أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢
فإن كان الأول : فهو واجب الوجود لذاته.
وإن كان الثانى : فهو الجائز الوجود.
ولا بدّ من بيان كل واحد منهما ، وما يتعلق به.
القسم الأول
في واجب الوجود
والنظر فيه في سبعة أنواع :
الأول : في إثبات واجب الوجود [لذاته] (١) ، وبيان حقيقته ، ووجوده.
الثانى : في الصفات النفسانية لواجب الوجود.
الثالث : فيما يجوز عليه تعالى.
الرابع : فيما لا يجوز (٢) عليه.
الخامس : في وحدانية الله تعالى.
السادس : في أفعال الله تعالى.
السابع : في أسماء الله تعالى.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) فى ب (لا يجب)
النوع الأول
في إثبات واجب الوجود بذاته ، وبيان حقيقته ، ووجوده
ويشتمل على أربعة مسائل :
المسألة الأولى
في إثبات واجب الوجود لذاته
مذهب أهل الحقّ (١) من المتشرعين ، وطوائف الإلهيّين : القول بوجوب وجود موجود ، وجوده لذاته ، لا لغيره ، وكل ما سواه ؛ فمتوقف في وجوده عليه. خلافا لطائفة شاذة من الباطنية (٢)
ومنشأ الاحتجاج على ذلك ما نشاهده من الموجودات / العينية ، ونحققه من الأمور الحسّيّة ؛ فإنه إما أن يكون : واجبا لذاته ، أو لا يكون واجبا لذاته :
__________________
(١) منهم : (من الأشاعرة)
الأشعرى في كتاب اللمع ص ١٧. نشر الخانجى تحقيق د. حموده غرابه. والباقلانى في كتابيه : التمهيد ص ٤٤ ط : دار الفكر العربى ، والإنصاف ص ٢٢ ط ٢ بمؤسسة الخانجى.
وعبد القاهر البغدادى في كتابه أصول الدين ص ٦٨. طبع مطبعة الدولة باستنبول.
وإمام الحرمين الجوينى في كتبه : الشامل ص ٢٦٢ طبع منشأة المعارف ، والإرشاد ص ٢٨ طبعة الخانجى ، ولمع الأدلة ص ٧٦ ط. الدار القومية
والإمام الغزالى : في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد ص ١٣ طبع مطبعة حجازى.
والشهرستانى : في نهاية الاقدام ص ٥٤ وما بعدها طبع المثنى ببغداد.
والرازى : في كتابيه المحصل ص ١٠٦ طبع الحسينية ، ومعالم أصول الدين ص ٢١ على هامش المحصل.
(ومن المعتزلة) : القاضى عبد الجبار في كتبه الأصول الخمسة ص ١١٨ نشر : وهبه ، والمحيط بالتكليف ص ٣٦. نشر : الدار المصرية.
(ومن الفلاسفة) :
الكندى : في كتابه. (فى الفلسفة الأولى) ص ٩٢. ط : الحلبى.
وابن سينا في الإشارات ٣ / ٣٦ ط : الحلبى ، والنجاة ص ١٩٨ وما بعدها ط الكردى.
(ومن كتب الآمدي والمتأخرين).
انظر غاية المرام للآمدى ص ٩ : نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وانظر شرح مطالع الأنظار على مطالع الأنوار للبيضاوى ص ١٥١. ط : المطبعة الخيرية ، والمواقف للإيجي ص ٢٦٦. ط : مطبعة العلوم ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٤٢ طبع استانبول.
وانظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٣ / ٨٨ ـ ٩٠ فقد نقل ما أورده الآمدي من أول قوله «مذهب أهل الحق من المتشرعين ... إلى قوله : وإن كان الثانى فهو ممتنع».
(٢) الباطنيّة : جماعة ترى أن لكل ظاهر باطنا ، ولكل شرع تأويلا ، ويزعمون مع هذا أنهم أصحاب التعاليم ، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.
ومن فرقها الإسماعيلية ، والدروز ، والناصرية ، والصباحية. وهى من الطوائف التى انتسبت إلى الإسلام وهى أبعد ما تكون عنه ؛ بل إنها خطر على كل الأديان السماوية.
أما عن رأيهم في إثبات الواجب ، فقد قالوا انا لا نقول : هو موجود ، ولا لا موجود ، ولا عالم ، ولا جاهل ولا قادر ، ولا عاجز ... الخ (الفرق بين الفرق ص ٢٨١ ـ ٣١٢ ، الملل والنحل ص ١٩٢ ، ١٩٣ ، التبصير في الدين ص ٨٣ ، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٦ ـ ٨١).
فإن كان الأول : فهو المطلوب.
وإن كان الثانى : فكل موجود لا يكون واجبا لذاته ؛ فهو ممكن لذاته ؛ لأنه لو كان ممتنعا لذاته ؛ لما كان موجودا. وإذا كان ممكنا ؛ فالوجود والعدم عليه جائزان.
