السيّدة سكينة

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

السيّدة سكينة

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بسم الله الرّحمٰن الرّحيم

الغالب على سكينة الاستغراق مع الله عز وجل

أبو عبد الله الحسين (ع)

٤١
 &

السيّدة سكينة السيّد عبد الرزّاق المقرّم

٤٢
 &

سكينة مع الله تعالى

جاء الحديث : إن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين (ع) أتى عمه أبا عبد الله الحسين (ع) يخطب إحدى ابنتيه فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبد الله (ع) أختار لك فاطمة فهي أكثرها شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (ص) ، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل (١) .

إن هذه الكلمة الذهبية من سيد شباب أهل الجنة (ع) تفيدنا درساً بليغاً عن مكانة ابنته ( سكينة ) من الشريعة المقدسة ، وأن أختها الطاهرة مهما حازت الثناء الغير المتناهي لا تبلغ شأوها ، ولا تجاريها في رهبانية وتجرد عن اللذات وانقطاع عن الدنيا الفانية ، وكيف لا تكون كذلك وهي ابنة معدن القداسة عجنت طينتها بماء النزاهة فكانت متأثرة بحسن التربية ، وكرم الأخلاق ، فهي مثال السؤدد ، وقد جللها الشرف مطارف من الحياء والعفة ، فقول الإمام الشهيد (ع) : ( غالب عليها الاستغراق مع الله ) ، يشير إلى أن ابنته الكريمة كانت سابحة بين أمواج الفناء في الله سبحانه ( إن لم نقل البقاء

____________________

(١) إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص ٢٠٢ .

٤٣
 &

بالله ) وقد انعكست في مرآة نفسها لواعج الجلال والجمال الإلٰهي ، فأينما توجهت لا تجد إلا تلك الصفات المنتقشة فيها المعاني القدسية ، ولا ترى لغيرها كياناً ولا تعتبر لأي جمال خطراً ولا لأي مال معتبراً ولا تحسب ان لسوى ما شاهدته مدكراً .

وإذا كان عشق الإنسان يعشي البصر عن غير المعشوق ، ولا يشعر العاشق بكل ما يلاقيه عند توجه مشاعره نحوه ، كما لم تشعر النسوة بألم قطع المدية أيديهنّ عند توجه مشاعرهن نحو الصديق يوسف (ع) ( وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (١) .

فالعشق الحقيقي لمظاهر الجمال الإلٰهي أولى بأن يقف سداً دون ما سواه كما لم يشعر أصحاب الحسين (ع) بما لاقوه من ألم الجروح الدامية (٢) بعد تكهربهم بولاء سيد الشهداء وتوجه مشاعرهم نحو الجمال القدسي الإلٰهي ونزوع أنفسهم إلى الغاية القصوى من القداسة .

وابنة النبوة « السيدة سكينة » بلغت من عظيم مجاهدة النفس إلى حد لم يبق لها نزوع إلا إلى صقع القداسة والاندفاع إلى مركز الفناء في الله عز وجل وليس لها لفتة إلى نواميس الحياة والانعطاف إلى لوازم المعاشرة مع الناس فهي بين عبادة وزهادة وتذكير وتفكير وهذا معنى الاستغراق مع الله تعالى .

وكانت من اللاتي شغلتهنّ الآخرة عن الأولى فلا يرين لغير المولى تعالت آلاؤه كياناً يجلب النظر إليه ، ولا إلى معاشرة من ليست هي مثلها في السلوك والرياضة .

____________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٣١ .

(٢) الخرايج للراوندي ص ١٣٨ . ط الهند .

٤٤
 &

وكان ما شاهدته السيدة سكينة « حق اليقين » وهو أرقى مراتب السالكين ، فإن أهل الكشف والسلوك بعد أن عرفوا اليقين بأنه الاعتقاد المطابق للواقع الثابت الذي لا يزول وهو في الحقيقة مؤلف من علمين : علم بالواقع ، وعلم بمحالية خلافه ، ذكروا له مراتب ثلاثاً فإنه إن حصل من الاستدلال والنظر كالعلم الحاصل بوجود النار من الدخان سموه ( علم اليقين ) .

