الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٦
وقتله ، وأنزل الله تعالىٰ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) الآية.
٢ ـ أبو بكر النقّاش الموصليّ ، البغداديّ : المتوفّىٰ ( ٣٥١ ) ، المترجم ( ص ١٠٤ ).
روىٰ في تفسيره شفاء الصدور حديث أبي عبيد المذكور ، إلّا أنَّ فيه مكان جابرِ ابن النضر الحارثَ بنَ النعمان الفهري ، كما يأتي في رواية الثعلبي ، وأحسبه تصحيحاً منه.
٣ ـ أبو إسحاق الثعلبيّ ، النيسابوريّ : المتوفّىٰ ( ٤٢٧ ، ٤٣٧ ).
قال في تفسيره الكشف والبيان (١) : إنَّ سفيان بن عيينة سُئل عن قوله ـ عزوجل ـ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) في منْ نزلت ؟
فقال للسائل (٢) : سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك ، حدّثني أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ قال :
لمّا كان رسول الله بغدير خُمّ نادى الناس ، فاجتمعوا فأخذ بيد عليٍّ ، فقال : « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه » ، فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتىٰ رسول الله صلىاللهعليهوسلم علىٰ ناقة له حتىٰ أتى الأبطح (٣) ، فنزل عن ناقته فأناخها ، فقال :
يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنَّك رسول الله فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، ثمّ لم ترضَ بهذا حتىٰ رفعتَ بضَبعَيْ ابن عمِّك ففضّلته علينا ، وقلت : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، فهذا شيءٌ منك ، أم من الله ؟
___________________________________
(١) الكشف والبيان : الورقة ٢٣٤ سورة المعارج آية : ١ ـ ٢.
(٢) في رواية فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره [ ص ١٩٠ ] ، والكراجكي في كنز الفوائد : إنَّ السائل هو الحسين بن محمد الخارقي. ( المؤلف )
(٣) يأتي الكلام فيه بأبسط وجه إن شاء الله تعالىٰ. ( المؤلف )
فقال : « والذي لا إلٰه إلّا هو إنَّ هذا من الله ». فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول :
أللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتىٰ رماه الله تعالىٰ بحجر ، فسقط علىٰ هامته ، وخرج من دُبُره وقتله ، وأنزل الله ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) الآيات.
٤ ـ الحاكم أبو القاسم الحَسكانيّ : المترجم ( ص ١١٢ ).
روىٰ في كتاب دعاء الهداة إلىٰ أداء حقّ الموالاة (١) ، فقال :
قرأت علىٰ أبي بكر محمد بن محمد الصيدلاني فأقرَّ به ، حدّثكم أبو محمد عبد الله ابن أحمد بن جعفر الشيباني ، حدّثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي ، حدّثنا إبراهيم ابن الحسين الكسائي ـ ابن ديزيل ـ حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا سفيان بن سعيد الثوري ، حدّثنا منصور (٢) ، عن ربعي (٣) ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعليّ عليهالسلام : « من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه ».
قال النعمان بن المنذر ـ فيه تصحيفٌ ـ الفهري : هذا شيء قلتَه من عندك ، أو شيء أمرك به ربّك ؟
قال : « لا ، بل أمرني به ربّي ».
فقال : أللّهمّ أنزل ـ كذا في النسخ ـ علينا حِجارةً من السماء ! فما بلغ رَحْله حتىٰ
___________________________________
(١) ورواه في كتابه شواهد التنزيل أيضاً : ٢ / ٣٨٣ برقم ١٠٣٣ بطريقين عن ابن ديزيل. ( الطباطبائي )
(٢) منصور بن المعتمر بن ربيعة الكوفي ، يروي عن ربعي بن حراش ، مُجمَع علىٰ ثقته ، تُوفِّي ( ١٣٢ ) ، ذكره الذهبي في تذكرته : ١ / ١٢٧ [ ١ / ١٤٢ رقم ١٣٥ ] ، وأثنىٰ عليه بالإمام الحافظ الحجّة.
( المؤلف )
(٣) ربعي بن حراش أبو مريم الكوفي المتوفّىٰ ( ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٤ ) من رجال الصحيحين ، قال الذهبي في تذكرته : ١ / ٦٠ [ ١ / ٦٩ رقم ٦٥ ] : متفق علىٰ ثقته وإمامته والاحتجاج به. ( المؤلف )
جاءه حجرٌ فأدماه ، فخرّ ميِّتاً ، فأنزل الله تعالىٰ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (١).
وقال : حدّثنا أبو عبد الله الشيرازي ، قال : حدّثنا أبو بكر الجرجرائي ، قال : حدّثنا أبو أحمد البصري ، قال : حدّثنا محمد بن سهل ، قال : حدّثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار ، قال : حدّثنا محمد بن أيّوب الواسطي ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام :
لمّا نصب رسول الله عليّاً يوم غدير خُمّ ، وقال : من كنتُ مولاه ، طار ذلك في البلاد ، فقدم على النبيِّ صلىاللهعليهوسلم النعمان بن الحارث الفهري قال : أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنَّك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزكاة ، فقبلناها ، ثمّ لم ترضَ حتىٰ نصبتَ هذا الغلام فقلت : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. فهذا شيء منك ، أو أَمرٌ من عند الله ؟
فقال : « والله الذي لا إلٰه إلّا هو إنَّ هذا من الله ».
