إِذْنِهِ : ١٠ ـ ٣) ؛ وفي كتاب الله ، هذا كثير : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ، إِلَّا بِإِذْنِهِ؟! : ٢ ـ ٢٥٥) ؛ فتعطّل (١) الشّفعاء ، إلا بإذن الله (٢).»
«وقال فى سورة هود ـ عليه السلام ـ : (٣) (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ، ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ـ : يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً ، إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى : ١١ ـ ٣) ؛ فوعد الله كلّ من تاب ـ : مستغفرا. ـ : التّمتّع إلى الموت ؛ ثم قال : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ ، فَضْلَهُ) ؛ أي : فى الآخرة.»
«قال الشافعي (رحمه الله) : فلسنا نحن تائبين على حقيقة (٤) ؛ ولكن : علم علمه الله (٥) ؛ ما حقيقة (٦) التّائبين : وقد متّعنا فى هذه الدّنيا ، تمتّعا حسنا (٧).؟.».
__________________
(١) فى الأصل : «فسطل» ، والظاهر أنه مصحف عما ذكرنا.
(٢) راجع فى بحث الشفاعة وإثباتها ؛ شرح مسلم (ج ٣ ص ٣٥) ، والفتح (ج ١٣ ص ٣٤٩ و ٣٥١). وراجع فيه (ص ٣٤٥ ـ ٣٤٩) ، بحث المشيئة والإرادة ؛ لفائدته وارتباطه بالموضوع. وانظر ما تقدم (ج ١ ص ٣٨ و ٤٠) ، والسنن الكبرى (ج ١٠ ص ٢٠٦) ، وطبقات الشافعية (ج ١ ص ٢٤٠ و ٢٥٨).
(٣) هذه هى الآية الثانية : من الآيتين اللتين أخبر الشافعي أنه استنبط حكمهما.
(٤) يعنى : على حقيقة : معلومة لنا ، وبينة لعقولنا.
(٥) أي : استأثر (سبحانه) به ، دون خلقه. وهذا جواب مقدم ، عن السؤال الآتي.
(٦) فى الأصل : «صحبة» ؛ وهو تصحيف.
(٧) يعنى : وأكثرنا لم يلتزم الطاعة ، ولم يكف عن المعصية. هذا غاية ما فهمناه فى هذا النص : الذي لا نستبعد تحريفه ، أو سقوط شىء منه. فلذلك : ينبغى أن تستعين على فهمه : بمراجعة بعض ما ورد فى الاستغفار والتوبة ، وما كتب عن حقيقتهما ، واختلاف العلماء فى حكمهما ـ : فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٥٦ وج ١٠ ص ١٥٣ ـ ١٥٥)
(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، قال : وقال الحسن بن محمد ـ فيما أخبرت عنه ، وقرأته فى كتابه ـ : أنا محمد بن سفيان ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : وقال لى الشافعي (١) : «ما بعد عشرين ومائة ـ : من آل عمران. ـ نزلت فى أحد : فى أمرها (٢) ؛ وسورة الأنفال نزلت : فى بدر (٣) ؛ وسورة الأحزاب نزلت : فى الخندق (٤) ، وهى : الأحزاب ؛ وسورة الحشر نزلت (٥) : في النّضير».
__________________
وشرح مسلم (ج ١٧ ص ٢٣ ـ ٢٥ و ٥٩ ـ ٦٥ و ٧٥ و ٨٢) ، والفتح (ج ١١ ص ٧٦ ـ ٨٤) ، وطرح التثريب (ج ٧ ص ٢٦٤) ، والرسالة القشيرية (ص ٤٥) ، وتفسير القرطبي (ج ٤ ص ٣٨ و ١٣٠) ، ومفردات الراغب. وأن تراجع تفسير المتاع : فى تفسيرى الطبري (ج ١١ ص ١٢٤) والقرطبي (ج ٩ ص ٣). وانظر ما سيأتى فى رواية يونس : (ص ١٨٦).
(١) فى المناقب لابن أبى حاتم (ص ١٩ مخطوط) ـ (المخطوط محفوظ عندى تفضل به على المغفور له مولانا الكوثرى. وسيقدم للطبع بعد الانتهاء من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل. : الناشر السيد عزت العطار الحسيني.) ـ : أن يونس دخل على الشافعي ـ وهو مريض ـ فطلب إليه : أن يقرأ عليه هذه الآية ؛ وأن يونس قال : «عنى الشافعي ... : ما لقى النبي وأصحابه».
(٢) راجع فى أسباب النزول (ص ٨٩) ، والفتح (ج ٧ ص ٢٤٤) : أثر عبد الرحمن ابن عوف ، المؤيد لذلك. وهذا مذهب الجمهور ؛ وقيل : نزلت فى الخندق ، أو بدر. انظر تفسير الطبري (ج ٤ ص ٤٥ ـ ٤٦) والقرطبي (ج ٤ ص ١٨٤).
(٣) كما صرح به سعد بن أبى وقاص : فيما روى عنه فى أسباب النزول (ص ١٧٢). وانظر تفسير القرطبي (ج ٧ ص ٣٦١) ، وشرح مسلم (ج ١٨ ص ١٦٥).
(٤) يحسن أن تراجع تفسير القرطبي (ج ١٤ ص ١١٣) : ففوائده جمة.
(٥) أي : بأسرها ؛ كما صرح به يزيد بن رومان : فيما رواه الطبري عنه فى التفسير (ج ٨ ص ٢٠). وانظر الفتح (ج ٧ ص ٢٣٤). وانظر فى تفسير القرطبي (ج ١٨ ص ٢ ـ ٣) : الكلام عن أنواع الحشر.
قال : وقال الشافعي (١) : «إنّ غنائم بدر لم تخمّس البتّة (٢) ؛ وإنّما نزلت آية الخمس : بعد رجوعهم من بدر ، وقسم الغنائم (٣).».
قال (٤) : وقال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ : ٥ ـ ٢). ـ : «يعنى (٥) : لا تستحلّوها ، [وهى (٦)] : كلّ ما كان لله (عز وجل) : من الهدى وغيره.» [وفى قوله] (٧) : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ : ٥ ـ ٢) : «من أتاه : تصدّونهم عنه.».