وإن حصل بالكشف والمشاهدة كمعاينة جرم النار وكالكشف الحاصل للخلص من المؤمنين الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقنوا بمعاينة قلوبهم ، إن الله نور السموات والأرض سموه ( عين اليقين ) .

وإن حصل بالاتصال المعنوي لأهل الشهود والفناء الذين لا يرون في الوجود شيئاً إلا ( ذات الحق ) تعالى شأنه كما قال سيد العارفين أمير المؤمنين (ع) : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً (١) سموه ( حق اليقين ) .

وقد أشار الكتاب العزيز إلى هذه المراتب فقال سبحانه : ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) (٢) يريد جل شأنه أنه لو حصل الاستدلال بالطرق الصحيحة والنظر فيما ورد

____________________

(١) هذه الكلمة نقلها الألوسي في تفسيره روح المعاني ج ٣ ص ٢٧ عند قوله تعالى ( كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) عن أمير المؤمنين علي (ع) ، ومثله أبو السعود في تفسيره على هامش تفسير الرازي ج ٤ ص ٥٧٠ عند قوله تعالى في الأنفال ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) والخفاجي في شرح الشفا ج ٤ ص ٤ باب عقد قلب النبي ، ونسبها عماد الدين الأموي في حياة القلوب على هامش قوة القلوب لأبي طالب المكي ج ٢ ص ٢٥١ إلى بعض السلف .

(٢) سورة التكاثر ، الآيتان ٥ و ٦ .

٤٥
 &

من الآيات والروايات بوجود ما أعد الله للعاصين لحصل العلم اليقيني بوجود النار الكبرى ، ثم ترتقي الحالة إلى الكشف عنها حتى كأنهم يشاهدونها بنفسها . وهو المراد من قوله تعالى بعد ذلك : ( ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) .

وأما المرتبة الثالثة التي أشار إليها بقوله تعالى : ( وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) (١) فلا تحصل إلا لمن نظر إليها بواسطة تجرده عن العوارض وتخلية نفسه عن الشهوات ، وانقطاعه عن عالم الملك الزائل (٢) .

وإن ابنة النبوة حازت أرقى هذه المراتب التي أخبر عنها الإمام الحجة الواقف على سرائر العباد بقوله : ( غالب عليها الاستغراق مع الله ) فإن الاستغراق هنا عبارة عن الفناء في بحر العظمة الإلٰهية بحيث لا تكون لها لفتة لوازم الحياة وعوارض الدنيا الفانية .

ومن أجل ذلك أخذت بمجامع قلب أبيها وزاد حنوه عليها حتى استحقت أن يصفها المعصوم بخيرة النساء ، لما وقف عليها يوم الطف ورآها منحازة عن النسوة باكية نادبة فقال (ع) :

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثمان

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

وهل من المعقول أن حجة الله يخبر عن مبلغ ابنته من الدين وسلوكها مع الله تعالى ، ثم يصفها بخيرة النساء وهو يعلم أنها مارقة

____________________

(١) سورة الواقعة ، الآيات ٩٢ ـ ٩٣ ـ ٩٤ ـ ٩٥ .

(٢) هذه المراتب الثلاثة ذكرها ابن حجر في الفتاوي الحديثية ص ٢٢٠ .

٤٦
 &

عن صراط الشريعة ، ومتنكبة عن سبيل الحق أو أنها تمرق عنه ؟ كلا .

( فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ، أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (١) .

____________________

(١) سورة الزمر ، الآيتان ١٧ ـ ١٨ .