وعند ذلك : فإما أن يكون في وجوده مفتقرا إلى مرجح ، أو غير مفتقر إلى المرجح. فإن لم يكن مفتقرا إلى المرجح ؛ فقد ترجح أحد الجائزين من غير مرجح ؛ وهو ممتنع.
وإن افتقر إلى المرجح : فذلك المرجح : إما واجب لذاته ، أو لغيره.
فإن كان الأول ؛ فهو المطلوب.
وإن كان الثانى : فذلك الغير إما أن يكون معلولا لمعلوله ، أو لغيره.
فإن كان الأول : فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما مقوّما للآخر ؛ ويلزم من ذلك أن يكون كل واحد منهما مقوّما لمقوّم نفسه ؛ فيكون كل واحد منهما مقوّما لنفسه ؛ لأن مقوّم المقوّم مقوّم. وذلك يوجب جعل كل واحد من الممكنين متقوّما بنفسه ، والمتقوم بنفسه لا يكون ممكنا ؛ وهو خلاف الفرض ، ولأنّ التقويم إضافة بين المقوّم والمقوم ؛ فيستدعى المغايرة بينهما ، ولا مغايرة بين الشّيء ونفسه.
وإن كان الثانى : وهو أن يكون ذلك الغير معلولا للغير : فالكلام في ذلك الغير ، كالكلام في الأول.
وعند ذلك [فإما] (١) أن يقف الأمر على موجود هو مبدأ الموجودات غير مفتقر في وجوده إلى غيره ، أو يتسلسل الأمر إلى غير النهاية.
فإن كان الأول ؛ فهو المطلوب.
وإن كان الثانى ؛ فهو ممتنع (٢).
__________________
(١) فى أ (فلنا)
(٢) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٨٨ ـ ٩٠.
أما على رأى الفلسفى : فلأنهم قالوا : لو فرضنا عللا ، ومعلولات لا نهاية لها. قلنا أن نفرض الوقوف على الواحد منها ؛ فلو كان ما قبله لا نهاية له (١) ، فلو فرضنا زيادة متناهية على الجملة المفروضة ، ولتكن الزيادة عشرة مثلا.
فالجملة الأولى : إما أن تكون مساوية لنفسها ـ مع فرض الزيادة المتناهية عليها ـ أو أزيد ، أو أنقص.
القول بالمساواة ، والزيادة محال ؛ إذ الشيء لا يكون مع غيره ، كهو لا مع غيره ، ولا أزيد : فإن كانت الجملة الأولى ناقصة بالنظر إلى الجملة الثانية : فمن المعلوم أن التفاوت بينهما ؛ إنما هو بأمر متناه.
وعند ذلك : / فالزيادة لا بدّ وأن تكون لها نسبة إلى الباقى بجهة من جهات النسب على نحو زيادة المتناهى ، على المتناهى ، ومحال أن يحصل بين ما ليسا بمتناهيين النسبة الواقعة بين المتناهيين.
وأيضا (٢) : فإنه إذا (٢) كانت إحدى الجملتين أزيد من الأخرى بأمر متناه ؛ فلنطبق بين الطرفين الأخيرين بأن نأخذ من الطرف الأخير من إحدى الجملتين عددا مفروضا ، ومن الأخرى مثله ، وهلم جرا.
فإما أن يتسلسل الأمر إلى غير النهاية ؛ فيلزم منه مساواة الأنقص للأزيد في كلا طرفيه ؛ وهو محال.
وإن قصرت الجملة الناقصة في الطرف الّذي لا نهاية له ؛ فقد تناهت. والزائدة إنما زادت على الناقصة بأمر متناه ، وكل ما زاد على المتناهى بأمر متناه ؛ فهو متناه :
__________________
(١) نقل ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٤٠ ـ ٥٦ طبع ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود. ما أورده الآمدي هنا بنصه من أول قوله (لو فرضنا عللا ومعلولات لا نهاية لها ... الى قوله في ل ٤٤ / أغير متوقف على ما سبق غيره عليه ؛ وهو المطلوب).
وقد مهد ابن تيمية للنقل بقوله في ص ٤٠ : قال الآمدي : وباقى الوجوه في الدلالة على ما ذكرناه في امتناع حوادث غير متناهية في إثبات واجب الوجود ، وقد ذكرت ، فلا حاجة إلى إعادتها. وهو قد ذكر قبل ذلك في امتناع ما لا يتناهى أربعة طرق ، فزيفها واختار طريقا خامسا.
الأول : التطبيق ، وهو أن يقدر جملة فلو كان ما قبلها لا نهاية له ... ثم ينقل ما أورده الآمدي هنا بالتفصيل في كتابه من ص ٤٠ ـ ٥٦ من المجلد الثالث. وما نقله ابن تيمية يتفق تماما مع ما أورده الآمدي هنا في اللوحات من ل ٤١ / ب ـ ٤٤ / أ.
