بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين‌

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.

اللهمّ وفّقني لما تحب وترضى ، واهدني الطريقة المثلي ، وأيّدني ، وسدّدني ، وأعنّي على إتمامه ، وانفعني وإخواني المؤمنين منه من بدوه إلى ختامه ، بمحمّد وآله ، صلواتك عليه وعليهم.

قوله : واعلم أن المعروف. ( ١ : ٩ ).

بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع ، مثل العلاّمة في التذكرة (١) ، والمحقق الشيخ علي (٢) ، والشهيد الثاني (٣).

ويدل عليه ـ مضافا إلى ما ذكره ـ أصالة عدم التكليف ، واستصحاب الحالة السابقة ، والإجماع المنقول ، على القول بحجية مثله ، كما هو المشهور والمحقق في الأصول.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٤٨.

(٢) نقله عنه في الذخيرة : ٢.

(٣) روض الجنان : ٥١.


بل لا يبعد كونه واقعا ، بملاحظة أن المعهود من فقهاء الشيعة ( بل وغيرهم أيضا ) (١) ، في كل عصر ومصر ، عدم الالتزام والإلزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة ، وعدم أمرهم بالوضوء للمقاربين للاحتضار من المرضى مع المكنة ، والتيمم مع عدمها ، أو أن يوضّأ المحتضرون ، أو ييمّموا. وكذا المشرفون على الغرق أو القتل أو الحرق وأمثال ذلك. وهذه طريقتهم المستمرة المعروفة بحيث لا يشوبها شائبة ريبة.

مضافا إلى عدم إشارة أحد منهم في مبحث الاحتضار إلى وضوء أو تيمم للوفاة ، مع ذكرهم لمثل الوصية ، وذكر الله تعالى ، وحسن الظن ، والتلقين ، وغير ذلك من آداب أخر.

مع أن رفع الحدث لو كان واجبا لكان ذكره أهم ، سيما مع كثرة الحدث المقتضية للاهتمام التامّ والمبالغة في الملاحظة.

بل لم نجد في الأخبار أيضا إشارة ، مع غاية اهتمامهم بالمستحبّات والآداب ، فضلا عن الواجبات.

وأيضا : لم نجد في الأخبار ولا كلام أحد من الفقهاء في مقام ذكر الواجبات ، مثل الصلاة والزكاة وأمثالهما ، ذكرا للوضوء ، بل والغسل أيضا ، فضلا عن التيمم ، بل ادّعي الإجماع على عدم وجوبه بالخصوص أيضا ، كما سيجي‌ء ، فهو مؤيّد لعدم وجوب الوضوء أيضا ، لحكاية عموم البدليّة ، كما سيجي‌ء (٢).

وأيضا : لم نجد إشارة إلى مظنّة الوفاة واعتبارها. وفهمها من مجرّد الأوامر بالوضوء ممّا لا يكاد يتفطّن به الحذّاق الماهرون فضلا عن العوام ، بل‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٢) يأتي في ص ١٧.


سنذكر بطلان الفهم ، فافهم.

قوله : فإنّه مجاز مستفيض. ( ١ : ٩ )

فيه : أنّه على هذا يكون أمره تعالى بالوضوء لأجل خصوص القيام ، دون مثل الركوع والسجود من أجزاء الصلاة.

إلاّ أن يقول : المراد بالقيام نفس الصلاة.

وفيه : أنّه كيف يصير المراد من لفظ القيام تارة إرادته مجازا ، إطلاقا لاسم المسبّب على السبب ، وتارة نفس الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء على الكلّ؟! على تقدير تسليم كون المجموع مركّبا حسّيّا وينتفي بانتفاء القيام ( عرفا ) (١) أيضا ، فتدبّر.

وأيضا : لا بدّ حينئذ من عناية لإدخال صلاة غير القائم.

وأيضا : يلزم أن يكون قوله تعالى ( إِلَى الصَّلاةِ ) (٢) لغوا ، بل لا يتصوّر له حينئذ معنى.

مع أنّ كلامه غير متلائم ، إذ يظهر من قوله : إطلاقا لاسم المسبّب على السبب ، أنّ المجاز مرسل ، ومن قوله : بل المراد. ، أنّ المجاز بالحذف ، فتدبّر.

مع أنّه كيف يكون المراد حينئذ : إذا أردتم القيام إلى الصلاة ، كما ذكره؟! بل يكون المراد : إذا أردتم الصلاة ، وأردتم القيام ، معا من العبارة الواحدة.

على أنّ ما ذكره إنّما يكون إذا كان قوله تعالى هكذا : إذا قمتم في الصلاة ، أو : إذا قمتم للصلاة ، على تأمّل في الأخير أيضا ، ومعلوم أنّه فرق‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « و ».

(٢) سورة المائدة : ٦.


بين القيام في الشي‌ء ، والقيام إلى الشي‌ء ، والقيام للشي‌ء ، فتدبّر.

قوله : والمشروط عدم. ( ١ : ١٠ ).

هذا مضافا إلى ظهور معنى التجدّد والحدوث في لفظ « وجب » ، لترتّبه على المشروط بكلمة « إذا » ، فتدبر.

قوله : ويتوجه على الأول. ( ١ : ١٠ ).

فيه : أنّ هذا الإيراد مبني على الاشتباه بين القيام إلى الشي‌ء ، والقيام في الشي‌ء ، كما مر ، وغير خفيّ أنّه لا يقام إلى الشي‌ء عادة وعرفا إلاّ بعد التمكّن منه من دخول وقت وغيره ، ولا تطلق هذه العبارة إلاّ في مثل هذه الحالة. مضافا إلى أنّه أقرب إلى الحقيقة.

سلّمنا أنّ المراد من القيام إلى الصلاة القيام في الصلاة ، ويراد به الإرادة ، لكن نقول : المراد أقرب المجازات ، وهي إرادة متى تحقّقت فكأنّه تحقّق نفس القيام. بل نقول : مجاز المشارفة أولى وأقرب ممّا ذكرت ، والوجوب في أول الوقت ـ وإن لم يتحقّق الشرط ـ يثبت بدليل آخر ، ولا يضرّ ، كما أنّ الأدلّة الشرعيّة الفقهيّة غالبا أخصّ من المدّعى ، وهو يثبت من أزيد من واحد.

على أنّ اشتراط وجوب الوضوء للصلاة مدّعى ـ وهو المطلوب في المقام ـ ووجوبه بعد دخول الوقت مدعى آخر ، والأوّل ثبت ، ولا يتضرّر دليلنا هذا بالآخر إلاّ على القول بعموم مفهوم الشرط ، وهو ممنوع عند الشارح ـ ; ـ وغير واحد من المحققين.

ولو سلّم فمعلوم أنّ الأمر بالوضوء إنما هو بعد الأمر بالصلاة ، فكأنّه‌


تعالى قال : أقم الصلاة من الزوال إلى الغروب ، ثمّ قال : إذا قمتم إلى الصلاة فتوضؤوا. فظهر من الأخير أنّ الوضوء يجب للصلاة ، ومن الأول أنّها في جميع الوقت واجبة ، فظهر من المجموع أنّ الوضوء في جميع الوقت واجب للصلاة.

والحاصل أنّه تعالى قال : القيام واجب موسّع ، ويجب له الوضوء إذا فعل ، فيلزم كون الوضوء واجبا لغيره بوجوب موسّع ، فمعنى المفهوم : إذا لم تقوموا من حيث إنّه لم يجب لم يجب عليكم كذا وكذا ، لا أنّه مع وجوب القيام أيضا لم يجب الوضوء إذا لم يفعل القيام.

على أنّ الوضوء واجب للقيام ، فتأمّل.

على أنّ العموم مخصّص بدليل آخر ، ولا يلزم منه رفع اليد عن حجّيّة نفس المفهوم ، فإنّ العامّ المخصص حجة في الباقي ، وعموم المفهوم أضعف من نفسه.

على أنّ « إذا » من أدوات الإهمال ، فلا عموم في الآية يقتضي وجوب الوضوء عند إرادة القيام مهما تحققت حتّى يرد أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، والإهمال لا يضرّ المستدلّ ، لأنّ الفرض كون الوجوب للغير لا غير ، فتدبّر.

سلّمنا ، لكن كلمة « إذا » من أدوات الإهمال كما قلنا ، ومسلّم عند الشارح ـ ; ـ أيضا ، فلا عموم بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب القرينة والفهم العرفي فإنّما هو من حيث عدم رجحان وقت على وقت ، فتأمّل.

سلمنا ، لكن خرج ما خرج بالوفاة ، إذ لم يقل أحد بالوجوب للغير قبل الوقت أيضا. مع أنّ الشارح يدّعي القطع بانتفاء وجوب الشرط قبل وجوب (١) المشروط ، كما سيجي‌ء ، وهو يكفي للتخصيص وعدم الضرر في إطلاق‌

__________________

(١) في « ا » : وجود.


الحكم وتعميم اللفظ.

واعترض أيضا بأنّ حجية المفهوم فيما إذا لم يكن للشرط فائدة سوى تخصيص الحكم بالشرط ، فلعلّها هاهنا بيان أنّه واجب للصلاة وإن كان واجبا لنفسه ، فيكون الغرض نفي الوجوب العارض (١).

ولا يخفى فساده أيضا ، لأنّ هذا الاحتمال يتمشّى في جميع المفاهيم ، فيقتضي عدم الحجّيّة إلاّ أن يظهر انتفاؤه ، وهو بعينه قول منكري الحجّيّة ، إذ لا نزاع في أنّ الفائدة تخصيص الحكم إذا لم تكن فائدة أخرى ، بل لا يتصور النزاع ، إنّما النزاع في أنّ الفائدة هل هي التخصيص إلاّ أن يظهر خلافه أم هو من المحتملات؟ ولا نجد فرقا بين ما نحن فيه وبين قوله : إن جاءك زيد فأكرمه ، وإن جاءكم فاسق بنبإ. ، وغير ذلك.

والحل (٢) أنّ المستفاد من ظاهر العبارة أنّ الإكرام المطلق معلّق على المجي‌ء ، واستفادة كونه لأجله غير مانع.

وأيضا : فرق بين وجوب شي‌ء لأجل شي‌ء ، ووجوب شي‌ء بشرط تحقّق شي‌ء ، وإن كان الثاني يستفاد منه الأول أيضا ، لكن ليس هو هو ، فكيف يجعل الأول فقط مفاد الثاني من دون زيادة مدلول مطلقا؟! فتدبّر.

قوله : وإلاّ لما كان الوضوء. ( ١ : ١٠ ).

فيه أنّ وجوبه ليس لأجل الإرادة حتى يلزم عدم اعتبار المقارنة ، إذ لو لم يرد يكون عليه واجبا أيضا من دون تفاوت ، مضافا إلى ما مر من الجواب عنه مفصّلا.

__________________

(١) كذا في نسخ الحاشية ، لكن في ذخيرة المعاد للمحقّق السبزواري : ٢ فيكون الغرض متعلّقا بالوجوب العارض ، وهو الأنسب.

(٢) في « ب » و « ج » و « د » : والحقّ.


قوله : وعلى الثاني. ( ١ : ١٠ ).

الواو ليست حقيقة في المعيّة ، فمقتضاها مشاركة الطهور للصلاة في الحكم الشرعي (١) ، بل تعلّق أولا بالطهور ، فالصلاة تابعة له فيه.

على أنّ المقرر عند أهل العربية أنّ العطف في قوة تكرير العامل ، وأنّه لاختصار العبارة ، بل المعطوف عندهم في حكم المعطوف عليه.

مع أنّه يلزم على ما ذكره عدم الدلالة على اشتراط الوقت للصلاة أيضا ، وفيه ما فيه.

وإرجاعه لخصوص الصلاة ـ مع مخالفته لما ذكره ـ مستلزم للفصل بالأجنبي في هذا الحكم. مضافا إلى استلزام الاستدراك فيه. وجعل الفائدة بالنسبة إلى ما هو خارج عن الحكم الذي ليس مفاد العبارة إلاّ هو ، فيه ما فيه.

وربما يقال : المنفي بالنسبة إلى الطهور أهمية الوجوب ، وإلى الصلاة نفسه ، وفيه ما فيه.

أو : الوجوب للغير خاصّة فيه ، ومطلقا فيها ، ولا يخفى بعده ، مع عدم قائل به ، كما يظهر من كلام القائل بالوجوب لنفسه.

ومما ذكر ظهر الفساد على تقدير حمل كلام الشارح على الاستغراق الأفرادي أيضا (٢). مضافا إلى بعده.

قوله : وحكى الشهيد. ( ١ : ١٠ ).

ربما قيل بأنّ القول ليس من علماء الشيعة ، للإجماعات المنقولة (٣) ، بل نقل الشهيد أيضا الإجماع في غير الذكرى (٤) ، مع أنّه سيجي‌ء في‌

__________________

(١) في « ب » و « و » : الشرطي.

(٢) انظر ذخيرة المعاد : ٢.

(٣) راجع ص ٦.

(٤) انظر القواعد والفوائد ٢ : ٦٣.


مبحث التيمم نقل الإجماع فيه بخصوصه (١).

ولا يخفى أنّ مقتضى مذهبه أنّ كلّ واحد واحد من الطهارات عقيب كلّ حدث يكون واجبا ، وأنّ المكلّف لو لم يتطهر من أوّل عمره إلى آخره لم يكن تاركا لواجب أصلا بالنسبة إلى الوجوب النفسي إلاّ في صورة نادرة وهي حصول ظنّ الموت والتمكّن ، فمع الترك في هذه النادرة عليه عقاب واحد ، ومع الفعل لا عقاب أصلا.

ولو تطهر عقيب كل حدث حدث فبنيّة الوجوب ، لوجوبه عليه ، فيتأتّى واجبات لا تعد ولا تحصى ، كل واحد واحد منها واجب ، وليس على ترك واحد منها عقاب أصلا ، ومع ترك الجميع يكون تاركا لواجب واحد في صورة واحدة نادرة ، ومع الفعل فيها خاصة لا يكون تاركا أصلا ، كما قلنا.

وأما الوجوب للصلاة فربما يظهر من عبارته الوجوب الشرطي لا الشرعي ، إلاّ أن يكون قائلا بوجوب مقدمة الواجب مطلقا ، أو الشرط الشرعي ، فيجتمع وجوبان : نفسي وللغير ، ويتأدى أحدهما بالآخر ، ويتضيق الأخير خاصة بتضيق وقت العبادة.

ولا يخفى أنّ هذا المذهب ـ مع ما فيه من الفساد ، من أنّ الواجب ما يكون على ترك نفسه العقاب في الجملة لا على ترك نظيره ، ومع ما فيه من القيود وتعدد طريق الوجوب فيها ، وتأدى أحدهما بالآخر ، وغير ذلك ـ جعله نفس مدلول الأخبار والظاهر منها فيه ما فيه. سيما مع ما فيها من الإيجابات ، وبلوغها غاية الكثرة.

وجعل تلك الإيجابات الكثيرة بالنسبة إلى كل واحد واحد من الأحداث من أول العمر إلى آخره ، بالنسبة إلى كل واحد واحد من‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٢٠٨ و ٢٠٩.


المكلفين ، بالنسبة إلى أحد الوجوبين خاصة ، وإلى تضيق العبادة بالنسبة إلى الآخر.

وجعل البناء على أنّ جميع هذه الإيجابات التي لا عدّ لها ولا حصر من جهة إثم واحد بترك تكليف واحد في آخر العمر ، على فرض نادر غاية الندرة وهو ظنّ الموت حال التمكن من الفعل من دون إشارة إلى نفس الظنّ ولا إلى اعتباره في خبر من هذه الأخبار ولا غيرها مما أشرنا إليه ، بل وظهور الأخبار وغيرها في خلاف ذلك ، كما عرفت. مع أنّ هذه الاخبار متطابقة على الايجابات على الإطلاق.

وأمّا بالنسبة إلى الوجوب الآخر فلا يكون أيضا على الترك عقاب إلاّ عند تضيّقات على ترك كل واحد واحد عقاب لترك مشروط. هذا مع تأدّي أحدهما بالآخر. لعله لا يخفى فساده. فتأمّل.

وبالجملة : إذا توضّأ محدث للنوم ، أو وطء الحامل ، أو جارية بعد أخرى ، أو مع عزمه على إحداث حدث بعده قبل أن يصلّي وقبل مظنّة الموت ، أو جزمه بوقوع الحدث بعد وضوئه قبل الصلاة ومظنّة الموت ، أو ظنّه بوقوع الحدث كذلك ، أو شكّه ، فجميع هذه الوضوءات لا عقاب على تركه أصلا وبوجه من الوجوه عند القائل ، مع حكمه بوجوبه وأنّه يفعل بقصد الوجوب ، عجيب.

مع أنّه كيف يمكن لعاقل أن يقصد وجوب فعل معيّن مشخّص مع جزمه بأنّه لا عقاب أصلا ورأسا على ترك هذا الفعل ، وأنّه لو تركه لا يكون مؤاخذا بوجه من الوجوه؟!

قوله : ويشهد له إطلاق الآية. ( ١ : ١٠ ).

ظاهر الآية هو الوجوب للغير ، فكيف ينفع إطلاقه له ، لأنّ الأمر فيها‌


وإن لم يقيّد بوقت ، إلاّ انّه مقيد بإرادة الصلاة ومشروط بها ، وهو في فساد الوجوب النفسي أظهر ، فيكون المراد من المطلق هو الوجوب (١) المشروط لا المطلق.

وأيضا : ذلك الإطلاق نشأ من أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، وهو فرع التعليق على الإرادة ومبتن عليه ، فكيف يمكن التمسك بالفرع على فساد الأصل ، وبالمبتني على بطلان المبتني عليه؟!.

وأيضا : عدم الوجوب قبل الوقت مطلب للمشهور ، وكون الوجوب للغير مطلب آخر ، وما نحن فيه هو الثاني ، والإطلاق لو سلّم رجوعه إلى العموم يضر الأول.

والقائل بالوجوب النفسي لم يقل إلاّ أنّ الوضوء واجب بحصول السبب ، ولازم ذلك جواز وجوب الوضوء الذي لأجل حصول السبب قبل الوقت ، لا وجوبه الذي لأجل إرادة الصلاة.

فالآية تدلّ على نفس مذهب المشهور المطلوب في المقام ، ولا دلالة لها على نفس مذهب القائل ولا على لازمه ، فكيف يستدلّ بها على إثبات مذهبه وإبطال مذهبهم؟!.

وأيضا : كما أنّها مطلقة بالنسبة إلى الوقت فكذا بالنسبة إلى حصول السبب.

فإن قلت : لم يقل أحد بهذا الإطلاق.

قلت : لم يقل أحد بالإطلاق الذي ذكرت.

مع أنّ المقامين ناقشوا فيهما : أمّا الأول فسيجي‌ء في بحث وجوب الوضوء مع الأحداث وغيره ، وأمّا الثاني ففي وجوب الغسل للصوم.

__________________

(١) في « ج » و « د » و « ب » : الواجب.


مع أنّ الفرد الغالب هو الإرادة بعد دخول الوقت ، وأما توطين النفس فعلى القول بالوجوب فمن حين اختيار الإسلام ، وحمل الآية عليه فيه ما فيه ، فيمنع رجوع الإطلاق إلى العموم.

مع أنّ دلالة الآية على أنّ المأمور به هو لأجل الصلاة واضحة.

وعندك (١) أنه لا معنى لوجوب الشرط ولمّا يجب المشروط ، فتدل على عدم الوجوب قبل الوقت بالالتزام. ولئن تنزلنا نمنع الرجوع إلى العموم ، لمكان احتماله أيضا.

هذا مضافا إلى ما مر في الحاشية السابقة بأسرها.

قوله : وكثير من الأخبار. ( ١ : ١٠ ).

لا يخفى أنّ الإطلاق ينصرف إلى الافراد الشائعة ، كما سيصرح الشارح مرارا ، والأفراد الشائعة للوضوء المترتب على الأحداث لا عقاب على تركها بالنسبة إلى الوجوب النفسي عند القائل به ، وليس فيها إلاّ مجرد ترتب الثواب على الفعل ، وهذا بعينه هو الاستحباب ( النفسي ) (٢) الذي يقول به المشهور.

وأمّا العقاب فليس إلاّ على ترك النادر ، وهو ما إذا حصل ظنّ الموت مع التمكن من الوضوء وعدم الظن بحصول حدث بعد الوضوء قبل خروج الروح.

فقضيّة لزوم صرف الإطلاق إلى غير النادر تقتضي حمل الوجوب في الإطلاقات الكثيرة إمّا على الاستحباب النفسي أو الوجوب الغيري ، فلا بدّ من أن يرفع اليد عن الوجوب أو عن كونه نفسيا ، ولا يجتمعان معا.

__________________

(١) في « و » : وعندي.

(٢) ليس في « ج » و « د ».


فإن قيل : ما ذكر وارد على الوجوب الغيري أيضا بعد دخول الوقت ، قلنا : سيجي‌ء الكلام فيه في بحث وجوب الغسل للصوم.

ثم نقول ـ مع قطع النظر عما ذكرنا ـ : إنّا نمنع تبادر الوجوب لنفسه بالنسبة إلى الأمور التي وجوبها للغير وشرطيتها له معروفة شائعة حاضرة عند الأذهان ، بل نقول : المطلقات في مثلها تنصرف إليه ، كما هو الحال في مثل الأمر بغسل الثياب والبدن والظروف وغيرها.

وهذه الأخبار صادرة بعد مدة مديدة من ظهور الشرع وأحكامه وتأسيسها وانتشارها ، لعموم البلوى وشدة الحاجة. حتى أنّ جميع آحاد المكلفين الكثيرين غاية الكثرة ـ بل وغيرهم أيضا ـ في كل يوم يحتاجون إليه غالبا مرات متعددة للصلاة وغيرها أيضا.

هذا كله مع طول المدة ، وكون الاشتراط للصلاة من ضروريات الدين ، بل وأظهر الضروريات. والرواة كانوا يسألون عن إحداث خاصة وقع في المسلمين شبهة فيها ، وما كانوا يسألون عن كل شي‌ء ، فأجيبوا بأنّه إذا وقع فتوضأ ، أو أنّه إذا وصل إلى هذا الحد ، أو أنّه لا ينقض إلاّ كذا وكذا.

فظهر من الروايات أنهم كانوا عارفين وما كانوا جاهلين قطعا (١) ، إلاّ أنّه إذا وقع شبهة خاصة سألوا عن حالها. وكذا حالهم في سائر الأحكام الفقهية ، كما لا يخفى على من تتبع الأخبار وتأمل.

وبالتأمّل يظهر أنّه ليس مدّ نظرهم وجوب الوضوء لنفسه أو لغيره ، فحمل الإطلاق على أزيد مما يرفع شبهتهم وصرفه إلى العموم ـ مع أنه ليس موضوعا له ـ محل نظر.

على أنّ الإطلاق إنما يرجع إلى العموم حيث يكون الحمل على‌

__________________

(١) في « ه‍ » : مطلقا.


بعض دون بعض ترجيحا من غير مرجّح ، مع كون المقام مقام إفادة حكم تلك الأفراد ، فبعد التسليم الرجحان ظاهر ، كما عرفت وستعرف.

ومما ينبّه على ذلك حال زماننا وما تقدّمه إلى زمان الصادق (١) 7 أيضا بالنسبة إلى المستفتين عن الأمور المذكورة ، بل والمفتين أيضا ، إذ نحن في مقام الجواب لا يخطر ببالنا سوى ما أشرنا ، مع أننا سمعنا القول بالوجوب النفسي ، واشتهر عندنا الخلاف فيه ، بل السائلون أيضا كثير منهم سمعوا ، ومع ذلك لا يخطر ببالنا وبالهم في مقام الجواب والسؤال وغير ذلك من مقامات المحاورات عند الإطلاقات سوى ذلك.

ومما يؤيد ، أنهم : في كثير من المواضع ذكروا أنّ أمر كذا ناقض من غير تعرّض لوجوب الوضوء ، وربما يحتمل في الظن أن الأمر بالوضوء إنما هو كناية عن الناقضية ، فتأمّل في الأخبار.

ومما يؤيد أنّهم ربما تعرضوا لذكر الصلاة في السؤال والجواب بأن قالوا : « وليتوضأ لما يستقبل » (٢) ، يعني : الصلاة الآتية ، أو قالوا : « ليتوضأ لصلاة كذا » أو : « يتوضأ » أو : « يصلي » ، إلى غير ذلك ، فتتبع وتأمل.

وأمّا صحيحة عبد الرحمن ونظائرها فمحمولة على الاستحباب قطعا ، للإجماع والأخبار على جواز النوم. مع أنه لو حمل على الوجوب يلزم الفور أو الوجوب للنوم ، وفيه ما فيه.

بل يمكن أن يقال بمثل ذلك في باقي ما أورده من الأخبار ، لمكان الفاء ، بناء على إفادتها الفوريّة ، وعدم تسليم ما ذكرنا سابقا ، إذ الظاهر حينئذ ليس باقيا على حاله ، والحاجة إلى الحمل تمنع عن الاحتجاج. إلاّ‌

__________________

(١) في « و » : المعصوم.

(٢) الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ١.


أن يثبت أقربية نافعة له ، وفيه إشكال.

وبعد اللتيا والتي ، حمل هذه الأخبار على ما ذكرنا أولى مما ارتكبه في حجة المشهور قطعا ، سيما مع المرجحات لها والمبعدات لما ذكر ، لو لم نقل بكون الأول حجة مستقلة ، والثاني مانعا معلوما.

ووردت في الخبر في الجنب التي حاضت في المغتسل : « لا تغتسل ، قد جاءها ما يفسد الصلاة » (١).

وفي غير واحد من أخبار الاستحاضة : أنها تغتسل لكل صلاتين وتتوضأ لكل صلاة (٢) ، وغير ذلك.

وفي بحث التيمم : « إذا وجد الماء ( فلا قضاء عليه ) (٣) وليتوضأ لما يستقبل » (٤).

مع أنّ وجوب الغسل لنفسه أشد إشكالا ، بملاحظة ما ذكرنا ، من أنّ وجوبه حينئذ لا يتضيق إلاّ بظن الموت مع التمكن منه ، إذ مع الظن لا يتمكن منه عادة ، ومع عدم الظن لا عقاب على الترك قطعا.

وحكاية تضيّقه بتضيّق وقت العبادة قد عرفت حالها ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّ النزاع إنما هو في الوجوب لنفسه ، أما الرجحان لنفسه فوفاقي منصوص عليه في كلام الفقهاء ، وظاهر من كلام الشارح ـ ; ـ أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٢٨ ، وفي ٣٩٥ / ١٢٢٤ ، الوسائل ٢ : ٣١٤ أبواب الحيض ب ٢٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » و « و » : فلا وضوء عليه.

(٤) الكافي ٣ : ٦٣ / ١ ، التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٨ ، وفي ١٦٥ / ٥٧٤ ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣.


قوله : ويؤيده خلوّ الأخبار. ( ١ : ١١ ).

دعوى الخلوّ بأسرها عن تفصيل القوم ، مع ورود صحيحة زرارة وما يؤدي مؤداها ، والتزامه ـ ; ـ عدم الخلوّ عن تفصيل القائل وقيوده ، مع عدم ظهور توسعة منها فضلا عن توسعته ، وغير ذلك مما عرفت ، فيه ما فيه.

سيما بعد ملاحظة عدم الفرق بحسب الواقع بين الوجوب الموسع الذي يدعيه وما يدعيه القوم من الرجحان النفسي ، فرقا مهما معتدا به في نظر الشرع ، حتى يجعله مناطا للفعل بعنوان الوجوب وعدمه ، وإلزام المكلف بأحدهما ، مع عدم ظهور تنبيه منه بمحطّ الفرق ومعياره ، بل وظهور العدم ، كما مر.

وخصوصا بعد ملاحظة طريقته من الأمر الواجب والمستحب معا بصيغة واحدة ، كما ينبه عليه قوله : إن هذا هو السر. ، فبين قوليه لعله تدافع.

مع أنّ ثمرة التفصيل غير منحصرة في النية ، فكان عليه أن ينبه على موضع الحظر. نعم ربما كان قلة الحاجة صارت منشأ لعدم التنبيه ، فغاية الندرة تصير منشأ لعدم الاعتداد أولى ، فتأمّل.

قوله : وتدل عليه روايات. ( ١ : ١١ ).

الشارح ـ ; ـ ربما يتأمل في إفادة الجملة الخبرية الوجوب.

ومع ذلك غاية ما يثبت شرطيته للطواف الواجب. إلاّ أن يقال : وجوب الوضوء لأجل الإعادة ظاهر في الوجوب. ولعل استناده إلى الإجماع في تتميم الدلالة.

وقوله : ومتنه مجمل. هاهنا قاعدة سيجي‌ء ذكرها والكلام فيها.

قوله : مبني على القول. ( ١ : ١٢ ).

وكذا على القول بأنّ ما لا يتم الواجب إلاّ به واجب مطلقا ، أو إذا كان‌


شرطا شرعيا ، أما القائل بالعدم مطلقا ـ سوى السبب أو مطلقا ـ فلعلّ مراده من الوجوب في شروط الواجبات وأجزائها هو المطلوبية شرعا ، مع عقاب على تركه في الجملة ، فإن المشروط الخالي عن الشرط ليس مطلوبا ، بل هما مطلوب واحد من قبيل أجزاء الواجب.

ثم المس أعم من أن يكون بالكف أو غيره ، مما تحله الحياة ومما لا تحله الحياة ، مثل الظفر والشعر ، احتياطا إذا صدق عليه اسم المس.

ويجتنب أيضا إذا أتى ببعض الوضوء ، وإن كان بما غسله.

وكذا عن مس أبعاض القرآن في أيّ موضع كان ، لظهور الشمول.

والصبي لا يحرم عليه. مع احتمال عدم حرمة تمكين الولي ومثل الولي. والأحوط منعهم إياه عنه ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الاستحباب. ( ١ : ١٣ ).

الحكم شرعي ، وعقلي ، وعادي. والأخيران لا مانع منهما ، بأن يقال : عقلا كذا ، أو عادة كذا ، ولا مانع من متابعتهما ، سيما العقلي. ولذا ترى الشارح ـ ; ـ مع حكمه بأن الاحتياط ليس بدليل شرعي يأمر به مهما أمكن ، وديدنه ذلك. وبالجملة : لا مانع من متابعتهما ما لم يدخلهما في الشرع ، بل أمر بهما ، ونهي عن خلافهما.

وربما قيل بإدخال العقلي في الشرعي ، بناء على تطابقهما.

ومنّا من أنكر مع القول بالتطابق.

ولا شك في اعتبارهما في موضوع الحكم. نعم لو كان من العبادات فحكمه حكم نفس الحكم.

وهو بعنوان الجزم يتوقف على دليل قطعي ، والظن على الظنيّ ، والاحتمال على أمارة مورثة له ، مثل الخبر الضعيف متنا أو سندا أو دلالة ، أو تعارض الأدلة ، أو قول الفقهاء ـ لا إجماعهم ـ أو فقيه أيضا ، أو حكم العقل‌


على القول الآخر.

فالأول لا شك في اعتباره ، والثاني من المجتهد إما مطلقا أو إذا كان عليه بخصوصه دليل شرعي. وأما الثالث فلا مانع له من مجرد القول مطلقا ، وأما العمل فلا مانع منه إذا كان احتياطا ، ولا شك في حسنه عقلا ونقلا ، فظهر وجه تسامح القوم في السنة والمكروه.

مضافا إلى حديث : « من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل ، فعمل ذلك التماس الثواب ، أوتيه وإن لم يكن الحديث على ما بلغه » (١).

لا يقال : ما ذكر أوّلا يتم في محتمل الضرر مثل الوجوب والحرمة ، لا ما يفيد الاستحباب أو الكراهة ، والحديث غاية ما يثبت مجرد الثواب لا الاستحباب.

لأنا نقول : الاحتياط يتحقق عقلا وعرفا في جانب المنفعة أيضا.

مضافا إلى أنّ ( الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ).

مع أنّ ثواب الله أعظم من الدرهم والدينار ، ويتحقق فيهما أيضا.

بل من بذل جهده في جميع ما هو مطلوب السيد ، حتى المحتمل كونه مطلوبه ، فإنه عند العقل والعرف ـ بل لعله عند الشرع أيضا ـ ليست مرتبته مساوية لمرتبة المقتصر على القدر الثابت. وهذا أيضا طريق آخر للمسامحة.

بل من ارتكب مباحا من حيث إنّ السيد أباحه ، وانه مباحه ، لعله يصير حسنا عند السيد ، ووسيلة لقربه ، جالبا لمحبته ، فإذا كان ما هو مقطوع عدم رجحانه كذلك فما ظنك بما نحن فيه. وهذا أيضا طريق آخر.

وأيضا ربما يرتكب من حيث إنه نسب إلى السيد أنه يحبه ويستحسنه.

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٨٠ أبواب مقدمة العبادات ب ١٨.


وهذا أيضا طريق آخر.

وأما الجواب للحديث فبأن الطريقة المسلمة المعهودة المقررة أنّهم يحكمون باستحباب الفعل بمجرد أن يرد من الشرع بإزائه ثواب. وذلك إما لأنهم يريدون من المستحب ما يكون بإزائه ثواب ، والثواب الذي فيه يكفي لرجحانه ، أو لأن الثواب عندهم لا يكون إلاّ برجحان فيه ، فلا يكون بغير رجحان ، لمنافاته الحكمة ، ولزوم الترجيح بلا مرجح ، والمرجح ربما كان وجوها واعتبارات يمكن أن يكون مما أشرنا اليه أو غيره ، مما يمكن أو لا يمكن دركه.

واعترض أيضا أن المراد من العمل هو الراجح شرعا ، وعدم اشتراط صدق الحديث إنما هو لحكاية الثواب خاصة (١).

وفيه : أنّه تقييد من غير دليل.

واعترض أيضا بأن بينه وبين آية ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ). (٢) تعارضا من وجه ، ويمكن تخصيص كل واحد بالآخر (٣).

ويمكن الجواب بأن ظاهر الحديث أنه تعالى يعطي الثواب بمجرد أن ينسب إليه أنه يعطي ، كما هو شأن الكريم البالغ في الكرم ، ولا عناية له في صدق النسبة ، بل صريح كلامه عدم اعتبار الصدق ، ومقتضى الآية العناية في صدق النبإ بكونه عن غير الفاسق ، ويشهد له قوله ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) (٤).

وبالجملة : اشتراط عدم الفسق لا وجه له بعد التصريح بأنه يعطي وإن‌

__________________

(١) مشارق الشموس : ٣٤.

(٢) الحجرات ٤٩ : ٦.

(٣) مشارق الشموس : ٣٤.

(٤) الحجرات ٤٩ : ٦.


كان الحديث كذبا ولا أصل له مطلقا ، مع أن المستفاد من الآية كون اشتراط العدالة لأجل عدم الكذب.

سلمنا ، لكن الأظهر تقييدها به ، كما لا يخفى. ولذا فهم الأصحاب كذلك ، ولا يتبادر إلى الذهن إلا ذلك. بل لو لم يسمع هذا الاعتراض لم يلتفت الذهن إلى الاحتمال أبدا.

سلمنا ، لكن بمجرد جواز تخصيص كل بالآخر لا يثبت اشتراط العدالة بالنسبة إلى أدلة السنن ، وهذا القدر يكفي. وليس دليل حجية خبر الواحد هذه الآية فقط ، بل لعلها ليست دليلا أصلا. نعم هي دليل اشتراط العدالة ، وقد عرفت أنه في الجملة.

ومما ذكر ظهر شمول الحديث للثواب الصريحي والالتزامي في المستحب والواجب. نعم الواجب لا يصير بمجرد الحديث الضعيف واجبا ، وإن كان ينزل منزلة المستحب. وهذا هو مرادهم من قولهم : لضعف السند يحمل على الاستحباب.

ومما يؤيد الاستحباب (١) ما ورد عنهم : « شهر رمضان فريضة من فرائض الله تعالى ، لا تؤدوه بالتظني » (٢) ، وغير ذلك.

فإن قلت : الوضوء عبادة ، فيحتمل التشريع.

قلت : بسبب أنه يفعل للاحتياط لا يتأتى التشريع ، وإلا لينسد بابه جلاّ ، لو لم نقل : كلاّ. بل ربما يتأتى تشريعان أو أكثر لو كان الاحتياط تشريعا.

__________________

(١) في « ب » و « ه‍ » و « و » : الأصحاب.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٠. بتفاوت يسير.


فإن قلت : منع الشرع من الاعتداد بخبر الفاسق ، والاحتياط نوع اعتداد به.

قلت : لم يثبت المنع إلى هذا الحد. ولذا لو أخبر فاسق بأن في الطريق أسدا يقتل ويهلك ، أو قطاع الطريق ، أو أعداء يقتلون وينهبون ، لزم عقلا عدم السفر إلى هذا الطريق مهما أمكن ، بل الشرع أيضا منع.

والأمر بالتبين في الآية ليس مجرد تعبد ، بل لعلّة ظاهرة غير منافية للاحتياط ، لأنها فيما إذا كان في العمل ندم وخطر ، ولا شك في أنه ربما كان في ترك العمل ذلك الندم والخطر قطعا أو ظنا ، بل لا نسلم ذلك فيما إذا ساوى الفعل والترك فيهما ، وانسد باب التبين.

مع أن القدماء والوسائط لعلهم تبينوا ، بل هذا هو الظاهر منهم ، فعلى تقدير أن لا ينفعنا تبينهم في إثبات التكليف لا تأمل في حسن الاحتياط منه.

ودخول مثل هذه الأخبار في الآية محل تأمّل ، فتأمّل.

قوله : كقوله 7 في صحيحة. ( ١ : ١٤ ).

لعلّ وجه الاستدلال أنّ المستفاد منها ناقضيّة الحدث للوضوء ، فلا يجتمع معه.

وفيه : أنّه لا نزاع في النقض ، بل في أنّ الوضوء المشروع (١) هل يستلزم رفع الحالة المانعة من الصلاة أم لا؟ لا الحدث الصادر ، والحدث مشترك لفظا بين المعنيين. ومع ذلك كونه أمرا واحدا في الصلاة وغيرها محتاج إلى الثبوت. إلاّ أن يدّعى التلازم بين المعنيين ، وهذا أول الكلام.

أو أنّ الظاهر من قوله : « لا ينقضه إلاّ حدث » أنّه لا يحتاج إلى وضوء آخر ، كما أنّ لازم قوله : ناقض أنّه يحتاج إلى وضوء ، وهذا أيضا محل‌

__________________

(١) في « ج » و « د » : المشروط.


تأمّل.

قوله : ويؤيده. ( ١ : ١٤ ).

يمكن المناقشة بأنّ الحديث لم يبق على ظاهره على ما ذكره ، لاستحباب التجديد وغيره ، فلعلّ المراد المنع عن نقض السابق اليقيني بالشك اللاحق ، وإحداث الوضوء من هذه الجهة ، كما يشعر به قوله 7 : « حتى تستيقن. » ، بل وقوله : « إذا استيقنت » سيما العدول عن عبارة : محدث بلفظ « أحدثت » ، فربما ظهر أو احتمل أن يكون المراد أنه متى حصل اليقين يستصحب إلى حصول اليقين ، كما ورد في الأخبار (١).

ويمكن الاستدلال بالإطلاقات ـ فلا تتقيد إلاّ بدليل ـ وأصالة عدم زيادة التكليف ، وأصالة البراءة ، على تقدير جريانهما (٢) في العبادات ، والظاهر جريانهما (٣) هاهنا ، لأنّ الوضوء صحيح خارج عن الصلاة جزما. وتمام التحقيق في مبحث نية الوضوء.

قوله : بإطلاق الروايات. ( ١ : ١٥ ).

شمول الإطلاق لها مع عدم صدق الحائض عليها لغة وعرفا فاسد ، لأنّ الظاهر منه ما دامت حائضا. إلاّ أن يكون المستدلّ قائلا بالحقيقة الشرعيّة ( على وجه يشملها وإن كان من جهة عدم اشتراط بقاء المبدأ ، ولا بدّ من التأمّل.

قوله : وقوّى بعض. ( ١ : ١٥ ).

مبناه على عدم حجية الاستصحاب ، وعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة (٤) بالنسبة إلى الحائض.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٢) في « ج » و « د » : جريانها.

(٣) في « ج » و « د » : جريانها.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ا ».


قوله : لانتفاء التسمية. ( ١ : ١٥ ).

ويقربه أنّ الغسل ورفع الحدث به أمران شرعيان ، فلا وجه لاعتبارهما في اصطلاحهما.

قوله : إلاّ أنّ المشهور. ( ١ : ١٦ ).

لعل وجه أقربيته ثبوت الحقيقة الشرعية عنده فيه ، أو أنّه يظهر من الأخبار أنّ منع دخولها من جهة حدثها ـ كما هو الحال بالنسبة إلى الجنب ـ لا من الدم.

قوله : قولان. ( ١ : ١٦ ).

منشؤهما أنه حدث يرتفع بالطهارة فلا تكون مطهّرة ، وأنّ المحدث بالأصغر يحرم عليه ، فبالأكبر بطريق أولى ، ومن أنّ الحدث بالنسبة إلى الصلاة والطواف لا يستلزم أن يكون حدثا بالنسبة إلى غيرهما.

قوله : ما يقتضي اشتراطه. ( ١ : ١٦ ).

والأحوط مراعاته ، لما مرت الإشارة إليه عند احتجاج الشارح ـ ; ـ لوجوب الوضوء لنفسه. مضافا إلى التأمّل في موجبات الوضوء والغسل الذي هو شرط للصلاة ، وكذا التأمّل في ما سنذكره هاهنا.

قوله : ولا مانع. ( ١ : ١٦ ).

كون جميع إطلاقات أوامر الوضوء والأغسال والتيمم وغسل الثياب والبدن وغيرها محمولا على الوجوب للغير ـ على حسب ما مر ـ واستثناء خصوص ما ورد في المس من بين الجميع ، وإلحاقه بغسل الجمعة والإحرام المستحب بمقتضى الأدلة والمعروف بين الأصحاب ـ وإن سلّم وجود قول شاذّ ـ محل تأمّل.

مع أنّ غسلهما لتحصيل الطهارة فيهما ، وهما وقتان معينان يفوت الواجب بفوتهما ، بخلاف هذا الغسل ، فإنّه ليس بطهارة عنده ، لما مرّ ، ولا‌


وقت معين له.

مع أنّ المسّ لو لم يكن حدثا كيف يكون موجبا للطهارة ، سيما في وقت غير معيّن؟!.

إلاّ أنّ يقال بعدم كونه طهارة أصلا ، بأنّ الغرض إمساس الجسد بالماء ، من غير أن يكون المقصود منه حصول طهارة ونظافة بوجه من الوجوه.

أو أنّه طهارة من خباثة غير منافية للصلاة ولا غيرها ، بل ولا يستحبّ رفعها لهما (١) ، بل ولا اهتمام في المسارعة في رفعها كالحدث الأصغر والأكبر ، ومع ذلك يجب رفعها في أيّام الحياة.

والاحتمالان لا يخلوان عن غرابة.

ومع ذلك يتوجّه ما قلناه في الوضوء من أنّه لو كان واجبا لنفسه لزم تحقق واجبات لا تحصى بعقاب واحد ، في فرض نادر ، بل وأندر ( بل وخلاف العادة ) (٢) ، وحمل المطلقات عليه ، مع لزوم الحمل على الشائع ، وعدم التنبيه في ما ورد في الاحتضار وغسل الميت ، وغير ذلك مما مر.

مع أنّ المفسدة هنا أشدّ ، إذ لا وجوب عند تضيق وقت العبادة هنا.

ولأنّ التمكّن من الغسل حين ظنّ الموت أندر وأندر ، بل وخلاف العادة ، فتدبّر.

قوله : نعم إن ثبت. ( ١ : ١٦ ).

لأنّه على هذا حدث ، إذ لا ينقض الوضوء إلاّ الحدث ، وليس من موجبات الوضوء على ما يظهر من الأخبار والفقهاء ، ورفعه واجب للأمور.

فظهر أنّ الغسل الوارد في الاخبار يكون طهورا ، أو أنّه لو توضأ من غير‌

__________________

(١) في « ج » و « د » : لها.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».


غسل فهو محدث أيضا ، إذ لا يتأتّى الصلاة بغير طهارة ، وهذا الوضوء لا ينفعه ، لأنه حين الاغتسال يجب عليه الوضوء على ما سيجي‌ء ، وهو دليل كونه محدثا ، إذ متى شرع الوضوء كان رافعا للحدث ، على حسب ما مر ، فتأمّل.

قوله : مع عدم صحّة سنده. ( ١ : ١٦ ).

السند لا يقصر عن الصحة ، كما بيناه في الرجال (١) ، ومن المسلمات أيضا أنّ مراسيل ابن أبي عمير حكمه حكم المسانيد ، ويظهر وجهه من الرجال. مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب هنا.

قوله : غير صريح. ( ١ : ١٦ ).

فيه : أنه يكفي الظهور ، والظاهر ظهور القدر المشترك بين الوجوب الاصطلاحي والشرطي ، وهو يكفي للمستدل. مع أنه ليس بظاهر في الندب أيضا ، ولعله يكفي للاستدلال ، لمنعهم إحداث الوضوء إلاّ مع تيقّن الحدث (٢) ، فأمرهم بالوضوء دليل التيقن ، خرج ما خرج بالدليل ، فتأمّل.

ويشهد لما ذكرناه ما ورد من أنّ أمير المؤمنين 7 اغتسل حين غسل الرسول 6 معلّلا بجريان السنة ، وإلاّ فهو 6 كان طاهرا مطهرا (٣) ، إذ فيه إشارة إلى كون المس حدثا يحتاج إلى المطهر ، لا أنّ الغسل له مجرد تعبد.

ويظهر من الفقه الرضوي أنّ الوضوء الذي يكون قبل كل غسل إنّما‌

__________________

(١) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ / ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ / ٢٦٨ ، الوسائل ١ : ٢٤٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦٩ / ١٥٤١ ، الاستبصار ١ : ٩٩ / ٣٢٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب غسل المس ب ١ ح ٧.


هو لأجل الصلاة (١) ، كما هو المشهور عند فقهائنا ، فيلزم أن يكون الغسل أيضا كذلك ، والاحتياط واضح.

قوله : ومعارض بما هو أصحّ. ( ١ : ١٦ ).

فيه : أنّ المعارض يتضمن عبارة ، وهي « أيّ وضوء أطهر من الغسل » ، أو « أنقى من الغسل » (٢) ، ومقتضى ظاهرها أنه لو كان وضوء مع الغسل لكان منحصرا في أنه لتحصيل الطهارة ، مع أنها حاصلة بالغسل ، بل أكمل وأشمل ، فمن هذه الجهة لا حاجة إلى الوضوء ، لا أنّ المغتسل قبل اغتساله طاهر في نفسه لا حاجة له إلى المطهر ، والأمر بالغسل محض تعبّد ، كما يقول به الشارح. مع أنّ جلّ الأغسال الواجبة ومعظمها لأجل التطهير قطعا ، فكيف يكون محض تعبد؟! فحينئذ الغسل نائب عن الوضوء وأقوى منه وأشمل ، والمس يحتاج إلى الطهور الذي يرفع ما يرفعه الوضوء وما يرفعه الغسل ، ولا يكفي الوضوء ، فضلا عن أن لا يحتاج إلى رافع.

على أنّه مر عن الشارح ـ ; ـ أنه متى حصل وضوء لا يجامع الحدث الأكبر يترتب عليه جميع آثاره إلى أن يتيقّن الحدث ، فما ظنك بالمتطهر بالوضوء إذا عرض له المس.

فإذا كان هذا الغسل طهارة لكان داخلا في عموم قوله : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (٣) ، ويكون مثل سائر الطهارات بالنسبة إلى قوله : « لا صلاة إلا بطهور » (٤) ، وغير ذلك ، فإذن لا يكون تفاوت بينه وبينها ،

__________________

(١) فقه الرضا : ٨٢ «. فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة » ، المستدرك ١ : ٤٧٦ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٤ أبواب الجنابة ب ٣٣ وفي ٢ : ٢٤٧ ب ٣٤ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.


فتأمّل جدّا.

مع أنّ هذه الطهارة طهارة الحدث لا الخبث قطعا ، والحدث ليس إلاّ الحالة المانعة من الصلاة مثلا. وباقي الكلام يأتي إن شاء الله تعالى.

قوله (١) : وكأنّه أراد. ( ١ : ١٧ ).

لا شك في أنه أراد الوجوب الاصطلاحي ، وعبارته في غاية الصراحة والإصرار.

قوله : وإلاّ فالوجوب بالمعنى المصطلح منتف. ( ١ :١٧ ).

لا يخفى أنه ظهر ممّا ذكره المعاصر ـ ; ـ عدم الانتفاء.

فإن كان منشأ قطعه ما ذكره سابقا من أنه لا يتصور وجوب الشرط لمشروط غير واجب ، ففيه : أن المشروط واجب وإن لم يكن الآن واجبا ، ويكفي هذا ، وإلاّ لم يتصور وجوبه في المضيق الذي ذكره المصنف ـ ; ـ أيضا.

فإن قال بأن الظن حاصل بالإدراك حينئذ ، ففيه : أنّ ظن الإدراك غير وجوب المشروط. مع أنه حاصل من أول الليل أيضا ، ولا دليل على أن المعتبر هو الأقوى ، سيما وأن يكون بحيث يعارض إطلاقات الأخبار وغيرها بل ويترجح عليها ، على أنه ربما يكون الظن في أول الليل أقوى.

فإن قيل : كيف يكون واجبا ولا عقاب على تركه في هذا الوقت؟

قلت : الواجب الموسع كله كذلك ، والاتصاف بالوجوب حينئذ لتحقق امتثال الواجب فيه ، والوجوب للغير غير مضرّ بعد كفاية ظنّ الإدراك ، فإن أدرك انكشف الوجوب واقعا ، وإلا انكشف عدمه.