فولّى النعمان بن الحارث وهو يقول : أللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطِرْ عَلَينا حجارَةً من السماء ! فرماه الله بحجر علىٰ رأسه ، فقتله ، وأنزل الله تعالىٰ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) الآيات (٢).
٥ ـ أبو بكر يحيى القرطبيّ (٣) : المتوفّىٰ ( ٥٦٧ ) ، المترجم ( ص ١١٥ ) قال في
___________________________________
(١) إسناد هذا الحديث صحيح رجاله كلّهم ثقات. ( المؤلف )
(٢) وأخرجه في كتابه شواهد التنزيل : ٢ / ٣٨١ رقم ١٠٣٠ ، كما رواه بطرق أخرىٰ بالأرقام : ١٠٣١ و ١٠٣٢ و ١٠٣٤ أيضاً. ( الطباطبائي )
(٣) القرطبي صاحب التفسير هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح المتوفّىٰ سنة ٦٧١ ، له الجامع لأحكام القرآن ، المطبوع المشتهر بتفسير القرطبي ، والقصّة مذكورة فيه في سورة المعارج : ١٨ / ٢٧٨ وإليك نصّه :
قيل
إنَّ السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري ، وذلك أنَّه لمّا بلغه قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم في
=
تفسيره (١) في سورة المعارج :
لمّا قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » قال النضر بن الحارث (٢) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أمرتنا بالشهادتين عن الله فقبلنا منك ، وأمرتنا بالصلاة والزكاة ، ثمّ لم ترضَ حتىٰ فضّلتَ علينا ابن عمّك ، آلله أمرك ، أم من عندك ؟
فقال : « والذي لا إلٰه إلّا هو إنَّه من عند الله ».
فولّىٰ وهو يقول : أللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأَمطر علينا حجارةً من السماءِ ! فوقع عليه حجر من السماء فقتله.
٦ ـ شمس الدين أبو المظفّر سبط ابن الجوزيّ الحنفيّ : المتوفّىٰ ( ٦٥٤ ).
رواه في تذكرته (٣) ( ص ١٩ ) قال : ذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده : أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا قال ذلك ـ يعني حديث الولاية ـ طار في الأقطار ، وشاع في البلاد
___________________________________
= عليّ رضياللهعنه « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » ركب ناقته ، فجاء حتىٰ أناخ راحلته بالأبطح ، ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله ، فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كلّ عام فقبلناه منك ، وأن نحجّ فقبلناه منك.
ثم لم ترضَ بهذا حتىٰ فضّلت ابن عمّك علينا ، أفهذا شيء منك أم من الله ؟! فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : « والله الذي لا إله إلّا هو ما هو إلّا من الله ».
فولّى الحارث وهو يقول : اللّهمّ إنْ كان ما يقول محمد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم !
فوالله ما وصل إلىٰ ناقته حتىٰ رماه الله بحجر فوقع علىٰ دماغه فخرج من دبره فقتله ، فنزلت ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) الآية. ( الطباطبائي )
(١) الجامع لأحكام القرآن : ١٨ / ١٨١.
(٢) هو النضر بن الحارث بن كلدة بن عبدمناف بن كلدار ، وفي الحديث تصحيف ؛ إذ النضر أُخذ أسيراً يوم بدر الكبرىٰ ، وكان شديد العداوة لرسول الله ، فأمر بقتله ، فقتله أمير المؤمنين صبراً ، كما في سيرة ابن هشام : ٢ / ٢٨٦ [ ٢ / ٢٩٨ ] ، وتاريخ الطبري : ٢ / ٢٨٦ [ ٢ / ٤٥٩ ] ، وتاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٤ [ ٢ / ٤٦ ] ، وغيرها. ( المؤلف )
(٣) تذكرة الخواص : ص ٣٠.
والأمصار ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتاه علىٰ ناقة له ، فأناخها علىٰ باب المسجد (١) ، ثمّ عقلها وجاء فدخل في المسجد ، فجثا بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال :
يا محمد إنَّك أمرتنا أن نشهد أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنَّك رسول الله ، فقبلنا منك ذلك ، وإنَّك أمرتنا أن نصلّي خمس صلوات في اليوم والليلة ، ونصوم رمضان ، ونحجّ البيت ، ونزكّي أموالنا ، فقبلنا منك ذلك ، ثمّ لم ترضَ بهذا حتىٰ رفعت بضَبْعي ابن عمِّك وفضّلته على الناس ، وقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فهذا شيء منك ، أو من الله ؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد احمرّت عيناه : « والله الذي لا إلٰه إلّا هو إنَّه من الله ، وليس منّي ». قالها ثلاثاً.
فقام الحارث وهو يقول : أللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّاً فأرسل من السماء علينا حجارةً أو ائتنا بعذاب أليم !
قال : فوالله ما بلغ ناقته حتىٰ رماه الله من السماء بحجر ، فوقع علىٰ هامته ، فخرج من دُبره ومات ، وأنزل الله تعالىٰ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) الآيات.
٧ ـ الشيخ إبراهيم بن عبد الله اليمنيّ ، الوصّابيّ ، الشافعيّ :
روىٰ في كتابه الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء حديث الثعلبي المذكور ( ص ٢٤٠ ).
٨ ـ شيخ الإسلام الحمّوئي : المتوفّىٰ ( ٧٢٢ ).