(٢) فى ب (فاذا)
إلا أن هذا مما لا يستقيم على موجب (١) عقائدهم ، وتحقيق قواعدهم. حيث أنهم قضوا بأن كل ما له الترتيب الوضعى : كالأبعاد ، والامتدادات ، أو الترتيب الطبيعى ، وآحاده موجودة معا : كالعلل ، والمعلولات ؛ فالقول بعدم النهاية فيه ؛ مستحيل.
وأما ما سوى ذلك ؛ فالقول بعدم النهاية فيه ؛ غير مستحيل. وسواء كانت آحاده موجودة معا : كالنفوس بعد مفارقة الأبدان ، أو هى على التعاقب والتجدد : كالأزمنة ، والحركات الدورية ؛ فإن ما ذكروه وإن استمر لهم فيما قضوا عليه بالنهاية ؛ فهو لازم لهم فيما قضوا عليه بعدم النهاية.
وعند ذلك : فلا بد من بطلان أحد الأمرين : إما الدليل : إن كان اعتقاد عدم النهاية حقا.
وإما اعتقاد (٢) عدم النهاية : إن كان الدليل حقا ؛ لاستحالة الجمع.
وليس لما (٣) ذكره الفيلسوف المتأخر (٤) من جهة الفرق بين العلل والمعلولات ، والأزمنة والحركات ، قدح في الجمع. وهو قوله : إن ما لا ترتب له وضعا ، ولا آحاده موجودة معا ـ وإن كان ترتبه طبيعيا ـ فلا يمكن فرض جواز قبوله للانطباق (٥) ، وفرض الزيادة والنقصان فيه بخلاف مقابله ؛ لأن المحصل يعلم : أن الاعتماد على هذا الخيال في تناهى ذوات الأوضاع ، وفيما له الترتيب الطبيعى ، وآحاده موجودة معا ليس إلا من جهة / إفضائه إلي وقوع الزيادة والنقصان ، بين ما ليسا بمتناهيين ؛ وذلك إنما يمكن بفرض زيادة على ما فرض الوقوف عنده من نقطة ما من البعد المفروض ، أو وحدة ما من العدد المفروض.
وعند ذلك : فلا يخفى إمكان فرض الوقوف على جملة من أعداد الحركات ، والنفوس الإنسانية المفارقة لأبدانها ، وجواز فرض الزيادة عليها بالتوهم مما هو من نوعها. وإذ ذاك فالحدود المستعملة في القياس المذكور في محل الاستدلال بعينها ، مستعملة في صورة الإلزام ، مع اتحاد الصورة القياسية من غير فرق.
__________________
(١) حيث أجازوا التسلسل في بعض الأمور. انظر غاية المرام ص ١٠
والنجاة ص ١٢٤ ـ ١٢٧ ، ٢٥٢ ـ ٢٥٥.
(٢) ساقط من (ب)
(٣) فى ب (ما)
(٤) ساقط من (ب)
والمقصود بالفيلسوف المتأخر هنا ابن سينا. انظر النجاة ١٢٤ ـ ١٢٧ ، ٢٥٢ ـ ٢٥٥ وانظر الشفاء الفن الثالث من الطبيعيات ص ٧٠.
(٥) فى ب (الانطباق)
وأيضا : فإنه ليس كل جملتين تفاوتتا بأمر متناه ، تكونا متناهيتين ؛ فإن عقود الحساب مثلا ، لا نهاية لأعدادها. وإن كانت الأوائل أكثر من الثوانى ، بأمر متناه ، وهذه الأمور ، وإن كانت تقديرية ذهنية ، فلا خفاء أن وضع القياس المذكور فيها على نحو وضعه في الأمور الموجودة بالفعل ؛ فلا يتوهمن الفرق واقعا من مجرد هذا الاختلاف.
والقول بأن ما زادت به إحدى الجملتين على الأخرى ، لا بدّ وأن يكون له نسبة إلى الباقى (١) ؛ غير مسلم. ولا يلزم من قبول المتناهى لنسبة المتناهى إليه ، قبول غير المتناهى لنسبة المتناهى إليه.
وأما المتكلم : فله في إبطال القول بعدم النهاية طرق :
الأول (٢) :
ما أسلفناه من الطريقة المذكورة ، ويلزم عليه ما ذكرناه ، ما عدا التناقض اللازم للفيلسوف ، من (٣) ضرورة اعتقاد (٣) عدم النهاية فيما ذكرناه من الصور ، وعدم اعتقاد المتكلم لذلك ، غير أن المناقضة لازمة للمتكلم من جهة اعتقاده عدم النهاية في معلومات الله تعالى ، ومقدوراته ، مع وجود ما ذكرناه من الدليل الدّال على وجوب النهاية فيها.