٤٧
 &

السيّدة سكينة السيّد عبد الرزّاق المقرّم

٤٨
 &

الوضاعون

إن أضداد للبيت العلوي كمصعب الزبيري وابن أخيه الزبير بن بكار والهيثم بن عدي الطائي الكوفي وصالح بن حسان وأشعب الطامع وأضرابهم أرادوا أن يشوهوا مقام هذا البيت الطاهر بكل ما لهم من حول وطول ، وحيث إنهم لم يتمكنوا من نسبة المفتريات إلى من وجبت فيهم العصمة من الأئمة الهداة عمدوا إلى أولادهم وبناتهم فاختلقوا في حقهم كل شائنة تخرجهم عن الدين ، وتوقف البسطاء عن الانضواء إليهم وإلى سلفهم طمعاً في وفر ملوك الزمان وقد حصل هناك من يحسب أن سعة العلم في الإكثار من الروايات ولو من غير تثبت في النقل فاختلط الحابل بالنابل ، والصحيح بالسقيم وديف السم في الدسم .

غير أن الاستضائة بنور العلم الصحيح وتمحيص الحقائق كشفت عن عوار تلك الأحاديث ، ووضح أن هؤلاء الرجال الذين أكثروا من رواة هذه الأكاذيب لم يعتمد عليهم علماء الرجال ولم يجعلوا لأحاديثهم قيمة تذكر فسدوا ثغرة معرة أولئك الدساسين بإخراجهم عن صفوف من يعتمد على مروياته تمحيصاً للأخبار عن وصمة التدجيل .

٤٩
 &

وكان رسول الله (ص) يعلم بما يحدث بعده من دسائس الدجالين ، فحذر أمته منهم وعن مفترياتهم فقال (ص) : « ستكثر عليَّ القالة من بعدي فمن كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار » (١) .

وكلمة المرزباني تفيد النابه فقهاً بعداوة آل الزبير لآل علي (ع) يقول : انحراف الزبير بن بكار عن أهل البيت (ع) ظاهر فلا يقبل ما جمعه من سرقات كثير الشاعر لتشيعه وهجائه لآل الزبير (٢) .

ولم تخف هذه الظاهرة على شيخنا المفيد فأرسلها معتمداً عليها غير متردد فيها قال : لم يكن الزبير بن بكار مأموناً في الحديث ولا موثوق النقل فيما يرويه من القذائف في حق أهل البيت ومنه تزويج عمر بأم كلثوم لبغضه أمير المؤمنين (ع) وتحامله عليه (٣) .

وقال العلامة الحلي : كان الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين وولده (٤) .

ولم يعتمد أحمد بن علي السليماني على روايات الزبير بن بكار لإكثاره الرواية عن الضعفاء (٥) .

____________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ص ٢٤٧ في احتجاج الجواد على ابن أكتم .

(٢) الموشح ص ١٥٤ .

(٣) المسائل السروية ص ٦١ المسألة العاشرة وعنه المجلسي في البحار ج ٩ ص ٦٢٤ ، وغير خفي على القارئ أن البحث والتنقيب أوقفنا على نكتة مهمة وهي عدم وجود أم كلثوم بنت فاطمة وعلي (ع) والديباج من فاطمة ابنة الحسين في اللوح المحفوظ وليس لفاطمة (ع) إلا العقيلة زينب الكبرى وقد أوضحناه في ( نوادر الآثار ) .

(٤) كشف اليقين ص ٩٤ ص إيران .

(٥) تهذيب التهذيب لابن حجر ج ٣ ص ٣١٣ .

٥٠
 &

ويقول ابن الأثير كان مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت ابن عبد الله ابن الزبير بن العوام منحرفاً عن علي (ع) أنه قال (١) .

