الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤
والمني من كل حيوان ذي نفس سائلة ، وان كان مأكولا ، والدم من ذي النفس السائلة مطلقا ، والميتة منه ، والكلب ، والخنزير وأجزاؤهما وإن لم تحلها الحياة كالعظم. والمسكرات.
______________________________________________________
قوله : ( والميتة منه ).
أي من ذي النفس السائلة مطلقا ، فيشمل الآدمي ، لكن يجب أن يستثني منه ما إذا حكم بطهره شرعا ، اما لتطهيره بالغسل ، أو لسبق غسله ، أو لكونه لم ينجس بالموت لكونه شهيدا أو معصوما.
قوله : ( والكلب والخنزير ).
وكذا المتولد بينهما إذا أشبهه أحدهما بحيث يعدّ من نوعه ، ويطلق عليه اسمه ، ولو انتفى عنه الشبهان والإسمان ، ففي الحكم بطهارته أو نجاسته تردد ، ولو قيل بالنجاسة لم يكن بعيدا ، ولا يحضرني الان فيه تصريح لأحد من الأصحاب بشيء.
قوله : ( وأجزاؤهما وإن لم تلجها الحياة ).
خالف المرتضى رحمهالله في ذلك (١) فحكم بطهارة ما لا تلجه الحياة منهما ، استنادا الى عموم عدم تنجس ما لا تلجه الحياة بالموت. وفيه ضعف ، لأن ذلك إنما يتم فيما كان طاهرا حال الحياة ، وهما نجسان عينا حينئذ ، لقول الصادق عليهالسلام في الكلب : « رجس نجس » (٢) وهو يقتضي أن تكون عينه نجاسة ، فتدخل فيه جميع أجزائه.
قوله : ( والمسكرات ).
أي : المائعة بأنواعها من خمر وغيره ، دون الجامدة بالأصالة ، قال المصنف في المنتهى : لم أقف على قول لعلمائنا في الحشيشة المتخذة من ورق القنب ، والوجه أنها إن أسكرت فحكمها حكم الخمر في التحريم لا النجاسة (٣) ، وهو يعطي توقفه في كونها مسكرة.
__________________
(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٨.
(٢) التهذيب ١ : ٢٢٥ حديث ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ حديث ٤٠.
(٣) المنتهى ١ : ١٦٨.
ويلحق بها العصير إذا غلا واشتد ، والفقاع ، والكافر سواء كان أصليا أو مرتدا ، وسواء انتمى الى الإسلام كالخوارج والغلاة أو لا.
______________________________________________________
قوله : ( ويلحق بها العصير إذا غلا واشتد ).
المراد بغليانه : صيرورة أعلاه أسفله ، وباشتداده : حصول الثخانة المسببة عن مجرد الغليان ، ويبقى كذلك حتى يذهب ثلثاه أو يصير دبسا ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب كما ذكره في المختلف (١).
وعبارة الذكرى (٢) تدل على خلاف ذلك ، وعلى النجاسة ، فإذا حكم بطهره طهر كل ما يزاوله. وهذا إنما هو في عصير العنب ، وأما عصير الزبيب ، فهو على أصل الطهارة على الأصح.
قوله : ( والفقاع ).
المراد به : المتخذ من ماء الشعير ، كما ذكره المرتضى في الانتصار (٣) ، لكن ما يوجد في أسواق أهل السنة يحكم بنجاسته إذا لم يعلم أصله ، عملا بإطلاق التسمية.
واعلم أن سوق العبارة يدل على أن الملحق بالمسكرات نوع من النجاسات برأسه ، وتحته شيئان الفقاع والعصير العنبي ، فلو قدم الفقاع لكان أولى ، لكونه خمرا كما وردت به الاخبار (٤) ، وللإجماع على نجاسته ، بخلاف العصير كما عرفته.
قوله : ( أو مرتدا ).
يندرج فيه المرتد بنوعيه ، سواء في ذلك المرتد عن فطرة ، والمرتد عن ملّة.
قوله : ( وسواء انتمى إلى الإسلام ... ).
انتمى إليه : انتسب ذكره في القاموس (٥) والمراد به : إظهار الشهادتين المقتضي لكونه من جملة المسلمين مع ارتكابه ما يقتضي كفره ، بنحو إنكار شيء من ضروريات الدين.
__________________
(١) المختلف : ٥٨.
(٢) الذكرى : ١٣.
(٣) الانتصار : ١٩٨ ـ ١٩٩.
(٤) الكافي ٦ : ٤٢٣ حديث ٧ ، التهذيب ١ : ٢٧٩ ، ٢٨٢ حديث ٨٢١ ، ٨٢٨.
(٥) القاموس ٤ : ( نمى ) ٣٩٧.
ويلحق بالميتة ما قطع من ذي النفس السائلة حيا وميتا ، ولا ينجس من الميتة ما لا تحلّه الحياة كالعظم والشعر إلاّ ما كان من نجس العين ، كالكلب والخنزير والكافر.
والدم المتخلف في اللّحم مما لا يقذفه المذبوح طاهر ، وكذا دم ما لا نفس له سائلة ، كالسمك وشبهه وكذا منيّه.
والأقرب طهارة المسوخ ،
______________________________________________________
قوله : ( ولا ينجس من الميتة ما لا تحله الحياة ).
قد صرح في ذلك في عشرة أشياء وهي هذه : العظم ، والسن ، والظفر ، والظلف ، والقرن ، والحافر ، والشعر ، والوبر ، والصوف ، والأنفحة.
قوله : ( والدم المتخلف في اللحم مما لا يقذفه المذبوح طاهر ).
لما كان التحريم والنجاسة معا إنما يثبتان في الدم المسفوح ـ وهو الذي يخرج عند قطع العروق ـ كان ما سواه ، مما يبقى بعد الذبح والقذف المعتاد ، طاهرا وحلالا أيضا ، إذا لم يكن جزءا من محرم ، سواء بقي في العروق أم في اللحم ، أم في البطن.
