

[ غسل الاستحاضة ]
قوله : وما ذكره المصنف من الصفات خاصة. ( ٢ : ٧ ).
فيه ما ذكرناه
سابقا في الحيض .
قوله : وأمّا الخروج بفتور. فلم أقف له على مستند. ( ٢ : ٨ ).
مستنده حسنة حفص
البختري حيث جعل فيها من خواص دم الحيض أن له دفعا ، والظاهر منها
أن المرأة التي يستمر بها الدم وسئل عن حالها التي دمها دائر بين الحيض والاستحاضة
، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها ، مضافا إلى أن الظاهر والغالب أن التي
استمر بها الدم أمرها دائر بين الحيض والاستحاضة ، مع أنّ الظاهر من كون الدفع من
خواص الحيض أن غيره ليس له دفع ، والاستحاضة غير الحيض فليس له دفع ،
__________________
وهو معنى الفتور ،
وإن كان غير الاستحاضة أيضا يكون كذلك ، والغرض كون الفتور من خواص الاستحاضة
بالنسبة إلى الحيض لا القروح والجروح ، ونظر الفقهاء في نقل الأوصاف والخواص إنما
هو لتمييز الحيض عن الاستحاضة وبالعكس لا تمييزها عن القروح والجروح أيضا ، كما هو
غير خفي.
قوله :
وكلام الأصحاب في
هذه المسألة غير منقح. ( ٢ : ٨ ).
كلامهم منقح ، كما
ذكرناه في بحث الحيض ، نعم ، مخالف لفهم الشارح والقاعدة التي قررها على حسب
فهمه ، ومما يشير إلى فساد قاعدته أنه يظهر من الأخبار انحصار دم المرأة في الحيض
والنفاس والاستحاضة إذا لم يكن من قرح أو جرح ، فلئلا حظ وليتأمّل.
ومع ذلك ، الدم
الذي لا يجتمع فيه مجموع صفات الحيض ومجموع صفات الاستحاضة كثير ، فتدبر.
قوله : وهي مع صحتها صريحة في المدعى فيتعين العمل بها. ( ٢ : ١٢
).
تقييد جميع
الأخبار بما في هذا الصحيح مع ما فيها من التعليلات بعيد جدا ، بل ربما لا يمكن ،
فلاحظ وتأمّل.
قوله : احتج المفيد برواية السكوني. ( ٢ : ١٢ ).
ويشهد له ما ورد
في الاستبراء والعدة بحيضة ، أو حيضتين ، أو ثلاثة ، فتأمّل.
__________________
قوله
: وصحيحة حميد بن
المثنى. ( ٢ : ١٢ ).
هذه لا دلالة لها
على مدعاهم ولم يجعلوها دليلا ، بل الذي له دلالة ما ورد في استبراء الجارية واستبراء الزنا وعدّة الجارية والمتعة وغيرهما ، وكونها
بالحيض ، وأن العدة بالحيض ، وكذا الاستبراء لبراءة الرحم ، وأن بالحمل يرتفع
الطمث ، أو بفساد الرحم والدم ، وأن بانقضاء شهر يحصل الريبة ، ورد في تفسير قوله
تعالى ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ). ، وكذا في تسمية
الحيض استبراء ، كتسمية مضي خمسة وأربعين يوما ، إلى غير ذلك ، فلاحظ تلك الأخبار
وتأمّل وتتبع الكل ، وهي في كتاب النكاح ، والطلاق ، والبيع.
وفي الخبر : « إن
الرجل يأتي جاريته فتعلق منه ، فترى الدم وهي حبلى فترى أن ذلك طمث فيبيعها فما
أحب للرجل المسلم » الحديث .
قوله : واحتج عليه بأن الحيض يعمل فيه بالعادة وبالأمارة. ( ٢ :
١٦ ).
هذا وإن اقتضى أن
تكون المضطربة أيضا ترجع إليها إلاّ أن الفرض لا يتحقق هناك ، إذ ربما كان من قبيل
المحال أن تكون عادة نسائها متفقة
__________________
وعادتها عادة
نسائها وتعلم ذلك ثم تنسى ، كما لا يخفى.
قوله : قال المصنف في المعتبر : ونحن نطالب بدليله فإنه لم يثبت.
( ٢ : ١٧ ).
لعل القائل كان
نسخة حديثه المروي عن زرارة وابن مسلم : « أقرانها » بالنون ، وهذا هو الظاهر ،
لكن يظهر بين الروايتين تعارض ، إلاّ أن يجمع بينهما بالتخيير أو عند عدم النسب
يرجع إلى الأقران : وكيف كان ، العمل على المشهور ، لانجبار رواية سماعة بعمل
الأصحاب.
قوله : لأنّ ذلك خلاف المتبادر من اللفظ. ( ٢ : ١٨ ).
وإن كانت الإضافة
تصدق بأدنى ملابسة ، لأنّ الصدق وصحة الإطلاق أمر ، ودلالة اللفظ عند عدم القرينة
أمر آخر.
قوله : وقال المرتضى. ( ٢ : ١٩ ).
( ويدل عليه أيضا
[ ما روي ] بسند معتبر عن الخزاز ، عن أبي الحسين 7 ، أنّه سأله عن
المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة؟ فقال : « أقل الحيض ثلاثة ،
وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصلاتين » .
وتدل ( عليه أيضا
) مضمرة سماعة المتقدمة .
__________________
ويؤيده اختلاف
الأخبار في التحديد ، وإن كان كل واحد من العدد من الثلاثة إلى العشرة يحتمل كونه
آخره ويصلح له ، فيصح أن يؤخذ له حتى يثبت خلاف ذلك.
لكن الأولى أن
تختار الستة أو السبعة ، لغاية قوة سند روايتهما ومتنها أيضا ، كما لا يخفى على
المتأمّل ، وأن تختار خصوص السبعة لما يظهر من آخر تلك الرواية.
قوله : ولا يخلو من قوة. ( ٢ : ٢١ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
أمّا أصالة لزوم العبادة فقد مرّ ما فيه في بحث اشتراط التوالي في الثلاثة وغيره .
وأمّا الاستظهار
فإن كان المراد منه الاحتياط فلا بدّ من مراعاة الاحتياط ، فكيف تكتفي بهذا الصوم؟
ومع ذلك كيف يجامعها الزوج ، وتدخل المسجد؟ إلى غير ذلك ، وكيف تكتفي بالغسل
الواقع بعد الثلاثة ، وتصلي وتصوم بخصوص هذا الغسل مطلقا ، إلى أن تحيض ثانيا؟
وإن أراد غير
الاحتياط فلا نعلم معناه ولا وجهه. مع أنّ الحيض مستصحب حتى يثبت خلافه ، ومقتضى
عموم قوله 7 : « لا تنقض اليقين أبدا » أيضا ذلك.
مع أن القاعدة
الكلية وهي : أن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، مسلمة عنده ، بل هو الذي ادعى
عليها الإجماع. مضافا إلى ما مر مما يصلح أن يصير مستندا لها.
مع أن الرواية
الواردة في هذا الباب وإن كانت ضعيفة إلاّ أنّها معتبرة
__________________
عند الأصحاب ،
سيّما ما دل على أنّها ترجع إلى عادة نسائها ، فإنها حجة عنده أيضا ، مع أنّ من لم
يعمل بأخبار الآحاد عمل بها ، فيظهر أنها من الأخبار القطعية عنده ، وأنّها من
المشهورات المسلمات عند القدماء ، فتأمّل.
قوله : فإن توافقا في الوقت أو مضى بينهما أقل الطهر فلا بحث. ( ٢
: ٢١ و ٢٢).
فيه : أن مقتضى
العادة عدم كون التميز فيه معتبرا ، لمنافاته لها ، لاقتضاء كون حيضها على مقتضاها
، فتأمّل جدا.
قوله
: ولما رواه محمّد
بن مسلم. ( ٢ : ٢٣ ).
الشيخ وغيره لا
تأمّل لهم في كون الصفرة في أيام العادة حيضا في صورة عدم التجاوز عن العشرة ،
إنّما كلامهم في التجاوز ، فالاستدلال إنّما هو بإطلاق هذه الصحيحة ، فيمكنهم
المعارضة بإطلاق ما دلّ على اعتبار الصفة ، بل أكثره وارد في صورة التجاوز ، بل
ورواية إسحاق وردت في التجاوز عن أيام العادة العددية ، فالأولى
الترجيح بالأكثرية والأصحية والأوضحية في الدلالة ، بل وفي قوية يونس تصريح بتقديم
العادة ، وأن الاعتبار بالصفة إنما هو إذا لم تكن عادة يرجع إليها
، وتعضده أيضا الشهرة في الفتوى ، وكونها أقوى في الدلالة.
قوله
: وهو ضعيف. ( ٢ :
٢٣ ).
__________________
إن كان الضعف من
جهة إطلاق ما دل على كون العادة أقوى ، ففيه :
أن الإطلاق ينصرف
إلى الأفراد الغالبة ، والعادة المأخوذة من التميز في غاية القوة لو لم يكن من
فروض الفقهاء ، فتأمّل.
قوله : وذهب الأكثر إلى أنّها تتخير. ( ٢ : ٢٥ ).
ويمكن الاستدلال
برواية يونس الطويلة حيث قال : « تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها ». الحديث ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : وعلى القول برجوعها إلى الروايات. ( ٢ : ٢٦ ).
بناء على أن قوله
في آخر مرسلة يونس : « فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل
الاستحاضة دارّة وكان الدم على لون واحد وحال واحدة فسنّتها السبع والثلاث
والعشرون. » مطلق يشمل ما نحن فيه ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : أو تجعله نهاية عشرة. ( ٢ : ٢٧ ).
الصواب أن يكون
الواو بدل أو ، كما في كثير من النسخ.
قوله : أما الأوّل فلضعف مستنده بالإرسال وبأن في طريقه محمّد بن
عيسى عن يونس. ( ٢ : ٢٨ ).
لا ضرر أصلا ،
لانجباره بعمل الأصحاب ، سيّما هذا العمل ، مع أنّ المرسل يونس بن عبد الرحمن ،
فلا ضرر في مرسلته ، ولا ضرر أيضا من جهة محمّد بن عيسى عن يونس ، لاتفاق علماء
الرجال والحديث والفقهاء والمجتهدين على عدم الضرر ، نعم تأمّل فيه الصدوق وشيخه ، وطعن
__________________
عليهما بعض علماء
الرجال بأن محمّد بن عيسى كان على العدالة ، فلا وجه لاستثنائه ،
فتدبر.
وربما توهّم أن
الرجوع إلى الرواية مخصوص بالمبتدئة ، وليس كذلك ، لما يظهر بالتأمّل في آخر هذه
الرواية.
قوله : وعملا بالأصل في لزوم العبادة وهو متجه. ( ٢ :٢٩ ).
قد عرفت أن هذا
الأصل لا أصل له أصلا ، ولا اتجاه فيما ذكره ، سيما بعد ما عرفت من الرواية التي
هي حجة ، ونقل الإجماع ، وعدّ ذلك من المعروف من المذهب.
قوله : أن لدم الاستحاضة. ( ٢ : ٢٩ ).
في الفقه الرضوي :
« فإن لم يثقب الدم الكرسف صلت كل صلاة بوضوء ، وإن ثقب ولم يسل صلت صلاة الليل
والغداة بغسل واحد ، وسائر الصلوات بوضوء ، وإن ثقب وسال صلت صلاة الليل والغداة
بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، تؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر ، وتصلي المغرب والعشاء
بغسل ، تؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء ، ومتى ما اغتسلت على ما وصفت حل لزوجها
وطؤها » .
وروى الشيخ في
كتاب الحج ، عن موسى بن القاسم ، عن العباس عن ابان ، ( هذه كالصحيحة باعتبار أبان
، بل صحيحة ، كما حققناه في
__________________
الرجال ) عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله 7 ، عن المستحاضة أيطأها زوجها ، وهل تطوف بالبيت؟ قال : «
تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان مستقيما فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف
فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ، ولتستدخل كرسفا ، فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ،
ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي ، فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ، ثم
تصلي صلاتين بغسل واحد ، وكل شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت » .
وستجيء صحيحة
نعيم وصحيحة زرارة ووجه دلالتهما.
وفي الموثق
كالصحيح بيونس بن يعقوب ـ بل هو ثقة على الأظهر عند الشارح ـ قال : قلت لأبي عبد
الله 7 : امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها ، متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال : «
تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت الدم دما صبيبا
فلتغتسل في وقت كل صلاة » شرط 7 في الاغتسال في وقت كل صلاة كون الدم صبيبا ، والمشروط عدم
عند عدم شرطه ، فلا يكفي مجرد الثقب.
وفي الصحيح أيضا ،
عن يونس ، عن الصادق 7 ، عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى ، قال : «
فلتقعد أيام قرئها ثم تستظهر بعشرة ، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة ،
وإن رأت صفرة فلتتوضأ ولتصل » ، والتقريب ما تقدم ، وعدم التعرض للمتوسطة غير مضر ، كما
__________________
ستعرف.
وفي الصحيح أيضا ،
عن أبي بصير ، عن الصادق 7 ، عن المرأة ترى الدم ـ إلى أن قال 7 ـ : « فإذا تمت
ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت ، واستثفرت ، واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة ،
فإذا رأت صفرة توضأت » والتقريب أيضا ما تقدم.
وفي موثقة سماعة
عنه 7 : « وغسل الاستحاضة واجب ، وإذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل
لكل صلاتين ، وللفجر غسل ، فإن لم يجز الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة ، والوضوء
لكل صلاة ، هذا إذا كان عبيطا ، وإن كان صفرة فعليها الوضوء » .
وظاهرها تجاوز
الدم عن الكرسف إلى غيره مثل الخرقة في صورة الأغسال الثلاثة ، ولعل الظاهر من عدم
التجاوز إلى الغير وقوع الثقب ، إلاّ أنه لم يتعد إلى الغير ، وعلى تقدير الشمول
خرجت القليلة بالنص والإجماع.
ونسب إلى ابن
الجنيد القول بالغسل الواحد فيها أيضا ، وفي بعض الأخبار إشعار بمذهبه ، فلعله محمول على الاستحباب ، أو برفع اليد
عن الإشعار.
وقوله 7 : « وإن كان
صفرة. » لعله محمول على كونه من جهة
__________________
القلة ، ولأنّ
الغالب في القليلة الصفرة ، والغالب في ما كان عبيطا الكثرة ، أو أن المراد منها
إذا كانت قليلة ، وأن القيد يظهر من الدليل الخارج ، كما هو الطريقة في الأدلة
الفقهية ، سيّما أحاديث الاستحاضة ، إذ بعضها ورد متضمنا للأغسال الثلاثة على
الإطلاق ، وبعضها الوضوء كذلك ، على ما هو ببالي ، فليلاحظ.
وبالجملة
: ورد غير واحد من
الروايات في أن الصفرة فيه الوضوء ، فليلاحظ.
قوله
: أما وجوب تغيير
القطنة فعلّل بعدم العفو عن هذا الدم. ( ٢ : ٣٠ ).
يظهر من بعض
الأخبار عدم العفو ، حيث قال 7 : « اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف وقت كل صلاة » ( وفي رواية
إسماعيل الجعفي : « فإذا ظهر الدم أعادت الغسل وأعادت الكرسف » ، فتأمّل ) ، وليس متن (
الحديثين ) ببالي ، لكنه بهذا المضمون.
وفي صحيحة ابن
سنان : « فتستدخل قطنة بعد قطنة » ، وتغيير
__________________
الخرقة ربما يكون
من باب القياس بطريق أولى ، ( ويدل على وجوب تغيير القطنة صحيحة عبد الرحمن بن أبي
عبد الله التي ذكرنا ) .
قوله : تصلي كل صلاة بوضوء. ( ٢ : ٣٠ ).
ظهور الدلالة إنما
هو من تنكير لفظ الصلاة والوضوء في الحديثين ، فتأمّل.
قوله : وترك الوضوء يدل على عدم وجوبه. ( ٢ : ٣٠ ).
لعل مراده أن ترك
التعرض لذكر مستحاضة يكون عليها الوضوء يدل على عدم تحققها ، إذ لو كانت لقال : لو
لم يثقب دمها الكرسف تتوضأ لكل صلاة ، ولو ثقب تغتسل ، لأنّ المقام مقام بيان
الأحكام المختصة بها ، فحيث اقتصر على الغسل ظهر أن الحكم المختص بها الذي يجب
التعرض في مقام حكمها هو الغسل لا الوضوء لكل صلاة أيضا.
والحاصل أنّ قوله 7 : « المستحاضة
تغتسل » ، في قوة القول بأن الاستحاضة سبب للغسل ، فلو كان سببا للوضوء أيضا وإن
كان في صورة ما ، لما اقتصر على ذكر الغسل ، وحيث علم بالأخبار والإجماع أن
القليلة ليست سببا للغسل ظهر أنها ليست سببا للوضوء أيضا ، وابن الجنيد ; وإن حكي عنه أنه
قائل بوجوب الغسل في القليل أيضا فهو غير مطّلع على قوله ، مع أنّه لا يضر خروج
معلوم النسب ، مع أنّه يقول بالغسل الواحد فيها لا الأغسال الثلاثة ، وحمل كلامه
على ما ذكرنا أولى منه على ما ذكره الشارح ; إذ فساده غير خفي على ذي عقل ، فضلا عن مثله.
__________________
والجواب عنه بأن
المستحاضة في هذا الخبر مخصصة بغير القليلة قطعا ، كما ذكر ، ولعلها لها حكم آخر
لم يتعرض في المقام.
وبالجملة
: لو لم يكن دليل
يدل على أن القليلة سبب للوضوء ومن جملة موجباته أمكن الاستناد إلى هذه الصحيحة في
الجملة ، للحكم بعدم السببية فيها ، فتأمّل.
قوله
: قال : المستحاضة
تنتظر أيامها. ( ٢ : ٣٢ ).
في ذيل هذه
الرواية ما يمكن أن يجعل قرينة على إرادة الكثيرة ، وهو أنه 7 قال بعد ذلك : «
وتحتشي وتستثفر ولا تحني وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج » .
قوله
: « تحتشي » فسر
بربط خرقة محشوة بالقطن للتحفظ من تعدي الدم ، فظهر من هذه أن بعد الاحتشاء
والاستثفار تربط الخرقة المذكورة.
وفي بعض النسخ : «
تحتبي » أي تجمع الساقين والفخذين إلى الظهر بعمامة لأجل زيادة تحفظها من خروج
الدم.
مع أن قوله 7 : « تضم فخذيها
في المسجد » يكفي للإشارة والقرينة ، وكذا المنع عن صلاة التحية أو عن الاحتباء أو
عن الانحناء ، والمنع عن دخولها المسجد ليس إلاّ من خوف تلويث المسجد.
مع أن الإطلاق في
الثقب ربما ينصرف إلى الفرد الكامل ، كما هو مسلم في الإطلاقات ، ويظهر من بعض
الاخبار أنّهم : أطلقوا لفظ الثقب وأرادوا التجاوز ، فلاحظ.
هذا ، مضافا إلى
الأخبار الكثيرة والشهرة العظيمة ، كما عرفت.
__________________
وعدم التعرض
للمتوسطة غير مضر لأن جلّ أخبار المستحاضة قاصرة في ذكر بعض منها ، والمقامات كانت
متفاوتة. مع أن المتوسطة من الأفراد النادرة ، كما سنشير إليه ، وإطلاق الأخبار
يحمل على الغالب.
قوله
: خرج منها من لم
يثقب دمها الكرسف بالنصوص المتقدمة فيبقى الباقي. ( ٢ : ٣٢ ).
فيه ما أشرنا [
إليه من ] أنّ أخبار باب المستحاضة عامتها وغالبها لا تخلو عن قصور ،
و [ ما أشرنا إليه من ] وجه القصور.
مع أن في صدر
الرواية في طريق الشيخ : « المرأة المستحاضة التي لا تطهر تغتسل عند كل صلاة »
الحديث ، وربما يكون فيه إيماء إلى الكثيرة ، لأنّ الغالب بحسب الظاهر أنّها التي
لا تطهر ويدوم دمها ويستمر ، مع أن الكثرة مظنة الدوام والقلة في معرض الانقطاع ،
كالمتوسطة. وفي كتب اللغة أنّ المستحاضة من يسيل دمها من عرق العاذل ، وهذا ظاهر
في الكثرة ، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الكامل ، فتأمّل ويؤيده عدم ذكر القليلة.
مع أنه على تقدير
العموم الضعيف وردت مخصصات كثيرة عرفت بعضها وستعرف ، متأيدة بعمل الأصحاب والشهرة
العظيمة وأصالة البراءة عن التكاليف الكثيرة الزائدة والأوفقية إلى الملة السهلة
السمحة. مع أنّه « ما من عام إلاّ وقد خص » من المسلّمات المشهورة ، سيّما العموم
الذي يكون من المفرد المحلّى باللام ، حيث لم يوضع للعموم ولا عموم فيه لغة.
مع أنّ المتوسطة
ربما تكون أقل وجودا ، لاشتراط الثقب مع عدم التجاوز ، إذ الغالب أنّه إن ثقب
تجاوز ، ولعله لهذا لم يتعرض لذكرها
__________________
بالخصوص في صحيحة
معاوية وما ماثلها ، فتأمّل.
مع إمكان حملها
على الاستحباب بالنسبة إليها.
مع أنّ الشارح ; ومن وافقه كثيرا
ما يعترضون بأن الجملة الخبرية ليست حقيقة في الوجوب أو صريحة فيه ، بل ربما
يتأملون في الدلالة.
مضافا إلى أنّ
المقام لا بدّ فيه من ارتكاب خلاف الظاهر قطعا ، فكون التخصيص بما ذكره الشارح
أولى من الحمل على الطلب مع وجود ما أشرنا محل تأمّل. مع أنّه لا يخفى على
المتأمّل أن هذا المقام الإجمال لا التفصيل ، وكذا الكلام في صحيحة صفوان الآتية.
قوله : احتج المفصلون. ( ٢ : ٣٣ ).
عبارة الفقه
الرضوي صريحة في مذهبهم ، وموثقة سماعة ظاهرة فيه ، وكذا
كل خبر يتضمن لكون الشرط في الأغسال الثلاثة كون الدم صبيبا ومثل هذه العبارة (
وقد تقدم الكلام ) .
قوله : والجواب عن الرواية الأولى : أنّ موضع الدلالة فيها. ( ٢ :
٣٣ ).
ليس كذلك ، بل
موضع الدلالة قوله 7 : « فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتتوضأ ، ولتصل عند وقت كل صلاة » فإنه نص في أنّه ما لم يتحقق السيلان من
خلف الكرسف لم يكن عليها غسل لصلاة المغرب والعشاء بل تتوضأ لكل واحدة منهما ،
وهذا
__________________
شامل للمتوسطة
يقينا ، وهو الموافق للمشهور وحجة على الشارح وشيخه.
وكذا قوله 7 : « فإن كان الدم
إذا أمسكت الكرسف. » فإنه ظاهر في أنّ الغسل ثلاث مرات مشروط بالسيلان من خلف
الكرسف ، سيما بعد ملاحظة العبارة الأولى ، إذ يظهر أنّ هذه العبارة في مقابل
الأولى ، وأنّ هذا الشق شق مقابل للأولى. وأمّا قوله : « صبيبا » تأكيد وتوضيح
للسيلان ، لأنّه المحقق له غالبا ، وتأكيد أيضا في أنّ الثلاثة الأغسال ليست في
صورة عدم السيلان ، وأنّه ما لم يتحقق السيلان لا يكون البتة ، ولا يكون بمجرد
الظهور البتة ، وحيث ثبت بالدلالة الواضحة المتعددة المتأكدة انحصار
الأغسال الثلاثة في الكثيرة ثبت مذهبهم وبطل مذهب الخصم ، وثبت كون المتوسطة ـ كما
يقول به المفصلون ـ موافقا للقليلة في المغرب والعشاء ، وللإجماع على كونها حدثا
والإجماع على كونها مغايرة للقليلة بحسب الحكم ، والإجماع بل والضرورة في أنّها
ليست لها حكم آخر ، وكل ذلك من مسلّمات الخصم أيضا.
وأمّا قوله 7 : « وإن طرحت
الكرسف. » ظاهر في أن المراد السيلان في صورة طرحها الكرسف ، لا في صورة إمساكها
الكرسف ، ولا خفاء في ذلك على من له أدنى تأمّل وملاحظة في الحديث.
فالمستفاد منه أن
عدم الغسل في صورة عدم السيلان سواء أمسكت الكرسف أم لا ، وفي صورة السيلان يكون
الغسل البتة ، أما مع الإمساك فثلاثة أغسال ، وأمّا مع عدمه وجب عليها الغسل ،
وفيه إجمال لا يضر المستدل أصلا بلا شبهة ، بل ينفعه ، فإنّ المراد غسل صلاة
المغرب
__________________
والعشاء ، كما هو
مقتضى السياق.
فهذه أيضا دلالة
أخرى على مراد المشهور على ما اعترف من أنّ هذا الغسل لأجل السيلان وبشرطه.
بل لو رفعنا اليد
من السياق أيضا ينفعه ، بأنّ المراد غسل واحد ، كما هو ظاهر لفظة المفرد ، مع أنّه
لم يعرف من الفقهاء مساواته للأوّل مع أنّه مع عدم الكرسف يتحقق السيلان بأدنى دم.
مع أنّه لا يخفى
أن المتعارف في النساء أنهن في صورة كثرة السيلان وزيادته وشدته يمسكن الكرسف
البتة ولا يتركنه صونا لأثوابهن من الدم وفساده وتخريبه ، فالسيلان بلا كرسف سيلان
سهل قليل ، ولعله مساوق للظهور من خلف الكرسف في صورة الإمساك واقعا أو بحسب الظن
والظهور ، وعدم الإشعار لكون الغسل للفجر غير مضر ، للإجماع على كونه له ، فلعل
المقام كان مع قرينة ، أو كان المقام مقام إجمال لهذا المعنى أو كان هذا المعنى
واضحا في ذلك الزمان أو عند الراوي ، وهو الثقة الجليل ، كما هو الحال في سائر
الأخبار ، لأن الأمر والبناء فيها على التعارض والجمع ، ولا بدّ من أن يكون حال
الراوي في المعارض المؤوّل على ما أشرنا وإلاّ لا يستقيم.
على أنّه لو وقع
في المقام حديث صحيح صريح في أنّه عليها الغسل لخصوص الفجر لكان الشارح ; يحمل الغسل في
هذا الحديث عليه البتة ، وأيّ فرق بين الحديث والإجماع في هذا؟ بل كثير من المواضع
يعتنون بالإجماع من دون تأمّل حتى من الشارح ; أيضا.
على أنّه غاية ما
يكون أن في هذا الأمر إجمالا ، وهذا لا يضر الاستدلال بصدر الخبر وذيله ، كما
أشرنا ، لعدم توقف دلالتهما عليه.
ويمكن أن يقال : إنّه
7 أمر بإيجاد الغسل ، والألف واللام ظاهر في الجنس وحقيقة في الحقيقة ، وإيجاد
الحقيقة يتحقق في ضمن فرد ، كما حقق في محله ، وظاهر أن الغسل لأجل الصلاة ، فيكون
مقدما عليها ، فحيث لم يعين الصلاة يكون المراد جميع الصلوات اليومية ، مثل قولهم
: زيد يعطي ويمنع.
قوله
: فإنّ موضع الخلاف
ما إذا لم يحصل السيلان. ( ٢ : ٣٣ ).
الدلالة على أي
تقدير واضحة : لأنه 7 جعل السيلان شرطا ، فعلى تقدير حمل الغسل على الجنس يكون
دلالتها للمشهور في غاية الوضوح أيضا ، ( مع أنك عرفت أن الظاهر من السياق غسل
صلاة المغرب والعشاء وقد عرفت الحال ) .
قوله : وعن الرواية الثانية أنّها قاصرة من حيث السند بالإضمار. (
٢ : ٣٣ ).
هذا الاعتراض منه
في غاية السقوط ، لتصريحه ; غير مرّة بأنّ أمثال هذه الإضمارات لا ضير فيها أصلا .
على أنّ هذا
الحديث على ما وجدت في التهذيب لا إضمار فيه ، بل قال : عن زرارة عن أبي عبد الله 7 ، قال : قلت له :
النفساء. الحديث ، وليس عندي غير التهذيب. ويحتمل أن يكون زرارة روى هذا الحديث عن
الباقر 7 أيضا ، لأنّ الشيخ نبّه في موضع آخر على ما ذكرنا ، لأنّه قال بعد ذلك بصفحة
تقريبا : وقد مضى حديث زرارة .
__________________
ولم يتقدم ما يصلح
لذلك سوى الخبر المذكور. مع أنّ الشارح ; سيذكر عن قريب صحيحة زرارة مريدا هذا الخبر
، وكيف كان ، لا وجه لهذا الطعن أصلا ( سيّما بعد انجبارها بالشهرة بين الأصحاب ) .
قوله : ومن حيث المتن بأنّها لا تدل على ما ذكروه نصّا. ( ٢ :
٣٣ ).
فيه تنبيه على
وجود دلالة بحسب الظاهر ، وهو كذلك ، فإنّ الظاهر كون الغسل الواحد غير غسل النفاس
، بل كالصريح ، لأنّه أمر أوّلا بغسل النفاس فقال لها بعد ما اغتسلت للنفاس : إن
جاز دمها تغتسل ثلاثة أغسال ، وإن لم يجز صلّت بغسل واحد ، ولو كان المراد غسل
النفاس لكان يقول : صلّت بذلك الغسل ، بل قد لا يحتاج إلى ذكر هذه العبارة بعد ما
ذكر بأنّها تغتسل للنفاس وتفعل كذا وكذا.
مع أنّ ما ذكرنا
متأيّد بأنّ القسمين المتردد بينهما مذكوران بكلمة الفاء الدالة على التعقيب ،
فيكون كلاهما عقيب غسل النفاس وما بعده ، وأيضا متأيّد بقرينة المقابلة وتقييد
الغسل بالوحدة ، وظهور أنّ المراد من الصلاة في قوله : « صلّت بغسل واحد » هي
الصلوات الخمس المذكورة لا مطلق الصلوات. مع انّه لم يعهد تعليق الصلاة بغسل الحيض
أو النفاس وإضافتها ونسبتها إليهما.
مع أنّ تنكير لفظ
الغسل يشهد على كون هذا الغسل غير غسل النفاس المذكور.
وأيضا تقييده
بالوحدة شاهد آخر ، فإنّ غسل النفاس المذكور لا شبهة
__________________
في كونه واحدا.
وتؤيّد الظهور
عبارة الفقه الرضوي التي أشرنا إليها ، وصحيحة الحسين المذكورة ( وغير ذلك ممّا ذكرناه في صدر
المبحث ، وكذا ) الشهرة بين الأصحاب وفهمهم حيث استدلوا بها لمطلوبهم ،
فتأمّل.
هذا ، ولا يخفى أنّ
الظهور كاف للاستدلال ولا يحتاج إلى النصّية.
على أنّا نقول :
موضع الدلالة هو قوله 7 : « فإن جاز. » حيث شرط للأغسال الثلاثة جواز الدم عن
الكرسف ، وفرق بينه وبين ثقب الكرسف ، فإنّ الجواز هو التعدي عن الشيء والوصول
إلى شيء آخر.
والجواب عن قوله :
فإنّ الغسل. كما مرّ ، مضافا إلى أنّ إيجاد الصلاة بغسل ، ظاهر في كون الغسل قبلها
، فالصلوات الخمس بغسل ظاهر في كون الغسل قبل الجميع ، فيظهر كونه قبل صلاة الفجر
، فتدبّر.
وأمّا عدم ذكر
الوضوءات فمشترك الورود ، بل ضرره على الشارح ; أزيد. والجواب أنّ المقام فيه مقام إجمال ، والاحتياط واضح
بحمد الله.
قوله : تمسكا بعموم قوله تعالى. ( ٢ : ٣٤ ).
شموله لما نحن فيه
محل تأمّل ، لكونه من الأفراد التي لا ينساق الذهن إليها عند الإطلاق ، ولا عموم
لغة ، مع أنّ شموله للنساء من الإجماع ولم يتحقّق في المقام ، فتأمّل.
قوله : مضافا إلى العمومات الدالة على ذلك. ( ٢ : ٣٥ ).
صحيحة معاوية بن
عمار ونظائرها كالنص في عدم الوضوء لصلاة العصر والعشاء ، وصدرها ذكرها الشارح ،
وفي ذيلها : « وإن كان الدم
__________________
لا يثقب الكرسف
توضأت ( ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء » وبقرينة المقابلة يظهر أنّ الكثيرة لا تتوضأ ) لكل صلاة وأمّا
الوضوء مع الغسل فقد مرّ الكلام والتحقيق فيه .
قوله : والثاني : لا ، للأصل. ( ٢ : ٣٦ ).
والأقوى هو الأوّل
، لأنّ هذا الدم حدث عندهم ، ولأنّ الظاهر من الأخبار أيضا ذلك ، فيظهر من هذا
تعقيب الصلاة له ، وإن لم يذكر صريحا في الأخبار ، كما لم يذكر بالنسبة إلى الغسل
أيضا ، لأنّه يفهم من الأخبار كذلك.
قوله : والأظهر جواز دخولها المساجد. ( ٢ : ٣٧ ).
لعل نظر من منع
دخولها إلى بعض الروايات ، مثل صحيحة معاوية ابن عمار السابقة ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : وفي السند ضعف وفي المتن احتمال. ( ٢ : ٣٨ ).
قد ذكرنا في مسألة
بيان أقسام الاستحاضة رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وهي كالصحيحة ،
بل صحيحة ، في آخرها : « وكل شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها » ، ولا يتمشى
فيها التوجيه الذي ذكره الشارح ، فيمكن الحمل على الاستحباب أو تقييد الأدلة
السابقة بها ، والأحوط الثاني ، ويؤيده الخبران المذكوران ، لأنّ ما ذكره الشارح ; لا يخلو عن
مخالفة ما للظاهر.
__________________
وروى الشيخ
والكليني ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : قال : « المستحاضة إذا ثقب الدم
الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ، فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل
يوم مرّة ، والوضوء لكل صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل » .
بل نقول : في
دلالة الآية والصحيحتين تأمّل ، أمّا الآية فلأنّ الظاهر منها رفع الحظر الذي كان
من جهة الحيض ، والغالب عدم حظر آخر ، وأمّا الرواية فلأنّ المعصومين 8 أمرا فيهما بأن
تعمل المستحاضة عمل الاستحاضة من الأغسال الثلاثة ، ثم بعد ذلك ذكرا ما ذكره
الشارح ; من قوله : ويأتيها زوجها إن شاء. فتأمّل. وبالجملة : الدلالة في غاية الضعف
بالقياس إلى دلالة ما ذكرناه ، فتأمّل.
ومرّت عبارة الفقه
الرضوي فإنّها صريحة في أنّ شرط الحلية العمل بالأغسال ، ويظهر
منها عدم الاشتراط بالوضوء في القليلة.
( وروى الكليني
بسنده إلى أبي عبيدة وفيه سهل ، سأل عن الصادق 7 عن الحائض ترى الطهر في السفر ، وليس معها من الماء ما
يكفيها لغسلها ـ إلى أن قال ـ : فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال : « نعم ، إذا
غسلت فرجها وتيممت فلا بأس » .
__________________
قوله : والأصل فيه. ( ٢ : ٣٨ ).
الكلام فيه ما
ذكرناه في صدر الكتاب .
قوله : مدفوع بعموم الإذن. ( ٢ : ٤٢ ).
في العموم نظر ،
لأنّ فرض العلم بالانقطاع فرض نادر.
قوله : قال المصنف في المعتبر. ( ٢ : ٤٣ ).
لكن ظاهره عدم كون
الدم الخارج مع الولد ـ أي مع ظهور شيء منه ـ نفاسا ، فتأمّل.
قوله : وقال في الذكرى :. ( ٢ : ٤٣ ).
ولعلّ نظرهم في
ذلك وفي ما سبق إلى ما يظهر من الأخبار ـ مضافا إلى الاعتبار ـ : أنّ دم الحيض
يحبس لتكوّن الولد ولغذائه ، وربما يزيد فيهراق ، فإذا علم أنّه مبدأ نشوء الآدمي
علم أنّ هذا الدم هو المحبوس لتكوّن الولد وغذائه وخرج ، فعلم شرعا وعرفا أنّه
النفاس ، وظهر أنّه لا دم سوى الحيض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو العذرة ، أو
القروح. لكن لا يخلو بعد من تأمّل في كونه مسمّى بالنفاس عرفا وشرعا بحيث ينصرف
الإطلاق إلى مثله أيضا ، فتأمّل. وسيجيء عن الشارح أنّ النفاس حيض في المعنى ،
ولذا قال : أقصاه عشرة للمبتدئة .
قوله : ولما رواه علي بن يقطين. ( ٢ : ٤٤ ). في الاستدلال بها
تأمّل.
قوله : وفي اشتراط تخلّل أقل الطهر بينه وبين النفاس قولان ،
__________________
أظهرهما العدم. (
٢ : ٤٤ ).
الأخبار كادت تبلغ
حدّ التواتر في أنّ النفساء بعد نفاسها تصير مستحاضة تعمل عملها وتصلي ، من دون تفصيل
أصلا ، نعم في بعض الأخبار أنّ الدم إن كان أصفر تعمل عمل الاستحاضة ، لكن ليس عملهم
عليه.
وفي الموثق
كالصحيح عن أبي الحسن 7 ، في امرأة نفست وتركت الصلاة ثلاثين يوما ، ثم تطهرت ، ثم
رأت الدم بعد ذلك ، قال : « تدع الصلاة لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام
نفاسها » .
ويؤيّده ما سيجيء
من اشتراك النفاس مع الحيض في جميع الأحكام إلاّ ثلاثة ، ولعل ( مراد العلاّمة ) خصوص الحيض
المتقدم على النفاس مع النفاس ، لا المتأخر أيضا ، تأمّل فيه.
قوله : وأكثر النفاس عشرة. ( ٢ : ٤٥ ).
في الفقه الرضوي :
« والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيّام حيضها ، وهي عشرة أيّام ، وتستظهر بثلاثة
أيّام ثم تغتسل ، وقد روي ثمانية عشر يوما ، وروي ثلاثة وعشرين ، وبأيّ هذه
الأحاديث أخذ جاز » انتهى.
__________________
قوله
: وذهب جماعة. ( ٢
: ٤٦ ).
لا يخفى أنّ
الظاهر أنّ مذهب المفيد ; أيضا كذلك ، كما أنّ مذهب الشيخ كذلك ، لأنّهما قالا :
أقصى مدّة النفاس عشرة أيّام ، يعني لا يزيد عن ذلك ، وأمّا أنّه أقل من ذلك يصير
أم لا فهو كلام آخر ، ولا شك أنّ المبتدئة على هذا يكون نفاسها عشرة ، وأمّا ذات
العادة فهي أيضا كذلك ، لأنّ عادتها أمّا العشرة وإمّا دونها ، وعلى التقديرين
يكون الأقصى عشرة ، أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنّ أقصى ما يمكن
كونه حيضا عشرة أيضا البتة ، مع أنّ الاستظهار إلى العشرة ، والاستظهار لا يكون إلاّ
مع احتمال العشرة للنفاس ، مع أنّه يظهر من الأخبار أنّه مثل الحيض في الأحوال ،
سيّما في ما نحن فيه.
وممّا يشير إلى
أنّ مراد المفيد والشيخ رحمهما الله ما ذكر : أنّ المفيد صرّح بأنّ الأخبار
المعتمدة دعته إلى ما ذكر ، ولا يخفى أنّها ليست إلاّ هذه الأخبار الواردة في
الكتب الأربعة ، والشيخ أيضا استدل بهذه الأخبار للمفيد ، والتأليف كان في حياة
المفيد ، حيث كان يقول : أيّده الله ، ولم يتعرض لغاية له أصلا. وبالجملة ما ذكرنا
واضح على الملاحظ.
قوله : بأنّها لا تصلح لمعارضة الاخبار. ( ٢ : ٤٨ ).
في نسخة أخرى :
والجمع بين هذه الأخبار يتحقق بوجوه :
أحدها : حمل أخبار
الثمانية عشر على غير المعتادة ، وإبقاء الأخبار المتضمّنة للرجوع إلى العادة على
ظاهرها.
وثانيها : الحمل
على التخيير بين الأعداد.
__________________
وثالثها : حمل
أخبار الثمانية عشر على ما إذا بقي الدم بصفة دم النفاس إلى تلك الغاية ، وأخبار
الرجوع إلى العادة على ما إذا تغير عن تلك الصفة.
والأوّل متّجه
إلاّ أنّه مستلزم لحمل الأخبار المتضمّنة للثمانية عشر مطلقا على الفرد النادر ،
وهو مشكل.
والثاني ليس ببعيد
من الصواب ، ولا ينافيه استلزام التخيير بين فعل الصلاة وتركها وثبوت مثله من
أيّام الاستظهار ، على ما سبق تحقيقه ، وقد ورد حينئذ. إلى آخر ما قال فيها ،
فتأمّل فيها.
قوله : وإنّما يحصل التردد في المبتدئة خاصّة. ( ٢ : ٤٨ ).
لا يخفى وضوح
دلالتها في الشمول للمبتدئة أيضا : لأنّ مضامينها أنّ النفساء تكفّ عن الصلاة
مقدار ما كانت تكفّ عنها في حيضها ، والمبتدئة كانت تكفّ قدرا معينا لا أزيد ولا
أنقص ، حسب ما مرّ في الحيض.
قوله : ومن أنّ مقتضى رجوع المعتادة إلى العادة. ( ٢ : ٤٨ ).
هذا أقوى ، لأنّ
الروايات محمولة على التقية البتة ، لأنّ أحدا من العامة لم يذهب إلى الرجوع إلى
عادة الحيض ، كما صرّح به الشيخ ، وذهبوا إلى الثمانية عشر ، ولأنّ حمل تلك الأخبار على
خصوص المبتدئة فاسد قطعا ، لاستلزام حملها على خصوص الأفراد النادرة ، وهو غير
جائز قطعا ، مع كثرتها وغاية شهرتها ، وظاهر ما رواه الشيخ عن ابن سنان بقوله : روينا.
أنّ المبتدئة أيضا عددها عدد الحيض ، مع أنّ عبارة الفقه
__________________
الرضوي تدل على
ذلك .
قوله : ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض ( ٢ : ٥٠ ).
ربما يدل على
اتحاد حكمهما بعض الروايات ، مثل ما رواه الشيخ في كتاب الحج في الصحيح عن صفوان ،
عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الحائض تسعى بين الصفا والمروة؟ فقال : « إي لعمري ،
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس فاستثفرت وطافت بين الصفا
والمروة » . ووجه الدلالة أنّ أسماء كانت نفساء ، فلو لم يكن حكمهما
واحدا لما صحّ الاستناد إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء ، وهو ظاهر.
قوله : لاستحضاره عقله. ( ٢ : ٥٢ ).
حال الاحتضار ليس
بمستحضر لعقله ، بل هو قبله ، فلا يناسب كونه مبدأ الاشتقاق ، فتأمّل.
قوله : ويمكن المناقشة. ( ٢ : ٥٣ ).
هذه المناقشة ليست
في مكانها ، سيّما بالنسبة إلى سليمان ، لمسلّميّة كونه ثقة عندهم ، حتى الشارح ; ، ولم يتأمّل فيه
أصلا.
قوله : أنّ التسجية تجاه القبلة. ( ٢ : ٥٣ ).
التسجية غير
التوجيه ، وظاهرها أنّ التسجية متأخّرة عنه مترتّبة عليه ، والفقهاء وجميع
المسلمين في الأعصار والأمصار بناؤهم في الفتوى والعمل على الفعل قبل حال الاحتضار
، لا بعد الموت ، ولم يفت أحد به ولا عمل ،
__________________
فهو قرينة على
إرادة كونه في شرف الموت ، ويقربه قوله : « إذا غسل. » ، لأنّ السياق واحد ، وليس
المراد بعد تحقّق الغسل قطعا ، وتؤيّده أيضا مرسلة الصدوق في الفقيه ـ مع حكمه
بصحة جميع ما فيه ، وكونه حجة بينه وبين الله تعالى ـ عن عليّ 7 : « دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على رجل من ولد عبد المطلب ، وهو في السوق وقد وجّه لغير
القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة
وأقبل الله عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض » . ويؤيّده أيضا
أنّه استرحام واستجلاب للرحمة ، فوقته حال الاحتضار البتّة ، وإن كان بعده أيضا
وقت ، لما ستعرف.
قوله : والثاني لإطلاق رواية. ( ٢ : ٥٤ ).
مضافا إلى
الاستصحاب.
قوله : ولم أقف على ما ذكره. ( ٢ : ٥٤ ).
في المرسلة التي
ذكرناها ربما كان إشعار بذلك.
قوله : وربما قيل بسقوطه. ( ٢ : ٥٥ ).
لكن الطريقة
المستمرة في الأعصار والأمصار الاكتفاء بالظن ، وبناء أمور المسلمين وأفعالهم على
الصحّة. ( خصوصا على ) الظن بقيامهم ( سيّما إذا كان قويّا ) وما كانوا
يقتصرون على اليقين ، وبشهادة العدلين.
مع أنّ كون الثاني
حجّة في المقام لا دليل عليه عند الشارح وموافقيه ، بل
__________________
ربما كان مشكلا
واقعا.
قوله : وإنّما يستحبّ ذلك إذا تعسّر عليه الموت. ( ٢ : ٥٦ ).
لم يشترط الأصحاب
التعسر ، ولعل وجهه أنّه يظهر من الأخبار ـ مضافا إلى الاعتبار ـ أنّ نفس الكون في
المصلّى سبب لجلب الرحمة ، ولهذا ينفعه في شدّة النزع ، لا أنّه لا يصير سببا لجلب
الرحمة إلاّ في صورة شدّة النزع ، فإذا خيف وقوع الاشتداد لا يحمل إليه ولا ينفع
حتى يتحقّق الاشتداد ويذوق مرارته ، فتأمّل.
قوله : يندرج فيه المدّعى. ( ٢ : ٥٧ ).
بعيد ، فتأمّل ،
لأنّ موته 7 إن كان ليلا يقتضي أن يكون خاليا عن السراج إلى أن وقع الموت ، إذ ظاهر أنّ
بعد القبض أمر بالسراج ، ولا شكّ في أنّه ما كان كذلك ، مع أنّ التعبير بالبيت
الذي كان يسكنه فيه ما فيه ، فتأمّل.
قوله : وقد ذكر من علاماته. ( ٢ : ٥٨ ).
في الاكتفاء
بأمثالها إشكال ، لأنّها مظنّة للموت ، فالأصوب الصبر إلى أن يتيقّن الموت.
قوله : إنّما تتناول من يمكن وقوع الغسل منه. ( ٢ : ٦٠ ).
يظهر من اتفاق
الأصحاب وبعض الأخبار ـ مثل كون الزوج أحق ، مع أنّ الأولى اجتنابه ـ أنّ المراد
ليس المباشرة بنفسه ، بل يجوز التوكيل وكون آخر نائبا عنه ، وفعل النائب فعل
المنوب عنه شرعا ، فتأمّل.
قوله : وإلاّ أمكن المناقشة فيها. ( ٢ : ٦١ ).
هذه المناقشة غير
واردة على الشيخ وغيره من القدماء ، كما لا يخفى على المطلع بطريقتهم ، وأمّا
المتأخرون فمن قال بحجّية الموثق فكذلك ،
لكونه حجّة ومفتى
به عند الفقهاء بخلاف الصحيحة ، وأمّا من لم يقل بها فاشتهار الفتوى والعمل جابر ،
وعدم الفتوى والعمل بالصحيحة مضعف لها ، سيّما إذا وافقت مذهب العامة ، فمثل هذه
الصحيحة لا يقاوم ما ذكر ، سيّما إذا انضمّ بها ما ذكر ، فكم من ضعيف معمول به
قدّمه المتقدمون والمتأخرون على الصحيح غير المعمول به في الأحكام الفقيه ، فضلا
عن أن يكون من الموثقات والصحيح موافقا للعامة ، ومسلّم ذلك عندهم بلا تأمّل ولا
تزلزل من أحد منهم ، وقد أثبتنا حقيّته في الرجال ( وغيره ، مع وضوحها ) والشاذّ ليس بحجة
نصّا وإجماعا ، فكيف يصير معارضا للحجة وراجحا عليها؟!
قوله : وهو إنّما يتمّ مع التكافؤ في السند. ( ٢ : ٦١ ).
فيه ما قد عرفت.
قوله
: ويدلّ على أنّ
الأفضل كونه من وراء الثياب. ( ٢ : ٦٢ ).
ربما يظهر منها
عدم الأفضلية إذا كان الميت رجلا ، فلا يمكن التمسك بعدم القول بالفصل ، لأنّه يصير
منشأ للوهن فيها ، إلاّ أن يحمل على تفاوت مراتب الاستحباب ، ويؤيّده ما قال : إنّ
الأفضل في مطلق التغسيل ذلك.
قوله : لأنّ الغسل مفتقر إلى النيّة. ( ٢ : ٦٤ ).
لأنّه لا يعتقد
شرعية هذا الغسل وكونه مقرّبا إلى الله تعالى ، أو كونه امتثالا لأمره ، والرواية
تدلّ على طهارة النصارى ، كسائر الروايات الدالة
__________________
عليها ، ولمّا ثبت
كون النجاسة مذهب أهل البيت : ، وطريقة الشيعة ، كما سيجيء ، وأنّ الطهارة
شعار العامّة تعيّن حمل هذه الرواية على التقيّة ، كحمل نظائرها. وأمّا توقف الغسل
على النيّة فقد مضى الكلام فيه .
وعلى تقدير تسليم
العمل بالرواية فموردها أهل الذمّة ، لا أيّ كافر يكون ، كما هو ظاهر عبارة المصنف
، إلاّ أن يتمسك بعدم القول بالفصل ، أو عدم تعقل فرق عند من يقول بنجاسة الكل ،
وأنّ بناء المحقق ومن وافقه على أنّ الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء ، وأمّا
النيّة فالحال في الكل واحد ، بأنّ الكافر من قبيل الآلة ، فينوي الآمر ، أو أنّه
لا يشترط في هذا الغسل النيّة ، كما نقل عن السيّد ، فتأمّل.
قوله : لاعتضادهما بالأصل. ( ٢ : ٦٨ ).
لم نجد لهذا الأصل
أصلا ، لأنّ العبادة لا تصير مشروعة ولا صحيحة بمجرّد الأصل.
قوله : بأنّ المخالف لأهل الحق كافر. ( ٢ : ٦٩ ).
مراده أنّ أصول
الدين خمسة ، وهم أنكروا الإمامة ، وبعضهم أنكر العدل أيضا ، والمخالف في أصول
الدين ـ وإن كان في اصطلاحنا ـ كافر بالكفر المقابل للإيمان لا الإسلام ، والكافر
لا حرمة له إلاّ ما خرج بالدليل ، وحرمة غسل الكافر إجماعي فكذا المخالف.
__________________
والحاصل : أنّه لا
يجب علينا تكريم بالنسبة إلى مخالف الحق إلاّ ما خرج بالدليل ، ولم يخرج التغسيل ،
لأنّ الأدلة الدالة على وجوبه لا يظهر منها عموم بحيث يشمل المخالف.
واستشكال الشارح ; من إطلاقات
الأخبار الدالة على تغسيل الميّت ، وأنّ الإطلاق ربما كان منصرفا إلى المؤمنين ،
كما ورد في بعض الأخبار : « من غسل مؤمنا. » وأنّه في أكثر الأخبار قرائن على إرادة المؤمن.
والأظهر عدم
الوجوب ، لعدم الثبوت ، ويؤيّده ( ما يظهر من ) بعض الأخبار أنّ
التغسيل وأمثاله لحرمة الميت ، وأنّه إذا لم تكن له حرمة فلا يجب ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : فقد يجب الجهاد وإن لم يكن الإمام 7 موجودا. ( ٢ : ٧١
).
المشهور بل كاد أن
يكون إجماعا أنّ الجهاد ( يشترط في وجوبه الإمام أو من نصبه ، لروايات رووها وإن
لم تبلغ درجة الصحة ، لانجبارها بالشهرة ، سيما مثل تلك الشهرة كادت أن تكون شعار
الشيعة ) إلاّ أنّ الوارد في الروايات هنا المقتول في سبيل الله ،
أو بين الصفّين ، وغير ذلك ، ممّا يشبههما ، إلاّ أن يقال : هذه الإطلاقات تنصرف
إلى الجهاد ، لأنّه
__________________
الفرد الكامل ، إذ
ليس هنا عموم لغوي ، فتأمّل.
قوله : وإنّه لا يعلم فيه للأصحاب خلافا. ( ٢ : ٧٢ ).
هذا يكفي جبرا
لضعف السند ، فتأمّل.
قوله : وهو مناف لما صرّح به. ( ٢ : ٧٤ ).
لا يخفى أنّ
الشارح ; مداره على التمسك بالإجماع ، ومع ذلك كثيرا مّا يطعن بنحو لا يمكن معه التمسك
به ، ولا شبهة في أنّه لا بدّ من توجيه كلامه في مقام الطعن ، فما وجه كلامه يمكن
أن يكون مراد الشهيد ، وإذا كان التوجيه لا يتمشّى للبعد أو غاية البعد فكلام
الشارح أولى بهذا ثم أولى ، فتأمّل.
مع أنّ طعن الشهيد
; يكون في بعض الإجماعات المنقولة بخبر الواحد ، لعروض شبهة وريبة في كونه
إجماعا ، وأمّا كلام الشارح فمقتضاه عدم إمكان العلم بالإجماع في أمثال زمان الشيخ
ومن تقدم عليه إلى زمان الكليني والصدوق ـ 4 ـ مطلقا.
قوله : وفيه ما فيه. ( ٢ : ٧٦ ).
لا مناقشة فيه
أصلا ورأسا.
قوله : أنّ الحكم في الرواية الثانية وقع معلّقا على استواء
الخلقة. ( ٢ : ٧٦ ).
لكن في الرواية
الأولى وقع معلّقا على كمال أربعة أشهر ، فيظهر أنّه استواء الخلقة ، وأخبارهم
يفسّر بعضها بعضا ، ويدل عليه أيضا ما قد ورد في الأخبار من أنّ الرجل له أن يدعو
أن يجعل الله ما في بطن الحبلى ذكرا
سويّا ما بينها
وبين أربعة أشهر ، والظاهر أنّ الأطبّاء أيضا يقولون : إنّه بكمال أربعة
أشهر يتم خلقته. وفي بعض الأخبار أنّه يتردد النطفة في الرحم أربعين يوما ، ثم
تصير علقة أربعين يوما ، ثم مضغة أربعين ، ثم بعد ذلك يبعث الله ملكين خلاّقين
ينفخان فيه الروح والحياة ويشقّان له السمع والبصر وجميع الجوارح ، الحديث.
قوله :
إلى قول أهل
الخبرة. ( ٢ : ٧٦ ).
لا يخفى أنّ مراد
المصنف أنّه لا يكون له أربعة أشهر كملا ، وعبّر عنه بوقت عدم ولوج الروح تنبيها
على أنّ الولوج يتحقّق بكمال أربعة أشهر لا أقلّ منه ، وقد أشرنا إلى الأخبار
الدالة على ذلك ، وأنّ الحق ما قاله المصنّف ، لدلالة الأخبار المنجبرة بعمل
الأصحاب ، التي لا شبهة في حجّيتها ، كما حقق في محله. وأيضا نبّه على أنّ الغسل
للميت ولأجل الموت ، ولا يتحقق إلاّ بعد ولوج الروح ، فلا حاجة إلى الرجوع إلى أهل
الخبرة ، ولا تأمّل في الدليل ، ولا غبار عليه.
قوله : بل الظاهر أنّه يدفن مجرّدا. ( ٢ : ٧٧ ).
لا يخفى أنّ
استدلاله إنّما هو لأجل عدم وجوب الغسل خاصة.
قوله : وقد يناقش في هذا الحكم بأنّ اللازم منه. ( ٢ : ٧٨ ).
ويمكن أن يقال :
ليس المراد تحصيل الطهارة الشرعية ، بل إزالة النجاسة الخارجية الأجنبية ، لئلاّ
ينجس ماء الغسل بملاقاته ، كما ذكره في المعتبر ، بل لعل الظاهر هو هذا.
قوله : ومقتضاه أنّه لا يجب تقديم الإزالة. ( ٢ : ٧٩ ).
__________________
لا يخفى أنّ
الإشكال المنفي بقوله : هذا الإشكال منتف ، ليس إلاّ أنّ اللازم منه طهارة المحل
الواحد من نجاسة دون نجاسة ، لا أنّه لم يقدّم الإزالة على الشروع في الغسل ، إذا
لا إشكال فيه بعد ورود النص ، ولم يستشكل أحد لا في المقام ولا في غسل الجنابة
والحيض والنفاس والاستحاضة ، إذ غسل الفرج في الكل مقدم على الشروع بحسب الرواية ،
بل والفقهاء في كتبهم نقلوا وأمروا كذلك.
مع أنّ ما ذكره من
قوله : أو يقال. وجعله أولى ، مقتضاه أنّه لا يجب تقديم الإزالة على الشروع ، بل
يكفي طهارة كلّ جزء قبل غسله.
قوله : وتغسل رأسه. ( ٢ : ٧٩ ).
الأمر إنّما ورد
بغسل الرأس ثلاث مرّات ، ولم يقولوا بوجوبه ، وأيضا قوله 7 : « بماء وكافور
وشيء من حنوط » فيه شيء. والرواية الثانية أيضا ضعيفة الدلالة ، والعمدة فهم
الفقهاء ، وورد ذلك في كثير من الأخبار.
قوله : والأخبار في ذلك كثيرة جدّا. ( ٢ : ٨٠ ).
لا يخفى أنّ
الإثبات على طريقة الشارح ; ممّا لا يمكن أصلا ، وقد نبّهنا في الحاشية السابقة إلى عدم إمكانه.
نعم يمكن
الاستدلال بصحيحة سليمان بن خالد أنّه سأل الصادق 7 عن غسل الميت كيف يغسل؟ قال : « بماء وسدر ، واغسل جسده
كله ، واغسله أخرى بماء وكافور ، ثم اغسله أخرى بماء » قلت : ثلاث مرّات؟ قال : «
نعم » قلت : فما يكون عليه حين يغسله؟ قال : « إن استطعت أن يكون عليه قميص فتغسل
من تحته » .
__________________
وبأخبار أخر غير
صحيحة ، مثل ما رواه الكليني وغيره عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن
الحلبي ، عن الصادق 7 أنّه قال : « يغسل الميت ثلاث غسلات : مرّة بالسدر ومرّة
بالكافور ، ومرّة أخرى بالماء القراح ، ثم يكفّن » ، الحديث ، وما
ماثل هذه الرواية.
والضعف منجبر
بالشهرة ، وأنّ الأخبار الكثيرة متوافقة في ذكر الكل على السواء ، وأنّ كثيرا منها
يذكر الثلاثة في مقام البيان ، وبعضها يذكر فيه وجوب الغسل على الإطلاق ، والغسل
عبادة توقيفيّة ، فإذا قالوا : يجب غسل الميت ، وأمثال هذه العبارة ، فلا بدّ من
بيان هذه العبادة.
قوله : « يغسل غسلا واحدا ». ( ٢ : ٨٠ ).
الدلالة لا تخلو
عن الظهور ، إذ لو لا المعارض لم يفهم إلاّ وحدة الغسل ويؤيّدها قوله 7 بعد ذلك : « ثم
اغتسل أنت » والسند كالصحيح ، وفي حسنة أبي بصير عن أحدهما 8 في الجنب إذا مات
: « ليس عليه إلاّ غسلة واحدة » .
قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٢ : ٨١ ).
ليست بضعيفة ، بل
الظاهر أنّها حسنة ، ويؤيّدها أخبار كثيرة منقولة في علّة غسل الميت.
قوله : وتردّد فيه في المعتبر ، وهو في محله. ( ٢ : ٨١ ).
__________________
فيه : أنّ دليل
وجوب النيّة في الأغسال والأعمال إن كان هو الإجماع أمكن التردد فيه ، وإن كان
الآية والأخبار فالفرق بين هذا الغسل وغيره تحكّم بالنظر إلى الدليل ، ومرّ عن
الشارع أن الدليل هو الآية والأخبار ، فلاحظ ، ومرّ التحقيق في مبحث الوضوء .
قوله : لأنّها في الحقيقة فعل واحد مركّب. ( ٢ : ٨١ ).
ليس كذلك ، إذ
يلزم على هذا أن يسقط عند تعذر السدر أو الكافور أو القراح ، وليس كذلك قطعا ،
وليس مثل التمكن من بعض الأفعال في الغسل الواحد دون بعض. وكذا الوضوء وغيره من
العبادات.
قوله : والأولى الطعن فيها من حيث السند. ( ٢ : ٨٤ ).
هذا أيضا مناف لما
سبق منه من الطعن في الدلالة ، مع أنّ الطعن من حيث السند مناف لاستدلاله بها ،
فكيف يكون أولى؟ مع أنّه مرّ ما يشير إلى عدم غبار في السند ، ونهاية قوته ، وأنّ
الدلالة لها ظهور.
فالأولى الجواب
بأنّ الأخبار الواردة في كيفية الغسل وصحيحة يعقوب وغيرها خاصّ ، والخاصّ مقدم
يخرج منها ما نحن فيه ، سيّما مع ضعف ما في شمول المرسلة لتغسيل الميت. وأيضا يظهر
من الأخبار أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة ، بل وربما يظهر أنّه غسل جنابة في
الأصل .
قوله
: بالحمل على الاستحباب. ( ٢ : ٨٤ ).
__________________
ويمكن الحمل على
التقيّة.
( قوله : ولو عدم الكافور. ) . ( ٢ : ٨٤ ).
قال جدّي ; : مذهب أكثر
القدماء أنّ الكافور يجب أن يكون من جلاله يعني الخام الذي لم يطبخ. ونقل عن الشيخ
أبي علي في شرح نهاية والده حيث أوجب أن يكون الغسل والحنوط من الجلال أنّ الكافور
صمغ يقع من شجرة ، فكلما كان جلالا ـ وهو الكبار من قطعه ـ لا حاجة له إلى النار ،
ويقال له : الخادم ، وما يقع من صغاره في التراب فيؤخذ ويطرح في قدر ماء ويغلي حتى
يتميز من التراب ، فذلك لا يجزئ في الحنوط . انتهى.
ولعل منشأ حكمهم
ما يقال : إنّ مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتدّ بياضه ، أو بالطبخ ربما يحصل العلم
العادي بالنجاسة من حيث إنّ الطابخ من الكفار.
لكن ظاهر الأخبار
إجزاء المطبوخ أيضا ، ووجهه عدم حصول اليقين بالنجاسة ، والأصل في الأشياء الطهارة
حتى يحصل العلم بعدمها ، ولهذا ما فصّل المتأخرون. وربما حكم باستحباب الخام ،
ولعل وجهه الخروج عن الخلاف والخلوص عن شبهة النجاسة ، فتأمّل.
قوله : وأظهرهما العدم. ( ٢ : ٨٤ ).
يمكن أن يقال :
إنّ الامتثال إنّما هو لأجل الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، والعمومات تشمل ما
نحن فيه ، فتأمّل. وأمّا بعد الدفن ، فلعل عدم الإعادة حينئذ فيه إجماعيّ ، ومع
ذلك موجب للنبش الحرام ومع ذلك
__________________
لم يثبت من (
العمومات ) الشمول له ، لأنّه واجب قبل الدفن لا مطلقا.
ولو عدم أحدهما
دون الآخر لم يسقط غسل الآخر ، لأنّه واجب على حدة. وعلى تقدير أن يكون جزء الواجب
فلقول عليّ 7 : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، وقوله 7 : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » . ولعله إجماعيّ
أيضا.
ولو فقد الماء دون
الخليط لا ينفع ، ولو وجد بقدر أحدهما فظاهر الدليل التخيير. ولو وجد بقدر أحد
الأغسال فالظاهر تقديم القراح ، مع احتمال الجمع بحيث لا يخرج الماء عن الإطلاق ،
والله عالم بأمثال هذه الأحكام وغيرها.
قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٢ : ٨٥ ).
انجبار سندها
بعملهم كاف ، سيّما مع تأيّدها بالعمومات الدالة على أنّ التيمم بمنزلة المائية ،
وما دلّ عليه الصحيحة مطلب آخر ، والقياس حرام. مع أنّه لو لم يجز الانفكاك بين
هذا المذهب المذكور وما تضمّنته الصحيحة يتعين حمل الصحيحة على لزوم التيمم للميت
أيضا ورفع اليد عن ظاهرها.
قوله : وإنّما استحبّ ذلك. ( ٢ : ٨٦ ).
ولما رواه عبد
الله بن سنان في الصحيح : أن يفتق القميص وينزع من تحته .
__________________
قوله
: أسهل على الميت.
( ٢ : ٨٨ ).
والاحتياج إلى
الفتق بناء على ضيق الجيب ، فإنّ الظاهر أنّ المتعارف في تلك الأزمنة كان الجيب
على العاتق الأيمن أو الأيسر بمقدار ما يدخل الرأس.
قوله
: ولا تغمز له
مفصلا. ( ٢ : ٨٩ ).
الظاهر أنّ الغمز
غير التليين ، فإنّ الأوّل فيه عنف لا يناسب الميت.
قوله :
المستفاد من
الأخبار أنّ تغسيل الرأس. ( ٢ : ٨٩ ).
ربما يظهر من
صحيحة يعقوب بن يقطين ، وصحيحة معاوية بن عمار ما يدلّ على ما
ذكره المحقق وغيره ، فلاحظ.
مع أنّ رغوة السدر
غير ماء السدر ، والمستفاد من الأخبار وكلام الفقهاء كون التغسيل بماء السدر لا
الرغوة ، فالحديثان الأوّلان لا دخل لهما في المقام ، ورواية يونس لا بدّ من
تأويلها بما يوافق الأخبار والفتاوي.
قوله : ولا معنى لتنزيلها على التقية. ( ٢ : ٩١ ).
فيه ما فيه.
والأقرب الحمل على التقيّة ، سيّما بعد ملاحظة طريقة العامة والخاصة ، والإجماع
الذي ادّعاه الشيخ ، والمنع في بعض الأخبار ، فلا معنى للأمر حينئذ ، إذ لا أقلّ
من الرجحان ، مع أنّه فيها ما يشير إلى التقية.
قوله : وإلاّ كان تغسيله مكروها. ( ٢ : ٩٢ ).
فيه إشكال ظاهر ،
لأنه عبادة إلاّ على رأي السيّد ، إلاّ أن يكون عند
__________________
المصنف خصوص هذا
التغسيل لا يكون عبادة.
قوله : وكفّن أبو جعفر 7 في ثلاثة أثواب. ( ٢ : ٩٢ ).
لا يخفى أنّ أحد
أثواب أبي جعفر 7 كان قميصا ، ولعلّ أحد أثواب الرسول صلى الله عليه وسلم
كان كذلك. بل الظاهر ذلك ، بملاحظة الأخبار الدالة على استحباب كون إحدى القطع
ممّا يصلى الميت فيه ، أو غيره أيضا ، على ما قيل ، وكذا استحباب كونه القميص ،
على ما يذكره الشارح ; بل وتعيين كونه قميصا ، كما يظهر منها.
إذا عرفت هذا
فاعلم أنّ موثقة سماعة هذه وأمثالها تنادي بأنّ ذكر ثلاثة أثواب إنّما هو لإظهار
عدد القطع خاصة ، أمّا أنّ كل قطعة منها أيّ شيء فليس المقام مقام بيانه ، وليس
ملحوظ نظرهم أصلا ، بل ملحوظ نظرهم عدم التعدي عن الثلاثة ، كما لا يخفى على
المتأمّل في الأخبار.
فما يذكره الشارح
بقوله : ويستفاد من هذه الروايات التخيير. محلّ نظر ، إذ ليس في ما دلّ على ثلاثة
أثواب إطلاق يمكن الاستدلال به ، بل الظاهر عدم ذلك ، كما عرفت ، وعلى تقدير تسليم
الإطلاق فيمكن المناقشة أيضا بأنّ ما دل على اعتبار القميص مستفيضة جدّا ،
فبملاحظة ذلك لا يبقى وثوق بالإطلاق ، بل ربما يترجّح في النظر التقييد من حيث ضعف
دلالة مثل هذا الإطلاق ، وعدم المقاومة لما دلّ على اعتبار القميص.
وأمّا رواية محمد
بن سهل ففي المقاومة سندا ـ بل ودلالة أيضا ـ محلّ مناقشة ، إذ صدرها هكذا : سألت
أبا الحسن 7 عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل ويصوم ، أيكفّن فيها؟ قال : « أحبّ ذلك
الكفن » يعني
__________________
قميصا ، قلت :
يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقميص أحبّ إليّ » إذ لعل الألف
واللام في القميص للعهد ، يعني القميص المذكور ، ويكون المراد من قوله : ويدرج.
أنّه يدرج فيها كما يدرج غيره مع وجود ذلك القميص له. ويقرّبه أنّ القميص المعتبر
في الكفن المعمول المتعارف ليس بقميص حقيقة عرفا ، فتأمّل فيه ، إذ الإنصاف أنّه
لا يخلو عن ظهور ، لكن يبعد عن طريقة الشارح ; العمل بمثلها ، فتأمّل.
وربما يظهر من
أخبار كثيرة مثل ما ورد في بيان كيفية وضع الجريدة ، ورواية معاوية
التي سنذكرها ، وغيرها من الأخبار تعين فعل القميص ، مضافا إلى فهم الأصحاب ، نظير
ما مرّ في وجوب التغسيل ثلاثة أغسال ، فتأمّل.
قوله : وفي بعض نسخ التهذيب : ثلاثة أثواب وثوب تامّ لا أقلّ منه.
( ٢ : ٩٣ ).
لا يخفى أنّ هذا
هو الأصح ، بل الأوّل وهم ، يشهد على ذلك حزازة العبارة ، مضافا إلى أنّ الكليني ; نقلها على ما في
هذه النسخة ، ولا شكّ أنه أضبط ، سيّما إذا وافقه بعض نسخ التهذيب
وعاضدة الحزازة.
فعلى هذا ظهر أنّ
القطع الثلاثة لا يعتبر في كل قطعة منها أن تكون شاملة لجميع الجسد ، بل الظاهر
منها خلاف ذلك ، فما يظهر من عبارة الشارح ; من كون الثلاث كل واحدة منها شاملة له محلّ نظر ، وسيجيء
الكلام.
قوله : وهو غير واضح. ( ٢ : ٩٣ ).
قال شيخنا البهائي
في الحبل المتين :
__________________
وفي بعض النسخ
المعتبرة من التهذيب : أو ثوب تامّ بلفظ « أو » بدل الواو ، وقال الفاضل
مولانا عبد الله التستري في آخر حاشيته هاهنا : ولعل الأظهر « أو » كما في نسختنا ، انتهى
الكلامان.
وفي النسخة
الصحيحة المعتبرة عندي أيضا بلفظ « أو » وكتب فوقه بخط [ الناسخ ] : كذا رأيت ،
انتهى. وفي نسخة أخرى صحيحة أيضا بلفظ « أو ». ( وفي الوافي أيضا أنّ في بعض النسخ
بلفظ « أو » وكأنّه الصحيح ، انتهى ) .
( والظاهر أنّ
المراد : الكفن المفروض ثلاثة في صورة ، وثوب تامّ في صورة ، وهما صورتا الاختيار
والاضطرار ) .
وممّا ذكرنا ظهر ما في
قوله : وهو إنّما يتم. مع أنّ كونها بمعنى « أو » لعله الأظهر ، كما يشير إليه
قوله : لا أقل منه ، فتأمّل.
هذا مع أنّه يمكن
أن يكون مستند سلاّر الإطلاقات الواردة في الكفن ، مع مناقشة في دلالة هذه الأخبار
المستفيضة على وجوب الثلاثة بأنّه لعل المراد : يكفن في الثلاثة لا أزيد ، لا أنّه
لا يجوز أقل منها ، هذا بالقياس إلى أقواها دلالة ، وهي رواية سماعة ، مع أنّها
موثقة مضمرة ، والشارح لا يعمل بمثلها ، ولا يقول بالانجبار بالشهرة.
__________________
والأظهر حجّية
مثلها ، وظهور دلالتها ودلالة بعض الأخبار الأخر أيضا ، مثل ما رواه الكليني في
الكافي عن العدّة ، عن سهل ، عن البزنطي ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق 7 ، قال : « الميت
يكفن في ثلاثة سوى العمامة ، والخرقة يشدّ بها وركيه كي لا يبدو منه شيء ،
والخرقة والعمامة لا بدّ منهما وليستا من الكفن » .
هذا مع الشهرة
العظيمة التي تكاد تكون إجماعا ، وأنّه مع نهاية كثرة الأخبار الواردة في عدد
الأثواب وكيفية التكفين وغير ذلك لم ترد رواية تشير إلى أقلّ من الثلاثة ، مع عموم
البلوى وشدّة الحاجة ، وأنّه ربما يكفن من يكون وارثه صغيرا أو غائبا أو مجنونا ،
مع أنّه لم يرد أخذ الرخصة من الكبير والاسترضاء ، مع أنّ الكفن يخرج من الأصل ،
فتأمّل.
قوله : ويستفاد من هذه الروايات التخيير. ( ٢ : ٩٤ ).
لا يخفى أنّ ملحوظ
نظرهم : في هذه الأخبار بيان عدد القطع ، وأنّه لا يزاد على الثلاث ، أمّا أنّ كلّ
قطعة ما هي وبأيّ نحو فلا ، ألا ترى إلى رواية سماعة أنّه 7 قال فيها : «
وكفّن أبو جعفر 7 في ثلاثة أثواب » مع أنّه لا تأمّل في أنّ أحد الأثواب كان
قميصا له 7 ، ولعل كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كذلك ، وكذا أكفان سائر الأئمّة
: الواردة في الأخبار.
بل لا يخفى أنّ
أكفانهم كانت كذلك ، وأنّهم ما كانوا يكفنون بغير قميص ، بملاحظة الأخبار الدالة
على استحباب كون إحدى القطع القميص الذي كان يصلّي فيه ، والأخبار المستفيضة
الدالة على كون إحدى القطع هي القميص خاصة ، بل الأخبار الدالة على ذلك كثيرة ،
مثل ما ورد في بيان
__________________
كيفية التكفين
ووضع الجريدة وغيرهما ، مضافا إلى أخبار سيذكر بعضها الشارح ، ونذكر بعضها.
وممّا يدل على ما
ذكرناه ما سنذكر من أنّ أحد الأثواب هو المئزر.
وبالجملة :
الأخبار التي ورد فيها ثلاثة أثواب مجملة بالنسبة إلى خصوصية كون القطعة أيّ شيء
هي ، ولا شبهة في أنّ القميص أيضا ثوب ، كما أنّ غيره ثوب من دون تفاوت بينهما
أصلا في مفهوم الثوبية لو لم نقل كون القميص أظهر في كونه ثوبا من قطعة الكرباس
التي يحكم الشارح بأنّها الثوب خاصة ، فلا معنى لقوله : إنّ الأخبار تدلّ على
التخيير بين الثلاثة أثواب ، وبين القميص والثوبين ، فتأمّل.
قوله
: وهو محمول على
الاستحباب ، كما تدل عليه رواية محمد بن سهل. ( ٢ : ٩٤ ).
فيه : أنّه ; لا يقول بحجّية
مثل رواية محمد بن سهل ، فكيف يرجّحها على الروايات الصحيحة والحسنة ، سيّما مع
انجبارهما بأخبار أخر كثيرة معتبرة ، وبالشهرة العظيمة بل كاد أن يكون إجماعا ،
لخروج معلومي النسب ، واتفاق غيرهما على التعيين ، وكون المدار ( في الأعصار على
ذلك على الظاهر ) فتأمّل جدّا.
مع أنّ لرواية
محمد بن سهل صدرا يظهر منه أنّ القميص الذي يقول المعصوم 7 : « أحبّ إليّ »
هو القميص الذي سأله أنّه كان يصلّي فيه ، والمراد من قوله : يدرج في ثلاثة ، أنّه
يدرج كما يدرج غيره من الأموات
__________________
من دون أن يكفن في
القميص المسؤول عنه ، ويقرّبه أنّ القميص المعتبر في الكفن ليس بقميص حقيقة ، بل
له شباهة بالقميص ببعض الوجوه ، وأنّ الميت يدرج في ذلك القميص أيضا ، فتأمّل
جدّا.
وبالجملة :
الرواية ـ مع وحدتها وضعف سندها ، وضعف دلالتها ، ومخالفتها لما هو المفتي به عند
المعظم والمعمول به في الأعصار ـ كيف ترجّح على الأخبار الكثيرة الصحيحة ، والحسنة
، والمعتبرة ، المعمول بها مع الشهرة فتوى وعملا ، مع وضوح الدلالة ، فإنّ دلالتها
على لزوم كون إحدى القطع هو القميص ليست بأقصر من دلالتها على لزوم كون القطع
ثلاثا ، والشارح ; ردّ مذهب سلار بتلك الدلالة ، فتأمّل جدّا.
( ويستفاد بحسب
الظاهر أن يكون طول اللفافة أزيد من قامة الميت بقدر ، وعرضه يحيط بقطر بدنه ويزيد
بقدر يتحقق مع اللفّ والدرج ، والمتعارف في الرداء لا يزيد على القطر إلاّ قدرا
بحسب الطول ، أمّا العرض فلا يزيد عمّا بين العاتق وموضع الحزام ، ولو كان فشيء
قليل ، فتأمّل ) .
قوله : والثوبين الشاملين. ( ٢ : ٩٥ ).
لا يخفى ما فيه ،
لأنّ حكاية الشمول للجسد في كل منهما غير مستفادة ، لأنّ الثوب غير مأخوذ فيه
الشمول ، بل هو أعمّ البتّة. وسيجيء في مسألة جواز الصلاة في النجس إذا كان ممّا
لا تتمّ الصلاة به ، وفي غيرها ما يظهر من الشارح ومن غيره أيضا ما
ذكرنا.
مع أنّ حسنة
الحلبي التي هي مستند ما ذكره من اعتبار القميص
__________________
والثوبين صريحة في
أنّ أحد الثوبين كان رداء له يصلّي فيه يوم الجمعة ، وغير خفي على المتأمّل أنّ
الرداء المعروف المتعارف ليس بشامل لجميع الجسد بعنوان اللفّ والإدراج ( والجسد
بادن ) .
وفي التهذيب بسنده
عن أبي الحسن الأوّل 7 أنّه قال : « كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ،
وفي قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسين 7 ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا » ولا بدّ من حمل
ثوبي إحرامه على عدم شمول كل واحد لجميع الجسد ، وإلاّ لزم القميص مع ثلاث لفائف ،
وهو خلاف ما يظهر من الأخبار ، فتدبّر.
وربما يقرّبه كون
أحد ثوبي الإحرام المئزر ، فتأمّل ، سيّما وأن يكون يلفّ فيه فيكون لفافة أخرى ،
بل هو خلاف ما يظهر من الأخبار ، مثل رواية معاوية بن وهب عن الصادق 7 : « يكفن الميّت
في خمسة أثواب : قميص وإزار ، وخرقة يعصّب بها وسطه ، وبرد يلفّ فيه ، وعمامة » ، فظهر منها أنّ
الإزار لا يلفّ فيه الميت ، ويظهر منها إطلاق الثوب على الخرقة أيضا ، فكيف يكون
الثوب من شأنه الشمول لجميع الجسد؟! مع أنّ القميص أحد الأثواب قطعا ، وليس بشامل
له.
وممّا ذكر ظهر
فساد ما لو ادّعى ظهور الشمول في الحسنة المذكورة
__________________
من قوله 7 في آخر الخبر : «
إنّما يعدّ ما يلفّ به الجسد » إذ معلوم أنّ المراد اللفّ في الجملة ، مضافا إلى
ظهور ذلك في نفسه ، فتأمّل.
على أنّا نقول :
موثقة عمّار صريحة في عدم الشمول مع وجود القميص ، حيث قال فيها : « ثم الإزار
طولا حتى تغطّي الصدر والرجلين. » ، وهذه نصّ في إطلاق الإزار على المئزر من جهة عدم تغطية
الجميع ، ومن جهة قيد الطول ، فتدبّر.
وكذا مرسلة يونس
أيضا ظاهرة في عدم الشمول حيث قال فيها : « ابسط الحبرة بسطا ، ثمّ ابسط عليها
الإزار ، ثمّ ابسط القميص عليه ، ويرد بعد القميص عليه » الحديث . إذ يظهر
بملاحظتها ـ مضافا إلى ما سنذكر في الحاشية الآتية في الإزار ـ ما ذكرنا أيضا.
وأمّا حسنة حمران
فمن عبارة : « ولفافة » يظهر ما ذكرناه. وأمّا قوله : « وبرد يجمع » ففيه أنّ فيه
تجوّزا وخروجا عن الظاهر قطعا ، لأنّ البرد من الكفن جزما ، فالخروج عن الظاهر
إمّا في « يجمع » أو كلمة « في » أو مرجع الضمير ، أو لفظ الكفن ، فتعين أحدهما
بحيث يكون أظهر من الظهور السابق ومن جميع ما ذكرناه سابقا فمحلّ تأمّل ، مع أنّها
متضمّنة لوضع الكافور في المنخر وجميع المفاصل ، فتأمّل.
قوله : والثوبين الشاملين. ( ٢ : ٩٥ ).
فيه ـ مضافا إلى ما
عرفت في الحاشية السابقة ـ : أنّ قيد الشمول
__________________
غير مأخوذ في
الثوب قطعا ، وهذا ـ مع وضوحه ـ سيجيء من الشارح الاعتراف به في مسألة نجاسة ثوب
المصلّي ، والعفو عمّا لا يتمّ الصلاة .
وروى الكليني
والشيخ ، عن معاوية بن وهب ، عن الصادق 7 :
« يكفن الميت في
خمسة أثواب : قميص ، وإزار ، وخرقة يعصب بها وسطه ، وبرد يلفّ فيه الميت » ، وهذه في غاية
الظهور في أنّ الإزار غير اللفافة ، وأنّ الثوب يطلق على الخرقة ، ويدل على ذلك
أخبار كثيرة ، ومعلوم أنّ المراد من الإزار هنا هو الذي يسميه الفقهاء بالمئزر.
في الصحاح أنّ موضع
الإزار من الحقوين ـ إلى أن قال ـ : المئزر الإزار ، كقولهم : الملحف واللحاف . وفي القاموس :
الإزار : الملحفة [ ويؤنّث ] كالمئزر . وعرّفوا في اللغة الرداء بأنّها ملحفة معروفة ، وفيه أيضا :
الحقو : الإزار أو معقده ، وفي باب الراء : الأزر بالضم : معقد الإزار ، وفي الكنز :
الإزار : لنگ كوچك ، والظاهر أنّ غيرهم من اللغويين صرّحوا ، وليس عندي من
كتبهم حتى أذكر.
__________________
وصرّح شيخنا
البهائي وغيره أنّ الإزار هو المئزر ، ويظهر من الفقهاء أيضا في
مبحث الاتزار فوق القميص من مبحث الصلاة وغير ذلك.
والأخبار متواترة
في ذلك ، بل لا يظهر من الأخبار إلاّ كون الإزار هو المئزر ، مثل ما ورد في الإزار
فوق القميص والإمامة بغير رداء ، والصلاة مكشوف الكتفين ، وما ورد في
دخول الحمام ، وقراءة القرآن فيه ، والنورة فيه بأنّ يلفّ الإزار على الإحليل ، وفي ثوبي
الإحرام ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.
بل روى عبد الله
بن سنان في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 : كيف أصنع بالكفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فتشدّ على مقعدته
ورجليه » قلت : فالإزار؟ قال : « إنّها لا تعدّ شيئا ، إنّما تصنع لتضمّ ما هناك »
إلى أن قال : « ثمّ الكفن قميص غير مزرور ، وعمامة يعصّب بها رأسه ، ويردّ فضلها
على رجليه » يعني إذا كانت الخرقة لا بدّ منها فما يصنع بالإزار ،
لأنّها تغني عن الإزار ، فأجاب 7 بأنّ الخرقة لا تعدّ شيئا من الكفن بل إنّما تصنع لتضمّ ما
هناك ، وأمّا الإزار فإنّه يعدّ من الكفن ، وهو أحد قطعه.
وهذا ينادي بأنّ
المراد من الإزار المئزر ، وأنّه لا بدّ منه في الكفن ،
__________________
وأنّ أخذه من
الكفن كان مشهورا معروفا عند الشيعة ، بحيث ما كان عندهم تأمّل في ذلك ، وهذه
الصحيحة صريحة أيضا في أنّ القميص لا بدّ منه في الكفن.
وفي الفقه الرضوي
أيضا عين عبارة هذه الصحيحة ، مع صراحة رجوع ضمير « إنّها » إلى الخرقة ، مع أنّه
لا شبهة في رجوعه إليها.
وفي الفقه الرضوي
أيضا أنّه 7 قال : « يكفن بثلاثة أثواب : لفّافة وقميص وإزار » .
وهذا أيضا ينادي
بأنّ المراد من الإزار هو المئزر ، موافقا لغيره من الأخبار ، وكلام اللغويين ،
وكلام الفقهاء ، إذ لو كان المراد منه اللفافة لكان يقول : قميص ولفافتان ، وهذا
أيضا ممّا يدل على اعتبار القميص في الكفن كغيره من الأخبار.
وفي صحيحة محمد بن
مسلم عن الباقر 7 : « يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة
في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين » والمراد من المنطق هو الإزار ، كما سيجيء مفصّلا مشروحا.
وفي موثقة عمار في
كيفية تكفين الميت : « ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ، ثمّ تذر عليها من الذريرة ،
ثم الإزار طولا حتى يغطّي الصدر والرجلين ، ثمّ الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثم
القميص ، تشدّ الخرقة على القميص » ، الحديث.
__________________
وهذا أيضا صريح في
أنّ الإزار هو المئزر ، وأنّه لا بدّ منه في الكفن ، بأنّه أحد قطعه ، وأنّ القميص
أيضا لا بدّ منه ، غاية ما في الباب أنّه يظهر منه كون الإزار فوق القميص ، ولعله
من تشويشات رواية عمّار ، أو يكون ذلك أيضا جائزا ، كما أنّ شدّ الإزار من الصدر
إلى الرجلين لعله أيضا من المستحبات كالأحياء ، فتأمّل.
وفي مرسلة يونس
عنهم : : « ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ، ثم ابسط القميص عليه ، وترد بعد
ـ كما في نسخة ـ أو مقدّم ـ كما في أخرى ـ القميص عليه » الحديث .
وهذا أيضا ظاهر في
كون الإزار هو المئزر ، مضافا إلى ثبوت ذلك لغة وأخبارا ونقلا من الفقهاء ، كما
عرفت.
ويدل على اعتبار
القميص أيضا ما في حسنة الحلبي من قوله 7 :
« أحدها رداء له
يصلّي فيه الجمعة » ربما يكون له ظهور ، لأنّ الرداء على ما هو المتعارف لا
يكاد يكون شاملا لمجموع الشخص ، سيّما وأن يكون بادنا ، فإنّه 7 كان كذلك.
وفي التهذيب بسنده
عن أبي الحسن الأوّل 7 ، قال : « كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي
قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسين 7 ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا » ، الحديث ، ولا
بدّ من أن يكون أحد أثوابه غير شامل لجميع جسده 7 البتّة ، لأنّه يلزم كون الكفن قميصا وثلاث لفائف ، وهو
ممنوع منه ، كما
__________________
يظهر من الأخبار
وكلام الأخيار.
مع أنّ المتعارف
أنّ ثوبي الإحرام ليس كل واحد منهما شاملا لجميع الجسد.
وقد ظهر من جميع
ما ذكرناه أنّ الأخبار متفقة على الدلالة على ما ذكره الأصحاب والمشهور منهم ،
وتدل بأجمعها على خلاف ما ذكره الشارح. مضافا إلى أنّ ما ذكره المشهور من المئزر
والقميص لا شك في دخولهما تحت ثلاثة أثواب ، لما عرفت من عدم قيد الشمول في الثوب
قطعا ، فالتكفين على طريقة المشهور لا شك في صحته ولا تأمّل في شرعيته ، وإن قطعنا
النظر عمّا ذكرنا من الأخبار وكلام اللغويين وغير ذلك مع أنّهم يقولون باستحباب
اللفافة الأخرى.
فإن قلت : يمكن أن
يكون حسنة حمران لها ظهور في ما ذكره.
قلت : ليس كذلك ،
إذ ليس قيد الشمول لجميع الجسد مأخوذا في اللفافة أيضا بحسب اللغة ، بل في بعض
الأخبار استعمل لفظ اللفافة في الخرقة ، ومع ذلك ، الظاهر من قوله 7 : « وبرد يجمع
فيه الكفن » أنّه الشامل لجميع الجسد ، وليس اللفافة المذكورة شاملة له ، فتأمّل
جدّا.
وما ذكره عن
الصدوق في من لا يحضره الفقيه في غاية الظهور في كون المراد من الإزار المئزر ،
وصرّح جدّي بأنّ ذلك مراده . هذا مضافا إلى ما ذكرناه عن اللغويين والفقهاء ، خصوصا
الصدوق ، فتأمّل كلامه في الفقيه في المواضع التي أشرنا إليها.
__________________
قوله : أو الأثواب الثلاثة. ( ٢ : ٩٥ ).
مقتضى ما يظهر من
كلامه أنّ كل واحد منها يكون شاملا لجميع الجسد ، وفساده ظاهر ، إذ الثوب غير
مأخوذ فيه قيد الشمول قطعا ، مضافا إلى ما ذكرناه.
وممّا يعضد ذلك
أنّه ورد في الأخبار المستفيضة الأمر بنشف الميت بعد الغسل بثوب ، ولا شك في
تحققه وصدقه على النشف بالمئزر ، بل المنشفة أظهر أفراد ما ذكر. وإن أراد أن ذلك
يظهر من الأخبار ، ففيه : أنّه ليس فيها إلاّ كونها ثلاثة أثواب ، مضافا إلى ما
أشرنا من أنّ الغرض ليس إلاّ ذكر العدد ، وأمّا الكيفية فلا ، بل يظهر خلاف ذلك من
أنّ أحدها القميص ، وأنّ كل واحد منها ليس بتامّ ، إلى غير ذلك.
وإن أراد أنّ
الثوب مطلق غير مقيد بكونه مئزرا ، وإن كان المئزر أحد أفراده ، وأنّ ما ذكره
الشيخان يتحقّق به الكفن الصحيح قطعا إلاّ أنّ الكلام معهما في التعيين وعدم صحة
الغير ، بل مقتضى الأخبار صحة كلما صدق عليه اسم الثوب.
ففيه : أنّه خلاف
ظاهر كلامه.
مضافا إلى ما
أشرنا إليه من وهن دلالة الإطلاق ، بل وعدمها ، وقد أشرنا أيضا إلى ما يمكن أن
يجعله عذرا لهما ، ولمن تبعهما ، متأيّدا بالشهرة التامّة بين الفحول من فقهائنا
المتقين الماهرين ، الموصين غيرهم بالمبالغة التامّة والاحتياط الزائد في مقام
الإفتاء ، فكيف يتفقون في الإفتاء بما لا منشأ له أصلا ، بل مخالف لمقتضى الأخبار
التي هي مستندهم في
__________________
فتاواهم؟! ومع ذلك
يتفقون بحيث لا يظهر لهم مخالف ، إذ الصدوق ستعرف أنّه موافق لهم لا مخالف.
وأمّا ابن الجنيد
فكونه مخالفا لهم غير معلوم ، إذ لا يظهر من كلامه كون كل قطعة شاملا لجميع الجسد
، لأنّه قال : يدرج في مجموع الثلاثة ، لا كل واحد واحد منها ، غاية ما يظهر عدم
وجوب المئزر لا عدم صحته ، ومثل هذا الخلاف منه سهل ، كما لا يخفى على المطّلع
بحاله في سائر المسائل ، فتأمّل.
وبالجملة : لا
يظهر من تأمّل في حكمهم إلاّ الشارح وبعض من تبعه ، بل ربما يكون
مقلّدا له ، فتأمّل.
