السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-194-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٤٠
الباب الثاني
فتح مكة
الفصل الأول : هكذا تحرك من مرّ الظهران
الفصل الثاني : دخول مكة
الفصل الثالث : القتال في مكة
الفصل الرابع : منزل الرسول صلىاللهعليهوآله وجوار أم هاني
الفصل الخامس : ما جرى لأبي قحافة
الفصل السادس : طواف النبي صلىاللهعليهوآله وتحطيم الأصنام
الفصل السابع : النبي صلىاللهعليهوآله في داخل الكعبة
الفصل الثامن : الخطبة الأولي في مكة
الفصل التاسع : مفتاح الكعبة .. والبيعة في مكة
الفصل العاشر : أحداث .. ومتابعات
الفصل الأول :
هكذا تحرك من مرّ الظهران
الإعلان بالأمان :
قال أبو سفيان وحكيم بن حزام : يا رسول الله ، ادع الناس بالأمان ، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم؟
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «نعم».
قال العباس : قلت : يا رسول الله!! قد عرفت أبا سفيان وحبه الشرف والفخر ، فاجعل له شيئا.
وعن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن : أن أبا بكر قال : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب السماع ، يعني الشرف انتهى.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
فقال : وما تسع داري؟
زاد ابن عقبة : «ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن» ـ ودار أبي سفيان بأعلى مكة ، ودار حكيم بأسفلها ـ «ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن».
فقال أبو سفيان : وما يسع المسجد؟
قال «صلىاللهعليهوآله» : «ومن أغلق بابه فهو آمن».
فقال أبو سفيان : هذه واسعة (١).
وقال الحلبي الشافعي : «عقد «صلىاللهعليهوآله» في المسجد لأبي رويحة ـ الذي آخى النبي «صلىاللهعليهوآله» بينه وبين بلال ـ لواء ، وأمره أن ينادي : ومن دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن. أي وإنما قال ذلك لما قاله له أبو سفيان : وما تسع داري؟ وما يسع المسجد»؟ (٢).
وفي نص آخر : أن العباس أخذ أبا سفيان فأباته عنده ، فلما أصبح وسمع الأذان سأل العباس عنه ، فأخبره ، ثم أمره العباس بأن يتوضأ ويصلي ... وعلمه الوضوء .. ففعل.
فلما صلى غدا به إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : يا رسول الله ، إني أحب أن تأذن لي إلى قومك ، فأنذرهم ، وأدعوهم إلى الله ورسوله ، فأذن له.
فقال العباس : كيف أقول لهم؟! بيّن لي من ذلك أمرا يطمئنون إليه!!
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «تقول لهم : من قال : لا إله إلا الله وحده لا
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٨ عن ابن عقبة ، وقال في هامشه : أخرجه الطبراني في الكبير ٨ / ٩ وانظر المجمع ٦ / ١٧٢ وأخرج صدره مسلم في الجهاد باب (٣١ و ٨٤ و ٨٦) وأبو داود في الخراج باب (٢٥) وأحمد ٢ / ٢٩٢ و ٥٣٨ والبيهقي ٦ / ٢٣٤ و ٩ / ١١٧ و ١١٨ و ١٧١ والطبراني في الكبير ٨ / ٩ وابن أبي شيبة ١٤ / ٤٧٥ وعبد الرزاق (٩٧٣٩) والطبراني في الصغير ٢ / ٧٢ والدار قطني ٣ / ٦٠ والطحاوي في المعاني ٣ / ٣٢١ والبيهقي في الدلائل ٥ / ٣٢ و ٣٧ و ٥٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨١.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٠.
شريك له ، وشهد أن محمدا رسول الله ، وكف يده فهو آمن ، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن».
فقال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فلو خصصته بمعروف.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
قال أبو سفيان : داري؟
قال : دارك.
ثم قال : «ومن أغلق بابه فهو آمن» (١).
ونص آخر يقول :
وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فأسلما وبايعاه ، فلما بايعاه بعثهما رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بين يديه إلى قريش ، يدعوانهم إلى الإسلام.
وقال : من دخل دار أبي سفيان ـ وهو بأعلى مكة ـ فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم ـ وهو بأسفل مكة ـ فهو آمن ، ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن (٢).
ونقول :
إن في هذه النصوص العديد من الإشارات والدلالات ، نذكر منها ما يلي :
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ١٢٩ عن إعلام الورى.
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٦ والبحار ج ٢١ ص ١٠٤ وتاريخ الخميس ح ٢ ص ٨١.
