أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣١
كيف : وأنه يلزم من كون المسبب واجب الوقوع عقيب السبب : أن لا يكون مقدورا للعبد ؛ فإنه لا معنى للمقدور بالقدرة : إلا ما يمكن فعله بدلا عن الترك ، والترك بدلا عن الفعل ؛ وهو خلاف معتقد الأكثرين منهم.
وعن الشبهة الثانية :
ما سبق فى (١) خلق الأفعال (٢).
وعن الشبهة الثالثة :
أنه إنما حسن الأمر بها ، والنهى عنها ؛ لوقوعها بحكم جرى العادة عقيب الفعل المقدور ، لا أنه متولد منه.
وبه يخرج الجواب عن الشبهة الرابعة ، والخامسة أيضا.
وعن الشبهة السادسة : بمنع كون العظام غير حية ، وبتقدير كونها غير حية ؛ فالحكم فى حركتها ، تبعا لحركة الأعصاب بخلق الله ـ تعالى ـ عقيب حركة الأعصاب بحكم جرى العادة ؛ فعلى ما سبق فى باقى المتولدات.
وعن الشبهة السابعة : أنها دعوى مجردة من غير دليل.
وعن الشبهة الثامنة : أن القتل ، وإن كان قائما بالمقتول ؛ فإضافته إلى زيد ، أو عمرو : إنما كان لاتيانه بفعل يلازمه القتل ، بحكم جرى العادة كما سبق ، والله أعلم.
__________________
(١) زائد فى أ (فى فعل فى).
(٢) انظر ل ٢٥٧ / ب وما بعدها.
«الفصل الثالث»
فى مأخذ تفريعات المعتزلة على التولّد ،
ومناقضتهم فيها
التفريع الأول :
اتفقت المعتزلة : على أن المتولد من السبب المقدور بالقدرة الحادثة ؛ لا يتصور أن يكون مباشرا بالقدرة الحادثة : من غير توسط السبب (١) ؛ وقد (١) احتجوا على ذلك بمسالك.
المسلك الأول :
قال أبو هاشم : لو جاز وقوع المتولد مباشرا بالقدرة : لأمكن وجوده بوجود سببه ، وأمكن وجود مثله مباشرا بالقدرة من غير سبب ؛ وذلك يفضى إلى جواز قيام مثلين بمحل واحد مع اتحاد القدرة ؛ ويلزم منه جواز حمل الذرة للجبل العظيم ، بأن يفعل فيه (٢) أعدادا من الحمل موازنة لأعداد أجزائه ؛ فيرتفع ؛ وذلك محال.
المسلك الثانى :
أنهم قالوا : لو أمكن وجود المتولد : بالسبب تارة ، وبالقدرة من غير سبب تارة ؛ لأمكن فرض أحد الأمرين دون الآخر ؛ ويلزم من ذلك أن يكون الشيء الواحد موجودا : نظرا إلى وجود أحد مقتضيه (٣) ، ومعدوما : بالنظر (٣) إلى عدم المقتضى الآخر ؛ وهو محال.
المسلك الثالث :
أنه لو / جاز وقوع المسبب مباشرا بالقدرة ؛ لأمكن وقوعه بالقدرة بعد فرض وجود السبب من غير احتياج السبب ؛ ويلزم من ذلك خروج السبب عن كونه مؤثرا فى المسبب من غير مانع ؛ وهو محال.
__________________
(١) فى ب (المسبب فقد).
(٢) فى ب (منه).
(٣) فى ب (ما يقتضيه معدوما نظرا).
المسلك الرابع :
أنه إذا كان النظر مولدا للعلم ؛ فلو جاز تقدير وقوع العلم بالقدرة من غير نظر ؛ للزم منه وقوع علم كسبى من غير سابقة نظر ؛ وهو محال.
المسلك الخامس :
أنه لو أمكن وقوع المسبب مباشرا بالقدرة ؛ لما امتنع أن يتخير القادر بعد وجود السبب فى إيقاع المسبب ، والانفكاك (١) عنه ؛ وهو محال.
واعلم أن هذه المسالك : وإن كانت باطلة ؛ لبطلان ما هى مفرعة عليه من التولد. غير أنا نسلم (٢) صحة التولد جدلا ، ونبين مناقضتهم فيها.
أما المسلك الأول :
فمبنى على امتناع إيجاد مثلين : فى محل واحد ، بقدرة واحدة ؛ وهو خلاف أصل القائل به ؛ فإن من جعل جوهرا فردا بين ستة جواهر متألف (٣) بها (٣) ؛ فقد قام بالجوهر المتوسط تأليفات ستة : متماثلة ، حادثة ، بقدرة حادثة عنده.
كيف : وأن الرب ـ تعالى ـ قادر عندهم على خلق مثلين فى محل واحد من حيث هو قادر ، والواحد منا قادر. والقادر لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا ؛ فما جاز على أحدهما جاز على الآخر.