___________________________________
(١) لعلّه مسجد رسول الله بغدير خُمّ بقرينة سائر الأحاديث. ( المؤلف )
بل الظاهر أنَّه مسجده صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة المنوّرة ؛ لأنّ الروايات تقول إنَّه أتىٰ بعدما طار النبأ في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار ، وذلك لا يكون إلَّا بعد عدّة أيام ، وبعد رجوع الحاجّ كلٌّ إلىٰ أرضه ووطنه ، وبعد انتشار نبأ هذا الحادث الجلل في الأحياء والقبائل. ( الطباطبائي )
روىٰ في فرائد السمطين في الباب الخامس عشر (١) قال : أخبرني الشيخ عماد الدين [ عبد ] الحافظ بن بدران بمدينة نابلس فيما أجاز لي أن أرويه عنه ، إجازةً عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري ، إجازةً عن عبد الجبار بن محمد الخواري البيهقي ، إجازةً عن الإمام أبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي ، قال : قرأت علىٰ شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره : أنَّ سفيان بن عيينة سُئل عن قوله عزوجل ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) في من نزلت ؟ فقال ... الحديث إلىٰ آخر لفظ الثعلبي المذكور ( ص ٢٤٠ ).
٩ ـ الشيخ محمد الزرَنديّ ، الحنفيّ : المترجم ( ص ١٢٥ ).
ذكره في كتابيه معراج الوصول ونظم درر السمطين (٢).
١٠ ـ شهاب الدين أحمد الدولت آباديّ : المتوفّىٰ ( ٨٤٩ ).
روىٰ في كتابه : هداية السعداء في الجلوة الثانية من الهداية الثامنة : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوماً : « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نَصَره ، واخذُل من خذله ».
فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج (٣) ، فجاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد هذا من عندك أو من عند الله ؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : « هذا من عند الله ».
فخرج الكافر من المسجد ، وقام علىٰ عتبة الباب وقال : إن كان ما يقوله محمد حقّاً فأنزِلْ عليَّ حجراً من السماء !
قال : فنزل حجر ، ورضخ رأسه فنزلت ( سَأَلَ سَائِلٌ ... ).
١١ ـ نور الدين ابن الصبّاغ المالكيّ ، المكيّ : المتوفّىٰ ( ٨٥٥ ).
___________________________________
(١) فرائد السمطين : ١ / ٨٢ ح ٥٣.
(٢) نظم درر السمطين : ص ٩٣.
(٣) أراد من الخوارج المعنى الأعمّ من محاربٍ لحجّة وقته أو مجابهه بردّ ، نبيّاً كان أو خليفة. ( المؤلف )
رواه في كتابه الفصول المهمّة (١) ( ص ٢٦ ).
١٢ ـ السيِّد نور الدين الحسنيّ ، السمهوديّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ٩١١ ) ، المترجم ( ص ١٣٣ ).
رواه في جواهر العقدين (٢).
١٣ ـ أبو السعود العماديّ (٣) : المتوفّىٰ ( ٩٨٢ ).
قال في تفسيره (٤) ( ٨ / ٢٩٢ ) : قيل : هو ـ أي سائل العذاب ـ الحارث بن النعمان الفهري ، وذلك أنَّه لَمّا بلغه قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ رضياللهعنه : « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه » ، قال : أللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّاً فأَمطِرْ علينا حجارةً من ٱلسماء ! فما لبث حتىٰ رماه تعالىٰ بحجر ، فوقع علىٰ دماغه ، فخرج من أسفله ، فهلك من ساعته.
١٤ ـ شمس الدين الشربينيّ ، القاهريّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ٩٧٧ ) ، المترجم ( ص ١٣٥ ).
قال في تفسيره السراج المنير (٥) ( ٤ / ٣٦٤ ) : اختلف في هذا الداعي : فقال ابن عبّاس : هو النضر بن الحارث. وقيل : هو الحارث بن النعمان.
وذلك أنَّه لمّا بلغه قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » ، ركب ناقته ، فجاء حتىٰ أناخ راحلته بالأبطح ، ثمّ قال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنَّك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلّي خمساً ونزكّي أموالنا فقبلناه منك ، وأن
___________________________________
(١) الفصول المهمّة : ص ٤١.
(٢) جواهر العقدين : الورقة ١٧٩.
(٣) المولىٰ محمد بن محمد بن مصطفى الحنفيّ ، ولد ( ٨٩٨ ) بقرية قريبة من قسطنطينية ، وأخذ العلم ، وقُلّد القضاء والفتيا ، وتُوفِّي بالقسطنطينية مُفتياً ( ٩٨٢ ). ترجمه أبو الفلاح في شذرات الذهب : ٨ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠ [ ١٠ / ٥٨٤ حوادث سنة ٩٨٢ هـ ]. ( المؤلف )
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم : ٩ / ٢٩.
(٥) السراج المنير : ٤ / ٣٨٠.
نصوم شهر رمضان في كلِّ عام فقبلناه منك ، وأن نحجّ فقبلناه منك ، ثمّ لم ترضَ حتىٰ فضّلتَ ابن عمك علينا ، أفهذا شيء منك أم من الله تعالىٰ ؟
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : « والذي لا إلٰه إلّا هو ما هو إلّا من الله ». فولّى الحرث وهو يقول : أللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّاً فأَمطر علينا حجارةً من ٱلسماء أَو ائْتِنا بعذابٍ أَليمٍ !
فوالله ما وصل إلىٰ ناقته حتىٰ رماه الله تعالىٰ بحجر ، فوقع علىٰ دماغه ، فخرج من دُبره ، فقتله ، فنزلت : ( سَأَلَ سَائِلٌ ) الآيات.