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ا ».


نعم ، لو أراد الجنابة بعد الغسل أو حصل ظنه بها لا يتأتى منه نية الوجوب ، لا للغير ولا للنفس ، وعدم التأتي في الثاني أظهر ، لأنّ الوجوب النفسي عند القائل به تكليف واحد شخصي موسع إلى ظنّ الموت ، كما أشرنا سابقا.

وأما الطهور للصلاة فبعد دخول الوقت يجب بالنص وإن لم يقصد به فعل الصلاة ، عند القائل بعدم وجوبه لنفسه على ما هو المعروف منه ، بأن يقول : بعد دخول الوقت يجب الشرط والمشروط معا وجوبا موسعا ، ولا يسقط وجوب الشرط عند عدم قصد إيقاع المشروط به ، فإذا تحقق المشروط بهذا الطهور فقد تحقق الشرط الواجب ، وإن تحقق بغيره فهو أيضا متصف بالوجوب.

ولا مانع من تحقق واجبات للغير يجوز تركها ، لأنّ الواجب للغير لا يكون عقاب على ترك نفسه ، بل العقاب على ترك ذلك الغير الذي هو مشروطه ، على قياس أجزاء الواجب ، فإنّ الجزء واجب لغيره وهو الكل والمجموع ، وليس على تركه عقاب ، بل العقاب على ترك الكل.

مثلا : لا نزاع في وجوب الركوع للصلاة ، ومعنى وجوبه أنه لو تركه لم تتحقق الصلاة ، فيعاقب بترك الصلاة لا بتركه ، وإلاّ لزم أن يعاقب تارك الصلاة بعقابات لا تحصى ، كل عقاب يكون على حدة ، مثل أن يعاقب بترك النية عقابا ، وبترك الألف في تكبيرة الإحرام عقابا آخر ، وبترك اللام الأول فيها عقابا آخر ، وبترك اللام الثاني عقابا آخر ، وهكذا إلى آخر الصلاة ، حتى أنه بإزاء كل جزء لا يتجزّأ من أجزاء حركاتها وسكناتها يكون عقاب على حدة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى شروطها وترتيباتها وصفات الأجزاء.

وبالجملة : لا تأمّل عندهم في أن الواجب للغير لا يكون عقاب على‌


ترك نفسه ، بل يكون على ترك ذلك الغير ، فتأمّل.

قوله : بجهالة المكتوب إليه. ( ١ : ٢٠ ).

مثل علي بن مهزيار الوكيل الذي هو في غاية مرتبة من الوثاقة والجلالة لا يكاتب غير المعصوم 7 ، ولعل طعنه بعنوان الجدل ، إذ يصرح كثيرا بعدم ضرر الإضمار في أمثال هذه الأخبار.

قوله : بمخالفتها. ( ١ : ٢٠ ).

من عمل بها بناؤه على أنّ الخلل في جزء حديث لا يخرجه عن الحجية بالنسبة إلى الجزء الذي لا خلل فيه ، كما هو طريقة جماعة.

على أنّ أكثر الأخبار المعمول بها يحتاج إلى توجيه البتة ، مثل التخصيص وغيره ، وإرادة خلاف الحقيقة أو الظاهر من غير قرينة خلل ، وظهورها من دليل آخر لا يرفع الخلل عن نفس هذا الحديث. نعم مراتب التوجيه متفاوتة قربا وبعدا. ومن أسباب الخلل وهم أحد الرواة أو النساخ أو غير ذلك ، مما أشرنا إليه في رسالتنا في الاجتهاد والأخبار وغيرها.

فعلى هذا ربما يكون زيادة « ولا » وهما ، أو يكون « ولاء » أي متتابعا ، كما قرئ. ويقربه ما في مكاتبة الصفار من أنه يقضي عشرة أيام ولاء (١) ، والتقييد به رد على من زعم أنّ قضاء الصوم يفرق فرقا بينه وبين الأداء ، أو يجمع ستا ويفرق الباقي ، أو غيرهما مما يظهر من الأخبار (٢).

والحديث مكاتبة ، فلعله كتب تحت قوله : « صومها » « تقضي صومها ولاء » وقوله : « صلاتها » « تقضي صلاتها ».

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٤ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٨ / ٤٤١ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ١٠ : ٣٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦.


وأما المحقّق والشارح ومن وافقهما عندهم أنّ أمثال هذه الخلل ترفع الوثوق عن الحديث بالمرة ، فالمذاق مختلف.

قوله : بأنّ فيه جمعا. ( ١ : ٢١ ).

أورد عليه بأنّه اعتراف منه باقتضاء صحيحة أبي حمزة العموم ، فلا يبقى حينئذ تمكن شرعي لاستعمال الماء ، فالشرط متحقّق (١).

وفيه : أن مراده من الجمع الجمع بالإطلاق والتقييد ، لأن المطلق في نفسه ـ من دون ملاحظة أمر خارج ـ يقتضي العموم ، وبعد ملاحظة ما دل على اشتراط عدم التمكن من المائية يترجح في الظن تقييده. بل وانّ الملاحظة المذكورة ترجح كون الإطلاق مبنيا على الغالب.

ألا ترى أنه لما ورد أن التيمم للصلاة في صورة عدم التمكن ، فمتى لاحظنا موضعا أمروا فيه بالتيمم مطلقا للصلاة يترجح في فهمنا أنه مبني على عدم التمكن ، إذ من هذا الأمر يفهم كون التيمم في هذا الموضع صحيحا ، ومن الأول كبرى كلية ، والشكل بديهي الإنتاج. وليس كل موضع أمروا فيه بالتيمم قيدوه بعدم التمكن من المائية ، بل جل المواضع غير مقيد ، مع أنه لا تأمل في التقييد ، فتأمّل جدا.

قوله : فإنّا لم نقف. ( ١ : ٢١ ).

مراد جده ـ ; ـ من عدم الماء عدم التمكن من استعمال الماء.

ولعل كون الأصل في التيمم أنه طهارة اضطرارية يظهر من التأمل في الأدلة.

ومقتضى كلام الشارح جوازه مع التمكن من الماء في الطواف والمس وغيرهما ، وأنه مخير بينه وبين الماء فيهما ، وأنه عند عدم التمكن من التيمم والتمكن من الماء يخرج بغير غسل أيضا ، ولا يخلو جميع ذلك من غرابة ،

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ١١.


سيما الأخير ، بعد اعترافه بعموم تحريم الكون.

والقول بأن الغسل مشروط بعدم التمكن من التيمم غريب أيضا ، بل أشد غرابة.

قوله : وأيضا فقد ثبت. ( ١ : ٢١ ).

لم نجد ما ذكره أصلا ، بل الموجود تحريم الدخول والكون اختيارا.وادعاء الإطلاق هنا ومنع الاشتراط السابق لا يخلو من تعجب بالنظر إلى الأدلة.

سلمنا الإطلاق ، لكنه منصرف إلى الافراد الشائعة ، على ما سيصرح به مرارا ، سيما والنادر يشبه أن يكون مجرد فرض.

على أن مقتضى عموم تحريم الكون لزوم رفع الجنابة البتة ، لا استباحة المرور جنبا ، وكون الثاني هو المقتضى دون الأول خلاف ما عليه الأصحاب ، وليس عليه دليل ، كما سيجي‌ء.

مع أن إيجاب التيمم لرفع الحدث لعله يقتضي إيجاب الغسل لذلك بطريق أولى ، لأن المكث بقدر فعل التيمم لا بدّ منه ، فلو لم يزد مكث الغسل ولا يلزم مانع آخر أيضا فالغسل أرفع للحدث ، فلو زاد قدر التيمم عليه فالحال أظهر ، فتأمّل.

قوله : بالنص. ( ١ : ٢١ ).

كونه نصا بالقياس إلى الفروض النادرة التي لا ينساق الذهن إليها ـ سيما مثل هذا الفرض ـ فيه ما فيه.

قوله : وكما جاز. ( ١ : ٢١ ).

مجرد الاحتمال يضر العموم ، لعدم ما يدل عليه بالوضع حتى يقال : الأصل أن يكون مستعملا فيه حتى يثبت خلافه ، فمجرد الاحتمال غير كاف.


مع أنه يتأمّل في هذا أيضا ، بناء على أن المدار في الألفاظ التبادر والظهور ، لا هذا ، فإذا كان حال الوضع كذلك فما ظنك بما ليس موضوعا للعموم ، والأصل فيه عدمه ، وصرفه إليه لعله يتوقف على سد باب هذه الاحتمالات.

مع أن هذا الاحتمال لعله أرجح ، لمكان بداهة التعذر غالبا المستلزم لعدم التكليف كذلك ، وعند التعذر الرجوع إلى التيمم ظاهر أيضا ، لعموم المنع من الكون جنبا ، وعموم بدلية التيمم.

مع أنّ الاحتمال الآخر أيضا يرجع إلى التعذر ، لأنه سبب للتعذر ، وهو سبب للتيمم ، فما هو بلا واسطة أقرب. مع أنه خلاف الأصل والظاهر ، لعدم الثبوت شرعا ، فظهر ما في قوله : وقد أطلق.

مع أنّ شمول إطلاقهم لما نحن فيه أيضا محل تأمّل.

قوله : مورد الخبر. ( ١ : ٢١ ).

عموم تحريم الكون يقتضي رفع الحدث مطلقا ، إما بالغسل ثم التيمم ، أو التيمم على ما ذكره ، ويعضد الإطلاق أنّ من قال بوجوب التيمم قال مطلقا ، ومن أنكر فكذلك.

وربما يرجح كون التيمم ليس لخصوصية الاحتلام بملاحظة العمومات المانعة من الدخول ، وخصوص هذا النص مع فتوى الفقهاء ، وما يشعر به في النص من قوله : « فأصابته جنابة » بعد قوله : « فاحتلم » ثم التفريع بقوله : « فليتيمم » وإلحاق الحائض في المرفوعة ، مع ظهور اتحاد الروايتين ، وأنه في كثير من أمثال المقام يتعدون من باب تنقيح المناط ، حتى الشارح أيضا ، فتأمّل.

قوله : قيل الحائض. ( ١ : ٢٢ ).

المراد أنها في الحيض ، أما بعد انقطاع الدم فحكمها حكم الجنب‌


بغير احتلام. وقوله : لا سبيل. ، تأييد لضعف الاحتجاج.

قوله : نعم إن لم يكن. ( ١ : ٢٢ ).

فيه : أن الترابية متعينة عندك ، فكيف يتأتّى التمكن من المائية حال التيمم؟! فإن قلت : مقتضى العمومات صحة الغسل حينئذ أيضا ، نعم هو مكلف بالتيمم للخروج ، والأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده.

قلت : إنما يتمشى ذلك إذا كان المفسدة في ترك المأمور به خاصة دون فعل الضد ، بل لا بدّ أن تكون فيه مصلحة ، كالغسل عند اشتغال الذمة بالدين مثلا.

وكون ما نحن فيه من هذا القبيل محل تأمل ، إذ لعل المصلحة في فعل الضد ، إذ كون الجنب في المسجد حرام مطلقا ، والغسل لو لم يكن فيه مفسدة ومانع شرعا لرفع الجنابة ، ولو لم يرفع لم يكن متمكنا من استعماله ، لأن التمكن فرع صحته ، ولو كان صحيحا لما عين الشارع عليه التيمم لحصول الإباحة للخروج بالغسل أيضا.

مع أنه رافع للحدث جزما مطلقا ، بخلاف التيمم ، فإن إباحته لخصوص المرور الفوري ، وعلى تقدير الرفع فيرفع في الجملة وفي حال الاضطرار ، فلا جرم يكون في الغسل مفسدة.

على أنا نمنع أن يكون التمكن على تقدير فعل الحرام منشأ لفساد هذا التيمم الصحيح للصلاة ، فتأمّل.

قوله : والاستحباب فيه أولى. ( ١ : ٢٣ ).

لا يخلو من إشكال ، لاستلزامه زيادة الكون غالبا. إلاّ أن يريد الفرد النادر.

قوله : لانتفاء الدليل. ( ١ : ٢٣ ).


يمكن أن يقال : إضافة المنزلة إلى الماء في الحديث الآتي تفيد‌ العموم. إلا أن يقال : المعهود حكاية الطهورية ، لكن لا بدّ من تأمّل. ولو ثبت لوجب لمثل مس الميت مما ليس طهورا ، كما مال إليه الشارح في المس ، فتأمّل.

قوله : مطلق الطهارة. ( ١ : ٢٤ ).

إن أراد الأعم من الترابية ففيه ما فيه ، وإن أراد الطبيعة اللابشرط ففيه : أنا لم نقف على ما ذكرت ، فإن الصلاة تتوقف على الوضوء في صورة ، وعلى الغسل في صورة أخرى ، وعلى كليهما في صورة أخرى على المشهور ، والمراد من قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » ليس توقفها عليه من دون خصوصية.

وقوله : وما ثبت. ، فيه : أن النوع الخاص طهارة أيضا ، لتوقف صحة الصوم عليه ، كما صرح به ، بل صرح بأنه طهارة حيث جعله نوعا منها ، والخصوصية لا تخرجه عن كونه فردا للطهارة ، وهو ـ ; ـ يوجب التيمم للخروج من المسجدين ، كما ورد النص به ، بل ويوجبه لدخول المساجد عموما ، كما سيجي‌ء في مبحث التيمم (١) ، بل ولعموم ما يستبيحه المائيّة لذلك.

قوله : أن ينذر الطهارة. ( ١ : ٢٤ ).

النذر إنما يتعلق بالمراد من اللفظ ، والناذر أعرف به. ولعل مراده أن ينذر معنى لفظ الطهارة على الإطلاق من غير قرينة ، والأصل فيه الحقيقة ، وأن الصيغة شرط في صحته ، وهي تؤثر بالقياس إلى المستفاد من اللفظ إذا كان مقصودا.

فلو كان مما لا يدل عليه لم يصح نذره ـ والمراد هنا الصحيح ـ كما لو‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٢٤٩.


نذر وقف حمار ، مريدا به بليدا من العبيد مثلا لم يصح مطلقا ، أو من حيث إنّه لم يأت بقرينة في الصيغة ، لكن على هذا لم يستقم قوله : فإن قصد المعنى الشرعي. ، لأن الناذر من المتشرعة ، ومدلول كلامه ليس إلا المعنى العرفي ، وإطلاقه لا ينصرف إلا إليه.

وإن بنى على أنّه أيّ معنى حقيقي مخصوص يريد من اللفظ يصح وإن لم يأت بقرينة ، بناء على أن الشرط مجرد لفظ ، ففيه ـ بعد تسليم ذلك ـ يتعين مراده ، فلا وجه لما ذكره بقوله : والواجب. ، مع أنه لا نزاع في ثبوت المعنى الشرعي ، فإن اللفظ صار حقيقة فيه على أي حال ، لكن النزاع في كونه حقيقة عند الشارع.

وإذا بنى على أنّه يصح إذا أراد معنى حقيقيا ـ أيّ حقيقي يكون ـ وإن كان لم يأت بقرينة على هذه الإرادة ، ففيه ـ بعد تسليم صحته وتسليم عدم صحة إرادة المعنى المجازي ـ : أنه لا ينحصر الحقيقة في ما ذكره ، وأنّه ربما كان اللفظ حقيقة في معنى باصطلاح ، مجازا فيه باصطلاح ، بل لا شك في أن لفظ الطهارة كذلك.

وأيضا لا يستقيم قوله : فعلى الأولين يتخير. ، إذ على تقدير الاشتراك لا يتعين المنذور ، فيبطل النذر. إلاّ أن يريد ما يطلق عليه اللفظ حقيقة ، فهو حينئذ معنى مجازي ، ومع ذلك يرجع إلى التواطؤ أو التشكيك.

على أن التعيين حينئذ بيد الناذر ، فلا وجه للبناء على محل النزاع ، وكذا قوله : إذ الأصل.

وإن أراد أن الناذر إذا أراد من لفظ الطهارة ما يطلق عليه هذا اللفظ حقيقة في المحاورات ـ أي محاورة كانت ـ يكون كذا وكذا ، لا أن يريد منه معناه في صيغة نذره.

ففيه : أنّه ـ مع ما فيه من الحزازة الظاهرة ـ كيف جعل نذر الطهارة على‌


الوجه الكلي منحصرا في هذا الشكل الغريب ، حيث لم يرد من لفظ صيغته معناه الحقيقي في اصطلاحه ، بل يريد أي حقيقة تكون في أي محاورة ، ثم عين خصوص محاورة الشرع أو العرف ، من دون معرفته بثبوت الاصطلاح في الأول ولا بتعينه ، ولا معرفته بالتعين في الثاني ، حتى يبني نذره على الخلافات والترجيح بالأدلة الأصولية مع عدم ترجيح تحقق مع معرفة الرجحان بأي معنى يكون.

قوله : إذ الأصل. ( ١ : ٢٤ ).

فيه. أنّه أمارة ظنية للظن بما في الضمير ، والناذر يعلم ما فيه ، ولا وجه للتمسك بالظني إلاّ على التوجيه الأخير.

على أنّ الناذر من المتشرعة ، واستعمل اللفظ مجردا ، فالأصل أن يكون في معناه الاصطلاحي عنده ، فتأمّل.

قوله : في الماء المطلق. ( ١ : ٢٦ ).

المطلق العرفي أعم من ان يكون ماء بحتا أو ممزوجا بالمضاف ، بحيث لا يخرجه عن الإطلاق.

ولو كان عديم الصفات ، كماء الورد المنقطع الرائحة ، فهل المعتبر أكثرية الماء ، ومع التساوي المنع ، أو الجواز ، أو الإطلاق العرفي ، أو تقدير الصفة والبناء عليه؟ قال بكل قائل.

وإذا لم يكف الماء فهل يجب مزج مضاف لا يخرجه ويحصل الكفاية أم يجوز؟ مقتضى الأدلة الأوّل وقال الشيخ بالثاني (١).

قوله : أو كان ماء بحر. ( ١ : ٢٦ ).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩. وفي « ج » و « د » زيادة : وفيه ما فيه.


الظاهر أن الشارح لم يعتن بخلاف نادر (١) من العامة (٢).

قوله : ويدل عليه. ( ١ : ٢٧ ).

الأجود الاستدلال بالأخبار ، لظهور الدلالة فيها.

مثل ما ورد : « إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٣) ، وغير ذلك.

وما ورد أن بني إسرائيل كانوا يقرضون النجاسة ، وأنّ الله جعل الماء طهورا لكم ، قد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض (٤).

وورد : ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا (٥).

وقوله تعالى ( لِيُطَهِّرَكُمْ ) الظاهر منه ـ سيما بملاحظة شأن نزول الآية ـ المطهرية الشرعية ، ويصلح أن يكون قرينة للآية الثانية.

مع أنّها على القول بثبوت الحقيقة الشرعية تدل على الطهارة بالمطابقة ، وعلى القول بالعدم بالالتزام ، لأن إظهار الانعام والامتنان يدل على جواز الانتفاع غالبا ، والنجاسة تقتضي المنع غالبا.

قوله : على وجهين. ( ١ : ٢٧ ).

في القاموس جعل له معنى ثالثا ، وهو الطاهر المطهر (٦). وكثير من‌

__________________

(١) في « ج » و « د » : ما ورد.

(٢) نقله في المغني والشرح الكبير ( ١ : ٣٦ ) وأحكام القرآن لابن العربي ( ٣ : ١٤٢٥ ) عن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو العاص.

(٣) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٤ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٩ / ١٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ / ١٠٦٤ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

(٦) القاموس ٢ : ٨٢.


الفقهاء فسر الآية بذلك (١) ، ونسبه الشيخ إلى أهل اللغة (٢) ، وحكي ذلك عن تغلب (٣).

قوله : وهذا التوجيه. ( ١ : ٢٧ ).

الاستدلال لا يمكن بالاحتمال ، فضلا عن أن يكون بعيدا أو توجيها ، ولعل مبنى استدلاله هو ما أشرنا ، بضميمة عدم القول بالفصل بين السماء وغيره ، فيحتاج إلى الإجماع.

وما ارتكبه الصدوق من أن كل ماء من السماء (٤) ، يتوقف على الثبوت.

ومع ذلك المتبادر منه النازل منه الآن ، لا الذي نزل بالأصل ، فالتعدي مشكل ، سيما على طريقة الشارح.

والتوجيه من بعض العامّة (٥) ، ورجحه الشارح ـ ; ـ على توجيه الشيخ ، وفيه نظر لا يخفى على من أمعن النظر في كلامه في التهذيب ، فإنه ليس على ما ذكره الشارح هاهنا.

قوله : يتناول الأمرين. ( ١ : ٢٧ ).

__________________

(١) منهم الشيخ في التبيان ٧ : ٤٩٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤ ، والشيخ البهائي في مشرق الشمسين ( الحبل المتين ) : ٣٤٧ ، والفاضل الجواد في مسالك الأفهام ١ : ٨٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٤.

(٣) حكاه عنه في الكشاف ٣ : ٢٨٤ والمصباح المنير : ٣٧٩ ومجمع البحرين ٣ : ٣٨٠ ومعجم مقاييس اللغة ٣ : ٤٢٨ ، وفيه عن ثعلب ، بالمثلثة ، والظاهر أنّه أحمد بن يحيى الشيباني صاحب الفصيح في اللغة ، ولقبه مردد بينهما في كتب التراجم ، ولعل الصحيح أنه بالمثلّثة ، كما في معجم الأدباء ٥ : ١٠٢ ، الأعلام للزركلي ١ : ٢٦٧ ، الكنى والألقاب ٢ : ١١٥ ، وفيه : سمّي الرجل ثعلب لأنّه كان إذا سئل عن مسألة أجاب من هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار.

(٤) الفقيه ١ : ٦.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٤ : ٩٠.


أي الطاهرية والمطهرية للغير ، فلا بدّ أولا من ثبوت الحقيقة الشرعية. وثانيا ثبوتها في الطهور الاسمي ، لأن الغسل ـ مثلا ـ يتحقق فيه الحقيقة الشرعية أو المتشرعية ، ولم يتحقق في الغسول وكذا الوضوء. وثالثا ثبوتها بحيث يتناول الأمرين ، بناء على عدم ثبوت الملازمة بينهما بإجماع أو غيره من الأدلة ، ولا هي من المسلمات ، كما سيجي‌ء في بحث الغسالة ومطهرية الأرض وغيرهما. لكن في الغسالة يظهر منه قبول التلازم.

لا يقال : الحمل على الفرد الأكمل يغني عن ثبوت الحقيقة الشرعية على الوجه المزبور ، لأن المطهر الطاهر الشرعي هو الفرد الأكمل.

لأنا نقول : لا يصلح ذلك للصرف عن الحقيقي وتعيين المجازي ، إذ الأول هو الأصل ، ولا يعدل عنه بمثل ذلك. ولهذا لا يحمل الآية وغيرها مما هو في معرض الامتنان على أي مجاز يقتضي زيادة الامتنان ، نعم ذلك يصلح لترجيح أحد الاحتمالين.

قوله : والمراد بها اللون. ( ١ : ٢٨ ).

قيل : لم نجد في الأخبار الخاصية ما يدل على ذلك (١).

قلت : روى في زيادات التهذيب بسنده عن العلاء بن الفضيل عن الصادق 7 ، عن الحياض يبال فيها ، قال : « لا بأس بها إذا غلب لون الماء لون البول » (٢) ، وفي الفقه الرضوي ذكر نجاسة الماء بتغير اللون مكررا (٣).

__________________

(١) قاله الشيخ البهائي في الحبل المتين : ١٠٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١١٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٥ / ١٣١١ ، الاستبصار ١ : ٢٢ / ٥٣ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٧.

(٣) فقه الرضا 7 : ٩١ ، المستدرك ١ : ١٩٩ ، ٢٠١ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ، ١٣ ح ٢ ، ٣.


قوله : من حيث الاستثناء. ( ١ : ٢٩ ).

الاستفادة من هذه الجهة في غاية الظهور ، نعم الخفاء في لفظ النجاسة والاستيلاء ، فالأولى أن يقول : الظاهر من النجاسة نجس العين ، والظاهر (١) كونه بالملاقاة.

وعن الشيخ ـ ; ـ تنجسه بتغيره من المتنجس أيضا (٢) ، ولعله لعموم النص النبوي ، خرج ما خرج بالوفاق.

إلاّ أن يقال : الحديث ـ في الحقيقة ـ ليس بحجة ، والمعتبر الأخبار الخاصية. أو : أن المراد شي‌ء من نجس العين بقرينة تلك الأخبار ، فتأمّل. أو يقال : إنه نكرة في سياق الإثبات فلا يعم ، والإطلاق في مثله لا يرجع إليه ، لأن رجوع المطلق إليه في صورة لم يفد الكلام بدون الرجوع ، وذكره هنا لبيان حكم آخر لا حكم نفسه ، وببيان ذلك ظهرت الفائدة. وأما كون « ما » نكرة فلكونها موصوفة معناها إلاّ شي‌ء يغيره ، بقرينة المستثنى منه. مع أنّ الاحتمال كاف. فتدبر.

وقوله : وهو كذلك ، هذا على تقدير بقاء الماء على إطلاقه ، ووجهه :

الأصل ، والعمومات ، وأما إذا خرج عن الإطلاق فسيجي‌ء حكمه.

قوله : لأن التغير حقيقة. ( ١ : ٢٩ ).

لفظ التغير موضع للانتقال من حال إلى حال في الواقع ، لا مدخلية للحس فيه ، نعم من شأنه أن يحس إذا كان من قبيل ما نحن فيه ، وظاهر أن هذا هو المراد ، والتقديري ليس بانتقال حقيقة ، فليس من شأنه أن يحس ،

__________________

(١) كما في « أ » وفي سائر النسخ : والاستيلاء.

(٢) حكاه عنه في الذخيرة : ١١٦.


فهو مجاز بدليل صحة السلب.

لكن هذا إنما يتم لو كان الوارد مجرد لفظ التغير ، والمستفاد من بعض الأخبار تضمن معنى الغلبة ، فلعل ذلك منشأ اختلاف الفهم ، فلا بدّ للشارح ـ ; ـ إما من منع التضمن أو إثبات عدم ضرره.

ثم اعلم أن اعتبار التقدير في مثل الميتة في ماء البئر وما ماثل الميتة فاسد قطعا ، ولعل في الجاري والراكد أيضا كذلك ، سيما بملاحظة ما ورد من أن الميتة مع وجود الرائحة لا تنجس إلا إذا غلب على رائحة الماء (١) ، ولا يكاد يمكن حمل الريح على التقديري ، فلعل القائل بالتقديري مطمح نظره مثل البول الممزوج بالماء.

فعلى هذا نقول : صور المسألة ثلاث :

الأولى : استهلاك النجاسة الماء بحيث يقال : إنّه بول.

الثانية : عكس ذلك ، وهذه يتمشى فيها النزاع وثمرته.

الثالثة : أن لا يكون بولا فقط عرفا ، ولا ماء فقط ، أعم من أن يكون البول أكثر ، أو الماء ، أو تساويا ، فإذا كان المزج عرفا لا يجوز استعمال ذلك في الشرب والتطهير ، حتى الغسل ارتماسا ، لعدم صدق الارتماس في الماء.

ولو قيل بعدم تحقق مركب من مائعين ممزوجين : أحدهما نجس والآخر طاهر ، يكون الكل حينئذ نجسا.

بل الأحوط مراعاة التقدير في الصورة الثانية أيضا ، وإن كان الأقوى ما ذكره الشارح ، فتدبر.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣.


قوله : يحمل على حقيقته. ( ١ : ٢٩ ).

هذا على تقدير بقاء الماء على إطلاقه ، وعلى تقدير استهلاكه بحيث يقال عرفا : إنه بول فنجس ، كما قال بعد هذا.

ولم يتعرض لذكر ما ليس هذا ولا ذاك ، ولعل بناؤه ـ ; ـ على الانحصار فيهما ، وفيه تأمل ظاهر ، ومر في الحاشية السابقة. فظهر ما في قوله : فإن المخالف يقول. ، فتدبر.

قوله : دائر مع الأوصاف. ( ١ : ٢٩ ).

لا يخفى أنها مختلفة ، فلذا قيل باعتبار الأشد (١) ، وقيل باعتبار الأوسط (٢) ، وقيل باعتبار الأضعف (٣) ، تغليبا لجانب الطهارة.

قوله : غاية الأمر. ( ١ : ٣٠ ).

قد ظهر مما ذكرناه مراده من الحسي ، لكن يشكل الأمر هنا ، لإمكان أن يقال : لم يتغير لمانع عنه ، أو أنه بعد بلونه السابق.

وبالجملة : لم يظهر أنه انتقل لونه إلى الحمرة بسبب الدم ، لعدم حصول تفاوت أصلا من جهة الدم. وما ذكره إنما يتم إذا تغير من الدم ، وعرضته حمرة لاحقة تمنع عن إدراك السابقة. هذا.

فظهر مما ذكره هنا ما في قوله السابق آنفا ، ويتوجه إليه ما سبق ، إذ يمكن أن يقال : التغير حينئذ هناك متحقق ، غايته أنه مستور عن الحس ، فإن ملوحة الماء تمنع مثلا عن ظهوره ، والفرق بين الصفات الطارية والكائنة من‌

__________________

(١) انظر الذكرى : ٨.

(٢) قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١١٥.

(٣) حكاه صاحب الحدائق ( ١ : ١٨٥ ) : عن بعض فضلاء متأخري المتأخرين.


قبل النفس لا يخلو من إشكال.

قوله : لأنها مخلوقة. ( ١ : ٣٠ ).

العلامة ـ ; ـ قائل بهذا الأصل بلا شك ، وثبوت عدم قبول الأشياء الطاهرة بالأصل للنجاسة العارضة ، بهذا الأصل ، محل نظر. نعم يثبت بالاستصحاب ، وليس بحجة عند الشارح ، ـ ;.

إلاّ أن يقال : كلامه إشارة إلى قوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (١) ، وهو في معرض الامتنان ، فالحمل على ما هو الأكمل أولى.

لكن إثبات الحكم الشرعي بأمثال ذلك لا يخلو عن مناقشة.

فالأولى التمسك بأصالة البراءة ، لأن النجاسة تكليف بالتجنب.

وبقوله 7 : « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر » (٢) ، وهي موثقة ، فتكون حجة ، كما بيناه في موضعه ، مع أنّ مضمونها مقبول عند الأصحاب. وهما دليلان لأصالة طهارة الأشياء.

مضافا إلى ما يظهر من تتبع تضاعيف الأحاديث والأحكام الواردة فيها ، وطريقة المسلمين في عملهم في الأعصار والأمصار ، واتفاق فتاوى فقهائهم.

قوله : وصحيحة حريز. ( ١ : ٣١ ).

في الصحة تأمل ، لأنّ الكليني روى عنه عمن ذكره ، عن الصادق 7 ، وهو أضبط من الشيخ. مع أنّ الراجح السقوط لا الزيادة. ويؤيده ما ذكره يونس من أنه ما سمع عن الصادق 7 إلاّ حديثين (٣). مع أنه‌

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٤ / ٣٧٥.


تحقق الاضطراب المانع عن ثبوت الصحة. وإن كان الأظهر عندي حجية أمثال هذه الأحاديث.

وقوله : الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع.

الأظهر أنّه غير الجاري. ولعل وجه الاستدلال أن وضع الظاهر موضع المضمر في قوله 7 : إن كان الماء. ، ظاهر في أن ما ذكر حكم مطلق الماء.

لكن إن حمل على ما يعم القليل يشكل حمله على خصوص الجاري ، وكذا على الأعم والبناء على إرادة خصوص الكثير بالنسبة إلى الراكد ، والأعم إلى غيره ، لأنّ السؤال كان عن الراكد ، لأن البناء على أن السؤال لما كان عن الكثير منه ـ كما هو الظاهر ـ صح الحمل المذكور يوجب رفع الوثوق بالنسبة إلى عموم غيره أيضا ، فتأمّل.

قوله : إلى الماء القليل. ( ١ : ٣١ ).

لعل الأظهر أنه الراكد ، إذ الغالب في التعبير عن الجاري بالعين أو الجاري. مع ندرة تحقق جار يكون مجموعه أقل من الكر ، سيما في بلاد السائل والمسؤول ، وسيما مع أن يكون ـ مع كونه أقل منه ـ يغترف فيه الإناء.

إلاّ أن لا يكون المراد من القليل هو الأقل ، فيسقط حينئذ عن الاحتجاج.

إلاّ أن يقال : فالجاري بطريق أولى ، أو أنه لم يقل أحد حتى العلامة ـ ; ـ باشتراط الكرية في خصوص غير الراكد ، لكنه يتوجه حينئذ أن الشارح ـ ; ـ غير قائل بطهارة القليل من الراكد ، إلاّ أن يقول : الحمل على الجاري أقرب محامله ، وفيه ما فيه ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

قوله : جعل العلة في عدم. ( ١ : ٣٢ ).

لعله الأظهر ، ويؤيده ما سيجي‌ء في ماء الحمام.


قوله : أو في طهارته. ( ١ : ٣٢ ).

علته أنه إذا كانت رافعة للنجاسة فكونها دافعة اولى ، بل لعله يفهم أن وجود المادة مع عدم التغير سبب للطهارة مطلقا ، فتأمل.

وقوله : والعلة المنصوصة. ، لفهم ذلك عرفا ، فلا يضره المناقشات.

ثم لا يخفى أنه يمكن الاستدلال بما سيجي‌ء في ماء الحمام من الاخبار ، ومنها ما سيذكره الشارح ، وما سنذكره أيضا ، مثل : « ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا » (١) ، لظهور أنه بمجرد الملاقاة وحين تحققها يطهر ، من دون تراخي زمان أصلا ، وهذا في حكم عدم الانفعال.

مع أن الثمرة متحققة قطعا ، بل لعله كناية عن عدم الانفعال.

قوله : لفقد اللفظ. ( ١ : ٣٢ ).

ولأنه يكفي لتحقق فائدة الشرط تحقق المخالفة في الجملة ، ولعدم فهم العموم في المنطوق ، فلا داعي إلى اعتبار أزيد من هذا.

ويمكن أن يستدل على إفادته العموم بأن عدم الانفعال من حيث هو هو مشروط بالكرية ، كما هو ظاهر العبارة ، لا خصوص ماء ، والمشروط عدم عند عدم الشرط. ولأنّه لو لم يفد العموم لزم خلو حكم المفهوم عن الفائدة ، على قياس ما قيل في المطلق وإفادته العموم.

على أن غالب ما كان الرواة محتاجين إليه هو المياه القليلة ، لغلبة وجودها عندهم ، فكيف يناسبها الإجمال في حكمها؟! مضافا إلى أنّهم لما كانوا يسمعون هذه الأحاديث يقنعون ويسكتون.

ويؤيده أيضا أنه لو لم يكن الشرط بالنسبة إلى كل فرد فرد لزم أن لا يكون الكرية فقط شرطا ، بل كون الماء جاريا ـ مثلا ـ شرط آخر أو جزء‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.


الشرط ، فلم قال 7 : إن كان كرا لا ينفعل؟! وأيضا فرق بين أن يقال : الماء طاهر ، وأن يقال : الماء لا ينجسه شي‌ء إن كان كرا ، وكما أن الأول يرجع إلى العموم فكذا الثاني ، فتأمل.

وبالجملة : الظاهر أنه لا وجه للتأمل في إفادته العموم ، لكن بالنسبة إلى غير الصورة النادرة ، كما أن الحال في غالب المنطوقات في إفادة العموم أيضا كذلك ، لو لم نقل : كلها ، فتأمّل.

ولعله لما ذكرنا ذهب أكثر فقهائنا (١) إلى عموم الانفعال في الراكد ، وما وجد منهم تأمل في إفادة المفهوم العموم ، مثل ما وجد من الشارح ـ ; ـ وغيره ممن وافقه على عدم الإفادة في أمثال زماننا وما يقرب منه.

ومما ذكرنا ظهر حال جميع المفاهيم في إفادة العموم وعدمها.

قوله : تعارضا من وجه. ( ١ : ٣٢ ).

صحيحة محمّد بن إسماعيل تعارضها مع المفهوم وإن كان من وجه لكن كون القياس المنصوص العلة منطوقا محل تأمل ، وبعد التسليم كون مثله أقوى من المفهوم محل نظر كيف ومعظم المحققين على أن المفهوم حجة ، بخلاف المنصوص العلة ، فإن الكثير لم يذهبوا إلى حجيته.

إلاّ أن يكون مراده أنه أقوى من عموم المفهوم لا نفسه ، ولا بدّ من تأمل فيه. مضافا إلى أنّه خلاف ما يظهر من العبارة.

وأمّا غير الصحيحة فالتعارض بحسب الظاهر ليس من وجه. إلاّ أن يكون مراده أنه مخصص ومختص بغير الراكد القليل ، لما سيجي‌ء من خصوص النصوص الواردة في انفعال الراكد القليل ، فيكون المراد من هذه العمومات أن غير الراكد القليل لا ينفعل ، والعام المخصص حجة في‌

__________________

(١) في « ج » و « د » : الفقهاء.


الباقي ، ودلالته من باب المنطوق وإن كان مجازا ، فالمعارضة بينه وبين المفهوم ، لا المعنى الحقيقي ، لكونه غير مراد.

لكنه يخدشه أنه موقوف على ثبوت تقدم المنصوص بالخصوص على المفهوم ، بل لم يوجد إلا عمومات مطلقات وخصوصات كذلك (١) ، وكل واحد ( أعم مطلقا و) (٢) أخص مطلقا.

وبالجملة : غاية ما يثبت أن الراكد القليل خارج منها ، ولا ينافي ذلك خروج غيرها ، نعم لو كان يظهر ذلك لكان الأمر كذلك ، فتأمّل.

ويمكن أن يقال : أقربية المجازات ترجح عدم الخروج ، إلاّ أنّها لا تقاوم العمومات التي في الخاص ، ولا توجب تخصيصا ، لأن بقاء هذا العام على عمومه أقوى من أقربية المجاز ، وإلا ليفسد الأمر في العام والخاص المطلقين ، فتأمّل.

إلاّ أن يقول : إن عموم المفهوم ضعيف ، يعارضه ويقاومه الأقربية ، وتترجح عليه أو تساويه ، وحينئذ يحصل الاحتمال المنافي للاستدلال ، لكن هذا يرد على الشارح أيضا عند استدلاله بالمنطوقات العامة ، إلاّ ان الشارح التزم بما ذكر على ذلك التقدير فقال : عمومان تعارضا.

مع أن عموم المفهوم بالنسبة إلى القليل الجاري أضعف البتة ، لندرة تحققه في بلد السائل والمسؤول ـ وفيما بينهما أيضا ـ غاية الندرة ، بل غير ظاهر التحقق. هذا.

والأولى في الجواب أن يقال : إن اختار العلامة العموم من وجه فالأمر على ما ذكره الشارح ـ ; ـ وإن اختار العموم المطلق ، كما هو مقتضى‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : أي مطلق لا من وجه.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « ه‍ ».


استدلاله ، نقول : الخاص مقدم إذا كان دلالته قوية ، بل وأقوى ، لأن عموم المفهوم ـ على تقدير تحققه ـ ليس بحيث يقاوم المنطوق ، فضلا عن أن يكون أقوى ، سيما مع اعتضاده بأمور كثيرة :

( منها الكثرة ) (١) ، ومنها العلة المنصوصة ، ومنها ما سنذكر في ماء الحمام ، ومثل نفي البأس أصلا ورأسا في البول في الجاري ، كما ورد في غير واحد من الأخبار (٢) ، سيما بملاحظة الحكم بالكراهة في الراكد ، ومنها الإجماع المنقول ، ومنها اشتهار الفتوى ، وشذوذ الفتوى بالآخر ، ومنها الأصول المتعددة التي مرت ، ومنها الأوفقية للشريعة السمحة السهلة ، والإطلاقات في إزالة الأحداث والأخباث ، وقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٣) ، ومنها وهن العموم في المفهوم بما سيجي‌ء في مباحث البئر وماء المطر وغيرهما ، ومنها الاعتضاد بظواهر القرآن.

فظهر عدم جواز التخصيص على المذهب الآخر أيضا ، وهو كفاية المقاومة والمقابلة للخاص مع العام في مقام التخصيص ، من دون اشتراط كون الخاص أقوى ، لكونه للجمع بين الأدلة. مضافا إلى أن الجمع غير منحصر في ما ذكر للعمل به في الراكد القليل ، لكونه مرادا على أي تقدير.

قوله : وقوة دلالة. ( ١ : ٣٢ ).

فيه : أنّه قد ورد بعض ما دل بالمنطوق ، مثل ما ورد في الصحيح من أن الدجاجة والحمامة إذا كانت تطأ العذرة وتدخل الماء لا يتوضأ منه إلاّ أن يكون كرا (٤).

__________________

(١) ما بين القوسين غير موجود في « ج » و « د ».

(٢) الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥.

(٣) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ ، مسائل علي بن جعفر :


لكن في استفادة العموم منه سيما بحيث يقاوم ما أشرنا تأمل ، لأن الظاهر منه غير الجاري ، لأن السابق إلى الذهن منه أنه الذي وطأته الدجاجة والحمامة ، والجاري غالبا لا يقف ، بل يذهب ويجي‌ء موضعه غيره ، ويكون كثيرا أزيد من كر ، فضلا عن أن يكون أقل منه.

مع أن تحقق الجاري الأقل من الكر في بلد السائل والمسؤول مما يكاد يحكم بعدمه ، بل ويحكم ، سيما وأن يكون في الدور والمساكن ، بحيث تطأ الدجاجة والحمامة وتدخله.

ومما ذكر ظهر الوهن في عموم المفهوم أيضا.

قوله : لو نقص. ( ١ : ٣٣ ).

يعني الذي يمتزج بالماء بعنوان الدفعة العرفية ، لو شرطها ، أو مجموع ما بين المتغير وأصل المنبع ، لو لم يشترط ، فتأمل. والمراد التدافع من قبل المنبع ، وعلى خصوص المتغير ، فتأمل.

قوله : بجهالة بكر. ( ١ : ٣٤ ).

لا يخفى أن مضمون الرواية لا تأمل فيه ، لما سنذكره ، فلا وجه للقدح في سندها.

مضافا إلى أن المشايخ ذكروها على سبيل الاعتماد والاعتداد ، ووافقها غيرها من المعتبرة. مع أن سندها إلى صفوان صحيح ، وهو عن منصور الثقة ، عنه ، وصفوان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وكذا ممن لا يروي إلاّ عن ثقة ، كما صرح به الشيخ في العدة (١).

قوله : وعدم اعتبار. ( ١ : ٣٤ ).

عدم انفعال الجاري إنما هو من جهة أن له مادة متصلة به ، وماء‌

__________________

١٩٣ / ٤٠٣ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٤.

(١) عدة الأصول ١ : ٣٨٦.


الحمام حكم فيها بأنه بمنزلته ، مع أن المتعارف أن له مادة قطعا ، والجواب هو ما سيذكره.

لكن يمكن أن يستدل له بعموم المنزلة ، والظاهر أنّ وجه الاستدلال هو هذا ، وظاهر أنّ الجاري لم يعتبر فيه الكرية أصلا ، ولو كان من الأفراد النادرة. إلاّ أن يمنع الشارح ـ ; ـ عمومها ، وعلى فرض تمشي المنع فهو جواب آخر ، فتأمّل.

وبما قررنا ظهر أنّه لا حاجة إلى اعتبار المادة ، بل يكفي المنزلة ، فتأمّل.

قوله : لما سيجي‌ء. ( ١ : ٣٤ ).

ما سيجي‌ء ليس إلاّ المفاهيم ـ ولا عموم لها عنده ـ وما ورد في الموارد الخاصة ، وغير خفي أنّها ظاهرة في غير الحمام ، ولم يثبت إجماع مركب ينفع المقام حتى يستعين به ، سيما بعد ما اعترف بقوله : والحال يقتضي العكس ، كما صرحوا به ، فكيف يمكن بعده دعوى الإجماع المركب ، وعدم جواز القول الثالث.

فلا يمكن دعوى تنقيح المناط أيضا ، سيما بعد ورود ظواهر من الأخبار أيضا ، منها ما ذكره ، ومنها ما ورد عنهم : « انّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا »(١).

وروي أيضا في الصحيح : انّ ماء الحمام الذي فيه الجنب وغيره ينضح على الرجل ، فقال 7 : « أليس هو بجار؟ » ، فقيل : بلى ، فقال : « لا بأس » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ ، أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٩ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨. بتفاوت يسير.


وعن أبي يحيى الواسطي (١) ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الهاشمي : عن ماء الحمام يقوم عليه الرجال ، لا أعرف اليهودي من النصراني ، والجنب من غير الجنب ، قال : تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر ، فإنه طهور (٢).

وفي الفقه الرضوي : ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة (٣).

بل بعد تأمل لعله لا يبقى فرق معتد به بينه وبين الجاري ، بالنظر إلى الأدلة ، وحكاية عدم اشتراط الكرية ، وما استدل به الشارح ـ ; ـ عليه في الجاري يمكن أن يستدل به أيضا في المقام ، وما أورده يمكن أن يرد عليه هنا ، فتأمل.

قوله : ولأن المادة. ( ١ : ٣٤ ).

لا يخلو بحسب الظاهر عن مصادرة ، إلاّ أن يكون مراده أنه كذلك بالقياس إلى الأدلة والقواعد الشرعية الممهدة. والفرق بينه وبين السابق أنه إشارة إلى ما يظهر منه المانع عن الانفعال ، والأول إلى ما دل على الانفعال ، فتأمّل.

قوله : لعموم قوله. ( ١ : ٣٥ ).

يعني أنه يصدق على المجموع أنّه قدر كر ، فيشمله العموم ، وإن لم يصدق عليه الوحدة عرفا ، كما سيصرح بذلك. لكن لا نزاع في العموم ولا شموله لكل ماء واحد حقيقة ، وإنما الكلام في دخول الكر المتصل فيه ، مع‌

__________________

(١) في النسخ : أبي الحسن الواسطي : والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧١ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ، ب ٧ ح ٦.

(٣) فقه الرضا : ٨٦ ، المستدرك ١ : ١٩٤ ، أبواب الماء المضاف ب ٧ ح ٢.


عدم صدق الوحدة عرفا ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

قوله : ومن العجب. ( ١ : ٣٥ ).

لم نجد فيه تعجبا ، لأنّ اعتباره الكرية بناء على ما هو الغالب فيه من النزول من مثل الميزاب ، وقد اعترف الشارح ـ ; ـ بعدم صدق الوحدة ، كما سيجي‌ء كلامه ، ومقتضى هذا الانفعال عندهم بالنسبة إلى ماء الحمام الذي هو عبارة عما في الحياض الصغار ، كما صرح به.

وأمّا عدم استشكاله في الحمام فللأخبار المعمول بها ، وفتاوى الأصحاب ، بل الإجماع ، إذ لا شك في عدم انفعال مثل هذا عند كافة المسلمين ، وأنّهم في الأعصار والأمصار كانوا يتطهرون به. وبهذا يظهر وجه استشكاله [ في ] انسحابه إلى غيره.

وأمّا تصريحه بتقوّي الأسفل فلعله في صورة الانحدار ، بناء على أنّه لما كانت النجاسة لا تسري إلى الفوق فكذا الطهارة.

لكن يرد عليه ما سيورده من انفعال النهر العظيم المنحدر (١). والأظهر أن رأيه تغير ، وهو غير عزيز من المجتهدين ، لأنّه شاهد على تجدد النظر وتكراره والإمعان والدقة ، وعدم المساهلة والتقليد وجمود القريحة. ولذا جعل عدم التغير قدحا في الاجتهاد ، لكونه كاشفا عن المسامحة أو شائبة تقليد أو جمود القريحة ، إذ عادة لا يمكن استقرار الرأي مطلقا ، أما عند من اشترط التجدد فظاهر ، وأمّا عند من لم يشترط إذا اتفق التجدد ، مع أنّه لا تأمّل في حسنه ، فتأمّل.

( ويمكن أن يكون حكمه في الحمام بكرية المادة بناء على ما هو المتعارف فيه من أخذ مائه في استعماله وذهابه على سبيل التدريج ، فلا يبقى‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٤٥.


قدر الكر ، وأنّ استعمالاته ربما تغير شيئا منه ، وأمّا الغديران فربما حكم فيه بمجرد الملاقاة ، فتأمّل ) (١).

قوله : إنّما هو لصيرورة. ( ١ : ٣٦ ).

كونها علة لعدم قبول الوارد من الخارج ودفعه إياها لا يستلزم عليتها لعدم قبوله للداخلة ورفعها إياها ، وهل هو إلاّ قياس مع الفارق؟! لأن الدفع أهون.

وقوله : امتزاج كل جزء. ، بناء على أن المطهر لا بدّ أن يماس المطهر حتى يطهر ، إذ لا يكفي مماسة الجار.

وقوله : لعدم العلم. ، مبني على استصحاب النجاسة حتى يتحقق العلم بالمزيل ، وأنّ شرط الطهارة المماسة ، فالشك فيها يوجب الشك فيها ، وهو أيضا مبني على الاستصحاب ، وإلاّ فالأصل في الماء الطهارة ، فيكفي الشك في النجاسة لحصول الطهارة.

اللهمّ الا أن يريد العلم بالعدم ، وفيه منع ظاهر ، إذ ربما يتحقق العلم العادي بالمماسة ، كما في مثل السكنجبين.

لا يقال : لا بدّ من العلم بالوصول وهو متصل بالمادة.

لأنا نقول : يتحقق بالنسبة إلى الطبقة الأولية ، ثم بعد طهارة تلك الطبقة يتحقق مزج تلك الطبقة مع ممزوجها بالطبقة الثانية ، وهكذا. سيما مع أن الأصل في الماء الطهارة حتى يتحقق العلم بنجاسته.