وإن سلمنا امتناع خلق مثلين فى محل واحد بقدرة واحدة ؛ فما المانع من أن تكون القدرة موجدة لغير ما يمكن وجوده بالسبب بدلا عن السبب لا غيره. وعند ذلك ؛ فلا إحالة.
وأما المسلك الثانى :
فقد سبق الجواب عنه فيما تقدم.
__________________
(١) فى ب (والانكفاف).
(٢) فى ب (لا نسلم).
(٣) فى ب (متألفا).
وأما المسلك الثالث :
فباطل أيضا : فإنه ما المانع من القول بأن القدرة لا تؤثر فى المسبب بعد وجود السبب؟ ؛ بل إنما تؤثر فيه بشرط أن لا يكون السبب موجودا ، أو أن يقال : شرط تأثير السبب فى المسبب : أن تكون القدرة مباشرة للمسبب. فإذا باشرته ؛ امتنع تأثير السبب فيه ؛ وهذه المطالبة لا مخلص منها.
وأما المسلك الرابع :
فمبنى على امتناع وقوع العلم بالمقدور (١) من غير نظر ، واستدلال ؛ وهو ممنوع على ما تقدم.
وإن سلمنا امتناع ذلك ؛ ولكنه لا يدل على امتناع مباشرته بالقدرة ، مشروطا بالنظر السابق لا بمعنى أن النظر مولد له.
وأما المسلك الخامس :
فلا نسلم ملازمة التخيير فى المقدور / لكونه مقدورا : فإن الفعل القليل مقدور للسليم (٢) بالإجماع ، وإن لم يكن مخيرا فيه.
وإن سلمنا ملازمة التخيير فى المقدور لكونه مقدورا ؛ فإنما يمتنع ذلك أن لو قيل : إن المسبب يكون مقدورا بعد وجود السبب ، ولا مانع أن يقال بكونه مباشرا بالقدرة ، مشروطا بعدم وجود السبب كما تقدم. وعند ذلك فلا يمتنع التخيير.
التفريع الثانى :
ذهب بعض المعتزلة : إلى أن جميع أفعال الرب مقدورة بالقادرية من غير توسط سبب ، وأنه لا يتصور وقوع فعل من أفعاله متولدا عن سبب (٣).
وذهب أبو هاشم فى أحد قوليه : إلى جواز وقوع بعض أفعاله متولدا عن سبب ، وأن ذلك المتولد لا يقع إلا متولدا.
__________________
(١) فى ب (المقدور).
(٢) فى ب (للنائم).
(٣) فى ب (سلب).
ووافقه على ذلك جماعة من المعتزلة.
وقال فى قول آخر : إنه لا يمتنع أن يقع المتولد من أفعاله غير متولد. أما مأخذ أبى هاشم فى جواز وقوع التولد فى أفعال الله ـ تعالى ـ : فما هو المأخذ فى التولد فى أفعال العبيد ؛ وذلك أنا كما نشاهد حدوث حركة الجسم من اعتماد الواحد منا عليه ؛ فنشاهد حركة غصون الأشجار ، وأوراقها حادثة من اعتماد الرياح العاصفة عليها ؛ مع أن حركة الرياح العاصفة ، واعتمادها مخلوقة لله ـ تعالى ـ.
ومأخذه فى امتناع كون المتولد من أفعاله : لا يكون مباشرا بالقدرة ، أو مباشرا ؛ فما سبق فى التفريع الأول ؛ وقد سبق بطلان ذلك كله.
وأما النافون للتولد فى أفعال الله ـ تعالى ـ مطلقا ؛ فقد احتجوا بحجتين :
الأولى : أنه لو وقع فى فعله شيء متولد ؛ لافتقر الرب ـ تعالى ـ فى فعله إلى السبب المولد كما فى أفعال العباد ؛ وذلك محال على الله ـ تعالى.
الثانية : أنه لو جاز وقوع التولد فى أفعال الله ـ تعالى ـ لأمكن أن يقال : بأن نمو الناميات ، واغتذاء الحيوانات ، والصحة ، والمرض ، وكل ما اتفق على كونه مباشرا بقدرة الله ـ تعالى ـ أنه متولد (١) من (١) الأسباب ؛ وذلك محال.
والحجتان باطلتان :
أما الحجة الأولى : فمن وجهين :
الأول : أنه إنما يلزم افتقار الرب ـ تعالى ـ فى فعله إلى السبب : أن لو قيل : بأن المسبب لا يوجد بدون السبب ؛ وهو غير مسلم على ما ذكرناه من أحد قولى أبى هاشم.
الثانى : أنه وإن سلم امتناع وجود المتولد من أفعاله دون السبب : فهو (٢) لا يزيد على امتناع إيجاده للألوان (٣) ، والأعراض / دون محل يقوم به.
وعند ذلك : فما هو العذر فى خلق الأعراض ؛ هو العذر فى المتولدات.