ولو علم دخول شيء من الدم المسفوح إلى البطن ، إما في البطن. ولو علم دخول شيء من الدم المسفوح إلى البطن ، إما بجذب الحيوان له بنفسه ، أو لأنه ذبح في أرض منحدرة ورأسه أعلى ، ونحو ذلك فان ما في البطن نجس حينئذ.
وينبغي أن يقرأ قوله : ( المتخلف ) بصيغة اسم المفعول.
قوله : ( وكذا دم ما لا نفس له سائلة كالسمك وشبهه ).
خالف في ذلك الشيخ رحمهالله في الجمل (١) ، والمبسوط (٢) ، وهو محجوج بنقله الإجماع على عدم النجاسة في الخلاف (٣).
قوله : ( والأقرب طهارة المسوخ ).
روى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد الله عليهالسلام ، عن أبيه ، عن جده
__________________
(١) الجمل ( الرسائل العشرة ) : ١٧٠ ـ ١٧١.
(٢) المبسوط ١ : ٣٥.
(٣) الخلاف ٣ : ١٩٣ مسألة ٣٦ كتاب الصيد والذبائح.
ومن عدا الخوارج ، والغلاة ، والنواصب ، والمجسّمة من المسلمين ،
______________________________________________________
عليهمالسلام : « أن المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا » (١) الحديث ، قال : والمسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت ، ولم تتوالد ، وهذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة.
وقد اختلف الأصحاب في طهارتها ، فقال الشيخ : إنها نجسة (٢) ، محتجا بالمنع من بيعها ، ولا مقتضي له إلا النجاسة ، واحتج على الأولى بما روي من النهي عن بيع القرد (٣) ، والمنع متوجه الى المقدمتين ، والرواية ضعيفة السند.
قوله : ( ومن عدا الخوارج ، والغلاة ، والنواصب ، والمجسمة ).
المراد بالخوارج : أهل النهروان ومن دان بمقالتهم.
والغلاة جمع غال : وهم الذين زادوا في الأئمة عليهمالسلام فاعتقدوا فيهم أو في أحد منهم أنه آله ، ونحو ذلك.
والنواصب جمع ناصب : وهم الذين ينصبون العداوة لأهل البيت عليهمالسلام ، ولو نصبوا لشيعتهم لأنهم يدينون بحبهم فكذلك.
وأمّا المجسمة فقسمان : بالحقيقة ، وهم الذين يقولون : إن الله تعالى جسم كالأجسام ، والمجسمة بالتسمية المجرّدة ، وهم القائلون بأنه جسم لا كالأجسام ، وربما تردد بعضهم في نجاسة القسم الثاني ، والأصح نجاسة الجميع.
إذا تقرر ذلك ، فنجاسة هؤلاء الفرق الأربع لا كلام فيها ، إنما الخلاف في نجاسة كل من خالف أهل الحق مطلقا ـ كما يقوله المرتضى (٤) ـ أو نجاسة المجبرة من أهل الخلاف ـ وهو قول الشيخ (٥) ـ والقولان ضعيفان.
واعلم أن حكم المصنف بطهارة من عدا الفرق الأربع من المسلمين مشكل ، فإن من أنكر شيئا من ضروريات الدين ، ولم يكن أحد هؤلاء لا ريب في نجاسته.
__________________
(١) علل الشرائع : ٤٨٧ حديث ٤ ، الخصال : ٤٩٣ حديث ١.
(٢) المبسوط ٢ : ١٦٦ ، الخلاف ٢ : ٤٩ مسألة ٣٠٥ ، ٣٠٧ كتاب البيوع.
(٣) الكافي : ٥ : ٢٢٧ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣٤ حديث ٥٩٤.
(٤) الانتصار : ١٠.
(٥) المبسوط ١ : ١٤.
والفأرة ، والوزغة ، والثعلب ، والأرنب ، وعرق الجنب من الحرام ، والإبل الجلالة.
______________________________________________________
قوله : ( والفأرة والوزغة ).
أي : الأقرب طهارتهما ، وقال الشيخ بنجاستهما (١) ، لأمر الكاظم عليهالسلام بغسل أثر الفأرة (٢) ، وقول أبي عبد الله عليهالسلام عن الوزغة : ( لا ينتفع بما تقع فيه ) (٣).
ويعارضان بحديث الفضل أبي العباس (٤) ، وبنفي البأس عن السمن والزيت تقع فيه الفأرة ، مع الاعتضاد بالأصل والشهرة ، فالقول بالنجاسة ضعيف.
قوله : ( والثعلب والأرنب ).
قال أيضا بنجاستهما ، (٥) لأمر ماسّهما بغسل يده (٦) ، وفي الاستدلال نظر ، وفي الإسناد إرسال ، وحديث الفضل حجة على الطهارة في الجميع ، وهو الأصح.
قوله : ( وعرق الجنب من الحرام ، والإبل الجلالة ).
أي : الأقرب طهارتهما ، وقال الشيخان (٧) ، وابن البراج (٨) بالنجاسة ، لورود الأمر بغسله (٩) ، وإن لم تكن دلالة الخبر صريحة في أن الغسل من عرق الجنب ، وهو معارض بما دل بعمومه على طهارة عرق الجنب من حلال وحرام ، والأمر بغسل عرق الإبل الجلالة لا يدل على النجاسة صريحا ، فيحمل على الاستحباب ، لأنها طاهرة العين إجماعا ، وهو المختار.
وربما قيد عرق الجنب من الحرام بكونه حال الفعل ، وما ظفرنا به من عبارات
__________________
(١) المبسوط ١ : ٣٧.
(٢) التهذيب ١ : ٢٦١ حديث ٧٦١ ، وج ٢ : ٣٦٦ حديث ١٥٢٢.
(٣) التهذيب ١ : ٢٣٨ حديث ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤ حديث ٥٩.
(٤) التهذيب ١ : ٢٢٥ حديث ٦٤٦ ، والاستبصار ١ : ١٩ حديث ٤٠.
(٥) المبسوط ١ : ٣٧.
(٦) التهذيب ١ : ٢٦٢ حديث ٧٦٣.