وما يقال من أن المعنى بكون المعلومات ، والمقدورات غير متناهية ؛ صلاحية العلم ؛ لتعلقه بكل ما يصح أن يعلم ، وصلاحية القدرة لتعلقها بكل ما يصح أن يوجد ، وما يصح أن يعلم ويوجد غير متناه ؛ لكنه من قبيل التقديرات الوهمية ، والتجويزات الإمكانية ؛ وذلك مما لا يمتنع كونه غير متناه عندنا ؛ بخلاف الأمور الوجودية ، والحقائق العينية ؛ فلا أثر لها في القدح أيضا ؛ فإن هذه الأمور وإن لم تكن من موجودات الأعيان ؛ غير أنها متحققة في الأذهان. ولا يخفى أن نسبة ما فرض استعماله فيما له وجود ذهنى ، على نحو استعماله فيما له وجود عينى.
الطريق الثانى (٤) :
قوله : لو وجد أعداد لا نهاية لها. لم تخل : إما أن تكون شفعا ، أو وترا ، أو شفعا ووترا معا ، أو لا شفع ، ولا وتر.
__________________
(١) فى ب (الثانى)
(٢) انظر الاقتصاد في الاعتقاد ص ١٧ ـ ١٩ ، غاية المرام ص ١١ ، والمآخذ ل ٨٠ أ. وانظر درء التعارض لابن تيمية ٣ / ٤٤ حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه.
(٣) فى ب (ضرورة اعتقاده)
(٤) قارن الاقتصاد في الاعتقاد للغزالى ص ١٧ ، ١٨
وانظر غاية المرام للآمدى ص ١١ وانظر درء التعارض لابن تيمية ٣ / ٤٧ ، ٤٨ حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه ـ ثم يرد عليه في ٣ / ٤٨ وما بعدها.
فإن كانت شفعا : فهى تصير وترا بزيادة واحد ، وإن كانت وترا : فهى تصير شفعا بزيادة واحد. واعواز (١) الواحد لما لا يتناهى محال.
وإن كانت شفعا ووترا ، فهى محال ؛ لأن الشفع ما يقبل الانقسام بمتساويين ، والوتر غير قابل لذلك ، والعدد الواحد لا يكون قابلا لذلك ، وغير قابل له.
وإن لم يكن شفعا ، ولا وترا : فيلزم منه وجود واسطة بين النفى والإثبات ؛ وهو محال.
وهذه المحالات ؛ إنما لزمت من القول بعدد لا نهاية له : فالقول به محال.
وهو من النمط الأول في الفساد ؛ لوجهين :
الأول : أنه قد لا يسلم استحالة الشفعية ، أو الوترية فيما لا نهاية له ، والقول بأن ما لا يتناهى ، لا يعوزه الواحد الّذي به يصير شفعا : إن كان وترا ، أو وترا : إن كان شفعا ؛ فدعوى مجردة ، ومحض استبعاد لا دليل عليه.
الوجه الثانى : أنه يلزم عليه عقود الحساب ، ومعلومات الله تعالى ومقدوراته ؛ فإنها غير متناهية إمكانا ، مع إمكان إجراء الدليل المذكور فيها.
الطريق (٢) الثالث :
أنه لو وجد اعداد لا نهاية لها : فكل واحد منها محصور بالوجود ؛ فالجملة محصورة بالوجود ، وما لا يتناهى ؛ لا ينحصر بحاصر أصلا.
وهو أيضا فاسد لثلاثة أوجه :
الأول : أنا لا نسلم أن الوجود زائد على الموجود. حتى يقال بكون الوجود حاصرا له ؛ بل الوجود هو ذات الموجود ، وعينه على ما يأتى (٣).
الثانى : وإن كان زائدا على كل واحد من آحاد الجملة ؛ فلا نسلم كونه حاصرا ؛ بل عارض مقارن لكل واحد من الآحاد ، والمعارض المقارن للشىء لا يكون حاصرا له.
__________________
(١) فى ب (واعزال)
(٢) انظر الفصل لابن حزم ١ / ١٥ وما بعدها ، وغاية المرام ص ١٢
ودرء التعارض ٣ / ٤٩ ، ٥٠ حيث ينقل ابن تيمية ما ورد هنا بنصه ، ويعتمد رده على الفلاسفة والمعتزلة ثم يرد عليه أخيرا من وجهة نظره.
(٣) انظر ل ٥١ / ب وما بعدها.
الثالث : سلمنا أن الوجود حاصر لكل واحد من آحاد الجملة ؛ ولكن لا نسلم أن الحكم على الآحاد يكون حكما على الجملة ؛ ولهذا يصدق أن يقال لكل واحد من آحاد الجملة ، أنه جزء الجملة ، ولا يصدق / على الجملة أنها جزء الجملة.
الطريق الرابع (١) :
أنه لو وجد علل ، ومعلولات لا نهاية لها ، فما من وقت يقدر إلا والعلل والمعلولات منتهية إليه ؛ وانتهاء ما لا يتناهى محال.
وهو غير سديد أيضا ؛ فإن الانتهاء من أحد الطرفين ـ وهو الأخير ـ وإن سلمه الخصم ، فلا يوجب النهاية في الطرف الآخر ، ثم يلزم عليه عقود الحساب ، ونعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ؛ فإنه وإن كان متناهيا من طرف الابتداء ؛ فغير متناه إمكانا في طرف الاستقبال.