ويقول ابن النديم : كان مصعب الزبيري وأبوه عبد الله من شرار الناس متحاملين على ولد علي (ع) وخبر عبد الله مع يحيى بن عبد الله المحض معروف (٢) وكان من حديثه معه أنه جاء إلى الرشيد وأخبره بأن يحيى أراده على البيعة وقد سعى لنقض سلطانه ، فجمع الرشيد بينهما فأنكر يحيى ذلك وقال : إن هذا الزبيري ما زال يريد الوثوب على الملك ، وقد خرج مع محمد ذي النفس الزكية وهو القائل من أبيات :

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

ولم تكن سعايته إلا بغضاً لنا لا الحب لك ، ولو وجد أنصاراً لخرج علينا جميعاً وإني مستحلفه فإن حلف فدمي لأمير المؤمنين هدر ، فلما أراد أن يستحلفه تلكأ الزبيري فوكزه ( الفضل ) وقال : لماذا تمتنع إن كنت صادقاً ثم التفت إليه يحيى وقال قل : ( تقلدت الحول والقوة دون حول الله وقوته إلى حولي وقوتي إن لم أكن صادقاً ) .

فلما حلف به كبر يحيى وذكر حديثاً عن آبائه أنه ما حلف أحد بهذا إلا عجل الله له العقوبة قبل ثلاث ، وقبل أن ينتهي اليوم الثالث أصابه الجذام ثم اسودّ حتى صار كالفحم الأسود وهلك بأقبح حال ، ولما أدلوه في حفرته انخسف به القبر وظهرت رائحة منتنة ، ولم يستطيعوا أن يسدوا الحفرة بأحمال الشوك حتى سقفت بالساج ووضع عليها التراب (٣) .

____________________

(١) كامل ابن الأثير ج ٧ ص ١٩ حوادث سنة ٢٣٦ .

(٢) الفهرست ص ١٦٠ .

(٣) مروج الذهب ج ٢ ـ ص ٢٦٦ ، في أخبار الرشيد .

٥١
 &

ويحدث الصدوق أن رجلاً استحلف الزبير بن بكار بين قبر رسول الله (ص) ومنبره فلما حلف ظهر به برص كثير وأبوه بكار ظلم علي بن موسى بن جعفر (ع) وتعدى فدعا عليه ، وفي الوقت وقع حجر فوقه فاندقت عنقه ، وأبوه عبد الله بن مصعب جرى له مع يحيى أمام الرشيد وذكر الحديث المتقدم (١) .

هذا حال الزبير بن بكار وعبد الله وابنه مصعب ، وأما الهيثم بن عدي الكوفي فعند البخاري والنسائي ويحيى بن معين أنه كذاب له مناكير غير ثقة فهو متروك الحديث (٢) .

وأما صالح بن حسان الأنصاري فعند البخاري والنسائي ويحيى ابن معين أنه منكر الحديث غير ثقة ولا مأمون النقل (٣) .

وأما أشعب الطامع فكان مولى لآل الزبير وأمه حميدة بالتصغير كانت مولاة أسماء بنت أبي بكر وكانت تدخل بيوت أزواج النبي (ص) وتحرش بينهنّ فأمر النبي بتعزيرها ، وقيل دعا عليها فماتت وحيث إن أشعب ولد بعد النبي (ص) فلعل بدعاء الرسول (ص) أصابها مرض اتصل بهلاكها بعده (ص) (٤) .

وتربى أشعب في بيت عائشة بنت عثمان بن عفان ومناوأة هؤلاء للأسرة العلوية غير خفي ، فإن من ضالتهم المنشودة أن يصموهم بكل شائنة وتأثير الولاء والتربية مما لا شك فيه إلا من عصمه الله تعالى .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ص ٣٤٠ .

(٢) لسان الميزان ج ٦ ، ص ٢٠٩ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٦ .

(٣) تاريخ بغداد للخطيب ج ٩ ص ٣٠٢ .

(٤) الإصابة ج ٤ ، ص ٢٧٥ .