(٧) المفيد في المقنعة : ١٠ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٣٨ ، والنهاية : ٥٣.
(٨) المهذب ١ : ٥١.
(٩) الأمر بغسل عرق الجنب من الحرام : التهذيب ١ : ٢٧١ حديث ٧٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٨٧ حديث ٦٥٥ ، الذكرى : ١٤ ، الأمر بغسل عرق الإبل الجلالة : الكافي ٦ : ٢٥١ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ حديث ٧٦٧.
والمتولد من الكلب والشاة يتبع الاسم ، وكلب الماء طاهر.
ويكره ذرق الدجاج ، وبول البغال والحمير والدواب وأرواثها.
فروع :
أ : الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس.
______________________________________________________
القوم خال من هذا القيد.
قوله : ( والمتولد من الكلب والشاة يتبع الاسم ).
تنقيحه : أنه إذا كان بصورة أحد النوعين ، بحيث استحق إطلاق اسم ذلك النوع عليه عرفا ، لحقته أحكامه ، لأنه إذا سمي بأحدهما اقتراحا تلحقه الأحكام ، ولو لم تغلب عليه صورة أحد النوعين فهو طاهر غير حلال ، تمسكا بالأصل في الأمرين.
قوله : ( كلب الماء طاهر ).
اقتصارا في نجاسة الكلب على المتعارف المتفاهم ، وكلامه في الذكرى (١) يدل على خلاف فيه ، وكذا خنزير الماء ، ولا مانع من وقوع الذكاة عليهما.
قوله : ( ويكره ذرق الدجاج ).
أي : غير الجلال لحل لحمه ، ونجسه الشيخان (٢) ، وفي المستند ضعف ، فيحمل على الكراهية.
قوله : ( وبول البغال والحمير وأرواثها ).
قيل بنجاسة بولها للأمر بغسله (٣) ، والمشهور الطهارة مع الكراهة وهو الأصح.
قوله : ( الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس ).
مراده : أن المستحيل خمرا في بواطن حبات العنب نجس ، خلافا لبعض العامة (٤) ، وإن كانت عبارته غير فصيحة في تأدية هذا المعنى ، لدلالتها على أن الاستحالة للخمر ، وليس كذلك ، والأمر في ذلك هين.
__________________
(١) الذكرى : ١١.
(٢) المفيد في المقنعة : ٩ ، والطوسي في المبسوط ١ : ١٢ ، والنهاية : ٧.
(٣) قاله ابن الجنيد كما في المختلف : ٥٦ ، والشيخ في النهاية : ٥١.
(٤) المجموع ١ : ١٥٩ ، والسراج الوهاج : ٢٣.
ب : الدود المتولد من الميتة أو من العذرة طاهر.
ج : الآدمي ينجس بالموت ، والعلقة نجسة وان كانت في البيضة.
د : اللبن تابع.
______________________________________________________
قوله : ( الدود المتولد من الميتة ، أو من العذرة طاهر ).
وكذا القول في باقي النجاسات ، لأن الأحكام تابعة للصورة النوعية والاسم وقد زالا ، وكما لا يكون المتولد عين نجاسة لا يكون متنجسا إلا مع بقاء شيء من عين النجاسة عليه ، ومن هذا مني ذي النفس السائلة إذا صار حيوانا.
قوله : ( الآدمي ينجس بالموت ).
هذا هو الأصح والمشهور بين الأصحاب ، وخالف فيه المرتضى (١) ، وسيأتي الكلام عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ في غسل مس الأموات.
قوله : ( والعلقة نجسة وإن كانت في البيضة ).
وجهه ظاهر ، فإن العلقة دم حيوان له نفس ، أما ما يوجد في البيضة أحيانا من الدم ـ وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وإن كانت في البيضة ) ـ ففي النفس منه شيء ، إذ لا يعلم كونها من دم ذلك الحيوان ، فالعلم بكونها علقة له أشد بعدا ، وقد نبه ، في الذكرى (٢) على ذلك.
قوله : ( اللبن تابع ).
أي : تابع للحيوان المتكون فيه ، فان كان طاهرا فهو طاهر ، وإلا فهو نجس ، وفي طهارة لبن الحيوان الذي عرضت له النجاسة بالموت قول ، وبه أخبار صحيحة (٣) ، والمشهور النجاسة ، وهو الموافق لأصول المذهب ، وعليه الفتوى.
ويمكن أن تكلف عبارة المصنف إفادة هذا المعنى ، باعتبار أن الميتة نجسة فتبعها لبنها في النجاسة.
__________________
(١) جمل العلم والعمل : ٦ ٥١.
(٢) الذكرى : ١٣.
(٣) الفقيه ٣ : ٢١٦ حديث ١٠٠٦ ، التهذيب ٩ : ٧٥ ، ٧٦ حديث ٣٢٠ ، ٣٢٤.
هـ : الانفحة ـ وهي لبن مستحيل في جوف السخلة ـ طاهرة وان كانت ميّتة.
و : جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ، ولو اتخذ منه حوض لا يتسع للكر نجس
______________________________________________________
قوله : ( الإنفحة ـ وهي لبن مستحيل في جوف السخلة ـ طاهرة ، وإن كانت ميتة ).
اختلف الكلام في تفسير الإنفحة ، قال في الجمهرة : والانفحة ـ وقالوا : إنفحة ـ كرش الحمل ، أو الجدي ، قبل أن يستكرش (١).
وفي الصحاح (٢) الانفحة ـ بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة ـ كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهو كرش.
وعبارة ابن إدريس في السرائر (٣) هي هذه بعينها.
وقال في القاموس : الإنفحة ـ بكسر الهمزة وقد تشدد الحاء ، وقد تكسر الفاء ـ والمنفحة والبنفجة شيء يستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر ، فيعصر في صوفه فيغلظ كالجبن ، فإذا أكل الجدي فهي كرش (٤) ، وهذه العبارة تقرب من تفسير المصنف ، وعبارة ( الذكرى ) ـ مع خلوها عن تفسيرها ـ تشعر بالأول ، لأن فيها ، والأولى تطهير ظاهرها من الميتة (٥).