والأقرب في ذلك أن يقال :
لو كانت العلل ، والمعلولات غير متناهية ، وكل واحد منها ممكنا على ما وقع به الفرق (٢) فهى : إما متعاقبة ، أو معا (٣).
فإن كانت متعاقبة : فقد قيل إن ذلك محال لوجوه (٤) ثلاثة (٤) :
الأول : هو أن كل واحد منها يكون مسبوقا بالعدم ، والجملة مجموع الآحاد ؛ فالجملة تكون مسبوقة بالعدم ، وكل جملة مسبوقة بالعدم ؛ فلوجودها أول تنتهى إليه ، وكل ما لوجوده أول ينتهى إليه ؛ فالقول بكونه غير متناه محال.
الثانى : هو أن كل واحد منها يكون مشروطا في وجوده بوجود علته قبله ؛ فلا يوجد حتى توجد علته ، وكذلك الكلام في علته بالنسبة إلى علتها ، وهلم جرا.
فإذا قيل بعدم النهاية ؛ فقد تعذر الوقوف على شرط الوجود ، فلا وجود لواحد منها. وهذا كما إذا قيل : لا أعطيك درهما إلا وقبله درهم ؛ فإنه لما كان إعطاء الدرهم مشروطا
__________________
(١) قارن بالإرشاد ص ٢٦ ، والاقتصاد ص ١٨ ، وغاية المرام ص ١٢
ودرء التعارض لابن تيمية ٣ / ٥٢ حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه.
(٢) فى ب (الفرض)
(٣) فى ب (أولا)
(٤) فى ب (لثلاثة أوجه)
باعطاء درهم قبله ، وكذلك في إعطاء كل درهم يفرض ، إلى غير النهاية ؛ كان الإعطاء محالا.
الثالث : هو أن القول بتعاقب العلل والمعلولات ، يجر إلى تأثير العلة في معلولها بعد عدمها ، وتأثير المعدوم في الموجود محال.
وهذه الحجج مما لا ثبت لها :
أما الأولى : فلأنه لا يلزم من سبق العدم على كل واحد من الآحاد ، سبقه على الجملة ؛ فإن الحكم على الآحاد ، لا يلزم أن يكون حكما على الجملة ؛ كما سبق تحقيقه.
وأما الثانية : فإنما تلزم أن لو كان ما توقف عليه الوجود ـ وهو شرط في الوجود ـ غير موجود ؛ كما في المثال المذكور.
وأما إن كان موجودا : فلا يلزم امتناع وجود المشروط ، والقول بأن الشرط غير موجود ، محل النزاع ؛ فلا تقبل الدعوى به من غير دليل ..
وأما الثالثة : فإنما تلزم أيضا : أن لو كان معنى التعاقب ، وجود المعلول ، بعد عدم علته ؛ وليس كذلك ؛ بل معناه وجود المعلول متراخيا عن وجود علته ، مع بقاء علته موجودة / إلى حال وجوده وبقائه موجودا بعد عدم علته ، وكذلك في كل علة مع معلولها ؛ وذلك لا يلزم منه تأثير المعدوم في الموجود ، ولا أن تكون العلل والمعلولات موجودة معا. وذلك متصور في العلل الفاعلة بالاختيار.
والأقرب في ذلك أن يقال :
لو كانت العلل والمعلولات متعاقبة ، فكل واحد منها حادث ، لا محالة. وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يقال بوجود شيء منها في الأزل ، أو لا بوجود شيء منها في الأزل.
فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ لأن الأزلى ، لا يكون مسبوقا بالعدم ، والحادث مسبوق بالعدم ، فلو كان شيء منها في الأزل ؛ لكان مسبوقا بالعدم ؛ ضرورة كونه حادثا ، وهو غير مسبوق بالعدم ؛ ضرورة كونه أزليا.
وإن كان الثانى : فجملة العلل ، والمعلولات مسبوقة بالعدم ؛ ضرورة أن لا شيء منها في الأزل ، ويلزم من ذلك أن يكون لها ابتداء ونهاية ، غير متوقف على سبق غيره عليه ؛ وهو المطلوب (١).
وأما إن كانت العلل ، والمعلولات المفروضة موجودة معا : ولا يخفى أن النظر إلى الجملة غير النظر إلى كل واحد من آحادها ؛ فإن حقيقة الجملة ، غير حقيقة كل واحد من الآحاد.
وعند ذلك : فالجملة موجودة : وهى إما أن تكون واجبة لذاتها ، أو ممكنة.
لا جائز أن تكون واجبة : وإلا لما كانت آحادها ممكنة ـ وقد قيل إنها ممكنة كما سبق ـ ثم وإن كانت واجبة ؛ فهو مع الاستحالة ، عين المطلوب.
وإن كانت ممكنة : فلا بد لها من مرجح ، والمرجح : إما أن يكون داخلا فيها ، أو خارجا عنها.