قال : وقال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عز وجل : (شَنَآنُ قَوْمٍ : ٥ ـ ٢). ـ : «على (٨) خلاف الحقّ». وقوله عز وجل : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ : ٥ ـ ٣) : «فما وقع عليه اسم الذّكاة ـ : من هذا. ـ فهو : ذكىّ (٩).».
__________________
(١) كما فى المناقب لابن أبى حاتم (ص ٩٥) : عن غير طريق يونس.
(٢) راجع فى شرح القاموس (مادة : بت) ؛ كون هذه الكلمة : بالقطع أو بالوصل.
(٣) راجع ما تقدم (ص ٣٦ ـ ٣٧) ، والفتح (ج ٦ ص ١١٩ ـ ١٢٠).
(٤) كما فى المناقب لابن أبى حاتم (ص ٩٤).
(٥) هذا ليس فى المناقب.
(٦) الزيادة من عندنا : للتوضيح ؛ وما ذكر بعدها : نص رواية المناقب. وعبارة الأصل : «كما قال الله عز وجل فى الهدى (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) من أن يصدوهم عنه». وهى ـ كما ترى ـ مضطربة : لا يمكن الاطمئنان إليها ، ولا التعويل عليها. ونكاد نقطع : بأنها محرفة عما ذكرنا. ولكى تطمئن إلى ذلك : راجع أقوال الأئمة فى الشعائر : فى تفسيرى الطبري (ج ٦ ص ٣٦ ـ ٣٧) والقرطبي (ج ٦ ص ٣٧ ـ ٣٨).
(٧) الزيادة من عندنا : للتوضيح ؛ وما ذكر بعدها : نص رواية المناقب. وعبارة الأصل : «كما قال الله عز وجل فى الهدى (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) من أن يصدوهم عنه». وهى ـ كما ترى ـ مضطربة : لا يمكن الاطمئنان إليها ، ولا التعويل عليها. ونكاد نقطع : بأنها محرفة عما ذكرنا. ولكى تطمئن إلى ذلك : راجع أقوال الأئمة فى الشعائر : فى تفسيرى الطبري (ج ٦ ص ٣٦ ـ ٣٧) والقرطبي (ج ٦ ص ٣٧ ـ ٣٨).
(٨) هذا بيان للقوم ؛ أي : لا يكسبنكم كرهكم قوما هذه صفتهم : الاعتداء عليهم ، وإلحاق الضرر بهم. فلا تتوهم : أنه تفسير للمفعول ؛ أو لآية المائدة الأخرى : (٨).
(٩) راجع فى المصباح (مادة : ذكى) ؛ ما نقله عن ابن الجوزي في تفسير الذكاة : فهو من أجود ما كتب وأنفعه. وانظر تفسير القرطبي (ج ٦ ص ٥٠ ـ ٥٢) ، وما تقدم (ص ٨٠ ـ ٨١).
قال : وقال الشافعي : «الأزلام (١) ليس لها معنى إلّا : القداح (٢).».
قال : وقال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عز وجل : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ : ٤ ـ ٥). ـ : «إنّهم : النساء والصّبيان (٣) ؛ لا تملّكهم ما أعطيتك ـ : من ذلك. ـ وكن أنت الناظر لهم فيه.».
قال : وقال الشافعي ـ فى قوله عز وجل : (وَالْمُحْصَناتُ : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، مِنْ قَبْلِكُمْ : ٥ ـ ٥). ـ : «الحرائر : من أهل الكتاب ؛ غير ذوات الأزواج (٤). (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ : ٥ ـ ٥) :
__________________
(١) قد ورد بالأصل : مضافا إليه ـ بمداد آخر ـ باء ، ثم كلمة : «الأزلام». وهو من تصرف الناسخ : بقرينة صنيع يونس السابق واللاحق.
(٢) يعنى : بالنظر للآية الكريمة. وإلا فقد تطلق على غير ذلك : كالوبار (وزن سهام) : دويبات لا ذنب لها. انظر اللسان والتاج : (مادتى : قسم ، وزلم) ؛ والمصباح : (مادة : وبر). ولابن قتيبة فى الميسر والقداح (ص ٣٨ ـ ٤٢) والقرطبي فى التفسير (ج ٦ ص ٥٨ ـ ٥٩) كلام جيد مفيد فى بحث القرعة السابق (ص ١٥٧). وانظر الفتح (ج ٨ ص ١٩٢) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٤٩).
(٣) راجع فى تفسير الفخر (ج ٣ ص ١٤٢ ـ ١٤٣) : ما روى فى ذلك ، عن ابن عباس والحسن وقتادة وابن جبير. وراجع بتأمل كلام البيضاوي فى التفسير (ص ١٠٣). ثم راجع الآراء الأخرى : فى تفسيرى الطبري (ج ٤ ص ١٦٤ ـ ١٦٦) والقرطبي (ج ٥ ص ٢٨) أيضا.
(٤) روى ذلك ابن أبى حاتم فى المناقب (ص ٩٧) ، ثم ذكر : أنه لا يعلم مفسرا غير الشافعي ، استثنى ذلك. وانظر ما تقدم (ج ١ ص ١٨٤ ـ ١٨٧) ، والأم (ج ٤ ص ١٨٣). وراجع تفسيرى الطبري (ج ٦ ص ٦٨ ـ ٦٩) والقرطبي (ج ٦ ص ٧٩) ؛ وما ذكره الفخر فى التفسير (ج ٣ ص ٣٦١) : من منشإ الخلاف بين أبى حنيفة والشافعي ، فى حل الأمة الكتابية.
عفائف (١) غير فواسق.».
قال (٢) : وقال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عز وجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) ؛ الآية (٣) ـ قال : «إذا اتّقوا : لم يقربوا ما حرم عليهم (٤).».