__________________
(١) فى ب (مولد عن).
(٢) فى ب (لكنه).
(٣) فى ب (الألوان).
وأما الحجة الثانية :
إن دلت على إبطال التولد غائبا ؛ فهى أيضا دالة على إبطال التولد شاهدا ، وما هو العذر فى الشاهد ؛ يكون عذرا فى الغائب.
التفريع الثالث :
اتفقت المعتزلة : على أن النظر الصحيح يولد العلم بالمنظور فيه ، وأنه لو ذهل عن النظر ، وعن العلم المتولد عنه ، ثم تذكر النظر ؛ فالعلم الحاصل عند التذكر ، لا يكون متولدا ؛ بل مقدورا مباشرا بالقدرة غير ضرورى.
واحتجوا : على أن العلم الحاصل عند تذكر النظر ، غير متولد من تذكر النظر بأمرين:
الأول : أنه لو كان متولدا من تذكر النظر ؛ لكان فعلا لمن تذكر النظر من فعله ، وتذكر النظر ضرورى من فعل الله ـ تعالى ـ (فالعلم (١)) المتولد منه يكون ضروريا. ولو وقعت المعرفة بالله ـ تعالى ـ عند تذكر النظر ضرورية ؛ لخرجت عن أن يكون مأمورا بها ، ومثابا عليها ؛ وهو محال بإجماع الأمة.
الثانى : أنه لو كان تذكر النظر مولدا للعلم ؛ لولده ؛ وإن عارضه شبهة ؛ لأن التذكر قبل معارضة الشبهة كهو بعدها.
والحجتان باطلتان :
أما الأولى : فمبناها على أن الأمر لا يكون إلا بما هو مخلوق للعبد ، وكذلك الثواب ؛ وقد أبطلناه فى مسألة خلق الأفعال.
وأما الحجة الثانية : فمبنية على جواز عروض الشبهة عند تذكر النظر الصحيح ؛ وهو غير مسلم التصور.
وإن سلم (٢) تصور عروضها عند تذكر النظر الصحيح ؛ فإن كان ذلك يمنع من تولد العلم من تذكر النظر عند عروض الشبهة ؛ فلا يمنع من تولده منه بتقدير عدم عروضها :
__________________
(١) فى أ (والعلم).
(٢) فى ب (سلمنا).
كما فى ابتداء النظر ؛ فإن عروض الشبهة يمنع من تولد العلم من النظر ، ويمنع (١) من تولده منه بتقدير عدم الشبهة.
فإن قيل : الشبهة من فعل العبد ؛ فالنظر من فعله ، فأمكن أن يكون فعله مانعا لفعله من التولد ، والتذكر ؛ ضرورى من فعل الله ـ تعالى ـ والشبهة من فعل العبد ؛ فلا يكون فعل العبد مانعا لفعله من التولد ، والتذكر ضرورى من فعل الله ـ تعالى ـ والشبهة من فعل العبد مانعا من فعل الرب ؛ فيلزم عليهم : أن لا يكون إمساك الأيّد القوى للشىء مانعا من الحركة الواجبة له من اعتماد الريح العاصفة عليه بتقدير عدم مسك الأيّد له ؛ لكونه مانعا من فعل الله ـ تعالى ـ وسواء / كان تحرك (٢) ذلك الجسم متولدا من الاعتماد المخلوق لله ـ تعالى ـ فى الريح ، أو مباشرا بقادريته عند اعتماد الريح عليه ؛ وهو خلاف أصلهم.
التفريع الرابع :
القائلون بالتولّد متفقون : على أن الأصوات ، والآلام من أفعال الآدميين لا تقع إلا متولدة.
وزاد أبو هاشم وقال : بأن التأليفات الواقعة من أفعال الآدميين ، لا تقع إلا متولدة ، من غير تفصيل : بين التأليف القائم بمحل قدرتين من قادر واحد : كالذى يؤلف بين إصبعيه ، وبين التأليف القائم بجسمين متباينين لمحل القدرة ، أو جسمين أحدهما محل القدرة ، والآخر خارج عنه (٣).
ووافقه الجبائى : فى التأليف القائم بجسمين مباينين لمحل القدرة دون غيره.
وحجتهم فى ذلك : أنه لا يعقل صوت دون اعتمادات لبعض الأجرام على بعض ، واصطكاك بينها ، وكذلك لا يعقل تأليف بين جوهرين دون مجاورة بينهما ، ولو كان ذلك
__________________
(١) فى ب (ولا يمنع).
(٢) فى ب (تحريك).
(٣) فى ب (عن محل القدرة).
مباشرا بالقدرة ؛ لما توقف على هذه الأسباب. والّذي يخص الألم الخارج عن محل القدرة ، والتأليف الخارج عن محل القدرة : أن كل ما كان من أفعال العبيد ـ وهو خارج عن محل قدرهم ـ فلا يكون مباشرا بالقدرة ؛ بل متولدا.