لكن المستفاد من
بعض الأخبار كون القميص تحت الإزار الذي يظهر كونه المئزر ، بل وتحت الخرقة التي
يشدّ بها الفخذين أيضا.
وبالجملة : لو بنى
على أنّ الثوب الوارد في تلك الروايات مطلق شامل لكل ما يصدق عليه اسم الثوب فلا
شك في شموله للمئزر وصدقه عليه ، فيجب الحكم بصحة جعله أحد الأثواب قطعا ، سيّما
مع ملاحظ كثير من الأخبار الدالة على أنّ أحدها المئزر ، مثل صحيحة عبد الله بن
سنان ، وصحيحة محمد بن مسلم الآتية في بحث النمط ، ورواية معاوية بن وهب ، وموثقة
عمار وغيرها ممّا أشرنا وما لم نشر ، مضافا إلى كلام الفقهاء. ولو بنى على أنّها
ليست شاملة سوى ما يشمل جميع الجسد ، فقد عرفت الفساد ، وممّا دل على فساده أيضا
صحيحة زرارة ، كما أشرنا. ولو بنى
__________________
على عدم الإطلاق
والشمول أصلا كما أشرنا ، فكيف يدعي أنّ المستفاد التخيير الذي ادعاه؟! فتأمّل.
قوله : وقريب منه عبارة الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، فإنّه قال
: والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة. ( ٢ : ٩٥ ).
قال جدّي العلاّمة المجلسي ; في شرحه على الفقيه : الظاهر أنّ المراد منه المئزر ، ووجهه ظهر ممّا
ذكرنا في الحاشية السابقة ، وقال أيضا فيه : ويظهر من بعض الأخبار جواز إبدال أحد
الثوبين بالمئزر ، فتأمّل.
قوله : سوى العمامة والخرقة. ( ٢ : ٩٥ ).
لا يخفى أنّ
الإزار يطلق على الملحفة وعلى المئزر لغة وعرفا وفي اصطلاح الشارع إطلاقا شائعا
متعارفا لا شك فيه ولا شبهة تدانيه ، وفي القاموس : الحقو : الكشح والإزار ، ويكسر
، أو معقده. وفي باب الراء : الأزر بالضم : معقد الإزار ، وبالكسر : الأصل ، وبهاء
: هيئة الائتزار .
ويظهر من الفقهاء
، ومنهم الصدوق في الفقيه في مواضع ، منها في كراهة التوشح والائتزار فوق القميص
للمصلّي ، وسيجيء في مبحثه .
ويظهر من الأخبار
الكثيرة غاية الكثرة ونهاية الوفور ( فورد ما قالوا في ثوبي الإحرام وما ورد من
الأخبار فيهما ، إلى غير ذلك ) على ما
__________________
أظن ، ومنها ما
ورد في ذلك المبحث ، وما ورد في الصلاة في الثوب الواحد غير الحاكي ، وما ورد في
الإمامة بغير رداء ، وما ورد في الصلاة مكشوف الكتفين ، وما ورد في
دخول الحمام ، وقراءة القرآن فيه ، ولفّ الإزار على الإحليل حال إطلاء النورة ، إلى غير ذلك.
ولا يخفى أنّ
الظاهر من الصدوق ; هنا أيضا المئزر لا لفافة أخرى ، مع أنّ الملحفة إنّما هي
الثوب الذي يلبس فوق الثياب كلها ، ونصّ عليه أهل اللغة أيضا ، فيبعد إرادته هنا
غاية البعد ، كما لا يخفى ، والظاهر من عبارة الفقه الرضوي أيضا ذلك ، كما قاله
خالي العلاّمة المجلسي ; والظاهر من موثقة عمار أيضا ذلك.
وفي التهذيب في
الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله 7 : كيف أصنع بالكفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فتشدّ على مقعدته
ورجليه » قلت : فالإزار؟ قال : « إنّها لا تعدّ شيئا ، إنّما تصنع لتضمّ ما هناك ،
لئلاّ يخرج منه شيء » .
ولا يخفى على
المتأمّل أنّ مراده من الإزار هنا المئزر ، لأنّ الراوي لمّا سمع حكاية الخرقة قال
: فالإزار لأيّ شيء يعتبر بعد اعتبار الخرقة؟ لأنّ الخرقة تغني عنه ، فأجاب 7 أنّ الخرقة ليست
معدودة من الكفن ، بل لفائدة أخرى لا دخل لتلك الفائدة في حكاية الكفن.
ويعني 7 أنّ الكفن يعتبر
من حيث إنّ الميت يلفّ فيه ، كما مرّ في
__________________
حسنة الحلبي ،
وغير خفي أنّ الإزار إذا كان لفافة لا مناسبة لها في كونها مستغنى عنها بعد الخرقة
، لأنّ الخرقة تستر العورة ستر المئزر لها ، ولا يستر جميع البدن.
مع أنّ القميص ليس
بأدون من اللفافة ، إن لم يكن أولى منها في الأمر المذكور ، مع أنّ الظاهر منها
أنّ المعتبر إزار واحد لا إزارين ، ولا ثلاثة آزار ، فتأمّل.
على أنّا نقول :
الملحفة ما هي فوق جميع الثياب ، كما أشرنا ، وليس بمأخوذ فيه قيد الشمول لجميع
الجسد ، ولذا عرّفوا الرداء بأنّها ملحفة معروفة ، فحمل ما نحن فيه على الملحفة
وإرادة الشمول فاسد من جهتين ، فلا بدّ من الحمل على المئزر ، لانحصار الإطلاق
فيهما ، بل قال في الصحاح : موضع الإزار من الحقوين ـ إلى أن قال ـ : المئزر
الإزار ، كقولهم : الملحف واللحاف ، ولعل هذا هو الظاهر من القاموس أيضا ، فلاحظ.
وكتب شيخنا
البهائي في الحبل المتين على صحيحة ابن سنان المذكورة : الإزار يراد به المئزر وهو
الذي يشدّ من الحقوين إلى أسافل البدن وقد ورد في اللغة إطلاق كل منهما على الآخر ، إلى آخر ما
قال. ووافقه على كون الإزار في هذه الصحيحة هو المئزر غيره من الفقهاء .
وممّا يشير إلى
كون الإزار في كلام الصدوق هو المئزر ـ وعلى ما ذكرناه وذكر جدّي ـ قوله بعد ذلك :
فمن أحبّ أن يزيد لفافتين حتى
__________________
يبلغ العدّة خمسة
أثواب فلا بأس ، فتأمّل. لكن كلامه ; نصّ في أنّ الإزار فوق القميص ، كما يظهر من موثقة عمار
ومرسلة يونس ، لكن في بعض نسخ التهذيب في المرسلة : « وبردا بعد القميص عليه »
بالألف الذي هو علامة النصب ، فتكون صريحة في كون البرد هنا هو المئزر ، وأنّه تحت
القميص ، وربما كان في صحيحة ابن سنان إشعار بذلك أيضا ، وربما كان ما ذكرنا مستند
القوم في كونه تحتا ، فتأمّل.
وفي الفقه الرضوي
: « يكفن بثلاثة أثواب : لفافة وقميص وإزار » انتهى ، ولا تأمّل في أنّ الإزار هنا ليس اللفافة ، وإلاّ
كان يقول : لفافتين ، فظهر أنّه المئزر. وأنت لو تتبعت الأخبار وجدت أنّ إطلاق
الإزار على المئزر لا حدّ له ولا إحصاء ، وفي الفقه الرضوي عبّر عن الخرقة
المشقوقة بالمئزر ، وتبعه الصدوق ، وفي الفقه الرضوي عين عبارة صحيحة عبد الله بن
سنان المتقدمة مع صراحة رجوع ضمير إنّها إلى الخرقة التي تشدّ بها الوركين ، وسيجيء
عند قول المصنف : ونمطا ، ما يزيد على ما في المقام .
قوله : وذلك لأنّ الضرورة تجوّز دفنه بغير كفن ، فبعضه أولى. ( ٢
: ٩٥ ).
لا يصير هذا دليلا
لوجوب القطعة ، ولا رجحانها ، ولا دليل عدم وجوب الباقي ، لمنع تأتّي الأولوية
الشرعية ، بل دليله ما سيجيء من عدم وجوب بذل الكفن على المسلمين في صورة ، وعدم
الحرج والتكليف بالمحال في صورة ، ودليل وجوب القطعة لعله الاستصحاب ، أو الأخبار
،
__________________
مثل : « الميسور
لا يسقط بالمعسور » وغيره ، وعمومات التكفين وإطلاقاته ، والإجماع ، فتأمّل ،
وصحيحة زرارة ربما تدل على ذلك. فتأمّل.
قوله : فعلم منه أنّه لو كان القزّ صرفا لم يجز. ( ٢ : ٩٦ ).
فيه : أنّه ظاهر
في اشتراط كون القطن أكثر ، وأنّه لو لم يكن كذلك يكون فيه بأس ، مع ضعف السند.
فالعمدة الإجماع المدّعى ، وتماميته في المرأة تتوقف على الثبوت ، وإن كان ظاهر
الدعوى العموم ، فتأمّل ، فلا شكّ في أنّ الأحوط والأولى المنع.
قوله : لأنّ الثوب إنّما يطلق في العرف على المنسوج. ( ٢ : ٩٦ ).
فيه تأمّل ، وإن
كان الأحوط الترك حال الاختيار.
قوله : لصدق اسم الثوب. ( ٢ : ٩٦ ).
والأحوط أن يكون
ساترا للّون والحجم.
قوله : وينبغي العمل على الرواية الأولى. ( ٢ : ٩٧ ).
لعله لا يخلو عن
الإشكال بعد ورود المنع في غير واحد من الأخبار بالنسبة إلى البعض ، مثل المسامع
والبصر في بعض الأخبار ، مع الاعتضاد بعمل الأصحاب والشهرة.
قوله : وطالبه ابن طاوس بالمستند. ( ٢ : ٩٩ ).
لعل المستند عبارة
الفقه الرضوي فإنّها صريحة في ما ذكره الأصحاب ، إلاّ أنّه في الفقه الرضوي : لا
أقلّ من مثقال .
__________________
قوله
: وأنت خبير بأنّ هذه الروايات. ( ٢ :
١٠٠ ).
روى الشيخ بسنده
عن أبي الحسن الأوّل 7 يقول : « كفنت أبي في ثوبين شطويين ، وفي قميص من قمصه وفي
عمامة كانت لعلي بن الحسين 7 ، وفي برد اشتريته
بأربعين دينارا » يظهر منها أنّ البرد زائد عن الثلاثة ، لكن تعارضها
الأخبار الكثيرة المتضمّنة لكون الكفن ثلاثة أثواب ، بل والمنع عن الزيادة ، مثل
حسنة الحلبي ، وصحيحة زرارة المتقدمة ، إلاّ أن تحمل هذه الرواية على كون البرد
غير داخل في الكفن حقيقة ، كما تدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق 7 ، قال : « البرد
لا يلفّ ولكن يطرح عليه ، فإذا أدخل القبر وضع تحت خدّه وتحت جنبه » وربما يؤيّده ما
ورد في الأخبار من كون الكفن أبيض ، وما ورد من كونه قطنا ، مضافا إلى ما
نقله المحقق ، وما ورد من أنّ شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرش تحت
الرسول في القبر قطيفة ، فتأمّل.
قوله : وخذ خرقة طويلة عرضها شبر. ( ٢ : ١٠٢ ).
وفي رواية عمّار :
طولها ثلاثة أذرع ونصف ، كما ذكره المصنف.
قوله : ولفافتين. ( ٢ : ١٠٥ ).
ربما يقال : إنّ الظاهر
أنّ أحد اللفافتين في هذا الحديث هو ما يشدّ به الثديان ، كما فهمه الشيخ ، ولذا
جعل الحديث دليلا عليهما ، والأظهر أنّه
__________________
اللفافة الزائدة ،
كما فهمه المستدلون وستعرف.
قوله : ولعل المراد به هنا ما يشدّ به الثديان. ( ٢ : ١٠٥ ).
بعيد جدّا ، لعدم
المناسبة بين معنى المنطق وبينه لغة ، لا بالنسبة إلى موضع الشدّ ، ولا بالنسبة
إلى الهيئة ، إذ الناطقة لغة الخاصرة ، فالمنطق والمنطقة والنطاق ما يشدّ بها ،
وفي القاموس : المنطق شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها ، إلى آخر ما قال ، فلاحظ.
وممّا يبعّد إرادة
ما ذكره اشتراط كون المرأة عظيمة ، إذ الظاهر أنّ المراد كونها متموّلة ، كما صرّح
جدّي ; وهو المناسب للمقام ، والموافق لفتوى الأصحاب ، والخبر الآخر ، فتأمّل.
فالأظهر أنّ
المراد هو المئزر ، كما حكم به الشهيد في الذكرى ، وشيخنا البهائي
، وغيرهما من الفقهاء ، ومنهم المستدلّون. فالظاهر أنّ الزائد هو الخمار
وإحدى اللفافتين ، والباقي مشترك بين الرجل والمرأة.
لا يقال : المنطق
ـ على ما يظهر من القاموس ـ شقّة تلبسها المرأة ، فكيف يجعل مشتركا؟!
قلت : الدرع أيضا
لغة قميص المرأة لا مطلقا ، ولا شكّ في أنّ القميص هناك من الثوب المشترك ، فمن حيث
النسبة إلى المرأة سمّي درعا ، فكذا الحال في المنطق ، والخصوصية فيهما غير معتبرة
إجماعا ، ولا يقتضي ذلك العدول إلى معنى أجنبي على ما أشرنا ، بل الظاهر أنّ
الإضافة
__________________
إلى المرأة صارت
منشأ للإطلاقين.
على أنّه يظهر من
اللغويين تسمية تلك الشقّة بالمنطق والنطاق من جهة شدّها على الخاصرة ، بل ربما
كان حقيقة لغة مع عدم الخصوصّية كالجبّة ، فلاحظ اللغة وتدبّر ، ومرّ في ما سبق ما
يؤكّد ما في المقام ، وفي المفاتيح : المنطق بكسر الميم : الإزار .
نعم لا يدل على
كونها نمطا ، ولا على زيادة لفافتين ، كما هو ظاهر عبارة المحقّق ومن شاركه ، وفي
الظن أنّ المستدلين ما استدلوا بها إلاّ على ما ذكر ، لا على أحد الأمرين
المذكورين ، وأيّ عاقل يستدل عليه؟ فضلا عن أن يكون فقيها ، فضلا عن اتفاق جمع من
الفقهاء عليه.
مع أنّه لم يظهر
قائل بثلاث لفائف ، بل يقولون : إنّ النمط يستحب للمرأة ، كما ذكره الشارح عن
الأصحاب ، وعبارة المصنّف لا دلالة فيها على الثلاث ، وإن كانت ربما توهم ، وهم
متفقون على أنّ المنطق في هذه الرواية هو المئزر ، كما أشير إليه ، فاستحباب نفس
الزيادة يظهر من هذه الصحيحة ، كما استدلوا ، وكون الزائد النمط يظهر من فتاواهم ،
ومرّ جواز التسامح في أدلة السنن ، وبناء الشارح أيضا على التسامح في أمثال المقام ،
فتأمّل.
قوله : ويستحب كونه أبيض ( ٢ : ١٠٦ ).
ورد الأمر بكون
الكفن أبيض في خبرين .
قوله : وتنثر على الحبرة. ( ٢ : ١٠٦ ).
__________________
في بعض الأخبار
أنّ الميت لا يقرب إليه طيب سوى الكافور ، لأنّه بمنزلة المحرم .
قوله : ولم نقف على مستنده. ( ٢ : ١٠٧ ).
يظهر ذلك من بعض
الأخبار .
قوله
: ولا بأس به وإن
كان الاقتصار على ما ورد به النقل أولى. ( ٢ : ١٠٧ ).
لأنّ المقام مقام
العمل من دون إفتاء بكون ذلك مستحبا من الشرع ، فإنّ الحرام والممنوع هو التشريع ،
فإذا فعل فعل لا بنيّة الإدخال في الدين والبناء عليه لا يكون فيه ضرر ولا مانع
شرعا ، لأنّ الأصل براءة الذمّة ، فإذا رجا أحد أن يكون [ فعل ] من الأفعال وشيء
من الأشياء يصير حرزا ويعفو الربّ بواسطته بحسب رجائه من عقله لا يكون إدخالا في
الدين وزيادة في الحكم الشرعي ، لأنّه لم يحكم أنّه حكم الشارع ، لكن ظاهر المصنّف
أنّه مستحب شرعي ، إلاّ أنّ يوجّه كلامه ، أو يقال : إنّه اطلع على دليل ، أو يقال
: إنّه يستحسنه العقل ، فيكفي كلّ ذلك للحكم شرعا في مقام الاستحباب ، للتسامح
فيه.
وفي الاحتجاج في
مسائل الحميري عن الصاحب 7 : روي لنا أنّ الصادق 7 كتب على إزار ابنه إسماعيل : « إسماعيل يشهد أن لا إله
إلاّ الله » فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟ فأجاب : « يجوز ذلك
» .
__________________
وفي كشف الغمة أنّ
بعض الأمراء السامانية كتب الحديث الذي رواه الرضا 7 لأهل نيشابور بسنده عن آبائه عن الربّ تعالى بالذهب ، وأمر
بأن يدفن معه ، فلمّا مات رئي في المنام فقال : غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلاّ
الله ، وتصديقي بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأنّي كتبت هذا الحديث تعظيما واحتراما
، فتأمّل.
وفي الاحتجاج أيضا
: سئل الصاحب 7 عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، يجوز أم لا؟ فأجاب :
« يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله » .
وفي غيبة الشيخ عن
أبي الحسن القمّي أنّه دخل على أبي جعفر محمد بن عثمان العمري 2 ، وهو من النواب
الأربعة وسفراء الصاحب 7 ، فوجده وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آيات من القرآن
وأسماء الأئمّة : على حواشيها ، فقلت : يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال : لقبري
، يكون فيه وأوضع عليها ـ أو قال : أسند عليها ـ وفرغت منه وأنا في كل يوم انزل
عليه أجزاء من القرآن ، الحديث. وربما يستفاد ممّا ذكر أنّ أمثال الأمور
المذكورة لا استخفاف فيها ، فتأمّل.
ونقل أنّ الكاظم 7 كفّنه العباس
بكفن مكتوب فيه تمام القرآن ، فتأمّل.
قوله : ويجعل معه جريدتان. ( ٢ : ١٠٨ ).
__________________
خضراوان ، كما هو
مقتضى الأخبار ، بل ورد المنع عن اليابس صريحا في بعض الأخبار .
قوله : وهذه الرواية معتبرة السند. ( ٢ : ١١٠ ).
وبعد هذه قال
الشيخ والكليني : وروى علي بن إبراهيم في رواية أخرى قال : « يجعل بدلها عود
الرّمان » ، والشهيد بعد ذكر شجر الخلاف ذكر عود الرّمان .
قوله : أو في قبره. ( ٢ : ١١٢ ).
مستنده فيه رواية
سماعة عن الصادق 7 : « يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة » ، الحديث.
قوله : وهو حسن. ( ٢ : ١١٢ ).
لا يخلو من تأمّل
، إذ مع قطع النظر عن الروايات لم نجد العموم الذي ادّعاه ، واقتضاء الجزم بالقدر
المشترك إيّاه محلّ تأمّل ، ووظائف الميت متلقاة توقيفا ، كما ستعرف به. مع أنّ
الظاهر من الأقوال جميعا الوضع في القبر اختيارا ، كما هو مقتضى غير واحد من
الأخبار. مع أنّ مستند المشهور معتبر من حيث السند ، مع الانجبار بالشهرة ، فلا
عدول عنه.
قوله : ولم أقف في هذا الحكم على أثر. ( ٢ : ١١٣ ).
__________________
دليله عبارة الفقه
الرضوي ، وهو من الكتب التي عند الصدوق صحيحة ، وحجّة بينه وبين
الله ، كما لا يخفى على المطلع بفتاويه في الفقيه ، وكذا المفيد في المقنعة (
فإنّها كثيرا من عبارة فقه الرضا ) والأصحاب أيضا يعملون بما فيه ، كما لا يخفى على المطلع.
قوله : ولا تجعل في منخريه. ( ٢ : ١١٤ ).
وفي حسنة حمران :
« ولا تقرب أذنيه شيئا من الكافور » ، وورد في بعض الأخبار النهي عنه مؤكّدا ، وضعف السند
منجبر بعمل الأصحاب ، فالأولى اختيار هذا.
قوله : وجب غسلها ولم يجب إعادة الغسل. ( ٢ : ١١٦ ).
في الفقه الرضوي
كما ذكره المصنف بعد التصريح بعدم إعادة الغسل ، وبناء فتوى الأصحاب على هذا ، كما
لا يخفى على المطلع.
قوله : فإن انتقض منه شيء استقبل به الغسل استقبالا. ( ٢ : ١١٦ ).
في هذه العبارة
إشعار بأنّ مراد ابن أبي عقيل بالحدث في أثناء الغسل ، لأنّه قال : استقبل
استقبالا ولم يقل : يعيد إعادة ، فتأمّل.
قوله : والجواب أوّلا بالطعن في السند. ( ٢ : ١١٧ ).
مراسيل ابن أبي
عمير مقبولة على ما هو التحقيق ، سيّما مثل هذه المرسلة التي شاركه غيره ، وسيّما
وهو أيضا مثله لا يروى إلاّ عن الثقة ،
__________________
وخصوصا وهما معا
يقولان عن غير واحد المؤذن بشيوع ذلك وثبوته لديهما عن مشايخهما وهم الأعاظم ، ولا
أقل فيهم عظيم منهم.
قوله : وعدم توثيق الكاهلي. ( ٢ : ١١٧ ).
لكنّه من
الممدوحين ، مع أنّ الراوي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر.
قوله :
وثانيا بالمعارضة
برواية روح المتقدمة. ( ٢ : ١١٧ ).
وورد أخبار أخر
موافقة لرواية روح ، لكن دلالة الروايتين أقوى ، لاحتمال إرادة الخروج من غير
إصابة الكفن في تلك الأخبار ، ويقرّبه أنّ إحدى تلك الروايات رواية الكاهلي ،
فتأمّل.
نعم ربما يؤيّد
تلك الروايات ما ذكره من أنّ في القرض إتلافا للمال.
وحمل الروايتين
على ما بعد الدفن بعيد ، إذ لو كان المراد ذلك وكان فرق بين الصورتين شرعا لما قال
: بعد الغسل وبعد ما يكفن.
ويمكن الحمل على
ما إذا تعسّر الغسل بناء على أنّ غالب الصور كذلك ، فتأمّل.
وحمل تلك الروايات
على عدم التعدي إلى الكفن محتمل ، لكن قد عرفت ما أشرنا عن الفقه الرضوي.
قوله : كفن المرأة على زوجها. ( ٢ : ١١٨ ).
كونه من تتمّة
الخبر غير ظاهر ، لاحتمال كونه من كلام الصدوق ، كما لا يخفى على المطلع ، بل
الثاني أقرب ، وأنّه إشارة إلى نفس رواية السكوني ، كما لا يخفى على من له ذوق
سليم ، وكيف كان لا تأمّل في
__________________
الحجّية ،
للانجبار بعمل الأصحاب.
مع أنّ الضعف من
جهة السكوني لا يخلو عن الضعف ، كما كتبناه في الرجال .
وممّا يؤيّد كون
التتمّة من كلام الصدوق أنّ الشيخ روى الصحيحة المذكورة بعينها إلى قوله : من جميع
المال ، من دون ذكر التتمّة ، ثم بعد ذلك بورقتين تقريبا روى رواية السكوني . والأصحاب مثل
المحقق وغيره نقلوا رواية السكوني مستندا للمسألة. مع أنّه لو كان تتمّة
لكان المناسب أن يقول : وكفن المرأة على زوجها بدون ذكر ( وقال 7 ) لأنّه على هذا
يكون لغوا بل مشيرا إلى خلاف المطلوب.
قوله : لأنّها التي ينصرف إليها الذهن عند الإطلاق. ( ٢ : ١١٨ ).
وكذا المطيعة ،
إلاّ أنّ الأحوط اعتبار العموم.
قوله : وهو كذلك. ( ٢ : ١١٩ ).
مع أنّه لا يخلو
عن إشكال ، لكون الصورة من الفروض النادرة بالقياس إلى الرهن ، فتأمّل.
قوله : يكون من الثلث. ( ٢ : ١١٩ ).
بل يقدم ما هو
اللائق بحاله أيضا. ومع وجود الصغير والمجنون ونزاع الورثة يحتمل ، بناء على إطلاق
الأخبار ، بل ولعلّه أظهر الأفراد ،
__________________
ويحتمل العدم ،
لقوة ما دل على تعلق حق صاحب الحق ، ولأنّ المستحبات أيضا من اللائق بحاله ، فأيّ
فرق بينهما؟ ولعله أحوط بالنظر إلى مثل الطفل وأمثاله ، والحال في الدين أشدّ.
قوله : كحرمته حيّا. ( ٢ : ١٢٠ ).
احترام المؤمن من
حيث إنّه احترامه مستحب ، فعله لذا لا دلالة في الخبر على الوجوب ، فتأمّل.
قوله : على أنّ الفضل بن يونس كان واقفيا. ( ٢ : ١٢٠ ).
وإن كان واقفيا
إلاّ أنّه ثقة ، فيكون خبره حجّة على ما حقّقناه في الرجال ، سيّما والراوي
عنه الحسن بن محبوب ، ومع ذلك مضمونه موافق للأخبار الأخر والعمومات ، لأنّ حرمة
الميت كحرمة الحيّ من المؤمن ، وورد في الأخبار ، ولا شبهة في
الجواز بالنسبة إلى الحي. مع أنّه داخل في سبيل الله على الأقوى. مع أنّ الظاهر
أنّ الخبر معمول به وحجة عند المشهور وكثير من الأصحاب. مع أنّ ما ذكره من القياس
بطريق أولى لا يخلو من تأييد ظاهر ، فمع جميع ما ذكر لا وجه للتوقف ، فتأمّل.
نعم المستفاد منه
تقديم الدفع إلى الورثة حتى أنّهم يجهّزون ، ولا شبهة في ذلك صونا للمؤمنين عن
خلاف الحرمة.
قوله : ولا محلّ له سوى التركة إجماعا. ( ٢ : ١٢١ ).
لم يستدل على
التقديم ، لعدم ظفره بدليله ، إلاّ أن يكون مراده الإجماع على وجوبه في التركة ،
وإن كان الحقوق الأخر موجودة ، لكنه خلاف مدلول كلامه. وبالجملة : إن كان إجماع
على التقديم ، وإلاّ فالظاهر
__________________
من الأخبار خلاف
ذلك.
قوله : أجمع العلماء كافة على استحباب تشييع الجنازة. ( ٢ : ١٢٢ ).
ويكره الركوب ،
لما رواه في التهذيب في الصحيح عن الصادق 7 :
إنّ الرسول صلى
الله عليه وسلم لم يركب ، قائلا : إنّي لأكره الركوب ، لأنّ الملائكة يمشون .
قوله : كراهة المشي أمامها. ( ٢ : ١٢٣ ).
ولعله لكونه من
شعار العامة ، وورد المنع من التشبّه بهم ، وروى الشيخ بسنده عن السكوني ، عن جعفر
، عن آبائه ، عن علي : : « قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اتبعوا
الجنازة ولا تتبعكم ، خالفوا أهل الكتاب » وروى بسنده عن الباقر 7 أنّه قال : « مشى النبي خلف جنازة فقال : إنّ الملائكة
يمشون أمامها ونحن نتبع لهم » .
قوله : وقال ابن أبي عقيل. ( ٢ : ١٢٣ ).
روى الشيخ بسنده
عن أبي بصير عن الصادق 7 أنّه قال : « إذا كان مخالفا فلا تمش إمامها ، فإنّ ملائكة
العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب » .
قوله : لكن في السند ضعف. ( ٢ : ١٢٤ ).
لكنه منجبر بعمل
الأصحاب ، مع أنّه يكفي للاستحباب ، ولا ينافي صحيحة ابن مسلم ذلك.
__________________
قوله
: ويكره للمشيع
الجلوس. ( ٢ : ١٢٤ ).
سيجيء في بحث
إهالة التراب على الميت حسنة داود بن النعمان أنّ أبا الحسن 7 جلس قبل أن يدخل
الميت لحده .
قوله :
وأن تربع الجنازة.
( ٢ : ١٢٥ ).
في الفقه الرضوي :
« إذا أردت أن تربعها فابدء بالشقّ الأيمن فخذه بيمنك » إلى أن قال : « تدور على
الجنازة كدورك على الرحا » .
قوله :
ذكر الشيخ ذلك في
المبسوط. ( ٢ : ١٢٦ ).
وكذا في مصباح
المتهجد أيضا .
قوله : ويمكن حمله على التربيع. ( ٢ : ١٢٧ ).
بأن يراد من
الأيسر أيسر الميت ، وانّ المستحب أنّه يؤخذ بالكتف الأيمن ، وهذا بعينه مفاد
عبارة الفقه الرضوي.
قوله : والروايات كلها قاصرة من حيث السند. ( ٢ : ١٢٧ ).
لا يضر القصور ،
للانجبار بعمل الأصحاب ، وكون المقام مقام الاستحباب ، ولا تنافي الصحيحة وغيرها.
قوله :
ممّا يلي رجليه. (
٢ : ١٢٩ ).
روى الشيخ ; في الموثق عن
عمّار ، عن الصادق 7 ، قال : « لكل شيء باب ، وباب القبر من قبل الرجلين ، إذا
وضعت الجنازة فضعها ممّا يلي الرجلين ، ويخرج الميت ممّا يلي الرجلين » وبسنده عن جبير
__________________
الحضرمي عن النبيّ
6 : « إنّ لكلّ بيت بابا ، وباب القبر من قبل الرجلين » وفي الصحيح عن
الباقر 7 : « قال : كفن الرسول في ثلاثة أثواب » ، الحديث ، وفيه : قال الراوي :
فسألته أين وضع السرير؟ أي عند الدفن ، فقال 7 : « عند رجل القبر ، وسلّ سلاّ » ، وسيجيء ما
يناسب المقام.
قوله : وأكثر الأخبار واردة بسلّ الميت من قبل الرجلين. ( ٢ : ١٣٠
).
أقول : ففيها
شهادة على كون وضع الجنازة ممّا يلي رجلي القبر ، لأنّ المراد رجلي القبر ، ورجلي
الميت في صورة يكون فيه ، فالسلّ ليس من قبل رجلي الميت ، بل من قبل رجلي القبر ،
يسلّ من قبل رأسه ليسبق إلى القبر رأسه ، كما سبق إلى الدنيا في خروجه إليها ،
وهذا هو الظاهر من المفيد ، بل الشيخ أيضا .
قوله : كحسنة الحلبي. ( ٢ : ١٣١ ).
هذه الحسنة على ما
ستعرف يتضمّن دعاء مختصّا بالرجل ، ورواية عبد الصمد منجبرة بعمل الأصحاب ، معلّلة
بعلّة ظاهرة صحيحة متأيّدة برواية الشيخ بسنده عن زيد عن آبائه عن علي : : « يسلّ الرجل
سلاّ ، ويستقبل المرأة استقبالا » ، فإنّها أيضا ظاهرة في الفرق والتفاوت ، ولعل المراد :
توضع ممّا يلي قبلة القبر لتؤخذ عرضا ، ولم يظهر لهذا معنى سوى
__________________
ما ذكر.
قوله : هذا مذهب الأصحاب. ( ٢ : ١٣١ ).
وفي رواية محمد بن
إسماعيل بن بزيع أنّه رأى أبا الحسن 7 دخل القبر ولم يحلّل أزراره .
قوله : فإنّ في خلع الخفّ شناعة. ( ٢ : ١٣١ ).
لأنّه يطلع عليه
العامة ، فلا يناسب التقية.
قوله : لأمر النبي 6 به. ( ٢ : ١٣٣ ).
ولحفظ حرمة الميت
، ودفع الأذيّة عن الأحياء.
قوله : فإن تعذّر لم يتربص به. ( ٢ : ١٣٤ ).
وقد حدّ التعذر
بحصول الفساد في الميت لو صبر به.
قوله : وظاهر المفيد في المقنعة. ( ٢ : ١٣٤ ).
عبارته على ما
نقلت في التهذيب لا ظهور لها ، لو لم نقل بظهورها في خلافه ، والمعتبر ليس عندي ،
وكيف كان لعل الأخبار ليس لها ظهور في العموم إلاّ من جهة ترك الاستفصال.
ويمكن أن يقال :
لما كان مثل هذا السؤال ظاهرا بالنسبة إلى صورة التعذّر تركه ، وذلك لأنّ دفن
الميت من ضروريات ديننا ، بل ودين اليهود والنصارى وأكثر الكفار الأخر أيضا ، فإذا
كان متمكنا من الدفن ولا تعذّر فيه أصلا فبأي جهة يسأل أنّه كيف يصنع به؟ الا ترى
أنّه لو كان ميتة فوق السطح أو الغرفة مثلا هل يسأل أنّه كيف يصنع به في دفنه؟
ويدلّ على ذلك أيضا قوله 7 في رواية سهل بن زياد : « إذا مات الرجل في السفينة
__________________
ولم يقدر على
البرّ يكفن ويحنط في ثوب ويرمي في الماء » تأمّل فيه.
ورواية أبي
البختري وإن كان فيها إطلاق ، إلاّ أنّ رجوعه إلى العموم محلّ تأمّل ، لما ذكر ،
وبالجملة : مثل إطلاقات هذه الأخبار لا يكافئ ما دل على وجوب الدفن بحيث يرفع اليد
اختيارا أيضا.
قوله : فكان الاقتصار على العمل بمضمونها أولى. ( ٢ : ١٣٥ ).
الاقتصار عليه
يوجب الهتك المحرم المعلوم إلاّ نادرا ، لأنّ وجود الخابية التي تفي بجسد الميت وتضمّه
بحيث يوكأ رأسها ولا يتحقّق بالنسبة إلى الميت قطع عضو ولا كسره ، ولا خلاف حرمة
أصلا ، ومع ذلك تكون تلك الخابية لا حاجة إليها ولا ضرورة في إبقائها في السفينة
أصلا في غاية الندرة ، ومع ذلك يوجب طرح أخبار كثيرة معمول بها عند الفقهاء ،
منجبر ضعفها بالفتاوي منهم ، بل مثل المفيد منهم أفتى بها خاصّة ، إلاّ أن يكون
مراده ; أنّ مع التمكن منها جميعا يكون الاقتصار على الخابية أولى ، وعلى هذا لا بأس
بما قاله ، فتأمّل.
قوله :
والأصل في هذا
الحكم. ( ٢ : ١٣٦ ).
سواء كان الوجوب
أو الاستحباب فلا يرد عليه أنّ التأسّي والرواية التي ذكرها لا يدلاّن على الوجوب
، مع أنّ فعلهم : وفعل المسلمين في الأعصار والأمصار بعنوان الالتزام ظاهره
الوجوب ، فتأمّل.
قوله : التأسّي بالنبي
والأئمّة صلوات الله عليهم. ( ٢ : ١٣٦ ).
__________________
بل صار ذلك شعار
المسلمين والإسلام ، وهذا ظاهر في الوجوب ، فتأمّل.
قوله
: ابن أشيم ضعيف. (
٢ : ١٣٧ ).
ليس هذا الذي
ضعّفه النجاشي ، بل هو موسى بن أشيم .
قوله : أو إلى الترقوة. ( ٢ : ١٣٧ ).
هذا بالنسبة إلى
المستوي الخلقة ، وربما جوّز كونه أقل ما يتحقّق به ، وهو بعيد.
قوله : والمستند فيه ما رواه ابن بابويه. ( ٢ : ١٣٧ ).
هذا دليل الترقوة
لا القامة ، بل ربما يدل على عدم كونه قامة ، موافقا لما رواه السكوني ، إلاّ أن
يقال : مراده من بعضهم أحد الأئمّة : ، وهو مع عدم الظهور ـ بل وظهور العدم ـ يقتضي عدم الاقتصار
على القامة ، وإدخال الثدي أيضا ، والظاهر أنّ دليلهم شيء آخر.
قوله : أسنده إلى سهل. ( ٢ : ١٣٨ ).
ويظهر من هذا أنّه
كلام سهل ، لكن الظاهر من الفقيه أنّه كلام المعصوم ، وربما وجد في بعض الأخبار
أنّه يحكي.
قوله : قدر ما يجلس فيه الجالس ( ٢ : ١٣٨ ).
ولعل المراد
المستوي الخلقة أو الميت ، ولعل الثاني أظهر.
قوله : أنّ رسول الله 6 لحّد له. ( ٢ : ١٣٨ ).
لكن ورد أنّ
الباقر 7 أوصى بأن يشقّ له ، مع التصريح بأنّ رسول الله 6 لحّد له ، ولعله لكونه 7 بادنا وأرض البقيع رخوة من
__________________
كثرة دفن الموتى ،
كما هو المشاهد الآن ، أو للتقية ، ولعله بعيد.
قوله : من قبل رأسه ورجليه. ( ٢ : ١٣٨ ).
الظاهر من الأخبار
حلّ جميع العقد ، بل صريح بعض .
قوله : وقد يقال : إنّ مخالفة الخبر. ( ٢ : ١٣٩ ).
فيه تأمّل ، وهو ; ربما يطعن في
الخبر لمخالفته لما عليه الأصحاب مع أنّ الأصحاب عملوا بالخبر الصحيح ، وغير
الصحيح منجبر بعملهم ، وحمل بعض العلماء هذه الرواية على التقية.
قوله : والإفساد غير ضائر. ( ٢ : ١٣٩ ).
هذا مخالف لما
ذكره في بحث خروج النجاسة عن الميت بعد الغسل .
قوله : مع إذن الشرع فيه. ( ٢ : ١٣٩ ).
إذا ثبت الإذن فلا
كلام ، إنّما الكلام فيه.
قوله : من تربة الحسين 7. ( ٢ : ١٣٩ ).
وفيه دلالة على
فضل الدفن في أرض كربلاء مع قطع النظر عن كونه في جواره 7.
قوله : ( ولا يخفى ما فيه ) . ( ٢ : ١٤٠ ).
لا غبار في ما
قاله.
قوله
: بظهور الأكفّ
والترجيع في تلك الحالة ، ولم أقف فيها على أثر. ( ٢ : ١٤ ).
__________________
روى الشيخ بسنده
عن محمد بن الأصبغ ، عن بعض أصحابنا ، قال : رأيت أبا الحسن 7 وهو في جنازة ،
فحثا التراب على القبر بظهر كفّيه . وأمّا قول ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا
إِلَيْهِ راجِعُونَ ) فلعلّه لقوله تعالى وغيره من العمومات ، مع احتمال خصوص
أثر لم نقف ، كما ذكره.
قوله : قدر أربع أصابع. ( ٢ : ١٤٣ ).
يظهر من بعض
الأخبار أربع أصابع مضمومة ، لكن رواية المفرّجات صحيحة ومتعددة ، على ما هو
ببالي.
قوله : « أن لا تنازع ». ( ٢ : ١٤٤ ).
أي في ما ذكرته ،
أو في الإمامة بظهور كونك وصيّي.
قوله : والكل حسن. ( ٢ : ١٤٦ ).
إلاّ أنّ عموم ما
دل على رجحان استقبال القبلة يرجّح الأوّل.
قوله : وعليه عمل الأصحاب. ( ٢ : ١٥٢ ).
ولأنّ الشيخ سيذكر
عنه ورود الرواية بجواز النقل بعد الدفن ، فقبله بطريق أولى.
قوله : لأنّه مثلة بالميت. ( ٢ : ١٥٣ ).
ولأنّ الدفن واجب
اتفاقا ، كما مرّ ، وقد ارتكب الواجب ، والظاهر منه دوام المواراة بعد تحققها ،
لأنّ النبي 6 لما أمر بالدفن الذي هو مواراته
__________________
فغير خفيّ أنّ
الظاهر منه دوام المواراة لا كونها أيّاما ، فتأمّل.
قوله : وأمّا عليهما فيجوز. ( ٢ : ١٥٥ ).
يظهر من النصّ ،
فإنّ العسكري 7 شقّ ثوبه على أبيه ، نقله في الفقيه وموسى على هارون
، والمعصوم 7 احتجّ به على فعله ، فليلاحظ.
قوله : وهو حسن. ( ٢ : ١٥٨ ).
لا حسن فيه ،
لوجود الرواية الموافقة للقاعدة الشرعية ، وهي أن لا تهتك حرمة الميت ، بل ربما
يكون أشدّ مثلة.
قوله : وقال ابن بابويه. ( ٢ : ١٥٩ ).
الذي يظهر من
كلامه في الأمالي أنّه قائل بالاستحباب ، ونسبته إلى الإمامية فيه تشعر بعدم قول والده والكليني
بالوجوب ، كما نسبه بعض إليهما ، لأنّ الكليني ; أستاده.
ويؤيّده أيضا أنّ
الشيخ ; في الخلاف نقل الإجماع على الاستحباب ، بل ظاهر كلامه في التهذيب أيضا مشعر بأنّ استحباب غسل
الجمعة إجماعي ، فلاحظ.
مع أنّ عبارته في
الفقيه لو بنيت على ثبوت الحقيقة الشرعيّة فلا دلالة
__________________
لها على الوجوب ،
لاحتمال كون السنّة حقيقة في المعنى المصطلح عليه في زمانه ، بل وظهور ذلك حينئذ ،
فيكون ظاهرا في الاستحباب سيّما بعد ملاحظة تقديم لفظ السنّة على الوجوب في قوله :
سنّة واجبة.
مع أنّ مراده لو
كان الوجوب لم يقيد بالسنّة ، لأنّه يوهم خلاف المقصود على أي حال.
وعلى تقدير عدم
ثبوت الحقيقة الشرعية في زمانه فعدم الدلالة ظاهر ، سيّما بعد التقييد والتقديم ،
وكون السنّة ظاهرة في القدر المشترك ، فتدبّر.
قوله : إلاّ أن يخاف المسافر. ( ٢ : ١٦٠ ).
ويدل على ذلك
مرسلة يونس : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاثة. » مشيرا إلى غسل
الجنابة ومسّ الميت والإحرام. والأخيران غير ظاهرين من الكتاب.
وفي عيون الأخبار
أيضا أنّه كتب إلى المأمون من محض الإسلام : « وغسل الجمعة سنّة ، وغسل العيدين
ودخول مكة والمدينة والزيارة والإحرام ، وأوّل ليلة من شهر رمضان وسبعة عشر وتسعة
عشر وإحدى وعشرين وثلاثة وعشرين ، وهذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل
الحيض مثله » .
ويؤيّده عدم
التزام الشيعة في الأعصار والأمصار التزامهم للفريضة ،
__________________
وسيّما النساء ،
بل وعدم شهرة الفتوى منهم ، بل وشهرة الفتوى بخلافه ، بل وعدم ظهور قائل بالوجوب
منهم ، بل وظهور العدم ، ونقلوا الإجماع. مع ورود لفظ الوجوب في أخبار كثيرة غاية
الكثرة ، وكثير منها صحاح ومن الأجلّة المشاهير ، سيّما وورد في بعضها الأمر
بالإعادة والقضاء والاستغفار .
ويؤيّده أيضا
رواية علي عن الصادق 7 : غسل العيدين أواجب هو؟ فقال : « سنة » فقلت : فالجمعة؟
فقال : « سنة » .
قوله : والمفهوم في اللغة. ( ٢ : ١٦٠ ).
فيه تأمّل ، ولعل
مراده أنّ الوجوب يقتضي بظاهره تأديته بعبارة واضحة حتى يفهم منها اللزوم والتشديد
فيلتزم ، لا بعبارة هي قدر مشترك بين الوجوب والاستحباب ، فإنّ الظاهر أنّ مثل هذه
العبارة يؤدّي الاستحباب ، ولا يكتفى في الوجوب بها.
قوله : إنّما وقع عن تحتم فعله. ( ٢ : ١٦٠ ).
أي بحسب الظاهر لا
جزما.
قوله : لا عن مأخذ حكمه. ( ٢ : ١٦٠ ).
ويؤيّده ظهور أنّ
في القرآن وظاهره لا مأخذ له أصلا ، فكيف يخفى على مثل هذين الفقيهين الجليلين. مع
أنّ تقدير لفظ المأخذ في العبارة خلاف الأصل ، والظاهر ، والمتعارف السؤال عن
الحكم الشرعي ، كما هو الطريقة في جميع المواضع ، ولذا ما استفصل المعصوم 7 بأنّ مرادك من
السؤال أيّ شيء هو؟
__________________
مع أنّ السؤال لو
كان عن المأخذ كان المناسب في الجواب أن يقول : من السنّة ، لا من الكتاب ، لا أن
يقول : « سنّة وليس بفريضة » ويؤيّده أيضا الاستثناء بقوله : « إلاّ أن يخاف. »
فإنّه لا يناسب الجواب عن مأخذ الحكم ، ويؤيّده أيضا ضمّ غسل الأضحى والفطر في
رواية علي بن يقطين.
قوله : للحثّ العظيم. ( ٢ : ١٦١ ).
بل عبّروا بعبارات
ملزمة وألفاظ موجبة ، كيلا يسامح في هذا الخطب الجسيم والفوز العظيم ، فإنّه وإن
لم يكن في تركه العقاب لكن يكون في تركه العتاب وما يقرب من العقاب من البعد عن
رحمته والطرد عن ألطافه ، ومراتب المطلوبية متفاوتة شدّة وضعفا ، فربما يصل إلى
حدّ يقرب مطلوبية الواجب ولكن لا يصله ، ومثل هذا أيضا ما كانوا : يرخّصون في تركه
بل وربما يحذّرون عن تركه كيلا تقع المسامحة فتتحقّق المحرومية عن سبب المصلحة
العظيمة ، بل وربما تكون المفسدة في تركه ، ولا تكون المفسدة عقابا.
قوله : إنّ الله تعالى أتمّ صلاة الفريضة. ( ٢ : ١٦١ ).
في هذا الخبر ظهور
في استحبابه وعدم وجوبه.
قوله : أن يوبّخ الرجل. ( ٢ : ١٦١ ).
هذا أيضا ظاهر في
عدم الوجوب.
قوله : وليكن فراغك من الغسل. ( ٢ : ١٦٢ ).
هذا يدل على
استحباب كونه قبل الزوال.
قوله : يوم الخميس ليوم الجمعة. ( ٢ : ١٦٢ ).
هذه الرواية رواها
الكليني والصدوق في الفقيه مع ضمانهما صحة ما نقلاه في كتابيهما ، مع أنّها مستندة
إلى أبي الحسن موسى 7 حيث قالتا
كنا مع أبي الحسن 7 في البادية.
قوله : مدعيا عليه الإجماع. ( ٢ : ١٦٣ ).
وهذا يكفي لكونه
دليلا على الاستحباب.
قوله : وقضاؤه يوم السبت. ( ٢ : ١٦٣ ).
وفي الفقه الرضوي
: « فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت ، أو بعده من أيّام الجمعة » .
قوله : فلا وجه لإخلال المصنّف بذلك. ( ٢ : ١٦٤ ).
وتأمّل بعض في
القضاء ليلة السبت ، لعدم النص ، بل وربما يظهر من الروايتين عدمه.
قوله : ولم أقف فيه على نصّ. ( ٢ : ١٦٥ ).
ويظهر من نهاية
العلاّمة أنّ فيه نصّا ، والنص موجود ذكره ابن طاوس في إقباله ، وكذا النص في
استحبابه في فرادى شهر رمضان .
قوله :
لنا أصالة البراءة
ممّا لم يثبت وجوبه. ( ٢ : ١٦٨ ).
والإجماع الذي
نقله الشيخ ، وما رواه في العيون أنّ الرضا 7 كتب إلى المأمون من محض الإسلام : « وغسل الجمعة سنّة ،
وغسل العيدين ودخول مكة والمدينة ، والزيارة والإحرام ، وأوّل ليلة من شهر رمضان ،
وسبعة عشر ، وتسعة عشر وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وهذه
__________________
الأغسال سنّة ،
وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الحيض مثله » انتهى.
قوله : ومحمد بن عيسى ضعيف. ( ٢ : ١٦٩ ).
لا ضعف فيه ، كما
حقّق في موضعه ، وكذا لا ضرر من جهة عدم عمل ابن الوليد.
قوله : وغسل زيارة النبي. ( ٢ : ١٦٩ ).
وفي الكافي في
الصحيح عن ابن عمار عن الصادق 7 أنّه يقول : « الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة ، والعيدين
وحين تحرم ، وحين تدخل مكة والمدينة ، ويوم عرفة ، ويوم تزور البيت ، وحين تدخل
الكعبة. » الحديث ، وصحيحة ابن مسلم ورواية سماعة أيضا بهذا السياق
، إلاّ أنّه ليس فيهما التصريح بلفظ البيت ، فلاحظ.
قوله :
ويوم الزيارة. ( ٢
: ١٦٩ ).
الظاهر منها أنّ
المراد زيارة البيت ، وكذا من رواية سماعة ، فليلاحظ.
لكن الغسل لأجل
زيارتهم صلوات الله عليهم لا تأمّل في ورود النصّ به ، كما ذكر في كتب المزار .
قوله : وهذه مرسلة. ( ٢ : ١٧١ ).
لا يضر بعد
الانجبار بعمل الأصحاب ، كما هو مسلّم عنده أيضا ، هذا مع التسامح في أدلّة السنن
، وهو أيضا مسلّم عنده ، والعموم يظهر من العلّة المذكورة فيها.
__________________
قوله
: منضمّا إلى أنّ
الغسل خير. ( ٢ : ١٧١ ).
لا بدّ من دليل
يدل على كونه في نفسه خيرا ، وقد مرّ الكلام في صدر الكتاب عند قوله : وقد تجب
الثلاثة بنذر وشبهة .
قوله : والاكتفاء فيها بنيّة القربة. ( ٢ : ١٧٣ ).
في استحقاق الثواب
مع عدم قصد المستحب وعدم فعله بقصد الامتثال ، أو لله تعالى ، تأمّل ظاهر ، وقد
مرّ الكلام .
قوله : وموافقة لفتوى. ( ٢ : ١٧٤ ).
ولاحتمال حقيّة
الرواية وصدقها ، والتجنب عن الشبهات مطلوب شرعا.
قوله
: وهي ضعيفة السند.
( ٢ : ١٧٤ ).
ومع ذلك أطلق
الواجب فيها على كثير ممّا ليس بواجب قطعا ، فيحصل منه وهن آخر في الاستدلال على
الوجوب.
قوله : عدا ضيق الوقت. ( ٢ : ١٧٧ ).
لا يخفى أنّ هذا
أيضا داخل ، لما ستعرف.
قوله : والعلاّمة في المنتهى. ( ٢ : ١٧٩ ).
والتذكرة ، وابن
زهرة .
قوله : فإنّ عدم الوجدان لا يتحقق. ( ٢ : ١٧٩ ).
لا يخفى أنّ عدم
الإصابة حين الطلب وبعد الفراغ منه يكفي لصدق
__________________
عدم الوجدان ، وأنّ
الطلب لا يجب أن يكون من أوّل الوقت إلى وقت خشية فوت الفريضة ، بل يصدق بالطلب
أوّل الوقت أيضا.
قوله : في الحسن عن زرارة. ( ٢ : ١٧٩ ).
لكن هذه وردت
بإسناد آخر « فليمسك » بدل « فليطلب » .
قوله : فإنّ مقتضاهما سقوط الطلب مع الخوف. ( ٢ : ١٨٠ ).
لكن رواية الرقّي
وردت بطريق آخر هكذا : فقال له داود بن كثير : فأطلب الماء يمينا وشمالا؟ فقال : «
لا تطلب يمينا ولا شمالا ولا في بئر ، إن وجدته في الطريق فتوضّأ وإلاّ فامض » .
والتوجيه بالنسبة
إليه بعيد ، إلاّ أنّ هذا الطريق أيضا ضعيف ، ووقوعها بالطريق الأوّل أيضا أوجب
التزلزل وعدم الوثوق بظاهر ما ورد في هذا الطريق ، بل ومظنّة أنّه سقط منه قوله 7 : « فإنّي أخاف
عليك التخلف » ، فإنّ الظاهر الإسقاط لا الازدياد ، والظاهر أنّ الروايتين واحدة ،
بل على تقدير التعدد أيضا يكون الظاهر إرادته ، جمعا بين الأخبار ، فتأمّل. وكيف
كان ، لا يقاوم هذا ما ذكره من الإجماع والنص.
قوله :
وهي ضعيفة السند
جدّا. ( ٢ : ١٨١ ).
لا وجه لهذه
المبالغة في التضعيف ، بل نفس التضعيف محلّ تأمّل ، بملاحظة ما ذكره الشيخ في
العدّة من أنّ الشيعة عملت بما رواه السكوني وأمثاله من الثقات
فحكم بتوثيقه أيضا.
__________________
مع أنّ ما ذكره
ظاهر من طريقة الأصحاب ، إذ قلّ ما يكون باب من أبواب الفقه لم يرووا فيه حديثا
منه ، ومع ذلك عملوا به وتلقّوه بالقبول ، بل وربما رجّحوه على الأخبار الصحاح
والمعتبرة ، منه في هذا الموضع.
مع أنّه بملاحظة
ما ذكره ابن إدريس وغيره ربما يحصل أنّ هذا الخبر كان في ذلك الزمان متواترا إلاّ
أنّه ثبت بطريق واحد ، كما صرّح بنظائره المرتضى وقال : كثير من أحاديث كتبنا هكذا
. مع أن الضعف منجبر بعمل الأصحاب.
قوله : والرواية واضحة السند. ( ٢ : ١٨١ ).
الرواية حسنة فلم
تثبت العدالة المشترطة المسلّمة عنده ، ولم ينجبر أيضا بعمل الأصحاب ، بل وعمل
الأصحاب على خلافها ، بل وعارضها الرواية التي عملوا بها ، مضافا إلى باقي ما
ذكرناه.
مع أنّه مرّ أنّ
هذه الحسنة وردت بطريق آخر ـ وهو قوي ـ « فليمسك » موضع « فليطلب ».
مع أنّه يعارضها
ظواهر أخبار كثيرة صحاح ومعتبرة ، بل ويظهر من بعضها أنّ التأخير مستحب .
مع أنّه يمكن حمل
« فليطلب » على الإمساك عن التيمم ابتغاء لحصول الماء والطهارة المائية ، جمعا بين
النسختين ، بل وجمعا بين الأدلة أيضا ، فتأمّل.
قوله : دفعا للضرر. ( ٢ : ١٨٢ ).
__________________
هذا إذا لم يمكنهم
أخذ الماء معهم ، وإذا أمكنهم فلا ضرر ، لكن إذا قصّروا ولم يأخذوا فليتيمّموا
وليصلّوا ، وأعادوا إذا تطهروا بالماء احتياطا ، لما سيجيء.
قوله : كما هو رواية السكوني. ( ٢ : ١٨٣ ).
والمفتي به عنده.
قوله : والأمر يقتضي الإجزاء. ( ٢ : ١٨٣ ).
إن أراد الإجزاء
بالقياس إلى القضاء فهو مسلّم وإن أراد بالنسبة إلى الإعادة في الوقت أيضا فمشكل ،
لعدم ثبوت الخروج عن عهدة التكليف الثابت من العمومات الدالة على وجوب الصلاة مع
الطهارة المائية مع الإمكان في الوقت ، بمجرد تقصيره في الطلب وخطائه في ظنّه
تضيّق الوقت ، فتأمّل جدّا.
قوله : وأهمل حتى ضاق الوقت. ( ٢ : ١٨٤ ).
التقييد بالإهمال
مشعر بأنّه مع عدم الإهمال والتقصير لو اتفق كذلك يكون الواجب عليه التيمم من دون
إعادة.
قوله : وهي مع ضعف سندها. ( ٢ : ١٨٥ ).
هي مطابقة للعمومات
الدالة على التكليف مع بقاء الوقت ، ومتأيّدة
__________________
بما دلّ على
اعتبار الضيق في التيمم ، فإن كان محل النزاع القضاء فالأمر كما ذكره ، وإلاّ فلا
، لما عرفت ، مع أنّ النسيان مشعر بالإخلال في الطلب في سعة الوقت.
قوله : لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة. ( ٢ : ١٨٥ ).
هذه العلة بعينها
جارية في المسألة السابقة المنقولة عن المنتهى من أنّه لو كان بقرب المكلف ماء.
إلى آخر المسألة ، لأنّه متمكن من استعمال الماء بالمشي إليه ، سيّما إذا كان
المشي إليه بخطوات يسيرة ، غاية الأمر أنّه يخرج الوقت ، فإن كان خروجه مانعا من
التمكن ففي ما نحن فيه أيضا كذلك ، بسبب أنّه لا يوجد دليل شرعي يقتضي المانعية ،
سوى عموم ما دل على وجوب مراعاة الوقت ، وحرمة فوت الصلاة وتركها حتى يخرج الوقت ،
وإلاّ فيجب أن يمشي إليه ويتطهر به ، لعدم عجزه عن الاستعمال.
على أنّ تقييد هذه
المسألة بقيد الإخلال بالاستعمال يؤذن بأنّه لو لم يخلّ بالاستعمال ولم يقصّر واتفق
ضيق الوقت عن المائية ، مثل أن كان نائما فاستيقظ في ضيق الوقت وغير ذلك من أمثال
هذا المثال لكان الواجب عليه التيمم ، ولا يخفى عدم الفرق بين هذه الأمثلة وبين
الإخلال.
قوله : والحال أنّ المكلف واجد للماء متمكن من استعماله. ( ٢ :
١٨٥ ).
لا نسلّم كونه
متمكنا ، لأنّ عموم ما دل على وجوب مراعاة الوقت
__________________
وحفظ الصلاة من
الفوت والترك يمنع عن الاستعمال ، سيّما على القول بأنّ القضاء فرض جديد ومستأنف ،
كما هو الحق والمحقّق والمسلّم عند المحقّقين.
مع أنّ وجوب
الطهارة المائية إنّما هو لأجل الصلاة ، كما هو الحق والمحقّق ، وليس لها وجوب
أصلا إلاّ من جهة فعلها وأدائها ، فلا معنى لترجيح إيجابها على إيجاب الصلاة
واختيار فعلها على ترك الصلاة.
مع أنّه على القول
بالوجوب لنفسه غير خفي أنّ الوجوب موسّع لا يتضيّق إلاّ بتضيّق وقت العبادة أو ظن
الموت ، فبتضيّق وقت العبادة يتضيّق ، فكيف يقدم عليها؟! ووجوب الصلاة أداء مضيّق
ومعيّن لا تخيير فيه بينه وبين القضاء أصلا ، سيّما على القول بأنّه فرض على حدة.
ولهذا تؤدّى
الصلاة بنجاسة الثوب والبدن ، ومع عدم ستر العورة ، ومع عدم استقبال القبلة ، ومع
عدم الاستقرار ، ومع غصبية المكان ، إلى غير ذلك ، وكذا تؤدّى مع عدم الحمد
والسورة والركوع والسجود وغيرهما من الأركان والواجبات ، ويكتفى بتكبيرتين بدلا عن
الركعتين ، بل وترجمة التكبيرتين ، مع عدم استقبال القبلة وغيره من الشرائط ، كل ذلك
صونا عن الفوات الذي هو الترك حقيقة.
بل وربما قيل
بتقديم الوقت على مطلق الطهور أيضا ، فعلى هذا كيف يقدم خصوص المائية التي هي أحد الطهورين
على نفس الفوت والترك؟!
مع أنّه لو كان
يقدم لكان يقدم في غير هذه الصورة من صور التمكن
__________________
من استعمال
المائية بعد خروج الوقت.
على أنّه بتتبع
أحاديث باب التيمم يظهر ظهورا تاما أنّ اختياره إنّما هو لئلاّ تخرج الصلاة عن
وقتها ، ولا يتحقّق فوتها وتركها ، فتأمّل.
ولما ذكرنا اختار
جلّ الفقهاء ومعظمهم الثاني ووافقوا العلاّمة ، هذا من المتأخّرين ، وأمّا القدماء
فلم يظهر منهم رأيهم ، وكيف كان ، الجمع بين الأداء والقضاء ـ كما ذكره الشارح ـ لا
يخلو عن الاحتياط.
قوله : واستدل عليه بأنّ من خشي من لصّ. ( ٢ : ١٨٨ ).
لعلّ نظره في هذا
إلى الإجماع الذي سيذكره في هذه المسألة عند ذكر المسوّغ الثالث ، وسيظهر أنّ
المسوّغ هو خوف اللصّ مطلقا ، من غير مدخلية خصوص أخذ ما يجحف به ، وكذلك الكلام
في رواية يعقوب ، إلاّ أن يتمسك بالقياس بطريق أولى ، وفيه ما فيه ، لأنّ الإجحاف
هنا شرط وعدمه مانع وموجب للشراء والطهارة بالماء.
فانحصر المستند في
فتوى الأصحاب وعموم قوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الآية ، وقوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ ) الآية ، وهو ; لم يجعل دليلا أصلا ، وجعل الأخيرين مؤيّدين ، ولعل
المجموع كاف دليلا على المقام.
ويؤيّده أيضا قوله
6 : « لا ضرر ولا ضرار » ونظائر ذلك فليلاحظ.
__________________
ويمكن أن يكون نظر
المصنف ; إلى عموم نفي الضرر ، كما يظهر من آخر كلامه ، إلاّ أنّه لا وجه حينئذ للتمسك
بحكاية الخشية من لصّ أخذ ما يجحف به ، فتأمّل.
قوله : باقيا في يد المالك. ( ٢ : ١٩٠ ).
هذا مقيد بإمكان
الاستعمال ، بأن لا تخرج الصلاة عن الوقت ولا تفوت بسبب استعماله ، ومرّ وجه
التقييد.
قوله : فإنّه لا غضاضة فيه. ( ٢ : ١٩١ ).
هذا بالقياس إلى
ضياع المال من جهة اللصّ تمام ، لكن كلام المصنّف أعم من ذلك ، وكذا ما ذكره من
قوله : ولا في المال بين أن يكون. ، وبالجملة : التعميم لا يخلو عن الإشكال ، لصدق
واجد الماء والمتمكن منه عليه ، وعدم ظهور مانع ، إلاّ أن يكون إجماع عليه ، فيكون
حينئذ هو الفارق ، فتأمّل.
قوله : لانتفاء الضرر معه. ( ٢ : ١٩٣ ).
فيه نظر ، لأنّ
المرض ضرر كيف كان ، نعم يسيره ضرر يسير ، بل غالبا لا يؤمن من الانجرار إلى الشديد
، بل وإلى التهلكة في كثيرين ، ثم في جعل وجع الرأس والضرس يسيرا نظر ظاهر ، إلاّ
أن يريد اليسير منهما.
قوله : وربما كان الخلاف مرتفعا في المعنى. ( ٢ : ١٩٣ ).
لعل مراده ; أنّ الشهيد لمّا
استند في استشكاله إلى نفي العسر والحرج ظهر أن ليس لهم نزاع في المعنى ، إذ لا
يكون عسرا وحرجا حتى يكون فيه شدّة ، والسهل لا يكون عسرا ولا حرجا.
وفيه نظر ، لأنّ
السهل أمر إضافي ، فربما يوصف الشيء العسير بالسهولة بالقياس إلى فرده الشديد ،
وكيف كان ، المرض السهل واليسير
حرج عند الشهيد ،
إلاّ أنّه الفرد اليسير من الحرج ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فالمرض عنده ـ كيف
كان ـ يكون حرجا ، وإن كان في غاية يسر وسهولة من الحرج ، ولا يخلو من قرب ، وكذلك
هو ضرر ، كما أشرنا.
ويؤيّد الشهيد
العمومات الدالة على كون الترابية بمنزلة المائية ، وكذا العمومات
الواردة في الجروح والقروح ، والخائف على نفسه يتيمم ، وما يظهر من مواضع متعدّدة
من أنّه بأدنى عذر يتيمم ، فلاحظ.
قوله : وقال الشيخان. ( ٢ : ١٩٣ ).
في التهذيب قال :
الأولى أن يغتسل ، وصرّح بجواز التيمم له مع إعادة الصلاة عند رفع العذر .
قوله : بتعمّد الجنابة. ( ٢ : ١٩٤ ).
بل ظاهر صحيحة ابن
مسلم عدم التعمّد.
قوله : ولا قائل بمضمونهما. ( ٢ : ١٩٤ ).
لقائل أن يقول :
خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ، فالعمدة في الجواب ما ذكره وما سنذكر.
قوله : وضعف سندهما. ( ٢ : ١٩٤ ).
مضافا إلى مخالفته
للقرآن في آيات متعددة ، وورد في كثير من الأخبار أنّ مخالفة القرآن يوجب منع
العمل ، فكيف في مخالفته في مواضع متعددة ، مضافا إلى غير القرآن من الأدلة العقلية
والنقلية اليقينية ،
__________________
فضلا عن الظنّية ،
ومنها النصوص المطلقة في جواز التيمم ، مع أنّ تتبع تضاعيف مواضع معارضة حفظ النفس
مع التكليف ينادي بتقديم حفظها عليه ، حتى أنّه يقدم على نفس الصلاة ، فكيف يقدم
أحد الطهورين عليه ، مضافا إلى ما أشرنا في الحاشيتين السابقتين.
قوله : وأمّا الشّين فقيل إنّه عبارة. ( ٢ : ١٩٤ ).
تقييد المرض
بالشدّة ، وإبقاء الشين على إطلاقه مشكل جدّا ، بل ربما كان تقييده موجبا لتقييد
الشين ، فإنّه إن كان من المرض فظاهر ، وإن كان من الحرج والعسر فعند الشارح ; وموافقيه فكذلك ،
وعند الشهيد غير مقيد أصلا ، وتحقّق إجماع يقتضي زيادة حكمه على حكم المرض وكونه
أشدّ منه محلّ تأمّل.
قوله
: أمّا بالنظر إلى
الدوابّ فمشكل. ( ٢ : ١٩٦ ).
لا إشكال على
طريقة الفقهاء ، لأنّهم ادعوا الإجماع في خوف ضياع المال وإن كان قليلا ، فما نحن
فيه داخل فيه ، بل بطريق أولى ، لما في ذي الروح من حرمة تمنع عن الأذية والقتل
عبثا ، أي لا لأجل أكل اللحم أو الانتفاع بالجلد ، فتأمّل.
قوله : وهو جيّد إن ثبت. ( ٢ : ١٩٦ ).
لا تأمّل فيه ،
وإنّه يتعين عليه حينئذ ، لعموم المنزلة ، وعموم تحريم النجس.
قوله : ونقله تغلب عن ابن الأعرابي. ( ٢ : ١٩٧ ).
فيه : انّ الجوهري
صرّح بكونه هو التراب مع نقله عن ابن الأعرابي
__________________
أنّه الأرض ، وفيه شهادة
واضحة على أنّه زيّف قوله وصحّح كونه التراب ، وهو أعرف باللغة ، وأضبط وأمتن ،
والاعتماد عليه أزيد عند العلماء. وبعد الجوهري صاحب القاموس ، فإنّه قال : التراب
أو وجه الأرض ، وهذا ينادي بعدم تعيين كونه وجه الأرض ، بل ربما يومئ
إلى ترجيح ما لكونه التراب ، حيث قدمه على وجه الأرض ، مع أنّه أخص منه ، فكان
المناسب تأخير ذكره عنه. والسيد ; حكم بكونه التراب بالنقل عن أهل اللغة ، وهذا يشير إلى
كون المعرف عندهم هو التراب ، وحكاه ابن دريد عن أبي عبيدة ، وقال : هو التراب
الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل . وقال ابن الفارس : الصعيد هو التراب . ( وقال ابن عباس
الصعيد التراب ) وقال المفيد : الصعيد هو التراب ، وإنّما سمي صعيدا لأنّه
يصعد من الأرض .
ويؤيّد ذلك ظواهر
بعض الأخبار ، مثل قوله 7 في الطين : « إنّه الصعيد » وقوله 7 فيه أيضا : «
صعيد طيّب وماء طهور » وفي صحيحة زرارة : « ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على
الصعيد » إلى غير
__________________
ذلك ممّا سنذكر
بعضها ، فعلى هذا تكون الآية حجّة عليه لا له ، إذ ما ذكره لا يقاوم ما ذكرنا ،
كما لا يخفى.
سلّمنا ، لكن نمنع
كونها حجّة له ، وهو أيضا ظاهر ، مع أنّ الآية ظاهرة في التراب ، لأنّ قوله تعالى ( مِنْهُ ) في هذه الآية
ظاهره أنّ « من » فيه للتبعيض ، كما حقّقه المحقّقون ، فظاهرها اشتراط العلوق وكون
المسح به ، وورد النص الصحيح أيضا بذلك ، وأنّ المراد منها ما ذكر ، وظاهر أنّ
الغالب الشائع تحقّق العلوق من التراب لا من الحجر والرخام ، وأمّا الغبار فإن كان
من الأرض فهو من التراب البتّة ، وإلاّ فهو خارج عن حكم الآية ، فإنّ الظاهر كون
العلوق ممّا يتيمم به ، كما لا يخفى.
ومما ذكرنا ظهر
فساد ما ذكره في الذخيرة من أنّ الأقوى صحة التيمم بالحجر ونحوه ، لكن لا يبعد أن
يقال : بشرط أن يكون عليه شيء من الغبار ونحوه ، لما سيجيء من دلالة بعض الأخبار
الصحيحة على اشتراط العلوق ، انتهى.
وبالتأمّل في ما
ذكرنا يظهر أيضا فساد ما أورده المحقّق على السيد في تمسكه بقول اللغويين من أنّه
لا يلزم. ، إذ يظهر من كلماتهم أنّ التراب متعين في كونه معنى الصعيد ، وأنّ
الظاهر منهم الردّ على من يدعي أنّه وجه الأرض.
مضافا إلى أنّ
اللغوي إذا ذكر للفظ معنى واحدا ليس إلاّ لا شك في كون معنى اللفظ عنده هو هذا
المعنى خاصّة ، وأنّه لو كان عنده أنّ معناه
__________________
متعدد لما اقتصر
بالواحد ، يظهر القطع بذلك لمن تتبع كلماتهم ، سيّما وأن يذكروا معرّفا باللام مع
ضمير الفصل ، ويقولوا : الصعيد هو التراب ، فإنّ الحصر في غاية الظهور.
مع أنّ ما ذكره
إثبات اللغة بالترجيح ، وهو فاسد ، لأنّه سماعي. بل ما ذكره ردّ على اللغوي لا
بيان لكلامه ، كما لا يخفى.
مع أنّ استعماله
في الأرض محلّ منع ، ولو سلّم فكون الاستعمال ظاهرا في الحقيقة وأصلا فيه ممنوع
أيضا ، لأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، وصرّح بعض المحقّقين بأنّ المجاز هو الأصل
والظاهر ، لأنّ أكثر الاستعمالات مجاز ، وكذا اللغات أكثرها مجازات ، كما صرّح به
، وكون الأصل هو الحقيقة إنّما هو في موضع علم المعنى الحقيقي وشكّ في استعماله
فيه ، وأمّا في ما نحن فيه فلا ، كما عرفت.
ولو سلّم كون
الأصل فيه أيضا الحقيقة لا جرم يتحقّق الاشتراك ، لأنّ الاستعمال إنّما وقع في
خصوص التراب لا الطبيعة الأرضية الكائنة فيه ، وحمل كلام اللغوي عليه فاسد ، إذ
متى ذكروا للفظ معنى وأرادوا منه نصفه وبعضه؟
مع أنّ ما ذكره لو
سلّم فإنّما هو في استعمالات أهل المحاورات ، بناء على أنّهم يستعملون مع القرينة
، فيمكن أن يكون مرادهم من اللفظ خصوص القدر المشترك ، ومن القرينة الخصوصية ،
وأين هذا من قول أهل اللغة من أنّ لفظ كذا معناه كذا؟
ويمكن أن يقال من
قبل الشارح : إنّ الإجماع واقع على جواز التيمم
بغير التراب ،
وورد منهم : أنّ ( الطهور إنّما هو الماء والصعيد ) .
وفيه : أنّ التيمم
جائز بالغبار قطعا مع أنّه ليس من الصعيد عند الشارح ، فتأمّل.
على أنّا نقول : عمدة
الأرض التراب ، بل أصلها التراب ، وغير التراب عرضتها حرارة إحالتها إلى الحجرية
والرملية وأمثالهما ، ولذا يقال : أرض ذات أحجار ، وذات الحصاة وذات الرمل وأمثال
ذلك ، ولا يقال : أرض ذات تراب ، أو أرض فيها تراب ، نعم يقال : ترابها خالص ،
ويقال : أرض فيها أحجار وحصاة ورمل ، ومن هذا قوله تعالى ( أَلَمْ
نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً ) .
مع أنّ معظم الأرض
التراب وغالبها ، والإطلاق ينصرف إلى الغالب. مع أنّ استعمال الكلّي في الفرد
حقيقة متعارف شائع ، وبهذا يحصل الجمع بين أقوال اللغويين ، سيّما استعمال لفظ
الأرض في خصوص التراب ، لأنّه حقيقة شائعة في الأخبار. نعم الجوهري وصاحب القاموس
أظهرا المخالفة بينهما بحسب الواقع ، فتأمّل.
وممّا يؤيّد
المطلوب أنّ المعادن مثل الزرنيخ والكحل ونحوهما إذا كانت في محالّها يطلق عليها
اسم الأرض ، ولذا جوّز بعض العلماء التيمم بها حينئذ والمشهور نافون
له متحاشون عنه ، كما سيجيء ، وإذا أخذ
__________________
النورة والجصّ ـ بل
والحجر أيضا ـ عن محالّها فغير معلوم إطلاق لفظ الأرض على القطعة المأخوذة
المنفردة عرفا ، ومن هذا قال ابن إدريس بأنّ الجصّ والنورة معدنيان ، فتأمّل.
وفي المختلف ـ بعد
أن نقل من الشيخ في النهاية ، والمفيد ، وابن إدريس ، وسلاّر ، المنع من التيمم
بالحجر مع وجود التراب ، ومن ابن الجنيد المنع منه مطلقا ـ قال : احتجّ المانع
بأنّ المأمور به التيمم بالصعيد ، والصعيد هو التراب ، وإنّما سمّي صعيدا لتصاعدها
على وجه الأرض ، فلا يجزي ما عداه. وأجاب بالمنع من عدم الحقيقة في التراب ، فإنّه
تراب اكتسب رطوبة لزجة ، وعملت حرارة الشمس فيه حتى تحجّر ، فإذا كانت الحقيقة فيه
دخل تحت الأرض ، ولأنّها لو لم تكن باقية لم يكن التيمم بها مجزيا عند فقد التراب
، كالمعدن ، والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم . انتهى.
ويظهر منه أنّ
سلار ، وابن إدريس ، والشيخ في النهاية شركاء مع المفيد في كون الصعيد هو التراب ،
وكذلك ابن الجنيد ، إلاّ أنّه لم يجوّز مطلقا ، والباقون جوّزوا مع فقد التراب ،
للإجماع الذي ادعاه ، والعلاّمة أيضا مسلّم كون الصعيد هو التراب ، إلاّ أنّه ادعى
عدم خروج الحجر من الحقيقة ، مثل ما ادعوا في الخزف ، كما سيجيء ، وهذا دعوى آخر
، إلاّ أنّ الصعيد ليس لغة اسم التراب بل هو أعم ، ولذا قال في الجواب : إنّه لغة
هو الأرض ، وما تمسك بقول لغوي في ذلك ، وهذا ينادي بأنّه لم يكن معتقدا بأنّه لغة
اسم الأرض ، وأنّ لغويا قال كذلك.
__________________
كما أنّ المحقق في
مقام الجواب عن استدلال السيد بأنّه لغة هو التراب لم يذكر قول لغوي بأنّه الأرض
مع غاية إصراره في الجواب عن دليل السيد ، وفي الصعيد اسما للأرض ، حتى أنّه تمسك
بما تمسك في مقام الردّ على قول اللغوي وأثبت اللغة بالدليل ، ولا يخفى شناعته.
ولعل رأيه رأي العلاّمة من كون الأرض هو التراب الخالص ، والمستحيل بما لا يخرج من
الحقيقة.
وممّا ذكر [ ظهر ]
أنّ الأكثر يقولون بكون الصعيد اسما للتراب ، وليس كما ذكره الشارح ، فتأمّل.
قوله : فليمسح من الأرض. ( ٢ : ١٩٧ ).
ظاهر « من » هنا
أنّه للتبعيض ، كما هو ظاهر الآية أيضا ، فظاهره العلوق والمسح به ، فظاهرها
التراب ، لأنّ الحجر لا يمسح منه وغالب أجزاء الأرض هو التراب ، والغالب أنّ
التيمم يكون به ، وليس في لفظ الأرض عموم ، بل هو مطلق ، والمطلق يرجع إلى العموم
حيث لا يكون شائع ينصرف إليه ، فتأمّل.
مع أنّه يرجع إلى
العموم إذا كان في مقام بيان حكم نفسه لا أنّه ذكر تقريبا لحكم آخر ، لأنّ البناء
على العموم بسبب أن لا يخرج كلام الحكيم عن الفائدة ، وإذا ذكر تقريبا لحكم آخر ،
فالفائدة حاصلة بني على العموم أم لا ، ولا حاجة لها فيه.
وبالجملة : أمثال
هذه الأخبار لا يخلو عن الضعف في الدلالة لتطرّق هذه المناقشات فيها. مضافا إلى
أنّ غير واحد منها ذكر فيها الأمر بنفض اليد
__________________
بعد الضرب على
الأرض ، وهذا ظاهر في أنّهم : وإن كانوا يذكرون لفظ الأرض إلاّ أنّهم يريدون منها جزءها
الغالب الذي هو التراب.
وممّا يؤيّد : ما
مرّ في الحاشية السابقة من ظهور اشتراط العلوق والمسح به من الآية والحديث ، وما
مرّ فيها من ظهور كون الصعيد هو التراب ورجحانه ، وورد في الحديث أنّ الطهور إنّما
هو الماء والصعيد .
وممّا يؤيّد : أنّ
الفقهاء ـ إلاّ من شذّ منهم ـ فهموا من الصعيد التراب ، ولذا حكموا بكون الحجر بعد
العجز عن التراب ، وفي حالة الاضطرار ، بل وبعضهم أخّره عن الغبار وغيره .
وممّا يؤيّد : ما
سنذكر من الأخبار الدالة على أنّ التيمم يكون بالتراب ، فلاحظ وتأمّل.
وبالجملة : لا شك
في أنّ التراب أرض ومعظم الأرض ، فإطلاق لفظ الأرض عليه من قبيل إطلاق لفظ الكلي
على الفرد ، مع أنّ ما نحن فيه معظم الأفراد ، وإطلاق الكلي على الفرد شائع ، بل
وحقيقة ، غاية الأمر أن يكون خلاف الظاهر بالقياس إلى إطلاقه على
نفس القدر المشترك ، لا أنّه خلاف النص.
مع أنّك عرفت ما
به يضعف هذا الظهور مطلقا أو ضعفا في الجملة ، فتأمّل.
على أنّه لعله لا
تأمّل في صحة التيمم بالأرض من حيث هي هي في
__________________
الجملة ، إنّما
التأمّل في الصحة مطلقا واختيارا ، وسيجيء ، فتأمّل.
قوله : احتج السيد. ( ٢ : ١٩٨ ).
ويدل على مذهبه
أيضا أنّ العبادات وظيفة شرعية موقوفة على نصّ الشرع ، كنفس الأحكام الشرعية ، ولم
تثبت صحة التيمم بغير التراب ، مثل الحجر وغيره ، أو لم يثبت كونه
تيمما ، لاختلاف الأدلة والأمارات ، ولو لم نقل برجحان أدلة السيد وأماراته.
ويدل عليه أيضا
حسنة رفاعة عن الصادق 7 : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر
أجفّ موضع تجده فتيمم منه ، فإنّ ذلك توسيع من الله » إلى أن قال : « فإن كان لا
يقدر إلاّ على الطين فلا بأس أن يتيمّم منه » ، فلو كان التيمم بالحجر مثل التراب من دون تفاوت لما قال
: فإن لم تجد ترابا فانظر أجفّ موضع. مضافا إلى أنّ التيمم بالصخر والحجر لا مانع
منه أن يكون مبتلاّ ، فإنّه حجر والضرب يقع عليه ، وفي قوله : « منه » في الموضع
إشارة إلى العلوق والمسح به.
وقريب من الحسنة
رواية علي بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا 7 ، عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمم بالطين؟ قال
: « نعم ، صعيد طيب ، وماء طهور » ( وفيه أيضا شهادة ما على كون الصعيد هو التراب ) ، ( والمستفاد من
الأخبار وكلام الفقهاء أنّ التيمم بالطين بعد
__________________
العجز عن التراب )
أو الأرض ، ولم يقل 7 هل عنده حجر أم لا؟ ، فإن كان فليتيمم به. ويؤيّده أيضا
قوله 7 في صحيحة جميل ، في إمام القوم الجنب يتيمم ويصلي بهم : « إنّ الله جعل
التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » وأمثال هذه ممّا يتضمّن لفظ التراب ، مثل قوله 7 : « التراب طهور
المسلم » ، وقوله في حسنة معاوية بن ميسرة : الرجل في السفر لا يجد
الماء ، ثم صلى ، ثم أتى الماء ـ إلى قوله ـ : « يمضي على صلاته ، فإنّ ربّ الماء
ربّ التراب » ، وغير ذلك ، ومرّ في الحاشيتين السابقتين ما يصلح
للاستناد والاستدلال على مذهب السيد.
وأقوى ما يمكن أن
يقال من طرف المحقّق وموافقيه إنّ الوصف في هذه الأخبار خارج مخرج الغالب ، لكن
هذا يوجب ضعف دلالة لفظ الأرض في أخبارهم على العموم ، كما لا يخفى.
وكيف كان ، الحكم
بصحة التيمم بالحجر ومثله مع وجود التراب والتمكن منه لا يخلو عن إشكال ، بملاحظة
ما ذكرنا في هذه الحواشي ، سيّما وأن يكتفى به في تحصيل البراءة عن شغل الذمّة
اليقيني ، والخروج عن عهدة الأمر الجزمي القطعي.
وأمّا في صورة عدم
التمكن من التراب أو عدم التمكن عن غير الحجر مثلا فيشكل ترك التيمم به بعد ما ظهر
من بعض الأخبار من صحة التيمم بالأرض من حيث إنّها أرض ، وأنّ الصلاة لا تفوت إلاّ
بفوت
__________________
الأرض ، للإشكال في
شمول أدلة السيد لهذه الصورة ، بحيث يرتفع بسببها هذا الظنّ والظهور أصلا ورأسا ،
ولعله لهذا اختار المفصّل التفصيل ، فتأمّل.
قوله : تمسك بدلالة الخطاب. ( ٢ : ١٩٨ ).
السيد ; لم يستدل بمفهوم
الوصف ، فإنّه ليس حجة عنده ، بل استدل بأنّ الأرض لو كانت هي الطهور فالطهور
صفتها وحالها وحكمها ، لا التراب ، والأرض مذكورة في العبارة بلفظها ومصرّح بها ،
والطهور المذكور وصف هذه الأرض المذكورة وحالها ومن أحكامها ، فاللازم أن يسند
إليها ، لا إلى التراب الذي ليس هذا الوصف المذكور وصفه وحكمه ، فلا بدّ من أن
يكون ذكره لغوا محضا وفاسدا ظاهرا ، سيّما وهو مذكور في معرض التسهيل والتخفيف
والتوسيع منه تعالى ، وإظهار منّته سبحانه على هذه الأمّة ، وشفقته على خاتم
الرسل.
فلو كان غير
التراب أيضا طهورا لكان التخصيص بذكر التراب غلطا مخلاّ بالمقصود مخرجا عن البلاغة
، لعدم جريان الكلام على مقتضى الحال ، بل وجريانه على ضدّ مقتضى الحال ، ولا يخفى
أنّ آحاد الناس بل والأطفال منهم لا يفعل كذلك ، فضلا عن أفصح العرب وأعلمهم
بالبلاغة وأشدّهم بمراعاتها.
والاحتمالات التي
ذكرت في نفي حجّية المفهوم وجعلت مساوية لنفي الحكم فيه غير ملائمة للمقام ولا
مقاومة لما ذكرنا بلا تأمّل ، فتأمّل. ويستدل الشارح والمحقّق وغيرهما ( من
المحققين ) بمقام الامتنان بما
__________________
هو أدنى ممّا في
المقام بمراتب شتى ومسلّم ذلك عندهم ، فتأمّل.
قوله : إنّ الرواية موجودة. ( ٢ : ١٩٨ ).
الذي يظهر من كلام
السيد الذي لا يعمل بأخبار الآحاد والظنون أنّ هذه الرواية على ما هو قطعي مذكور
فيها لفظ التراب ، فلو وجد في الآحاد وبطريق مظلم بغير هذا اللفظ لا يضرّه ، سيّما
مع ظهور أنّ السقط أولى وأقرب من الازدياد وأظهر جزما ، فتأمّل.
قوله : على حجّة يعتد بها. ( ٢ : ٢٠٠ ).
قد أشرنا إلى ما
يصلح لكونه حجّة لهم ، مضافا إلى ما ادعاه في المختلف من الإجماع .
قوله : ويجوز التيمم بأرض النورة. ( ٢ : ٢٠١ ).
جواز التيمم بأرض
النورة ، لا نفس النورة ، ولعل مراده : إذا كانت على الأرض يسمي أرضا ، وإلاّ فلا.
قوله :
ومتى ثبت ذلك جاز
التيمم بهما. ( ٢ : ٢٠١ ).
لا يخفى أنّ بناءه
على أنّ صدق الأرض عليهما حقيقة بلا ريبة ولا شبهة ، فلا وجه للترديد ، كما أنّه
لا وجه للترديد المذكور في الحجر ، لأنّ الشيخ في النهاية جمع بينهما وبين الحجر
في الحكم ، كما نقل عنه سابقا .
وقد أشرنا إلى وجه
اختيار الأكثر هذا التفصيل ، لأنّ اختيار عملهم
__________________
بعينه هو نفس
فتواهم ، وهذه طريقتهم ، ولا يخفى حسنها ، لأنّ الفتوى فائدتها العمل ، لا مثل
طريقة الشارح ومن وافقه ، من أنّهم يناقشون في دليل الفقهاء مناقشات ثم يقولون :
إلاّ أنّ العمل على ما ذكروه ، أو ما يقرب هذه العبارة ، مثل أن يقولوا : لا ريب في
أنّ اختيار ما ذكروه أولى وأحوط ، وغير ذلك من أمثال هذه العبارات ، حتى أنّه وقع
اصطلاح جديد : أنّ مقام الإفتاء غير مقام العمل.
ومنها ما ذكره
الشارح هنا ، فإنّه بعد المناقشة الطويلة في أدلة السيد في أنّ التيمم بالتراب ،
وتسقيم تلك الأدلة وتضعيفها ، قال : ولا ريب أنّ التيمم بالتراب الخالص أولى
وأحوط. وغير خفي أنّه ; عمله مقصور على ما ذكره مهما أمكنه ، وكذا أمره لغيره
مقصور في اختياره في العمل ذلك مهما أمكنه ، كما هو طريقة غيره من فقهائنا في
أمثال هذه الأزمان ، وطريقتنا أيضا كذلك ( ولا شك في أنّه متى يمكننا التيمم
بالتراب لا نعدل إلى التيمم بمثل الحجر في مقام العمل كما أنّ الشارح أيضا كان
كذلك ) .
ثم إنّه لو تعذر
التراب فلا شك أنّ الشارح كان يتيمم بالحجر وأمثاله في مقام العمل ، وكان يأمر
غيره أيضا بذلك في ذلك المقام كما أن غيره من فقهائنا في هذه الأزمان أيضا كذلك ،
ونحن أيضا كذلك ، وهذا التفصيل في العمل هو بعينه نفس فتوى المشهور من فقهائنا ،
إلاّ من مثل ظاهر عبارة ابن الجنيد والشيخ في الخلاف والمبسوط.
مع أنّا قد أشرنا
إلى وجه فتواهم أيضا بأنّه لا شك في أنّ الفتوى منوطة بالظنّ والوثوق والاعتماد
فبعد التمكن من التراب والحجر لا شك
__________________
في أنّ شغل الذمّة
بالصلاة يقيني كما أن بعد التمكن من التراب خاصة أيضا كذلك ، وبعد التمكن منهما لو
اخترنا التراب فلا شك في حصول البراءة ، وأمّا لو اخترنا الحجر فلا يحصل العلم بل
ولا الظنّ بحصول البراءة حينئذ ، لما عرفت من تعارض الأدلة والأمارات بحيث لا يمكن
ترجيح يعتمد عليه ويستند إليه ، سيّما في مقام تحصيل البراءة عن شغل الذمّة
اليقيني.
وأمّا بعد العجز
عن التراب ووجود مثل الحجر فيحصل للمجتهد ـ بملاحظة بعض الأخبار المتضمّنة لكون
التيمم بالأرض ـ الظنّ بوجوب التيمم بما يسمى أرضا ، أي شيء كان ، وأنّه لا تفوت
الصلاة إلاّ أن تفوت الأرض أصلا وبالمرة .
وبالجملة :
دلالتها على كون التيمم بالأرض من حيث هي أرض ظاهرة في الجملة لا تأمّل فيها ،
إلاّ أنّ عمومها وشمولها لجميع الأحوال والأوقات حتى مع وجود التراب ـ بحيث يقاوم
ذلك العموم والشمول مقتضى ما دل على خصوص التراب وظهر منه ، بل ويغلب عليه إلى أن
يحصل للمجتهد الظن والوثوق والاعتماد على تيمم الحجر أيضا ـ محلّ نظر ، يظهر وجهه
من ملاحظة ما ذكرناه في الحواشي السابقة.
كما أنّ شمول ما
دل على التراب لجميع الأحوال والأوقات ـ حتى حال فقد التراب ـ واقتضاءه ترك الصلاة
وفوتها حينئذ بحيث يقاوم دلالة تلك الأخبار المقتضية لكون التيمم على الأرض من حيث
هي أرض واجبا وصحيحا ، وأنّ الصلاة لا تفوت إلاّ بفوت جميع ما هو أرض ، وعدم وجدان
أرض أصلا ورأسا أيضا محلّ تأمّل ، هذا.
__________________
مع أنّهم ادّعوا
الإجماع على التيمم بمثل الحجر في الجملة ـ على ما أظنّ ـ كما أشرنا ، فلاحظ
المختلف ، ويظهر ذلك بملاحظة فتاواهم ، إذ المخالف هو ظاهر عبارة
ابن الجنيد ، كما مرّ ، فتدبّر.
قوله : لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض. ( ٢ : ٢٠٢ ).
ورد في التيمم
لصلاة الجنازة الأمر بضرب اليد على حائط اللبن والتيمم به ، وظاهره المنع
من الآجر مع كون غالب حيطان الكوفة بالآجر ، وغالب حيطان المدينة ومكة وأمثالهما
بالأحجار ، فيظهر منه [ المنع ] عن التيمم بالحجر أيضا ، فتأمّل.
قوله : إلى أمر خارج عن العبادة. ( ٢ : ٢٠٣ ).
لا يخفى أنّه في
التيمم ضرب على التراب ، ومسح على الوجه واليدين ، والضرب والمسح حركة وسكون ،
وهما كونان ، ولا أقل من الحركة وهي كون قطعا ، مع أنّ المنهي ليس إلاّ التصرف في
ملك الغير غصبا ، وهذه الحركة تصرف ، بل التيمم فعل وعمل في ملك الغير ، وهو هواؤه
المملوك ، فتأمّل.
قوله : فلا بأس أن يتيمم. ( ٢ : ٢٠٤ ).
إن أمكن أن يطلي
به شيئا ويجفف لا إلى حدّ يصير ترابا بل مثل التراب المبلّل فهو أيضا أولى وأحوط ،
كما هو الظاهر من حسنة رفاعة ، وإن لم يمكن أو يكون عسرا وحرجا فيتيمم بالطين ،
ولم يبين في الأخبار
__________________
كيفية التيمم به ،
والظاهر من الاخبار أنّ كيفية التيمم به كيفية التيمم بالتراب.