وحمل ذلك على اللبن مما لا يستقيم ، وعده إنفحة بعيد عن شبه أكثر الأشياء التي لا تحلها الحياة ، على أنه يلزم إما نجاسته لما يعينه ونجاسة محلّه ، أو طهارة محله ، وهذا هو الأظهر.
قوله : ( جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ).
هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل هو إجماعي لانقراض المخالف ، فان ابن الجنيد (٦) طهر بالدباغ ما كان طاهرا في حال الحياة ، ولم يجوز الصلاة فيه ، استنادا إلى
__________________
(١) الجمهرة ٢ : ١٧٨.
(٢) الصحاح ١ : ٤١٣ مادة « نفح ».
(٣) السرائر : ٣٦٩.
(٤) القاموس ١ : ٢٥٣ مادة « نفح ».
(٥) الذكرى : ١٤.
(٦) حكاه عنه العلامة في المختلف : ٦٤.
الماء فيه ، وان احتمله فهو نجس والماء طاهر ، فإن توضأ منه جاز إن كان الباقي كرا فصاعدا.
الفصل الثاني : في الأحكام
تجب إزالة النجاسة عن البدن والثوب للصلاة والطواف ودخول المساجد وعن الأواني لاستعمالها لا مستقرا ،
______________________________________________________
بعض الاخبار التي لا تنهض حجة مع وجود المعارض الأقوى (١).
قوله : ( الفصل الثاني : في الأحكام : تجب إزالة النجاسة عن البدن والثوب للصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ).
لا يخفى أنه إنما تجب إزالة النجاسة لشيء مما ذكره ، مع كون أحدها واجبا لا مطلقا ، وهو معلوم مما سبق في أول الكتاب ، لكن يعتبر في الوجوب لدخول المساجد كون النجاسة متعدية إلى المسجد ، أو شيء من آلاته على الأصح ، ولما لم يكن الوجوب مشروطا بذلك عند المصنف أطلقه.
قوله : ( وعن الأواني لاستعمالها ).
إنما يتحقق ذلك إذا كان الاستعمال في أمر مشروط بعدم النجاسة كالأكل والشرب اختيارا.
قوله : ( لا مستقرا ).
معطوف على محذوف ، تقديره تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن وجوبا متعلقا بالصلاة والطواف ، وعن الأواني وجوبا معلقا باستعمالها ، لا وجوبا مستقرا في الذمة غير معلّق بشيء في جميع ما ذكر.
وتجب مستقرا على الفور إزالتها عن المساجد وآلتها ، لحديث ( جنّبوا ) (٢) ، وعن المصحف ، وآلاته ، ومنسوباته كجلده وغلافه إذا كان فيه ، أما منفردا فيحتمل ، وعن الضرائح المقدسة والمشاهد الشريفة وآلاتها.
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٧٨ حديث ٣٣٢.
(٢) ذكره الشهيد في الذكرى وقال : ( ولم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي ).
سواء قلّت النجاسة أو كثرت عدا الدم ، فقد عفي عن قليله في الثوب والبدن ، وهو ما نقص عن سعة الدرهم البغلي ، إلاّ دم الحيض والاستحاضة والنفاس ونجس العين.
______________________________________________________
قوله : ( وهو ما نقص عن سعة الدرهم البغلي ).
هو بإسكان الغين وتخفيف اللام منسوب إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية ، وزنته ثمانية دوانيق كالدراهم الكسروية ، وهذا الاسم حدث في الإسلام ، والوزن كما كان ، وجرت في المعاملة مع الطبرية ، وهي أربعة دوانيق ، وفي زمن عبد الملك جمع بينهما ، واتخذ الدراهم منهما ، واستقر أمر الإسلام على ذلك ، نقل ذلك شيخنا ، في الذكرى عن ابن دريد (١) ، وقيل بفتح الغين وتشديد اللام ، منسوب الى بغل قرية بالجامعين ، كان يوجد بها دراهم.
قال ابن إدريس : شاهدتها تقرب سعتها من أخمص الراحة (٢) ـ وهو ما انحفض من باطن الكف ـ قال في القاموس : والأخمص من باطن القدم ما لم يصب الأرض (٣) ، ولا نزاع في التسمية ، وإن كان الرجوع إلى المنقول أولى ، وشهادة ابن إدريس في قدره مسموعة.
قوله : ( إلا دم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ونجس العين ).
في موقوف أبي بصير : إن دم الحيض لا يعفى عن كثيره ولا قليله (٤) ، وعليه الأصحاب ، وألحقوا به دم الاستحاضة والنفاس ، لاشتراكها في إيجاب الغسل ، وهو مشعر بغلظ الحكم ، ولأن دم النفاس حيض ، وألحق بها جمع من الأصحاب دم نجس العين ـ وهو الكلب والخنزير والكافر والميتة ـ لتضاعف النجاسة (٥).
__________________
(١) الذكرى : ١٦.
(٢) السرائر : ٣٥.
(٣) القاموس ( خمص ) ٢ : ٣٠٢.
(٤) الكافي ٣ : ٤٠٥ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٥٧ حديث ٧٤٥.
(٥) منهم : الشهيد في الدروس : ١٧ ، والبيان : ٤١.
وعفي أيضا عن دم القروح اللاّزمة ، والجروح الدامية وان كثر مع مشقّة الإزالة ، وعن النجاسة مطلقا فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، كالتكة والجورب والقلنسوة والخاتم والنعل وغيرها من الملابس خاصة ، إذا كانت في محالها.
______________________________________________________
قوله : ( وعفي أيضا عن دم القروح اللازمة ، والجروح الدامية ، وإن كثر مع مشقة الإزالة ).
ظاهر هذه العبارة يقتضي كون العفو منه مخصوصا بما إذا شق إزالته ، والرواية عن الصادق عليهالسلام تدل على خلافه (١). ولا يجب تخفيفه وإن أمكن ، ولا عصبه ، لظاهر قوله عليهالسلام : « تصلي وإن كانت الدماء تسيل » (٢) وقوله عليهالسلام : « لست أغسل ثوبي حتى يبرأ » (٣).