هل هذا تشريف لأبي سفيان؟! :
قد كان مما أعطاه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لأبي سفيان : أن جعل الأمان لمن دخل داره ، لأن أبا سفيان يحب التفخيم والذكر ، كما قاله العباس رحمهالله.
ولكن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وإن كان قد أنعم لأبي سفيان بهذا الأمر وأعطاه إياه بيد ، ولكنه عاد فأخذه منه باليد الأخرى ، بأسلوب رصين يجعل الناس يدركون للتوّ : أنه مجرد إجراء شكلي ليس له مضمون تشريف ولا تكريم ، لأنه :
١ ـ أعطى مثل ذلك لحكيم بن حزام أيضا.
٢ ـ ساوى بين دخول دار أبي سفيان ، وبين اللجوء إلى راية الأمان ، التي جعلها مع أبي رويحة.
٣ ـ ساوى أيضا بينه وبين أية دار في مكة يدخلها صاحبها ، ويغلق بابها على نفسه.
٤ ـ ساوى بين ذلك وبين أن يضع الإنسان سلاحه ، ويكف يده ، ليكون ذلك إشارة إلى مجرد اتخاذ وضع غير قتالي.
وبذلك يتضح : أن أبا سفيان ليس فقط لم يحصل على ما أراد من الذكر والفخر ، وإنما أخذ منه ما كان قد استلبه بغير حق .. لأن المساواة بين دخول داره وبين دخول دار أي إنسان في مكة ، ثم بين ذلك وبين أن يكف الإنسان يده ويضع سلاحه فيها حط من المقام الذي جعله أبو سفيان لنفسه ، وجعله كأي إنسان آخر من أهل مكة ..
وذلك بعد أن جعله أيضا مثل حكيم بن حزام .. الأمر الذي لا يرضاه
أبو سفيان ، ولا يقرّ به له.
ولا بد من أن يرضي ذلك ابن حزام ، وربما تذهب به الأوهام إلى أبعد من ذلك ، إذا كان يذكي لديه الطموح لمنافسة أبي سفيان ، أو لعدم الإقرار له بالتفرد في الزعامة على الأقل .. ومن شأن هذا أن يزعج أبا سفيان ، ويؤرقه في مضجعه أيضا.
إستجداء بعد الإستغناء :
لقد كان أبو سفيان طيلة حوالي عشرين سنة يسعى لإطفاء نور الله ، مدّعيا لنفسه مواقع الشرف والكرامة ، متخذا من هذا الفعل المخزي والمشين سبيلا للمجد والذكر والفخر ، وشيوع الذكر.
ولكنه بين ليلة وضحاها أصبح يستجدي شيئا من الذكر ، وما يوجب له الفخر من نفس هذا العدو الذي لم يزل يحاربه إلى تلك اللحظة ، ولو قدر على شيء من ذلك لما تردد فيه ..
فما هذه الدنيا التي تذل حتى أشد الناس حبا لها ، ولا تعطيهم شيئا إلا أن يدفعوا ثمنه أعز شيء لديهم ، وأغلاه عليهم؟!
حفظ حرم الله تبارك وتعالى :
ولسنا بحاجة إلى التأكيد على أن إعلان الأمان لأهل مكة ، وكذلك سائر المواقف والسياسات النبوية في مسيره «صلىاللهعليهوآله» إلى مكة ، تظهر بما لا مجال معه لأي شبهة وريب : أن المطلوب هو : أن لا تراق أية قطرة دم في حرم الله تبارك وتعالى ..
ولا بد من أن يقارن الكثيرون من أهل مكة وغيرهم بين هذه السياسة
مع صناديد قريش وكل رجالها ، وبين ما فعله أهل مكة أنفسهم بالخزاعيين الأبرياء من الصبيان ، والنساء ، والرجال الضعفاء. في حين أن قريشا لو تمكنت من الحرب لأبادت هذا الجيش القادم بأكمله في نفس بيت الله وحرمه ..
وضوء وصلاة أبي سفيان :
وقد أظهر النص المتقدم عن البحار عن إعلام الورى : أن أبا سفيان قد توضأ وصلى مع المسلمين.
ونقول :
إن ذلك لا مجال لقبوله ، إن كان أبو سفيان على شركه إلى تلك اللحظة ، كما ذكرته بعض الروايات ، فإنه إنما أسلم بعد ما بات عند العباس ..
