ومدنيِّها ، سفريِّها وحضريِّها ، ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها ، لأخبرتكم». فقام إليه رجل يُقال له : ذعلب ، وكان ذرب اللسان بليغاً في الخطب شجاع القلب ، فقال : لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة ، لاُخجِّلنّه اليوم لكم في مسألتي إيّاه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل رأيت ربّك؟ فقال : «ويلك يا ذعلب! لمْ أكنْ بالذي أعبدُ ربّاً لَمْ أره». قال : كيف رأيته؟ صفه لنا؟ قال : «ويلك! لمْ ترَه العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكنْ رأته القلوب بحقائق الإيمان. ويلك يا ذعلب! إنّ ربّي لا يُوصف بالبُعد ولا بالقُرب ، ولا بالحركة ولا بالسّكون ، ولا بقيام قيام انتصابٍ ولا بجيئة وذهاب. لطيفُ اللّطافة لا يُوصف باللّطف ، عظيمُ العظمة لا يُوصف بالعظم ، كبيرُ الكبر لا يُوصف بالكبر ، جليلُ الجلالة لا يُوصف بالغلظ ، رؤوفُ الرحمة لا
يُوصف بالرّقة. مؤمنٌ لا بعبادة ، مدركٌ لا بمحسّة ، قائلٌ لا بلفظ ، هو في الأشياء على غير ممازجة ، خارجٌ عنها على غير مباينة ، فوق كلِّ شي ولا يُقال له فوق ، أمام كلّ شيء ولا يُقال له أمام ، داخلٌ في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج». فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه ، ثُمّ قال : تَاللهِ ، ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله ، لا عُدت إلى مثلها أبداً. ثُمّ قال (ع) : «سلوني قبل أنْ تفقدوني». فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكّئاً على عكّازه ، فلمْ يزلْ يتخطّى النّاس حتّى دنا منه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دلّني على عمل إذا أنا عملته نجّاني الله من النّار؟ فقال (ع) له : «اسمع يا هذا ، ثمّ افهم ثمّ استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالمٍ ناطق مستعملٍ لعلمه ، وبغنيٍّ لا يبخل بماله عن أهل دين الله عزّ وجل ، وبفقير صابر ؛ فإذا كتم العالمُ علمه ، وبخل الغنيُّ ، ولمْ يصبرْ الفقير ، فعندها الويل والثبور! وعندها يعرف العارفون بالله أنّ الدار قد رجعت إلى بدئها. أيّها السّائل ، لا تغترنّ بكثرة المساجد ، وجماعة أقوام أجسادُهم مجتمعة وقلوبهم شتّى. أيّها السّائل ، إنّما النّاس ثلاثة : زاهد ، وراغب ، وصابر ؛ فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أدركه ، ولا يحزن على شيء منها فاته ؛ وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه ، فإنْ أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه ؛ لِمَا يعلم من سوء عاقبتها ؛ وأمّا الراغب فلا يُبالي مِن حلٍّ أصابها ، أمْ من حرام». قال : يا أمير المؤمنين ، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال (ع) : «ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقٍّ فيتولاّه ، وينظر إلى ما خالفه فيتبرّأ منه وإنْ كان حبيباً قريباً». قال : صدقت والله ، يا أمير المؤمنين.