قوله : ( فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا ).
أراد بذلك إمّا البناء على الغالب ، أو أنه لا تتم الصلاة فيه باعتبار وضعه المعين ، وليس من ذلك العمامة التي يمكن الستر بها ، خلافا لابن بابويه (٤).
قوله : ( من الملابس خاصة إذا كانت في محالها ).
فلا يعفى عن نجاسة نحو الدراهم ، ولا عن نجاسة الأشياء المذكورة ، إذا كانت محمولة في غير محالها ، قصرا للرخصة على الأشياء التي يغلب كونها مع المصلي ، على الحالة الغالبة.
ويشكل كل من الحكمين ، بعموم الحديث الدال على الجواز مطلقا من غير منافاة شيء آخر له ، فإنه ورد بهذا اللفظ : « كل ما كان على الإنسان ، أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه » الحديث ، (٥) إلا أن اشتراط ذلك أحوط.
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٥٦ حديث ٧٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ حديث ٦١٥.
(٢) التهذيب ١ : ٢٥٨ حديث ٧٤٩.
(٣) الكافي ٣ : ٥٨ ، حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ حديث ٧٤٧.
(٤) الهداية : ١٥.
(٥) التهذيب ١ : ٢٧٥ حديث ٨١٠.
ولو زاد الدم عن سعة الدرهم مجتمعا وجبت إزالته ، والأقرب في المتفرّق الإزالة إن بلغه لو جمع.
ويغسل الثوب من النجاسات العينيّة حتى تزول العين ، أما الحكمية ، كالبول اليابس في الثوب ، فيكفي غسله مرة.
______________________________________________________
قوله : ( والأقرب في المتفرق وجوب الإزالة إن بلغه لو جمع ).
وجه القرب صحيحة ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليهالسلام ، المتضمنة للأمر بإزالة المتفرق إذا كان مقدار الدرهم مجتمعا (١) ، وهو نص في الباب ، وليس مجتمعا خبرا لكان ، ولا حالا مقدرة ، لأن المقدرة هي التي زمانها غير زمان عاملها ، بل هي حالة محققة.
فإن قيل : يجوز أن يكون خبرا بعد خبر ، قلنا : فالحجة حينئذ عموم قوله تعالى : ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) ونحوه ، ولا دليل على ثبوت العفو هنا ، وقيل بعدم وجوب الإزالة وإن كثر ، والأول أقوى.
ولا فرق بين الثوب الواحد والثياب المتعددة في الحكم بوجوب الإزالة ، لو بلغه على تقدير الاجتماع ، ومنه يعلم أن المجتمع لو بلغه تجب إزالته بطريق أولى.
ولو أصاب الدم وجهي الثوب ، فإن تفشي من جانب إلى آخر فدم واحد ، وإلاّ فدمان ، ولو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر فالعفو بحاله على الأصح ، لعدم زيادة الفرع على أصله ، لكن بشرط أن لا يبلغ المجموع الدرهم.
قوله : ( اما الحكمية كالبول اليابس في الثوب فيكفي غسله مرّة ).
للعينية في كلام الفقهاء إطلاقات ـ ويقابلها الحكمية ـ :
الأول : ما تتعدى نجاسته مع الرطوبة ، وهو مطلق الخبث ، وهو أكثر معانيها دورانا على ألسنة الفقهاء ، وتقابلها الحكمية ، وهي ما لا تتعدى ، ويتوقف رافعها على النية.
الثاني : ما كان عينا محسوسة مع قبول الطهارة كالدم ، والغائط ، والبول قبل
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٥٥ حديث ٧٤٠ ، والاستبصار ١ : ١٧٦ حديث ٦١١.
(٢) المدثر : ٤.
ويجب العصر إلاّ في بول الرضيع ، فإنه يكتفي بصب الماء عليه ،
______________________________________________________
جفافه ، ويقابلها الحكمية بهذا الاعتبار ، كالبول اليابس في الثوب.
الثالث : ما كان عينا غير قابل للتطهير كالكلب والخنزير ، ويقابلها الحكمية بهذا الاعتبار أيضا.
إذا تقرر ذلك ، فالذي اختاره المصنف من الاكتفاء بغسل البول عن الثوب مرّة ، أحد القولين للأصحاب (١) ، والأصح وجوب المرتين في غسله عن الثوب والبدن ، كما وردت به الأخبار الكثيرة الصريحة (٢) ، وأسانيد معظمها صحيحة ، وتعدية هذا الحكم إلى غيره من النجاسات إما بطريق مفهوم الموافقة ، أو بما أشير إليه في بعض الأخبار : من أن غسلة تزيل وأخرى تطهر (٣) هو الظاهر.
قوله : ( ويجب العصر إلا في بول الرضيع ، فإنه يكتفي بصب الماء عليه ).
لا ريب في وجوب العصر إذا كان الغسل في غير الكثير والجاري ، لأن النجاسة تزول به ، ولأن الماء
القليل ينجس بها ، فلو بقي في المحل لم يحكم بطهره ( إذ لا يطهر أثر النجاسة إلا بعد الانفصال ، على ما ذكره المصنف ) (٤). فعلى هذا لو جفّ الماء على المحل ولم ينفصل لم يطهر ، وهذا إنما هو فيما لا يعسر عصره ، أما نحو الحشايا فيكفي فيها الدق والتغميز للرواية (٥).
ويستثني من ذلك بول الرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه ، ولم يتجاوز سن الرضاعة ، لأن غير من ذكر لا يعد رضيعا ، فإنه يكتفى بصب الماء على محلّه ، ولا يشترط جريانه على المحل ، ولا انفصاله بطريق أولى ، بخلاف
__________________
(١) ذهب الى القول بالغسل مرة : المرتضى في الانتصار : ١٦ ، والجمل : ٥٠ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٢٧ ، والشيخ الطوسي في الجمل والعقود : ١٥٧ ولمزيد الاطلاع راجع مفتاح الكرامة ١ : ٤٢.