وإن أخذنا برواية البحار وإعلام الورى ، وقلنا : بأنه قد أسلم ليلا ، ثم سلمه النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى العباس ليبيت عنده ، فلما أصبح رأى أذان المسلمين وصلاتهم ، فصلى معهم .. فلا غبار على الرواية التي نتحدث عنها من هذه الجهة ..
إلا أن يقال : إنه قد بات ليلة أخرى غير الليلة التي أخذ فيها ، وكان قد أسلم نهارا ، وهو إنما توضأ وصلى في صبيحة الليلة الثانية ، فلا يبقى إشكال في قولهم : إنه توضأ وصلى ، حتى على القول الأول.
الدعاة الجدد إلى الإسلام :
وفي النصوص المتقدمة : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» بعث بديل بن ورقاء ، وحكيم بن حزام يدعوان الناس في مكة إلى الإسلام ، بل فيها : أن
أبا سفيان نفسه قد تبرع بذلك ، لكنه كان على جهل تام بما يريد قوله ، فطلب أن يعلموه ما يقول للناس في ذلك ، فعلمه النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يطلب من الناس النطق بالشهادتين.
ونقول :
إن هؤلاء وهم رؤوس الشرك يمكن أن يساهموا في إطفاء نار الحرب ، وحمل الناس على ترك القتال .. لأن ذلك يحفظ أرواح الناس ، خصوصا إذا كانوا من أهلهم ، وعشيرتهم ، أو من أحبائهم وأصدقائهم ، أو من حلفائهم.
ويمكن أن يقدموا على ذلك من منطق الحفاظ على حرمة البيت والحرم ، ولأجل حفظ ماء وجههم أمام الآخرين .. لا لأجل أن للحرم قداسة حقيقة في نفوسهم.
ولكننا لا يمكن أن نصدق : أن رؤوس الشرك يطلبون أن يكونوا دعاة للناس للدخول في هذا الدين ، إلا على أساس أنه نفاق واستغلال ، لا سيما وأنهم كانوا لا يزالون يحاربون هذا الدين للحظات خلت. بل إن أبا سفيان قد ما طل وسوّف ولم يزل يقول لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» : إن في النفس شيئا من الشهادة له بالرسالة. فكيف يعقل أن يتحول في تلك اللحظة نفسها إلى داعية صادق لهذا الدين؟! ولو قيل : لعل الله هو الذي تصرف في قلبه!!
قلنا : لماذا تأخر هذا التصرف إلى الآن؟!
أبو سفيان يرصد كتائب الفتح :
ولما صلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالناس الغداة ، قال للعباس :
«خذه إلى رأس العقبة ، فأقعده هناك ليراه الناس جنود الله ويراها».
فقال أبو سفيان : ما أعظم ملك ابن أخيك.
قال العباس : يا أبا سفيان هي نبوة.
قال : نعم (١).
وزعموا أيضا : أنه لما توجهوا ذاهبين قال العباس : يا رسول الله ، إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه ، فاردده حتى يفقه ، ويرى جنود الله ـ تعالى ـ معك (٢).
وعن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن أبا سفيان لما ولى ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، لو أمرت بأبي سفيان فحبس على الطريق؟ (٣).
ونرى : أن الصحيح هو ما قاله ابن إسحاق ومحمد بن عمر : من أن أبا سفيان لما ذهب لينصرف ، قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» للعباس : «احبسه بمضيق الوادي (حتى تمر عليه جنود الله)».
قال ابن عقبة ، ومحمد بن عمر : فأدركه العباس فحبسه ، فقال أبو سفيان : أغدرا يا بني هاشم؟
فقال العباس : إن أهل النبوة لا يغدرون. زاد الواقدي قوله : ولكن لي إليك حاجة.
فقال أبو سفيان : فهلا بدأت بها أولا؟
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ١١٩ عن الخرايج والجرايح ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ١١٨.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٨ عن ابن عقبة.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٨ عن ابن أبي شيبة.
فقلت : إن لي إليك حاجة ، فيكون أفرخ لروعي؟!
قال العباس : لم أكن أراك تذهب هذا المذهب.
وعبأ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أصحابه الخ .. (١).
ولفظ ابن عقبة : إنا لسنا بغدر ، ولكن أصبح حتى تنظر جنود الله ، وإلى ما أعد الله للمشركين.
قال ابن عقبة : فحبسهم بالمضيق دون الأراك إلى مكة حتى أصبحوا (٢).
كتائب الإسلام إلى مكة :
قالوا : وأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مناديا ينادي ، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت ، ووقفت مع صاحبها عند رايته ، وتظهر ما معها من الأداة والعدة.
