أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣١
الثانى : أن الكفر ، والمعاصى من الكائنات ، فلو كانت مرادة لله ـ تعالى ـ لكان فاعلها بموافقته لإرادة الله ـ تعالى ـ مطيعا. ويدل على أن موافقة المريد فيما أراد طاعة : هو أن من أفاد إظهار الطاعة لغيره ، وقال : إنى أفعل ما تريد كما تقول : إنى أفعل / ما تأمر ؛ ولهذا قال الشاعر :
ربّ من انضجت غيظا صدره |
|
قد تمنّى لى موتا لم يطع |
أى لم يجب إلى ما أراد ، وفيه إضافة الطاعة إلى الإرادة.
ويدل عليه من السنة : قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعمه أبى طالب : «إن أطعت الله أطاعك» : أى إن فعلت ما أراد فعل ما تريد. ويلزم من كون الكافر والعاصى ، مطيعا بكفره ومعصيته ، أن يكون مستحقا للثواب ؛ وهو باطل بالإجماع.
الثالث : أن من جملة الكائنات : السفه ، والظلم. فلو كان الرب ـ تعالى مريدا له ؛ لكان سفيها ظالما. على (١) ما يشهد به العرف. والسفيه الظالم مذموم ملام (١) ، والرب يتعالى (٢) عن ذلك.
الرابع : أن من الكائنات القبائح ، وإرادة القبيح (٣) قبيحة ؛ فلو كان الرب ـ تعالى ـ مريدا للقبائح ؛ لكانت إرادته قبيحة ؛ وهو محال.
الخامس : هو أن الله ـ تعالى ـ عالم حكيم. ورعاية الصلاح فى فعله واجب على ما تقدم فى التجوير ، والتعديل ، ولا مصلحة فى إرادة الكفر والمعصية ؛ لكونه موبقا مهلكا ؛ فلا يكون مريدا له.
السادس : أنه إذا جاز أن يكون خالقا الكفر ، والمعصية. ثم ينهى عنه ؛ فلا مانع أن يكون خالقا له ؛ وهو غير مريد له.
السابع : المعارضة بالنصوص (٤) :
فمنها قوله ـ تعالى (٤) ـ : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٥) والعسر من جملة الكائنات.
__________________
(١) من أول (على ما يشهد ... ملام) الموجود بدلها فى ب (مذموما).
(٢) فى ب (تعالى يتقدس).
(٣) فى ب (القبائح).
(٤) فى ب (بقوله تعالى).
(٥) سورة البقرة ٢ / ١٨٥.
ومنها قوله ـ تعالى ـ : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (١) ، (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) (٢). والظلم من جملة الكائنات.
ومنها قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٣). وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٤). والعسر ، والظلم ، والفساد ، والكفر من جملة الكائنات ، وقد دلت هذه النصوص على أنه غير مراد.
سلمنا أن كل كائن مراد لله ـ تعالى ـ ؛ ولكن لا نسلم أن كل ما ليس بكائن غير مراد الكون.
قولكم : لا بد وأن يكون الرب ـ تعالى عالما بأنه لا يكون ، مسلم ، ولكن لا نسلم استحالة كون ما علم الله أنه لا يكون.
وإن سلمنا استحالة كونه ؛ فلا نسلم استحالة إرادة ما علم الله أنه لا يقع على وفق الإرادة.
ولهذا فإن كل أحد يريد البقاء ألف سنة ، أو أكثر ، وإن علم بالقطع بقول نبى صادق مخبر (٥) عن الله أنه لا يبقى تلك المدة.
قولكم : ولأنه إما أن يقع مراده (٦) أو لا يقع. لم قلتم أنه يمتنع أن لا يقع؟
قولكم : يلزم منه أن يكون عاجزا قاصرا عن تحقيق مراده.
قلنا : متى يلزم منه القصور والعجز فيما هو من فعله ، إذا لم يقع وهو / مراد له أولى من فعله. الأول ؛ مسلم ؛ والثانى ؛ ممنوع.
ولهذا : فإن فى الشاهد من أراد القيام ، والقعود ، وما هو من أفعاله ، ولم يتمكن منه عد عاجزا. بخلاف من أراد من غيره القيام والقعود ، ولم يفعل ؛ فإنه لا يعد عاجزا. والّذي نسلم أنه لا يقع من مراد الله : إنما هو فعل غيره ، لا ما هو من فعل نفسه.
__________________
(١) سورة غافر ٤٠ / ٣١.
(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٠٨.
(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٠٥.
(٤) سورة الزمر ٣٩ / ٧.
(٥) فى ب (يخبر).
(٦) فى ب (مرادهما).
وإن سلمنا إمكان تحقيق العجز بالنسبة إلى فعل الغير : ولكن فى حق من يقدر على اضطرار ذلك الغير إلى مراده ، أو فى حق من لا يقدر؟ الأول ؛ ممنوع. والثانى ؛ مسلم.