قال : وقال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عز وجل : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ). (٥) (٥ ـ ١٠٥) ـ قال : «هذا : مثل قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ : ٢ ـ ٢٧٢) ؛ ومثل قوله عز وجل: (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ : حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ : ٤ ـ ١٤٠). ومثل هذا ـ فى القرآن ـ :
__________________
(١) فى الأصل : «عفايف» ؛ وهو تصحيف. انظر شذا العرف (ص ١٠٩). يعنى : متزوجين نساء صفتهن ذلك. فهذا متعلق بقوله : «محصنين» ؛ لا تفسير له. ومراده بذلك : الإرشاد إلى أنه لا ينبغى للمؤمن العفيف : أن يتزوج غير عفيفة ؛ على حد قوله تعالى : (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ : ٢٤ ـ ٣) ولعل ذلك يرشدنا : إلى السر فى اقتصاره على بعض النص فيما تقدم (ج ١ ص ٣١١) : وإن كان قد ذكر فى مقام بيان معانى الإحصان. وراجع القرطين (ج ١ ص ١١٧ ـ ١١٨) ، وتهذيب اللغات (ج ١ ص ٦٥ ـ ٦٧).
(٢) كما فى المناقب لابن أبى حاتم (ص ٩٩).
(٣) راجع فى أسباب النزول (ص ١٥٦) : حديثى أنس والبراء فى سبب نزولها. وانظر الفتح (ج ٨ ص ١٩٣).
(٤) انظر القرطين (ج ١ ص ١٤٥) ، والأقوال الأربعة التي ذكرها القرطبي فى التفسير (ج ٦ ص ٢٩٦).
(٥) راجع فى أسباب النزول (ص ١٥٨) : حديث ابن عباس فى سبب نزول هذه الآية. وراجع فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٩١ ـ ٩٢) : حديثى أبى بكر والخشني ، وأثر ابن مسعود : فى ذلك. ثم راجع تفسير القرطبي (ج ٦ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٤).
على ألفاظ (١).».
قال : وقال الشافعي رحمه [الله] ـ فى قوله عز وجل : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ : لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ : ٤ ـ ١٧). ـ : «ذكروا فيها معنيين : (أحدهما) : أنه من عصى : فقد جهل ، من جميع الخلق (٢). (والآخر) : أنه لا يتوب أبدا : حتى (٣) يعمله ؛ وحتى يعمله : وهو لا يرى أنه محرّم. والأوّل : أولاهما (٤).».
قال : وقال الشافعي (رحمه الله) ، ـ [فى قوله عز وجل (٥)] : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ : أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ؛ إِلَّا خَطَأً : ٤ ـ ٩٢). ـ : «معناه : أنه ليس للمؤمن (٦) أن يقتل أخاه ؛ إلّا : خطأ.».
__________________
(١) أي : على ألوان فى التعبير ، وأصناف فى البيان ، وفى الأصل : «ألفاظه» ؛ وهو تحريف. وانظر كلامه فى الأم (ج ٤ ص ١٦٩) : المتعلق بآية : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى : ٥٣ ـ ٣٨) ؛ وما تقدم (ج ١ ص ٣١٧).
(٢) أي : لأنه ارتكب فعل الجهلاء ، وتنكب سبيل العقلاء ؛ سواء أكان جاهلا بالحكم ، أم عالما.
(٣) عبارة الأصل : «حتى بعمله ، وحين يعلمه». وهى مصحفة قطعا ؛ ولعلنا وقفنا فيما أثبتنا.
(٤) بل نقل فى تفسيرى الطبري (ج ٤ ص ٢٠٢) والقرطبي (ج ٥ ص ٩٢) ، عن قتادة : أن الصحابة أجمعت عليه. فراجع قوله وغيره : مما يفيد فى المقام.
(٥) زيادة حسنة ، ولعلها سقطت من الناسخ.
(٦) أي : لا ينبغى له ، ويحرم عليه. انظر تفسير القرطبي (ج ٥ ص ٣١١).
وراجع فيه وفى تفسير الطبري (ج ٥ ص ١٢٨ ـ ١٢٩) تأويل العلماء لظاهر هذه الآية ، وسبب نزولها. وانظر الفتح (ج ١٢ ص ١٧١ ـ ١٧٢) ، وما يتعلق بهذه الآية : فيما تقدم (ج ١ ص ٢٨١ ـ ٢٨٨).
قال : وقال الشافعي ـ فى قوله عز وجل : (قُلِ : اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ، وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) ؛ الآية : (٤ ـ ١٢٧). ـ : «قول عائشة (رضى الله عنها) ، أثبت شىء فيه». وذكر لى ـ فى قولها ـ : حديث الزّهرىّ (١).
قال : وقال [الشافعي (٢)] ـ فى قوله عز وجل : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ : ٥ ـ ٨٩). ـ : «ليس فيه إلّا قول عائشة : حلف الرجل على الشيء : يستيقنه ، ثم يجده : على غير ذلك (٣).».
قلت : وهذا بخلاف رواية الربيع عن الشافعي : من قول عائشة. ورواية الربيع أصحّ : فهذا الذي رواه يونس عن الشافعي ـ : من قول عائشة. ـ : إنّما رواه عمر بن قيس ، عن عطاء ، عن عائشة (٤). وعمر بن
__________________
(١) هو ـ كما فى صحيح البخاري ـ : «أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال : رغبوا فى نكاحها ، ولم يلحقوها بسنتها : بإكمال الصداق. فإذا كانت مرغوبا عنها ـ فى قلة المال والجمال ـ : تركوها ، والتمسوا غيرها : من النساء. فكما يتركونها : حين يرغبون عنها ؛ فليس لهم أن ينكحوها : إذا رغبوا فيها ؛ إلا أن يقسطوا لها الأوفى : من الصداق ؛ ويعطوها حقها.». وقد أخرجه الشيخان من طريقه عن عروة ، ومن طريق أبى أسامة عن هشام عن أبيه ؛ والبيهقي من طريق وكيع عن هشام أيضا : بألفاظ مختلفة. انظر الفتح (ج ٥ ص ٨١ و ٢٥٣ وج ٨ ص ١٦٦ و ١٨٤) ، وشرح مسلم (ج ١٨ ص ١٥٤ ـ ١٥٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٣٠). ثم راجع تفسير القرطبي (ج ٥ ص ١١ و ٤٠٣).
(٢) زيادة حسنة ، ولعلها سقطت من الناسخ.
(٣) هذا هو نحو ما استحسنه مالك فى الموطأ ، ونقلناه فيما سبق (ص ١١٠) ؛ وأشرنا إلى رد الشافعي عليه. إلا أن مالكا لم ينسبه إلى قائل معين.