١٥ ـ السيِّد جمال الدين الشيرازي : المتوفّىٰ ( ١٠٠٠ ).
قال في كتابه الأربعين في مناقب أمير المؤمنين : الحديث الثالث عشر(١) عن جعفر بن محمد ، عن آبائه الكرام :
أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا كان بغدير خُمّ نادى الناس ، فاجتمعوا فأخذ بيد عليٍّ ، وقال : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذُل من خذله ، وأدر الحقَّ معه حيث كان ـ وفي رواية ـ أللّهمّ أَعِنْهُ وأعِنْ به ، وارحمه وارحم به ، وانصره وانصر به».
فشاع ذلك ، وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتىٰ رسول الله صلىاللهعليهوسلم علىٰ ناقة له ... ، وذكر إلىٰ آخر حديث الثعلبي.
١٦ ـ الشيخ زين الدين المناويّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ١٠٣١ ) ، المترجم ( ص ١٣٨ ).
رواه في كتابه فيض القدير في شرح الجامع الصغير ( ٦ / ٢١٨ ) في شرح حديث الولاية.
___________________________________
(١) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين : ص ٤٠.
١٧ ـ السيّد ابن العيدروس الحسينيّ ، اليمنيّ : المتوفّىٰ ( ١٠٤١ ) ، المترجم ( ص ١٣٨ ).
ذكره في كتابه العقد النبويّ والسرّ المصطفويّ.
١٨ ـ الشيخ أحمد بن باكثير المكيّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ١٠٤٧ ) ، المترجم ( ص ١٣٩ ).
نقله في تأليفه وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل (١).
١٩ ـ الشيخ عبد الرحمن الصفّوريّ :
روىٰ في نزهته (٢) ( ٢ / ٢٤٢ ) حديث القرطبي.
٢٠ ـ الشيخ برهان الدين عليّ الحلبيّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ١٠٤٤ ).
روىٰ في السيرة الحلبية (٣) ( ٣ / ٣٠٢ ) وقال : لمّا شاع قوله صلىاللهعليهوسلم : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » في سائر الأمصار ، وطار في جميع الأقطار ، بلغ الحارث بن النعمان الفهريّ ، فقدم المدينة ، فأناخ راحلته عند باب المسجد ، فدخل والنبيُّ جالسٌ وحوله أصحابه ، فجاء حتىٰ جثا بين يديه ، ثمّ قال : يا محمد ... إلىٰ آخر لفظ سبط ابن الجوزي المذكور ( ص ٢٤٢ ).
٢١ ـ السيّد محمود بن محمد القادري ، المدنيّ :
قال في تأليفه الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ : قد مرّ مراراً قوله صلىاللهعليهوسلم : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ». الحديث.
قالوا : وكان الحارث بن النعمان مسلماً ، فلمّا سمع حديث « من كنتُ مولاه فعليٌّ
___________________________________
(١) وسيلة المآل : ص ١١٩ ـ ١٢٠.
(٢) نزهة المجالس : ٢ / ٢٠٩.
(٣) السيرة الحلبية : ٣ / ٢٧٤.
مولاه » شكّ في نبوّة النبيّ ، ثمّ قال : أللّهمّ إن كان ما يقوله محمد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم ! ثمّ ذهب ليركب راحلته فما مشىٰ نحو ثلاث خطوات حتىٰ رماه الله عزوجل بحجر فسقط علىٰ هامته ، وخرج من دُبره فقتله ، فأنزل الله تعالىٰ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ). الآيات.
٢٢ ـ شمس الدين الحفنيّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ١١٨١ ) ، المترجم ( ص ١٤٤ ).
قال في شرح الجامع الصغير للسيوطي ( ٢ / ٣٨٧ ) في شرح قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » : لمّا سمِع ذلك بعض الصحابة ، قال : أما يكفي رسول الله أن نأتي بالشهادة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ... حتىٰ يرفع علينا ابن أبي طالب ، فهل هذا من عندك أم من عند الله ؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : « والله الذي لا إلٰه إلّا هو إنَّه من عند الله » ، فهو دليل علىٰ عظم فضل عليٍّ عليهالسلام.
٢٣ ـ الشيخ محمد صدر العالم سبط الشيخ أبي الرضا :
قال في كتابه معارج العُلى في مناقب المرتضىٰ : إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوماً : « أللّهمّ من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ». فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج ، فجاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد هذا من عندك أو من عند الله ؟ فقال النبيُّ صلىاللهعليهوسلم : « هذا من عند الله ».
فخرج الكافر من المسجد ، وقام علىٰ عتبة الباب ، وقال : إن كان ما يقوله حقّاً فأنزِلْ عليَّ حجراً من السماء ! قال : فنزل حجر ، فرضخ رأسه.
٢٤ ـ الشيخ محمد محبوب العالم :
رواه في تفسيره الشهير بتفسير شاهي.
٢٥ ـ أبو عبد الله الزرقانيّ ، المالكيّ : المتوفّىٰ ( ١١٢٢ ).
حكاه في شرح المواهب اللدنيّة ( ٧ / ١٣ ).
٢٦ ـ الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظيّ ، الشافعيّ :
ذكره في كتابه ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل.
٢٧ ـ السيّد محمد بن إسماعيل اليمانيّ : المتوفّىٰ ( ١١٨٢ ).
ذكره في كتابه الروضة النديّة في شرح التحفة العلويّة (١).
٢٨ ـ السيّد مؤمن الشبلنجيّ ، الشافعيّ ، المدنيّ :
ذكره في كتابه نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار (٢) ( ص ٧٨ ).