والإيمان من الكافر ، وإن لم يكن من فعل الله ـ تعالى ـ فقادر على اضطراره إليه باظهار آية يظل عنقه (١) لها خاضعا (١) ، على ما قال ـ تعالى ـ : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٢). وقال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٣) : أى لجعلناهم على الهدى قسرا ، وقهرا.
والّذي يدل على ذلك : أنه لو فاجأ (٤) زمن مقعد ضعيف لملك (٤) عظيم فى دست مملكته ، والأعوان من حوله (وأخذ (٥) يسبه ، يلعنه (٥)). فإنا نعلم من الملك أنه لا (٦) يمنعه ذاك منه (٦) ، ولا يعد إهماله مع العلم بقدرته على ردعه ، وزجره ، عجزا منه ، ولا قصورا.
سلمنا إمكان العجز ، والقصور مطلقا : ولكن (٧) بالنسبة إلى من يتضرر وينتفع بموافقة إرادته ومخالفتها ، أو بالنسبة إلى من ليس كذلك. الأول ، مسلم ، والثانى ، ممنوع. والرب يتعالى ، ويتقدس عن الاضرار (٨) ، والانتفاع (٨) ؛ فلا يعد قاصرا ، ولا عاجزا بعدم نفوذ إرادته.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع إرادة ما لم يقع ؛ لكنه معارض بما يدل على نقيضه.
وبيانه : أن الله ـ تعالى ـ أمر بالإيمان ، والطاعة ، ويلزم من كونه مأمورا ، أن يكون مرادا لله ـ تعالى ـ ويدل عليه (٩) وجهان :
__________________
(١) فى ب (لهذا خاضعة).
(٢) سورة الشعراء ٢٦ / ٤.
(٣) سورة السجدة ٣٢ / ١٣.
(٤) فى ب (جاز من مقعد ضعيف إلى ملك).
(٥) فى أ (سبه ولعنه).
(٦) فى ب (لا بد ذلك منه).
(٧) فى ب (ولكن لا نسلم).
(٨) فى ب (الانتفاع).
(٩) فى ب (على ذلك).
الأول : أنه لو جمع الأمر بين (١) قوله لغيره آمرك (١) بكذا ، (ولا أريده (٢)) منك. كان متناقضا كما عرف فى النهى.
الثانى : أن قول القائل لغيره : افعل. قد يرد للإيجاب كقوله ـ تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ) (٣).
والندب : كقوله ـ تعالى ـ : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (٤).
والإرشاد : كقوله ـ تعالى ـ : (فَاسْتَشْهِدُوا) (٥).
والإباحة : بقوله : (فَاصْطادُوا) (٦).
والتأديب : كقوله عليهالسلام لابن عباس : «كل ممّا يليك».
والامتنان : كقوله (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (٧).
والإكرام : كقوله (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٨).
والتهديد (٩) : كقوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (١٠).
وللتسخير : كقوله (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (١١).
وللتعجيز : كقوله (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (١٢).
والإهانة (١٣) : كقوله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ / الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (١٤).
__________________
(١) فى ب (لغيره بين قوله أمرتك).
(٢) فى أ (ولا أريد).
(٣) سورة الإسراء ١٧ / ٧٨.
(٤) سورة النور ٢٤ / ٣٣.
(٥) سورة النساء ٤ / ١٥.
(٦) سورة المائدة ٥ / ٢.
(٧) سورة البقرة ٢ / ٥٧.
(٨) سورة الحجر ١٥ / ٤٦.
(٩) فى ب (وللتهديد).
(١٠) سورة فصلت ٤١ / ٤٠.
(١١) سورة البقرة ٢ / ٦٥.
(١٢) سورة الإسراء ١٧ / ٥٠.
(١٣) فى ب (وللإهانة).
(١٤) سورة الدخان ٤٤ / ٤٩.
وللتسوية : كقوله (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) (١).
والإنذار : كقوله (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) (٢).
وللدعاء : كقول القائل : «اللهم اغفر لى».
ولكمال القدرة كقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) (٣).
وللتمنى كقول الشاعر (٤) : ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلى.
وإنما تتعين للإيجاب بإرادة المأمور به ؛ فدلّ على أنه قد يريد الإيمان من الكافر ؛ لكونه مأمورا به ، ومع ذلك فهو غير واقع منه.
وأما ما ذكرتموه من الاستشهاد بقول أهل الإجماع : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. فتمسك بالإطلاقات ، والظواهر الظنيات فى القطعيات ؛ وهو ممتنع.
وأيضا : فإن من مذهبكم أن العموم لا صيغة له.
وعند ذلك : فلا مانع من حمل هذا الإطلاق على بعض المرادات دون البعض. وإن كان ظاهرا فى العموم ؛ فهو معارض باجماع آخر ، وهو أن الإطلاق أيضا شائع ذائع بقولهم : استغفر الله مما كره الله من غير نكير أيضا.
وذلك يدل على أن المعاصى واقعة مع كراهية الله ـ تعالى ـ لها (٥). ويلزم من كونه كارها لها ؛ أن لا يكون مريدا لها.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن كل كائن مراد لله ـ تعالى ـ وأن كل ما ليس بكائن ، غير (٦) مراد الكون له (٦) ؛ ولكنه معارض بما يدل على عدم ذلك.