لا جائز أن يقال بالأول : فإن المرجح للجملة مرجح لآحادها. ويلزم أن يكون مرجحا لنفسه ؛ ضرورة كونه من الآحاد ، ويخرج بذلك عن أن يكون ممكنا ؛ وهو خلاف الفرض ، وأن يكون مرجحا لعلته ؛ لكونها من الآحاد. وفيه جعل العلة معلولا ، والمعلول علة ؛ وهو دور ممتنع.
وإن كان المرجح خارجا عنها : فهو إما ممكن ، أو واجب.
فإن كان ممكنا : فهو من الجملة ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فلم يبق إلا أن يكون واجبا لذاته ؛ وهو المطلوب.
فإن قيل : سلمنا أن الموجود المفروض ممكن ، وأن الوجود والعدم عليه جائزان ؛ ولكن لا نسلم احتياجه إلى المرجح في وجوده.
وبيانه من أحد عشر وجها :
[الوجه] (٢) الأول : أنه لو احتاج إلى / المؤثر في وجوده ؛ فتأثير المؤثر في الوجود : إما في حال وجوده ، أو في حال عدمه.
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية في : درء التعارض بين العقل والنقل ٣ / ٤٠ ـ ٥٦.
(٢) ساقط من (أ)
فإن كان الأول : فهو (٣) تحصيل الحاصل ، وإيجاد الموجود ؛ وهو محال.
وإن كان الثانى : فيلزم منه اجتماع الوجود ، والعدم في حالة واحدة ؛ وهو محال.
[الوجه] الثانى : أنه لو احتاج إلى المؤثر في وجوده ـ لكونه ممكنا ـ ؛ لا احتاج إلى المؤثر في عدمه ـ لكونه ممكنا ـ ؛ وهو ممتنع لوجهين :
الأول : أن المؤثر يستدعى أثرا ، والعدم نفى محض ؛ فلا يكون أثرا. وسواء كان أصليا ، أو طارئا. ويختص العدم الأصلي بامتناع التأثير فيه ؛ لما فيه من تحصيل الحاصل ؛ وهو ممتنع.
الثانى : هو أن المرجح للعدم : إما أن يكون هو المرجح للوجود ، أو غيره.
فإن كان الأول : فيلزم منه أن يكون ما اقتضى الشيء مقتضيا لنقيضه ؛ وهو محال. ولأنه يلزم منه أن لا يتحقق أحدهما ؛ ضرورة استواء النسبة إلى المرجح.
وإن كان الثانى : فيلزم منه امتناع الوجود والعدم ؛ فإنه ليس العمل بأحد المرجحين ، أولى من الآخر.
الوجه الثالث : أنه لو افتقر في وجوده إلى مرجح ، وعلة ؛ فذلك المرجح : إما أن يكون دائما علة ، أو حدث كونه علة.
فإن كان دائما (١) علة (١) : وجب أن لا يتأخر وجود معلوله عن وجوده ؛ ويلزم من ذلك امتناع حدوث الممكن ، وأن لا يكون في العالم ممكنا حادثا ؛ وهو محال.
وإن كان الثانى : فالكلام في حدوث ذلك الحادث ؛ كالكلام في الأول ؛ وذلك يؤدى إلى علل ومعلولات لا نهاية لها ؛ ولم يقولوا به (٢).
الوجه الرابع : هو أن الممكن لو كان محتاجا إلى المؤثر في وجوده ؛ فالحاجة إلى المؤثر صفة زائدة على نفس الممكن ، وهى : إما أن تكون واجبة ، أو ممكنة.
لا جائز أن تكون واجبة ؛ فإنها صفة الممكن ، والصفة مفتقرة إلى الموصوف ؛ والمفتقر إلى غيره ؛ لا يكون واجبا لذاته.
وإن كانت ممكنة : فإما أن تكون محتاجة إلى المرجح ، أو غير محتاجة إليه.
__________________
(٣) فى ب (ففيه)
(١) فى ب (دائما كونه علة)
(٢) انظر غاية المرام ص ١٦.
فإن كان الأول : فقد لزم التسلسل (١).
وإن كان الثانى : ففيه تسليم المطلوب.
الوجه الخامس : [أنه] (٢) لو احتاج الممكن إلى المرجح : فالحاجة صفة ثبوتية ؛ لأن نقيضها لا حاجة ، ولا حاجة (٣) أمر عدمى ، ولهذا يتصف بها المستحيل (٤) / الوجود. ولو كانت صفة ثبوتية ؛ لما اتصف بها النفى المحض. وإذا كان لا حاجة أمرا عدميا : فالحاجة تكون ثبوتية ؛ وهو ممتنع لأمرين :
الأول : أن الحاجة إلى التأثير متقدمة على التأثير ، المتقدم على الوجود ، الّذي هو أثر ، والصفة الثبوتية للشىء ؛ لا تكون متقدمة علي ثبوت ذلك الشيء.