وقوله : لم يكن. أيضا قياس مع الفارق ، لأن الاتصال المشوب بالمزج ليس مثل غير المشوب في الضعف.

وقوله : بعدم طهارته. أي البعض الأخر ، فيه أنه يلزم القول بعدم‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».


الطهارة من الحين ، أما بعد مضي قدر استعمل فيه أسباب الخلط وإدخال البعض الأول مع الممزوج به في هذا الآخر ، فإنه يتحقق العلم بالمزج في غاية القرب ، لغلبته وكثرته الزائدة ، فتأمّل.

وقوله : انّ المداخلة ممتنعة. ، إن أراد التداخل الحكمي فلا شك في امتناعه ، كما أنه لا شك في عدم الداعي إليه ، وإن أراد دخول البعض في خلل البعض بحيث يتحقق المماسة التي أشرنا إليها فلا شك في عدم امتناعه ، إلاّ أن يريد امتناع العلم ، وفيه ما مر ، وكذا في قوله : فالمعتبر.

قوله : اعتبار حسن. ( ١ : ٣٦ ).

نبه بذلك على فساد الأدلة السابقة ، ومع ذلك حسنه موقوف على ثبوت العموم ، كما سيذكر (١).

قوله : وذلك يقتضي. ( ١ : ٣٧ ).

فيه ما أشرنا في بحث التغير التقديري ، مضافا إلى أصالة بقاء النجاسة ، وأصالة عدم الطهارة ، فتأمّل.

قوله : بأصالة عدم الطهارة. ( ١ : ٣٧ ).

الظاهر أن مراده ـ ; ـ استصحاب النجاسة إلى أن يثبت المزيل ، والشارح غير قائل بحجية الاستصحاب ، لكن سيصرح في زوال التغير من قبل نفسه بأن مرجع هذا الاستصحاب إلى عموم الأدلة الدالة على النجاسة وعلى المنع من الاستعمال ، مثل قوله : « كل ماء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » (٢) ، إذ المستفاد منه أن غاية ما يجوز الحكم بطهارته حصول العلم بالنجاسة ، وأنّ الحكم بها مستصحب إلى ذلك الحين خاصة ، وبعده لا‌

__________________

(١) في « ه‍ » : سنذكره.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٢ ، ٥.


يجوز الحكم بها مطلقا ، بل الحكم بالنجاسة مطلقا ، ووجوب التنزه عنه بالمرة رأسا. ويؤيده ما ورد من الأمر بالتنزه عن الإنائين المشتبهين ، وبصب المياه النجسة (١) ، وغير ذلك.

على أن الظاهر أن الطهارة والنجاسة من الأمثلة التي تظهر من تتبع تضاعيف الأحكام الواردة في الأحاديث وأقوال الفقهاء في الموارد والمقامات الخاصة أنها مستصحبة إلى أن يثبت خلافها ، بل في المقام أيضا يظهر اتفاقهم على الاستمرار إلى أن يثبت خلافها ، حتى أنه لو لم يكن الاتصال مطهرا شرعيا عند القائل به لكان قائلا بالنجاسة البتة ، وكون النجاسة مستصحبة إلى حين الاتصال ، مع عدم كونه مطهرا شرعيا ، خلاف ما يظهر من الأدلة وكلامهم. على أنه سيظهر لك أن حجية الاستصحاب قريبة.

ويحتمل أن يكون المراد من الأصل القاعدة ، وهي أن الطهارة الشرعية تحتاج إلى دليل شرعي ، ولا عموم للأصل والعمومات حتى يشمل ما نحن فيه ، فتأمّل.

قوله : لكن في إثبات العموم نظر. ( ١ : ٣٧ ).

استدل عليه بالإطلاقات الواردة في ان الماء طهور ، ومضى الكلام في أن المراد منه المطهرية ، ومنع رجوع مثل هذا الإطلاق إلى العموم.

ويمكن أن يستدل عليه بما في بعض الأخبار من « ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا » (٢) ، لإفادة شمول مطهرية الماء لنفسه أيضا ، وأنه بمجرد الملاقاة والاتصال ، حيث لم يشترط فيه المزج ، إذ لو كان شرطا لذكره ، إذ المقام يحتاج إلى ذلك ، وليس الاستعمال حال الملاقاة بنادر التحقق حتى يقال بكفاية الندرة عن الحاجة إلى ذكر الشرط ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.


وهذا وإن ورد في الحمام والجاري إلاّ أنّه يمكن أن يتمم بعدم القول بالفصل ، وما ورد في بعض الأخبار من قوله 7 : « أليس هو بجار » (١). فتأمّل.

مضافا إلى عدم ظهور مآخذ القول بالمزج أصلا من الأخبار والأدلة ، إذ ما استدل له ظاهر الفساد ، ولم يدّع إجماع فيه ، ولا استند القائل به عليه. ومجرد الاتفاق هنا يكون إجماعا اصطلاحيا يحتاج إلى تأمّل.

وأيضا لم يعلم القدر المعين منه بحيث يكون هو مناطا للحكم. فتأمّل.

إلاّ أن يؤول كلامه إلى ما ذكرنا في الحاشية السابقة عند قوله : إنما هو لصيرورة. فتأمّل.

فإن قلت : ظاهر الخبر الاختصاص بالحمام والجاري ، حيث قال : « ماء الحمام كماء النهر ».

قلت : مفهوم اللقب ليس بحجة على المشهور ، لما ذكر في موضعه ، سيما بعد ما أشرنا هنا.

مضافا إلى أنّ منشأ التخصيص والتمثيل كونهما مقرونين مع المطهر ، وكونه من أنفسهما ، فلا يحتاج إلى كلفة ، بخلاف غيرهما ، لاحتياجه إلى كلفة ، مع مهانة الماء غالبا ، وارتكاب مثل هذه الكلفة في تحصيل هذا المهين مرجوح في نظر الشارع ، إذ لا عناية له بها فيه ، فتأمّل. والاحتياط مراعاة الامتزاج.

قوله : ويلوح. ( ١ : ٣٧ ).

مشكل ، لما في ماء الحمام عندهم من الخصوصية ، هذا مع ما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ / ٣ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨.


ستعرف.

قوله : أطبق علماؤنا. ( ١ : ٣٨ ).

يشعر العبارة بأنّ ابن أبي عقيل ربما يكون مخالفا للإجماع ، ويؤيّده أن الصدوق ـ ; ـ في خصاله قال : من دين الإمامية الإقرار بأن الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ، ولا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة (١) ويؤكده أيضا ما ستعرف.

قوله : والمعتمد. ( ١ : ٣٨ ).

ما دل على الانفعال نصا أو ظاهرا في غاية الكثرة ، بل ربما يظهر من ملاحظة مجموع ما ورد في مباحث المياه ، مثل مبحث الجاري ، والحمام ، والبئر ، وتعيين الكر والأشبار (٢) ، واشتباه الإنائين النجسين (٣) ، والغسالة ، ومباحث النجاسات ، وتطهير الأواني سيما مبحث الولوغ ، والثياب ، وإدخال مثل الجنب يده في الماء القليل ، ومبحث ماء المطر ، وبحث الوضوء ، وبحث الوضوء والغسل ، وقضاء الصلوات وإعادتها ، والأطعمة والأشربة ، ومتعلقات هذه المباحث ، ونصوصها وأدلتها ، وكذا غير ذلك من المواضع. والحاصل أن أدلته وأخباره متواترة معنى.

مضافا إلى أن كثيرا منها اشتهر بها الفتوى من القدماء والمتأخرين ، بل ربما لا يظهر له مخالف ، بل ربما صرحوا بالإجماع ، وربما فرعوا تفريعات اعتنى بشأنها القدماء والمتأخرون ، فتتبع وتأمّل.

وصرح جدي العلامة المجلسي ـ ; ـ بما أشرنا إليه من التواتر‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في الخصال ، ووجدناه في الأمالي : ٥١٤.

(٢) في « ه‍ » : والأسآر.

(٣) في « ه‍ » : النجس.


بالمعنى (١). وممّن صرح بذلك أيضا صاحب المعالم في معالم فروعه (٢). بل وربما صرحوا بأن حديث : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » من المتواترات.

وأمّا الدلالة على الانفعال فمن جهة الكثرة ، وتضاعيف الأنحاء ، وتعاضد بعضها ببعض ، مضافا إلى فتاوى الجل بل كاد أن يكون الكل ، صارت بحيث لا مساغ للحمل على الكراهة بأجمعها ، سيما وأن يكون كراهة بحيث لا مضايقة أصلا ورأسا من الاستعمال ، كما هو مقتضى جل أدلة الخصم وظاهر استدلاله وفتواه ، بل ربما يكون القول بالكراهة ، سيما المغلظة ، كما يرتكبه موافقوه الآن من الأقوال المستحدثة والخارجة عن مقتضى جل أدلة الطرفين ، بل كاد أن يكون الكل ، كما ستعرف ، فتأمّل.

مع أنّ كثيرا من الأخبار لا يكاد يقبل التوجيه ، مثل روايتي الإنائين (٣) ، ورواية الولوغ (٤) ، سيما بعد ملاحظة ما سيجي‌ء في مبحثه.

ورواية عمار في زيادات التهذيب عن الصادق 7 : الرجل يجد في الإناء فأرة ، وقد توضأ مرارا وغسل ثيابه واغتسل ، وهي متسلخة ، قال : إن رآها قبل الغسل والوضوء والغسل فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغتسل ، ويغسل كل ما أصابه الماء بعد الوضوء والصلاة. وإن كان رأى بعد ما فرغ فلا يمس من الماء شيئا ، وليس عليه شي‌ء ، لأنه لا يعلم متى سقطت ، لعلها سقطت تلك الساعة (٥).

__________________

(١) روضة المتقين ١ : ٥٤.

(٢) معالم الفقه : ٥.

(٣) الكافي ٣ : ١٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٨ / ٧١٢ ، ١ : ٢٤٩ / ٧١٣ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٨ ، الوسائل ١ : ١٥٥ ، ٦٩ أبواب الماء المطلق ب ٨ ، ١٢ ح ١٤ ، ١.

(٤) انظر المدارك ١ : ٣٩.

(٥) التهذيب ١ : ٤١٨ / ١٣٢٢ ، الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١ بتفاوت في العبارات.


وفي الموثق كالصحيح عن محمّد ، عن الصادق 7 : الكلب يشرب من الإناء ، قال : « اغسل الإناء » (١) ، وغير ذلك من الأخبار ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله. ( ١ : ٣٨ ).

لا يقال : لم تثبت الحقيقة الشرعية.

لأنا نقول : المتحقق في موضعه أن حال كلام الصادقين 8 ومن بعدهما حال المتشرعة. على أن الحمل على اللغوي لا يصح ، إذ لا يسأل عنه (٢) الجهّال فضلا عن الفقهاء ، وسيما عنهم :.

وأيضا ولوغ الكلب وأمثاله لا دخل له فيه ، وكون الماء قدر كر لا ربط له في عدمه ، وكذا كونه أقل لا دخل له في وجوده.

وكون المراد أمرا شرعيا وهو الكراهة ، يأباه أن الصارف عن اللغوي يعين المصطلح عليه ، وهو مسلم عند المنكرين ، وعليه المدار في الفقه ، ووجهه القطع بكثرة استعمال الشارع فيه إلى أن وقع النزاع في صيرورته حقيقة فيه عنده ، وقال به الأعاظم من الفحول ، وكونه حقيقة في قرب من الزمان وفاقا ، فليس من قبيل سائر المجازات سيما نادر الاستعمال ، وخصوصا إذا لم يظهر استعماله ولم يثبت.

مع أن القرائن ظاهرة من الأخبار على أن مراد السائل ما كان السؤال عن الكراهة. مع أنّ غير واحد من أخبارهم صريحة في النجاسة ، أو ظاهرة غاية الظهور ، كما أشرنا. مع أن المشهور المعروف عند المسلمين كان‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٩ ، الوسائل ١ : ٢٢٥ ، أبواب الأسآر ب ١ ح ٣.

(٢) في « ج » و، « د » : عن.


الإشكال والاختلاف في الانفعال وعدمه ، ولأجل هذا كان فقهاء أصحابهم : يسألونهم بأن الحق ما ذا ، ويريدون الحق عندهم : ، كما لا يخفى على المتفطن.

قوله : ما دون الكر. ( ١ : ٣٨ ).

بل نقلوا الإجماع على حجية هذا المفهوم بخصوصه (١).

قوله : وهو كناية. ( ١ : ٣٩ ).

ويؤيده ما ورد عنهم : من المنع عن صب فضلة الماء وعده إسرافا (٢) ، وقد ورد الأمر بالإهراق في ملاقاة النجاسة في كثير من الأخبار (٣).

قوله : قد تواتر. ( ١ : ٣٩ ).

يشبه أن يكون وقع لابن أبي عقيل اشتباه بين هذا المضمون وبين قولهم : « كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر » وأمثاله ، إذ لو كان هذا المضمون متواترا عنهم : في عصره فلم لم يروه أحد ممن عاصره والمقاربين لعصره بطريق واحد فضلا عن التواتر؟ وما أشاروا الى ذلك في مقام الاستناد والاستدلال ، سيما مع شدة جهدهم في ضبط رواياتهم ، حتى الشواذ ، وغير المعمول بها أو بظاهرها ، مع نهاية مهارتهم فيها ، بل بذلوا جهدهم في ضبط روايات العامة عن النبي 6 ، وعلي 7 وغيرهما ، مما يمكن أن يتأيد به.

ولذا روى بعضهم هذا المضمون من طريق العامة عنه صلّى الله عليه‌

__________________

(١) لم نعثر على ناقله.

(٢) الوسائل ٥ : ٥١ أبواب أحكام الملابس ب ٢٨.

(٣) الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨.


وآله (١) ، ولم يشر أحد من الخاصة إلى ورود مثله عن الصادق 7 ، أو غيره من الأئمة : في موضع من المواضع ، مع أنّهم ربما يذكرون الرواية بهذا المضمون من طريق العامة عن النبيّ 6 ، ويظهر من علم الرجال أنه ربما يقع أمثال هذا الاشتباه من الرواة.

ولعل ما ذكرنا هو المنشأ لمخالفة سائر الشيعة من الفرقة الناجية المعاصرين للأئمة : الكثيرين الخلطة لهم ، الراوين منهم ، الوكلاء عنهم ، وكذا قريبي العهد منهم المطلعين على رأيهم ، بل وطريقة عملهم وعمل أهلهم وخواصهم ، وابن أبي عقيل لم يصل إليهم ، ولم يستند إلا إلى أنّه قد تواتر عنهم ـ وفيه ما قد عرفت ـ وإلى ما روي عن الباقر 7 ، على تقدير أنه هو استند إليه ، لا أن العلامة ذكر له.

مع أنه يقرب في الظن أن هذه الرواية مختصرة مضمون رواية زرارة عنهم : ، المتضمنة للنجاسة مع تفسخ الميتة دون عدم التفسخ ، وعدمها إذا كان الماء أكثر من راوية ، مع ضعف السند ، مع أنّ الرواية هكذا : قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة ، قال : « إذا تفسخ فلا تشرب ولا تتوضأ ، وإن كان غير متفسخ فاشرب وتوضأ إذا أخرجتها طرية ، وكذلك الجرة ، وحب الماء ، والقربة ، وأشباه ذلك من أوعية الماء »(٢).

فظهر أن نفس هذه الرواية مضمونها ما ذكرناه ، فهي حجة على ابن ابي عقيل ، لا أنها حجة له ، سيما بملاحظة قوله 7 : وأشباه ذلك من أوعية الماء ، إذ قال هكذا ولم يقل : وكذلك كل ماء ، أو كل قدر من الماء ، أو كل وعاء منه.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ / ٥٢١.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٢ / ١٢٩٨ ، الاستبصار ١ : ٧ / ٧ ، الوسائل ١ : ١٣٩ ، أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٨. بتفاوت يسير.


فهي تضرّ ابن أبي عقيل من جهتين :

الأولى : الانفعال من المتفسخ دون غير المتفسخ ، ولم يقل به هو ولا غيره من الشيعة ، فلعله من مذاهب العامة ، فهذا مضعف آخر للرواية ، مانع عظيم للاستدلال ( ومقام التأويل غير مقام الاستدلال ) (١).

والثانية : مفهوم الرواية يدل على انفعال أقل من القربة وأشباه ذلك ، والدلالة ظاهرة ، بل المفهوم مفهوم الحصر ظاهرا ، وأما منطوقها فهو أيضا لا يدل على مذهبه ، بل على عدم انفعال قدر خاص. إلاّ أن يراد النقض (٢) ، أو التشبّث بعدم القول بالفصل ، وفيه : أنّه سيجي‌ء ما يظهر منه القائل به ، فالمناسب أن يؤتى بهذا الخبر في مبحث قدر الكر ويتكلم فيه لا أن يؤتى به دليلا لابن أبي عقيل.

مع أن المخالف ليس إلا هو ، فإن كان إجماع فهو مخالف ، وإلاّ فكيف يتأتّى له التشبث به؟! فهذا حال معاصريه والقريبي العهد لهم ، وأمّا فقهاؤنا المتقدمون والمتأخرون مع تبائن سلائقهم واختلاف مشربهم اتفقوا على الانفعال كل الاتفاق ، بل وربما نسبوا ابن أبي عقيل إلى مخالفة الإجماع ، منه ما أشرنا.

وموثقة عمار وسماعة الواردتان في أنّه إذا وقع في أحد الإنائين قذر ولا يدرى فيهراقان ويتيمّم (٣) ، إذ اتفق الأصحاب على العمل بمضمونها ، ونقل الاتفاق جمع ، منهم الفاضلان (٤) ، ونقل الخلاف من خصوص الشافعي (٥).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) في « أ » و « د » و « و » : النقص.

(٣) راجع ص ٦١.

(٤) المعتبر ١ : ١٠٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٤٨.

(٥) حكاه عنه في الخلاف ١ : ١٩٧ وهو في الأم ١ : ١٠.


وفي مسألة الولوغ ادعى الشيخ في الخلاف ، والعلامة في المنتهى ، والشهيد في الذكرى (١) ، الإجماع على الغسل ثلاثا ، أو لهن بالتراب ، والأصل فيه صحيحة أبي العباس (٢) ، وسيجي‌ء المسألتان مع المباحث والمتعلقات.

وفي بحث قدر الكر نقل الإجماع (٣) ، والأصل فيه مرسلة ابن أبي عمير (٤). وفي انفعال غسالة الحمام نقل الإجماع (٥). وفي حجية مفهوم الشرط في قولهم : إذا كان الماء قدر كر نقل الاتفاق.

وبالجملة : تتبع كثير من المسائل يشهد بعدم اعتنائهم أصلا بفتواه ، فتأمّل جيدا.

قوله : والجواب. ( ١ : ٣٩ ).

يمكن الاستدلال بأخبار أخر ، إلاّ أن الكل مشترك في عدم المقاومة ، إما من حيث السند أو الدلالة أو كليهما ، مع ندرة القائل والمخالفة لما اشتهر بين الأصحاب غاية الشهرة ، لو لم نقل بالإجماع ومظنة اشتباهه.

وأنه لم يستند إلى هذه الأخبار ، ومستنده ، لم يرو في أصول الشيعة ، ومظنة أن مستنده هي لا غير ، والمعارضة مع ما هو أكثر بمراتب شتى ـ لو لم نقل بالتواتر ـ وأقوى دلالة ، مع صحة السند ، لو لم نقل بالقطع ، كما مر ، والموافقة لمذهب العامة المشهور في زمان الصدور ، سيما في الحجاز.

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧٥ ، المنتهى ١ : ١٨٧ ، الذكرى : ١٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ٣ : ٥١٦ أبواب النجاسات ب ٧٠ ح ١.

(٣) كما في المعتبر ١ : ٤٧ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١.

(٤) انظر المدارك ١ : ٤٧ ).

(٥) السرائر ١ : ٩١.


مع أن معارضها متضمن للأحكام الشائعة عند الشيعة المعمولة بينهم ، أو المختصة بهم ، مثل حد الكر وغيره.

مع أن عمدة أسباب الاختلاف التقية.

وربما يؤيدها (١) اختلاف تحديد الكر ، ويضعف التأييد أن الاختلاف في الجملة لا يخلو عنه الأحكام الفقهية ، ولم يجعل الاختلاف مرجح عدم اللزوم أول مرة بالبديهة ، بل المدار على الترجيح ، ومع اليأس عنه على الأصول ، وإلاّ لم يوجد حكم فقهي ، والرجحان ستعرفه. ومع الإغماض فخصوص الزائد محمول على الاستحباب ، كما هو أحد الأقوال.

نعم لو كان الاختلاف من قبيل اختلاف النزح فالظاهر أنه مرجح ، ولو سلم فقد عرفت ما بإزائه من المرجحات.

فإن قلت : صحيحة زرارة عن الصادق 7 ، عن الحبل يكون من شعر الخنزير ، يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس » (٢) ، خالية عن الوهن سندا ودلالة.

قلت : ليس كذلك ، لأن نجاسة شعر الخنزير محل كلام ، مع احتمال كون المشار إليه ماء البئر بقرينة « يستقى » المفيدة للاستمرار ، مع التعرض لذكر قوله : « من البئر » وتقييد يستقى به ، المشعر بمدخليته في السؤال.

وموثقة ابنه الحسين عنه ، عن الصادق 7 : شعر الخنزير يعمل حبلا ويستقى به من البئر التي يشرب منها ويتوضأ؟ ، قال : « لا بأس » (٣).

__________________

(١) في « ج » و « د » : يؤيّده.

(٢) الكافي ٣ : ٦ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.


واحتمال عدم وصول الشعر إلى الماء وإن كان بعيدا ينفع لعدم العلم بالنجاسة ، وهو المعتبر في موضوع الحكم ، سيما في الماء عند معظم المحققين ، كما هو مقتضى الدليل بالنظر إلى موضوع الحكم. وأمّا نفس الحكم فيكفي ظن المجتهد ، كما هو المحقّق والمسلّم ، مع أنّه لا محيص عنهما.

مع أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يحصل اليقين بأنه نجسها شي‌ء ـ وسيما الماء ـ بالأخبار الدالة وحكم الاستصحاب.

وسيجي‌ء التحقيق في الفرق بين نفس الحكم وموضوعه في ما ذكر ، فلاحظ.

فإن قلت : في الحسن : الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق يريد أن يغتسل ويداه قذرتان؟ ، قال : « يضع يده ويتوضأ ويغتسل » (١) ، الحديث.

قلت : غير معلوم أن القليل أقل من الكر ، ولا أن القذر هو النجس ، لعدم كونهما حقيقتين فيهما ، لا عند الشارع ولا المتشرعة ، ولا قرينة ظاهرة.

مع أنّ قوله : « يتوضأ » يشهد على البناء على التقية ، لظهوره في المعنى الاصطلاحي ، لثبوت الحقيقة الشرعية في كلام الصادقين 8 ، كما مر ، مضافا إلى ظهوره من تتبع أحاديثهم ، مع مقارنته مع قوله : يغتسل ، فربما يكون الحديث من الشواهد على احتمال التقية في ما دل على الطهارة ، كما مر.

ولعل قوله : ليس عليكم ، مؤيد له ، بأن يكون إشارة إلى النجاسة ، وأنّها من جهة التقية توجب الحرج ، وذلك لأن جواز استعمال النجس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٨ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٥ ، بتفاوت في العبارة.


اضطرارا خلاف الإجماع ، بل والضرورة ، والطاهر لا حرج فيه أصلا ، وإن كان مكروها ، سيما حال الاضطرار ، فالسؤال ليس عن الكراهة وعلاجها حال الاضطرار ، مضافا إلى بعده في نفسه.

على أنّه لو كان السؤال عن علاج الكراهة لتعين كون المراد من القذر معناه الحقيقي مع أنّه لا صارف عنه ، فلا دلالة له بوجه من الوجوه. فتأمّل.

قوله : وإمكان تأويلها. ( ١ : ٤٠ ).

وإن كان بعيدا ، بناء على أن الجمع أولى من الطرح ، حتى مثل الحمل على التقية ( بأن كان هناك قرينة يظهر منها ، وبذهابها صار بعيدا ، كما هو الحال في جميع الأخبار المؤولة ، مثل تخصيص العموم ، والحمل على الاستحباب ، وغيرهما. والأقرب الحمل على التقية ) (١) لما مر.

لا يقال : كما يمكن تأويله يمكن تأويل مستند المشهور.

لأنا نقول : هذا موقوف على تكافؤ الدليلين ، وقد عرفت حاله ، لأن القاعدة المقررة المسلمة المنصوص عليها التي مدار الفقه عليها ، ولولاها لم يحصل الفقه ، أن المتعارضين إن كان أحدهما راجحا يتعين كونه هو الحجة دون المرجوح ، فلا يمكن تخريب الحجة وتأويلها بسبب المرجوح الذي ليس بحجة ، بل العكس متعين.

وأما الجمع مهما أمكن ، فلا دليل عليه أصلا ورأسا ، بل خلاف المستفاد من النص ، فضلا عن أن يقدم على تلك القاعدة المسلمة الثابتة من الأدلة العقلية والنقلية ، وأولوية الجمع بتأويل المرجوح إنّما هي لإرجاع ما ليس بحجة إلى الحجة ، وصونه عن مخالفة الحجة الموجبة للبطلان والطرح.

فإن قلت : أصل البراءة ، وأصل الطهارة ، والعمومات ترجح الخبرين.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « أ » و « ج » و « د » و « ه‍ ».


قلت : لا ترجح إلاّ أحد المتكافئين ، إذ مفاد الأصل أنه لو لم يقتض مقتض يكون كذا ، والراجح مقتض ، كما أشرنا ، والعام يخصص بالراجح ، لأنه قرينة ، سيما بملاحظة شيوع التخصيص ، وعلى ما ذكر يكون المدار في الفقه. على أنّها لو كانت مرجحات مطلقا لم يحصل التكافؤ أيضا ، كما عرفت.

على أن رواية الولوغ لا يمكن تأويلها ، بل وربما كان غيرها أيضا كذلك ، سيما بعد ملاحظة الإجماعات المنقولة ، والتفريعات ، والتعاضد ، وكون التواتر بالمعنى ، وغير ذلك مما مرّ.

مع أنّه لو فرض إمكان الحمل فلا أقل من الوجوب تعبدا ، أو الكراهة المشددة غاية الشدة ، وشي‌ء منها لم يفت به ابن أبي عقيل ، بل لم يفت بكراهته أصلا ، فلو لم يعتبر وجود فتوى من القدماء ولم يضر المخالفة عندك لفتواهم فما الداعي لمثل هذا التوجيه الركيك؟! ولم لا تقول بالانفعال في هذه الموارد الخاصة ، إذ لا معارض لها بالخصوص ، وأمّا العمومات فالخاص مقدم.

مضافا إلى أنّه كما يظهر منها عدم الانفعال كذا يظهر عدم الكراهة ، فضلا عن تلك الكراهة والوجوب التعبدي ، فتأمّل.

ولا عبرة بعموم المفهوم عندك ، سيّما وأن يعارض المنطوق كما اعترفت. ولا ملازمة بين القول بالانفعال في الموارد والقول بعموم المفهوم.

مع أنه على تقدير التسليم وتسليم رجحانه على المنطوق العام أيضا فالخاص مقدم ، فيلزمه القول بعدم الانفعال في هذا الخاص ، فإن تمسك بنفي القول الثالث فكذلك نتمسك بنفي القول بالكراهة ، سيما أن تكون مغلظة ، فتأمّل.

على أن حمل قوله 7 : « وإن لم يغلب فتوضأ واشرب » على الجواز بكراهة شديدة بعيد أيضا ، فيلزم تخريب جميع الأحاديث من‌


الطرفين ، وتخريب أحدهما أولى ، بل يلزم تخريب الصحاح وغيرها ، الصراح والقريبة إلى الصراحة ، وظاهرة الدلالة ، المعمول بها عند الفقهاء ، المتعاضدة بما أشرنا في الحواشي السابقة ، بخلاف ظاهر خبر ضعيف مستجمع لأسباب الضعف الكثيرة ، مما أشرنا إليها أيضا ، مضافا إلى عدم وجدان قائل به ، بل وربما يظهر العدم ، وفيه ما فيه.

قوله : لكن لا يخفى. ( ١ : ٤٠ ).

ربما يوهم ظاهر كلامه في هذا المبحث ورود اعتراض عليه ، بأنّك لو قلت بعموم المفهوم فلا وجه لما ذكرت هاهنا ، وإلا فلا وجه لاختيارك مذهب المشهور بخصوص حديثين في موردين مخصوصين ، أو ثلاثة في ثلاثة ، وجعل رواية الباقر 7 من المعارض ، ثم الطعن في السند وارتكاب التعسف بإرجاعها إلى المشهور.

وجوابه أنّه ـ ; ـ اختار خلاف ابن أبي عقيل ، أي القدر المشترك بين المشهور ورأي الشيخ والسيد ، واكتفاؤه بالحديثين مبني على اعتماده على عدم القول بالفصل ، أي الخارج عن الأقوال المذكورة ، أو على الإجماع البسيط على حسب ما أشرنا ، وإلاّ فالقول بعدم الانفعال في خصوص الفأرة مما لا يجوز أن ينسب إلى مثله ، لمخالفته الإجماع ، بل وضروري الدين.

فالمنفي في قوله ولا على انفعاله. العموم الذي يشمل محل نزاع المشهور مع الشيخ ، لا مطلقا ، يظهر ذلك من تضاعيف أقواله في هذا المبحث. وقوله : وهو متجه ، يشير إلى ما ذكرنا ، (١) وإلى تأمله في رأي الشيخ أيضا.

قوله : وقد استثنى الأصحاب. ( ١ : ٤٠ ).

نبه بذلك على أن الأصحاب قائلون بالانفعال كلية إلاّ ما استثنوه ،

__________________

(١) في « ب » و « و » زيادة : بل.


ولعل مستندهم الإجماع البسيط الذي أشرنا أو المركب.

وينبّه على ذلك حالنا وحال الفقهاء في كل عصر ومصر ، بأنّا بملاحظة حديث في موضع خاص ، مثل حديث الولوغ ، يسبق إلى أذهاننا انفعال القليل مطلقا من كل نجاسة ، من دون مدخلية خصوص ولوغ الكلب مثلا ، سبقا لا تأمّل فيه ولا تزلزل ، ولو أطلعنا على مثل ما روي عن الباقر 7 مثلا يسبق إلى أذهاننا عدم الانفعال كذلك ، من دون مدخلية موت الفأرة والجرة.

ثم من جهة السبقين يسبق إلى ذهننا التعارض بينهما ، بحيث نضطر إلى بذل الجهد التام في استحصال المرجحات وحجية تلك المرجحات ، ونضطرب في ذلك ، ثم في الجمع ولو بتعسفات شديدة ، أو الطرح بعد اليأس بالمرة ، ولا يختلج بخاطرنا احتمال اختصاص كل بمورده ، حتى في مقام تعسفات الجمع واضطراب القدح والطرح. مع أنّه لا تعارض أصلا ورأسا لو لا ما يرسخ في الخاطر من الإجماع.

ولذا لا يوجد تفاوت أصلا في ما ذكرنا بين القائل بحجية المفهوم ومنكرها والقائل بعمومه ومنكره ، بل ربما لا يخطر بالبال أصلا في المقامات المذكورة حديث المفهوم فضلا عن العموم والإشكال ورفعه بتحصيل رجحان ما. مع أن عموم المفهوم لا يقاوم خصوص المنطوق إجماعا ، فضلا عن أن يترجح عليه وفاقا ، وخصوصا أن يحصل الاطمئنان التام (١) الذي أشرنا.

ومما يؤيد قول الأصحاب تتبع تضاعيف الأحاديث الواردة في المقامات الخاصة التي لا تحصى ، إذ بملاحظة جميعها ربما يحصل العلم العادي بعدم مدخلية خصوصية مادة ، مثلا رأينا الشارع قال في موضع : إذا شهد عدلان فاعتبروا ، وفي موضع آخر قال كذلك ، وهكذا إلى أن قال في‌

__________________

(١) في « أ » و « و » زيادة : واليقين.


مواضع لا تحصى ، ربما يحكم بأن الشهادة حجة شرعية كلية حتى يثبت خلافه ، ولعله لهذا حكم الفقهاء بالكلية ، فتأمّل.

ويقوّي ما أشرنا عمومات المفاهيم وأقوال الاعلام ، حتى أن الشيخ والسيد استدلا لعدم الانفعال بخصوص دليل تشبثوا به ، بحيث يظهر أنه لولا ذلك لكانا قائلين بالانفعال مطلقا ، وكذا الحال في استثناء ماء الحمام وغيره ، فلاحظ وتأمّل (١).

ولنختم المبحث بذكر كلمات عن بعض من قال بعدم الانفعال ـ وإن ظهر مما سبق فسادها ـ مزيدا في التوضيح.

الأولى : لو انفعل شي‌ء من القليل لاستحال إزالة الخبث مطلقا ، والتالي باطل بالضرورة من الدين. بيان الملازمة : أن كل جزء من أجزائه الواردة على المحل النجس إذا لاقاه نجس ، وما لم يلاقه لم يطهر ، والفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه تحكم. إلى آخر ما قال (٢).

ولا يخفى ما فيه ، إذ لا يلزم من انفعال شي‌ء منه العموم حتى يلزم استحالة الإزالة.

مضافا إلى أنّه لو كان مراده أن العام مما لا يمكن تخصيصه ففساده في غاية الوضوح ، بل بلغ التخصيص إلى حد الشهرة ، وتلقي بالقبول أنه ما من عام إلا وقد خص ، والحال في المسائل الفقهية لعله أزيد مما ذكر ، كما لا يخفى ، مع أنه من أول الفقه إلى آخره بناؤه على تخصيص العمومات.

وإن أراد أن المخصص غير موجود ، ففيه أن ما ذكروه من الضرورة‌

__________________

(١) في « ألف » و « ب » و « و » زيادة : تذنيب : وممّا يرد على القائل بعدم الانفعال : أنّه إن وقع كلب أو خنزير في الماء وخرج يجوز أن يعصر شعره لإخراج الماء الذي رسب فيه ، أو بطنه لإخراج ما دخل في بطنه من حلقه ، وإن لم يكف ذلك للوضوء والشرب يبول فيه مقدار ما لا يخرج الماء عن كونه ماء ـ كما إذا دخل فيه ماء الورد وما ماثله ، وسيجي‌ء أنّه يجب ذلك عند تعذر الماء ـ ثم يتوضّأ أو يشرب وإن كان الماء موجودا وافرا ، وفيه ما فيه.

(٢) انظر مفاتيح الشرائع ١ : ٨٢.


يكفي ، سيما والأخبار كثيرة في الغسل والتطهير معمول بها بين المسلمين ، بل من المتواترات المقبولة. مضافا إلى عدم تكليف ما لا يطاق وعدم الحرج لاشتراط الإزالة في الواجبات والأكل والشرب وغيرهما ، ولا يحصل بغير الماء بالضرورة.

وإن أراد انه لو انفعل لكان العلة تنجيس النجاسة وقبول الماء لها من دون مدخلية عدم إزالة الخبث البتة ، ولا يجوز تخلف المعلول عن علته ، ففساده أيضا كما تقدم ، لأنه قياس حرام عند الشيعة ، بل وفاسد عند العامة أيضا ، لما ظهر من الفارق.

( مع أنّه لو تم لزم انسداد باب تخصيص العموم ، بجريانه في كل عام وخاص متنافي الظاهر ) (١). مضافا إلى أن العلل الشرعية يجوز فيها التخلف بالبديهة ، سيما المستنبطة في القياس ، ولذا لا تعارض ما هو أقوى منه عند القائل به ، فكيف تعارض الظاهر (٢) وغيرها مما ذكر.

وإن أراد الاستنباط من تتبع التضاعيف على حسب ما أشرنا ، ففيه : أنه بعد التمامية لا محيص من القول بالانفعال ، وإلا فلا اعتراض.

إلاّ أن يقال : لو حمل على ظاهرها يلزم ذلك ، وفيه : أن القدر الثابت ـ على القول به ـ الانفعال بخصوص ورود النجاسة عليه ، وفي غير الإزالة لعدم استفادة أزيد من ذلك من مجموع التضاعيف ، فدعوى حصول القطع بما يشملها (٣) أيضا فاسد قطعا ، بل بملاحظة ما أشرنا من أدلة حصول الإزالة يحصل القطع بعدم الشمول.

ثم قوله : إن لاقاه نجس ، ممنوع ، بل مصادرة ، لعدم العموم في المفهوم عنده وعند غيره ممن شاركه من المحققين ، وخصوصيات الموارد لا‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ه‍ ».

(٢) في « ا » : الضرورة.

(٣) في « أ » و « و » : يشملهما.


شمول لها قطعا ، وضميمة عدم القول بالفصل فاسد ، أما في ورود الماء على النجاسة فلقول السيد وغيره أيضا ، وأما في الإزالة فلقول جمع ، وهم بين قائل بالانفعال بعد الانفصال ، وقائل بعدمه مطلقا ، ومستند القولين عدم العموم. واختص الأولون بالاحتجاج بما ورد من الأمر بغسل المنفصل.

على أنه لا مانع من القول بالانفعال بالوصول وحصول الإزالة ، كما قال آخرون ، تمسكا في الانفعال بعموم المفهوم وغير ذلك مما مر ، وحصول الإزالة بما مر آنفا ، وكون مباحث النجاسة والإزالة من أولهما إلى آخرهما تعبدية محضة كما لا يخفى ، ولذا صرح بنظيره ، كما في مطهرية أحجار الاستنجاء والأرض وغيرهما.

وأيضا عنده أنّ المتنجّس لا ينجّس ، (١) فلعل الطهارة تحصل بالغسلة الثانية ، فيكون الغسالة كالمحل بعدها ، كما هو أحد الأقوال ، ذهب إليه الشيخ ـ ; ـ في الخلاف (٢) ، محتجا على نجاسة الغسالة الأولى بأنه ماء قليل لاقى نجاسة فوجب الحكم بنجاسته ، وعلى طهارة الثانية بالأصل ، وانتفاء الدليل على النجاسة ، وسيجي‌ء تمام الكلام فيه في مقامه إن شاء الله. فتدبر.

على أنه لو تم ما ذكره لزم القول بعدم انفعال الجسم الرطب بالماء ، لأن رطوبته ماء فلا ينفعل ، والجسم في نفسه لا ينفعل ، فتأمّل.

ويلزمه أيضا إن كان عنده ماء لا يفي بطهارته من الحدث أو الخبث أو شربه أن يبول فيه على سبيل الوجوب بمقدار لا يخرج الماء عن الإطلاق ويصدق عليه أنه ماء عرفا ، على قياس ما قاله الأصحاب في إدخال الماء المضاف في الماء لأجل الوفاء للطهارة ، كما سيجي‌ء ، بل وإن كان ذلك الماء خرج عن حلق الكلب أو الخنزير أو عن شعرهما بالعصر ، وغسل اليدين‌

__________________

(١) انظر المفاتيح ١ : ٧٥.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٩.


من العصر من ذلك. بل يلزمه جواز أن يفعل جميع ما ذكرناه على تقدير وجدان الماء الكثير غاية الكثرة ، وفيه ما فيه.

الثانية : قال : الأكثر على نجاسة ما دون الكر ، لمفهومي الصحيحين ، وظاهر الآخرين ـ إلى أن قال : ـ لا يعارض المفهوم المنطوق ، ولا الظاهر النص (١). انتهى.

ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما سبق ، حيث حصر الأدلة في الأربعة مع أنها لا تحصى ، إلا أن نظره لما كان مقتصرا على المدارك ولم يذكر فيه في المقام غيرها قال ما قال ، وهذا عيب عظيم في المجتهد.

وأعظم من هذا أنه في كتابه الحديثي جمع في حكمه بعدم الانفعال جميع ما يمكن أن يستدل له وما يتراءى منه ذلك ، وما لا دخل له فيه ، مثل طهارة ماء الاستنجاء ، وغسالة الغسل وغير ذلك ، وفي باب القدر الذي لا يتغير بما يعتاد وروده من النجاسات أتى بقليل مما دل على الانفعال بدلالة ضعيفة ، أو محل خدشة (٢) ، وأما باقي الأدلة الظاهرة والنصوص فقد شتته تشتيتا لا يعثر عليه طالب أدلة هذه المسألة ، فيظن الجاهل ندرة أدلة الانفعال مع ضعف الدلالة.

وقوله : ولا الظاهر النص ، أراد من أحد الظاهرين صحيحة الفضل في الولوغ ، وقد عرفت أنه لا يمكن تأويله ، فكيف عده ظاهرا وغير مقاوم للنص ، وأراد من النص العمومات ورواية الحسن السابقة ، فقد عرفت حالها.

انظر إليه كيف جعل النص ظاهرا ، مع أن كونه نصا في غاية الظهور ، بل لا يمكن تأويله كما عرفت سابقا ، وجعل الظاهر ـ على تقدير كونه ظاهرا ـ نصا. والعمومات لا شبهة في كونها من الظواهر ، ورواية الحسن أيضا كذلك ، لو سلم الظهور فيها.

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٨٣.

(٢) الوافي ٦ : ١٥ و ٣١.


الثالثة : منع عموم المفهوم ، ثم حمله على الانفعال في صورة التغير خاصة (١). ولا يخفى ما فيه ، لأن المراد من « شي‌ء » في المنطوق الملاقاة لا التغير أيضا ( للقطع بنجاسته به مطلقا ، والشرط وقع بالنسبة إلى المراد لا غير المراد أيضا ) (٢) ، فكيف يدخل في المفهوم ما ليس داخلا في المنطوق؟! سيما مع عدم إفادة المفهوم العموم عنده. وأعجب من ذلك أن يكون المراد خصوص ما لم يكن داخلا ليس إلاّ ، وفائدة الشرط منحصرة فيه ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

الرابعة : قال : فيكون ـ أي الكر ـ تحديدا للقدر الذي لا يتغير بالنجاسة غالبا (٣).

وفيه : أن النجاسات التي سئل عن حالها في الملاقاة وصدر الكر في الجواب ثلاثة أقسام :

منها ما لا دخل له في التغير غالبا ، بل ومطلقا ، مثل الولوغ ، واليد المساورة ، وغيرهما.

ومنها ما له دخل في مقام الاستعمال ، إلاّ أن العادة تقضي بعدم الانضباط قطعا ، لبداهة التفاوت في الاستعمال غالبا ، بل وكليا ، في عدد الاستعمال ، والحاجة إليه ، ومقدار عين النجاسة ، وصفاتها المؤثرة ، وخلوص العين من غيرها مما له دخل في التغير ، مثل الوسخ وغيره ، ومشوبيتها به ، وتخلل الاستعمالات ( الطاهرة ) (٤) التي لها دخل عظيم في التأثر والتفاوت فيه وفي الكيفية والكمية على قياس ما ذكر.

وكذا الحال بالنسبة إلى القابل ، مضافا إلى الأمور الخارجة ، مثل‌

__________________

(١) انظر مفاتيح الشرائع ١ : ٨٣.

(٢) ما بين القوسين غير موجود في « ه‍ ».

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٨٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في « و » : الظاهرة.


تفاوت الهواء حارا وباردا ورطبا ويابسا ، إلى غير ذلك ، ومنه توالي الاستعمالات وتراخيها ، وطول المكث وقصره.

ومنها ما يرد ويقع في الماء ، مثل الجيفة والدم وغيرهما ، وحاله حال السابق أيضا.

على أن ما التزمه من أن عدم الانفعال بالملاقاة كان في عصر صدور الروايات من جملة المعلومات عند كل أحد إلى حد لم يحتج إلى سؤال وجواب قطعا ينادي بفساده مشاهدة الأخبار وحال المسلمين في الأعصار والأمصار ، سيما الشيعة حيث اتفقوا على ما اتفقوا في قرب عهد من الأئمة والرواة وبعده ، لو لم نقل في زمانهم : أيضا ، بل لا شبهة في كون زمانهم : كذلك ، فتدبر.

وكذا التزامه بأن الرواة كان سؤالهم عن خصوص التغير ، من حيث إنهم كانوا يعلمون أنه هو المنجس لا غير ، والسؤال كان عن أنه هل وقع التغير أم لا ، يشهد بفساده أيضا الاعتبار ، وما يظهر من الأخبار ، إذ التغير أمر محسوس يدركه كل من له حس ، والمعتبر منه الحسي ، كما يدل عليه الأخبار ، وعليه المعظم. فكيف كان الرواة يركبون الجمال ويسافرون البعيد ويسألون خصوص الإمام 7 أن الماء الذي كان في وقت في بيتنا ووقع استعمال النجس هل تغير أم لا؟! مع أنهم كانوا أصحاب الحواس والعقول.

وكذا جميع أهل الكوفة ، وسيما ما هو من قبيل صحيحة علي بن جعفر ، فلاحظ. وخصوصا على ما قاله من أنّهم حينما كانوا يستفهمون هل وقع التغير أم لا؟ يجابون بأنه إذا كان قدر كر لم ينجسه شي‌ء ، وأنهم من هذا الجواب ما كانوا يفهمون إلا وقوع التغير إن لم يكن كرا ، وعدمه إن كان.

على أن التغير أمر محسوس فكيف تستقيم الحوالة فيه إلى أمر مجهول موهم لخلاف المقصود ومقتض للاغراء بالجهل.

مع أن المعتبر لو كان التغير الحاصل من عين النجس خاصة ـ كما‌


عليه المعظم وهو مقتضى الأدلة ـ فمحال تحققه بالاستعمالات الغالبة بالنسبة إلى ما ينقص عن الكر بشي‌ء يسير ، سيما وأن يكون إذا لم ينقص هذا اليسير لا يتغير عادة أصلا ، فتدبر.

مع أن المتنجس عنده لا ينجس.

على أن الماء طاهر كله حتى تعلم النجاسة ، فمع الشك يكون طاهرا شرعا ، فكيف يكون السؤال والجواب والسائلون فقهاء ، والأئمة صلوات الله عليهم في أخبار كثيرة صرحوا بأن مع الشك يكون طاهرا ، بل وحذروا بقولهم : « إياك أن تنقض اليقين بالشك أبدا » (١) ، وأمثاله.

على أن أدلة طهارة الماء وطهارة الأشياء واستصحابها إلى أن يحصل العلم في غاية الوفور مع الظهور ، فكيف يكون حالهما أخفى عندهم من عدم الانفعال بالملاقاة.

على أن السؤال على ما ذكرت يكون عن موضوع الحكم ، وقد عرفت أن المعتبر فيه هاهنا العلم اليقيني ، بل بعض العلماء لم يكتف فيه بالعلم العادي بل اعتبر العقلي ، ومعلوم أن ما يحصل مما يعتاد وروده ـ على تقدير التسليم ـ ليس أزيد من المظنة. مع أن وقوع ذلك الاشتباه على تقدير التسليم في غاية الندرة ، فكيف يحمل مثل هذه الأخبار الكثيرة عليه؟! سيما وأن يكون السائلون الفحول من الرواة ، ويكون سؤالهم عنهم : ، فإن السؤال عن الموضوع بأنه هل تحقق التغير أم لا؟ لا يتأتى من جاهل ، فكيف من مثل هؤلاء الفحول ، وسيما أن يكون يسألون عن المعصوم 7 ، إذ ليس معرفة الموضوع شأن المجتهد والفقيه ، فكيف يسأل عن المعصوم 7؟!

مع أنا قد أشرنا إلى أن القطع حاصل بأن السؤال كان عن الطهارة والنجاسة. ولإن تنزلنا فلا شبهة في أن السؤال كان عن الحكم الشرعي‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.


بالبديهة ، وخصوصا أن بناء توجيهك على أن الاخبار محمولة على الغالب المتعارف ، مع أنك عرفت ما فيه.

الخامسة : قال : إن اشتراط الكر مثار الوسواس (١).

وفيه : أنّ مثاره الحكم بالنجاسة بمجرد المظنة أو الاحتمال أو الوهم ، وقد عرفت أن الحكم بالنجاسة منحصر في العلم واليقين ، بل وتأمل بعض في الاكتفاء باليقين العادي ، وعلى أيّ تقدير اليقين اعتباره مسلم ثابت من الأدلة ، فلا محيص عنه ، للزوم الحرج أيضا ، كما لا يخفى على الملاحظ في أمر غير الماء أيضا.

مع أنا لم نجد فرقا بين الماء وغيره من الثياب ، والبدن ، والأواني ، وغيرها في حكاية الوسواس وحال الوسواسين ، بل ربما يوجد حالهم بالنسبة إلى غير الماء أشد ، فالمناسب على ما ذكرت عدم انفعال كل شي‌ء لا خصوص الماء ، لأنه لا ينفع ، بل نفس التكليف مثاره على ما توهمت ، فالمناسب أن لا يكون تكليف بناء عليه.

على أن الانفعال الذي اخترت أيضا مثاره قطعا ، حيث جعلت نسبة مقدار من النجاسة إلى مقدار من الماء في التغير والتأثير ، ونسبة ضعفه إلى ضعفه كذلك ، وعلى هذا القياس ، وجعلت الحكم بعدم الانفعال في صورة الشك مخصوصا بما إذا بلغ كرا ، مع أنك جعلت حد الكر غير منضبط.

مضافا إلى أن غالب ما كان الرواة وغيرهم يحتاجون إلى معرفة حكمه هو صورة الأقل من الكر ، مع أنه معترف بأنه غالب ما كان في زمان الرواة الماء القليل ، فلعل سؤالهم في الحقيقة يكون عن حال القليل.

فإن كان الجواب يكون بالنسبة إلى الكر فقط ففيه ما فيه ، وإن كان‌

__________________

(١) الوافي ٦ : ١٩.