وقيل : يضع يديه
على الطين ، ثم يصبر حتى ييبس ثم يتيمم .
وهو خلاف ما يظهر
من الأخبار ، فالعمل به مشكل ، سيّما مع تضمّنه عدم الموالاة ، والظاهر من الأخبار
أنّ التيمم بالطين متأخر عن كل ما يمكن التيمم به مثل الغبار والحجر ، فربما يظهر
منها عدم التيمم بالثلج ، فتأمّل.
قوله : في الحسن عن أبي عبد الله 7. ( ٢ : ٢٠٤ ).
وزرارة في الموثق
عن الباقر 7 .
قوله : وما أصاب الخليط من اليد لم يماسّ التراب. ( ٢ : ٢٠٥ ).
هذا على تقدير أن
لا يصعد من جهة الضرب تراب وغبار منه يحيط بجميع الكف ويلصق به ، أمّا مع الصعود
والإحاطة فالحكم بالبطلان مشكل ، وإن كان الاحتياط عدم الاعتداد به.
مع أنّه يمكن
المناقشة في الأوّل أيضا بأنّه تحقّق ضرب اليد على التراب عرفا في صورة يتحقّق ،
ولعلها محلّ نظر العلاّمة ; أو الأوّل حيث قال : لا يمنع الحائل. ، فتأمّل.
وعلى أي تقدير ،
الاحتياط مع الشارح ; ولا عدول عنه في مقام العمل والأمر به.
قوله : فإنّ الرمل أجزاء أرضيّة. ( ٢ : ٢٠٥ ).
ببالي أنّه ورد
رواية تدل على أنّ الرمل ليس من جنس الأرض.
__________________
قوله : لا تخرج به عن الحقيقة الأرضية. ( ٢ : ٢٠٥ ).
في الكافي في
الصحيح عن محمد بن الحسين أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي يسأله عن
الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض ، وما كان
لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ : « لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه
ممّا نبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » .
قوله : وخلاف بعض العامة. ( ٢ : ٢٠٥ ).
في غاية البعد ،
بل لعله لما أشرنا إليه من وجود الرواية ( الصحيحة وكونه مسخا كالملح ) .
قوله : ولرواية غياث بن إبراهيم. ( ٢ : ٢٠٦ ).
الظاهر منها
الكراهة ، وأنّ الكراهة لأجل الاستطراق ، كما رواه هو بطريق آخر أنّ أمير المؤمنين
7 قال : « لا وضوء من موطإ ». أي ما تطأ عليه برجلك ، فظهر أنّه ليس
من جهة كونه من المهابط.
قوله : والمستند فيه رواية أبي بصير. ( ٢ : ٢٠٦ ).
إنّها صحيحة عندي
، إلاّ أنّها قوية عند المشهور ، لاشتراك أبي بصير عندهم بين الثقة والموثق.
قوله : على أنّ تنفضه ( ٢ : ٢٠٦ ).
__________________
الظاهر منها وقوع
النفض أوّلا ثم التيمم بما نفضه ، كما عليه بعض الأخيار مثل سلار وظاهر المفيد
وغيرهما . وقال الشيخ : يتيمم بغبار ثوبه وغيره ، ولعله الأظهر
بملاحظة مجموع الأخبار ، وإن كان الأحوط والأولى هو الأوّل إن أمكن. ثم المستفاد
من الأخبار اشتراط وجود الغبار والإحساس به.
قوله : لأنّه لا يسمى صعيدا ( ٢ : ٢٠٧ ).
الحكم بعدم
التسمية عرفا لعله محلّ إشكال ، لأنّهم يطلقون عليه لفظ التراب ويقولون : تراب
الغبار ، إذا اجتمع الغبار ، وربما يظهر ذلك من ملاحظة أنّ الطين الذي هو من
الصعيد ـ وورد أنّه صعيد طيب وماء طهور ـ مؤخر عنه بالنصوص والإجماع ، مع أنّهم : في الغبار أمروا
بالتيمم منه ، وأمّا الطين فقالوا : لا بأس بالتيمم منه ، فيؤذن هذا بصعوبة ما في
الطين من جهة الماء المخلوط به وإن كان هو من الصعيد ، والغبار لا تأمّل فيه أصلا
ولا صعوبة فيه رأسا.
وورد أنّ التيمم
إنّما هو من الماء والصعيد ، وورد : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا » بالتقريب الذي
مرّ ، وورد : « إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » ، وورد أن
الطهورين الماء
__________________
والصعيد ، وغير ذلك ،
فتأمّل ، بل ربما لا يظهر من الأخبار تأخير الغبار عن التراب أصلا ، وفيه أيضا
إشعار ، ويؤيّده أيضا التيمم للنوم ، مع عدم اشتراطه بفقد التراب ، فتأمّل.
لكن العمل على
المشهور.
قوله : والثالثة بحال الثلج المانعة. ( ٢ : ٢٠٧ ).
فيه منع بملاحظة
ذيل الرواية. مع أنّ الرواية الأولى لا ضعف فيها ، لأنّ أبا بصير مشترك بين ثقات ،
كما حقّق في محلّه ، ومع ذلك منجبر بعمل الأصحاب على تقدير ضعفه. وفي الموثق
كالصحيح عن زرارة عن الباقر 7 : « إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو من
شيء معه ، فإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمم منه » .
ثم إنّه ظهر من
هذه الأخبار أنّه لا ترتيب في الأمور المغبرة التي يتيمم بغبارها ، خلافا لها ذكره
الشيخ من الترتيب ، فتأمّل.
قوله
: وظاهر المرتضى. (
٢ : ٢٠٨ ).
ونقل عن سلار أيضا
، وأنّه احتج بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق 7 : الرجل يجنب في السفر ، فلا يجد إلاّ الثلج أو ماء جامدا؟
قال : « بمنزلة الضرورة يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » ولعل مستند غيره
أيضا هذه الصحيحة ، لكن الدلالة غير واضحة ، إذ لعل المراد التيمم بالصعيد ، وأنّه
لا يجد إلاّ الثلج والماء الجامد لا غير
__________________
الجامد وإن وجد
التراب ، كما هو الغالب ، فتأمّل.
قوله : أجمع الأصحاب على عدم جواز. ( ٢ : ٢٠٨ ).
الظاهر أنّه في
صورة رجاء التيمم في الوقت وبعد دخوله ، أمّا لو علم يقينا أو ظنّ أنّه بعد دخول
الوقت لا يمكن التيمم مطلقا ، أو لا يمكن التيمم إلاّ بالطين مثلا فالحكم بعدم
الجواز مشكل ، لشمول كثير من الأدلة ، مثل كونه بمنزلة المائية ، ويكفيك الصعيد
عشر سنين وغير ذلك ، ولأنّه واجد للطهور ومتمكن من أداء الصلاة وإيجادها في وقتها
، فيجب ، لعموم ما دل عليه ، وعدم سقوطها عن كل مكلف ولو بغير ستر العورة وغيره من
الشرائط المماثلة له ، وبغير الحمد والسورة والركوع وغيرها من الأجزاء.
وبالجملة لا يسقط
إلاّ أن يموت المكلف ، أو يخرج عن التكليف ، أو لا يتمكن منها أصلا ورأسا ،
فتأمّل.
هذا ، مع عدم ظهور
شمول إجماعهم لمثل ما نحن فيه ، لكونه من الفروض النادرة ، فلم يظهر دخوله تحت
إطلاق كلام المجمعين. مضافا إلى عدم ثبوت هذا الإجماع ، لما مرّ عن الشهيد من نقل القول
بوجوب الطهارات أجمع لأنفسها وجوبا موسّعا ، غاية ما في الباب أن يكون إجماعا منقولا بخبر الواحد ،
فعلى القول بحجّيته وأنّه لا يضرّ خروج الفقيه الغير المعروف لا شبهة في كونه
ظنيّا ( فلا يقاوم ما ذكرناه من العموم ، لأنّه أقوى ، كما أشرنا ) ، مضافا إلى ضعف
دلالته أيضا ، كما أشرنا.
ويعضد ما ذكرنا ما
ورد من المنع عن السفر إلى بلد يحتاج فيه إلى التيمم للصلاة ، وعدّهم : ذلك هلاك الدين ،
فكيف يجوّزون ترك
__________________
التيمم أيضا مع
التمكن والوجدان العقلي والعرفي ، فيترك الصلاة لأجله ، مع كونه من مقدمات الواجب
المطلق لا المشروط ، وحاله حالها ، مع أنّ المقدمات ترتكب قبل دخول الوقت البتّة ،
ولا مانع في غير الموضع ، مع التمكن منها في الوقت فكيف مع عدم التمكن ، مثل تحصيل
الدلو والرشاء لاستقاء ماء الطهارة واشتراء أسباب السفر للحج وغير ذلك ، ومفهوم :
« إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » يقتضي عدم الوجوب لا عدم الجواز ، وعدم الوجوب العقلي الذي
هو في المقدّمات ، مع التأمّل في عموم المفهوم ، ثم شموله للفرد النادر ، ثم
مقاومته لما أشرنا.
وممّا ذكرنا ظهر
أنّ قبل الوقت لو تمكن من الوضوء والغسل تعين إتيانهما حينئذ لو علم أو ظنّ عدم
التمكن منهما في الوقت ، فتأمّل.
قوله : وجمع من الأصحاب. ( ٢ : ٢٠٩ ).
منهم أبو الصلاح ،
وسلار ، وابن حمزة ، وابن إدريس وظاهر المفيد .
قوله : ونقل عليه السيد الإجماع. ( ٢ : ٢٠٩ ).
والشيخ أيضا ، كما
سيذكر.
قوله : وقوّاه في المنتهى. ( ٢ : ٢٠٩ ).
والتحرير أيضا .
__________________
قوله
: وقال ابن الجنيد.
( ٢ : ٢٠٩ ).
وظاهر الجعفي
وظاهر البزنطي على ما نقل .
قوله : واختاره العلاّمة في أكثر كتبه. ( ٢ : ٢٠٩ ).
ويومئ إليه كلام
ابن أبي عقيل ( على ما قيل ) .
قوله : احتج الشيخ. ( ٢ : ٢٠٩ ).
في الفقه الرضوي :
« وليس للمتيمم أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت » .
قوله : أمّا الإجماع فبالمنع منه. ( ٢ : ٢١٠ ).
فإنّ الخلاف وإن
لم يضرّ الإجماع المعتبر عندنا ، لعدم كونه وفاق الكل ، إلاّ أنّه يضرّه من حيث
إنّه يمنع من حصول العلم بقول المعصوم ، لأنّ العلم على فرض حصوله من مجرّد
الاتفاق فإنّما يحصل من اتفاق جميع الفقهاء بحيث لا يشذّ عنهم أحد ، وأمّا مع
اتفاق بعضهم فحصول العلم غير ممكن ، إلاّ بضميمة قرينة تفيد ضمّها العلم ، وهي في
أمثال زماننا مفقودة إلاّ ما شذّ ، مثل العلم بحرمة القياس ونظائرها ، وما نحن فيه
لا يوجد فيه قرينة ، بل القرائن على خلافه ، فإنّ كثيرا من الأخبار يظهر منها عدم
وجوب التأخير إلى ذلك.
فإن قلت : الإجماع
الذي هو حجّة لا ينحصر في القطعي ، لعموم ما دل على حجّية ظنّ المجتهد ، فيكفي كونه
ظنيّا ، والعادل الضابط الماهر أخبر بالإجماع ، ومخالفة الغير غير مضرّ ، إذ لعله
لم يحصل له العلم
__________________
وحصل لمدعي
الإجماع ولا منافاة.
قلت : ربما يحصل
بسببه الوهن في دعوى المدعي ، بسبب أنّ جمعا من الماهرين العادلين الضابطين ـ مع
بذل جهدهم واستفراغ وسعهم ـ لم يتفطّنوا بهذا الإجماع مع اتحاد زمانهم بزمان
المدعي ، أو قرب عهدهم أو تقدمهم عليه ، فإنّ هذا ربما يورث لنا الوهم والريبة ،
فعلى تقدير بقاء ظنّ بعد ذلك فظنّ ضعيف لا يقاوم الأخبار ، بل ملاحظة الأخبار توجب
ضعفا آخر زائدا على الأوّل.
مع أنّ من لم يقل
بحجّية المنقول بخبر الواحد لا ينفعه هذا الإجماع أصلا وبالمرّة ، ومن يقول بها
ولا يوجب له ما ذكرناه وهنا أصلا يكون عنده مثل الخبر ، فحكمه حكم خبر آخر رواه ،
فيصير التعارض ، فلا بدّ من الجمع الوجيه أو الترجيح كذلك ، فتأمّل.
قوله : وأمّا الرواية الأولى. ( ٢ : ٢١٠ ).
يشكل هذا الجواب
على الطريقة الأخرى في هذه الرواية ، فإنّه « فليمسك » بدل « فليطلب » ، كما ذكرنا
، لكن الجواب عنه وقوع الاضطراب ، وعدم ظهور كون هذه الطريقة حقا ، سيّما
والطريقة المذكورة في كلام الشارح أصح سندا وأشهر رواية.
قوله : يقتضي الشك. (
٢ : ٢١٠ ).
يقتضي احتمال
الفوت في الواقع ، لا بالنضر إلى رأي المكلف ، إذ كثيرا ما لا يرجو الماء ومع ذلك
يحصل له ، بل وربما يقطع بعدمه ومع ذلك يوجد له ، وتخلف القطع غير نادر.
__________________
قوله
: ويمكن حملهما على
الاستحباب. ( ٢ : ٢١٠ ).
لعل مراده الجدل ،
وإلاّ فهو ; كثيرا ما يستدل بأمثالهما ويصرّح بعدم الضرر. وكذا الكلام في قوله : متروكة
الظاهر ، لتصريحه بأنّ الخبر الصحيح حجّة ، وإن لم يكن بمضمونه قائل ، إلاّ أن
يكون مراده أنّ الفقهاء قالوا بخلافه ، لكن المحقق مال إليه ، وطريقة الشارح ; العمل بمثله
أيضا.
فالأولى أن يتمسك
ـ لأجل الحمل على الاستحباب ـ بملاحظة معارضة ظاهرهما لظواهر كثير من الأدلة
ومقاومته لها ، فلا بد من الملاحظة والتأمّل في المعارضات.
وممّا ذكر ظهر
الكلام في عبارة الفقه الرضوي أيضا ، فإنّها هكذا : « وليس للمتيمم أن يتيمم إلاّ
آخر الوقت » ولعل هذه العبارة مستند القائلين بالتأخير مطلقا ، ويمكن
أن يكون المراد فيها أيضا أنّه مع الرجاء يتأخر ، لأنّه الغالب ، ويقربه ملاحظة
هذين الخبرين وأمثالهما ، حيث أمر فيها بالتأخير مطلقا ، وعلّل بأنّه إن فاته
الماء لم تفته الأرض.
قوله : حجّة القول الثاني. ( ٢ : ٢١٠ ).
يدل على هذا القول
عمومات وإطلاقات كثيرة في أنّ الوقت يدخل بمجرّد الزوال ، وأنّه وقت إلى الغروب
مثلا ، وفي أنّ فاقد الماء والعاجز عن استعماله يتيمم ويصلي ، مضافا إلى ما ذكره
الشارح.
ويدل عليه أيضا
صحيحة محمد بن حمران وجميل بن دراج ، عن الصادق 7 ، في إمام قوم أصابته جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل ،
__________________
أيتوضّأ بعضهم
ويصلّي بهم؟ قال : « لا ، ولكن يتيمم الجنب ـ الإمام ـ ويصلّي بهم ، إنّ الله قد
جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » ، فإنّ الظاهر عدم إيجابه 7 على المأمومين والإمام تأخيرهم الصلاة إلى ضيق الوقت ،
وإلاّ لكان أمرهم في المقام ، لشدّة الحاجة ، ونهاية بعد أن يكون على المأمومين التأخير إلى ذلك
الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضّئ.
مع أنّ تأخير
الصلاة إلى هذا الحدّ في غاية الشدة من الكراهة وكمال المرجوحية ، كما يظهر من
كثير من الأخبار ، وأمّا على القول بالاختيار والاضطرار فالأمر أشدّ. هذا مضافا
إلى كراهة اقتداء غير المتيمم بالمتيمم ، فتأمّل.
قوله : وموثقة يعقوب بن سالم. ( ٢ : ٢١١ ).
ولقائل أن يقول :
كما يدل على عدم وجوب التأخير كذا يدل على عدم وجوب الطلب وغيره من شرائط التيمم
المسلّمة ، والبناء على أنّ المراد أنّه إذا تيمم تيمما صحيحا مستجمعا لجميع
الشرائط لا يجب عليه ، يوجب انسداد باب استدلالهم ، لأنّ التيمم في أوّل الوقت من
أين ظهر صحته؟ مع نقل الإجماعات وورود الأخبار الكثيرة المانعة إمّا مطلقا أو مع
رجاء ارتفاع العذر للمائية ، فإنّ الضيق المعتبر عند معتبرة إنّما هو بحسب الظن
والتخمين ، ومع عدم مداقة ومضايقة في الأجزاء الواجبة وكيفية أدائها ، ولا مانع من
وجدان الماء بعد الصلاة بالتيمم الصحيح ، وبقاء شيء
__________________
من الوقت ، ولو
بقدر ركعة من الفريضة.
قوله
: لا يتناول
المتيمم. ( ٢ : ٢١٢ ).
هذا على القول
بوجوب التأخير مطلقا وجيه ، لكن القائل بالثاني إنّما يقول به بناء على اختياره
القول بالتفصيل ، كما هو صريح كلامه ، ومعلوم على القول بالتفصيل أنّ الأمر بتأخير
التيمم ليس إلاّ لرجاء حصول الماء وحصول الصلاة بالطهور الاختياري مهما أمكن ،
وأنّ التيمم طهور اضطراري لا يرتكب إلاّ أن يضطر إليه ، ومع الرجاء ما حصل
الاضطرار ، وقد أشرنا إلى أنّهم : نهوا عن المسافرة إلى بلد ربما يتحقّق في المسافرة إليه
الصلاة بالتيمم ، وحكموا بأنّ في ذلك هلاك الدين ، ومعلوم أيضا أنّ الطهور إذا كان
لأجل الصلاة لا يكون حينئذ مطلوبا لنفسه ، بل مطلوبيته حينئذ منحصرة في كونها لأجل
الصلاة خاصّة ، وممّا ذكرنا ظهر أنّ تضعيفه لا يخلو عن الضعف.
فإن قلت : تيممه
صحيح البتّة ، ولا معنى لصحته إلاّ جواز الدخول به في الصلاة.
قلت : لا نسلم أن
يكون المعنى جواز الدخول في أوّل الوقت ، بل جواز الدخول في الجملة ، لأنّ معنى
الصحة هو ترتّب الأثر في الجملة.
فإن قلت : الحين
حدثه مرفوع بالتيمم ، والحدث هو الحالة المانعة من الصلاة.
قلت : سيجيء
الكلام في كونه رافعا للحدث ، وعلى تقدير كونه رافعا لم يعلم أنّه رفع مطلقا ،
فإنّه أوّل الكلام ، بل رفع في الجملة ، وهو أنّه إن حصل اليأس فتجوز الصلاة حينئذ
، وإلاّ فعند حصول اليأس أو ضيق الوقت.
وبالجملة : على
القول بوجوب تأخير التيمم عند رجاء المائية لا يخلو ما ذكره عن الإشكال ، ويؤيّد
هذا الإشكال ما سنذكر في قوله : وعلى هذا فينتفي اعتبار فائدة التضييق. فتدبّر.
قوله : وتشهد له صحيحة زرارة. ( ٢ : ٢١٢ ).
في الشهادة إشكال.
قوله : لعموم قوله 7. ( ٢ : ٢١٣ ).
شموله لحالة العذر
من المائية لا يخلو عن تأمّل.
قوله : فينتفي اعتبار فائدة التضييق. ( ٢ : ٢١٣ ).
والانتفاء خلاف
مدلول الأخبار وضدّ مقتضاه ، لأنّ الأوقات صالحة للنافلة ، والتيمم صحيح لها متى
أرادها ، على ما ذكر ، والصلاة الفريضة تصح بالتيمم السابق في أوّل الوقت ، كما
اختاره الشارح أيضا ، فلأيّ جهة أمروا بالتأخير إلى آخر الوقت؟!
لا يقال : ما ذكره
مبني على ترجيحه كون التأخير على سبيل الاستحباب. لانّه على هذا لا يبقى لقوله :
وعلى هذا فينتفي. معنى ، لأنّه على أيّ تقدير كان اعتبارها منتفيا.
فظهر ممّا ذكرنا
أنّه على القول باعتبار التضييق إمّا لا يصح التيمم للنافلة متى أرادها ، أو يصح
لكن لا يمكن أداء الفريضة بالتيمم السابق في غير وقت الضيق. ولا يخفى أنّ الظاهر
من الأخبار صحة التيمم للنافلة متى أرادها ولا يوجد مانع من ذلك من قبلها أصلا ،
فظهر أنّ المانع هو الثاني ، كما أشرنا وظهر لك في الحاشية السابقة ، فتأمّل.
قوله : فمتى زالت تلك الحالة. ( ٢ : ٢١٥ ).
لا يخفى أنّ تلك
الحالة إذا زالت فلا جرم أنّها بوجود الماء لا بدّ أن
تحدث وتعود ،
ويصير غير الجنب جنبا ، وغير الحائض حائضا ، وهكذا ، وغير خفي أنّ وجود الماء ليس
من موجبات تلك الحالة ، وليس هو من الأحداث ، لأنّ موجبها هو الجنابة ، أعني
التقاء الختانين أو نزول المني ، أو الحيض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو مسّ
الميت إذا كان ، ليس إلاّ ، مثلا.
( مع أنّ المحقق
نقل الإجماع على أنّ وجود الماء ليس بحدث ، وسيجيء عن الشارح أيضا ادعاء الإجماع عليه ، وحين وجود
الماء أو رفع المرض لا يقال : إنّه أجنب الآن ، أو أنّها حاضت ، أو أنّهما أحدثا )
، والأخبار دالة على هذا المعنى من غير خفاء.
وأيضا إنّ التيمم
يبيح ما تبيحه المائية في حال الاضطرار لا مطلقا ، فعدم الإباحة في الجملة باق لم
يرفع منه ، إنّما المرفوع هو عدم الإباحة حال الاضطرار.
وأيضا قد عرفت في
الحاشية السابقة المكتوبة على قوله : وهو لا يتناول المتيمم. أنّ رفع الحدث
يكون في الجملة لا مطلقا ، فغير المرتفع من الحالة لم يرتفع مطلقا ، والمرتفع منها
ارتفع مطلقا ، والحدث موجب لحدوثها ، ووجدان الماء ليس موجبا لحدوث هذا المرتفع ،
بل المانع هو الحالة الباقية ، لأنّ المكلف حينئذ مختار لا مضطر ، فتأمّل.
وبالجملة : ما
ذكره على تقدير تمامه يجعل النزاع لفظيا ، كما اعترف
__________________
به ، فلا ثمرة فيه
أصلا.
وممّا يشهد على أن
التيمم لا يرفع الحدث ما ورد في الأخبار المتعددة من إطلاق لفظ الجنب على المتيمم
بعد تيممه ، وكراهة الإمامة عليه ( بل بعض الأمور الأخر ، مثل الأكل والشرب
والجماع وأمثال ذلك ، بل ولعل منع بعض الأمور يكون باقيا ، فتأمّل ) .
وورد في العوالي ،
عن النبي 6 ، أنّه قال لبعض أصحابه : « أتصلّي بالناس وأنت جنب؟ » فسمّاه جنبا بعد
التيمم ، انتهى ، وسيجيء تمام الكلام عند شرح قول المصنّف :
السابع : إذا تيمم الجنب بدلا . ، فلاحظ.
قوله : وهو مشكل. ( ٢ : ٢١٦ ).
لكن يظهر من بعض
الأخبار كونه خارجا عن التيمم ، لأنّهم : قالوا : « يضرب بيده ويتيمم » أو : « فيتيمم » أو : « ثم
يتيمم » ، وليس ببالي.
قوله : بخلاف مسح الأعضاء. ( ٢ : ٢١٦ ).
لا يخفى أنّه
اعتبر كون المسح بالكف ، إلاّ أنّه جعل الضرب بمنزلة أخذ الماء ، فعدم إجزاء ما
ذكره ليس لكون أوّل أجزاء التيمم هو الضرب ، بل لعدم المسح المعتبر ، فتأمّل.
قوله : وضع اليدين معا. ( ٢ : ٢١٧ ).
__________________
أي لا يتقدم
أحدهما على الآخر ، بأن يكون وضعهما دفعة واحدة ، ويدل عليه بعد الإجماع المنقول
ظواهر الأخبار ، مثل « تضرب بيديك » و « ضربة للوجه » و « ضربة للكفين » ، وأمثال
ذلك ، ولتوقّف الوظائف الشرعية على النقل ، والقدر الثابت منه هو الوضع معا ،
فتأمّل.
قوله : فلو استقبل في العواصف. ( ٢ : ٢١٧ ).
لا يخفى ما فيه ،
فإنّ المسح في هذه منتف ، فكان عليه أن يقول : لو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها
ببطن كفيه فمسح به لم يجز ، لتوقف. ، لكن لا يخفى أنّه ; كثيرا ما يمنع
ثبوت وجوب شيء بمجرّد نقله في كيفية التيمم ، مثل البدأة بالأعلى ، والموالاة ،
وغير ذلك ، كما ارتكب في الوضوء أيضا كذلك.
إلاّ أن يكون
مراده من النقل هنا أعم من القول ، لكن فيه : أنّ بعض العمومات مثل آية التيمم
يقتضي صحة هذه الصورة.
إلاّ أن يكون
مراده أنّه ورد في الأخبار لفظ الضربة والوضع ، فيكون مخصصا ، لكن لا يخفى أنّ هذا
كلام آخر وليس ذلك الاستدلال. ومع ذلك نقول : لأحد أن يناقش في ثبوت
التخصيص بمجرّد هذا ، إمّا لوروده مورد الغالب ، أو لبنائه على الاستحباب ، لكنه
خلاف الظاهر والإنصاف ، فتدبّر ، وهو ; استدل في المسألة السابقة بورود الأمر بالضرب.
وقوله : أجمع الأصحاب. ( ٢ : ٢١٧ ).
ربما يخدشه ما
نقله عن العلاّمة فيها ، فتأمّل.
قوله : لتوقف الوظائف الشرعية. ( ٢ : ٢١٧ ).
__________________
لعلّ هذا التعليل بناء
على عدم اعتماده على ما ادعاه من الإجماع ، بأنّ المراد مجرّد الاتفاق ، أو أنّه
مستند إجماعهم ، أو أنّه دليل آخر ، كما أنّ الأمر بالضرب أيضا دليل آخر. ثم إنّ
هذا التعليل مبني على ثبوت التكليف بالمجمل ، وأنّ البيان منحصر في فعل الشارع.
قوله :
في صحيحة زرارة. (
٢ : ٢١٧ ).
ربما يناقش الشارح
في دلالة الجملة الخبرية على الأمر ، سيّما مع انضمام قوله 7 : « ثم تنفضهما »
لأنّه مستحب قطعا ، فربما كان نفس الضرب أيضا مستحبا بناء على ذلك.
قوله : وهو حاصل بالوضع. ( ٢ : ٢١٨ ).
أشار به إلى ظاهر
الآية ، بأنّ الضرب لو كان واجبا في التيمم لما اكتفى سبحانه بمجرّد القصد ،
فظاهرها أنّ قصد الصعيد الذي يحصل به مسح الوجه واليد يكفي كيف كان ، إلاّ أن يثبت
من إجماع أو نص زائد على ذلك ، كما ثبت منهما وجوب الوضع معا.
قوله : فإنّا نمنع حصول الغرض. ( ٢ : ٢١٨ ).
يظهر من هذا أنّ
الشارح ; سلم كون الظاهر من الآية حصول الغرض من قصد الصعيد كيف كان ، إلاّ أنّ
الأخبار تقيد وتخصص ، وهذا لا يوافق ما ذكر سابقا في المقام من أنّ الوظائف
الشرعية تتوقف على النقل. ، فتأمّل.
ومع ذلك يتوقف ما
ذكره على كون دلالة الأخبار على وجوب الضرب أقوى من دلالة الآية والأخبار الموافقة
لها ، ولعله كذلك.
__________________
قوله
: والمنقول خلافه.
( ٢ : ٢١٨ ).
إن أراد أنّه لم
يصل إلينا منهم : تيمم بهذه الكيفية ، ففيه : أنّه لم يصل أيضا ما ذكره من
الضرب على تراب بدنه أو بدن غيره ، وأمثال ذلك ، وإن أراد أنّه بملاحظة التيممات
الواردة يظهر أنّه لا فرق بينها وبين هذه التيممات سوى التيمم بتراب الوجه. ففيه
أيضا تأمّل.
قوله : لانتفاء الدليل عليه. ( ٢ : ٢١٨ ).
فيه : أنّ العبادة
تتوقف على النقل. وأيضا الطهور شرط للصلاة مثلا ، والشك في الشرط يوجب الشك في
المشروط. وأيضا الأصل عدم الصحة حتى تثبت الصحة بدليل شرعي ، فعدم الدليل لا يكفي
، بل لا بدّ من الدليل على عدم الاشتراط ولو كان إطلاقا يرجع إلى العموم ،
والمطلقات مثل قوله 7 : « جعل التراب طهورا ، كما جعل الماء طهورا » وقوله 7 : « هو بمنزلة
الماء » وقوله 7 : « ضربة للوجه وضربة للكفين » وقوله 7 : « فضرب بيديه
على الأرض فمسح بهما وجهه » وغير ذلك ، لو لم يفهم منها العلوق وكون المسح به لم
يفهم منها عدم العلوق وكون المسح بمجرّد اليد الخالي عن الغبار أصلا والمعرّى عن
أثر مطلقا ، ولعل الراجح بحسب فهم العرف هو الأوّل ، وعلى تقدير تسليم عدمه ففهم
الثاني محلّ نظر.
هذا مع قطع النظر
عمّا أشرنا إليه في بحث ما يجوز به التيمم من وجود الدليل من الآية والصحيح من
الحديث على اشتراط العلوق ، فتأمّل.
قوله : ما كان عرضة لزواله. ( ٢ : ٢١٩ ).
__________________
كونه في عرضة
الزوال ممنوع ، لأنّ مجرّد النفض لا يزيل العلوق بالتمام البتّة ، بل وإن بولغ فيه
، إلاّ أن يمسح اليدين بشيء أو يمسح أحدهما بالآخر ويبالغ في المسح إلى أن يزول
الأثر ، وهذا غير النفض وخلافه. بل لا يظهر من الأخبار المبالغة في النفض ، بل
ربما يظهر منها كون النفض مرّة واحدة كالضرب ، والظاهر أنّه لقلّة التشويه. على
أنّه يلزم على ما ذكره أن يكون عدم العلوق واجبا أو مستحبا شرعا ، وأنّه إن كان المسح
بالعلوق يكون حراما باطلا أو مرجوحا ، وفيه ما فيه.
قوله : ولأنّا بيّنّا أنّ الصعيد وجه الأرض. ( ٢ : ٢١٩ ).
وقد مرّ الكلام
فيه .
قوله : إذ الغالب عدم بقاء الغبار. ( ٢ : ٢١٩ ).
فيه نظر ، بل
الغالب البقاء. على أنّه لعلّه لهذا أمروا بالضربتين ، لأنّه ربما يقلّ العلوق
فيستحب الضرب الثاني ، أو ينعدم نادرا فيجب ، هذا على تقدير تسليم ما ذكره من
الكفاية.
قوله : ونقل عن ظاهر ابن الجنيد. ( ٢ : ٢١٩ ).
يظهر من هذا أنّ
ابن الجنيد منفرد بهذا ، وليس كذلك ، بل ظاهر جماعة كذلك ، كما صرّح به بعض
المتأخرين ، بل ظاهر الكل كذلك ، لحكمهم باستحباب النفض مطلقا ، بل
ربما يظهر من بعضهم الأمر به مطلقا ، موافقا لما هو الظاهر من الأخبار ، لتضمّنها الأمر
بالنفض مطلقا ، لا أنّه إن اتفق العلوق يستحب أو يؤمر به ، وإلاّ فلا ، ومعلوم أنّ
النفض فرع
__________________
العلوق وهو شرطه ،
إذ يتوقّف عليه ، فيظهر أنّ العلوق عند من قال بالنفض مطلق ، إلاّ أن يظهر من
كلامه عدم اشتراط العلوق ، فيصير قرينة على عدم الإطلاق.
وملاحظة كلام
الفقهاء في كيفية التيمم في الوحل ونحوه يكشف عن اعتبارهم العلوق مطلقا ، لعدم
القول بالفصل جزما.
ومنشأ نسبة
الاشتراط إلى خصوص ابن الجنيد أنّ العلاّمة في المختلف قال : من قال باستحباب [
النفض ] ناف للاشتراط البتّة ، لعدم اجتماعه مع الاشتراط ، ولم
يتأمّل ; أنّه لا منافاة أصلا ، بل يلزمه البتّة ، فدلالته على الاشتراط أولى ، كما
صرّح به بعض المتأخرين ، مع أنّ القائل بالاشتراط قائل باستحباب النفض ، أو آمر
به ، ولذا ادعي الإجماع على النفض ، فافهم.
قوله : والجواب المنع من عود الضمير. ( ٢ : ٢١٩ ).
ظاهر الآية عود
الضمير إلى الصعيد ، وأمّا الحديث فعلى تقدير تسليم تأويل الآية بمثله وارتكاب
خلاف ظاهرها بسببه لا يظهر منه ما يخالف ظاهرها ، فإنّ الظاهر منه أنّ المراد من
التيمم المتيمّم بقرينة قوله 7 : « لأنّه علم أنّ جميع ذلك ».
مع أنّ هذا الحديث
ينادي باشتراط العلوق ، وأنّه السبب في جعله تعالى المسح ببعض الوجه واليدين ،
وإذا كان الحديث تفسيرا بالنسبة إلى الآية يظهر منه اعتبار العلوق في الآية أيضا
وإن أبقينا التيمم على مقتضى ظاهر نفس اللفظ ، فتأمّل.
__________________
( وعرفت أيضا أنّ
صحيحة ابن سنان وصحيحة الحلبي تدلاّن على العلوق ، لقوله 7 فيهما : « يمسح
من الأرض » ، ويؤيّده أيضا صحيحة زرارة ، لقوله 7 فيها : « ولم
يمسح الذراعين بشيء » ، وكذا ما ورد من أنّ التراب طهور ، أو طهور مثل الماء ،
وغيرهما ممّا دل على عموم البدلية وعموم المنزلة. مضافا إلى أنّ الظاهر من طهورية
التراب أنّه طهور الوجه واليدين فيكون طهورا مطلقا ، لا أنّ جلد باطن الكف طهور
بسبب ملاقاته التراب ، فتأمّل ) .
قوله : أو على أنّ المراد بمسح الوجه مسح بعضه. ( ٢ : ٢٢١ ).
هو الأظهر بملاحظة
أنّ الروايات المتضمّنة لحكاية عمّار حكاية قضية واحدة ، ففي صحيحة زرارة أنّه 7 مسح جبينه فقط ،
وهذا نصّ في عدم الاستيعاب ، ومع ذلك عبّروا عن تلك الحكاية بعينها أنّه 7 مسح الوجه على ما
هو الظاهر.
ويؤيّد ذلك أنّهم : في اليد كثيرا ما
يقولون : امسح بيديك ، ومسح يده ، وأمثال هذه العبارة على سبيل الإطلاق ، مع أنّ
المسح ببعض اليد قطعا.
ويؤيّده أيضا أنّه
ورد مرّة للوجه ومرّة لليدين أيضا على سبيل الإطلاق ، فيظهر أنّهم : كانوا يسامحون في
التعبير في حكاية مسح الوجه. مع أنّ مسح جبينيه أظهر دلالة في عدم الاستيعاب من
مسح وجهه في الاستيعاب ، فيرجّح.
__________________
وبالجملة التخيير
بعيد ، سيّما بعد ملاحظة فتوى قدمائنا ، قال الصدوق في أماليه : وعليه ـ أي على
مسح الجبينين وظاهر الكفين ـ مضى مشايخنا رضي الله عنهم ، فربما يظهر أنّ
والده أيضا ما كان قائلا بمسح كل الوجه ، ولعله كان مراده من الوجه الوجه الوارد
في الأخبار على حسب ما ورد فيها ، وهذا غير بعيد عن طريقة القدماء ، فإنّهم ربما
كانوا يفتون بمتن ما ورد في الخبر ( وذكر في أماليه : أنّ من دين الإمامية مسح
الجبينين وظهر الكف ، وهذا أيضا صريح في أنّ مذهب علي بن بابويه لم يكن مسح الوجه
وكل اليد ، فتأمّل ) . وسنذكر عبارة الأمالي في بحث عدد الضربات ، فلاحظ ، ومنها
أيضا يظهر ذلك ، بل هي أظهر فيه ، فتأمّل.
قوله : وضعفهما ظاهر. ( ٢ : ٢٢٢ ).
لعل تضعيفه هنا
وأمثال الموضع ـ مع قوله في كثير من المواضع من أنّ العبادة تتوقف على النقل فما
وصل إلينا يقتصر عليه ـ مبني على أن المسح معلوم معناه يعرفه كل من يفهم كلام
العرب ، فهو ظاهر في كونه بأيّ وجه حصل ، بخلاف الموضع الذي لم يرد فيه مثل هذا
الكلام.
وفيه : أنّ سائر
المواضع يمكن الاستناد إلى الإطلاقات والعمومات ، وأيضا ظهور ما نحن فيه وأمثاله
بحيث يطمأنّ إليه لا يخلو من ضعف.
ولذا ورد في
الأخبار كثيرا أنّهم كانوا يسألون عن كيفية التيمم مطلقا من غير تخصيص بجزء دون
جزء ، وهم : أيضا في مقام الجواب ما كانوا يخصّصون ، بل وما كانوا يجيبون بالقول ـ في
غالب الأوقات ، بل
__________________
وجميع أوقاتهم ـ سؤالهم
عن كيفية نفس التيمم ، بل كانوا يأتون بالفعل في مقام البيان.
ولعل ذلك لأنّ
أصحابهم ما كانوا يطمئنّون في الفهم الظاهري ، لكون المقام عبادة غريبة عجيبة
خارجة عن قانون اعتبارهم ، أو كان وصل إليهم أنّ ظاهر الآية ليست باقية على حالها
، بحيث إنّه ما اعتبر شرعا زائدا عمّا ذكر أمور وشرائط أو أجزاء آخر ، وهم : ما قالوا قط في
الجواب : أنتم عرب ، فما وجه سؤالكم عن كيفية التيمم ، بل كانوا يأتون بالكيفية
مطلقا.
وظاهر أنّ الأصحاب
كانوا يسألون عن التيمم المأمور به الذي أوجبه الله تعالى ، وهم ما كانوا يشيرون
قط إلى أنّ هذا الجزء أو الكيفية واجب وهذا مستحب أو ليس بواجب ، ولا يخفى أنّ
السائلين أيضا ما سألوا عن أمثال ذلك. وكونهم يفهمون ذلك من الخارج ومع ذلك كانوا
يسألون عن كيفية التيمم بعيد.
وما ذكر يقتضي
الاقتصار على نفس ما فعلوا من دون دخل وتصرف وجعل ، وهم : إن بدؤوا بالأعلى
يثبت المطلوب ، وإلاّ يلزم عدم البدأة بالأعلى ، وهو فاسد البتّة ، وبالجملة
المخالفة والاكتفاء بعدم البدأة في غاية الإشكال ، فتأمّل.
قوله : لنا قوله تعالى ( فَامْسَحُوا ). ( ٢ : ٢٢٣ ).
لا دلالة فيه ،
أمّا على القول المشهور من أنّ اليد حقيقة في ما هو طرفه متصل بالمنكب ، والطرف
الآخر رؤوس الأصابع ، وكذا على القول بالاشتراك اللفظي بينه وبين أبعاضه فظاهر.
وأمّا على ما
سيذكره من أنّ اليد هي الكف ولا يتناول ما فوق الرسغ حقيقة فيضرّه فضلا عن أن
ينفعه ، لأنّه يقتضي أن يكون المسح ببعض
الكف ، إلاّ أنّه
يريد من البعض خصوص ظهر الكف ، لكن على هذا لا يكون الدلالة على مطلوبه من جهة
الباء ، بل من جهة كون اليد هي الكف. وبالجملة بين استدلاليه تدافع ظاهر ، مع قطع
النظر عن عدم التمامية ، فتدبّر.
قوله : وما ذاك إلاّ لعدم تناول. ( ٢ : ٢٢٣ ).
فيه منع ظاهر ، مع
أنّ من لاحظ كلام فقهائنا وفقهاء العامة في الأصول والفروع لا يبقى له تأمّل في
عدم اتفاقهم على كون اليد غير متناول لما فوق الرسغ ، بل القول بكون مجموع ما بين
المنكب ورؤوس الأصابع معنى حقيقيا ، والقول بالاشتراك بينه وبين الأبعاض مشهوران
معروفان. مع أنّ الحق هو الأوّل ، للتبادر عند الإطلاق ، ويشهد عليه قوله تعالى : ( وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرافِقِ ) ، فتدبّر.
قوله :
وفهم العلاّمة في
المختلف. ( ٢ : ٢٢٣ ).
العلاّمة حمل لفظ
« فوق الكف » على ظهر الكف ، فحمل « قليلا » على أنّه لا يجب.
قوله : وأجاب الشيخ. ( ٢ : ٢٢٥ ).
نسب في الاستبصار
هذا التوجيه إلى القيل .
قوله : مع أنّه لا يجري في صحيحة. ( ٢ : ٢٢٥ ).
لا يخفى أنّ الغسل
في هذه الصحيحة بفتح الغين لا بضمّها ، والمراد : العضو الذي فيه الغسل في الوضوء
يتيمم ، لا الموضع الذي فيه المسح فيه ، فتأمّل. هذا على النسخة التي لا تكون كلمة
واو ما بين لفظ الغسل وكلمة
__________________
« في » في الوضوء ، فتأمّل.
قوله : ويمكن حملها. ( ٢ : ٢٢٥ ).
بعيد ، بل الظاهر
حمل هذه الروايات على التقيّة ، كما فعله في الاستبصار.
قوله : الدالة على وجوب مسح الكف. ( ٢ : ٢٢٥ ).
مضافا إلى أنّ ظاهرها
يقتضي عدم كون الباء للتبعيض ، وعلى تقدير الصحة فالظاهر أنّه 7 كان في مقام
الجدل مع العامة وإثبات الحق على طريقتهم ، فتدبّر.
قوله :
مجمع عليه. ( ٢ :
٢٢٦ ).
فيمكن الاستدلال
بعدم القول بالفصل والإجماع المركب.
قوله : إذ لا دلالة. ( ٢ : ٢٢٦ ).
ظاهرها الاستيعاب
لو لم يكن مانع من الخارج ، مثل فهم الفقهاء ، والإجماع المركب ، وحسنة الكاهلي
المنجبرة بعمل الأصحاب ، ومضمونها نص فلا تقاومه الظواهر ، سيّما بعد اعتضاده بما
ذكر.
قوله : لمساواة الوضوء. ( ٢ : ٢٢٦ ).
مضى الكلام فيه في
بحث البدأة بالأعلى .
قوله : وربما كان في صحيحة. ( ٢ : ٢٢٦ ).
في التمسك به
إشكال ظاهر. ومضى في مثل ما نحن فيه في بحث البدأة بالأعلى.
قوله
: ودلت عليه ظواهر
النصوص. ( ٢ : ٢٢٧ ).
__________________
لم نجد إلاّ حسنة
الكاهلي ، ومع ذلك لا يظهر منه جميع الترتيب ، ومضى الكلام في بحث البدأة بالأعلى
، وورد عنهم : أنّهم قالوا : « ابدؤوا بما بدأ الله به » والعبرة بعموم
اللفظ لا خصوص المحلّ ، فتأمّل.
( ويشهد عليه أيضا
عموم المنزلة ، وتوقيفية العبادة ، وقاعدة البدلية ، لأنّ أهل العرف إذا علموا
بهيئة وكيفية في المائية ثم سمعوا أنّه إذا لم يوجد الماء فالتراب ، أو بدله
التراب عند العذر ، وأمثال هذه العبارات لا يفهمون منها إلاّ أنّ الترابية بهيئة
المائية ، إلاّ أن تثبت المخالفة من الخارج.
ومن هذا ترى عمارا
مع كونه مدنيا مطيعا من أهل الفهم جزما فعل في مقام إطاعة الواجب من [ الله ] تعالى ما فعل
وليس ذلك إلاّ من الجهة التي ذكر ، ولذا لم يشنّع عليه بأنّ هذا الخيال من أين؟
وبأيّ جهة؟ ، بل مازح معه بما مازح.
ومن هذه الجهة
أيضا قال في بحث التيمم في التذكرة : يجب فيه تقديم اليمنى على اليسرى بإجماعنا ،
لأنّه بدل مما يجب فيه التقديم ، إذ يظهر منه أنّ جميع المجمعين استندوا إلى قاعدة
البدلية [ في ] الحكم المجمع عليه ، واستندوا أيضا في وجوب البدأة بالأعلى
في الوجه والكفين بهذه القاعدة.
وكذا الحال في
أحكام آخر في المقام وغيره ، مثل الخطبتين في الجمعة ، والتسبيح في الركعتين
الأخيرتين ، وغير ذلك ممّا لا يحصى
__________________
كثرة.
[ ولذا ] اتفق أفهام الكل
في قول الفقهاء : إن لم يوجد التراب فالغبار ، وإن لم يوجد فالطين ، إلى غير ذلك.
وكذا في ما ورد في الأخبار ، بل في بعضها : فتيمم بالطين ، أو تيمم بالغبار ، أو
ما يؤدّي ما ذكرت من العبارة ، وإن كان بتفاوت في التعبير.
وبالجملة : أيّ
فرق بين أن يقال : إن لم تجدوا ماء فبالتراب ، وإن لم تجدوا ترابا فبالغبار ،
وأمثال ذلك ، كما ورد في الأخبار ، وأمّا في الغبار والطين يفهم اتحاد الهيئة على
اليقين من دون شك ، وليس ذلك من الاطلاع عن الخارج ، إذ لو عرض هذه العبارة على
أهل العرف يفهمون كذلك البتّة ، حتى لو وجدوا من الفقهاء مخالفة في ذلك كلا أو
بعضا لحكموا بثبوت مانع ، أي دليل شرعي يمنع من الإطلاق [ أو ] العموم ، أو يمنع
عموما. كما أنّ الحال في الماء كذلك ، مثل قوله : إن لم يكن ماء فجمدا وثلجا ،
يفهم أنّ الوضوء أو الغسل من الجمد والثلج مثل الماء ، فتأمّل جدّا ) .
قوله : وفيه نظر. ( ٢ : ٢٢٨ ).
لم يستدل بوجوب
التأسّي بفعله 7 حتى يقال : لا يجب حتى يعلم وجوبه ، كما هو أحد المذاهب في
التأسي ، بل استدلاله ليس إلاّ بالتيمم البياني الوارد في مقام بيان الواجب الذي
هو عبادة توقيفية ، فلو كان جواب له فهو أنّ البيان غير منحصر بالفعل ، بل إطلاق
قوله تعالى ـ مثلا ـ بيان ،
__________________
لكن مرّ الكلام في
هذا الجواب في بحث البدأة بالأعلى .
قوله : والصحة لصدق التيمم المأمور به. ( ٢ : ٢٢٨ ).
على تقدير ثبوت
الوجوب من وجوب التأخير لعله يتعين الاحتمال الثاني ، لأنّ الوجوب حينئذ لأجل عدم
فوت الصلاة ، وهو أمر خارج عن التيمم ، فتأمّل.
قوله : قياس محض. ( ٢ : ٢٢٨ ).
ليس كذلك ، بل
نظره إلى عموم البدلية وعموم المنزلة وقد اعترف بذلك في ما سبق ، فلاحظ وتأمّل.
قوله
: ويجزيه في الوضوء
ضربة. ( ٢ : ٢٢٩ ).
في الموثق عن عمار
أنّه سأل الصادق 7 عن التيمم ، من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟
فقال : « نعم » . وقد بيّنّا أنّ الموثق حجّة ، سيّما إذا وافق الأخبار.
لكن الصدوق في
أماليه عدّ ما اختاره في الفقيه هو والمشهور من جملة دين الإمامية ، حيث قال : من
دين الإمامية الإقرار بأنّ من لم يجد الماء ـ إلى قوله ـ : ضرب على الأرض ضربة
للوضوء ويمسح بها وجهه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى ،
ثم يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثم يمسح اليسرى
كذلك ، ويضرب بدل غسل الجنابة ضربتين ضربة يمسح بها
__________________
وجهه ، واخرى ظهر
كفيه ، انتهى. ويظهر من الشيخ في التهذيب أيضا أنّ هذا مذهب الشيعة ، فلاحظ.
( وقال في التبيان
: صفة التيمم ثلاثة : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، ذهب إليه أكثر
فقهاء العامة وقوم من أصحابنا. الثانية : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى الزندين ،
ذهب إليه عمار بن ياسر ، ومكحول والطبري ، وهو مذهبنا إذا كان التيمم بدلا من
الجنابة ، وإن كان بدلا من الوضوء فكيفيته ضربة واحدة يمسح بها الوجه إلى طرف انفه
واليدين إلى الزندين. الثالثة : إلى الإبطين ، قاله أبو اليقظان والزهري . وكذلك قاله
الطبرسي في مجمع البيان .
ويظهر منهما إجماع
الشيعة على التفصيل ، وأنّ القول بالضربتين مطلقا رأي العامة ، ويظهر منهما ومن
غيرهما أنّ أحدا من العامة لم يذهب إلى التفصيل ، بل ذهبوا إلى الضربتين. ونقل أنّ
عليا وعمارا وابن عباس وجمعا من التابعين قالوا بالضربة الواحدة مطلقا ، فالأخبار
الدالة على الضربتين محمولة على التقية ، وما دل على الضربة مطلقا إمّا مجملة أو
محمولة على التقيّة أيضا أو كليهما ، بأنّهم : من جهة أنّ جماعة من التابعين كانوا يقولون بالضربة سكتوا
عن التعرض لذكر الضربة الثانية في الغسل واكتفوا بالإجمال ، فتأمّل.
__________________
[ لا يقال : ] صحيحة ابن همام
عن الرضا 7 تتضمّن ذكر الكفّين ، فكيف تحمل على التقية؟.
لأنّا نقول : كما
تضمّنت الكفّين تضمّنت الوجه أيضا ، وهو ظاهر في المجموع ، وكون التيمم ضربة للوجه
( وضربة ) للكفّين مذهب أحمد بن حنبل إمام الحنابلة ، وهو كان معاصرا
للرضا 7.
وممّا ينادي بكون
الضربتين للتقية أنّ جميع ما ورد فيه هذا اللفظ إمّا صريح في تيمم أهل السنّة
والمعروف من العامة ، وإمّا بلفظ الوجه الظاهر في المجموع واليد المجمل [ أو ] الظاهر في
المجموع ، كما هو عند بعض أهل السنّة ، وكذا يقول بمسح جميع اليد إلى الإبطين
للعلّة التي ذكرناها ، فتأمّل.
وبما ذكر ظهر أنّ
ما دل على كون التيمم في الوضوء والغسل واحدا محمول على التقية ) .
قوله : ومقتضى كلامه في الرسالة. ( ٢ : ٢٣٠ ).
ليس ما ذكره ثلاث
ضربات حقيقة ، بل ضربة للوجه وضربة لليدين على التعقيب ، ولعلّه لذلك نسب إليه
الضربتان ، لكن الإشكال في ما حكاه في المعتبر ، وقد نقلنا عن أمالي الصدوق في بحث
مسح الجبهة ما ينبغي أن يلاحظ .
__________________
قوله
: قال : سألته عن
التيمم. ( ٢ : ٢٣٠ ).
لعلّ الظاهر منه
كون المسح مرّتين لا الضرب ، والمستفاد من بعض الأخبار أنّه 7 مسح مرّة ولم يعد
المسح ، فليلاحظ وليتأمّل.
قوله : والمتّجه الاكتفاء بالمرّة في الجميع. ( ٢ : ٢٣٢ ).
هذا الجمع أيضا لا
دليل عليه من الأخبار ولا غيرها ، كيف والسؤال في أخبار المرّتين وقع عن كيفية
التيمم وماهيته ، فكيف يمكن أن يجعل جواب هذا السؤال استحباب الضربة الثانية ،
سيّما مع اعترافه بأنّه صحيح صريح الدلالة ، والمعارض له مجمل الدلالة ، والظاهر
أنّه كذلك ، إذ لعلّ حال الضربة الثانية حال تقديم اليمنى على اليسرى ، وغيره من
الواجبات المسلّمة ، مع أنّ الضربة الأولى داخلة في الكيفية جزما ، وجعلوها كذلك
جزما ، لجعل الجواب جوابا عن سؤال الكيفية ، فكيف يستقيم حمل الثانية على
الاستحباب والخروج عن الماهية؟
مضافا إلى أنّ خطر
مخالفة العامة شديد كخطر مخالفة الأحاديث ، بل لا يجوز لهم المخالفة أصلا ، فكيف
خالفهما المعظم من القدماء وكل المتأخّرين إلاّ من شذّ منهم؟!.
قوله : وهو حسن. ( ٢ : ٢٣٢ ).
ليس كذلك ، بل
فاسد ، لأنّ ما تضمّن المرّة في غاية الضعف من الدلالة في جنبة ما تضمّن المرّتين
، كما ستعرف ، مع أنّ كثيرا من الروايات المتضمّنة للمرّة ورد بلفظ الوجه واليد
والكفّ ، وقد عرفت أنّ مذهب
__________________
جماعة من التابعين
على ما قاله العامة في كتبهم ، والبواقي رواية زرارة عن الباقر 7 في حكاية تيمم عمار ، ولا شك في كون الحكاية واحدة عن أمر
واحد شخصي ، لأنّ الفعل ليس له عموم بل شخص واحد ، والفعل هنا ليس إلاّ ما صدر عن
الرسول 6 بالنسبة إلى عمار ، ومن البديهيات أنّه كان شخصا واحدا.
ومع ذلك روى زرارة
وغيره هذا الفعل الشخصي تارة بلفظ الضرب ، وتارة بلفظ ( الوضع ، وتارة بلفظ الوجه
، وتارة بلفظ الجبهة ، وتارة بلفظ الجبين ، وتارة بلفظ ) اليد ، وتارة
بلفظ الكف ، وتارة بلفظ الأرض ، وتارة بلفظ المسح ، وتارة بغير لفظ ( وتارة بلفظ )
وتارة بلفظ النفض بعد الضرب ، وتارة بتركه ، إلى غير ذلك من الاختلافات في
حكاية جزئي واحد وشخصي واحد.
ومع ذلك رواية
زرارة عن الباقر 7 بخصوصه ، في ثلاث رواياته ، بل وأربع رواياته عنه ، بلفظ
الضربة الواحدة مقدّما على مسح الجبهة والوجه ، من دون التعرض لذكر ضربة أخرى (
لليدين ، وفي رواية أخرى من زرارة أيضا عن الباقر 7 أيضا بلفظ الضربتين ، كما لا يخفى على المطّلع ) ، فظهر أنّ ترك
الضربة الأخرى إنّما هو مسامحة من الراوي أو غيره ، وقع المسامحة في الأمور
الكثيرة التي عرفتها ، مضافا إلى واجبات مسلّمة أخرى لم يتعرض لها ، مثل تقديم
اليمنى على اليسرى ، وتقديم
__________________
الأعلى ، وغيرهما
ممّا هو كثير.
ووجه المسامحة
إمّا عدم الداعي إلى التعرض له في مقام فعل الثاني ، كما هو الحال في العام والخاص
المتنافية الظاهر ، وكذا المطلق والمقيد ، والأمر والنهي ، وغير ذلك من الأخبار
المتعارضة المسلّمة تعارضها ، ويدفع بالجمع المسلّم الذي بناء الفقه عليه.
وإمّا من جهة
التقية ، لما عرفت الحال ، فعلى هذا كيف يقدّم ما دل على الضربة على ما دل على
الضربتين؟ مع غاية ضعف دلالته بالنسبة إليه حتى أنّه بمنزلة الإجمال في جنبه ، بل
لا بدّ من كون الأمر بالعكس ، فإنّ الضعيف يؤوّل ويرجع إلى القوي لا العكس.
لا يقال : لعلّ
ترجيحه عليه بناء على ظهور كونه تقية كما قلت.
لأنّا نقول : هو
لم يبن الأمر على التقية ، كما يظهر من كلامه هنا ، سيّما قوله : لصحة مستنده
وصراحته ، ومع ذلك لا وجه للحمل على الاستحباب ، فإنّ ما هو تقية يجب طرحه وترك
العمل به ، ومع ذلك ما دل على الضربة ليس خالصا عن الثلاث بالمرّة ، لما عرفت من
اتفاق جماعة من التابعين على الضربة للوجه والكفّين [ و ] ظاهر أنّ الظاهر من الوجه
كلّه ، بل لا شبهة في أنّ مراد من نسبهم إلى ذلك هو مجموع الوجه ، هذا كلّه مع
المخالفة للإجماعات المنقولة وغيرها.
فظهر أنّ كل واحد
من القول بالضربة مطلقا ، والقول بالضربتين مطلقا ضعيف لا دليل له بحيث يصير منشأ
العمل به خاصّة. بقي القول بالتفصيل ، لانحصار الاحتمال في أربعة ، والقول بالمرّة
في الغسل والمرّتين في الوضوء خلاف ما أجمع عليه أمّة رسول الله 6 ، بل خلاف ضروري
الدين ، فانحصر القول بما ذهب إليه مشهور الشيعة ، وادّعي عليه إجماعات
كثيرة.
مع أنّ العمل ( به
محمل لجمع ) الأخبار الواردة في الباب ، فإنّ المكلف في التيمم عن
الوضوء يختار ما دل على ( المرّة ، [ و ] لا مانع منه جزما ، وليس العمل به في
الوضوء مشروطا بالعمل به في الغسل بلا شبهة ، وفي التيمم عن الغسل يختار ما دلّ
على ) المرّتين.
فإن قلت : إذا كان
الأخبار من الطرفين موافقا للتقية فكيف يجوز العمل بها من دون تقية؟
قلت : هي تضمّنت
حكما تقية لا أنّ جميع ما فيها تقية ، لأنّ الأخبار الواردة في مقام التقية ربما
كان كثير من أحكامها حقّا ، لأنّ الحديث حجّة مطلقا ، فإن ظهر من الخارج أنّ شيئا
منها تقية يرفع اليد عن خصوص ذلك الشيء في مقام عدم التقية ، ويعمل بالباقي
بالضرورة ، لوجود المقتضي وعدم المانع ، ولذا ترى الشيخ وغيره يعملون بما ورد في
الأخبار الدالة على سهو النبي 6 وأمثاله.
فما تضمّن
الضربتين تكون التقية في إطلاقه ، وأنّ بدل الغسل وبدل الوضوء كليهما كذلك ، وإلاّ
فكون بدل الغسل خاصّة ضربتين حقّ جزما من وجود المقتضي وعدم المانع.
لا يقال : يجوز أن
يجعل المراد أنّ بدل الوضوء خاصّة بضربتين ، فإنّه أيضا مخالف للعامة.
لأنّا نقول :
الأمر وإن كان كذلك ، إلاّ أنّه مخالف لضروري الدين ، كما عرفت ، إذ معنى كون بدل
الوضوء خاصّة كذلك أنّ بدل الغسل يكون
__________________
بضربة واحدة.
وممّا ذكرنا ظهر
حال ما دل على الضربة الواحدة أيضا إذ حملها على ظاهرها عرفت ما فيه من المفاسد ،
مضافا إلى أنه يوجب طرح ما ثبتت حجّيته في ما تضمّن للضربتين من دون داع ، إذ ذلك
ليس أولى من الغسل ، بل عرفت أولوية العكس ، فظهر أنّ المشهور عملهم بجميع ما ورد
من الأخبار في الطرفين بخلاف غيرهم ، فتأمّل جدّا.
قوله : لصحة مستنده وصراحته. ( ٢ : ٢٣٢ ).
هذا وإن كانت
صحيحة صريحة إلاّ أنّها موافقة للتقية ، لما عرفت من التبيان وغيره ، مع أنّ الفقهاء
الأربعة منهم على ذلك ، والأخبار الواردة في الضربتين إمّا صريحة في مذهب العامة ،
أو واردة بلفظ الوجه واليد كما في القرائن فهي ملائمة لهم. نعم في صحيحة ابن همام : الوجه والكفّين ،
لكنه بعينه مذهب أحمد بن حنبل إمام الحنابلة ، وهو كان في عصر الرضا 7 ، وتلك الصحيحة
من الرضا 7 .
فيجب ترك العمل
بظاهر هذه الصحاح الصراح ، فضلا أن يطرح بالعمل به الصحاح الكثيرة المتضمّنة
للضربة الواحدة بأنّ يقال : هي مجملة ، أو ضعيفة الدلالة فتطرح ، ويعمل بما دل على
الضربتين لصراحته ، مضافا إلى كون الصحاح الصراح مخالفة للمشهور بين الأصحاب أيضا
، بل الإجماعات المنقولة الكثيرة. مع أنّه ورد في الأخبار الكثيرة منع العمل
__________________
حينئذ بما وافق
العامة ، وكذا ورد منع العمل بالشاذّ بعد الأمر بأخذ ما اشتهر بين الأصحاب .
فظهر عدم جواز
العمل بالصحاح الصراح ، فضلا عن كونه احتياطا.
قوله : لا الكمّية. ( ٢ : ٢٣٣ ).
قد عرفت أنّ
الأظهر الحمل على التقية.
قوله :
فيكون جاريا مجرى
أسباب الوضوء. ( ٢ : ٢٣٣ ).
هذا مشكل ، لما
عرفت من أنّ الأصل عدم التداخل إلاّ في ما ثبت من الشرع .
قوله : وإن قطعت كفّاه. ( ٢ : ٢٣٣ ).
للاستصحاب ، وعموم
قول النبي 6 : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » وقول علي 7 : « الميسور لا
يسقط بالمعسور » ، وقوله 7 : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » ولأنّ الظاهر
أنّه إجماعي ، ولأنّه لو لم يجب التيمم إلاّ ببقاء جميع الأعضاء على حالها سالمة
لزم أن يكون بمجرّد ذهاب شيء من عظم الإصبع بل وشيء من لحم العضو من جهة
الدماميل أو الجروح لم يكن على المكلف تيمم ، بل ولا صلاة ، فتأمّل.
قوله : ولم نقف له في ذلك على حجّة. ( ٢ : ٢٣٧ ).
لعلّ حجّته رواية
السكوني الآتية في التيمم للزحام ، وفيه تأمّل.
__________________
قوله :
وفي الحسن عن
زرارة عن أحدهما. ( ٢ : ٢٣٨ ).
استدلاله به في
غاية الغرابة ، لأنّ السيّد [ يقول ] بذلك في الحاضر دون المسافر ، فلو كان مفهوم الشرط فيه وفي
أمثاله لا يكون حجّة للسيّد لم يكن حجّة عليه قطعا ، بل استدلاله بالصحيحة أيضا
ليس بشيء ، لأنّ « إذا » ليست من أدوات العموم لغة ، فيبقى الإطلاق المفيد للعموم
عرفا في مثل الأحكام الشرعية ، والإطلاقات لا تنصرف إلاّ إلى الأفراد الشائعة ،
وعدم وجدان الماء في الحضر إلى أن يحتاج إلى التيمم ثم يجد بعد ما صلّى به بعيد
جدّا.
قوله : الثانية : لو تيمم. ( ٢ : ٢٣٨ ).
والصدوق في أماليه
عدّ من دين الإمامية أنّ من تيمم وصلّى ثم وجد الماء وهو في وقت أو قد خرج الوقت
فلا إعادة عليه ، لأنّ التيمم أحد الطهورين ، فليتوضّأ لما يستقبل ، انتهى. وهذا
ظاهر في أنّ الوضوء عند الإمامية كان واجبا لغيره ، كما لا يخفى.
قوله : كون الجنابة وقعت عمدا. ( ٢ : ٢٤٠ ).
بل الظاهر منها
الاحتلام.
قوله : عن الرجل تصيبه الجنابة. ( ٢ : ٢٤٠ ).
وهذا أيضا ظاهر في
الاحتلام.
قوله : أولى من التخصيص. ( ٢ : ٢٤٠ ).
لا يخفى أنّ
التخصيص أولى ، لنهاية غلبة شيوعه ، إلاّ أن يريد أنّ
__________________
الجملة الخبرية لا
ظهور لها في الوجوب ظهورا معتدّا به ، بل ظهور ضعيف غاية الضعف ، ولذا كثيرا ما
يمنع الظهور.
ومع ذلك التخصيص
المذكور في غاية الضعف ، لعدم الدلالة على خصوص التعمّد ، والحمل عليه من جهة
الجمع بين الأخبار أيضا في غاية الضعف ، لأنّ الخاصّ مقدّم من جهة الدلالة ، بل
ربما يقول الأصوليون : إنّ الخاص قطعي الدلالة ، وليس المراد أنّه كذلك حقيقة ، بل
كاد أن يكون مثل القطعي من جهة القوّة ، وما نحن فيه لا دلالة له على الخصوص أصلا
، فضلا أن تكون ظاهرة ، فضلا أن تكون قطعية ، بل قد عرفت أنّ الظاهر منهما
الاحتلام.
وممّا ذكر ظهر أنّ
ما ذكره من أنّ القول بالوجوب لا يخلو عن قوّة ، لا يخلو عن غرابة ، سيّما بعد ما
مرّ منه مرارا أنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، وهو يقتضي الإجزاء ، مضافا إلى الأخبار
الصحيحة الدالة على عدم الإعادة ، سيّما مع عدم كون الجنابة عليه حراما ، فتأمّل.
قوله : ويشكل بأنّ مقتضى. ( ٢ : ٢٤٠ ).
شمولها لما نحن
فيه محلّ تأمّل ، لما يظهر من الأخبار أنّه مهما أمكن يصلّي بالمائية إلاّ أن
يتحقّق العذر عنها ، وتحقّقه غير معلوم. وقد أشرنا إلى أنّهم : عدّوا الصلاة
بالتيمم هلاك الدين ، وغير ذلك ، مثل ما روي في الصحيح أيضا ، عن محمد بن مسلم ،
عن أحدهما 8 ، أنّه سئل عن الرجل يقيم في البلاد الأشهر ليس فيها ماء من أجل المراعي
وصلاح الإبل ، قال : « لا » وغير ذلك.
__________________
على أنّه لو سلّم
أنّ تفويت الصلاة المائية حرام ـ لأنّ الواجب هو المائية إلاّ أن يتحقّق العذر ـ لم
يكن فرق بين جواز التأخير وعدمه ، وإن لم نقل بحرمته لم يكن أيضا فرق ، والقول
بالحرمة عند الضيق وعدمها مع جواز التأخير مع العلم بعدم التمكّن من المائية بعد
ذلك أو الظنّ به ممّا لا وجه له بالنظر إلى الأخبار والأدلة ، بل مع احتمال عدم
التمكّن أيضا يشكل الفرق بالقياس إلى الأخبار وغيرها ، فتأمّل.
قوله : والأجود عدم الإعادة. ( ٢ : ٢٤١ ).
الأحوط الإعادة ،
للعمومات الدالة على وجوب الصلاة مع الطهارة المائية عند القدرة ، وإن كان شمولها
لما نحن فيه لا يخلو عن ضعف ، فتأمّل ، ولأنّ السكوني ادعى الشيخ إجماع الشيعة على
العمل برواياته ، وصرّح بأنّه ثقة في العدّة .
قوله : قبل فوات الجمعة. ( ٢ : ٢٤١ ).
هذا مخالف لما
اختاره من أنّ خوف فوات الصلاة لا يصير منشأ لصحة التيمم مع كونه متمكّنا من
الطهارات المائية .
قوله
: وهي ضعيفة السند.
( ٢ : ٢٤١ ).
الأحوط مراعاة
مضمون هذه الرواية ، لما ذكرنا من كون الموثّق حجّة ، وإن كان الأخبار الصحيحة
الدالة على عدم وجوب الإعادة في الصلاة بالتيمم ، وعلى عدم وجوب الإعادة في الصلاة
في الثوب النجس
__________________
بإطلاقاتها
تعارضها ، إلاّ أنّه لا قوة في تلك الإطلاقات ، فتأمّل.
قوله
: ويلزم من سقوط
التكليف. ( ٢ : ٢٤٢ ).
القائل بذلك لا
يجعل الصلاة مشروطة بالطهارة إلاّ حال التمكّن من الطهور ، حملا للحديث على الصورة
المتعارفة الشائعة ، وما دل على نفسها على الوجوب مطلقا ، لتأكّد الدلالة ، وظهور
شمولها لصورة عدم التمكّن من الطهور ، ويحتاج ذلك إلى ملاحظة العمومات والتأمّل في
دلالتها ، وإلاّ فيشكل التفريق بين العمومين ، والظاهر أنّ التفريق مشكل ، والفعل
قضاء لازم ، لما ستعرف ، والأداء مع ذلك لعلّه لا يخلو من احتياط ، فتأمّل.
قوله : ولعلّه أشار بذلك. ( ٢ : ٢٤٢ ).
فيه تأمّل ظاهر.
قوله : واحتجّ عليه. ( ٢ : ٢٤٣ ).
لعلّ المراد أنّه
باعتبار هذا الحدث لم يتعلق الخطاب بالصلاة ، لأنّه لا صلاة إلاّ بطهور ، فلم تكن
فائتة ، لأنّ الفوت فرع كونها مطلوبة ، فاتت بعذر أو غير عذر ، وأمّا إذا لم تكن
مطلوبة كالصلاة قبل دخول الوقت فلا معنى للفوت فيها ، وإذا لم تكن فائتة فلا معنى
لقضائها ، لأنّ القضاء تدارك ما فات.
ويمكن أن يقال :
إنّها مطلوبة إلاّ أنّها لا يمكن تحقّقها ووجودها ، فيتحقّق معنى الفوت ، فيجب
قضاؤها ، لما دل على وجوب قضاء الفوائت ، فتأمّل.
قوله : وإطلاق كلامهم يقتضي. ( ٢ : ٢٤٤ ).
__________________
فيه تأمّل ظاهر ،
لأنّ المشهور عند فقهائنا أنّه يتيمم ويصلّي أداء ، فكيف يتمسّك بهذا الإطلاق في
كلامهم؟! مع أنّ ما نحن فيه مسألة أخرى وملحوظ نظرهم فيها حيثية أخرى ، كما لا
يخفى على المتأمّل. مع أنّ قوله : فلو فقده. غير باق على ظاهر إطلاقه ، لما سيجيء
في المبحث الأوّل ( وفي قول المصنف : الثامن إذا تمكّن. ) ، إلاّ أن يحمل
قوله : بعد التمكّن ، على التمكّن الشرعي ، يعني بعد ما تمكّن من فعل الطهارة
وإتمامهما جميعا ، فتأمل.
قوله : ولو تلبّس بتكبيرة الإحرام. ( ٢ : ٢٤٥ ).
في الفقه الرضوي :
« فإذا كبّرت تكبيرة الافتتاح وأوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تيمّمك وامض
» .
قوله :
للأصل. ( ٢ : ٢٤٥
).
لعلّ المراد منه
الاستصحاب ، لأنّهم في مقام البحث عن حجّية الاستصحاب أتوا بهذه المسألة مثالا ،
وحكموا بالإمضاء بمجرّد الدخول بناء على حجّية الاستصحاب ، وعدمه بناء على عدمها ،
والتعليل المستفاد من صحيحة زرارة وابن مسلم مشير إلى حجّية الاستصحاب ، فتأمّل.
ويمكن أن يكون
المراد منه أصالة البراءة عن التكليف الزائد ، لكن يعارضه أنّ شغل الذمّة بالصلاة
يقيني ، والبراءة الاحتمالية غير كافية حتى تثبت البراءة بدليل شرعي ، والبراءة
تتحقّق بالعود البتّة ، فتأمّل.
__________________
قوله
: ورواية ابن حمران
( ٢ : ٢٤٦ ).
يظهر من المحقّق
أنّه لم يتأمّل فيها إلاّ من جهة عبد الله بن عاصم خاصّة ، وأنّه لا يخلو عن عدالة
، فتأمّل ( وممّا يرجّح رواية عبد الله أنّها رويت بطرق كثيرة ، ولذا قال المحقق :
وإن تكثّرت إلاّ أنّ أصلها عبد الله بن عاصم ، هذا ، مضافا إلى موافقتها لصحيحة
زرارة المستجمعة لوجوه كثيرة من الرجحان على ما ستعرف في بحث صلاة الجمعة ) .
قوله : لم يكن لروايته محمل. ( ٢ : ٢٤٦ ).
يمكن الحمل على
الدخول الكامل ، ويؤيّده ما ورد في بعض الأخبار أنّ أوّل الصلاة هو الركوع ، فتأمّل.
قوله : والعمومات الدالة. ( ٢ : ٢٤٦ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
لأنّ قطع الصلاة المحرّم هو أن يكون المكلف يقطع الصلاة الصحيحة اختيارا ، وما نحن
فيه ليس كذلك ، إذ لا يعلم صحة الصلاة بعد وجدان الماء ، فانقطاع الصلاة محتمل
شرعا احتمالا مساويا لعدمه. على أنّ المكلف لو لم يقطع الصلاة بل يتمّها لا يعلم
كون صلاته صحيحة غير منقطعة أم فاسدة منقطعة ، ومجرّد الاحتمال لا يكفي للحكم
بالحرمة ثم الحكم بالصحة من جهة الحكم بالحرمة ، فتدبر.
قوله : ويمكن الجمع. ( ٢ : ٢٤٧ ).
لم نجد مطلقا أصلا
سوى روايتي محمد بن حمران والتعليل
__________________
المستفاد ،
وظاهرهما وإن اقتضى الصحة إلاّ أنّ روايتي زرارة وابن عاصم نصّان في أنّه يرجع ما
لم يركع ، ويؤيّدهما ما ورد من أنّ أول صلاتكم الركوع ، وأنّ الصلاة
ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود ، وأمثال هذا ، وأنّه ورد هذا التعليل بعينه في صحيحة
زرارة مع تصريح المعصوم بوجوب الإعادة ما لم يركع ، وأنّ العلّة تنفع ما بعد
الدخول في الركوع خاصّة.
ولعلّ شغل الذمّة
يقيني والبراءة لا بدّ منها ، للقطع بأنّا مأمورون بالإطاعة والخروج عن العهدة ،
ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالامتثال اليقيني أو الظنّي الذي اعتباره شرعا يقيني ،
لقاعدة الاستصحاب ، فإنّ ثبوت الخلاف إنّما يتحقّق بما ذكر ، ولقوله 7 : « لا تنقض
اليقين إلاّ بيقين مثله » ، وهو وفاقي أيضا بين الفقهاء ، وتتبّع الأحكام الشرعية
أيضا يشهد على ذلك ، وكون الظنّ من حيث هو هو لا دليل على حجّيته واعتباره بل ورود
النهي عن اعتباره في الآيات والأخبار أيضا يقتضي ما ذكرنا ، فحيث قلنا : شغل
الذمّة اليقيني يقتضي البراءة اليقينية نريد المعنى الذي ذكرنا.
وبالجملة : الأحوط
الإعادة وعدم الاكتفاء بتلك الصلاة ، وإن كان الأحوط من هذا أيضا الإتمام ثم
الإعادة ، فتأمّل.
قوله : ( لإطلاق الأخبار. ( ٢ : ٢٤٨ ).
في هذا الإطلاق
ضعف ظاهر.
__________________
قوله : لما رواه ابن بابويه. ( ٢ : ٢٥١ ).
لكن روي هذه
الصحيحة بعينها عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن رجل حدثه ، قال سألت أبا الحسن 7 ، الحديث.
والظاهر سقوط هذه الواسطة في طريق الصدوق ، لأنّ زيادة ما ذكر مستبعد ، وعلى تقدير
تسليم عدم الظهور فالحديث لا يخلو عن اضطراب وتحقّق احتمال ، فلا وثوق بكونه صحيحا
، نعم هو منجبر بالشهرة.
قوله : والتخيير حسن. ( ٢ : ٢٥٢ ).
الحكم بالتخيير
بالنسبة إلى الكل لا يخلو عن الإشكال بعد ملاحظة العلّة الواردة في الحديث الصحيح
من أنّ الغسل من الجنابة فريضة ، فتأمّل.
قوله : لكن لا يلزم منه امتناع الرفع فيه إلى غاية معينة ... ( ٢
: ٢٥٣ ).
قد ظهر ما في هذا
الكلام ممّا ذكرنا في بحث النيّة ، إذ لو أراد أنّه بعد الغاية لم يرتفع ففيه : أنّه إذا
ارتفع بالمرّة ولم يكن باقيا أصلا ، فكيف يمكن أن يقال : إنّه بعد الغاية لم
يرتفع.
وإن أردت أنّه بعد
الغاية يعود فالعود ليس إلاّ الحدوث بعد الانعدام ، فيكون الحادث حدثا جديدا ،
وهذا الحدث ليس إلاّ الحالة المانعة ، ومحال تحقّقها من غير سبب ، والسبب منحصر في
وجود الماء مثلا ، وهو ليس بحدث بالإجماع ، بل بالضرورة ، ومسلّم عند الشارح حيث
قال : ولا ريب في ما ذكره ، ويقول بعد ذلك : إنّ التمكّن ليس بحدث إجماعا ، فلا
يبقى
__________________
لما ذكره من قوله
: لكن لا يلزم منه. ، مجال.
ولعلّ مراده من
الارتفاع الكمون ، وبعد الغاية يصير بارزا ، وهذا بعينه مراد القوم مع المناقشة في
العبارة.
قوله : وهي إنّما تدل على النهي. ( ٢ : ٢٥٣ ).
لا يخفى أنّه مطلق
غير مقيد بخصوص ما قبل التيمم عن الجنابة ، وكذا يتيمم أيضا مطلقا ، ومدار الشارح
الاستدلال بأمثال هذا الإطلاق ، بل استصحابه ليس إلاّ هذه الإطلاقات والأخبار التي
يظهر منها كون التيمم بدلا من الغسل من غير فرق بين التيمم الأوّل والثاني والثالث
وهكذا ، وكذا يظهر أنّه يتيمم مطلقا سواء كان متمكّنا من الوضوء أم لا ، مضافا إلى
الاستصحاب والإجماع المنقول. هذا مع فساد القول بارتفاع الحدث ، كما بيّنا في ما
سبق في بحث نيّة التيمم.
قوله : إذا كان ذا نفس سائلة. ( ٢ : ٢٥٨ ).
هذا الإجماع يدل
على نجاسة البول والغائط من الطيور التي لا يحلّ أكلها أيضا ، لعدم التخصيص بغير
الطيور.
قوله : أنّ الأمر حقيقة في الوجوب. ( ٢ : ٢٥٩ ).
يتوقّف الاستدلال
على مقدّمات :
الأولى : كون
الأمر حقيقة في الوجوب ، كما ذكره.
الثانية : أنّه
ليس واجبا لنفسه ، إذ لو كان واجبا لنفسه لم يكن بينه وبين النجاسة مناسبة ، لأنّ
النجس لا يجب إزالته بعنوان الوجوب النفسي ، وليس مثل وجوب الحجّ عند الاستطاعة ،
والصلاة عند دخول الوقت ، وغير ذلك.
__________________
الثالثة : أنّ
إزالتها لأجل الصلاة من حيث النجاسة ، لأنّ المنع عن الصلاة فيه لا ينحصر وجهه في
النجاسة ، لاحتمال كونه تعبّدا ، وسيصرّح الشارح بأنّ المنع عن الصلاة لا ينحصر
وجهه في النجاسة ، في مسألة فأرة المسك ، وفي مسألة نجاسة الميتة .
الرابعة : أنّ
النجاسة الشرعية عبارة عن تكليفات متعدّدة كثيرة ، مثل : المنع عن الصلاة والأكل
والشرب ، وإدخال المساجد ، وكونه مع المصحف وأمثاله ممّا يعظّم شرعا ، إلى غير ذلك
، وكذا عمّا لاقاه رطبا بجميع التفصيل الذي مرّ ، وكذا ما لاقى ما لاقاه بجميع
التفصيل المذكور ، وهكذا دائما.
وبالجملة :
النجاسة الشرعية مجموعة تكاليف لا تعدّ ولا تحصى ، بل ولا نهاية لها ، ولم يرد آية
ولا حديث يدل على هذا المجموع ، حتى يكون الدليل على تحقّق واحد من تلك الأحكام
دليلا على تحقّق المجموع ( من حيث المجموع ) ويحكم بتحقّق المجموع شرعا.
الخامسة : ثبوت
التلازم شرعا بين كلّ واحد من تلك الأحكام وبين المجموع ، بحيث لا ينفكّ عنه شرعا حتى
يتأتّى الاستدلال به عليها.
السادسة : اتحاد
حكم الثوب مع البدن وغير ذلك في ذلك حتى يحكم ب « اغسل ثوبك » على « اغسل بدنك »
وغير ذلك ، مع أنّه على القول بحجّية هذا المفهوم يكون ظاهر الحديث عدم وجوب غسل
غير الثوب.
السابعة : ثبوت
التلازم بين حكم البول والروث ، مع أنّه على القول بحجّية مثل هذا المفهوم يكون
الظاهر من الحديث عدم نجاسة الروث ،
__________________
فالاستناد في فهم
المطلوب من هذا الحديث إنّما يكون بإجماعات كثيرة ، فلا يكون الحديث دالاّ على
المطلوب بنفسه ، فتدبّر.
قوله : ومتى ثبت وجوب الغسل. ( ٢ : ٢٥٩ ).
لم يقل أحد بوجوب
غسل النجاسة بالوجوب الشرعي ، بل يقولون به بالوجوب الشرطي ، بل لا يوجبون الغسل
أصلا ، لا على صاحب الثوب الذي هو المخاطب في الحديث والمأمور ولا على غيره ، بل لو
وقع في الماء فطهر يكفي ، وكذا لو غسله غاصب ، وكذا لو غسل بالماء الغصبي ، بل
يوجبون كون الصلاة في الثوب الطاهر.
وبالجملة من تأمّل
حق التأمّل علم أنّ منشأ فهم النجاسة من الحديث هو الإجماع لا غير ، ولذا لا
يفرّقون بين الرجل والمرأة وغيرهما ، وإن كان المخاطب هو الرجل لا غير.
قوله : وقال في الخلاف. ( ٢ : ٢٥٩ ).
حكى العلاّمة في
المختلف عن السيد في جواب المسائل الميافارقيات : أنّ البول قد عفي عنه في ما
يرشّش عند الاستنجاء . ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب في مطلق النجاسة . ويدفع القولين
العمومات ، وخصوص ما سيذكره عن الفقه الرضوي ، في مسألة العفو عمّا دون الدرهم .
قوله : ويشكل بأنّها إنّما تضمّنت. ( ٢ : ٢٦٠ ).
الاستدلال بها
بناء على أنّ الأمّة لم تفرّق بين البول والروث ، كما
__________________
لا يخفى ، فتأمّل.
قوله : وترك الاستفصال. ( ٢ : ٢٦٠ ).
لا يخفى أنّ خرء
غير المأكول ليس من الأفراد الشائعة التي يجب الاستفصال من جهتها ، بعد بناء
الراوي الجليل على أنّ خرء الطير لا يضرّ وجودها للصلاة ، فهل يضرّ حكّها فيها أم
لا؟ وغير خفيّ أن الحكّ ليس من المطهّرات بالضرورة حتى يتوهّم التطهير من جهته ،
فتأمّل.
وممّا يؤيّد ما
ذكرنا ويضعّف استدلاله ضميمة قوله : وغيره ، وعطفه على خرء الطير ، كما هو الظاهر.
مع أنّ قيد ( وهو في الصلاة ) على هذا مستدرك ، فتدبّر.
قوله : يفيد العموم. (
٢ : ٢٦٠ ).
في التمسّك بمثله
تأمّل يظهر للمتأمّل.
قوله : وفي الحسن. ( ٢ : ٢٦١ ).
لا يخفى : أنّ
الشارح ( يشترط العدالة في حجّية خبر الواحد ) ، فكيف عمل بهذا الخبر ، حتى رجحه على ما هو حجّة عند جميع
الأصحاب؟! مع أنّ أبا بصير ( يحكم باشتراكه فيضعف الخبر عنده ) .
قوله : فلمنع الإجماع ( ٢ : ٢٦١ ).
هذا ليس بمكانه
بعد معلومية أنّ معلوم النسب خروجه غير مضرّ ، والإجماع المنقول حجّة ، لشمول ما
دلّ على حجّية خبر الواحد. والطعن
__________________
بكونه خبرا مرسلا
( أمر آخر ، مع أنّه ) قد عرفت جوابه ، مع أنّ الشيخ ; في التهذيب نسب
ما دلّ على طهارته إلى الشذوذ ، وإلى موافقة التقية ، وهذا يؤيّد العلاّمة ،
فتأمّل.
قوله : ونقل استثناء. ( ٢ : ٢٦١ ).
يعني أنّ نقل
الاستثناء عن خصوص الشيخ ، مع موافقته لابن بابويه وابن أبي عقيل ، دليل على بنائه
; على أنّ ابن بابويه وابن أبي عقيل لم يستثنيا ، وليس مراده أنّ العلاّمة يقول
بأنّ القائل منحصر في الشيخ ، كما أنّه ربما يوهمه ظاهر عبارته ، لفساده قطعا.
قوله : إنكار العمل بها. ( ٢ : ٢٦١ ).
لا يخفى أنّ
العلاّمة لم يستدلّ على نجاسة بول وذرق غير المأكول من الطيور بالقياس المزبور ،
بل ولا شكّ في أنّ استدلاله عليها إنّما هو برواية ابن سنان الحسنة المشهورة
المعمول بها عند أكثر الفقهاء ومعظمهم ، بل وعند الجميع في الجملة ، بل رفع عن
مستنده ( ضرر الخبر المعارض بحدوث وهن ومرجوحية في الظنّ والاعتبار ، بأنّ التعارض
بينه وبين مستنده ) تعارض عموم من وجه ، يصحّ أن يصير كلّ منهما مخصّصا ، لكن
الحسنة من جهة الانجبار بما ذكرنا جعلها أصلا ومعارضها معارضا ، وهذا وإن كان
مرجّحا كافيا لجعل مستنده مخصّصا وصيرورته أصلا ، كما ارتكبه ، إلاّ أنّه تمسّك
بأمر آخر يعضد ويرجّح ، وهو خروج الخشّاف من
__________________
المعارض بالإجماع.
وهذا وإن كان
مرجّحا آخر مورثا وهنا آخر في طرف المعارض ، لأنّ العامّ المخصّص ليس مثل العامّ
الغير المخصّص إلاّ أنّه أيّده وتمّم مرجّحيته بالاعتبار ، وأيضا الفقهاء ـ رضي
الله عنهم ـ يجعلون الاعتبار من المؤيّدات ( لأنّه يحصل منه ظنّ ما ، كما لا يخفى
على من تتّبع كلامهم ، حيث يقولون : مؤيّده الاعتبار ، فتأمّل ، إلاّ أنّه لا يجوز
أن يجعله دليلا على الحكم ، لا أنّه لا يجوز أن يجعل من المؤيّدات ، كيف؟!
والمؤيّدات ) والمرجّحات لا يجب أن تكون ممّا هو حجّة شرعية بنفسه ، بل
ليس كذلك قطعا ، إذ غالبها ممّا لا يصحّ أن يجعل بنفسه دليلا ، ولا يجوز ذلك
بالنسبة إليه ، كما لا يجوز بالنسبة إلى القياس ، فإذا كانوا يجعلون الاعتبار من
المؤيّدات ، فكيف لا يتأتّى للعلاّمة أن يجعله من مؤيّدات المرجحّات ومتمّمات
المؤيّدات؟! سيّما بالنسبة إلى راجح برجحان آخر معتدّ به عندهم ، فتأمّل جدّا.
قوله : ويمكن ترجيح الثاني. ( ٢ : ٢٦١ ).
قد مرّت الإشارة
إلى ما به يرجّح الأوّل ، ويؤيّده أنّ عبد الله بن سنان من أعاظم ثقات الأجلّة ،
ولا غبار فيه أصلا ، بخلاف أبي بصير ، فإنّه لا يخلو عن غبار ما ، وأنّ رواية ابن
سنان متأيّدة بأخبار أخر ، مثل : ( ما روى عنهم : في كتاب المطاعم والمشارب : أنّ « ذرق الخطّاف طاهر ،
لأنّه يحلّ أكله » و) ما في الكافي بسنده ـ كالصحيح ـ عن زرارة أنّهما قالا :
__________________
« لا تغسل ثوبك من
بول شيء يؤكل لحمه » .
وفي الموثّق عن
عمّار ، عن الصادق 7 قال : « كلّ ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » .
وفي القوي عن
زرارة عن أحدهما 7 في أبوال الدواب تصيب الثوب ، فكرهه. فقلت : أليس لحومها
حلالا؟ قال : « بلى ولكن ليس ممّا جعله الله للأكل » إلى غير ذلك.
وسيجيء في كتاب
الصلاة الموثّق كالصحيح بابن بكير : أنّ كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في كلّ شيء
منه حرام ، حتى في بوله وروثه ، ومضمونه إجماعي ، كما سيجيء ، فإذا كان
الصلاة في بوله وروثه حراما باطلا فكيف يقول هنا : لا بأس أصلا؟! مع أنّ العمدة في
أمثال المقام هي الصلاة وجوازها فيه ، بل الأمر بالغسل وعدم المنع عن الغسل يرجعان
إلى الصلاة بلا تأمّل ، كما عرفت الوجه.
بل بملاحظة هذه
الرواية الموثّقة وما وافقها ( من الأخبار الكثيرة الصحيحة والمعتبرة ) وطريقة الشيعة في
العمل ، وكونه شعارهم ، وكون العمل بما خالفها شعار العامة ـ مضافا إلى ما ذكره
الشيخ في بول الخشّاف ـ
__________________
يترجّح كون رواية
أبي بصير موافقة للتقية ، لو كان عمومها باقيا على حاله.
وممّا يرجّح أيضا
أنّ رواية ابن سنان أعلى سندا ، وتكرّر الطريق إليه.
وسيجيء في ذرق
الدجاج الإجماع على نجاسة ذرق الجلاّل منه ، معلّلا بأنّه غير مأكول اللحم ، والشيخ حمل
رواية فارس عليه ، فتأمّل.
قوله : والمدّعى أعمّ من ذلك. ( ٢ : ٢٦٢ ).
لا يخفى أن
المدّعى يتمّ بضميمة عدم القول بالفصل.
قوله : وقد ظهر من ذلك. ( ٢ : ٢٦٢ ).
لا يخفى ما في
دعوى القطع في أمثال هذه الأحكام ، سيّما مع ما عرفت.
قوله : إنّ فرض وقوعه. ( ٢ : ٢٦٢ ).
الرواية التي هي
المستند صريحة في الوقوع ، فلا وجه للتأمّل فيه والاستناد إليها ، فتأمّل.
قوله : وهذه الرواية أوضح سندا. ( ٢ : ٢٦٢ ).
فيه تأمّل.
قوله :
بالشذوذ والحمل
على التقية. ( ٢ : ٢٦٢ ).
لا يخفى أنّ
المرجّحات من قبيل العدالة والأعدلية ، والشهرة والأشهرية ، والشذوذ ، والتقية
التي نعتبرها غالبا إنّما هي ظنيّة حاصلة لنا من أقوال الشيخ وأمثاله من المقاربين
للعهد والمطّلعين الخبيرين ، فلا وجه للحكم بالإشكال.
__________________
مع أنّه لم يظهر
مانع ومخالف لما ذكره الشيخ أصلا ، ويؤيّده ادعاء العلاّمة الإجماع ، وكون الراوي من
العامة.
ومن جملة مرجّحات
رواية داود أنّها وإن كانت ضعيفة إلاّ أنّها منجبرة بفتاوى الأصحاب ، لو لم نقل
بحجّية الإجماع المنقول ( أو تحقّقه ) وهذه الرواية ضعيفة لا جابر لها ، بل ومضعّفاتها كثيرة ،
كما عرفت ، ومن جملة مضعّفاتها ما ذكرنا في ترجيح رواية ابن سنان على رواية أبي
بصير.