الثانى : أن الحاجة إلى التأثير معللة بالإمكان ، ولهذا يقال : إنما احتاج لكونه ممكنا. ولهذا إن ما ليس بممكن ، لا يكون محتاجا ، والإمكان صفة عدمية ؛ فلا يكون علة للأمر الثبوتى.
وبيان كون الإمكان عدميا أمران :
الأول : أن ما وجد بعد العدم ، يصح اتصافه بالإمكان قبل وجوده. فلو كان الإمكان وصفا وجوديا ؛ لكانت الصفة الوجودية قائمة لما ليس بموجود ؛ وهو محال.
الثانى : أنه لو كانت صفة الإمكان وجودية : فإما واجبة ، أو ممكنة. لا جائز أن تكون واجبة : وإلا لما كانت صفة لغيرها على ما تقدم.
وإن كانت ممكنة : فيجب أن تكون ممكنة بإمكان آخر. والكلام في ذلك الإمكان ، كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.
الوجه السادس : أنه لو احتاج الممكن إلى المرجح في ابتداء وجوده لكونه ممكنا في حال بقائه ؛ لاحتاج في حال بقائه لكونه ممكنا ، فإنه لو لم يكن ممكنا في حال بقائه ؛ لكان واجبا. ولو كان واجبا ؛ لاستحال فرض عدمه. واحتياج الممكن حال بقائه إلى المؤثر ممتنع ؛ لما فيه من تحصيل الحاصل.
__________________
(١) فى ب (التسلسل الممتنع)
(٢) ساقط من (أ).
(٣) فى ب (فالحاجة)
(٤) فى ب (مستحيل)
الوجه السابع : أنه لو احتاج الممكن إلى المؤثر ، فالمؤثر : إما أن يؤثر في ماهية (١) الممكن (١) ، أو في وجوده ، أو في موصوفية الماهية بالوجود.
وعلى كل تقدير فيلزم منه (٢) خروج الماهية ، أو الوجود ، أو موصوفية الماهية بالوجود (٣) عن حقيقته عند فرض عدم ذلك المؤثر ؛ وهو محال.
الوجه الثامن : أنه لو افتقر الممكن إلى مؤثر ؛ فتأثير المؤثر فيه صفة زائدة على ذات المؤثر والأثر ؛ إذ التأثير نسبة وإضافة بين الأثر والمؤثر ؛ فالنسبة بين الشيئين صفة لهما ، والصفة زائدة على الموصوف.
ولهذا فإنه يمكننا تعقل ذات كل واحد منهما مع الشك في كون هذا أثرا ، وكون هذا مؤثرا ، والمعقول غير المجهول. وإذا كان التأثير صفة زائدة على ذات المؤثر والأثر فالتأثير نقيض لا تأثير ، ولا / تأثير عدم ؛ فالتأثير ثبوت.
وهو إما أن يكون واجبا ، أو ممكنا.
لا جائز أن يكون واجبا : وإلا لما كان مفتقرا إلى غيره ، والصفة مفتقرة إلى الموصوف ، فلا بد وأن يكون ممكنا ، ولا بدّ له من مؤثر ، والكلام في تأثير المؤثر فيه : كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. وهذا المحال : إنما لزم من القول بافتقار الممكن إلى المؤثر ؛ فيكون محالا.
الوجه التاسع : أنه لو افتقر الممكن إلى تأثير المؤثر في وجوده ؛ لكان التأثير متقدما على الأثر ؛ لافتقار الأثر إليه (٤) ، ويمتنع أن يكون تأثير المؤثر متقدما على الأثر ؛ إذ التأثير نسبة (٥) ، وإضافة بين الأثر والمؤثر ؛ كما سبق ؛ فيكون التأثير (٥) صفة للأثر والمؤثر ، والصفة متأخرة عن الموصوف ؛ لافتقارها إليه ، وفي ذلك ما يوجب جعل المتقدم متأخرا ، والمتأخر متقدما ؛ وهو محال.
الوجه العاشر : أنه لو افتقر الممكن إلى المؤثر (٦) ؛ لكان ما وجد من الحوادث مفتقرا إلى المؤثر ؛ لكونه ممكنا ، والمؤثر فيه : إن كان حادثا ؛ لزم التسلسل ، أو الدور.
__________________
(١) فى ب (ماهيته)
(٢) ساقط من (ب)
(٣) فى ب (الممكن)
(٤) فى ب (فيه)
(٥) من أول (نسبة وإضافة ...) ساقط من (ب)
(٦) فى ب (المرجح)
وإن كان قديما : فقد تجدد له صفة التأثير بعد أن لم يكن مؤثرا.
والكلام في تجدد صفة التأثير ، كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل ، أو الدور.
الوجه الحادى عشر : أنه لو افتقر الممكن إلى المرجح ؛ لما ترجح ممكن إلا بمرجح ، وليس كذلك : فإنّ العطشان ، إذا خيّر بين قدحين متساويين من كل وجه ؛ فإنه يختار أحدهما ، من غير سبب مرجح ؛ ضرورة فرض المساواة من كل وجه.