__________________
(١) سورة الطور ٥٢ / ١٦.
(٢) سورة المرسلات ٧٧ / ٤٦.
(٣) سورة البقرة ٢ / ١١٧ وآل عمران ٣ / ٤٧ ، ٥٩ والأنعام ٦ / ٧٣ ، النحل ١٦ / ٤٠ يس ٣٦ / ٨٢ وغافر ٤٠ / ٦٨.
(٤) هو امرئ القيس بن حجر الكندى.
(٥) ساقط من ب.
(٦) فى ب (ليس مراد الكون).
وذلك لأنه لو كان كما ذكرتموه ؛ فكل ما هو مراد لله ـ تعالى ـ فلا بد من وقوعه ، وما ليس مرادا (١) لله (١) ؛ فيمتنع وقوعه.
ويلزم من ذلك أن يكون العبد مضطرا ، وملجأ إلى ما (٢) يفعل ، وإلى ما لا (٢) يفعل على وجه لا يتمكن من الفعل بدل الترك ، والترك بدلا عن الفعل ؛ وهو خلاف الحس.
ويلزم منه إبطال الأمر ، والنهى ، والثواب ، والعقاب : على الطاعات ، والمعاصى ؛ وهو خلاف الشرع ، والدين ، وإجماع المسلمين.
والجواب :
قولهم : لا نسلم أن كل كائن مخلوق لله ـ تعالى ـ فدليله ما سبق فى الأصل الثانى.
قولهم : لا نسلم كونه مريدا له.
قلنا : دليله ما بيناه.
قولهم : الكفر ، والمعاصى منهى عنه ، وعنها ، مسلم.
قولهم : كل منهى مكروه غير مراد الكون.
قلنا : لا نسلم أن كل منهى غير مراد الكون ، والمكروه لله من المنهى الواقع : إنما هو كونه معصية ، لا نفس حدوثه ؛ كما سبق فى أضداد الإرادة.
قولهم : لو قال القائل لغيره : أنهاك عن كذا ، وأريد وقوعه منك ، ولا أكرهه ؛ كان تناقضا.
لا نسلم ذلك. وكيف يستقيم ذلك ، والسيد المعاتب من جهة السلطان على ضرب عبده المتواعد منه بأليم عقابه : إذا اعتذر عن ذلك / بمخالفته لنهيه (٣) فقال : انهه بين يدى. فنهاه عن فعل من الأفعال طلبا للخلاص من عقاب السلطان ؛ فإنا نعلم أنه (٤) لا يكره منه الفعل الّذي نهاه عنه ؛ بل يكون مريدا منه أن لا يفعل ، تحقيقا لنجاته ، وبسط
__________________
(١) فى ب (بمراد).
(٢) فى ب (ما يفعله وما لا يفعله).
(٣) فى ب (لنهيه عنه).
(٤) فى ب (يكره).
عذره. ومع ذلك يعد العبد مطيعا : بتقدير الامتثال. وعاصيا : بتقدير المخالفة ، ويتحقق تمهيد عذر السيد بتقدير المخالفة. ولو لا أن ما أتى به نهى (١) ؛ لما تحقق شيء من ذلك.
قولهم : إنما يتحقق صرف قوله : لا تفعل إلى النهى دون غيره من المحامل بكراهة (٢) الفعل المنهى عنه ؛ لا نسلم ذلك. وما المانع من الصرف بقرينة أخرى غير ما ذكروه؟ وما المانع أن يكون الصارف القرائن الدالة على اللوم ؛ بتقدير الفعل. والثناء ؛ بتقدير الترك قصدا؟
قولهم : الكفر ، والمعاصى من الكائنات ؛ مسلم.
قولهم : لو كان مرادا لله ـ تعالى ـ ؛ لكان الكافر ، والعاصى مطيعا بموافقته للإرادة.
قلنا : الكفر ، والمعصية من حيث هو فعل حادث مراد لله ـ تعالى ـ لا من حيث هو كفر ، ومعصية على ما سبق.
وعلى هذا : فلا يلزم أن يكون الكافر بكفره ، وبمعصيته مطيعا.
وإن سلمنا أن الكفر والمعصية مرادان : ولكن لا نسلم تحقق الطاعة بفعل المراد من حيث هو مراد ؛ بل من جهة كونه مأمورا به لظهور الأمر ، وشهرته بخلاف الإرادة ؛ إذ هى كامنة باطنة.
ولهذا يقال فى العرف : فلان مطاع الأمر. ولا يقال : فلان مطاع الإرادة ومنه قوله ـ تعالى ـ إنباء (٣) عن قول موسى لهارون : عليهماالسلام (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (٤) ولم يقل إرادتى.
والّذي يدل على أن موافقة الإرادة ليست طاعة أمور ثلاثة :
الأول : أنه لو أراد مريد من شخص شيئا ، فوقع المراد من فعل ذلك الشخص على وفق إرادة المريد من غير شعور للفاعل بإرادة المريد ؛ فإنه لا يكون طاعة ، وإن تحقق ما ذكروه من موافقة الفعل للإرادة.