ولقائل أن يقول :
وإن سلمنا صحة التولّد ، فما المانع أن يكون الصوت ، والألم ، والتأليف ، مباشرا بالقدرة؟ والاعتمادات فى الأصوات ، والآلام ، والمجاورة ـ بالنسبة إلى التأليف ـ شروطا لوقوعها بالقدرة من غير تولد.
واختلاف الاعتمادات ؛ لا يمنع من جعلها شروطا لشيء واحد. وإلا لامتنع (١) اشتراط المحل فى العلم ، وكون العالم حيا ؛ لاختلافهما ؛ وهو محال. والّذي يخص التأليف القائم بمحل القدرة ، وغيره : أنه ليس القول بكونه متولدا لقيامه بغير محل القدرة ، أولى من كونه مباشرا بالقدرة ؛ لقيامه بمحل القدرة.
كيف : وأنه مبنى على جواز قيام عرض واحد بمحلين ؛ وهو غير متصور.
والحق فيه : أنه إذا وجد تأليف بين جوهرين ؛ فتأليف كل واحد مع الآخر ، غير تأليف الآخر معه ؛ فهما تأليفان قام كل واحد منهما بجوهر غير الجوهر الّذي قام التأليف الآخر به.
التفريع الخامس :
ذهب كثير من المعتزلة : إلى أن من اعتمد على غيره بضرب ؛ أو قطع : كان اعتماده عليه مولدا للألم فيه.
وقال ابن الجبائى : على / المختار من قوليه : إن تولّد الألم : إنما هو من الوهى : وهو افتراق الأجزاء المبنية بنية الصحة ، وتولد الوهى من الاعتماد ، محتجا على ذلك : بأنّ وقوع الألم على حسب الوهى فى القلة ، والكثرة ، لا على حسب الاعتماد ؛ وهذا هو خاصية الأسباب المولدة ، ولهذا : فإن من اعتمد بضربه على جارحة دقيقة ، قد يجد
__________________
(١) فى ب (وإلا امتنع).
المضروب من الألم ، أضعاف ما يجده لو كان ذلك الاعتماد بعينه على جارحة مكتنزة قوية منه مع تساوى الاعتمادين ، وليس ذلك إلا للتفاوت فى الوهى ؛ فدلّ على أن الوهى ؛ هو السبب المولد للألم دون الاعتماد بالضرب ؛ وهو فاسد من وجهين :
الأول : أن من مذهب أبى هاشم : أن ما يتولد عن الاعتماد فى العضو الرقيق من الوهى أكثر مما يتولد عنه من الوهى فى العضو المكتنز القوى.
ولذلك : كان ما يتولد عنده من أحد الوهايين أكثر من الآخر.
وإذا أمكن أن يكون المتولد من أحد (١) الاعتمادين المتساويين من الوهى أكثر ، فما المانع من القول : بأن تولد الألم من الاعتماد ، وأن وقع التفاوت فيه فكما أن العضو الرقيق أقبل للوها من العضو الكثيف ؛ فكذلك هو (٢) هو أصل للألم ولا فرق ؛ فلا تفرقة (٢) من هذا الوجه.
الوجه الثانى : هو أن الآلام قد تتفاوت مع تساوى الوهى ، وتساوى الاعتمادات ؛ وذلك كالوها الحاصل من غرز الإبرة ، والحاصل من غرز زبانة العقرب.
وعند ذلك : فليس القول بتولد الألم عند (٣) الوهى مع التساوى فيه ؛ أولى من تولده من الاعتمادات (٤) مع تساويها (٤) ، ولا يمكن أن يقال بتساوى الألمين المتولدين من الوهايين ، والزائد فى أحدهما ؛ فمن خلق الله ـ تعالى ـ أو أن تولد الألم من الوهى مشروط بالنفرة ، أو أن ألم اللذع الزائد متولد من السم.
أما الأول : فلأنه أمكن أن يقال مثله بتقدير تولّد الألم من الاعتماد.
وأما الثانى : فلأنه (٥) أمكن أن يقال بتولد الألم من الاعتماد مشروطا بالوهي والنفرة ، وأمكن أن يقال بوقوع الألم مباشرا بالقدرة مشروطا بالاعتماد (٦) ، والوهى (٦) ، والنفرة ؛ وليس أحد هذه الاحتمالات أولى من الآخر.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) فى ب (هو أقبل الألم ولا فرق ولا تفرقة).
(٣) فى ب (عن).
(٤) فى ب (الاعتماد مع تساويه).
(٥) فى ب (فلأنه أيضا).
(٦) فى ب (بالوهاء والاعتماد).
وأما الثالث : فلأن التولد : إما من جسم السمّ ، أو من عرض من أعراضه.
فإن كان الأول ؛ فالأجسام عندهم غير مولدة.
وإن كان الثانى ؛ فهو عود إلى القول بالطبع ؛ وهو مع بطلانه بما تقدم لم يقر به أحد من المعتزلة.