وذهب الى القول بالغسل مرتين : الصدوق في الفقيه ١ : ٢١ ، وسلار في المراسم : ٣٣ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٢٧ ، والشهيد في الدروس : ١٧.
(٢) الكافي ٣ : ٥٥ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ حديث ٧١٤ ـ ٧١٨.
(٣) عوالي اللآلي ١ : ٣٤٨ حديث ١٣١.
(٤) ما بين الهلالين زيادة من نسخة « ح ».
(٥) الكافي ٣ : ٥٥ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥١ حديث ٧٢٤.
ولو اشتبه موضع النجاسة وجب غسل جميع ما يحتمل ملاقاتها له ، وكل نجاسة عينيّة لاقت محلا طاهرا ، فان كانا يابسين لم يتغيّر المحل عن حكمه ، إلاّ الميت فإنه ينجّس الملاقي له مطلقا.
ويستحب رش الثوب الذي أصابه الكلب ، أو الخنزير ، أو الكافر يابسين. ولو كان أحدهما رطبا نجس المحل.
ولو صلّى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة مغلّظة ، وهي التي لم يعف عنها عالما أو ناسيا أعاد مطلقا.
______________________________________________________
بول الرضيعة للأمر بغسله.
واعلم أن المصنف جعل مراتب إيراد الماء ثلاثا ، النضح لجميع المحل بالماء مجرّدا عن الغلبة ، ومع الغلبة ومع الجريان ، ولا حاجة في الصب إلى الجريان ، بل النضح مع الغلبة ، وكذا الرش ، إذ لا بد من كون الماء قاهرا للنجاسة ، أما الغسل فلا يصدق إلا مع الجريان ، وقد ورد استحباب الرش في مواضع وسيأتي بعضها في كلام المصنف.
قوله : ( ولو اشتبه موضع النجاسة وجب غسل جميع ما يحتمل ملاقاتها له ).
لأن الدخول به في الصلاة موقوف على القطع بطهارته ، وهو موقوف على غسل الجميع ، أما الحكم بعدم تعدي النجاسة منه فليس موقوفا على ذلك.
قوله : ( إلا الميت فإنه ينجس الملاقي له مطلقا ).
أي : ميت الآدمي ، والمراد بالإطلاق مع الرطوبة وعدمها ، استنادا الى الأمر بغسل اليد من ملاقاته من غير تقييد ، ويعارض بقوله عليهالسلام : « كل يابس ذكي » (١) والأصح اشتراط الرطوبة كغيره.
قوله : ( ولو صلّى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة مغلظة ـ وهي التي لم يعف عنها ... ).
قد سبق الكلام على هذه المسألة في أحكام المياه ، وإنما أعاد الكلام عليها
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٩ حديث ١٤١.
ولو جهل النجاسة أعاد في الوقت لا خارجه ، ولو علم في الأثناء ألقى الثوب واستتر بغيره وأتمّ ، ما لم يفتقر الى فعل كثير ، أو استدبار فيعيد.
وتجتزي المربّية للصبي ذات الثوب الواحد أو المربي بغسله في اليوم مرة
______________________________________________________
هاهنا ، لأن موضع البحث عنها في الحقيقة هو أحكام النجاسات ، فأعادها مع زيادة.
قوله : ( ولو علم في الأثناء ألقى الثوب واستتر بغيره وأتم ).
هذا إذا لم يعلم سبق النجاسة بأن جوّز حصولها حين الوجدان ، لأن الأصل عدم التقدم ، أما لو علم سبقها ، فعلى القول : بأن الجاهل بالنجاسة يعيد في الوقت ، يجب الإعادة ، وقد نبّه على ذلك في الذكرى (١) ، فلا بد من تقييد عبارة الكتاب بما يدفع عنها التنافي.
ولو علم بعد خروج الوقت وهو متلبس بالصلاة ، لم يبعد البناء على صلاته مع طرح ما بقي فيه لئلا يلزم وجوب القضاء على الجاهل بالنجاسة.
قوله : ( ما لم يفتقر إلى فعل كثير أو استدبار فيستأنف ).
إذا كان في الوقت سعة فلا إشكال في الاستئناف هنا ، أما مع الضيق ففيه إشكال ينشأ : من أن النجاسة مانع الصحة ، ومن أن أداء الفريضة في الوقت واجب بحسب الإمكان ، وأفتى في البيان بالاستمرار مع الضيق (٢).
قوله : ( ويجزئ المربية للصبي ـ ذات الثوب الواحد ـ والمربي بغسله في اليوم مرّة ).
مورد الرواية ـ عن الصادق عليهالسلام ـ مولود (٣) ، والمتبادر منه الصبي ، وهكذا فهم الأصحاب ، ولا يبعد أن يقال بشمول الحكم الصبية لصدق المولود عليها ، واحترز بكونها ذات واحد عن ذات الثوبين ، فلا تنالها هذه الرخصة وقوفا مع ظاهر الرواية ، وهذا إنما يكون حيث لا تحتاج الى لبس الثوبين دفعة ، فان احتاجت إلى ذلك لبرد وشبهه فكالثوب الواحد ، والمراد باليوم الليل والنهار ، إما لأن مسمى اليوم ذلك ، أو
__________________
(١) الذكرى : ١٧.
(٢) البيان : ٤٢.
(٣) الفقيه ١ : ٤١ حديث ١٦١ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ حديث ٧١٩.
ثم تصلّي باقيه فيه ان نجس بالصبي لا بغيره.
ولو اشتبه الطاهر بالنجس وفقد غيرهما ، صلى في كلّ واحد منهما الصلاة الواحدة.
______________________________________________________
بالتبعية والتغليب.