٥٢
 &

مع أن الرجل ( أشعب ) من أهل المجون الذين ما تركوا الخلاعة والتهتك فأحاديثه كلها من هذا القبيل ، إذاً فأي عبرة برواياته لا سيما إذا كان من ينبزه علوياً .

فهؤلاء إلى أضرابهم مثل مقاتل الذي يقول للمنصور : أتحب أن أضع لك في فضل العباس بن عبد المطلب (١) وعوانة بن الحكم يضع أخباراً في فضل بني أمية وعيسى بن داب يضع في فضل العباسيين (٢) ولا تسأل عن سمرة بن جندب الفزاري الذي استماله معاوية بالمال وكان عامل ابن زياد على البصرة (٣) ، وتولى شرطة عبيد الله بن زياد في الكوفة وكان ممن يحرض الناس على الخروج لحرب الحسين (ع) (٤) .

وهو صاحب النخلة في بستان الأنصاري فكان يدخل إليها على حين غرة من الأنصاري وأهله فيراهم على حال لا يرضونه ، وكلما راجعه الأنصاري في الاستئذان عند الدخول لتتستر المرأة لم يقبل فشكاه إلى رسول الله (ص) فكلمه في الاسئذان فلم يقبل ، فساومه عن نخلته بالكثير فأبى أن يبيع ، فقال (ص) : « دعها ولك عذق في الجنة يمد لك ، فأبى أن يقبل فعندها قال رسول الله للأنصاري : « اذهب واقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار » (٥) ،

____________________

(١) تاريخ بغداد ج ١٣ ، ص ١٦٧ .

(٢) معجم الأدباء ، ج ١٦ ، ص ١٣٧ ، و ١٦٢ .

(٣) الطبري ج ٤ ، ص ١٣٢ .

(٤) شرح النهج الحديدي ج ١ ص ٣٦٣ .

(٥) فروع الكافي للكليني ج ١ ص ٤١٠ ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ص ٢٥٢ باب الشفعة ، والفائق للزمخشري ج ٢ ص ٨٠ مادة عضد طبع حيدرآباد ، والمحلي لابن حزم ج ٩ ص ٢٩ مسألة ١٥٤٠ ، ومصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ١٨ إحياء الموات .

٥٣
 &

وهو أحد العشرة الذين قال النبي (ص) : « آخركم موتاً في النار » ، فمات سمرة آخرهم (١) .

وعلى هذه الطريقة سار المدئيني فأكثر من الافتراء على أهل هذا البيت الطاهر وشحنت الجوامع بمروياته ، ويكفيه أنها سادت على البسطاء ومن لا تثبت له في النقل .

وله في شأن مسلم بن عقيل أدهى ، وأمر وفي كتاب الشهيد مسلم بن عقيل ص ٤٥ كشفنا العوار عن هذه الرواية وناقشنا فقراتها فوضح ابتعادها عن الحقيقة ، وكأن الغاية الباعثة للمدائني أن يثبت منزلة رفيعه في الكرم لابن هند فمشت هذه الأكذوبة على من لا فقه له بمغازي هؤلاء الوضاعين والمدائني هو علي بن عبد الله بن أبي سيف البصري المدائني البغدادي مولى سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف (٢) ويقول ابن حجر : إنه مولى عبد الرحمن بن سمرة (٣) وعدم موافقة ولادة المدائني التي هي في سنة ١٣٥ لسنة وفاة عبد الرحمن بن سمرة الواقعة في سنة ٥٠ لا يبعد هذا الولاء بعد ما ينص ابن كثير على أن لعبد الرحمن أولاداً كثيرين (٤) ، ويسمى ابن حجر بعضهم عبيد الله تغلب على البصرة في فتنة ابن الأشعث (٥) فإطلاق الولاء لأبيهم عبد الرحمن أو لجدهم سمرة صحيح بملاحظة أولاده .

____________________

(١) المعارف لابن قتيبة ص ١٣٢ .