(٤) كما فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٤٩). وانظر ما روى فيها (ص ٥٠) : عن مجاهد والحسن.
قيس : ضعيف. وروى من وجه آخر : كالمنقطع.
والصحيح عن عطاء وعروة ، عن عائشة ـ : ما رواه في رواية الربيع ؛ والصحيح : من المذهب أيضا ؛ ما أجازه فى رواية الربيع.
* * *
(قرأت) فى كتاب : (السّنن) ـ (١) رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله ـ : قال : «قال الله تبارك وتعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ، حُسْناً : ٥ ـ ٨) ؛ وقال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ : ٣١ ـ ١٤) ؛ وقال جل ثناؤه : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ : لِتَعارَفُوا : ٤٩ ـ ١٣) (٢).»
«وقال تبارك اسمه : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ : مِمَّ خُلِقَ؟ * : خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ : ٨٦ ـ ٥ ـ ٧) ؛ فقيل : يخرج من صلب الرجل ، وترائب (٣) المرأة.»
«وقال : (مِنْ نُطْفَةٍ : أَمْشاجٍ ؛ نَبْتَلِيهِ : ٧٦ ـ ٢) ؛ فقيل (والله أعلم) :
__________________
(١) فى الأصل زيادة : «فى» ؛ وهى من الناسخ
(٢) روى الزهري : أن سبب نزول هذه الآية ، قولهم : «يا رسول الله ؛ نزوج بناتنا موالينا؟». انظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٣٦).
(٣) فى الأصل : «ونزايب» ؛ وهو تصحيف. وهذا القول مروى عن قتادة والفراء. وروى عن الحسن : أنه يخرج من صلب وترائب كل منهما. وقيل : يخرج من بين صلب الرجل ونحوه. انظر تفسيرى الطبري (ج ٣٠ ص ٩٢ ـ ٩٣) والقرطبي (ج ٢٠ ص ٧) ؛ واللسان (مادة : ترب). وانظر الأقوال : فى تفسير الترائب.
نطفة الرجل : مختلطة بنطفة المرأة (١). (قال الشافعي) : وما اختلط سمّته العرب : أمشاجا.»
«وقال الله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ : لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ : مِمَّا تَرَكَ) ؛ الآية : ٤ ـ ١١).»
«فأخبر (جل ثناؤه) : أنّ كلّ آدمىّ : مخلوق من ذكر وأنثى ؛ وسمّى الذكر : أبا ؛ والأنثى : أمّا.»
«ونبّه (٢) : أنّ ما نسب (٣) ـ : من الولد. ـ إلى أبيه : نعمة من نعمه ؛ فقال : (فَبَشَّرْناها : بِإِسْحاقَ ؛ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ : يَعْقُوبَ : ١١ ـ ٧١) ؛ وقال : (يا زَكَرِيَّا ؛ إِنَّا نُبَشِّرُكَ : بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى ؛ ١٩ ـ ٧).»
«قال الشافعي : ثم كان بيّنا فى أحكامه (جل ثناؤه) : أنّ نعمته لا تكون : من جهة معصيته (٤) ؛ فأحلّ النكاح ، فقال : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ : مِنَ النِّساءِ : ٤ ـ ٣) ؛ وقال تبارك وتعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : ٤ ـ ٣). وحرّم الزّنا ، فقال : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى : ١٧ ـ ٣٢) ؛ مع ما ذكره : فى كتابه.»
«فكان معقولا فى كتاب الله : أنّ ولد الزّنا لا يكون منسوبا إلى
__________________
(١) راجع فى تفسير القرطبي (ج ١٩ ص ١١٨ ـ ١١٩) : ما روى عن ابن عباس وابن مسعود وأبى أيوب ؛ وأقوال المبرد والفراء وابن السكيت. لفائدتهما هنا. (وانظر تفسير الطبري (ج ٢٩ ص ١٢٦ ـ ١٢٧).
(٢) فى الأصل : «وفيه» ؛ وهو تصحيف.
(٣) فى الأصل : «لنسب» ؛ وهو تصحيف.
(٤) فى الأصل : «معصية» ؛ والظاهر : أنه محرف ؛ بقرينة ما سيأتي.
أبيه : الزّانى بأمّه. لما وصفنا : من أنّ نعمته إنّما تكون : من جهة طاعته ؛ لا : من جهة معصيته.»
«ثم : أبان ذلك على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم (١)» ؛ وبسط الكلام فى شرح (٢) ذلك.
* * *
(أنا) أبو عبد الرحمن السّلمىّ ، قال : حدثنا على بن عمر الحافظ (ببغداد) : نا عبد الله بن محمد بن أحمد بن [محمد بن] عبد الله بن محمد ابن العباس الشافعىّ ؛ حدثنا أبى ، عن أبيه : حدثنى أبى [محمد بن] عبد الله (٣) بن محمد ؛ قال : سمعت الشافعىّ يقول (٤) : «نظرت بين
__________________
(١) كحديث : «الولد لصاحب الفراش ؛ وللعاهر الحجر» ؛ وكنفيه (صلى الله عليه وسلم) الولد ، عن الزوج الملاعن ؛ وإلحاقه : بأمه.
(٢) فى الأصل : «شروح» ؛ والزيادة من الناسخ. ولكى تقف على حقيقة هذه المسألة الخطيرة ، ومذاهب الأئمة فيها ، وما يتعلق بها أو يتفرع عنها ـ : ينبغى أن تراجع كلام الشافعي فى الأم (ج ٤ ص ١٢ وج ٥ ص ١٣٦ ـ ١٤٠ و ٢٣٤ و ٢٨١ ـ ٢٨٢) ، واختلاف الحديث (ص ٣٠٤ ـ ٣١٠) ؛ والمختصر (ج ٣ ص ٢٨٠ ـ ٢٨٢ وج ٤ ص ١٧٤) ؛ وكلام الفخر فى المناقب (ص ٦٣ و ١٩٤ ـ ١٩٥). ثم راجع شروح الموطأ (ج ٣ ص ١٢٣ ـ ١٢٤ و ١٤١ ـ ١٤٢) ومسلم (ج ١٠ ص ٣٧ ـ ٤٠ و ١٢٣) والعمدة (ج ٤ ص ٦٨ و ٧٠) ؛ ومعالم السنن (ج ٣ ص ٢٦٨ ـ ٢٧٤ و ٢٧٨ ـ ٢٨٠) ، وطرح التثريب (ج ٧ ص ١٠٨ و ١١٦ و ١٢٢ و ١٣٠) ، والفتح (ج ٤ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ وج ٨ ص ١٧ ـ ١٨ و ٣١٣ ـ ٣١٥ وج ٩ ص ٣٦٦ و ٣٧١ ـ ٣٧٤ وج ١٢ ص ٢٣ ـ ٣١ و ١٠٤).