بالنسبة إلى القليل أيضا ، بأنه إذا نقص عن الكر ولو يسيرا يكون الحكم فيه عند الشك الانفعال التغيري مطلقا على خلاف حكم الكر ، فكيف تقضي العادة بالحكمين عند الشك في التغير وتقضي عند عدم الشك بالمقايسة بين قدري الماء والنجاسة ، ويكون اختلاف الكر أيضا مبنيا على ذلك على ما ذكره ، ولا يخفى ما فيه من التدافع والدور والحزازات. مع أنه كيف يفهم هذه الأمور من المنطوقات والمفهومات؟!

وبالجملة : حكم أولا بانضباط قدر الكر ، بدعوى انضباط ما يرد عليه عادة ، فأوردنا عليه ما أوردنا ، وحكم آخرا بعدم الانضباط بسبب عدم انضباط مقدار النجاسة والماء ، فمع ما فيه من التدافع يلزم أن يكون أيّ قدر من الماء لم يتغير من النجاسة يكون كرا ، وأي قدر تغير يكون أقل من الكر.

فمع فساده في نفسه كيف يجعله الشارع مزيلا لحيرة الراوي بأن قال : إذا كان قدر كر لم ينجسه شي‌ء ، وإذا لم يكن قدر كر فكذا مع أنه ليس قدرا معروفا ، مع أن الراوي لما سمع قنع وسكت ، فظهر أن قدره كان مضبوطا معروفا عندهم.

وظهر مما ذكر حال استشهاده باختلاف الأخبار في حد الكر على كون ما دل على الانفعال مبنيا على الكراهة حيث ارتكبه تارة أخرى ، وكذا حال جعله نظير اختلاف النزح. فتأمّل جدا.

قوله : فإنّه يكفي. ( ١ : ٤٠ ).

لعله مجرد دعوى. إلاّ أن يقول بالتطهير بمجرد الملاقاة ، منضما إلى ما اختاره سابقا في ماء الحمام من الاكتفاء بكون المجموع من المائين كرا مع الاتصال مطلقا ، وقد ظهر منه بالنسبة إلى الأول تردد وتوقف ، وأمّا الثاني فقد أشرنا إلى وجه استشكال الأصحاب فيه.

وربّما يظهر منه أن حكم العلامة ـ ; ـ بالاكتفاء في تطهير الغدير باتصاله بالكر يكون في صورة تساوي السطح والانحدار أيضا لا إلقاء‌


الكر والأنصاب من فوق ، ومن ثم استشكل في جريان حكم الحمام في غيره ، ولعل نظر الشيخ علي أيضا إلى ذلك ، لا إلى اعتبار الزيادة عن الكر ، بل ليس نظره إليه قطعا ، إذ يريد الدفعة لا الزيادة.

وبالجملة : الأول عنده محل تأمّل وعند بعض الأصحاب ، والثاني وإن لم يتأمّل فيه لكن لا يكفي في الاعتراض عليهم ، وتصريحهم وإن لم يكن حجة بنفسه لكن لا محيص عن اعتباره بناء على ما اعترف من كون العموم محل نظر ، لأن الوفاق إنما تحقق فيه ، والماء محكوم بنجاسته شرعا ، ولا بد في طهارته من دليل شرعي ، فتأمّل جدا.

فإن قلت : لعل البالغ كرا يكفي للقول بالمزج وإن لم يعتبر فيه الدفعة ، بناء على ما ذكره من أن انفعال الطاهر ليس أولى من طهارة النجس ، فإنه جار في صورة المزج أيضا.

قلت : يكفي إذا كان الممزوج متصلا بما بقي ، لا مطلقا ، ومن أين يعلم اتصاله به ، ومع ذلك يكفي عند الشارح ـ ; ـ لا غير ، لأن الاكتفاء بالمزج من غير اعتبار الدفعة في خصوص المقام أول الكلام ، وسيجي‌ء تمام الكلام عن قريب ، فتأمّل.

قوله : والإجماع المنقول. ( ١ : ٤٣ ).

ما يظهر من كلامه ليس الإجماع الاصطلاحي ، بل الإجماع على الرواية كما فهمه ، أو على كونها صحيحة كما فهمت ، مع أن ما ذكره المحقق يورث الريبة أيضا في ما ذكره.

مع أن قوله : ومعنى لم يحمل. ، لا يخلو من تأمّل ـ وإن صرح الجماعة ـ للتأمّل في حجية مثله. مع أن الانفعال بالملاقاة ليس شيئا يظهر فيه ، والتغير لا دخل للكر فيه ، كما مر. على أنه لا دخل له في المقام ، فلعل معنى لم يحمل لم يقبل ، وهو الأوفق بظاهر العبارة ، وما ورد في غير واحد من الأخبار أنه لا ينجسه شي‌ء.


وقوله : وهو ضعيف. ، فيه : أن نقله الإجماع لا يستلزم وقوعه في زمانه ، بل عبارته ظاهرة في خلاف ذلك ، كيف والشارح ـ ; ـ كثيرا ما ينقل الإجماع على سبيل الاعتداد والاعتماد ، مع أنه قريب العهد.

نعم حجية مثله محل نزاع معروف ، مع عدم النزاع في كونه ظنيا ، قال بها من قال بعموم حجية ظن المجتهد ، أو شمول ما اعتمد عليه من أدلة حجيّة خبر الواحد ، وأنكرها من أنكرهما ، فالعناية بشأن الإنكار والإقرار لا ما ذكره ، فتأمّل.

وقوله : بدخول المعصوم. فيه : أنه لا حاجة إلى العلم بالدخول ، بل يكفي العلم بكون هذا رأيه ، وهو ممكن في كل زمان ، وغير الممكن بعد انتشار الإسلام هو العلم بإجماع كل المسلمين ، لا ما اعتبرناه من اتفاق جمع يحصل به العلم بقول المعصوم 7 ، أو فعله أو تقريره أو رأيه ، وحمل كلامهم على إرادة الشهرة فيه ما فيه.

وقوله : لانحصار الأدلة. ، لو تم ما ذكره لم يتم جل المسائل الفقهية ، لأن دليلها خصوص مورد ، والخاص لا يدل على العام ، وفهم العموم إنما هو من الإجماع إلا فيما ندر.

مثلا : لم يرد في نجاسة الأبوال والأرواث من غير مأكول اللحم على سبيل العموم سوى حديث واحد ، وهو قولهم : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) ، غاية ما يثبت منه وجوب الغسل بالنسبة إلى الثوب لا البدن ، والبول لا الروث. مع أن بين نفس وجوب الغسل والنجاسة تفاوتا كثيرا.

مع أنّ تلك الأحاديث الخاصة كثير منها ليست بصحيحة ، وهي ليست بحجّة عنده ، بل ربما يصرح بأن الشهرة لا يجبرها. مع أن جلها متعارضة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.


بحيث لا يكون لجمعها أو ترجيحها كتاب أو سنة ، والمرجحات الواردة في السنة متعارضة بحيث لا يمكن الجمع أو الترجيح بكتاب أو سنة. مع أنه ـ ; ـ لا يمشي على المرجحات المنصوصة ، بل يمشي على المظنونة.

مع أن المدار في تصحيح الأخبار على الظنون ، بل رجح ـ ; ـ التعديل على الجرح بظنون ، وميز المشترك بظنون ضعيفة ، بل مداره في ما ذكر وغيره على الظنون.

على أن خبر الواحد أيضا ظن من الظنون ، فإن اعتمد عليه بالإجماع ثبت المطلوب ، وإن اعتمد بالمعهود من الأدلة فنسبتها إليه وإلى الإجماع المنقول بخبر الواحد على السوية.

وما قيل من أن في مثل هذه الإجماعات كثيرا ما نرى المخالف (١) ، ففيه : أنّ ذلك غير مضرّ في إجماع الشيعة ، بل صرحوا بأنه لو خلا عن المائة لم يضر (٢). وما قيل من أنه كثيرا ما نرى التعارض فيها (٣) ، ففيه : أنّ التعارض في الأخبار أزيد منه بمراتب شتى ، ومرجعها لا يجب أن يكون حكم الله الواقعي ، بل يكفي كونه فعلا أو قولا أو تقريرا ، مطابقا لحكم الله الواقعي أو لا.

وأيضا القرائن المجازية واصطلاح زمان الشارع وأصالة عدم السقط أو التغيير أو غير ذلك ليس على حجيتها كتاب أو سنة ، ولو كان فرضا لشمل الإجماع المنقول ، فتأمّل جدا.

وبالجملة : مداره في الفقه على عدم القصر على ما ذكره ، كما لا‌

__________________

(١) انظر رسالة الشهيد الثاني في وجوب صلاة الجمعة ( المطبوعة مع عدة من رسائله ) : ٩١.

(٢) المعتبر ١ : ٦.

(٣) انظر الحدائق ١ : ٣٧.


يخفى ، فلاحظ من أول المدارك إلى آخره ، وغيره من تأليفاته. بل يصرح كثيرا بأنه لا قائل بالفصل ، منه في باب نجاسة البول والغائط (١). وكثيرا ما يعتمد على إجماع يدّعى ، فضلا عن إجماع يدعي هو ، منه في الباب المذكور ، وباب نجاسة المني (٢) ، وغير ذلك. والظاهر أن عبارته هنا فيها مسامحة.

وإنما قلنا بإمكان حصول العلم برأي المعصوم في مثل زمان ابن إدريس أيضا ، لأن تحقق العلم من اجتماع الظنون وتعاضدها غير عزيز ، كما في الخبر المتواتر ، والواحد المحفوف بالقرائن وغيرهما ، بل هو في غاية الكثرة ، ولا ينكره أحد من المسلمين وغيرهم ، إلا نادرا من الكفار ، لشبهته في مقابل البديهة.

وحصول الظن من فتوى فقيه ماهر عادل متق ، باذل للجهد في استحصاله من الأدلة الشرعية ، مستفرغ للوسع في ملاحظة جميع ماله دخل في الأخذ والفهم ، موص للغير في الاحتياط في أخذ الحكم غايته ، لا ينكره قلب خال عن الشوائب والمعايب ، سيما إذا كان الفقيه من القدماء ، ثم إذا رأينا فقيها آخر مثله يشاركه حصل ظن آخر من قوله ، وقوة أخرى من اجتماعهما ، وهكذا كلما رأينا فتوى حصل ظن منه ، وقوة من انضمامه ، واخرى من انضمامين ، وعلى هذا القياس ، إلى أن يحصل العلم من نفس ذلك.

أو بضميمة ملاحظة أن أذهانهم مختلفة في إدراك الأمور واستنباط المسائل ، ومشربهم متفاوت في تأسيس المباني وتأصيل الأصول ، ومع ذلك اتفقوا هذا الاتفاق ، وخصوصا بعد التفطن بما أشرنا إليه آنفا.

وسيما إذا كان الحكم مما يعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة ، وخصوصا‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٥٨.

(٢) المدارك ٢ : ٢٦٦.


بعد ملاحظة أن الأحكام الفقهية عند الرواة وسائر الشيعة ما كانت مقصورة في ما رووه في ذلك الزمان ، لأن تلك الروايات وردت بعد ظهور الشرع وانتشاره في الأقطار وامتداد ذلك في الأعصار ، بحيث ما كان الرواة جاهلين ولا مستشكلين إلا في أمور خاصة دعاهم إلى الجهل بها والاستشكال فيها أسباب معينة ، كما هو الحال في أمثال زماننا. نعم في أمثال زماننا حصل بعض ما كانت غير حاصلة في ذلك الزمان ، وإن خفي بعض ما كانت ظاهرة فيه.

والأئمة : ما كانوا يلقون إليهم الأحكام من أولها إلى آخرها ، وما كانوا يعترضون على الرواة حين استشكالهم في أمر خاص بأن هذا الحكم من أين عرفت؟ ، ولم تسأل عن هذا الأمر الخاصّ دون نفس الأحكام وباقي متعلقاتها؟ ، وما ذكرنا ظاهر على المتأمّل في الأخبار.

وأيضا : الكليني ـ ; ـ ما أتى بجميع روايات الأحكام المسلمة عند الشيعة ، التي لا تأمّل في وفاق كل الشيعة عليها ، بل الفقه لو كان مقصورا في الروايات المروية في الكافي خاصة لعله لم يثبت كثير منه ، وكذا الحال بالنسبة إلى غير الكليني ـ ; ـ من القدماء.

وبالجملة : بملاحظة جميع ما ذكروا وما أشرنا إليه لعله يحصل ما لا يقصر عن الخبر الواحد المحفوف بالقرائن ، سيما بملاحظة أنه باتفاق جمع من الصيارفة على كون دينار زيوفا يحصل اليقين عادة مع عدم عدالتهم ، بل وظهور فسقهم ، وكذا الحال في جميع الصناعات وجميع أهل الخبرة حتى العلوم.

وبالجملة : مرجع القطع في الإجماع إلى الحدس ، فلا مانع من الحصول لبعض دون بعض ، ولا الحصول مع عدم العلم باجتماع الكل ، بل ومع خروج بعض أيضا ، كما صرح به المحقق ـ ; ـ وغيره من‌


المحققين (١) ، بل ولبعض على نحو ولآخر على خلافه ، كما ادعى السيد الإجماع على المنع من العمل بخبر الواحد (٢) ، لما صرح به متكلموا الشيعة في كتبهم الكلامية ، والشيخ وغيره على حجية الخبر الواحد (٣) ، لما يظهر من محدثيهم ، وغير ذلك. بل ولا مانع من الحصول لبعض في وقت دون وقت ، أو حصول القطع بالخلاف في المسألة في وقت آخر ، أو القطع بخلاف ذلك.

فلا يحسن الجرأة في الاعتراض على الفقهاء ، ولا توجيه كلامهم بإرادة الشهرة ، لكون ذلك نوع تدليس منهم لما يظهر من كلماتهم ، حاشاهم عن ذلك. مع أن الحمل على الشهرة لا يرفع التعارض ، لأن خلاف المشهور ليس بالمشهور.

مع أن أمثال هذه الاختلافات في العلميات واردة ، بل وأشد وأزيد ، مثل ما ورد في علم الكلام وغيره ، فلا يحسن حمل كلامهم على إرادتهم الظن أو الشك أو الوهم من العلم ، فتأمّل.

والحاصل أن ذلك منهم ليس لتسامحهم في أمر الدين ، لتفاوت الأمارات ظهورا وخفاء في الأوقات والأحوال. وليس مثل أدلة أصول الدين ، لكونها في معرض العثور (٤) للمجتهد.

هذا بالنسبة إلى أنفسهم ، وأما بالنسبة إلى حصول الظن لنا فقد عرفت أنه لا خلل ، إلاّ أنه وقع التعارض نادرا غاية الندرة ، وغير خفي أن أخبار الآحاد وغيرها من الأدلة والأمارات لا يخلو عن التعارض غالبا ، سيما أخبار‌

__________________

(١) انظر المعتبر ١ : ٣١ ، ومعالم الدين : ٢٠٠.

(٢) رسائل الشريف المرتضى : المجموعة الأولى : ٢٤ ، في جوابات المسائل التبانيات ، وأيضا : ٢٠٣ ، في جوابات المسائل الموصليات الثالثة.

(٣) عدة الأصول ١ : ٣٣٧ ، مبادئ الوصول : ٢٠٧.

(٤) في « و » : القصور.


الآحاد ، سيّما العام والمطلق ، والأمر والنهي وأمثالها ، والجرح والتعديل ، وغير ذلك.

وقد أشرنا إلى أن مرجع الأحكام ليس الحكم الواقعي ، مع أن مرجعه مرجع الكتاب والسنة من دون فرق ، بل مستنده الكتاب والسنة ، كما أشرنا.

ويؤيده أيضا ما ورد عنهم : « أن المجمع عليه لا ريب فيه » (١) ، لأن الظاهر أن علة نفي الريب هي الإجماع.

( ويؤيده أيضا أن كثيرا من الأحكام نحن مطمئنون بكونها عند الشافعي ـ مثلا ـ كذا ، بحكم الشافعية ، فتأمّل ) (٢).

ويؤيده أيضا أن جلّ المستحبات ورد الأمر بها أو أشد منه ، ولا يخطر بالبال سوى الاستحباب.

وأيضا ورد الأمر بإعادة اليومية لنجاسة معينة في الثوب ، فيفهم البدن أيضا ، وكل نجاسة ، وكل فريضة من الصلاة ، بل وكل نافلة منها ، وقس على ما ذكرنا سائر الأحكام ، وكون ظواهر القرآن ومظنونات الأخبار ـ كيفما كان الظهور ـ حجة ، إلى غير ذلك ، فتأمّل جدا.

هذا بالقياس إلى القاعدة ، وإلاّ ففي خصوص الموارد ربما يتحقق خصوصيات مؤكدة موضحة ، مثل طهارة الحديد (٣) وغيرها ، فتأمّل.

قوله : لعدم صدق. ( ١ : ٤٤ ).

هذا بإطلاقه لعله محل تأمّل ، كما أن الأولين أيضا بالإطلاق محل مناقشة.

ثم إن في صورة عدم الصدق يصدق على كل واحد أنه أقل من الكر ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٩ ، الوسائل ٢٧ : ١١٢ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٣) انظر الوسائل ٣ : ٥٢٨ أبواب النجاسات ب ٨٣.


فيشمله عموم ما دل على انفعاله ، على القول بالعموم ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، ولعله لذا اشترطوا الدفعة في إلقاء الكر على النجس. وأما على القول بعدمه فدخوله تحت قوله 7 : « إذا كان الماء. » محل تأمّل ، إذ ظاهر الماء الواحد لا المتعدد ، فدخول المتعدد العرفي فيه محل تأمّل ، نعم يمكن أن يقال : تشمله الأصول والعمومات.

ومن هنا يظهر قوة مختار جده ، وكذا رأى الشارح ـ ; ـ من أنه لا يحتاج إلى الدفعة ، لكن مقتضاه عدم الحاجة إلى إلقاء الكر بل يكفي اتصال الكر وإن انقطع فورا ، على القول بالاتصال ، وعلى القول بالمزج فعلى قدر تحقق المزج وإن انقطع بعده.

فتطهير المدّ من الماء لا يحتاج إلى مزج الكر ، بل وتطهير الأزيد منه بكثير أيضا.

فما ظهر من الشارح ـ ; ـ من عدم الحاجة إلى خصوص الدفعة محل تأمّل على رأيه وعلى رأي المشهور أيضا ، ومخالف لمقتضى الأدلة ، إذ على القول بعموم مطهرية الماء لا حاجة إلى الإلقاء ، وعلى القول بعدم ثبوت التطهير إلا من الوفاق يتعين الدفعة البتة.

قوله : وجزم العلامة. ( ١ : ٤٥ ).

إذا كان الأعلى كرا فلا شك في تقوّي الأسفل به في ماء الحمام ، للنص والوفاق ، وأما غير ماء الحمام فمحلّ إشكال عند العلامة ، كما مرّ ، وعند غيره حكمه حكم ماء الحمام ، بناء على أنّ الظاهر عندهم عدم مدخلية الحمام ، لقوله 7 : « أليس هو بجار » (١) وعدم حجية مفهوم اللقب ، وذكر الحمام لشيوعه وندرة غيره لو تحقق ، مع عدم ظهور تحقّقه.

__________________

(١) راجع ص ٥٩.


مع أنه لا أقل من الشك في المدخلية فيتحقق الشك في عموم المفهوم بالنسبة إليه. وليس دلالته على العموم من قبيل الصيغ الموضوعة للعموم ، فيكفي الشك ، كما أشرنا سابقا.

مع أنه يمكن أن يقال بالقياس بطريق أولى ، بأنه مع التساوي يتقوى ، فمع كونه أسفل أولى ، لقوة الأعلى وغلبته ، ولذا فرّقوا بين ورود الماء على النجاسة وعكسه ، ولعل نظر من قال بتقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس إذا كان المجموع كرا إلى هذا. ويمكن إرجاع كلام المحقق الثاني إلى هذا بضرب من العناية.

قوله : ويلزمهم. ( ١ : ٤٥ ).

فيه : أنّ المنحدر ماء واحد عرفا ، فلا يستشكلون في دخوله تحت العموم ، وإن أردت المنصبّ فدعوى العلم بالبطلان مع الاعتراف بعدم الوحدة محل نظر. مع أنه ليس الوارد عليهم أزيد ممّا ادعاه من الدخول تحت العموم ، فلا يلزمهم أمر معلوم الفساد مضافا إلى ذلك. وظهور شمول قولهم للمنحدر المتصل الذي هو ماء واحد عرفا ظهورا بينا محل تأمّل ، فتأمّل.

قوله : فإن كل ما ثبت. ( ١ : ٤٦ ).

قيل : إنّ غالبه يدوم ، والظن يلحق بالأغلب ، وكل ظن للمجتهد حجة إلا ما ثبت المنع منه بخصوصه ، كالقياس (١).

ومنع بعضهم هذه الغلبة بأن الدوام مختص بالقار الذات ، وهو غير غالب. سلمنا ، لكن كون الحكم الشرعي منه ممنوع. مع أن كل دوام ليس على حد واحد ، بل يتفاوت بتفاوت عادة الله تعالى ، فلا يمكن الحكم به إلى‌

__________________

(١) انظر معارج الأصول : ٢٠٧ ، ومعالم الدين : ٢٣٠.


أن يثبت خلافه (١).

ومنع بعضهم حجّيّة مثل هذا الظن مع تسليم تحققه (٢) ، ولا يبعد تحققه ، بملاحظة أنّ الأحكام الشرعية غالبها يدوم حتى يثبت خلافها.

واستدل أيضا بما في غير واحد من الأخبار من أنه لا ينقض اليقين بالشك أبدا (٣) ، بناء على أن المراد كل يقين وكل شك بعده (٤). ومنع الدلالة بعضهم بأن الظاهر وروده في موضع ثبت دوامه إلى حد معين ، وحصل الشك في تحقق الحد حتى يتأتى أن يقال : اليقين نقض بالشك ، وإلا فالشك اللاحق لا يجامع اليقين السابق (٥) ، وفيه نظر ، إذ الشك في الحد يوجب رفع اليقين من الحين ، فالعبرة بالسابق.

وقال بعضهم بثبوت الاستصحاب في موضوع الحكم الشرعي لا نفسه (٦) ، يعني ثبت منه بقاء الموضوع وعدمه لا بقاء الحكم السابق إلى أن يثبت حكم شرعي لشي‌ء. مثلا إذا لم يعلم أن الشي‌ء الذي تحقق هل هو ناقض للوضوء أم لا؟ لا يمكن إثبات عدم كونه حدثا بهذا الحديث ، بل القدر الذي يثبت إثبات عدم تحقق الحدث المعلوم حكمه شرعا ، أي حكم الشارع بأنه يبني على عدم حدوثه. وادعى ظهور ما ذكره بتتبع موارد الأحاديث.

وربما منع بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل (٧). ولا يخلو عن‌

__________________

(١) انظر الإحكام للآمدي ١ : ٣٦٨ ، ٣٦٩.

(٢) انظر الفوائد المدنية : ١٤١.

(٣) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٤) انظر مشارق الشموس : ٧٦ ، الوافية للفاضل التوني : ٢٠٣ ، ملاذ الأخيار ١ : ٦٣.

(٥) ذخيرة المعاد للسبزواري : ١١٤ ، ١١٥.

(٦) الفوائد المدنية : ١٤٣.

(٧) انظر الحدائق ١ : ١٤٥ ، الوافية : ٢٠٨.


قرب. نعم استصحاب الموضوع أظهر أفراده.

ويؤيد ما ذكرناه ما أشرنا إليه من غلبة الأحكام الفقهية في البقاء ، وطريقة الفقهاء أنهم إذا ثبت حكم شرعي يحتاجون في حكمهم بخلاف ذلك إلى دليل شرعي ، وأمرهم مقصور على ذلك ، ولا يقولون في موضع بعد تحقق حكمه أن هذا الآن حكمه كذا فقط ، وبعد ذلك الأصل عدمه ، فليلاحظ كتبهم الاستدلالية والفقهية ، بل البقاء رسخ في أذهان المتشرعة بحيث يصعب عليهم فهم خلافه.

نعم عند تغير الموضوع بتغير العلة أو الوصف المشعر بالعلية يتأملون في البقاء حينئذ ، مع أن ظاهر أكثرهم البقاء حينئذ أيضا ، فتأمّل.

وممّا ذكرنا لعله يظهر التأمّل في فهم العموم من الأدلة الدالة على النجاسة بالتغير من حيث دلالة اللفظ ، فإن قوله 7 : « فإذا تغير الماء فلا تتوضأ » يحتمل أن يراد منه ما دام متغيرا. ورجوع الإطلاق إلى العموم الذي ليس ممّا وضع اللفظ له أزيد مما ذكر لعله يحتاج إلى إثبات ، إذ لو قال : إذا فقدت الماء فتيمم وصل بذاك التيمم ، لا يفهم منه أن بعد وجود الماء بعد ذلك التيمم يجوز الصلاة به أيضا ، فتأمّل.

وبالجملة : لا بدّ من ملاحظة الأمثلة الشرعية والعرفية وغيرها والتأمّل فيها.

نعم ربما أمكن الفرق بين زوال العلة المؤثرة ، وما هو شرط في تأثير العلة ، كالقلة في الانفعال بالملاقاة ، فإن زواله لا يوجب انتفاء المعلول ، لأنه ليس علة بل هو شرط لحصول التأثير ، وقد حصل فهو متأثر مطلقا ، فتأمّل.

نعم قوله 7 : « كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر » ظاهر العموم في نجاسة الماء بعد العلم بها ، كما بيّنّاه.


قوله : كأصالة البراءة. ( ١ : ٤٧ ).

جعله إياها من الأدلة العقلية خاصة محل تأمّل ونظر ، للنصوص الكثيرة الواردة فيها (١) ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة (٢) ، بل جعلها الصدوق من عقائد الإمامية (٣) ، وقد كتبنا فيها رسالة مبسوطة.

مع أن الاستصحاب هو أصالة عدم التكليف ، وهي مما يقتضي براءة الذمة ، لا أنها هي هي ، وأصالة العدم تجري في جميع الأحكام ، أي عدم البروز من الشارع ، وأما أصل البراءة فإنما هو في الواجب والحرام ، ودليله ليس عدم التكليف فقط ، بل الإجماع والنصوص أيضا.

ثم إنه ـ ; ـ يحكم بهذا الأصل في الأحكام الشرعية ، وعده سابقا أيضا من جملة الأدلة الشرعية ، فلعل بناءه ـ ; ـ على أن الشرع يثبت بأمثال هذه الأدلة العقلية ، ولهذا يحكم بالاحتياط كثيرا مع تصريحه بأنه حكم عقلي. فتأمّل.

قوله : الإجماع. ( ١ : ٤٧ ).

قد مر ما فيه في الكر المتمم ، فراجع (٤).

قوله : لإرسالها. ( ١ : ٤٧ ).

قد بسطنا الكلام في الرجال في أن مراسيله كالمسانيد الصحيحة ، كما هو المشهور ، لأن المدار في الصحة على الظن ، وهو هنا حاصل البتة ، إذ احتمال كونه الضعيف عندنا خلاف الظاهر (٥) ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٥ : ٣٦٩ أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ، وعقد السيد شبّر في الأصول الأصلية : ٢١٢ بابا في الآيات والروايات الواردة في حجية أصالة البراءة.

(٢) منها ما نقله المحقق في معارج الأصول : ٢٠٥.

(٣) انظر اعتقادات الصدوق : ١٠٧ ، المطبوعة مع شرح باب الحادي عشر.

(٤) راجع ص ، ٨١ ـ ٨٢.

(٥) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢٧٥.


قوله : على الأشهر. ( ١ : ٤٧ ).

لظاهر خبر إبراهيم بن محمّد الهمداني (١) ، وما نقل عن الفقه الرضوي (٢) ، وقيل : مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم مطلقا ، وذهب إليه جماعة منهم العلامة ـ ; ـ في نصاب الزكاة خاصة (٣).

قوله : لعموم قوله 7. ( ١ : ٤٨ ).

نظرا إلى الحكم الظاهري ، لا أن المراد من الحديث بيانه واقعا.

قوله : متيقن. ( ١ : ٤٨ ).

أي متيقن اعتباره واشتراطه في عدم الانفعال. والأصل إما عدم اشتراط الزائد ، وهو استصحاب حال العدم ، ولا يخفى أنه فرع حجّيّته ، وإما براءة الذمة ، بناء على أنّ النجاسة تكليف ، فيجب الطهارة به عند عدم غيره ، لعدم القول بالفصل ، لكن هذا الأصل لدفع التكليف دائما لا لإثباته ، فتأمّل.

قوله : الصحيحة. ( ١ : ٤٨ ).

سيناقش في صحتها ، مع أن المدني يناسب مستند المشهور ، أعني خبر أبي بصير.

قوله : بحملها. ( ١ : ٤٨ ).

بأن يكون السؤال في مكة فضبط الخبر على ما صدر احترازا عن النقل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ / ٢ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٢٤١ / ٧٣ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

(٢) فقه الرضا « ع » : ٢١٠ ، مستدرك الوسائل ٧ : ١٤٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

(٣) التحرير ١ : ٦٢ ، المنتهى ١ : ٤٩٧.


بالمعنى ، إذ كان مشكلا عندهم ، كما يظهر من ملاحظة الأخبار ، واعتمادا على القرينة ، وقد ذهبت من تقطيع الأحاديث أو غيره ، أو اتكالا على فهمها بالقراءة على الشيخ وأخذ الإجازة منه ، كما لا يخفى على المطلع على الرجال وغيره.

وربما يقربه أن ابن أبي عمير روى عن ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله 7 : « أن الكر ستمائة رطل » (١) ، وصحيحة ابن مسلم ـ تلك ـ عن ابن المغيرة ، عن الخزاز ، عن محمّد بن مسلم الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب؟ ، قال : « إذا كان قدر كر لم ينجسه شي‌ء ، والكر ستمائة رطل » (٢) ، فظهر أن الروايتين واحدة ، وأن ابن أبي عمير رواها أيضا ، فلعله رواها تارة باللفظ ، وأخرى بالمعنى ، فتدبر.

ولعل قوله في الصحيحة : الغدير فيه ماء مجتمع. يؤيّده أيضا ، لأن الغالب الاحتياج إلى معرفة حاله في الأسفار ، وأن الغالب تحققه فيها وفي الصحيح عن صفوان قال : سألت الصادق 7 عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، ويغتسل فيها الجنب (٣)؟ الحديث.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣ / ١١٩ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٦ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٧ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٥ ، وذيل الحديث : « والكر ستمائة رطل » في الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ، ب ١١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢ / ٥٤ ، الوسائل ١ : ١٦٢ ، أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢. بتفاوت.


قوله : ليس بدليل. ( ١ : ٤٨ ).

ورد من الشرع الأمر بالاحتياط كلية ، نعم هو مبني على الاستحباب عند المجتهدين. مع أنّ الأصل عنده أيضا حكم عقلي ، ويحكم به في الفقه كثيرا.

ويمكن أن يكون مراده ـ ; ـ أن الاحتياط لا يصير دليلا على تعيين قدر الكر شرعا ، بل المدار فيه على العمل بما هو أوثق ، ويتفاوت بتفاوت المواضع ، فربما يكون الأحوط الأكثر ، وربما يكون الأقل. سلمنا ، لكنه معارض بمثله وإن كان أقل تحققا منه.

قوله : ولا يبعد. ( ١ : ٤٨ ).

هذا هو الظاهر ، لأن مشايخه ما كانوا من أهل المدينة ، كما هو الظاهر. مع أنه أثبته في أصله لأهل العراق وللرواة عنه مع عدم التنبيه على المراد. مع أن الاحتمال يكفي لمنع الاستدلال.

قوله : مجهول. ( ١ : ٤٩ ).

الظاهر أن ابن يحيى زيادة ، كما يشهد به الكافي والاستبصار ، وهو ابن عيسى. ويحتمل أن يكون يحيى مصحف عيسى ، وعثمان أخباره معمول بها عند الشيعة ، كما يظهر من الكشي والعدة (١). مع أنه تاب ولم يمنع من رواياته. وأبو بصير مشترك بين ثلاث ثقات ، كما حققناه. هذا مضافا إلى أن الشهرة جابرة.

وبالجملة : لا ينبغي القدح في تلك الرواية من حيث السند.

لكن في دلالتها على المذهب المشهور نظر من حيث إهمال البعد الثالث. وليس هو من قبيل قولهم : ثلاثة في ثلاثة ، لشيوع الإطلاق وإرادة الضرب في الأبعاد الثلاثة ، لوجود الفارق ، وهو عدم ذكر شي‌ء من الأبعاد‌

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٠ ، عدة الأصول ١ : ٣٨١.


بالخصوص في المثال ، بخلاف الرواية ، حيث صرح ببعد العمق ، فيكون البعد الآخر هو القطر ، ويكون ظاهرا في الدوري.

ويؤيده أن الكر مكيال ، كما هو الظاهر ، وفي القاموس : الكر مكيال للعراق (١) انتهى ، والمعهود منه هو الدوري. وكذا رواية ابن حي الواردة في الركي (٢) ، إذ لا قائل بتفاوت الكرين ، فيكون الحاصل منهما كون الكر ثلاثة وثلاثين شبرا ( ونصفا وثمنا ونصف ثمن ) (٣) ، ولا قائل به بخصوصه. مع أن الشيخ حمل رواية ابن حي على التقية ، فيترجح كون هذه الرواية أيضا على التقية ، فتبقى رواية إسماعيل بن جابر سالمة عن المعارض.

قوله : إلى من يدعي. ( ١ : ٤٩ ).

هو ابن زهرة على ما قيل (٤).

قوله : قول القميين. ( ١ : ٤٩ ).

هذا هو الأظهر ، لصحة مستندهم ، وقوة دلالته ، وظهوره في المربع كما مر ، وتقاربه من الخبر الآخر الآتي الظاهر في الدوري ، لما أشرنا إليه ، ولإشعار لفظة السعة أيضا ، فإنّه يكون على هذا ثمانية وعشرين شبرا وسبعي شبر ، ويكون نقل أحد الخبرين بالمعنى ، واقترابه أيضا من خبر أبي بصير وابن حي على ما ذكرنا.

فيكون الزائد مبنيا على الاحتياط ، أو على أن الكر على ما هو الظاهر تقريبي لا تحقيقي ، كما هو أحد القولين ، لاختلاف المياه ثقلا وخفة ، وكذا الأشبار وما حددت به خلقة ومساحة ، ومن هنا اختلف الأخبار في تحديده.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ٤٠٨ / ١٢٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٨ ، الوسائل ١ : ١٦٠ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٨.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : وخمسة أثمان ونصف.

(٤) قاله المحقق السبزواري في الذخيرة : ١٢٢ ، وهو في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١.


ولو كان تحقيقا لشاع وذاع ، ولكان في كل بلد وفي كل قرية بل لكل مكلف خصوصا في الأسفار كر محدود معين موروث خلفا عن سلف ، وهو ظاهر البطلان. فتدبر.

قوله : لرواية إسماعيل. ( ١ : ٥٠ ).

وفي بعض النسخ : لصحيحة إسماعيل ، ولعله الصحيح بعد ملاحظة قوله بعد : نعم يمكن المناقشة. ، وقوله : وضعفها المصنف.

قوله : ولا يخفى. ( ١ : ٥٠ ).

هو ظاهر ، وقيل في توجيهها أن ضمير مثله راجع إلى ما دل عليه قوله :

ثلاثة أشبار ونصفا ، أي في مثل ذلك المقدار ، إذ لا محصل في إرجاعه إلى الماء ، وكذا ضمير في عمقه (١). وقيل فيه تكلف واضح. على أنه لا يفيد اعتبار ذلك المقدار في العمق (٢).

قوله : والجواب واحد. ( ١ : ٥٠ ).

ليس كذلك ، لما أشرنا إليه.

قوله : والذي يظهر. ( ١ : ٥٠ ).

وهذا هو الظاهر ، ونبه عليه في المنتقى أيضا (٣).

قوله : ضعيفة. ( ١ : ٥٠ ).

ليس كذلك ، لأنّ محمّدا ثقة ، وفاقا لجماعة منهم العلامة في المختلف (٤) ، وقد حققناه في الرجال (٥).

__________________

(١) الحبل المتين : ١٠٨.

(٢) الذخيرة : ١٢٢.

(٣) منتقى الجمان ١ : ٥١.

(٤) مختلف الشيعة ٧ : ٣١.

(٥) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢٩٨.


قوله : إذ معنى. ( ١ : ٥١ ).

الظاهر أن هذا المعنى ليس له معنى ، بل هو وارد في الدوري أيضا ، كما مر.

قوله : في المعتبر. ( ١ : ٥١ ).

لكن لم يظهر بعد أنه فرضه في المربع ، فتدبّر.

قوله : لم يعتبر التكسير. ( ١ : ٥١ ).

لا يخفى ما فيه من التفاوت ، إذ ربما يصل إلى حد المشهور ، وربما يبعد عنه غاية البعد. وفرضها بعض المحققين على ما يظهر من كلامه فيما لو كان طوله تسعة أشبار ، وعرضه شبرا ، وعمقه نصف شبر ، فإن مساحته أربعة أشبار ونصف ، إذ قال بعد ذلك ، فما ذكره الشارح الفاضل من أن أبعد الفروض عنها ما لو كان كل من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة أشبار ونصفا محل تأمّل. مع أن المناسب أن يذكر فرضا لا يزيد مجموع الأبعاد فيه على عشرة ونصف ، وليس ما ذكره كذلك (١).

قلت : وفي كلام المتأمّل أيضا تأمّل ، إذ المفروض فرض أبعد الفروض ، و [ أبعد ] (٢) منه ما لو كان طوله عشرة ، وكل من عرضه وعمقه ربع شبر ، فالمساحة نصف شبر وثمنه.

قوله : وعن ابن الجنيد. ( ١ : ٥٢ ).

ما أشد التباين بين تحديده هنا وفي الوزن ، حيث قال بالقلتين وفاقا للشافعي والحنبلي (٣) ، وحد بالخمسمائة رطل ، ولعل ما هنا يبعد من تحديد أبي حنيفة أيضا ، حيث قال بعشرة في عشرة بذراع الكرباس ، في عمق لا يظهر الأرض بالاغتراف ، إذ يتأتى ذلك العمق فيما لو كان نصف شبر أو أقل ،

__________________

(١) الذخيرة : ١٢٣.

(٢) أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) الشافعي في الأم ١ : ٤ ، وانظر المغني والشرح الكبير ١ : ٥٢.


فلعل مستنده مستنده.

قوله : بكل ما روى. ( ١ : ٥٢ ).

الظاهر أنه أراد الروايات المعلومة المعمولة بها ، فتأمّل.

قوله : وكأنه يحمل. ( ١ : ٥٢ ).

فيه إشارة إلى احتمال وجه آخر ، ولعله اللزوم التخييري ، ويكون التعيين باختيار المكلف ، كما قيل في بعض موارد النزح ، ومواضع التخيير بين القصر والإتمام ، فتأمّل.

قوله : إذا صح. ( ١ : ٥٢ ).

فيه : ما أشرنا إليه في أوائل الكتاب من التسامح في أدلة السنن.

قوله : عملا بالعمومات الدالة. ( ١ : ٥٢ ).

وربما منع العموم ، لفقد ما يدل عليه ، فإن المفرد المحلى ليس موضوعا له ، بل اللام في المقام إما مشترك بين الجنس ، والاستغراق ، والعهد الخارجي ، والذهني ، أو مختص بالجنس ، لأنه موضوع للإشارة والتعريف ، ومدخولة موضوع واسم للجنس. ويمكن إثبات العموم على التقديرين.

أما على الثاني ـ وهو الأظهر ـ : فلأن الحكم تعلق بالجنس فيدور معه ، كما تقول : التمر حلو ، والرجل خير من المرأة ، وغير ذلك. وظهور العموم بهذا النحو عرفا لعله لا تأمّل فيه.

وأمّا على الأول : فلأنّ العهد الخارجي موقوف على معهود مسبوق حينئذ ، والذهني لا يفيد فيخرج كلام الحكيم عن الفائدة ، مع أن الرواة بمجرد استماع اللفظ كانوا يقنعون ويسكتون ، فانحصر في المعنيين الآخرين. فكيف كان تفيد العموم.

ومن قال بأن الأحكام لا تتعلق بالطبائع إما يجعل ما ذكر قرينة على إرادة الاستغراق وتعيينه ، أو إرادة عموم من دون كونه مما وضع اللفظ بإزائه ،


فيقتصر فيه على القدر السابق إلى الذهن ، الحاضر لديه ، كما مر الإشارة إليه مكررا.

لكن التعميم بهذا النحو ربما يخدشه عدم معهودية كون الإناء يسع كرا ، وهو 7 قال : إذا كان كرا. فتأمّل.

ويمكن أن يكون مراد الشارح ـ ; ـ ما يعم قوله 7 : كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر ، فتأمّل. والأصول تقتضي العموم.

قوله : وهو ضعيف جدا. ( ١ : ٥٢ ).

لأن شموله للكر بعيد جدا ، لكونه خلاف ما يظهر من الأخبار. مضافا إلى ندرة وجوده ، لو لم نقل بعدمه عادة ، مع أنّ الأخبار تحمل على الأفراد الشائعة دون النادرة ، سيما مثل ما نحن فيه ، إذ لعله مجرد فرض أو في غاية الشذوذ. مع أنه لا وجه للتعميم بالنسبة إلى الحياض ، خصوصا مع القول بعدم الانفعال في الغدران ، فتأمّل.

مع أنّه على تقدير التسليم ، كون الإطلاق بحيث يقاوم العمومات محل نظر ، فضلا عن أن يقدم عليها ، بل الأمر بالعكس ، كما ظهر وجهه مكررا. فتدبر.

على أنه ورد النص في الحياض الملاقية لولوغ الكلب وغير ذلك أنه لا بأس باستعماله إذا كان كثيرا (١). نعم ورد في بعض المنع من استعمال الكر (٢). وحمل على الاستحباب ، فليلاحظ.

قوله : والحق أن مرادهما. ( ١ : ٥٢ ).

لكن عبارة المقنعة لا تكاد تقبل هذا التوجيه ، نعم ربما يظهر من‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥.


الشيخ بناء عبارته عليه (١) ، وقيل : إنّه أعرف بمقصود أستاده. فتأمّل.

قوله : إن ثبتت. ( ١ : ٥٣ ).

بأن قال الشارع : وضعت هذا اللفظ بإزاء هذا المعنى ، وحيث استعمله أريد ذلك منه. لكن الظاهر أنّه لم يقع ذلك منه ، بل يمكن القطع بذاك ، لاقتضاء العادة تواتر مثل ذلك ، ولم يصل خبر واحد حتى بالنسبة إلى القريبين إلى عهده.

أو أنه نقل أول مرة إلى المعاني الحادثة إلا أنه أفهمها بالترديد بالقرائن ، فمقتضى ظاهر ذلك أنه لم يستعمله إلا فيها بمعونة القرائن حتى حصل التفهيم ، ثم استعمل بغير قرينة أو بقرينة في غيرها ، وقبل حصول التفهيم ما استعمل في غيرها لا بقرينة ولا بغير قرينة ، وإلا لاستحال التفهيم ولاحتاج إلى التنصيص. ولو فعل نادرا ولم يضر التفهيم لا يضر الحمل على الحقيقة الشرعية ، لأنه لا بدّ من أن يكون نادرا غاية الندرة ، لو سلم عدم ضرره ، والظن يلحق بالأغلب.

لكن هذه الطريقة أيضا بعيدة جدا لو لم نقل بالعلم بالعدم. نعم لو كانت فإنما تكون باستعماله وغلبته إلى أن يصير حقيقة في زمانه ، فالفرق بينه وبين عرف زمانهم أنه صارت حقيقة بسببهم : دون عرف زمانهم. إلاّ أن الحمل عليها على تقدير الثبوت أيضا مشكل ، لعدم معلومية التاريخ (٢).

ولعل هذا الإشكال بالنسبة إلى كلام الأئمة : ـ سيما الصادقين 8 ومن بعدهما ـ غير وارد ، كما أشرنا. نعم بالنسبة إلى القرآن وكلامه 6 يمكن أن يقال بأن الرواة والمفسرين‌

__________________

(١) انظر التهذيب ١ : ٢١٨ ، ٢٢٩.

(٢) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : بل لعل هذا الإشكال وارد بالنسبة إلى الاحتمال الأول أيضا.


لما لم ينبهوا على أن المراد المعنى المهجور ربما يظهر منه أن المراد هو غير المهجور. فتأمّل.

قوله : فعلى عرف زمانهم. ( ١ : ٥٣ ).

أعم من أن يكون عرفا عاما أو عرفا خاصا ، إن علم يقينا ، كالماء والضرب ، أو ظنا ، كالدرهم وأمثاله ، وإن لم يعلم فعلى اللغوية ، وإلا فعلى العرف العام وإن لم يعلم كونهما عرفه بخصوصه ، لأصالة عدم الوضع وعدم النقل.

ويمكن حمل العلم على معناه الحقيقي وجعله بإزاء الأصل الذي هو ظني ، ولعل الأول أولى (١). فتأمّل.

قوله : فعلى الحقيقة اللغوية. ( ١ : ٥٣ ).

في تقديم اللغوية على العرف العام تأمّل ، إذ ربما يظهر من ملاحظة الأحاديث أن طريقتهم طريقة أهل العرف. مضافا إلى استبعاد التغير في ألسن جميع أهل العرف العام في هذه المدة ، فتأمّل.

ومنشأ تقديم اللغة أصالة تأخر الحادث ، وهو استمرار العدم الثابت إلى أن يثبت خلافه.

قوله : ولما لم يثبت. ( ١ : ٥٣ ).

أقول : من عرف جميع ما ذكره وعرف معناه في العرف العام فلا حاجة له إلى التعريف ، وإلا فلا ينفع ما ذكره لدفع الإيراد على التعريف.

مع أن ما ذكره إنما هو لفهم كلام الشارع ، والإيراد إنما هو على التعريف ، وهو غير كلام الشارع ، بل وليس تعريفا لكلام الشارع ، بل تعريف لكلام الفقيه ، وكون اصطلاحهما واحدا محل تأمّل.

أما عند من أنكر الحقيقة الشرعية فظاهر ، وأما عند من قال بها فإن‌

__________________

(١) في « د » : ولعله أولى.


اصطلاح الفقهاء لا يلزم أن يكون حقيقة عند المتشرعة ، بل كثير من اصطلاحاتهم ليس كذلك ، منها اصطلاحاتهم في العقود والإيقاعات وغيرها ، ولذا يثبت تلك الأمور بقيودها من مجرد الألفاظ الواردة في النصوص ، فتأمّل.

إلاّ أن يقال : اصطلاحهما في المقام واحد ، لكن لا بدّ من التنبيه على ذلك. إلا أن يقال : الأصل الموافقة إلى أن يظهر المخالفة. على أنه كان التعريف على ما ذكره هو أنّ المراد من البئر المعنى العرفي فلا حاجة الى التطويل.

والأولى في الجواب أن يقال : إنّ المتبادر من لفظ العرف مطلقا ومن دون ضميمة هو العرف العام ، كما لا يخفى على المطلع على روية القوم ، والتطويل لرفع التوهم. وذلك لأنه لما كان يطلق في الشام والمشهد الغروي مثلا على آبارهم لفظ البئر فلعله يتوهم متوهم جريان أحكام الفقهاء فيهما أيضا ، فقيّد للإخراج ، فدعى ذلك إلى القيد الآخر ، إذ لعله يتوهم أن اصطلاح الفقهاء في البئر سوى اصطلاح العرف ، لكون العيون التي لا تجري غالبا عندهم من أفراد بئرهم.

بل يمكن أن يقال : إنّه لما كان ظاهرا أنّ مثل هذه العيون لا تسمى بئرا في عرف قال : عرفا ، من غير تعيين ، فعلى هذا يكون كل واحد من القيود الثلاثة لا بدّ منه في التعريف متمما له. فتأمّل.

قوله : وهو المشهور. ( ١ : ٥٤ ).

بل نفى ابن إدريس الخلاف بين الفقهاء في ذلك (١) ، وابن زهرة ادّعى الإجماع على ذلك (٢).

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٥٥١.


قوله : ذهب إليه العلامة. ( ١ : ٥٤ ).

لعل رأيه مخالف (١) للتهذيب من المنع من الاستعمال قبل النزح ، مع احتمال تجويزه الاستعمال أيضا قبله ، وأن النزح لا بدّ أن يتحقق في وقت من الأوقات عينا أو كفاية ، لكنه بعيد.

قوله : فإنّه قال : لا يجب. ( ١ : ٥٤ ).

هذا محمول على صورة الجهل ، كما يشير إليه كلامه في الاستبصار (٢) ، أو يكون النهي عنده غير مقتض للفساد ، لأن مآله إلى النهي عن الخارج عن العبادة عنده أو مطلقا ، فتأمّل.

قوله : كما ذكره جدي ، ;. ( ١ : ٥٤ ).

قيل : إنّ الشيخ صرح بالنجاسة في باب الزيادات (٣).

أقول : لعل مراده من النجاسة المنع عن الاستعمال قبل النزح ، والطهارة رفع المنع ، يشير إلى ذلك كلامه في منع ارتماس الجنب في الراكد (٤) ، وفي منع الطهارة بالماء المستعمل في الحدث الأكبر (٥) ، وكلام شيخه أيضا ، وكذا في النزح لارتماس الجنب (٦) ، وغيره مما هو ظاهر عندهما ، وكلام شيخه في آخر باب النزح ، وهو قوله : لأن المتوضي والمغتسل (٧). ، والشيخ قرره ، وكلامه في باب تطهير المياه ، وهو قوله : والذي يدل على ذلك أنه مأمور (٨). ، وغرضه الاستدلال على نجاسة‌

__________________

(١) كما في « ه‍ » ، وفي سائر النسخ : موافق.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٢.

(٣) قاله المحقق السبزواري في الذخيرة : ١٢٧ ، وهو في التهذيب ١ : ٤٠٨.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٩.

(٥) التهذيب ١ : ٢٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٣.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٧.

(٨) التهذيب ١ : ٢٣٢.