قوله : خصوص حسنة الحلبي. ( ٢ : ٢٦٣ ).
لا يخفى أنّ
الشارح ذكر في صدر المسألة أنّ النجاسة إنّما استفيدت من أمر الشارع بالغسل ، فكيف يستدلّ
بهذه الحسنة على النجاسة؟! مع أنّ مقتضاها أنّه لا يغسل بل يصبّ عليه الماء ، مع
أنّه في كثير من الموارد ورد الأمر بالرشّ والصبّ ، مثل الكلب إذا لاقى يابسا ،
وغيره ، كما سيجيء . مع أنّه ; لا يعمل بالإجماع المنقول بخبر الواحد ، سيّما مثل هذا
الإجماع ، ولذا لم يقل : بالإجماع قاله فلان ، بل قال : المشهور أنّه نجس.
وأمّا العمومات
فوجود عمومات تدلّ على نجاسة البول من غير تحقّق غسل فيه ، واعتباره له بأن ليس
الغسل مذكورا فيها محلّ تأمل واضح ، فلاحظ العمومات وتأمّل.
__________________
وسيجيء في مسألة
غسل المربية للصبي أنّها تغسل ثوبها كلّ يوم مرّة ما يمكن أن
يستدلّ به ، مضافا إلى الإجماع ، فتأمّل.
وفي كشف الغمة ،
عن زينب بنت جحش قالت : كان النبي 6 نائما فجاء الحسين 7 ـ إلى أن قالت ـ فاستيقظ الرسول 6 وهو يبول ، فقال
: « دعي ابني حتى يفرغ من بوله » ، ثمّ دعا بماء فصبّ عليه ، ثم قال : « يجزي
الصبّ على بول الغلام ويغسل بول الجارية » وسنذكر في بحث غسل النجاسات واستثناء بول الرضيع ما ينبغي
أن يلاحظ.
قوله : ومن أنّ ما لا نفس له. ( ٢ : ٢٦٣ ).
كون هذا منشأ
للتردّد محلّ نظر ظاهر ، بل الأظهر أنّ منشأ التردّد شمول عموم الأمر الذي ذكره ،
بأنّ الحجّة وما يجب اعتباره هو أصالة حمل اللفظ ـ أي لفظ العامّ ـ على معناه
الحقيقي ، وإن كان بعض أفراده من النادر بحيث لا ينصرف الذهن إليه عند الاستعمال
والإطلاق ، أو الحجّة وما هو معتبر هي الأفراد التي ينصرف الذهن إليها وتكون
متعارفة ، أو أنّه بعد اعتبار الثاني لا يدرى أنّه غير المأكول من جملة المتعارف
المذكور أم لا؟
ويمكن أن يكون
مراده أنّ من الاستقراء يظهر أنّ ما هو طاهر الميتة والدم يكون فضلاته طاهرة ،
وهذا الظنّ يعارض ظنّ العموم والشمول ، بحيث يحصل الشكّ في الإرادة والفهم ،
فتأمّل.
قوله : قاله في المختلف ، لأنّه غير مأكول اللحم ( ٢ : ٢٦٥ ).
يظهر من هذا أنّ
كلّ ما لا يؤكل لحمه ، بوله وروثه نجس عندهم
__________________
البتّة ، وهذا
أيضا من مؤيّدات حسنة ابن سنان ومرجّحاتها على حسنة أبي بصير.
قوله :
بل هما طاهران. (
٢ : ٢٦٦ ).
مرّ الكلام في ذلك
في مبحث الوضوء .
قوله : والأمر بالاستصباح. ( ٢ : ٢٦٨ ).
الأمر الذي أورده
على العلاّمة ; وارد عليه من دون تفاوت وفرق ، فإنّ مراد العلاّمة من قوله
: تحريم ما ليس بمحرّم ، التحريم الوارد في الأخبار ، فكيف لا يكون التحريم الوارد
في الأخبار الشاملة لما ذكره من الروايات وغيرها دليلا على النجاسة ويكون ما ذكره
دليلا؟! وقوله : غير صريح ، ظاهر في أنّها ظاهرة في النجاسة ، والظهور يكفي للحكم
، فيثبت مراد العلاّمة ;. غاية الأمر أنّ الشارح ; ادعى الظهور من غير تعرض لقوله : تحريم ما ليس بمحرّم ولا
فيه ضرر ظاهر في ذلك. ولا شكّ في أنّه لا بدّ من اعتبار ذلك ، إذ الزيت لو كان
حراما لما دلّ النهي عن أكله على النجاسة ، وكذا لو كان فيه ضرر كالسمّ ، بأن صبّ
فيه سمّ. ولذا لو كان في الحديث موضع الفأرة الحيّة أو غيرها ممّا فيه سمّ لما دلّ
الحديث على النجاسة أصلا ، لا ظاهرا ولا نصّا ، كما أنّه لو كان موضع الزيت السمّ
أو لبن الخنزير أو غيرها من المحرّمات لما دلّ على النجاسة أصلا ، فتأمل.
نعم ربما كان
الظاهر من كلام العلاّمة أنّ ما ذكره مختصّ بالحيوان المأكول اللحم ونفس ميتته لا
أعمّ منه ومن غير المأكول اللحم وممّا لاقاه ،
__________________
ولعلّ بناء كلامه
على التعميم أولى ، فتأمّل.
قوله : لكنّه غير صريح في النجاسة. ( ٢ : ٢٦٨ ).
وإن لم تكن صريحة
لكنّها ظاهرة ، سيّما مع ملاحظة اختصاص المنع بالمائع دون الجامد ، وظهور
الاستفصال فيها. وكذا تدلّ الأخبار الواردة في المنع عن استعمال الماء الذي وقعت
فيه ، وخصوصا إذا أنتنت وتغيّر الماء بسببه ، وسيّما بعد ملاحظة الإجماع والأخبار
الدالة على أنّ الماء إذا تغيّر بالنجاسة أحد أوصافه الثلاثة ينجس ، مع أنّ نجاسة
الأشياء كثيرها لم يثبت إلاّ من الأمر بالغسل أو التنزّه.
قوله : لا يتعيّن كونه للنجاسة. ( ٢ : ٢٦٨ ).
لا يخفى أنّ
الظاهر أنّه للنجاسة ، إذ لا يفهم من مجرّد الغسل إزالة الأجزاء العالقة.
مع أنّه لو علم
تعلّقها به فزوالها من مجرّد الغسل لعلّه غير ممكن ، لأنّها لو انقلعت من الجلد
بقلع الأشياء لانقلعت متصلة بها منضمّة معها ، وإن لم تتعلق فلا علوق.
مع أنّ منها ما لا
علوق له بالجلد أصلا.
مع أنّ طريقة
الإزالة غير منحصرة بالغسل ، بل غيرها أولى بها منه.
مع أنّ المناسب
على ما ذكرت أن يقول 7 : لا تأخذها بالقلع والنتف ، بل خذها بالجزّ ومثله.
مع أنّ بنتف مثل
الصوف لا يتحقّق العلم بالعلوق ، بل ولا الظنّ ، فإيجاب الغسل بمجرّد الاحتمال فيه
ما لا يخفى ، وكذا حمل إيجابه على صورة تحقّق العلم أو الظنّ لا مطلقا ، أو حمله
على الاستحباب. وأمّا قلع مثل القرن فغير خفي أنّ الغسل لا يزيل ما تعلّق به بسبب
القلع قطعا ، مع
أنّ تقييد المفهوم
بخصوص عدم جواز الصلاة ربما لا يخلو عن خروج عن الظاهر.
مع أنّ هذه الشهرة
العظيمة بين الأصحاب في نجاستها ـ بل الظاهر أنّه إجماعيّ ، وقد ادعى الإجماع
الشيخ ، والمصنّف ، والعلاّمة ، وابن زهرة ، والشهيد ـ ممّا يرجّح حمل
الروايات على النجاسة وإرادتها ، بل الظاهر أنّ المشايخ المتقدّمين على الشيخ ما
كانوا يفهمون منها إلاّ النجاسة.
وممّا يرشد اتّفاق
الأصحاب سوى ابن الجنيد على عدم مطهّرية الدباغ ، وقول ابن الجنيد بالمطهرية ، فتدبّر.
قوله : بل يحتمل أن يكون لإزالة. ( ٢ : ٢٦٨ ).
لا يخفى أنّ
بمجرّد احتمال العلوق لا يحكم الشرع بالغسل مطلقا.
قوله : كما يشعر به. ( ٢ : ٢٦٨ ).
لا إشعار فيه أصلا
إن لم نقل بالاشعار على خلافه ، كما هو الطريقة في معرفة النجاسات بمجرّد الغسل.
قوله : فلم أقف فيها على نصّ. ( ٢ : ٢٦٨ ).
فيه ـ مضافا إلى
ما عرفت من النصّ ، بل النصوص الكثيرة ـ أنّ مرسلة الصدوق دلالتها على الطهارة من
جهة صحة الاستعمالات والانتفاعات المذكورة ، [ و ] الأخبار الصحيحة
مانعة عن الانتفاع به مطلقا ، كما اعترف ، فكيف يجوز له التمسّك بهذه المرسلة؟! بل
يمكن أن
__________________
يكون مراد الصدوق
جلود ما لا نفس له ، لما ذكر ، ولما دلّ على نجاسة ما له نفس.
قوله : روى في أوائل كتابه. ( ٢ : ٢٦٨ ).
يعارضها ما دلّ
على عدم الانتفاع من الميتة بوجه من الوجوه ، وما يظهر منه نجاسة أجزاء الميتة
التي تحلّ فيها الحياة ، مثل رواية الحلبي الآتية ، وغيرها ، وكذا الإجماعات التي
أشرنا إليها ، وغيرها ممّا ذكرنا ، فكيف تقاوم جميع ما ذكر؟! وإن صحّ سندها ، مع
أنّها غير صحيحة.
والشارح ; لم يعتبر ما ذكره
الصدوق لصحّة روايته في مقام ، بل يشترط العدالة ، بل صرّح بأنّ الخبر الذي ليس
بصحيح لا يكون حجّة وإن انجبر بعمل الأصحاب وفتاواهم ، بل قال : اتفاق الأصحاب إن
بلغ حدّ الإجماع فهو حجّة برأسه ، وإلاّ فلا فائدة فيه ، فكيف يمكنه
الحكم بالحجّية بمجرّد تصحيح واحد من الفقهاء؟! وليس إلاّ واحدا من الألف ، والألف
لا ينفع فكيف الواحد ينفع؟! فتأمّل.
قوله : إنّما قصدت إلى إيراد ما افتي به واعتقد فيه أنّه حجّة. (
٢ : ٢٦٩ ) .
لا يخفى أنّه
كثيرا يروي في الفقيه ما يعلم أنّه ليس فتواه ، أو يظنّ ، أو صرّح هو فيه ، فهو
إمّا يرجع عمّا قال كما صرّح به جدّي ، أو أنّه قائل بشمولها وتوجيهها.
__________________
كما ذكر الكليني
الأحاديث الظاهرة في الجبر وغيره ، ممّا هو كيف والشيعة مبرّؤن
عنه ، من دون إظهار توجيه وتأويل ، وأنّ الظاهر ليس معتقده ، بل وكثيرا ما يروي في
فروع الفقه وغيرها أخبارا نجزم أنّه ليس قائلا بظواهرها ، من دون تعرّض منه إلى
توجيه ، وكذلك الحال بالنسبة إلى غير الكليني والصدوق ـ رحمهما الله.
ومن هذا روى في
الفقيه مقدّما على المرسلة المذكورة مرسلة أخرى ظاهرها طهارة جلد الخنزير ، وعدم
انفعال الماء القليل ، وعدم انفعال البئر بالملاقاة ، مع أنّ شيئا من
ذلك ليس برأيه جزما ، فظهر أنّه كان قائلا بها بعنوان التأويل ، كما روى ما يظهر
منه وجوب الأدعية والأذكار في التعقيب والأيّام وغيرها.
ويحتمل أن يكون
مراده الجلود المدبوغة ، ( ويكون قائلا بالطهارة بالدباغة وأنّها في مقام العمل
بالتقية ، ولا تأمّل في ظهورها في الجلود المدبوغة ) إذ لا يجعل ظرف
اللبن والسمن ( غيرها ) على الدوام ، على ما يشير إليه قوله : « تجعل » الظاهر في
الاستمرار التجديدي ، بل لا يبعد في أنّ هذه تكون مضمون صحيحة الحسين بن زرارة عن
الصادق 7 في جلد شاة ميتة يدبغ ويصبّ فيه اللبن والماء ، فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : «
نعم » ، وقال : قال : « يدبغ فينتفع به ولا يصلّى فيه » الحديث .
قوله : وإطلاق الروايتين. ( ٢ : ٢٧٠ ).
__________________
ليس كذلك ، إذ
مقتضاهما وجوب غسل الشيء الذي أصاب الثوب ، وإزالته عنه بالماء ، فتكونان ظاهرتين
في الرطوبة وما يسري إلى الثوب ويتصل به ، ويدلّ على ذلك ( أيضا ) ما في الرواية
الأخرى : « إن كان غسّل فلا تغسل منه ما أصاب ثوبك ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما
أصاب ثوبك منه » ، فتأمّل.
( ومنع دلالتهما
على نجاسة الميت ـ كما صدر من صاحب المفاتيح ـ فاسد ، إذ لو كان طاهرا لم يجب إزالة رطوباته وغيرها عن
الثوب ، واحتمال كون المانع عن الصلاة فيه والمقتضي لوجوب الغسل هو الموت فاسد ،
لأنّ كلمة « ما » من أدوات العموم اللغوي ، ومع ذلك لم يقل أحد بوجوب الغسل من جهة
الموت خاصّة ، بل كلّ من أوجب الغسل حكم بالنجاسة ، لعدم القائل بالفصل وغير خفي
أنّ دلالة الأخبار بمعونة الإجماع عدّ لنا وفي بحث النجاسات ) . ولا دلالة في شيء
من الأخبار على ما ذكره ، فربما كان الظاهر النجاسة والتأثير في حال الرطوبة لا
اليبوسة أيضا ، فتأمّل.
قوله :
إلاّ مع الرطوبة
للأصل. ( ٢ : ٢٧٠ ).
وصحيحة علي بن
جعفر السابقة ، وبعض الأخبار الأخر منها الصحيح : وقع ثوبه على كلب ميّت ، قال : «
ينضحه ويصلّي فيه ، ولا بأس » .
__________________
قوله : ومقتضى كلامه أنّ ما لاقى. ( ٢ : ٢٧١ ).
وفيه : أنّ صدر
العبارة وإن أوهم ذلك ، إلاّ أنّ تعليله كالصريح في نجاسة الملاقي ، وأنّه إذا
لاقى المائع لجسده ، نجس كما لا يخفى.
قوله : وإنّما يتعلّق به الحكم المذكور. ( ٢ : ٢٧١ ).
في الاحتجاج عن
مولانا القائم 7 : « إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلاّ غسل يده » .
قوله : وضعفه ظاهر. ( ٢ : ٢٧٢ ).
لعلّ نظر العلاّمة
إلى العلّة المنصوصة في صحيحة الحلبي الآتية ، فإنّ الظاهر منها أنّ النجاسة من
جهة ذهاب الروح وتحقّق الموت ، فلا حظ وتأمّل. ( بل ما رواه الفضل بن شاذان في
علله عن الرضا 7 صريح في ذلك ، فلاحظ ) .
ويؤيّده أيضا ما
ذكره في المسألة السابقة من : أنّ نجاسة الميّت إنّما هي بعد برده ، لعدم تحقّق
انتقال الروح منه بالكلّية ، فتأمّل.
ويعضده أيضا
الأخبار الآتية عند قول المصنف : ويجب الغسل على من مسّ ميّتا ، فتأمّل.
قوله :
ما يستفاد من
الأخبار. ( ٢ : ٢٧٢ ).
لو تمّ ما ذكره
يلزم طهارة الميت الثابت نجاسته بمجرّد تفريقه وتقطيعه ، بل وبقدّه نصفين ، بل
وبانفصال جزء منه بحيث لا يصدق على ما
__________________
بقي جسد الميّت ،
بل ومطلقا أيضا ، لأنّ المتبادر من جسد الميت على الإطلاق هو التّام الكامل ،
فيلزم ممّا ذكره كون التقطيع من جملة المطهّرات. مع أنّ ميتة مأكول اللحم إذا صارت
طاهرة بمجرّد التقطيع يمكن الحكم بحلّية الأكل أيضا ، لأنّ الأصل في الأشياء
الإباحة ، والمانع كان نجاسة الميتة وقد ارتفع ، فتأمّل.
على أنّه سيذكر في
نجاسة الكلب والخنزير : أنّ الكلّ إذا كان نجسا يلزم أن يكون جميع الأجزاء نجسا
أيضا حتى الشعر وأمثاله ، فكيف يتأمّل هنا؟! ( مع أنّ الأدلّة التي استدلّ بها على
النجاسة ليس فيها كون النجاسة متعلّقة بجسد الميت من حيث هو جسد الميّت ، كما لا
يخفى ، بل ) صحيحة حريز في غاية الوضوح في نجاسة الأجزاء التي يكون
فيها روح ، وكذا ما أشرنا إليه من الأخبار ، فتأمّل.
قوله : وترك الاستفصال. ( ٢ : ٢٧٢ ).
لا يخلو عن ظهور
في ما ذكره ، لأنّه 7 استفصل في خوف خروج الدم ، فيظهر أنّه 7 في مقام إتمام
المسألة للعمل ودفع المفسدات الشرعية ، ورطوبة اليد ويبوستها في درجة خوف الدم لو
لم يكن أقرب ، فتأمّل.
قوله : ويدلّ عليه صحيحة حريز. ( ٢ : ٢٧٢ ).
ويدلّ على ذلك
رواية فضل بن شاذان أيضا في علله عن الرضا 7 .
__________________
قوله
: قال النجاشي :
إنّه كان كذّابا. ( ٢ : ٢٧٤ ).
كذبه أنّه نقل
للرشيد : أنّ الرسول 6 قال : « لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو ريش » فقال الرشيد :
أشهد أنّ قفاه قفا كذّاب على رسول الله . فاشتهر بالكذب ، لكن لا يخفى أنّ الحديث بهذا المضمون ورد
في كتبنا المعتبرة على وجه يظهر أنّ الإلحاق المذكور ليس كذبا ، بل في
الحقيقة صحيح ، لكن لمّا لم يكن ذلك في أحاديث العامة نسبوه إلى الكذب واشتهر به ،
مع أنّه قال بعض الماهرين : إنّ الحديث والحكاية كان من غياث بن إبراهيم ، وقيل : كان عن
حفص بن غياث ، ولم يظهر بعد أنّه كان عن وهب ، وقد حقّق في الرجال.
على أنّ الحديث
الضعيف يصير حجّة بانجباره من جوابر ، والجابر هنا قول ابن إدريس في السرائر : هذا
اللبن نجس بغير خلاف عند المحصّلين ، لأنّه مائع في ميتة . ووافقه على
الحكم جماعة من أصحابنا منهم الفاضلان ، ويعضد هذا الجابر ما ورد في الأخبار المسلّمة من أنّ
الفأرة إذا ماتت في السمن والزيت وغيره أنّه ينجس ويحرم أو يسرج به ،
__________________
واللبن في الضرع
رقّته أزيد ومساورته أشدّ.
ويعضده أنّ كل نجس
من نجاسات الشرع ينجس كل رطب ، وكل رطب من الأشياء ينجّسه كلّ نجاسة ، حتى هذا
اللبن لو لاقاه نجاسة أيّ نجاسة تكون ينجس ، حتى أنّه لو خرج عن الضرع فلاقاه جسد
هذه الميتة أو وقع فيه جلد من هذه الميتة أو لحم منه ينجس ، وورد منهم 7 « أنّ كلّ حديث
ورد إليكم فأعرضوه على سائر أحكامنا ، فإن كان يشبه تلك الأحكام فهو منّا ، وإلاّ
فلا ( تعملوا به » أو « زخرف » أو غير ذلك من أمثال ما ذكر ، وليس ببالي ، وورد
أيضا عنه « أعرضوه على السنّة ، فإن كان يشبه سائر الأحكام فهو منّا ، وإلاّ فلا »
) .
ويعضده أيضا أنّ
كل متنجّس ينجّس كل شيء ، فكيف النجس لا ينجّس؟! ويعضده أيضا أنّ هذه الميتة لو
لاقت الماء ينجس ، إلاّ أن يكون قدر كرّ ، والماء أقوى من اللبن ، لوقوع الخلاف في
انفعال الماء القليل ، والوفاق في عدم انفعال بعض منه ، وعدم انفعال الكثير.
على أنّا نحكم
حكما قطعيا بأنّ الميتة ينجّس الأشياء الرطبة والمائعات من دون تأمّل
ولا تزلزل ، وليس في هذا الحكم سبب وجهة سوى إجماع أو حديث.
فإمّا ( أن يقال :
) إنّ كل موضع موضع بخصوصه ورد فيه إجماع أو حديث دالاّن على انفعال ذلك الموضع
بخصوصه وتنجسه من حيث
__________________
الخصوص ، بحيث لا
يمكن الحكم بنجاسة موضع آخر من جهة هذا الحديث وهذا الإجماع ، لاختصاص دلالة هذا
الحديث وهذا الإجماع بهذا الموضع بخصوصه ، و يكون الحكم بنجاسة موضع آخر من حديث آخر على حدة وإجماع
آخر على حدة وهكذا الحال في كلّ موضع بخصوصه.
فلما لم نر في
اللبن الخارج من ضرع الميتة إجماعا ولا حديثا يدلّ على نجاسته سوى الرواية الضعيفة
، نحكم بعدم ثبوت النجاسة فيه ، لأنّ الإجماع والحديث الوارد في موضع آخر لا يشمل
هذا اللبن ، لاختصاص كل موضع بحديث خاصّ به أو إجماع خاصّ به لا يتعدّى إلى غيره.
وإن كان جميع
المواضع بحيث لا يشذّ عنها موضع ورد في كل منها بخصوصه حديث مختصّ به أو إجماع
كذلك لا يتعدّى إلى غير نفسه ، حتى أنّ هذا اللبن لو خرج من ضرع الميتة فلاقاه جسد
الميتة من خارج ، أو بعض لحم ، أو شيء ممّا تحلّ فيه الحياة ، يكون تنجس الميتة
بإجماع مختصّ بكل واحد من الجسد أو بعض اللحم أو شيء تحلّ فيه الحياة على حدة ،
وهكذا حديث على حدة ، لكن لمّا لم يتحقّق إجماع بخصوصه ، ولا حديث كذلك في اللبن
الخارج عن الضرع يحكم بالطهارة من جهة عدم دليل النجاسة ، مضافا إلى الصحيحتين
المذكورتين.
لكن غير خفّي ،
أنّ هذا فاسد قطعا ، والوجدان يكذّبه جزما ، لأنّا لا نرى إجماعا إجماعا في خصوص
موضع موضع ، وكذلك حديثا حديثا ، بل كلّ موضع يحكم فيه بالنجاسة فإنّما هو بدليل مشترك
بينه وبين الموضع الآخر الذي يحكم فيه بالنجاسة ، من دون تفاوت أصلا ولا خصوصية
__________________
مطلقا.
وهذا لا يكون إلاّ
أن يكون مقتضى الدليل قضية كلّية وقاعدة عامّة شاملة لكل موضع موضع ، من دون تفاوت
ولا خصوصية ، ولا كون القضية الثابتة مهملة ، لأنّها مرادفة للجزئية المجملة التي
لا تنفع أصلا ، ولا تجري في موضع مطلقا ، ولا يمكن إثبات حكم موضع واحد فضلا عن
جميع المواضع ، بل القضية الثابتة من الدليل الذي يكون مستند حكمنا ـ إجماعا يكون
المستند أو الحديث ـ هي الكلّية التامّة العامّة الشاملة الجارية في كلّ موضع ،
كما قلنا ، بحيث لو لم يرد في اللبن الخارج عن ضرع الميتة حديث أو أمر آخر لكنّا
نحكم بنجاسته أيضا ، كما كنّا نحكم بنجاسة غيره من دون تفاوت أصلا ، وليس هذا
الحكم إلاّ من دليل البتّة.
فهذا الدليل في
الحقيقة معارض للصحيحتين الدالّتين على الطهارة ، ومعاضد لرواية وهب المعتضدة بما
ذكرنا ، ففي مقام التعارض لا بدّ من ملاحظة قوّة كلّ واحد من المتعارضين
ومقاومتهما ، فلاحظ تلك القوّة الحاصلة في ذهنك عند حكمك بنجاسة المواضع الأخر
بأنّها بأيّة مرتبة تكون تلك القوّة لك؟ واطمئنانك بأيّ قدر يكون؟ ثم ضمّ إلى تلك
القوّة الحاصلة الظنّ الحاصل كذلك من رواية وهب وما يعضدها ، واجعل المجموع معا
معارضا للصحيحتين وما يعضدهما ، فتأمّل ، ولا تقنع ببادئ نظرك ، إذ ربما كنت في
مقام الحكم بنجاسة سائر المواضع مطمئنّا غاية الاطمئنان ، فكيف إذا انضمّ إلى هذا
الاطمئنان التامّ الظنّ الحاصل لك من ملاحظة رواية وهب وما يعضدها؟
فإذا كان فقيه في
مقام حكمه بنجاسة سائر المواضع جازما يكون جزمه من اعتقاد حصل له بإجماع ، فكيف
يمكنه العمل بمضمون
الصحيحتين؟ لأنّ
الظنّ لا يعارض الجزم. وإذا لم يكن جازما بل يكون ظانا ، لكن ظنّه أقوى من الحاصل
من الصحيحتين ، فيكون الظاهر عنده إجماع ظنّي بظنّ قوي ، فهو أيضا يشكل أن يعمل
بالصحيحتين ويطرح ما هو أقوى منهما ، سيّما مع انضمام الأقوى برواية ابن وهب
المعتضدة ، ومرادي من الصحيحتين الصحيحتان مع دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع في جميع
المراتب ، فإذا تساوى القوّتان أو ترجّح الثانية إذن يفتي بالحلّية ، لكن يحتاط ،
سيّما في صورة التساوي ، فتأمّل.
قوله : لنا قول الصادق 7. ( ٢ : ٢٧٦ ).
الأولى الاستدلال
بصحيحة ابن مسلم الآتية في بحث نجاسة الكلب والخنزير : أنّ الكلب إذا أصاب ثوب
الرجل يغسل ذلك المكان الذي أصابه ، بحملها على صورة الرطوبة ، لعدم غسل الملاقي بعنوان
اليبوسة ، فليتأمّل.
وأمّا غير الصحيحة
فلا دلالة له ، لدلالته على رطوبة الكلب والخنزير ، ولا كلام فيه.
وأمّا هذه الرواية
فإنّه سيعترض بمنع دلالة لفظ النجاسة على هذا المعنى الشرعي ، فالرجس لا يدل
بطريق أولى ، على تقدير كون الشعر داخلا في مسمّاه حقيقة ، فتأمّل. مع أنّه يختار
هنا طهارة شعر الكافر مع أنّه قد ورد فيه ( إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) وغير ذلك ، فتأمّل.
قوله : أمّا الكافر فلم أقف على نصّ. ( ٢ : ٢٧٦ ).
__________________
لا يخفى أنّه يصير
قولا بالفصل ، وسيجيء الكلام في ما دل على نجاسته ، فربما ورد فيه
نظير ما ورد في الكلب ، فتأمّل.
قوله : ويجب الغسل على من مسّ ميتا. ( ٢ : ٢٧٧ ).
أمّا كون وجوب هذا
الغسل لنفسه أو لغيره فقد مرّ الكلام فيه في أوّل الكتاب . ويدل على كون
المسّ حدثا وهذا الغسل طهارة له عبارة الفقه الرضوي : وإنّ من صلّى قبل هذا الغسل عليه
إعادة الصلاة بعد هذا الغسل ، وفي بحث أنّ كل غسل قبله وضوء إلاّ الغسل من الجنابة
التصريح أيضا بأنّ من صلّى ونسي هذا الوضوء أنّ عليه إعادة تلك الصلاة بعد ما
توضّأ .
ويدلّ عليه أيضا :
وفاق الأصحاب على الظاهر ، لأنّ منهم من صرّح ، والباقي يقسّمون الغسل إلى واجب ومندوب ، ثم يقولون : فالواجب
من الغسل ما كان لأحد الأمور الثلاثة ـ أي الصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن ـ ثم
يذكرون أمورا ، ثم في ذكر الواجب من الغسل يقسّمونه إلى ستّة ويذكرون هذا الغسل
منها.
وغسل [ الميت ] يخرج من القرينة
، أو أنّه أيضا شرط للصلاة على
__________________
الميت ، فتأمّل
جدّا.
وممّا يدل أيضا :
أنّ صيغة الأمر في الأحداث والأخبار يتبادر [ منها ] الوجوب للغير مثل
الصلاة أو غيرها ، بلا تأمّل من أحد من الإشارة إلى وجهها ، وليس في جميع ما هو
مسلّم عند الشارح ومن وافقه ( في المناقشة ) في المقام ما يدلّ على كون الوجوب لأجل الصلاة. وأمّا ما
ورد في بعضه ممّا يدل عليه لا ينفع بالنسبة إلى ما لم يرد ، على تقدير صحة هذه
المناقشة. ومع ذلك في المقام الذي ورد ربما لا يستجمع شرائط الحجّية عند مثل
الشارح ، ومع ذلك لا يتوقّف فهم الوجوب على ملاحظته ، بل يتبادر كون الوجوب لمثل
الصلاة لا لنفسه ، وإن لم يدر ورود ما يدل على ذلك ، مع أنّ ما يدل ظنّي والتبادر
قطعي.
وممّا يدل على ذلك
أيضا : ما ورد : من أنّ أمير المؤمنين 7 اغتسل حين غسّل الرسول لجريان السنّة ، وإلاّ فالرسول طاهر
مطهّر ، هذا مضمون الحديث ، وليس متنه ببالي.
وفي العلل ـ في
باب غسل الميت والغسل من مسّه ـ بسنده عن الباقر 7 : « علّة غسل الميت لأنّه جنب ، ولتلاقيه الملائكة وهو
طاهر ، وكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنين » وفي حديث آخر : « الميت إذا خرج الروح عنه بقي أكثر آفته ،
فلذلك يتطهّر له ويطهر » .
__________________
هذا مع اتفاق
المتشرّعة على كونه طهارة ، لأنّ الطهارة عندهم عن الحدث الأصغر وهو الوضوء ، أو
الأكبر وهو الغسل ، ويجعلونه ستّة :
الجنابة ، والحيض
، والاستحاضة ، والنفاس ، والموت ، ومسّ الميت ، من دون فرق منهم بين الأمور
المذكورة في نصوص عباراتهم وظواهرها ، ولا يطلقون لفظ الطهارة على وضوء الحائض ،
كما لا يطلق عليه في الأخبار أيضا ، مثل ما رواه ابن مسلم عن [ الصادق ] 7 أنّه قال له :
الحائض تتطهّر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ فقال 7 : « أمّا الطهر فلا ، ولكن تتوضّأ وقت كلّ صلاة ، وتستقبل
القبلة وتذكر الله تعالى » وذكر بعض الفقهاء مثله في مبحث الطهارات استطراد وتقريب. ( وأمّا الطهارات
المستحبة قبل دخول وقت الصلاة والواجبة بعد دخوله فكلها واجبة لغيرها قطعا ، بل
عند المشهور أنّ جميع الطهارات كذلك ) .
وأمّا الطهارات
المستحبة مطلقا ـ مثل غسل الإحرام وغيره ـ فمن جهة عدم وجوبها أصلا ورأسا لا يمكن
أن تصير واجبة لغيرها. فعلى هذا كل ما ورد في الأخبار من اشتراط الصلاة أو غيرها ـ
مثل مسّ كتابة القرآن وغيره ـ على الطهارة أو الطهور يشمل غسل مسّ الميت أيضا ،
كما يشمل غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس أيضا ، من دون تفاوت.
وكذا ما ورد في
الأخبار من أنّ الطهور لا يجب إلاّ بعد دخول وقت
__________________
الصلاة ، يشمل غسل المسّ
أيضا من دون تفاوت ، ولذا اتفق أفهام الفقهاء على ذلك ، وأطبق فتاواهم عليه. فما
صدر عن الشارح من قوله : لم أقف على ما يقتضي وجوب غسل المسّ للصلاة مثلا واشتراط
الصلاة به ، لا وجه له بعد كون النصوص المقتضية لاشتراط الطهور عامّة
شاملة لجميع أفراد الطهور الواجبة ، وكذا النصّ المقتضي لعدم وجوب الطهور إلاّ بعد
دخول وقت الصلاة ، وغير ذلك.
وإنّما قلنا بشمول
الكل لغسل المسّ أيضا ، لما عرفت من الأخبار أنّه طهارة ، وكذا من اتفاق
المتشرّعة. ومعلوم أنّه إذا كان في الحديث قرينة صارفة عن إرادة المعنى اللغوي ،
يكون المراد هو المعنى الذي عند المتشرّعة حقيقة ، كما هو مسلّم ومحقّق ، فبعد
ثبوت كونه طهارة من الأخبار وغيرها ، يكون هذا الغسل أيضا داخلا في العمومات مثل
قولهم : « لا صلاة إلاّ بطهور » إذ ليس فيه تخصيص بطهور دون طهور.
فيظهر منه أنّ
اشتراط الصلاة وتوقّفها على الطهور ، نسبته إلى جميع أفراد الطهور على السواء ،
والترجيح تحكّم ، لعدم مرجّح في الحديث أصلا ، سيّما مع قبول توقّف الصلاة على
جميع الطهارات الواجبة ، والتأمّل في فرد واحد منها بأنّي لم أقف على نصّ يقتضي
اشتراط الصلاة به. أليس هذا نصّا وظاهرا في التوقف؟! وأمثال هذه المطلقات ترجع إلى
العموم ، كما هو مسلّم من الشارح وسائر الفقهاء.
__________________
وممّا يشمل هذا
الغسل ، ممّا دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة : قوله 7 : « مفتاح الصلاة الطهور » . وقول الباقر 7 في الصحاح : «
إنّ الفرض في الصلاة : الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » . وأنّه « لا تعاد
الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت » الحديث . وقوله 7 : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع » الحديث . إلى غير ذلك من
أمثالها ، مع أنّ المفرد المحلّى باللام في أمثال المقام يفيد العموم بلا كلام ،
وبناء الشارح عليه ، كسائر الفقهاء.
ويشمله أيضا ما
ورد ، من أنّ من صلّى بغير طهور أو نسيها يقضيها في أيّ ساعة تكون . إلى غير ذلك
ممّا دلّ على بطلان الصلاة بترك الطهارة.
وأيضا يشمل قوله :
« إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ». ممّا دلّ على أنّ الطهور لا يجب لنفسه ، بل
يجب بعد دخول وقت الصلاة. والحكم الشرعي معلّق على الطهور الواجب ، فيدور معه ،
ومسلّم أيضا العموم. والمناقشة في عدم الدلالة على الوجوب للغير ، قد عرفت غاية
وضوح فسادها. والقول بالنسبة إلى بعض دون بعض تحكّم لا يرضى به
__________________
الشارح ، سيّما مع
القبول في الكلّ إلاّ نادرا منه.
ويدلّ عليه أيضا
قوله : « مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ». والتقريب
كما تقدّم.
ويدلّ عليه أيضا
قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) .
قوله
: وضعف الوجهين
ظاهر. ( ٢ : ٢٧٩ ).
لكن ما دل على
وجوب الغسل ، شموله لما نحن فيه لعلّه لا يخلو عن تأمّل ، سيّما أن يكون قد تمّ
غسل جميع أعضائه ، ولم يبق إلاّ قدر رأس إبرة ، وأمثاله ممّا لم يتمّ الغسل بغير
غسله ، وهو في غاية الصغر ، لكونه من الأفراد التي لا ينصرف الذهن إليها بمجرّد
سماع ما دل عليه ، لعدم كونه من الفروض الشائعة.
مضافا إلى أنّه
ورد في غسل الجنابة : أنّه « ما جرى عليه الماء فقد طهر » . وورد : أنّ «
غسل الميت مثل غسل الجنابة » . وإن كان ما ذكره الشارح أيضا لا يخلو عن قوّة ، والاحتياط
واضح ، فتأمّل.
قوله : والعمل بها قليل. ( ٢ : ٢٨٠ ).
الظاهر أنّ المراد
[ أنّ ] العمل بالمقطوعة من حيث هي هي قليل ، لكن لا يخفى أنّ الضعف منجبر بعمل
الأصحاب ، ودعوى الشيخ على تقدير عدم الثبوت ثبوت الشهرة منها لا أقلّ منه ،
فتنجبر الرواية بها.
مع أنّ الإجماع
المنقول حجّة عند جمع من المحققين ، بناء على
__________________
أنّ ما دلّ على
حجّية خبر الواحد ـ بحيث يكون تامّا خالصا من إشكالات الإيرادات ـ شامل للإجماع
المنقول أيضا ، فليلاحظ.
ويعضد الرواية
والإجماع ما سيذكره الشهيد ، فتأمّل.
قوله :
ويتوجّه على
الأوّل أنّ كون هذه القطعة. ( ٢ : ٢٨٠ ).
لا يخفى أنّه
استدلّ على نجاسة جميع أجزاء الكلب ولو كانت ممّا لا تحلّه الحياة بما ورد أنّه :
« رجس نجس » ، ولم يورد على نفسه بمثل ما أورده في المقام ، فتأمّل.
قوله : وهذا المعنى مفقود مع الانفصال. ( ٢ : ٢٨٠ ).
لا يخفى أنّ
الاستصحاب حجّة وجار في أمثال ما نحن فيه ، مثل : نجاسة الماء بالتغيّر بالنجاسة ،
وقد مرّ الكلام في مبحثها ، فليلاحظ.
قوله :
منع بطلان اللازم.
( ٢ : ٢٨٠ ).
هذا المنع في غاية
البعد.
قوله
: إن اجتمع قدر
حمّصة فاغسله. ( ٢ : ٢٨٢ ).
الظاهر أنّه قدر
حمّصة وزنا أو جثّة فيمكن الحمل على ما إذا وقع شائعا ، والشائع يجيء بقدر
الدرهم. وفي بعض نسخ الفقيه : الخمصة ـ بالخاء المعجمة ـ أي أخمص الراحة ، فيكون
المراد قدر الدرهم ، بناء على أنّ هذا قدره ، فلا إشكال حينئذ.
قوله : ونقل الشيخ في المبسوط. ( ٢ : ٢٨٤ ).
__________________
يمكن أن يكون
استناده إلى ما رواه في الكافي والتهذيب والاستبصار بسند قريب من الصحّة ، عن
الصادق 7 : « إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض » ، فتأمّل.
قوله : لو اشتبه الدم المرئي. ( ٢ : ٢٨٤ ).
لكن الظاهر من
إطلاقات الأخبار كون الأصل في الدم النجاسة وعدم العفو ، كما صرّح به بعض ، وهو الظاهر من الشيخ
وغيره ، حيث وجّه الموثّق الدالّ على عدم البأس برؤية الدم في أثناء الصلاة :
بأنّ المراد الأقلّ من الدرهم ، ولم يعترض عليه ، فتأمل جدّا.
قوله : والإطلاق أعمّ من الحقيقة. ( ٢ : ٢٨٩ ).
لا حاجة إلى هذا ،
لأنّ الاشتراك أيضا لا ينفع المستدل ، إلاّ أن يقول بجواز الجمع بين المعاني فيه ،
وكونه عند الإطلاق ظاهرا في الجميع ، وهذا قول سخيف مردود ، ومسلّم عند الفقهاء
والمحقّقين المشهورين فساده.
وإن أراد من
الاشتراك الاشتراك المعنوي ، فهو خير من المجاز ، ومراد المستدل هو الاشتراك
المعنوي ، كما هو الظاهر من كلامه ، بل لا بدّ من حمل كلامه عليه لو لم يكن ظاهرا
فيه ، فضلا عن أن يكون ظاهرا.
هذا بالنظر إلى
الدليل الأوّل. والجواب عنه هو الذي ذكره من أنّ اللغة لا تثبت بالاستدلال ، بل
تثبت إمّا بنصّ الواضع ، أو أمارات الحقيقة ، أو الاستعمال بناء على أنّ الأصل فيه
هو الحقيقة ، كما قال بعض .
__________________
والظاهر أنّ
الشارح ; أيضا جوابه عن الأوّل هو ما ذكر.
وأمّا قوله :
الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، جواب عن الثاني ، لكن لا يخفى أنّ المستدلّ ما أراد
إثبات الحقيقة منه ، بل أراد : ما كان فعلها فعل الخمر فحكمه حكم الخمر ، كما يظهر
من الحديث حيث قال : « لم يحرّم الخمر لاسمها ».
فظهر أنّ لفظ
الخمر حقيقة في الخمر خاصّة. وأمّا غير الخمر ، فحرمته ليست باعتبار كون الخمر
اسمه أيضا ، بل باعتبار المشاركة في علّة تحريم الشارع ، وهو السكر.
فظهر أنّ قوله 7 : « فهو خمر »
ليس المراد إلاّ أنّه مثل الخمر في الحكم الشرعي ، ولم يعيّن الحكم الشرعي ، فيكون
المراد جميع الأحكام إلاّ ما أخرجه الدليل.
إلاّ أن يقال :
إنّ الظاهر المتبادر منها هو الحرمة ، ولا ينصرف الذهن إلى غيرها ، فتأمّل ، لأنّه
ربما يظهر من الأخبار دخول النجاسة أيضا ، مثل رواية أبي جميلة : قال كنت مع يونس
ببغداد ، وأنا أمشي معه في السوق ، ففتح صاحب الفقّاع فقاعة فقفز فأصاب ثوب يونس
فاغتمّ لذلك حتى زالت الشمس ، فقلت : يا أبا محمد إلا تصلّي؟ فقال : لا ، حتى أرجع
إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي. فقلت : رأي رأيته أو شيء ترويه؟ فقال :
أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق 7 عن الفقّاع ، فقال : « لا تشربه فإنّه خمر مجهول ، فإذا
أصاب ثوبك فاغسله » .
__________________
والأخبار الدالّة
على نجاسة النبيذ أيضا مستفيضة ، كما ستعرف شطرا منها ، وكلها موافقة لفتوى
المشهور ، ومنجبرة أيضا بذلك. ولا يمكن الحمل على التقية ، لأنّ العامة يحللونهما
، ويحكمون بطهارتهما أيضا جزما ، ولا يخفى ذلك على من تتبّع الأخبار. فظهر أنّه لا يمكن
حمل ما دلّ على نجاسة الخمر على التقية ، كما فعله بعض علمائنا المتأخّرين ، مضافا إلى ما
ستعرفه في الحواشي الآتية.
ويدل أيضا على
نجاسة المسكرات المائعة عدم القول بالفصل.
ويدل أيضا أنّ
الأمراء والسلاطين في زمانهم : ـ وهو يوازي ثلاث مائة سنة تقريبا ـ كانوا مولعين بشرب
الخمر ، وسائرهما كانوا مولعين بشرب الفقّاع والنبيذ ، بل وقاطبتهم. فلو كانوا : قائلين بالطهارة
لاشتهر منهم اشتهار الشمس بمقتضى العادة وتوفّر الدواعي ، مع أنّهم أظهروا الطهارة
مكرّرا ، ومع ذلك الأمر وقع بالعكس ، فإنّ القدماء ادّعوا الإجماع على النجاسة ،
والمتأخّرين اتفقوا على ذلك.
قوله : الإجماع نقله الشيخ. ( ٢ : ٢٩٠ ).
وكذا ابن زهرة
وابن إدريس .
قوله : على ما ذكره بعض أهل اللغة. ( ٢ : ٢٩٠ ).
يومئ إليه رواية
خيران الخادم : أنّه كتب إلى الرجل يسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى
فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا
__________________
فيه ، فقال بعضهم
: صلّ فيه ، فإن الله إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم لا تصلّ فيه ، فكتب 7 : « لا تصلّ فيه
فإنه رجس حتى تغسله » . وهذه الرواية أيضا من أدلّة المشهور ومرجّحات أخبار المنع
على أخبار الجواز ، والضعف منجبر بالشهرة.
وكذا مرسلة يونس
عن الصادق 7 : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف
موضعه فاغسل الثوب كله ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك » .
وكذا رواية زكريّا
بن آدم عن أبي الحسن 7 : عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق
كثير ، قال : « يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمة ، أو الكلب ، واللحم أغسله وكله
» قلت : فخمر أو نبيذ قطرت في عجين أو دم فقال : « فسد » ، قلت : أبيعه من اليهود
والنصارى وأبين لهم؟ قال : « نعم فإنهم يستحلّون شربه » قلت : والفقّاع بتلك
المنزلة إذا قطر في شيء من ذلك؟ فقال : « أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي
» .
وفي الموثّق عن
عمّار عن الصادق 7 : عن الدنّ ، يكون فيه خمر ، هل يصلح أن يكون فيه الخلّ ،
أو الكامخ ، أو زيتون؟ قال : « إذا غسل
__________________
فلا بأس » وعن
الإبريق فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » .
وهذه الأخبار ـ مع
كثرتها وموافقتها لما اشتهر بين الفقهاء وانجبارها ـ لا يمكن حملها على الاستحباب
، لنهاية قوّة الدلالة ، وكون المعارض محمولا على التقية ، كما عرفت وستعرف أيضا.
قوله : خذ بقول أبي عبد الله 7. ( ٢ : ٢٩١ ).
هذا الحديث فيه
تأكيدات مانعة عن الحمل على الاستحباب ، ومؤيّدة بحمل المخالف على التقية ،
فتأمّل.
قوله : بمنع الإجماع. ( ٢ : ٢٩١ ).
الإجماع عندنا ليس
اتفاق الكلّ ، فلا يضرّ وجود المنازع ، بل على تقدير كونه اتفاق الكلّ أيضا لا
يضرّ وجوده ، لأنّ اتفاق الكلّ في عصر يكفي.
وإن أراد أنّه
يحتمل أن لا يكون إجماع ، ففيه : أنّ مع عدم العثور على المنازع أيضا يكون
الاحتمال موجودا ، فلا يصحّ الاستناد إلى المنازع في مقام المنع ، مع أنّ العبرة
بنقل الفاضل الماهر الفقيه. فإن ثبتت حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد فلا وجه
للتمّسك بالاحتمال ، لأنّ معنى الحجّية ليس إلاّ أنّ الاحتمال غير مضرّ أصلا ، ولا
خلل من جهته مطلقا ، وإن لم تثبت الحجّية فلا وجه للمنع بأنّه في موضع النزاع.
والحاصل : أنّ
بناء الاستدلال على حجّية المنقول ، كما عليه الفقهاء الفحول ، واستندوا في
الحجّية إلى أدلة ، بل وقالوا : ما دل على حجّية الخبر
__________________
الواحد يشمله ، والشارح أيضا
في كثير من المواضع يذكر الإجماع المنقول بخبر الواحد على وجه يظهر منه اعتماده
عليه ، فتأمّل.
قوله : كما في المسير. ( ٢ : ٢٩١ ).
قال الشيخ الحرّ ; : وفي رواية :
جواز الأكل على الخوان الذي أصابته إذا كان يابسا .
قوله : وما رواه الحسن بن أبي سارة في الصحيح. ( ٢ : ٢٩١ ).
الحكم بالصحّة
ربما لا يخلو عن خدشة ، لأنّ بعض النسخ الحسين بدل الحسن ، مع أنّ محمد بن خالد
فيه كلام ، فتأمّل.
قوله : مع اختلاف الأصحاب والأحاديث. ( ٢ : ٢٩٢ ).
الأحاديث الدالة
على النجاسة من الكثرة بمكان لم يذكرها الشارح ، منها مذكورة في كتاب النجاسات ،
ومنها في تطهير الأواني والثياب ، ومنها في المطاعم والمشارب وغير ذلك مثل ظروف
النبيذ ، فلا يضرّ ضعف اسناد بعضها ، سيّما مع الانجبار بالشهرة العظيمة بين
الأصحاب ( على فرض عدم الإجماع ) بل المظنون كون مضمونها مجمعا عليه بين الأصحاب ، كما يظهر
من نقل الجليلين الفقيهين النبيلين ، مع ابن زهرة وابن إدريس .
فعلى هذا لا تقاوم
هذه الأخبار والإجماع المنقول ، الأخبار الدالة على
__________________
الطهارة ، سيّما
مع أنّه ورد في الصحيح المذكور الأخذ بقول الصادق 7 ، وإن وردت الرواية عنه وعن الباقر 8 ، في أنّها
طاهرة.
مع أنّ الفقهاء
الخبيرين الماهرين أخبروا بأنّ الدال على الطهارة محمول على التقية . مع أنّ المدار
في أكثر المرجّحات على أقوالهم ، مثل العدالة والأعدلية والشهرة والشذوذ وغيرها ،
لكونهم من أهل الشهود والمهارة.
وكون أكثر العامة
قائلين بالنجاسة ، لا يردّ قولهم ، لأنّ المعتبر في التقية حال زمانهم : لا حال زماننا ،
فلعلهم : في زمانهم كانوا عن أهل زمانهم يتقون. مع أنّ أمراءهم وسلاطينهم كانوا مولعين
بشرب الخمر ، بل النبيذ والفقاع كان حلالا عند فقهائهم ، فكان طاهرا عندهم البتّة.
ويظهر من تضاعيف
الأحاديث أنّ المدار عند أهل السنة والمتداول عندهم الحلّية والطهارة ، ومع ذلك
ورد عن أئمّتنا : الحكم بالنجاسة والحرمة ، بل ورد : أنّ الميل منه ينجّس
حبّا من الماء ، وأشدّ من ذلك.
وظهر من الأخبار
المتواترة ـ مضافا إلى الاعتبار ـ أن جلّ الاختلافات في الأخبار من جهة التقية ،
وأمروا : بترك ما وافق العامة ، وما يكون حكّام العامة إليه أميل. فما دلّ على نجاسة النبيذ حق جزما ،
وما دل على طهارته باطل جزما ، ولا قائل بالفصل قطعا.
مع أنّ نجاسة
النبيذ يقتضي نجاسة الخمر بطريق أولى ، سيّما بعد ملاحظة أنّ حكّامهم أميل إلى الطهارة.
مع أنّ الأئمّة : لو كانوا قائلين
__________________
بالطهارة لاشتهر
منهم غاية الاشتهار بحكم العادة ، وكان العامة ينسبونهم إليه ، ( من حيث كون حكمهم
على وفق مشتهى الحكّام ومخالفا لحكمهم ) . مع أنّ الأمر صار بالعكس.
وبالجملة : إن كان
البناء في الفقه على الترجيحات فلا شك في أنّ الرجحان في طرف النجاسة ، وإلاّ
قلّما يتحقّق مسألة فقهية ، بل لا يكاد يوجد ، فتأمّل. وسيجيء في بحث نجاسة
الكافر ما ينبغي ان يلاحظ .
لا يقال : وجوب
الغسل لا يدل على النجاسة إلاّ بضميمة الإجماع ، كما مرّ ، ولا إجماع هنا.
لأنّا نقول :
الإجماع واقع على أنّ ( الغسل إن كان واجبا فبسبب نجاستها ، وإن لم يكن نجسة فلا
يجب غسلها ) البتّة.
قوله : ولا نعلم مأخذه. ( ٢ : ٢٩٣ ).
لعل المأخذ ، هو
الأخبار التي رواها في الكافي في باب أصل تحريم الخمر وبدوه ، ورواه الصدوق
في العلل أيضا ، إذا يظهر من تلك الأخبار أنّ العصير بمجرّد الغليان
يدخل في حدّ الخمر حقيقة.
والصدوق في الفقيه
ـ في باب حدّ شرب الخمر ـ قال : قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر من
الكرم ، إذا أصابته النار أو غلى من غير
__________________
أن تمسّه ، فيصير
أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحلّ شربه ، إلاّ أن يذهب ثلثاه. ثمّ أتى بعبارات أخر
صريحة في أنّ مراده الخمر المعهود الحقيقي ، ثم قال : ولها خمسة أسامي : العصير من
الكرم . والظاهر من الصدوق أيضا ذلك في الفقيه وفي العلل معا ، وهو الظاهر أيضا من
الكليني ، فلاحظ الكافي وتأمّل.
وهو الظاهر من
البخاري من العامة في صحيحة ، فلاحظه. ( وسنذكر من فقهاء العامة أيضا أنّ الخمر هو
العصير من العنب إذا غلا واشتدّ ، فلاحظ ) .
وممّا يشير إليه :
أنّه سئل الصادق 7 عن ثمن العصير قبل أن يغلي ، فأجاب وقال : « إذا بعته قبل
أن يكون خمرا وهو حلال فلا بأس » . وفي خبر آخر عنه 7 ، عن بيع العصير قبل أن يغلي ، قال : « لا بأس ، وإن غلا
فلا يحل » .
ويؤيّده أنّ شاربه
يحدّ حدّ شرب الخمر ، بل وصرّح بعض المتأخّرين . بمساواته للخمر في جميع الأحكام ، وليس في النصوص شيء
يشير إلى شيء من الأحكام سوى ما أشرنا.
__________________
وممّا يؤيّد ، ما
ورد في النبيذ والنقيع ، وقد بسطنا الكلام في رسالتنا العصيرية ، ومن أراد البسط
فليراجع وليتأمّل. لكن القائل بعدم المأخذ ، بناؤه على أنّه ليس بمسكر فكيف يكون
خمرا؟ وأجبنا عن ذلك في الرسالة ، فليراجع وليتأمّل.
قوله : بأنّه لم يقف على دليل. ( ٢ : ٢٩٣ ).
قد أشرنا إلى
الدليل والمأخذ ، ويمكن أيضا أن يكون نظرهم إلى أنّ لفظ الخمر أطلق عليه في كثير
من الأخبار. فإن كان حقيقة ثبت المطلوب أي حقيقة في القدر المشترك ، أو أنّ
استعمال المشترك في معانيه جائز ، وظاهر أيضا إذا كان الجمع ممكنا.
وإن كان مجازا
فمعلوم أنّه لا بدّ من علاقة ، والعلاقة في أمثال المقام ليست إلاّ المشابهة
والمشاركة في الحكم الشرعي ، فحيث لم يعيّن يحمل على الجميع ، على طريقة حمل
المطلق والمفرد والمحلّى باللام على العموم.
لكن يمكن المناقشة
بأنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، والمجاز خير من الاشتراك ، والعلاقة وإن كانت
المشاركة في حكم شرعي ، لكن يمكن أن يكون هو الحرمة خاصّة. والإرجاع إلى العموم
فيما إذا تساوى الأحكام في الظهور والخفاء ، وهنا ليس كذلك ، لشيوع الحكم الذي هو
الحرمة ، وانسباق الأذهان إليها عند الإطلاق ، لكن لا بدّ من التأمّل في هذه الدعوى
، وأنّها هل تكون صحيحة أم لا. والامتحان والاختبار والمراجعة حتى يتضح الحال.
__________________
وأمّا حكاية
الاشتداد ـ بالمعنى الذي ذكره الشارح ـ فغير ظاهر من الأصحاب ، وغير ظاهر المأخذ
مطلقا. ويمكن أن يكون المراد بالاشتداد أن يصير أعلاه أسفله وأسفله أعلاه ، كما
أشار إليه كلام والد الصدوق. لكن المأخذ غير ظاهر ، إلاّ أن يدّعى تبادر هذا
الغليان من الأخبار ، ولا بدّ من التأمّل.
لكن الفاضلين ذكرا
الاشتداد ، وأنّ العصير بعد الاشتداد ينجس البتّة وتأمّلا في نجاسته قبل الاشتداد .
وفي فقه العامّة
أنّ الأشربة أربعة : الأوّل : الخمر ، وهو عصير العنب إذا غلا واشتدّ وقذف بالزبد.
الثاني : العصير إذا طبخ يذهب أقلّ من ثلثه. إلى أن قال : وعصير العنب إذا طبخ
وذهب ثلثاه حلّ . وفي هذا شهادة أنّ العصير إذا غلا واشتدّ يكون خمرا
البتّة ، بل هو الخمر ، بخلاف ما لم يشتدّ وإن كان حراما ) .
قوله : وذكر أنّ المصرّح. ( ٢ : ٢٩٣ ).
ليس كذلك ، كما لا
يخفى على من لاحظ المختلف وغيره ، ومنه قول الشهيد الثاني : إنّ القول بالنجاسة من
المشاهير بغير أصل ، إذ مع اعتقاده بأنّه لا أصل له حكم بأنّه من المشاهير ،
فتأمّل.
وأيضا نقل القول
بالطهارة عن ابن أبي عقيل خاصة ، وهو قائل
__________________
بطهارة الخمر أيضا
. ومنها قول الشارح : إنّه مشهور بين المتأخرين ، وبالجملة : لا شكّ في شهرته.
قوله : وهو عجيب. ( ٢ : ٢٩٣ ).
ما ذكره الشارح
عجيب ، إذ لا غرابة في أن يطلع الفقيه على ما لم يطلع قبل ، مع أنّ طريقة الفقهاء
تغيّر الرأي ، بل ربما جعلوا عدم تغيّر الرأي قدحا في الاجتهاد ، لأنّه يشير إلى
نوع تقليد أو مسامحة ، فتأمّل.
قوله : والحكم بنجاسته مشهور بين الأصحاب. ( ٢ : ٢٩٣ ).
بل ادّعى الإجماع
عليها ابن زهرة وكذلك العلاّمة ، والشيخ قال : ألحق أصحابنا الفقّاع بالخمر في التنجيس
وهذا انفراد الطائفة ، انتهى. وصرّحوا بأنّ حرمة الفقاع ونجاسته يدوران مع
الاسم والغليان لا السكر ، فهو حرام نجس وإن لم يكن مسكرا ، لأنّ الرسول 6 حكم بالحرمة من
دون استفصال في أنّه مسكر أم لا ، مع أنّه في مقام حكمه بحرمة النبيذ استفصل وقال : « أفيسكر؟
» فقالوا : نعم ، فقال : « إذا أسكر فهو حرام » .
قوله : ضعيفة السند. ( ٢ : ٢٩٣ ).
ضعفها منجبر
بالشهرة ( وصريحة في الدلالة ، مضمونها : أنّ يونس بن عبد الرحمن أصاب ثوبه فقّاع
فترك الصلاة أوّل وقتها وقال : ما أصلّي حتى
__________________
أدخل البيت وأغسل
هذه الخمرة من ثوبي ، لأنّ هشام بن الحكم سأل الصادق 7 عنه فقال : « خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله » ) .
قوله : وقد نقل المصنف في المعتبر وغيره. ( ٢ : ٢٩٤ ).
وهم المرتضى
والشيخ وابن زهرة ، والعلاّمة 4.
قوله : وهو غير ثابت. ( ٢ : ٢٩٤ ).
فيه : أنّ القائل
بثبوت الحقيقة الشرعية لا يمكنه هذا الاعتراض ، وأمّا المنكر فيقال في جوابه : إن
قوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا ) قرينة على إرادة
المعنى الشرعي ، إذ لا وجه لتفريعه على المعنى اللغوي ، ولم نجد معهودا من الإسلام
والمسلمين أمرا يقتضي المنع من الدخول في المسجد إلاّ ذلك المنع الشرعي ، فضلا عن
أن يكون يعبّر عنه بلفظ النجس.
وأيضا ، المشرك من
حيث هو هو كيف يكون قذرا بالمعنى اللغوي؟! لأنّ المعنى اللغوي أمر يعرفه أهل اللغة
والعرف.
وأيضا ، كيف يناسب
أن يكون الشارع مفيدا معنى لغويا يعرفه أهل اللغة؟! وأيضا ، القذارة اللغوية من
حيث هي هي لا مانع من دخولها في المسجد ، وإلاّ لزم أن يكون كثير من المسلمين يمنع
عن دخوله المسجد ، وكذلك النخامة وأمثالها.
وإرادة معنى شرعي
آخر لا قرينة عليها ، بل القرينة متحقّقة بالنسبة
__________________
إلى النجس الشرعي
، لما عرفت ، ولشيوع الاستعمال فيه إلى أن وقع الخلاف في كونه حقيقيا ، ولأنّ غيره
لم يعهد من الشارع استعمال فيه أصلا ، فضلا عن الكثرة.
وفي الكشّي ، في
ترجمة فارس ، عنه 7 : « توقّوا مساورته » .
وأيضا ما دلّ على
نجاسة اليهود وغيره ، يدلّ على نجاسة المشرك بطريق أولى ، فتأمّل ، وحمل النجس على
المتنجّس بعيد.
قوله : بل ادّعى عليه المرتضى وابن إدريس الإجماع. ( ٢ : ٢٩٥ ).
بل الظاهر أنّ
الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم ، بل وينسبونهم إليه بلا
تأمّل ، بل وعوامهم يعرفون أيضا أنّ هذا مذهب الشيعة ، بل وربما كان نساؤهم
وصبيانهم أيضا يعرفون كذلك وينسبونهم ، بل واليهود والنصارى والمجوس والصابئون
وغيرهم من الكفار أيضا يعرفون أنّ ذلك مذهب الشيعة ومسلكهم في العمل ، بل ربما كان
نساؤهم وصبيانهم أيضا يعرفون كذلك وينسبون.
وأمّا الشيعة فهم
أيضا يعرفون أنّ مذهبهم كذلك ، ومسلكهم في الأعصار والأمصار كان كذلك ، حتى نساؤهم
وصبيانهم. فلا يضرّ خروج مثل ابن الجنيد ، سيّما وهو أنكر حرمة القياس مع أنّها من
ضروريات مذهبنا ، فلا مانع من خروج ابن أبي عقيل أيضا ، لما ذكرت ، ولما مرّ في
نجاسة الخمر .
قوله : ونقل عن ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل. ( ٢ : ٢٩٥ ).
__________________
لا يخفى أنّه لا
يقول بانفعال الماء القليل بالملاقاة ، والمعهود من الفقهاء أنّ السؤر هو الماء
القليل الذي لاقاه فم حيوان أو جسم حيوان ، فلا يحسن جعل ابن أبي عقيل من القائلين
بعدم نجاسة هؤلاء ، مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم ، فتأمّل.
وأمّا ابن الجنيد
فإنّه أنكر حرمة القياس التي هي ضروري المذهب! والكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد
منها المعنى اللغوي. أو أنّه رجع عن القول بها ، فلا عبرة به ، فتأمّل.
قوله :
احتجّ القائلون
بالطهارة بوجوه. ( ٢ : ٢٩٧ ).
لم يوجد قائل
بالطهارة فضلا عن أن يكونوا محتجّين بما ذكره ، إذ لم ينسب إلى أحد احتجاجه.
قوله : شامل لما باشروه وغيره. ( ٢ : ٢٩٧ ).
إنّ أراد أنّه
تعالى أراد بيان حكم ما باشروه برطوبة وما لم يباشروه برطوبة جميعا ، ففيه : أنّ
ما لم يباشروه برطوبة مندرج في الطيّبات ، ولانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب.
وأمّا ( طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ
) فإن كان مخصوصا بأهل الكتاب فهذا القدر يكفي فائدة للتخصيص ، وإلاّ فأيّ
فائدة للتخصيص فيه أيضا؟ مع أنّ المراد الطعام من حيث إنّه طعام ، والمباشرة
وعدمها أجنبيان. ككونه مغصوبا ، أو مسموما ، أو ممزوجا بهما ، أو فاسدا مضرّا ، أو
متنجّسا بنجس العين ، أو غير ذلك ، إذ لا يفهم شيء منها من تلك العبارة.
وإن أراد أنّه
تعالى أراد بيان حكم ما باشروه برطوبة خاصّة ، ففيه : أنّ
__________________
الدلالة لا بدّ أن
تكون مطابقة أو تضمّنا أو التزاما ، وقد عرفت أنّه أجنبي بالنسبة إلى هذه العبارة
، وأين اللزوم؟.
مع أنّه لا وجه
للتخصيص بالطعام ، ولا بعبارة الحلّية ، بل اللازم التعميم ، والمناسب عبارة
الطهارة. بل التخصيص بتلك العبارة يمنع من الدلالة على الطهارة ، بل الشراب أولى
من الطعام بذلك ، بل التخصيص بهما يكون ظاهرا في نجاسة غيرهما ، كما يظهر من تفسير
أهل البيت : في أخبار صحاح كثيرة وأخرى معتبرة .
قوله : وتخصيصه بالحبوب. ( ٢ : ٢٩٧ ).
لا يخفى أنّ
الوارد في غير واحد من الأخبار أنّ المراد منه الحبوب وأشباهها . وهذه الأخبار
أيضا ممّا يدلّ على نجاستهم.
ويظهر من أهل
اللغة أنّ الطعام اسم للحنطة ، كما يظهر من الصحاح والمغرب وغيرهما ، ويظهر من عبارة
بعضهم ضمّ دقيقها أيضا .
فإنّ قلت : الحبوب
وأشباهها كانت داخلة في الطيّبات في قوله تعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) وعطف الخاصّ على العامّ إنّما يجوز لنكتة ، والنكتة أنّ
تعليق التحليل بالطيّبات يؤذن بأنّ طعام أهل الكتاب ليس محلّلا على الإطلاق ، إذ
المائع لا ينفكّ عن النجاسة غالبا ، مع أنّ هذا لا يناسب العموم ، لأنّ أكثر
الأفراد من الطيّبات على ما ذكرت ، بل الكل من الطيّبات بحسب الذات. والنجاسة ـ لو
عرضت ـ فعارض خارجي ، فحسن إفراده بالذكر.
__________________
قلت : قوله تعالى (
وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) يأبى عن هذه النكتة ، كما لا يخفى على الفطن. مع أنّ هذه
النكتة فرع نجاستهم ، إلاّ أن يكون المراد النجاسات العارضيّة مثل البول ، فعلى
هذا يمكن اعتبار هذه النكتة على تقدير الاختصاص بالحبوب أيضا ، إذ لا يؤمن
ملاقاتها مع الرطوبة المنجّسة. وبالجملة : النكتة ليس إظهار عدم النجاسة وعدم
المنع من جهة توهم النجاسة ، لإباء قوله تعالى ( وَطَعامُكُمْ ) عنه.
على أنّ النكتة
لعلّها شيء آخر ، على طريقة ما يقولون في منع حجّية مفهوم الوصف.
على أنّ النكتة
يمكن أن تكون إظهار دخول طعامهم في الطيّبات وإن كان يابسا ، لأنّ معنى الطيّب ليس
بديهيا ، ألا ترى أنّه تعالى قال ( لا هُنَّ حِلٌّ
لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )؟ لو قال مثل ذلك في طعامهم وطعامنا لكان يظهر أنّ حكاية
الطعام حكاية المزاوجة من دون غرابة. لكن لمّا لم يقل هذا وظهر لدينا الآن عدم
الحرمة نستغرب ونتعجّب من توهّم الحرمة ، وإلاّ فحكاية الطعام وحكاية المزاوجة لا
يوجد فرق بينهما إلاّ من جهة الشرع ، فلا مانع من أن يكون سبحانه أظهر أنّ الطعام
ليس مثل المزاوجة ، لا أنّه أظهر طهارتهم ، إذ قد عرفت فساده.
ووجه التخصيص ،
لأنّ أهل المدينة كانوا أهل الكتاب ، أو غير ذلك من الوجوه التي تعتبر في مقام منع
حجّية مفهوم الوصف.
وأيضا يمكن أن
يكون الفائدة استثناء هذا المعنى من بين الموادّة المنهي عنها على وجه العموم ،
بأنّه وإن استلزم الموادّة في الجملة إلاّ أنّه لا مانع منه ، لاحتمال حصول الإلف
والإنس المؤدّي إلى الإسلام.
ويمكن أن يكون
المراد إظهار أنّ أكلكم من طعامهم وأكلهم من
طعامكم ليس فيه من
حيث هو هو موادّة ، فلا مانع منه ، إلاّ أن يتحقّق فيه موادّة فيمنع عنه ، لا لأجل أكل
الطعام ، فتأمّل.
قوله
: لاندراجها في الطيبات. ( ٢ : ٢٩٧ ).
لم يعلم الاندراج
، لوجوه : الأوّل : عدم العلم بمشروعية التحصيل والتكسّب لأنّهم لا يتشرّعون بشرع
الإسلام.
الثاني : مع
احتمال مباشرتهم رطبا ، سيّما على طريقة المستدل من كون المراد من الطعام المطبوخ
أو ما يشمله ، فإنّ الظنّ حاصل بالمباشرة ، وإن كان طاهرا عند الفقهاء ، لعدم
اليقين بالنجاسة.
الثالث : كونه ملك
الإمام ومن يجاهد معه ، ولذا سمّي الغنيمة [ فيئا ] .
الرابع : كونه
مورثا للموادّة المنهي عنها.
على أنّه على
تقدير الظنّ أو العلم بالاندراج [ لا نسلّم ] كونه بديهيا حتى لا يحتاج إلى الإعلام. مع أن البديهي أيضا
ربما يتوقّف على التنبيه ، فتدبّر.
قوله : لا بأس إذا كان. ( ٢ : ٢٩٧ ).
لا دلالة فيها ،
لو لم نقل بالإشارة إلى خلاف مرادك.
قوله :
إمّا حمل هذه على
التقيّة. ( ٢ : ٢٩٨ ).
__________________
لا يخفى أنّ
الإجماع المنقول يرجح الحمل على التقية ، سيّما مع كونه بالنحو الذي أشرت ، فإنّه
يعيّن الحمل عليها ، سيّما بملاحظة أنّ العامّة شعارهم القول بطهارة هؤلاء. وورد عنهم
: أخبار كثيرة في أنّ الرشد في ما خالف العامّة ، لا الخبر الذي وافقهم ، وورد
منهم الأمر بترك ما وافقهم والأخذ بما خالفهم ، مع أنّه ورد منهم : أن من أسباب اختلاف الأخبار منهم ـ بل
وعمدتها ـ التقية ، والاعتبار أيضا شاهد على ذلك.
وأيضا ديدن الشيعة
في الأعصار والأمصار ترك ما وافق العامّة ، والأخذ بما خالفهم في المسائل الشرعية
، حتى أنّهم لو كانوا يرون من حديث ما يومئ إلى التقية قالوا : أعطاك من جراب النورة .
وأيضا صحيحة
إسماعيل بن جابر فيها شهادة واضحة على التقية ، لأنه منع عن الأكل بعبارة دالة على
التحريم ، ثم سكت هنيئة ، وهو هيئة من تأمّل في أنّه ما ذا يصنع ويقول ، ثم منع
بالعبارة الدالة عليه ، ثم سكت بالهيئة المذكورة ، ثم منع بالنحو السابق ، ثم قال
: لا يقال : إنّه حرام ، ولكن تتركه تنزّها عنه من جهة الخمر والخنزير في آنيتهم.
وهذا هو المناسب لمذهب العامّة ، وما سبق منه يشهد على أنّ المقام مقام اضطراب ،
فتأمّل.
وأيضا صحيحة علي
بن جعفر فيها شهادة واضحة على التقية ، لأنّه منع عن الوضوء بعبارة تكون حقيقة في
الحرمة ، ثم استثنى صورة الاضطرار ـ ليس إلاّ ـ والضرورات ، هي التي تبيح
المحظورات ، ولو كان طاهرا لما فعل كذا قطعا ، والظاهر أنّ الاضطرار هنا من جهة
التقية.
__________________
وإطلاق النهي في
صحيحة علي ، لا يكون شاهدا أصلا على الطهارة ، إذ على تقدير أن يكون إطلاق الحرمة
غير صحيح ، غايته أنّ النهي محمول على طلب الترك لا خصوص الكراهة.
وبالجملة :
القرائن والمرجّحات للنجاسة كثيرة ، فمع ذلك كيف يتمسّك بالأصل؟! لأنّه حجّة
ومرجّح في مقام لا يكون دليل ولا مرجّح أصلا ، إذ لو تشبّث به مطلقا فإنّا لله
وإنّا إليه راجعون على موت الشرع واستيصال الفقه ، لأنّ الإجماع لا يرضى به ،
وبناؤه على أنّه غير ثابت ، والآية الشريفة لا تنفع المقامات إلاّ نادرا غاية
الندرة لو كان ، والاستصحاب أيضا ليس بحجّة. بقي الخبر ، وغير الصحيح منه ليس
بحجّة عند الشارح ، وأمّا الصحيح فلا يكاد يتحقّق بدون التعارض مع الآخر أو حجّة
أخرى ، ومع ذلك يكون الأصل عند الشارح عدم التكليف ، فلا يبقى على هذا تكليف وحكم
شرعي!
قوله : والمراد منه ما يعمّ عرقه حال الفعل وبعده. ( ٢ : ٢٩٩ ).
وخصّصه بعض
الفقهاء بما هو في حالة الفعل .
قوله : قال : سألت أبا عبد الله. ( ٢ : ٢٩٩ ).
في استدلاله بهذه
تأمّل لا يخفى ، لأنّ الجنابة من الحرام من الأفراد التي لا ينساق الذهن إليها عند
الإطلاق ، مضافا إلى أنّ الأصل في فعل المسلم الصحة ، فتأمّل.
قوله : احتجّ الشيخ في التهذيب. ( ٢ : ٢٩٩ ).
__________________
احتجاجه بهذه
الرواية غفلة منه ، وإلاّ فقد روى الكليني ـ في الحمّام ـ عن الرضا 7 قال : « من أخذ
آجرّة . » إلى أن قال : « يغتسل فيه الجنب من حرام والزاني والناصب » الحديث . وعن أبي الحسن 7 : « لا تغتسل من
غسالته فإنّه يغتسل فيه من الزنا » .
وروى محمد بن همام
بإسناده إلى إدريس الكفرثوثي أنّه كان يقول بالوقف ، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي
الحسن 7 ، وأراد أن يسأله عن الثوب يعرق فيه الجنب ، أيصلّى فيه؟ فبينا هو واقف في
طاق باب لانتظاره 7 إذ حرّكه أبو الحسن 7 بمقرعة وقال : « إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من
حرام فلا تصلّ فيه ».
وهذه الرواية
مذكورة في الكتب المعتمدة المصنّفة في الإمامة وظهور معجزتهم : ، مثل كشف الغمّة
وغيره ، وليس الآن ببالي ، ولها ظهور. والروايتان الأوليان ربما تصلحان لتأييدها
وتقويتها. وبمضمونها أفتى الصدوق ; في الفقيه ، وجعله المفيد احتياطا ، وبالجملة : لا
خفاء في أنّ مستند الصدوق إنّما هو هذه الرواية.
وأمّا الشيخ ; فلعلّ مستنده
أيضا هذه الرواية ، إلاّ أنّه حين تأليفه التهذيب في هذا المقام ربما غفل عن نفس
المستند ، لكثرة علمه وغزارته
__________________
ووفور اشتغاله ،
فتشبّث بأمر آخر ، وقد اتفق أمثال ذلك منه ، وظهر في موضع آخر أنّ مستنده ليس ذلك
، بل وأظهر نفس مستنده ، كما لا يخفى على المتتبع.
منها : ما فعله في
صلاة الجمعة وكون وجوبها تخييريا ، فقد ذكر في المصباح دليله وذكر أنّه الدليل ، فلاحظ وتأمّل.
فإن قلت : المنع
من الصلاة فيه من أين ظهر كونه للنجاسة؟
قلت : النجاسات
تثبت غالبا بالأمر بالغسل ، ومعلوم أنّه لأجل الصلاة وأمثالها ، مثل أن يقول :
اغسل ثوبك منه وصلّ ، أو مطلقا ، وأي عاقل يفرق بين هذا وبين : لا تصلّ فيه؟
ومعلوم أنّه إذا غسله وزوال العرق بالمرّة بالماء في طريق التطهير الشرعي أنّه يجوز
الصلاة حينئذ ، فتدبّر.
وفي الفقه الرضوي
: « وإن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال فيجوز الصلاة فيه ، وإن كانت
حراما فلا يجوز الصلاة فيه حتى تغتسل » .
والصدوق في أماليه
نسبه إلى عقائد الإمامية ، فظهر أنّه لم يكن أحد من القدماء قائلا بخلافه ، فإن ثبت
الإجماع فهو ، وإلاّ كان ما دلّ على الحكم ضعفه منجبرا ، لو كان فيه ضعف. مع أنّ
الشيخ ; في الخلاف ادعى الإجماع .
قوله
: لصحيحة هشام بن سالم. ( ٢ : ٣٠٠ ).
__________________
وروى ابن بابويه
في من لا يحضره الفقيه بإسناده إلى أبي عبد الله 7 قال : ونهى 7 عن ركوب الجلاّلات وشرب ألبانها ، فقال : « إن أصابك شيء
من عرقها فاغسله » الحديث ، رواه في المطاعم والمشارب .
قوله : ومثلها روى حفص. ( ٢ : ٣٠٠ ).
في رواية حفص هكذا
: « لا تشرب ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله ». فالظاهر أنّها
مستند الشيخين. وأمّا صحيحة هشام فربما تحمل على كون المراد من الجلاّل هو الإبل ،
فتأمّل.
قوله : فقال : لا بأس به. ( ٢ : ٣٠١ ).
ويدلّ عليه أيضا
أصالة البراءة واستصحاب الحالة السابقة ، وأصالة طهارة الأشياء ، ولزوم العسر بل
والحرج بالنسبة إلى المكارين وأمثالهم ممّن هو مبتلى بها ، وأنّها لو كانت نجسة
لاقتضى ذلك شيوع الحكم بالنجاسة ، وذيوع الاحتراز عنها في الأعصار والأمصار ،
لعموم الوجود ، بل والحاجة أيضا بالنسبة إلى مثل المكاري. بل كثير من البيوت غير
خالية من واحد منها ، بل الغالب في الأسفار الابتلاء ، فلو كانت
نجسة لكانت مثل سائر النجاسات تشيع وتذيع نجاستها في الأعصار والأمصار والقرى
والدساكر والخانات ، مع أنّ الأمر بالعكس في مقام العمل بالنسبة إلى
المسلمين ، وفي مقام الفتوى بالنسبة إلى المعظم والجلّ ، بل الظاهر عدم مخالف سوى
ابن الجنيد الذي خالف القوم كثيرا ، وخرج عمّا هم عليه
__________________
مكررا ، بل وفي ما
هو ضروري مذهبهم أيضا. وأمّا الشيخ فقد رجع عنه .
وممّا يدل عليه أيضا
ما رواه الشيخ ـ في القوي بقاسم بن عروة ـ عن زرارة عن أحدهما 8 في أبوال الدوابّ
تصيب الثوب : فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالا؟ قال : « بلى ، ولكن ليس ممّا جعله
الله للأكل » إذ الدلالة على القول بثبوت الحقيقة الشرعية في أمثال هذه
العبارات أيضا بالنسبة إلى زمان الصادقين 8 ومن بعدهما واضحة.
ولو قلنا بعدم
الثبوت فغير خفي أنّ الظاهر منها الكراهة ، إذ النجاسة لا يعبّر عنها بهذه العبارة
الرخوة التي لا دلالة فيها على النجاسة ، فكيف يكتفى بها عنها؟! وذلك ظاهر.
ويمكن الاستدلال
للطهارة بجميع الأخبار الدالة على طهارة الروث ، لعدم القائل بالفصل ، فيكون الأمر
بغسل البول محمولا على الاستحباب. وعلى تقدير الإغماض عن حجّيته فلا شكّ في كونه
من جملة المؤيّدات للطهارة والمرجّحات لدليلها والجابرات لضعف السند.
وممّا يرجّح : كون
هذه الروايات مخالفة لمذهب العامّة جميعا ، بخلاف ما دل على النجاسة ، فإنّها تحمل
على التقية ، لموافقتها لمذهب بعض العامّة ، ولعلّه المذهب الشائع في وقت صدور الأخبار في البلد الذي
صدر عنه الخبر ، أو بلد الراوي ، فإنّ ذلك هو المعتبر في الحمل على
__________________
التقية. ويقرّب
الحمل على التقية أنّ من العامّة من يقول بحرمة لحوم هذه الحيوانات ، فتأمّل.
وممّا يعضد هذه
الأخبار عموم حسنة زرارة.
( ويدلّ على
الطهارة دلالة واضحة موثقة ابن بكير الآتية في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي ، فلاحظ الموثّقة
من أوّلها إلى آخرها.
و [ تتمّة ] الرواية لم
يذكرها في المدارك ) .
قوله : وأجيب عن الروايتين. ( ٢ : ٣٠٢ ).
لا يخفى أنّ
الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون اتفاق الكل ـ على ما أشرنا إليه في الحاشية
السابقة ـ تجبر ضعفها ، بل ربما كانت أقوى من بعض التوثيقات ، بل ومن كثير منها ،
كما لا يخفى على المطّلع على الرجال ، فإنّ المدار فيها على الظنون ، وترجيحاتها
على الظنون الضعيفة ، وبسطنا الكلام في الرجال ( من أراد الاطّلاع فليرجع إلى
تعليقتنا على رجال ) الميرزا محمّد ; ) . مع أنّ الحكم بن مسكين قوي ، بل ربما حكموا بصحة حديثه.
وإسحاق بن عمّار قد بسطنا الكلام فيه في الرجال .
__________________
وأمّا رواية أبي
الأغر ، فقد رواها الصدوق في الفقيه ، مع أنّه قال في أوّل الفقيه ما قال ، ورواه الكليني أيضا
، مع أنّه قال في أوّل كتابه ما قال. وأبو الأغر يروي عنه صفوان وابن أبي
عمير ، وهما ممّن قال الشيخ : إنّهما لا يرويان إلاّ عن الثقات ، مع أنّهما ممّن
أجمعت العصابة ، هذا ، مضافا إلى ما ذكرت في الحاشية السابقة ، فإنّه يعيّن العمل
بهذين الحديثين.
قوله
: وهو لا يصلح معارضا.
( ٢ : ٣٠٢ ).
عدم الصلاحية
إنّما يكون إذا لم يكن يوافقه أخبار خاصّة أخر ، سيّما مع انضمام تلك الأخبار بما
مرّ.
قوله : بمقتضى الأصل السالم. ( ٢ : ٣٠٣ ).
ويدلّ على طهارة
الروث ما ورد من المنع عن الاستنجاء بالروث ، فإنّه كالصريح في الطهارة.
قوله :
ولم نقف له في ذلك
على مستند ( ٢ : ٣٠٤ ).
بل إطلاقات
الأخبار وصريح بعضها حجّة عليه.
قوله : واستدلوا على ذلك. ( ٢ : ٣٠٥ ).
وادعى ابن إدريس
الإجماع .
قوله : « جنّبوا مساجدكم ». ( ٢ : ٣٠٥ ).
__________________
ويؤيّده الأمر
بتعاهد النعل ، ومنع الكفّار عن دخوله في الأعصار والأمصار ، والأمر
بتعظيم شعائر الله ، والمنع عن تمكين الصبيان والمجانين ، والنهي عن
دخولها إلاّ طاهرا ، وعن البصاق فيها ، والأمر بجعل المطاهر على أبوابها . وأمّا حرمة
تنجيسها فإجماعي ، بل ربما كان بديهي الدين.
قوله : ويتوجه على الأوّل. ( ٢ : ٣٠٥ ).
فيه ما عرفت.
قوله : يحتاج إلى الدليل. ( ٢ : ٣٠٥ ).
الدليل هو عدم
القول بالفصل ، إلاّ أن يقال : الإجماع واقع على منع الكفّار مطلقا ، مع الخلاف في
أنّ الحرام هو إدخال المسري أو مطلقا ، ومع هذا لا يتأتّى التمسّك بعدم القائل
بالفصل ، فتأمّل. ولكن تفريع عدم قربهم للمسجد على النجاسة دليل على أنّ نجاستهم
من حيث هي هي مانعة ، فهذا من باب منصوص العلّة ، لأنّ المعنى : أنّهم لا يقربوا
المسجد الحرام لأنّهم نجسون ، فتأمّل.
قوله : وعدم الظفر بالقائل. ( ٢ : ٣٠٥ ).
لو تمّ ما ذكره
هنا امتنع استناده بعدم القول بالفرق في المواضع التي استند فيها ، وقد مرّ كثيرا
، وسيجيء أيضا ، وما نحن فيه ليس بأدون من تلك
__________________
المواضع ، كما لا
يخفى على المتأمّل.
قوله
: فيحصل به
الامتثال. ( ٢ : ٣٠٥ ).
هذا ربما كان
بعيدا ، نعم بعد ملاحظة المعارض يقرب هذا الاحتمال ، ويحتمل أن يراد من المساجد
موضع الجبهة في السجود.
قوله : ما نقله الشيخ في الخلاف من الإجماع. ( ٢ : ٣٠٦ ).
بل ما دل على جواز
الجنب أيضا ، وعدم حرمة تمكين المجانين والصبيان ، والإجماع الذي نقله الشهيد على
جواز دخول الحيّض من النساء ، وكذا الصبيان ، والأخبار الدالّة على جواز اجتيازهنّ والجنب .
ويؤيّده أيضا ،
العمومات الدالّة على الحثّ والتحريض على الصلاة في المساجد ، وخلف الإمام جماعة ،
الشاملة لمن به القروح والجروح الدامية وأمثاله. وكذا عدم استثناء هؤلاء في من
استثني من وجوب الحضور إلى صلاة الجمعة ، مثل المريض والأعرج والمرأة وغيرهم ، مع
أنّ المعهود والمتعارف وقوع صلاة الجمعة في المساجد ، بل كان المتعين في مكّة
والمدينة والكوفة صلاة الجمعة في مساجدها المعهودة ، وكذا الحال في صلاة العيدين
في مكة المشرّفة.
وبالجملة : لو كان
إدخال مطلق النجاسة حراما لتوجه الشارع إلى حال من به القروح والجروح وأمثاله في
صلاة الجمعة والعيدين ، بل والجماعة أيضا ، بأن يصدر منه استثناء هؤلاء ، أو يأمر
بأن تقع الصلاة خارج المسجد ، كي يتأتّى لأمثال هؤلاء الحضور ، ولو فعل أحد
الأمرين لاشتهر في الأعصار والأمصار ، مع أنّ المشهور بين المسلمين خلاف ذلك.
مضافا
__________________
إلى الأخبار
الحاصرة للاستثناء في الجماعة المذكورين فيها ، وكذلك فتاوى الفقهاء.
إلاّ أن يقال
باستثناء هؤلاء في إدخال النجاسة ، بأنّ هؤلاء لا يحرم عليهم الدخول ، أو يقال
بأنّ حرمة دخولهم المساجد كانت في الظهور بحيث لم يتحقّق الاحتياج إلى التعرض
للاستثناء ، وإنّ استثناءهم كان بحيث لم يحتج إلى مراعاة حالهم ، بأنّ يفعل
الجماعة والصلاة خارجا عن المسجد ، لكنّه بعيد ، فتأمّل.
قوله : وفيه توقّف. ( ٢ : ٣٠٦ ).
الأمر كما ذكروه ،
بالنظر إلى الظاهر من الإجماع وغيره من الأدلة ، وقد أشير إليه ، بل التوقّف إن
كان لعموم الخطاب ـ كما هو الظاهر من كلامه ـ فلم نجد له وجها ، لعموم « جنّبوا »
، والأصحاب عملوا به ، وبناؤهم على العمل به. وكون من أدخلها يتعين عليه الإخراج
لا يمنع وجوب الكفاية.
قوله : لا امتناع في أن يقول الشارع. ( ٢ : ٣٠٧ ).
لقائل أن يقول :
فرق بين التصريح والإطلاق ، إذ لعلّه عند الإطلاق يظهر من حال الآمر أنّه كاره
للضد والمانع ـ كما سيذكر وإن كان يجيب عنه ـ هذا بخلاف التصريح ، فإنّه لا مجال
للقول بالكراهة. نعم لمّا كان يظهر من كلام القائل وأدلته أنّه يدّعي استحالة عدم
النهي عن الضدّ يتوجه عليه ما ذكره ;.
وممّا يشير إلى
بطلان رأيهم أنّه لو كان الأمر كما يقولون لزم بطلان
__________________
صلاة عامّة الناس
، وعدم جوازها إلاّ في آخر الوقت بمقدار أدائها ، وكذا الحال في أمثال الصلاة ، إذ
لا يكاد يتحقّق من لا يكون عليه واجب مضيّق ، مثل معرفة أصول الدين بالدليل ،
وفروعه ممّا يتعلق بالتكاليف التي يجب عليه امتثالها بالأخذ عن المجتهد ، والتوبة
بأداء حقوق الناس وإرضائهم ، وطلب العفو والحلّية ، وغير ذلك. ويلزم أيضا عدم جواز
القصر في الصوم والصلاة إلاّ لأوحديّ الناس ، وأمثال ما ذكر. وكل ذلك خلاف
المستفاد من الآيات والأخبار ، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، فتأمّل.
قوله : كما في الضدّ العام. ( ٢ : ٣٠٧ ).
لقائل أن يقول :
إنّ قصد الجزء متحقّق في ضمن قصد الجميع ، أو المجموع ، غاية الأمر أنّه ليس على
حدّة ، بل عدم تجويز الترك إنّما هو فصل ومقوّم لا يكون له وجود مغاير ولا امتياز
، بل وجوده عين وجود الكل ، كما هو الحال في الأجزاء العقلية ، فإنّ الكل موجود
واحد بسيط ، إنّما الأجزاء في ظرف تحليل العقل ، وإلاّ حين ما يسمع اللفظ لا يخطر
في الذهن إلاّ صورة واحدة بسيطة ، فقصد الجزء عين قصد الكل ، فتأمّل.
قوله : ومع امتناع ذلك الواجب. ( ٢ : ٣٠٨ ).
لا يخفى أنّ وجود
الصارف وانتفاء الداعي إنما هما من أفعاله الاختيارية ، وهو قادر على إزالة الصارف
وإيجاد الداعي ، ويجب عليه أن يجعل المقدّمة وسيلة إلى المطلوب ، بل كل واحد من
إزالة الصارف وإيجاد الداعي أيضا من مقدّمات الواجب المطلق ومقدور المكلف ، فيجب ،
ويجب التوصّل بكل واحد منهما إلى ذي المقدّمة من دون فرق بين المقدّمات ، مع أنّ
القائل بوجوب المقدّمة يقول بوجوبها مطلقا من غير قيد ، فكذا دليله يقتضي الوجوب
كذلك. فتأمّل.
قوله
: من باب المقدّمة.
( ٢ : ٣٠٨ ).
أي السبب ، في ما
ذكره ; رجوع عن القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به إلى القول بوجوب خصوص السبب
منها ، والمشهور من المنكرين عدم إنكار هذا ، فهو رجوع إلى قول المنكرين ، فتأمّل.
قوله : يمكن اختيار الشق الثاني. ( ٢ : ٣٠٨ ).
الأولى اختيار
الشقّ الأوّل ، ومنع استحالة التكليف بالضدّين إذا كان التكليف بأحدهما موسّعا ،
إذ محلّ النزاع ليس إلاّ هذا ، فكما لا يستحيل التكليف بالضدّين إذا كان التكليف
بأحدهما موسّعا إجماعا فكذا في ما نحن فيه.
قوله : ولا إعادة عليك. ( ٢ : ٣١٣ ).
في الكافي : « لا
إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء » الحديث
. وهو الصواب.
قوله : لاعتضاد الثاني. ( ٢ : ٣١٣ ).
لكن يعضد الأوّل
العمومات.
قوله : وأمّا الأوّل فلما أشرنا. ( ٢ : ٣١٣ ).
لا يخفى أنّ الأمر
وإن كان كما يقول من أنّ الظاهر أنّ ابن مسلم لا يروي عن غير المعصوم ، لكن الظاهر
لا يقاوم النص. وأيضا رواية ابن مسلم حسنة فلا تقاوم الصحيح.