/ التفريع السادس :
قسم القائلون بالتولد الأسباب المولدة : إلى ما يولد فى ابتداء حدوثه ، وفى دوامه عند زوال الموانع : كالاعتماد : اللازم السفلى. وإلى ما يولد فى ابتدائه دون دوامه : كالمحاورة : المولدة للتأليف ، والوهى المولد للآلام ، ولم يعلموا أن المحاورة والوهى فى ابتدائه ؛ كهو فى دوامه.
فإذا قدّر انتفاء الموانع من التولّد حسب انتفائها فى الابتداء ؛ فيلزم من كونها غير مولدة فى الدوام ، أن لا تكون مولدة فى الابتداء. ومن كونها مولدة فى الابتداء ، أن تكون مولدة فى الدوام ؛ ضرورة عدم الفرق. ولو أخذ خصوص الابتداء ، أو ما لازمه شرطا فى التولّد ؛ لكان ذلك شرطا فى جميع الأسباب المولدة ؛ ولم يقولوا به.
التفريع السابع :
اختلفت المعتزلة القائلون بالتولّد فى الألوان ، والطعوم.
فذهب بعضهم : إلى جواز وقوع بعض الألوان ، والطعوم متولدة من أفعال (١) العبيد غير مباشرة بقدرهم (٢) : وذلك كلون الدبس ، وطعمه الحاصل من ضرب الدبس ، وسوطه بالمسواط ، وكذلك الحرارة الحادثة فى الجسم بمحاكته بجسم آخر ، والاعتماد عليه ، محتجين على ذلك بمآخذ احتجاجهم فى غيره من المتولدات ؛ وهو حصول اللون ، والطعم على حسب الضرب ، والسوط.
وذهب أكثرهم : إلى أن الألوان ، والطعوم ، وكذلك الحرارة لا تقع من أفعال العبيد ، لا مباشرة بقدرهم ، ولا متولدة من أفعالهم. محتجين على ذلك بأنه لو جاز تولد
__________________
(١) فى ب (فعل).
(٢) فى ب (بقدرتهم).
اللون ، أو الطعم عن سبب من الأسباب ؛ لما اختص ذلك بجسم دون جسم ؛ ضرورة أن الأجسام قابلة لجميع الألوان المتضادة والطعوم ، وليس الأمر كذلك. أو التولد فى ذلك الجسم لون أو طعم ، غير ذلك اللون والطعم ؛ ضرورة كونه قابلا للكل ؛ والكل ممتنع ، وليس بحق.
إذ لقائل أن يقول :
ما المانع من أن يكون اختصاص بعض الأجسام بالطعم ، واللون المتولد لاختصاصه بصفة مشروطة فى تولد ذلك اللون ، والطعم من السبب المفروض لا وجود لها فى غيره من الأجسام؟ ، وكذلك الكلام فى اختصاص السبب بتولد بعض الألوان ، والطعوم عنه ، أو أن يكون المسبب (١) المختص بتولد بعض الألوان ، والطعوم عنه على هيئة خاصة من الاعتمادات مخصوصة لا يتهيأ وجود مثلها فى غير ذلك الجسم ، ولا بالنسبة إلى لون (٢) آخر ، أو طعم آخر ؛ وهذه طلبات لا مخلص عنها.
التفريع الثامن :
اختلفت المعتزلة / فى الموت هل (٣) يكون متولدا عن الآلام المتولدة (٣) من الجرح؟
فذهب الجبائى (٤) إلى جوازه ، ونفاه آخرون.
ومن نفاه ؛ فقد خالف قياس التولد ، وترتب الموت على الآلام ، وهدم البنية حسب ترتب الآلام على الوهى ، والاعتمادات.
ومن أثبت ذلك : كان مراغما للدليل الدال على إبطال (٥) التولد ، وإجماع الأمة ، ونصوص الكتاب.
أما الدليل : فما سبق (٦).
__________________
(١) فى ب (السبب).
(٢) فى ب (جسم).
(٣) فى ب (هل يتولد من الألم المتولد).
(٤) فى ب (بعضهم).
(٥) فى ب (بطلان).
(٦) انظر ل ٢٧٣ / أوما بعدها.
وأما إجماع الأمة : فلأن الأمة مجمعة على أن المستقل بالموت ، والإحياء : إنما هو الله ـ تعالى ـ.
وأما نصوص الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ : (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) (١). وقوله ـ تعالى ـ : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) (٢). إلى غير ذلك من الآيات.
ثم يلزم الجبائى القائل : بتولد الموت من فعل العبد. أن يكون العبد قادرا على الحياة المضادة للموت ؛ لأن من مذهبه أن القادر على الشيء يكون قادرا على ضده ؛ وهو محال.