المجلس الثامن والتسعون بعد المئة
وقال الأصبغ بن نباتة : أتى أمير المؤمنين (ع) ومعه قنبر البزّازين (١) ، فساوم غلاماً بثوبين ، فماكسه الغلام حتّى اتّفقا على سبعة دراهم ؛ ثوباً بأربعة دراهم ، وثوباً بثلاثة دراهم. وقال لقنبر : «اختر أحد الثوبين». فاختار الذي بأربعة ولبس هو الذي بثلاثة ، وقال (ع) : «الحمد لله الذي رزقني ما اُواري به عورتي ، واتجمّل به في خلقه». ثمّ أتى المسجد فكوّم كومةً من حصىً فاستلقى عليها ، فجاء أبو الغلام فقال : إنّ ابني لَمْ يعرفك ، وهذان الدرهمان ربحهما فخذهما. فقال (ع) : «ما كنتُ لأفعل ، فقد ماكسته وماكسني واتّفقنا على رضا». وروي : أنّ أمير المؤمنين (ع) أتى سوق الكرابيس (٢) فإذا هو برجل وسيم (٣) ، فقال (ع) : «يا هذا ، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟». فوثب الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ، عندي حاجتك. فلمّا عرفه مضى عنه ، فوقف على غلام ، فقال (ع) : «يا غلام ، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟». قال : نعم ، عندي ثوبان. فأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين ، فقال (ع) : «يا قنبر ، خُذ الذي بثلاثة دراهم». فقال : أنت أولى به ؛ تصعد المنبر وتخطب النّاس. قال (ع) : «وأنت شابٌّ ولك شره الشباب ، وأنا أستحي من ربّي أنْ أتفضّل عليك. سمعت رسول الله (ص) يقول : البسوهُم ممّا تلبسون ، وأطعموهُم ممّا تأكلون».
وقال المفيد ـ عليه الرحمة ـ في الإرشاد : من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين (ع) ، أنّه لمْ يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عُرف له على مَرّ الزمان ، ولمْ يُوجد في ممارسي الحروب إلاّ مَن أصابته بشرٍّ أو جراحة أو شين إلاّ أمير
_______________________
(١) الذين يبيعون البز ، أي : القماش. ـ المؤلّف ـ
(٢) الكرابيس : جمع كرباس ، بوزن مصباح ، وهو الخام الغليظ.
(٣) جميل الصورة. ـ المؤلّف ـ
المؤمنين (ع) ؛ فإنّه لمْ ينلْه مع طول زمان حروبه جراحٌ من عدو ، ولا شينٌ ، ولا وصل إليه بسوء حتّى كان من اغتيال ابن ملجم له ما كان ، وهذه اُعجوبة أفرده الله في الآية فيها ، ودلّ بذلك على مكانه منه ، وتخصّصه بكرامته التي بان بفضلها من كافّة الأنام. قال : ومن آيات الله تعالى فيه ، أنّه لا يوجد ممارس للحروب إلاّ وهو ظافر بعدوه مرّة ، وغير ظافر به اُخرى ، ومَن جرح منهم خصمه ؛ فمرّة يموت من جرحه ، ومرّة يُعافى ، ولمْ يعهدْ شخص لمْ يفلتْ منه قَرنٌ ، ولا نجا من ضربته أحدٌ إلاّ أمير المؤمنين (ع) ؛ فإنّه لا مرية في ظفره بكلِّ قَرن بارزه ، وإهلاكه كلَّ بطلٍ نازله ، وهذا ما انفرد به من كافّة الأنام ، وخرق الله ـ عزّ وجل ـ به العادة في كلّ حين وزمان ، وهو من دلائله الواضحة. قال : ومِن آيات الله تعالى فيه ، أنّه مع طول ممارسته للحروب ، وكثرة مَن حاربه من الشجعان واحتيالهم عليه ، وبذلهم الجُهد في الفتك به ، ما ولّى أحداً منهم ظهره ، ولا تزحزح عن مكانه ، ولا هاب أحداً من أقرانه ، ولمْ يلقَ أحدٌ سواه خصماً له في حربٍ إلاّ كان مرّة يثبت له ومرّة ينحرف عنه ، وتارة يقدم عليه وتارة يحجم عنه. قال : ومِن آياته التي انفرد بها ، ظهور مناقبه في الخاصّة