وأيضا ، مقتضاها
العموم سيّما وقدر الدرهم من أفراده النادرة غاية الندرة ، فلا يكون داخلا فيه ،
فتأمّل ، والعموم لا يعارض الخصوص
__________________
والمنصوص ، حيث
صرّح في صحيحة ابن أبي يعفور بالغسل وإعادة الصلاة إن كان قدر الدرهم ، وأيضا
صحيحة ابن أبي يعفور معتضدة بالعمومات وبرواية جميل التي هي أيضا صريحة ، بخلاف
رواية إسماعيل فإنّه لا دلالة فيها أصلا ، فضلا عن الصراحة ، لأنّ الظاهر منها عدم
تحقّق مقدار الدرهم بحسب التعارف ، وهو كذلك ، إذ وقوع الدم بحيث لا يزيد عن قدر
الدرهم أصلا ولا ينقص ، من الفروض النادرة جدّا ، وكذا الحال في ضرب الدرهم وتحقّق
السعة منه ، فما في بعض الأخبار من لفظ الدرهم وقدره فإنّما هو بحسب التخمين ، وما
في البعض الآخر من التعرض لخصوص الأقل أو الأكثر فإنّما هو بالنظر إلى التحقّق
بحسب الواقع ونفس الأمر.
ويحتمل أن يكون
الأوقات كانت مختلفة في تحقّق السعة في الضرب ، كما هو المشاهد في أمثال زماننا ،
ولهذا اختلفت الأخبار ، بأن كان في بعض الأوقات لم يتحقّق انضباط غالب ، فحكموا
بالأقل والأكثر فقط ، وفي بعض الأوقات كان يتحقّق ، أما بسعة زائدة فحكموا بوجوب
الغسل والإعادة ، أو بسعة ناقصة فحكموا بوجوب غسل ما زاد والإعادة منه.
ويمكن أن يكون
الدرهم في ما دل على وجوب إزالته هو الوافي ، وما دل على عدم الإزالة هو الدرهم
المتداول في زمانهم : ، أعني غير الوافي على ما سنشير ، فتأمّل.
قوله : وذكر الصدوق. ( ٢ : ٣١٤ ).
ما ذكره الصدوق
والمفيد إنّما أخذاه من الفقه الرضوي .
__________________
قوله
: وهو متقدّم على
زمن الصادق 7. ( ٢ : ٣١٥ ).
لا يخفى أنّ
العامّة أيضا رووا عن النبي 6 هذا الحكم ، وأنّه لو كان أقل فلا بأس ، وإذا كان درهما أو
أكثر يجب غسله ، فلعلّ هذا كان مشهورا معروفا منه ، فلذا قال الصادق 7 أيضا كذلك ، مع
أنّه غير معلوم هذا الذي ذكره. والظاهر أنّ الدرهم الوافي كان له منشأ ، كما ذكرنا
، فليحمل عليه.
قوله
: باستثناء دم الحيض.
( ٢ : ٣١٥ ).
وفي الفقه الرضوي
أيضا أنّه قال 7 : « إلاّ أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ، ومن البول
والمني قلّ أو كثر » .
قوله : من دم لم تبصره. ( ٢ : ٣١٦ ).
لعل المراد من :
لم يبصر ، أنّه لم يبصر من جهة القلّة ، بشهادة قوله 7 : « فإن قليله وكثيره. » ولأنّ الجهل لا خصوصية له بالدم ،
فتأمّل ، ولأنّ أحدا من الأصحاب لم يقل بأنّ الجهل في دم الحيض يوجب إعادة الصلاة
، وفي غيره من الدماء لا إعادة فيه ، فهذا الحديث مع ما نقلناه من الفقه الرضوي
وما سنذكره أيضا دليل ، مضافا إلى عدم عموم لغوي في الدم الذي عفي عن أقل الدرهم
منه.
وما ورد في عدّة
أخبار من أنّ الحائض تصلّي في ثيابها ما لم يصبها دمها ، وما ورد في
الأخبار من الأمر بالصبغ بمشق إذا بقي أثره ، ربما
__________________
يكون فيه تأييد ،
فتأمّل.
قوله : وهي مع ضعف سندها ( ٢ : ٣١٦ ).
الضعف منجبر بعمل
الأصحاب ، وكذا الوقف ، فإنّ الظاهر أنّه ما رواه إلاّ عن المعصوم 7 ، فتأمّل ، مع
أنّه ورد في بعض النسخ زيادة قول : عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 قالا. الحديث .
قوله : وألحق به الشيخ ; دم الاستحاضة. ( ٢ : ٣١٦ ).
يمكن الاستدلال
على إثباته بما مرّ في مبحث الاستحاضة من دعوى الإجماع على وجوب تغيير القطنة
والخرقة إذا وصل الدم إليها ، والأخبار المستفيضة الدالة على ذلك .
ومنه يظهر وجوب
غسل دم الحيض والنفاس بطريق أولى ، مع أنّه مرّ في مبحث النفاس ما يشير إلى اتحاد
حكم النفاس مع الحيض ، بل وكونه حيضا في المعنى .
قوله : يجري مجرى النطق به. ( ٢ : ٣١٦ ).
فيه تأمل ، لأنّ
مع النطق لا يمكن التخصيص والبناء على عدم الشمول ، وهو ; ربما يقول بعدم
شمول العام للأفراد النادرة ، مع أنّ ملاحظة ما دل على أنّ الدم المعفوّ إذا لاقاه
نجاسة خارجة لم يكن معفوّا عنه ربما يمنعنا عن الحكم بدخول هذا الدم في العموم
المقتضي للعفو ، بل جعله مثل دم الحيض والاستحاضة والنفاس أيضا محل نظر ، لما عرفت
،
__________________
ولعدم كونها مثل
دم نجس العين في الشذوذ والندرة وعدم انصراف الذهن إليه ، فتأمّل.
قوله : واسمها ضمير يعود إلى نقط الدم. ( ٢ : ٣١٩ ).
الظاهر من الحديث
هو هذا الاحتمال ، لأنّ ضمير « يكون » راجع إلى نقط الدم ، فيكون «
مجتمعا » على هذا حالا مقدّرة ، لأن هذا هو الظاهر ، لأنّ النقط المتفرّقة لا تكون
مجتمعة إلاّ على التقدير ، فالحديث حجّة على المحقّق لا له.
نعم رواية جميل
المتقدّمة ربما كانت ظاهرة في ما ذكره ، فتأمّل ، لكنها لا تقاوم الصحيحة سندا ولا
دلالة ، ولا بحسب المؤيّدات الخارجية ، مثل العمومات الدالة على وجوب طهارة الثوب
، والإطلاقات في الدم الذي يجب إزالته ، وإطلاق قدر الدرهم ، والاستقراء الذي
ذكره.
قوله : ممّا لا يدل عليه اللفظ. ( ٢ : ٣١٩ ).
قد عرفت وجه
الدلالة ، وأنّ هذا هو الظاهر.
قوله : مختصّا بما قدّر فيه. ( ٢ : ٣١٩ ).
لا يخفى أنّ
السؤال لم يكن إلاّ عن حال النقط المتفرّقة ، فالجواب إنّما هو جواب عمّا سئل ، مع
أنّه يظهر حال ما حقّق بطريق أولى ، فتأمّل ، ويظهر من الرواية وجوب الإعادة في
صورة النسيان ، وسيجيء الكلام فيه .
قوله :
لا يتفاوت الحال.
( ٢ : ٣١٩ ).
الظاهر أنّ نظره
في هذا إلى الاستقراء ، فتأمّل.
__________________
قوله
: معلوم ممّا
قرّرناه. ( ٢ : ٣٢٠ ).
قد ظهر لك حال ما
قرّره!
قوله
: يتوقّف على
الدلالة. ( ٢ : ٣٢٠ ).
يكفي للدلالة عدم
عدّ أحد من الأمة هذا من خصائصه 6 ، مع أنّ الاشتراك لعلّه الأصل ، إلاّ أن يظهر الاختصاص ،
كما يظهر من المعاملة بالنسبة إلى سائر ما كلّف به ، مع أنّ الدليل غير منحصر في
ما ذكر ، لأن الإطلاق والعموم موجود.
قوله : بأنّه مصادرة. ( ٢ : ٣٢٠ ).
قد عرفت أنّ نظره
إلى الاستقراء لا أنّه مجرّد المصادرة ، ولا يخفى أنّه لم يقل : إنّ ما نحن فيه
ليس فيه تفاوت أصلا ، حتى يكون مصادرة ، بل قال : إنّ القاعدة الظاهرة من تضاعيف
مباحث النجاسات يقتضي ذلك ، فتأمّل جدّا.
قوله : لما أشرنا إليه سابقا. ( ٢ : ٣٢٢ ).
فيه : أنّ استثناء
مثل التكّة والقلنسوة والكمرة والنعل والخفّ والجورب وما أشبه ذلك ـ ممّا لا يتمّ فيه
الصلاة منفردا ، من حيث إنّه لا يتم الصلاة فيه منفردا كما هو المستفاد من الأخبار
وكلام الأصحاب ـ دليل على عموم المنع وشموله لغير الثوب عند الأصحاب ، موافقا
لمدلولات الأخبار ، فلا يضرّ ضعف الاسناد ، للانجبار بعملهم وفاقا منهم في العمل ،
على أنّا قد أثبتنا مشروحا في موضعه أنّ رواية الموثق حجّة ، سيّما وأن يكون مثل
علي بن أسباط ، ورواية حماد فيها صفوان أيضا ، وهما ممّن أجمعت
__________________
العصابة على تصحيح
ما يصح عنهم وبيّنا حجّية ما يصح عنهم ، مع أنّ صفوان ممّن لا يروي إلاّ عن الثقات
، وقد أشرنا إلى ذلك وإلى اعتبار ذلك.
وقوله 7 في رواية زرارة :
« فلا بأس أن يكون عليه الشيء ».
وفي رواية ابن
سنان : « كلّما كان على الإنسان أو معه » ظاهران في التعميم والمشول. وعبارة
الصدوق أيضا كالنص في الشمول وعدم الاختصاص بالثوب ، واستثناؤه العمامة معلّلا
بعدم تمامية الصلاة فيها وحده أيضا شاهد على ما ذكرنا ، فلعل مراده العامة الصغيرة
، إذ العمامة الكبيرة يصدق عليها عرفا أنّه يجوز الصلاة فيه وحده ويتم.
مع أنّ المحمدين
الثلاث 4 رووا في الصحيح عن العيص بن القاسم عن الصادق 7 : « الرجل يصلّي في ثوب المرأة ويعتمّ بخمارها إذا كانت
مأمونة » ، والظاهر منها المنع لو علم بنجاسته ، فتأمّل.
قوله : لا يصدق عليها اسم الثوب. ( ٢ : ٣٢٢ ).
إذا تعمم بثوب
يصدق عليه أنّه ثوب يعمّم به ، فتأمّل.
قوله : لو جبره بعظم ميّت. ( ٢ : ٣٢٤ ).
لعل مراده غير ما
لا يؤكل لحمه ، للمنع من الصلاة في شيء يكون ممّا لا يؤكل لحمه وإن كان طاهرا ،
إلاّ أن يقول : لا يصدق أنّه صلّى فيه ، لكن سيجيء الكلام في موضعه إن شاء الله.
قوله : تعيين القول بالمنع. ( ٢ : ٣٢٤ ).
لعل مراده خصوص
المنع عن الجبر ، لا حكاية الصلاة فيه ، لأنّ الأمر
__________________
بالشيء ليس نهيا
عن ضدّه عنده ، فتأمّل.
قوله : وإن كان في تعيينه نظر. ( ٢ : ٣٢٤ ).
لا تأمّل في وجوب
الإخراج ، كما لا يخفى على المتأمّل في الأخبار والأدلة الدالة على المنع والتحريم
، إلاّ أن يريد ذلك بالقياس إلى صحة الصلاة فيه ، فتأمّل.
قوله : ولا ريب فيه. ( ٢ : ٣٢٦ ).
فيه : أنّ بناءه
على أنّ الغسل مفهومه خال عن العصر ، كما هو الأظهر ، فبعد تحقّق الغسل يلزم عليه
الحكم بالطهارة ، لأنّ المطهّر شرعا إنّما هو الغسل ، ومفروض الكلام أيضا ذلك ،
فعدم تحقّق العصر الذي ليس داخلا في الغسل أيّ ضرر فيه؟
فإن قلت : العصر
وإن لم يكن داخلا فيه إلاّ أنّه ربما يتوقّف عليه ، لأنّه ليس إلاّ إخراج النجاسة
أو الشيء من الثوب مثلا بالماء ، وربما لا يخرج بالماء إلاّ بمعونة العصر ،
كالصابون ، فإنّ استعماله خارج قطعا ، لكن ربما يتوقّف الإخراج بالماء عليه ، بل
ربما يتوقّف على أمر آخر في القير وأمثاله.
قلت : ما ذكرت حق
، إلاّ أنّه معلوم أنّ الغسالة نجسة عند المستدلّين إذا وقع الغسل في القليل ،
فيكون حالها حال عين النجاسة ، والنجس أعمّ من نجس العين والمتنجّس ، والظاهر أنّ
المراد إذا وقع الغسل بالقليل ، على ما يشير إليه الدليل الثاني والدليل الثالث.
( ويشهد على ما
ذكرناه ـ من أنّ المراد الغسل بالقليل ـ ملاحظة كلام المحقّق في ما مضى في صدر
الكتاب من الحكم بانفعال غسالة الجنب
مطلقا ، وكذا في
ما سيجيء ، فلاحظ ) .
فعلى هذا نقول :
إن وضعنا الثوب المتلطّخ بالعذرة مثلا في القليل ، وتركناه فيه إلى أنّ انماث العذرة فيه ،
فصار الماء متغيّرا بلون العذرة أو رائحته ، ولم يبق في الثوب أجزاء العذرة أصلا ،
أو يبقى أجزاء في غاية اللطافة والرقّة ممزوجة من الماء ، فأخرجنا الثوب من الماء
ونشرناه على الشمس أو الريح ، فأزالت الشمس فقط ، أو بانضمام تصفيق الرياح جميع
الماء المتغيّر بحيث لم يبق تغيّر في الثوب ، أو بقي لكن العبرة بإزالة العين لا
اللون والرائحة ، والعين أزيلت من الثوب قطعا ، لعدم بقاء شيء منها أصلا ، وهذا
الفرض كثير الوقوع ، كما لا يخفى على المطلع ، فعلى هذا وقع الإزالة بالماء بمعونة
الشمس والتصفيق ، ولا شكّ في عدم تحقّق الغسل والطهارة شرعا.
بخلاف ما لو وقع
العصر موضع تجفيف الشمس والتصفيق ، بأنّ عصر الثوب بالماء بحيث لم يبق فيه من
العين أثر ولا من الماء المتغيّر ، واكتفي بالمرّة المزيلة للعين ، فإنّه يحكم
بالغسل والطهارة ، إلاّ أن يكون الاكتفاء بالمرّة عند القائل به في صورة عدم تغيّر
الغسالة ، وفي صورة التغيّر يكون حكمها حكم عين النجاسة ، فلا بدّ من غسل الثوب
مرّة ثانية.
فلو وضعنا في
الماء القليل فلا شكّ في أنّه ينجس عند المستدل ، فالحكم بطهارة الثوب ونجاسة
الماء الذي يكون الثوب منغمرا فيه ممّا لا يجتمع عنده ، مع أنّه لا معنى للطهارة
إلاّ جواز الصلاة مثلا ، ولا يجوز
__________________
الصلاة حينئذ
البتّة.
فإن وقع العصر
وإخراج النجاسة به تحقّق الغسل عرفا وشرعا ، وإن لم يقع العصر واخرج الثوب من دون
عصر ونشر في الشمس أو في الريح أو ترك حتى يجفّ ، فمقتضى ما ذكر أنّه إلى حين
الجفاف كان نجسا البتّة ، والشمس وغيرها ليست بمطهرة له ، لعدم معلومية إسناد
إزالة النجاسة حينئذ إلى الغسل وإخراج الماء إيّاها عن الثوب ، لو لم نقل بظهور
إسناد الإخراج إلى الشمس أو غيرها.
وبالجملة : القدر
الثابت أنّ الغسل هو إخراج الماء شيئا على أن يكون المخرج لذلك الشيء هو الماء ،
وإن كان بمعونة شيء ، لا أن يكون المخرج شيء آخر بمعونة الماء ، ويكون نسبة
الإخراج إليه حقيقة ، أو لا يكون الإسناد حقيقة إلى شيء منهما ، بل إلى المجموع ،
أو لا يعلم الإسناد.
وأيضا لو لم يعلم
أنّه هل حصل طهارة الثوب مع نجاسة ما يلاقيه من الغسالة وينغمر فيها أم لا كيف
يمكن إسناد الإزالة والطهارة بمجرّد الملاقاة للثوب إلى الماء؟! مع أن الأصل بقاء
النجاسة إلى أن يثبت المطهّر الشرعي ، فبمجرّد النشر في الشمس ومثلها والجفاف
منهما كيف يمكن الحكم بحصول الطهارة بالغسل؟! مع كون الثوب إلى الآن نجسا ، أو لم
يعلم طهارته إلى الآن ، مع أنّه لا عموم يشمل صورة التجفيف بالشمس ، والإطلاق
منصرف إلى المتعارف ، وهو حصول العصر وإخراج النجاسة به ، لا بمثل التجفيف
والتصفيق وغيرهما ، فتأمّل.
قوله : فلأنّا لا نسلّم. ( ٢ : ٣٢٦ ).
لا يخفى أنّ
الفقهاء يحكمون بوجوب الصبّ في بول الصبي
لا الغسل ، مع
حكمهم بوجوب إخراج عين النجاسة عن الثوب وإن كان بول الصبي ، فإذا كان الصبّ
المخرج للعين صبّا لا غسلا ولا يكون إخراج عين النجاسة فارقا بل مشتركا بينهما فلا
يبقى فرق آخر إلاّ العصر المتحقّق بالغمز والليّ والكبس ، وسيجيء ما يتمّ به
الكلام ، فتأمّل. وسيجيء في بحث الصبّ في بول الصبي ما يظهر منه كون ذلك مسلّما
عند العامة أيضا ، فتأمّل.
قوله : بما تحصل به الإزالة. ( ٢ : ٣٢٦ ).
فيه بعد ، إذ
الظاهر كون الإزالة بالإخراج عن الثوب حين الغسل ، لا الإبقاء حتى يخرج بمجرّد
اليبوسة ، كما ذكرناه في الحاشية السابقة ، فتأمّل.
قوله : فدعوى مجرّدة عن الدليل. ( ٢ : ٣٢٦ ).
لعل الظاهر
والمظنون صحة هذه الدعوى ، فيكفي كونه دليلا ، ( مع أنّ احتمال ذلك كاف ، لأنّ
التكليف بالإزالة يقيني ، فلا يكتفى في التحقيق بمجرّد الاحتمال ) . مع أنّه على ما
ذكرت يكون المطهّر بحسب الحقيقة هو الجفاف الحاصل من الشمس أو غيرها لا الغسل ،
لأنّ النجاسة معناها المنع من الاستعمال شرعا ، والمنع باق على حاله حال الغسل
وبعده قبل الجفاف ، فلا يكون الغسل مطهّرا ، وهو كما ترى ، فتأمّل.
قوله : على أنّه يمكن أن يقال. ( ٢ : ٣٢٦ ).
بعد تسليم النجاسة
بمجرّد الملاقاة فلا وجه لهذا المنع ، إذ النجاسة ليس معناها إلاّ وجوب التنزّه
والإزالة وأمثال ذلك ، فكيف يبقى العموم مع
__________________
ذلك على حاله؟!
والحكم بطهارة
المتخلّف بعد العصر المتعارف إجماعي ، بل وضروري الدين ، ظاهر من الأخبار
المتواترة أو المستفيضة ، بحيث لا يعارضه معارض ولا يقاومه مقاوم. والقياس عندنا
باطل قطعا ، سيّما مع كونه مع الفارق ، والفارق في غاية الظهور ، ولذا العامّة
القائلون بالقياس قالوا بطهارة المتخلّف قطعا ، مع التأمّل في نجاسة الغسالة
بمجرّد الملاقاة أو الحكم بها ، على ما هو الظاهر منهم ، فتأمّل.
قوله : والحكم واحد عند التأمّل. ( ٢ : ٣٢٦ ).
محلّ تأمّل ، إذ
الأحكام منوطة بالمتعارف ، مثل قطنة المستحاضة ومقدار تربّصها ، في الفرق بين
القليلة وغيرها ، ومثل ثلاثة أشبار ونصف ، في حدّ الكرّ ، وغير ذلك ممّا لا يحصى ،
فتأمّل.
قوله : ويمكن حملها على الاستحباب. ( ٢ : ٣٢٧ ).
مع هذا الإمكان لا
تكون متروكة عندهم ، مع إمكان الحمل على العصر المتعارف لأجل الجفاف.
ويمكن الحمل على
ما إذا توقّف عليه زوال عين النجاسة ، على ما يومئ إليه لفظ « قليلا » ، بأن يكون
مخيّرا بين الصبّ بالقليل والعصر ، أو الصبّ المتعارف المتوسط أو الكثير ، لأنّه
يزيل العين ، فتأمّل ، وسيجيء الكلام عن قريب ، فإنّه يقول : إنّ إخراج عين
النجاسة واجب ، على القول بنجاسة بول الصبي ، فلو كان الغسل يتحقّق بالصبّ المخرج
للنجاسة ـ سواء وقع العصر أم لا ، كما قاله ـ كان المعصوم 7 يقول : اغسل
البول
__________________
مرّتين ، وبول
الصبي مرّة واحدة ، وهو خلاف ظاهر هذه الرواية ، وخلاف فتوى الأصحاب وفتوى الشارح
أيضا.
إلاّ أن يلتزم
الشارح بكفاية وصول الماء إلى البول ، وعدم لزوم إخراج عينه عن الثوب ، كما سيشير
إليه بقوله : مع احتمال الاكتفاء به مطلقا .
وفيه : أنّه حكم
غريب ، إذ بعد تصريح الشارح بنجاسة بول الصبي وكونه من الأعيان النجسة موافقا
لغيره من الفقهاء ـ وخالف في ذلك ابن الجنيد ـ كيف يتأتّى له الحكم بطهارة الثوب الذي كان نجسا يقينا
بسبب النجاسة العينية الموجودة فيه بمجرّد وصول ماء قليل إليه ، مع عدم إخراجه ذلك
النجس أصلا ، وبقاء ذلك النجس العين في الثوب بحاله من دون خروج أو استهلاك؟! ولذا
حكم أوّلا بوجوب الإخراج مرتين فظهر أنّه حكمه ، ثم ذكر الأخير من باب الاحتمال ،
ومع ذلك اعترف بوجوب الإخراج عند القائل.
ومعلوم أنّ مذهبهم
ذلك بلا تأمّل ولا تزلزل ، وبناء استدلال المستدل على هذا المذهب ، ردّا على من لا
يعتبر العصر من الأصحاب لو كان موجودا ، أو إظهارا لمناط الحكم الذي هو من
المسلّمات عندهم.
وغير خفي أنّ أحدا
من الأصحاب لا يجوّز طهارة الثوب مع بقاء النجس العين فيه بحال ، وليس الاحتجاج
على مثل الشارح أو لمثله ممّن ينكر أمثال هذه الأمور الظاهرة المسلّمة عندهم التي
لعلها عندهم من البديهيات ، وإنكاره إنكار البديهي عندهم ، ولا يخطر ببالهم أصلا
أنّه
__________________
سيجيء في زمان
شخص ينكر أمثال هذه حتى يكون ذلك الشخص مدّ نظرهم في مقام الاستدلال ، فتأمّل.
قوله :
وربما كان الوجه
فيه. ( ٢ : ٣٢٨ ).
لا يخفى أنّ
المصنف في أوّل الكتاب قال : والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس . ، وسيجيء أيضا
مثل ذلك عن قريب إلاّ أن يقال : إنّ المتبادر منه الغسل بالقليل ، لكن يمكن
أن يقال : إنّ المتبادر منه هنا أيضا هو القليل ، لما أشرنا سابقا ، فتأمّل.
قوله : لما فيه من الاستظهار. ( ٢ : ٣٢٨ ).
لعل مراده من
الاستظهار حصول الاطمئنان بزوال عين النجاسة ، وليس الغسل إلاّ بعنوان إزالة العين
، إذ بغيره لا يتحقّق الغسل ، والاطمئنان لا بدّ منه ، نعم ربما يحصل الاطمئنان
بدون الدلك ، ولعل مراده ; فيما إذا لم يحصل إلاّ به ، وأنّه الغالب. وبالجملة :
بناؤه على أنّ شغل الذمّة بالإزالة يقيني ، فلا بدّ من البراءة اليقينية ، فالحمل
على الاستحباب على هذا لا وجه له ، فتأمّل.
ويظهر من الأخبار
الواردة في الاستنجاء من البول وغسل البول من الجسد عدم الحاجة إلى الدلك فيه .
قوله : لئلا يتصل. ( ٢ : ٣٢٨ ).
العلاّمة ; بناؤه على أنّ
الفرض هو هذا ، وأنّه لا فرق بين الخمر وما هو مثلها من النجاسات ، فإنّ البول
مثلا إذا كان مستكنا لا بدّ من إزالته
__________________
لئلا يتصل بما فيه
من المأكول والمشروب ، فعلى هذا قوله : واحتمال أن يكون. فيه ما فيه ، فتأمّل.
قوله : ولم لم تزل عين النجاسة. ( ٢ : ٣٢٩ ).
إن أراد : لو لم
يعلم الإزالة إلاّ بالدلك ، فهو بعينه كلام العلاّمة ، إلاّ أن يدعي الكلية ،
فالوجه منع هذه الدعوى حصول العلم بغيره أحيانا ، لا أنّ الاستظهار مستحب.
وإن أراد : لو لم
تزل في الواقع وجب ، علمنا أو لم نعلم ، ففيه ما فيه.
وإن أراد : لو
علمنا أنّها لا تزال إلاّ به وجب ، وأنّ الوجوب منحصر فيه ، ومع احتمال الزوال
والشكّ فيه يكون الثوب طاهرا إلاّ أن يعلم بقاء العين ، فهذا أيضا فاسد ، لأنّه من
المسلّمات عند الفقهاء وعند الشارح أيضا أنّ النجاسة ثابتة شرعا ، فلا بدّ من
الحكم بزوالها شرعا ، فمجرّد احتمال الزوال كيف يكفي؟!
وإن أراد أنّه
يكفي الظنّ ف ـ مع عدم ظهور ذلك من عبارته ـ الكلام في حجّية هذا الظنّ واعتباره ،
فلا بدّ من الإتيان بالدليل الدال عليه حتى ينظر إليه وإلى تماميته ، إلاّ أن يريد
منه العمومات والإطلاقات الواردة في الغسل ، لكن لا بدّ من التأمّل في أنّها هل
تكون شاملة لصورة لم يتحقّق اطمئنان في زوال عين النجاسة ، واحتمال بقائها بعد
موجود؟ سيّما بعد ملاحظة الأدلة الدالة على وجوب التنزّه عن النجاسة والاحتراز عنه
مطلقا. مضافا إلى الاستصحاب ، وقوله : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله » فتأمّل.
__________________
قوله : « اغسل ما أصاب ». ( ٢ : ٣٢٩ ).
نظره في استدلاله
إلى قوله 7 : « اغسل ما أصاب منه » الظاهر في وجوب غسل جميع ما أصاب ، وغسل الجميع لا
يتأتّى إلاّ بإيصال الماء إليه ، وإخراج عين النجاسة عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ
بالدقّ والتغميز ، فتأمّل.
قوله
: وهو مشكل. ( ٢ :
٣٣٠ ).
قد مضى الكلام فيه
وأنّه لا إشكال ، ونقلنا الأقوال في الغسالة وأدلتهم .
قوله : وما جرى هذا المجرى لا يطهر. ( ٢ : ٣٣١ ).
الظاهر أنّ هذه في
صورة سريان النجاسة في أعماقها ، وإلاّ فعند الأصحاب لا تسري النجاسة في الشيء
الرطب بمجرّد وصولها إليه ، فيكون صبّ الماء كافيا في التطهير عندهم. وأمّا مع
سريان النجاسة في العمق فبمجرّد ملاقاة الماء مع عدم خروج النجاسة كيف يمكن الحكم
بالتطهير؟ والرطوبة الكامنة فيها لا تدع أن يدخل الماء في العمق حتى يلاقي النجاسة
ويذيبها ويغسلها ويزيلها ، إلاّ أن يكون مفروض الشارح : إذا كانت الأمور المذكورة
يابسة وتترك في الماء حتى يدخل الماء في عمقها ، أو رطبة أيضا وتترك حتى يحصل
العلم بالدخول في الأجزاء تماما والسريان فيها ، وأنّه يكفي حينئذ خروج الغسالة
بجفاف من الشمس ، وإن كان عين النجاسة موجودة في الغسالة ، لأنّها يخرج مع الغسالة
بمجرّد الجفاف.
والأصحاب لم يظهر
منهم أنّهم حكموا بطهارة ما بقي بعد الدقّ
__________________
والتغميز ، وإن
كان عين النجاسة موجودة فيه ، بل الذي يظهر منهم أنّ المحكوم بطهارته حينئذ هو
الغسالة الخالية عن عين النجاسة ، بأن يكون من الغسلة الثانية أو الأولى ، بعد
زوال عين النجاسة.
والحاصل أنّ في
صورة عدم سريان النجاسة في العمق أصلا وتنجّس السطح الظاهر لا يحتاج إلى إدخال
الماء أصلا ، ويكفي الصبّ البتّة ، والغسالة تنفصل من دون توقّف على عصر أصلا ،
ولا حاجة إلى غمز مطلقا. وليس كلام الأصحاب في مثله البتّة.
وفي صورة سريان
النجاسة وبكونها في الداخل إن كان رطبا ، فلا بدّ من خروج هذه الرطوبة النجسة ،
لأنّها إمّا نجس العين أو متنجسة منه ، وعلى الأوّل : كيف يطهر نجس العين بمجرّد
ملاقاة الماء؟ فإنّ نجس العين لا يصير طاهرا بنفسه إلاّ بالاستحالة أو الانتقال ،
بل لو تغيّر الماء منه ينجس ، فكيف يطهّره الماء؟ سيّما بمجرّد الملاقاة.
وبالجملة : نجس
العين لا شبهة في عدم قبوله للطهارة.
وأمّا المتنجس :
فمع الرطوبة لا تدع الماء ينفذ فيه ، وعلى تقدير النفوذ فلا يكفي النفوذ في الجملة
، بل لا بدّ من الوصول إلى جميع الأجزاء ، مع بقائه على الإطلاق ، وعدم صيرورته
ماء مضافا حال سريانه في الأعماق ونفوذه فيها ، وهذا أيضا لا يكفي ، بل لا بدّ من
العلم به أو الظنّ المعتبر شرعا ، لأنّ النجاسة ثابتة ، فلا يحكم بالطهارة بمجرّد
الاحتمال ، ولا يحصل العلم إلاّ في صورة اضمحلال جميع الأجزاء وتفشّيها في الماء ،
وعدم الخروج عن كونه ماء مطلقا.
وأمّا إذا كانت
يابسة وغسلت في القليل بمعنى أنّها تركت فيه إلى أن حصل العلم بوصول الماء المطلق
بجميع الأجزاء ، مع بقائه على إطلاقه ،
فإن قلنا بعدم
انفعال الغسالة أمكن الحكم بطهارتها ، وإن قلنا بانفعالها بمجرّد الملاقاة ـ كما
هو المشهور ـ فكيف يمكن الحكم بطهارتها وطهارة الغسالة مطلقا؟ ( وكيف يجتمع الحكم
بنجاسة الغسالة بمجرّد الملاقاة مع الحكم بطهارة الغسالة مطلقا؟ ) فإنّهما متضادّان
لا يجتمعان أبدا ، إلاّ أن يكون مراده ; أنّ الطهارة يحصل بعد جفافها وذهاب الغسالة بالجفاف ، وغير
خفي أنّهم متفقون على عدم الطهارة من جهة الجفاف ، وظهر وجهه في الجملة.
وممّا ذكر ظهر أنّ
الحرج والضرر غير لازمين ، لأنّه على فرض السراية في الأعماق واليبوسة بعدها ،
وكون الساري هو المتنجّس خاصّة ، وعدم إمكان عصر وإخراج الغسالة إلاّ بالتجفيف ،
وعدم التمكن من الجاري أو الكرّ. وعدم تيسّرهما في غاية الندرة. مع أنّه لو تمّ ما
ذكره ; لزم الحكم بطهارة الساري الذي هو نجس العين ، وغير ذلك من الفروض التي لا
يرضى به الشارح.
والقول بأن ذلك
خرج بالدليل ـ لأنّ الحرج والضرر غير عزيزين بعد اقتضاء الدليل الشرعي ـ يوجب
القول بمثله في ما نحن فيه ، لما عرفت من أنّ كلامهم مبني على القول بانفعال
الغسالة مطلقا ، وغير ذلك ، فتأمّل.
قوله : مع العلم بوصول الماء. ( ٢ : ٣٣٢ ).
هذا العلم لا يكفي
، بل لا بدّ من العلم ببقاء ذلك الماء الواصل إلى كل جزء على إطلاقه ، وعدم خروجه
عن الإطلاق ، وعدم صيرورته مضافا.
قوله : لانتفاء العموم. ( ٢ : ٣٣٢ ).
__________________
فيه ما مرّ في بحث
نجاسة البول.
قوله : وثانيا بالحمل على الاستحباب. ( ٢ : ٣٣٣ ).
ويمكن حمله على
العصر المتعارف الذي يرتكبونه في غسل الثوب ، والمراد أن ذلك يفعل بعد الصبّ من
دون حاجة إلى الغسل ، فتأمّل. ومرّ الكلام فيه في بحث عصر الثياب في غسلها .
والفرق بين الغسل
والصبّ أنّ العصر معتبر في الغسل ، إمّا في ماهيته أو في إخراج عين النجاسة أو
الغسالة المتنجّسة ، بخلاف الصبّ ، فإنّه يكفي للتطهير ، أمّا لو لم يكن العين
موجودة ـ مثل أن يكون البول يابسا ، والثوب جافّا ، أو أزيلت العين بمزيل غير
الماء ـ فظاهر ، وأمّا مع بقائها وتوقّف إخراجها على الماء فالمطهّر هو الصبّ بشرط
عدم العين.
وإخراجها كيف كان
وبأي نحو يكون يكفي بعد ما تحقّق المطهّر.
وأمّا على احتمال
احتمله الشارح فملاقاة الماء نجس العين يطهّر ذلك النجس العين أيضا ويصير طاهرا ،
ومرّ الكلام فيه ، فتأمّل.
قوله : وهو بعيد. ( ٢ : ٣٣٣ ).
لا تأمّل عندهم في
البعد ، إلاّ أنّ الأصحاب لمّا عملوا برواية السكوني المتضمّنة للأمر بغسل بول
الجارية ، وغيرها من العمومات ارتكبوا هذا التوجيه في هذا الخبر.
نعم رواية السكوني
تضمّنت الأمر بغسل لبن الجارية أيضا ،
__________________
والمشهور لا
يقولون به ، والعمومات لا تقاوم الخاص ، لكن الشأن في مقاومة مثل هذا الخاص لها
وتقديمه عليها ، بعد وقوع الشهرة العظيمة على خلافه ، وكون الخاص من الحسان ،
فتأمّل. والاحتياط واضح. ولعل مستند المشهور الرواية التي رويناها عن كشف الغمة ،
وذكرناها في بحث نجاسة بول الصبي .
وفي الفقه الرضوي
: « وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله بماء جار مرّة ومن ماء راكد مرّتين ، ثم أعصره ،
وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبّا ، وإن كان قد أكل الطعام فاغسله ،
والغلام والجارية سواء » ثم نقل الحديث عن علي 7 : لبن الجارية وبولها يغسل منهما الثوب دون الغلام ، فتأمّل.
قوله : ويشكل بأنّ تعيّن النجاسة. ( ٢ : ٣٣٤ ).
لا يخفى أنّ
المستدل قال : لا بدّ من اليقين بالزوال ، لا زوال اليقين ، حتى تورد عليه بما
ذكرت ، فإنّ كان ما ذكره تماما فلا وجه لهذا الإيراد أصلا ، وإلاّ فلا بدّ من
مطالبته بالإتمام ، لا أن تورد عليه بذلك. وغير خفي أنّ مراده من اليقين اليقين
الشرعي. وغير خفي أنّ النجاسة يثبت شرعا ، فلا بدّ لزوالها والحكم بالطهارة من
دليل شرعي ، والمتحقّق إنّما هو في صورة غسل الجميع لا البعض.
ولا يخفى أنّ
النجاسة بمحض احتمال الزوال لا يحكم بالزوال إجماعا ، واستصحابا للحالة السابقة ،
وللعموم والإطلاق الواردين في المنع
__________________
والحكم بالنجاسة ،
ولقوله 7 : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله » ، والظاهر أنّ الاستصحاب في موضوع الحكم ليس محلاّ للخلاف
، ولو وقع خلاف ففي غاية الوهن والضعف ، إنّما النزاع في نفس الحكم ، فليتأمّل.
قوله : نعم لو قيل باختصاص. ( ٢ : ٣٣٦ ).
جميع ما ذكر كان
موجودا في الثوب أيضا سوى عدم صحة سند المتضمّن مرّتين ، لكنه حسن ، وكثيرا ما
يحتجّ بالحسن فقط ، ومع ذلك حسن معمول به ، ومع ذلك عدم القول بالفصل يقتضي
العمل بالحسن ، وكثيرا ما يتمسّك بعدم القول بالفصل وإن لم يرد رواية أصلا ، فما ظنّك بما
إذا ورد حديث حسن ، سيّما مثل ذلك الحسن.
قوله : وإنّما استفيد نجاستها من أحد أمرين. ( ٢ : ٣٣٨ ).
هذا الحصر محلّ
تأمّل ، إذ ربما يثبت بأمر آخر ، مثل الحكم بإعادة الصلاة ، وصبّ الماء وغير ذلك.
قوله : لضعف التمسك به. ( ٢ : ٣٣٨ ).
الاستصحاب حجّة ،
كما بيّناه في رسالة الاستصحاب ، وأشرنا إليه في مسألة عدم طهارة الماء المتغير بالنجاسة
بمجرّد زوالها ، ومرّ عن الشارح ; التمسّك بقولهم : « لا تنقض اليقين بالشك أبدا » في مواضع
__________________
متعدّدة ، منها في
المسألة السابقة ، مع أنّ النجاسة إذا تحقّقت فالحكم بأنّ زوالها وحصول
الطهارة منها يحتاج إلى دليل شرعي ، لعله ليس محلّ ( نزاع فقيه ) .
قوله : إنّما يتمشّى في الحكم المطلق لا المقيد. ( ٢ : ٣٣٨ ).
قبل تحقّق الغسل
كان الحكم بالنجاسة قطعيا ، أي وجوب التجنّب من حيث هو هو ، وهو مستصحب ـ على
القول به ـ حتى يثبت خلافه شرعا ، وهذا يكفي في الاستصحاب ، بل الاستصحاب قلّما
يحتاج إليه في الحكم المطلق الذي ذكرت إلاّ على الطريقة التي ذكرت من أنّ
الاستصحاب يرجع إلى الإطلاق والعموم ، فتدبّر.
قوله : فإن غسلته بماء جار فمرّة واحدة. ( ٢ : ٣٣٩ ).
ظاهر هذا كونه
مرّتين في غير الجاري ، لمفهوم الشرط ، إلاّ أن يقال بعدم العموم في المفهوم ، أو
أنّ الراكد الكثير كان نادرا ، والإطلاق ينصرف إلى المتعارف ، ولذا حكم بأنّ
الظاهر من الأخبار المتضمّنة للمرّتين كونه في القليل ، فتأمّل.
قوله : قال : وعليه إجماع العلماء. ( ٢ : ٣٤٠ ).
ويدل عليه أيضا
أنّ النجس إنّما هو الدم مثلا لا لونه أو رائحته ، لعدم صدق الدم عليهما لغة وعرفا
، بل يصدق عليهما لون الدم ورائحته ، وهذان غير نفس الدم الذي هو النجس وإن قلنا
بعدم انتقال العرض في مثل ما
__________________
نحن فيه أيضا
وبقاء الأجزاء الجوهرية ، لعدم صدق الدم عليها ، والمناط في الشرع هو الصدق اللغوي والعرفي لا الضابطة
الحكميّة ، سيّما وأن لا تكون ثابتة ، فتأمّل.
قوله : وهو مشكل لقبح تكليف الغافل. ( ٢ : ٣٤٤ ).
فيه ـ مضافا إلى
ما ستعرف ـ : أنّ المكلف به إن كان هو الصلاة التي لا يعلم المكلف بها أنّه نجس
جسده وثوبه وأنّ شرط صحتها عدم علم المكلف أنّه نجس ثوبا أو جسدا وأنّه إن علم
النجاسة يكون مكلفا بالإزالة خاصّة ، فصلاة هذا المكلف صحيحة ، لأنّه لا يعلم أنّه
نجس ، فصلاته صحيحة ، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والامتثال يقتضي الإجزاء ، ولا
حاجة إلى الإعادة ولا القضاء ، كما سيذكر في الناسي وجاهل نفس النجاسة.
وإن كان الصلاة
التي شرط صحتها أن لا يكون بدنه وثوبه نجسا في الواقع ، ففيه : أنّه مناف لما
سيصرّح به في الناسي والجاهل من أنّه صلّى صلاة مأمورا بها .
ومع ذلك إذا ترك
الصلاة مطلقا مع علمه بأنّ الله تعالى كلفه بها وعلمه بسائر شرائطها مضافا إلى
علمه بواجباتها تماما هل هو معاقب عندك أم ليس بمعاقب في تركه جميع صلواته أصلا؟
فعلى الأوّل يكون مكلفا قطعا ، لأنّ العقاب فرع التكليف ، مع أنّه عندك غير مكلف
أصلا بالصلاة! وعلى الثاني نقول : لا شك عند العقلاء في أنّ مثل هذا الشخص عاص
معاند ، لأنّه يجزم بأنّه واجب عليه من الله تعالى صلوات كثيرة ، وأنّها كيت وكيت
، وأنّه يمكنه إتيانها بلا مشقة ، ومع ذلك يبني أمره على عدم الإطاعة
__________________
أصلا ورأسا.
وأيضا إذا كان
العلم شرطا للتكليف عندك فمع عدم العلم لا يكون مكلفا أصلا إلى حين العلم ، فلا
معنى لقوله : لعدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة ، إذ لا تكليف ،
فلا امتثال ، ولا عهدة ، ولا بقاء تحت العهدة أصلا ، بل في وقت العلم يتعلق به
التكليف الآن ، كما لو بلغ الصبي وأفاق المجنون ، بل ولا قضاء أيضا ، لأنّ القضاء
تدارك ما فات ، وان قلنا بأنّه فرض مستأنف ، فتأمّل.
قوله : فإن ثبت مطلقا أو في بعض الصور ، ثبت الوجوب ، وإلاّ فلا.
( ٢ : ٣٤٤ ).
سيجيء عن الشارح ; حكمه بالثبوت
مطلقا.
قوله : لأنّ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق. ( ٢
: ٣٤٥ ).
إذا كان قادرا على
تحصيل العلم والمعرفة كيف يكون تكليفا بما لا يطاق؟!
فإن قلت : هو غافل
، وتكليف الغافل قبيح.
قلت : كيف يكون
غافلا؟ مع أنّه معلوم بالضرورة من الدين بعنوان الإجمال أنّ في الدين أحكاما كثيرة
بالنسبة إلى أمّة النبي 6 ، وأنّ رسول الله في هذه الأحكام مأمور بإبلاغها ، وأنّا
أمّه النبي 6 ، بل وعلمنا أنّه يجب تعلّمها والتشرّع بها كالأمم السابقة بالنسبة إلى
أحكامهم وشرعهم ، ففي الحقيقة هو عالم بها إجمالا من وجوه متعدّدة :
__________________
الأوّل : انّه
يعلم أنّه من أمة النبي 6 ، ولا يكون نبي عادة بغير شريعة.
الثاني : يعلم
بالضرورة من الدين وجود تكاليف وبقاءها.
والثالث : يعلم
بالضرورة خصوص الصلاة والصوم وأمثالهما ، وإن لم يكن تفصيلا ، ومتمكّن من التفصيل
، ومسامح فيه ، ومقصّر ، وتارك لما يعلمه إجمالا.
على أنّه على
تقدير التسليم فمثل هذا التكليف لا يكون محالا ، لأنّ المكلف هو بنفسه جعله محالا
على نفسه ، فتأمّل.
على أنّه على ما
ذكره ربما يكون الصرفة بالنسبة إلى المكلفين عدم إطاعة الشارع مطلقا بان لا
يتعلّموا مسائل دينهم أصلا حتى لا يكون عليهم تكليف إلاّ تكليف واحد ، وهو تكليف
البحث إذا علم وجوبه ، إذ الغالب في المكلفين عدم خروجهم عن عهدة التكاليف ، وبحسب
العادة يأثمون كثيرا ، والناجون من الرجال قليلون ، ومن النساء أقل وأقل.
على أنّه لو تمّ
ما ذكره لزم أن لا يكون الكفار مكلفين بالفروع على ما ذهب إليه بعض العامة ، وشنّع عليه
باقي العامة وجميع الخاصّة ، والخاصّة مطبقون على تكليفهم بها.
وأيضا ليس حال هذا
المكلف إلاّ حال عبد أعطاه سيده طومارا ملفوفا وقال : أمرتك فيه بأوامر لو تركتها
أو تركت واحدا منها لعاقبتك ، وكذلك نهيتك عن أمور. ولا يفتح العبد الطومار ولا
يعتني بشأنه أصلا ، استنادا إلى أنّي جاهل بما في الطومار ، وتكليف الجاهل قبيح ،
بل وإنّه
__________________
تكليف بما لا يطاق
، ويقول أعصي عصيانا واحدا وأخلّص نفسي عن التكاليف الكثيرة والمتاعب الوافرة ،
وجهاد النفس في كل ساعة ودقيقة ، ومن العقوبات التي لا تعدّ ولا تحصى ، وجلّ الناس
مبتلون بها ، إذ بعد ملاحظة النفس ومراقبتها ومحاسبتها بالحذاقة التامة يظهر عليه
أنّه في كل دقيقة مرتكب لموبقة إلاّ من عصمه الله تعالى.
مع أنّه لا شك في
أنّ إرسال الرسل لتكميل النفوس الأمّارة ، وتخليصها عن الهلكات الردية والشقاوة
الأبدية ، وتحصيل السعادة السرمدية ، ورفعها عن رتبة البهيمية والشيطانية ، ولذا
يجب وجود الحجّة من الله تعالى في كل زمان وساعة ودقيقة ، وكان الحجج يتعبون في
الإبلاغ ويسعون غاية السعي ، حتى أنّهم كانوا يقتلون ويقتلون ويأسرون ويؤسرون ،
كما فعل بالحسين 7 وغيره ، وكان يحصل بذلك الفتن وخراب البلاد وهلاك العباد
وغير ذلك ، بل لا شبهة في أنّ خلق الإنسان للعبادة والطاعة ، بل الدنيا جميعها
مخلوقة لحصول المعرفة والعبادة. مع أنّ الحسن والقبح عندنا [ عقليان أو ذاتيان ] فتأمّل.
قوله :
لا بترك ذلك
المجهول. ( ٢ : ٣٤٥ ).
إن كان جاهلا بأنّ
الله أوجب عليه شيئا وأنّه يطلب منه شيء فكيف يتأتّى منه البحث والفحص؟ لأنّ طلب
المجهول مطلقا محال ، وتكليف الغافل بالبحث عمّا هو غافل عنه محال. وإن علم أنّه
يطلب منه شيء وأوجب الله عليه أمرا وتيسّر له معرفته أو تحصيله فكيف يعدّه غافلا
وتكليفه تكليف الغافل؟!
__________________
وهذا عجيب ،
فتأمّل.
قوله : وابن إدريس. ( ٢ : ٣٤٥ ).
والعلاّمة في
قواعده .
قوله : وهذه الرواية مع صحة سندها. ( ٢ : ٣٤٥ ).
حملها الشيخ على
الشذوذ ، ولعل وجهه ما سنشير إليه في الحاشية الآتية ، ولعله لما
ذكره الشيخ ذكر المحقق : أنّها حسنة ، فتأمّل.
قوله : والأصول تطابقها. ( ٢ : ٣٤٦ ).
لم نجد الأصول ،
بل الأصل عدم الصحة وعدم الخروج عن العهدة ، والأخبار الدالة على وجوب الإعادة من
الكثرة بمكان ، وكذا جلّها صحيحة ومعتبرة ، مع أنّ الضعيفة مطابقة لفتوى الأصحاب ،
مضافا إلى الإجماع ، والإطلاقات الواردة في وجوب غسل النجاسة للصلاة.
وغفران الخطأ
والنسيان ليس دليلا على صحة الفعل ، كما أنّ من نسي عن فعل نفس الصلاة أو ركعاتها
أو أركانها أو شرائطها أو غير ذلك فإنّ نسيانه لا مؤاخذة فيه ، لا أنّ صلاته صحيحة
، أو أنّه تعالى لا يريد منه ما أوجب عليه. وأمّا أنّه صلّى صلاة مأمورا بها فهو
مصادرة ، إذ كونها مأمورا بها لا دليل عليه سوى ما ذكره.
نعم ورد روايات
آخر دالة على عدم وجوب الإعادة ، منها : صحيحة علي بن جعفر ، وسنذكرها عند قول
المصنّف : ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة.
__________________
ومنها حسنة المثنى
الحناط ، عن عمرو بن أبي نصر ، عن الصادق 7 أنّه قال له : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما
صلّيت ، أفأعيد؟ قال : « لا » .
وفي الموثق عن
عمار بن موسى عن الصادق 7 يقول : « لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي
لم يعد الصلاة » ، وورد في الضعيف بأحمد بن هلال أيضا ، إلاّ أن
يقال بالفرق بين ترك الاستنجاء وغسل النجاسة ، لكن عند المشهور ليس فرق ، إلاّ أنّ
الأخبار الدالة على وجوب الإعادة أكثر ممّا ذكر بمراتب ، وحمل هذه الأخبار على
محامل .
قوله : أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء. ( ٢ : ٣٤٧
).
لعل الباء سببية ،
والظرف متعلق بقوله : « تعيد الصلوات » ، أو بقوله : « حقيقا » ، والمراد أنّه يجب
إعادة الصلاة ما كان في وقتها وما خرج وقتها معا بسبب ذلك الوضوء بعينه ، أي من
غير مدخلية نجاسة ثوبه الذي تنجّس من التمسّح بالدهن ، وكذا بدنه ، لأنّه حكمه حكم
الثوب ، ولذا في الغالب في بحث النجاسات لا يذكرون سوى الثوب ، وإن كان المقام في
غاية الخصوصية لذكر البدن ، فكأنّ الأصل في الاعتبار هو الثوب ، والبدن حاله حال
الثوب ، ومتفرّع حكمه عليه ، ويظهر ذلك من تتبّع الأخبار في
__________________
هذا المبحث
فالمراد : أنّ إشكالك من جهة الثوب النجس والوضوء ، أعني الحدث والخبث ، فعليك
إعادة جميع ما كان في الوقت وما فات وقتها من جهة الحدث لا الخبث ، فلا إعادة عليك
من قبل أنّ ثوبك نجس ، فإنّ الثوب النجس لا يعيد الصلاة من قبله إلاّ ما كان في
وقت ، فقوله : « وما فات وقتها » عطف على ما تقدم لا استيناف كلام ، وقوله : « لا
إعادة عليك » ابتداء كلام وتفريع على ما تقدّم ، أي فلا إعادة عليك من قبل أنّ
الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت ، والحاصل : أنّ الراوي
ما كان عليه إعادة الصلاة من جهة النجاسة ، لأنّ الظاهر من القرينة الحاصلة من
جواب المعصوم 7 أنّ التفطّن بالمفسدة كان بعد خروج وقت الصلاة ، فالإعادة
عليه من جهة الوضوء.
ويمكن أن يكون
المراد من جهة ذلك الوضوء بعينه ، لأنّ الظاهر من حال الراوي أنّه بعد ما تفطّن ،
طهّر مواضع الطهارة وغيّر ثوبه ، وإشكاله كان من جهة الصلاة الفائتة.
ويمكن أن يكون
المراد بذلك الوضوء أي بهذا النحو من الوضوء ، فيكون الإشارة إلى نوعه ، يعني : ما
كان من الصلوات بهذا النحو ، من الوضوء تجب إعادته ، لا بغير هذا النحو ، مثل أن
صار جنبا فاغتسل ، أو اتفق أنّه غسل أعضاءه من جهة غسل آخر أو جهة أخرى ، فإنّ
الوضوء الذي يكون بعد هذا صحيح لا تعاد الصلاة من جهته ، وأمّا الثوب وإن لم
يتغيّر لا يحتاج إلى الإعادة إلاّ ما كان في وقت.
ويمكن أن يكون قوله
7 : « من قبل » ظرفا محذوف الإضافة ، أي من قبل أن يتحقّق ويجزم به ، فيكون هذا
مرتبطا بما تقدم ، أي ما توهمت ليس بشيء إلاّ أن يتحقّق ويحصل لك اليقين به ،
فقبل التحقّق لا إعادة
عليك أصلا ، وبعده
تعيد ما كان في الوقت وخارجه ما كان بذلك الوضوء بعينه ، أي بنحوه بعينه ، كما
ذكرنا ، أو بذلك الوضوء الذي تحقّق على سبيل القطع بأنّ موضعه نجس ، لا الوضوء
الذي توهم كون موضعه نجسا.
وقوله 7 : « إنّ الرجل. »
على هذا ابتداء كلام وتحقيق في الفرق بين الثوب والجسد ، وتعليل للحكم السابق ،
وتأكيد له ، فتأمّل.
قوله : « بذلك الوضوء بعينه ». ( ٢ : ٣٤٧ ).
تأكيد لدفع توهم
الوضوء الذي توهم نجاسة موضعه.
قوله :
« من قبل إنّ
الرجل ». ( ٢ : ٣٤٧ ).
أي من قبل أن تكون
تحقّقت ، و « إنّ الرجل » ابتداء كلام وتحقيق.
قوله : لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء. ( ٢ : ٣٤٩ ).
فيه ما عرفت في
مسألة جاهل العلم بحكم النجاسة ، وأنّه أيّ فرق بين هذا الجهل وذلك عند الشارح ،
حيث حكم في ذلك بما حكم وقال هنا بما قال؟
ويمكن أن يقال
أيضا على طريقة الشارح : إنّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف ، غاية ما يثبت من
الإجماع والأخبار عدم جواز الصلاة مع العلم بالنجاسة وعدم صحتها حينئذ ، وأمّا مع
الجهل فلا دليل ، لكن هذا بناء على كون الصلاة اسما لمجرّد الأركان ، وأمّا على
القول بأنّها اسم للصحيحة فلا ، إذ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ،
إلاّ أن يقال بجريان الأصل في العبادات ، فتأمّل.
قوله : لو غسلته لأزلت النجاسة فلم يكن عليك إعادة. ( ٢ : ٣٥٠ ).
__________________
لعله لا يخلو عن
بعد ، لكن يمكن أن تكون المسألة خارجة عمّا نحن فيه ، لأنّ المصلّي كان عالما
بالنجاسة قطعا ، لكن كان ظنّه أنّها زالت ، ومقتضى الاستصحاب تحصيل اليقين بالزوال
، أو الظنّ الذي يكون حجّة شرعا ، والظاهر أنّ الجارية سامحت في الإزالة ،
والمصلّي أيضا سامح حيث لم يلاحظ أنّها زالت بغسلها أم لا ، وصلّى مع هاتين
المسامحتين ، وفي الرواية : ثم يوجد وهو يابس ، ومثل ذلك يكون مبرءا
للذمّة عند جميع القائلين بعدم إعادة الجاهل بالنجاسة يحتاج إلى الثبوت والظهور ،
فتأمّل.
ويمكن الاستدلال
للشهيد بما رواه الشيخ ; عن ميمون الصيقل ، عن الصادق 7 ، عن الرجل أصابته جنابة في الليل فاغتسل ، فلمّا أصبح نظر
فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : « الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلاّ وله حدّ ، إن كان
حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة
» .
ويؤيّده أنّ
الأخبار الدالة على عدم الإعادة على الجاهل شمولها لما نحن فيه ـ وهو ما إذا تحقق
أمارة موجبة لاحتمال الوقوع وتحقق مسامحة مّا ومساهلة ـ ربما يكون محلّ مناقشة.
قوله : ولا يبعد أن يكون لا يعيد إذا لم يكن علم. ( ٢ : ٣٥٠ ).
أو يكون استفهاما
إنكاريا بملاحظة قوله : إذا لم يكن علم ، فتأمّل.
نعم روى بسنده عن
أبي بصير عن الصادق 7 أنّه سأله عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : «
علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم » ، لكنها لا تقاوم
أصلا ما دل على عدم الوجوب ، فالحمل فيها
__________________
متعين إمّا على
الاستحباب ، أو على العلم وعدم العلم حال الصلاة لا قبلها.
قوله : قال في المعتبر : وعلى قول الشيخ الثاني يستأنف. ( ٢ : ٣٥١
).
يظهر من هذا أنّه
لو كان ناسي النجاسة وتذكّر في أثناء الصلاة يكون عليه الإعادة عندهم ، ويدل عليه
ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن الكاظم 7 ، عن رجل ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال
: « ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأته ذلك ولا إعادة
عليه » .
وفي الموثق عن
سماعة ، عن الصادق 7 ، عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلّي ، قال
: « يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه » . والمنصوص العلة
حجّة.
ويدل عليه بعض
الإطلاقات في الأمر بالإعادة الشامل لما رأى في الصلاة وبعدها. على أنّه إذا كان
جاهلا وعلم في الأثناء تجب عليه الإعادة بالنصوص الصحيحة الخالية عن المعارض ، ففي
صورة النسيان بطريق أولى. بل يجيئان في صورة وقوع النجاسة.
قوله : ويشكل بمنع الملازمة. ( ٢ : ٣٥١ ).
لا يخفى ما فيه ،
لأنّه نقل آنفا أنّ الشيخ في المبسوط احتجّ على قوله بإعادة الجاهل بأنّه لو علم
بالنجاسة في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة ، وكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ ،
فالشيخ مصرّح بالملازمة ، بل جعل
__________________
وجوب الإعادة على
العالم في الأثناء أصلا مسلّما مفروغا عنه ، وفرّع عليه وجوب الإعادة في الوقت على
الجاهل العالم بعد الفراغ.
قوله : وبأنّ الشيخ قطع في المبسوط. مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في
الوقت. ( ٢ : ٣٥١ ).
قد عرفت أنّه صرّح
في المبسوط بوجوب الإعادة على الجاهل بالنجاسة العالم بها في أثناء الصلاة بحيث
كونه مسلما مفروغا عنه لا تأمّل فيه ، وجعل ذلك علة لوجوب الإعادة على الجاهل
العالم بعد الفراغ في الوقت ، فكيف يجتمع هذا مع ما صرّح به؟ فيجوز أن يكون مراده
ممّا ذكر هنا وجوبه على غير الجاهل الذي علم النجاسة في أثناء الصلاة من دون علم
بسبقها ، إذ الأصل عدم السبق وعدم النجاسة إلاّ القدر الذي علم.
قوله : ومقتضى هاتين الروايتين وجوب المضي في الصلاة. ( ٢ : ٣٥٢ ).
ليس في الروايتين
دلالة واضحة على ما ذكره بحيث تقاوم الروايتين الأوّلتين ، سيّما مع كون مدلولهما
لم يعلم أنّ أحدا قال به ، وسيجيء عن الشارح في المسألة الثانية أنّه يقول : إلاّ
أنّي لا أعلم قائلا به. أمّا عدم وضوح الدلالة فإنّ فيها تتمّة حيث قال : « لا
إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء ، رأيته أو
لم تره ، وإذا رأيته وهو أكثر من درهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد
ما صلّيت فيه » هكذا في الكافي ، وهو أمتن وأصحّ ممّا في التهذيب
والاستبصار ، مع أنّ الذي فيهما أيضا ربما يمنع عن الدلالة. وأمّا الرواية
__________________
الثانية فلاحتمال
رجوع الاستثناء إلى الحكمين والشقّين معا.
مع أنّ الروايتين
الأولتين في أعلى درجة من الصحة والاعتبار ، وموافقتان لغيرهما من الأخبار ، مثل
صحيحة أبي بصير ، عن الصادق 7 ، في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة. ركعتين ، ثم علم به ، قال
: « عليه أن يبتدئ الصلاة » قال : وسألته عن رجل صلّى في ثوب فيه جنابة أو دم حتى
فرغ من صلاته ثم علم ، قال : « قد مضت صلاته ولا شيء عليه » ويعضدهما بعض
الإطلاقات المتضمّنة للإعادة ، فليلاحظ.
قوله : وإلاّ استأنف. ( ٢ : ٣٥٣ ).
حكمه بوجوب
الاستئناف هنا وعدم الوجوب في المسألة السابقة لا يخلو عن غرابة ، فإنّه في قوة أن
يقول : إن كان مجموع صلاته مع النجاسة فصحيحة ، وإن كان بعضها مع النجاسة فباطلة ،
وأنّه يجوز الأوّل دون الثاني!
قوله : لنا على وجوب الاستمرار. ( ٢ : ٣٥٣ ).
فيه ما عرفت ممّا
ذكرنا في السابق.
قوله : مع إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة. ( ٢ :
٣٥٤ ).
لا يخفى أنّ
المتبادر منها هو الاستئناف في الوقت ، لظهور لفظ الإعادة ، ولكون ما نحن فيه من
الفروض النادرة ، وشمول الإطلاقات لها محلّ نظر وتأمّل ، والشارح لا يرضى بالشمول
في غير ما نحن فيه ، كما
__________________
صرّح به مرارا.
وعلى تقدير الشمول فمقاومته لما اعترف به ـ من أنّ وجوب الصلوات الخمس في الأوقات
المعيّنة قطعي ـ فيه ما فيه ، سيّما بعد ورود الأخبار الدالة على أنّ من كان ثوبه
أو جسده نجسا ولا يمكنه التطهير في ذلك يجب عليه الصلاة قطعا ، ولا يجوز له
التأخير والقضاء ، وهو مفتى به عند العلماء ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في مسألة
التيمم .
قوله : عملا بالأصلين : الصحة وعدم النجاسة. ( ٢ : ٣٥٤ ).
أصالة الصحة في
مثل المقام لم نجد لها أصلا ، إلاّ أن يكون المستند أصالة عدم التكليف بالإعادة ،
وكون الامتثال يقتضي الإجزاء ، وأمثال ذلك.
قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٢ : ٣٥٥ ).
وإن كانت ضعيفة ،
إلاّ أنّها منجبرة بعمل المتأخّرين الذين يشترطون العدالة في الراوي.
قوله : اقتصارا في ما خالف الأصل على مورد النص. ( ٢ : ٣٥٥ ).
فيه : أنّ تحقّق
البول خاصّة من الصبي دون الغائط من خرق العادة ، إلاّ أن يبنى على أنّها كانت
تتحرّز عن الغائط ولا تخلّية يصل إلى ثوبها ، وما كان يمكنها التحرّز عن البول.
لكن بعيد ، بل ربما شاع استعمال لفظ البول في البول والغائط في مثل قولهم : يبول
كذا ، وتعارف ، إلاّ أن يبنى على أنّها يجب عليها غسل الغائط بخصوصه كلما وقع وإن
وقع مع البول ، كما هو الغالب ، ولا يغسل ثوبها من جهة البول في اليوم إلاّ مرّة.
__________________
وفيه : أنّه في
غاية البعد من ظاهر الرواية ونهاية الخروج عنه ، ولعله لهذا حكم المصنّف ـ بل
وغيره أيضا ـ بالإطلاق ، فليلاحظ وليتأمّل ، ومع ذلك لا يخلو عن
تأمّل.
قوله : كون الصلاة واجبة وجه يقع عليه الصلاة فلا يؤثر فيه ما
يتأخّر. ( ٢ : ٣٥٧ ).
هذا وارد في
الصلاة عريانا أيضا ، إذ قصد الوجوب فرع العلم ( بالوجوب ) ، وبمجرّد عدم
تأتّي العلم هنا لا يثبت العلم بالوجوب في الصلاة عريانا ، فتأمّل.
قوله : قال في المختلف بعد حكمه بوجوب الصلاتين من باب
المقدّمة. ( ٢ : ٣٥٧ ).
ظاهره أنّه مبتن
وفرع على المسألة الأصولية ، وهي أن مقدّمة الواجب واجبة شرعا ، كما هو المشهور ،
مع احتمال كون المراد من الوجوب هنا مطلق اللزوم ، وأنّه كاف في نيّة الوجوب ،
فتأمّل.
ويمكن الاستدلال
على وجوبها شرعا بالاستصحاب ، بأنّ شغل الذمّة يقيني فلا بدّ من البراءة اليقينية
، ولا تتحقّق إلاّ بفعلهما معا ، إذ بفعل أحدهما لا تتحقّق إلاّ البراءة
الاحتمالية ، بأنّه يحتمل أن يكون مبرء الذمّة ، ومقتضى الاستصحاب ـ بل والإجماع
أيضا ـ عدم الاكتفاء بالبراءة الاحتمالية ، لأنّهم : ما كانوا يرضون بمخالفة الاستصحاب إلاّ فيما ثبت الخلاف
شرعا ، وقالوا أيضا : « لا تنقض اليقين بالشك أبدا » إلى غير ذلك
__________________
ممّا ذكرنا في
رسالتنا في الاستصحاب .
ويمكن أن يستدل
أيضا بأنّا مأمورون بالإطاعة والامتثال يقينا ، والمرجع فيهما إلى العرف ككثير من
الألفاظ الأخر ، بل وغالبها ، ومعلوم أنّ في العرف لا يقال لمن احتمل أن يكون أتى
بما كلّف به أنّه ممتثل مع أنّه يحتمل أنّه ما أتى بما كلّف به ، وبالجملة :
بمجرّد احتمال أنّه أتى بما طلب منه وأنّه لم يأت به لا يعدّ ممتثلا قطعا ،
فتأمّل.
وأيضا قد ظهر من
حسنة صفوان المذكورة في المقام وجوب الصلاة في كل واحد من الثوبين معا ، والأصحاب
أفتوا كذلك ، إلاّ أنّ هذا الأخير غير متوجه على ابن إدريس.
قوله : ونحن نقول : إن اشترطت القطع بعدم النجاسة فهو غير متحقّق.
( ٢ : ٣٥٧ ).
فيه : أنّ الشرط
هو الطهارة الشرعية وليست بمتحقّقة بمجرّد عدم القطع بالنجاسة الواقعية ، وإلاّ
لكان اللازم الاكتفاء بصلاة واحدة في الثوب الواحد ، بل ومع وجود الثوب الطاهر
أيضا ، وهو ; مع وجود الطاهر لا يجوز الصلاتين في الثوبين ، بل يوجب فعلها في الطاهر ، كما
سيذكر في الفرع الأوّل.
قوله : ومن هنا ينقدح الاكتفاء بصلاة واحدة في أحد الثوبين. ( ٢ :
٣٥٨ ).
قد مرّ في مسألة
الإنائين المشتبهين اللذين وقع في أحدهما نجاسة ما يظهر منه اندفاع هذا القدح.
__________________
قوله
: قال في المنتهى.
( ٢ : ٣٥٨ ).
حكمه بالوجوب بناء
على اشتراطه قصد الوجه ، ولمّا كان في صورة عدم الثوب الطاهر يكون الصلاتان معا
واجبتين ـ على ما ظهر وجهه ـ يتأتّى قصد الوجه ، وفي هذه الصورة لا يمكن الحكم
بوجوب الصلاتين ، وأيضا يظهر من الأخبار وجوب كون الصلاة في الثوب الطاهر ، وعدم
جوازها في الثوب النجس اختيارا ومهما أمكن ، سيّما على رأي الأكثر من الصلاة
عريانا في من ليس له إلاّ ثوب نجس وتعذّر تطهيره ، كما سيجيء.
قوله :
احتمل التخيير
للحرج. ( ٢ : ٣٥٨ ).
لو لم يكن ظنّ
أصلا ، ويحتمل القرعة في هذه الصورة أو التعدّد بقدر لا يتحقّق الحرج.
قوله : قيل : صلّى في الآخر وعاريا. ( ٢ : ٣٥٨ ).
هذا بناء على جواز
الصلاة عريانا إذا كان الثوب نجسا يقينا وتعذّر غسله.
قوله : لم أستبعد جوازه. ( ٢ : ٣٥٩ ).
يؤذن هذا بتحقّق
إشكال فيه ، ولعل وجهه أنّ فعل الصلاة الأخرى من باب المقدّمة تحصيلا للبراءة
اليقينية والإتيان بالمأمور به ، والظهر مقدّمة على العصر يقينا ، فلا بدّ من
إكمالها ثم الإتيان بالعصر ، والإكمال والامتثال يتوقّف على الصلاة الأخرى ،
فتأمّل.
قوله : احتجّ الشيخ ; بما رواه عن سماعة. ( ٢ : ٣٦٠ ).
احتجّ بإجماع
الفرقة ، وأنّ النجاسة ممنوع عن الصلاة فيها ، ثم بما رواه سماعة.
قوله : قصور من حيث السند. ( ٢ : ٣٦٠ ).
لعله ينجبر بأنّه
لا رادّ لهما ، وادعى الشيخ والعلاّمة الإجماع ، كما سنذكر.
قوله : كصحيحة محمد بن علي الحلبي. ( ٢ : ٣٦٠ ).
الحكم بصحته من
الخلاصة ، وفيها حكم بصحة أحاديث في طريقها محمد بن عبد الحميد ، منها طريق الصدوق
إلى منصور بن حازم .
قوله : وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله. ( ٢ : ٣٦١ ).
في طريقها أبان بن
عثمان الناووسي على المشهور ، وعلي بن الحكم المشترك عندهم .
قوله : ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والخروج عن مقتضى الظاهر.
( ٢ : ٣٦١ ).
الأمر كذلك ، إلاّ
أنّ إجماع الفرقة الذي ادعاه لعله دعاه إلى ذلك ، وهو الظاهر. ويمكن تقوية الجمع
الأوسط الذي هو خير ـ يعني ما ذكره من أنّه إذا لم يتمكن من نزعه ـ بأنّ أكثر
الأوقات لا يمكن النزع بسبب البرد ، أو الحرّ ، أو الناظر المحترم ، أو المرض ، أو
خوف حدوث المرض ، أو شدته ، أو بطؤ برئه ، أو عسر علاجه. وأمّا ما ورد في
الروايتين فإنّما هو في الفلاة ، ومع ذلك لا شبهة في أنّه محمول على ما إذا لم يكن
مانع من النزع.
وجمع الشارح وإن
كان أقرب من حيث اللفظ إلاّ أنّه ربما يأباه الإجماع الذي ادعاه الشيخ ، وذهب
الأكثر إلى خلافه ، وأنّ الظاهر من كل
__________________
أخبار الطرفين
تحتّم الفعل ، والاحتياط الصلاة في ذلك الثوب وعريانا معا.
ويعضد المشهور أنّ
القائلين بعدم حجّية الخبر الواحد قالوا بقولهم ، والعلاّمة في
المنتهى ادعى الإجماع على جواز الصلاة عريانا .
قوله : إلاّ أنّ ذلك موقوف على تكافؤ السند. ( ٢ : ٣٦١ ).
الروايتان
الأوّلتان يجبرهما الشهرة بل الإجماع الذي ادعاه الشيخ ، وغير ذلك ممّا
ذكر.
قوله : والأصح عدم الإعادة ، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والأمر
يقتضي الإجزاء. ( ٢ : ٣٦٢ ).
الشيخ قائل بكونها
مأمورا بها ، وأنّ امتثالها يقتضي الإجزاء ، لكن يقول بوجوب صلاة أخرى أيضا ،
فالأولى التمسّك بأصل البراءة وإطلاقات الأخبار الصحيحة المتضمّنة للصلاة في الثوب
من غير تعرض للإعادة .
قوله : فقال المفيد ; في المقنعة. ( ٢ : ٣٦٢ ).
هذا مضمون عبارة
الفقه الرضوي مع زيادة فيها ، وهي قوله 7 بعد ذلك : « وأمّا الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل » .
قوله : وربما كان في كلام ابن الجنيد إشعار به. ( ٢ : ٣٦٣ ).
لا إشعار فيه ، بل
ظاهر في المشهور.
__________________
قوله : احتجّ الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة. ( ٢ : ٣٦٣ ).
واعلم أيضا : من
مقتضى الملة السمحة مطهّرية الشمس ، إذ لو لم تطهّر لزم الحرج والعسر.
لا يقال : إنّهما
يتقدران بقدرهما.
لأنّا نقول : ربما
يتردّد في المقامات كونه حرجا أم لا ، وينجر هذا إلى الحرج ، ومع ذلك أيضا في
الغالب ينجرّ النجاسة وحال الحرج إلى وجوب الاحتراز حال عدم الحرج أيضا ، فيلزم
منه الحرج أيضا ، وكذا الحال في نجاسة شخص يكون الاحتراز حرجا عليه يجرّ الاحتراز
إلى غيره أيضا ، للاحتياج إلى المساورة في المعاشرة ، فقلّما يتحقّق عدم الحرج.
وربما يتحقّق الضرر أيضا بالاجتناب عن مساورة المساجد ونحوها ، ومع ذلك لم يقل أحد
بهذا الفعل ، لأنّ القائل بالنجاسة يكون المقام عنده مثل سائر النجاسات يوجب
الإضرار مطلقا ، فتأمّل.
قوله : إذا جفّت من غير أن تغسل. ( ٢ : ٣٦٤ ).
هذا وإن كان مطلقا
إلاّ أنّه مقيد بكون الجفاف من الشمس أو الريح ، لما دل على ذلك ، كما هو الطريقة
في حمل المطلق على المقيد ، مع أنّ الغالب كون جفاف البارية بهما.
قوله : ويمكن أن يستدل بما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر 7. ( ٢ : ٣٦٤ ).
ويمكن أن يستدل
أيضا بما رواه الكليني بسنده عن الكاظم 7 أنّه
__________________
قال : « حق على
الله تعالى أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها بالشمس لتطهّرها » فإنّ فيها شهادة
واضحة على كون الشمس من المطهّرات واشتهارها فيها ، إذ لو لم تكن مطهّرة لكان مثل
أن يقال : يطهّرها نجم الجدي ، أو نظر الإنسان وأمثال ذلك ، فتأمّل.
ويمكن أن يستدل
برواية زرارة وحديد بن حكيم التي سنذكرها لمذهب الشيخ.
ويمكن أن يستدل
أيضا بصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى 7 : عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر ، هل يجوز الصلاة عليها؟
فقال : « إذا يبست فلا بأس » .
وفي الموثق ، عن
عمّار : عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر ، هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال : « إذا
جفّت فلا بأس بالصلاة عليها » والتقريب في هذين الخبرين هو ما ذكر في صحيحة علي بن جعفر
المذكورة في المتن.
قوله : فلأنّها ضعيفة السند. ( ٢ : ٣٦٤ ).
الموثق حجّة ،
سيّما مع الانجبار بعمل الأصحاب.
قوله : جواز الصلاة في ذلك المحلّ مع اليبوسة. ( ٢ : ٣٦٤ ).
__________________
إن أردت مع
اليبوسة من حيث هي هي من غير مدخلية الشمس ، ففيه : أنّ المستفاد من الرواية
وغيرها أنّ جواز الصلاة مشروط بكون الجفاف من الشمس ، سيّما صدر هذه الرواية حيث
قال : سئل 7 عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنه قد يبس
الموضع القذر ، قال : « لا يصلّى عليه وأعلم الموضع حتى تغسله » هذا يدل على عدم
مطهّرية الريح أيضا ، لأنّه 7 لم يستفصل في سؤاله وحكم بالمنع مطلقا ، وقوله 7 في آخر الخبر : «
وإن كان غير الشمس. » يدل أيضا عليه.
والحاصل أنّ الصور
ثلاثة : الأولى : الجفاف من غير إصابة شيء بل بنفسها وطول المدّة. الثانية :
بإصابة الشمس. الثالثة : بإصابة غير الشمس ، وظهر حكم الكل من الحديث : وعن الشمس
هل تطهّر. ويؤيّده أنّ السؤال كان عن التطهير فالظاهر المطابقة له. وبالجملة
المستفاد من هذه الرواية وغيرها أنّ الجفاف إذا لم يكن من الشمس لا يجوز الصلاة.
وإن أردت أنّ
الجواز واللاجواز حينئذ ليسا دليلين على الطهارة والنجاسة لجواز كونهما من جهة
أخرى ، ففساده ظاهر ، لمخالفته الإجماع ، لو لم نقل ضروري الدين ، وكذا مخالفته
للطريقة المسلّمة المعهودة في إثبات نجاسة الأشياء وعدم نجاستها ، كما لا يخفى على
المطلع على مواضعه ، وكذا مخالفته للمستفاد من هذه الرواية وغيرها من الروايات ،
إذ غير خفي أنّ عدم الجواز من جهة النجاسة الباقية التي لم تزل من جفاف غير الشمس
، فيستفاد أنّ موضع السجود لا بدّ أن يكون خاليا من تلك النجاسة ، فيستفاد اعتبار
طهارته ، ويستفاد من جواز الصلاة ارتفاع ذلك المانع ، فالظاهر منه الطهارة ، كما
لا يخفى.
وممّا ينبّه أنّ
الظاهر أنّ السائل سأل عن حكم الموضع القذر اليابس من غير الشمس مطلقا ، فأجيب
بالمنع عن الصلاة ولزوم غسله ، ثم سأل عن حكمه ما إذا أشرقت عليه الشمس ، وأنّه هل
يكون ذلك سببا لطهارته أم لا؟ فأجيب بأنّ الإشراق إذا صار بحيث جفّ به الموضع جاز
الصلاة عليه ولا حاجة إلى غسله ، كما هو الظاهر من سكوته عنه في هذه الصورة ، إذ
لو كان باقيا على النجاسة كان الغسل أولى بالذكر فيها منه في الصورة الأولى ، لأنّ
توهم الطهارة في هذه الصورة في غاية الشدّة ، بل لا يفهم الراوي فيها إلاّ الطهارة
، من حيث إنّ جواز الصلاة فيها بإزاء عدم جوازها في الصورة الاولى ، ولا خفاء في
أنّه فهم منه بقاء النجاسة ، كما أنّه فهم منه في الصورتين الأخيرتين أيضا كذلك ،
لسكوته عن الغسل فيها بإزاء إيجابه في الصورة الأولى ، وسكوته في الصورتين من جهة
أنّه علم أنّ البقاء على النجاسة يقتضي الغسل لو أريد الطهارة ، مضافا إلى عدم
خفائه في نفسه.
فإن قلت : الأمر
على ما ذكرت لو لم يكن الإشعار ببقاء النجاسة في آخر الرواية.
قلت : أولا : أنّه
خلاف ما ذكرت.
وثانيا : لو سلّم
الاشعار لا بدّ من عدم اعتباره ، لما ذكرنا ، ولمخالفته الإجماع الذي نقله جمع من
الأصحاب في اشتراط طهارة المسجد ، ( مضافا إلى ظهور ذلك من غير واحد من الأخبار ) ولم يظهر من
الراوندي وشريكه المخالفة ، بل الظاهر منهم اعتبار طهارته ، إلاّ أنّهم يقولون
بأنّ الأرض والبارية والحصير حسب إذا جفّفت بالشمس لا غيرها
__________________
يكون حكمها حكم
الطاهر في جواز السجود ، مع أنّ مخالفتهم غير مضرّة ، كما هو المحقق.
مضافا إلى ظهور
أنّها اجتهاد منهم ، لفهمهم ذلك من رواية عمّار ، وأنّهم مخطئون.
على أنّ المحقّق
اختار في النافع وفي هذا الكتاب خلاف ذلك ، وفي المعتبر وإن رجّح مختار الراوندي وشريكه ، إلاّ أنّه ادعى
الإجماع على اشتراط طهارة المسجد ، بل وصرّح في هذا الموضع باشتراط طهارة المسجد ، فتأمّل ،
وهو ناظر إلى ما ذكرنا.
وأمّا صاحب
الوسيلة فربما نقل منه المنع من السجود ، إلاّ أنّه يجوز الصلاة ، فلعله يعتبر
طهارة مكان المصلّي ، وهو أحد الأقوال ، لكنه يكتفي في غير المسجد بتجفيف خصوص
الشمس خصوص الثلاثة ، فتأمّل كلامه.
وأيضا لا بدّ من
عدم اعتبار الإشعار ، للإجماع الذي نقله الشيخ ، مضافا إلى ظهور ذلك من رواية
زرارة وأبي بكر وغيرهما. مع أنّ البقاء على النجاسة وتأثير الطهارة في خصوص الصلاة
عليه من خصوص الشمس في خصوص المحلّ مخالف للاعتبار وما يظهر من تضاعيف أحكام
الطهارة والنجاسة ، بل هو أمر غريب بالنسبة إليها ، ولذا لو يعرض جواز الصلاة عليه
على عرف أمّة النبي 6 لا يفهم إلاّ الطهارة ، ولا يذهب
__________________
ذهنه إلى ما ذكرت
، اللهم إلاّ بعد أن يسمع ذلك الاحتمال منكم ، وأيضا هذا مخالف لظاهر صحيحة ابن
بزيع ، كما لا يخفى ، فتأمّل.
وثالثا : الكلام في
الإشعار ، وفي ادعائه تأمّل ظاهر ، لمكان الاختلالات في آخر الخبر وتعدّد
الاحتمالات ، سيّما وبعضها ظاهر في طهارة المحلّ ، مثل أن يكون قوله 7 : « وإن كان غير
الشمس » بالغين المعجمة والراء ، كما وجدناه في أكثر نسخ التهذيب ، موافقا
للاستبصار ، ويكون كلمة « إن » وصيلة في الموضعين ، ولا يخفى رجحانه على الشرطية
بعد إمعان النظر.
أو يكون شرطية
ويكون قوله 7 : « وإن كانت رجلك. » مرتبطا باليبس بغير الشمس بعد إصابة الشمس ، بأنّ يكون
المراد من قوله : « وإن أصابته الشمس » ذلك لا اليبس بالشمس ، فيكون 7 حكم بالطهارة به
، وبجواز الصلاة مع بقاء المحلّ على النجاسة بالأوّل ، وعدم الجواز مطلقا مع عدم
إصابتها مطلقا والجفاف بغيرها.
وهذا الاحتمال
أظهر بحسب العبارة ، لخلوّها عن التكرار والتأكيد الذي هو خلاف الأصل. وعدم ظهور
القائل به غير مضرّ بعد القول بالتوقّف في اشتراط طهارة محل السجود ، من جهة عدم
ثبوتها من الخبر ، إذ لو سلّمنا عدم ثبوت الإجماع لكن لا شك في عدم ظهور قائل بعدم
الاشتراط ، فتدبّر.
وعلى تقدير أن
يكون « عين الشمس » بالعين المهملة والنون ، يحتمل أن يكون قوله بعد ذلك : « حتى
ييبس » متعلقا بقوله : « فلا تصلّ » ويكون المراد اليبس بالشمس على قياس ما مرّ ،
وما يقتضيه سياق العبارة. ومقرّب
__________________
هذا الاحتمال أنّ
الشيخ في باب الزيادات ذكر هذه الرواية خالية عن عبارة : « وإن كان عين الشمس
أصابته » ولا شك أنّه حينئذ يكون « حتى ييبس » متعلقا بقوله : « فلا
تصلّ » ، والجمع مهما أمكن لازم ، وهذا أيضا من مرجّحات كون كلمة « إن » وصلية
مطلقا ، ويقرّبه أنّ الوصل مزية في الكلام لا حاجة إلى ذكرها في إفادة أصل المطلوب
، فتدبّر.
فهذه احتمالات ثلاثة
ظاهرة في طهارة المحلّ متأيّدة بالمؤيّدات والمقرّبات.
وممّا يؤيّد أيضا
خلوّ الخبر عن مخالفة ظاهر آخره لظاهر أوّله ، وغير ذلك ، على ما أشرنا إليه
سابقا. على أنّه 7 في مقام جواب السؤال صرّح بالمنع في النجس الرطب ، وكذا مع
رطوبة ملاقيه وفصّل وطوّل ، فكيف يكتفي في ما هو الأصل في الجواب والعمدة في
البيان بمجرّد الإشعار؟! سيّما مع غرابة نفس الحكم ومخالفتها لكل من أحكام الطهارة
والنجاسة والمعهود بين المسلمين والمتعارف بينهم فيهما ، على حسب ما أشرنا إليه ،
فتأمّل.
على أنّ متن
الرواية إنّما هو من عمّار كسائر متون رواياته ، فإشعاره لا اعتداد به كما لا يخفى
على الممارس ، فتأمّل.
وممّا لا يلائم الاحتمال
الذي فيه الإشعار أنّه كان المناسب حينئذ ذكر الجبهة خاصّة في قوله 7 : « وإن كانت
رجلك. » وعدم ضمّ الرجل وغيره إليه ، بعد ما أطلق اشتراط جواز الصلاة في الموضع
بكون التجفيف من الشمس ، وربط هذا القول به ، إذ يشعر حينئذ باشتراط طهارة سائر
__________________
المواضع أيضا ،
فليتأمّل. ولو سلّمنا الإشعار فلعله من غرائب روايات عمّار ، وقد مرّ ما يشير إلى
( الوجه ) فتأمّل.
وبالجملة : هذه
الموثقة واضحة الدلالة على أمور :
الأوّل : كون جفاف
غير الشمس لا يطهّر ولا ينفع.
الثاني : اشتراط
طهارة المسجد حيث صرّح بأنّه لا يصلّى عليه إذا يبس لغير الشمس ، وشرط في الصلاة
عليه كون اليبس بالشمس.
الثالث : أنّ جفاف
الشمس ليس مثل جفاف غير الشمس قطعا ، لأنّ الراوي بعد ما سأل عن حال جفاف غير
الشمس وسمع الجواب عن حكمه سأل عن الشمس هل تطهّر؟ فأجيب بجواب آخر قطعا ، وصرّح بأنّ
حكمه ليس حكم جفاف غير الشمس ، فلو كان حكمهما واحدا لاجيب بأنّ حكمهما واحد ،
وأنّه مثل الأوّل من دون حاجة إلى تغيير وتبديل وتفصيل في الآخر وتطويل ، ولكان
جميع ما ذكره في جوابه لغوا بحتا ، وتطويلا بلا طائل مضرّا بالمقصود ، لأنّه صريح
في خلافه.
الرابع : أنّ
تجفيف الشمس مطهّر ، لما ذكر من القرائن الواضحة الكثيرة.
وممّا يؤيّد أيضا
أنّه 7 لم يقل : تجفيف الشمس مطهّر ، بل قال : « إذا كان الموضع قذرا من البول وغيره
» ، أي ما يشبه البول في أنّه لا جرم له حتى يمكن تطهيره بالشمس ، وبالجملة : شرط
في تطهيرها كون القذارة من مثل البول.
وممّا يؤيّد أيضا
أنّه لم يقل في الجواب : إنّه مطهّر ، بل قال : « صلّ
__________________
عليه » حتى لا
يتوهم من الطهارة معنى آخر ، كما أنّ في الصورة الأولى قال : « لا تصلّ عليه » ولم
يقل : إنّه نجس. وبالجملة : نبّه على اتحاد المراد من الصلاة عليه وعدم الصلاة
عليه ، وأنّ في الصورتين ليس المراد إلاّ أمرا واحدا ، وهو الطهارة الشرعية وعدمها
، بأنّه : كما أنّ المراد من عدم الصلاة هو إظهار النجاسة وبقاؤها ، فكذا في
الصورة الثانية المراد عدم النجاسة وعدم بقائها ، ونبّه أيضا على أنّ مفهوم
النجاسة الشرعية هو عدم جواز الصلاة مثلا ، كما أنّ مفهوم الطهارة الشرعية هو جواز
الصلاة.
الخامس : قول
الراوي في الصورة الاولى : لا تصيبه الشمس ، وفي الصورة الثانية : الشمس هل تطهّر؟
فيه شهادة واضحة على اشتهار مطهّرية الأرض مثلا بالشمس وكونها مطهّرة لها ، كما يظهر
ذلك من الأخبار الأخر أيضا. مضافا إلى ظهور ذلك من الخارج من فتاوى الشيعة وأهل
السنّة ، وفيه أيضا شهادة واضحة على أنّ المراد من مطهّرية الشمس وحصول الطهارة
بها هو المعنى المعروف المعهود بين المسلمين في هذه الموثقة وغيرها من الأخبار.
وبالجملة :
الإشعار يتوقّف على ظهور كون النسخة بالعين المهملة أو كون « أن » شرطية والأوّل
قد عرفت حاله ، وأمّا الثاني فبعيد أيضا ، لبعد كون ذلك إشارة إلى ما ذكر في صدر
الحديث من جواز الصلاة في خصوص صورة اليبوسة ، مضافا إلى أنّه قد صرّح في الصدر
بالمنع ، فيكون هذا تكرارا ، مع أنّه على هذا لا يناسب ذكر كلمة « إنّ » مع الضمير
في الجواب ، لمرجوحية كون الضمير راجعا إلى الشأن المقدر ، لأصالة عدم التقدير.
__________________
وأيضا ظاهر قوله :
« فإنّه » عدم كونه جواب الشرط ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فتأمّل.
قوله : لا يقال : إطلاق الإذن في الصلاة. ( ٢ : ٣٦٥ ).
لقائل أن يقول :
إطلاق الإذن وعدم اشتراط جفاف الثوب والبدن ممّا يلاقيه ظاهر في الطهارة ،
فالإطلاق والعموم وإن كان يشمل ما إذا جفّت بغير الشمس ، لكن خرج ما خرج بالوفاق
والدليل ، وبقي الباقي.
قوله : جواز السجود عليها. ( ٢ : ٣٦٥ ).
بل ظاهر كون
الصلاة عليها السجود عليها أيضا.
قوله : فإنّا لم نقف له على مستند سوى الإجماع المنقول. ( ٢ :
٣٦٥ ).
نقله المصنف في
المعتبر ، والعلاّمة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، وابن زهرة ، والشهيد في
الذكرى .
قوله : فيجوز أن يكون هذا الفرد من النجس ممّا يجوز السجود عليه.
( ٢ : ٣٦٥ ).
بعد تسليم
الاشتراط لا يبقى لما ذكره وجه ، إذ لا دليل على استثناء هذا الفرد ، ( بل ظاهر
الأدلة يصير هو الطهارة البتّة.
قوله : لهذه الأدلة. ( ٢ : ٣٦٥ ).
__________________
لم نجد دليلا على
بقاء النجاسة ) حتى يثبت خلاف الشرط.
قوله : قد روى عن أخيه 7 جواز الصلاة على المحل. ( ٢ : ٣٦٥ ).
( لم يرو كذلك ،
بل ورد الصلاة في البيت والدار ، والصلاة في البيت غير الصلاة على البارية ، كما
هو ظاهر ) .
قوله : وأمّا رواية أبي بكر فضعيفة السند جدّا. ( ٢ : ٣٦٥ ).
لا يخفى أنّ الضعف
منجبر بشهرة العمل ( مع أنّ الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسى ، بقرينة علي بن
الحكم ، وأحمد هو الذي أخرج البرقي عن قم بسبب روايته عن المجاهيل ) .
والمراد هو غير
المنقول بالنص والإجماع ، خرج ما خرج بهما وبقي الباقي ، بل يمكن أن يقال : إنّ
المعهود عند الشيعة طهارة هذا القسم خاصّة ليس إلاّ ، لو كان واقعا طاهرا.
وبالجملة :
المعهود المستأنس من الأخبار وكلام الفقهاء من الشيعة وأهل السنّة ، أنّ السؤال
والجواب في مطهّرية الشمس ومثلها ، وكذا الحكم بها ، إنّما هي في غير المنقول ،
وأمّا المنقول مثل الثوب والظرف فلا ، بل الأمر بالنسبة إليه التطهير بالماء خاصّة
( وكذا الحال في طهارة النعل والقدم بالمشي ، والكفر بالإسلام ، فتدبّر ) كما هو الوارد في
النصوص ، بل نقول : عدم مدخلية الشمس في المنقول من ضروريات الدين فكان ظاهرا
__________________
عند الراوي ، ولم
يحتج إلى التقييد والتخصيص ، كما هو ظاهر.
قوله : ومع ذلك فهي متروكة الظاهر. ( ٢ : ٣٦٥ ).