التفريع التاسع :
اتفق القائلون بالتولد : على تعذر اجتماع حركتين ، متماثلتين فى جزء واحد ، فى وقت واحد ، بقدرة واحدة ، إلى خلاف جهة اعتماده ، ولم يمنعوا من وجود حركات ؛ كل حركة فى محل بقدرة واحدة ؛ لكن بشرط تفرق المحال. وإن تضامت المحال واجتمعت ؛ فيمتنع على القدرة الواحدة ما كان جائزا لها حالة الافتراق إلا أن يقوم بمحل القدرة أعداد من القدر موازية لأعداد الأجزاء المحركة المجتمعة ، وكل قدرة تؤثر فى كل جزء وحركة ؛ فيجتمع فى كل جزء حركات بعدد جملة الأجزاء المحركة.
وعلى هذا : فلو كانت الأجزاء المحركة عشرة مثلا ؛ فلا بد من عشر قدر قائمة بالفاعل القادر على التحريك. وكل قدرة ؛ فهى مؤثرة فى كل جزء بحركة ؛ فالحركات القائمة بكل جزء عشر.
هذا أصل القوم ، وعليه اتفاقهم ، وهو من التحكمات الباردة ، والدعاوى الجامدة.
فإنه لو قيل لهم : لم كانت القدرة الواحدة تحرك الأجزاء المتفرقة؟ ، وتوجب فى كل واحد منها حركة. ويمتنع عليها ذلك عند تضام (٣) الأجزاء. مع أنه (٤) ما حدث بالتضام (٥) ثقل ، ولا زيادة فى الأجزاء ، ولا فارق غير الاجتماع والافتراق ، لم يجدوا إلى
__________________
(١) سورة يونس ١٠ / ٥٦.
(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٥٨.
(٣) فى ب (انضمام).
(٤) فى ب (أن).
(٥) فى ب (بالانضمام).
الفرق سبيلا. بل ولو قيل (لهم (١)) : لم كانت القدرة الواحدة موجبة فى كل جزء من الأجزاء المنضمة حركة عند انضمام قدر أخرى إليها موازية للأجزاء المحركة ، ولم تكن مؤثرة بانفرادها؟ / مع أن مقدور كل قدرة غير مقدور الأخرى. ولا تتعلق قدرتان بمقدور واحد ، ولا تؤثر كل واحدة من القدر فى القدرة الأخرى ، ولا فى مقدورها ؛ بل كل واحدة حالة انفرادها كهى حالة الاجتماع مع غيرها ، ولم لا كانت مؤثرة فى الحالتين ، أو غير مؤثرة فى الحالتين؟ لم يجدوا إلى الفرق سبيلا.
ولهذا قال ابن الجبائى ، وغيره من فضلاء المعتزلة : لا نعرف لذلك سببا ، غير أنا وجدنا أن ما يسهل علينا حركته عند الافتراق ؛ عسير عند الاجتماع. وهذا : وإن كان حقا ؛ فليس فيه ما يدل على وجوب اجتماع قدر موازية لأعداد الأجزاء المنضمة ، ولا أن يكون فى كل جزء من الحركات ما يوازى أعداد الأجزاء ؛ بل أمكن أن يكون ذلك لعدم خلق الله ـ تعالى ـ القدرة على الدفع حالة الانضمام ، وخلقه لها حالة التفريق بحكم جرى العادة ، أو لتوقفت الحركة والدفع فى الأجزاء المنضمة ، على وجود قدرة أخرى واحدة ، منضمة إلى القدرة الأولى ، أو أكثر.
وبالجملة : على قدر لا تكون فى عددها موازية لعدد الأجزاء ، ولا محيص عنه.
وأما الجبائى فإنه قال : انضمام الأجزاء مانع من التحريك.
ولهذا : فإنا نجد القادر على المشى يمتنع عليه المشى بالربط والتقييد ؛ بسبب انضمام أجزاء القيد إلى رجليه ؛ وهو مبنى على أصله فى جواز منع القادر ؛ وقد أبطلناه.
وإن سلمنا صحة المنع ؛ فلا نسلم صحة التعليل ، بانضمام أجزاء القيد إلى رجليه ؛ بل أمكن أن يكون ذلك لمعنى مختص بتلك الصورة لا وجود له فيما نحن فيه ، ولا طريق إلى نفى ذلك بأمر يقينى على ما أسلفناه.
كيف : والفرق واقع (٢) من جهة أن مانع القيد لا يزول ـ وإن تضاعفت القدر ـ بخلاف ما نحن فيه فإنه قال بزوال (٣) المانع بتقدير أن توجد قدر موازية لأعداد الأجزاء المنضمة.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) فى ب (مانع).
(٣) فى ب (يزول).
ثم يلزم عليهم : أنه لو كانت أعداد الأجزاء المنضمة عشرة ؛ فخلق فى المحرك لها إحدى عشرة قدرة ؛ فالقدرة الزائدة على العشر : إما أن تكون مؤثرة مع تأثير باقى القدر ، أو غير مؤثرة.