__________________
(١) فى ب (منهى).
(٢) فى ب (بكراهيته).
(٣) فى ب (اخبارا).
(٤) سورة طه ٢٠ / ٩٣.
الثانى : أنه لو كان الفعل على الإرادة طاعة للمريد ؛ لكان من أراد فعل أمر ففعله ، يكون مطيعا لنفسه بنفسه ، وهو ممتنع. ولهذا فإنه لما كان امتثال الأمر طاعة ؛ امتنع أمر المرء لنفسه.
الثالث : أنه لو كان موافقة الإرادة طاعة ؛ لكان موافقة المريد فى إرادته طاعة له.
ولهذا : فإن من أراد إظهار الخضوع لغيره لا يفرق بين قوله : إنى فاعل لما تريد ، وبين قوله : إنى مريد لما تريد ، ولو كان كذلك ؛ لكانت إرادة الواحد / منا لموت الأنبياء ، وإنظار ابليس طاعة لله ـ تعالى ـ لموافقة إرادة الرب ـ تعالى ـ ذلك ؛ وهو محال.
وبه يبطل ما ذكروه من قولهم : إن من أراد إظهار الطاعة لغيره قال : إنى أفعل ما تريد.
وأما الشعر : فبتقدير أن يكون ممن يحتج بقوله فى اللغة ؛ فلا حجة فيه ؛ إذ المذكور فيه التمنى ، والتمنى ليس بإرادة ؛ وإلا كان الرب ـ تعالى ـ متمنيا ؛ لكونه مريدا. وموافقة المتمنى ؛ ليست طاعة بالاتفاق.
وإن قيل : إنه تجوز بالتمنى عن الإرادة ؛ فليس أولى من القول : بأنه تجوز به عن الأمر.
ثم وإن سلمنا أن موافقة المريد فى إرادته طاعة : ولكن مطلقا ، أو بشرط أن يكون الآتى به قاصدا لموافقة الإرادة. الأول ، ممنوع على ما تقدم. والثانى ؛ مسلم ؛ ولكن الكافر لا يأتى بالكفر لقصد موافقته إرادة الرب ـ تعالى ـ فلا يكون مطيعا بذلك.
قولهم : لو كان مريدا للسفه والظلم ؛ لكان سفيها ظالما ، سبق جوابه فى خلق الافعال.
قولهم : إن إرادة القبيح قبيحة ؛ فهو مبنى على فاسد أصولهم فى التحسين ، والتقبيح الذاتى ؛ وقد أبطلناه (١).
قولهم : رعاية الصلاح فى فعله واجب ؛ باطل بما سبق فى التعديل والتجوير (٢).
__________________
(١) فى ب (سبق بطلانه). انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.
(٢) انظر ل ١٧٤ / ب وما بعدها.
قولهم : إذا جاز أن يكون آمرا بالشيء ، وليس مريدا له ؛ جاز أن يكون خالقا له (١) ، ولا يكون مريدا له ؛ فهو جمع من غير دليل جامع ؛ فلا يقبل.
كيف والفرق حاصل ؛ وذلك لأن الأمر لا يتوقف عليه وجود المأمور بخلاف الإرادة فى الاتحاد ، ضرورة كون الحادث جائزا ، وتخصيص الحادث (٢) دون مخصص ؛ محال كما سبق.
وأما النصوص : فقد سبق جوابها فى مسألة الإرادة (٣).
قولهم : لا نسلم استحالة كون ما علم الله أنه لا يكون.
قلنا : لأنه لو وقع لانقلب علم البارى جهلا ؛ وهو محال. وما لزم عنه المحال ؛ فهو محال. غير أن إحالته لا لذاته ؛ بل لغيره ، والمحال لغيره مساو للمحال لذاته من جهة أنه لا يقع.
قولهم : لا نسلم امتناع إرادة ما علم أنه لا يقع.
قلنا : امتناع ذلك مما يعلمه كل أحد من نفسه بالضرورة.
وما ذكروه من المثال ، فلا نسلم أنه إرادة ؛ بل هو تمن ؛ والتمنى على الله ـ تعالى ـ محال.
قولهم : العجز والقصور إنما يلزم فيما هو من فعل نفسه. لا فيما هو من فعل غيره ؛ فهو مبنى على فاسد أصولهم أن ثم خالقا غير الله ـ تعالى وفاعلا سواه. وقد أبطلناه فى مسألة الأصل الثانى ، وبينا أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مبدع سواه.
قولهم : إنما يكون عاجزا : أن لو لم يكن قادرا ؛ على اضطرار العبيد إلى ما يريد.
قلنا : الاضطرار / بطريق إظهار الآيات ، وأنواع المحرمات : إما أن يكون مفضيا إلى الإيمان فى حق من يعرف (٤) الإله ـ تعالى (٤) ـ ، أو فى حق من لا يعرفه (٥).
__________________
(١) فى ب (للشيء).
(٢) فى ب (الجائز).
(٣) انظر ل ٧٢ / أوما بعدها.