فأصبح الناس على ظهر ، وقدّم بين يديه الكتائب.
قالوا : ومرت القبائل على قادتها. والكتائب على راياتها (٣).
قال محمد بن عمر : وكان أول من قدم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» خالد بن الوليد في بني سليم وهم ألف ، ويقال : تسعمائة ، ومعهم لواءان وراية ، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس ، والآخر يحمله خفاف بن
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٤٥٢.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٠ والبحار ج ٢١ ص ١٠٤ و ١١٨ و ١١٩ و ١٢٩ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٨ وراجع : مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٦.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٩ عن ابن عقبة.
ندبة ، ويحمل الراية الحجاج بن علاط ـ بعين مضمومة ـ (وعند المعتزلي : وراية يحملها المقداد) ، فلما مروا بأبي سفيان ، كبروا ثلاث تكبيرات ، ثم مضوا ، فقال أبو سفيان : يا عباس!! من هؤلاء؟
فقال : هذا خالد بن الوليد.
(وفي نص آخر قال أبو سفيان : هذا رسول الله؟ قال : لا ، ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدمة) (١).
قال : الغلام؟
قال : نعم.
قال : ومن معه؟
قال : بنو سليم.
قال : ما لي وبني سليم!
ثم مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب (٢) ، ومعه راية سوداء.
فلما مروا بأبي سفيان كبروا ثلاثا.
فقال أبو سفيان : من هؤلاء؟ وفي نص آخر : يا عباس! هذا محمد؟!
قال : هذا الزبير بن العوام.
قال : ابن أختك؟
قال : نعم.
__________________
(١) البحار ج ١ ص ١٣٠.
(٢) الأفناء : الأخلاط من الناس لا يعرف من أي القبائل هم.
ثم مرت بنو غفار في ثلاثمائة ، يحمل رايتهم أبو ذر.
ويقال : إيماء بن رحضة ، فلما حاذوه ، كبروا ثلاثا.
فقال أبو سفيان : من هؤلاء؟
قال : بنو غفار.
قال : ما لي ولبني غفار؟
ثم مرت أسلم في أربعمائة ، فيها لواءان ، يحمل أحدهما بريدة بن الحصيب ، والآخر ناجية بن الأعجم ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا.
فقال : من هؤلاء؟
قال العباس : أسلم.
قال : ما لي ولأسلم؟ (ما كان بيننا وبينهم ترة قط.
قال العباس : هم قوم مسلمون دخلوا في الإسلام).
ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة ، يحمل رايتهم بسر بن سفيان فلما حاذوه ، كبروا ثلاثا.
فقال : من هؤلاء؟
قال العباس : بنو عمرو بن كعب بن عمرو ، إخوة أسلم.
قال : نعم. هؤلاء حلفاء محمد.
ثم مرت مزينة في ألف. فيها ثلاثة ألوية ، ومائة فرس. يحمل ألويتها النعمان بن مقرن ، وعبد الله بن عمرو بن عوف ، وبلال بن الحارث ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا.
قال : من هؤلاء؟
قال العباس : مزينة.
قال : ما لي ولمزينة؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها (١).
ثم مرت جهينة في ثمانمائة ، فيها أربعة ألوية ، يحملها أبو روعة معبد بن خالد ، وسويد بن صخر ، ورافع بن مكيث وعبد الله بن بدر ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا.
فقال : من هؤلاء؟
قال : جهينة.
قال : ما لي ولجهينة؟
ثم مرت كنانة بنو ليث وضمرة ، وسعد بن بكر في مائتين ، يحمل لواءهم أبو واقد الليثي ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا.
فقال : من هؤلاء؟
قال العباس : بنو بكر.
قال : نعم ، أهل شؤم والله! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم. (زاد في نص آخر قوله : أما والله ما شوورت فيهم ولا علمته ، ولقد كنت له كارها حيث بلغني ، ولكنه أمر حتم).
قال العباس : قد خار الله ـ تعالى ـ لكم في غزو محمد «صلىاللهعليهوآله» أتاكم أمنكم ، ودخلتم في الإسلام كافة.
ثم مرت أشجع وهم آخر من مر ، وهم ثلاثمائة معهم لواءان ، يحمل أحدهما : معقل بن سنان ، والآخر : نعيم بن مسعود. فلما حاذوه كبروا ثلاثا.
قال أبو سفيان : من هؤلاء؟
__________________
(١) تقعقع الشيء : أحدث صوتا عند تحريكه.