المتغير خاصة ، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيه وفي ما قبله.

وأيضا : القدماء ربما كانوا يذكرون لفظا على طبق ما ورد في الحديث ، أو وفقه ، مريدين منه ما أراد المعصوم 7 لا المصطلح عند المتشرعة ، كما لا يخفى على من لا حظ كلام الصدوق والكليني ـ رحمهما الله ـ وغيرهما.

وبالجملة : الظاهر أن مراده عدم جواز الاستعمال قبل النزح مع العلم بالملاقاة ، على ما يستفاد من كلامه في الاستبصار. فتأمّل.

قوله : إن بلغ ماؤه كرا. ( ١ : ٥٤ ).

في الفقه الرضوي : « كل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها سبيلها سبيل الماء الجاري ، إلا أن يتغير لونها أو طعمها أو ريحها ، فإن تغيرت نزحت حتى تطيب» (١).

قوله : في مطلق الجاري. ( ١ : ٥٥ ).

لا يخلو من تأمّل ، حيث أطلق القول بالطهارة هنا وشرط الكرية في الجاري ، وكونه من أنواعه فيه ما فيه. نعم يمكن أن يقال : مقتضى دليله ذلك ، بل اشتراط الكرية في الجاري يستلزم الاشتراط في البئر بطريق أولى ، بملاحظة الأدلة ، فتأمّل فيه.

قوله : مضافا إلى الأصل. ( ١ : ٥٥ ).

أقول : بل الأصول ، كما تقدم.

قوله : والعمومات الدالة. ( ١ : ٥٥ ).

على حسب ما تقدم الإشارة إليها في صدر مبحث المياه ، ومبحث الجاري ، وغيرهما.

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ٩١ ، المستدرك ١ : ٢٠١ أبواب الماء المطلق ب ١٣ ح ٣.


قوله : على وجه العموم. ( ١ : ٥٥ ).

لشمول لفظ « شي‌ء » للنجس شرعا ، أي حتى المتنجسات ، أو لأن الإطلاق ينصرف إلى العموم ، فتأمّل.

قوله : كما يقتضيه المقام. ( ١ : ٥٥ ).

لأن الظاهر أن الشارع يريد حكما شرعيا ، وأنه النجاسة ، بناء على ما اشتهر وظهر من أن البئر هل ينجس بالملاقاة أم لا ، ويعيّن ذلك بتتبع الأحاديث في مبحث البئر ، ويعيّنه أيضا استثناء التغير ، وأما الرواية الثانية فأظهر دلالة في المعنى.

قوله : والوصف بالسعة. ( ١ : ٥٥ ).

لظهور أن المراد منه أمر شرعي ، والسعة شرعا ظاهرة في عدم الضيق والتكليف شرعا ، فيظهر منه الطهارة ، فتدبر.

قوله : قال : ماء البئر واسع. ( ١ : ٥٥ ).

فيها تأكيدات : الوصف بالسعة ، والنكرة في سياق النفي ، والحصر في التغير ، والنزح إلى أن يذهب التغير خاصة ، والتعليل بأن له مادة ، وهذه التأكيدات تشهد على كون الحكم بحسب الواقع لا التقية ، ولا أمر آخر مثل ما ذكره الشيخ في التوجيه ، ولعل عدم الانفعال في نفسه مخالف للتقية.

قوله : لأن له مادة. ( ١ : ٥٥ ).

قد مر في مبحث الجاري الكلام فيه ، وأنه على أي تقدير يدل على عدم الانفعال.

قوله : فيما يجب فيه ذلك قطعا. ( ١ : ٥٦ ).

الحكم القطعي لعله لا يخلو عن مناقشة ، فالأولى أن يقال : بطريق أولى ، فتأمّل.


قوله (١) : لا يجوز الانتفاع. ( ١ : ٥٦ ).

بل قال : ينزح حتى يزول التغيير ، وأنه يكفي مطلقا.

قوله : عند القائلين بالتنجيس. ( ١ : ٥٦ ).

لا شك في أن الشيخ كان يعرف هذا ، بل هو عين مذهبه في منع الاستعمال أو النجاسة ، فمراده أنه مخصص من دليل من الخارج ، والعام المخصص حجة ، سيما وأن المخصص قليل جدا في جنب غيره ، وكلامه في توجيه الحديث ، لا الاستدلال لمذهبه منه.

قوله : كما أنه قد يجوز. ( ١ : ٥٦ ).

فيه : أن الظاهر أن مراد الشيخ من المستثنى بيان حكم تغير الجميع ، وأنّه فهم كذلك (٢) ، وهو محتمل من الحديث ، لإضافة الريح أو الطعم إلى نفس البئر ، وعلى تقدير فهمه العموم وبنائه عليه هو قائل به لا محالة ، فلا نقض عليه.

فالأولى في النقض عليه أن ظاهر قوله : ينزح حتى يطيب يقتضي جواز الاستعمال إذا طاب بنزح بعض منه. فتأمّل.

ثم لا يخفى أن النقض على قول الشيخ بأن القائل بالتنجيس لا يجوز الانتفاع في كثير من النجاسات فيه ما فيه ، إذ الشيخ غير قائل بالتنجيس على ما ظهر مما ذكر في محل النزاع.

على أن الظاهر أن رأيه في الاستبصار بعينه هو رأيه في التهذيب ، بل صرح في الاستبصار بأن جوابه ذلك إنما هو على ما بينه في كتاب تهذيب الأحكام ، بل ما في الاستبصار أدل على وجوب النزح من دون الحكم بالنجاسة ، هو قرينة على أن ما في التهذيب أيضا كذلك.

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و ».

(٢) في « ج » و « د » : وأنهم فهموا كذلك.


قوله : والخاص مقدم. ( ١ : ٥٦ ).

تقديمه إنّما يكون إذا كان أقوى من العام دلالة ، على الأصح ، أو التساوي ، على غير الأصح ، وليس ما نحن فيه كذلك ، فإن دلالة العام في غاية القوة ، كما عرفت ، والخاص في غاية الضعف ، كما ستعرف.

نعم ربما يكون السند مكاتبته إلى المعصوم 7 ، لورود الرواية عن محمّد بن إسماعيل بهذا المتن مكاتبة ، لكن الظاهر أنها غير مضرة لحصول الظن.

هذا مع أن القول بالتفصيل بين النجاسات في التنجيس وعدمه من جهتها منفي في المسلمين.

قوله : فإنّ الحصر المستفاد. ( ١ : ٥٦ ).

هذا مشترك الورود في غالب ما ورد من الأخبار الخاصية في انفعال الماء بالتغير ، ولم يجعل ذلك قدحا بالنسبة إلى شي‌ء منها ، فكأنه صار المتعارف التعبير عن التغير المنجس شرعا بذكر الوصفين ، ولعله على سبيل المثال ، من جهة أن الغالب التغير بالجيف ، والغالب فيه التغير بالريح والطعم ، ولما كان الريح أغلب اقتصر في بعض الأخبار بذكره ، وصار ذكر أغلب الأفراد وأظهرها كناية عن نفس التغير ، وهو متعارف.

وبالجملة : هذا ليس مخصوصا بالمقام ، بل متحقق في المقامات المسلمة عند الخصم ، ولم يحكم فيها بمتروكية الظاهر بسببه ، بل لم يجعل ذلك حزازة أصلا ورأسا.

قوله : وعليه يحمل. ( ١ : ٥٧ ).

لعل مراده أنه وإن كان ظاهرا في النجاسة إلا أنه محمول على ما ذكرنا ، بالسبب الذي سيأتي ، فلا يكون هو أيضا دالاّ على النجاسة ، لكن لا وجه للتخصيص برواية علي بن يقطين ، ولا التزام كلفة إنكار الدلالة في‌


النزح ، إذ كيفما كان لا دلالة له على حسب ما ذكر في التطهير ( بأنه لا يدل على كون المحل نجسا ، كما تقدم بيانه في كلام الشيخ ) (١).

قوله : ومع ثبوت الملازمة. ( ١ : ٥٧ ).

يمكن أن يقال : الاحتمال كاف لا يحتاج إلى الثبوت ، إذ الخبر الصحيح حجة ، ولم يثبت ما يخرجه عن الحجية بل الاحتمال المرجوح أيضا لعله يكفي ، كما مر في مسألة وجوب الغسل لصوم المستحاضة. لكن يلزم من الملازمة كون ذكر اللون لغوا ، والمستفاد من كلام الأصحاب أن كل واحد من التغيرات لخصوصياتها مدخلية في النجاسة ، كما سنشير إليه. إلاّ أن يكون مراده التلازم غالبا ، والخبر ورد مورد الغالب ، كما هو الشأن في غالب الأخبار. فتأمّل.

قوله : لأنّه أظهر في الانفعال. ( ١ : ٥٧ ).

لا يخفى أن الانفعال من حيث هو انفعال لا يقتضي النجاسة ، وإلا لزم النجاسة بتغير الصفات الأخر ، وقد مر أنه ليس كذلك ، بل وخصوصية الانفعال وكونه بحسب الصفات الثلاثة سبب للنجاسة ، ولها دخل فيها ، فتأمّل.

قوله : بأنا لم نقف. ( ١ : ٥٧ ).

قد أشرنا إلى الحديث الذي يدل ، وسنده وإن لم يكن صحيحا إلاّ أنّ اتفاق العمل والفتوى من الأصحاب يكفي. مضافا إلى ما نقلناه عن الفقه الرضوي (٢) ، ومع ذلك تأمله في هذا الحكم ومناقشته ليس بمكانه ، للإجماع من المسلمين كافة ، كما اعترف مكررا.

__________________

(١) ما بين القوسين لا يوجد في « ب » و « ج » و « د » و « ه‍ ».

(٢) راجع ص ٤٢.


قوله (١) : بئر وقع فيها زنبيل. ( ١ : ٥٧ ).

روى عمار في الموثق عن الصادق 7 : البئر تقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : « لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » (٢).

قوله : إلا أن المراد. ( ١ : ٥٨ ).

لا يخفى أنه في الطاهر أظهر ، لأن المتعارف سرقين مثل الحمار ، والبغل ، والخيل ، والأنعام. وسيجي‌ء في مبحث النجاسات ما يدفع هذا الاستبعاد ، حيث قال جمع بنجاسة بول الدواب ، واحتمل الشارح نجاسة سرقينهم أيضا (٣). نعم سأل عن صلاحية الوضوء ، وكونه فقيها بحيث ما كان له إشكال أصلا في صلاحية الوضوء لا بدّ من ثبوته ، لأن الفقه لهم ولنا إنما حصل من سؤالهم عن المعصوم ، ولم يكونوا مفطورين على الفقه ، فالأولى أن يقال : الدلالة من جهة العذرة ، وهي تكفي ، أو يقال : ترك الاستفصال يفيد العموم ، لكن هذا فرع عدم الأظهرية.

قوله : يستلزم وصول ما فيه. ( ١ : ٥٨ ).

سيما مع كون العذرة رطبة ، كما سأله عنها ، وخصوصا أن الرطبة أعم من اللينة ، ولم يستفصل في الجواب.

قوله : من تأخير البيان. ( ١ : ٥٨ ).

بناء على أنّ الظاهر أنّ وقت السؤال هو وقت الحاجة. لكن لا يخفى أن الحال في جميع الأخبار التي أولها الشارح وغيرها ووجوهها مثل ما نحن فيه. والمعترض يدري أن أمثال هذه الأجوبة احتمالات مخالفة للظاهر ، إلاّ أنه لما ترجح عنده ما دل على النجاسة شرع في توجيه المعارض بالحمل‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٢) التهذيب ١ : ٤١٦ / ١٣١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٧ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٥.

(٣) انظر المدارك ٢ : ٣٠٣.


على خلاف الظاهر رفعا للتعارض.

وهذه هي الطريقة المقررة المسلمة عند الفقهاء من أول الفقه إلى آخره ، فمآل التوجيهات إلى أن وقت السؤال ما كان وقت الحاجة ، أو كان في الأخبار قرائن حالية أو مقالية انعدمت من تقطيع الأحاديث أو غيره من السوانح ، أو ان الخبر الواحد يمكن أن يكون المراد منه معناه الظاهري بالنسبة إلى السائل ، وخلاف الظاهر بالنسبة إلى المطلع على الصارف والقرينة ، ويكون ذلك أقرب إلى الصواب ( بل حكم الله الواقعي ، والأول الظاهري ، كما هو الشأن بالنسبة إلى المجتهدين والفقهاء ومقلديهم ) (١).

فحقيقة الجواب أن توجيه المعارض بالحمل على الكراهة واستحباب النزح أولى وأقرب ، وعلى تقدير التساوي يترجح ايضا ذلك بموافقة الأصول وغيرها.

أو يقال : ما دل على عدم الانفعال أرجح ، لموافقته الأصول والعمومات ، على حسب ما أشرنا ، وكذا موافقته للشريعة السهلة ، وغير ذلك ممّا أشرنا إليه في بحث عدم اشتراط كرية الجاري ، وتعيين الكر ، وغيرهما ، وللمرجحات التي سنذكر.

فإذا كان أرجح يتعين أن يكون هو الحجة ، فيتعين أن يكون التوجيه في مخالف الحجة ، كما مر ، وغير خفي تحقق الأمور الثلاثة جميعا في المقام ، وهي أقربية التوجيه في التعارض ، وأرجحيته ، وأرجحية ما دل على عدم الانفعال ، في كونه حجة ، بل وتعينه فيها.

قوله : هو ابن عيسى الثقة ( ١ : ٥٨ ).

الظاهر أنه عند المحقق أيضا ظاهر في الثقة ، ولهذا لا يقدح فيه إلا‌

__________________

(١) ما بين القوسين لا يوجد في « ه‍ ».


في مقام التوجيه ، دفعا للتعارض.

قوله : كما يظهر للمتتبع. ( ١ : ٥٩ ).

ولأن المطلق ينصرف إلى الكامل المشهور المعروف ، وهو إما ابن عيسى أو ابن عثمان الثقتان الجليلان ، وهذه هي الطريقة المتعارفة سيما (١) في سند الأحاديث.

قوله : وهو لا يعلم. ( ١ : ٥٩ ).

ويؤيده أنه لو كانت خرجت ولم تمت فيها لكان يذكر ، ولما اكتفى بذكر الوقوع خاصة ، كما هو المناسب لمقتضى المقام. على أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم.

وفي الصحيح عن أبان عن الصادق 7 ، عن الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعد ما يتوضأ منها ، إيعاد الوضوء؟ فقال : « لا » (٢) ، وأبان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، بل الظاهر أنه من الثقات الأجلة ، كما ذكرنا في الرجال (٣). ولذا حكم الشارح بصحة رواية أبي أسامة وأبي يوسف مع أن الراوي عنهما أبان ، لكن لم يظهر وجه عدم ذكره لهذه الرواية.

وفي الصحيح عن جعفر بن بشير الذي يروي عن الثقات ويروون عنه ، عن أبي عيينة عن الصادق 7 ، عن الفأرة تقع في البئر ، فقال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسخت فسبع دلاء » ، قال : وسئل عن الفأرة تقع في البئر ، فلا يعلم بها أحد إلا بعد ما يتوضأ منها ، أيعيد وضوءه وصلاته ويغسل‌

__________________

(١) ليس في « ج ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٣ / ٦٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٢ ، الوسائل ١ : ١٧٣ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١١.

(٣) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١٨.


ما أصابه؟ فقال : « لا ، فقد استقى أهل الدار منها ورشوا » (١). وهذه قرينة أخرى على أن المراد في الصحيحين السابقين الفأرة الميتة. وربما يظهر من العلة أن تنجس البئر بالملاقاة ربما يكون سببا للحرج المنفي.

وفي الموثق عن الصادق 7 ، أنه قال له : بئر يستقى منها ويتوضأ به ويغسل منه الثياب ويعجن به ، ثم يعلم أنه كان فيه ميتة؟ قال : فقال : « لا بأس ولا يغسل منه الثوب ولا يعيد منه الصلاة » (٢). وورد بعض الأخبار الصريحة في الطهارة ، وبعض آخر ظاهرة (٣).

قوله : والترجيح في جانبها. ( ١ : ٦٠ ).

وبما أشرنا إليه من المرجحات ، ومما يرجح بل يدل ما في كثير من الأخبار من الأمر بنزح دلاء ، ودلاء يسيرة (٤) ، مما يدل بظاهره على المسامحة ، وكذا الاختلاف الفاحش في مقادير النزح ، والجمع بين الطاهر والنجس في مقداره في غير واحد من الأخبار ، وورود الأمر بالنزح للأمور الطاهرة ، ووروده للأمور النجسة ، وورود التخيير بين مقادير النزح في كثير من الأخبار ، وعدم انضباط الدلو عند القائل بالتنجيس ، وكذا في الأخبار ، وإن ضبط في الفقه الرضوي بأنه الذي يسع ثلاثين رطلا (٥) ( على ما هو ببالي ) (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٣ / ٦٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٢ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٣ وفي النسخ : استسقى أهل الدار.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢ / ٨٥ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٥. بتفاوت يسير.

(٣) انظر الوسائل ١ : الباب ١٤ و ١٦ و ١٧ من أبواب الماء المطلق.

(٤) الكافي ٣ : ٦ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٨ ، الوسائل ١ : ١٩٣ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ١.

(٥) الموجود في فقه الرضا « ع » : ٩٢ ، والمستدرك ١ : ٢٠٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٢ : أربعون دلوا.

(٦) ليس في « ب » و « ج » و « د ».


وممّا يؤيد أيضا أنّه لا يكاد يتحقق رواية في النزح لا تكون مشتملة على ما يقول به القائل بالانفعال أو وجوب النزح. وأيضا الحكم بنجاسة الدلو والرشا وما يسقط من الدلو ثم الطهارة لعله لا يخلو عن التأييد لعدم الانفعال. ويؤيده أيضا أن الكر من الماء لا ينفعل قطعا ، فالكر منه مع انضمام المادة ( كيف ينفعل؟! ) (١). مع أنه لا يخلو عن الحرج غالبا كما مرّ الإشارة. ويؤيد الطهارة أيضا عدم أمرهم بكون الدلو خاليا عن النقوب والثقوب والتمزق ، مع عدم خلو الدلو عنها غالبا. ويؤيد أيضا عدم أمرهم بالاحتياط مهما أمكن في النزح ، بأن لا ينصب منه في البئر ، مع أن كيفية النزح مختلفة في هذا المعنى. فتأمّل.

قوله : على المعنى اللغوي. ( ١ : ٦٠ ).

الحمل فاسد قطعا ، لأن اللغوي يعرفه كل أحد ، لا أنه لا يعرفه سوى المعصوم ، ولذا لم يعرفه الراويان الجليلان ولا من بحضرتهما ولا أهل بلدهما ولا غيرهم ، ولذا اقتصر في السؤال عن المعصوم وبعث المكتوب إلى بلد بعيد ، مع أن النزح لا دخل له فيه ، فضلا عن خصوص نزح.

وأيضا المنع الشرعي كان معهودا معروفا بين جماعة من المسلمين ، بل وأكثرهم ، فلا شبهة في أن السؤال كان عن هذه الجهة.

قوله : احتج الموجبون. ( ١ : ٦١ ).

الظاهر أن منشأ ترجيحهم هو الشهرة بين القدماء.

قوله : وحجة القول الرابع. ( ١ : ٦١ ).

مر موثقة عمار الظاهرة في هذا القول ، ورواية الحسين بن صالح بن‌

__________________

(١) كما في « أ » و « و » ، وبدل ما بين القوسين في « ه‍ » : ينفعل بعيد جدّا ، والعبارة في سائر النسخ مغلقة.


حي في مبحث الكر (١) ، وعبارة الفقه الرضوي (٢) ، والاستبعاد الذي أشرنا هاهنا ، والقدماء يعملون بأمثال هذه الاخبار ، سيما مع تأييدها بما أشرنا.

وربما يؤيده أيضا أن الأغلب في البئر عدم القصور عن الكر ، فربما يؤيد جميع ما ذكر عموم المفهوم وشموله لما نحن فيه ، إلاّ أنّه يبعده العلة المنصوصة ، وترك الاستفصال بالمرة ، وما أشرنا إليه من المرجحات الكثيرة ، مضافا إلى الأصول ، فبهذا يظهر استبعاد جعل هذا المذهب وجه جمع بين الأخبار ، مضافا إلى بعده في نفسه ، فتأمّل.

قوله : بنزح جميعه. ( ١ : ٦٢ ).

نقل ابن زهرة (٣) وابن إدريس (٤) الإجماع على ذلك.

قوله : عشرين دلوا. ( ١ : ٦٣ ).

وفي رواية كردويه ورد « ثلاثين دلوا » (٥).

قوله : وبين سائر المسكرات. ( ١ : ٦٣ ).

لعل بعض الفقهاء اعتقد أن الخمر حقيقة في كل مسكر ، كما هو عند بعض اللغويين (٦) ، ولعل نظر من احتج بالإطلاق عليه في الأخبار إلى ذلك أيضا ، بأنه حقيقة في كل مسكر بالاشتراك المعنوي ، بأنّ الأصل عنده في الإطلاق الحقيقة ، وأن المجاز والاشتراك كلاهما خلاف الأصل ، واستعمال اللفظ الكلي في فرده حقيقة جائز بل شائع.

__________________

(١) راجع ص ٨١ ـ ٨٢.

(٢) راجع ص ٥٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢.

(٤) السرائر ١ : ٧٠.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٥ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٢.

(٦) انظر إيضاح الفوائد ٤ : ١٥٦ ، والقاموس المحيط ٢ : ٣٢.


ولو قال بالاشتراك اللغوي اللفظي فلا يمكنه الاحتجاج ، لأن الجمع بين معنيي المشترك في إطلاق واحد غير جائز على الأصح ، فضلا عن أن يكون ظاهرا فيهما ، وخصوصا في ما نحن فيه ، لأن بين المعنيين عموما وخصوصا مطلقا ، فتأمّل.

ويمكن أن يكون مراده الإطلاق مجازا ، كما هو ظاهر قولهم ، فيثبت له حكمه ، وذلك لأن العلاقة ليست إلا الحكم الشرعي ، كما هو ظاهر ، فحيث لم يعين تكون العلاقة جميع الأحكام الشرعية ، مثل حرمة الشرب ولزوم الحد على الشارب ، وشدة التحريم ، ونزح البئر ، وغيرها ، مثل حرمة التداوي وغيرها.

نعم يمكن أن يقال : حرمة الشرب هي المتداول ، بل وشدة التحريم أيضا ، وذلك لأن المشبه به إذا اشتهر في حكم من الأحكام يكون ذلك منساقا إلى الذهن فقط ، فلا داعي إلى التعميم ، وإلا فلعل التعميم له وجه ، كما هو الحال في المطلقات وحكاية المنزلة ، فتأمّل.

ولعل الظاهر من القدماء التعميم مطلقا ، مع أن القائل بانفعال البئر بالملاقاة ربما يستدل بما سننقل عن المحقق في المني وغيره.

قوله : فإن الإطلاق أعم من الحقيقة. ( ١ : ٦٣ ).

لا يقال : قد مرّ عن الشارح أن اللفظ يحمل على الحقيقة.

لأنا نقول : ذلك في موضع عرف الحقيقة من المجاز ، واستعمل اللفظ مجردا عن القرينة ، ولا يعلم أنه مستعمل في الحقيقي أم المجازي ، فإنه يحمل حينئذ على الحقيقي قطعا ووفاقا ، وبرهن على ذلك بأربع حجج في موضعه. وأمّا إذا علم الاستعمال ولم يعلم أن المستعمل فيه حقيقة أو مجاز ففيه مذاهب : الأول : أنّه حقيقة بناء على أنّ الأصل الحقيقة ، وغير مرضي هذا عند المحققين المتأخرين وجمع من القدماء ، وهذا الأصل عندهم لا أصل له إما مطلقا أو إذا تعدد المستعمل فيه ، لأن المجاز عندهم خير من‌


الاشتراك ، ومما ذكر ظهر المذهب الثاني والثالث. والرابع : أنه مجاز ، لأنه الأصل في كلام العرب ، بمعنى أنه الظاهر ، لأن الغالب في معانيهم المجاز.

قوله : تمسكا بمقتضى. ( ١ : ٦٥ ).

كان الأولى أن يقول فيه أيضا مثل ما قال في قطرة الخمر ، وما نقل في المسكر والفقاع وارد في العصير أيضا ، بل وأشد ، يظهر ذلك من الأخبار الواردة في علة (١) حرمة الخمر ، فلاحظ الكافي وغيره (٢). وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

قوله : أو مني. ( ١ : ٦٥ ).

نقل ابن زهرة وابن إدريس الاتفاق من الأصحاب عليه (٣). واستدل المحقق بأنه ماء محكوم بنجاسته ولم يثبت طهارته ، فيجب نزح الجميع (٤) ، وهذا يناسب القائل بالتنجيس.

قوله : على قول مشهور. ( ١ : ٦٥ ).

نقل ابن زهرة الإجماع ، وابن إدريس الوفاق ، واحتج في المختلف بمثل ما مر عن المحقق في المني (٥).

قوله : ثور أو نحوه. ( ١ : ٦٦ ).

في شموله للبقرة تأمّل ، إذ لو كان المراد ما يعمها لكان يقول : إن مات فيها البقر ، فتأمّل.

__________________

(١) ليست في « أ » و « و ».

(٢) الكافي ٦ : ٣٩٣ ، علل الشرائع : ٤٧٥ ، الوسائل ٢٥ : ٢٨٢ أبواب الأشربة المحرمة ب ٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ ، السرائر ١ : ٧٠.

(٤) المعتبر ١ : ٥٩.

(٥) المختلف ١ : ٣٥.


قوله : ثم يقام. ( ١ : ٦٧ ).

قيل : هو بفتح الثاء ، وقيل : هو زائد ، ويؤيده أن المحقق لم يأت به عند ذكر الرواية (١) وربما يكون المراد تقدير كلمة « قال » بعد « ثم » ، بل ورد في بعض النسخ ذكر هذه الكلمة بعده صريحا ، وهو الأظهر. ويمكن أن يكون المراد الترتيب الخارجي ، وأن يكون من كلام عمار ، كما هو دأبه في ازدياد أمثال هذه ، سيما لفظ ثم بخصوصه ، فليتتبع رواياته وليتأمّل.

وبالجملة : بعد اتفاق الأصحاب على الفهم وعدم تأمّل أحد منهم ، مع أنهم هم الماهرون المطلعون الشاهدون ، لا وجه للتأمل من هذه الجهة. فتأمّل.

قوله : أعيان مخصوصة. ( ١ : ٦٧ ).

لم يقل أحد بالاختصاص ، وربما كان خلاف الإجماع لو لم يحتمل مخالفة الظاهر.

وبالجملة : حال المقام حال سائر المقامات التي يتعدى الشارح ـ ; ـ من خصوص المورد. مع أنهم حملوها على صورة التغير من تلك الأعيان ، جمعا بين الأخبار ، وعلما منهم بأن نزح الجميع لموت الفأرة ـ بل ومثل الكلب أيضا ـ فاسد. وتعديهم في التراوح عن صورة التغير بناء على القياس بطريق أولى ، وعدم القائل بالفصل.

قوله : بروايته وأمثاله. ( ١ : ٦٨ ).

ويؤيده اشتهار العمل بخصوص هذه بين الأصحاب ، بل وعدم الخلاف بين القائلين بالتنجيس ، فتأمّل.

قوله : من القائلين بالتنجيس. ( ١ : ٦٨ ).

بل ونرى القائلين بالطهارة أيضا حكموا به.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٥٩.


قوله : ولا بأس به. ( ١ : ٦٨ ).

فيه تأمّل ، لأن مسألة التراوح حكم شرعي ، فلا دخل لمعرفة العرف ، وظاهر الخبر أنه يمتد النزح إلى الليل ، والغالب فيه جانب التعبد ، ولذا لا يكفي نزح الليل ، ولا ليلا ونصف اليوم ، واعتبر كون النازح اثنين ، وأنه لا بدّ من تراوحهما.

قوله : وهو حسن. ( ١ : ٦٨ ).

هذا أيضا لا يخلو من تأمّل ، لما عرفت.

قوله : في المنتهى الإجزاء. ( ١ : ٦٩ ).

هذا أيضا محل نظر ، لما عرفت.

قوله : كما هو المتعارف. ( ١ : ٦٩ ).

لعل الأولى أن يقول : كما هو ظاهر الخبر ، من أن الاثنين ينزحان ، إذ لم يوجد تعارف في نزح البئر بمتعدد. ولعل مراده أنه بعد اعتبار التعدد ووقوعه يكون المتعارف كذلك. وكيف كان ، الأجود ما ذكرناه.

ومقتضى ما ذكره أنه مع عدم الحاجة إلى الاثنين يكفي الواحد ، إذ في الصورة النادرة ربما لا يمكن الإعانة ( لضيق الموضع ، أو يمكن لكن يتحقق ببطء معتد به لذلك ، مع أن المتعارف عدم الحاجة إلى الاثنين في الإعانة ، بل ) (١) وربما يحصل منه بطء ، بل لعله الغالب. ولعله لذا ذكر جده ما ذكر ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف له. ( ١ : ٦٩ ).

لعل مستنده رواية عمرو بن سعيد الآتية (٢) ، كما ستعرفه.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٢) انظر المدارك ١ : ٧٤.


قوله : بدخولها. ( ١ : ٦٩ ).

لا يخفى أنهم ما عملوا بهذه الصحيحة ، ولهذا ألحقه بما لا نص فيه.

قوله : فيبقى الباقي. ( ١ : ٧٠ ).

أي استثنيا من هذا الحكم الإبل والثور ، ويريد (١) مع ذلك الفأرة والكلب والطير أيضا ، بدليل من كلام أو قرينة ذهبت من تقطيع الأحاديث أو غيره من السوانح ، والمعارض كاشف عنه ، أو ما كان مقام السؤال مقام الحاجة.

والمراد من قوله : أيضا المساواة. ، أنهما سوّيا بين ما ذكر بإرادة نزح مطلق الدلاء بالنسبة إلى هؤلاء الرواة ووقت سؤالهم ، بناء على أنه كان وقت الحاجة لهم ، إلا أنهم كانوا يريدون الكثرة بالنسبة إلى بعض ما سأل عنه ، والقلة بالنسبة إلى بعض آخر ، لكن ما بينوا لهم وقت سؤالهم ، لوجود مصلحة ، وبينوا بعد ذلك لهم أو لغيرهم ، فكان الحكم الظاهري في حقهم وحق من لم يطلع على البيانات التسوية ، والحكم الواقعي في حق المطلع التفصيل. فالمراد بالإرادة الأولى إرادة الحكم الظاهري ، والثانية الحكم الواقعي ( أو لم يكن المقام مقام الحاجة ، أو ذهبت القرينة ) (٢) ، وقد عرفت أن الوجوه الثلاثة هي الوجوه في اختلاف الأخبار ، والمصحح للجمع بينها ، فتدبر.

قوله : لا يقال. ( ١ : ٧٠ ).

دفع إيراد لأجل تصحيح معنى الحديث بحسب الواقع لا بحسب تمحله الذي ارتكبه ، لأن إرادة الكر من الدلاء يوجب كون المراد من الدلاء معنى مجازيا ، فكيف يتحقق الجمع بين الحقيقة والمجاز؟! وتخصيص‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « ه‍ » : أو يريد ، وفي « د » : أو يزيد.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « أ » و « و ».


الإيراد بصورة كون الحقيقة هي القلة ، والمجاز الكثرة ، فاسد من وجوه ظاهرة على الفطن. مع أنه كما ورد المقيد في جانب الكثرة كذا ورد في جانب القلة ، بل هو أقوى وأظهر.

وممّا ينادي على ما ذكرناه من أن التصحيح بحسب الواقع لا بحسب التمحل ، قوله : لكن إن حمل. ، فإن إرادة مطلق الجمع تنافي إرادة خصوص الكر ، وأيضا لا ربط له بحكاية الافتراق بالقلة والكثرة.

فإن قلت : لعل مراده من مطلق الجمع مجموع جمع القلة والكثرة ، على أن يكون كل واحد منهما بخصوصه مرادا ، كما فهمه الشارح فأورد عليه بما أورد.

قلت : هذا فاسد من وجوه :

الأول : أن إرادة كل واحد منهما بخصوصه هي التي استحالها ( المعترض فمنع استحالتها ) (١) ، فكيف يقول بعد تسليم استحالتها إن حمل على إرادته لم يلزم ما ذكرتم؟! إذ الاستحالة ظاهرة ، واللزوم واضح ، بل هو هو بعينه.

الثاني : أن لفظ مطلق الجمع ظاهر بل حقيقة في الجمع من حيث إنه جمع ، من غير قيد خصوصية وملاحظة ذلك القيد.

الثالث : أن قوله : على أن لنا في كون. ، ظاهر في أن المراد إثبات مطلق الجمع ، لا مجموع الجمعين على ما ذكره الشارح.

الرابع : قد عرفت مما ذكرناه أنه غير خالص من الاعتراض السابق ، من أنه لا يتحقق هنا معنى حقيقي ، فتأمّل.

الإيراد الذي أورده الشارح ، بأن إطلاق الأرض على مجموع السماء والأرض في غاية الشناعة والفظاعة ، لا يرتكبه مرتكب له في العلم نصيب ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».


بل ولو لم يكن له نصيب ، فإن العوام أيضا يشمئزون منه.

قوله : وكلام الجوهري. ( ١ : ٧١ ).

فيه نظر ، لأن الجوهري قال : اسم لكل ما يركب ، وظاهر لفظ الاسم كونه حقيقة ، إذ المجاز لا يقال له : اسم للمعنى المجازي ، والأسد ليس اسما إلا للحيوان المفترس ، وإطلاقه على الرجل الشجاع مستعار.

( ويؤيده أنه لا تأمّل في كون ما يدبّ على الأرض معنى حقيقيا لغة ، فيظهر أن المراد بالاسم هو المعنى الحقيقي. وأيضا : الجمع بين ما يركب وما يدب بعبارة واحدة ونسق واحد يؤيد كون ما يركب معنى حقيقيا لما يدب ، بل قال في القاموس : الدابة ما دب من الحيوان ، وغلب على ما يركب (١) ، فيظهر منه أنه عند الإطلاق يحمل على ما يركب.

ثم لا يخفى أن الشارح ديدنه التمسك قول اللغوي ومجرد إطلاقه ، كما لا يخفى على المتتبع ، فكيف يتأمّل مع التصريح بأنّه اسم لكذا ، بل ومع تكراره وعدم الاكتفاء بالعطف ) (٢).

قوله : فإنّ الإطلاق. ( ١ : ٧١ ).

لا يخفى أن ذلك ليس من المسلمات عند الفقهاء سيما القدماء ، بل لعل الظاهر من أكثرهم ـ لو لم نقل بالكل ـ أن الأصل في الإطلاق الحقيقة.

سلمنا ، لكن يظهر من كلام الجوهري أن المعنى منحصر في المعنيين ، موافقا لما في القاموس ، فإذا كان قرينة صارفة عن أحدهما يتعين الثاني ، كما هو الشأن والطريقة في تعيين المعاني اللغوية وغيرها عند الفقهاء وغيرهم من العلماء ، وهي الطريقة الشائعة المتعارفة في فهم المعاني والاستدلال بالألفاظ عليها.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٦٧.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « ه‍ » و « و ».


على أنك قد عرفت فيما سبق أنه إذا تعذر الحقيقة فالمجاز المشهور المعروف متعين ، وعرفت وجهه فلاحظ.

قوله : مع أنه قد اشتهر. ( ١ : ٧١ ).

فيه : أنه قد تقدم منه في صدر مبحث البئر أن اللغة تقدم على العرف (١) ، ( وربما كان رأي كثير من الفقهاء ذلك ، بل وربما يظهر ذلك من طريقة القدماء ، والدليل ما أتى به لهم ) (٢) ، وحمل الألفاظ على المتعارف ليس مسألة وفاقية ، بل ربما يظهر من القدماء الحمل على جميع ما يصدق عليه ما وضع له حقيقة.

وغرض العلامة أن المشهور من القدماء هو نزح الكر ، فلعل نظرهم إلى ذلك ، أي الذي أتى به لهم ، بناء على أن ذلك يكون مذهبا لهم ، كما لا يخفى على من اطلع على طريقة العلامة في التشبث لأحكام الفقهاء بما يمكن أن يكون نظرهم إليه ، وإن لم يكن مرضيا عنده. وقوله : أن لقائل. ، وقوله : ويمكن التمحل. يشهدان على ما ذكرنا ، وكذا قوله : فإما أن تكون للعموم. ، إذ القدماء يبنون على العموم جزما ، فلعل رأيهم رأي الجبائيين ، فتأمّل.

ثم لا يخفى أن ما ذكره الشارح هنا سد لباب التمسك بقول اللغوي مطلقا ، إذ لا يصرحون بأن المعنى الحقيقي ما ذا ، بل ولا يظهر منهم أيضا ذلك بوجه من الوجوه ، بعد منع دلالة مثل لفظ « اسم لكذا » على الحقيقة ، وصرح بأن المجاز ليس بحجة ، والإطلاق أعم من الحقيقة والمجاز ، بل غالب إطلاقاتهم المجاز ، فما أدري بأي عذر يتمسك هو وغيره بقولهم وما ذكروه في كتبهم ، من دون أن يثبت من الخارج كونه حقيقة؟! بل ومع الثبوت‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٥٣.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « ه‍ » و « و ».


من الخارج لعله لا يحتاج إلى كتبهم وأقوالهم ، فتأمّل.

قوله : على المعنى المتعارف. ( ١ : ٧١ ).

ربما يقال : إنه من باب تقديم العرف على اللغة ، وقد مر الكلام فيه.

وأما الجوهري فلعل مراده ما يركب وإن ركب نادرا ، كالدابة ، لا أنّه اسم لما يركب متعارفا ، كما أن الدابة ليس اسما لما يدب متعارفا ، بل مطلق ما يدب ( بالقياس إلى المعنى الأول ، فإنه لا يخرج عن مفهومها ) (١) ، فتأمّل.

قوله : لو تم ما ذكره لاقتضى. ( ١ : ٧١ ).

لا يخفى أن مراده أن لفظ الدابة اسم لجنس ما يركب ، وهو ظاهر ، والألف واللام وضع للتعريف ، فيكون المراد تعريف الجنس والإشارة إليه ، فيكون حقيقة في الجنس. وهذا هو المذهب الحق ، كما حقق في موضعه.

فعلى هذا إذا علق حكم على الجنس والطبيعة مثل أن يقال : البيع حلال ، لا جرم يكون المراد أن هذه الطبيعة من حيث هي هي حلال ، على ما هو المذهب الحق من أنّ الطبائع تصير متعلقة للأحكام ، فإذا كان متعلق الحكم الطبيعة من حيث هي هي يكون في كل فرد يتحقق الطبيعة يتحقق الحكم ، فلو تحقق فرد لم يكن فيه الحكم يلزم منه أن لا يكون الطبيعة متعلق الحكم ، لوجودها بدونه ، والمفروض أنّ الحكم تعلق عليها حيث قال : الطبيعة حلال ، مثلا.

وهذه الطريقة ( هي الحق ) (٢) في إفادة المفرد المحلى باللام للعموم. ونفس الإفادة مسلمة بين الفقهاء ، إلا أنهم يختلفون في وجه الإفادة ، كما أشرنا إليه سابقا.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب ».


لكن لا يقتضي الإفادة مطلقا ، فلو قال المولى لعبده : أوجد البيع ، أو افعل البيع ، أو بع ، لا يلزم منه أن يكون الواجب عليه الإتيان بجميع أفراد البيع ، بل يكفي إيجاد الطبيعة في ضمن فرد مّا ، كما هو المحقق عند معظم المحققين.

والفرق بين ذلك وبين المقام ظاهر واضح ، لأن الطبيعة تكون متصفة بوصف متعلقة لحكم ، وإذا كانت كذلك تقتضي أن لا تنفك عن الوصف أينما وجدت ، وإلاّ لم تكن من حيث هي هي متعلقة الحكم ، بل يكون لأمر آخر مدخلية وسببية في تحقق الحكم في الطبيعة ، وهو مثل خصوصية تشخص فرد ، أو فصل ، أو نوع ، أو مميز صنف ، أو فصل أنواع ، أو مميز أصناف ، فلا يكون حينئذ الطبيعة من حيث هي هي متعلقة الحكم ، بل بشرط وجودها في فرد ، أو نوع ، أو أصناف ، أو أفراد. فيكون المراد من العلية ما أشرنا إليه.

وأيضا : تعليق الحكم على الوصف ظاهر في علية الوصف ودورانه معه ، فكذا تعليقه على الماهية يقتضي عليتها ودورانه معها ، مثلا : إذا قال : الإبل السائمة فيها الزكاة يقتضي أن يكون كل سائمة فيها الزكاة ، وإذا قال : الإبل فيها الزكاة يقتضي أن يكون كل إبل فيها الزكاة.

وأيضا : معنى تعليق الحكم على الماهية أنه منوط بها ، فالماهية مناط ، والمراد من العلة هو المناط.

وبالجملة : لا شبهة في حقية ما قال ، وهو مختار معظم المحققين ، وظهر أيضا أن إفادة العموم ليست على الإطلاق ، على حد الصيغ الموضوعة للعموم ، وهو ـ ; ـ ينكر هذا ، لا أنها لا تفيد العموم في أمثال المقام ، كيف والاستدلال بالعموم فيها طريقته وطريقة غيره من الفقهاء.

قوله : على حكم الثور. ( ١ : ٧١ ).

لا يخفى أن الأصحاب أعرضوا عن حكم نحو الثور بالمرة ، فكيف‌


يجعله مخرجا ، والبناء في باب النزح قد عرفت ، فتأمّل.

قوله : على حكم مثله. ( ١ : ٧١ ).

فيه : ما أشرنا من أن شمول نحوه لمثل البقرة محل تأمّل ، ولذا ما فهم الأصحاب الشمول ، وما بنوا الأمر عليه ، على أنا قد أشرنا إلى أن مراده الإتيان بما يحتمل أن يكون مستمسكهم ، ولا شك أن الأصحاب لم يقولوا بالشمول لداع دعاهم إلى ذلك قطعا ، كما أن قولهم بالكر في البقرة لداع عندهم وفي معتقدهم قطعا ، فيحتمل أن يكون هو الذي ذكره ، لأن بعض مقدماته حق ، ( وبعضها حق عندهم ) (١) ، وبعضها حق عند بعض الفقهاء ، ولعل رأيهم رأيه ، فتأمّل.

قوله : من الألفاظ العامة. ( ١ : ٧٢ ).

في الغالب كذلك لا مطلقا ، وبحسب اللغة يصدق على خروج بعض أجزاء الحديث واستثنائه ، ولم يثبت اصطلاح ووضع جديد ، كيف والمستثنى هو المخرج من متعدد. سلمنا ، لكن القرينة هاهنا واضحة ، ولا مشاحة في الاستعمال ولا مانع منه ، فتدبر.

قوله : والأمور المتعددة. ( ١ : ٧٢ ).

فيه : أنه لا شك في صحة الاستثناء في الجواب بأن يقال : ينزح دلاء إلا للكلب فينزح أربعون ، وصحته من أمارات العموم. على أنه لا شبهة في أن الحكم لم يتعلق بكل واحد على انفراده نصا ، والمطابقة بين السؤال والجواب لا يقتضي أزيد من الظهور ، فلا يمتنع من الاستثناء متصلا أو منفصلا إذا وجد.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ج » و « ه‍ ».


قوله : تعارض الخبران. ( ١ : ٧٢ ).

لا يخفى أن طريقة الشيخ وغيره أيضا أنه إذا حصل المانع عن العمل ببعض أجزاء الخبر لا يخرج بمجرد هذا عن الحجية أصلا ورأسا ، بل يعملون بالباقي ، وقد أشرنا في مسألة الغسل لصوم المستحاضة (١) وغيره إلى ذلك. على أن طريقة الكل في حكاية النزح ذلك ، بل ليس عمل القدماء فيه إلا ذلك ، كما لا يخفى على المتتبع المتأمّل.

قوله : لزم الإغراء بالجهل. ( ١ : ٧٢ ).

لا يخفى أن المدار في الجمع بين الأخبار حمل ماله ظاهر على خلاف الظاهر ، فعلى ما ذكره لزم أن لا يكون توجيه آية ولا حمل خبر جائزا أصلا ، وهو خلاف ما اتفق عليه جميع العلماء (٢).

وهو ـ ; ـ من أول الكتاب إلى آخره شغله وطريقته ذلك ، وقد أشرنا إلى وجه الجواز ( ومبناه فلاحظ ) (٣).

قوله : يلحق بالهذر والهذيان. ( ١ : ٧٢ ).

لا يخفى أنه ـ ; ـ صرح بأنه تمحل ، وما ذكره الشارح هو وجه كونه تمحلا ، فلا وجه للاعتراض عليه بوجه من الوجوه ، سيما بهذا الوجه الذي لا يناسب الأدب.

على أن الدلاء جمع كثرة ، وصيغة الجمع موضوعة للثلاثة فما فوقها بلغ ما بلغ ، أو الأزيد من العشرة كذلك ، ولا يجب أن يكون استعماله منحصرا في أقل مرتبة من مراتبه ، بل كل مرتبة من مراتبه تكون معنى حقيقيا‌

__________________

(١) راجع ص ٣٢.

(٢) في « ب » و « ج » و « د » : الفقهاء.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».


لها وإن بلغت ما بلغت ، فيقتضي ذلك جواز الاستعمال في كل مرتبة قطعا ، غاية الأمر أن إفادة تلك المرتبة بخصوصها تحتاج إلى القرينة ، والمقيد الذي ادعاه يكفي لكونه قرينة ، كما اعترف به ، وإن أراد أنه كذلك إن ثبتت القرينة فهذا بعينه هو ما ذكره بقوله : ومع ذلك كله فالمقيد. ، فلا وجه لإيراد آخر ، ولا ما قاله بقوله : ومع ذلك كله. ، ومع ذلك سنشير إلى مقيده.

ثم ما ذكره بقوله : يكاد أن يلحق. ، إن أراد أنه مع القرينة أيضا لا يجوز الإرادة ففساده قد عرفت ، وإن أراد أنه بلا قرينة لا يجوز ، ففيه : أنّه تعالى تكلم بالمتشابه ، كما صرح بقوله ( مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ). (١) ، الآية ، وكذلك الحجج صلوات الله عليهم ، كما ورد في الحديث : « إنّ أحاديثنا فيها محكم كمحكم الكتاب ، ومتشابه كمتشابهه » (٢) ، الحديث ، والتتبع أيضا كاشف عن ذلك ، والحكماء أيضا يتكلمون بالمتشابهات على حسب المصالح ، بل أكثر الآيات القرآنية كذلك ( مع أن جميع الأحكام في القرآن ولا نعرفه منه ) (٣) ، فالقول بأنه يكاد يلحق بالهذر والهذيان فيه ما فيه.

وأيضا : إن أراد أن القرينة لا بدّ أن تكون موجودة في نفس الحديث ففساده واضح وقد أشرنا إليه ، وإن أراد أنّه لا بد أن تكون قرينة حالية أو مقالية للمخاطب وليس في ما نحن فيه ، ففيه : أن عدم الوجدان لا تدل على العدم واقعا. والحكم بمجرد أصالة العدم بكون الكلام هذرا وهذيانا ، فيه ما فيه ، وغايته أنا لسنا مكلفين بما لا نفهم الآن لو انسد باب الفهم من الأخبار وكلام‌

__________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) عيون الأخبار ١ : ٢٢٦ / ٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ١١٥ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و ».


القدماء ، والقدماء فهموا من رواية عمرو بن سعيد (١) كون الكر لخصوص الحمار ، لمعارضة أخبار أخر ، وطريقتهم في أخبار النزح كذلك ، كما أشرنا ، والشيخ صرح بما ذكرنا.

ولما كان الحمار مما يركب يمكن أن يكونوا جعلوا حكمه قرينة معينة على إرادة الكر من الدلاء للدابة ، وإن كان هذا تمحلا عند العلامة أيضا ، إلا أنه ـ ; ـ لما لاحظ طريقتهم في حكاية النزح ، وأن بناءهم على التفريق بين المجتمع في الحديث ، والجمع بين متفرق في الأحاديث ، وجعل بعضها شاهدا على بعض ، ومانعا وصارفا عن بعض ، ومع ذلك حكموا في البقرة بنزح الكر ، فيشبه أن يكون حكمهم هذا من جملة أحكامهم ، فلذا ذكر ـ ; ـ ما ذكر ، فتدبر.

وبالجملة : أقصى ما يرد في هذا الاعتراض أن المقيد الذي يكون خالصا عن جميع الإيرادات سالما من جميع الوجوه ، تحققه في المقام غير معلوم على الشارح وأمثاله ، والعلامة ـ ; ـ يظهر من كلامه أنّ الأمر كذلك ، حيث صرح بالتمحلية ، فلا وجه للإيراد الذي أورده ، سيما مع التطويل والتشديد ، بعبارات ركيكة غير مناسبة إلى الأقل من العلامة ـ ; ـ آية الله في العالمين ، فضلا عنه ، خصوصا مع كون ما ذكره ظاهر الفساد على حسب ما عرفت.

نعم يتوجه عليه أنه إذا عرفت أنه تمحل فلا وجه للاستدلال لهم ثم التصريح بأنه تمحل ، لكن قد عرفت وجه اندفاع هذا الإيراد أيضا عنه ، مع أنه لعله ظهر له أنهم تمسكوا بمثل هذه الرواية في حكم البقرة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٥ / ٦٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩١ ، الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٥ ، وانظر المدارك ١ : ٧٤.


قوله : وفيه بحث. ( ١ : ٧٣ ).

فلا وجه للاعتراض عليه ( بل لا وجه لهذا الاعتراض عليه ) (١) أيضا ، وقد أشرنا إلى وجهه.

قوله : وتمام تحقيق المسألة. ( ١ : ٧٣ ).