٢٩ ـ الأستاذ الشيخ محمد عبده المصريّ : المتوفّىٰ ( ١٣٢٣ ).
ذكره في تفسير المنار ( ٦ / ٤٦٤ ) عن الثعلبيّ ، ثمّ استشكل عليه بمختصر ما أورد عليه ابن تيميّة ، وستقف علىٰ بطلانه وفساده.
( وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) (٣)
___________________________________
(١) الروضة الندية في شرح التحفة العلوية : ص ١٥٦.
(٢) نور الأبصار : ص ١٥٩.
(٣) العنكبوت : ١٨.
نظرة في الحديث
قد عرفت مصافقة التفسير والخبر في سبب نزول الآية الكريمة ، ومطابقة النصوص والأسانيد في إثبات الحديث والإخبات إليه ، وقد أفرغته الشعراء في بوتقة النظم منذ عهد متقادم كأبي محمد العَوني الغسّاني ، المترجَم في شعراء القرن الرابع في قوله :
يقول رسول الله : هذا لأمّتي |
|
هو اليومَ مولىً ربِّ ما قلتُ فاسمعِ |
فقال جَحودٌ ذو شقاقٍ منافقٌ |
|
يُنادي رسولَ الله من قلبِ مُوجَعِ |
أَعَن ربِّنا هذا ، أَمَ ٱنتَ ٱخْتَرعتَهُ ؟ |
|
فقال : معاذَ الله لستُ بمُبدِعِ |
فقال عدوُّ الله : لا هُمَّ إن يكنْ |
|
كما قالَ حقّاً بي عذاباً فَأوقعِ |
فعُوجلَ من أُفْق السماءِ بكفرِهِ |
|
بجندلةٍ فانكبّ ثاوٍ بمصرعِ |
وقال آخر في أُرجوزته :
وما جرىٰ لحارث النعمانِ |
|
في أمره من أوضح البرهانِ |
على اختيارِهِ لأمرِ الأُمّهْ |
|
فمِن هناك ساءه وغَمَّهْ |
حتىٰ أتى النبيَّ بالمدينه |
|
مُحْبَنْطِئاً من شدّة الضغينهِ |
وقال ما قال من المقالِ |
|
فباءَ بالعذابِ والنكالِ |
ولم نجد من قريبٍ أو مناوىءٍ غمزاً فيه أو وقيعةً في نقله ، مهما وجدوا رجال إسناده ثقات فأخبتوا إليه ، عدا ما يُؤثر عن ابن تيميّة (١) في منهاج السنّة ( ٤ / ١٣ ) فقد
___________________________________
(١)
ابن تيمية الدائب علىٰ إنكار الضروريات ، والمتجرّئ على الوقيعة في المسلمين
، وعلىٰ تكفيرهم وتضليلهم ، ولذلك عاد غرضاً لنبال الجرح من فطاحل علماء أهل السنّة منذ ظهرت
مخاريقه وإلىٰ هذا اليوم ، وحسبك قول الشوكاني في البدر الطالع : ٢ / ٢٦٠ [ رقم ٥١٥ ] : صرّح
محمد البخاري
=
ذكر وجوهاً في إبطال الحديث كشف بها عن سوأته ، كما هو عادته في كلِّ مسألة تفرّد بالتحذلق فيها عند مناوأة فِرق المسلمين ، ونحن نذكرها مختصرةً ونجيب عنها :
الوجه الأوّل : أنَّ قصّة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حجّة الوداع ، وقد أجمع الناس علىٰ هذا ، وفي الحديث : أنَّها لَمّا شاعت في البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح بمكّة ، وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة فالمفتعِل للرواية كان يجهل تاريخ قصّة الغدير.
الجواب :
أوّلاً : ما سلف ـ في رواية الحلبي في السيرة (١) ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة (٢) ، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العُلىٰ ـ من أنَّ مجيء السائل كان في المسجد ـ إن أُريد منه مسجد المدينة ـ ونصَّ الحلبي علىٰ أنَّه كان بالمدينة ، لكن ابن تيميّة عزب عنه ذلك كلّه ، فطفِق يُهملج في تفنيد الرواية بصورة جزميّة.
ثانياً : فإنّ مفاضاة الرجل عن الحقائق اللغويّة ، أو عصبيّته العمياء التي أسدلت بينه وبينها ستور العمىٰ ورّطته في هذه الغمرة ، فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكّة ، ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان ، والأدب لَوجد فيها نصوص أربابها بأنّ الأبطح : كلُّ مسيل فيه دِقاق الحصىٰ ، وقولهم في الإشارة إلىٰ بعض مصاديقه : ومنه بطحاء مكّة ، وعَرف أنَّه يطلق علىٰ كلِّ مسيل يكون بتلك الصفة ، وليس حِجْراً علىٰ أطراف البلاد وأكناف المفاوز أن تكون فيها أباطح.
روى البخاري في صحيحه (٣) ( ١ / ١٨١ ) ، ومسلم في صحيحه (٤) ( ١ / ٣٨٢ ) عن
___________________________________
= الحنفي ـ المتوفّىٰ ( ٨٤١ ) ـ بتبديعه ثمّ تكفيره ، ثمّ صار يصرّح في مجلسه : إنَّ من أطلق القول على ابن تيميّة أنَّه شيخ الإسلام ، فهو بهذا الإطلاق كافر. ( المؤلف )
(١) و (٢) السيرة الحلبية : ٣ / ٢٧٤ ، تذكرة الخواص : ص ٣٠.