والعامّة مع كثرة المنحرفين عنه ، وتوفر الأسباب إلى كتمان فضله ، وكون الدُّنيا في يد خصومه. وقد استفاض عن الشعبي أنّه كان يقول : لقد كنتُ أسمع خطباء بني اُميّة يسبّون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على منابرهم وكإنّما يُشال إلى السّماء ؛ ويمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنّهم يكشفون عن جيفة. وقال الوليد بن عبد الملك لبنيه : عليكم بالدِّين ؛ فإنّي لمْ أرَ الدِّينَ بَنى شيئاً فهدمته الدنيا ، ورأيت الدُّنيا قد بنت بُنياناً فهدمه الدين. مازلتُ أسمع أهلنا يسبّون علي بن أبي طالب ويدفنون فضائله ، ويحملون النّاس على شنآنه ، فلا يزيده ذلك في القلوب إلاّ قُرباً ، ويجتهدون في تقريبهم من نفوس الخلق ، فلا يزيدهم ذلك من القلوب إلاّ بُعداً. قال المفيد : وفيما انتهى إليه الأمر من دفن فضائل أمير المؤمنين (ع) ، والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه على عاقل ، حتّى كان الرجل إذا أراد الرواية عنه لمْ يستطع أن يذكر اسمه ، فيقول : حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول الله (ص) ، أو رجل من قريش ، ومنهم مَن يقول : حدّثني أبو زينب. وروى عكرمة عن بعض اُمّهات المؤمنين حديثاً فيه : فخرج رسول الله (ص) متوكّئاً على رَجُلين من أهل بيته ؛ أحدهما الفضل بن العبّاس. فحكى ذلك عكرمة لابن عبّاس ، فقال له : أتعرف الرجل الآخر؟ قال : لا ، لمْ تُسمّه لي. قال : ذاك علي بن أبي طالب (ع) ، وما كانت اُمّناً تذكره بخير وهي تستطيع. وكانت ولاة الجور تضرب بالسّياط مَنْ ذكره ، بل تضرب الرقاب على ذلك وتحرّض النّاس على
البراءة منه. والعادة جارية ، أنّ مَن يُتّفق له ذلك لا يُذكر بخير فضلاً عن أنْ تُذكر له مناقب. قال : ومِن آيات الله تعالى فيه ، أنّه لمْ يبتلِ أحدٌ في ولده وذرّيّته بمثل ما ابتُلي به (ع) في ذرّيّته ؛ وذلك أنّه لمْ يُعرف خوفٌ شمل جماعة من ولد نبيٍّ ولا إمام ، ولا ملكٍ ولا برٍّ ولا فاجر ، كالخوف الذي شمل ذرّيّة أمير المؤمنين (ع) ، ولا لحق أحداً من القتل والطرد عن الأوطان والإخافة ما لحق ذرّيّته وولده ، ولم يجرِ على طائفة من النّاس من ضروب النِّكال ما جرى عليهم ؛ فقُتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال ، وبُني على بشرٍ منهم من البنيان وهم أحياء ، وعُذّبوا بالجوع والعطش حتّى ماتوا ، وأحوجهم ذلك إلى مفارقة الأوطان والتغرّب في البلدان ، وكتمان نسبهم والاستخفاء حتّى عن أحبّائهم ، وجانبهم النّاس مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان ؛ وكلُّ ذلك يُوجب قلّة عددهم وانقطاع نسلهم ، وهم مع ذلك أكثر ذرّيّة أحد من الأنبياء والأولياء وسائر النّاس ، وفي ذلك خرق للعادة. أقول : وكفى في ذلك أنّ بني اُميّة قد قتلوا في يوم كربلاء من آل الرسول (ص) مع الحسين (ع) سبعة عشر رجلاً ، وقتلوا جماعة من الأطفال ، وقتلوا مسلم بن عقيل بالكوفة ، ولمْ يبقَ منهم غيرُ العليل زين العابدين (ع) وثلاثة أو أربعة من الصبيان ، وسمّوا الحسن (ع) ، وقتلوا زيد بن علي ، ويحيى بن زيد وغيرهم من بني هاشم. وقتل بنو العبّاس الكثيرين منهم ، وبنَوا على بعضهم الحيطان وهدموا عليهم الحبوس ، وما زادهم الله بذلك إلاّ بركةً ونموّاً.