لا يخفى ما فيه ، لأن مطلق الجمع جزء جمع القلة والكثرة ، وكلي بالنسبة إليهما ، فهو من قبيل استعمال لفظ الكل وإرادة الجزء ، بل الفرد وإرادة الكلي ، بل ما ذكره العلامة ـ ; ـ هو بعينه عموم المجاز الذي صرح الأصوليون بجوازه في المسألة المزبورة ، وعدم نزاع فيه منهم أصلا.

قوله : في المعتبر. ( ١ : ٧٤ ).

لفظ البغل موجود في بعض نسخ التهذيب بعنوان النسخة ، فليلاحظ.

قوله : أما أولا. ( ١ : ٧٤ ).

أما على القول باستحباب النزح ـ وهو الأظهر ـ فلا وجه لأمثال هذه الإيرادات ، من جهة تسامحهم وقد عرفت الجهة (٢) ، وأما على القول بالوجوب فلعل الشهرة في الفتاوى تجبره ، فتأمّل. مع أن أمثال هذه الاعتراضات غير واردة على القدماء أصلا ، كما لا يخفى.

قوله : من إيجاب النزح. ( ١ : ٧٥ ).

وإيجاب السبع لما بين السنور إلى الشاة ، بل وما بين الفأرة إلى السنور أيضا.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٢) راجع ص ١١٤ ، ١١٥.


قوله : غير معقول. ( ١ : ٧٥ ).

فيه ما أشرنا إليه في بحث وجوب الغسل لصوم المستحاضة (١) ، وفي المبحث السابق بتمامه.

قوله (٢) : دون الجمل. ( ١ : ٧٥ ).

فيه تأمل نبهنا عليه هناك.

قوله : والأجود إلحاق البقرة. ( ١ : ٧٥ ).

أقول : قوله : حتى بلغت الحمار والبغل ، بعد قوله : ففي كل ذلك يقول : سبع ، شاهد على أنه كان يسأل عن حيوان حيوان بترتيب الجثة في الصغر والكبر ، فيكون قوله : حتى بلغت الحمار والبغل ، في قوة أن يقال : حتى بلغت إلى هذه الجثة ، ولعله لذلك فهم الثلاثة الكر في البقرة أيضا ، كما يظهر من الشيخ ـ ; ـ ذلك ، فلاحظ.

قوله (٣) : لاندراجهما. ( ١ : ٧٥ ).

فيه أيضا تأمّل.

قوله : وإلا فللتوقف. ( ١ : ٧٥ ).

لعله ليس في موضعه ، لما حققناه في الرجال (٤) ، مضافا إلى ما مر آنفا.

قوله : فتكون للاستغراق. ( ١ : ٧٥ ).

يمكن المناقشة في تبادر الشمول للكافر ، بل ويدعى تبادر المسلم ، كما أن المتبادر من لفظ الجنب الذي يقع في البئر أو يغتسل فيه هو المسلم ،

__________________

(١) راجع ص ١٢١.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) هذه الحاشية توجد في « ه‍ » فقط.

(٤) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٦ ، ١١ ، ٢٤٣.


مع أنّ اليهود والمجوس والصابئ وغيرهم أيضا يغتسلون. والأصحاب أيضا ظاهرهم عدم الاكتفاء بسبع دلاء للكافر.

قوله : وخالف في ذلك ابن إدريس. ( ١ : ٧٦ ).

لا شك في تناول الإنسان للجنب والملوث بالنجاسة كالمني والعذرة ، وظاهر أنهم لا يقولون بالاجتزاء فيها وإن قال بعضهم بالتداخل.

قوله : فلا يزول. ( ١ : ٧٦ ).

وله أن يتمسك باستصحاب نفس النجاسة ، فتدبر.

قوله : منصوص مدفوع. ( ١ : ٧٦ ).

لا شك في أن نجاسة الكفر أمر على حدة ، ونجاسة الموت أمر على حدة ، بل بينهما تبائن كلي ، وقصارى ما يتوهم العموم من وجه ، والمعصوم 7 تعرض لحكم نجاسة الموت خاصة ، فكيف يتأتى أن يقال : إنّه تعرض لحكم نجاسة الكفر أيضا ، ويجعل داخلا في المنصوص خارجا عما لا نص فيه ، ولذا لو تعرض لحكم نجاسته وصرح بأن حكمها نزح الجميع لم يعد الكلامان والحكمان متنافيين أصلا ، لا بحسب الظاهر ولا بحسب الواقع ، وإن قال ذلك في موت الكافر في البئر.

على أنّا نقول : أهل العرف لا يفهمون من الحكم المعلّق على الطبيعة أزيد من أنه حكم الطبيعة من حيث هي هي ، أينما وجدت وفي أي فرد معين تحققت ، فتدبر.

قوله : وإذا ثبت الاكتفاء. ( ١ : ٧٦ ).

يمكن لابن إدريس أن يقول : المستفاد من النص أن السبعين للنجاسة الموتية للإنسان من حيث هو إنسان ، وأما النجاسات الأخر فلا يظهر منه ،


ولذا لو كان متلوثا بالمني أو غيره (١) لم يظهر من النص نفي مقدرة حينئذ ، مع أن استفادة العموم بحيث يشمل الكافر لا يخلو من تأمّل أشرنا إلى وجهه.

قوله : وظاهر كلام العلامة. ( ١ : ٧٦ ).

ليس كذلك ، بل كلامه صريح في كون محل النزاع موت الكافر في البئر ، نعم هو حقق تحقيقا من قبل نفسه وعمم التحقيق ، ووجه التعميم أن الفقهاء عندهم بحسب الظاهر أنه لا فرق بين الموت في البئر ووقوع الميت ، لأن علة النجاسة هي الموت ، فتأمّل ( كلامه ) (٢).

قوله : وأما ثانيا. ( ١ : ٧٧ ).

الجمع بين هذا الاعتراض وما سبق ليس بجيد ، إذ لو كان محل النزاع الوقوع ميتا لا جرم يكون احتجاجه بمفهوم الموافقة. إلاّ أن يقال : مع قطع النظر عن كون محل النزاع الوقوع حيا احتجاجه في غاية الظهور ، لكن العلامة صرح بأن دليل ابن إدريس هو الملاقاة حال الحياة ، وعدم اقتضاء الموت التطهير ، ومنعه نجاسته للكفر ، بناء على ما حققه ، كما أشرنا.

قوله : مرجعه إلى الأدلة. ( ١ : ٧٧ ).

أي ما دل على نجاسة الكافر ، لكن هذا على القول باشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق فاسد ، وعلى القول الآخر موقوف على كون الكافر الميت من الأفراد الشائعة المتبادرة من لفظ الكافر ، مضافا إلى أن المعتقد هو الروح ، ولعله لذا أمر بالتأمّل.

قوله : ويمكن. ( ١ : ٧٨ ).

فيه إشارة إلى أنه ـ ; ـ يأتي بالنكتة لاختيارهم خصوص‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : كما إذا كان جنبا غير متلوث.

(٢) ليس في « ب » و « ج » و « د ».


الخمسين في فتواهم ، وهي أنهم يختارون الأكثر للاحتياط وتحصيل البراءة اليقينية ، ولا يخفى على المتأمّل أن هذه طريقتهم في حكاية النزح ، ومراعاة ما ذكره ـ من أنّ التخيير بين الأقل والأكثر يقتضي عدم وجوب الزائد ـ تحقق مذهب الشارح ـ ; ـ من أن البناء على الاستحباب مطلقا ، إذ ما يقتضي عدم وجوب الزيادة غير مختص بالخصوصية التي ذكرها ، بل هي منها ، بل شدة اختلاف الأخبار والحكم بنزح دلاء على الإطلاق وغير ذلك مما أشرنا إليه في ترجيح عدم انفعال البئر أيضا يقتضي الاستحباب ، بل وأظهر من الاقتضاء. مع أن هذا التخيير أيضا غير مختص بالمقام.

وبالجملة : مراعاة ما ذكره يهدم بنيان بنائهم من الأساس ، فلا يناسب جعله اعتراضا في خصوص المقام. فتأمّل.

قوله : إيجاب أحدهما. ( ١ : ٧٨ ).

لعل مراده أن إيجاب أحدهما في الواقع يستلزم إيجاب الأكثر بحسب الحكم الظاهري ، لأنه مقتضى الدليل ، لأن النجاسة ثابتة حتى يثبت المطهر ، وبالاحتمال لا يثبت ، والترديد لعله لأجل مصلحة اقتضاها المقام.

وكون المراد إيجاب أحدهما تخييرا في الواقع يأباه أن الواجب التخييري عند الشيعة مجموع الأمرين من حيث المجموع ، إلاّ أنّه بفعل أحدهما يسقط الآخر ، وأما وجوب أحدهما مبهما فهو رأي الأشاعرة ، وقد أبطلته الشيعة والمعتزلة ، وزيفوه ، وشنعوا عليهم ، كما قرر في محله.

وأيضا : هذا التوجيه إنما ذكره العلامة لأجل القائلين بأن النزح ليس إلا لرفع النجاسة أو للوجوب تعبدا ، فلا معنى للتخيير في ذلك بين الأقل والأكثر ، والحمل على ما ذكره الشارح يناسب مذاقه لا مذاقهم والتوجيه لهم ، لأن العلامة ـ ; ـ أيضا موافق للشارح ، وعلى تقدير المناسبة ما ذكره العلامة أنسب لمذاقهم ، وعلى تقدير التساوي ما ذكره ـ ; ـ لازم‌


عليهم أيضا ، وعلى تقدير رجحان ما لعلهم ما قنعوا بمجرده في مقام تحصيل البراءة ، وليس ذلك ببعيد عن القدماء ، فتأمّل.

قوله : واختلاف الآبار. ( ١ : ٧٩ ).

لا يخلو عن بعد ، لعدم الاستفصال ، والجمع بين المختلفات في رواية واحدة ، والمسامحة في تعيين مقدار النزح ، وغير ذلك مما هو أمارة الاستحباب ، ولو تم ما ذكره لم يكن الاختلاف دليلا على الاستحباب.

قوله : قلت بول الرجل. ( ١ : ٨٢ ).

الشيخ ادعى إجماع الإمامية على العمل برواية علي بن أبي حمزة (١) ، مضافا إلى أن هذه الرواية منجبرة بالشهرة ، وعلى القول باستحباب النزح لا كلام ولا ضرر أصلا ، ولعل غرض المحقق أنّ الأصحاب يعملون بروايته ، مع أن عادتهم عدم الاتفاق على العمل برواية من أنكر الحق عنادا ، وأكل أموال الكاظم 7 ظلما وعدوانا (٢) ، فالظاهر أنهم أخذوا الرواية عنه قبل أن يصدر عنه ما صدر ، فتأمّل.

قوله : وأكثر عدد. ( ١ : ٨٣ ).

هذا على ما فهمه المحقق فاعترض عليه أن الثلاثة إلى العشرة تمييزها بالجمع المجرور ، وما فوقها بالمفرد المنصوب. وربما اعترض عليه أيضا بأن كلامه مبني على أن الدلاء جمع قلة ، لكن في الاستبصار صرح بأنه جمع كثرة ، وهو ما زاد على العشرة ، في ما ورد في الكلب من أنه ينزح له دلاء (٣).

ويمكن توجيه كلامه بأن الدلاء وإن كان جمع كثرة إلاّ أنّ تقييده هنا بلفظ‌

__________________

(١) عدة الأصول ١ : ٣٨١.

(٢) انظر اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٠٥.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٧ / ١٠٠ ، ١٠١.


« يسيرة » الذي يؤدي مؤدى القلة قرينة على إرادة القلة منه هاهنا ، وربما يؤيده قوله : هذا الجمع.

وأما ما ذكره من أن أكثر عدد ينسب إلى هذا الجمع عشرة فلما ظهر لك فيما سبق آنفا ، فتأمّل. ولعله لهذا لم يعترض عليه المحقق بمنع أن يؤخذ بالأكثر.

وبما ذكر يظهر ما في قول الشارح ـ ; ـ اعتراضا على العلامة بأنه لا يلزم من عدم التقدير تأخير البيان.

قوله : وإلا لزم تأخير البيان. ( ١ : ٨٣ ).

بناء على رأي الموجبين للنزح ، على حسب ما أشرنا إليه ، فتأمّل.

قوله : هي أقل ما يصلح. ( ١ : ٨٣ ).

هذا لا يناسب قول الشيخ ، لأنه جعل العشرة أكثر عدد يضاف. إلاّ أن يكون مراده تتميم الإيراد على المحقق ، فتأمّل.

قوله : وفيه نظر. ( ١ : ٨٤ ).

أقول : مراده رفع الإيراد الذي أورده المحقق على الشيخ ، لا أنه لا يرد على الشيخ إيراد أصلا ، كيف وهو ـ ; ـ رأيه مخالف لرأي الشيخ في وجوب النزح ، وإن فرض كونه موافقا في المقدار ، بناء على تسامحه في أدلة السنن ، وأما المحقق فرأيه موافق للشيخ في الأمرين ، ومع ذلك لم يورد عليهم بهذا الإيراد ، وكان إضافة العشرة مسلمة عنده على تقدير لزوم الإضافة.

والحاصل أن المحقق لما سلم الأخذ بالأكثر أخذا بالمتيقن ـ أي تحصيلا للبراءة اليقينية ـ وسلم عدم جواز الأخذ بالأقل لعدم الدليل ، كما‌


أشرنا من أنه الظاهر من كلامه ، إلا أنه منع تحقق البراءة بالعشرة في المقام ، لأن قول القائل : عندي دراهم لا يعلم منه أنه لا يخبر عن زيادة عن العشرة ، إنما كان ذلك إذا كان إضافة وليس في المقام إضافة ، أجاب العلامة ـ ; ـ بأن البناء على عدم الإضافة يوجب الإجمال ، لعدم تحقق حد في جانب الأكثر ينتهي إليه ويجعل محصلا للبراءة اليقينية ، فيلزم على هذا تقدير الإضافة حتى لا يتحقق تأخير البيان ، والعشرة هي أقل ما يصلح تقديره ، بناء على وجوب الأخذ بالأكثر في الدلاء المجردة.

وفي بعض نسخ المنتهى لفظ « الأكثر » موضع الأقل ، فلا إشكال ، وقوله : وحوالة على أصالة البراءة ، تأييد لتقدير الإضافة وتعيين المجهول ، وما ذكرنا هو الظاهر من المنتهى ، فلاحظ.

لا يقال : في المنتهى قائل بوجوب النزح ، فكيف قلت : رأيه مخالف؟

قلت : لا يظهر منه مخالفة لرأيه في غير المنتهى ، بل ربما تظهر الموافقة ، مع أن رأيه في المنتهى مخالف لرأي الشيخ في نزح العشرة ، بل اختار رأي الصدوق في نزح دلاء يسيرة ، وجعله خلاف رأي الشيخ.

قوله : مع أن في ثبوت ما ذكره. ( ١ : ٨٤ ).

هذا بعينه ( كلام العلامة ) (١) ـ ; ـ وقد مر في بحث الدابة (٢) وهنا في مقام التوجيه للشيخ ، وقد عرفت أنه مصرح بالفرق ، فلا وجه لهذا الإيراد على العلامة ، ;.

قوله : في وقوع الفأرة. ( ١ : ٨٥ ).

لا يخفى أن الصحيحتين المذكورتين هكذا : « ينزح منه ثلاث دلاء » ، فلفظ الثلاث مذكور فيهما صريحا ، لكن لا يظهر منهما موته فيها ، فيمكن‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « و » : كلامه.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٧٠.


الحمل على عدم الموت. ويومئ إليه رواية هارون بن حمزة الغنوي (١).

وعلى تقدير الحمل على الموت وشمولها لحالتي التفسخ والانتفاخ لا يقاوم دلالتهما على هذا العموم دلالة ما دل على السبع ، مثل رواية سماعة حيث قال 7 فيها : « إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء » ، فإنها أظهر شمولا لحالتي الانتفاخ والتفسخ ، سيما بعد ملاحظة رواية أبي عيينة المذكورة ، ورواية أبي سعيد المكاري عن الصادق 7 : « الفأرة إذا وقعت في البئر فتسلخت ـ على نسخة ـ أو تفسخت ـ على نسخة اخرى ـ فانزح منها سبع دلاء » (٢) ، فالجمع بإدخال ما دل على السبع أولى وأظهر ، ولعل هذا مستند إلحاق الانتفاخ.

والقائلون بالنجاسة أو وجوب النزح تعبدا يحملون مثل الصحيحتين على الموت البتة ، ووجهه ظاهر.

قوله : لدلالة الأخبار. ( ١ : ٨٨ ).

لعل المتبادر من النزول والدخول للجنب أنه لأجل اغتساله.

قوله : والمطلق يحمل على المقيد. ( ١ : ٨٨ ).

يمكن أن يكون حمله ليس من جهة التعارض ، بل من جهة أنه لما رأى الأمر بنزح سبع للوقوع ، وهو في نفسه لا وجه لأن يصير منشأ للنزح ، وسيعترف به في قوله : والحق أن إجراء هذه الأخبار على ظاهرها مشكل (٣) ، ووجد هذا الحكم بعينه لاغتسال الجنب ، وهو يصلح لأن يكون منشأ ، ووجد‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ ، الوسائل ١ : ١٨٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٩ / ١١٠ ، الوسائل ١ : ١٨٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ١.

(٣) المدارك ١ : ٩١.


أنه لم يصر سببا لتفاوت أصلا ، ووجد غالب ورود الجنب في الماء لأجل الاغتسال ، ترجح في نظره أن نزح سبع للاغتسال مطلقا. ولعله لهذا فهم المحقق أيضا كذلك ، بل وغيره أيضا.

والحاصل : أن الشهيد الثاني ـ ; ـ ومن وافقه ممن حصل له من تتبع تضاعيف ما ورد في نزح البئر أن النزح لا يكون تعبدا ، بل لا بدّ من تأثير وتأثر في الماء ، ووجدوا ما ورد من المنع عن غسالة الجنب ، ولم يجدوا ما يصلح للتأثير في مجرد مباشرة جسد الجنب ، ووجدوا هذا الحكم من دون تفاوت أصلا في اغتسال الجنب ، مضافا إلى وجدان غلبة ورود الجنب لأجل الاغتسال ، ووجدوا أن أبا بصير سأل هكذا : الجنب يدخل في البئر فيغتسل منها ، وهذا ربما يشعر بأن الراوي يعتقد بأن حكم الاغتسال غير حكم مجرد الدخول ، والمعصوم ربما يظهر أنه قرره على معتقده حيث لم يقل : لم فرقت بين الأمرين؟ ولم يأمر بنزح سبع بمجرد الدخول اغتسل أو لم يغتسل.

لعله بملاحظة المجموع ترجح عندهم ما ترجّح ، ويكون هذا من باب القرينة ، فلا يجب أن يتحقق تعارض ، فتأمّل.

قوله : والعلامة في المختلف. ( ١ : ٨٨ ).

ليس مذهبهما سلب الطهورية ، بل ذكرا ذلك نكتة لغيرهم ، إذ مرادهم سلب كمال الطهورية.

وبالجملة : ما ادعوا أن وجوب النزح يدل عليه ، بل من الخارج.

قوله : من عدم الطهورية. ( ١ : ٨٨ ).

وهو وإن كان كذلك إلاّ أن ملاحظة ما ورد من المنع عن غسالة الجنب وفتاوى القدماء ربما يشعر بأن العلة هي عدم الطهورية على القول به ، أو الكراهة على القول بها ، لا أنه مجرد تعبد ، فتأمّل.


قوله : قد حقق فيما سبق. ( ١ : ٩٠ ).

فيه تأمّل أيضا ، إذ مراده الوقوع الواقع في ما دل على نزح سبع دلاء لا (١) مطلقا ، ولا ملازمة ، والفرق واضح.

قوله : إليه خاصة. ( ١ : ٩٠ ).

لا يخلو من تأمل بعد ملاحظة النهي بسبب الإفساد ، فتأمّل.

قوله : وليس بعد تحققه. ( ١ : ٩٠ ).

لو تم ما ذكره لزم أن لا يتحقق تكليف بمسبب أصلا ، بل يكون التكليف بسببه ، وهو فاسد ، كما حقق في محله. وأيضا لو تم ما ذكره لعله يلزم أن لا يتعلق التكليف بترك شي‌ء ، وهو أيضا خلاف التحقيق.

قوله : مع نفس الوقوع. ( ١ : ٩٠ ).

مجرد المعية غير مضر ، وكون نفس الغسل أو جزئه شخصا من أشخاص الوقوع المنهي عنه مما لا يكاد يتحقق ، إذ في أيّ صورة اتفق الوقوع يتحقق المنهي عنه قبل تحقق الغسل أو جزءه ، ولعله لهذا أمر بالتأمّل ، فتأمّل.

قوله (٢) : واعترض عليه. ( ١ : ٩١ ).

شناعة هذا الاعتراض على العلامة ـ ; ـ واضحة ، لأنّه صرح بأن علة عدم الاشتراط عدم وجوب شي‌ء عنده في ما لا نص فيه من جهة عدم الدليل ، وعنده وعند غيره أن الأصل العدم ، ولازم هذا كون السبع لمجرد دخول الجنب للاغتسال. ومما ذكر ظهر ما في قول الشارح ـ ; ـ وجوابه ، إذ ما سبق منه مع فساده ـ كما عرفت ـ لا يلائم كلام العلامة ، بل‌

__________________

(١) ليس في « ب » و « ج » و « د » و « ه‍ ».

(٢) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».


وينافيه ، فكيف يصير جوابا له! فتدبر.

قوله : وهذا أقرب. ( ١ : ٩١ ).

فيه تأمّل ظاهر ، إذ خصوص كون سبع دلاء يزيل ثوران الحمأة في كل ثوران في كل بئر فاسد ، بل ربما يكون النزح مزيدا للعلة موجبا لزيادة الثوران.

على أنه لو تم ما ذكره لزم أن لا يكون لخصوصية الجنب مدخل في وجوب نزح السبع أو استحبابه ، بل كل من نزل في البئر أو كل شي‌ء وقع في البئر ينزح له سبع ، كما أنّه لو لم يقع ثوران من نزول الجنب لم يحتج إلى نزح أبدا ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف على نص. ( ١ : ٩٢ ).

الظاهر أن المفيد ـ ; (١) ـ ومثله ممن حكم بهذا الحكم كان لهم نص ، إلاّ أن الشيخ ـ ; ـ لم يتفطن ، كما ينبه عليه ما سنذكر في بول الصبي (٢) ونجاسة عرق الجنب من الحرام (٣) وغيرهما.

قوله : بعدم ورود. ( ١ : ٩٣ ).

روى عمار عن الصادق 7 : أن كل شي‌ء وقع في البئر وليس له دم سائل فلا بأس به (٤).

قوله : والأجود قصر الحكم. ( ١ : ٩٣ ).

لعل في الرواية ما يشير إلى ما فهمه القوم ، من أن المراد العصفور وما‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٨.

(٢) في ص ١٤٣.

(٣) في ص ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٦ ، الوسائل ١ : ٢٤١ أبواب الأسار ب ١٠ ح ١ ، بتفاوت في العبارة.


أشبهه في الجثة ، فليلاحظ.

ونقل عن الراوندي استثناء الخفاش عن هذا الحكم (١) ، ولعله لما في بعض الأخبار من أنه مسخ (٢) ، لكن إن قال بنجاسة المسوخ فله وجه وإلا فلا ، فتأمّل.

قوله : اختلف الأصحاب. ( ١ : ٩٤ ).

بعد اختلافهم الشديد في تفسير هذا الصبي ، ففسره بعضهم بمن لم يأكل بعد (٣) ، وآخر بمن يغتذي باللبن في الحولين أو يغلب عليه (٤) ، وبعضهم بمن لم يغتذ بالطعام في الحولين اغتذاء غالبا أو مساويا (٥) ، وبعضهم بمن كان في الحولين مطلقا (٦) ، وبعضهم قيد الرضيع بكونه ابن المسلم (٧).

قوله : والظاهر أنه ـ ;. ( ١ : ٩٤ ).

لعل استدلاله بها بناء على حمل الصبي الفطيم على معناه المجازي ، وهو المشارف للفطام ، جمعا بينها وبين رواية منصور المتقدمة (٨) في حكم بول الصبي المفسر بالمفطوم ، المفتي بها بين الأصحاب ، المتضمنة لسبع دلاء ، كما أنهم يحملون اللفظ الذي هو حقيقة في الوجوب على الاستحباب ، بسبب معارضة خبر ، ويستدلون به على الاستحباب ،

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٧٤.

(٢) الوسائل ٢٤ : ١٠٩ ، ١١١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ١٢ ، ١٥.

(٣) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٢.

(٤) كالشهيد في الذكرى : ١١.

(٥) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٥٥.

(٦) كابن إدريس في السرائر ١ : ٧٨ ، لكنه عبر بالرضيع ، وكذا عبارة المبسوط والذكرى.

(٧) كالشهيد في البيان : ١٠٠.

(٨) المدارك ١ : ٨٦.


وكذا الحال في جل وجوه الجمع ، فإنهم يحملون على المجاز ويستدلون ، والحمل على تفاوت مراتب الاستحباب لا يلائم طريقتهم ، لقولهم بالوجوب ، ولذا فعلوا في باب النزح ما فعلوا.

مع أن الأخبار الواردة فيها في غاية الاضطراب ، وحمل هذه على الوجوب وتلك على الاستحباب وإن كان ممكنا لكنه أيضا لا يوافق طريقتهم المسلوكة في سائر أخبار هذا الباب غالبا ، بناء على أن المنع من الاستحباب يقيني عندهم ، فجواز الاستعمال موقوف على دليل ثابت ، ومجرد الاحتمال لا يكفي.

( وكون الجمع بالحمل على الاستحباب مجرد احتمال عندهم ، إذ ليس عليه دليل شرعي وإن شاع ذلك بين فقهاء أمثال زماننا ، بحيث صارت من المتعينات عندهم ) (١).

وما ذكرناه يظهر من كلام الشيخ في التهذيب وغيره (٢) ، فتأمّل.

هذا ، لكن في الفقه الرضوي : « وإن بال الصبي وقد أكل الطعام استقي منها ثلاثة دلاء ، وإن كان رضيعا استقي منها دلو واحد » (٣) ، وهذا هو مستند المفيد ـ ; ـ البتة ، وإن كان الشيخ استدل بالرواية المذكورة ، لأنه ـ ; ـ حين التأليف لم يكن متفطنا لأصل المستند ومتذكرا له ، فأتى بها له ، كما وقع منه ـ ; ـ مكررا ، كما لا يخفى على المطلع.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤.

(٣) فقه الرضا « ع » : ٩٤ ، ٩٥ ، المستدرك ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٢ ، بتفاوت يسير.


قوله (١) : ولم أقف لهما. ( ١ : ٩٤ ).

ادعى ابن زهرة إجماع الأصحاب عليه.

قوله (٢) : في بول الصبي. ( ١ : ٩٤ ).

ربما حمل على صورة التغير ، وفيه تأمل ، لكن مر في بول الرجل ما يأبى عن العمل بظاهرها على سبيل الوجوب (٣).

قوله : وإن كانت مبخرة. ( ١ : ٩٥ ).

بضم الميم وكسر الخاء ، أي منتنة ، أو بفتحهما ، أي مكان البخر ، كذا عن الشهيد (٤) ـ ; ـ ولعل ضمير « كانت » راجع إلى الأمور المذكورة ، أي الواقعة في الماء ، فتأمّل ، أو يكون راجعا إلى البئر ، ولا يضر ، لعدم معلومية كون البخر من خصوص النجس ، فتدبّر.

قوله : وهو كردويه. ( ١ : ٩٥ ).

إلاّ أن الراوي عنه هو ابن أبي عمير ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، بل هو ممن لا يروي إلاّ عن الثقات ، كما في عدة الشيخ (٥) ، بل دائما هو يروي عن كردويه ، وفيه شهادة واضحة على وثاقته ، مضافا إلى حكاية إجماع العصابة. مع أنه على القول بالاستحباب تسامح في الحكم ، كما عرفت ، فتأمّل.

قوله : غير موثق. ( ١ : ٩٥ ).

إلاّ أنه من الحسان على المشهور ، والشارح يعمل بالحسان. وحسنه‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) هذه الحاشية ليست في « ج » و « د ».

(٣) انظر المدارك ١ : ٨٢.

(٤) انظر غاية المراد ١ : ٧٨.

(٥) عدة الأصول ١ : ٣٨٦.


لا تأمّل فيه عندهم ، وعند الشارح أيضا لعله كذلك.

قوله : إلى العرف العام. ( ١ : ٩٦ ).

العرف في ذلك غير منضبط ، بل لكل بئر دلو (١) ، وكذا في كل بلدة عادة. نعم لم تجر العادة بدلو يسع مثقالا أو مثاقيل قليلة ، ولعله لا يسمى مثله دلوا ، نعم الغالب في الدلاء أنها تسع قدرا معتدا به في الجملة ، ولعله مراد الشارح ـ ; ـ فتأمّل. لكن كونه مخالفا لما ذكره المصنف محل تأمّل ، فتدبر.

قوله : المراد بالدلو. ( ١ : ٩٦ ).

لعله مأخوذ من الفقه الرضوي (٢). ويمكن التأييد بأن الأحكام وألفاظها أنما ترد بالقياس إلى اصطلاح بلد حاكم الشرع ، كما هو العادة عند الإطلاق في المحاورات ، أو أنّ حمله على بلد السائل يوجب عدم انضباط الحكم ، ( ومع ذلك ربما يشكل الاستناد إليه ، بل ظاهر الأخبار خلافه ، فتأمّل ) (٣).

قوله : القدر من الماء. ( ١ : ٩٦ ).

سيما (٤) مع أمنه من انصباب الماء النجس عن الدلو في البئر إلاّ نادرا ، والأمر بالعدد وارد مورد الغالب ، فتأمّل.

قوله : ولأن الحكمة. ( ١ : ٩٦ ).

لعل مراده أن الحكمة في زوال النجاسة تعلقت بالعدد البتة ، وحصول تلك الحكمة بالعدد الحقيقي معلوم ، وأمّا حصولها بالعدد الحكمي فغير ظاهر ، فالحكم باق ، لعدم ثبوت المطهر شرعا ، فتدبر.

__________________

(١) ليس في « أ » و « ه‍ ».

(٢) فقه الرضا « ع » : ٩٢ ، المستدرك ١ : ٢٠٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٤) ليس في « ه‍ ».


ويؤيد المحقق أنهم أمروا بنزح العدد من غير تفصيل بين الدلو الصغير والكبير ، مع أن الغالب التفاوت بين الدلاء بكثير ، فتأمّل.

قوله : لأن الظاهر. ( ١ : ٩٦ ).

لا يخفى أن ما ذكره لا كلام فيه ، وإنّما الكلام والشبهة في أنه إذا كان الماء سابقا على الغور نجسا لا جرم يكون الملاقي له من أرض البئر متنجسا ، والمعروف من القائلين بالتنجيس انفعال الماء من أي نجس يكون ، ولو كان متنجسا ، إذ لم يفرق بين الأمرين عند الفقهاء.

مع أن الرطوبة لم تنعدم بالمرة ، إذ لم يعلم انعدامها ، والأصل بقاؤها حتى يعلم الانعدام ، إلاّ أن يكون مفروض المسألة العلم بالانعدام والزوال عن أرض البئر مطلقا ، لكن الفرض لعله بعيد ، مضافا إلى البعد عن ظاهر العبارة.

وكيف كان لا تنحسم مادة الشبهة ، لما عرفت.

إلاّ أن المنقول عن دليل المصرحين بالطهارة بالغور ليس مقصورا في ما ذكره الشارح ، بل له مقدمة أخرى (١) حذفها الشارح لعله لعدم اعتقاده بها ، وهي أن المقتضي للطهارة ليس إلاّ ذهاب الماء ، وهو يحصل بالغور كما يحصل بالنزح ، يعني أن الغرض هو إخراج الماء ، وهو كما يحصل بالإخراج من الفوق كذا يحصل بالإخراج من التحت ، مثل أن تنقب البئر من التحت بعنوان قناة أو غيره فيخرج الماء من النقب ، وخصوصية كون الإخراج من جهة الفوق لا يعقل أن يكون لها مدخل في التطهير ، بل إنما وردت مورد الغالب ، على قياس ما ذكره العلامة ـ ; ـ في النزح بإناء عظيم ، وكذا على قياس ما مر عن العلامة وغيره من الاكتفاء بنزح النساء في التراوح ونزح ما دون‌

__________________

(١) نقلها عنهم في الذخيرة : ١٣٧.


الأربعة فاستحسنها الشارح (١).

ثم لا يخفى أنه لا فرق بين الإخراج والخروج ، لأن النية غير معتبرة في المقام اتفاقا من الفقهاء.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه لو سلمت تلك المقدمة يكون دليلهم تماما وافيا بمطلوبهم ، وإلاّ فلا ، فحذف الشارح إياها لا فائدة فيه ( بل ضرره أعظم ، لما عرفت من أن ما ذكره لا ربط له لدفع الشبهة ، إذ ليس الشبهة في المقام إلا ما أشرنا إليه ، فتأمّل ) (٢).

وتحقيق ذلك سيصرح الشارح ـ ; ـ في بحث ما لا نص فيه (٣) من أن مطهر نفس البئر هو الإجماع ، جوابا للاعتراض بأن نزح الجميع غير مقتض للقطع بجواز الاستعمال ، فتأمّل.

قوله : فروع ثلاثة. ( ١ : ٩٧ ).

وتتمّ بفروع أخر :

الأوّل : لا يعتبر في النزح النية ، وظاهرهم الاتفاق عليه ، فلو اتفق وقوعه لا بنية التطهير بل بقصود أخر يكفي ، كما أنه لا يحتاج إلى قصد القربة ، نعم هو شرط ترتب الثواب.

الثاني : لا يعتبر بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه لو لم يباشر الماء ، بل لا يعتبر كونه إنسانا ، فلو نزح الدلاء بثور ونحوه يكفي ، نعم حكاية التراوح أمر آخر وقد مرّ.

الثالث : يجب إخراج النجاسة قبل الشروع في النزح ، والظاهر أنه اتفاق بين القائلين بالتنجيس ، بل لعله عند القائلين بعدمه أيضا كذلك.

__________________

(١) المدارك ١ : ٦٨ ، ٦٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

(٣) المدارك ١ : ٩٩.


وأمّا الشعر فإن كان من نجس العين فكذلك على القول بنجاسته ، كما هو المشهور والحق.

قال في الذكرى : نزح الماء حتى يظن خروجه ، فإن استمر الخروج استوعب ، فإن تعذر لم يكف التراوح ما دام الشعر ، لقيام النجاسة ، والنزح بعد خروجها أو استهلاكها ، وكذا لو تفتت اللحم ، وأما شعر طاهر العين فأمكن الإلحاق بمجاورته النجس مع رطوبته ، وعدمه لطهارته وأصله (١). انتهى كلامه.

الرابع : هل طريق التطهير منحصر بالنزح أم يجوز تطهيرها بإلقاء الكر ، أو ممازجة الجاري ، أو نزول الغيث؟ يظهر من كلام المصنف في المعتبر (٢) الأوّل ، بل ظاهر هذا الكتاب أيضا ذلك ، بل الظاهر أنه هو الظاهر من فقهائنا ، وخالفهم في ذلك العلامة (٣) ، والشهيد أيضا على تفصيل (٤) ، ولا يخفى أن ظاهر الأخبار هو الأول ، فتأمّل.

هذا على القول بانفعال البئر ، وأمّا على القول بوجوب النزح تعبدا فلعله لا وجه للتأمّل في الانحصار ، فتأمّل ، وأما على القول باستحباب النزح فالظاهر أنه أيضا كذلك ، فتأمّل.

الخامس : يحكم بطهارة جوانب البئر التي أصابها الماء في حال النزح عند مفارقة آخر الدلاء. والمتساقط من الدلو الأخير معفو عنه للمشقة العظيمة ، ولأن الطهارة معلقة على النزح وقد حصل.

لكن الظاهر أن المعفو عنه هو المتساقط العادي ، فلو خرج عن العادة‌

__________________

(١) الذكرى : ١١.

(٢) المعتبر ١ : ٧٩.

(٣) المنتهى ١ : ١٨ ، التحرير ١ : ٥ ، القواعد ١ : ٦.

(٤) الذكرى : ١٠ ، الدروس ١ : ١٢٠.


مثل أن يكون في الدلو خرق ومزق بما يزيد عن العادة لم يكن معفوا عنه ، بل لم يكن الدلو محسوبا من العدد. وكذا لو تحرك الدلو بما هو زائد عن المعتاد فانصب منه كثير.

على أن في مطلق الخرق والتمزق إشكالا ، لأنّ المتبادر من الدلو هو الصحيح السالم. نعم ما يخرج من مسلمات (١) الدلو ومخارق الإبر لا يضر إذا كان الدلو من الدلاء المتعارفة.

السادس : الظاهر عندهم أن الدلو والرشاء ويد المستسقي حالها حال جوانب البئر.

السابع : لو لم يكن دلو وكان سطل أو غيره مما هو مثل الدلو هل يكفي النزح به؟ الظاهر نعم ، بل الظاهر الاكتفاء به مع وجود الدلو أيضا ، فتأمّل.

الثامن : صرح بعض الفقهاء بأن طهارة جوانب البئر والدلو والرشاء ويد النازح عند مفارقة آخر الدلاء من أمارات عدم انفعال البئر بالملاقاة (٢).

وهذا يقتضي أن لا يكون الحكم في صورة التغير كذلك ، كما هو الحال في غسالة الاستنجاء وما ماثلها ، فإن الدليل وإن اقتضى بظاهره العفو مطلقا إلاّ أنه يتقيد بصورة عدم التغير ، لأن المتغير نجس بالضرورة من الدين ، فكيف يناسبه العفو ، مع أنه متغير. ومجرد هذه الظواهر لا يكفي لمقاومة ما هو ضروري ، بل في بعض الصور عين النجس موجودة.

فعلى هذا يمكن أن يقال : يكفي لطهارة الجوانب سقوط القطرات من الدلاء الطاهرة عليها ، لأنّها تغسلها ، فلا يمكن الحكم بنجاسة ما يلاقي تلك الجوانب. وأما في غير الجوانب من الأمور المذكورة فيغسل إن لم يتحقق‌

__________________

(١) السمّ : الثقب. ومسامّ الجسد : ثقبه. القاموس ٤ : ١٣٣.

(٢) انظر : مجمع الفائدة ١ : ٢٥٨.


جريان عليها بحيث يغسلها ، وإن كان أقل جريان من الدلو الأخير ، فتأمّل.

التاسع : يكفي في الدلو المعتبر ملؤه العادي ، وهل يكفي نصفاه ـ مثلا ـ عن واحد؟ محتمل ، لكن الأحوط عدم الكفاية.

العاشر : في صورة نزح العدد لو صب أحد الدلاء في الماء ينزح عوضه ، ولا يوجب ذلك زيادة نزح عن العدد. والعلامة ـ ; ـ استوجه إلحاق صب الدلو الأخير بما لا نص فيه ، لأن البئر بعد انفصاله يطهر (١). وفي الفرق تأمّل.

قوله : أو البولية موجودة. ( ١ : ٩٧ ).

لعله قاس ذلك على النجاسات الواردة على مثل الثوب والبدن ، وفيه تأمّل ظاهر ، فتأمّل. مع أنّه لا يلائم مختاره في عدم الإجزاء في مسألة النزح بإناء عظيم وأمثالها ، لكن المنقول عن المعتبر أنه ليس على ما ذكره الشارح ، بل ذكر ذلك لأحد شقي ترديده ، فإنه متردد فيه أيضا ، فتأمّل.

قوله : لامتثال الأمرين. ( ١ : ٩٨ ).

لعله لا يخلو عن المصادرة ، إذ تحقق الامتثال العرفي غير ظاهر ، كما لا يخفى على من راجع الأمر في ذلك إلى أهل العرف. وتنظيره على الأغسال والغسلات لعله لا يخلو عن قياس ، فتأمّل.

قوله : فيجب القطع. ( ١ : ٩٨ ).

هذه الدعوى مشكلة بالنسبة إلى بول رجال متعددة كثيرين ، نعم يمكن دعوى الظن في بول رجل واحد إذا قطعه في الأثناء ثم خلاه في موضعه ، أما دعوى القطع فمحتملة أيضا ، مع أنها أيضا لا تخلو عن إشكال ، فتأمّل.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨.


قوله : فلا ريب في. ( ١ : ٩٨ ).

فيه ما عرفت وستعرف.

قوله : لا ريب في عدم زيادة. ( ١ : ٩٨ ).

هذا أيضا محل إشكال ، إذ لا نرى دليلا غير القياس بطريق الأولوية ، فلعل مثل المقام يتحقق العلم بالمناط ، وكونه في الفرع أولى ، لأن الشارح يشترط ما ذكر في حجية القياس بطريق أولى ، ومر أن بناء البئر على جمع المتباينات وتفريق المتماثلات ، واستجوده الشارح إذا كان النص صحيحا (١).

ولا يستحيل في نظرنا ورود نص صحيح على أن مثل الهرة الميتة المضمحلة المتفرقة الأجزاء التي تظهر بالاضمحلال ما في أمعائها من عذراتها وما في جوفها وعروقها من دمائها وقروحها وصديدها وتكون جائفة إذا وقعت في البئر ، أن يزيد نزحها عن نزح الهرة التي وقعت في البئر فماتت فيها.

بل لا يحصل القطع بعدم التفاوت بين الحي الواقع فيموت في البئر وبين الميت خارجا فيقع ، بل مر عن الشارح ـ ; ـ التأمّل في اتحاد حكمهما شرعا (٢) ، فكيف يدعي هنا هذا القطع ، إذ ما ذكره بقوله : لا يعقل. إنّما يتم إذا كان حكم الميت خارجا ثم وقع حكم الحي الواقع ثم يموت قطعا ، وقد عرفت أن الشارح ـ ; ـ متأمّل في ذلك ، نعم الظاهر عند الفقهاء الاتحاد ، لاستنباطهم أن الظاهر أن العلة هي الموت ، فتأمّل.

قوله : إذ لا يعقل زيادة. ( ١ : ٩٨ ).

فيه ـ مضافا إلى ما سبق ـ أن [ في ] (٣) بعض الأحكام الشرعية ربما‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٩٥ ، ٧٧.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩٥ ، ٧٧.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.


تتحقق زيادة حكم الجزء على الكل ، مثل أحكام الديات ، وأحكام الصيد في الإحرام أو الحرم ، وغير ذلك.

قوله : والمفروض عدمه. ( ١ : ٩٩ ).

المفروض عدمه على سبيل الخصوص لا مطلقا ، كيف والفريقان الأخيران يتمسكون بالنص ، سيما والقائلون بالاستحباب يسامحون في دليله ، والقائل بوجوبه تعبدا الشيخ والعلامة ـ رحمهما الله ـ وهما يتمسكان بالنص.

على أن الحكم بعدم الجريان بالاستدلال فيه تأمّل ، إذ لعلهم يقولون بها بدليل غير ورود الأمر ، وإن كان مدخولا ، فتأمّل.

قوله : ويمكن دفعه ( ١ : ٩٩ ).

يظهر منه تأمله في هذا الجواب أيضا ، وأين هذا مما ذكره سابقا بقوله :

ولو غارت. (١) ، إذ لم يذكر ذلك إلا للقائلين بالنجاسة ، وكذا أين هذا من قوله : وأما فيها فلا ريب في التداخل. (٢) ، وهو ـ ; ـ كثيرا ما يتأمّل في هذه الإجماعات ، ولم يدع أحد في مسألة الغور ولا في مسألة التداخل الإجماع ، ولم يظهر الوفاق ، بل الظاهر خلاف ذلك ، فتأمّل.

قوله : فظاهر الفساد ( ١ : ١٠٠ ).

دعوى ظهور الفساد محل تأمّل ، إذ دعوى القطع بعدم حصول ظن أصلا مما ذكر محل تأمّل ، سيما دعواه بالنسبة إلى كل الفقهاء.

فإن قلت : لعله لا يمنع حصول ظن منه إلاّ أنه يمنع حجية مثله.

قلت : عندهم أن ظن المجتهد حجة ، واستدلوا على ذلك ، والشارح أيضا يحصّل الظن ويعتمد عليه ، فكيف يمكنه دعوى ظهور القطع بعدم‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٩٦ ، ٩٨.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩٦ ، ٩٨.


الحجية ، فتأمّل.

فإن قلت : لما كان من المسلمات عندهم ثبوت عدالة الراوي ولم يثبت هنا ادعى الظهور.

قلت : العادل أخبر بأنّ الشارع قال كذا ، فلا ينبغي التثبت.

فإن قلت : من المسلمات عندهم عدم حجية مراسيل العدول.

قلت : أما القدماء فبناء عملهم على القرائن ، والصحة عندهم غير مقصورة على العدالة ، ولا يخفى ذلك على أحد ممن له أدنى فهم.

وأما المتأخرون فمن لم يعمل بأمثال هذه المراسيل فعدم عمله إنما هو في غير المستحبات ، وأما فيها فيعملون بأدنى منها وأخس ، لتسامحهم ، وقد مر وجهه.

فالاعتراض غير وارد أصلا. إلاّ أن يكون اعتراضه على خصوص من تمسك بأن الشيخ ثقة ثبت. ، لكن من قال ذلك يعتمد عليه فلا اعتراض عليه ، كما أشرنا. بل يحكم بأن المرسل من ثقة أقوى من المسند ، لأنه في مقام الإرسال كان في غاية الاطمئنان ، ولأجل ذلك أسند إلى الشارع من غير تأمّل ولا تزلزل ، وأما في مقام الإسناد فاعتماده على السند ، ولذا جعل الحوالة إليه ، فتأمّل.

وبالجملة : دعوى ظهور الفساد في أمثال هذه المسائل الخلافية محل تأمّل.

قوله : فيثبت الأربعون. ( ١ : ١٠٠ ).

قيل : إنّ الأقوال منحصرة في الثلاثة ، فإذا بطل الأول تعين الثاني ، لأن النجاسة ثابتة شرعا يحتاج الحكم برفعها إلى دليل شرعي ، ولم يثبت في الثلاثين فتعين الأربعون ، إذ على أي تقدير يحصل الطهارة جزما ، بخلاف الاكتفاء بالثلاثين. واحتمال الأزيد من الأربعين الذي لم يكن نزح الجميع‌


خلاف المتفق عليه بين الشيعة ، فتأمّل.

ويرد عليه أن بطلان الأوّل غير ظاهر ، إما لأن القائل بالتنجيس لا يكتفي بزوال التغير ، أو يكتفي لكن لا يقول بالقياس بطريق الأولوية التي ادعيت ، لأن بانصباب الخمر مثلا يحكم بوجوب نزح الجميع ، والمذاهب المنقولة عنهم متفقة في عدم الاكتفاء ، فلاحظ. ولعله إلى ما ذكرنا أشار بقوله : وفيه ما فيه ، فتأمّل.

قوله : ويطيب الطعم. ( ١ : ١٠٠ ).

لا يخفى أنها ظاهرة في عدم انفعال البئر ، ولذلك استدل الشارح بها له ، وأقوى أدلته هي ، فكيف يتمسك بظاهرها للقائل بالتنجيس ، سيما وهم متفقون على عدم الاكتفاء بزوال التغير ، فتدبر.

وفي الفقه الرضوي : « وإن تغير الماء وجب أن ينزح الماء كله ، فإن كثر أو صعب نزحه وجب أن يكتري عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل»(١).

قوله : والأقوى تفريعا. ( ١ : ١٠١ ).

أشار بقوله : الأقوى. إلى احتمال وجوب نزح الجميع حينئذ أيضا ، لوروده في الأخبار (٢) ، ولأنّه ماء محكوم بنجاسته يقينا ، فلا بدّ للحكم بالطهارة من دليل تام مثبت لا تأمّل فيه ، والاكتفاء بنزح ما يزول به التغير لعله لا يخلو عن إشكال ، لمكان التعارض وعدم ترجيح يرتفع به اليقين بشغل الذمة ووجه كونه أقوى عند الشارح ظاهر ، كما لا يخفى على المطلع بطريقته ، والظاهر أن الأمر كما ذكره ، وإن كان نزح الجميع لا يخلو عن‌

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ٩٤ ، المستدرك ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١ : أبواب الماء المطلق الباب ١٤ ح ١٠ وب ١٩ ح ٤ وب ٢٢ ح ٧ وب ٢٣.


احتياط ، وأما كونه مطلوبا فيظهر من الأخبار صريحا ، فتأمّل.

قوله : فإنها صريحة. ( ١ : ١٠١ ).

وأمّا استيفاء المقدر وجوبا أو استحبابا فيحتمل أن يكون باقيا على حاله ، ويحتمل التداخل بنزح أكثر الأمرين من استيفاء المقدر وما يزول به التغير ، جمعا بين الواجب والمستحب ، فتأمّل.

قوله : ويحتمل قويا. ( ١ : ١٠١ ).

هذا الاحتمال أكثر القائلين بالتنجيس عنه متحاشون ، والتعليل بقوله :

لأن الخروج عنه. عليل ، لأن عدم الخروج عنه يوجب القول بعدم الانفعال ، وهم لا يرضون به بالسبب الذي مرّ.

ومذاهبهم في المقام ثمانية :

الأوّل : وجوب نزح الجميع ، ومع التعذر التراوح (١).

الثاني : نزح الجميع فإن تعذر فما يزول به التغير ، وهو مذهب الشيخ ـ ; ـ (٢) ، لكن الظاهر أنه قائل بعدم الانفعال.

الثالث : النزح حتى يزول التغير ، إن كان القائل قائلا بعدم الانفعال (٣).

الرابع : نزح أكثر الأمرين من المقدر وزوال التغير (٤).

الخامس : نزح أكثر الأمرين من المقدر وزوال التغير إن كان له مقدر ،

__________________

(١) ذهب إليه الصدوق في الفقيه ١ : ١٣ ، والشيخ في التهذيب ١ : ٢٤٢.