(٢) معجم الأدباء ج ١٤ ص ١٢٤ طبعة ثانية .

(٣) لسان الميزان ج ٤ ص ٢٥٣ .

(٤) البداية لابن كثير ج ٨ ص ٤٧ سنة ٥٠ .

(٥) الإصابة ج ٢ ص ٤٠١ ترجمة عبد الرحمن .

٥٤
 &

وإذا أوقفتنا نصوص المؤرخين على أن عبد الرحمن من ( الشجرة ) التي أنتجت ( معاوية ) وكان من عماله على سجستان وغزا له خراسان (١) وبلخ وكابل (٢) والرخج وبست (٣) فلا نرتاب في سيره على أثر معاوية من التحامل على كل من ناوأه معاوية وهذه قضايا قياساتها معها .

ولا ريب أن الموالي يرثون هذه النزعة اللهم إلا أن يكبح الطغيان الخضوع لقانون الإسلام فيقف عند حدوده و [ المدائني ] المكثر من خلق الأحاديث الرافعة للبيت الأموي والواضعة من قدر رجالات بيت الوحي والنبوة لا يتأثر بالأدب الإلٰهي ولا بنصائح النبي (ص) الثمينة ، ولأجل هذا ضعفه ابن عدي في الكامل ويقول ابن حجر : حديثه غير قوي وكان الزبير ابن بكار وابنه يحدثان عنه (٤) وعليه فلا يسع من يتحرى الحقائق الاعتماد عليه في مدح أو ذم إلا أن تدعم روايته قرينة جلية .

____________________

(١) الإصابة ج ٢ ص ٤٠١ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٩٣ طبع النجف .

(٣) كامل ابن الأثير ج ٣ ص ١٧٤ عليه مروج الذهب .

(٤) لسان الميزان ج ٤ ص ٢٥٣ .

٥٥
 &

السيّدة سكينة السيّد عبد الرزّاق المقرّم

٥٦
 &

أول من وضع الحديث

لقد تجلى لنا ونحن نسبر المدونات ونمحص الأحاديث أن أول من وضع الأحاديث الشائعة في ابنة الحسين ( سكينة ) مصعب الزبيري المتوفي سنة ٢٣٦ في كتابه « نسب قريش » لينصرف المغنون والشعراء عن ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير التي تجتمع مع ابن أبي ربيعة الشاعر ، والمغنيات يغنين لهم (١) وزمر بها مرافقه في بغداد المدائني (٢) المتوفي سنة ٢٢٥ ، وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه وتلقاها المبرد المتوفي سنة ٢٨٥ عن هؤلاء الوضاعين وعنه أخذها تلميذه الزجاجي وغيره من دون تمحيص فأضلوا كثيراً من الكتاب والمؤرخين حتى رووها بلا اسناد موهمين أنها من المسلمات .

ثم جاء أبو علي القالي تلميذ الزجاجي الأموي الفكرة والعقيدة فسجل في أماليه ما تلقاه من أستاذه قصداً للحط من كرامة البيت العلوي (٣) خصوصاً وقد نقلب في نعمة الناصر عبد الرحمن الأموي

____________________

(١) أغاني ج ١ ص ٦٧ .

(٢) في الأغاني ج ١١ ص ١٢٧ نقل حديثاً عن المدائني عن مصعب بن عبد الله الزبيري .

(٣) سكينة بنت الحسين للفكيكي ص ١٥ حديث الشهر .

٥٧
 &

في الأندلس الذي استدعاه من بغداد ، واحتفل به في الأندلس فأكرم مثواه وعزز منزلته فألف وكتب (١) على ما يروق للأمويين الذين نكل بهم الهاشميون وبددوا ملكهم .

____________________

(١) ترجمة القالي في مقدمة الأمالي بقلم محمد عبد الجواد الأصمعي .