تَتبْعوكُمْ ورامُوا محْوَ فضلِكمُ |
|
وخيّبَ اللهُ مَنْ في ذلكُمْ طمِعا |
أنّى وفي الصلواتِ الخمسِ ذكْركُمُ |
|
لدى التَّشهُّدِ للتوحيدِ قدْ شَفعا |
المجلس التاسع والتسعون بعد المئة
قال الإمام علي لابنه الحسن عليهماالسلام : «لا تدعونَّ إلى مبارزةٍ ، فإنْ دُعيت إليها فأجبْ ؛ فإنّ الداعي إليها باغٍ مقتول». قيل : أنّه (ع) ما دعا إلى مبارزة قط ، وإنّما كان يُدعى هو بعينه ، أو يُدعى : مَن يبارز؟ فيخرج إليه فيقتله. دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر ، فخرج علي (ع) فقتل الوليد ، واشترك هو وحمزة في قتل عتبة بن ربيعة. ودعا طلحة إلى البراز يوم اُحد ، فخرج (ع) إليه فقتله. ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر ، فخرج (ع) إليه فقتله. ودعا عمرو بن عبد ود يوم الخندق إلى البراز ، فخرج (ع) إليه فقتله. قال ابن أبي الحديد : وإنّ خروجه إلى عمرو يوم الخندق أجلُّ من أنْ يُقال جليلة ، وأعظم من أنْ يُقال عظيمة ، وما هي إلاّ كما قال أبو الهذيل ، وقد سأله سائل : أيّما أعظم منزلة عند الله علي أمْ غيره؟ فقال : يا ابن أخي ، والله ، لَمبارزة علي عمراً يوم الخندق تعِدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعتهم ، وتُربي عليها ، فضلاً عن رجل واحد. وروي عن ربيعة بن مالك ، قال : أتيت حذيفة بن اليمان ، فقلت : يا أبا عبد الله ، إنّ النّاس يتحدّثون عن علي بن أبي طالب ومناقبه ، فيقول لهم أهل البصرة : إنّكم لتفرّطون في تقريض هذا الرجل ، فهل أنت مُحدّثي بحديث عنه أذكره للناس؟ فقال : يا ربيعة ، ما الذي تسألني عن علي؟ وما الذي اُحدثك عنه؟ والذي نفس حذيفة بيده ، لو وُضع جميع أعمال اُمّة محمّد (ص) في كفّة ، منذ بعث الله محمّداً (ص) إلى يوم النّاس هذا ، ووُضع عمل واحد من أعمال علي في الكفّة الاُخرى ، لرجح على أعمالهم كلِّها. فقال ربيعة : ما هذا المدح الذي لا يُقام له ولا يُقعد ولا يُحمل؟! إنّي لأظنّه إسرافاً يا أبا عبد الله. فقال حذيفة : يا لُكَع (١)! وكيف لا يُحمل؟! وأين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر إليهم
__________________
(١) لكع : لئيم أو ذليل. ـ المؤلّف ـ
عمرو وأصحابه فملكهم الهلع والجزع ، ودعا إلى المبارزة فأحجموا عنه حتّى برز إليه عليٌّ فقتله؟! والذي نفس حذيفة بيده ، لَعملُه ذلك اليوم أعظمُ أجراً من أعمال اُمّة محمّد (ص) إلى هذا اليوم ، وإلى أنْ تقوم القيامة. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ : والله ، ما شبهت يوم الأحزاب قتل علي عمراً ، وتخاذل المشركين بعده إلاّ بما قصّه الله تعالى من قصة طالوت وجالوت في قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) وقال أبو بكر بن عيّاش : لقد ضرب عليُّ بن أبي طالب (ع) ضربةً ما كان في الإسلام أيمن منها ، ولقد ضُرب عليٌّ (ع) ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها ؛ وهي ضربة عبد الرحمن بن ملجم. أقول : وهي الضربة التي شقّت رأس أمير المؤمنين (ع) إلى موضع سجوده ، وهو في صلاته ، فنادى (ع) : «قتلني اللعين ابن اليهوديّة. فُزتُ وربّ الكعبة». أجل والله ، لمْ يكنْ في الإسلام أشأم من تلك الضربة ، فهي التي هدّمت أركان الهُدى وفصمت العُروة الوثقى ، وسدّت باب مدينة علم المصطفى. وهناك ضربات اُخرى في الإسلام مشؤومة ؛ وهي ضربة مالك بن النّسر الكندي للحسين بن علي (ع) بالسّيف على رأسه ، وكان على رأسه برنس فقطع البرنس ووصل السّيف إلى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً ، فقال له الحسين (ع) : «لا أكلت بيمينك ولا شربت بها ، وحشرك الله مع القوم الظالمين». وضربة زرعة بن شريك له على كتفه الأيسر ، وضربة رجل له بالسّيف على عاتقه المُقدّس ضربةً كبا بها لوجهه ، وكان قد أعيا فجعل يقوم ويكبو ، وضربة شمر بن ذي الجوشن حين جاء إليه فاحتزّ رأسه الشريف ، وهو يقول : والله ، إنّي لأحتزّ رأسك وأعلم أنّك السيّد المُقدّم ، وابن رسول الله ، وخير النّاس أباً واُمّاً.
قتلُوهُ بعدَ علمٍ منهُمُ |
|
أنّهُ خامسُ أصحابِ العَبا |
يابنَ الذينَ توارَثُوا ال |
|
علْيَا قَبيلاً عنْ قبيلِ |
والسّابقينَ بمجدهمْ |
|
في كلِّ جيلٍ كلَّ جيلِ |
إنْ تُمسَّ مُنكسِرَ اللّوا |
|
ملقىً على وجهِ الرُّمولِ |
فلقدْ قُتلتَ مُهذَّباً |
|
منْ كلِّ عيبٍ في القتيلِ |
منْ كلِّ عيبٍ في القتيلِ |
|
تُعطي العِدا كفَّ الذليلِ |
يُهدَى لك الذِّكرُ الجميْ |
|
لُ على الزَّمانِ المُستطيلِ |
المجلس المئتين
في كتاب روضة الواعظين بإسناد ذكره : أنّ قريشاً أصابتهم أزمة (١) شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير ، فقال رسول الله (ص) للعبّاس عمّه ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : «يا عبّاس ، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب النّاس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا نخفّف عنه من عياله ؛ آخذ من بنيه رجلاً ، وتأخذ من بنيه رجلاً ، فنكفهما عنه». قال العبّاس : نعم. فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب ، فقالا : إنّا نُريد أنْ نخففّ عنك عيالك حتّى ينكشف عن النّاس ما هم فيه. فقال أبو طالب : إنْ تركتما لي عقيلاً ، فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله (ص) عليّاً (ع) فضمّه إليه ، وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه. فلَمْ يزل علي بن أبي طالب (ع) مع رسول الله (ص) حتّى بعثه الله نبيّاً ، واتّبعه عليٌّ وآمن به وصدّقه ، ولَمْ يزل جعفر مع العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه. قال الصادق (ع) : «أوّل جماعة كانت ، أنّ رسول الله (ص) كان يُصلّي وأمير المؤمنين معه ، إذ مرّ أبو طالب به وجعفر معه ، قال : يا بُني ، صِلْ جناحَ ابن عمِّك. فلمّا أحسّه رسول الله (ص) تقدَّمَهما ، وانصرف أبو طالب مسروراً ، وهو يقول :