(٢) النهاية : ٧ ، المبسوط ١ : ١١.

(٣) ذهب إليه العلاّمة في القواعد ١ : ٦ ، والمختلف ١ : ٢٨ ، والمنتهى ١ : ١٧.

(٤) هو مذهب ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٧٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٩ ، والشهيد في الذكرى : ٩.


وإلا فالجميع ، ومع التعذر فالتراوح (١).

السادس : نزح الجميع ، فإن غلب فأكثر الأمرين من المقدر وزوال التغير (٢).

السابع : نزح ما يزول به التغير أوّلا ، ثم نزح المقدر ، وإلا فالجميع ، فإن تعذر فالتراوح (٣).

الثامن : أكثر الأمرين إن كان له مقدر وإلاّ فزوال التغير (٤).

قوله : على المختار. ( ١ : ١٠٢ ).

مراده من المختار القول بعدم الانفعال ، وأنه مع التغير يكفي ما يزول به التغير ، ومراده من القول الآخر ما يقابله من القول بالانفعال أو عدم الانفعال ، إلاّ أنه لا بدّ من نزح الجميع في صورة التغير.

ويحتمل أن مراده من المختار خصوص كفاية نزح مزيل التغير ، وغير المختار وجوب الجميع ، أعم من القول بالانفعال أو عدمه ، فتأمّل.

وكيف كان على مختاره أيضا يحتمل نزح الجميع ، لعدم الأولوية ، أو ما يزول به التغير على تقدير بقائه ، وذلك لأن الشارع حكم بأن طهارته بنزح ما يزول به التغير ، ولم يوجد ، فتأمّل.

قوله : لمكان المادة ( ١ : ١٠٢ ).

ولعله لا يخلو عن إشكال ، أما على القول بأنه لا بدّ من المزج وعدم كفاية الملاقاة فظاهر ، وأمّا على القول الآخر فلأنّ المستفاد من الأخبار أنّ تطهير البئر عن التغير يحتاج إلى النزح ، وأن التطهير ينحصر فيه ، والأخبار‌

__________________

(١) ذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣.

(٢) ذهب إليه المحقق في المعتبر ١ : ٧٦ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٢٠.

(٣) نقله الشيخ حسن في معالم الفقه : ٨٨ عن بعض مشايخه المعاصرين.

(٤) اختاره السبزواري في الذخيرة : ١٢٦.


ظاهرة في هذا المعنى كادت أن تبلغ حد التواتر ، وربما يكون ما ذكره اجتهادا في مقابل النصوص ، فتأمّل.

وأيضا لا شك في أنّه حال التغير حكم بنجاسته شرعا ، فلا بدّ في الحكم بالطهارة من دليل شرعي ولم يثبت غير النزح.

ولأنه حال التغير حكم بأن مطهره النزح ، وأنه ما لم ينزح لم يطهر ، فما الذي أزال هذا الحكم بعد زوال التغير؟! أمّا على القول بالاستصحاب فظاهر ، وأما على القول بعدم الاستصحاب فلإطلاق وعموم الأدلة.

ولأنّه لو كان مجرد زوال التغير كافيا لكان المعصوم 7 يقول في الأخبار ـ ولا أقل في خبر واحد وموضع من المواضع ـ : إنّ المطهر زوال التغير ، ولم يقل أبدا ، مع أنه أخصر ، وأظهر ، وأعم ، وأسهل على المكلفين ، وأوسع من خصوص ذكر النزح ، مع ما فيه من المشقة الشديدة ، لأن ماءه المنزوح المتغير نجس إجماعا ، بل بالضرورة من الدين وثابت من الأخبار على النص واليقين ، فيستلزم نجاسة المواضع التي يلاقيها ويسري فيها وما يلاقي ما يلاقيها ، فتأمّل.

ومما يؤيد ما ذكرنا من التأمّل أنّه وقع النزاع بين الفقهاء في أنّه هل ينحصر طريق تطهير البئر في النزح حيث يحكم بنجاستها أم تشارك غيرها من المياه في الطهارة بممازجة الجاري وإلقاء الكرّ ونزول الغيث ، فبعضهم ذهب إلى الانحصار ، وبعضهم إلى المشاركة في الأمور المذكورة (١) ، ورجّح الأول بأنّ ظاهر الأخبار هو الانحصار. على أنّ الذي ظهر من السابق تأمّله في كون مجرد الملاقاة مطهرا.

فإن قلت : حكم الشارح في المقام ليس من اختيار المطهرية بمجرد‌

__________________

(١) راجع ص ١٤٧.


الملاقاة ، بل للعلة المنصوصة ، وهي قوله : « لأنّ له مادّة ».

قلت : على تقدير تسليم ثبوت كون العلة كفاية النزح حتى يزول التغير لم يكن علة منصوصة لأجل عدم الحاجة إلى النزح لحصول التطهير ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فتأمّل. وعلى تقدير التسليم كونها بحيث تقاوم المنطوقات وترجح لا بدّ من التأمّل فيه ، فتأمّل.

وبالجملة : ليس البئر بأقوى من الجاري البتة ، وقد مرّ عن الشارح ـ ; ـ في الجاري ما مر (١) ، ومر في بحث أنه هل يشترط الامتزاج أم يكفي الملاقاة في التطهير عن الشارح التردد بل والميل إلى اشتراط المزج (٢) ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وبالجملة : الجاري ليس بأضعف من البئر قطعا لو لم يكن أقوى منه. قال في الذخيرة : تتوقف طهارة الجاري من نفسه على تدافع المياه وتكاثره عليه حتى يستهلكه إن اعتبرنا الامتزاج ، وأما على القول بالاكتفاء بالملاقاة فالمنقول عن ظاهر بعضهم توقفه على ذلك أيضا ، لأن الاتصال المعتبر في التطهير هو الحاصل بطريق العلو على النجس أو المساواة ، والمادة هنا لا يكون إلاّ الأسفل منه ، ويظهر من كلام العلامة ـ ; ـ أن النزح متعين وإن أمكن إزالة التغير بغيره (٣) ، فتأمّل.

قوله : ويحتمل الاكتفاء. ( ١ : ١٠٢ ).

هذا الاحتمال ضعيف عند القائل بالنجاسة كما مر ، فتدبر ، ولعل المناط في التقدير منحصر في العلم واليقين.

قوله : من باب مفهوم الموافقة. ( ١ : ١٠٢ ).

كونه من باب القياس بطريق أولى لا إشكال فيه ، وأمّا كونه من باب‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٣٣ ، ٣٧.

(٢) انظر المدارك ١ : ٣٣ ، ٣٧.

(٣) الذخيرة : ١٢٠.


مفهوم الموافقة ربما يحتاج إلى تأمّل ، وعندي فرق بين المقامين ، فتأمّل.

قوله : مع مهب الشمال. ( ١ : ١٠٣ ).

وذلك لأن الشمال مشرف على الجنوب بحسب وضع الأرض ، لأن كرة الأرض واقعة في البحر ، وثلثاها في الماء ، وثلثها خارج ، وقبة الأرض ورأسها محاذ للقطب الشمالي ، فالماء بالطبع يميل إلى الجنوب ، سواء كان فوق الأرض أو ساريا في أعماق الأرض ، وكيفما كان مائل إلى مركزه ، ومركزه في طرف الجنوب ، ولو كان خلاف ذلك فمن القاسر ، والكلام إنما هو بحسب الأصل ما لم يظهر خلافه ، فتأمّل.

وفي رواية قدامة ذكر عقيب ما نقله الشارح : ثم قال : « الماء يجري إلى القبلة إلى يمين ، ويجري من القبلة إلى يسار القبلة ، ويجري من يسار القبلة إلى يمين القبلة ، ولا يجري من القبلة إلى دبر القبلة » (١) ، فتأمّل.

( والمراد من قوله : إلى القبلة إلى يمين ، أن القبلة يعني قبلة أهل العراق الذين هم الرواة يمين الجنوب بشي‌ء يسير ، واعتبارهم القبلة لمعروفيتها عند عامة الناس مع عدم تفاوت مضر. فالمراد أن الماء من جهة ميله إلى مركزه شغله الميل إلى الجنوب ، لأنّ البحر في الجنوب ، فإلى أي جهة يميل يصل إلى البحر ، إلى القبلة أو يمينها أو يسارها ، بخلاف دبر القبلة ، فإنه لا يميل إلى خلاف المركز ، فتأمّل ) (٢).

قوله : يجري البول. ( ١ : ١٠٥ ).

ربما يظهر أن السؤال وقع في مكة المشرفة ، وأنّ المقام مقام يظهر من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩١ ، الوسائل ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٢.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».


القرينة وصول النجاسة إلى الماء بالملاقاة بعنوان السراية في الأرض والنشر فيها في الصورة المنهي عنها ، فتكون الرواية من جملة أدلة انفعال البئر بالملاقاة. ويمكن حملها على صورة يظهر تغير الماء عادة ، وإن كان تغير بعض البئر بسبب امتداد الزمان وطول المدة ، فتأمّل.

قوله : ولو اشتبه. ( ١ : ١٠٧ ).

في الفقه الرضوي : « وإن كان إناءان وقع في أحدهما ما ينجس الماء ولم يعلم في أيهما وقع فليهريقهما جميعا وليتيمم » (١).

قوله : وهي ضعيفة السند. ( ١ : ١٠٧ ).

وفيه ما عرفت مرارا أنّ الصحة والضعف عند القدماء ليس مما ذكره ، فلا اعتراض عليهم ، وأمّا المتأخرون فمن قال بحجّية الموثق فلا اعتراض عليه أيضا ، ومن لم يقل بها يقول بحجية أمثال هذه الأخبار المنجبرة بالشهرة بين الأصحاب سيّما مثل هذه الشهرة ، بل الشارح اعترف بأنّه مذهب جميع الأصحاب ، فإنّ فروع هذه المسألة مشتهرة بين القدماء والمتأخرين ، فضلا عن نفسها.

وغير خفي أنّ فتوى القدماء إنّما هي من هذه الرواية ، ورواية سماعة أيضا (٢) المتضمنة لهذا الحكم ، والفقه الرضوي ، بل ظاهر المتأخرين أيضا كذلك ، بل صرح العلامة بذلك في المنتهى (٣).

ونقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من الفقهاء ، منهم‌

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ٩٣ ، المستدرك ١ : ١٩٦ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٣ ، ٢٢٩ / ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ ، الوسائل ١ : ١٥١ ب ٨ ح ٢.

(٣) المنتهى ١ : ٢٩.


الفاضلان (١) ، بل ما نقلوا خلافا إلاّ عن الشافعي بأنه قال : يجتهد المكلف في تحصيل الأمارات المرجحات ، ومع العجز يجتنب (٢) ، فالظاهر أنها وفاقي بين المسلمين جميعا ، ومع ذلك مضمونها موافق للأصول ، كما ستعرف.

قوله : مع تحققه. ( ١ : ١٠٧ ).

لا يخفى أن النجاسة الشرعية ليست إلاّ تكليف الشارع بالاجتناب والتنزه وغسل الملاقي مثلا ، ولم يعرف من الشارع إلاّ أمثال ما ذكر ، وسيجي‌ء عن الشارح في مبحث النجاسات (٣) الاعتراف بما ذكر ، بل نقول : نجاسة الماء لا تثبت غالبا إلا من النهي عن الوضوء والشرب والأمر بالصب مثلا ، ومقتضى ذلك أن النجس يحرم الوضوء والشرب منه مثلا ، فعلى هذا حكم الشارع بالنجاسة وعدم وجوب الاجتناب كما ترى ، بل لعله تناقض.

وأيضا إن كان العلم الإجمالي كافيا في وجوب الاجتناب فالأمر كما ذكره العلامة ، وإن كان شرط الوجوب تحقق العلم بعينه كما ذكره فلا يجب اجتناب واحد منهما مطلقا وإن استعمل أحدهما أولا ، لأن استعمال الثاني يوجب العلم باستعمال النجس الإجمالي ، لا أن الثاني بعينه نجس.

فإن قلت : يمكن أن يكون مراده أن المحكوم بالنجاسة هو أحد الإناءين ، والمحكوم بعدم وجوب الاجتناب هو كل واحد منهما بعينه.

قلت : إن أراد أن النجس هو أحدهما لا بعينه ، وغير النجس هو كل واحد منهما بعينه ، فيكون تعيين النجس باختيار المكلف ، ففساده ضروري ، لمخالفته لضروري الدين ومقتضى دليل النجاسة ، لأن الدليل هو‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٠٣ ، التذكرة ١ : ٨٩ ، المختلف ١ : ٨١.

(٢) حكاه عنه في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٠ ، والخلاف ١ : ١٩٧ ، وانظر الأم ١ : ١١.

(٣) انظر المدارك ٢ : ٢٥٩.


وقوع النجس في أحد الإناءين بعينه ، فإن صار نجسا يكون النجس متعينا ، وإلاّ فلا نجاسة.

وإن أراد أن النجس ـ يعني ما أمرنا بالاجتناب عنه ـ هو أحدهما بعينه في الواقع ، وغير النجس ـ أعني الذي ما أمرنا الشارع بالاجتناب عنه بل وجوز لنا المباشرة والطهارة به ـ هو كل واحد منهما بعينه بحسب الظاهر عندنا ففيه من التدافع ما لا يخفى ، لأنّا لو كنّا مأمورين بالاجتناب عن خصوص النجس المعين المشخص في الواقع لكان الواجب عينا الاجتناب عنهما جميعا ، إذ لو باشرنا واحدا منهما لعله يكون هو الذي أمرنا بالاجتناب عنه ، فلا يتحقق الامتثال ، فإذا كان حال مباشرة أحدهما كذلك فكيف يكون حال مباشرة كل واحد منهما بخصوصه على حدة.

وبالجملة : حال النجاسة في هذا التقدير حال السمّ المهلك الواقع في أحد الإناءين المشتبهين ، ولم يأمر الشارع باجتناب الإناءين فيه بخصوصه ، بل أمر بحفظ النفس عن التهلكة ، فتدبّر.

وإن أراد أنّ ما أمرنا بالاجتناب عنه هو خصوص المعين المشخص الواقعي إلاّ أنّه ما أمرنا بالاجتناب عنه مطلقا بل أمرنا بالاجتناب عنه إذا عيّن وشخّص ، فنجاسته الشرعية بالفعل إنما هو في صورة التشخيص ، فقبلها نجاسة بالقوة وطهارة بالفعل ، فجوز المباشرة والطهارة منه ، والتشخيص لا يتحقق إلاّ بمباشرة جميع ما وقع فيه الاشتباه ، وهو الظاهر من كلامه ، لكن يرد عليه : أنه قبل حصول الاشتباه كان مشخصا ، إذ حين ملاقاة النجاسة كان معلوما ، والاشتباه حصل بعدها ، فحينما كان معينا تعلق به الحكم بوجوب الاجتناب ، وبحصول الاشتباه بعد ذلك كيف يرفع الحكم الثابت المتيقن؟! فإن قلت : الشارح لا يقول بالاستصحاب.


قلت : عموم قولهم : : « لا تنقض اليقين بالشك » (١) فإن الشارح ربما يتمسك به ، مع أنه يقول بالعموم والإطلاق.

فإن قلت : لعله يمنع العموم أيضا ، بادعائه أن المراد ما دام معلوما ، بناء على أن الأصل والعمومات الأخر مثل « كل ماء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » (٢) يقتضيان حصول العلم للحكم بالنجاسة.

قلت : لو تم ذلك لم يكن للشارح إثبات بقاء النجاسة في موضع من المواضع الخلافية ، مثل الكر المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره بنفسه ، والماء القليل النجس إذا صار كرا بالقليل النجس الآخر أو مطلقا ، إلى غير ذلك.

بل لا يمكنه إثبات بقائها في موضع لم يتحقق فيه إجماع ، بل لا يمكنه إثبات البقاء من عموم الأدلة أصلا ، وقد صرح ـ ; كثيرا بالإثبات منه.

مع أنه في نفسه غلط ، لأن الأصل لا يعارض العموم ، ومثل كل ماء طاهر. يؤيد العموم ، بل ويوافقه في الدلالة ، لأن الظاهر منه أن منتهى الحكم بالطهارة حصول العلم بالنجاسة ، وبعده يكون نجسا مطلقا.

( مع أن الكلام إنما هو في كون النجس الشرعي هو عين ما وقع فيه النجاسة ، فيكون مأمورا بالاجتناب عنه بخصوصه ، إلاّ أنّه لا يتم الاجتناب عنه إلاّ بالاجتناب عن الكل ، ومقدمة الواجب المطلق واجب عند الشارح (٣) ، مع أن لزوم ارتكابهما (٤) لا نزاع فيه ، فتأمّل جدا ) (٥).

فإن قلت : لعل الشارع يمنع العموم في المقام.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٥.

(٣) في « أ » و « ه‍ » : المشهور.

(٤) في « ه‍ » : ارتكابها.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».


قلت : هذا فاسد ، لأن دليل الانفعال في المقام ليس إلاّ ما دل على انفعال القليل بالملاقاة أو بالتغير ، فكيف يمكنه إنكار عمومه ، مع أنه دائما يدعيه ، مضافا إلى ظهوره ، مع أنه لو لم يدع عموما فمن أين يقول بالنجاسة في صورة التشخيص؟ بل لا وجه لحكمه ببقاء نجاسة أصلا ، فيكون الإناءان طاهرين مطلقا ، لأن أقوال الفقهاء بالنجاسة ووجوب اجتنابهما معا مطلق ، فتأمّل.

فإن قلت : لعل كلام الشارح في صورة يكون الاشتباه متحققا حين الملاقاة ، كما يومئ إليه قوله في البحث الأوّل ، مع تأمّل فيه أيضا ، لأنه جعله من المحتمل.

قلت : ذلك لعله يكون نادرا ، وتخصيص كلام الفقيه بصورة غير الشائع ثم الاعتراض عليه بما لا خصوصية له بصورة النادر فيه ما فيه.

ومع ذلك نقول : حين وقوع النجاسة إما أن يكون تعلق به الحكم بالنجاسة أو لا ، والثاني باطل بالضرورة ، والأول إمّا أن يكون تعلقه بخصوص ما وقعت فيه أو لا بخصوصه ، والثاني باطل بالضرورة وقد عرفت ، والأوّل إمّا أن يكون تعلقه تعلقا مطلقا أو مقيدا بصورة العلم والتشخيص ، والثاني باطل ، لما عرفت من أن دليل النجاسة والمقتضي لوجوب الاجتناب إما قول الفقهاء أو الأخبار الدالة على الانفعال ، وليس في شي‌ء منهما ذلك التقييد ، وقول الفقهاء وجوب اجتنابهما معا ، والأخبار مطلقة ، ومطلقها عام ، ولو لم تكن مطلقة أو لم ينفع إطلاقها يلزم طهارة ذلك مطلقا ، فتأمّل جدا.

فإذا كان واجب الاجتناب مطلقا لزم ما ذكره العلامة ـ ; ـ فيكون حكمه حكم ذي السم القاتل ، ولا خصوصية لوجوب المقدمة بصورة الاستصحاب ، والكلام مبني على وجوبها.

فإن قلت : الأمر وإن كان على ما ذكرت إلاّ أنّ عموم مثل قوله‌


6 : « رفع عن أمتي. ما لا يعلمون » (١) شامل لأحدهما بعينه ، فتجوز المباشرة وتصح الطهارة إلى أن يتحقق العلم بالمنع ، وهو ما إذا باشر الجميع.

قلت : شموله للتكليف المعلوم المتردد بين احتمالين لا ترجيح لأحدهما على الآخر بوجه من الوجوه لا شرعا ولا عقلا ، والمكلف به يكون واحدا مشخصا معينا لا تخيير فيه أصلا ، ممنوع.

على أن من قال بوجوب مقدمة الواجب يقول بثبوت العلم بوجوب اجتنابهما معا ، فيكون خارجا من العموم البتة ، والكلام مبني على وجوبها ، كما مرّ.

قوله : وقد ثبت نظيره. ( ١ : ١٠٨ ).

لا يخفى ما فيه ، لأن التكليف في الإناءين ثابت بالنص والإجماع ، بخلاف واجدي المني ، فإنه لا تكليف أصلا بالنص والإجماع.

قوله : في غير المحصور. ( ١ : ١٠٨ ).

قد عرفت أنّ النجاسة تكليف بالاجتناب ، وهو محال بالنسبة إلى كثير من غير المحصور وحرج بالنسبة إلى كثير ، والله لا يكلف بما لا يطاق ولا بما هو حرج ، هذا مضافا إلى الإجماع بل وضروري الدين في غير المحصور ، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار وما يظهر من الأخبار (٢) ، فما ذكره من عدم الوضوح غير واضح ، فتأمّل.

قوله : لم ينجس الماء. ( ١ : ١٠٨ ).

فيه ما ذكرنا في واجدي المني من عدم التكليف بالنص والإجماع.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

(٢) انظر الوسائل ٢٥ : ١١٧ أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١.


قوله : هنا أبحاث. ( ١ : ١٠٨ ).

الأوّل : لا فرق بين الإناءين وأكثر منهما ، صرح بذلك الشيخان والفاضلان (١) ، والحديثان وردا في الإناءين إلاّ أنه لا فرق كما عرفت من الضابطة ، مضافا إلى أن الظاهر أن الإجماع غير مخصوص بالأوّل ، مع أن الظاهر دلالة الحديثين على الثاني أيضا من باب تنقيح المناط ، فتدبر.

الثاني : نقل عن الشيخين والصدوقين وجوب إهراق الماء (٢) ، كما هو مورد الحديث ، والظاهر أن مستندهم الحديث.

وقال بعضهم بوجوب الإراقة ليصح التيمم (٣) ، وفيه ما فيه.

وقال ابن إدريس والفاضلان بعدم وجوب الإراقة (٤) ووجه الحديث في المعتبر بأن الأمر بالإراقة كناية عن النجاسة تفهيما للمنع (٥) ، كما ورد الأمر بها في كثير من الأخبار (٦) ، مع أنه لم يقل بالوجوب فيهما أحد.

الثالث : لو انقلب أحد المشتبهين ثم اشتبه الآخر بمتيقن الطهارة حكم العلامة ـ ; ـ بوجوب الاجتناب حينئذ أيضا (٧) ، واستشكل‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٨ ، المعتبر ١ : ١٠٤ ، التحرير ١ : ٦.

(٢) حكاه عنهم في معالم الفقه : ١٦٠ ، وانظر المقنعة : ٦٩ ، النهاية : ٦ ، الفقيه ١ : ٧.

(٣) حكاه عن ظاهر الصدوقين في معالم الفقه : ١٦٠.

(٤) السرائر ١ : ٨٥ ، المعتبر ١ : ١٠٤ ، المنتهى ١ : ٢٩.

(٥) المعتبر ١ : ١٠٤.

(٦) انظر الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٢ ، ٤ ، ٧ ، ١٠ ، ١١ ، ١٤.

(٧) المنتهى ١ : ٣٠.


بعضهم ذلك (١) ، وبالتأمّل لما ذكرنا يظهر الحال.

الرابع : هل المظنون النجاسة حكمه حكم متيقن النجاسة أم لا؟

قيل : نعم مطلقا (٢) وقيل : لا مطلقا (٣) ، وهو الظاهر من أخبار كثيرة (٤) ، واضحة الدلالة ، فلا يعارضها دليل القول الأول من أن الفقه ظنيات ، وأن ترجيح المرجوح على الراجح باطل.

وقيل بقبول شهادة عدلين (٥) ، وقيل بقبول شهادة عدل واحد (٦) ، وقيل بقبول قول المالك وإن كان فاسقا (٧) ، وقيل بقبول قول ذي اليد كذلك (٨) ، واشترط بعضهم قبول شهادة العدلين بذكرهما سبب الحكم بالنجاسة لوقوع الخلاف ، إلاّ أن يعلم الوفاق (٩) ، وجماعة منهم قيدوا الحكم بقبول إخبار الغير بنجاسة مائه إذا كان الإخبار قبل الاستعمال ، (١٠) فلو كان بعده لم يقبل بالنظر إلى نجاسة المستعمل له ، فإنه في الحقيقة إخبار بنجاسة الغير ، ولا يكفي فيه الواحد وإن كان عدلا ، ولا بخروج الماء عن ملكه بالاستعمال.

__________________

(١) معالم الفقه : ١٦٢.

(٢) انظر نهاية الشيخ : ٩٦ ، والكافي في الفقه : ١٤٠.

(٣) المهذب ١ : ٣٠ ، جواهر الفقه : ٩.

(٤) انظر الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٤ ، و ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ، و ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

(٥) السرائر ١ : ٨٦ ، المعتبر ١ : ٥٤.

(٦) انظر نهاية الإحكام ١ : ٢٥٢.

(٧) كشف الالتباس ١ : ١١٧.

(٨) كشف الالتباس ١ : ١١٧.

(٩) التذكرة ١ : ٩٣ ، معالم الفقه : ١٦٣.

(١٠) التذكرة ١ : ٢٤.


والمشهور بين المتأخرين قبول شهادة العدلين ، لأنّهما حجة شرعية ، وكذا قبول قول ذي اليد.

قوله : والفرق بينهما. ( ١ : ١٠٨ ).

إن أراد مجرد الاحتمال يتوجه عليه جميع ما أوردنا عليه سابقا ، وإن أراد الظهور لم يرد عليه إلا ما أوردنا عليه في شق حصول الاشتباه من حين العلم بوقوع النجاسة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : الناقل عنه. ( ١ : ١٠٨ ).

غاية ما ثبت من الاستصحاب وجوب الاجتناب عن خصوص ما وقع فيه النجاسة ، وأمّا كونه معلوما بعينه فلا ، وهذا بعينه متحقق في الصورة الأولى ، لما عرفت من أن المحكوم بالنجاسة شرعا ليس إلا خصوص ما وقع فيه النجاسة فيكون هو المأمور بالاجتناب عنه.

وبالجملة : ما ذكرت من أنّ الاجتناب لا يجب إلا مع تحققه بعينه ، إن أردت التحقق عندنا فهو غير حاصل في الصورة الثانية أيضا ، لأن الاستصحاب لا يحققه بعينه ، وإن أردت في نفس الأمر فهو متحقق في الأولى أيضا ، فتأمّل.

قوله : أن المشتبه بالنجس. ( ١ : ١٠٩ ).

لعل دليل العلاّمة ـ ; ـ أن الشارع أمرنا بالتجنب عن خصوص ما وقع فيه النجاسة وحكم بأنه نجس ، فإذا كان التكليف بذي المقدمة تكليفا بالمقدمة ـ كما هو المشهور ـ لا جرم يكون حال المقدمة حال ذي المقدمة في جميع التكليفات التي تعلقت بذي المقدمة وأريد امتثالها ، ولم يتحقق الامتثال إلاّ بالمقدمة.

( وذو المقدمة هنا اجتنابات كثيرة ، وهي الاجتناب في الشرب والطهارات وغيرهما ، ومنها اجتناب الملاقي ، والتكليف هنا هو الأمر بتلك الاجتنابات ،


والامتثال كما يتوقف على المقدمة بالنسبة إلى الشرب كذلك يتوقف بالنسبة إلى الملاقي ، كما هو الحال في الإناءين إذا وقع في أحدهما سم قاتل وقال المولى لعبده : اجتنب السم من الإناءين وما يلاقي السم أيضا ، كان على العبد اجتناب ما وقع في أحد الإنائين أيضا)(١).

ومن المعلوم أنه لو وقع في عين ما هو نجس طاهر يصير في الواقع نجسا.

وبالجملة : المنجسية أيضا من أحكام ذي المقدمة كالنجاسة من دون تفاوت ، فإذا كان تكليف الشارع بذي المقدمة تكليفا بالمقدمة أيضا لزم مراعاة ما اعتبر في ذي المقدمة أيضا.

والحاصل : أن حكم الشارع بالنجاسة التي من أحكامها المنجسية للغير إنما تعلق بعين ما وقع فيه النجاسة من غير مدخلية علم المكلف أو جهله فيه ، كما مرّ.

وأيضا إذا عرف بعينه يكون منجسا للغير جزما ، وليس ذلك إلاّ بحكم الشارع بأنه نجس ، وهذا الحكم بعينه من دون تفاوت موجود في ما نحن فيه ، بل هو هو بعينه ، فتأمّل جدا.

ووجوب المقدمة لو كان حكما شرعيا لم يعارضه الاستصحاب ، لأن الحكم مستصحب ما لم يثبت خلافه شرعا ، وإن لم يكن حكما شرعيا أو لم يكلف بذي المقدمة لتطرق الإشكال في مباشرة أحد الإناءين أيضا ، كما مر عن الشارح ـ ; ـ (٢) لأنه كان طاهرا قطعا قبل عروض الاشتباه.

فإن قلت : المستفاد من الأخبار أن الأصل الطهارة حتى يستيقن‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « ه‍ ».

(٢) في قوله : وفيه نظر. ١ : ١٠٧.


النجاسة.

قلت : يرد ذلك في أحد الإناءين أيضا ، ( فلا مانع من أن يكون طاهرا وواجب الاجتناب من باب المقدمة ، فإنّ أحد الإناءين طاهر جزما ) (١) فتأمّل.

ويمكن أن يقال بأن المشتبه بالنجس في حكم النجس من حيث المنع من المباشرة برطوبة عالما عامدا مختارا (٢) ، لكن لا يصير الملاقي نجسا ، لأصالة طهارته وعدم العلم بانفعاله ، ( ومقتضى الطهارة عدم وجوب الاجتناب ، ووجوب الاجتناب عن الملاقي للنجس إنما هو من جهة الحكم بنجاسته بتحقق كونه ملاقيا للنجس ، ودخول اجتناب الملاقي في اجتناب النجس المعلوم غير المعين مسلم ، لكن تحقق الملاقي من أين؟! ) (٣) فتأمّل.

قوله : عند الأصحاب. ( ١ : ١٠٩ ).

وهو المستفاد من ظاهر موثقتي عمار وسماعة. إلاّ أن يقال : هما محمولان على الصور الشائعة ، وما نحن فيه من الفروض النادرة ، ولا بدّ من تأمّل.

قوله : وفيه ما فيه. ( ١ : ١٠٩ ).

ويمكن أن يقال : يلزم ارتكاب الصلاة بغير طهور يقينا ، وكذا مع النجاسة ، وهو حرام ، وفيه تأمّل.

قوله : هو ما علم كونه ماء مطلقا. ( ١ : ١٠٩ ).

لا يخفى أن المأمور به هو الوضوء بالماء ، أي ما هو ماء واقعا ، والعلم‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « ه‍ » ، بدله في سائر النسخ : لكن بعد محل تأمل.

(٢) ليس في « أ » و « ه‍ ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».


وعدمه لا دخل لهما في المعنى الحقيقي للماء ، ولا مانع فيه من التكليف به ما أمكن امتثاله ، ولو بارتكاب مقدمة ، وشغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة يقينا.

على أن الامتثال العرفي لا بدّ منه قطعا ، لأنا مكلفون بالإطاعة ، وهي امتثال الأمر ، والمرجع فيه إلى العرف ، ولا شك في عدم تحققه إلاّ بارتكاب الوضوءين أو الوضوء والتيمم ( للأمر بالطهور للصلاة ) (١) ، و (٢) لأن الطهور شرط لصحة الصلاة ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط.

ولا يمكن الاستناد إلى مثل « رفع عن أمتي ما لا يعلمون » ، لتحقق العلم ، مضافا إلى عدم شموله لمثل ما نحن فيه ، لاستلزامه إما رفع التكليف بالمرة ، أو الحكم بالترجيح بلا مرجح شرعي في التعيين شرعا ، وكلاهما فاسدان ، أو رجوع الواجب المعين إلى المخير ، وهو خلاف مقتضى الدليل.

على أنه لو كان الماء الذي يجب استعماله هو ما علم كونه ماء مطلقا يلزم من ذلك أنه لو كان المستعمل متيقنا بكون شي‌ء ماء ولهذا توضأ به ثم انكشف له أنه لم يكن ماء يكون وضوؤه ذلك صحيحا مجزيا لصحة الصلاة ، لأنه حين وضوئه كان عنده أنه معلوم المائية ، ولا يخفى فساده.

وأما الإجزاء لو لم ينكشف إلى يوم القيامة فلأجل أنه عنده ماء واقعا ( ولا تقصير له في ذلك ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) ، فالإجزاء إنما هو لأجل أنه عنده ماء واقعا ) (٣) لا لأجل أن الماء هو معلوم المائية.

لا يقال : لعل وجوب الإعادة يكون لظهور عدم المطابقة التي هي‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « أ » و « ه‍ ».

(٢) أثبتناه من « ه‍ ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « د ».


مأخوذة (١) في مفهوم العلم.

قلت : لا شك أن اتفاق المطابقة وعدمه ليسا تحت اختيار المكلف حتى يكون مكلفا بهما ، فالمعتبر هو اعتقاد المطابقة ، فاللازم أن يكون هو مناط التكليف ( مع أنه على هذا يرجع إلى ما ذكرنا من أن المراد ما هو ماء واقعا ) (٢).

قوله : كما هو واضح. ( ١ : ١٠٩ ).

لعل حكمة المراعاة حكاية الضيق في وقت التيمم ، كما هو الشأن في غير هذه المواضع ، فتأمّل.

قوله : ولنا عليه وجوه. ( ١ : ١١٠ ).

ويمكن الاستدلال أيضا بأن الطهارة شرط للصلاة ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط.

قوله : وفيه نظر. ( ١ : ١١١ ).

لا يخفى أن الاستدلال بأمثال ما ذكر إنما هو لأجل التقوية ، كما هو طريقة غيره أيضا في المقامات الكثيرة ، ومنهم الشارح فإنه كثيرا ما يفعل ذلك ، كما مر منه في بحث عدم اشتراط الكرية في الجاري (٣) ، وغيره سيجي‌ء أيضا كثيرا.

قوله : أن التخصيص بالذكر. ( ١ : ١١١ ).

لا يخفى أن نظره ليس إلى حجية مفهوم الوصف ، لأنه غير قائل بها ، ولأجل هذا تمسك بحكاية معرضية الامتنان ، وأولوية العموم ، وهو مسلم عند الشارح ، لأنه كثيرا ما يستدل هكذا ، وقد عرفت الوجه.

__________________

(١) الموجود في النسخ : الذي هو مأخوذ.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٠.


قوله : وهو ضعيف. ( ١ : ١١١ ).

هذا الاعتراض غير وارد على الصدوق وغيره من القدماء الذين كان مدارهم في الأخبار على القرائن وصحة الأصول عند الشيعة والمعمولية عندهم ، وأما غيرهم فربما يرد عليه لو كان قائلا بضعفه وضعف رواية محمّد ابن عيسى عن يونس ، وأما من لم يقل بهما فلا ، وقد بيّنّا في الرجال عدم الضعف بشي‌ء منهما (١) ، فلاحظ.

قوله : وهو عامي. ( ١ : ١١١ ).

فيه توهم ظاهر ، والظاهر أنه من الناسخ أو من سهو القلم.

قوله : بشذوذ هذه الرواية. ( ١ : ١١٢ ).

هذا هو الحق في الجواب.

قوله : بأن يكون المراد. ( ١ : ١١٢ ).

ربما وجه بأنّ المراد ماء الورد ، أي النوبة ، وهي النصيب من الماء ، وهو أيضا لا يخلو من بعد.

قوله : من المائعات. ( ١ : ١١٢ ).

أقول : إنّ الشهيد في الذكرى نبه على أن الظاهر من ابن أبي عقيل تجويز استعمال غير الماء من المائعات عند الضرورة (٢) ، فلاحظ.

قوله : المرتضى. ( ١ : ١١٢ ).

أقول : نسب إلى ابن أبي عقيل أيضا التجويز اضطرارا (٣).

قوله : لورود الأمر. ( ١ : ١١٢ ).

وكذا في غسل مخرج البول ، والجسد ، والظروف ، والأرض ، وغير‌

__________________

(١) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١٧٦ و ٣١٣.

(٢) الذكرى : ٧.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٥٧.


ذلك ، بل وفي بعضها تصريح بعدم إجزاء غير الماء ، مثل قولهم : : « ولا يجزي من البول إلاّ الماء » (١) ، وقولهم : : « كيف يطهر من غير ماء » (٢) ، وبعضها له ظهور تام ، مثل حكاية الولوغ (٣).

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادق 7 ، عن رجل أجنب في ثوب وليس معه غيره ، قال : « يصلي فيه إلى حين وجدان الماء » (٤). إلى غير ذلك ، فلاحظ.

ويمكن الاستدلال أيضا بأن النجاسة مستصحبة إلى أن يثبت المطهر شرعا ، ولا يثبت في غير الماء.

وأيضا : إطلاق المنع بالنجاسة مقيد بالغسل بالماء ، ولم يثبت القيد الآخر.

وأيضا : طهارة الثوب والبدن شرط في الصلاة مثلا ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط.

وأيضا : ورد أن الماء يطهر (٥) ، وهو مشعر بأن الطهارة مختصة به ، فتأمّل.

وأيضا : قال تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) إلى أن قال : ( فَإن لَمْ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٦ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٧.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٢٢٦ ، أبواب الأسآر ، الباب ١ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٣ : ١ / ١ ، الفقيه ١ : ٦ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢١٥ / ٦١٨ ، الوسائل ١ : ١٣٣ ، ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٣ ، ٦.


تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (١) ، وفيه إشعار بأن الغسل إنما يكون بالماء.

وأيضا : ورد في أخبار كثيرة أنّ الثوب النجس مثلا يصلي فيه إلى أن يتمكن من الماء فيغسله (٢) ، منها صريح ومنها ظاهر ، فلاحظ وتتبع.

مع أن المكلف متمكن من البصاق وغيره من المائعات غالبا وغير غالب ، بل ورد : « امسح ذكرك بريقك ، فإذا وجدت بلة فقل : هذا من ذاك » (٣) ، إلاّ أن يكون المراد غير مثل الريق من المياه المضافة ، لكن المستفاد من الأدلّة وأقوال الفقهاء أن المراد هو الأعم.

ومع ذلك ترك الاستفصال يفيد العموم ، ومجرد الندرة لا يكفي لعدم الاستفصال ، لأن السائلين كانوا جاهلين بالمسائل ، فلعلهم كانوا متمكنين من المضاف ، مع أن ولاية الحجاز كثيرا من الأوقات ما كانوا متمكنين من الماء في وقت البول والغائط وأمثال ذلك ، مع أن في بيوتهم كان الخل وماء الورد وأمثالهما ، أو في بلادهم كانت ، ومن ذهب إلى مكة المشرفة تنكشف له حقيقة ما ذكرنا ، مع أن أمثال زماننا قد كثر إحداث المبرك وغيره في مكة والمدينة وغيرهما ، فتأمّل.

وأيضا : ربما كان منشأ الصلاة في النجس التضرر من الاستعمال وهو لا يحصل من بعض المضافات ، فتأمّل.

وأيضا : ربما يكون الغسل بالماء لا يزيل النجاسة إلاّ بتعب شديد أو بواسطة مثل الصابون وغيره ، بخلاف الإزالة من بعض المضافات ، مع أنه مشهور زوال الدم بالبصاق ، فتأمّل.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠ / ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ / ١٠٢٢ ، الوسائل ١ : ٢٨٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٧.


ومما يدل على ذلك ما ورد في الصحيح عن الصادق 7 :

« أن بني إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم ، وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون » (١). فلو كان كل مائع مطهرا لما خص الماء بالذكر البتة ، مع ما في الرواية من التوكيد في التوسعة ، فتدبر.

وأيضا : ورد عن زرارة : علمت أثره إلى أن أصيب الماء (٢) ، والمعصوم 7 قرره ، مع أنه كان فقيها.

وأيضا : ورد في كيفية تطهير الإناء إنه يصب فيه الماء ، إلى أن قال : « وقد طهر » (٣) ، فتأمّل.

قوله : كما هو مقرر في الأصول. ( ١ : ١١٢ ).

اعترض عليه في الذخيرة أنه كما يمكن الجمع بحمل المطلق على المقيد كذا يمكن بالحمل على الاستحباب ، أو على ما هو الغالب من أنه لا يستعمل في الإزالة غير الماء ، يعني يكون قيد الماء واردا مورد الغالب ، فلا يكون مفهومه معتبرا ، فلا بدّ في الترجيح من مرجح (٤).

والجواب عنه أنه بعد تسليم أن الغالب في الاستعمال هو الماء لا يبقى للمطلق عموم حتى تحصل المعارضة ، لأن المطلق ينصرف إليه ، كما هو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩ / ١٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ / ١٠٦٤ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٤. بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، علل الشرائع : ٣٦١ ب ٨٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٧ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٤) الذخيرة : ١١٢.


المسلم عند المعترض وجماعة من المحققين.

إلاّ أن يكون مراده أنه كما يضر المطلق يضر المقيد أيضا ، فلا بدّ في إثباته من دليل.

لكن يرد عليه أن النجاسة كانت ثابتة ولا بدّ من ثبوت المطهر شرعا ، ولا يثبت ، وكذا لا يثبت تحقق المشروط.

مضافا إلى ما عرفت من كمال الظهور في القيد ـ بل والصراحة ـ بأنه لا يجزي غير الماء ، ولا قائل بالفصل ، مع أن السيّد غير قائل بالفصل ، ويكفي الدليل ردا عليه.

( ولو تأمّل أحد لزمه التأمّل في اشتراط رفع الحدث بالماء أيضا ) (١) ، مع أن الظاهر من عمل المسلمين وطريقتهم في الأعصار والأمصار الاقتصار في التطهير الشرعي على الماء ، سيّما مع ما أشرنا إليه من أنه في بعض الأوقات يكون المضاف أسهل تحققا من الماء ، أو أسهل إزالة منه ، أو خاليا من الضرر الذي يكون في الماء ، مع أن الجميع مجتمع في البصاق ، وهذا يرجح الحمل على التقييد.

مضافا إلى أن المدار في الفقه غالبا على تقييد المطلق واختيار هذا الجمع ، وإن أمكن بغيره ، فظاهرهم ترجيحه على غيره ، ومع المانع أو المرجوحية يرجعون إلى غيره ، مع أنه لعله يرجع إلى تخصيص العام ، ولا شك في رجحانه بالنسبة إلى غيره ، بل وتعيينه عند الفقهاء بسبب غلبة شيوعه إلى أن قالوا : وما من عام إلاّ وقد خص ، ولأنه الظاهر عند معاملات أهل العرف ، فتأمّل.

وأيضا : رجوع المطلق إلى المتعارف ليس بحمل ولا توجيه أصلا ، إذ‌

__________________

(١) ما بين القوسين لا يوجد في « ب » و « ج » و « د ».


ليس مقتضى المطلق أزيد من ذلك ، إذ لا عموم فيه لغة ولا عرفا ولا من القرينة سوى ما أشرنا إليه ، وهذا بخلاف القول بأن القيد وارد مورد الغالب أو محمول على الاستحباب ، إذ الثاني لا شك في أنه توجيه وتأويل وارتكاب خلاف الظاهر ، وأما الأول فالظاهر أيضا أنه كذلك ، للزوم كون القيد لغوا محضا لا فائدة فيه أصلا في كلام الحكيم ، سيما مع ما اشتهر عند أهل العلوم اللغوية من أن النفي والإثبات والحكم راجعة إلى خصوص القيد ، ولعله الظاهر أيضا من محاورات أهل العرف ، فتأمّل.

هذا مضافا إلى ما مر من المرجحات الأخر ، فتدبر.

ومما يرجح أن النجاسات من الأمور التي تعم بها البلوى غاية العموم ، إذ منه البول الذي في اليوم الواحد يصدر مرات متعددة من الرجال والنساء والأطفال وغيرهم ، فلو كان التطهير بغير الماء جائزا شرعا لشاع وذاع ووصل إلى حد لا يكاد يقبل الاستتار بمقتضى العادة ، فكيف وقد حصل الاقتصار على الماء في الأعصار والأمصار بحيث لا يكاد يقبل الاستتار ، فتدبر.

قوله : لا تلحقه عبادة. ( ١ : ١١٣ ).

يعني أن العبادات لما كانت توقيفية لا ترجع ألفاظها إلى اللغة والعرف ، لعدم فهمهم لمعانيها وحقائقها من غير جهة الشرع ، بخلاف غير العبادات مثل الأمر بالغسل والقيام والقعود ، فإن معرفة أهل العرف وتحقق الصدق العرفي يكفي ، فتدبر.

وبالجملة : مقتضى الأصل والقاعدة الرجوع في معرفة معاني الألفاظ إلى اللغة والعرف إلى أن يمنع مانع ، ولم يثبت المانع في ما نحن فيه.

قوله : بالمنع. ( ١ : ١١٣ ).

كونه مانعا مع كونه مستدلا بناء على أن الأصل الحقيقة ، والتخصيص‌


لا بدّ له من دليل ، فقوله : ولو كان كذلك. سند لمنعه ، فتأمّل.

قوله : من تساوي المفهومين شرعا. ( ١ : ١١٣ ).

لا يخفى ما فيه ، إذ من الأصول الظاهرة والقواعد المسلمة من الكل أن الألفاظ مرجعها إلى العرف واللغة ، وهما الحكم عند وقوع النزاع إلى أن يمنع مانع ، مثل ما علم أن المعنى اللغوي (١) غير مراد البتة ، كما في العبادات مثل الوضوء والصلاة ، لأنها وظيفة الشارع.

ولا شبهة أن الطهارة العرفية حاصلة ولم يثبت اعتبار غير ذلك ، فما ثبت من اعتبار قيد أو شرط يتعبد به ، وما لم يثبت فالأصل عدمه ، كما هو الحال في غير العبادات من المعاملات وغيرها ، مثل غسل الوجه في الوضوء والقيام في الصلاة وغير ذلك ، فمنعه ليس في موضعه.

قوله : وقد اشترط هو ، ;. ( ١ : ١١٣ ).

لا ضرر فيه أصلا. نعم يمكن منع كون المراد في قوله تعالى :

( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) الغسل ، بل ورد في الأخبار أن المراد قصر الثوب (٣).

ويمكن المنع أيضا للقائل بثبوت الحقيقة الشرعية ، فتأمّل.

قوله : أجمع علماؤنا. ( ١ : ١١٣ ).

لا يخفى أنه استدل برواية غياث عن الصادق 7 ، قال : « لا بأس بغسل الدم بالبصاق » (٤). وأجاب المحقق أنها ضعيفة ، ولو صحت نزلت‌

__________________

(١) في « أ » و « ب » و « ه‍ » زيادة : والعرفي.

(٢) المدثر : ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٧ / ١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٩ أبواب أحكام الملابس ب ٢٢ ح ٥ ، ومجمع البيان ٥ : ٣٨٥ ، الوسائل ٥ : ٤١ أبواب أحكام الملابس ب ٢٢ ح ١٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٥ / ١٣٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٠٥ أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ٢.


على جواز الاستعانة بالبصاق ، ويظهر من الاستدلال والجواب أن السيد ـ ; ـ قائل بالتطهير به. على أن ابن الجنيد نسب إليه صريحا أنه قائل بتطهير الدم بالبصاق (١). سلمنا ، لكن يرد على الشارح ما سيورد على السيد بقوله : لم يقدح. ، فتدبّر.

قوله : على ألسنة أهل العرف. ( ١ : ١١٤ ).

بناء على أنّ تتبع الأحاديث كاشف عن أنّ طريقة مخاطبات الشرع طريقة العرف ، والعرف ينصرف إلى المعتاد. أو أنّ الأصل إنما يعتبر لو لم يخالف المتبادر.

قوله : قال المصنف في المعتبر. ( ١ : ١١٤ ).

أقول : وكذا العلامة ـ ; ـ في التذكرة والمنتهى ، والشهيدان (٢).

قوله : موجبة لنجاسة ما لاقته. ( ١ : ١١٤ ).

إن كان من جهة الرطوبة التي هي شرط في انفعال شي‌ء بملاقاة النجاسة ، فمع أنّ مستنده الإجماع أيضا إلاّ أنه إجماع آخر ، يلزم سراية النجاسة في غير المائعات أيضا ، مثل السمن الجامد ، والبطيخ المكسور ، وأمثال ذلك ، فهو فاسد بإجماع الشيعة ، وإن كان من جهة ميعانه فلعله مصادرة ، إلا أن يستند إلى الإجماع فيكون هو الدليل ، وما ذكره من فروعات المسألة. هذا مضافا إلى ما مر في تطهير الماء القليل.

قوله : وصيرورته. ( ١ : ١١٤ ).

تغير بالمضاف أم لا ، على المشهور ، خلافا للشيخ في الأول (٣) ، وقد‌

__________________

(١) نسبه إليه الشهيد في الذكرى : ١٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٢ ، الذكرى : ٧ ، روض الجنان : ١٣٣ ، الروضة ١ : ٤٥.

(٣) المبسوط ١ : ٥.


مرّ الكلام في ذلك في صدر الكتاب.

والمستفاد من كلام الشارح ـ ; ـ أنه ما لم يصر ماء مطلقا يكون نجسا ، فيكون المجموع نجسا ، لخروجه عن الإطلاق وصيرورته ماء مضافا ، ودليله استصحاب نجاسة المضاف ، وعدم ثبوت المطهر الشرعي.

وربما قيل بالطهارة (١) ، لأنّ الماء كان طاهرا ولم يثبت نجاسته شرعا ، إذ لعله طهر المضاف قبل أن يصير مضافا.

وفيه : أنّ الحكم بطهارة الماء ، بالاستصحاب إنما هو ما دام كونه ماء مطلقا ، فإذا خرج منه فلا يبقى للاستصحاب أثر ، ولذا يحكم بأنّ الاستحالة من المطهرات للنجس ، وأما المضاف النجس فهو بعد على طبيعته وحقيقته. سلمنا ، لكن نقول : غاية الأمر أنه تعارض الاستصحابان ، فيبقى الحكم بمطهرية النجس شرعا من غير دليل ، فالأصل عدمه ، فتأمّل.