(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٥٥٦ ح ١٤٥٩.
(٤) صحيح مسلم : ٣ / ١٥٤ ح ٤٣٠ كتاب الحجّ.
عبد الله بن عمر : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أناخ بالبطحاء بذي الحُلَيفة فصلّىٰ بها.
وفي الصحيحين (١) عن نافع : أنَّ ابن عمر كان إذا صدر عن الحجّ أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان النبيُّ صلىاللهعليهوسلم يُنيخ بها.
وفي صحيح مسلم (٢) ( ١ / ٣٨٢ ) عن عبد الله بن عمر : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتىٰ في مُعرَّسه (٣) بذي الحُليفة (٤) فقيل له : إنَّك ببطحاء مباركة.
وفي إمتاع المقريزي (٥) وغيره : أنَّ النبيّ إذا رجع من مكّة دخل المدينة من معرَّس الأبطح ، فكان في معرَّسه في بطن الوادي ، فقيل له : إنَّك ببطحاء مباركة.
وفي صحيح البخاري (٦) ( ١ / ١٧٥ ) عن ابن عمر : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ينزل بذي الحُليفة حين يعتمر ، وفي حجّته حين حجَّ تحت سَمُرةٍ في موضع المسجد الذي بذي الحُليفة ، وكان إذا رجع من غزوٍ ـ كان في تلك الطريق ـ أو حجٍّ أو عمرةٍ هبط ببطن وادٍ ، فإذا ظهر من بطنٍ أناخ بالبطحاء التي علىٰ شفير الوادي الشرقيّة ، فعرّس ثَمَّ حتىٰ يصبح. وكان ثَمَّ خليجٌ يصلّي عبد الله عنده ، وفي بطنه كُثُبٌ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثَمَّ يُصلّي ، فدحا فيه السيل بالبطحاء. الحديث.
وفي رواية ابن زبالة : فإذا ظهر النبيُّ من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي علىٰ شفير الوادي الشرقيّة.
وفي مصابيح البغوي (٧) ( ١ / ٨٣ ) : قال القاسم بن محمد : دخلت علىٰ عائشة رضياللهعنها
___________________________________
(١) صحيح مسلم : ٣ / ١٥٤ ح ٤٣٢ كتاب الحجّ ، صحيح البخاري : ٢ / ٥٥٦ ح ١٤٥٩.
(٢) صحيح مسلم : ٣ / ١٥٥ ح ٤٣٣ كتاب الحجّ.
(٣) التعريس : نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. ( المؤلف )
(٤) ذو الحُلَيْفة : قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة. معجم البلدان : ٢ / ٢٩٥.
(٥) إمتاع الأسماع : ص ٥٣٤.
(٦) صحيح البخاري : ١ / ١٨٣ ح ٤٧٠.
(٧) مصابيح السنّة : ١ / ٥٦٠ ح ١٢١٨.
فقلت : يا أُمّاه اكشفي لي عن قبر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة (١) ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
وروى السمهودي في وفاء الوفا (٢) ( ٢ / ٢١٢ ) من طريق ابن شبّة والبزّار عن عائشة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنَّه قال : بطحان علىٰ ترعةٍ من ترع الجنّة.
وقبل هذه الأحاديث كلّها ما ورد في حديث الغدير من طريق حذيفة بن أُسَيد وعامر بن ليلىٰ قالا : لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع ولم يحجّ غيرها ، أقبل حتىٰ كان بالجُحْفة ، نهىٰ عن سَمُرات مُتقاربات بالبطحاء ؛ أن لا ينزل تحتهنّ أحدٌ ... الحديث. راجع ( ص ٢٦ ، ٤٦ ).
وأمّا معاجم اللغة والبلدان :
ففي معجم البلدان (٣) ( ٢ / ٢١٣ ) : البطحاء في اللغة مسيلٌ فيه دقاق الحصىٰ ، والجمع : الأباطح والبِطاح علىٰ غير قياس ، إلىٰ أن قال : قال أبو الحسن محمد بن عليّ ابن نصر الكاتب : سمعت عوّادة تغنّي في أبيات طريح بن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان من أخواله :
أنت ابنُ مُسْلَنْطِحِ (٤) البطاحِ ولم |
|
تطرقْ عليك الحنيُّ والولجُ(٥) |
فقال بعض الحاضرين : ليس غير بطحاء مكّة ، فما معنى الجمع ؟
فثار البطحاوي العلويّ ، فقال : بطحاء المدينة ، وهو أجلُّ من بطحاء مكّة ،
___________________________________
(١) أصله من الشرف : العلوّ ، واللاطئة من لطئ بالأرض : لزق. ( المؤلف )
(٢) وفاء الوفا : ٣ / ١٠٧١.
(٣) معجم البلدان : ١ / ٤٤٤.
(٤) المسلنطح : الفضاء الواسع.