(٣) فى الأصل زيادة : «محمد) ؛ وهو متأخر عن مكانه بعبث الناسخ. والتصحيح والزيادة المتقدمة : من طبقات التاج السبكى (ج ١ ص ٢٤٣ و ٢٨٧).
(٤) كما فى المناقب للفخر (ص ٧٠) : باختلاف يسير سننبه على بعضه.
دقّتى المصحف : فعرفت مراد الله (عز وجل) فى (١) جميع ما فيه ، إلّا حرفين» : (ذكرهما ، وأنسيت (٢) أحدهما) ؛ «والآخر : قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها : ٩١ ـ ١٠) ، فلم أجده : فى كلام العرب ؛ فقرأت لمقاتل بن سليمان : أنّها : لغة السّودان ؛ وأنّ (دسّاها (٣)) : أغواها. (٤)».
قوله : «فى كلام العرب» ؛ أراد : لغته ؛ أو أراد : فيما بلغه : من كلام العرب. والذي ذكره مقاتل ـ : (٥) لغة السّودان. ـ : من كلام العرب ؛ والله أعلم.
* * *
وقرأت فى كتاب. (السّنن) ـ رواية حرملة بن (٦) يحيى ، عن الشافعي رحمه الله ـ : قال : «قال الله عز وجل : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ : لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) ، الآيتين : (٦٠ ـ ٨).»
__________________
(١) رواية الفخر : «من ... إلا حرفين أشكلا على ؛ قال الراوي : الأول نسيته ، والثاني ...». وانظر الخلية (ج ٩ ص ١٠٤) ، وتاريخ بغداد (ج ٢ ص ٦٣).
(٢) فى الأصل : بدون الواو ؛ ولعلها سقطت من الناسخ.
(٣) الأصل : «داساها» ؛ وهو تحريف.
(٤) قد أخرج هذا التفسير عن ابن عباس : فى المستدرك ومختصره (ج ٢ ص ٥٢٤) ، وتفسير القرطبي (ج ٢٠ ص ٧٧). وأخرجه البخاري عن مجاهد ، والطبري عنه وعن ابن جبير. انظر الفتح (ج ١١ ص ٤٠٤) ، وتفسير الطبري (ج ٣٠ ص ١٣٦).
(٥) أي : على أنه لغتهم : هو : من كلام العرب ؛ أخذه أهل السودان عنهم ، واشتهر عندهم.
(٦) فى الأصل : «ابن أبى يحيى» ؛ والزيادة من الناسخ. انظر الطبقات للشيرازى
«قال : يقال (والله أعلم) : إنّ بعض المسلمين تأثّم من صلة المشركين ـ أحسب ذلك : لمّا نزل (١) فرض جهادهم ، وقطع الولاية بينهم وبينهم (٢) ، ونزل : (لا تَجِدُ قَوْماً ـ : يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ـ : يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، الآية (٣) : ٥٨ ـ ٢٢). ـ فلمّا خافوا أن تكون [المودّة (٤)] : الصّلة بالمال ، أنزل (٥) : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ : لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ـ : أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (٦) ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ : قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ ـ : أَنْ
__________________
(ص ٨٠) والسبكى (ج ١ ص ٢٥٧) والحسيبى (ص ٥).
(١) فى الأصل زيادة : «من» ؛ والظاهر : أنها من الناسخ ؛ بقرينة قوله الآتي : «ونزل» ؛ فتأمل.
(٢) كما فى آيات آل عمران : (٢٨ و ١١٨) ؛ والمائدة : (٥١) ؛ وأول الممتحنة.
(٣) راجع ما ورد فى سبب نزولها : فى أسباب النزول (ص ٣١٠) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٧) ، وتفسير القرطبي (ج ١٨ ص ٣٠٧).
(٤) هذه الزيادة : للايضاح ؛ وقد يكون أصل العبارة : «أن تكون الصلة بالمال محرمة».
(٥) راجع فى الفتح (ج ٥ ص ١٤٧ ـ ١٤٨) : حديث أسماء بنت أبى بكر فى سبب نزول هذه الآية. ثم راجع الخلاف : فى كونها : محكمة أو منسوخة ؛ عامة أو مخصوصة ـ : فى الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ٢٣٥) ، وتفسيرى الطبري (ج ٢٨ ص ٤٣) والقرطبي (ج ١٨ ص ٥٩).
(٦) قال ابن العربي ـ كما فى تفسير القرطبي ـ : «أي : تعطوهم قسطا : من أموالكم ؛ على وجه الصلة. وليس يريد به : من العدل ؛ فإن العدل واجب : فيمن قاتل ، وفيمن لم يقاتل.». وانظر تفسيرى الفخر (ج ٨ ص ١٣٩) والبيضاوي (ص ٧٣١).
تَوَلَّوْهُمْ ؛ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ : فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).»
«قال الشافعي (رحمه الله) : وكانت الصّلة بالمال ، والبرّ ، والإقساط ، ولين الكلام ، والمراسلة (١) ـ : بحكم الله. ـ غير ما نهوا عنه : من الولاية لمن نهوا عن ولايته : (٢) مع المظاهرة على المسلمين.»
«وذلك : أنّه أباح برّ من لم يظاهر عليهم ـ : من المشركين. ـ والإقساط إليهم ؛ ولم يحرّم ذلك (٣) : إلى من أظهر عليهم ؛ بل : ذكر الذين ظاهروا عليهم ، فنهاهم : عن ولايتهم. وكان الولاية : غير البرّ والإقساط (٤).»