(٤) فى ب (لا يعرف الإله).
(٥) فى ب (يعرف).
الأول : ممنوع ؛ لأن المعرفة حاصلة له ؛ وتحصيل الحاصل محال.
والثانى : أيضا ممتنع ؛ لأن من لا يعرف الله ـ تعالى ـ لا يعلم أن المقصود من ذلك الانقياد إلى معرفته ؛ فلا يكون مفضيا إلى المعرفة.
فإن قالوا : بأن الله ـ تعالى ـ يقيض له ملكا يقول له : إنك إن آمنت نجوت من هذه المهالك ، وإن أصررت على كفرك هلكت.
فنقول : الإيمان بالملائكة فرع الإيمان بالله ـ تعالى ـ فمن لا يصدق بالله ـ تعالى ـ ؛ فلا (١) يكون مصدقا بالملائكة.
ثم وإن كان مصدقا بالملائكة : فما (٢) الّذي يؤمنه أن يكون المخاطب له عفريتا (٣) ، لا ملكا.
ثم وإن سلمنا إمكان معرفته بذلك : ولكن لا نسلم أن ظهور الآيات ، وأنواع المخوفات (٤) مما يوجب الاضطرار إلى الإيمان ، ويدل عليه قوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (٥). وقوله ـ تعالى ـ : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٦).
ثم وإن سلمنا لزوم الاضطرار إلى الإيمان من ظهور الآيات ، غير أن القول بالاضطرار منهم لا يصح ؛ فإن المقصود من التكليف بالإيمان ، والطاعة عندهم : إنما هو الفوز بالنعيم المقيم ، وإزاحة العذاب الأليم ، وذلك لا يحصل عندهم بالاضطرار ؛ بل إنما يحصل بالاختيار.
وعند ذلك : فالتكليف بالإيمان مع عدم حصول الغرض منه ، والحكمة المطلوبة يكون قبيحا ؛ والقبيح يستحيل صدوره من الله ـ تعالى ـ عندهم. وأما ما (٧) تمسكوا به (٧) من الآيات : فظواهر غير يقينية محتملة التأويل ، والتخصيص ، والمعارضة.
__________________
(١) فى ب (لا).
(٢) فى ب (فمن).
(٣) فى ب (شيطانا).
(٤) فى ب (المخلوقات).
(٥) سورة الانعام ٦ / ١١١.
(٦) سورة يونس ١٠ / ١٠١.
(٧) فى ب (ما ذكروه من).
كيف وأن قوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (١). وقوله (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (٢).
إما أن يكون ذلك بطريق الاضطرار ، أو لا بطريق الاضطرار.
فإن كان بطريق الاضطرار ؛ فهو قبيح عندهم على ما سبق.
وإن كان لا بطريق الاضطرار ؛ فلا يكون الإيمان لازما.
وعلى هذا فقد خرج الجواب عما ضربوه من مثال الملك.
قولهم : إنما يوصف بالنقص ، والقصور من يتضرر ، وينتفع.
قلنا : فيلزم على نفوذ ما قالوه أن لا يوصف الرب ـ تعالى ـ بالنقص ، والقصور بتقدير عدم نفوذ إرادته فى أفعاله ؛ وهو محال.
ويلزم أيضا أن لا توصف الجمادات بالنقص نظرا إلى ما فاتها من كمالات الحيوانات ؛ لعدم تضررها / وانتفاعها ؛ وهو أيضا ممتنع.
قولهم : يلزم من كون الإيمان مأمورا أن يكون مرادا ، (فقد (٣) بينا إبطال (٣)) ملازمة الإرادة للأمر فى مسألة الكلام ،
وما ذكروه فى التقرير من الوجهين ؛ فجوابهما على ما عرف فى النهى.
قولهم : ما ذكرتموه من الإجماع فأمر ظنى.
قلنا : وإن كان ظنيا ؛ فلم (٤) نذكره (٤) للاستدلال ؛ بل إنما ذكرناه لبيان أن ما ذكرناه على وفق الدين ، وإجماع المسلمين ؛ بخلاف ما ذكروه.
قولهم : العموم عندكم لا صيغة له.
__________________
(١) سورة الشعراء ٢٦ / ٤.
(٢) سورة الأنعام ٦ / ٣٥.
(٣) فى ب (فقد بينا) ، فى أ (بينا إبطال).
(٤) فى ب (إلا أنا لم نذكره).
قلنا : بمعنى أنه ليس ثم (١) صيغة يقتضي مجردها (٢) العموم ، مع قطع النظر عن القرائن ، والقرائن فيما نحن فيه متضافرة على إرادة العموم من قولهم : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. فإنهم إنما يوردون ذلك فى معرض التعظيم لله ـ تعالى ـ وإعلاء شأنه ـ ولا يمكن أن يقال بتحقيق هذا المعنى بنفوذ مشيئته فى أفعاله دون أفعال العباد ؛ إذ الواحد منا أيضا بهذه المثابة ، ولا فائدة فى تخصيص الرب ـ تعالى بذلك.