إن وقع إجماع أو
دل دليل على متروكية الظاهر فكيف يقول : لا دليل عليه؟! ، وإلاّ فكيف يحكم بكونها
متروكة الظاهر؟! وهذا تناقض ظاهر ، فتدبر.
قوله : وتخصيصها بغير المنقول لا دليل عليه. ( ٢ : ٣٦٥ ).
لا يبعد أن يقال :
لم يعهد أن يقال للثوب : أشرقت عليه الشمس ، ولا للظرف كذلك ، بل المعهود المأنوس
عند الإطلاق من دون قرينة ، أنّ ما أشرقت عليه الشمس شيء من شأنه الموضوعية ،
يقال : للجبل : أشرقت عليه الشمس ، وكذا للأرض وأمثالهما ، ولا يقال لمثل الخاتم ،
والدرهم والدينار وأمثال ذلك ، فنمنع تبادر مثل الثوب والظرف أيضا ، فتأمّل.
قوله : وقد يناقش في الرواية من حيث المتن بجواز حمل الطاهر على
المعنى اللغوي. ( ٢ : ٣٦٥ ).
لا يخفى أنّ
النظافة اللغوية ( أمر تعرفها النساء ، فضلا عن الرجال ، فضلا عن مثل زرارة ، فضلا
عن أن يسأل عن حصولها عن مثل الباقر 7 من أهل الحكم الشرعي ، وخصوصا في هذا المقام ، إذ لا ربط
للسؤال عن حصول النظافة اللغوية ) بالنسبة إلى النجس بالنجاسة الشرعية ، ولا ربط لحكاية
الصلاة وكونها في مكانها ، وكذا لا ربط لاشتراط التجفيف بالشمس ، ولا لكون الجزاء
جواز الصلاة عليه ، ولا للتعليل بكونه نظيفا لغويا ، وبالجملة ما احتمله أمر عجيب.
__________________
فإن قلت : لعل
غرضه [ أنّ ] الحمل على المجاز اللغوي وإن كان معنى شرعيا لكنه غير
معلوم كونه المعنى المصطلح عليه.
قلت : المدار في
جميع مواضع الفقه أنّه بعد وجود القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي يحمل على
المصطلح عليه البتة ، ولعل وجهة أنّ الشارع استعمل فيه قطعا وكثر استعماله إلى أن
وقع النزاع بين الفحول في صيرورته حقيقة شرعية وقال به الأعاظم ، بل ويظهر ذلك من
تتبّع الأحاديث ، ولا شك في صيرورته حقيقة في قرب من الزمان بعد الشارع ، فعلى
تقدير عدم الثبوت لم يكن هذا المعنى مثل سائر المعاني المجازية التي لم يظهر بعد
استعمال الشارع ، فضلا عن كثرة الاستعمال ، بل وغير مأنوس ولا معهود عند العلماء ،
بل ولا معروف أنّه ما ذا؟. ( على أنّ المحققين ) على أن زمان
الباقر والصادق 8 حاله حال زمان المتشرّعة لا الشارع ، وإنّه ليس ذلك محلاّ
للنزاع ( كيف؟ وهذا النزاع كان في زمانهما 8 أو من أهل ذلك العصر أو ما قاربه ، فكيف يتصور كونه محلا
للنزاع؟ ) وبالجملة لتحقيق المرام مقام آخر ، فتدبر.
مع أنّ حمل سؤال
زرارة على كونه من خصوص الكراهة واستحباب التجنب في غاية البعد ، بل يمكن القطع
بفساده ، إذ ظاهر أنّ سؤاله عن حكاية النجاسة وجواز الصلاة وعدمه من جهتها (
والكليني رواها بسنده .
وهذا نص في كون
الطهارة بالمعنى المصطلح ، ويؤيّده أيضا اشتهار هذا
__________________
المعنى بين الشيعة
وغيرهم.
وفي الصحيح ، عن
علي بن جعفر عن أخيه 8 : عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل
فيهما من الجنابة ، يصلى فيهما إذا جفّا؟ قال : « نعم » . وفيها شهادة
واضحة على اشتهار كون الشمس من المطهرات عند الشيعة. مع أنّه يظهر منها أنّ علي بن
جعفر الجليل كان يعتقد مطهّرية الشمس ، وأنّه لما لم تصبهما وقع إشكال عليه ،
والمعصوم 7 قرّره على اعتقاده.
ويظهر أنّ الصلاة
في المكان لا يشترط فيه طهارة المكان إذا كان جافّا ، والصلاة في المكان غير
الصلاة على الأرض مثلا ) .
وفي الفقه الرضوي : « وما وقعت
عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شيء من النجاسة مثل البول وغيره طهّرتها ،
وأمّا الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل » .
على أنّ المناقشة
إنّما يكون إذا كان الاستدلال بخصوص لفظ الطهارة لا بمفهوم الشرط الذي هو حجّة.
ومرّ عن الشارح الاعتراف بأنّ النجاسة إنّما تستفاد غالبا من أمر الشارع بالغسل ، وغير خفي أنّه
ليس مراده خصوص الغسل ، بل هو وأمثاله ، لأنّ بعض النجاسات إنّما يستفاد من منع
__________________
الصلاة ، فيظهر من
المقايسة والمقابلة إرادة الطهارة التي هي بإزاء النجاسة وفي مقابلها ، سيّما مع
ضمّ قوله : « فهو طاهر » وتفريعه.
ويمكن الاحتجاج
بمثل هذه الرواية من جهة أخرى ، وهو الإذن في الصلاة عليها على الإطلاق ، والرخصة
، من دون شرط يبوسة الثوب والبدن وموضع ملاقاتهما ، سيّما وحكم بعده بالطهارة على
الإطلاق ، وإن قلنا إنّها بالمعنى اللغوي ، لأنّ الحكم بالنظافة على الإطلاق ـ من
غير تنبيه ببقاء كثافة وقذارة ولزوم تنزّه واحتراز عنها في حال من الأحوال ـ دليل
على الطهارة الشرعية ، بل هو عينها ، إذ لا نعني بها إلاّ ذلك ، ففي الخبر وجوه
متعدّدة من الدلالة يؤكّد بعضها بعضا ويعاضد ، فتدبّر.
قوله : هل تطهّره الشمس من غير ماء؟. ( ٢ : ٣٦٦ ).
فيه شهادة على أنّ
الطهارة الاصطلاحية كانت معهودة في السؤال عنها من جهة إشراق الشمس ، وأنّها كانت
محل إشكالهم ، ومشهورة ومعهودة بين المسلمين ، لا المعنى الغريب الأجنبي غير
المعهود وغير المأنوس ، فتأمّل.
قوله : وأجاب الشيخ عنها في التهذيب. ( ٢ : ٣٦٦ ).
حمل هذه الرواية
على التقية ، لموافقتها جماعة من العامة .
قوله : بأنّ المراد به إذا لم يجفّفه الشمس. ( ٢ : ٣٦٦ ).
يعني أنّ « يصيبه
» فعل مضارع ، وهو يفيد الاستمرار التجدّدي ، فالمعنى : يصيبه إصابة بعد إصابة على
الدوام والاستمرار ، فيكون من قبيل
__________________
الموضع الذي يتخذ
مبالا ، وسيجيء في رواية زرارة وحديد بن حكيم استثناء المتخذ للمبال ، فلاحظ ، وغير
خفي أنّه قلّما يتفق في مثل هذه الصورة الجفاف التام من الشمس بالنسبة إلى كل
إصابة إصابة ، ومعلوم أنّ مثل هذا لا تطهّره الشمس ، كما هو مضمون رواية زرارة
وحديد ، ومجمع عليه بين الأصحاب.
مع أنّ السائل سأل
وقال : هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ ولم يقل هل تطهّره الشمس؟ وظاهر أنّ قوله : من
غير ماء ، قيد لقوله : هل تطهّره الشمس ، والنفي والإثبات إنّما يرجعان إلى القيد
، كما هو المحقّق ، فالمعنى أنّه هل تطهّره جافّا من غير رطوبة ولا صبّ ماء أم
يحتاج تطهيرها إلى التجفيف ونشف الرطوبة؟ فلا بدّ من صبّ الماء لو لم يكن رطوبة ،
ويشير إلى ذلك أيضا تنكير لفظ الماء.
وحمل العبارة على
أنّ المراد هل تطهره الشمس أم لا تطهره بل المطهّر هو الماء خاصّة ، بعيد وخروج عن
مقتضى العبارة ، كما لا يخفى.
فظهر أنّ ما ذكره ; ليس حملا بل هو
الظاهر المستفاد من مقتضى العبارة ، ولو سلّم عدم الظهور فلا نسلم المرجوحية ، ولو
سلّمت فهو حمل في غاية القرب ، وأين هو من المحامل البعيدة المسلمة عند الشارح في
مواضع لا تحصى؟ كما لا يخفى ، بل لا شك أنّه أقرب من حمل الطاهر على المعنى اللغوي
، كما ارتكبه في الحديث ، وبيّنا فساده بما لا مزيد.
ويمكن الحمل على
أنّه إذا تراكم الأبوال أو النجاسات ـ على ما
__________________
اقتضاه ظاهر «
تصيبه » ـ لا يذهب عين النجاسة بالشمس ، فلا بدّ من إذهابها بالماء حتى يطهّره
الشمس ، يعني ذهاب الأثر الذي هو النجاسة بالشمس.
أو يحمل على أنّه
في هذه لا يطهر بالشمس بل يطهر بالماء ، أو يكون سؤاله عن طهارة نفس الأرض والسطح
لا ظاهرهما ، ولهذا قيّد بالماء الذي هو المسري في الأعماق ، وأرجع الضمير إلى نفس
السطح والأرض فقال : كيف يطهر المجموع من كل واحد منهما من غير ماء؟ أو يحمل على
الاتّقاء ، لأنّ الراوي وزير الخليفة .
وأمّا حكاية
الإضمار فلأنّ الظاهر أنّ المسؤول هو الإمام 7 ، لكن الظاهر لا يعارض النص ، كما هو ظاهر ، وظاهر أنّ هذا
الطعن منهم إنّما هو في مقام الترجيح لا مطلقا عند من يعمل بالظاهر مطلقا ،
فتدبّر.
فظهر المرجوحية في
هذا الخبر ـ على تقدير تسليم التعارض ـ من وجوه كثيرة : من السند ، والدلالة ،
ومخالفة الإجماع أو الشهرة إن لم نقل بتحقّق الإجماع ، وكذا حجّية الإجماع المنقول
بخبر الواحد ، والأوفقية بمذهب العامة أو التقية ، فتأمّل ، والشذوذ والندرة بحسب
العدد أيضا ، من حيث إنّه معارضه مستفيض ، والأبعدية عن الملّة السمحة السهلة ، بل
واقتضاؤه الحرج ، كما هو غير خفي ، والمخالفة لما هو الظاهر من العادة المستمرة في
الأعصار والأمصار من عدم غسلهم الحبوب والخضروات والثمرات والبقولات ، وإن عرض لها
النجاسة سابقا ، بل منها ما يربّى بالعذرة والنجاسات في جميع الأمصار ، ومنها ما
يربّى في أكثر الأمصار ، ومنها ما يربّى في مصر دون مصر ، وكذا الحال في عدم
الاحتراز عن
__________________
الأبنية ، فإنّها
في غالب البلدان لا تتحقّق إلاّ متنجّسة بالنجاسات المشاهدة المحسوسة ، إمّا في
مائها ، أو مختلطة مع ترابها ، أو جصّها ، أو صاروجها ، أو اللّبن ، والظاهر أنّ
الحال كان كذلك أيضا في الأعصار السابقة ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف.
قوله : وبالجملة فالمسألة محلّ توقّف. ( ٢ : ٣٦٦ ).
فيه ـ مضافا إلى
ما عرفت ـ : أنّه مضى عنه وسيجيء في بحث مطهريّة الأرض وغيره أنّ الأصل عدم
التكليف بغسل النجاسة عن هذه الأشياء .
قوله : فإن جواز الصلاة في المحلّ لا يستلزم الطهارة ، كما
بيّنّاه. ( ٢ : ٣٦٦ ).
ولا يخفى أنّ
الصلاة فيهما لا يستلزم وضع الجبهة على أرضهما ، والجواب عن أحدهما لا يستلزم
الجواب عن الآخر. وعلى تقدير الاستلزام لعله محمول على التقية ، لما مرّ. ولعل حال
عدم الطهارة بمجرّد الجفاف وحال طهارة موضع السجدة واحدة بالقياس إلى الإجماع ،
فلا وجه للتشبّث به في إثبات عدم اشتراط الطهارة من الرواية ، فتدبّر.
قوله : على أنّ المراد أنّها تطهر. ( ٢ : ٣٦٧ ).
لا يخفى أنّ نظر
الشيخ في حكمه في الموضع الآخر إلى ما رواه هو والكافي بسندهما الصحيح إلى زرارة
وحديد بن الحكيم ، قالا : قلنا لأبي عبد الله 7 : السطح يصيبه البول ، أيصلّى في ذلك الموضع؟ فقال : « إن
كان يصيبه الشمس والريح وكان جافّا فلا بأس به ، إلاّ أن يتخذ مبالا » ،
__________________
وكلمة الواو بمعنى
« أو » ، لأنّ اشتراط التطهير بهما معا مخالف للإجماع والأخبار المستفيضة ، إذ
المستفاد من كل منهما أنّ الشمس إمّا مطهّرة مطلقا أو لا مطلقا. ولمّا كان الظاهر
منهما أنّها مطهّرة مطلقا ، وهذا الحديث أيضا حجّة بمقتضى الدليل والظاهر ، ويظهر
منه أنّ الريح حاله حال الشمس ، ويظهر منه أيضا اشتراط جواز الصلاة بإصابة الشمس
والريح ، فيظهر منه كونهما مطهّرين ، وكون حالهما واحدا في التأثير ، هذا.
مع أنّ الجمعية
معنى مجازي لكلمة « واو » أعني المعية ، بل معناه الحقيقي مشاركة المعطوف للمعطوف
عليه في ما حكم عليه ، وأيضا العطف في قوة تكرير العامل ، فيصير الحديث هكذا : إن
كان تصيبه الشمس وإن كان تصيبه الريح فلا بأس ، فظاهر هذا هو ما أفتى به الشيخ.
فظهر ممّا ذكرنا
أنّ هذا الحديث الصحيح من الشيخين في الكتابين أيضا دليل من الأدلة الدالة على
تطهير الشمس ، وحمل على إعانة الريح في الجفاف ، وهو لا ينافي مطهّرية الشمس.
ولا يخفى أنّ
الكليني ; ظاهره موافقة الشيخ في هذا الموضع.
والتنافي في كلامي
الشيخ باق ، واختلاف الرأي منه ومن غيره من المجتهدين غير عزيز ، بل العزيز عدم
الاختلاف ، بل ربما جعل عدمه مانعا لتحقّق الاجتهاد وحصول الرتبة.
ويمكن الاستدلال
لهما بروايتي علي بن جعفر المتقدّمتين ، وموثقة عمّار عن الصادق 7 : البارية يبلّ
قصبها بماء قذر ، هل يجوز الصلاة
__________________
عليها؟ فقال : «
إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها » بحمل الأخبار على هبوب الريح ، بناء على عدم الانفكاك
غالبا عادة ، لكن ما ذكر عن المنتهى في الفرع الأوّل ربما يمنع عن الاعتماد
والوثوق ، فليتأمّل.
وبالجملة : إنّ
كان مثل ما ذكره حجّة فلا وجه للتأمّل في مطهّرية الشمس ، وإلاّ فلا وجه للتأمّل
في ما أفتى به الشيخ ، فتأمّل.
قوله : والمعتمد الطهارة. ( ٢ : ٣٦٨ ).
لعل الأولى أن
يجعل الدليلان دليلا واحدا ، بأن يقال : الأصل طهارة الأشياء ، ولا دليل على
نجاسته سوى كونه عذرة مثلا ، والآن ليس بعذرة قطعا ، فتأمّل.
قوله : لأنّها الأصل في الأشياء. ( ٢ : ٣٦٨ ).
ويمكن الاستشهاد
بالإطلاقات الواردة في إسراج الدهن النجس ، فتأمّل.
قوله : ولأنّ الحكم بالنجاسة معلّق على الاسم فيزول بزواله. ( ٢ :
٣٦٨ ).
لعل مراده من زوال
الاسم زوال الحقيقة والماهية ، وإلاّ يشكل الأمر في كثير من المواضع ، مثل صيرورة
الطين آجرا ، والعجين خبزا وغير
__________________
ذلك ، فتأمّل.
قوله : كما يتوقّف عليه ابتداؤه. ( ٢ : ٣٦٨ ).
قد بيّنا في
رسالتنا في الاستصحاب أنّه لا يجري في الموضع الذي تتغير ماهيته وتتحقّق استحالته ، فليلاحظ.
قوله : وعلى هذا يكون إسناد التطهير إلى النار حقيقة. ( ٢ : ٣٦٨ ).
فالضمير يرجع إلى
الجصّ الممزوج بالعذرة المحترقة عادة ، وأمّا استناد التطهير إلى الماء فلعله
لاحتمال أن يكون الجصّ ينجس بالدسومة الخارجة عن عظام الموتى بالاحتراق ، وورد :
رشّ الماء وصبّه على الموضع الذي شك في نجاسته ، فهذا الصبّ أيضا نوع تطهير ورفع قذارة شرعا.
قوله : وتكون الطهارة الشرعية مستفادة. ( ٢ : ٣٦٨ ).
لكن على هذا لا
يظهر أنّ المطهّر ما ذا؟ والمطهّرات محصورة معروفة لم يوجد شيء في المقام ،
فتأمّل.
قوله : وخبر الحسن بن محبوب المقدم. ( ٢ : ٣٦٩ ).
وجه الاستدلال به
أنّ المعصوم 7 لم يفصّل بأنّ العظام كانت رطبة أو يابسة ، وكذا الجصّ ، مع أنّه في الغالب
بمجرّد الاحتراق يخرج منها دسومة وتصل الجصّ ، وفي الغالب تكون العظام المذكورة
نجسة ، فتأمّل.
__________________
قوله
: جعل الله التراب
طهورا. ( ٢ : ٣٦٩ ).
يمكن المناقشة
بأنّ المفرد المحلّى باللام ينصرف إلى الأفراد المتعارفة الشائعة.
قوله : أمّا الثانية فبالإرسال. ( ٢ : ٣٧٠ ).
لا طعن فيها ، لما
عرفت مرارا.
قوله : ما يدل على نجاسة العجين صريحا. ( ٢ : ٣٧١ ).
الظهور كاف ،
والظاهر منها النجاسة ، نعم بعد ما ثبت من الأدلة من أنّ البئر لا ينفعل بالملاقاة
ترتفع الدلالة ، فتأمّل.
قوله : فجاز أن تكون طاهرة. ( ٢ : ٣٧١ ).
بعيد ، نعم لا
يظهر منها تحقّق العلم بالنجاسة حال الاستعمال ، والأصل الطهارة حتى يستيقن
النجاسة ، فتأمّل.
قوله : فلا مانع من جواز بيعه من المسلم. ( ٢ : ٣٧١ ).
المانع من البيع
عندهم ليس منحصرا في عدم جواز الانتفاع ، بل الأعيان المتنجّسة التي لا تقبل
الطهارة لا يجوز عندهم بيعها ، كما يعلم من موضعه.
قوله : لعدم ثبوت كون ذلك مأثما. ( ٢ : ٣٧١ ).
الكفّار عندنا
مكلّفون في الفروع ، فتتحقّق الإعانة في الإثم ، نعم يتوجه هذا على العلاّمة ; أيضا من جهة حكمه
بجواز البيع من الحربي ، فتأمّل.
قوله : وكذا الكلام في الحنطة والسمسم إذا انتقعا في الماء النجس.
( ٢ : ٣٧١ ).
فيه ما مرّ عند
قول المصنّف : ويعصر الثياب من النجاسات ، عند
قولهم : إنّ ما لا
ينفصل الغسالة عنه يطهر بالكثير أو الجاري .
قوله : ومقتضى كلامه. ( ٢ : ٣٧٢ ).
في دلالته ضعف
وتأمّل.
قوله : وربما ظهر من كلام الشيخ في الخلاف. ( ٢ : ٣٧٢ ).
في الظهور تأمّل ،
بل الظاهر أنّ استدلاله فيه غفلة منه ، فتأمّل جدّا.
قوله : قال : « لا بأس إذا كان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلك » ( ٢
: ٣٧٣ ).
لعل التخصيص بخمسة
عشر بناء على أنّ الغالب عدم التطهير بأقل من ذلك من النجاسات المتعارفة ، فتأمّل.
قوله : ويعضد هذه الروايات. مع انتفاء الأمر به على الخصوص ( ٢ :
٣٧٤ ).
هذا مبني على منعه
حجّية الاستصحاب ، لكنه مخالف لطريقته في كثير من المواضع ، حيث يقول : ثبت نجاسته
شرعا ، فلا بدّ من ثبوت طهارته شرعا ، وأيضا حال الأرض حال الشمس ، وقد مرّ منه في
الشمس ما مرّ ، وسيجيء في عدم طهارة أسفل العصا والرمح أيضا ما يخالف المقام .
قوله : فما لا جرم له أولى. ( ٢ : ٣٧٤ ).
في القياس بطريق
الأولوية هنا نظر ظاهر ، فالعمدة إطلاق النص والفتوى.
__________________
قوله
: ويبوستها. ( ٢ :
٣٧٤ ).
لا وجه لاعتبار
اليبوسة ، بل اشتراط الطهارة مع يبوستها أيضا محلّ مناقشة ، فتأمّل.
وفي الصحيح عن
جميل بن درّاج ، عن المعلّى بن خنيس ، عن الصادق 7 : الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء
، وأمّر عليه حافيا ، فقال : « أليس وراءه شيء جافّ؟ » قلت : بلى ، قال : « فلا
بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا » وربما كان فيها وفي رواية الأحول إيماء إلى طهارة الأرض
المطهّر ، فتأمّل ، ولعله أحوط.
قوله : « ما أصابه من الماء أكثر منه ». ( ٢ : ٣٧٥ ).
وبما يظهر من قوله
7 : « ما أصابه من الماء أكثر منه » عدم اختصاص هذا الحكم بماء المطر ، بل كون
ذلك حكم الماء من حيث هو هو. وقوله : فيكف ، معناه : فيقطر ، وربما كان معناه :
يقطر من السقف ، بعنوان غور الماء فيه وخروجه من طرف داخل البيت.
لكن روى الشيخ
بإسناده الصحيح ، عن جعفر بن بشير ، عن عمر بن الوليد ، عن أبي بصير ، عن الصادق 7 : عن الكنيف يكون
خارجا فتمطر السماء ، فتقطر عليّ القطرة ، قال : « ليس به بأس » ويعضد الرواية
عمل الأصحاب والشهرة في الفتوى ، ومرسلة الكاهلي.
قوله : ثبوت البأس في أخذ ذلك الماء للوضوء مع عدم الجريان. ( ٢ :
٣٧٦ ).
المتبادر من البأس
في مثل المقام هو النجاسة ، ومفهوم الشرط حجّة ،
__________________
ويمكن حمل المطلق
على المقيد ، سيّما إذا كان المقيد أغلب ، فتأمّل. ويعضده استصحاب النجاسة حتى يثبت
خلافها.
ثم إنّه نقل عدم
الخلاف في أنّ ماء المطر لا ينفعل بالملاقاة ، فتأمّل فيه. والظاهر أن ماء المطر لا ينفعل بالملاقاة ،
إلاّ أن تطهيره لا يبعد أن يعتبر فيه الجريان ، والله يعلم.
قوله : فلا يتعين كونه جاريا من ميزاب ونحوه. ( ٢ : ٣٧٦ ).
لعل مراد الشيخ
مجرّد الجريان ، ويكون مثل الميزاب على سبيل المثال ، وأنّه المعروف لتحقّق الجريان ،
فتأمّل.
قوله : وروى أبو هريرة. ( ٢ : ٣٧٨ ).
قيل : هذه الرواية وردت بمتن آخر أيضا ، وهو أنّه 6 أمر بنقل التراب
النجس ، ثم أمر بذنوب من الماء فأهريق عليه . ولهذا لم يعمل بها بهذا المتن.
قوله : لا بأس به. ( ٢ : ٣٧٨ ).
قد تقدم الكلام
منا في ذلك في بحث انفعال الماء القليل بالملاقاة .
قوله : قد روى بعض أصحابنا. ( ٢ : ٣٧٩ ).
فيه شهادة على أنّ
المراد من الآنية أعم ممّا هو المتبادر منه ، فتأمّل.
قوله : فيكون سرفا. ( ٢ : ٣٨٠ ).
__________________
فيه أيضا ما لا
يخفى.
قوله : وطلب الرئاسة المهلكة ( ٢ : ٣٨٠ ).
لا يخفى ما فيه ،
فإنّ طلب الرئاسة لا ينحصر في خصوص الظرف ، ولا في الذهب والفضّة ، سيّما
الفضّة ، إذ الجواهر لا مناسبة بينها وبين الفضّة في علوّ الثمن وحصول الرفعة ،
فتأمّل.
قوله : تردّد ، منشؤه. ( ٢ : ٣٨١ ).
لا تردّد في
كونهما آنية حقيقة ، نعم يمكن دعوى عدم كونهما من الأفراد المتبادرة ، مع تأمّل في
ذلك ، مع أنّك عرفت أنّ صحيحة ابن بزيع يشهد على المنع كيف كان ، وكذا ما سيذكره
من تلك الصحيحة.
وفي الفقيه ، عن
بريد ، عن الصادق 7 : كره الشرب في الفضّة ، وفي القدح المفضّض ، وكذلك
التدهّن من مدهن مفضّض ، والمشط كذلك .
وفي الكافي
والتهذيب ، في الصحيح عن الكاظم 7 : عن السرج واللجام فيه الفضّة ، أيركب به؟ قال : « إن كان
مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس ، وإلاّ فلا يركب به » ، والمموه : ان
يكون طلي بفضّة أو ذهب.
وفي الكافي ، بسنده
عن الصادق 7 : عن السرير فيه الذهب ، أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال : « إن كان ذهبا فلا ،
وإن كان ماء الذهب
__________________
فلا بأس » . لكن ورد في
الأخبار عدم البأس في تحلية السيف بالذهب والفضّة ، وأنّ نعل سيف رسول الله 6 وقائمته فضّة ،
وفيه أيضا حلق من فضّة ، وكذا في درعه .
قوله : فيه ضبّة فضّة. ( ٢ : ٣٨٣ ).
وفي الكافي ،
بسنده إلى عمرو بن أبي المقدام : أنه رأى الصادق 7 قد اتي بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة نزعها بأسنانه .
قوله : لأنّ الماء أسرع نفوذا من غيره. ( ٢ : ٣٨٩ ).
ربما يبقى في
مسامات الظروف المذكورة الأجزاء الخمرية اليابسة المنجمدة العالقة ، فإن علم
زوالها فلا كلام في حصول الطهارة ، وإلاّ فبمجرّد الاستدلال بكون الماء أسرع نفوذا
لا يحصل العلم بالزوال ، بل ولا الظنّ.
قوله : والجواب عن الأوّل أوّلا بالمنع عن ما ذكره. ( ٢ : ٣٨٩ ).
المنع لا يكفي في
ثبوت المطهّر الشرعي بعد الحكم بالنجاسة الشرعية.
قوله : فيتصل بما يحصل فيه من المأكول والمشروب ( ٢ : ٣٨٩ ).
فيه : أنّه ينجس
المأكول والمشروب حينئذ ، والكلام إنّما هو على تقدير نجاسة الخمر ، كما هو
المشهور والأقوى.
__________________
والحاصل : أنّ
أجزاء الخمر إن كانت تزول بالغسل البتّة ـ كما ذكره ـ فلا وجه للنهي ، وإن كان من
الجهة التي ذكرها ، مع أنّها بعينها كلام المستدل ومطلوبه ، وإلاّ فلا وجه لما
ذكره : من أنّ الماء أسرع نفوذا ، ولا شيء من جوابيه.
قوله : ويغسل الإناء. ( ٢ : ٣٩٠ ).
في الفقه الرضوي :
« فإن وقع في الإناء وزغ أهريق ذلك الماء ـ أي ماء الإناء ـ ، وإن وقع كلب أو شرب
منه أهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرّات ، مرّة بالتراب ، ومرّتين بالماء ، ثم
يجفّف » .
قوله : إلاّ أنّ المصنف في المعتبر نقله بزيادة لفظ مرّتين. ( ٢ :
٣٩٠ ).
وفي الغوالي أيضا
نقل الحديث بلفظ مرّتين .
قوله : ولا يبعد أن تكون الزيادة وقعت سهوا. ( ٢ : ٣٩١ ).
لا يخفى ما فيه ،
إذ كيف يتحقق إجماع من الأصحاب ، واتفاق قدمائهم ومتأخّريهم على الفتوى بتكرار
الغسل ، وأفتى المصنّف أيضا في كتبه كذلك ، ويأتي بدليل لذلك ويريد إثباته من
الحديث ، فكيف يجوز كون ذلك محض سهو من قلم الناسخ ، والباقون
قلّدوه؟ إذ لعلهم اطلعوا على كون الحديث كذلك في كتاب مدينة العلم أو غيره من
الأصول ، ويشير إلى ذلك وجود لفظ « مرّتين » في الفقه الرضوي ، واتفاق القدماء
__________________
والمتأخّرين ،
ونقل الإجماع .
وكيف كان لا تأمّل
في الفتوى ، للإجماع المنقول ، والفقه الرضوي المنجبر بعمل الأصحاب ، سيّما في
المقام ، لاتفاقهم على عدم الاكتفاء بالمرّة. ويعضده أيضا ما سيجيء في قول المصنف
: ومن غير ذلك مرّة. ، فتأمّل.
وأيضا كيف يوجب
الغسل مرّتين في نجاسة غير الولوغ ، ويكتفي فيها بالمرّة؟ فيمكن أن يكون المراد :
اغسله أوّل مرّة بالتراب ثم بالماء ، يعني : على الطريقة المعهودة في الغسل ،
فتأمّل.
قوله : واعتبار التجفيف. ( ٢ : ٣٩١ ).
ذكر في الفقه
الرضوي وطريقته العمل به.
قوله : ومع تعذّر الحقيقة يصار إلى أقرب المجازات. ( ٢ : ٣٩٢ ).
لكن يوجب كون
التراب مستعملا في معناه المجازي ، والأصل في استعماله الحقيقة ، وهو أولى من
أقربية المجاز ، فعلى تقدير المزج يتحقّق مجازان ، وعلى المشهور يتحقّق مجاز واحد
، فهو أولى جزما ، فتأمّل. والأحوط فعلهما معا ، تحصيلا للطهارة اليقينية.
قوله : وألحق ابن بابويه. ولا نعلم مأخذه. ( ٢ : ٣٩٣ ).
قد عرفت مستنده ،
وأنّه الفقه الرضوي.
قوله : لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء. ( ٢ : ٣٩٣ ).
__________________
لا يبعد الحكم
بوجوب التعفير وغسل الظرف بالماء مرّتين بانصباب ماء الولوغ فيه ، سيّما إذا انصبّ
جميع الماء فيه ، إذ مدخلية كونه في الإناء الأوّل في الحكم المذكور لعلّه في غاية
البعد ، فيضعف شمول العمومات الدالة على تطهير النجاسات بمجرّد الغسل لهذه الصورة
، ـ على تقدير تسليم العموم ـ والنجاسة ثابتة مستصحبة حتى يثبت خلافه. ويمكن أن
يقال بمثل ذلك إذا انصبّ جميع الغسالة فيه. بل استقرب العلاّمة في النهاية إلحاق
هذا الماء بالولوغ ، وعلّله بوجود الرطوبة اللعابية ، فتأمّل.
قوله : لحصول الغرض من الإزالة. ( ٢ : ٣٩٦ ).
الطهارة تحتاج إلى
دليل شرعي ، لأنّه محكوم بالنجاسة شرعا ، فلا بدّ من ثبوت رافع لها ، إلاّ أن يكون
الغرض الاستناد إلى الإطلاقات والعمومات لو كانت ، والموثق حجّة ، والشيخ ادّعى
إجماع الشيعة على العمل بروايات عمّار ومن ماثله ، فتأمّل.
قوله : بما رواه عن عمّار الساباطي. ( ٢ : ٣٩٧ ).
لعلّ مراده منها
ما رواه عن الصادق 7 أنّه سأله عن الدنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه
خلّ أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال : « إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق وغيره يكون فيه
خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال : « إذا غسل فلا بأس ». لكن بعد هذا بلا فصل قال
: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : « يغسله ثلاث مرّات » سئل : أيجزيه أن
يصبّ فيه الماء؟ قال : « لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات » سئل : أيجزيه
أن يصبّ فيه الماء؟ قال : « لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله
__________________
ثلاث مرّات » وفيه ما لا يخفى.
والموثق حجّة ،
سيّما مع دعوى الشيخ اتفاق العصابة على العمل بروايات عمّار ومن ماثله ، وخصوصا
بعد ثبوت النجاسة وتحقّقها شرعا ، وكون الإزالة تحتاج إلى دليل شرعي من إجماع أو
عموم ، فتأمّل.
__________________
كتاب الصلاة
قوله : والظاهر أنّ هذا المعنى ليس بحقيقة لغة. ( ٣ : ٥ ).
ويمكن أن يكون لفظ
الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والغسل وما يرادف هذه الألفاظ في لغة غير
العرب صارت حقيقة في العبادة المخصوصة في الشرع المتقدّم على شرع الرسول 6 ، فإنّ كفّار
العرب كانوا قبل الرسول يحجّون وكانوا يسمّون ذلك حجّا ، وكذا اليهود والنصارى
كانوا يصلّون بحسب شرعهم ، وكان العرب يسمّى صلاة ، وغير العرب ما يرادف ذلك اللفظ
، وكذا كانوا يصومون ويزكّون ويغتسلون من الجنابة ، فلا يبعد صيرورة تلك الألفاظ
حقائق في عباداتهم قبل زمان الرسول 6 ، والرسول غيّر بعض أجزاء عباداتهم أو أكثرها ، ولا يقتضي
ذلك تغيّر الاستعمال بحسب الحقيقة ، كما هو الحال في المعاملات ، فتأمّل .
قوله : إذ لا يفهم عند الإطلاق من لفظ الصلاة عند أهل العرف إلاّ
ذات الركوع أو السجود أو ما قام مقامهما. ( ٣ : ٨ ).
__________________
سيذكر ; أنّ المتبادر من
لفظ الصلاة هو الفريضة اليومية ، وهو كذلك ، إلاّ أنّ عدم صحة السلب دليل الحقيقة
، ولعلّه موجود في صلاة الميّت أيضا ، فتأمّل.
قوله : ونقل الشيخ فيه الإجماع. ( ٣ : ١٠ ).
ربما يظهر من
كلامه في التهذيب وقوع الخلاف في النوافل النهارية دون الليلية ، وأنّه فهم الخلاف
من الأخبار .
قوله : إذ لا دلالة في ما تضمّن الأقل على نفي استحباب الزائد.
( ٣ : ١٢ ).
في جملة الحديث
المعروف الذي رواه عبد الله بن زرارة عن الصادق 7 في اعتذاره إلى زرارة من جهة ذمّة له ـ وهو مذكور في
الكشّي ـ : « فلا يضيقنّ صدرك من الذي أمرك أبي وآمرك وأتاك أبو بصير بخلاف الذي
أمرناك ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلاّ بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به ، ولكل
ذلك عندنا تصاريف ومعان يوافق الحق ». إلى أن قال : « وعليك بالصلاة الستة
والأربعين » إلى أن قال : « والذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدى وخمسين والإهلال
بالتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فلذلك عندنا معان وتصاريف يسعنا ويسعكم ، ولا يخالف شيء
من ذلك الحقّ ولا يضادّه » فلاحظ الحديث وتأمّل مجموعه ، فإنّ فيه فوائد عظيمة.
قوله : ونافلة العصر ثمان ركعات قبلها ( ٣ : ١٣ ).
قال الصدوق في
أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّ نافلة العصر ثمان ركعات قبلها ، والمغرب
أربع ركعات بعدها ، والعشاء ركعتان من جلوس
__________________
تحسبان بركعة ،
وهي وتر لمن لم يلحق الوتر في آخر الليل ، انتهى. وكذا في عيون أخبار الرضا 7 في ما كتب
للمأمون من محض الإسلام إلى قوله : « وهي وتر. » .
قوله : الأفضل المبادرة بها. ( ٣ : ١٤ ).
في كشف الغمّة أنّ
الجواد 7 صلّى المغرب ، فقرأ في الأولى الحمد وإذا جاء نصر الله ، وفي الثانية الحمد
وقل هو الله أحد ، وصلّى الثالثة وتشهّد وسلّم ، ثم جلس هنيئة يذكر الله تعالى ،
وقام من غير أن يعقّب ، فصلّى النوافل أربع ركعات ، وعقّب بعدها ، وسجد سجدتي
الشكر ، الحديث ، لكن في رواية رجاء بن أبي ضحّاك في العيون : أنّ الرضا 7 كان إذا صلّى
المغرب وسلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله ويحمده ويهلّله ما شاء الله ، ثم يسجد سجدة
الشكر ، ثم يرفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم ويصلّي أربع ركعات بتسليمتين ، الحديث .
قوله : والظاهر أنّ المراد به سجدة الشكر والكل حسن. ( ٣ : ١٦ ).
وقد ذكرنا ذلك عن
الرضا 7 ، وذكرنا عن الجواد 7 أنّه سجد بعد السابعة ، فالكل حسن ، كما قال. ( لكن اختيار
السابقة أولى ، لاحتمال كون ما نقل بعد الثلاث غير سجدتي الشكر ) .
__________________
قوله
: لورود النصّ على
الجلوس فيهما في الروايات الكثيرة. ( ٣ : ١٦ ).
الظاهر من الأخبار
أنّ وضع هذه الصلاة من جلوس تكميلا للخمسين ، وإن صلّيت قائما فهو أفضل من الجلوس ، من حيث إنّه أحمز
، ومن رواية سليمان والحارث. والقيام هنا أمر زائد على نفس الصلاة بحسب الوضع ،
كما أنّه يذكر في الركوع ألف تسبيح أو خمسمائة ، فإنّه ثواب زائد على حدة.
قوله : السادسة : المستفاد من الروايات الصحيحة المستفيضة أنّ
الوتر اسم للركعات الثلاث. ( ٣ : ١٧ ).
المستفاد هو
الإطلاق ، وهو أعمّ من الحقيقة ، وأطلق في الأخبار على الركعة الواحدة أيضا مكرّرا
، منها ما سنذكره في الفائدة السابعة عن العيون ، ولعلّه في
اصطلاحنا مشترك بينهما.
قوله : وتارة بأنّ المراد من التسليم ما يستباح به من الكلام
وغيره. ( ٣ : ١٨ ).
هذا في غاية
الغرابة بعد ورود النص على كون الوتر ثلاث ركعات مفصولة ، وأنّ الفصل بينها متفق
عليه بين الأصحاب ، فيتعيّن أن يكون هو الحجّة ، وهو اللازم.
وأمّا ما ورد من
الأخبار المعارضة فعلى القول باستحباب التسليم ـ كما هو رأي الشيخ ; ومن وافقه ـ لا
معارضة أصلا ، فإنّ القول بأنّ صلاة الظهر للإنسان أن يسلّم فيها وأن لا يسلّم ،
لا يقتضي أن يجوز الفصل
__________________
والوصل بين الظهر
والعصر ، بأن يكون المكلّف مخيّرا بين الثمان الركعات متصلات أو أربع وأربع.
وعلى القول
بالوجوب فيمكن أن يقال بالاستحباب في الصلاة المستحبّة ، كقراءة السورة بعد الحمد.
وعلى القول
بالوجوب الشرطي فيها أيضا فيمكن استثناء الوتر ، بأن يقال بالاستحباب فيها خاصّة.
وإن كان إجماع
مركّب لا يمكن من [ جهته ] القول بالفصل فيتعيّن الحمل على التقيّة أو على أن المراد
« السّلام عليكم ». ومن تأمّل الأخبار يجد أنّ السّلام المطلق منصرف إليه. فلا بعد
أصلا بعد ظهور ذلك من أخبار متعدّدة ، والله يعلم.
مع أنّ الخبر إذا
كان شاذّا لا بدّ من طرحه وعدم العمل به ، فعلى فرض دلالتها على ما ذكر يكون
اللازم عدم جواز العمل به ، وإذا احتمل التقيّة تعيّن الحمل ، إذ الراجح حينئذ
الحمل عليها ، وكذا لو احتمل غيرها. والشيخ أعرف بمذاهب العامّة والخاصّة والضرورة
وغيرها. والأئمّة : أمرونا بالأخذ بما خالف العامّة وترك ما وافقهم ، وأنّ
الرشد في خلافهم ، وأمثال ذلك في أخبار لا تحصى ، كما أمرونا بالأخذ بما
اشتهر بين أصحابنا وما يشبه أحكامهم وأمثال ذلك.
قوله : وكلّ ذلك خروج عن الظاهر من غير ضرورة. ( ٣ : ١٨ ).
حمل المعارض على
الاستحباب أيضا خروج عن الظاهر ، بل بعض
__________________
منها في غاية البعد
، والشارح ; ما ذكره. مع أنّ الحمل على « السّلام عليكم » لا خروج عن الظاهر بعد ملاحظة
الأخبار ، وظهور تعارف إطلاق التسليم على خصوص « السّلام عليكم » ، وكذا الحمل على
التقيّة بعد ملاحظة ما ذكرنا ، بل ويتعيّن. مع أنّ رفع التعارض إن كان ضرورة فكيف
يقول : من غير ضرورة؟ وإلاّ فكيف يحمل على الاستحباب الأخبار الكثيرة في غاية
الكثرة ، المتضمّنة لكون الثلاثة مفصولة شرعا ، والأمر بالفصل وغير ذلك؟ مع كون
ذلك مذهب الأصحاب موافقا لسائر الأخبار المتواترة ، والمعارض على خلاف ذلك.
قوله : وقل هو الله أحد. ( ٣ : ١٩ ).
وفي العيون في
رواية رجاء : أنّ الرضا 7 كان يقرأ في كلّ من ركعتي الشفع الحمد لله وقل هو الله أحد
ثلاث مرّات ، وفي الوتر يتوجّه فيها ويقرأ بعد الحمد قل هو الله ثلاث مرّات ، وقل
أعوذ بربّ الفلق مرّة ، وقل أعوذ بربّ الناس مرّة. وفي هذه الرواية : أنّه كان
يقرأ في الركعتين الأوّلتين من صلاة الليل ستّين مرّة قل هو الله في كلّ ركعة
ثلاثين مرّة . كما روي ذلك عن الصادق 7 ، رواه الصدوق في أماليه : « وأنّه من فعل ذلك انفتل وليس
بينه وبين الله عزّ وجل ذنب » .
قوله : يستحبّ القنوت في الركعة الثالثة من الوتر. ( ٣ : ١٩ ).
وفي العيون عن
رجاء : أنّ الرضا 7 كان يقنت في الشفع أيضا بعد القراءة وقبل الركوع .
__________________
وما قيل : من أنّ
في الوتر ـ أي الركعة الأخيرة ـ قنوتين ، أحدهما قبل الركوع والآخر بعده ، فليس بشيء بل
الذي يقرأ بعد الركوع هو دعاء ، وهو الذي يذكره الشارح ; وليس كلّ دعاء
قنوتا ، وإلاّ ففي الصلاة يتحقّق قنوتات كثيرة ، والقنوت مستحبّ فيه التكبير ورفع
اليد فيه وفي تكبيره بالنحو المعهود.
قوله : الاستغفار سبعين مرّة. ( ٣ : ١٩ ).
بأيّ كيفية يكون ،
ليس له كيفية خاصّة ، وإن كان العمل بصحيحة عمر بن يزيد أولى ، لأنّه مستحبّ على
حدة ، ولو قال : أستغفر الله ربّي وأتوب إليه ، لعلّه أكمل ، فتأمّل.
قوله : وروي عن أبي الحسن 7. ( ٣ : ٢١ ).
لا يخفى أنّ المستفاد
من الرواية أنّ هذا مجرّد دعاء يقرأ بعنوان الدعاء ، لا أنّه قنوت يقرأ بعنوانه ،
فلا حاجة إلى رفع اليد وبسط الكفّ والتكبير للرفع ، ولا نيّة القنوت ، ولا يستحبّ
شيء من ذلك له ، فما قيل : ( إنّ في الوتر قنوتين : أحدهما قبل الركوع والآخر
بعده ، لم نجد مستنده ، وما قيل : ) إنّ القنوت هو الدعاء ، فيه ما فيه ، لما عرفت من أنّ الدعاء لا يستحبّ فيه شيء
مما ذكر ، ولا يفعل بنيّة القنوت ، مع أنّه لو كان كذلك ففيه قنوتات متعددة ، بل
في غيره أيضا من الصلوات ، فتدبّر.
قوله : من صلّى بين العشاءين ركعتين. ( ٣ : ٢٢ ).
وربما قيل : إنّ
هاتين الركعتين من جملة الأربع ركعات التي هي نافلة
__________________
المغرب ، ولم نعرف مأخذه
، بل هذا خلاف ظاهر الخبر ، فتأمّل.
قوله : كان إذا اهتمّ ترك النافلة. ( ٣ : ٢٢ ).
مع أنّ مضمونهما
ربما لا يخلو عن إشكال ، لأنّ همّ المعصوم 7 لو كان من أمر دنيوي فهم : أمروا بالاستعانة بالصبر والصلاة ، وإلاّ كان اللازم
الاهتمام بفعل الصلاة ، مع أنّه تعالى كان عندهم أحبّ كلّ شيء ، وهمّهم كان
مقصورا فيه ، وكانوا مستغرقين في محبته تعالى لا يعتنون بشيء بعده تعالى ، والله
يعلم.
قوله : كصحيحة الحسن بن زياد الصيقل. ( ٣ : ٢٥ ).
الروايتان
الأوّلتان وإن لم تكونا صحيحتين ، إلاّ أنّهما منجبرتان بالشهرة العظيمة.
وأمّا صحيحة حمّاد
فالظاهر منها أيضا صحة النافلة جلوسا ، إلاّ أنّ مقتضاها نقص مثل هذه عن صلاة
القائم ، وهو موافق لعموم : « أفضل الأعمال أحمزها » ، لكن ورد في بعض
الأخبار : أنّ النافلة جلوسا تامّة كاملة للشيعة أو للمؤمنين ، فلاحظ وتأمّل ،
ومع ذلك ظاهر أنّ القيام لهم أشقّ وأحمز ، فيكون هذا فضيلة زائدة عن نفس صلاتهم ،
فتأمّل.
قوله : وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن
الرضا 7. ( ٣ : ٢٧ ).
وفي العيون في
رواية رجاء المعتمد عليها أنّ الرضا 7 كان يصلّي
__________________
الوتيرة في السفر . ويؤيّده أيضا :
ما ورد في بعض الأخبار من تقييد الصلاة التي تصير في السفر ركعتين ـ لا قبلهما ولا
بعدهما شيء ـ بالنهارية ، فلاحظ.
ويؤيّده أيضا : ما
في بعض الأخبار أنّ الوتيرة وتر تقدّم من جهة أنّها ربما تفوت من الإنسان ، ومن
كان يؤمن بالله ورسوله لا يبيتنّ إلاّ بوتر . مع أنّ السنن يسامح في أدلّتها ، فتأمّل.
وفي الفقه الرضوي
تصريح بعدم سقوط الوتيرة فيه . وقال الصدوق ; في أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأن لا يصلّى في
السفر من نوافل النهار شيء ، ولا يترك فيه من نوافل الليل شيء .
قوله : ولم يثبت توثيقهما. ( ٣ : ٢٧ ).
لكنّهما من مشايخ
الإجازة ، وربما يحكم الشارح بصحّة حديث أمثالهما ، بل وصحّة حديثهما ، على ما أظنّ.
قوله : سواء قلنا بتعيّن الإتمام أو جوازه ( ٣ : ٢٨ ).
بل وتعيّن القصر
أيضا ، كما يظهر من بعض الأخبار ، فلاحظ
__________________
وتأمّل.
قوله : وليس هذا ممّا يخالف الحديث الأوّل أنّ لها وقتا واحدا. (
٣ : ٣١ ).
مقتضى ما ذكر أنّ
بعد سقوط الشفق لا وقت للمغرب أصلا ، كما سننقله عن الخلاف. وأمّا على طريقة القوم
ـ غير الخلاف ـ فلا يتمشّى هذا التوجيه ، لأنّ للمغرب وقتا بعد سقوط الشفق قطعا ،
سواء قلنا بأنّه وقت الإجزاء أو وقت الاضطرار ، إلاّ أن يقال : إنّ سائر الصلوات
لها ثلاثة أوقات : وقت الفضيلة ووقت الإجزاء ووقت الاضطرار ، بخلاف المغرب فإنّ
لها وقتان : وقت الفضيلة والإجزاء ـ وهما وقت واحد ـ ووقت الاضطرار ، والمراد في
هذه الأخبار وقت الفضيلة والإجزاء ، كأنّ وقت الاضطرار ليس بوقت حقيقة ، فتأمّل.
قوله : « من غير علّة » ( ٣ : ٣٢ ).
بدل من قوله : «
إلاّ في عذر ».
قوله : توفيقا بين صدر الرواية وآخرها. ( ٣ : ٣٢ ).
التوفيق غير منحصر
في ما ذكره ، إذ يجوز أن يرفع اليد عن ظاهر قوله 7 : « وأوّل الوقت أفضل » ، بل هو أولى وأقرب ، لأنّ وقت
الاختيار أفضل ، بخلاف قوله 7 : « ليس لأحد. » ، فإنّ ظهوره أشدّ ، من جهة قوله : « ليس.
» ومن جهة استثناء العذر والعلّة ، والحصر في ذلك. إلاّ أن يقول : الأوّل معتضد
بالأصل. وفيه : أنّ الأصل لا يعارض الدليل ، والأظهرية والأقربية دليل للمجتهد ،
فالأولى التمسّك في توجيهه بالأخبار
__________________
الدالة على
التوسعة.
قوله : ولو امتنع التأخير اختيارا لتقيّد بالضرورة ( ٣ : ٣٢ ).
فيه : أنّ
المتبادر من العذر والعلّة في أمثال المقام ما يكون فيه ضرورة ما ، وهذا القدر
يكفي ، فالأولى الجواب بالنحو الذي أشرنا.
قوله : وكذا مع النسيان. وانتفاء ما يدلّ على الصحة مع المخالفة.
( ٣ : ٣٦ ).
يعني : أنّ القدر
الثابت من قول الشارع وفعله كون الصلاة الواقعة في الوقت المشترك صحيحة إذا كان
الوقوع نسيانا أو بعد فعل الأولى ، وأمّا إذا فعلت في أوّل الوقت فلم يظهر من دليل
كونها صحيحة وموافقة لمطلوب الشارع ، والعبادات توقيفية ، فيجب الاقتصار على القدر
الثابت.
ولا يتوجّه عليه
منع كون الوقت المعلوم شرطا لصحتها ، وبناء هذا على كون الصلاة اسما لمجرّد
الأركان من غير اعتبار كونها صحيحة شرعا فمتى تحقّق الأركان يحكم بتحقّق مطلوب
الشارع ، إلاّ أن يثبت منه شرط للصحة ولم يتحقّق ذلك الشرط ، ولم يثبت كون الوقت
المعلوم شرطا ، وعلى هذه الطريقة ربما يمشي الشارح متمسّكا بأصالة العدم.
لكن يتوجّه عليه
أنّه لم يثبت كون الصلاة اسما للأعمّ ، ولم يثبت جريان الأصل في العبادات أيضا ،
ومع ذلك نقول : لا شكّ في أنّ الصلاة من الواجبات الموقّتة ، يعني أنّ الشارع جعل
لها وقتا معيّنا وجعله شرطا لصحتها ، والوقت الذي ثبت من الشرع لها هو الوقت الذي
بعد الوقت الأوّل ، ففعلها في الوقت الأوّل الذي هو أوّل الوقت فعل وإتيان للمأمور
به على غير الوجه الذي ثبت من الشرع ، فتأمّل جدّا.
ويدل على ذلك أيضا
قوله 7 : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » على سبيل
الإطلاق ، وحكم
ببطلان الظهر قبل الوقت قطعا ، والباطلة في حكم المعدومة ، مع أنّه قال : « إذا
زالت الشمس دخل وقتهما إلاّ أنّ هذه قبل هذه » فحال العصر بالنسبة إلى الظهر مثل
حال الركعة الثانية للظهر بالنسبة إلى الركعة الأولى ، والثالثة بالنسبة إلى
الثانية ، والرابعة بالنسبة إلى الثالثة.
وأيضا وقت التشهّد
والتسليم لم يدخل حين دخول وقت تكبيرة الإحرام والقراءة ، فبمجرّد الزوال وإن كان
دخل وقت الظهر إلاّ أنّه بعنوان التوزيع ، لا أنّه بمجرّد الزوال دخل وقت الركعة
الثانية والثالثة والرابعة والتشهّد والتسليم أيضا ، بحيث لو فعلت في أوّل الزوال
يكفي ، إلاّ في صورة الخطأ في الاجتهاد ، كما سيجيء ، مع أنّه لو لم يثبت صحّة
هذه الصورة من الخارج لكنّا نحكم ببطلانها أيضا ، هذا على تقدير الثبوت ، وسيجيء
الكلام فيه ، فتأمّل.
على أنّه ورد في
الصحاح : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان ، وإذا غربت دخل الوقتان » حقيقة في وقتين
متعدّدين ، ومحال دخول وقتين كذلك بمجرّد الزوال والغروب وبابتدائهما وحينهما إلاّ
على سبيل التوزيع.
قوله : ويؤيّده رواية داود بن فرقد. ( ٣ : ٣٦ ).
لا وجه لجعلها
مؤيّدة ، لوضوح الدلالة ، وانجبار السند بالشهرة العظيمة لو لم نقل باتفاق الفقهاء
، وكذا انجبارها بالأصول والقواعد وأخبار أخر ، منها : ما أشرنا إليه وإلى وجه
الدلالة ، ومنها : الأخبار الصحيحة والحسنة الدالّة على أنّ الحائض إذا طهرت في
وقت العصر تصلّي العصر لا الظهر ، ومنها : صحيحة ابن سنان ورواية الحلبي الآتيتين ، فتأمل.
__________________
قوله
: بأنّ المراد
بالاشتراك ما بعد الاختصاص. ( ٣ : ٣٧ ).
لا يحتاج إلى هذا
التوجيه والتقييد ، بل المراد دخول الثمانية بعنوان التوزيع ، كدخول أربع ركعات
الظهر على حسب ما ذكرنا ، فلاحظ.
قوله : فيدل عليه ظاهر قوله تعالى. ( ٣ : ٣٩ ).
يدل عليه
الاستصحاب أيضا ، لأنّ الوقت اليقيني مستصحب شرعا حتى يثبت خلافه.
قوله ( لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ). ( ٣ : ٣٩ ).
الدلالة خفيّة ،
بل الآية مجملة بالنسبة إلى ما ذكره .
قوله : سمّاهنّ وبيّنهنّ ووقّتهنّ. ( ٣ : ٣٩ ).
لا يخفى أنّ ظاهر
هذا أنّه جعل لهنّ وقتا معيّنا أزيد من كونها بين الزوال إلى الغسق ، بل إشارة إلى
أوقات معيّنة لكلّ واحدة واحدة على حدة ، على حسب ما عرفت من الخارج ، فتأمّل.
قوله : لكن الظاهر أنّه أبو مالك الثقة. ( ٣ : ٣٩ ).
مضافا إلى أنّ ابن
أبي نصر ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وأنّه ممّن لا يروي إلاّ عن
ثقة ، على مصرّح به في العدّة ، مع أنّه يروي عنه ابن أبي عمير أيضا ، وهو مثل ابن أبي
نصر ، ويؤيّده أيضا أنّ العلاّمة وغيره حكموا بصحّتها ، مع أنّ موافقة
الشهرة أيضا جابرة.
قوله : كما يستفاد من النجاشي. ( ٣ : ٤٠ ).
فإنّه قال :
الضحّاك أبو مالك الحضرمي ، وحكم بكونه ثقة في
__________________
الحديث ، والشيخ ; أيضا صرّح بأنّ
الضحّاك أبو مالك الحضرمي ، بل الظاهر أنّه لا يبقى التأمّل في كونه أبا مالك الثقة.
قوله : روايتا داود بن فرقد. ( ٣ : ٤٠ ).
قد عرفت أنّها
حجّة باعتبار الانجبار هناك وهنا أيضا انجبار آخر منضمّ إلى الانجبار الأوّل.
قوله : ورواية زرارة. ( ٣ : ٤٠ ).
ليس في طريقها من
يتوقّف فيه سوى موسى بن بكر ، روى كتابه ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، وهما ممّن
لا يروي إلاّ عن الثقة ، على ما صرّح به في العدّة ، وأشرنا في
الرجال إلى أمور كثيرة تشهد على الاعتماد عليه أو على كتابه .
قوله : ورواية عبيد بن زرارة. ( ٣ : ٤٠ ).
ليس في طريقها من
يتوقّف فيه سوى القاسم بن عروة وهو ممّن يروي عنه ابن أبي عمير وابن أبي نصر ، وفي
كلّ واحد منهما شهادة على وثاقته ، لما عرفت ، والعلاّمة ; ربما حكم بصحة
حديثه ، وابن داود نقل عن الكشي حسنه . وفي الرجال في ترجمة الفضل بن شاذان يظهر كونه من أصحابنا
المعروفين ، ويظهر نباهة شأنه . ويروي عنه كثيرا غاية الكثرة الحسين بن سعيد ، والعباس بن
معروف ، ويروي عنه ابن
__________________
فضّال أيضا.
قوله : ويشهد له أيضا صحيحة زرارة. ( ٣ : ٤٠ ).
في شهادتها تأمّل
، بملاحظة قوله : « فربما عجّل. » فتأمّل.
قوله : وصحيحة أحمد بن محمد. ( ٣ : ٤١ ).
يمكن حملها على التقية.
قوله : لكن يمكن أن يقال : إنّ التفريق يتحقّق بتعقيب الظهر وفعل
نافلة العصر. ( ٣ : ٤٦ ).
بعيد ، بالنسبة
إلى النصوص والمصنّفات ، بل بعض منها لا يقبل ذلك ، والبحث وارد على المحقّق أيضا
، فتأمّل بعد التتبّع والملاحظة.
مضافا إلى أنّه
إذا كانت المبادرة مستحبّة على ما ذكرت فلا وجه لاختيار النبي 6 في بعض الأوقات
التفريق ، مع أنّه مشقّة ظاهرة منضمّة إلى ترك فضيلة. وجواز التفريق المرجوح
يتأتّى بالقول ، فلا حاجة إليها ، كيف؟ وغالب الأوقات كان 6 يفرّق ، وما كان
يجمع إلاّ نادرا ، كما يظهر من الأخبار ، ويعضدها الاعتبار الحاصل من الآثار ،
والمستفاد من بعض أنّه 6 حين الجمع والإتيان بالنوافل ما أذّنوا له بل أقاموا فقط ، فتأمّل.
قوله : ويمكن الجواب عنه أيضا. ( ٣ : ٤٧ ).
لا يخفى أنّ جواب
المحقق لا يتمّ إلاّ بهذا ، إذ اعتراضه أنّه إذا كان الرسول 6 كان يجمع فلا وجه
للأذان الثاني ولا حاجة إليه ، ومعلوم أنّه كان متحقّقا والحاجة إليه موجودة
مطلقا. وكون جوابه أنّ المستحبّ ترك
__________________
الأذان الثاني ـ لاستحباب
الجمع وأنّ استحبابه إنّما هو في خلاف المستحبّ ـ لعلّه فيه ما لا يخفى ، فتأمّل.
قوله : فذهب الشيخ في المبسوط والاستبصار. ( ٣ : ٤٩ ).
فيه نظر ، فإنّ
عبارته صريحة في موافقة المشهور ، كما لا يخفى على من راجعه.
قوله : يعلم باستتار القرص وغيبته عن العين. ( ٣ : ٤٩ ).
اعلم أنّ الغيبة
عن العين تتفاوت بتفاوت المواضع ، وبعض المواضع لا يتحقّق الغروب بمجرّد الغيبة عن
العين قطعا ، فإنّا إذا كنّا في ساحة البيت ربما يغيب القرص عن أعيننا مع كون شعاع
الشمس على الجدران والسطوح ، ولو صعدنا السطح نرى القرص ونراه ما غاب عن افقنا ولا
شكّ في عدم المغرب بذلك ، ولا يقال عرفا : الآن وقت المغرب جزما ، فإذا كنّا في
البريّة وغاب القرص عن نظرنا ولم يكن سطح ولا جدار ، ولكن نعلم يقينا أنّه لو كان
سطح أو جدار لكان الشعاع باقيا فيهما ، ولو صعدناهما لكنّا نرى القرص جزما على حسب
ما قلناه في العمران وساحة البيت وسطحه وجداره ، فهل يحكم الآن بأنّه وقت المغرب جزما
من جهة عدم جدار ولا سطح ولا شجر ولا منار ولا جبل ولا تلّ؟ وإنّه لو كان واحد
منها موجودا في ذلك الموضع لكنّا نحكم بعنوان الجزم بأنّ الآن ليس وقت المغرب من
جهة الشعاع ورؤية القرص بالصعود.
وأيضا ربما كان
الجدران والسطوح وأمثالهما متفاوتة بحسب الارتفاع ، فربما كان في جدارنا وسطح
بيتنا لا يكون شعاع ولا يرى القرص
__________________
بصعودهما [ و ] سطح الجار وجداره
يكون فيهما الشعاع ، ويرى القرص بصعودهما ، وهكذا ، لأنّ الارتفاع مقول بالتشكيك ،
وننقل الكلام بعد السطح والجدار إلى المنار ، وبعده إلى التلال ، وبعدها إلى
الجبال ، والجبال أيضا في غاية التفاوت.
والأئمّة : ربما لا حظوا ما
ذكرناه وحكموا بالتأخير ، وأشاروا في بعض الأخبار إلى ما ذكرنا حيث قالوا : «
مسّوا بالمغرب قليلا ، فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا » وذلك لأنّ أرض
الكوفة ليس فيها تلال ولا جبال ، مثل ما كان في الحجاز ، سيّما مكّة والمدينة ،
ولعلّ الرسول 6 ما كان يفطر ويصلّي إلاّ بعد ذهاب الشعاع عن التلال
والمواضع المرتفعة ، بل والجبال أيضا.
وأيضا غالب
الأراضي ليست مستوية السطح حتى يعلم أوّل وقت غيبوبة القرص عن أفق المصلّي ، بل
فيها تلال وجبال يمنع عن العلم ، فلعله لذينك الأمرين أمروا : بالتأخير إلى
ذهاب الحمرة المشرقية ، وأقل منه أيضا ، احتياطا ( أو حتما ) والظاهر من
الأخبار الأوّل ، كما ستعرف.
قوله : وأمّا الثانية فبأنّ من جملة رجالها القاسم بن عروة. ( ٣ :
٥١ ).
يمكن الجواب بأنّ
ضعف الروايات منجبرة بالشهرة ، مضافا إلى اعتبار سند بعضها ، وهي كثيرة ، إلاّ أنّ
الظاهر أنّ الأمر بالتأخير فيها
__________________
للاحتياط من
الأمرين اللذين أشرنا إليهما في الحاشية السابقة ، وأنّ ذلك ليس على سبيل تعيين
الوقت ، كما ذكره الشارح.
ويشهد على ذلك
اختلاف مقدار التأخير وظاهر بعض تلك الأخبار ، منه قوله 7 : « مسّوا
بالمغرب قليلا » في الرواية المذكورة في الشرح وفي غيرها ، فظاهر أنّ الإمساء
قليلا ليس بحدّ معيّن مضبوط ، بل فيه مسامحة وتوسعة.
ويؤكّد ما ذكرنا
ما في الخبر الآخر من التعليل بقوله : « فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا
» ، بعد قوله : « مسّوا قليلا » فإنّ مقدار القبلية غير ظاهر أصلا ، مع أنّ
التعليل أيضا يومئ إلى عدم الإيجاب والإلزام ، فتأمّل.
ومنه رواية عبد
الله بن وضّاح عن الكاظم 7 أنّه كتب إليه : يتوارى القرص ويقبل الليل ويزيد الليل
ارتفاعا ، ويستر عنّا الشمس ، ويرتفع فوق الجبل حمرة ، أصلّي وأفطر ، أو أنتظر حتّى
تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب 7 : « أرى لك أن تنظر حتّى تذهب الحمرة ، وتأخذ الحائطة
لدينك » ، وجه الدلالة : طلب الاحتياط لدينه ، مضافا إلى الاكتفاء
بذهاب الحمرة التي فوق الجبل ، وفيه إشارة أيضا إلى ما ذكرناه في الحاشية السابقة
من أنّ الأمر بالتأخير لتحقّق الغيبوبة بالمرّة.
ومنه رواية جارود
وصحيحة بكر بن محمّد اللتان سيذكرهما الشارح ; وظهر لك أيضا اختلاف مقدار التأخير.
وفي بعض الأخبار
ما اكتفوا بذهاب الحمرة المشرقية أيضا ، بل اعتبر
__________________
جواز الحمرة قمّة
الرأس إلى طرف المغرب ، والخبر أيضا ضعيف. وفي بعض الأخبار الضعيفة أنّ الصادق 7 في طريق مكّة
صلّى أوّل غيبوبة الشمس ، وظاهر ذلك عدم داع إلى ذلك من جهة التقية ، والأخبار
الدالة على أنّ وقت المغرب مجرّد غيبوبة القرص من الكثرة بمكان .
على أنّه لا فرق
بحسب الاعتبار بين طلوع الشمس وغروبها ، فلو كان وجود الحمرة المشرقية دليلا على
عدم غروب الشمس وبقائها فوق الأرض بالنسبة إلينا ، لكان وجود الحمرة المغربية
دليلا على طلوع الشمس ووجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت ، لأنّ
استصحاب بقاء النهار إلى أن يثبت خلافه في الأوّل ، واستصحاب عدم النهار إلى أن
يثبت خلافه في الثاني ، وإن كان فارقا بينهما ، إلاّ أنّه لا تفاوت في الثبوت
والدلالة ، كما ذكرنا.
نعم بذهاب الحمرة
المشرقية يحصل اليقين بالغروب وان لم يكن بقاؤها دليلا على عدمه ، وهذا هو السرّ
في اعتباره وجوبا أو استحبابا في الغروب وعدم اعتبار الحمرة المغربية في الطلوع ،
فتأمّل جدّا ، ( والاحتياط واضح ) .
قوله : وقال في الخلاف : آخره غيبوبة الشفق وأطلق. ( ٣ : ٥٤ ).
وظهر ذلك من كلام
الكليني ; حسب ما ذكره الشارح في أوّل
__________________
مبحث الوقت ، فلاحظ.
قوله : لكن لو قيل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسي كما هو مورد
الخبر كان وجها قويا ( ٣ : ٥٦ ).
لكن مقتضاه تقديم
الحاضرة على الفائتة ، وهو مخالف للمشهور عند القدماء والأخبار الكثيرة الصحيحة ،
كما سيجيء.
ومثل صحيحة ابن
سنان روى أبو بصير عن الصادق 7. إلى قوله : « قبل طلوع الشمس » ، ثمّ قال : « وإن خاف أن
تطلع الشمس وتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء حتى تطلع الشمس ويذهب
شعاعها ثم ليصلّها » ، وربما يظهر من الروايتين بقاء الوقت بعد طلوع الفجر أيضا
في الجملة ، فتأمّل.
ومع ذلك يمكن
الحمل على التقية ، كما يومئ إليه الرواية الثانية ، بل قال الشهيد الثاني :
وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالّة على امتداد الوقت إلى الفجر على التقية ،
لإطباق الفقهاء الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار . انتهى.
وظهر الجواب عن
رواية عبيد بن زرارة عن الصادق 7 أيضا ، لأنّه قال فيها : « لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة
، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر » . فتأمّل.
قوله : وجه الدلالة. ( ٣ : ٥٩ ).
__________________
يدلّ على بطلان ما
ذهب إليه الشيخان ومن وافقهما وإتمام مذهب المشهور بضميمة عدم القول بالفصل ، لكن
الشيخ ; في النهاية والتهذيب قائل بالفصل ، قائل بجواز التقديم لعذر أو لضرورة إن لم
يقدّم تفوت الصلاة ، ولعلّ مثل السفر من الأعذار عنده ، بل الظاهر أنّه كذلك
، فالحجّة عليه أيضا الأخبار المطلقة ، وهي كثيرة : منها : ما ذكر.
ومنها : رواية
داود بن فرقد المنجبرة بعمل الأصحاب ومرّت.
ومنها : الموثّق
عن زرارة عن أبي عبد الله 7 : أنّ رسول الله 6 صلّى المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير
علّة ليتّسع الوقت ، وكذلك فعل في الظهرين ، لكن في كتاب العلل ذكر موضع ( قبل أن
يغيب الشفق ) : بعد أن يغيب الشفق ، وبمضمونها روى إسحاق بن عمار عن الصادق 7 .
ومنها : رواية
إسماعيل بن مهران عن الرضا 7 .
قوله : والجواب بالحمل على وقت الفضيلة جمعا بين الأدلّة. ( ٣ :
٥٩ ).
الحمل على التقيّة
أو الاتقاء أقرب ، لكن الأولى والأفضل بل الأحوط أيضا أن لا يصلّى قبل غيبوبة
الشفق ، خروجا عن الخلاف والريبة الحاصل
__________________
من اختلاف الأخبار
، وإن كان الظاهر جواز الفعل قبل غيبوبة الشفق ، لما ذكرناه ، فتدبّر.
قوله : لأخّرت العتمة. ( ٣ : ٦٠ ).
وفي العلل ، في
الموثق كالصحيح ، عن الصادق 7 : « قال رسول الله 6 : لو لا نوم الصبي وعلّة الضعيف لأخّرت العتمة إلى ثلث
الليل » .
قوله : إلى ثلث الليل. ( ٣ : ٦٠ ).
وفي رواية رجاء بن
أبي ضحّاك : أنّ الرضا 7 كان يصلّي العشاء قريب ما يمضي من الليل الثلث .
وصحيحة ابن سنان
لا دلالة لها على الاستحباب ، لأنّ فعله 7 في ليلة من الليالي مخالفا لطريقته المستمرّة لا يكون
ظاهرا في رجحانه في نفسه ، بل ربما كان مشيرا إلى خلافه ، وأنّه كان في تلك الليلة
علّة وداع.
وأمّا غير الصحيحة
فلا يكون حجّة عند الشارح ، بل هو معارض للأخبار الكثيرة الدالّة على رجحان
المسارعة وأفضلية أوّل الوقت ، ومرّ بعضها في بحث أوّل وقت العصر ، فلا حظ وتأمّل.
قوله : أجمع العلماء كافّة. ( ٣ : ٦١ ).
مقتضى هذا الإجماع
والأخبار الموافقة له تعيّن كونه ابتداء الفجر ، فما في صحيحة زرارة : من أنّ رسول
الله 6 كان يصلّي إذا أضاء حسنا
__________________
ـ مع أنّه لا يدلّ
على كون ذلك أوّل وقت الإجزاء ـ لا يقاوم ما ذكرنا ، فلعلّه محمول على الأفضلية أو
الاحتياط التامّ في تحقّق الصبح. وأمّا القبطية البيضاء إذا نشرت في أفق
المصلّي في سواد الليل فلعلّه لا يظهر منه أزيد من الفجر المعترض المتحقّق ،
فتأمّل جدّا.
قوله : « وأضاء حسنا » ( ٣ : ٦١ ).
في دلالتها على ما
ذكره تأمّل ، فالعمدة هو الإجماع والأخبار المنجبرة به ، وسيجيء في صحيحة ابن
سنان وحسنة الحلبي : « انّ وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء
» ، وفي الصحيح ، عن يزيد بن خليفة ، عنه 7 : « وقت الفجر حين يبدو حتى يضيء » .
قوله : وما رواه الشيخ في الموثّق. ( ٣ : ٦٢ ).
في هذه الموثقة شيء
ذكر سابقا مع أنّ الشارح ; لا يقول بحجية الموثق ، فالعمدة الأخبار المنجبرة بالشهرة
وصحيحة ابن يقطين بعد ثبوت الإجماع المركّب ، لكن في دلالتها على كون ما بعد
الإسفار وقت الاختيار تأمّل.
قوله : فإنّ لفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة. ( ٣ : ٦٣ و ٦٤ ).
يمكن أن يقال :
إنّ عدم الانبغاء أعمّ من الكراهة والحرمة ، لكن قوله قبل ذلك : « وقت الفجر حين
ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح » مقتضاه أنّ بعد التجلّل لا يكون وقت الفجر
بدلالة مفهوم الغاية ، وهو من أقوى
__________________
المفاهيم ، وكذا
قوله بعد ذلك : « ولكنّه وقت. » ظاهر في كونه وقتا لهؤلاء الجماعة خاصّة ، فتعيّن
كون « لا ينبغي » هنا للحرمة.
والشغل وإن كان
أعمّ ، إلاّ أنّه ربما يكون الظاهر المتبادر في أمثال المقام الضروري ، مع أنّه لم
يقل : لمن له شغل ، بل قال : « شغل » ومعلوم أنّ المراد : شغل عن الصلاة وتركها من
جهة شغله ، ومعلوم أنّه يصلّي حينئذ البتّة ، لا أنّه يترك الصلاة من جهة أنّه شغل
عنها ، فلا مانع من أن يكون وقتا ، أمّا بالنسبة إلى الضروري فوقت الأداء ، وأمّا
غير الضروري فوقت القضاء ، وعلى أيّ تقدير وقت لمن شغل عنها أو نسي أو نام ، لا
أنّه وقت مطلقا ، لكنه لا يقاوم أدلة المشهور ، ومع ذلك الاحتياط واضح ، فتأمّل.
ويدل على مختار
الشيخ ومن وافقه صحيحة أبي بصير أنّه سأل الصادق 7 : متى يحرم الطعام على الصائم وتحلّ صلاة الفجر؟ قال : «
إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء ، فثم يحرم الطعام وتحلّ الصلاة » ، قلت :
أو لسنا في وقت إلى أن يطلع [ شعاع ] الشمس؟ قال : « هيهات ، أين تذهب؟ تلك صلاة
الصبيان » .
قوله : لا يدل على المطلوب. ( ٣ : ٦٨ ).
بل دلالتها على
خلاف المطلوب أظهر.
قوله : فقال الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب : وقت نافلة الظهر.
( ٣ : ٦٨ ).
__________________
لا يخفى أنّ
المصنّف نقل القول بابتداء النافلة ما دام وقت الاختيار باقيا ، وكذلك نقل الشهيد
في الدروس ، ثم قال : وظاهر الشيخ في المبسوط استثناء قدر الفريضتين .
أقول : القائل
بوقت الاختيار والاضطرار كيف يجوّز فعل النافلة مقدّما على الفريضة إلى آخر وقت
الاختيار؟ إذ يلزم منه تأخير الفريضة عنه من غير اضطرار ، فلعله أيضا يقول مثل
الشيخ ، ويحتمل أن يكون هذا القائل هو الشيخ ، كما يظهر من الشارح ويكون الشهيد
توهّم من ظاهر المصنّف.
وممّا ذكر ظهر
مستند الشيخ ، إذ مرّ الأخبار الدالة على انتهاء وقت الاختيار بصيرورة ظلّ كلّ شيء
مثله ، وسيجيء أنّ حائط مسجد رسول الله 6 كان ذراعا ، فيكون ظاهر صحيحة زرارة الآتية ابتداء وقت
النافلة إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله ، لكن مقتضى ما دل على انتهاء وقت الاختيار
إلى ذلك أيضا استثناء مقدار الفريضة البتّة ، لعدم جواز تأخير الفريضة عن المثل ،
بل في قوية سماعة المروية في الكافي والتهذيب : « وليس بمحظور عليه أن يصلّي
النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت » .
قوله : والطعن في سند الروايات المتضمّنة لذلك. ( ٣ : ٦٩ ـ ٧٠ ).
لا يخفى أنّه يحصل
للمجتهد من أمثال هذه الأخبار ظنّ بل وقويّ منه ، لأنّ الخبر في نفسه يفيد الظنّ ،
سيّما والمشايخ العظام ضبطوها واعتنوا
__________________
بشأنها ، بل
وحكموا بصحتها إلى غير ذلك من الأمارات ، وقد أشرت إلى كثير منها في تعليقتنا على
الرجال الكبير من الميرزا ; ، والمدار في الفقه على الظنون ، ولم نجد لكلّ ظنّ اعتبروا
دليلا قطعيا يدل على اعتباره بالخصوص ، كما هو غير خفي ، وليس من جانب قوله تعالى ( إِنْ
جاءَكُمْ فاسِقٌ ). مانع ، كما بينته مبسوطا في التعليقة .
سلّمنا ، لكن لا
يخفى أنّ المناط في الألفاظ وموضوعات الأحكام هو الظنون ، وليس هذه بأنقص من مثل
قول صاحب القاموس ، وغير خفي أنّه لو كان قال : المصطلح في أمثال ذلك الزمان أنّه
متى قالوا : القامة ، أرادوا به الذراع في أمثال المقام ، كنتم تعتمدون عليه في
فهم الحديث ، وفي المقام ورد أخبار متعدّدة متضمّنة لهذا المعنى ، منها : رواية
صالح بن سعيد وغيرها من الأخبار ، فلا وجه لعدم الاعتماد بعد ما ظهر من
اشتراك العلّة وعدم ضرر المانع ، وغير خفي أنّ العلّة هي ما أشرنا من الاكتفاء
بالظنّ في موضوع الحكم الشرعي ، ولا يقدح فسق الناقل ولا كفره ، كما هو المحقّق في
موضعه ، نعم وقع الخلاف في إثبات اللغة بالقياس أو الدليل ، والمشهور العدم ،
فتأمّل.
قوله : صريح في اعتبار قامة الإنسان. ( ٣ : ٧٠ ).
لا يخفى أنّه ليس
بصريح بعد ما علم من أنّه يكفي في الإضافة أدنى ملابسة ، غاية الأمر الظهور ، لكن
بعد ما ثبت من أنّ لفظ القامة اصطلاح في
__________________
الذراع أو سلّم
ذلك [ و ] كان الظاهر بل المعنى الحقيقي الذي هو المنصوص من لفظ
القامة هو الذراع ، لعلّه لا يبقى ظهور ، سيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة في
المثل والمثلين ، والقامة والقامتين ، والذراع والذراعين فتأمّل.
قوله : ويمكن أن يستدل للقول الثالث. ( ٣ : ٧٠ ).
في الاستدلال بما
ذكر نظر ظاهر ، لأنّ الروايتين تدلان دلالة واضحة على أنّ النافلة صحيحة في جميع
الأوقات ، ليس لصحتها شرط من طرف الوقت ، كما أنّ الهدية ليس لها شرط من طرفه ، بل
صرّح في الأخيرة بأنكّ إن شئت في أوّل النهار وإن شئت في الوسط والآخر من دون
تفاوت ، والقائل لا يجوّز ذلك جزما ، بل يجعلها من الموقّتة وقتها دائرا مع وقت
الفريضة ( كوقت الفريضة ) .
والأخبار الدالّة
على عدم اشتراط الوقت لها كثيرة ، بل بعضها صريح في أنّ فعلها في أوقاتها المعهودة
أفضل ، وإلاّ ففي أيّ وقت فعلت تكون صحيحة ، مثل رواية القاسم بن الوليد : أنّه
سأل الصادق 7 : نوافل النهار كم هي؟ قال : « ستّ عشرة ، أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها
صلّيتها ، إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل » .
وفي الصحيح عن عبد
الأعلى : أنّه سأل الصادق 7 عن نافلة النهار ، قال : « ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ،
إنّ علي بن الحسين 7 كان له ساعات من النهار يصلّي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو
سلطان قضاها ، إنّ النافلة
__________________
بمنزلة الهدية متى
أتي بها قبلت » .
ويظهر بملاحظة صدر
هذه الرواية وذيلها أنّ القضاء هنا بمعنى الفعل خارج وقت الفضيلة.
فهذه الروايات
صريحة في أنّ النافلة في جميع الأوقات صحيحة ومجزئة ، إلاّ أنّ أوقاتها المعهودة
ليست أوقات الصحة والإجزاء ، بل هي أوقات الفضيلة ، كما صرّح به في بعضها ،
ويقتضيه الجمع بين الأخبار.
فما ذكره في
الجواب فاسد أيضا ، لما عرفت ، ولأنّ المطلق والمقيد لا دخل لهما في ما نحن فيه ،
فإنّ المقيد نص ، والمطلق فيه ظهور ضعيف بالنسبة إلى عدم القيد ، ولذا يرفع اليد
عن الضعيف بسبب القوي والنص ، وما نحن فيه ليس كذلك جزما ، كما عرفت ، وسيجيء عن
الشارح ; الاعتراف بما ذكرنا.
قوله : واستدل بما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر. ( ٣ : ٧٢ ).
يدل عليه أيضا ما
رواه هو والكليني عن حمّاد بن عيسى في الصحيح ، عن يزيد بن ضمرة الليثي ، عن محمد
، عن الباقر 7 : الرجل يشتغل عند الزوال أيعجل من أوّل النهار؟ قال : « نعم إذا علم أنّه
يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها » والظاهر أنّ هذا الشرط لأجل تدارك الفضيلة ، وإلاّ فظاهر
الأخبار الجواز مطلقا ، كما يشير إليه الشارح ; بل بالنسبة إلى جميع النوافل أيضا من غير خصوصية بنافلة
الزوال.
__________________
قوله
: ويدل عليه أيضا
حسنة محمد بن عذافر. ( ٣ : ٧٣ ).
وفي الكافي روى
بسنده عن محمد بن عذافر ، عن عمر بن يزيد ، عن الصادق 7 : « اعلم أنّ
النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتي بها قبلت » .
قوله : إنّ النهي عن التطوع في وقت الفريضة إنّما يتوجّه إلى غير
الرواتب. ( ٣ : ٧٤ ).
المستفاد من
الأخبار شمول التطوّع للراتبة أيضا ، منها صحيحة زرارة المتقدّمة ، بل في صحيحته
الأخرى التي سنذكرها في مبحث قضاء الفوائت على الضيق : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة
فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة » بل تتمّة هذه الصحيحة دالة على شمولها للراتبة التي تزاحم
فريضتها أيضا ، فالظاهر أنّ المراد من الوقت ليس وقت الجواز بل المقرّر الموظّف
شرعا أن يصلّى فيه لأجل النافلة ، أو الأولوية ، وإن جاز التقديم عليه ، فتأمّل.
قوله : وتشهد له صحيحة أبان بن تغلب. ( ٣ : ٧٤ ).
ورواية رجاء بن
أبي ضحّاك أنّ الرضا 7 كان إذا صلّى المغرب وسلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله
ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء الله ثم يسجد سجدتي الشكر ، ثم يرفع رأسه ولم
يتكلّم حتى يقوم فيصلّي أربع ركعات بتسليمتين ، فتأمّل.
لكن يشهد للمشهور
ما ورد في أخبار متعدّدة أنّ المفيض من عرفة
__________________
إذا صلّى المغرب
في المزدلفة يؤخّر النافلة إلى ما بعد العشاء . فلعلّ الأولى بل الأحوط متابعة المشهور في العمل ،
فتأمّل.
قوله : قال : الثلث الثاني. ( ٣ : ٧٦ ).
في بعض النسخ :
الثلث الباقي ، وهو الموافق لفتوى الأصحاب ، وفي كتاب العلل روى بطريق
صحيح على الظاهر ، عن الباقر 7 : « أنّ قوله تعالى ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ
) الآية ، نزلت في أمير المؤمنين 7 وأتباعه من شيعتنا ، ينامون في أوّل الليل ، فإذا ذهب ثلثا
الليل أو ما شاء الله فزعوا إلى ربّهم » الحديث ، وفي كتاب الخصال : في الخصال التي سأل عنها أبو
ذر رسول الله 6 : أيّ الليل أفضل؟ قال : « جوف الليل الغابر » أي الباقي.
قوله : وهو مشترك بين جماعة منهم الضعيف. ( ٣ : ٧٧ ).
الضعف منجبر
بالفتاوى ، مع أنّ الظاهر هارون بن مسلم.
قوله : واستدلوا عليه برواية محمد بن مسلم. ( ٣ : ٨٨ ).
لا يخفى أنّ
المستفاد من الأخبار المنع عن مطلق النافلة الراتبة وغيرها ، بل بعضها صريح في
الراتبة ، وأنّ المراد من وقت الفريضة ليس وقت الإجزاء بل الوقت المقرّر للفريضة
بأن لا يصادم بالنافلة.
قوله : الطاطري. ( ٣ : ٨٨ ).
__________________
الموثّق حجّة ،
كما قرّرنا في محلّه ، مع أنّها منجبرة بعمل الأصحاب والشهرة العظيمة لو لم يثبت
بالإجماع ، فتأمّل ، ومع ذلك منجبر بالصحيح أيضا.
قوله : ويمكن حمل هذه الروايات على الأفضلية. ( ٣ : ٨٩ ).
فيه : أنّ الحمل بعد التكافؤ ، والحسنة ليست متكافئة للصحيحة ،
سيّما مع معاضدتها بالأخبار الكثيرة المنجبرة ، وقوّة الدلالة ، لعدم جواز الصوم
النافلة ممّن عليه فريضة ، وجواز إرادة الفضل في الأمر الواجب ، وإن كان الظاهر
منه الاستحباب ، إلاّ أن يتمسك بصحيحة عمر بن يزيد ويقوّي الحسنة بها ، لأنّ
الظاهر منها عدم المنع في غير الوقت الذي شرع المقيم فيه بالإقامة : مقيم إمام
المصلّي ، وهذا يخالف مقتضى صحيحة زرارة وغيرها ، ولم يقل أحد بهذا التفصيل ، مع
أنّه يضرّ القائلين بالمنع على أيّ حال ، فيجب حمل تلك الأخبار على الاستحباب ،
فتأمّل.
قوله : في صحيحة زرارة الواردة في من فاته شيء من الصلوات. ( ٣ :
٩٠ ).
سيجيء الكلام في
المقام في كتاب قضاء الصلاة .
قوله : كما بيّناه فيما سبق ( ٣ : ٩٢ ).
قد بيّنا فيما سبق
أنّ الحقّ مع العلاّمة ; وإن كان القضاء بفرض جديد ، كما صرّح به العلاّمة واختاره
صريحا ، وذلك لأنّ القضاء
__________________
تدارك ما فات ،
وليس له معنى سوى ذلك ، والأدلة الدالة على وجوب القضاء أيضا تقتضي ذلك ، لأنّهم
حكموا بفعل الصلاة التي فاتت [ و ] فيما لم يكن له وقت الصلاة لا يقال : فاتت الصلاة ، بل
يقال : لم يجب بعد ولم يطلب. ألا ترى أنّه في وقت الضحى لا يقال : فاتت الصلاة ،
أي صلاة الظهر الآتية ، وهذا من البديهيّات ، فكما أن وقت الضحى لا يقال : فاتت ،
فكذلك أوّل الزوال أيضا لا يقال : فاتت ، لأنّها لم تجب بعد ، نعم في الظنّ إدراك
الصلاة ، ويمكن أن يقال : بحسب المظنّة تعلّق الخطاب ، لكن إذا ظهر يقينا أنّه ما
تعلّق به الخطاب من جهة عدم الوقت ـ والوقت شرط للتكليف والخطاب ـ لم يصدق الفوت
والقضاء ، فتأمّل.
قوله : وهذه الروايات وإن ضعف سندها. فيتعين العمل بها ( ٣ : ٩٣ ).
هذا حقّ ، كما
بيّنا سابقا ، لأنّ الله تعالى أمر في خبر الفاسق بالتبيّن لا الردّ ، والتبيّن
حاصل بعمل الطائفة ، وإن لم يصل إلى حدّ الإجماع ، لأنّ الله تعالى شرط للعمل
بالخبر أحد شرطين : العدالة أو التبيين ، فكما يكتفون في الأوّل بالظنّ كذا يكتفون
في الآخر ، لأنّ الدليل واحد ، ولا يمكن إثبات العدالة في جميع سلسلة سند الحديث
بشهادة العدلين ، بل لا يمكن الشهادة أصلا ، كما حقّق في محلّه ، وإنّ المدار على
الترجيحات الاجتهادية ، هذا.
لكن هذا خلاف ما
صرّح به الشارح مرارا من أنّ عمل الأصحاب لا ينفع ضعف السند ، لأنّه إن بلغ حدّ
الإجماع فهو حجّة لا فائدة في الخبر ،
__________________
وليس هو حجّة ،
وإلاّ فأيّ فائدة في عمل الأصحاب؟!
قوله : وإن كان بعضه وقتا للعصر لولا إدراك الركعة. ( ٣ : ٩٥ ).
مقتضى الاستصحاب
كونه وقتا للظهر ، وأيضا لا شكّ في أنّ الآن لا يصح غير الظهر فيه ، فكيف يكون
وقتا للعصر؟! إلاّ أن يراد من الوقت ما يصح الفعل فيه في الجملة ، فيكون بهذا
المعنى وقتا للظهر والعصر معا ، ولا مشاحّة في الاصطلاح ، إلاّ أنّه في الواقع إلى
الآن وقت الظهر ، كما لا يخفى.
قوله : وهو ضعيف جدّا. ( ٣ : ٩٧ ).
لعلّ مراده ; أنّ المولى إذا
طلب من عبده أمرا فالامتثال موقوف على الإتيان بذلك الأمر على سبيل اليقين ، لأنّ
الإطاعة والامتثال هو الإتيان بنفس ما طلب منه ، لا بما ظنّ أنّه الذي طلب ، إلاّ
مع صورة تعذّر العلم به ، فهو قرينة على أنّ المطلوب منه هو مظنونه ، فحيث يتأتّى
الإتيان بنفس المطلوب لو أتى بما هو ظنّة يذمّه العقلاء ، ويعدّونه غير المطيع ،
ولا تأمّل في ذمّ العقلاء حينئذ ، سيّما بعد ملاحظة الآيات والأخبار في منع العمل
بغير العلم ، وأنّه لا يجوز التعويل عليه.
قوله : بانتفاء ما يدل على ثبوت التكليف مع الظنّ للمتمكّن من
العلم. ( ٣ : ٩٧ ).
هذه العبارة لا
يخفى ما فيها ، إذ لم يفهم منها معنى محصّل ، فالأولى الاستدلال بما ذكرناه ، أو
تبديل هذه بقول : التعويل على الظنّ ، فتدبّر.
قوله : وتدل عليه صحيحة ذريح المحاربي. ( ٣ : ٩٨ ).
لا دلالة في
الروايتين على ما ذكره ، سيّما الثانية ، بل تدل على خلاف ما ذكره ، فالأظهر أنّ
المراد فيهما التعويل على الأذان المفيد للظنّ أيضا إذا
كان وثوق بالمؤذّن
، والرواية الأولى تدل على عدم التعويل على الظنّ مطلقا ، لا أذان الموثوق به ولا
غيره.
فالأجود في الجمع
أنّ مع تيسّر العلم لا يجوز التعويل على الظنّ. وفي صلاة الفجر يتيسّر العلم
غالبا. وأمّا إذا لم يتيسّر العلم كما في الظهر يجوز التعويل على أذان الثقة أعمّ
من أن يكون عادلا أم لا. وعدم تيسّر العلم غالبا في الظهر ظاهر ، إذ تيسّر العلم
فيه إنّما هو بالتأخير لا أوّل الوقت ، والشارع يرضى بأذان الثقة ، بل بكلّ ظنّ
إذا لم يتيسّر العلم ، كما سيجيء ، فتأمّل.
قوله : وهذا يشمل الاجتهاد في الوقت والقبلة. ( ٣ : ٩٩ ).
في العموم تأمّل.
قوله : ويمكن المناقشة في الروايتين الأوّلتين بضعف السند ، وفي
الثالثة بقصور الدلالة. ( ٣ : ٩٩ ).