فإن كان الأول : فهو محال ؛ لأنها : إما أن تؤثر فى حركة أخرى زائدة على حركات القدر العشر ، أو فيما أثرت فيه باقى القدر.
لا سبيل إلى الأول ؛ للاستغناء عنها.
ولا سبيل / إلى الثانى ؛ لامتناع تأثير قدرتين فى مقدور واحد.
وإن كان الثانى : فليس سقوط اعتبار أى قدرة فرض دون الباقى أولى من العكس وهذه المحالات ، إنما لزمت مما ذكروه ؛ فيكون محالا.
التفريع العاشر :
ذهب بعض المعتزلة : إلى أن ما يتحرك به الثقيل من الاعتمادات يمنة ، ويسرة ؛ يمكن أن يرتفع به إلى جهة فوق.
وخالفهم أبو هاشم ، وأتباعه فى ذلك : محتجا عليهم بما يجده كل عاقل من التفاوت بين التحريك دحرجة ، وبين التحريك صعدا ؛ لكنه زعم أن ما يفتقر إليه الثقيل فى تحريكه يمنة ويسرة ، من الحركات القائمة بكل جزء منه ، لا بد منه فى جهة الدفع مع زيادة حركة واحدة.
ولو (١) قيل : لم حصرت الزيادة فى حركة واحدة؟ ، ولم لا كانت أكثر من ذلك؟ وهى ما يعلم الله ـ تعالى ـ تحرك الثقيل عندها ؛ لم يجدوا إلى الحصر سبيلا.
التفريع الحادى عشر :
إذا تمالأ على حمل ثقيل اثنان يستقل كل واحد منهما بحمله ـ بتقدير انفراده به.
فقال عباد الصيمرى ، والكعبى : إن كل واحد منهما منفرد بحمل بعض من المثقل لا يشاركه فيه صاحبه ، ولا يثبت لهما فعلان فى جزء من المثقل.
__________________
(١) فى ب (ولو قيل له).
وقال أكثر المعتزلة : يثبت لكل واحد منهما فى كل جزء من أجزاء المثقل من الأفعال حالة الاجتماع ، ما كان يثبت له حالة الانفراد.
والمذهبان واهيان :
أما الأول : فلأنه لا بد وأن يكون فعل كل واحد منهما فى بعض معين فى نفس الأمر ، وليس ما تعين لفعل زيد فيه أولى من غيره ؛ لعدم الأولوية.
وأما الثانى : فلأنه لو قيل : إذا كان المنفرد به لا يتم حمله له دون ما به حركة فى كل جزء مثلا. فما المانع عند اجتماعهما من صدور خمسين حركة فى كل جزء ، من كل واحد منهما ، من غير حاجة إلى ما به من كل واحد منهما؟ لم يجدوا إلى دفعه سبيلا.
التفريع الثانى عشر :
(فيما (١)) اختلف فيه الجبائى ، وابنه.
من ذلك أن الثقيل الساكن ؛ هل يمكن أن يولد فيه سكون ، أم لا؟ فمنع الجبائى من ذلك ؛ لاعتقاده أن مولد السكون الحركة ، ولا حركة. وجوزه ابنه ؛ لاعتقاده أن المولد للسكون : إنما هو الاعتماد ، والاعتماد على الثقيل فى جهة ممكن.
وكل واحد من القولين مقابل للآخر من غير دليل.
ومن ذلك أن الجبائى : أحال قيام ألم بجسم من فعل الله ـ تعالى / دون الوهى ، وتفريق (٢) الأجزاء (٢) : محتجا على ذلك : بأنا لم نصادف ألما إلا كذلك ؛ فكان لازما.
وخالفه أبو هاشم فى ذلك وقال : لا يلزم من اطراد ذلك فى الشاهد ، اطراده فى الغائب ؛ لأن ما خرج عن محل القدرة فى الشاهد ، لا يكون مباشرا بالقدرة ؛ بخلاف الغائب.
__________________
(١) فى أ (مما).
(٢) ساقط من ب.
وما ذكره أبو هاشم : تفريعا على القول بالتولد منقدح.
كيف : وأن ما ذكره الجبائى يجرّ إلى أن لا تكون بيضة إلا من دجاجة ، ولا دجاجة إلا من بيضة ، ولا إنسان إلا من إنسان بناء على الشاهد ، وهو قول بقدم العالم ؛ وذلك محال.
ومما خالف فيه ابن الجبائى للمعتزلة : أنه لم يطلق على السبب مولدا للمسبب ، قال لأن ذلك يوهم انقطاع المسبب عن كونه فعلا لفاعل السبب ؛ بل المولد للمسبب من (١) السبب ، هو فاعل السبب ، والأمر فى الاصطلاح اللفظى قريب.
__________________
(١) فى ب (عن).