وما ذكروه من المعارضة بقولهم : استغفر الله مما يكره الله ؛ فيجب حمله على المنهى عنه لا على ما يناقض الإرادة ؛ فإن تسمية المنهى مكروها ، شائع ؛ وهو الأولى. جمعا بين الدليلين ؛ فإنه أولى من تعطيل أحدهما.
قولهم : ما ذكرتموه يلزم منه أن يكون العبد مضطرا إلى آخر ما ذكروه.
قلنا : هذا لازم عليكم فى العلم ؛ فإن ما علم الله وقوعه ؛ لا بد من وقوعه ، وما علم عدمه ؛ فلا بد من عدمه. وقد يخرج العبد بذلك عن الاختيار كما قلتم فى الإرادة.
وما هو الجواب فى العلم ، هو الجواب فى الإرادة ، والله أعلم.
__________________
(١) فى ب (ثمة).
(٢) فى ب (بمجردها).
النوع السابع
فى أسماء الله الحسنى (١)
ويشتمل على ثلاثة فصول :
الأول : فى الاسم ، والتسمية (والمسمى) (٢)
الثانى : فى جواز مأخذ تسميات الأسماء الحسنى.
الثالث : فى معانى أسماء الله الحسنى.
__________________
(١) ورد هذا النوع فى المواقف باسم المرصد السابع : فى أسماء الله تعالى. وفيه ثلاثة مقاصد ، وهو اختصار لما ورد هنا مفصلا. يقول شارح المواقف ـ الّذي اعتمد على الأبكار أيضا فى شرحه ـ فى نهاية المرصد السابع : (ثم إن المصنف تابع الآمدي فى تفسير هذه الأسماء على وجه الاختصار تقريبا لفهمها على طلابها ؛ فتبعناهما فيه).
(٢) ساقط من أ.
الفصل الأول
فى الاسم ، والتسمية ، والمسمى.
اتفق العقلاء : على المغايرة بين التسمية ، والمسمى ، واختلفوا فى الاسم.
مذهب الأكثر من أصحابنا (١) ، والجم الغفير : إلى أن التسمية : هى نفس الأقوال الدالة. والاسم : هو نفس المدلول.
وسواء كان المدلول وجودا ، أو عدما ؛ خلافا لشذوذ من أصحابنا فى قوله : إن قول القائل : معدوم. تسمية لا مسمى لها ؛ لظنه أن الاسم لا يكون إلا ثبوتيا.
ثم اختلف هؤلاء فى الاسم : هل هو نفس المسمى ، أم لا؟
فقال بعضهم : كالأستاذ أبى بكر بن فورك ، وغيره : أن كل اسم ؛ فهو المسمى بعينه ، وأنه / إذا قال القائل : الله. فقوله : دال على اسم هو المسمى بعينه.
وإذا قال : الله عالم ، أو خالق. فقوله : دال على الرب الموصوف بكونه عالما ، وخالقا.
وقال بعضهم : الأسماء منقسمة :
فمنها : ما هو (عين) (٢) المسمى : كالموجود ، والذات.
ومنها : ما هو غير المسمى : ككون البارى ـ تعالى ـ خالقا ، وفاعلا ؛ فإن المسمى بكونه خالقا ، وفاعلا هو ذاته ، والاسم هو نفس الفعل ، والخلق ، وفعله ، وخلقه ؛ غير ذاته.
ومنها : ما ليس هو نفس المسمى ، ولا غيره : كاتصاف الرب ـ تعالى ـ بصفاته النفسانية : ككونه عالما ، وقادرا ، ونحوه ؛ فإن المسمى ذاته ، والاسم ؛ علمه ، وقدرته. وعلمه ، وقدرته ليس نفس ذاته ولا غيرها ؛ كما سبق فى الصفات.
__________________
(١) من كتب الأصحاب التى اعتمد عليها الآمدي فى تصوير مذهبهم. الإنصاف للباقلانى ص ٦٠ ـ ٦١ وأصول الدين للبغدادى ص ١١٤ ـ ١١٥ والشامل لإمام الحرمين ص ١٤١ ـ ١٤٢ والمقصد الأسنى للغزالى ص ٨ ـ ٢٦. ومن كتاب المتأخرين الذين اعتمدوا على الأبكار ، وغيره.
شرح المواقف للإيجي ٢ / ٤٠٣ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٦.
(٢) فى أ (غير).
وذهبت المعتزلة : إلى أن الاسم : هو التسمية. ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا.
وذهب الأستاذ أبو نصر بن أبى أيوب : إلى أن الاسم مشترك بين التسمية والمسمى ، وأنه قد يرد تارة ، ويراد به التسمية ، وتارة ويراد به المسمى. فما قام الدليل فيه على (١) عود الاسم (١) إلى التسمية دون المسمى وبالعكس ؛ وجب اتباعه ؛ وإلا تعينا على الوقف ؛ وهو قريب من مذهب أهل اللغة.
احتج أصحابنا على أن الاسم غير التسمية : بالنصوص ، واللغة ، والإجماع.
أما النصوص : فقوله ـ تعالى ـ : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٢) : أى ربك ؛ لاستحالة كون الأقوال الدالة عليه مسبحة.