الضعف منجبر
بالشهرة العظيمة والإجماع المدعى ، والدلالة في الثالثة لا قصور فيها ، إذ لا خفاء
في أنّ الظاهر من مضيّ الصوم صحته وقبوله ، ويؤيّده قوله 7 : « وتكفّ عن
الطعام » إذ الصوم مطلق ، ويؤيّده أيضا عدم الأمر بالقضاء والكفّارة ، مع أنّ
النهار مستصحب حتى يثبت خلافه. وأمّا الفرق بين الصوم والصلاة ففاسد ، لعدم القول
بالفصل ، وابن الجنيد لم يفرّق قطعا ، فكيف يقول : قوله لا يخلو من قوّة؟ مع أنّ
المستفاد من قوله : « فإن رأيته بعد ذلك » أنّه إذا لم يره لا يكون عليه إعادة ،
ومجرّد عدم الرؤية لا يجعل ظنّه قطعا وعلما ، وهو ظاهر. فالرواية في غاية الظهور
في أنّ الحكم في الصلاة أيضا كذلك.
وحمل الرواية على
خصوص حصول الجزم ، إلاّ أنّه تكلّف بعيد ، كما لا يخفى على المتأمّل ، مع
أنّه أيضا خلاف رأي ابن الجنيد والشارح ، فإنّ الجهل المركب غير العلم ، ولم يقل
أحد بالفرق بينه وبين الظنّ.
والأخبار الدالة
على جواز التعويل على الظنّ كثيرة ، منها :
موثّقة ابن بكير
عن الصادق 7 أنّه قال : ربما صلّيت الظهر في يوم غيم فانجلت ، فوجدتني صلّيت حين زوال
النهار؟ فقال : « لا تعد ولا تعد » . ومنها : رواية إسماعيل بن رياح الآتية. ومنها : الأخبار
الواردة في جواز التعويل على المؤذّنين ، وعلى ديوك العراق ، وغير ذلك.
قوله : وضعف سندها يمنع من التمسّك بها. ( ٣ : ١٠٠ ).
سند بعضها قويّ
غاية القوّة ، بل كالصحيحة مع أنّه إذا حصل الظنّ فلا مانع من العمل به ، كما عرفت
من جواز التعويل على الظنّ ، فتأمّل .
قوله : لكنها قاصرة من حيث السند بجهالة الراوي. ( ٣ : ١٠١ ).
هذه الرواية رواها
الكليني ; في الصحيح عن ابن أبي عمير عن إسماعيل. وابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة ،
كما في الرجال ، وممّن لا يروي إلاّ عن الثقة ، كما في العدّة ، مع أنّ الكليني
قال في أوّل كتابه :
__________________
جميع ما فيه من
الآثار اليقينية عن الصادقين : . والشيخ ; أيضا رواها بطريق آخر صحيح إلى ابن أبي عمير ، وهو عن
إسماعيل ، والصدوق أيضا رواها عن إسماعيل ، مع أنّه قال في أوّل
كتابه ما قال ، وطريقه إلى إسماعيل صحيح ، فالخبر قويّ غاية القوة من الوجوه
المذكورة ، إلاّ أنّ الأحوط الإعادة وعدم الاكتفاء.
قوله : والأصحّ الثاني. ( ٣ : ١٠٢ ).
فيه نظر ، وقد مرّ
الكلام فيه ، وحقّقنا تمام التحقيق في الفوائد الحائرية.
قوله : لرواية عليّ بن جعفر. ( ٣ : ١١٤ ).
الاستدلال بهذه
الرواية ليس بشيء ، فإنّ المكلّف له طريق إلى العلم غالبا في صلاة الفجر ، ولذا
استدل للمشهور بهذه الرواية ، إلاّ أن يقال : عموم الرواية يشمل من لم يتمكن من
العلم وإن كان نادرا ، لكن ربما يقول : إنّ العموم منصرف إلى الأفراد الشائعة ،
ومع ذلك مقتضاها عدم الإجزاء ، فالحمل على الاستحباب ليس بأولى من حمل العموم على
الأفراد الشائعة ، مع أنّه ; مال إلى مذهب ابن الجنيد ، وقوّاه ، وبنى على عدم دليل يدل
على جواز التعويل على الظنّ ، وحينئذ فالأولى التعليل بالخروج عن خلاف ابن الجنيد
، واحتمال كون الحق معه ، وإن كان خلاف الظاهر ، كما بيّناه ، فتدبّر.
قوله : لصحيحة هشام بن الحكم. ( ٣ : ١١٤ ).
والظاهر منها وإن
كان بطلان الصلاة ، إلاّ أنّ الإجماع واقع على
__________________
الصحة ، وربما
يظهر ذلك من رواية صحيحة أنّهم : قالوا : « إن لم يخف إعجالا عن الصلاة فلا بأس » ، هذا مضمون
الصحيحة على ما هو ببالي ، والله يعلم.
قوله : في صورتيه المشهورتين. ( ٣ : ١١٤ ).
في الغوالي عن
النبي 6 : « إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ » .
وفيه أيضا أنّ
الخباب بن الأرتّ قال : شكونا إلى رسول الله 6 الرمضاء ، فقال : « أبردوا بالصلاة فإنّ شدّة الحرّ من فوح
جهنّم » انتهى.
قوله : بمثل هذا الخبر المجمل. ( ٣ : ١١٥ ).
لا إجمال فيها ،
لأنّ ظاهرها التأخير لتحصيل البرد ، وقد ذكرنا عن الغوالي ما يؤيّد وروى الصدوق ; في العلل بسنده
إلى أبي هريرة أنّ الرسول 6 قال : « إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحرّ من
فيح جهنّم » الحديث. والحديثان معلّلان بعلّة واضحة ظاهرة. مع أنّه
يظهر من الأخبار الكثيرة أولوية تحصيل حضور القلب ورفع ما يشوّش الخاطر ، وشدّة
الحرّ تشويش بمقتضى طبع الإنسان ، وغاية ما يتيسّر المجاهدة للنفس ، وهذه أيضا
تشوّش الخاطر وتمنع حضور القلب. نعم إن أمكن تحصيله من أوّل الصلاة إلى آخرها من
دون تشويش من طرف المجاهدة يكون الأمر على ما ذكره ، إلاّ أنّه ممّا لا يكاد
يتيسّر عادة ، وغالب الناس
__________________
لا يمكنهم ذلك ،
وحمل الحديث على الفروض النادرة فيه ما فيه.
وقد ذكر ; : أنّه إذا كان
التأخير مشتملا على صفة كمال ـ مثل التمكّن من استيفاء الأفعال على الوجه الأكمل ـ
يستحب التأخير لذلك ، فتأمّل.
قوله : في الوقت المختص بالأولى أو المشترك. ( ٣ : ١١٥ ).
الوقوع في الوقت
المختص مع ظنّ الإتيان بالأولى من الفروض البعيدة ، والأخبار واردة في الفروض
الشائعة المتعارفة ، وقد مرّ الكلام في ذلك ، فتأمّل.
قوله : فإن تمّ فهو الحجّة. ( ٣ : ١١٩ ).
لا تأمّل في
تماميته ، وأنّ المسلمين في الأعصار السابقة إلى الآن ما كانوا يصلّون في المسجد
الحرام إلاّ إلى الكعبة ، بل معلوم أنّ الرسول 6 والأئمّة : أيضا كانوا كذلك ، وربما يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ
الله تعالى جعل الكعبة قبلة.
منها : ما سيجيء
في المباحث الآتية ، مثل كون القبلة جهة الكعبة لا البنيّة ، ومثل الصلاة
فوق الكعبة أو في الكعبة ، وغير ذلك ، وكذا الإجماعات الآتية ، فليلاحظ. والشهرة
تجبر ضعف سند الرواية فضلا عن اتفاق كلّ المسلمين ، فتأمّل جدّا.
ومن الروايات
الدالة على ما ذكرنا : موثّقة معاوية بن عمّار ، عن الصادق 7 أنّه سأله : متى
صرف رسول الله 6 إلى الكعبة؟ قال : « بعد
__________________
رجوعه من بدر » وتوثيقها من
الطاطري ، وهو ممّن ادعى الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته .
وفي الحسن كالصحيح
، عن الحلبي ، عن الصادق 7 : « أنّ الرسول 6 في المدينة كان يجعل الكعبة خلف ظهره في الصلاة حتى حوّل
إلى الكعبة » .
ومنها : رواية أبي
بصير عن أحدهما ـ في سبب تسمية مسجد بني عبد الأشهل بذي القبلتين ـ أنّ النبيّ 6 صرف إلى الكعبة
بعد أن صلّوا الركعتين الأولتين إلى البيت المقدّس .
ومنها : رواية
عليّ بن إبراهيم بسنده عن الصادق 7 ، في شأن نزول آية ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ ). : « أنّ جبرئيل أخذ بعضد النبي 6 وحوّله إلى
الكعبة » .
وبالجملة :
الأخبار بحسب الظاهر متواترة في كون الكعبة قبلة ، بل والمسجد الحرم كونهما قبلة
من جهة الكعبة ، فليلاحظ وليتأمّل.
وأمّا الإجماع فلا
شبهة فيه بل الظاهر أنّه ضروريّ الدين والمذهب ، حتى أنّه يلقّن الأموات ـ فضلا عن
الأحياء ـ الإقرار بأنّ الكعبة قبلتهم ، كالإقرار بأنّ الله ربّهم ، ومحمّدا
نبيّهم ، والإسلام دينهم ، والقرآن كتابهم ، والأئمّة الاثني عشر إمامهم.
__________________
قوله
: وما رواه زرارة.
( ٣ : ١١٩ ).
استدلاله بهذه
الرواية فيه ما فيه ، لأنّ الشطر والجهة ليس ما بين المشرق والمغرب ، وسيجيء
أحكام كثيرة مبنيّة على ذلك والشارح ; قائل بها ، فلعلّ مراده الجهة في صورة النسيان والخطأ ،
فتأمّل.
قوله : فإنّ التكليف بإصابة الحرم. ( ٣ : ١١٩ ).
لا يخفى أنّ
الظاهر من كلام المصنّف ; ولعلّ من شاركه أيضا كذلك ـ أنّ نفس الحرم ليس قبلة للبعيد
بل جهتها ، كما سيجيء في الأحكام ، بل لعلّه لا تأمّل في ذلك.
قوله : وبما رواه عن عبد الله بن محمّد الحجّال. ( ٣ : ١٢٠ ).
ويدل عليه أيضا
الروايتان اللتان تدلان على استحباب التياسر لأهل العراق ، كما سيجيء ،
وما رواه الصدوق في العلل في علّة تحريف أهل العراق قبلتهم ذات اليسار ، بل روى فيه أيضا
بسنده عن الصادق 7 : « أنّ الله تعالى جعل البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد
قبلة لأهل مكّة ، ومكّة قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الدنيا » .
قوله : وحملهما الشهيد في الذكرى على أنّ المراد بالمسجد والحرم
جهتهما. ( ٣ : ١٢٠ ).
ولا شبهة في صحة
الحمل وتعيّنه ، لأنّ الجميع اتفقوا على أنّ علامة قبلة البعيد كذا وكذا من دون
تفاوت أصلا بين الفريقين.
__________________
قوله
: لأنّه لا يعلم
إسلامهم ، فضلا عن عدالتهم. ( ٣ : ١٢١ ).
فيه : أنّ
الموضوعات الشرعية ليست بتوقيفية ، بأن يكون موقوفة على بيان الشرع سوى العبادات ،
أي الكيفية التي لا تصح إلاّ بالنيّة ، ولذا يرجعون إلى الظنون ، مثل قول اللغوي
والنحوي والصرفي ، وأصالة العدم ، وأصالة البقاء ، والقرائن الظنيّة ، وقول أهل
الخبرة في الأرش وأمثاله ، وقول الطبيب ، وغير ذلك من الظنون ، ومنها المرجّحات ،
والتفصيل في رسالتنا في الاجتهاد والأخبار ، ومع ذلك ورد هنا الأمر بالتحرّي ، وهو الأخذ بما هو أحرى
وأقرب في النظر إذا لم يتحقّق العلم ، ومن الهيئة ربما يحصل العلم بالجهة ، ولا
شكّ في حصول الظنّ الأقوى والأحرى منها ، وتقليد أهله ممكن ومشروع ، بل واجب إذا
انحصر الأحرى فيه ولم يكن أحرى منه ، على أنّه ; سيصرّح بجواز التعويل على قول الكافر الواحد محتجّا بأنّه
نوع من التحرّي ، فتدبّر ، ( وأي فرق بين ما إذا تيسّر الرجل الكافر وما
إذا تيسّر القواعد المقرّبة لليقين بالجهة والظنّ باليقين ) .
قوله : ويدل عليه ظاهر الآية الشريفة. ( ٣ : ١٢٢ ).
لا دلالة فيها ،
بل الشارح يمنع كون الكعبة قبلة من جهة دلالة الآية ، فتأمّل.
قوله : وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان. ( ٣ : ١٢٢ ).
هذه الرواية
موثّقة بالطاطري ، وهو ممّن ادعى الشيخ الإجماع على العمل بروايته ، ورواية أبي
إسماعيل صحيحة إلى ابن مسكان ، وهو ممّن
__________________
أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه.
قوله : بعدم تسليم كون القبلة هي الجملة. ( ٣ : ١٢٤ ).
المراد من الجملة
القطر والقدر الذي يحاذي المصلّي من قطر الكعبة ومجموعها ، والمصلّي داخلها لا
يحصل له هذا ، والقدر الثابت من الأدلة كون الجملة قبلة ، وأمّا كون أيّ بعض منها
قبلة فلم يثبت لو لم نقل بثبوت العدم ، بل الظاهر العدم ، لصحة ما دل على المنع
وتعدّده ، وظاهر الأخبار الكثيرة ، لو لم نقل متواترة في أنّ الكعبة قبلة ، فإنّ
المتبادر منها هو ما ذكرناه. مع أنّه لو كان أيّ جزء من الكعبة قبلة لكان يلزم
استدبار الكعبة وعدم استقبالها أيضا في حال استقبال أيّ جزء ، فتأمّل.
ويدل على كون
القبلة هي الجملة ما سيجيء في المسألة الآتية.
قوله : وظهور لفظ « لا يصلح » فيه ، كما لا يخفى. ( ٣ : ١٢٥ ).
الظهور محلّ نظر ،
نعم ربما لا يكون ظاهرا في الحرمة ، وإن كان ذلك أيضا ربما لا يخلو عن مناقشة ،
لأنّ الصلاح في مقابل الفساد ، فتأمّل.
مع أنّ النهي في
الرواية الأولى صريح في الحرمة أو ظاهر فيها ، والموثّق ليس بحجّة عند الشارح ، مع
أنّه في مقام التعارض لا يقاوم الصحيح البتّة ، فتأمّل.
والنهي حقيقة في
الكراهة ، والأصل الحقيقة حتى يثبت خلافها.
ويشير إلى أنّ
المراد من « لا يصلح » في الصحيحة هو النهي : أنّ الشيخ روى في الصحيح ، عن محمد
بن مسلم ، عن أحدهما 8 ، قال :
__________________
« لا تصلّ
المكتوبة في جوف الكعبة » ، فظهر أنّ إحدى الروايتين نقل بالمعنى المراد من الأخرى ،
فلم يثبت ما يخالف صحيحة ابن عمّار ، لو لم نقل بظهور المؤكّد لها ، بل الظاهر أنّ
المراد من « لا يصلح » هو النهي ، لأنّه قابل لإرادة النهي منه على أي تقدير ،
بخلاف النهي الخالي عن القرينة ، فإنّه غير قابل للكراهة ، كما لا يخفى ، فتدبّر.
واحتمال كونهما
روايتين عن ابن مسلم بعيد ، بملاحظة سند الاستبصار والراوي والمرويّ عنه ، وأنّه
كيف ما روى روايته الأخرى للراوي ، واقتصر بإحداهما لإحداهما وبالأخرى للأخرى؟
اللهمّ إلاّ أن يكون فهم اتحاد المراد ، وهو المطلوب ، فتدبّر.
مع أنّ في آخر
صحيحة معاوية بعد ما نقله الشارح ; قال : « فإن النبي 6 لم يدخل الكعبة في حجّة ولا عمرة ، ولكن دخلها في فتح مكّة
، وصلّى ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد » انتهى. ولا يخفى
على المتأمّل فيه أنّ الظاهر منه كون جواز الفريضة فيها من بدع العامّة ، وأنّهم
يحتجّون في ذلك بفعل النبي 6 ، وأنّ الصادق 7 كذّبهم وخطأهم في ذلك ، فربما يكون الموثّقة واردة على
التقية ، هذا.
مع أنّ العبادات
توقيفية ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية أو العرفية ، فعلى تقدير
الاشتباه أيضا يشكل الاكتفاء.
ويمكن حملها على
حالة الاضطرار أيضا ، بناء على وقوع الازدحام الشديد بعد ما دخل فيها ودخل الوقت ،
فتأمّل.
قوله : والاستقبال والركوع والسجود. ( ٣ : ١٢٥ ).
__________________
إلاّ أنّ الأمر في
الاستقبال ربما كان مشكلا ، لما مرّ ، إلاّ أن يقال : إنّه أولى من استقبال البيت
المعمور بالنظر إلى الأدلة ، فتأمّل.
قوله : والروايتان ضعيفتا السند جدّا. ( ٣ : ١٣٠ ).
قد بيّنا في
تعليقتنا على رجال الميرزا ; حجّية أمثال هذه الروايات ، مع أنّ الضعف
منجبر بعمل الأصحاب مع أنّ المقام مقام الاستحباب ، فلا يضرّ الضعف ، لما بيّن في
محلّه.
وقوله : العمل
بهما لا يؤمن معه. ، فيه : أنّ القبلة هي الجهة وفيها من السعة ما لا يخفى ، وإن
قلنا بأنّ الحرم قبلة ، لما مرّ.
قوله : على أقوى الظنّين. ( ٣ : ١٣٣ ).
والتقليد حينئذ
نوع من الاجتهاد ، والمدار في جميع الأمارات الاجتهادية على ذلك ، كما لا يخفى.
قوله : وأسنده في المعتبر. ( ٣ : ١٣٦ ).
وكذا العلاّمة في
المنتهى ، ونسبه المحقّق الثاني أيضا في شرح القواعد إلى ظاهر
الأصحاب ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه أيضا ، وحكي التصريح به عن
الغنية .
قوله : لنا أصالة البراءة ممّا لم يقم دليل على وجوبه. ( ٣ : ١٣٦
).
الأصل لا يعارض
العمومات الدالة على وجوب الاستقبال ، إلاّ أن
__________________
يقال : العمومات
مخصّصة بما سيذكر من الأخبار ، فيبقى الأصل سالما ، لكن لا يلائم هذا جعل الأصل
دليلا ( برأسه والخصوصيات دليلا ) برأسه.
قوله : ونزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر. ( ٣ : ١٣٦ ).
الظاهر أنّه من
كلام الصدوق ، لعدم المناسبة بينه وبين الصدر بحيث يصير تتمّة ، فلاحظ وتأمّل ،
فإنّ الصدر يتضمّن أنّ قبلة من سأل عن حاله ما بين المشرق والمغرب ، لا أنّه لا
قبلة له أصلا ، ولأنّ الشيخ روى هذه الصحيحة ولم يكن فيها ما ذكره ، ولأنّ الوارد
عن الأئمّة : أنّ الآية المذكورة نزلت في النافلة ، كما في التبيان ، وتفسير علي بن
إبراهيم ، وتفسير العياشي ، بل لم يعهد في تفسير ورود نص عن الأئمة ع أنها نزلت في
المتحيّر ، بل هذا شيء ذكره بعض المفسرين ، على أنّ احتمال كونه من الصدوق ممّا لا تأمّل فيه أصلا ،
فكيف يمكن الاستدلال به؟
قوله : فلا تعويل عليها. ( ٣ : ١٣٧ ).
يمكن أن يقال :
الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، و [ المراد بقوله ] : كنّا وأنتم
سواء في الاجتهاد ، أي في مسألة الاجتهاد وحكمه ، وهو أنّه إذا تأتّي الظنّ عمل به
وإلاّ سقط اعتبار القبلة ، لأنّ أدنى ما يتحقّق به اعتبارها هو الظنّ.
__________________
على أنّا نقول :
الظاهر من الأخبار والآثار أنّ الاجتهاد كان اصطلاحا في العمل بالرأي من دون
استناد إلى النص بل بمجرّد الرأي والاستحسان ، ولذا صرّح بحرمته من صرّح من
قدمائنا مثل السيد المرتضى ; فلاحظ كلامهم حتى يظهر ما ذكرناه لك ، فحرمة ذلك كان من
شعار الشيعة وضروريات مذهبهم ، كما يظهر من هذا الخبر.
فحاصل اعتراضه :
أنّكم تحرّمون وتنكرون علينا ، وفي هذه الصورة توافقوننا.
وحاصل الجواب :
أنّه يجب تحصيل العلم وعدم الاكتفاء بالاجتهاد ، وبالصلاة إلى أربع وجوه يحصل
العلم ، إلاّ أن يرد نص من الشارع بعدم لزوم تحصيل العلم والاكتفاء بالتحرّي ،
فإذا أطبقت السماء يجب الصلاة لأربع وجوه مطلقا إلاّ أن ينص الشارع بعدم الوجوب ،
فإذا نص فليس حينئذ باجتهاد ، والحاصل : أنّ مقتضى قاعدتنا الصلاة لأربع وجوه ولا
تنخرم تلك القاعدة لو فرض صدور نص من الشارع بالتحرّي في صورة خاصّة ، فتأمّل.
مع أنّ الوارد في
الأخبار أنّ التحرّي يجزي ، لا أنه يجب بحيث إنّه لو صلّى لأربع وجوه وحصل العلم
فعل حراما ، ففي الصورة الخاصّة أيضا مجرّد الإجزاء ، والاجتهاد عندهم حجّة مثل
اليقين. والنص بالإجزاء لمّا كان منهم فلعلّه 7 ما رأى المناسب والمصلحة التصريح بهذا ، لأنّه في صدد
الجواب عن اعتراض العامّة ، فتأمّل جدّا ، فإنّ وجه عدم المصلحة أنّهم : ما كان يعجبهم
الإظهار عند أمثال هؤلاء من العامّة أنّهم بأنفسهم شرع وأنّ
__________________
نصهم نص الشارع.
مضافا إلى أنّه 7 لو كان يظهر
لكانوا يعترضون بأنّ الاجتهاد لو كان قبيحا فلم جوّزتم؟ وإلاّ فلم شنعتم؟ والراوي
ما كان يتحمّل جواب هذا الاعتراض ، لقصور الفهم وعدم القابليّة ، أو لا ينفع
المعترضين بل يصير منشأ لتشنيعهم على الشيعة وطول لسانهم ، إمّا لعدم قابليتهم أو
لعنادهم.
فإن قلت : الرواية
حينئذ خرجت عن الحجّية ، لأنّ المأمور به فيها لا قائل به ، ومحلّ النزاع لم يؤمر
به.
قلت : إطباق
السماء أعمّ من التمكّن من الاجتهاد وعدمه. وقوله : سواء في الاجتهاد ، يعني لو
تمكّنّا ، فقوله 7 : « إذا كان ذلك » يعني : مطلق الإطباق ، لا بشرط الاجتهاد
، إذ يصير حينئذ [ فيه ] حزازة ، لأنّ المعنى أنّه تجب الصلاة إلى جهة بشرط الظنّ
بعدم كونها قبلة لو لم يظنّ بكونها قبلة ، أو بشرط التمكّن من الظنّ بعدم كونها
قبلة ، وفيه ما فيه ، لأنّ مع الظنّ بالعدم لو كان واجبا فمع الاحتمال بطريق أولى
، فكيف وأن لا يكون مساويا؟ فتأمّل.
قوله : والجواب : إنّا لا نسلّم وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة
، والسند ما تقدّم ( ٣ : ١٣٧ ).
لا يخفى أنّ
العمومات تقتضي الوجوب ، والسند عند المحقق يعارضه السند المعمول به.
ويمكن الجمع
بينهما بحمل الأوّل على الإجزاء ، كما هو صريح لفظه ، والثاني على الأفضلية ، وأنّ
غرض المعصوم 7 منع ما ادعاه المعترض من التسوية في الاجتهاد ، فإنّ الاجتهاد عندهم نازل
منزلة اليقين ، كما أشرنا ، فإذا كان في صورة حصول الاجتهاد ، الأفضل يكون كذا ففي
غيره بطريق أولى ،
مع أنّ جوابه 7 عام ، كما أشرنا في الحاشية السابقة ، فتأمّل.
أو يكون المراد
أنّ مقتضى الأصل والقاعدة عندنا الصلاة لأربع وجوه ، إلاّ أن يرد رخصة من الشارع ،
كما مرّ.
أو يكون الأوّل
محمولا على التقيّة ، فتأمّل. أو يكون المصلحة في الثاني الأمر بالصلاة لأربع وجوه
، لأنّه في مقام ردّ شبهتهم ، فتدبّر.
قوله : يدل عليه ما رواه الشيخ. ( ٣ : ١٣٩ ).
مضافا إلى ما دل
على وجوب القيام ووجوب الاستقرار.
قوله : وتجزيه فاتحة الكتاب. ( ٣ : ١٣٩ ).
الظاهر من هذه
الصحيحة وجوب السورة على غير المعذور ، كما سيجيء.
قوله : ولم يثبت توثيقه. ( ٣ : ١٣٩ ).
إلاّ أنّه لم
يستثن من رجال نوادر الحكمة ، مع أنّه يروي عنه ، وفيه شهادة على وثاقته ،
والعلاّمة صحّح رواياته في المنتهى والمختلف ويظهر من ترجمة العمركي أنّه من شيوخ أصحابنا ، مع أنّه يروي
عنه الأجلّة ، مع أنّ هذه الرواية مطابقة لمقتضى الأصل والقاعدة المقرّرة الثابتة
شرعا.
قوله : ويستفاد من هذه الرواية عدم وجوب الاستقبال إلاّ بتكبيرة
الإحرام خاصّة. ( ٣ : ١٤٠ ).
المستفاد منها عدم
الوجوب على خائف اللصوص ، مثل عدم وجوب
__________________
القيام
والاستقرار.
قوله : وكلام أكثر الأصحاب. إلاّ أنّ المصنّف اعتبر الضيق. ( ٣ :
١٤٢ ).
وربما كان مستنده
عبارة الفقه الرضوي : « إن كنت راكبا وحضرت الصلاة ، وتخاف أن تنزل من سبع أو لصّ
أو غير ذلك ، فليكن صلاتك على ظهر دابّتك ، وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك
الوقوف ، وإلاّ استقبلت القبلة بالافتتاح ، ثم امض في طريقك التي تريد ، حيث
توجّهت به راحلتك مشرقا ومغربا ، وتنحني للركوع والسجود ، ويكون السجود أخفض من
الركوع ، وليس لك أن تفعل ذلك إلاّ في آخر الوقت » .
قوله : وقال : لا عليه أن لا يخرج. ( ٣ : ١٤٤ ).
يمكن أن يكون
المراد : لا عليه في الصورة المسؤول عنها ، بقرينة قوله : « سأله عن مثل هذه
المسألة رجل » ، فلا وجه للاستدلال بهذه الرواية لمختاره ، فتدبّر.
واستدلاله بصحيحة
معاوية وحسنة حماد أشكل ، إذ ليس فيهما سوى بيان كيفية الصلاة في السفينة ، أمّا
أنّها في أيّ حالة تفعل فلم يتعرّض فيهما البتّة ، فتدبّر.
قوله : وعن الروايتين. ( ٣ : ١٤٦ ).
ظاهر الروايتين
أنّ الحكم بالخروج من حيث لا يكون المصلّي متمكّنا من القيام ، بأن يكون في معرض
عدم التمكّن ، ولذا قالوا : : يصلّي جالسا إن لم يمكنه القيام ، ولا شكّ في أنّ القيام
من الواجبات
__________________
اليقينية للصلاة ،
بل هو ركن جزما ، فكيف يمكن رفع اليد عن الأمر اليقيني بإطلاق خبر الواحد؟
بل ربما كان
الظاهر منه أنّ السؤال والجواب فيه إنّما وقعا بالنسبة إلى كون الصلاة في السفينة
من حيث كونها في السفينة لا في الأرض ، لا من حيث عدم التمكّن من القيام وغيره من
الواجبات ، كما هو الحال في بعض أحوال أهل السفينة ، فلو جعل هذا الإطلاق عموما
لزم رفع اليد عن كثير من الواجبات اليقينية مع التمكّن من فعلها وعدم داع إلى
تركها ، بل بمجرّد اختيار إيقاع الصلاة في السفينة ، ولعل هذا مما لم يقل به أحد
منهم ، ألا ترى أنّ المانعين استدلوا للمنع بأنّ القرار ركن ، وأنّ الصلاة فيها
مستلزم لحركات خارجة؟ فلو كان مرادهم الشمول للقيام وغيره من الواجبات لكان
الاستدلال بوجوب القيام وغيره من الواجبات مثل القبلة والركوع والسجود ، فتأمّل.
قوله : فيكون فعلها كذلك تشريعا محرّما. ( ٣ : ١٤٧ ).
ما ذكره إنّما
يتوجّه إذا قلنا بأنّ الصلاة اسم للأركان المستجمعة لشرائط الصحة ، والشارح ; لا يقول به بل
يقول : إنّه اسم لمجرّد الأركان ، كما يظهر منه في كثير من المباحث ، منها ما سيجيء
في وجوب صلاة الجمعة ، وإن كان ربما يظهر من كلامه في بعض المواضع أنّه اسم
للصحيحة ، كما يظهر منه في المقام ، ولو كان اسما للمجرّد فلا شكّ في أن الإطلاقات
الواردة في الأخبار تكفي لثبوت مشروعية المجرّد ، إلاّ أن يثبت اشتراطه بشيء شرعا
، ولم يثبت في المقام اشتراطه بالقبلة ، ولو ثبت لكان
__________________
الدليل ذلك لا ما
ذكره.
إلاّ أن يقال لو
كانت صحيحة بغير القبلة اختيارا لصدر ذلك بمقتضى العادة عن إحدى الحجج : ونقل إلينا ، لكن
هذا أيضا على فرض تماميته خلاف طريقة الشارح ; كما مرّ في الوضوء وغيره.
فالأولى الاستدلال
على ذلك بما ورد في صحيحة زرارة من قوله 7 : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » لكن ربما يظهر
بملاحظة آخر الخبر كون المراد منها الفريضة ، حيث قال : قلت : فمن صلّى لغير
القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال : « يعيد ». وأيضا في الصحيح عن زرارة ،
عنه 7 أنّه قال : « إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك فتفسد صلاتك ، فإنّ
الله تعالى قال لنبيّه 6 في الفريضة ( فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) » الحديث .
مع أنّه كان
المتبادر من لفظ الصلاة الفريضة ( على ما سيجيء من الشارح ـ ; ـ ) فتأمّل.
قوله : وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج. ( ٣ : ١٤٨ ).
ما أورد الشارح ; خبرا يدل على
جواز النافلة ماشيا في الحضر ، ويمكن الاستدلال له بما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الله بن المغيرة ، عن عيينة ، عن إبراهيم بن ميمون ، عن الصادق 7 ، قال : « إن
صلّيت وأنت تمشي كبّرت ثم مشيت ثم قرأت ، فإذا أردت أن تركع أومأت
__________________
بالركوع ثم أومأت
بالسجود ، وليس في السفر تطوّع » وفي الصحيح عن حمّاد ، عن حريز ، عمّن ذكره ، عن الباقر 7 : أنّه لم يكن
يرى بأسا أن يصلّي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل ، فتأمّل.
قوله : لدخوله في الصلاة دخولا منهيا عنه. ( ٣ : ١٥٠ ).
هذا إنّما يتمّ
إذا قلنا بأنّ الجاهل غير معذور ، وهو خلاف ما اختاره الشارح ; وعلى القول
بالمعذورية لا يكون الإعادة على كلّ حال ، بل إذا خالف الواقع.
قوله : فيتوقّف على الدلالة ولا دلالة ( ٣ : ١٥١ ).
سيجيء العمومات
الدالة على وجوب قضاء ما فات من الصلاة وتصريح الشارح ; بذلك واعترافه به
، ومعلوم أنّ الفوت أعمّ من أنّه لا يصلّي أصلا أو يصلّي صلاة فاسدة ، كما لا يخفى
، فالاعتبار إنّما هو بالأخبار الدالة على ذلك.
قوله : لأنّه فرض مستأنف. ( ٣ : ١٥٣ ).
قد أشرنا آنفا إلى
الاعتراض عليه باعترافه بالعمومات الدالة على وجوب قضاء ما فات من الصلاة.
قوله : فلقولهم : ما بين المشرق والمغرب قبلة. ( ٣ : ١٥٤ ).
فظهر أنّ المراد
باليسير كون الانحراف بحدّ لا يصل إلى حدّ المشرق والمغرب ، بل يكون ما بينهما.
قوله : فالأقرب أنّه ينحرف ولا إعادة. ( ٣ : ١٥٤ ).
__________________
لا يخفى أنّ
مراعاة الوقت مقدّم على مراعاة القبلة ، ولذا يجب على الجاهل بالقبلة وغير
المتمكّن من الاستقبال أن يصلّي بغير القبلة ، بل ومراعاتها مقدّم على جلّ واجبات
الصلاة من الأجزاء والشرائط ، وقد مرّ الكلام في ذلك في كتاب الطهارة ، فلاحظ.
قوله : والامتثال يقتضي الإجزاء. ( ٣ : ١٥٤ ).
والامتثال إنّما
هو إذا لم يظهر المخالفة ، إذ الامتثال هو الإتيان بما هو مطلوب الله تعالى ،
ومطلوبه تعالى هو الصلاة إلى القبلة لا إلى دبر القبلة ، ولو كان الامتثال متحقّقا
على تقدير ظهور المخالفة للزم عدم وجوب الإعادة في الوقت أيضا إذا ظهر الإخلال
بالشرط فيه ، وهو ; صرّح مرارا بوجوب الإعادة فيه بسبب الإخلال بشرط الواجب ،
فإذا أخلّ به يكون فاسدا ، وإن لم يكن فاسدا لم يكن إخلال بشرط ، والفريضة لم تكن
إلاّ واحدة ، ولذا تكون الثانية إعادة وعوضا عمّا فات شرطه ووقع الإخلال فيه ،
ومقتضى ذلك وجوب القضاء أيضا ، لما مرّ مرارا.
نعم مقتضى روايتي
عبد الرحمن وسليمان أنّه بعد الفراغ عن الصلاة في الوقت واستبانة الخطأ خارج الوقت
لا تجب إعادة تلك الصلاة ، فتأمّل.
قوله : فالفارق بين الجلد والدم. ( ٣ : ١٥٨ ).
ليس الفارق منحصرا
في ما ذكره بل عرفت غيرها ، وأنّ الأدلّة دالة على نجاسة الميتة وعدم جواز الصلاة
فيها. والميتة اسم لما زهق روحه بغير تذكية في الواقع من غير مدخلية العلم والجهل
والمعروفية وعدم المعروفية في المعنى ، كما هو ظاهر.
وأمّا الدم وإن
ورد بعض الأخبار أنّه نجس لكن ورد أنّ دم ما لا نفس له طاهر ، وكذا الدم المتخلّف
، فإذا وقع الاشتباه يكون الأصل الطهارة ،
لعدم العلم
بالتكليف ، وليس شيء يعارض هذا ، بخلاف الجلد فإنّه يعارض فيه ما ستعرف ، فتأمّل.
قوله : ومع انتفاء حجيّته. ( ٣ : ١٥٨ ).
قد بيّنا في كتاب
الطهارة حجّية الاستصحاب ، مع أنّ تتبّع الأخبار الواردة في كتاب الصيد وكتاب
الذباحة وكتاب الأطعمة وغير ذلك يكشف عمّا ذكره الفقهاء من أصالة عدم التذكية حتى
تثبت ، وما لم تثبت لا يكون طاهرا ولا حلالا ، ( فإنّ ثبوت التذكية شرط للحكم
بالطهارة ، والحلّية ، وجواز الأكل ، والاستعمال باللبس في الصلاة ، وأمثال ذلك ) ، فتتبّع تجد
الأخبار متواترة في ما ذكرناه.
ومع ذلك نقول :
إنّ ما استدل به على المنع من الصلاة في جلد الميتة مقتضاه عدم جواز الصلاة في ما
هو في الواقع ميتة ، كما ذكرنا ، لأنّ الميتة اسم لما هو في الواقع ميتة كالماء
والخبز ، وغير ذلك ، وقد جعلوا الفسق اسما لما هو في الواقع خروج عن الطاعة ، ولذلك أثبتوا
اشتراط العدالة في الراوي ، فمقتضى ما ذكر اشتراط ثبوت التذكية للحكم بإباحة
الصلاة وتحقّق الإطاعة والامتثال.
وأيضا في موثقة
ابن بكير الآتية عند قول المصنف ; : وما لا يحلّ أكله . ما يدل على اشتراط العلم بالتذكية ، حيث قال 7 في آخرها : « وإن
كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه
__________________
وكلّ شيء منه
جائزة إذا علمت أنّه ذكي قد ذكّاه بالذبح ». الحديث.
وأيضا روى في
الكافي بسنده إلى علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله 7 وأبا الحسن 7 عن لباس الفراء
والصلاة فيها ، فقال : « لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّا » الحديث .
وأيضا سيجيء
الأخبار الدالة على أنّ ما يؤخذ من غير سوق المسلمين يجب السؤال عن تذكيته ، وكذا
ما يؤخذ من يد المشرك ، وأنّ ما يؤخذ من يد من يستحلّ الميتة لا يجوز أن يباع على
أنّه ذكيّ وإن أخبر ذو اليد أنّه ذكي ، وغير ذلك ، والأخذ من
المسلم أو من سوق المسلمين موجب للحكم بالتذكية ، لحمل أفعال المسلم على الصحة ،
ولما استدل به الشارح في ما سيأتي من صحيحة الحلبي وصحيحة ابن أبي نصر وصحيحة
الجعفري وغيرها من الأخبار الدالة على أنّ ما يؤخذ من السوق يجوز الصلاة فيه . وظاهر أنّ
المتبادر والظاهر هو سوق المسلمين. ولئن سلّمنا عدم الظهور لا نسلّم العموم ،
والمناط الظهور ، مع أنّه ليس ها هنا ما يدل على العموم لغة ، فتأمّل.
قوله : وقد ورد في عدّة أخبار. ( ٣ : ١٥٨ ).
إن أراد من
الأخبار ما استدل بها فالظاهر منها الأخذ من المسلم أو سوق المسلم ، ولا تأمّل في
ثبوت التذكية به ، كما ستعرف. وإن أراد غير ذلك فلا بدّ من ذكره حتى يعرف حاله.
__________________
وفي الصحيح عن عبد
الله بن المغيرة ـ وهو ممّن أجمعت العصابة ـ عن إسحاق بن عمار ، عن الكاظم 7 : « لا بأس
بالصلاة في الفراء اليماني وفي ما صنع في أرض الإسلام » قلت : فإن كان فيها غير
أهل الإسلام؟ قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » .
وفي التهذيب ،
بسنده عن أبي الحسن 7 أنّه سئل عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق
الجبل ، يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : « عليكم أن تسألوا إذا
رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه » .
وفي الحسن كالصحيح
عن الصادق 7 : « تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز ، أو ما علمت منه ذكاة
» ، فتأمّل.
وفي كالصحيح عن
الهاشمي : أنّه سئل الصادق 7 عن لباس الجلود ، والخفاف ، والنعال ، والصلاة فيها ، إذا
لم تكن من أرض المسلمين ، فقال : « أمّا النعال والخفاف فلا بأس بها » ، وظاهرها أنّ
لباس الجلود لا يجوز ، وأنّ عدم المنع من النعال والخفاف من جهة كونهما ممّا لا
تتمّ الصلاة فيه ، ولا مانع إذا كان نجسا بالإجماع والأخبار ، فتأمّل.
قوله : أو في سوق المسلمين ( ٣ : ١٥٨ ).
__________________
من يد من لا يظهر
كفره.
قوله : يسأله عن الفرو والخف. ( ٣ : ١٥٩ ).
لا يخفى أنّ
المطلق منصرف إلى الأفراد الشائعة ، وهي ما يؤخذ من سوق المسلمين أو من يد المسلم.
قوله : وعن عبد الرحمن بن الحجاج. ( ٣ : ١٦٠ ).
هذا الخبر ظاهر في
كون أفعال المسلم محمولا على الصحة إذا كان موافقا لرأيه واعتقاده ، لأنّ الراوي
قال : ما أفسد ذلك؟
مع أنّ الكلام هو
الذي قال المعصوم 7 في الجواب ، وأمّا مجرّد قول المسلم بأنّه كذا ، لا يقتضي
أن يكون في الواقع كذا. نعم في الواقع هو قال كذا ، ومع ذلك استبعد الراوي عدم
الحكم بكونه في الواقع كذا بمجرّد قول المسلم ، فسأل عن السبب ، والمعصوم 7 أقرّه على معتقده
وأجاب بأنّ العلة أمر آخر وهو استحلالهم بحسب معتقدهم ، فتدبّر.
قوله : وانتفاء ما يدل على عموم المنع. ( ٣ : ١٦١ ).
سيّما في مثل
القمل والبرغوث والبقّ والذباب والنمل ونظائرها. وفي التهذيب عن عليّ بن مهزيار ،
وفي الفقيه عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أبي محمد 7 أنّ الصلاة يجوز في القرمز ، فليتأمّل.
وأمّا ما هو من
قبيل السمك فربما يظهر من بعض الروايات المنع عنه مثل رواية محمد بن سليمان
الديلمي التي وردت في تحقيق الخزّ ،
__________________
فليلاحظ وليتأمّل.
قوله : بل الظاهر تحريم استصحاب غير الملبوس أيضا لقوله 7. ( ٣ : ١٦١ ).
وما رواه في
التهذيب عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن جعفر أنّه كتب إلى أبي محمد 7 : يجوز للرجل أن
يصلّي ومعه فارة المسك؟ فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيّا » . وفسّره في
الذكرى بالطاهر ، وفيه ما فيه.
وما رواه الصدوق ; عن الصادق 7 : « لا بأس
بتقليد السيف في الصلاة فيه الفراء والكيمخت ما لم يعلم أنّه ميتة » وكذا رواية علي
بن أبي حمزة الواردة بهذا المضمون . لكن قد مرّ الرواية الدالة على عدم البأس في الصلاة في
الخفاف والنعال المأخوذة من أرض غير المسلمين ، والمنع من الصلاة في الجلود
المأخوذة منها.
قوله : فهو إجماعي أيضا على ما نقله جماعة. ( ٣ : ١٦١ ).
والإجماع المنقول
بخبر الواحد حجة ، كما حقّق في محلّه ، بل ربما كان المنع من شعار الشيعة يعرفون
بذلك ويتقون به من العامّة.
قوله : عن الصلاة في جلود السباع. ( ٣ : ١٦٢ ).
في كتاب علل
الشرائع بسنده المرفوع إلى الصادق 7 أنّه قال : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه
لأنّ أكثرها مسوخ » .
__________________
وفي الفقه الرضوي
: « لا تجوز الصلاة في سنجاب ، وسمّور ، وفنك ، وإيّاك أن تصلّي في الثعالب ، وفي
ثوب تحته جلد الثعالب » ، وفيه أيضا : سألته عمّا يخرج من منخر الدابّة إذا أنخرت
فأصاب ثوب الرجل ، قال : « لا بأس ، ليس عليك أن تغسله » .
قوله : وابن بكير وإن كان ضعيفا. ( ٣ : ١٦٢ ).
تضعيف ابن بكير
ضعيف ، للتوثيق الصريح مع إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وكونه من فقهاء
أصحابنا ، ولقول النجاشي : كتابه كثير الرواة ، الدال على الوثوق والاعتبار ، كما حقّقناه في الرجال ،
ولقول الشيخ في العدّة : إنّ الطائفة أجمعت على العمل بروايته ، وقول المفيد ; في رسالته : إنّه
من فقهاء الأصحاب والرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام
، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة ، إلى غير ذلك
مثل كونه كثير الرواية ، ومقبول الرواية ، وسديد الرواية ، وأنّه يروي عنه الثقات
الأجلّة ، وغير ذلك ممّا ذكرناه في موضعه وحقّقنا الأمر فيه. وأمّا الفطحية فالنجاشي
لم يتعرّض ، وفي ترجمة هشام ابن سالم : أنّ الفطحية رجعوا عن رأيهم إلاّ طائفة
عمار .
__________________
وبالجملة : غاية
الأمر أن يكون موثّقا كالصحيح ، بل روايته أقوى من كثير من الصحاح ، ومع ذلك منجبر
سندها بالشهرة العظيمة بل الإجماع ، وكذا منجبر بالأخبار الصحيحة الدالة على المنع
في جلود السباع والثعالب والأرانب وغير ذلك ممّا ستعرف ، ولا قائل بالفصل.
وأيضا الراوي عنه
في هذه الرواية ابن أبي عمير ، وهو أيضا ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلاّ
عن ثقة ، كما صرّح به في العدّة ، إلى غير ذلك ممّا يذكر في ترجمته ، ويظهر من حاله.
والأخبار الدالة
على المنع في خصوص الأشياء وعمومها كثيرة غاية الكثرة ، يظهر منها أنّ هذا الحكم
كان مشتهرا بين رواة الأئمّة : حتى أنّهم كانوا يسألون عن شعر الإنسان وظفره .
قوله : ثم استدل عليه أيضا. ( ٣ : ١٦٢ ).
سيجيء استدلاله
بأخبار كثيرة وقوله بأنّ العمل بها لازم .
قوله : أو قصور في دلالة. ( ٣ : ١٦٣ ).
الشارح ربما
يتمسّك لإتمام الدلالة بعدم القول بالفصل كغيره من الفقهاء ، وتمسّكه كذلك كثير ،
فلا مانع من أن يتمسّك به ها هنا ، سيّما مع الانضمام بما عرفت ، وبعد تتبّع
الأحاديث حتى الأخبار الواردة في استثناء مثل الخزّ وشعر الإنسان وظفره ( إذ يظهر
أنّ الحكم عند الشيعة في ذلك الزمان كان في غاية الظهور والمسلّمية ، فلاحظ وتأمّل
) .
__________________
قوله
: وقد استثني من
هذه الكلّية أشياء. ( ٣ : ١٦٣ ).
وشمول الكليّة
لمثل دود القزّ ونحل العسل والبقّ والذباب والبرغوث محلّ تأمّل من أصله ، لعدم
كونها بحيث تكون لها قابلية الأكل ومن شأنها ذلك ، لعدم تبادر مثل تلك من الخبر ،
بل وعدم تبادر الإنسان أيضا ، فلا يحتاج إلى القول بأنّ القزّ خارج بالإجماع
والأخبار والاجتناب عن غيره ، مع أنّه ربما يظهر من طريقة المسلمين في الأعصار عدم
الاجتناب عن عرق الإنسان وريقه ووسخه وأمثال ذلك ، وكذا الذباب والبرغوث والعسل
والشمع ، بل ربما يظهر بعضها من الأخبار أيضا ، فتأمّل.
ثم اعلم أنّ
الظاهر من غير واحد من الفقهاء أنّ المنع غير مختصّ باللبس ، بل شامل للاستصحاب
أيضا ، لأنّهم يذكرون الأخبار الدالة على ذلك في جملة أدلتهم من دون تعرّض لكون
مدلولاتها غير المطلوب ، بل ويذكرون ما دل على جوازه ويتعرضون للعلاج من غير تعرّض
بأنّ ذلك غير المطلوب في المقام ، وسيجيء ما ذكرناه عن الشارح أيضا ، وأرى
العلماء وأسمع أنّهم يتنزّهون عنه البتّة.
والأخبار الدالة
على المنع : رواية إبراهيم بن محمد ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر
والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ، فكتب : « لا تجوز الصلاة فيه »
. وما ورد من المنع عن الصلاة في الثوب الذي تحت أو فوق هذه الجلود والأوبار . وما ورد من
المنع عن الصلاة
__________________
في القلنسوة التي
عليها وبر ، إلى غير ذلك ، بل رواية ابن بكير أيضا ظاهرة فيه ، فإنّ
الصلاة في الروث مثلا ظاهرة في المعيّة ، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوّث
به غلط ، لأنّ الأصل عدم التقدير ، سيّما مثله ، وقرّر في الأصول أنّه إذا دار
الأمر بين المجاز والإضمار فالمجاز مقدّم ومتعيّن.
ويعضده تتبّع
الأخبار الواردة في هذا الباب ، كما أشرنا إليه ، والأخبار الواردة في باب كراهة
الحديد والمنع عن الذهب ، كما سنشير إليه ، بل التتبّع يكشف عن أنّ الظاهر أنّ الأمر كان كذلك عند
الشيعة ، ولذا كانوا يسألون فيجابون على نحو ربما يظهر منه تقريرهم ، فتأمّل جدا.
ويعضده أيضا فهم الأصحاب ، مضافا إلى إطلاق لفظ الروث وغيره ، فتأمّل جدّا.
وبالجملة : الأحوط
الاجتناب مهما أمكن البتّة ، سيّما على القول بأنّ العبادات أسام للصحيحة منها ،
مع أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، إلى غير ذلك ممّا ستعرف ،
وسيجيء تتمّة الكلام في المقام ، فتأمّل.
قوله : فإنّ كلّ ما دلّ على جواز الاستعمال شامل للأمرين. ( ٣ :
١٦٣ ).
يمكن أن يقال :
إنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف الشائع ، والاستعمال ليس سابقا متعارفا ، كما هو
ظاهر.
قوله : ولا تصح الصلاة في شيء من ذلك إذا كان ممّا لا يؤكل
__________________
لحمه. ( ٣ : ١٦٤ ).
لا يخفى أنّ مراده
من : ما لا يؤكل لحمه ، هو حرام الأكل ، كما تدل عليه رواية ابن بكير التي هي
الأصل في هذا الباب ، وما ذكرنا من رواية سماعة المتضمّنة لجواز الصلاة في الكيمخت
.
قوله : صحيحة محمد بن عبد الجبار. ( ٣ : ١٦٦ ).
لا دلالة لها على
ما ذكره ، كما لا يخفى على المتأمّل ، مع أنّ التذكية ليست شرطا لحلّية الصلاة في
الوبر وغيره ممّا لا تحلّه الحياة ، بإجماع الفقهاء والأخبار ، ومسلّم ذلك عند
الشارح ; كما مرّ ، ففي الرواية شيء لا يقول به أحد ، ومخالف للإجماع والأخبار ، ومثل
هذا مانع عن الاحتجاج بها عند الشارح ، كما صرّح به مكرّرا.
ويمكن أن يكون
المراد من التذكية كونه ممّا يؤكل لحمه ، ويشير إلى ذلك بعض الأخبار ، مثل رواية
علي بن أبي حمزة عن الصادق والكاظم 8 في الصلاة في الفراء ، فقال : « لا تصلّ فيها إلاّ ما كان
ذكيّا » ، قال : قلت : أليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟ فقال : « بلى ، إذا كان ممّا
يؤكل لحمه » الحديث . ومثل رواية ابن أبي يعفور الواردة في معرفة الخزّ .
ولعلّ المعصوم 7 عبّر هنا كذلك ،
لكون حكمه في جواب المكاتبة ، وكان عادتهم في جواب المكاتبات يفعلون أمثال ما ذكر
تقيّة وتنبيها للراوي على ذلك ، كما لا يخفى على المطّلع بأجوبة المكاتبات
__________________
منهم : ، وصرّح بذلك
جدّي ; .
( فعلى هذا يمكن
أن تكون هذه الرواية خارجة مخرج التقيّة ، لأنّ أحمد قال بعدم جواز الصلاة في
الحرير المحض مطلقا بل بطلانها فيه ، فعلى هذا يكون قوله 7 فيه : « إذا كان ذكيّا » تقيّة من أحمد المذكور ، والشافعي
، حيث شرطا كون الشعر ونحوه مأخوذا من الحيّ أو بعد التذكية ، وإذا أخذ من الميت
فهو نجس لا تصح الصلاة فيه ، فيكون ما ذكر شاهدا آخر على التقيّة ، إذ معلوم أنّ أحمد
كان معاصرا للرضا 7 ، والصحيحة مكاتبة العسكري 7 ، وعرفت أنّ المكاتبة لا تخلو عن التقيّة ، إذا التقية
مشاهدة مع ظهور توجيههم فيه ، فهذا أيضا مؤيّد آخر للحمل على التقيّة ، فتأمّل
جدّا ) .
قوله : وصحيحة علي بن ريّان. ( ٣ : ١٦٦ ).
الظاهر عدم دلالة
هذه أيضا ، لأنّ الظاهر أنّ المراد ممّا لا يؤكل لحمه غير الإنسان ، ولعل الأمر
عند الأصحاب أيضا كذلك .
__________________
بل يمكن القطع
بخروجه ، لأنّ لعاب كلّ واحد من الزوجين وسائر رطوباته يصل إلى الآخر بالتقبيل
والملاصقة والملاعبة والمضاجعة غالبا ، وكذا لبن الزوجة ، وكذا الحال بالنسبة إلى
الأطفال وغيرهم ، حتى أنّ المؤمنين في المصافحة والتقبيل وسائر ملامساتهم يصل
رطوباتهم إلى الآخر ، سيّما في فصل الصيف وخصوصا في البلاد الحارّة ، مع أنّهم
كانوا يصلّون في ثياب الآخر ، وورد جواز ذلك في الأخبار أيضا ، مع أنّه قلّما
ينفكّ الثياب الملبوسة عن الفضلات.
وبالجملة : الفرقة
الناجية في جميع الأمصار والأعصار السابقة واللاحقة كانوا يتنزهون عن فضولات
الإنسان ورطوباته في الصلاة ، وما كانوا يعاملون فيها معاملتهم في السّمور والفنك
وغيرهما ممّا اتفقوا على المنع عن الصلاة أو اختلفوا ، مع أنّ العبادة تقتضي
بالنصوص المتواترة ، لعموم البلوى وشدّة الحاجة وغلبة التحقّق ، لا الاكتفاء بخبر
واحد غير ظاهر الدلالة ، بل المتبادر منه غير الإنسان.
مع أنّ صحيحة ابن
ريّان وردت بطريقين : أحدهما ما ذكره الشارح ; والثاني يظهر منه أنّ المراد شعر نفس المصلّي ، وخروج فضلات
المصلّي نفسه لا شكّ فيه ، فتدبّر ، وورد في الذي شرب المسكر وتفل ، أنّهم : قالوا بعدم وجوب
غسله ، فلاحظ.
__________________
قوله
: لرواية إبراهيم
بن محمد الهمداني وهي ضعيفة جدّا. ( ٣ : ١٦٦ ).
لا يخفى أنّ
إبراهيم هذا هو الوكيل الجليل الذي هو وأولاده كانوا وكلاء ، والوكالة تستلزم
العدالة ، كما اعترف به غير واحد من المحققين وحقّقناه في الرجال ، مع أنّه روى الكشّي فيه روايات متضمّنة لعدالته وجلالته ، والظاهر اعتماد
الكشي عليها ، وحقّقنا أيضا اعتبار مثله لثبوت العدالة ، فيظهر أنّه لا يضرّ
إضماره ، لأنّ الظاهر أنّ مثله لا يروي ( مثل هذا ) ، إلاّ عن
المعصوم الذي وكّله.
وأمّا محمد بن علي
الراوي عنه ، فهو يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى كثيرا ، وما استثنى القميون
روايته ، وهو دليل على عدالته ، كما لا يخفى على من تأمّل في ترجمته ، فالرواية
معتبرة جدّا ، بل صحيحة على الظاهر. مع أنّ الدليل غير منحصر فيها ، بل موثقة ابن
بكير الذي هي العمدة والأصل في هذا الباب ، عمومها شامل لما نحن فيه.
وأيضا روى علي بن
مهزيار في الصحيح : أنّ رجلا سأل الماضي 7 عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها ، وفي
الثوب الذي يليه ، فلم أدر أيّ الثوبين : الذي يلصق بالوبر ، أو الذي يلصق بالجلد؟
فوقّع بخطّه : « الذي يلصق بالجلد » وذكر أبو الحسن ـ يعني علي ابن مهزيار ـ أنّه
سأله عن هذه المسألة فقال : « لا تصلّ في الذي فوقه ولا
__________________
في الذي تحته » وسنذكر عن الفقه
الرضوي ما يؤيده ، وكذا عن صحيحة أبي علي بن راشد ، فتدبّر.
قوله : والنهي إنّما تعلّق بالصلاة في غير المأكول. ( ٣ : ١٦٧ ).
هذه التفرقة غير
واضحة بحسب الدليل ، مع أنّ رواية ابن بكير الذي هي الأصل في هذا الباب إنّما
تضمّنت فساد الصلاة في حرام الأكل ، وربما يظهر منها أنّ المنع في الأخبار الأخر
عن الصلاة فيه كناية عن فسادها ، ويؤيّده كلام الفقهاء بل فهمهم أيضا. فعلى هذا
نقول : إنّ المعلومية والمشكوكية أمران خارجان عن مفهوم حرام الأكل ، وفساد الصلاة
إنّما تعلّق بمفهومه ، فإذا صلّى في ما يحتمل كونه حرام الأكل فالفساد محتمل قطعا
، والصحة مشكوك فيها جزما ، كما ذكره العلاّمة ; فيبقى المكلّف تحت العهدة ، لعدم ثبوت الامتثال وتحققه.
وأمّا الصحيحة
المؤيّدة فظهور شمولها لما نحن فيه لا يخلو من تأمّل ، ولذا جعله ; من المؤيّد ،
وكذا شمول ما ورد من عدم التكليف عند عدم العلم ، فتدبّر.
قوله : ولا نعلم به قائلا. ( ٣ : ١٧١ ).
لا يخفى أنّ
الرواية الأخيرة أيضا لا قائل بمضمونها ، لمكان العلّة المنصوصة التي هي حجّة عند
المحقّقين ، وعلى ما هو الحق ، وعند الشارح أيضا.
__________________
قوله
: إلاّ أنّ ذلك غير
قادح عند التحقيق كما بيّناه مرارا. ( ٣ : ١٧١ ).
الذي قاله مرارا
على تقدير تسليمه إنّما هو إذا كان الخبر صحيحا ولم يوجد قائل بمضمونه ، لا الذي
أفتى الأصحاب بخلاف مضمونه وطرحوه وأعرضوا عنه ، كما هو الحال في ما نحن فيه ،
فإنّهم بأجمعهم أفتوا بالمنع من غير استثناء هذه الأشياء ، فالخبر يصير من الشواذّ
التي يجب ترك العمل بها عند الكلّ حتى عند الشارح ; أيضا ، كما صرّح به مرارا ، على أنّ هذا يصير سببا
للمرجوحية عند التعارض قطعا ، مع أنّ المعارض في غاية القوّة ، كما عرفت. مع أنّ
الشيخ ; لا يمكنه الاستدلال بها ، ولم يقل أحد بالفصل ، والشارح ; كثيرا ما يستدل
بعدم القول بالفصل ، فالحمل على التقيّة متعيّن. إلاّ أنّه ربما أشكل المنع عن
السّمور في صحيح ابن راشد ، إلاّ أن يكون هناك مندوحة بالنسبة إليه ، فتأمّل ، أو
يكون بعض العامّة راضيا بالمنع وإن لم نعرفه ، فتأمّل.
وفي الفقه الرضوي
: « ولا تجوز الصلاة في سنجاب ولا سمّور وفنك » إلى أن قال : « وإيّاك أن تصلّي في
الثعالب وفي ثوب تحته جلد الثعالب » .
والصدوق ; يظهر منه في
أماليه ـ عند وصفه دين الإمامية ـ الرخصة في الصلاة في كلّ ما ذكر ، وأنّ الأولى
الترك . والظاهر أنّ نظره كان إلى هذه الأخبار ، وأن ما ذكره توهّم منه ، كما توهّم
في غيره من
__________________
المواضع ، كما لا
يخفى.
قوله : يجعلها كالنص في المسؤول عنه. ( ٣ : ١٧١ ).
إن أراد من
المماثلة عدم القابلية للتخصيص ، فلا يخفى فسادها : إذ يصحّ أن يقول : إلاّ
السنجاب وما يؤدّي مؤدّاه متصلا بالجواب أو منفصلا عند وقت الحاجة.
وإن أراد قوّة
الدلالة في الجملة ، فغير خفي أن القوّة فيها لا تأبى عن التخصيص ، إذ يجوز أن
يكون الخاصّ أقوى أو مساويا ، مع أنّ طريقته البناء على التخصيص مطلقا ، استنادا
إلى أنّ الجمع بين الأدلة أولى من طرح أحدهما بالمرّة ، ولا يراعي عدم التفاوت في
القوّة ، بل غالب المواضع التي يرتكب التخصيص فيها القوّة فيها متفاوتة ، بل في
كثير منها تفاوت القوّة زائد ، وهذا هو الطريقة المتعارفة بين أكثر المتأخرين.
وإن أراد عدم
القابلية لخصوص التخصيص بالمنفصل ، فهو أيضا فاسد ، لما أشرنا إليه ، مع أنّ هذا
التفصيل غريب وخلاف ما حقّق في الأصول ، وما عليه محققوهم ، وما عليه فقهاؤنا في
الفقه أيضا.
مع أنّه يجوز أن
يكون هنا قرينة حالية فهم منها خروج مثل السنجاب عن عموم الجواب ، ويكشف عنها
الأخبار الواردة في جواز الصلاة في السنجاب ، والخبر الوارد بأنّ النبي 6 إنّما نهى عن
السباع وما يأكل اللحم دون ما لا يأكل . ويظهر ذلك من غير واحد من الأخبار أيضا .
وبالجملة : لا فرق
في أنّ السائل يقول في سؤاله : ما تقول في الصلاة
__________________
في ما لا يؤكل
لحمه؟ فيجاب بالمنع عموما ، أو يقول في السؤال : ما تقول في الصلاة في الثعالب
والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فيجاب بالمنع عموما في صحة التخصيص بالمتصل
والمنفصل ، فإنّ ما ورد منهم : من النص على صحة الصلاة في السنجاب في الأخبار الأخر كما
يصح أن يصير مخصّصا في الصورة الأولى كذا يصح أن يصير مخصّصا في الصورة الثانية من
دون مانع.
ويرشد إليه أنّ
الخزّ تصح الصلاة فيه قطعا وخارج عن عموم الجواب البتّة ، مع أنّ من جملة سؤال
السائل الصلاة في الأوبار أيضا ، فتأمّل ، لكن عرفت حال المخصّص وأنّه يشكل العمل
به وإن لم يكن له معارض ، فكيف إذا كان معارض قوي في غاية القوّة؟!
قوله : من حيث صحّة أخبار الجواز. ( ٣ : ١٧٣ ).
لا يخفى أنّ أخبار
الجواز أكثرها يتضمّن صحة الصلاة في ما لا يقول به الأصحاب ، وقد مرّ الكلام في
ذلك وأنّ الحمل على التقيّة متعيّن ، سيّما وعلي بن يقطين كان وزير الخليفة ، فكان
يناسبه التقيّة.
وأمّا صحيحة جميل
فالحكم بصحتها مشكل ، لأنّ الشيخ ; رواها بسند آخر عن جميل ، عن الحسين بن شهاب ، عن
الصادق 7 والظاهر أنّ الروايتين واحدة ، وإلاّ كان اللازم عليه أن يذكر لهذا الراوي
روايته عن الصادق 7 بلا واسطة ، والراوي الأوّل روايته بالواسطة ، كما هو
الظاهر من حالهم ، ولو قلنا بعدم ظهور الاتحاد فظهور التعدّد محلّ نظر ظاهر ، وكيف
كان ، ثبوت العدالة بالنسبة إلى الجميع محلّ تأمّل.
__________________
سلّمنا ، لكنّها
رواية واحدة تعارضها صحيحة علي بن مهزيار التي ذكرناها في مسألة الشعرات الملقاة ، وصحيحة أبي علي
بن راشد حيث قال في آخرها : قلت : الثعالب يصلّى فيها؟ قال : « لا ، ولكن يلبس بعد
الصلاة » قلت : أصليّ في الثوب الذي يليها؟ قال : « لا » .
وكذا تعارضها
صحيحة ريّان بن الصلت عن الرضا 7 وسنذكرها ، وكذا صحيحة ابن مسلم ، فإنّ : ( لا أحبّ )
يعارض : ( لا بأس ) لكونه نكرة في سياق النفي ، وكذا رواية ابن بكير ، وهي صحيحة ،
على ما عرفت ، بل أقوى من الصحاح. ويعضدها الإجماعات والأخبار الكثيرة
الواردة في المنع عن الثعالب ، وعبارة الفقه الرضوي ، وكذا الأخبار المتعدّدة الواردة في المنع عن كلّ ما لا
يؤكل لحمه .
وكذا الكلام في
الأرانب ، مع أنّ الشارح ما ذكر صحيحا يدل على الجواز فيها ، وصحيحة محمد بن عبد
الجبار جعلها الشارح دليلا في الشعرات التي ذكر أنّه لا مانع منها مطلقا ، مع أنّك
عرفت ما في تلك الصحيحة ، فما ذكره ; في هذا الكتاب أولى وأظهر ممّا ذكره في المعتبر ، فتدبر.
قوله : وهو غير جيّد. ( ٣ : ١٧٥ ).
__________________
هو جيّد ، كما
حقّقناه في ما سبق ، على أنّ وقفه محلّ تأمّل ، كما حققناه في الرجال ، فلاحظ.
قوله : وحملها الصدوق في الفقيه على قزّ الماعز. ( ٣ : ١٧٥ ).
حيث روى عن
إبراهيم بن مهزيار أنّه كتب إلى أبي محمد 7 .
وروى الشيخ في
الصحيح عن ريّان بن الصلت عن الرضا 7 عن لبس السّمور والسنجاب والحواصل وأشباهها والمحشوّ
بالقزّ والخفاف من أصناف الجلود ، قال : « لا بأس بهذا كلّه إلاّ الثعالب » .
قوله : دون قزّ الإبريسم. ( ٣ : ١٧٥ ).
ويظهر من الشيخ
الموافقة له ، وربما كان بناء حملها عليه ومنشؤه أنّ حشو الثوب يكون
إبريسما أمر غير معهود أصلا ( في بلاد الراوي وما والاها ) ولا يصدر عن عاقل
، لعلوّ القيمة وعدم المنفعة والزينة ، بخلاف قزّ الماعز ، سيّما في البلاد الباردة
بالنسبة إلى أهل الفقر والمسكنة ، لحصول كمال الدفء مع رخص القيمة.
مضافا إلى أنّ
حملها على الظاهر ربما كان عندهما مخالفا لمذهب الشيعة ، كما يظهر من المؤلّف
والعلاّمة ; حيث نسبا الخلاف إلى خصوص الشافعي من العامّة . مضافا إلى
معارضة العمومات الدالة على
__________________
المنع حتى من مثل
القلنسوة والتكّة . هذا كلّه مع قرب عهدهما إلى زمان صدور الرواية والأمور
المعهودة في ذلك الزمان.
ويمكن أن يقال :
إنّ السؤال إنّما هو على سبيل الفرض ، بناء على ما عهد من العامّة من فرضهم هذه
المسألة وتكلّمهم فيها ، وذهب الشافعي إلى الجواز ، فإذا كان المخالفة من العامّة
على حسب ما مرّ فلا يبعد الحمل على التقيّة.
ويؤيّده أنّ
المكاتبات ليست بمأمونة عن الأخذ والاطلاع على ما فيها ، ولذا كثر تحقّق التقيّة
فيها ، على ما صرّح جدّي ; ، مضافا إلى أنّ المشهور عند العامّة صحة الصلاة في الحرير
مطلقا.
ويؤيّده أيضا ما
ورد في رواية ريّان بن الصلت الموافقة لهذه من جواز الصلاة في السمّور وسائر أصناف
الجلود ، فاقتضى وجوه ثلاثة حملها على التقيّة ، أشدّها أوسطها ، فتأمّل.
قوله : وتعلّق النهي في أكثر الروايات. ( ٣ : ١٧٦ ).
لا يخفى ما فيه ،
سيّما بعد ملاحظة ما أشرنا إليه في الحاشية السابقة.
تذنيب :
اعلم أنّه لم
يتوجّه المصنف ولا الشارح إلى حكم الصلاة في الذهب ، وحكم العلاّمة في التذكرة
والتحرير والشهيد في البيان والدروس بالمنع عن الصلاة فيه للرجال ، بل ومن المموّه
به أيضا ، وكذا الافتراش ، بل وببطلان الصلاة في الخاتم منه ومن المموه به ، معلّلا بالنهي
عن
__________________
الكون فيه ، وبقول
الصادق 7 : « جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة ، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه » .
والصدوق في كتابه
العلل قال : باب العلّة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتختم بخاتم حديد ولا
يصلّي فيه ولا يجوز له أن يلبس الذهب ولا يصلّي فيه ، وروى موثقة عمار عن الصادق 7 المتضمّنة لمنع
الصلاة في الحديد ، لأنّه من لباس أهل النار ، ومنع من الصلاة في الذهب ، لأنّه من
لباس أهل الجنّة ، ورواية أبي الجارود عن الباقر 7 : « قال النبي 6 لعلي 7 : إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ،
لا تتختّم خاتم ذهب فإنّه زينتنا في الآخرة » الحديث .
وعن ابن الجنيد
أنّه قال : ولا يختار للرجل خاصّة الصلاة في الحرير والذهب ، وفي الدروس :
وقول أبي الصلاح بكراهة المذهّب ضعيف ، والصدوق ; في الفقيه نقل موثقة عمار المذكورة ، فيظهر منه أنّه
مفت بمضمونها فيه ، والكليني ; روى رواية موسى بن أكيل النميري ، فيظهر أنّه أيضا معتقد
به ، والشيخ نقلها على سبيل الاعتداد والاعتماد عليها ، ومضمون هذه الرواية أنّه
قال الصادق 7 في الحديد : إنّه حلية أهل النار ، والذهب حلية أهل الجنّة ، جعله الله في
الدنيا زينة
__________________
للنساء ، فحرّم
على الرجال لبسه والصلاة فيه ، ويظهر منه ومن الصدوق أنّ كلّ واحد من الروايتين صحيحة ،
وفي الفقه الرضوي : « ولا تصلّ في جلد الميتة على كلّ حال ولا في خاتم ذهب » .
لكن في الكافي
بسنده إلى الباقر 7 : أنّه استرخت أسنانه فشدّها بالذهب . إلاّ أن يقال :
المتبادر من الصلاة فيه كونه ملبوسا ، لكن الظاهر من رواية النميري أنّه أعمّ منه
ومن الاستصحاب.
وكيف كان ، الأولى
والأحوط الاجتناب ، خصوصا في صورة اللبس ، وربما يؤيّده كونه مثل الحرير في حرمة
اللبس ، وأنّ الإنسان في حال الصلاة لا بدّ أن لا يكون مشتغلا بأمر حرام ، وهذا
وإن كان أعمّ من حال الصلاة إلاّ أنّ حال الصلاة أهمّ فأهمّ ، فتأمل ، بل يظهر من
الأخبار هذا المعنى ، فلاحظ ، هذا.
لكن مع خوف الضياع
وغيره من أسباب الحاجة يصلّي معه من غير حاجة إلى الاحتياط أصلا ، كما يشير إليه
ما ورد في طريق الحجّ للحاجّ : أنّه يجوز أن يجعل نفقته في الهميان ويشدّه في وسطه
. وظاهر أنّ النفقة أعمّ من الدينار والدرهم ، بل الدينار أظهر فرديها ، كما
لا يخفى ، وفي رواية النميري أيضا ما يشير إلى الجواز ، فلاحظ ، وما نقلناه عن
الكافي أيضا شاهد ، ( بل روى بسنده عن داود بن سرحان أنّه ليس بحلية
__________________
المصاحف والسيوف
بأس ، وعن عبد الله بن سنان عنه 7 : ليس بتحلية السيف بالذهب والفضة بأس .
قوله : فهو اختيار الأكثر. ( ٣ : ١٧٦ ).
بل قال المحقق
الشيخ عليّ : أجمع أهل الإسلام على الجواز إلاّ الصدوق .
قوله : ويؤيّد ذلك. ( ٣ : ١٧٧ ).
لا يخلو عن مناقشة
، فإنّ العبرة بعموم اللفظ في الجواب لا خصوص محلّ السؤال ، كما حقّق.
لكن يمكن أن يقال
: ما دل على جواز اللبس للنساء أيضا مطلق ، فيصلح كلّ منهما لأن يكون مقيّدا للآخر
، والترجيح للمشهور ، لأصالة البراءة واستصحاب الحالة السابقة ، والشهرة التي كادت
أن تكون إجماعا ، وللموثق كالصحيح الآتي ، وما سنذكر في الحاشية الآتية.
مضافا إلى كثرة ما
دل على الجواز ، وكونها أقوى دلالة بلا شبهة ، وكون الرواية المانعة مع العلّة
مكاتبة ، وهي أضعف بالقياس إلى غيرها ، مع ضعف الدلالة ، إذ ربما كان المتبادر
منها الرجال بملاحظة ما ذكره الشارح ; وما أشرنا إليه.
قوله : ويشهد له أيضا موثقة عبد الله بن بكير. ( ٣ : ١٧٧ ).
لا يخفى أنّها
كالصحيحة ، ومع ذلك منجبرة بعمل الأصحاب ، بل
__________________
ربما كان إجماعا ،
لعموم البلوى وشدّة الحاجة ، وكون المرأة تحلّ لها لبسه ، فلو كان نزعه واجبا
عليها في حال الصلاة لشاع وذاع إلى أن لا يبقى خفاء بمقتضى العادة ، لا أن يكون
الأمر بالعكس بحسب الفتوى ، بل وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، فتأمّل جدّا.
قوله : لأنّ وجود المنهي عنه كعدمه. ( ٣ : ١٧٨ ).
في هذا التعليل
نظر ، لأنّ الصلاة عاريا يستلزم فوت واجبات كثيرة ، ركنا وغير ركن ، وشرطا ،
والواجب تركه حرام ، فالعمدة هو الإجماع الذي يظهر من قوله : عندنا ، إن كان
متحقّقا.
قوله : وابن إدريس وأبي الصلاح. ( ٣ : ١٧٨ ).
والمصنّف في المعتبر
والنافع أيضا ، والشهيدين والعلاّمة في بعض كتبه مثل الإرشاد ، ولكن في
التحرير يظهر منه التوقّف ، بل ربما يظهر منه الجواز ، وكون الأحوط المنع ، بملاحظة
عدم القول بالفصل في المقام وفي ما لا تتمّ فيه الصلاة في ما لا يؤكل ، فلاحظ
وتأمّل. وفي المختلف قوّى المنع ، وكذا في المنتهى بعد الاستبصار .
قوله : ومستنده رواية الحلبي. ( ٣ : ١٧٨ ).
استدلوا بالأصل ،
وعدم وجود المنع أيضا ، مع كون صحيحة
__________________
محمد بن عبد
الجبار حجّة عندهم قطعا ، وهذا يشهد على ما سنذكر من تبادر الثوب من لفظ الحرير ،
بل ظهر ذلك من المختلف في مسألة المكفوف صريحا ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : وهو ضعيف. ( ٣ : ١٧٨ ).
إلاّ أنّه يروي عن
ابن أبي عمير ، ومثل هذه الرواية معتبرة عند علماء الرجال ، لما ذكر في ترجمته .
قوله : ويدل عليه عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير. ( ٣
: ١٧٩ ).
لم نجد منها ما
يدل على العموم المذكور ، [ بل إنّما ] ورد النهي عن ثوب الحرير ـ كما مرّ في صحيحة إسماعيل بن
سعد ـ ولباسه إلاّ حالة الحرب من غير مدخلية كون الصلاة فيه ، مع تبادر الثوب من
اللباس المطلق في ما ورد بلفظ اللباس ، مع دعم معلومية صحة السند ، نعم ورد خبر
ضعيف بمضمون صحيحة إسماعيل بن سعد السابقة .
قوله : وروى محمد بن عبد الجبار في الصحيح أيضا. ( ٣ : ١٧٩ ).
__________________
هذه هي التي سبقت
ما حكم في الصلاة في ما لا يؤكل لحمه ، وأنّها لعلها
محمولة على التقيّة بالوجوه التي ذكرت ، فلعل الصحيحة الأولى أيضا كذلك ، لاشتراك
الوجوه أكثرها مع أحاديثها سندا ومتنا ودلالة وغير ذلك ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : من أنّ ابتناء العام. على ذلك السبب. ( ٣ : ١٧٩ ).
فيه ما ذكرناه
هناك من أنّ ذلك لا يخرجه عن العموم الذي يقبل التخصيص ، لأنّ كالنص ليس مثل النص
في عدم قبوله للتخصيص ، غاية الأمر أنّه يصير قوي الدلالة ، والعامّ القوي الدلالة
يخصّص بالخاصّ ، بل العامّ القطعي السند القوي الدلالة يخصّص فضلا عن الظنيّ الذي
حجيته معركة للآراء ومحلّ إشكال عظيم ، فإنّ المكاتبة وقع النزاع في حجيتها ، حتى
أنّ القائلين بالجواز صرّحوا بضعف المكاتبة .
والحقّ أنّ فيها
ضعفا من جهة الخط ، وإن أخبر الثقة أنّه خطّه ، لأنّ الخط غير معتبر شرعا ، كما
اتفقوا في مقام الشهادة ، ولأنّها لا يؤمن من أن يطّلع عليها من لا يرضى الإمام 7 بالاطلاع عليها ،
ولذا لا تكاد تخلو مكاتبة عن حزارة ، كما شهد به الوجدان ، وصرّح به جدّي ; ، فالمكاتبة وإن
كانت صحيحة إلى محمد بن عبد الجبار إلاّ أنّها ضعيفة من الجهات المذكورة ، سيّما
مع معارضتها لما سيجيء من الأدلة المسلّمة عند
__________________
القائلين بالمنع ،
بل معارضة للصحيح وغيره ، على ما مرّ في الثوب المحشوّ .
وممّا يوهنها
موافقتها للصحيحة السابقة في حكم ما لا يؤكل لحمه سندا ومتنا
ومضمونا وراويا وكونها مكاتبة ، مع تضمّنها لصحة الصلاة في ما لا يؤكل لحمه في
الجملة ، وقد عرفت ما فيها ، وربما كانت محمولة على التقيّة ، فتأمّل.
وممّا يوهنها أيضا
أنّ الحرير لغة هو الثوب المتخذ من الإبريسم المحض ، والمتبادر من لفظه المطلق
الخالي عن القرائن لعله ذلك ، فلاحظ. نعم كثر استعمالا في ما ينسج من الإبريسم ،
فيكون الجواب مطابقا للسؤال ، لكن ليس هذا نصا حتى يقابل النص ، لما عرفت من
احتمال عدم المطابقة لما رأى المصلحة فيه. وعرفت منشأ هذا الاحتمال ، ولو كان
مخالفا للظاهر ، لعدم استحالة عدم المطابقة من جهة المصلحة ، وقد وجد كثيرا ، ونبّه عليه
الشيخ في التهذيب والاستبصار مكرّرا ، فتتبّع وتأمّل.
وأمّا رواية
الحلبي وإن كان فيها ابن الهلال الغالي إلاّ أنّها مروية عن ابن أبي عمير ، وابن
الغضائري توقّف في حديثه إلاّ ما يرويه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، وقد سمع
هذين الكتابين جلّ أصحاب الحديث واعتمدوا عليهما ، والنجاشي قال :
صالح الرواية ، يعرف منها
__________________
وينكر . ولعله يشير إلى
ما ذكره ابن الغضائري. والطبرسي قال : كتاب المشيخة لابن محبوب أشهر من كتاب
المزني عند المخالفين .
ونوادر ابن أبي
عمير ذكر في أوّل الفقيه حاله ، وابن الغضائري ـ مع أنّه لا يكاد يسلم عن قدحه جليل ـ قبل
ما رواه عن ابن أبي عمير ، وتوقّف في غيره ولم يروه ، والنجاشي وافقه في الجملة ،
مع أنّه سمع جلّ أصحاب الحديث على ما ذكر في محلّه ، وكثيرا ما عمل القدماء ـ بل
المتأخرون أيضا ـ بروايته ، مثل ما مرّ في غسالة الجنب.
على أنّ أحمد هذا
كان على الاستقامة ، ثم رجع فخرج التوقيع بلعنه والأمر بالبراءة منه ، فتبرّأ
الشيعة منه ، وكانوا يقولون : ما يتفرّد به ابن هلال لا يجوز استعماله. سيّما سعد
بن عبد الله الجليل ، فلاحظ ، فكيف يروي هذه الرواية عنه بواسطة موسى بن الحسن
الثقة الجليل؟ وبالجملة : لاحظ ما ذكرته في الرجال يظهر عليك الحال.
ومع ذلك جلّ من
أسّس اصطلاح المتأخرين من اقتصار الصحيح في رواية العادل عن العادل ومعظم من اعتبر
العدالة رجّح في المقام هذه الرواية وقدّمها على الصحيحة من حيث كونها خاصّا
والخاصّ مقدّم ، وجميع ما صار موهنا للصحيحة صار مقوّيا لهذه الرواية في تقديمها
على الصحيحة فتأمّل جدّا ، وكيف كان ، الروايات مشكل ، والاحتياط واضح.
قوله : فإنّ النهي إنّما تعلّق بلبسه. ( ٣ : ١٨٠ ).
__________________
قد ورد في بعض
الأخبار إطلاق التحريم ، وهو يرجع إلى العموم ، إلاّ أن يقال : المطلق في المقام
ينصرف إلى اللبس ، لأنّه المتعارف الشائع ، فتدبّر.
قوله : لصدق اسم اللبس عليه. ( ٣ : ١٨٠ ).
هذا ممّا لا يخلو
عن تأمّل ، ولذا حكم جدّه ; بأنّه مثل الافتراش ، فتأمّل.
قوله : لأنّ الكراهة كثيرا ما تستعمل في الأخبار بمعنى التحريم. (
٣ : ١٨١ ).
مجرّد كثرة
الاستعمال لا يقتضي عدم الدلالة ، كيف؟ والعام قد كثر استعماله في الخاص ، والأمر
في الندب ، إلى غير ذلك. وبناؤه على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه ـ كما هو عنده ـ
يغني عن هذا التعليل.
إلاّ أن يقال :
على هذا التقدير أيضا له ظهور ، لظهور المسامحة التي لا تناسب الواجبات ، إلاّ
أنّه ظهور مّا وليس بنص تفي دلالته لتخصيص العمومات ، نعم لو كان في الأخبار لا
تستعمل إلاّ في المصطلح مطلقا أو إلاّ نادرا يمكن أن تكون دلالته وافية ، لقوة
الظهور.
ويمكن أن يقال :
قوة ظهور شمول العمومات لما نحن فيه محلّ تأمّل ، حتى الشامل للتكة والقلنسوة نصا
، إذ بين مثل التكّة وبين ما نحن فيه فرق ظاهر.
مضافا إلى ما رواه
الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى ـ وهو ممّن لا يروي إلاّ عن الثقات ، وممّن
أجمعت العصابة على تصحيح ما
__________________
يصح عنهم ـ عن
يوسف بن إبراهيم ، عن الصادق 7 ، قال : « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا ،
وإنّما كره الحرير المبهم للرجال » .
وهذه الرواية
رواها المحمدون الثلاثة ، مع أنّ الصدوق والكليني ـ رحمهما الله ـ قالا في صدر
كتابهما ما قالا ، والشيخ روى مفتيا بها. وهذا ـ مع قوة السند ، بل وصحته ، وصراحة
الدلالة ، والموافقة للشهرة ـ ربما يظهر منه أنّ الحرير المحض الوارد في الأخبار ،
المراد منه كون نفس الثوب حريرا محضا ، وكذا ما يماثل الثوب مثل التكّة.
لا يقال : لا يظهر
منه صحة الصلاة ، فيجوز أن يكون لبسه في غير الصلاة جائزا.
لأنّا نقول :
تجويز كون الثوب زرّه وعلمه حريرا مطلقا من غير تعرّض لمنع الصلاة وأمر بالنزع
فيها ظاهر في العموم.
ويؤيّده أيضا
الجمع بينهما وبين السدي في الحكم ، فتأمّل.
مع أنّه على ما
ذكرت لا معارضة بين رواية جرّاح وقوله 7 : « لا تحلّ الصلاة في حرير محض ». وأمّا ما ذكره من أنّ
الاحتياط للعبادة فلعله كذلك.
قوله : أعني القيام والقعود. ( ٣ : ١٨٢ ).
لا شكّ في أنّ
الحركات منهي عنها ، لكونها في ملك الغير بغير إذن صاحبه ، ويكون المتصرف مشغول
الذمّة في أجرته وعوض ما تلف من
__________________
الحركات أو تفاوت
القيمة بسببها ، ولا شكّ في أنّه يجب المنع عن الحركات من باب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
وأيضا الكون في
الثوب استدامة منهي عنه ـ كما اعترف ـ وليس ذلك إلاّ مجموع أجزاء من الكون ،
والنهي عن الكلّ نهي عن جميع أجزائه ، وتتفاوت الحرمة بحسب الأجزاء
قلّة وكثرة. وأيضا لا شكّ في عدم الفرق بين الجزء الأوّل وسائر الأجزاء.
وأيضا سيعترف
الشارح ( في بحث مكان المصلّي ) : أنّ الحركات والسكنات الواقعة فيه منهي عنها ، ولا شكّ في
أنّه لا فرق بينه وبين الثوب ، إذ علّة الحرمة هو التصرّف في ملك الغير بغير إذنه.
قوله : أمّا جواز الصلاة في الساتر لظهر القدم ذي الساق. ( ٣ : ١٨٣
).
في الاحتجاج في
توقيعات الصاحب 7 إلى الحميري : تجوز الصلاة وفي الرجل بطيط لا يغطّي
الكعبين . وربما كان فيه شهادة للمنع عن مثل الشمشك ، فتأمّل.
قوله : ولعل الإطلاق أولى ( ٣ : ١٨٥ ).
محلّ تأمّل لما
ذكره ، لأنّ المطلق ينصرف إلى المتعارف ، وليس ها هنا عموم لغوي.
__________________
قوله
: وحصول الستر. ( ٣ : ١٨٧ ).
فيه : أنّ الحاصل
هو ستر اللون دون ستر الحجم ، إلاّ أنّ ستر اللون مجمع عليه بخلاف ستر الحجم ،
والأصل عدم زيادة التكليف وبراءة الذمّة. ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى الأخبار الستر
مطلقا لا الستر في الجملة ، فإنّه إذا رئي الحجم وظهر لا يقال في العرف : إنّه ستر
عورته بعنوان الإطلاق ، فتأمّل.
ويؤيّده صحيحة ابن
مسلم الآتية في ستر المرأة .
والأصل إنّما يجري
إذا كانت الصلاة اسما لمطلق الأركان ، لا خصوص الصحيحة منها كما قال به بعض
الفقهاء ، إذ على هذا القول يشكل جريان الأصل ، وثبوت كونها اسما لمجرّد الأركان
ربما لا يخلو عن الإشكال ، فتأمّل.
وما استدل به بعض
الفقهاء على عدم وجوب ستر الحجم بقوله 7 : « إنّ النورة
سترة » جوابا لمن قال : رأيت عورتك ، ظاهر الفساد ، لعدم حكاية الحجم في النورة ، إذ حكاية
الحجم هي أن يرى الحجم بنفسه خلف ثوب رقيق أو مثل الثوب الرقيق ، لا أن يرى النورة
المطلية على الحجم وشكل مجموع النورة والحجم ، ولذا تكون المرأة اللابسة للثوب
مستورة قطعا ، فتدبّر.
قوله : والدرع لا يستر اليدين ولا القدمين بل ولا العقبين
غالبا. ( ٣ : ١٨٩ ).
__________________
قميص نساء العرب
غير ظاهر كونه غير ساتر للقدمين والعقبين وأنّه كان كذلك في زمن الباقر 7 ، إلاّ أن يتمسّك
بالأصل ، فلم تكن الرواية دالة ، ومع ذلك إنّما يتمّ التمسّك به إذا كانت الصلاة
اسما لمجرّد الأركان لا خصوص الصحيح وإلاّ أشكل التمسّك.
قوله : لا تدل على الوجوب. ( ٣ : ١٩٠ ).
لكن فيها إشعار
بأنّ الخمار ممّا يواري الشعر عند نساء العرب ، والآن نشاهد نساءهم على هذا النحو
خمارهم ، والظاهر أنّ الملحفة والمقنعة الواردتين في الصحيحتين السابقتين الخمار ،
بل على أيّ حال مقنعتهنّ وملحفتهنّ تستر شعرهنّ ، بل وعنقهنّ على ما نشاهد ، بل
ربما كان في قوله 7 : « وتجلل بها » إيماء إلى ذلك ، وكيف كان الأحوط الستر.
قوله : ويدل عليه قوله 7 في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة. ( ٣ : ١٩١ ).
هذه الصحيحة دالة
على حكم المضطر لا المختار ، فلا تعارض صحيحة زرارة. نعم الأخبار الدالة على تعيين
العورة تدل على تعيين ما ذكره ، وتعارض صحيحة زرارة من حيث أنّها
منجبرة بعمل الأصحاب والشهرة بينهم.
قوله : قال : « لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء ». ( ٣ : ١٩٢ ).
أقول : سيجيء في
الصحيح أنّ الباقر 7 أمّ الناس في قميص وحده ، وقال : « إنّ قميصي كثيف فيجزئ
عن الرداء » فالظاهر عدم
__________________
الكراهة إذا كان
كثيفا ، فيمكن حمل هذه الصحيحة على كونه غير كثيف ، على ما هو الأغلب في قميصهم ،
أو الحمل على ما هو أعمّ من الاستحباب ، إذا الاستحباب لا تأمّل فيه وإن كان
كثيفا.
قوله : مفهوم الشرط. ( ٣ : ١٩٢ ).
هذا الاستدلال فرع
أن يرد حديث يدل على اشتراط الساتر ، ولم يرد ولم يستدل به ، بل الدليل هو الإجماع
المنقول وصحيحة علي بن جعفر المذكورة ها هنا.
والإجماع أمر
معنوي لا لفظي حتى يقال : إنّ الساتر المذكور فيه إطلاقه ينصرف إلى الثياب.
وأمّا صحيحة علي
بن جعفر فغاية ما يظهر منها أنّ المتعارف إطلاق الساتر على الثياب ، ومراد الشارح ; من الاستدلال بها
أيضا ليس إلاّ هذا ، إذ لا تدل على اشتراط الساتر أصلا ، يعني بالمعنى الذي ذكره.
نعم تدل على اشتراطه بالمعنى الأعمّ ، مع أنّ الصحيحة ليست بصحيحة عند الشارح
وأمثاله ، كما يظهر من ملاحظة سندها ، فلاحظ ، هذا.
ورواية أبي يحيى
الواسطي التي هي المستند في تعيين العورتين في الرجل صريحة في أنّ الستر غير منحصر
في الثوب ، حيث قال : « الدبر مستور بالأليتين » إلاّ أن يقال :
لا يظهر أنّه ستر للصلاة أو عن النظر المحرّم ، والثاني لا شكّ في كفاية كلّ ما
يكون ساترا وحاجبا عن النظر.
قوله : وهو بعيد. ( ٣ : ١٩٣ ).
__________________
منشأ استبعاده
ظاهر صحيحة علي بن جعفر.
قوله : استضعافا للرواية. ( ٣ : ١٩٥ ).
الحديث إلى ابن
مسكان صحيح وهو ممّن أجمعت العصابة ، ومع ذلك انجبرت بالشهرة ، ومع ذلك الأصل
القيام مع الإمكان وعدم مانع ، لأنّه من واجبات الصلاة ، بل ركن فيها ، بل ركنان ،
بل أركان فيها. وتدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر ، وصحيحة ابن سنان صريحة في وجود
المطلع أو الناظر المحترم ، وهذا مانع عن القيام.
وأمّا حسنة زرارة
ـ فمع كونها حسنة والحسنة لا تقاوم الصحيحة ـ حملها على وجود الناظر في غاية
القرب.
قوله : وكلّ ذلك تقييد للنص من غير دليل. ( ٣ : ١٩٥ ).