الأصل الثالث
فى أنه لا مخصص للجائزات إلا الله ـ تعالى ـ وأنه مريد
لكل كائن ، وغير مريد لما لم يكن
ولما كان هذا الأصل من أعظم أصول هذا الكتاب ، وأغمضها على ذوى العقول والألباب ، وجب أن نقدم عليه فصولا لا يتم تحقيقه دونها ؛ وهى ستة فصول.
الأول : فى إثبات الإرادة الحادثة ، وأحكامها.
الثانى : فى أضداد الإرادة الحادثة.
الثالث : فى أن الإرادة للشيء ، كراهية لضده.
الرابع : فى أن الإرادة الحادثة لا توجب المراد.
الخامس : فيما يجوز تعلق الإرادة به ، وما لا يجوز.
السادس : فى تحقيق متعلق الإرادة.
الفصل الأول
فى إثبات الإرادة الحادثة ، وأحكامها
كنا بينا فى مسائل الصفات اختلاف الناس فى معنى الإرادة ، وما هو المختار فيها ، وبينا أنها منقسمة : إلى قديمة ، وحادثة ، وبينا ثبوت القديمة منها (١).
وهذا : أوان بيان ثبوت الحادثة منها.
وقد اتفق العقلاء : على ثبوت الإرادة الحادثة شاهدا ، غير الجاحظ. علي ما أسلفناه فى مسائل الصفات. وهو مخصوم : بما يجده كل عاقل من نفسه من مكنة تخصيص حركاته المقدورة بوقت دون وقت ، وحالة دون حالة ، بخلاف حركاته الاضطرارية ، وليست مكنة التخصيص بحالة دون حالة راجعة إلى صفة الحركة المقدورة ، والحركة الاضطرارية / ؛ بل هى راجعة إلى المتحرك ، وليست هى نفس ذاته ؛ لوجود ذاته فى الحالتين ؛ فلم يبق إلا أن تكون صفة من صفات ذاته واختصاصه بالتمكن من التخصيص فى إحدى الحالتين دون الأخرى : إما أن يكون بمخصص أو لا بمخصص.
لا جائز أن يكون لا بمخصص (٢) ؛ لما سيأتى فى إثبات الأعراض (٣).
وإن كان بمخصص : فذلك المخصص : إما عدم ، أو وجود.
لا جائز أن يكون عدما ؛ لما تحقق فى مسألة الرؤية ، ولما يأتى في العلل ، والمعلولات (٤) ، ولما يأتى فى إثبات الأعراض (٥).
وإن كان وجوديا : فإما ذاته ، أو بعض ذاته ، أو زائدا على ذاته.
لا جائز أن يقال بالأول ، والثانى : لكونه عاما للحالتين. وإن كان زائدا على ذاته ؛ فليس هو نفس الحياة ، ولا العلم ، ولا غيره من الصفات المشتركة بين الحالتين ، ولا هو
__________________
(١) انظر ل ٦٥ / أوما بعدها.
(٢) فى أ (بمخصص).
(٣) انظر الجزء الثانى ل ٣٩ / ب وما بعدها.
(٤) انظر الجزء الثانى ل ١١٧ / ب وما بعدها.
(٥) انظر الجزء الثانى ل ٣٩ / ب وما بعدها.
نفس القدرة ؛ إذ القدرة ليس من شأنها تخصيص الحادث بحالة دون حالة ؛ بل ما من شأنه أن يأتى به الفعل بدلا عن الترك ، والترك بدلا عن الفعل ، كما تقدم تحقيقه ؛ فلم يبق إلا أن يكون زائدا على ذلك كله ؛ وهو المعنى بالإرادة ، فقد (١) ثبت بذلك أن العبد متصف بالإرادة (١) ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى ـ (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) (٢) أثبت كون العبد مريدا ، والمريد من قامت به الإرادة ، على ما سبق. وكذلك قوله ـ تعالى ـ (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (٣). إلى غير ذلك من الآيات ، والدلائل الواضحات.
وإذا ثبتت الإرادة الحادثة ؛ فالقول فى امتناع بقائها ، وفى وجوب مقارنتها للمراد ، وامتناع تعلق الإرادة الواحدة الحادثة بمرادين ، وفى تماثلها واختلافها ، وتضادها ، وأنها هى تفتقر في تعلقها بالمراد إلى نية مخصوصة؟
وأن فعل النائم هل هو مراد؟ وأن النوم مضاد للإرادة. وأنه هل يتصور وجود مراد بين مريدين؟ وأن الله ـ تعالى ـ يريد مثل فعل العبد ، وأنه هل يتصور وجود مراد واحد بإرادتين لمريد واحد من وجهين ؛ فعلى ما سبق فى القدرة الحادثة من المزيف ، والمختار ؛ فعليك بنقله إلى هاهنا.
__________________
(١) فى ب (وقد ثبت أن العبد متصف بصفة الإرادة).
(٢) سورة الأنفال ٨ / ٦٧.
(٣) سورة النساء ٤ / ٢٧.