وأيضا : قوله : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) (٣) والمراد به تبارك (٤) ربك ؛ لاستحالة اتصاف التسمية بذلك.
وأيضا : قوله ـ تعالى ـ : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً) (٥). والمراد به الأصنام ، لا نفس الأقوال الدالة عليها ؛ فإنهم ما كانوا يعبدون أقوالهم.
وأيضا : قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٦) والمراد به ذكر الله لا نفس التسمية ؛ إذ التسمية هى (٧) نفس الذكر ؛ فلو أراد بالاسم نفس الذكر ؛ لكان معناه : ولا تأكلوا مما لم يذكر (ذكر الله عليه) (٨) ؛ وهو ممتنع.
وأما فى اللغة : فمن وجهين :
__________________
(١) فى ب (عوده).
(٢) سورة الأعلى ٨٧ / ١.
(٣) سورة الرحمن ٥٥ / ٧٨.
(٤) ساقط من ب.
(٥) سورة يوسف ١٢ / ٤٠.
(٦) سورة الانعام ٦ / ١٢١.
(٧) ساقط من ب.
(٨) فى أ (اسم الله عليه). وفى ب (ذكر الله).
الأول : قول سيبويه (١) : «الأفعال أمثلة أخذت من لفظ إحداث الأسماء» والإحداث : إنما يتصور من المسميات لا من الأقوال.
الثانى : قول لبيد (٢)
أتى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر. |
والمراد من قوله. فاسم السلام : نفس السلام ، الّذي هو متبادر إلى الفهم (٣) عند إطلاق السلام.
وأما الإجماع : فهو أن الأمة من المسلمين مجمعة قبل ظهور هذا الخلاف على أن الأسماء (٤) الحسنى كانت لله ـ تعالى ـ فى أزله ، ولو كانت / الأسماء هى التسميات : أى الأقوال الدالة ، والعبارات ؛ لكانت العبارات الدالة قديمة ، ولما كانت الأسماء الحسنى قديمة ؛ وكل واحد من الأمرين ممتنع.
وأيضا : فإن (٥) أرباب العقول (٥) متفقون على أن المسميات لها أسماء ، وإن سكت المسمون عن التسميات ، والأقوال الدالة.
وإذا ثبت أن الاسم مغاير للتسمية ؛ فيمتنع أن يكون الاسم هو المسمى (٦) مطلقا ؛ بل لا بد من التفصيل الّذي ذكرناه ؛ لأنا نعلم بالاضطرار اختلاف المدلولات فى قول القائل : الله. وفى قوله : الله عالم ، والله خالق. وأن كل واحد منهما ينبئ عن معنى مغاير لما أنبأ عنه القول الآخر ؛ وذلك مع اتحاد المسمى ممتنع.
__________________
(١) سيبويه :
هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثى ، أبو بشر ، الملقب بسيبويه ، كان أعلم المتقدمين ، والمتأخرين بالنحو ، ولم يوضع فيه مثل كتابه. وقد ولد سنة ١٤٨ وتوفى سنة ١٨٠ ه ، انظر (وفيات الأعيان ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٥ والاعلام ٥ / ٢٥٢).
(٢) لبيد :
هو لبيد بن ربيعة بن مالك ، أحد الشعراء الفرسان ، وهو أحد أصحاب المعلقات ، بعد من الصحابة ، ومن المؤلفة قلوبهم ت سنة ٤١ ه.
(٣) فى ب (الذهن).
(٤) فى ب (أسماء الله).
(٥) فى ب (فأهل العقول).
(٦) فى ب (الاسم).
وعلى هذا : فكل تسمية من حيث إنها صفة للقائل بها اسم لا يدخله الصدق ، ولا الكذب ، وإن دخلها ذلك من جهة كونها تسمية ، وليس كل اسم تسمية ؛ فإن العلم اسم لمن هو صفة له ، وليس تسمية ؛ لأنه ليس بقول دال. ولو قال الله ـ تعالى ـ : كلامى صدق ؛ فالاسم ، والتسمية فيه (١) ، والمسمى (١) واحدا ؛ إذ التسمية كلامه ، وهو الاسم المدلول ، وهو المسمى ولو قال تعالى : أنا الله ؛ فالاسم هو المسمى. والتسمية كلامه ؛ وليست عين المسمى ، ولا غيره.
ولو قال ـ تعالى ـ : أنا العالم ؛ فالتسمية قوله والاسم علمه ، والمسمى ذاته ؛ وليس كل واحد من التسمية ، والاسم ، والمسمى (٢) هاهنا (٢) هو عين الآخر ، ولا غيره.
ولو قال ـ تعالى ـ : أنا الخالق ؛ فالتسمية قوله ، والمسمى ذاته ؛ وليست التسمية هاهنا عين المسمى ، ولا غيره. والاسم هو (الخالق) (٣) ؛ وهو غير التسمية والمسمى.
ولو قال الواحد منا : الله ، أو قال : الله عالم ، أو الله خالق ؛ فالتسمية هى قول الواحد منا. وهى غير الاسم ، والمسمى فى جميع هذه الصور.