٥٨
 &

أبو الفرج

لقد اتخذ أبو الفرج روايات من ذكرناهم حجة في نشر الشنائع والمنكرات ، وأفعم [ الأغاني ] بتلك الروايات التي شوهت الحقائق ولم تحفظ كرامة البيت العلوي ولا من حواه ، وأبو الفرج لم يتح له معرفة حقيقة هذا البيت وما يلزم من حواه من النفسيات الحميدة ولو عرف مقدار هذا العنصر الطاهر ( آل الرسول ) عليهم السلام وما منحهم الباري سبحانه من المآثر يوم صاغهم طاهرين من كل دنس ، مطهرين عن كل ما يزري بهم لما دون هاتيك الأخبار .

لكن الرجل تكيفت نفسيته بأخبار سلفه الأمويين الذين تسنموا عرش الخلافة من غير أي حنكة أو جدراة مع التخلع بارتكاب المآثم واجتراح السيئات وعمل الفجور ومعاقر الخمور ولم يكبحهم عنها حياء وخجل .

من أين تخجل أوجه أموية

سكبت بلذات الفجور حياءها

نعم اعتنقوا الخلافة ولما يعلم الباحث ما الذي أهلهم لها وملؤوا أعيابهم بوائق ومخاريق بلى كان المؤهل لها .

صلابة أعلاها الذي بلل الحيا

به جف أو في الملك أسفلها الندى

٥٩
 &

هؤلاء رجال القوم وأما نساؤهم فحدث عنهن ولا حرج ، وما عسى أن يقول القائل في : حمامة ، والزرقاء ، وهند آكلة الأكباد (١) إلى بغيات وصاحبات رايات وربات مواخير إذا بلغن من الكبر عتياً .

وحديث ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي في الأندلس مشهور فإنها كتبت على تاجها :

أنا والله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتبيه تيها

وأمكن عاشقي من لثم ثغري

وأعطي قبلتي من يشتهيها (٢)

فالرجل هذا سلفه وأصله وهو متشرب بأخبارهم وعاداتهم ولا يهوى إلا من سار على نهجهم واتخذ طريقتهم وبالطبع لا يميل إلى

____________________

(١) كانت المومسات أيام الجاهلية يضعن على أبواب دورهن أعلاماً يعرفن الراغبين في البغاء أن هنالك طلباتهم ، وقد اشتهر بهذه الفعلة نساء منهن الزرقاء جدة مروان بن الحكم كما في الفخري ص ٨٨ ، وتذكره الخواص ص ١١٩ ، وفي ابن الأثير ج ٤ ـ ص ٧٥ يقال لعبد الملك وولده بنو الزرقاء قصداً لعيبهم بذلك ، وفي أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ١٢٩ جرى كلام بين مروان وعمرو بن العاص فقال له عمرو : يا ابن الزرقاء ، فقال مروان : قد كانت زرقاء فقد أنجبت وأدت الشبه إذ لم تؤده النابغة ، ومنهن حمامة أم أبي سفيان كما في شرح النهج الحديدي ج ١ ـ ص ١٥٧ ، ومنهن هند أم معاوية كما في ربيع الأبرار للزمخشري في باب القرابات ، ومنهن سمية أم زياد كما في تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٨٤ ، ومروج الذهب ج ١ ص ٥٦ ، وابن خلكان بترجمة يزيد بن مفرغ ، ومنهن النابغة أم عمرو ابن العاص كما في تاريخ أبي الفدا ج ١ ـ ص ١٨٨ ، وتذكرة الخواص ص ١١٧ ، والمحاسن والمساوي للبيهقي ج ١ ص ٧٠ ، وابن أبي الحديد ج ٢ ـ ص ١٠٠ ، وثمرات الأوراق لابن حجة الحموي بهامش المستطرف ج ١ ـ ص ١١٣ ، والسيرة الحلبية ج ١ ـ ص ٤٧ .

(٢) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم ج ١ ـ ص ١١ مصر .

٦٠