ومورد الرواية تنجس الثوب بالبول ، فيمكن قصر الحكم عليه بالعفو اقتصارا على المنصوص ، وربما كنّى بالبول عن النجاسة الأخرى ، كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به ، والظاهر اعتبار كون الغسل في وقت الصلاة ، لأن الأمر بالغسل يقتضي الوجوب ، ولا وجوب في غير وقت الصلاة ، ولو جعلته آخر النهار كان أولى لتصلي أربع صلوات فيه.
وهل يجب إيقاع الصلاة عقيب الغسل؟. الرواية مطلقة ، والوجوب بعيد ، نعم هو أولى ، وألحق المصنف بالمربية المربي ، وغيره بالمولود المتحد المتعدد ، نظرا إلى الاشتراك في المشقة وعدم تعقل الفرق ، وهو محتمل.
قوله : ( ثم تصلي باقيه فيه ، وإن نجس بالصبي لا بغيره ).
المراد باقي اليوم مع الليل ، وقوله : ( وإن نجس بالصبي ) يعم نجاسة البول والغائط ، وربما أورد عليه أنه لا حاجة إلى الواو لحصول المعنى بدونه ، وأجيب بأن حذفه يقتضي فساد المعنى ، لأن النجاسة بالصبي حينئذ تكون شرطا لصحة الصلاة ، فلا تصح بدونها.
وفيه نظر ، لأن صحتها مع النجاسة تدل على صحتها بدونها بطريق أولى ، ولأن المتبادر من قوله : ( ثم تصلي باقيه فيه ) مع قوله : ( وتجتزئ ) التخفيف في باقي الزمان بعدم إيجاب الغسل ، ولا يتحقق التخفيف إلا مع النجاسة ، ولأنه يصح الاشتراط بالإضافة إلى قوله : ( لا بغيره ).
والحق أن كلا من الأمرين جائز ، وإن كان مع الواو أحسن ، لدلالته حينئذ بمنطوقه على الصورتين ، ولمّا كان العفو عن نجاسة الصبي بعد الغسل مرّة هو مورد الرواية ، ومحل الحاجة ، لم يثبت العفو فيما لو تنجس بغيره.
قوله : ( وفقد غيرهما ).
إنما اشترط ذلك لأن الجزم في النية شرط الصحة ، ومع الصلاة في الثوبين لا
ولو تعدد النجس زاد في الصلاة على عدده بواحدة ، ومع الضيق يصلّي عاريا ، ولو لم يجد إلاّ النجس تعيّن نزعه وصلّى عاريا ، ولا إعادة عليه ،
______________________________________________________
جزم ، إذ لا يعلم أي الصلاتين فرضه لعدم علمه بالثوب الطاهر.
أما مع فقد غيرهما فلا مانع ، لأن الجزم إنما يجب بحسب الممكن ، وخالف ابن إدريس فمنع من الصلاة فيهما مطلقا ، وحتم الصلاة عاريا مع فقد غيرهما ، احتجاجا بما سبق (١) ، وجوابه ما تقدم.
ويمكن الجواب بأن الجزم في المتنازع أيضا حاصل ، لأن كلا من الصلاتين واجب ، لأن يقين البراءة متوقف عليهما ، وهذا المقدار كاف في حصول الجزم.
قوله : ( ومع الضيق يصلي عاريا ).
لتعذر العلم بالصلاة في الطاهر بيقين ، والأصح يقين الصلاة في واحد من الثوبين أو الثياب ، استصحابا لما كان قبل الضيق ، ولإمكان كون الصلاة واقعة في ثوب ، والنجاسة مغتفرة مع تعذّر إزالتها ، كما سيجيء.
ولا يخفى أنه يجب رعاية الترتيب في الثياب والصلوات المتعددة ، فلو صلّى الظهر في أحد المشتبهين ، ثم صلى العصر في الآخر ، ثم الظهر ، ثم نزعه وصلى العصر فيما صلّى به الظهر أولا لم يبرأ ، لإمكان كون الطاهر هو الثاني ، فيختل الترتيب.
قوله : ( ولو لم يجد إلاّ النجس تعين نزعه ، وصلى عاريا ، ولا إعادة عليه ).
هذا مذهب الشيخ (٢) وجمع من الأصحاب (٣) ، للأمر بالصلاة عاريا في عدة أخبار (٤) ، والحق ما ذهب اليه المصنف في المنتهى (٥) من التخيير بين الصلاة فيه
__________________
(١) السرائر : ٣٧.
(٢) المبسوط ١ : ٣٩ ، النهاية : ٥٥ ، الخلاف ١ : ٨١ مسألة ٩٧ كتاب الصلاة.
(٣) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٥٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٨ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٥٣.
(٤) الكافي ٣ : ٣٩٦ حديث ١٥ ، التهذيب ١ : ٤٠٥ ، ٤٠٦ حديث ١٢٧١ ، ١٢٧٨ وج ٢ : ٢٢٣ حديث ٨٨١ ، ٨٨٢.
(٥) المنتهى ١ : ١٨٢.
ولو لم يتمكن من نزعه لبرد أو غيره صلّى فيه ولا إعادة.
وتطهر الحصر ، والبواري ، والأرض ، والنبات ، والأبنية بتجفيف الشمس خاصة من نجاسة البول وشبهه كالماء النجس ، لا ما تبقى عين النجاسة فيه.
______________________________________________________
وعاريا لرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام (١) والصلاة فيه أفضل ، لحصول الستر واستيفاء جميع أفعال الصلاة ، ومانعية النجاسة على بعض الأحوال ، وعلى كل تقدير فلا إعادة ، قال في المنتهى : لو صلى عاريا فلا إعادة ، قولا واحدا (٢).
قوله : ( ولو لم يتمكن من نزعه لبرد أو غيره صلى فيه ولا إعادة ).
أوجب الشيخ الإعادة إذا لم يجد ما يغسله به فتيمم وصلى فيه ، ثم وجد الماء (٣) ، ومستنده ضعيف.
قوله : ( وتطهر الحصر والبواري والأرض والنبات بتجفيف الشمس خاصة من نجاسة البول وشبهه كالماء النجس ).