وفى الصورة الأولى : الاسم هو المسمى.
وفى الثانية : الاسم ليس هو عين المسمى ، ولا غيره.
وفى الثالثة : الاسم هو غير المسمى.
فإن قيل : المراد من النصوص المذكورة : إنما هو المسمى ، بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، كما فى قوله ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٤). أى أهل القرية على ما سبق تحقيقه. وعليه يجب حمل كلام سيبويه. ودليل التأويل ما سنذكره عن قرب.
__________________
(١) فى ب (والمسمى فيه).
(٢) فى ب (والمعنى).
(٣) فى أ (الخلق).
(٤) سورة يوسف ١٢ / ٨٢.
والمراد بالسلام فى قول لبيد : إنما هو الله ـ تعالى ـ ؛ إذ / السلام من أسمائه على ما يأتى :
وأما الإجماع على الأسماء الحسنى فى الأزل ؛ ((١) فلا يمكن (١)) التمسك به.
أما على أصلكم : فإنه (٢) وان تعذرت الأقوال الحادثة أزلا ؛ فالأقوال القديمة غير متعذرة عندكم ، فما المانع من أزلية الأسماء ؛ لأزلية الأقوال القديمة عندكم؟
وأما عندنا : فلانه (٣) يجب الحمل على أن الأسماء الحسنى كانت له فى الأزل بالقوة ، والإمكان.
وعليه : يجب حمل اتفاق العقلاء على الأسماء ، وإن سكت المسمون.
ويدل عل ما ذكرناه من التأويل فى جميع ما ذكرتموه أمور ثلاثة :
الأول : هو أن الاسم فى اللغة مأخوذ من السّمة : وهى العلامة ؛ وذلك إنما يتحقق فى الأقوال الدالة ؛ دون المدلولات.
الثانى : أنه لو كان الاسم هو المسمّى ؛ للزم تعدد الإله ـ تعالى ـ ؛ ضرورة تعددها ، وانعقاد الإجماع على تعدد الأسماء (٤) ، وأنها تسعة وتسعون اسما ؛ والتعدد فى الله تعالى ـ محال.
الثالث : أنه لو كان الاسم هو المسمى ؛ لكان المسمى للنار عاما عليها ؛ وهو محال.
والجواب :
أما ما ذكروه على النصوص ، وقول سيبويه : فراجع إلى الإضمار فى الكلام ما ليس فيه ؛ وهو ممتنع إلا لضرورة ولا ضرورة ؛ فإنا سنبطل ما يذكرونه من دليل التأويل.
وأما حمل السلام فى قول الشاعر على الله ـ تعالى ـ فبعيد ؛ لما حققناه من أن السلام المعهود هو المتبادر إلى الفهم من لفظ السلام عند الإطلاق ؛ فلا بد له من دليل.
__________________
(١) فى أ (مما لا يمكن).
(٢) فى ب (فلأنه).
(٣) فى ب (فلا).
(٤) فى ب (أسمائه).
قولهم : ما المانع على أصلكم من قدم الأسماء ؛ لقدم الأقوال الربانية؟
قلنا : نحن إنما ذكرنا الإجماع من هذا الوجه بطريق الإلزام على الخصوم ، وهم لا (١) يعتقدون (١) قولا قديما ، لا أنا ذكرناه استدلالا على ما نعتقده.
وما ذكروه من الحمل على القوة ، والإمكان ؛ فتأويل لا بد له من دليل. وكذلك القول فى تأويل إجماع العقلاء.
وما ذكروه من الدليل الأول فى التأويل : فمما لا يدل على اختصاص الاسم بالسّمة ؛ فإن سمة كل شيء ، وعلامته خصوص تعينه ؛ وذلك متحقق فى مدلول اللفظ (٢).
وأما الدليل الثانى : فإنما يلزم من اعتقد كون الأسماء متعددة ، والمسمى واحدا.
وأما من قال بأن المسميات متعددة بتعدد الأسماء ، وأنها منقسمة : إلى أسماء ذات ، وأسماء صفات ، وأسماء أفعال ؛ فلا ؛ لكن يلزم على هذا القائل إشكال مشكل ؛ وهو أن هذا وإن ساعد فى أسماء الذات ، والصفات ، / والأفعال ؛ فغير مساعد فى أسماء الذات مع تعددها ، واتحاد الذات ؛ وذلك يجوز تسميته ذاتا موجودا إلها ؛ ولا جواب له (٣) إلا باعتقاد عدم تعدد أسماء الذات مع اتحادها ، وإعادة كل اسم إلى صفة زائدة على نفس الذات كما ذكره القاضى أبو بكر ، أو أن التعدد فى التسمية ؛ لا فى الاسم.
وأما الدليل الثالث : فإنما يلزم أن لو كان الاسم هو القول الدال ؛ وهو المسمى ؛ وليس كذلك على ما حققناه.
__________________
(١) فى ب (فلا يعتقدون).
(٢) فى ب (لفظ الأسماء).
(٣) فى ب (عنه).