«وكان النبىّ (صلى الله عليه وسلم) : فادى بعض أسارى بدر ؛ وقد كان أبو عزّة الجمحىّ : ممّن منّ عليه (٥) ـ : وقد كان معروفا : بعداوته ، والتّأليب (٦) عليه : بنفسه ولسانه. ـ ومنّ بعد بدر : على ثمامة بن أثال : وكان معروفا : بعداوته ؛ وأمر : بقتله ؛ ثم منّ عليه بعد إساره. وأسلم
__________________
(١) كما فى قصة حاطب بن أبى بلتعة. انظر ما تقدم (ص ٤٦ ـ ٤٨) ، وأسباب النزول (ص ٣١٤ ـ ٣١٦) ، وتفسيرى الطبري (ج ٢٨ ص ٣٨ ـ ٤٠) والقرطبي (ج ١٨ ص ٥٠ ـ ٥٢)
(٢) أي : مع كونه مظاهرا عليهم ؛ فهو فى موقع الحال من الضمير.
(٣) أي : إيصال ذلك إلى من أعان على إخراجهم ؛ انظر اللسان (ج ٦ ص ١٩٨). وفى الأصل : «.. إلى ما ..» ؛ وهو تصحيف.
(٤) راجع كلام الحافظ فى الفتح (ج ٥ ص ١٤٦) : المتعلق بذلك ؛ لفائدته.
(٥) وأخذ عليه عهدا بعدم قتاله ؛ ولكنه أخل بالعهد ، وقاتل النبي فى أحد : فأسر وقتل. انظر الأم (ج ٤ ص ١٥٦) ؛ ثم راجع قصته وقصة ثمامة : فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٦٥ ـ ٦٦) : وانظر ما تقدم (ص ٣٨ وج ١ ص ١٥٨ ـ ١٥٩) ، والفتح (ج ٦ ص ١٥٢).
(٦) فى الأصل : «والثعاليب» ؛ وهو تحريف.
ثمامة ، وحبس الميرة عن أهل مكّة : فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، أن يأذن له : أن يميرهم ؛ فأذن له : فمارهم.»
«وقال الله عز وجل : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ ـ : عَلى حُبِّهِ. ـ : مِسْكِيناً ، وَيَتِيماً ، وَأَسِيراً : ٧٦ ـ ٨) ؛ والأسرى (١) يكونون : ممّن حادّ الله ورسوله (٢).».
* * *
(أنا) أبو عبد الرحمن السّلمىّ ، أنا الحسن بن رشيق (إجازة) ، قال (٣) : قال عبد الرحمن بن أحمد المهدىّ : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعىّ (رحمه الله) ، يقول (٤) : «من زعم ـ : من أهل العدالة. ـ : أنّه يرى الجنّ ؛ أبطلت (٥)
__________________
(١) فى الأصل : بالألف ؛ وهو تصحيف.
(٢) قال الحسن : «ما كان أسراهم إلا المشركين». وروى نحوه : عن قتادة وعكرمة. انظر الخلاف فى تفسير ذلك : فى تفسيرى الطبري (ج ٢٩ ص ١٢٩ ـ ١٣٠) والقرطبي (ج ١٩ ص ١٢٧). ثم راجع فى سير الأوزاعى الملحق بالأم (ج ٧ ص ٣١٦ ـ ٣١٧) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٢٨ ـ ١٢٩) ـ : رد الشافعي على أبى يوسف ، فيما زعم : «من أنه لا ينبغى : بيع الأسرى لأهل الحرب ، بعد خروجهم إلى دار الإسلام». ففائدته فى هذا البحث كبيرة. وانظر شرح مسلم (ج ١٢ ص ٦٧ ـ ٦٩).
(٣) هذا قد ورد فى الأصل عقب قوله : المهدى ؛ وهو من عبث الناسخ.
(٤) كما فى مناقب الفخر (ص ١٢٦) ، وطبقات السبكى (ج ١ ص ٢٥٨) (والحلية ج ٩ ص ١٤١) : وقد أخرجاه من طريق حرملة. وذكره فى الفتح (ج ٦ ص ٢١٦) : مختصرا ؛ عن المناقب للبيهقى.
(٥) فى غير الأصل : «أبطلنا». قال فى الفتح : «وهذا محمول : على من يدعى رؤيتهم : على صورهم التي خلقوا عليها. وأما من ادعى : أنه يرى شيئا منهم ـ : بعد أن يتصور على صور شتى : من الحيوان. ـ : فلا يقدح فيه ؛ وقد تواردت الأخبار : بتطورهم فى الصور.». وانظر تفسيرى الفخر (ج ٤ ص ١٦٥) والقرطبي (ج ٧ ص ١٨٦) ؛ وآكام المرجان (ص ١٥).
شهادته ـ : لأنّ الله (عزوجل) يقول : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ : مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ : ٧ ـ ٢٧). ـ إلّا : أن يكون نبيّا (١).».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، قال : ثنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٢) : «أكره : أن يقال للمحرّم : صفر ؛ [ولكن يقال له : المحرّم.] (٣)»
«[وإنّما كرهت : أن يقال للمحرّم : صفر ؛ من قبل : أنّ أهل الجاهليّة (٤)] كانوا يعدّون ، فيقولون : صفران ؛ للمحرّم وصفر ؛ وينسئون ـ : فيحجّون عاما فى شهر ، وعاما فى غيره (٥). ـ ويقولون :
__________________
(١) ينبغى أن تراجع الكلام : عن حقيقة الجن وأصلهم ، وأصنافهم وأحكامهم ، وبعثة نبينا إليهم ؛ ورد إمام الحرمين وغيره ، على من أنكر وجودهم : كبعض الفلاسفة ، والزنادقة والقدرية ـ : فى تفسير الفخر (ج ٨ ص ٢٣٤ ـ ٢٤٢) ، وآكام المرجان (ص ٣ ـ ٥٤) ، والفتح (ج ٦ ص ٢١٥ ـ ٢١٨ وج ٧ ص ١١٨) ، والمستدرك ومختصره (ج ٢ ص ٤٥٦) ، وتفسيرى الطبري (ج ٨ ص ٢٧ وج ٢٩ ص ٦٤ ـ ٧١) والقرطبي (ج ١٩ ص ١ ـ ١٦). ـ : لتؤمن : بدجل بعض المعاصرين المنكرين ؛ وتعتقد : أنهم رؤساء المقلدين ، بل زعماء المخرفين
(٢) كما فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٦٥).