سوى جعل السجود
أخفض من الركوع ، لورود الأخبار به ، كصحيحة زرارة المروية في الفقيه ، فإنّ في
آخرها : « ويكون سجوده أخفض من ركوعه » ومثلها ما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمد ، عن أبي
البختري عن الصادق 7 قال : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف
ذهاب الوقت ، يبتغي ثيابا ، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يومئ إيماء ، ويجعل
سجوده أخفض من ركوعه » الحديث .
قوله : لقوله 7 في صحيحة عبد الرحمن. ( ٣ : ١٩٥ ).
لا يخفى أنّ صلاة
المريض غير ما نحن فيه فمن أين ظهر اتحاد حكمهما؟ وما ذكره الشهيد أولى ممّا ذكره
، لأنّ مستنده ما سيذكر من
__________________
قوله 6 : « إذا أمرتكم
بشيء » الحديث ، وقول علي 7 : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، وقوله 7 : « ما لا يدرك
كلّه لا يترك كلّه » ، والله يعلم.
قوله : لتعلّق النهي به. ( ٣ : ١٩٦ ).
لا يخفى أنّ النهي
المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، إلاّ أن يكون اتفاق الخاصّة ( والعامّة ) على المنع ،
وإلاّ فلا شكّ في تقديم الصلاة مع الركوع والسجود على مجرّد الإيماء ، للأخبار
المتواترة في وجوبهما ، فتأمّل. والأحوط الجمع بين الصلاتين ، والله أعلم.
قوله : لأنّ مانعه عرضي. ( ٣ : ١٩٧ ).
لا يخفى فساده ،
مع أنّ الحرير غير ممنوع بالنسبة إلى النساء ، بل الرجال أيضا في بعض الوجوه.
قوله : وإطلاق النهي عن لبس الحرير. ( ٣ : ١٩٧ ).
فيه ما عرفت ،
مضافا إلى أنّ لبس الحرير حال الاضطرار جوازه إجماعي ، بل وجوبه ، نعم مع وجودهما
لبس النجس مقدّم.
قوله : ويحتمل وجوب الاستمرار مطلقا. ( ٣ : ١٩٧ ).
لا خفاء في ضعف
هذا الاحتمال.
قوله : إنّما يلزم من الجوانب التي جرت العادة. ( ٣ : ١٩٧ ).
__________________
لا خفاء في وجوب
سترها مطلقا عقلا ونقلا وعدم جواز كشفها كذلك ، وأيّ عاقل يرضى بأن يكشف عورته على
الناس من تحت لكون الكشف عن تحت حلال؟! أيّ عاقل يرضى بالحليّة والكشف بوجه من
الوجوه؟!
قوله : ليس الستر معتبرا في صلاة الجنازة. ( ٣ : ١٩٧ ).
هذا الاستدلال فرع
أن يرد : لا صلاة إلاّ بالستر ، ولم يرد. وأمّا صحيحة عليّ بن جعفر التي استدل بها
على ستر الحشيش والورق ، فالظاهر منها غير صلاة الميت ، بل صريحها ، وإن قلنا
بأنّها صلاة حقيقة.
قوله : فلا يحسن وصفها بالحسن. ( ٣ : ١٩٨ ).
لا شبهة في أنّه
ليس مراده الحسن الاصطلاحي ، بل الحسن من حيث العمل ، لأنّ ابن جبلة وإن كان
واقفيا إلاّ أنّه موثق ، وكذا الحال في إسحاق إن لم يكن ابن عمار بن حيان الكوفي
الثقة الإمامي الجليل ، بل الظاهر أنّه هو ، وقد حقّقنا حجيّة الموثق ، وفي المشهور
أيضا أنّه حجّة ، ونبّه على ذلك في المعتبر ، فتأمّل ، ومع ذلك هذا الموثق موافق للأصل من وجوب الركوع
والسجود مع عدم مانع منهما ، فتأمّل.
قوله : والأظهر العدم. ( ٣ : ١٩٩ ).
ربما يظهر من
العمومات حسن الستر والحياء مهما أمكن ، وأمّا الرواية مع ضعفها ربما تكون واردة
مورد التقية ، لأنّ عمر كان أمر بضرب
__________________
الأمة لذلك أو كان
يضرب ، وكان هذا مشهورا منه ، مع أنّ الضرب أذيّة لا يجوز أن يرتكب إلاّ لفعل حرام
أو ترك واجب ، وليس سترها حراما اتفاقا ، وورد النهي الشديد في ضرب المملوك والأمر
بالعفو عنه ، حتى أنّهم : أمروا بالعفو عنه سبعين مرّة ، وعن ضربه في النسيان
والزلّة ، فكيف إذا كان مرادها الستر والعفاف والحياء؟ مع أنّ
الظاهر من الرواية الضرب من دون تقديم منع وإصرار منها ، وفيه ما فيه. مع أنّ
التعليل بمعرفة المملوكة عن الحرّة أيضا فيه ما فيه ، فإنّها معروفة عنها بلا شبهة
، فتأمّل.
قوله : والصلاة على ما افتتحت عليه. ( ٣ : ٢٠٠ ).
وهي معارضة
بالقاعدة الكلية المسلّمة : الضرورات تتقدّر بقدرها.
قوله : عن قدر الطهارة وركعة. ( ٣ : ٢٠٠ ).
الظاهر عدم الحاجة
إلى الطهارة مع حصولها ، إذا الصلاة الفريضة بالطهارة المستحبة لا تأمّل في صحتها
لو لم نقل بالأولوية ، فتأمّل.
قوله : قال الجوهري. إذا تقلّد بهما. ( ٣ : ٢٠٣ ).
ليس في الصحاح
عبارة : إذا تقلّد بهما ، ولا يوجد منها فيه أثر أصلا ، فلاحظ ، نعم في القاموس
ذلك ، وقول الصحاح أصحّ من قول القاموس مطلقا عند المحقّقين ، ومع ذلك يكون
المكروه على هذا مطلق التقليد فوق القميص ، والمتبادر الشائع تقلّد غير الثوب من
الحمائل والتمائم والسيف
__________________
عند العرب ،
والكلّ كان عادة الكلّ من غير اختصاص بأهل الجاهلية أو اليهود أو الجبابرة ، وأنّه
لهذا كره في الصلاة. مع أنّ الظاهر أنّ الرسول 6 والأئمّة : وأولادهم كانوا يقلّدون الحمائل والسيف والتمائم ، مع أنّ
أحدا من الفقهاء لم يفت بكراهة تقليد أمثال ما ذكر ، والله يعلم.
قوله : قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه :. ( ٣ : ٢٠٤ ).
لا يخفى أنّ
الصدوق ; أيضا فهم من التوشّح الائتزار ، وهو الظاهر من غير واحد من الأخبار ، مثل
رواية زياد بن المنذر عن الباقر 7 : الرجل يخرج من
الحمّام فيتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار فيصلي كذلك ، قال : « هذا عمل قوم لوط »
قلت : فإنّه يتوشّح فوق القميص ، فقال : « هذا من التجبر » الحديث ، وصحيحة
ابن مسلم أنّه سأل الصادق 7 : الرجل يصلّي في قميص واحد أو قباء طاق وليس عليه إزار؟
فقال : « إذا كان القميص صفيقا والقباء ليس بطويل الفرج والثوب الواحد إذا كان
يتوشّح به والسراويل بتلك المنزلة ، كلّ ذلك لا بأس به » الحديث ، إلى غير
ذلك من الأخبار.
قوله : والمستفاد من الأخبار. ( ٣ : ٢٠٥ ).
لكن روى ابن أبي
جمهور في العوالي عن النبي 6 : النهي عن الصلاة مقتطعا ، رواه مكرّرا عنه ، مع أنّ الإجماع
المنقول يكفي ، بل
__________________
الشهرة أيضا ،
للتسامح في أدلة السنن والمكروه ، مع أنّه يظهر من الأخبار أنّ ما هو ممنوع في نفسه
ممنوع الصلاة فيه.
قوله : وهو فاسد ، لأنّ شدّ القباء غير التحزّم. ( ٣ : ٢٠٨ ).
لا يخفى أنّه إذا
نهي عن التحزّم فالشدّ منهي عنه بطريق أولى ، لأنّ التحزّم قليل شدّ ، إلاّ أن
يقال : الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم ، والقياس بطريق أولى حجّة إذا كان المقيس
عليه صحيحا يقولون به ، إذا لا معنى للقول بالفرع مع عدم القول بالأصل.
ويمكن أن يقال
بكراهة التحزّم أيضا ، أي استحباب عدمه ، والمستحب يسامح في دليله ومأخذه ، ولا
يجب أن يكون له قائل من الفقهاء ، كما لا يخفى ، فتأمل.
تذنيب : في جامع
الأخبار عن النبي 6 : « لو أنّ رجلا متعمّما صلّى بجميع أمتي بغير عمامة يقبل
الله صلاتهم جميعا من كرامته عليه » وفيه أيضا : « من صلّى ركعتين بعمامة فضله على من لم
يتعمّم كفضل النبي على أمّته » وفي الكافي عن الصادق 7 : « صلاة متطيّب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب » وفي العوالي عن
الحسن بن علي 8 : أنّه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، وكان يقول
: « إنّ الله تعالى جميل يحب الجمال » ، لكن في التهذيب روى عن الصادقين 8 أنّهما كانا
يلبسان أخشن ثيابهما وأغلظهما في الصلاة ، ولعله لإظهار التواضع والحاجة إليه
__________________
تعالى.
قوله : وهذا الحكم ـ أعني كراهة الإمامة بغير رداء ـ مشهور. ( ٣ :
٢٠٩ ).
لعل الشهرة كافية
في مقام المسامحة في الدليل ، بل ربما يفتون بالاستحباب أو الكراهة بمجرّد فتوى
فقيه واحد ، منها ما سيجيء في الصلاة إلى باب مفتوح وغيره ، ويؤيّدها صحيحة زرارة
الآتية ، كما لا يخفى عند التأمّل.
قوله : ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شيء من حديد مشتهر. (
٣ : ٢١٠ ).
الظاهر من الكليني
والصدوق أيضا المنع ، والأخبار الدالة عليه كثيرة ، منها موثقة عمار ، حيث نهى
فيها عن الصلاة وعليه خاتم حديد ، وعلّل بأنّه لباس أهل النار ، فإن لم نقل
بأنّ الموثق حجّة فالحكم الكراهة ، كما هو المشهور ، فإنّ الأخبار غير الصحيحة وإن
اتفقوا على العمل بها في المقام إلاّ أنّه لم يثبت أزيد من كون العمل على سبيل
المسامحة في أدلة السنن والكراهة ، فلا يمكن الحكم بالحرمة ، لما مرّ مرارا.
وأمّا على القول
بأنّ الموثق حجّة فيمكن إثبات الحرمة ، إلاّ أن يقال : تعليل المنع عن الصلاة فيه
ومعه بكونه نجسا شاهد واضح على الكراهة ، لعدم كونه نجسا بالإجماع ، ولذا تجوز
الصلاة معه مستورا ، مع أنّ متون روايات عمار ربما لا تخلو عن التشويش ، فالمراد
كراهة الاستصحاب ، فقد
__________________
روى عمار هذا في
الموثق أيضا في من قصّ أظفاره أو [ حلق ] قفاه وصلّى من غير مسح بالماء : أن يمسح به ويعيد الصلاة ،
لأنّ الحديد نجس ، وقال : « إنّ الحديد لباس أهل النار » فتأمّل.
وربما قيل بكراهة
الصلاة في الخاتم الذي فصّه حديد صيني ، ولعله لما في الاحتجاج من توقيع الصاحب 7 إلى الحميري :
أنّ « الفصّ الخماهن فيه كراهة أن يصلّى فيه ، وفيه إطلاق ، والعمل على الكراهة » انتهى. في تاج :
الخماهن : سنگى باشد سياه كه از آن نگين سازند.
قوله : لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت. ( ٣ : ٢١٣
).
لا يقال : لا
اختصاص للرواية بحال الصلاة ، لأنّا نقول : هذه الرواية طويلة ، والمتقدّم على هذا
السؤال والجواب والمتأخّر عنهما سؤالات وجوابات كثيرة كلّها متعلّقة بأمر الصلاة
بل المتأخر عمّا ذكر من الرواية بلا فصل : وسألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل في
جيبه أو ثيابه ، قال : « لا بأس بذلك » ولا شكّ في أنّ المراد حال الصلاة ، مع أنّ تعليل المنع عن
الصلاة في السواد والحديد بأنّه من لباس أهل النار ربما يشير إلى أنّ ما هو ممنوع
منه في نفسه لا يصلح حال الصلاة ، فتأمّل جدّا.
قوله : كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع. ( ٣ : ٢١٣ ).
__________________
يمكن أن يقال :
المتبادر صورة الحيوان بناء على أنّ الإطلاق ينصرف إلى الكامل ، ولما ورد في أخبار
كثيرة [ من ] النهي عن تصوير الصور والتماثيل بعنوان الإطلاق ، ثمّ علّق
عليه أنّ الله يعذّب المصوّر بنفخ الروح فيها وفي تلك التماثيل ، ولما ورد من
أنّ سليمان 7 كانوا يعملون له تماثيل الشجر وشبهه لا تماثيل الرجال والنساء ، ولما ورد من
عدم البأس إذا كانت بعين واحدة لا أن تكون لها عينان ، أو قطع رأسها ، مع إطلاق النهي
، كما في محاسن البرقي في الصحيح عن ابن مسلم ، عن الصادق 7 : عن تماثيل
الشجر والشمس والقمر ، فقال : « لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان » وفي الصحيح عن
زرارة ، عن الباقر 7 مثله ، وفي الصحيح عن زرارة ، عنه 7 قال : « لا بأس بتماثيل الشجر » .
هذا كلّه مضافا إلى
استشمام العلّة والتصريح بلفظ الطير في موثقة عمار مكرّرا المؤذن بكون غير ذلك من
قبيل ما ذكر.
قوله : وقال الشيخ في المبسوط. ( ٣ : ٢١٣ ).
في النهاية حكم
بعدم جواز الصلاة ، وابن البراج أيضا حرّم
__________________
الصلاة في الخاتم
الذي فيه صورة ، ودليلهم موثقة عمار. إلاّ أن يقال : ظاهر قوله في صحيحة
ابن بزيع : « كره ما فيه التماثيل » الكراهة وإن لم تثبت الحقيقة الشرعية ،
للمسامحة في التأديّة التي لا تناسب الحرمة.
وفي صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج في الدراهم السود تكون مع الرجل فقال : « ما أشتهي » ، وهو أيضا ظاهر
فيها ، ويعضده الشهرة العظيمة ، وسيجيء تتمّة الكلام في استقبال النار ، في مرسلة
ابن أبي عمير : « إن كان لها عين واحدة فلا بأس ، وإن كان لها عينان فلا » .
قوله : ولو كانت الصور مستورة خفّت الكراهة. ( ٣ : ٢١٣ ).
بل الظاهر من الصحيح
زوالها.
قوله : هو قسيم للمملوك. ( ٣ : ٢١٦ ).
لا يخفى أنّ
الضمير في قوله : يكون ، راجع إلى المكان لا إلى منفعته ، فكيف يستقيم إدراج
المستأجر في المملوك؟ وأمّا ما فعله الأصحاب فالظاهر أنّهم جعلوا المنفعة مقسما لا
العين ، فتدبّر.
قوله : غير واضح. ( ٣ : ٢١٦ ).
لا يخفى أنّ مراده
من الإذن بالكون من حيث هو هو من دون زيادة كونه للصلاة ، إذ لا شكّ في كونه أمرا
زائدا ، إلاّ أنّ هذه الزيادة ربما يفهم
__________________
بطريق أولى ، لأن
الكون لغير العبادة ليست مطلوبيته مثل الكون لها ، بعد ما ظهر كون الكون من حيث هو
مطلوب ، بخلاف الضيافة ، إذ لا ظهور فيها من حيث هي هي على كون المطلوب هو الكون
من حيث هو هو ، إلاّ أن يظهر من الخارج ، كما اعترف به بقوله : وهو إنّما يتمّ ..
فلا وجه لهذا الإيراد أيضا.
قوله : اكتفاؤه في شاهد الحال. ( ٣ : ٢١٦ ).
لا يخفى أن
الفقهاء ذكروا : بشاهد الحال وأنّه يشهد ، والظاهر من الشهادة حصول الوثوق
والاطمئنان ، وهو معنى العلم ، وصرّح غير واحد بالعلم ، مع أنّه ربما
اكتفى بعض بالأعم لدليل ما كان عليه وليس كل فقه بنهج الآخر.
والصواب الفرق بين
الأراضي ، مثل البيوت وأمثالها والصحاري [ ففيها ] تجوز من دون
توقّف على رضا المالك أصلا ، لما في الأعصار والأمصار من الصلاة من دون إذن ، مع
أنّه ربما كان المالك صغيرا أو مجنونا أو سفيها أو من أهل السنّة أو أهل الذمّة ،
فلا تغفل.
قوله : كون المكان لمولّى عليه ، وهو كذلك. ( ٣ : ٢١٧ ).
لا يخفى فساده ،
إذ عدم الضرر في التصرّف كيف يصير منشأ لصحته؟ وكيف يسوغ للولي الإذن من العلّة
المذكورة؟ نعم تجوز الصلاة ونحوها في الصحاري من دون مراعاة إذن أصلا ، كما أفتى
الفقهاء ، وإن
__________________
علّل بعضهم بإذن
الفحوى ، وفيه ما فيه ، لما عرفت.
قوله : كما في سلوك الطريق المغصوب إلى الميقات عند وجوب الحجّ. (
٣ : ٢١٨ ).
فإن قلت : لعل
مرادهم من الخياطة فعل الخياطة أي حركة اليد المخصوصة.
قلت : على فرض
تعلّق أمره بالحركة المخصوصة يكون الغرض منه حصول الأثر الحاصل ، أو التمرين
وتحصيل الملكة ، فهي ليست مطلوبة لنفسها ، بل مطلوبة من حيث الوصلة به إلى الغرض
الحقيقي والمطلوب الواقعي الذي هو المطلوب لنفسه ، فلا يضرّ أن يكون مثل هذا أيضا
حراما ، كسلوك الطريق المغصوب إلى الميقات ، وكالأمر بإنقاذ الغريق من المسلم
وإطفاء حريقه ، فإنّ المقصود منهما رفع الضرر منه وحفظ نفسه أو ماله من التلف ،
فالمقصود يحصل وإن وقع الإنقاذ والإطفاء بوجه حرام شديد الحرمة ، وهذا واضح.
فإن قلت : نفرض
أنّ المولى يقول : مطلوبي ومحبوبي فعل الخياطة ، أي حركة اليد المخصوصة من حيث هو هو
، وهو واجب عليك لنفسه لا لأثر حاصل ولا للتمرين ولا لغير ذلك ، لكن إن فعلته في
حرم بيتي لعاقبتك ، لأنّك فعلت مبغوضي أيضا ، كما لو أمره بالرقص من حيث إنّه
يعجبه ، ونهاه عن كونه في بطن بيته عند نسائه من حيث إنّه يبغضه ويسوءه.
قلت : لا شكّ في
أنّه إذا رقص في بطن بيته عند نسائه فأمّا أنّه يعجبه
__________________
فقط ، أو يبغضه
فقط ، أو لا يعجبه ولا يبغضه.
وأمّا أنّه يعجبه
ويبغضه معا من الحيثيتين فمحال ، لأنّ الحبّ والبغض لا يمكن اجتماعهما في فعل واحد
في زمان واحد ، والذي صدر عن العبد إنّما كان فعلا واحدا بحسب الوجود الخارجي ،
ولا أجزاء له مرتبة في الخارج ، فمن هذا الفعل الواحد إن حصل للمولى السرور والطرب
فكيف يمكن حصول نقيضه وهو عدم السرور وعدم الطرب؟ فضلا عن أن يكون حصل ضدّه وهو
الحزن والانقباض ونفرة الطبع وأمثال ذلك ، فكيف يمكن أن يصير هذا الفعل الواحد
سببا لحصول أثرين متناقضين أو متضادّين في زمان واحد ودفعة واحدة بحيث لا يكون
بينهما ترتيب أصلا ولا تمايز مطلقا؟ لما عرفت من أنّ العلّة فعل واحد بسيط في
الخارج لا يكون له أجزاء في الخارج أصلا ، فضلا عن أن يكون بين تلك الأجزاء ترتيب
في الخارج بحيث يكون أحدها مقدما على الآخر ( بحسب الزمان في الخارج ) حتى يتأتّى أن
يحصل بالجزء الأوّل الفرح والمحبّة ، وبعد انقضاء الجزء الأوّل ومجيء الجزء
الثاني يحصل الانقباض والكراهة والبغض ، أو بالعكس ، وهذا واضح لمن تأمّل أدنى
تأمّل.
كما أنّ الفرق
بينه وبين قطع الطريق المغصوب وإنقاذ الغريق الحرام والإطفاء الحرام أيضا واضح
بحمد الله ، فإنّ متعلّق المحبّة مثلا هو اندفاع الضرر عن المسلم ، ومتعلّق
الكراهة والبغض هو الكون والإطفاء بماء مغصوب مال شخص عطشان مضطرّ إلى ذلك الماء ،
وأحدهما غير الآخر ، لأنّ الأوّل أثر ومسبّب ، بل متأخّر بحسب الزمان أيضا ، بخلاف
الآخر ، فإنّه
__________________
مؤثّر وسبب
ومتقدّم بحسب الزمان أيضا.
وأيضا العبادة من
شأنها التقرّب إلى الله تعالى وإلى الثواب مثل الجنّة ، والحرام من شأنه التبعّد
عن الله تعالى وعن الثواب والجنة ، فكيف يكون فعل واحد شخصي يقرّب إليه تعالى وإلى
الجنة حين ما هو يبعّد عنه تعالى وعن الجنّة ويقرّب إلى النار؟
وأيضا كيف ينوي
العبد بهذا الشخص المعيّن من الفعل التقرّب إليه تعالى مع يقينه بأنّه مبعّد عنه
حين ما هو مقرّب إليه؟
وأيضا كيف يقول
الحكيم : اركع مثلا إن شئت هذا الركوع المشخّص ، وإن شئت غيره ، فإنّي أوجبت عليك
هذا وذاك؟ ومع ذلك يقول : لا تركع هذا الركوع المشخّص ، فإنّك إن ركعت لعقابتك ،
فإنّ هذا قبيح عن الحكيم ، فكيف الحال بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من حركاته
وسكناته وأجزاء الحركات والسكنات؟
وأيضا كيف يقول
الله تعالى : تقرّب إليّ بفعل هذا القبيح الذي يوجب البعد عنّي ويوجب سخطي عليك
وعقابي وانتقامي؟ فلا تغفل.
قوله : لأنّ الكون ليس جزءا منها. ( ٣ : ٢١٨ ).
لا يخفى أنّ المسح
هو إمرار الماسح على الممسوح وهو عين الحركة ، فالوضوء والتيمم يكون الكون جزءا
منهما.
وأمّا الغسل فلا
يمكن تحقّقه بغير حركة على ما هو المتعارف الشائع ، والمقدّمة إذا انحصرت في
الحرام فالتكليف بذي المقدّمة إن كان باقيا لزم التكليف بالمحال ، كما إذا انحصر
طريق الحجّ في المغصوب ، نعم إذا كان طريق الحجّ مغصوبا إلى خصوص الميقات وسلك
المكلف بعنوان الحرام يصير مكلفا بالحجّ بعد وصوله الميقات وارتكابه الحرام ، وإن
لم
يكن باقيا لزم أن
لا تكون المقدّمة واجبة مطلقا لأنّ وجوبها من جهة وجوب ذي المقدّمة ، كما هو
المفروض ، فعلى هذا نقول : كلّ جزء من أجزاء المغسول لا يمكن غسله على الفرض
المتعارف من دون حركة. ومن هذا ظهر حال الوضوء بالنسبة إلى غسل الأعضاء أيضا.
على أنّا نقول :
مطلق التصرّف في المغصوب حرام قطعا بلا خصوصية للكون في ذلك ، والطهارة في المكان
المغصوب تصرّف فيه وانتفاع منه ، فكيف يتأمّل في حرمتها؟!.
قوله : [ وهو بعيد جدّا ] . ( ٣ : ٢١٨ ).
لعل نظر المحقّق
في ذلك إلى الإجماع على بطلان الصلاة في المكان المغصوب ، فإنّه يصدق على صلاة من
صلّى في المكان المغصوب وإن كان بإذن المالك ، بل وربما قيل : وإن كان صاحب المال
ومالكه يصلّي فيه ، فإنّ صلاته باطلة من حيث وقوعها في المكان الذي وقع عليه الغصب
.
لكنه باطل ، لعدم
كون المكان مغصوبا بالنسبة إلى المالك ولا المأذون من قبل المالك ، مع أنّ الإجماع
إنّما وقع على ما اقتضاه الدليل العقلي لا أنّ الحرمة والبطلان مجرّد تعبّد ،
فتأمّل.
قوله : ويضعف بتوجّه النهي المنافي للصحة. ( ٣ : ٢٢٠ ).
في شمول النهي
لهذه الصورة تأمّل ، لأنّ المفروض أنّ المالك رخّصه وأذن له بقدر الصلاة ، ويعلم
قدر الصلاة ، ويعلم أنّه يجب عليه إتمام الصلاة ويحرم عليه قطعها. على أنّه لعله
في هذا القدر يدخل في أمر
__________________
لا يمكن شرعا قطعه
، إذ في بعض الصور يجب عدم القطع قطعا ، كما لو كان مشغولا بجماع أو غيره مما لا
يتيسّر له القطع ، لأنّه ربما يقتله أو يضرّه ضرر عظيم أو غير عظيم ، إذ لا ضرر
ولا ضرار ، فيمكن أن تكون الصلاة أيضا من قبيل الأمور المذكورة ، سيّما إذا وقع
الإذن الصريح في الصلاة فشرع فيها ، إذ ربما كان مستخفّا للصلاة ومؤذيا للمسلم
وعارا له ، وبالجملة يكون عموم شامل لما نحن فيه بعد ملاحظة ما أشرنا إليه ، لا
يخلو من تأمّل.
قوله : بحمل النهي في الروايتين الأوّلتين على الكراهة. ( ٣ : ٢٢٣
).
الأخبار الواردة
في أنّ المرأة في الجماعة واقتدائها بالرجل تؤخّر عنه ، في غاية الكثرة
ونهاية الاعتبار ، والظاهر من صحيحة علي بن جعفر أيضا ذلك ، والأخبار المعارضة غير
ظاهرة في الجماعة المذكورة لو لم نقل بظهورها في خلافها ، فتأمّل.
قوله : للحكم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة. ( ٣ : ٢٢٤ ).
فلا يتأتى نيّة
القربة حين الشروع.
قوله : حكى ذلك المصنف في المعتبر. ( ٣ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ).
وجماعة كالعلاّمة
وابن زهرة والشهيد وغيرهم ، ومرّ في باب التطهير بالشمس .
__________________
قوله
: ولم أقف لأبي
الصلاح. على حجّة. ( ٣ : ٢٢٦ ).
يحتمل أن يكون
احتجاجه بقوله 7 : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » وبعض الأخبار
أيضا له ظهور ، مثل الموثق كالصحيح بابن بكير ، عن الصادق 7 : عن الشاذكونة
يصيبها الاحتلام أيصلّى عليها؟ قال : « لا » ويحمل على الاستحباب للمعارض.
قوله : وهي مع ضعف سندها. ( ٣ : ٢٢٧ ).
ودلالتها أيضا ،
لأنّ من العشرة المذكورة ما ثبت من الصحيح والمعتبر عدم المنع من الصلاة فيه ،
فلاحظ.
قوله : فإن كانت النجاسة لم تكره. ( ٣ : ٢٢٨ ).
ربما كان في رواية
علي بن جعفر إشارة إلى ذلك ، كما لا يخفى على الفطن ، وكذا في موثقة عمار عن
الصادق 7 .
قوله : قال : سألته عن
الصلاة في مرابض الغنم. ( ٣ : ٢٢٩ ).
وفي الغوالي عن
النبي 6 : أنّه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل ، فإنّها خلقت من الشياطين .
قوله : ولا بعد فيه بعد ورود النص به. ( ٣ : ٢٣٣ ).
لا يخفى أنّ
استبعادهم بمكانه ، فإنّه إذا كان الخمر في البيت لم لا تجوز الصلاة فيه وإذا كانت
في ثوب المصلّي تجوز الصلاة في ذلك الثوب؟! ولم يرد نص من الشارع بهذا النحو ، بل
ورد النص على بطلان
__________________
الصلاة وحرمتها في
ذلك الثوب ، وإن ورد النص بطهارتها أيضا ، فظاهر أنّ ما دل على المنع من الصلاة في البيت الذي يكون
فيه ، من قبيل النص الأوّل ولا يلائم الثاني ، لأنّه 7 بمجرّد وجودها في البيت ما جوّز الصلاة فيه فكيف يجوّز
الصلاة في الثوب الذي يكون الخمر فيه؟ فتأمّل .
قوله : وعدم صراحة الاولى في التحريم. ( ٣ : ٢٣٥ ).
فيه إشعار بالظهور
في التحريم ، ولعله كذلك ، وظاهر أنّ الظهور يكفي ، إلاّ أن يقال بأنّه ليس ظهورا
يوثق به ، بل يعدّ في مكان الريبة والتزلزل ، لكن يقوّيه موثق عمار إن لم نقل
بحجّية الموثق وإلاّ فهو حجّة ، إلاّ أن يقال : إنّه يتضمّن المنع عن استقبال
الحديد أيضا ولم يفت أحد بحرمته فهو مضعّف.
وكيف كان لا تأمل
في أنّ الاحتياط التامّ في الاجتناب ، لأنّ ما ذكره الصدوق ; وإن كان صحيحا
عنده إلاّ أنّه لا يقاوم الموثق فضلا عن الصحيح ، إلاّ أن يقال باعتضاده بالشهرة
أيضا ، وضعف دلالة الصحيح والموثق من هذه الجهة أيضا ، والله يعلم.
قوله : ولا ريب أنّ الاحتياط يقتضي تجنّب استقبال النار. ( ٣ :
٢٣٦ ).
في الاحتجاج ، عن
الأسدي قال : في ما ورد على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري 2 في جواب مسائله
إلى صاحب الزمان 7 : « أمّا ما سألت
عنه من المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل يجوز؟ فإنّ الناس قد اختلفوا
في ذلك قبلك ، فإنّه جائز لمن لم يكن من
__________________
أولاد عبدة
الأصنام والنيران » فتأمّل ، إذ لم يفت بهذا التفصيل أحد ، ولا يظهر أنّ
المراد من أولادهم الأولاد بغير واسطة ، أو هم وأولاد أولادهم إلى يوم القيامة ،
وما ذكرنا يوجب التأكيد في الاحتياط لمن لم يكن من آل الرسول وأمير المؤمنين :.
قوله : وفي الطريق ضعف. ( ٣ : ٢٣٦ ).
ظهر الكلام في المقام
ممّا مرّ في الصلاة في الكعبة .
قوله : وحمل النهي على الكراهة أمكن. ( ٣ : ٢٤٤ ).
لا وجه له ، لأنّ
صحيحة زرارة موافقة للعمومات المعمول بها عند الأصحاب فلا تقاومها فلا تكون حجّة ،
لأن الراجح هو الحجّة والمرجوح ليس بحجّة ، لعدم الدليل على حجّيته ، والأصل عدمها
، ولأنّ معنى المرجوح أنّ الظاهر أنّه ليس بحق وليس حكم الله ، والمشكوك فيه لا
يمكن أن يصير حجّة فضلا عن المرجوح ، فتعين طرح المعارض أو توجيهه بما يرجع إلى
الحجّة ، بل الظاهر أنّ المعارض من الشواذّ التي لا عمل عليها أصلا ، فالحمل على
الضرورة من التقيّة أو غيرها متعيّن إن لم يطرح.
قوله : يصدق عليها اسم الأرض عرفا. ( ٣ : ٢٤٤ ).
في الصدق عرفا
إشكال ، سيّما وأن يكون من الأفراد الشائعة ، فتأمّل.
قوله : وتؤيّده الأخبار الكثيرة. ( ٣ : ٢٤٥ ).
في التأييد نظر ،
وكذا في تأييد صحيحة معاوية ، مضافا إلى ما عرفت ممّا هو فيها.
__________________
قوله
: أليس هو من نبات
الأرض؟ ( ٣ : ٢٤٧ ).
لا يبعد أن يكون
المراد الحصر الطبرية ، فإنّ الطبري هو الحصير الذي شغل أهل طبرستان. ( صرّح بذلك
جدّي ; ومولانا مراد في شرحهما على الفقيه ) .
قوله : فإن كان نبات الأرض. ( ٣ : ٢٤٨ ).
حمل المطلق على
المقيد جائز ومتعارف ، سيّما في مثل المقام.
قوله : وردّه المصنف في المعتبر. ( ٣ : ٢٤٨ ).
لا يخفى أنّ كلّ
راو إذا سأل المعصوم 7 عن مسألة ، مراده حال عدم التقيّة وأنّها في الواقع كيف ،
صرّح بذلك أو لم يصرّح ، من دون تفاوت ، فإذا كان المقام اقتضى التقيّة أو الاتقاء
فلا يمنع فرض سؤال الراوي. وكونها محمولة على التقيّة في غاية الظهور ، لأنها شعار
العامة ، كما أنّ خلافها شعار الخاصة في الأعصار ( والأمصار ) مع أنّ الشيخ
أعرف بالتقيّة ، وغيره أيضا من فقهائنا حملوا على التقيّة ، مع أنّ
المكاتبة قلّما تخلو عن التقيّة خوفا من أن يقع بيد الأعداء ، صرّح بذلك جدّي ; ، والصدوق قال في
أماليه ، : من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجوز السجود على الأرض أو ما أنبتت
الأرض إلاّ ما أكل أو لبس . هذا ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة.
__________________
قوله : لخروجه بامتزاجه بالماء عن اسم الأرض. ( ٣ : ٢٤٨ ).
فيه نظر ، لأنّ
الجبهة تلاصق التراب والأرض ، ولم يتحقّق استحالة قطعا بمجرّد مزج الماء معه ، بل
هو ماء وتراب أو أرض ممزوجان ، نعم إن لم تستقرّ الجبهة فلا يجوز من هذه الجهة.
قوله : وإطلاق هذه الروايات. ( ٣ : ٢٤٩ ).
الإطلاق ينفع إذا
علم أنّ القرطاس المأخوذ من الإبريسم كان في ذلك الزمان موجودا وكان من الأفراد
الشائعة ، والآن ليس كذلك فضلا عن حصول العلم بذلك في ذلك الوقت.
قوله : ويظهر من الشهيد في الذكرى. ( ٣ : ٢٥٠ ).
وادعى ; أنّ القرطاس الذي
وقع في الأخبار صحة السجود عليه هو الذي يؤخذ من العلف ، وببالي أنّه ادعى أنّ
المتعارف في ذلك الزمان كان كذلك ، فليلاحظ وليتأمّل فيه ، إذ أحد من الأصحاب ما تعرض له
ممّن تقدم عليه أو تأخر عنه.
قوله : على أنّه يمكن المناقشة. ( ٣ : ٢٥٠ ).
الأحوط الاجتناب ،
للشكّ في دخوله تحت الأرض الوارد في أخبار السجود أو كونه من أفرادها الشائعة ،
فتأمّل.
قوله : أمّا أوّلا : فلأنّ. ( ٣ : ٢٥٢ ).
فيه ما مرّ في
مسألة الإنائين ( من الماء ) المشتبهين في أوائل كتاب الطهارة من أنّه لا معنى للنجس
الشرعي إلاّ أنّه يجب الاجتناب عنه ، وإذا وجب لزم الإطاعة ، ولا تتحقّق إلاّ
بالاجتناب عن الجميع ، عن القدر
__________________
النجس بالأصالة ،
وما بقي من باب المقدمة ، وإذا كان كلّ جزء جزء باقيا على طهارته لزم ارتفاع النجس
اليقيني ، وتعيين جزء خاصّ ترجيح من غير مرجّح شرعي ، وأصالة الطهارة لا تعارض ما
ذكرنا ، كالصلاة في الثياب التي أحدها نجس يقينا ، وغير ذلك ، والفرق بين المحصور
وغيره ذكرناه هناك ، فلاحظ جميع ما ذكرناه .
قوله : مع انتفاء ما يدل على طهارة محلّ السجود. ( ٣ : ٢٥٢ ).
قد مرّ الدليل
والإشارة إليه في مبحث مطهريّة الشمس ، فلاحظ.
قوله : واختلف الأصحاب في استحبابهما أو وجوبهما. ( ٣ : ٢٥٧ ).
وفي الفقه الرضوي
: « وقد روي أنّ الأذان والإقامة في ثلاث صلوات :
الفجر والظهر
والمغرب ، وصلاتين بإقامة هما العصر والعشاء ، لأنّه روي خمس صلوات في ثلاث أوقات
» .
وفيه أيضا : «
إنّهما من السنن اللازمة ، وليستا بفريضة ، وليس على النساء أذان ولا إقامة ،
وينبغي لهن إذا استقبلن القبلة أن يقلن : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا
رسول الله » . انتهى.
وفي الأخبار
الدالة على أنّ المؤذّن والمقيم يصلّي خلفه صفّان من الملائكة ، والمقيم وحده
يصلّي خلفه صفّ أو ملك ، إشعار باستحباب
__________________
الإقامة بعد ثبوت
استحباب الأذان من أخبار كثيرة ، ومع ذلك ، الاحتياط في عدم ترك الإقامة مطلقا ،
هذا في غير الجماعة.
وأمّا الجماعة
فالأمر في الإقامة كما ذكر ، وأشدّ منه ، والأذان فبعد تمامية الاجتماع وعدم
الانتظار فلا مانع من ترك الأذان ، مع أنّ الأولى والأحوط الفعل أيضا ، وأمّا
الإقامة فلا تترك البتّة ، لعدم دليل واضح على جواز ترك القراءة خلف إمام لم يأت
بالإقامة لا هو ولا أحد ممّن خلفه لأجل الجماعة ، مع أنّ شغل الذمّة بالقراءة كان
يقينا.
قوله : ولو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا في مقام البيان. ( ٣
: ٢٥٨ ).
لا يخفى فساد هذا
الاستدلال ، لأنّه يتوقّف على كون الأذان والإقامة داخلين في ماهية الصلاة ، وليس
كذلك إجماعا ، بل وضرورة من الدين ، والمعصوم 7 ما توجّه إلى الأمور الخارجة عن الصلاة ، والتوجّه إلى
خصوص الأصابع لعله لما رأى من أنّ حمادا ما راعى ذلك ، وهذا هو الظاهر ، كما لا
يخفى ، مع أنّه من الآداب المرعية حال الصلاة ، وعلى فرض أنّه اتفق بيان بعض
الخارج لا يلزم منه ما ذكره ، لأنّ تأخير البيان إنّما هو بالنسبة إلى ما هو بصدد
بيانه. وأيضا لعل الأذان والإقامة من حماد ما كان فيهما حزازة أصلا ، فتأمّل.
على أنّ المعصوم 7 ما كان في صدد
بيان الواجبات فقط ، بل الظاهر أنّه كان بصدد بيان الآداب والمستحبات ، كما هو
ظاهر ، وظاهر أيضا أنّ حمادا كان أتى بالواجبات ولذا ما أمر المعصوم 7 بقضاء صلواته ،
بل وبّخه بما هو ظاهر في ما ذكرناه ، فعلى هذا لو كان الأمر كما ذكره الشارح ; لزم أن لا يكونا
من مستحبات الصلاة أيضا ، مع أنّ
المعصوم 7 تعرّض لإظهار
آداب ليست بمثابة الأذان ، فكيف الإقامة؟ إذ ربما يظهر من كثير من الأخبار وجوبها
، وغاية ما في الباب أن تكون مستحبة قريبة إلى الواجب غاية القرب ، وسيجيء الأمر
بإعادة الصلاة للناسي لها ، فتأمّل جدّا.
قوله : اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة. ( ٣ : ٢٦٣ ).
سيجيء في مبحث
صلاة الجمعة تحقيق الحال .
قوله : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب. ( ٣ : ٢٦٦ ).
لا يخفى أنّ الشيخ
; ما عمّم الحكم بهذا التعميم ، بل خصّصه بالصلاة جماعة في المرتبة الثانية ،
وكونهما في المسجد جميعا ، وكونهما في صلاة واحدة ، ( قال في النهاية : وإذا صلّي
في مسجد جماعة كره أن تصلّى دفعة أخرى جماعة تلك الصلاة بعينها ، فإن حضر قوم
وأرادوا أن يصلّوها جماعة فليصلّ بهم واحد منهم ولا يؤذّن ولا يقيم ، بل يقتصر على
ما تقدّم من الأذان والإقامة في المسجد إذا لم يكن الصفّ قد انفضّ ) .
وهذا هو المذكور
في معظم كتب فقهائنا ، والمستفاد منها ، ومنهم المفيد ; في المقنعة ، والعلاّمة في
غير واحد من كتبه ، مثل التحرير والتذكرة ،
__________________
بل ظاهر المصنف ; في النافع . وليس عندي نسخة
المعتبر .
والشيخ في المبسوط
خصّص السقوط بالأذان فقط بعد أن خصّص بالمسجد وبتلك الصلاة التي أذّن لها ، وإن
كان عمّم بالنسبة إلى تفرّق الصف وغيره ، وكذا بالنسبة إلى مريد الجماعة وغيره ،
ومع ذلك قال : ويجوز أن يؤذّن فيما بينه وبين نفسه ، وإن لم يفعل فلا شيء [ عليه
] .
وظاهر العلاّمة في
القواعد والإرشاد تخصيص ذلك بمريد الجماعة وغير ذلك من القيود ، إلاّ حكاية كونها
في المسجد فالظاهر منه التعميم بالنسبة إليها ، وكذلك الشهيد في اللمعة والبيان والدروس ، وقال فيه : يسقط
ندبا لا وجوبا. وربما كان مراد المصنّف ; في هذا الكتاب أيضا ذلك ، حيث قال : ولو صلّى الإمام جماعة
وجاء آخرون ، فتأمّل.
قال الفاضل ابن
المفلح في شرح هذا الكتاب : الأذان مستحب إلاّ في أماكن : عصر
عرفة ، عشاء مزدلفة ، عصر الجمعة ، والسقوط هنا للجمع لا المكان والزمان ، الرابع
: القاضي يجتزئ بالأذان في أوّل ورده والإقامة للبواقي ، وإنّ الجمع بينهما أفضل ،
ثم استشكل بأنّ في الأداء إمّا مكروه أو حرام ، ثم أجاب ، ثم قال : الخامس :
الجماعة الثانية إذا لم تتفرّق الأولى لأنّهم يدعون بالأذان الأوّل وقد أجابوا
بالحضور فصاروا كالحاضرين في
__________________
الجماعة الأولى
بعد الأذان ، فإذا كان كذلك جمّعوا بغير أذان ولا إقامة وصلّوا في ناحية المسجد لا
في محرابه ، ولا يبرز لهم إمام لئلاّ تكرّر الصلاة الواحدة ، ولا بدّ أن تكون
الصلاة واحدة ، فلو كان حضورها لصلاة أخرى أذّنوا وأقاموا ، وإن لم تفرق الأولى بل
كانوا في الصلاة ، ثم شرط في السقوط اشتغال الباقي من الصف بالصلاة والتعقيب ، فلو
بقي الكل مشتغلين بالخياطة مثلا ممّا ليس بدعاء ولا تسبيح في المسجد فقد تفرّقوا ،
ثم قال : لو صلّت الجماعة الثانية من غير تأذين فحضرت ثالثة فإن كان قبل تفرّق
الأولى لم يؤذّنوا وإلاّ أذّنوا وإن لم تتفرّق الثانية ، لأنّ الضابطة حضور جماعة
بعد جماعة أذّنوا. انتهى.
وإنّما نقلناها
لما فيه من الفوائد ، وربما يومئ هذا إلى أنّ مراد الكل واحد ، وإن لم يقيّدوا
بالمسجد أو بالجماعة ، فتأمّل.
وفي تلخيص خلاف
الشيخ : إذا صلّى في مسجد جماعة وجاء آخرون ينبغي أن يصلّوا فرادى ، وهو مذهب
الشافعي إلاّ أنّه قال : هذا إذا كان المسجد له إمام راتب ، وإن لم يكن له إمام
راتب أو كان المسجد على قارعة الطريق أو في محلّة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة
واحدة ، يجوز أن يصلّوا جماعة بعد جماعة ، وقد روى أصحابنا أنّهم إذا صلّوا جماعة
وجاء قوم جاز لهم أن يصلّوا دفعة أخرى إلاّ أنّهم لا يؤذّنون ولا يقيمون ويجتزون
بالأذان الأوّل .
وقال العلاّمة في
التذكرة : يسقط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية إذا لم تنصرف الاولى عن المسجد
، وهو أحد قولي الشافعي ، لأنّهم مدعوون
__________________
بالأذان الأوّل ،
فإذا جاؤوا كانوا كالحاضرين [ في المرّة الأولى ] ومع التفرقة تصير
كالمستأنفة ، ولقول الصادق 7 ، ثم أتى رواية أبي بصير ، ثم قال : وفي الآخر يستحب مطلقا
، وبه قال أبو حنيفة لكن لا يرفع بها الصوت دفعا للالتباس. .
وقال في بحث
الجماعة : يكره تكرّر الجماعة في المسجد الواحد ، فإذا صلّى إمام الحيّ في مسجده
وحضر آخرون ، صلّوا فرادى ، قاله الشيخ ، وبه قال الليث والنخعي والثوري ومالك
وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي ، ـ إلى أن قال : ـ احتجّ الشيخ بالأخبار ، ولأنّ
فيه اختلاف القلوب والعداوة والتهاون بالصلاة مع إمامه ، والذي روى أبو علي
الحرّاني كراهة تأذين الجماعة الثانية إذا تخلّف أحد من الأولى ، وروى زيد [ عن
أبيه ] عن آبائه قال : : دخل رجلان المسجد وقد صلّى علي 7 بالناس ، فقال :
« إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » إلى آخر ما قال.
وقال الصدوق ; في الفقيه : ولا
يجوز جماعتان في مسجد في صلاة واحدة ، فقد روى ابن أبي عمير عن أبي علي الحرّاني. . وقال المفيد في
المقنعة : وإذا صلّي في مسجد جماعة لا يجوز أن يصلّى دفعة أخرى جماعة بأذان وإقامة
.
__________________
وبعد الإحاطة بما
ذكرنا ظهر ما في كلام الشارح ، وظهر أنّ المعظم فهموا الروايات في خصوص الجماعة
الثانية في المسجد.
والصدوق في الفقيه
قال : ومن أدرك الإمام وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة ،
ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة ، وهو مضمون رواية عمار ( رواها الصدوق في الفقيه والشيخ
في التهذيب بسند موثق ) عن الصادق 7 ، عن رجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال 7 : « عليه أن
يؤذّن ويقيم » ، وهو أوفق بالعمومات والتأكيدات والتشديدات ، سيّما في
الإقامة ، وسيّما في الجماعة ، وحمل على تفرّق الصفّ ، وفيه ما لا
يخفى.
مضافا إلى ما في
أخبار السقوط من المخالفة والاختلاف ، حتى أنّ رواية السكوني في غاية التأكيد في
المنع مطلقا من دون قيد التفرّق في الصفّ ، ومع ذلك فهي أوفق بمذاهب العامّة ، وأليق بالحمل على
الاتقاء من حيث ندرة وجود الإمام الراتب في المسجد من الشيعة في زمانهم : ، وقرب حملها على
الجماعة الثانية في المسجد ، كما فهم المعظم ، لأنّه المعهود في الاستشكال والسؤال
عن الحال على ما بناه المعظم وفهمه ، وفهم القدماء لو لم يكن معيّنا ومشخّصا للمعنى فلا أقلّ
__________________
من كونه مقرّبا
للحمل ، وقرب حمل موثّقة عمار على غير الصورة المذكورة.
والشارح أيضا فهم
من الروايات ما فهمه المعظم حيث قال : ويجوز أن تكون الحكمة في السقوط. وما قاله حق ، وبالجملة الحكم
بالسقوط مطلقا مع ما أشرنا إليه لعله في غاية الإشكال سيّما في الإقامة.
قوله : باشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف. ( ٣ : ٢٦٧ ).
لا يضرّ اشتراكه ،
لأنّه مشترك بين الثقتين أو ثقات ، كما حقّقنا أنّ يحيى بن القاسم ثقة .
قوله : وجهالة راوي الثانية. ( ٣ : ٢٦٧ ).
الراوي عنه ابن
أبي عمير ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلاّ عن الثقة ، وطريق الصدوق
إلى ابن أبي عمير صحيح ، كما في الخلاصة ، والصدوق رواها عنه ، ويعضدها رواية الحسين بن سعيد عنه ، والطريق إليه صحيح
أيضا.
قوله : ويشكل بما بيّناه مرارا. ( ٣ : ٢٦٨ ).
نظره ; إلى ما ذكره من :
أنّ الشهرة إذا وصلت إلى حدّ الإجماع تكون حجة في نفسها من دون حاجة إلى الخبر ،
وإلاّ فلا فائدة فيها .
__________________
وفيه : أنّ
الفائدة حصول التبيّن المأمور به في خبر الفاسق ، ولا شكّ في أنّها من أعظم أنواع
التبيّن ، وهو تعالى كما جعل خبر العادل حجّة كذا جعل الخبر المتبيّن حجّة ،
والشارح يكتفي في تصحيح الحديث بالظنون الضعيفة الحاصلة من القرائن الضعيفة لتعيين
المشترك وغيره ، ومن الظنون الظنّ بعدم السقط والاشتباه وأمثالهما ، مع أنّ نفس
توثيقات الرجال غالبا من الظنون ، كما حقّقنا فكيف يكفي الظّن في ثبوت العدالة التي هي شرط في الصحة ولا
يكفي الظنّ القوي في التبيّن؟ إذ لغة يصدق عليه أنّه تبيّن وظهر ، فإنّ التبيّن
طلب ظهور الحال.
مع أنّ كل دليل دل
على كفاية الظنّ في التعديل يشمل التبيّن أيضا من دون تفاوت ، وبناء فقه الشيعة
غالبا على الأخبار المنجبرة بالجوابر التي هي تبيّنات ، بل ندر الصحيح في
المعاملات غاية الندرة والشارح أيضا كثيرا ما يقول : فتاوى الأصحاب تجبر ضعف السند
، كما قاله في مسألة : من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، وغيرها ، هذا.
لكن الكلام في
تحقّق الشهرة الجابرة ، كيف؟ والشيخ واتباعه قالوا ما قالوا ، وكذا لم يظهر كون
أذان جعفر 7 وإقامته للانفراد ، كما قال.
قوله : وكلام الأصحاب. ( ٣ : ٢٧٦ ).
لا يخلو من تأمّل
، لتبادر المنفرد ، بل وبعد النسيان في صورة الجماعة ، لندرة التحقّق ، فتأمّل.
قوله : وربما حمل كلامه. من بيت المال. ( ٣ : ٢٧٦ ).
بناء على أنّ
الأجر الوارد في الخبر المراد منه الأجرة ، وظهور النهي
__________________
المؤكّد عن أخذه
مؤذّنا في حرمة نفس أخذ الأجرة أيضا. والسكوني نقل الشيخ في عدّته ، أنّ الشيعة
أجمعوا على العمل بروايته ، وأنّه من الثقات ، لكن الضعف من غير جهة السكوني مضرّ.
ومع ذلك ، الظاهر
أنّ الأجر أعمّ من الأجرة ويشمل الارتزاق ، إلاّ أن يقال : الارتزاق ليس أجر أذانه
، بل من جهة فقره واستحقاقه ، أو أنّ له حقا في بيت المال ، وتحقيق الكلام في كتاب
التجارة.
قوله : احتجّ المرتضى .. ( ٣ : ٢٧٨ ).
لا يخفى أنّ
احتجاج السيد بعينه هو الذي ذكره الشارح لعدم جواز الأذان للفريضة قبل وقتها في
غير الصبح ، من أنّه وضع للإعلام بدخول وقته ، ومن المعلوم عدم الفرق في ذلك بين
الصبح وغيره لو لا ورود الروايات المذكورة ، وبديهي أنّه لو لم ترد يكون حال الصبح
حال غيره ، كما أنّه لو فرض ورود ما في الصبح في غيره أيضا لكان حكمهما واحدا ،
فالجواب بالمنع من حصر فائدة الإعلام فاسد ، بل الجواب منحصر في ورود الرخصة من
تلك الأخبار ، لكنّها أخبار آحاد عند السيد وان كانت متواترة عند ابن أبي عقيل.
قوله : لا أعلم فيه مخالفا. ( ٣ : ٢٧٩ ).
صرّح الشيخ في
العدّة بأنّ الشيعة مختلفون في عدد الأذان والإقامة ، وأنّ التعيين بأخبار الآحاد . وقال الصدوق في
أماليه : من دين الإماميّة
__________________
الإقرار ـ إلى أن
قال ـ : إنّ الأذان والإقامة مثنى .
ولعل مراد الشيخ
بالخلاف في الأذان ما حكى في الخلاف عن بعض الأصحاب .
وأمّا ما ذكره
الصدوق فلعل ظاهره غير مراد له ، إذ يبعد نسبة ذلك إلى كلّ الإمامية ، سيّما وأن
يكون ذلك بحيث يدخل في عقائدهم ، فلعل مراده أنّ أحدا من الشيعة لم يذهب إلى أنّ
الأذان مثنى والإقامة واحدة ، بل كلاهما مثنى ، أي بالنحو المعهود عندهم ، وهو أنّ
غالب الفصول مثنى ، وإن كان في أوّل الأذان أربع وفي آخر الإقامة واحدة.
وبهذا يمكن الجمع
بين الروايات بإرجاع غير رواية إسماعيل إلى رواية إسماعيل ، لأنّها هي المشهورة
بين الأصحاب ، حتى أنّ النجاشي عند ذكره إسماعيل بن جابر قال : إنّه الذي روى حديث
الأذان . وفيه إشعار تامّ بأنّ المعهود المتداول والحجّة المعمول
بها هو روايته.
مضافا إلى أنّ
الأذان والإقامة من الأمور المتكرّرة الصدور والمتكثّرة الوقوع في كلّ يوم وليلة
بين الشيعة ، ووقوعهما كذلك علانية وجهارا في المجامع والجوامع كثيرا ، وأنّ
الأصحاب مع أنّهم هم الذين رووا سائر الروايات تركوها وأخذوا بهذه الرواية وتركوا
غيرها ، مع [ إجمال ] دلالتها بالنسبة إلى معرفة نفس الفصول ، وأنّ النقص في
الإقامة في أيّ موضع ، وإن كان معرفة نفس الفصول بالإجماع والأخبار تتحقّق ، وكذا
معرفة
__________________
النقص ، إذ
إجماعيّ عندهم أنّ النقص لو كان ففي آخرها ، مع أنّ المعمول به في الأعصار
والأمصار من الفقهاء هو هذا ، بل عدم كون غير الفصل الآخر ناقصا لعله من ضروريات
دين الشيعة والمعروف من مذهبهم وطريقتهم.
وورد في بعض
الأخبار أيضا ما يشهد بأنّ النقص في التهليل الآخر ، وهو أنّ المصلّي خلف العامّة
إذا لم يتمكّن من الأذان والإقامة يقتصر على قول : قد قامت الصلاة ، قد قامت
الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، هذا.
مع أنّ رواية
إسماعيل لصراحتها في أنّ العدد خمسة وثلاثون حرفا لا يمكن توجيهها ، بخلاف تلك
الروايات ، فإنّه يمكن توجيهها بما ذكرناه.
ويؤيّده ما في بعض
الأخبار من أنّ الإقامة مثل الأذان على سبيل الإطلاق . وقال الصدوق ; في الفقيه بعد
ذكر رواية أبي بكر وكليب وعدم ذكره غير تلك الرواية : وهذا هو الأذان الصحيح لا
تزاد فيه ولا تنقص ، والمفوّضة لعنهم الله. . وفيه أيضا تأييد لما ذكرنا وشاهد على أنّ مراده في
الأمالي هو ما ذكرنا ، فتأمّل.
ولعلّه لهذا استدل
المحقق [ للسبعة ] وأتباعهم برواية صفوان بن مهران وإلاّ فهي لا
تنطبق على مذهبهم من جهتين : الأولى : تثنية التهليل
__________________
في آخر الإقامة ،
والثانية : تثنية التكبير في أوّل الأذان ، مع إمكان الجمع بحمل تثنية التكبير
بأنّها الأصل وتربيعة على أنّه زيد لغرض التنبيه على ما ورد في
بعض الأخبار ، وحمل تثنية التهليل في آخر الإقامة على الاستحباب ، لكن
ذلك غير معروف من أحد من الأصحاب ، فتأمّل.
قوله : وحكى الشيخ في الخلاف. ( ٣ : ٢٨٢ ).
لكن اشتهر في
أمثال هذه الأزمان عن جمع قول بأنّ الأذان ثمانية عشر ـ كما هو المشهور ـ والإقامة
ثمانية عشر بتثنية التهليل في آخرها ، وهذا القول لا يطابق شيئا من الأخبار ولا فتاوى الأصحاب
، ولو قال أحد : التهليل الآخر بقصد أنّه إن كان من الإقامة فبها وإلاّ يكون ذكرا
على حدة وهو حسن على كلّ حال ، لعله لا يكون به بأس ، لكن لعل حال تربيع التكبير
في أوّل الإقامة أيضا كذلك ، فتأمّل.
وفي الفقه الرضوي
: « أنّ الأذان ثماني عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة » وذكر فيه صورة الأذان
والإقامة بالتفصيل ، يكون التكبير أربعا في أوّلهما والباقي مثنى مثنى ، إلاّ
التهليل في آخر الإقامة فإنّه واحدة ، وكونه في آخر الإقامة واحدة مذكور فيه صريحا
، مرّة في مقام الإجمال ومرّة أخرى في مقام التفصيل ، ثم بعد تمام الذكر التفصيلي
لهما قال : « الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى على ما ذكرت لك » انتهى ، وفيه
شهادة واضحة على الجمع الذي ذكرناه سابقا.
__________________
قوله : بالحمل على حال التقية. ( ٣ : ٢٨٢ ).
قالوا : إنّ
الخليفة الثاني جعل فصول الإقامة واحدا واحدا ، فرقا بينها وبين فصول الأذان ،
ونقص من فصول الأذان التهليل في آخرها مرّة ، وكان فصول الإقامة كذلك ، كما قيل .
قوله : أمّا استحباب الفصل. ( ٣ : ٢٨٦ ).
في الفقه الرضوي :
« وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فإنّ فيه فضلا كثيرا ، وإنّما ذلك
على الإمام ، و [ أمّا ] المنفرد فيخطو خطوة برجله اليمنى تجاه القبلة ، ثمّ تقول :
بسم الله أستفتح » إلى آخر الدعاء ، هكذا ، وسيجيء .
قوله : ويدل على استحباب الفصل بين أذان المغرب وإقامتها بالجلوس.
( ٣ : ٢٨٦ ).
لكن يظهر من رواية
سيف الآتية عدم الاستحباب ، وقال ابن طاوس : وقد رويت روايات أنّ الأفضل أن لا
يجلس بين أذان المغرب وإقامتها » ويؤيّده ضيق وقت المغرب وكون ذلك كذلك عند علمائنا ،
فتأمّل.
قوله : فلم أجد به حديثا. ( ٣ : ٢٨٧ ).
قد عرفت أنّ في
الفقه الرضوي ذكر ذلك ، وقال خالي العلاّمة المجلسي ; : نقل فيه رواية ، وورد في استحباب الفصل ـ ورواه ابن
__________________
طاوس ـ بالسجدة
أيضا رواية أو أكثر ، إلاّ أنّ التقييد بغير المغرب غير موجود ، كما أنّ التقييد
بالمغرب في الخطوة غير موجود ، ولعل وجه التقييد ضيق وقت المغرب ، فيكون الأولى
اختيار الأقصر دون الأطول ، انتهى.
أقول : قد عرفت
وجه تقييد الفقهاء بغير المغرب.
وابن طاوس روى في
كتاب فلاح السائل روايات متعدّدة في استحباب السجود بين الأذان والإقامة ، بعضها
مطلق وبعضها مع ضميمة دعاء خاصّ فيه هو : « ربّ لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا » وفي
رواية أخرى : « لا إله إلاّ أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا » .
( ثمّ الأولى
والأحوط أن لا يزيد الفصل بينهما عن الركعتين أو قدرهما ، لصحيحة ابن سنان عن
الصادق 7 : « لا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان » ) .
قوله : يستثني من ذلك
رفع الصوت ، فإنّه غير مسنون في الإقامة. ( ٣ : ٢٨٩ ).
فيه نظر ، لما ورد
في صحيحة معاوية من استحباب جهرها أيضا لكن دون جهر الأذان ، ولذا قال في
النافع ما قال هنا ، والمراد تأكّد الاستحباب لا تأكّد [ الجهر ] .
__________________
قوله
: فتكون الزيادة
فيه تشريعا محرّما. ( ٣ : ٢٩٠ ).
التشريع إنّما
يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهة ودليل شرعي ، والترجيع على
ما حقّقه ليس إلاّ مجرّد فعل وتكرار ، أمّا كونه داخلا في العبادة ومطلوبا من
الشارع فلا ، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك ،
والقائل بالكراهة بناؤه على الأوّل. وكونه مكروها ، لأنّه لغو في أثناء الأذان
وكلام ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل.
وممّا ذكرنا ظهر
حال « محمّد وآله خير البريّة » و « أشهد أنّ عليا ولي الله » بأنّهما حرامان بقصد
الدخول والجزئيّة للأذان لا بمجرّد الفعل.
نعم توظيف الفعل
في أثناء الأذان ربما يكون مكروها ( بكونه مغيّرا لهيئة الأذان ) بحسب ظاهر اللفظ
، أو كونه كلاما فيه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلاّ أنّه ورد في العمومات : أنّه
متى ذكرتم محمدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول الله فقولوا : علي ولي
الله ، كما رواه في الاحتجاج ، فيكون حاله حال الصلاة على محمد وآله بعد قوله : « أشهد
أنّ محمدا رسول الله » في كونه خارجا عن الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمد ،
فتأمّل جدّا.
قوله : لكن هذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب. ( ٣ : ٢٩٢ ).
في هذا الاستدراك ما لا يخفى ،
لأنّ المخالفة لما عليه الأصحاب
__________________
مؤيّدة للحمل على
التقيّة ، بل وتعيّنه وحدة التهليل في آخره.
قوله : إذا لم ينقل عنهم : الفصل بين فصولهما. ( ٣ : ٢٩٢ ).
لم ينقل عنهم أيضا
الفصل بين فصولهما بالنوم أو الإغماء اللذين لا ينافيان الموالاة ، والعبادة سنّة
متلقّاة من الشرع فيجب الاقتصار على ما ورد به النقل.
قوله : ومنع الأولوية. ( ٣ : ٢٩٣ ).
فمقتضى ما ذكره
عدم الجواز لا الاستشكال ، فتأمّل.
قوله : ويستفاد منه. ( ٣ : ٢٩٣ ).
ربما لا يلائمه
قوله : ويقيم غيره.
قوله : ذلك من قبيل الأسباب. ( ٣ : ٢٩٣ ).
فيه تأمّل على
تقدير تسليم بطلان العبادة بالردّة ، نعم بالنسبة إلى دخول الوقت يكون الأمر كما
ذكره ، فتأمّل.
قوله : مجهولة الإسناد. ( ٣ : ٢٩٤ ).
بل لعلها من
روايات العامّة ، لأنّها موافقة لطريقتهم .
قوله : وقال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب. ( ٣ : ٢٩٥ ).
الظاهر أن المراد
ليس نفس الدعاء المذكور ، بل مثله للمغرب وهو : اللهمّ إنّي أسألك بإقبال ليلك
وإدبار نهارك ، الدعاء ، فتأمّل.
قوله : عن الرجل أيتكلّم بعد ما يقيم. ( ٣ : ٢٩٦ ).
__________________
لا يخفى ما فيها
من عدم دلالتها على الجواز حتى يمكن الجمع بالحمل على الكراهة ، لوجوه ثلاثة :
الأوّل : أنّ
المتبادر منها ورودها في [ المقيم ] المنفرد ، وتلك الأخبار واردة في الجماعة في المسجد فلا
مناسبة بينهما.
الثاني : أنّ قوله
: يتكلّم بعد ما يقيم مطلق شامل للدخول في الأذان بمعنى الذكر ببعض أجزائه
كالتكبير والشهادتين.
الثالث : أنّه ـ على
فرض التسليم ـ كما يجوز الجمع بينهما بالحمل على الكراهة ، كذا يجوز حمل المطلق
على المقيّد بحمل قوله : « نعم » بما يتعلّق بالصلاة كتقديم إمام ، كما تقدّم في
تلك الأخبار ، فتدبّر.
قوله : فيتوقّف على الدلالة وهي منتفية. ( ٣ : ٣٠١ ).
ورد في رواية عمار
طلب إعادة الأذان والإقامة كلّما يعيد الصلاة .
__________________
فهرس الموضوعات
الاستحاضة
صفات دم الاستحاضة...................................................... ٥
ما قلّ عن ثلاثة وما
تجاوز العشرة فهو استحاضة............................... ٦
حكم المبتدأة
رجوع المبتدأة إلى
عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمييز........................ ٧
تحيّض المبتدأة بسبعة
أيّام عند اختلاف نسائها.................................. ٨
حكم ذات العادة
ذات العادة تجعل
عادتها حيضاً وما سواه استحاضة............................ ١٠
حكم المضطربة إذا فقدت التمييز
حكم ذاكرة العدد ناسية
الوقت............................................ ١١
حكم ذاكرة الوقت ناسية
العدد............................................ ١١
بحث رجالي حول محمّد
بن عيسى عن يونس................................. ١١
حكم ناسية الوقت
والعدد................................................. ١٢
أقسام الاستحاضة
وأحكامها : الاستحاضة القليلة............................ ١٢
الاستحاضة المتوسطة...................................................... ١٧
إشارة إلى أنّ الشهرة
جابرة لضعف الرواية.................................. ٢٢
الخدشة في أدلّة
القائلين بالتسوية بين المتوسطة والكثيرة........................ ٢٣
الاستحاضة الكثيرة........................................................ ٢٤
عدم وجوب الوضوء مع
كلّ غسل في الاستحاضة الكثيرة..................... ٢٤
هل تجب مقارنة الغسل
والوضوء للصلاة؟................................... ٢٥
جواز دخول المستحاضة
المساجد............................................ ٢٥
حكم وطء المستحاضة..................................................... ٢٥
غسل النفاس
معنى النفاس.............................................................. ٢٧
حكم من ترى الدم قبل
الولادة............................................. ٢٧
أكثر النفاس.............................................................. ٢٨
النفساء كالحائض في
الأحكام.............................................. ٣١
أحكام الأموات
الاحتضار................................................................ ٣١
سليمان بن خالد ثقة
عند العلماء........................................... ٣١
وجوب توجيه المحتضر
إلى القبلة............................................ ٣١
التوجيه واجب كفائي..................................................... ٣٢
استحباب نقل المحتضر
إلى مصلاّه........................................... ٣٣
استحباب الإسراج عنده
إن مات ليلاً....................................... ٣٣
وجوب الصبر لمن اشتبه
موته............................................... ٣٣
التغسيل
الكلام في الغاسل
أولى الناس بالتغسيل
أولاهم بالميت.......................................... ٣٣
في أنّ الزوج أولى
بالمرأة................................................... ٣٣
الخبر الضعيف المعمول
به مقدم على الصحيح غير المعمول به................... ٣٣
هل يجوز أن يغسل
الكافر المسلم؟.......................................... ٣٤
الكلام في المغسول
حكم تغسيل المخالف
للحق................................................ ٣٥
سقوط الغسل عن الشهيد.................................................. ٣٦
بيان المراد من الشهيد...................................................... ٣٧
إشارة إلى حجّية
الإجماع المنقول............................................ ٣٧
حكم تغسيل السقط...................................................... ٣٨
الكلام في الغسل
واجبات الغسل
ـ إزالة النجاسة عن
بدن الميت............................................ ٣٨
ـ تغسيله بماء السدر...................................................... ٣٩
ـ النيّة.................................................................. ٤٠
هل يجب تعدد النيّة
بتعدد الغسلات......................................... ٤١
حكم توضئة الميت........................................................ ٤١
لو تعذّر السدر
والكافور................................................... ٤٢
تيمّم الميت لو خيف
تناثر جلده............................................. ٤٣
سنن غسل الميت
ـ وضع الميت على شيء
مرتفع............................................ ٤٣
ـ فتق قميصه ونزعه..................................................... ٤٤
ـ تليين الأصابع
والمفاصل................................................. ٤٤
ـ غسل رأسه برغوة
السدر............................................... ٤٤
كراهة إقعاد الميت........................................................ ٤٤
كراهة تغسيل المخالف.................................................... ٤٤
التكفين
ـ الواجب من الكفن
ثلاث قطع : الإزار والقميص والمئزر.................... ٤٥
إشارة إلى أن الكليني
أضبط من الشيخ....................................... ٤٦
دليل من اقتصر في
التكفين على ثوب واحد.................................. ٤٧
بحث حول الروايات الدالة
على التخيير بين الأثواب الثلاثة وبين القميص والثوبين ٤٨
بحث في تعيين المراد
من الثوبين............................................. ٥٠
في معنى الإزار وأنّه
غير اللفافة.............................................. ٥٢
بحث حول المئزر.......................................................... ٥٥
بحث حول الأثواب
الثلاثة................................................. ٥٨
قال الصدوق : الكفن
المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة والمناقشة فيه........ ٦٠
ـ إجزاء قطعة عند
الضرورة............................................... ٦٣
ـ عدم جواز التكفين
بالحرير والجلد........................................ ٦٤
ـ وجوب مسح مساجد
الميت بالكافور..................................... ٦٤
القدر الواجب من
الحنوط.................................................. ٦٤
سنن التكفين
ـ ازدياد الحبرة للرجل.................................................... ٦٥
ـ ازدياد لفافة لثديي
امرأة ونمطاً........................................... ٦٥
بحث في معنى المنطق
الوارد في الروايات...................................... ٦٦
ـ أن يكون الكفن قطناً
أبيضاً............................................. ٦٧
ـ أن يطيّب الكفن
بالذريرة............................................... ٦٧
بحث حول التشريع
المحرم.................................................. ٦٨
ـ كتابة الشهادتين
والإقرار بالأئمّة على الحبرة والقميص والإزار بالتربة الحسينيّة ٦٨
ـ أن يجعل مع الميت
جريدتان من سعف النخل.............................. ٦٩
مع فقد الجريدة يجعل
بدلها عود الرمان...................................... ٧٠
كيفيّة وضع الجريدتين..................................................... ٧٠
ـ أن يطوى جانب
اللفافة الأيسر على الأيمن وبالعكس....................... ٧٠
إشارة إلى عمل الأصحاب
بروايات كتاب فقه الرضا 7.................... ٧٠
كراهة جعل الكافور في
سمع الميت وبصره................................... ٧١
بعض مسائل التكفين
حكم النجاسة الخارجة
من الميت............................................ ٧١
إشارة إلى مقبوليّة
مراسيل ابن أبي عمير...................................... ٧١
عبد الله بن يحيى
الكاهلي من الممدوحين..................................... ٧٢
الكفن الواجب للمرأة
على زوجها.......................................... ٧٢
وجوب إخراج الكفن من
أصل التركة...................................... ٧٣
الفضل بن يونس واقفي
ثقة................................................ ٧٤
الدفن
ما يتعلق بالدفن :
استحباب تشييع الجنازة................................... ٧٥
كراهة الركوب في تشييع
الجنازة........................................... ٧٥
استحباب المشي وراء
الجنازة أو أحد جانبيها................................. ٧٥
كراهة الجلوس للمشيّع.................................................... ٧٦
استحباب تربيع الجنازة.................................................... ٧٦
استحباب وضع الجنازة
قرب القبر.......................................... ٧٦
كيفية إرسال الميت في
القبر................................................ ٧٧
استحباب تحفّي النازل
في القبر وكشف رأسه................................ ٧٨
فروض الدفن
مواراة الميت.............................................................. ٧٨
كيفيّة دفن من مات في
البحر............................................... ٧٨
اضجاع الميت على جنبه
الأيمن............................................. ٧٩
سنن الدفن
موسى بن أشيم ضعّفه
النجاشي............................................ ٨٠
حفر القبر إلى الترقوة...................................................... ٨٠
جعل اللحد للميت........................................................ ٨٠
حل عقد كفنه............................................................ ٨١
ـ جعل تربة الحسين 7 مع الميت........................................ ٨١
ـ إهالة الحاضرين
التراب بظهور الأكف................................... ٨١
ـ رفع القبر مقدار
أربع أصابع............................................. ٨٢
ـ صب الماء على القبر.................................................... ٨٢
ـ تلقين الولي الميت
بعد انصراف الحاضرين................................. ٨٢
ـ نقل الميت إلى
المشاهد الشريفة........................................... ٨٢
لواحق تتعلق
بالدفن حرمة نبش القبر.................................................... ٨٢
حرمة شق الثوب على غير
الأب والأخ...................................... ٨٣
حكم ما إذا ماتت
الحامل دون الولد........................................ ٨٣
الأغسال المسنونة
ـ غسل الجمعة.......................................................... ٨٣
معنى قوله 7 : غسل الجمعة سنة
واجبة................................... ٨٣
وقت غسل الجمعة........................................................ ٨٦
جواز تقديمه يوم
الخميس لمن خاف عوز الماء................................. ٨٦
جواز قضائه يوم السبت................................................... ٨٧
ـ غسل ليلة النصف من
شهر مضان....................................... ٨٧
ـ غسل ليالي فرادى شهر
رمضان......................................... ٨٧
ـ غسل الإحرام......................................................... ٨٧
بحث رجالي حول محمّد
بن عيسى.......................................... ٨٨
ـ غسل زيارة النبي 6 والأئمة :.................................. ٨٨
ـ غسل التوبة........................................................... ٨٨
مسائل
كلمة في تداخل الأغسال.................................................. ٨٩
حكم غسل السعي لرؤية
المصلوب.......................................... ٨٩
حكم غسل المولود حين
ولادته............................................. ٨٩
التيمم
مسوغات التيمم
ـ عدم وجدان الماء....................................................... ٨٩
وجوب طلب الماء
ومقداره................................................. ٩٠
بحث رجالي حول السكوني................................................ ٩٠
حكم من أخل بالطلب.................................................... ٩٢
ـ عدم الوصول إلى
الماء................................................... ٩٥
عدم وجوب شراء الماء
إذا أضرّ في الحال..................................... ٩٥
ـ الخوف............................................................... ٩٦
الخوف من اللص والسبع
أو ضياع المال..................................... ٩٦
جواز التيمم مع خوف
المرض.............................................. ٩٦
حكم الجنب المختار لو
خاف بالغسل التلف أو الزيادة في المرض............... ٩٧
جواز التيمم مع خوف
الشين.............................................. ٩٨
جواز التيمم مع خوف
العطش على رفيقه أو دوابّه........................... ٩٨
ما يجوز التيمم به
بحث لغوي في معنى
الصعيد................................................ ٩٨
حكم التيمم بغير
التراب................................................. ١٠١
حكم التيمم بالمعادن..................................................... ١٠٢
جواز التيمم بالحجر
عند فقد التراب...................................... ١٠٣
بحث في أنّ إطلاق لفظ
الأرض على التراب يكون من قبيل إطلاق الكلي على الفرد ١٠٥
دليل ما قاله السيّد
المرتضى من أنّه لا يجزئ في التيمم إلاّ التراب الخالص...... ١٠٦
جواز التيمم بأرض
الجصّ والنورة......................................... ١٠٩
حكم التيمم بالخزف.................................................... ١١٢
حكم التيمم في المكان
المغصوب........................................... ١١٢
عدم صحة التيمم بالوحل
مع وجود التراب................................ ١١٢
كراهة التيمم بالأرض
السبخة............................................ ١١٣
استحباب التيمم من ربا
الأرض........................................... ١١٤
جواز التيمم بغبار
الثوب أو لبد السرج عند فقد التراب..................... ١١٤
إشارة إلى أنّ أبا
بصير مشترك بين الثقات.................................. ١١٤
دليل السيّد المرتضى
بجواز التيمم بالثلج والمناقشة فيه........................ ١١٦
كيفية التيمم
وقت التيمم............................................................ ١١٧
تحقيق في الاجماع
المنقول................................................. ١١٨
أدلّة القائلين بوجوب
تأخير التيمم ... إلى آخر الوقت والجواب عنها......... ١١٩
أدلّة القائلين بجواز
التيمم مع سعة الوقت................................... ١٢١
هل يجوز للمتيمم
الصلاة في أوّل الوقت؟.................................. ١٢٣
حكم التيمم للنافلة...................................................... ١٢٤
واجبات التيمم
ـ النيّة................................................................ ١٢٤
وقت النيّة.............................................................. ١٢٦
ـ وضع اليدين معاً على
الأرض.......................................... ١٢٦
المناقشة في اشتراط
علوق التراب باليد وعدمه.............................. ١٢٩
ـ مسح الجبهة......................................................... ١٣٢
وجوب الابتداء في مسح
الجبهة بالأعلى.................................... ١٣٣
ـ مسح ظاهر الكفين................................................... ١٣٥
وجوب مسح ظاهر الكفين............................................... ١٣٦
ـ الترتيب............................................................. ١٣٦
إشارة إلى معنى التأسي
بفعل المعصوم 7................................. ١٣٨
اختلاف الأقوال في عدد
الضربات........................................ ١٣٩
حكم مقطوع الكفين.................................................... ١٤٧
أحكام التيمم
حكم من صلّى متيمماً................................................... ١٤٧
جواز التيمم لمتعمد
الجنابة إذا خشي على نفسه............................. ١٤٨
جواز التيمم لمن منعه
زحام الجمعة على الخروج............................. ١٥٠
بحث رجالي حول السكوني............................................... ١٥٠
حكم المتيمم إذا صلّى
وعلى جسده النجاسة................................ ١٥٠
عدم سقوط الصلاة مع
عدم التمكن من التيمم............................. ١٥١
حكم من تيمم ثم وجد
الماء قبل الشروع في الصلاة......................... ١٥١
حكم من تيمم ثم وجد
الماء في أثناء الصلاة................................. ١٥٢
حكم اجتماع الميت
والجنب والمحدث مع كفاية الماء لأحدهم................. ١٥٥
في أن التيمم لا يرفع
الحدث.............................................. ١٥٥
فيما إذا تيمم الجنب
بدلاً من الغسل ثم أحدث حدثاً........................ ١٥٦
النجاسات
أنواع النجاسات
ـ البول والغائط........................................................ ١٥٦
حكم رجيع الطير....................................................... ١٥٨
إشارة إلى أنّ عبد
الله بن سنان ثقة........................................ ١٦١
حكم بول ما لا يؤكل
لحمه.............................................. ١٦٢
حكم بول الرضيع....................................................... ١٦٤
حكم رجيع ما لا نفس له................................................ ١٦٥
حكم ذرق الدجاج
الجلاّل............................................... ١٦٥
ـ الميتة................................................................ ١٦٦
ميتة غير الآدمي......................................................... ١٦٦
بحث حول ما ذكره
الصدوق في مقدمة الفقيه.............................. ١٦٩
ميتة الآدمي............................................................. ١٧١
نجاسة ما قطع من
الميتة................................................... ١٧٢
طهارة ما لا تحلّه
الحياة من الميتة........................................... ١٧٣
توضيح ما ذكره النجاشي
من أنّ وهب بن وهب كذّاب.................... ١٧٤
أدلّة القائلين بنجاسة
ما لا تحله الحياة من الميتة والجواب عنها................. ١٧٥
حكم ما لا تحله الحياة
من نجس العين...................................... ١٧٨
وجوب الغسل بمس الميت................................................ ١٧٩
حكم مس عضوٍ كمل غسله............................................. ١٨٤
ـ الدم................................................................ ١٨٥
طهارة القيح والقيء..................................................... ١٨٥
حكم ما لو اشتبه الدم
بالطاهر والنجس.................................... ١٨٦
ـ المسكر.............................................................. ١٨٦
حكم الخمر............................................................ ١٨٦
حكم النبيذ............................................................. ١٨٨
أدلّة نجاسة الخمر........................................................ ١٨٨
حكم العصير العنبي...................................................... ١٩٣
ـ الفقاع.............................................................. ١٩٧
ـ الكافر.............................................................. ١٩٨
أدلّة القائلين
بطهارته والمناقشة فيها........................................ ٢٠٠
حكم عرق الجنب من
الحرام............................................. ٢٠٥
حكم عرق الإبل الجلالة................................................. ٢٠٨
طهارة أبوال البغال
والحمير والدواب...................................... ٢٠٨
أدلّة القائلين بعدم
النجاسة............................................... ٢١٠
بحث رجالي حول الحكم
بن مسكين....................................... ٢١٠
بحث رجالي في أبي
الأغر النخاس.......................................... ٢١١
طهارة أرواث البغال
والحمير والدواب..................................... ٢١١
أحكام النجاسات
وجوب إزالة النجاسة عن
الثوب والبدن للصلاة ونحوها..................... ٢١١
وجوب إزالة النجاسة عن
المساجد........................................ ٢١١
حكم إدخال النجاسة
الغير المتعدية إلى المسجد أو فرشه...................... ٢١٣
تحقيق في أنّ الأمر
بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه أو لا؟................. ٢١٤
العفو عما دون الدرهم
من الدم في الصلاة................................. ٢١٦
عدم العفو عن الدماء
الثلاثة في الصلاة..................................... ٢١٨
حكم الدم المتفرق الذي
يبلغ مجموعه الدرهم............................... ٢٢٠
جواز الصلاة فيما لا
تتم الصلاة فيه مع نجاسته............................. ٢٢١
حكم من جبر عظمه بعظم
نجس.......................................... ٢٢٢
وجوب عصر الثياب من
النجاسات....................................... ٢٢٣
وجوب دلك الصلب في
تطهيره........................................... ٢٢٩
حكم ما يعسر عصره.................................................... ٢٢٩
حكم الصابون وأمثاله
إذا تنجس.......................................... ٢٣١
عدم وجوب العصر في بول
الصبي......................................... ٢٣٣
لزوم غسل أطراف الشبهة
المحصورة....................................... ٢٣٥
اعتبار التعدد في غسل
الثوب من البول..................................... ٢٣٦
عدم وجوب إزالة اللون
والرائحة......................................... ٢٣٧
حكم من أخلّ بإزالة
النجاسة عن ثوبه أو بدنه فصلّى....................... ٢٣٨
عدم وجوب الإعادة
والقضاء مع الجهل بالنجاسة حتّى فرغ من صلاته........ ٢٤٥
حكم رؤية النجاسة في
أثناء الصلاة مع العلم بسبقها........................ ٢٤٧
حكم رؤية النجاسة في
أثناء الصلاة مع عدم العلم بسبقها.................... ٢٤٩
حكم رؤية النجاسة في
أثناء الصلاة مع ضيق الوقت......................... ٢٤٩
المربيّة للصبي إذا لم
يكن لها ثوب تغسل ثوبها مرّة باليوم...................... ٢٥٠
حكم الصلاة في الثوب
المشتبه بالنجس.................................... ٢٥١
حكم من ليس له ثوب
طاهر............................................. ٢٥٣
المطهرات
ـ مطهرية الشمس
وموردها............................................. ٢٥٥
حكم الجفاف بغير الشمس
من ريح أو غيرها............................... ٢٧٣
ـ مطهرية الاستحالة
بالنار وغيرها....................................... ٢٧٥
حكم اللبن المضروب من
طين نجس....................................... ٢٧٦
حكم العجين النجس.................................................... ٢٧٧
ـ مطهرية الأرض...................................................... ٢٧٨
تطهر الأرض باطن الخف
والقدم.......................................... ٢٧٨
حكم ماء الغيث الواقع
على النجاسة...................................... ٢٧٩
الأواني والجلود
حرمة الأكل والشرب في
آنية الذهب والفضة.............................. ٢٨٠
كراهة استعمال الإناء
المفضّض........................................... ٢٨١
كراهة استعمال الأواني
الخشبيّة ونحوها.................................... ٢٨٢
حكم الإناء الذي ولغ
فيه الكلب......................................... ٢٨٣
وجوب غسل الإناء من
الخمر ثلاث مرّات................................. ٢٨٥
حكم التعدد في غسل
الإناء من سائر النجاسات............................ ٢٨٥
كتاب الصلاة
في معنى الصلاة لغةً...................................................... ٢٨٧
أعداد الصلاة
نوافل الصلوات......................................................... ٢٨٨
نوافل الظهر والعصر..................................................... ٢٨٨
كراهة الكلام بين
المغرب ونافلتها......................................... ٢٨٩
إنّ الجلوس في
الركعتين اللتين بعد الشعاء أفضل من القيام.................... ٢٩٠
المستفاد من الروايات
أنّ الوتر اسم للركعات الثلاثة......................... ٢٩٠
آداب صلاة الليل........................................................ ٢٩٢
جواز الجلوس في
النافلة مع الاختيار........................................ ٢٩٤
الكلام في سقوط
الوتيرة في السفر......................................... ٢٩٤
إشارة إلى أن عبد
الواحد بن عبدوس وعلي بن محمّد القتيبي من مشايخ الإجازة. ٢٩٥
مواقيت الصلاة
وقت المغرب............................................................ ٢٩٦
اختصاص الظهر بأوّل
الوقت............................................. ٢٩٧
اختصاص العصر من آخر
الوقت بمقدار أدائها.............................. ٢٩٩
آخر وقت الظهر........................................................ ٢٩٩
الضحّاك بن زيد هو أبو
مالك الحضرمي الثقة.............................. ٢٩٩
بحث في وثاقة قاسم بن
عروة وموسى بن بكر.............................. ٣٠٠
أوّل وقت العصر وآخره................................................. ٣٠١
أوّل وقت المغرب وما
يتحقق به الغروب................................... ٣٠٢
آخر وقت المغرب....................................................... ٣٠٦
أوّل وقت العشاء وآخره
وقت صلاة الفجر................................ ٣٠٧
وقت نوافل الظهر
والعصر............................................... ٣٠٨
وقت نافلة المغرب....................................................... ٣١٠
وقت صلاة الليل........................................................ ٣١٥
وقت النوافل الغير
الراتبة................................................. ٣١٦
أحكام المواقيت
حكم من حصل له مانع من
الصلاة كالجنون قبل دخول الوقت.............. ٣١٧
حكم ما لو زال المانع
والوقت باقٍ........................................ ٣١٨
وجوب تحصيل العلم
بالوقت مع التمكن................................... ٣١٩
جواز التعويل على الظن
مع عدم التمكن من العلم........................... ٣٢٠
أفضليّة الصلاة في
أوّل الوقت إلاّ ما استثني................................. ٣٢٢
القبلة
حقيقة القبلة............................................................ ٣٢٤
كفاية استقبال جهة
الكعبة............................................... ٣٢٦
إشارة إلى أنّ رواية
الطاطري ، موثقة ، وأنّ ابن مسكان من أصحاب الإجماع. ٣٢٧
حكم المصلّي في جوف
الكعبة أو على سطحها............................. ٣٢٨
استحباب التياسر لأهل
العرق............................................ ٣٣٠
حكم فاقد الظن بالقبلة.................................................. ٣٣٠
إشارة إلى أن محمّد بن
أحمد العلوي من شيوخ أصحابنا...................... ٣٣٤
عدم جواز الصلاة على
الراحلة إلاّ عند الضرورة............................ ٣٣٤
حكم الصلاة في السفينة................................................. ٣٣٥
حكم الاستقبال في
النوافل................................................ ٣٣٦
الأعمى يرجع إلى غيره
في معرفة القبلة..................................... ٣٣٨
لباس المصلّي
حكم الصلاة في جلد
الميتة................................................ ٣٣٩
عبد الله بن بكير ثقة
من فقهاء أصحابنا.................................... ٣٤٥
حكم استصحاب شيء مما
لا يؤكل لحمه حال الصلاة....................... ٣٤٧
حكم الصلاة في جلد ما
لا يؤكل لحمه وحكم صوفه وشعره ووبره........... ٣٤٨
بحث رجالي حول إبراهيم
بن محمّد الهمداني................................ ٣٥٢
حكم الصلاة في التكة
والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول.............. ٣٥٣
حكم الصلاة في فرو
السنجاب........................................... ٣٥٣
حكم الصلاة في جلود
الثعالب والأرانب................................... ٣٥٦
حكم لبس الحرير للرجال................................................ ٣٥٧
حكم الصلاة في الذهب
للرجال.......................................... ٣٥٩
حكم لبس الحرير للنساء................................................. ٣٦٢
حكم الصلاة في ما لا
تتم الصلاة فيه من الحرير كالتكة والقلنسوة............ ٣٦٣
بحث حول المكاتبة....................................................... ٣٦٥
بحث رجالي حول أحمد بن
الهلال......................................... ٣٦٦
جواز الصلاة في الثوب
المكفوف بالحرير................................... ٣٦٨
حرمة الصلاة في الثوب
المغصوب......................................... ٣٦٩
جواز الصلاة في ثوب
واحد للرجل دون المرأة.............................. ٣٧١
حكم من لا يجد ثوباً
يستر به العورة....................................... ٣٧٣
عبد الله بن جَبَلة
واقفي ثقة............................................... ٣٧٦
إسحاق بن عمّار بن
حيّان الكوفي ثقة..................................... ٣٧٦
الأمة والصبيّة
تصلّيان بدون خمار......................................... ٣٧٦
مكروهات لباس المصلّي
ـ الاتزار فوق القميص................................................. ٣٧٧
معنى التوشح............................................................ ٣٧٨
ـ الصلاة في عمامة لا
حنك لها.......................................... ٣٧٨
ـ الصلاة في قباء
مشدود................................................ ٣٧٩
الإمامة بغير رداء........................................................ ٣٨٠
حكم استصحاب الحديد
الظاهر في الصلاة................................. ٣٨٠
ـ صلاة المرأة في
خلخال له صوّت........................................ ٣٨١
ـ الصلاة في ثوب عليه
تماثيل............................................ ٣٨١
مكان المصلّي
اشتراط الإباحة في
مكان المصلّي.......................................... ٣٨٢
حكم تساوي الرجل
والمرأة أو تقدّمها عليه في موقف الصلاة................. ٣٨٩
اشتراط طهارة موضع
السجود............................................ ٣٨٩
مكروهات مكان المصلّي
ـ الصلاة في الحمام..................................................... ٣٩٠
ـ الصلاة في معاطن
الإبل............................................... ٣٩٠
ـ في بيوت الخمور إذا
لم تتعد إليه نجاستها................................ ٣٩٠
كراهة الصلاة إذا كان
بين يدي المصلّي نار مضرمة......................... ٣٩١
ما يسجد عليه
عدم جواز السجود على
المعدن إلاّ عند الضرورة........................... ٣٩٢
حكم السجود على القطن
والكتان........................................ ٣٩٣
عدم جواز السجود على
الوحل........................................... ٣٩٤
جواز الصلاة على
القرطاس.............................................. ٣٩٤
حكم اشتباه الموضع
النجس بغيره.......................................... ٣٩٤
الأذان والإقامة
اختلاف الأصحاب في
استحبابهما أو وجوبهما.............................. ٣٩٥
سقوط الأذان والإقامة
عمّن أدرك الجماعة................................. ٣٩٧
أبو بصير يحيى بن
القاسم ثقة............................................. ٤٠٢
إشارة إلى أن الشهرة
جابرة لضعف الخبر.................................. ٤٠٢
تُعطى أجرة المؤذن من
بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به................... ٤٠٣
اشتراط كون الأذان بعد
دخول الوقت إلاّ في الصبح........................ ٤٠٤
فصول الأذان والإقامة................................................... ٤٠٤
استحباب الفصل بين
الأذان والإقامة...................................... ٤٠٨
استحباب رفع الصوت في
الأذان والإقامة.................................. ٤٠٩
حكم الترجيع في الأذان
والإقامة.......................................... ٤١٠
استحباب استئناف
الأذان والإقامة على من نام في خلالهما................... ٤١١
استحباب حكاية الأذان.................................................. ٤١١
كراهة الكلام بعد
الإقامة................................................ ٤١١
|