(٥) الحنيّ : ما انخفض من الأرض ، الولج جمع وِلاج بالكسر : النواحي ، الأزقة ، ما اتّسع من الأودية ؛ أي لم تكن بينهما فيخفىٰ حسبك. ( المؤلف )
وجدّي منه ، وأنشد له :
وبَطْحا المدينةِ لي منزلٌ |
|
فيا حبَّذا ذاك من منزلِ |
فقال : فهذان بطحاوان فما معنى الجمع ؟
قلنا : العرب تتوسّع في كلامها وشعرها فتجعل الاثنين جمعاً ، وقد قال بعض الناس : إنَّ أقلّ الجمع اثنان ، وممّا يؤكّد أنَّهما بطحاوان قول الفرزدق :
وأنت ابنُ بَطْحاوَيْ قريشٍ فإن تشأْ |
|
تكن في ثقيفٍ سيلَ ذي أدبٍ عَفْرِ |
ثمّ قال :
قلت أنا : وهذا كلّه تعسّفٌ. وإذا صحَّ بإجماع أهل اللغة أنَّ البطحاء : الأرض ذات الحصىٰ فكلُّ قطعة من تلك الأرض بطحاء ، وقد سُمِّيت قريش البطحاء ، وقريش الظواهر ، في صدر الجاهليّة ولم يكن بالمدينة منهم أحد.
وأمّا قول الفرزدق وابن نباتة ، فقد قالت العرب : الرقمتان ورامتان ، وأمثال ذلك كثيرٌ تمرُّ في هذا الكتاب ، قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار به.
البُطاح ـ بالضمّ ـ : منزل لبني يربوع ، وقد ذكره لبيد ، فقال :
تربّعتِ الأشرافُ ثمّ تصيّفتْ |
|
حِساءَ البطاحِ وانْتجعْنَ السلائلا |
وقيل : البُطاح ماءٌ في ديار بني أسد ، وهناك كانت الحرب بين المسلمين ـ وأميرُهم خالد بن الوليد ـ وأهل الردّة ، وكان ضرار بن الأزور الأسدي قد خرج طليعة لخالد بن الوليد ، وخرج مالك بن نويرة طليعة لأصحابه ، فالتقيا بالبُطاح فقتل ضرار مالكاً ، فقال أخوه متمِّم يرثيه :
سأبكي أخي ما دام صوتُ حمامةٍ |
|
توَرّقُ في وادي البُطاح حماما |
وقال وكيع بن مالك يذكر يوم البُطاح :
فلمّا أتانا خالدٌ بلوائِهِ |
|
تخطّتْ إليه بالبطاحِ الودائعُ |
وقال في (١) ( ص ٢١٥ ) :
البطحاء : أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصىٰ. وقال النضر : الأبطح والبطحاء بطن الميثاء والتلعة والوادي ، هو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول ، يقال : أتينا أبطح الوادي ، وبطحاؤه مثله ، وهو ترابه وحصاه السهل الليّن. والجمع الأباطح.
وقال بعضهم : البطحاء كلّ موضع متّسع. وقول عمر رضياللهعنه : بطِّحوا المسجد ؛ أي ألقوا فيه الحصى الصغار ، وهو موضع بعينه قريب من ذي قار. وبطحاء مكّة وأبطحها ممدودٌ ، وكذلك بطحاء ذي الحُليفة.
قال ابن إسحاق : خرج النبيُّ صلىاللهعليهوسلم غازياً فسلك نقب بني دينار ، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق ، فصلّىٰ تحتها فثَمَّ مسجده.
وبطحاء ـ أيضاً ـ مدينة بالمغرب قرب تلمسان.
بُطْحان ـ روي فيه الضمّ والفتح ـ وادٍ بالمدينة ، وهو أحد أوديتها الثلاثة ، وهي : العقيق ، وبطحان ، وقتاة ، قال الشاعر ـ وهو يقوّي رواية من سكّن الطاء ـ :
أبا سعيدٍ لم أزلْ بعدكُمْ |
|
في كُرَبٍ للشوق تغشاني |
كم مجلسٍ ولّىٰ بلذّاتِهِ |
|
لم يهنني إذ غاب نُدْماني |
سقياً لسَلْعٍ ولساحاتِها |
|
والعيشِ في أكْنافِ بُطْحانِ |
وقال ابن مقبل في قول من كسر الطاء :
عَفىٰ بَطِحانٌ من سُليمىٰ فيثربُ |
|
فملقى الرمالِ من منى فالمحصَّب |
___________________________________
(١) معجم البلدان : ١ / ٤٤٦.
وقال أبو زياد : بطحان من مياه الضباب.
وقال في (١) ( ص ٢٢٢ ) : البَطيحة ـ بالفتح ثمّ الكسر ـ وجمعها البطائح ، والبطيحة والبطحاء واحد. وتبطّح السيل إذا اتّسع في الأرض ، وبذلك سُمِّيت بطائح واسط ؛ لأنّ المياه تبطّحت فيها أي سالت ، واتّسعت في الأرض ، وهي أرضٌ واسعةٌ بين واسط والبصرة ، وكانت قديماً قرىً متّصلة وأرضاً عامرة ، فاتّفق في أيّام كسرىٰ ابرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة ، وزاد الفرات أيضاً بخلاف العادة ، فعجز عن سدّها فتبطّح الماء في تلك الديار والعمارات والمزارع فطرد أهلها عنها ... الخ.
وقال ابن منظور في لسان العرب (٢) ( ٣ / ٢٣٦ ) ، والزبيدي في تاج العروس ( ٢ / ١٢٤ ) ما ملخّصه : بطحاء الوادي تراب ليِّن ممّا جرّته السيول.
وقال ابن الأثير (٣) : بطحاء الوادي وأبطحه حصاه الليِّن في بطن المسيل ، ومنه الحديث : أنَّه صلّىٰ بالأبطح ؛ يعني أبطح مكّة. قال : هو مسيل واديها.
وعن أبي حنيفة : الأبطح لا يُنبت شيئاً ، إنَّما هو بطن المسيل.