(٣) زيادة جيدة ، عن السنن الكبرى.
(٤) زيادة جيدة ، عن السنن الكبرى.
(٥) أي : عاما فى صفر ، وعاما فى المحرم (مثلا). راجع فى السنن الكبرى (ص ١٦٦) :
إن أخطأنا موضع المحرّم ، فى عام : أصبناه فى غيره. فأنزل الله عز وجل : (إِنَّمَا النَّسِيءُ : زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) ؛ الآية : (٩ ـ ٣٧).»
«وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (١) : إنّ الزّمان قد استدار : كهيئته (٢). يوم خلق الله السّماوات والأرض (٣) ؛ السّنة : اثنا عشر شهرا ؛ منها أربع حرم : ثلاثة متواليات ـ : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم. ـ ورجب : شهر مضر ، الذي بين جمادى وشعبان (٤).»
__________________
ما ذكره ابن عباس عما كان يفعله فى الجاهلية أبو ثمامة الكناني ؛ وما قاله مجاهد. وراجع أمالى القالي (ج ١ ص ٤) ، والتاج (مادة : نسأ) ، والقرطين (ج ١ ص ١٩٥) ، وتفسيرى الطبري (ج ١٠ ص ٩١ ـ ٩٣) والقرطبي (ج ٨ ص ١٣٧) ، والفتح (ج ٣ ص ٢٧٤). ثم انظر بتأمل بلوغ الأرب (ج ٣ ص ٧٠ ـ ٧٦) ، وكلام النووي فى شرح مسلم (ج ١١ ص ١٦٨) ، وما نقله الفخر فى التفسير (ج ٤ ص ٤٣١) عن الواحدي ؛ والحافظ فى الفتح (ج ٨ ص ٢٢٦) عن الخطابي ـ : مما يفيد : أن هذا التأخير لم يكن عندهم مختصا بشهر. ـ : لتدرك ما فى رسالة : (نظام النسيء عند العرب : ص ١٢) : من الضعف والتسرع فى الحكم.
(١) كما فى الصحيحين وغيرهما ؛ إلا أن فيها زيادة مفيدة لم تذكر هنا. فراجع الكلام عنه:فى الفتح : (ج ١ ص ١١٧ وج ٣ ص ٣٧٢ وج ٨ ص ٥٦ و ٢٢٥ وج ١٠ ص ٥) ، وشرح مسلم (ج ١١ ص ١٦٧ ـ ١٧٢).
(٢) فى الأصل : «كهيئة» ؛ وهو تحريف.
(٣) ذكر فى السنن الكبرى إلى هنا.
(٤) ذكر فى شرح مسلم : «أن هذا التقييد مبالغة فى إيضاحه ، وإزالة للبس عنه : إذ كانت ربيعة تخالف مضر فيه : فتجعله رمضان» ؛ إلخ. فراجعه ؛ وراجع فيه وفى الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ٣١) والتاج. (مادة : حرم) : اختلاف الكوفيين والمدنيين : فى أول هذه الأشهر ؛ أهو المحرم؟ أم رجب؟ أم ذو القعدة؟.
«قال الشافعي : فلا شهر ينسأ (١). وسمّاه (٢) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : المحرّم.».
وصلّى (٣) الله على سيّدنا : محمّد ؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
(١) أي : بعد بيان الله ورسوله. وفى الأصل : «خلا شهر منسا» ؛ وهو خطأ وتصحيف. والتصحيح من السنن الكبرى.
(٢) أي : المحرم. وإذن : تكون تسميته : صفرا ؛ مكروهة.
(٣) هذا إلى آخره : آخر ما ذكر فى الكتاب. وهو من كلام البيهقي ، أو أحد النساخ. والله أعلم.
«كلمة الختام»
بسم الله الرّحمن الرّحيم
أما بعد الحمد والتعظيم لله ، والصلاة والتسليم على رسول الله ؛ وعلى آله الأطهار ، وأصحابه الأبرار ، وسائر الأئمة الأخيار ـ : فبفضل الله (تعالى) ومعونته ، وتوفيقه (سبحانه) وهدايته ؛ قد انتهبنا من التصحيح والتعليق على كتاب : «أحكام القرآن (١)» ؛ أحد الآثار الجليلة ـ : التي تركها لمن بعده : نبراسا يهتدى بنوره المتعلمون ، وقانونا يحتكم إلى حكمه المختلفون ؛ إمام الأئمة ، وعالم قريش والأمة ، ؛ الإمام المطلبي : محمد بن إدريس الشافعي ؛ رضى الله عنه ، ونفعنا بعلمه. ـ : الذي جمعه وصنفه ، وبوبه ورتبه ؛ شيخ المحدثين ، وكبير المصنفين ؛ الحافظ : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ؛ رحمه الله ، وأكرم مثواه.
وكنا قد ابتدأنا ذلك : فى يوم الجمعة المبارك ، الحادي عشر من المحرم سنة ١٣٧١ ه (١٢ من أكتوبر ١٩٥١ م).
إلا أننا لم نتمكن من مراجعة أصله كله : قبل تقديمه لطبعه ؛ بل : راجعنا من أول الملزمة الرابعة من الجزء الأول.
أما ما قبل ذلك : فالملزمة الثانية لم ننظرها إلا قبيل طبعها بساعات معدودة : ولا مصدر يرجع إليه ، أو يعول عليه. والملزمة الثالثة قد تمكنا من نظر تجارب طبعها ، والرجوع إلى ما أعان على تصحيح الكثير منها. وقد أصلحنا بعض الأخطاء التي وقعت فيها وفيما قبلها.
ولم نكون ـ قبل الشروع فى ذلك العمل الخطير ـ : فكرة مركزة خاصة ؛ ولم نرسم لتحقيقه : خطة محددة واضحة. بل سرنا فيه ـ بعد وجل شديد ، وتردد مديد ـ : حسب ما سمحت به ظروفنا الحرجة ؛ ومكنت منه شواغلنا الجمة ، مستلهمين الله : التوفيق والسداد. ومستمدين منه : العون والإرشاد.