وكذلك القاصد إلى مكان معين ، إذا عرض له طريقان متساويان من كل وجه ؛ فإنه يسلك أحدهما من غير سبب مرجح ، مع تساويهما في الإمكان.
سلمنا أنه لا بدّ للوجود من مرجح ؛ ولكن ما المانع من كون المرجح لوجود الممكن ذاته ، لا على وجه ينتهى إلى حد الوجوب المانع من العدم ؛ بل بمعنى أن ذاته أولى بالوجود من العدم ، مع جواز فرض العدم؟
سلمنا أنه لا بدّ من مرجح خارج ؛ ولكن لا نسلم أنه لا بدّ وأن يكون وجوديا ؛ فإن وجود الممكن ، مقابل لعدمه ، فكما جاز أن يكون عدم علة الوجود مرجحا للعدم ، وعدم شرط الوجود مرجحا للعدم ؛ فما المانع أن يكون عدم علة العدم ، أو عدم شرط / العدم ؛ مرجحا للوجود؟
سلمنا (١) أنه يمتنع أن يكون مرجح الوجود عدميا ؛ ولكن ما المانع (١) من كونه غير موجود ، ولا معدوم : كما ذهب إليه الملاحدة؟
وبيان جواز ذلك : هو أن صفة الإمكان تابعة للماهية الممكنة ، ومعلولة بها من حيث هى : لا موجودة ، ولا معدومة ، فإن الماهية من حيث هى موجودة : يستحيل أن تكون ممكنة العدم ، ومن حيث هى معدومة : يستحيل أن تكون ممكنة الوجود ، وصفة الإمكان ثابتة للماهية بالنسبة إلى الطرفين ؛ فإذن علة صفة الإمكان للماهية من حيث هى ؛ لا موجودة ، ولا معدومة.
سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون المرجح موجودا ؛ ولكن ما المانع من كونه ممكنا؟ ولم قلتم بامتناع التسلسل؟
__________________
(١) فى ب (سلمنا أنه لا بدّ من مرجح خارج ، وأنه يمتنع أن يكون عدميا ؛ ولكن لا نسلم أنه لا بدّ وأن يكون وجوديا وما المانع).
قولكم : إما أن تكون العلل والمعلولات متعاقبة ، أو معا ؛ فلم قلتم بامتناع التعاقب؟
قولكم (١) : إن لم يوجد منها شيء في الأزل ، فلها أول وبداية.
فنقول : لا يلزم من كون كل واحد من العلل والمعلولات غير موجود في الأزل ؛ أن تكون الجملة غير أزلية ؛ فإنه لا يلزم من الحكم على الآحاد ، أن يكون حكما على الجملة؛
بل جاز أن يكون كل واحد من آحاد الجملة غير أزلى ، والجملة أزلية. بمعنى تعاقب آحادها إلى غير النهاية.
سلمنا أنها غير متعاقبة ؛ لكن لم قلتم بوجود واجب الوجود؟
قولكم : النظر إلى الجملة غير النظر إلى الآحاد.
فنقول : (٢) لا نسلم وجود ما يسمى جملة في غير المتناهى ؛ ليصح ما ذكرتموه ، ولا يلزم من صحة ذلك في المتناهى مع إشعاره بالحصر ، صحته في غير المتناهى.
سلمنا أن مفهوم (٣) الجملة حاصل فيما لا يتناهى ، وأنه ممكن ؛ ولكن لا نسلم أنه زائد على الآحاد المتعاقبة إلى غير النهاية.
وعند ذلك : فلا يلزم أن يكون معللا بغير علة الآحاد.
سلمنا أنه زائد على الآحاد ؛ ولكن ما المانع من أن يكون مترجحا بآحاده الداخلة فيه؟ لا بمعنى أنه مترجح بواحد منها ؛ ليلزم ما ذكرتموه ؛ بل طريق ترجحه بالآحاد الداخلة فيه ، ترجح كل واحد من آحاده بالآخر إلى غير النهاية.
وعلى هذا : فلا يلزم افتقاره إلى مرجح خارج عن الجملة ، ولا أن يكون المرجح للجملة ، مرجحا لنفسه ، ولا لعلته.
سلمنا أنه لا بدّ من وجود واجب الوجود ؛ ولكن لا نسلم أنه غير / قابل للعدم ، كما ذكرتموه ، وإنما يمتنع كونه قابلا للعدم : أن لو امتنع انقلاب الواجب ، إلى الممكن ، أو الممتنع ، وكذلك بالعكس ؛ وهو غير مسلم. ولهذا قلتم بأن العالم ممتنع الوجود في
__________________
(١) من أول «قولكم : إن لم يوجد منها شيء ... الى قوله : الى غير النهاية» نقله ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٥٩) ثم علق عليه وناقشه.
(٢) نقل ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠ هذا النص من قول الآمدي «لا نسلم وجود ما يسمى جملة ... إلى قوله : وفيه ترجيح الشيء بنفسه ، وهو محال» ثم علق عليه وناقشه.
(٣) فى ب (معنى)