وعن النضر : البطحاء بطن التلعة والوادي ، وهو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول ، يقال : أتينا أبطح الوادي فنمنا عليه. وبطحاؤه مثله وهو ترابه وحصاه السهل الليّن.
وقال أبو عمرو : سُمّي المكان أبطح ؛ لأنّ الماء ينبطح فيه ؛ أي يذهب يميناً وشمالاً ، الجمع أباطح وبطائح.
وفي الصحاح (٤) : تبطّح السيل : اتّسع في البطحاء. وقال ابن سيدة (٥) : سال سيلاً عريضاً ، قال ذو الرّمّة :
___________________________________
(١) معجم البلدان : ١ / ٤٥٠.
(٢) لسان العرب : ١ / ٤٢٨.
(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر : ١ / ١٣٤.
(٤) الصحاح للجوهري : ١ / ٣٥٦.
(٥) المخصّص : ٢ / ١٢٩ السفر التاسع.
ولا زال من نَوْءِ السِّماكِ عليكما |
|
ونَوْءِ الثريّا وابلٌ متبطِّحُ |
وقال لبيد :
يزع الهيام عن الثرىٰ ويمدّه |
|
بطحٌ يهايلُهُ عن الكُثْبانِ |
وقال آخر :
إذا تبطَّحنَ على المحاملِ |
|
تبطُّحَ البطِّ بجنب الساحلِ |
وبطحاء مكّة وأبطحها معروفة لانبطاحها ، بُطْحان ـ بالضمّ وسكون الطاء ـ وهو الأكثر ، قال ابن الأثير في النهاية (١) : ولعلّه الأصحّ. وقال عياض في المشارق (٢) : هكذا يرويه المحدِّثون. وكذا سمعناه من المشايخ ، والصواب الفتح وكسر الطاء كقَطران كذا قيَّد القالي في البارع (٣) ، وأبو حاتم والبكري في المعجم ، وزاد الأخير : ولا يجوز غيره. هو أحد أودية المدينة الثلاثة : وهو العقيق وبَطحان وقتاة ، وروى ابن الأثير فيه الفتح أيضاً وغيره بالكسر ، وفي الحديث كان عمر أوّل من بطّح المسجد وقال : ابطحوه من الوادي المبارك. تبطيح المسجد إلقاء الحصىٰ فيه وتوثيره ، وفي حديث ابن الزبير : فأهاب بالناس إلىٰ بطحه ، أي تسويته. وانبطح الوادي في هذا المكان واستبطح ، أي استوسع فيه ، ويقال في النسبة إلىٰ بطحان المدينة : البطحانيون. انتهىٰ (٤).
وقال اليعقوبي في كتاب البلدان ( ص ٨٤ ) : ومن واسط إلى البصرة في البطائح ؛ لأنّه تجمع فيها عدّة مياه ، ثمّ يصير من البطائح في دجلة العوراء ، ثمّ يصير إلى البصرة
___________________________________
(١) النهاية في غريب الحديث والأثر : ١ / ١٣٥.
(٢) مشارق الأنوار إلىٰ صحيح الآثار : ١ / ٨٧.
(٣) البارع في اللغة : ص ٧١٢.
(٤) ولهذه المذكورات شواهد في الصحاح والقاموس والنهاية والصراح والطراز وغيرها من معاجم اللغة. ( المؤلف )
فيرسي في شط نهر ابن عمر. انتهىٰ.
ويوم البطحاء : من أيّام العرب المعروفة منسوب إلىٰ بطحاء ذي قار ، وقعت الحرب فيها بين كسرىٰ وبكر بن وائل.
وهناك شواهد كثيرة من الشعر لمن يُحتج بقوله في اللغة العربيّة ، منها ما يُعزىٰ إلىٰ مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله يخاطب به الوليد بن المغيرة :
يُهدِّدني بالعظيمِ الوليدُ |
|
فقلتُ : أنا ابنُ أبي طالبِ |
أنا ابنُ المُبجَّلِ بالأبطَحَيْنِ |
|
وبالبيت من سَلَفي غالبِ |
وذكر المَيْبُذي في شرحه (١) : أنَّه عليهالسلام يريد أبطح مكّة والمدينة.
وقال نابغة بني شيبان (٢) ـ في ديوانه ( ص ١٠٤ ) من قصيدةٍ يمدح بها عبد الملك ابن مروان ـ :
والأرضُ جمُّ النباتِ منهُ بها |
|
مثل الزرابيّ للونه صبحُ |
وارتدّت الأكمُ من تهاويل ذي |
|
نورٍ عميمٍ والأسهل البطحُ |
وللسيّد الحميري يصف الكوثر الذي يسقي منه أمير المؤمنين عليهالسلام شيعته يوم القيامة قوله من قصيدة تأتي في ترجمته في شعراء القرن الثاني :
بطحاؤه مسكٌ وحافاتُهُ |
|
يهتزُّ منها مونِقٌ مربعُ |
وقال أبو تمام المترجَم في شعراء القرن الثالث في المديح في ديوانه ( ص ٦٨ ) :
قومٌ همُ آمنوا قبل الحمام بها |
|
من بين ساجعِها الباكي ونائحِها |
كانوا الجبالَ لها قبل الجبالِ وهمْ |
|
سالوا ولم يكُ سيلٌ في أَباطحِها |
___________________________________
(١) شرح ديوان أمير المؤمنين عليهالسلام : ص ١٩٧.
(٢) عبد الله بن المخارق بن سليم. ( المؤلف )