__________________
(١) يجب أن يكون معلوما : أن الشافعي قد وضع كتابا آخر بهذا الاسم : كثيرا ما نقل عنه أبو إبراهيم المزني فى مختصره ، وأبو العباس الأصم فى سننه
وإنا لنرجو أن نكون ـ بعملنا هذا ـ : قد أدينا واجبا ، وأرضينا ربا ، وخدمنا دينا.
وأن نكون : قد محونا خطأ ، وأثبتنا صوابا ، وملأنا فراغا ، وأزلنا اضطرابا ، وأبنا خفيا ، وكشفنا غامضا ، ومنعنا نقدا ، وقطعنا لوما.
وأن نكون : قد أحلنا القارئ : على ما أوجد وثوقا ، وأكد ثبوتا ، وزاد بيانا ، وقوى برهانا ؛ وعلى ما فصل مجملا ، وبسط مختصرا ؛ وتعرض لما ليس من غرض الكتاب ، التعرض له ، أو الاهتمام به : مما يتصل بالموضوع عن قرب أو بعد. وعلى ما أورد : من الاعتراض والنقد ؛ ما أظهر فضلا جديدا ، وأوجب تقديرا مزيدا : «فالضد يظهر حسنه الضد».
بيد أن ذلك مع الأسف ـ : لاعتبارات خاصة ، وأسباب قاهرة : لا نرى ضرورة لشرحها ، أو الإشارة إلى نوعها. ـ لم يتحقق إلا : فى دائرة ضيقة محدودة ، وبصورة متعبة غريبة.
ثم نرجو أن نكون : قد عرضنا نصه عرضا بينا جميلا ، ونسقناه ـ فى جملته ـ تنسيقا فنيا بديعا : يقر الناظر ، ويسر الخاطر ، ويبين مواقع جمله ، وارتباط كلمه.
وكنا قد التزمنا : أن نكمل بالهامش ، الآيات القرآنية الكريمة : التي اقتصرت الرواية على ذكر بعضها ، وأشارت إلى إرادة بقيتها. ثم اكتفينا ـ من أول مباحث الجراح ـ : بالتنبيه على رقم الآية وسورتها. ولم تمكنا صحتنا إلا من وضع فهرس إجمالي مختصر : لموضوعات الكتاب ومحتوياته. ونحن لا نؤمن : بأن الفهارس هى : كل ما يدل على المسائل المطلوبة ، ويوصل إلى المباحث المرغوبة. بل نؤمن ـ عن خبرة صادقة ، وتجربة واسعة ـ : بأن الاعتماد الكلي عليها ، فى البحث عن شيء من ذلك ، كثيرا ما فوت حقائق ثابتة ، وفوائد هامة ، أو سبب أحكاما خاطئة ، وآراء شاذة.
على أن الناشر الفاضل أبو أسامة السيد عزت العطار الحسيني (أعزه الله) قد قام بوضع فهرسين ؛ (أحدهما) : للآيات الشريفة (والآخر) : للاعلام والأماكن التي وردت فيه. ونحن ـ مع شكرنا إياه على وضعهما ـ قد رجوناه : أن يقتصر ، ما أمكن ، في ثانيهما.
* * *
وقد يؤخذ علينا : أننا قد أثبتنا ـ فى بعض المواضع ـ عبارة غير الأصل ؛ وزدنا ـ كذلك ـ ما لا تتحتم زيادته ، ولا تتعين إضافته. وأننا لم نلتزم تخريج أحاديثه ، ولا التعريف بأعلامه.
فنقول : إن هذا لا ضرورة له ؛ وذاك مما يتسامح فيه. على أن لنا فى زيادة ما زدنا ، وترك ما تركنا ـ : من الأعذار البينة العديدة ، والأسناد القوية السديدة. ـ ما سندلى به ونشرحه : عند الحاجة الملحة ، والضرورة الملجئة ؛ إن شاء الله.
ويكفى الآن ، أن نقول ـ فى صراحة تامة ـ : إن هذا أول عمل ، من نوعه ، قمنا به ؛ فلم يسبق لنا تصحيح كتاب غيره.
ولسنا (ولله الحمد) من الجهل والغرور : بحيث نتوهم : أنه عمل كامل من كل ناحية ، أو خال عن الأخطاء العلمية. فالكمال : لله وحده ، ومن طلبه : فقد طلب أمرا : بعيدا تناوله ؛ بل : مستحيلا تحققه.
ولكنا (ولله الفضل) نقول ـ فى وثوق واطمئنان ـ : إنه ليس فى الإمكان ، أبدع مما كان ، وإن أحدا ـ مهما قويت عقليته ، واتسعت ثقافته ـ لا يستطيع فى تلك المدة الوجيزة ، (دع : الأحوال الدقيقة ، والأعمال الأخرى الكثيرة) : أن يتحقق خيرا منه فى جملته ؛ وأن يقوم بأكثر مما قمنا به : من مراجعة نصه مراجعة دقيقة ، والبحث عن مكانه فى المظان الضخمة المختلفة ، ثم بيان أوجه الاختلاف فيه ، وتصحيح أخطائه ، وتكميل الناقص منه ، ثم النظر فى أهم المراجع المعتمدة : التي انتفعت بعلم الشافعي وتأثرت به ، أو اهتمت بالبحث عنه ، وتعرضت لنقده ، ثم الإحالة على المواضع : التي تعين على فهم عباراته ، وإدراك إشاراته ؛ ثم إعداد صورة لطبعه ، والنظر فى تجاربه ، ثم عمل ملحق بين بعض الأخطاء التي وقعت ، والتنبيهات التي فاتت.
وبالجملة : فهو عمل لا يقدر خطورته ، ولا يدرك صعوبته ؛ إلا امرؤ : قدر له أن يزاول مثله ، ويقدم ـ فى رغبة واخلاص ـ على تأديته.
وإنا نسأل الله «الذي ألهم بإنشائه ، وأعان على إنهائه» : أن يكتب القبول له ، ويحقق النفع به. إنه مجيب الدعاء ، ومحقق الرجاء؟
القاهرة ـ ميدان السيدة نفيسة رضى الله عنها |
عبد الغنى عبد الخالق |
|
غرة ذى القعدة سنة ١٣٧١ ه |
فى يوم الأربعاء |
|
|
٢٣ من يولية سنة ١٩٥٢ م |