وقيل : إن الحكم مقصور على الحصر والبواري والأرض وأنها لا تطهر ، بل تجوز الصلاة عليها (٤) ، وعموم النص المصرح بالطهارة يدفعها (٥) ، نعم لا تطهر المنقول عادة ، سوى ما ذكر ، وما لا ينقل عادة كالأخشاب ، والأبواب المثبتة في البناء ، والأشجار ، والفواكه الباقية على أصولها ، والزرع القائم لا الحصيد إذا جف بالشمس طهر ولا بد في التجفيف من كونه بإشراق ، فلا يكفى التجفيف بالحرارة والريح ، خلافا للشيخ في الخلاف (٦) ، ولا ريب أن ما يبقى عين النجاسة فيه لا يطهر كصفرة البول المتغير ، ومتى أشرقت الشمس مع رطوبة المحل طهر الظاهر والباطن (٧) ،
__________________
(١) قرب الاسناد : ٨٩ ، التهذيب ٢ : ٢٢٤ حديث ٨٨٤.
(٢) المنتهى ١ : ١٨٢.
(٣) المبسوط ١ : ٣٩.
(٤) حكاه المحقّق الحلي في « المعتبر » عن الراوندي وابن حمزة ، واستحسنه هو أيضا ، وحكاه العاملي في « مفتاح الكرامة » عن ابن الجنيد أيضا.
انظر : المعتبر ١ : ٤٤٦ ، الوسيلة ١ : ٧٥ ـ ٧٦ ، ومفتاح الكرامة ١ : ١٨٣.
(٥) الفقيه ١ : ١٥٧ حديث ٧٣٢ ، التهذيب ١ : ٢٧٣ حديث ٨٠٤ وج ٢ : ٣٧٧ حديث ١٥٧٢.
(٦) الخلاف ١ : ٣٦ مسألة ١٨٦ كتاب الطهارة.
(٧) في نسخة « ح » الباطن والظاهر.
وتطهّر النار ما أحالته ، والأرض باطن النعل وأسفل القدم.
وتطهر الأرض بإجراء الماء الجاري أو الزائد على الكر عليها ، لا بالذنوب وشبهه.
______________________________________________________
إذا جف الجميع بها.
قوله : ( وتطهّر النار ما أحالته ).
المراد بالإحالة : صيرورته رمادا أو دخانا بالإجماع ، أو فحما على أظهر الوجهين.
قوله : ( والأرض باطن النعل وأسفل القدم ).
وكذا أسفل الخف وما ينتعل عادة كالقبقاب ، للنص (١) والإجماع ، ولا بد من زوال عين النجاسة بالأرض واجزائها التي لم يخرج عنها بالاستحالة ، ويشترط طهارتها وجفافها ، ولا يشترط المشي بل يكفي المسح المزيل للعين ، وكذا لا يشترط جفاف النجاسة ، ولا كونها ذات جرم للعموم.
قوله : ( أو الزائد على الكر عليها ).
الظاهر أنه لا تشترط الزيادة على الكر إذا صب الماء عليها دفعة ، نعم لو أجرى منه ساقية بحيث يخرج الماء إلى النجس شيئا فشيئا ، فلا بد من الزيادة ، بحيث يبقى بعد وروده على المحل النجس كرّ.
قوله : ( لا بالذّنوب وشبهه ).
بفتح الذال المعجمة : الدلو فيها ماء ، أو الملأى ، أو دون الملء ، ذكره في القاموس (٢) ، وإنما لم يطهر به ، لأنه انما يطهر بالغسل بالقليل ما ينفصل الماء المغسول به عنه كما سيأتي ، وليست الأرض كذلك.
وقال الشيخ يطهر بذلك (٣) ، لأمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإلقائه على بول الأعرابي في المسجد (٤) ، ولا دلالة فيه على كونه قليلا ، ولا على حصول الطهارة بإلقائه ،
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٨ باب الرجل يطأ على العذرة.
(٢) القاموس ( ذنب ) ١ : ٧١.
(٣) المبسوط ١ : ٩٢.
(٤) صحيح البخاري ١ : ٦٥ باب ٥٨ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٦ حديث ٩٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٣ حديث ٣٨٠.
ويطهر الخمر بالانقلاب خلا وإن طرح فيها أجسام طاهرة ، ولو لاقتها نجاسة أخرى لم تطهر بالانقلاب.
وطين الطريق طاهر ما لم يعلم ملاقاة النجاسة له ، ويستحبّ إزالته بعد ثلاثة أيام. ودخان الأعيان النجسة ورمادها طاهران.
وفي تطهّر الكلب والخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحا ،
______________________________________________________
فربما جعل معدا لتجفيف الشمس ، ونحو ذلك.
قوله : ( ويطهر الخمر بالانقلاب خلا وإن طرح فيها أجسام طاهرة ).
وكذا العصير بعد غليانه المنجّس له ، والنبيذ ، ويطهر الإناء وإن كانت قد غلت ثم نقصت ، ولا فرق في الأجسام الطاهرة بين كونها جامدة ومائعة ، ما لم يتطرق إلى المائعة إمكان الاستهلاك ظاهرا للغلبة مع بقاء الخمرية.
قوله : ( وطين الطريق طاهر ما لم يعلم ملاقاة النجاسة له ).
المراد بالطريق : ما يعم شوارع البلد التي يستطرقها الناس كثيرا ، وإن كانت مظنّة النجاسة.
قوله : ( ويستحب إزالته بعد ثلاثة أيام ).
لقول أبي الحسن عليهالسلام في طين الطريق : « لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام ، إلا أن يعلم أنه قد نجّسه شيء بعد المطر ، وإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفا لم يغسله » (١) ، والمراد بالأمر بالغسل الاستحباب ، كما فهمه الأصحاب ، لعدم المقتضي للتنجيس.
قوله : ( ودخان الأعيان النجسة ... ).
سيأتي في الاستصباح بالدهن النجس في التجارة كلام لبعض الأصحاب يقتضي نجاسة دخان النجس ، وأن الأصح الطهارة.
قوله : ( وفي تطهر الكلب والخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحا ،
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٣ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ حديث ١٦٣.