إنّ عليّاً وجعفراً ثِقتِي |
|
عندَ مُلمِ الزَّمانِ والكُرَبِ |
لا تخْذُلا وانْصُرا ابنَ عمِّكُما |
|
أخي لاُمِّي منْ بينهمْ وأبي |
واللهِ لا أخذلُ النّبيَّ ولا |
|
يخذلُهُ منْ بنيَّ ذو حسبِ |
قال أبو الحسن المدائني : كتب معاوية إلى أمير المؤمنين (ع) : يا أبا الحسن
__________________
(١) الأزْمَة ، بالفتح فالسكون : الشِّدَّة ، ويجوز : أزَمَة بفتحتين. ـ المؤلّف ـ
إنّ لي فضائل كثيرة ؛ كان أبي سيّداً في الجاهليّة ، وصُيّرت ملكاً في الإسلام ، وأنا صهر رسول الله (ص) وخال المؤمنين ، وكاتب الوحي. فلمّا قرأ أمير المؤمنين (ع) كتابه ، قال : «أبالفضائلِ يفخر عليّ ابنُ آكلة الأكباد؟! يا غُلام اكتب». وأملى (ع) :
محمّدٌ النّبيُّ أخي وصنوي |
|
وحمزةُ سيّدُ الشُّهداءِ عمِّي |
وجعفرٌ الذي يُضحي ويُمسي |
|
يَطيرُ معَ الملائكةِ ابنُ اُمِّي |
وبنتُ مُحمّدٍ سَكنِي وعُرسي |
|
مَنوطٌ لحمُها بدَمِي ولحمي |
وسِبطا أحمدٍ إبْنايَ منٍها |
|
فمَنْ منكُمْ له سهمٌ كسهْمِي |
سبقتُكمُ إلى الإسلامِ طُرَّاً |
|
غُلاماً ما بلغُتُ أوانَ حِلْمي |
وأوجبَ ليْ ولايتَهُ عليكُمْ |
|
رسولُ اللهِ يومَ غديرِ خُمِّ |
فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ |
|
لمَنْ يلقَى الإلهَ غداً بظُلمي |
فلمّا قرأه معاوية ، قال : مزّقه يا غلام ، لا يقرأه أهل الشام فيميلون نحو ابن أبي طالب. قال عامر الشعبي : تكلّم أمير المؤمنين علي (ع) بتسع كلمات ارتجلهنَّ ارتجالاً ، فقأن عيون البلاغة ، وأيتمن جواهر الحكمة ، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهنّ ؛ ثلاث منها في المناجاة ، وثلاث منها في الحكمة ، وثلاث منها في الأدب : فأمّا اللائي في المناجاة ، فقال (ع) : «إلهي ، كفى بي عزّاً أنْ أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أنْ تكون لي ربّاً. أنت كما اُحبّ فاجعلني كما تُحب» ؛ وأمّا اللائي في الحكمة ، فقال (ع) : «قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحسنه ، وما هلك امرؤٌ عرف قدره ، والمرء مخبوء تحت لسانه» ؛ وأمّا اللائي في الأدب ، فقال (ع) : «امنُنْ على مَن شئتَ تكُنْ أميرَه ، واحتج إلى مَن شئتَ تكُنْ أسيرَه ، واستغنِ عمَّنْ شئتَ تكُنْ نظيرَه». وعلي وأولاده عليهمالسلام هُم معادن الحكمة ، ومنابع الفصاحة والبلاغة ، كما أنّهم ليوث الشجاعة. ولمّا كان يوم كربلاء ، خطب ولده الحسين (ع) في أهل الكوفة خُطباً كثيرةً ، ووعظهم بمواعظ جمّة ، فلمْ يُسمع متكلّمٌ قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقٍ منه.
لهُ منْ عليٍّ في الحُروبِ شجاعةٌ |
|
ومِنْ أحمدٍ عندَ التّكلمِ قيلُ |