مع أن العادة تحكم بأنّ سريان الماء في أعماق المضاف بحيث يبقى على ماهيته حتى يطهر محال ، سيما مع اشتراط اتصال أجزائه ، لأنه شرط في الطهارة والمطهرية ، فتأمّل.

قوله : من اعتبار الاسم. ( ١ : ١١٥ ).

لا يخلو تحققه من إشكال ، فإنّ إطلاق الجاهل بالحال لا عبرة به ، والعالم به لم نجد له في العرف ضابطة معرفة لصحة الإطلاق. نعم حال الاستهلاك لا شبهة فيه ، فتأمّل.

قوله : لا تعودي. ( ١ : ١١٦ ).

بتخفيف الواو ، من العود ، أو بتشديدها ، من الاعتياد ، وكيف كان ،

__________________

(١) قال به في المنتهى ١ : ٢٢ ، والقواعد ١ : ٥.


دلالتها على المطلوب يحتاج إلى التأمّل ، ومع ذلك فهي في غاية الظهور في عدم الحرمة سيما إذا كانت مشددة ، فقوله بعد ذلك : وحملها الأصحاب. ، فيه ما فيه.

قوله : لضعف سندهما. ( ١ : ١١٧ ).

مرّ في صدر الكتاب وجه الحمل ومعنى الحمل (١) ، فتأمّل.

قوله : ولما روي عن الصادق 7. ( ١ : ١١٧ ).

وقد عرفت أنّ رواية إبراهيم تدل على الحرمة ، فهي أيضا سبب للحمل على الكراهة.

قوله : وسواء كانت الآنية. ( ١ : ١١٧ ).

أقول : وسواء كان قليلا أو كثيرا ، وسواء كان بإشراق الشمس أو الوضع قريبا منها ، إلاّ أن يدعي الظهور في الأوّل ، والظاهر الظهور في الأول في المسألة الأولى أيضا ، لأنّ الرواية وردت عن رسول الله 6 ، والماء الكثير كان في ذلك الزمان نادرا.

قوله : سواء قصد إلى. ( ١ : ١١٧ ).

والرواية على ما نقلها لا ظهور لها في هذا العموم ، نعم هي في كتب الأخبار رويت كذلك : « الماء الذي تسخنه الشمس لا يتوضأ به » (٢) ، وهي دالة على العموم ، فتأمّل. وربما يظهر منه عموم آخر ، وهو أعم من أن تكون السخونة باقية أم لا ، وإن قلنا بأنّ المشتق لا بدّ في صدقه من بقاء مبدأه ، لأن هاهنا فعل مضارع ، ويؤيده الاستصحاب.

__________________

(١) راجع ص ٢٠ ـ ٢١.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٣ / ٥ ، علل الشرائع : ٢٨١ ب ٩٤ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٢ ، وفيها : « لا تتوضؤوا به ».


قوله : واعلم أن المراد بالمكروه. ( ١ : ١١٧ ).

هذا ينافي ما اختاره من أن الشي‌ء لا يمكن أن يصير مأمورا به ومنهيا عنه ، لأن التضاد ليس منحصرا بين الواجب والحرام ، بل الأحكام الخمسة كلها متضادة ، وسيجي‌ء عن الشارح في مكان المصلي بسط الكلام في الجملة ، وامتناع الاجتماع بين الأولين (١) ، ومراد من قال بأنها بمعنى أقليّة الثواب أنها أقلّ ثوابا من الثواب المقرر على العبادة من حيث هي ، لا الثوابات العارضة الخارجية ( لأنها ليست ثواب العبادة ، بل ثواب الأمور العارضة ) (٢) فتأمّل. مع أنّ الفقهاء كثيرا ما يطلقون الكراهة على خلاف المستحب أيضا ، فتأمّل.

وما قيل من أن الكراهة راجعة إلى الوصف الخارج عن ذات الفرد بخلاف الحرمة فيه ما فيه ، ونحن صححنا المقام في الفوائد الحائرية ، من أراد الاطلاع فليرجع إليها (٣).

قوله : ولو خشي. ( ١ : ١١٨ ).

في الفقه الرضوي : « ولا يسخن له الماء إلاّ أن يكون الماء باردا جدا ، فتوقّي الميت بما توقّي به منه نفسك ، ولا يكون حارا شديدا ، ولكن يكون فاترا » (٤).

قوله : وهو قوي. ( ١ : ١١٩ ).

__________________

(١) انظر مدارك الأحكام ٣ : ٢١٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) انظر الفوائد الحائرية القديمة ، الفائدة الرابعة عشرة ( المخطوطة ).

(٤) فقه الرضا « ع » : ١٦٧ ، المستدرك ٢ : ١٧٤ أبواب غسل الميت ب ١٠ ح ١.


قال في المعالم : وظاهر الشهيد في الذكرى ، ووالدي في شرح الإرشاد الميل إلى الطهارة ، وصرح باختياره الشيخ على ما في بعض فوائده ، ويعزى إلى جماعة من متقدمي الأصحاب المصير إليه أيضا (١).

قوله : ولم أقف. ( ١ : ١١٩ ).

لكن في المعالم نسب إلى ابن إدريس موافقته للمرتضى (٢).

قوله : كما بيناه فيما سبق. ( ١ : ١٢٠ ).

أي من منع العموم في المفهوم (٣) ، وأمّا المنطوق فلم يرد بعنوان العموم ، نعم يظهر من بعض المنطوقات النجاسة في حال الغسل ، مثل إدخال اليد النجسة في الماء (٤) ، فلو كان إجماع مركب يلزم منه العموم لكان معارضا بما هو أقوى دلالة ، وهو جواز غسل الثوب النجس في المركن (٥) ، إلاّ أن يقولا (٦) : لا دليل على أن النجس لا يطهر مطلقا ، وسيجي‌ء الخلاف في بحث مطهرية الأرض وغيرها ، مثل حجر الاستنجاء ، فإنه يطهر مع انفعاله بالملاقاة ، سيما على القول بالاكتفاء بمجرد النقاء ، كما اختاره الشارح (٧).

وبالجملة : العقل لا طريق له في أمثال هذه الأحكام ، والنقل منحصر في الإجماع والآية والحديث ، ولا إجماع ولا كتاب ولا سنة يثبت بها‌

__________________

(١) معالم الفقه : ١٢٣.

(٢) معالم الفقه : ١٢٣.

(٣) إشارة إلى منع عموم المفهوم في قوله 7 : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء ».

(٤) انظر الوسائل ١ : الباب ٨ من أبواب الماء المطلق الأحاديث ٣ ، ٤ ، ٧ ، ١٠ ، ١١.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٦) أي المحقق والعلامة ، وفي « ا » : نقول.

(٧) انظر مدارك الأحكام ١ : ١٦٥.


الحكم ، وما بقي في الثوب بعد العصر عفو مطلقا وإن لاقى شيئا آخر.

وفيه أن الظاهر من لفظ النجس أنه يجب التنزه عنه ، فكيف يجتمع هذا مع العفو مطلقا. إلاّ أن يقال : الإجماع اقتضى الطهارة والعفو المطلق ، وفي تحققه في المركن تأمّل.

قوله : وأمّا الروايتان. ( ١ : ١٢٠ ).

أمّا الكلام في السند فقد مرّ مكررا ، وأما قصور الدلالة فالظاهر أنّ الجملة المثبتة (١) دلالتها ظاهرة سواء رجعت إلى الأمر أم لا ، لأنّ الظاهر أن المراد أن الحكم الشرعي فيه أنه يغسل ، نعم ما يثبت من الرواية هو النجاسة بعد الانفصال ، كما هو أحد الاحتمالات في هذه المسألة ، ( وسيجي‌ء ذلك عن الشارح ) (٢) في مسألة غسل الثياب ، قائلا أنّ القدر الذي يثبت من الروايات المنع من الاستعمال بعد ملاقاة النجاسة خاصة لا حال الملاقاة (٣) ، وسينبه عليه الآن أيضا.

قوله : لأن النجس لا يطهر. ( ١ : ١٢١ ).

لا يخفى أنّ دليله أعم من مدعاه ، إذ غاية ما يثبت منه جواز الغسل بالقليل ، أمّا أنه لا بدّ من أن يكون بعنوان ورود الماء على النجاسة وأنه شرط فلا يظهر منه بوجه من الوجوه. إلاّ أن يقال : التطهير بعنوان الورود عليها يثبت من هذا الدليل ، وأمّا أزيد منه فلا ، لتأدي الفرض وعدم بقاء أمر يوجب العلم بعد ذلك ، وفيه ما لا يخفى.

قوله : لأن ذلك يقتضي. ( ١ : ١٢١ ).

لا يخفى أنه ما أظهر أنّ العلة ما هي حتى يعترض عليه بذلك.

__________________

(١) في « ج » و « د » : الفعلية.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ه‍ » : وسيجي‌ء خلاف ذلك عن الشهيد.

(٣) انظر مدارك الأحكام ٢ : ٣٣٠.


فإن قلت : السيّد ـ ; ـ صرح بأنه لو تنجس حال الملاقاة لزم عدم تطهير الثوب ، فمنع الملازمة لا يكون إلاّ أن يحكم بالانفعال حال الملاقاة وتطهير الثوب ، لكن لما قال : والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل ، لزم منه ذلك الاقتضاء.

قلت : لو تمّ ما ذكرت لزم التناقض في كلامه ، وأنّ الإيراد عليه هو لا ما ذكرت ، وغير خفي أنه ما منع الملازمة الأخيرة ، بل الظاهر أنها مسلمة عنده ، لتقييده النجاسة بما بعد الانفصال ، بل منع الملازمة الأولى التي هي نفس الدليل ، وذلك لأنه استدل هكذا : لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدى إلى عدم التطهير بالقليل ، ولم يقيد بكونه حال الملاقاة ، بل الظاهر منه الحكم في الجملة ، والظاهر منه أخذ التنافي بين الانفعال في الجملة والتطهير.

بل لعله لا يمكن حمل كلامه إلا على هذا ، لأن مطلوبه عدم الانفعال حال الورود مطلقا ، فنقيضه الانفعال في الجملة لا الانفعال مطلقا ، ولذا نسب الشارح وغيره إليه القول بعدم الانفعال مطلقا حال ورود الماء على النجاسة ، ولذلك منع العلامة ـ ; ـ ، بأنه لا مانع من الحكم بالتطهير والانفعال في الجملة ، وهو ما إذا كان بعد الانفصال.

فإن قلت : التقييد في الملازمة الثانية كاشفة عن التقييد في الأولى أيضا ، لأنها بيانها.

قلت : فرق بين البيان والمبين ، فلو كان الأمر على ما ذكرت لكانت الثانية راجعة إلى الأولى.

والحاصل أن السيد ـ ; ـ لما كان معتقدا انحصار العلة في الملاقاة وعدم جواز تخلف مثل هذه العلة أيضا عن المعلول بين الملازمة العامة بالملازمة الخاصة. فعلى هذا ، منع العلامة الملازمة الأولى لا يرجع‌


إلى منع الثانية ، سيما مع ما عرفت من تقييده النجاسة بخصوص كونها بعد الانفصال.

وبالجملة : كلامه يرجع إلى ما ذكره الشارح بقوله : نعم يمكن.

ومعلوم أن المجيب لا يجب أن يكون جوابه موافقا لمذهبه ، بل ولا لمذهب ، ما لم يخالف الإجماع.

وأولى من ذلك أنّ منعه قدر مشترك بين منع انحصار العلة ، ومنع عدم جواز تخلف معلول أمثال هذه العلل التي هي من باب الأمارات ، ومنع أن كون الشي‌ء نجسا يجب أن يكون جميع أحكام النجاسات موجودة فيه على حسب ما مر ، وأما منع انحصار العلة فسنده الرواية التي مرت ، بل الروايتان عند العلاّمة.

قوله : لا تتناول ذلك صريحا. ( ١ : ١٢٢ ).

ليس كذلك ، بل تتناوله ، كما أشرنا. إلاّ أن يقال : إنه بسبب التعارض لا يبقى المعارض سالما ، إن وقع التعارض.

قوله : ولا بأس به. ( ١ : ١٢٢ ).

فيه : أنه مخالف لما ذكره آنفا ، من أن الروايات لا تتناول ذلك. إلاّ أن يكون مراده خصوص الموضع الذي حكم الشيخ بالطهارة ، ولكن يبقى التأمّل في التخصيص بعد ملاحظة ما ذكرناه في منع كلية الكبرى. إلاّ أن يكون مراده الإثبات فيه لا النفي في غيره ، كما يظهر من قوله : وربما ظهر. ، فتأمّل.

قوله : وهو مشكل. ( ١ : ١٢٢ ).

فيه ما لا يخفى ، لأنّه إذا مال إلى الطهارة مطلقا واستوجه عدم اعتبار الورود يلزم من ذلك عدم النجاسة مطلقا في صورة الغسل.


قوله : على ما نقله المصنف. (١).

غاية ما يثبت منه الظن ، فالحكم بالقطع فيه ما فيه. مع أنه ـ ; ـ متأمّل في مثل هذه الإجماعات ، بل ونسب إلى الشهيد ظهور الخلاف في ذلك. ولعله لذلك وجد في بعض النسخ الضرب على ما ذكر ، والكتابة موضعه : ان المحقق في المعتبر نقل الإجماع على عدم رفع الحدث.

قوله : أو تلاقيه. ( ١ : ١٢٣ ).

كلمة « أو » هاهنا بمعنى : إلى أن ، أو : إلاّ أن ، وإنما فعل المصنف كذلك تنبيها على الفرق بين القيدين ، بأن القيد الثاني خارج عن المسألة وأجنبي بالنسبة إليها ، لأن مفروضها حكم الغسالة من حيث أنها غسالة ، بأنها هل تنجس بسبب النجاسة التي هي غسلتها وإزالتها أم لا؟ ولهذا وقع النزاع في نجاسة غسالة الأخباث ، مع أنه لا نزاع بينهم إذا وصلتها النجاسة من الخارج فتدبر (٢).

قوله : ماء الاستنجاء من الحدثين. ( ١ : ١٢٣ ).

الاستنجاء لعله حقيقة لغة في تطهير موضع النجو ، ويظهر من بعض الأخبار الإطلاق عليه ، مثل صحيحة زرارة (٣) ، لكن لعله تحقق حقيقة شرعية ، أو سببه أن الظاهر من الأخبار وقوع غسالة البول أيضا ، لبعد انفكاك غسالة الغائط عنها ، فتأمّل.

قوله : لما في إيجاب. ( ١ : ١٢٣ ).

__________________

(١) في « أ » و « ه‍ » و « و » : كما نقله. ولم نعثر على هذه العبارة في المدارك.

(٢) ليس في « ج ».

(٣) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، و ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣١٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.


لعل أمثال هذه الاستدلالات منهم من باب التأييد ، كما لا يخفى على الفطن المطلع بأحوالهم ، فتأمّل.

قوله : وأنا جنب. ( ١ : ١٢٣ ).

قيل : في قوله : وأنا جنب دلالة على أن استنجاءه كان من المني أو منه ومن غيره [ ويحتمل أن يكون مختصا بغيره ] وذكر الجنابة لتوهم سراية النجاسة الحدثية إلى الماء ، انتهى (١).

والاستنجاء حقيقة في غسل المخرجين من الحدثين ، فحمله على غيره يحتاج إلى قرينة واضحة ، ومجرد ذكر ذلك ليس قرينة ، فالحمل الأخير متعين ، فتأمّل.

قوله : وشرط المصنف. ( ١ : ١٢٤ ).

ليس المراد بالشرطية معناها المعروف ، لأن الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ، فيلزم ندرة الغسالة الطاهرة ، بل المراد أنه إن علم التغير أو غيره مما ذكر ينجس ، ولا يجوز حمل الأخبار وكلام الأخيار (٢) على الفروض النادرة ، سيما في ما نحن فيه ، بل نقول : لا يظهر من كلام المحقق الاشتراط ، فتأمّل.

قوله : وإن كان للتوقف فيه. ( ١ : ١٢٤ ).

واشترط بعضهم (٣) عدم وضع اليد على النجاسة قبل الماء في الغسل ، لأنه يصير حينئذ من قبيل النجاسة الخارجية ، وفيه ما فيه ، لأن الملاقاة لازمة على أي حال ، والنص مطلق ، وكلام الأصحاب أيضا كذلك ، نعم بغير قصد الغسل لو وضعه لكان الأمر كما قال.

__________________

(١) الوافي ٦ : ٢٤ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر‌

(٢) في « ه‍ » : الفقهاء.

(٣) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٢.


قوله : كالتغير. ( ١ : ١٢٤ ).

لا نفس التغير ، فإن هذا التغير عندهم غير معتبر ، ولعل وجهه أن الزيادة تدل على وجود عين النجاسة ، وفيه ما فيه ، أو تدل على مقهوريته ، وهذا أوفق بعبارته ، مع أنه أيضا فيه ما فيه.

قوله : ويدل على الطهارة. ( ١ : ١٢٥ ).

دلالة رواية عبد الملك على الطهارة ظاهرة ، سواء قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية أم لا ، لما مر ، وأما رواية الأحول فلعلها من أن البأس المنفي (١) نكرة في سياق النفي ، وهذا لا يخلو عن تأمّل ، أو لأنّ المتبادر من أمثاله في أمثال المقام الطهارة ، وفيه تأمّل.

قوله : ويشهد له. ( ١ : ١٢٧ ).

في شهادته تأمّل ، بل ربما كان شهادته على الخلاف أشبه ، فتأمّل.

نعم تدل عليه صحيحة علي بن جعفر المروية في التهذيب ، حيث قال في آخرها : « فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع فإن ذلك يجزيه » (٢). إلاّ أنّ الصحيحة متضمنة لبعض أحكام يكون محلا للتأمّل ، بل يشكل الأمر فيها ، فلاحظ.

قوله : وأشباهه. ( ١ : ١٢٧ ).

إما عطف على أن يتوضأ ، أو على ضمير منه على القول بجواز ذلك ، أو منصوب ، وكيف كان يحتاج التقريب والتتميم إلى التمسك بعدم القول بالفصل ، لكن في ذيل الرواية ما يشير إلى كونه منصوبا ، أو كونه معطوفا على‌

__________________

(١) ليس في « ج » و « د ».

(٢) التهذيب ١ : ٤١٦ / ١٣١٥ و ١ : ٣٦٧ / ١١١٥ ، قرب الاسناد : ١٨١ / ٦٦٧ ذيل الحديث ، الوسائل ١ : ٢١٦ أبواب الماء المضاف ب ١٠ ح ١ ، بتفاوت يسير.


الضمير ، حيث قال 7 : « وأما الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل وجهه ويديه في شي‌ء نظيف فلا بأس بأن يؤخذ ويتوضأ ».

إذ التعرض لخصوص هذا وعدم التعرض لغسالة الحيض ومثله شاهد على ذلك ، ولو كان المنع مختصا بغسل الجنب لكان التعرض لها أولى بل وأهم ، فالحديث يدل على العموم في كل حدث أكبر ، مضافا إلى عدم القول بالفصل.

قوله : وقد تقدم. ( ١ : ١٢٧ ).

وقد تقدم الكلام في هذا الطعن مرارا ، فلاحظ. مع أن مضمونها موافق لأخبار متعددة ، مثل ما ورد في الصحيح في ماء الحمام : « ولا يغتسل من ماء آخر ، إلاّ أن يكون فيهم جنب ، أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا » (١).

وما ورد فيه أيضا : « ولا يغتسل في البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام ، فإنّه يسيل فيها ماء يغتسل الجنب وولد الزنا والناصب لنا » (٢).

وما رواه أبو بصير عن الصادق 7 : عن الجنب يحمل الركوة فيدخل فيه إصبعه ـ إلى أن قال ـ : « فليغتسل منه ، هذا مما قال الله تعالى :

( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) ». فلو لا المنع من مستعملة لم يكن لقوله : ليس عليكم من حرج وجه ، وغير ذلك من الأخبار :

منها ما يظهر منه النجاسة (٤) ، مع أنّه طاهر بإجماع الأصحاب ، على ما‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٥ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٣ / ١١٤٣ ، الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٨ / ١٠٣ ، الوسائل ١ : ١٥٤ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١١ والآية في الحج : ٧٨.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١١.


حكاه المصنف ، والعلاّمة ، وابن إدريس (١) ، فلا يكون الوجه إلاّ سلب الطهورية.

ومنها ما ورد من الأمر بالنزح لاغتساله في البئر (٢).

وبالجملة : بملاحظة مجموع أخبار كثيرة يظهر أن في مستعملة منع البتة ، وأنه ليس بحيث يؤثر فيه استعماله أصلا ، كما هو مذهب المرتضى وغيره ، ويؤيده اشتهار ذلك بين قدماء الأصحاب الذين هم أعرف وهم الشهود ، ويظهر الاشتهار من خلاف الشيخ حيث نسبه إلى أكثر الأصحاب (٣) ، فتأمّل.

وربما يجاب بأن قوله : « لا يجوز » محمول على الكراهة ، لأن الماء الذي يغسل به الثوب أعم من أن يكون الثوب نجسا أم لا ، والماء أعم من القليل والكثير.

وهذا الجواب ليس بشي‌ء ، لأن صدر الرواية أنه 7 قال : « لا بأس أن يتوضأ بالماء المستعمل » ، وأيضا لم يقل أحد بالكراهة في الثوب الطاهر أو الكثير ، والتسوية بينه وبين النجس والقليل ، ولم يفهم أحد منها الكثير ، لظهورها في القليل.

ويمكن الجواب بالحمل على الجنب الذي يده نجسة حملا على الغالب ، لكن ذيل الرواية ربما يأبى عن ذلك حيث قال 7 : « وأما الذي يتوضأ به الرجل ويغسل وجهه ويده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به ».

وأما الأخبار الأخر فبعضها ليس دالا على المنع التحريمي ، وبعضها له معارض ، مثل ما ورد في جواز الغسل بماء الحمام الذي يغتسل به‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٨٦ ، المنتهى ١ : ٢٢ ، السرائر ١ : ١٦٣.

(٢) الوسائل ١ : ١٩٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٢.

(٣) الخلاف ١ : ١٧٢.


الجنب (١) ، مع إمكان الجمع بحمل المانع على ما إذا لم يكن المستعمل متصلا بالمادة وجاريا ، كما يشعر به قولهم : : « هو بمنزلة الجاري » (٢) ، وأنّه « يطهر بعضه بعضا » (٣) ، و « أليس هو بجار؟ » (٤) ، ويؤيده ظهور عدم البأس ، أصلا ورأسا في هذه الصورة.

وبالجملة : لا شك أن الاحتياط التجنب ، وإن كان الحكم بسلب الطهورية لا يخلو من إشكال.

قوله : بعد تمام ارتماسه. ( ١ : ١٢٧ ).

لا وجه لهذا القيد ، لأن غسل الارتماس لا يتحقق إلا دفعة ، كما سيجي‌ء في مسألة وقوع الحدث في أثناء الغسل (٥) ، فما لم يتحقق من الغسل شي‌ء لا يصير الماء مستعملا فيه ، فتدبر.

قوله : وهو غير جيد. ( ١ : ١٢٨ ).

الظاهر أن مرادهم أن السؤر المبحوث عنه في كتب الفقهاء في المقام هو ماء قليل باشره جسم حيوان ، وربما يظهر ذلك من كتب الفقهاء في فتاويهم واستدلالاتهم ، بل ومن بعض أدلتهم ، مثل موثقة العيص بن القاسم : قال : سألت الصادق 7 عن سؤر الحائض ، قال : « توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة ، وتغسل يدها قبل أن يدخلها‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٠ ، الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٩ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨.

(٥) يأتي في ص ٣٤٥.


الإناء ، وقد كان رسول الله 6 يغتسل هو وعائشة في إناء واحد » (١) ، فتأمل ذلك وغير ذلك.

قوله : في التعليل إشعار. ( ١ : ١٣١ ).

أقول : وإيماء إلى أن الأمر في السباع ليس كذلك ، فلعله الكراهة ، كما يظهر من أخبار متعددة وسنشير إليها.

قوله : وضعفها بالإرسال. ( ١ : ١٣١ ).

فيه ما عرفت مرارا من أنه لا بأس بالتسامح في أمثال المقام.

ويؤيده أيضا ما رواه الكليني بسند لا يقصر عن الصحيح ـ بل في الحقيقة صحيح ـ عن الصادق 7 : قال : « لا بأس أن يتوضأ مما يشرب منه ما يؤكل لحمه » (٢).

وما رواه في الموثق عن سماعة ، قال : سألته هل يشرب من سؤر شي‌ء من الدواب ويتوضأ منه؟ فقال : « أما الإبل والبقر والغنم فلا بأس » (٣).

وما رواه الشيخ بسنده عن رسول الله 6 ، وما رواه الصدوق عنه 7 : أنه قال : « كل شي‌ء يجترّ فسؤره حلال ولعابه حلال » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ١٧ / ٣١ ، الوسائل ١ : ٢٣٤ أبواب الأسآر ب ٧ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٣ : ٩ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٥ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٩ / ٣ ، الوسائل ١ : ٢٣٢ أبواب الأسآر ب ٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٥٨ ، الفقيه ١ : ٨ / ٩ ، الوسائل ١ : ٢٣٢ أبواب الأسآر ب ٥ ح ٥. وقوله : يجترّ هو من الاجترار ، وهو أن يجرّ البعير من الكرش ما أكل إلى الفم فيمضغه مرة ثانية ( مجمع البحرين ٣ : ٢٤٤ ).


وموثقة عمار الآتية ، ورواه الشيخ في الموثق ، والصدوق ـ ; ـ عنه عن الصادق 7 : أنه قال : « كل ما يؤكل لحمه فليتوضأ من سؤره ويشرب » (١) ، ( بل ربما يحصل الدلالة بملاحظة تعاضد الأخبار الكثيرة ، فتأمّل ) (٢) ، لكن الطير مستثنى فيها.

قوله : في كتابي الأخبار. ( ١ : ١٣١ ).

في ظهور ذلك منه نظر ، كيف وظهر منه خلاف ذلك في مواضع متعددة ، هذا على فرض أن يكون يظهر منه ( في الكتابين ) (٣) في أمثال هذه المواضع مذهب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فإن الأدلة على ذلك. ( ١ : ١٣٢ ).

الأدلة هي آية ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) (٤) ، وآية ( فَلَوْ لا نَفَرَ ) (٥) ، والإجماع وانسداد باب العلم.

والأولى موقوفة على حجية مفهوم الصفة ، أو كون المفهوم مفهوم الشرط ، وموقوفة على عموم المفهوم ، والأخير غير مسلم عند الشارح.

والثانية موقوفة على كون ما نحن فيه داخلا في التفقه ، إذ لا كلام في رجوع العامي إلى الفقيه ، والفقاهة تتفاوت في الأزمنة بحسب الحاجة إلى الشروط ، وبحسب العلم والظن.

والدليل الرابع لعل المحقق لا يرضى به ، لتوقفه على انسداد باب‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠ / ١٨ ، التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » « ج » « د » « ه‍ ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » « ج » « د » « ه‍ ».

(٤) الحجرات : ٦.

(٥) التوبة : ١٢٢.


العلم.

والإجماع على حجية خبر الواحد موجود ، ولعل مراده من عمل الأصحاب هو الإجماع ، لأنه ربما يقرره به ، وربما يصرح بأن دليل حجية خبر الواحد هو الإجماع والتتبع الكاشف عن أن الشيعة كما كانوا يعملون بأخبار العدول كذلك يعملون بأخبار هؤلاء ، لكنه ربما كان في موضع آخر ـ ردا على الشيخ القائل بحجية هذا الإجماع ـ صرح بعدم معلومية عمل الأصحاب بأخبار هؤلاء كما ذكره الشارح ، لكن تجدد الرأي من المحقق وأمثاله غير عزيز ، مع أنه يحتمل أن يريد من هؤلاء رواة الروايتين ، على بعد ، فتأمّل.

قوله : كما قرره. ( ١ : ١٣٢ ).

ما قرره أنه ليس بحجة في نفسه ، أما أنه لا يصير منشأ لحجية الخبر فلا ، قال الصادق 7 : « خذ بما اشتهر بين أصحابك » (١) ، فتدبر.

وأيضا : الظاهر أنه نوع تثبت بل أقوى أنواعه.

قوله : والقرائن. ( ١ : ١٣٢ ).

هي قرائن على حقية الخبر فكيف يستغنى عنه.

قوله : وإلاّ فلا فائدة. ( ١ : ١٣٢ ).

فيه : أنّ الفائدة حصول الوثوق.

قوله : التعبد به. ( ١ : ١٣٣ ).

لم يقل : إنّ التعبد محال ، بل قال : العقل يمنع من حيث إنّه يحتمل الخطاء ، فربما كان الخطاء أمرا لا يرضى به العقل أو الشرع ، فيحصل من‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢.


الشارع ضرر ، ولا يرضى به العقل أيضا ، فتأمّل.

قوله : برواية هؤلاء. ( ١ : ١٣٣ ).

لعل مراده برواية هؤلاء في موارد خاصة لا مطلقا ، وإن كان خلاف الظاهر ، صونا لكلامه عن التنافي ، فتأمّل.

قوله : من السباع طهارتها. ( ١ : ١٣٣ ).

غاية ما يظهر منها أنها لا ينجس الغير بمجرد زوال العين ، إلاّ أن ينضم إليه أن المتنجس ينجس قطعا في كل موضع ، لكن الظاهر أنه لا دليل على هذه الكلية سوى الإجماع ، وقد مر عن الشيخ الخلاف في بعض الموارد ، إلاّ أن يقال : إنّهم في هذا الموضع متفقون ، أو إنّ الشيخ خارج معلوم النسب ، فتأمّل.

قوله : لأنها لا تكاد تنفك. ( ١ : ١٣٣ ).

لا يخفى أن الفأرة تبول وتروث قطعا بالبديهة ، ومع ذلك في أخبار كثيرة أنها إذا وقعت في دهن أو غيره ثم خرجت حية فهي لا تنجس الدهن وأمثاله (١) ، فتدبر.

قوله : إلى الفرد النادر. ( ١ : ١٣٣ ).

مضافا إلى أن ترك الاستفصال في أمثال هذه المقامات يفيد العموم ، ويدل عليه موثقة عمار أنه سأل الصادق 7 عن ماء تشرب منه الدجاجة ، قال : « إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب ، وإن كان لم يعلم أن في منقارها قذرا فتوضأ منه واشرب » إلى أن قال : وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب (٢) ، إلى آخر الحديث ، وقد مرّ آنفا ، فتدبر.

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٢٣٨ أبواب الأسآر ب ٩.

(٢) الغيبة ١ : ١٠ / ١٨ ، التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.


قوله : للأصل وعدم ثبوت. ( ١ : ١٣٤ ).

بناء على عدم حجيته الاستصحاب ، وعدم إطلاق يشمل صورة الزوال ، إلا أن الأول خلاف ظاهر الأصحاب في أمثال المقامات ، والثاني خلاف طريقته ، كما عرفت سابقا ، فليتأمل. والظاهر أن دليلهم هو ما ذكره بقوله مقتضى الأخبار‌

قوله : وهو مشكل‌

إن كان وجه الإشكال استصحاب الحكم بالنجاسة أو الإطلاق ، والإطلاق شامل لهذا الحال ، فيتوجه عليه أن الحال في غير الآدمي أيضا كذلك ، مع أنك استندت هناك بالأصل ، وإلاّ فلا وجه للإشكال هنا أيضا ، فتأمّل.

قوله : لنا أن فيه جمعا. ( ١ : ١٣٤ ).

ورد في بعض الأخبار عبارة « لا أحب » (١) ، وهي ظاهرة في الكراهة.

قوله : ويشهد لما ذكرناه. ( ١ : ١٣٥ ).

جعلها شاهدة لا حجة ليس من جهة السند ، لأن الأخبار السابقة ليست بصحاح ، بل من حيث الدلالة ، فإنّ فضل الوضوء مغاير للسؤر.

ولكن يتوجه عليه أنه ـ ; ـ لا يعمل بالأخبار الموثقة ، مع أنّ موثقة عنبسة ليست بموثقة ، بل هي موثقة إلى عنبسة ، وهو ضعيف ، ولا يسامح في أدلة السنن وغيرها ، وبعد تسليم العمل والحجية لا وجه لما ذكر من الجمع ، لأن موثقة العيص مضطربة ، بل الظاهر أن ما في الكافي أصح عبارة ، مضافا إلى أن الكليني أضبط ، كما لا يخفى على المطلع.

ويؤيده أن في التهذيب نقلها مرة أخرى بذلك السند موافقا للكافي ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٣٨ أبواب الأسآر ب ٨ ح ٨.


على ما قيل (١) ، وبعد اللتيا والتي لا يظهر منها القيد أصلا. وموثقة ابن يقطين ظهر حالها ، مضافا إلى أن المقيد لا بدّ أن يكون أقوى من المطلق حتى يقدم عليه ، وفي المقام الأمر بالعكس ، لأنه أضعف دلالة ، بل وسندا أيضا ، لأن ما في الكافي يقرب من الصحة ، مضافا إلى أنه يظهر منها أن القيد غير معتبر في الحائض بل معتبر في الجنب ، فتدبر.

مع أن رواية الحسين وردت بطريقين : أحدهما صحيح إلى الحسين ، والآخر موثق كالصحيح ، والحسين من الأجلة ، وربما يعد من الثقات. نعم موثقة ابن يقطين على ما في التهذيب ليس فيها لفظ الوضوء ، فالظاهر منها السؤر أو ما يشمله.

لكن الظاهر من بعض الأخبار اتحاد حكم السؤر وفضله في الطهارة ، حيث استشهد فيه لعدم البأس عن سؤر الحائض بأن رسول الله 6 وعائشة اغتسلا من إناء واحد (٢) ، بل ربما يشعر هذا بأن السؤر في المقام هو ما باشره جسم حيوان ، كما عرّفه الشهيد ـ ; ـ ومن تأخر عنه (٣) ، مضافا إلى ملاحظة حال الفقهاء في هذا المقام في فتاويهم واستدلالاتهم ، فتأمّل.

وفي البيان ألحق بالحائض المتهمة كل متهم ، واختاره الشهيد الثاني وغيره من بعض المتأخرين (٤) ، ولا بدّ من تأمّل ، لا (٥) ما ذكره الشارح من أنه غير جيد ، فتأمّل.

__________________

(١) لم نعثر على نقلها في التهذيب ولا على قائله.

(٢) راجع ص ١٩٥.

(٣) انظر المدارك ١ : ١٢٨.

(٤) البيان : ١٠١ ، الروضة ١ : ٤٧ ، كشف اللثام ١ : ٣١.

(٥) في « و » : إلى.


قوله : في ضمن من لا يعلم. ( ١ : ١٣٦ ).

عد من لا يعلم حالها في جملة غير المأمونة ربما يكون محل تأمل بملاحظة طريقة الشرع ، فتأمّل.

قوله : نحن نطالبهم. ( ١ : ١٣٦ ).

قد مرّ ما يتعلق بالمقام (١).

قوله : فانضحه بالماء. ( ١ : ١٣٧ ).

ربما يظهر منه الكراهة لا أقل ، وأمّا النجاسة فلا ، لمعارضة أخبار أخر دالة على الطهارة.

قوله : والأظهر عدم الكراهة. ( ١ : ١٣٧ ).

هذا مخالف لما اختاره من أن السؤر بقية المشروب ، ومع ذلك ما سيجي‌ء منه في العقرب والوزغ ، مع أن الكراهة من حيث الطب ربما تدل على كراهة سؤر الحية أيضا ، سيما إذا كان المراد من السؤر البقية.

ومستند الشيخ وأتباعه رواية أبي بصير : عن حية دخلت حبّا فيه ماء فخرجت منه ، قال : « إن وجد ماء غيره فليهرقه » (٢) ، ومثل هذا الحديث حجة عندهم سيما مع تسامحهم في أدلة السنن ، فتأمّل.

قوله : بكراهة سؤرها. ( ١ : ١٣٨ ).

أقول : المعنى بذلك والمنصوص هو ما مات فيه أحدهما ، وهو غير السؤر قطعا ، وإن قلنا بأن السؤر ما باشره جسم حيوان ، لأن الموت فيه أمر زائد على ذلك.

__________________

(١) راجع ص ١٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٧٣ / ١٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٣٩ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٣ ، باختلاف يسير.


ومن ذلك ظهر أنه لا معارضة بين ما ورد من النهي منه وصحيحة على ابن جعفر ، بل ربما يشعر بأن حالة الموت غير حالة الحياة ، حيث قيد مثل علي بن جعفر الفقيه بعدم الموت وأقرّه المعصوم 7 ، ولم يقل : لا فرق بين ما قيدته وغيره ، فإنهم ربما يعتبرون مفهوم مثل هذا ، مثل ما رواه علي بن جعفر في العصير الزبيبي الذي غلى حتى ذهب ثلثاه (١) ، فتأمّل.

قوله : موضع وفاق. ( ١ : ١٣٨ ).

أقول : في هذا الكلام أيضا إشعار بأن الشارح نسب ابن أبي عقيل إلى مخالفة الإجماع ، كما مر في بحث أنّ القليل ينفعل بالملاقاة (٢) ، فتأمّل.

قوله : لا يكاد يدركه. ( ١ : ١٣٩ ).

أقول : حمل كلام الشيخ والرواية على ذلك على تقدير شمولها لا يخلو من إشكال ، لأن الظاهر منها عدم الدرك مطلقا ، فلعله يصل من غاية الصغر إلى حد لم يدركه البصر في الماء ، وإن كان له لون.

هذا مع أن مفروض المسألة أن الطرف لم يدركه مع العلم بالدخول في الماء ، وان كان الفرض في غاية البعد ، فتأمّل.

قوله : كما في الإنائين المشتبهين. ( ١ : ١٤٠ ).

لا يخفى أن منشأ وجوب اجتناب الإنائين هو القطع بوجوب اجتناب أحدهما ، وانه لا يتم إلاّ باجتنابهما معا ، بالتقرير الذي مر ، وما نحن فيه غير معلوم أنّه من قبيل الإنائين ، لأن نجاسة الظرف ووجوب اجتنابه قطعي على‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢١ / ١٠ ، الوسائل ٢٥ : ٢٩٥ أبواب الأشربة المحرمة ب ٨ ح ٢.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٨.


أيّ تقدير ، فوجوب اجتنابه بخصوصه قطعي ، والتكليف به يقيني ، والأصل عدم زيادة التكليف. وغير معلوم أن بعد تحقق هذا التكليف اليقيني يبقى تكليف آخر غيره ويكون زائدا عنه ، حتى يقال إنّه لا يتم هذا التكليف الزائد إلاّ باجتناب الماء والإناء معا ، فيكون هناك ثلاثة تكاليف : أحدها بالأصالة وبالخصوص ، والثاني بالأصالة لا بالخصوص ، والثالث من باب المقدمة ، فتدبر.

قوله : لما لم يكن. ( ١ : ١٤٠ ).

أقول : يعني أن السائل لم يسأل إلاّ عن العلم بالوصول إلى الإناء ، أعني القدر المشترك بين الوصول إلى الماء والظرف ، أما العلم بالوصول إلى خصوص الماء فلم يتعرض له أصلا ، فالجواب إنّما هو بالنسبة إلى الذي سأل الراوي لا الذي لم يسأل ، مع أن الأصل عدمه.

وجواب المعصوم وإن كان مطلقا ، والمطلق يرجع في الأحكام الشرعية إلى العموم ، والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل ، إلاّ أن المطلق ينصرف إلى الغالب الشائع المتعارف ، والغالب أنّه إذا وقع الدم في الماء يدركه البصر ، وإذا لم يدركه لم يكن واقعا في الماء ، لشدة حمرة الدم وصفاء لون الماء ، والدم الذي يعلم وقوعه في الماء ولا يدركه البصر على فرض وجوده يكون نادرا ، وحمل المطلق وصرفه إلى ما يعم الفروض النادرة فيه ما فيه.

ومما ذكرنا ظهر ما في قول الشارح : ولقائل أن يقول.

قوله : ولقائل أن يقول. ( ١ : ١٤٠ ).

أقول : لو تم ما ذكره أوّلا لم يبق لهذا القول مجال ، وإلاّ فلا وجه للجواب الأول ، والحق أنه بملاحظة الأخبار الدالة على انفعال القليل‌


بالملاقاة ، والأخبار الدالة على نجاسة النجاسات ومنجسيتها من دون فرق بين الصغيرة والكبيرة ، وكذا أقوال الفقهاء وطريقة الشرع في عدم القول بالفصل في أمثال المقام جميعا غير هذا الموضع ، يترجح ما قال أولا ، ويبعد ما قال ثانيا.

وبالجملة : ليس دلالتها على حسب ما ذكره بحيث يقاوم ما أشرنا إليه ويغلب عليه ، فالأقوى القول بالنجاسة ، كما هو أحوط. هذا على تسليم دلالتها ، وقد عرفت الكلام فيها.

قوله : ومقتضى الرواية أن الريح. ( ١ : ١٤٢ ).

أقول : يمكن أن تكون محمولة على الوسواس ، بقرينة الرواية السابقة وغيرها ، وأفهام الفقهاء والإجماع الظاهر من كلامهم وفتاويهم وعدم نقل خلاف أصلا. مع غاية ظهور الأخبار في العموم ، منه رواية زرارة الصحيحة التي سنذكرها في بحث ناقضية النوم (١) ، والرواية التي سنذكرها عن العلل في بحث ناقضية الجنون والسكر (٢) ، فتدبر.

مع أن القيدين ربما واردين مورد الغالب وخارجين مخرجه ، فلا عبرة بمفهومهما. أو يكون الفائدة ثبوت خروج الريح وتيقنه وعدم كفاية المظنة في المقام. مع أن الشارح لا يقول بحجية مفهوم القيد حتى يتحقق المعارضة بين هذه الرواية وغيرها من العمومات والإطلاقات. مع أنه على تقدير حجية مثل هذا المفهوم ففي مقاومته للمنطوقات من العمومات والإطلاقات المطابقة لفتاوى الأصحاب نظر. وكون ما نحن فيه مفهوم الحصر محل نظر بعد ملاحظة ما ذكرناه ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر ص ٢٠٧.

(٢) انظر ص ٢٠٩.


مع أن الأحوط مراعاة فتوى الأصحاب إلاّ في صورة عدم وجدان الطهور.

وفي الفقه الرضوي : « فإن شككت في ريح أنها خرجت منك فلا تنقض من أجلها الوضوء ، إلاّ أن تسمع صوتها أو نجد ريحها ، وإن استيقنت أنها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع ، وشممت ريحها أو لم تشم » (١). انتهى ، وهذه مع قوتها في نفسها ومطابقتها لفتاوى الأصحاب والعمومات والإطلاقات صريحة الدلالة ، فلا يعارضها الروايتان ، لاحتمال ما ذكرناه ، أو أن المراد ما من شأنه أن يسمع ويشم ، للعلة المذكورة ، فتأمّل.

قوله : بإطلاقها. ( ١ : ١٤٤ ).

أقول : الاعتماد إنما هو على الوفاق ، وإلاّ فالإطلاق محمول على الشائع المتعارف ، كما صرح به مرارا ، فتدبر.

قوله : وفيه نظر. ( ١ : ١٤٥ ).

وسيجي‌ء منا كلام ، فلاحظ.

قوله : ونقل عن أبيه. ( ١ : ١٤٥ ).

لكن ( الشيخ ادعى في التهذيب إجماع المسلمين على ناقضية النوم في الجملة (٢) ، والصدوق (٣) ذكر في الأمالي (٤) : أن من دين الإمامية الإقرار بأنه لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من الطرفين من بول أو غائط أو ريح أو مني ، والنوم الغالب على الحاستين : السمع والبصر ، ومزيل العقل (٥) ، انتهى.

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ٦٧ ، المستدرك ١ : ٢٢٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٥.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٤) كما في « ه‍ » ، وفي سائر النسخ : الخصال.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٤.


ومنه يظهر عدم الخلاف منه ولا من أبيه ، كما لا يخفى على من لاحظ ما ذكره في الأمالي (١) وما ذكره في ديباجة الفقيه (٢) ، واعتقاده بالنسبة إلى فتاوى أبيه.

( وينادي لما ذكرنا من أن الصدوق ـ ; ـ معتقد بأن النوم المذهب للعقل ناقض أنه قال في الفقيه أيضا : باب ما ينقض الوضوء : سأل زرارة أبا جعفر وأبا عبد الله 8 عما ينقض الوضوء ـ إلى أن قال ـ : « والنوم حتى يذهب العقل » ثم قال بلا فصل : « ولا ينقض الوضوء ما سوى ذلك من القي‌ء » (٣) ، إلى آخر ما قال ، ثم ذكر الخبرين المذكورين ، فغاية ما يظهر منه أنه جعل مضمونها من جملة ما سوى ذلك ، نظير القي‌ء والقلس وغيره ) (٤).

وربما يظهر منه الخلاف في كون السمع أعم الحواس ، مع تأمّل فيه أيضا ، إذ ربما يعتقد أن السمع حينئذ يكون باقيا ، وعلى تقدير التسليم لا يكون الخلاف حينئذ منحصرا فيه ، بل الشارح أيضا مخالف ، وكذا غيره ممن اعتبر ذهاب العقل وعبر الناقض بمذهب العقل ، منهم الشيخ ، فإنّه حمل الخبرين على نوم لا يغلب العقل ، ونفى عنه البعد في الذخيرة (٥) ، لأنّه الغالب في حال القعود. واستشهد الشيخ لحمله بما رواه عن الكناني عن الصادق 7 : الرجل يخفق في الصلاة ، فقال : « إن كان لا يحفظ حدثا منه ـ إن كان ـ فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وان كان يستيقن أنه لم يحدث‌

__________________

(١) في النسخ : الخصال ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٣٧.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٥) الذخيرة : ١٤.


فليس عليه الوضوء والإعادة » (١) ، لكن الحمل على التقية لعله أولى.

والظاهر عدم الخلاف بين من جعل الحد ذهاب العقل ، ومن جعله ذهاب السمع والبصر ، كما سنذكر ، فتأمّل.

قوله : لجواز أن يراد بعضها. ( ١ : ١٤٧ ).

إن أراد بعضها بعنوان الخصوص فهو خلاف ما يظهر من الخبر ، كما سيعترف به ، وإن أراد لا بالخصوص فهو متحقق في النوم.

والحاصل : كما أن الحدث طبيعة كلية كذلك فرد من الحدث أيضا طبيعة كلية ، والمستفاد من الخبر هو هذا ، وهذا ربما يرجع إلى المحصورة بنوع من الاعتبار ، ويصير قضية كلية ، فيرجع إلى ما ذكره الشارح بقوله :

ويمكن أن يقال. ، وربما لا يرجع إلى المحصورة ، بل يقال : إنّ المستفاد أن الناقض وما هو سبب النقض كونه فردا من الحدث ، وهذا موجود في النوم أيضا ، إذ خصوصيات الأفراد ليست فردا من الحدث ، فلا مدخل لها في العلة ، لأصالة عدم مدخليتها. مع أن الحكم المعلق على الفرد ربما كان من جهة الطبيعة من حيث هي ، فيرجع إلى ما ذكره العلامة ـ ; ـ بنوع من التوجيه ، فتأمّل.

قوله : واعلم أن المستفاد. ( ١ : ١٤٨ ).

فيه : أن المستفاد من معتبرة اخرى تعليق الحكم بذهاب السمع ، مثل صحيحة معمر بن خلاد الآتية ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : ما ينقض الوضوء؟ فقال : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر والدبر من الغائط والبول أو مني أو ريح ، والنوم‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٧ / ٨ ، الاستبصار ٨٠ / ٢٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦. بتفاوت يسير.


حتى يذهب العقل ، وكل النوم يكره إلاّ أن يكون يسمع الصوت » (١).

ومنه يظهر وجه الجمع أيضا ، فإن ذهاب العقل يظهر من ذهاب السمع ، مضافا إلى أن ذهاب العقل يحتاج معرفته إلى معرف عند عامة الناس.

ومما يدل على اعتبار ذهاب السمع الموثق كالصحيح عن ابن بكير ، وهذا هو الذي احتج به الشارح في المقام ، إذ في آخره : قلت : ينقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت ».

وما رواه الكليني ـ ; ـ بسنده الصحيح عنده ، والضعيف عند المشهور ، عن سعد ، عن الصادق 7 : قال : « أذنان وعينان ، تنام العينان ولا تنام الأذنان ، وذلك لا ينقض الوضوء ، فإذا نامت العينان والأذنان انتقض الوضوء » (٢).

وفي الصحيح عن زرارة ، قال : « يا زرارة ، قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء » (٣) ، وفي قوله : « قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن » شهادة واضحة على أن الأذن والقلب متلازمان. ثم قال : قلت : فإن حرك شي‌ء على جنبه ولم يعلم به؟ قال : « لا حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجي‌ء من ذلك أمر بين ، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك ، ولكنه ينقضه بيقين آخر » ، وفيه دلالة على ما سينقله عن التذكرة ، ويدل عليه أخبار أخر أيضا.

ويدل على تعليق الحكم بالسمع الإجماع الذي ظهر من كلام‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢. وفيهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 وبتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٦ ، الوسائل ١ : ٢٤٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٨.

(٣) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.


الصدوق ـ ; ـ في أماليه ، كما مر (١). وأما ذكر الفقهاء البصر أيضا فلبنائه على أن النوم أولا وبالذات يتعلق بالبصر فيصير مقهورا بأدنى نوم ، فالمعتبر هو السمع ، لأن النوم بغير مغلوبية البصر لا يتحقق ، فتدبر.

قوله : بالإغماء والسكر بطريق أولى. ( ١ : ١٤٩ ).

أقول : الظاهر أن مستنده واعتماده على فتاوى الأصحاب والإجماع المنقول ، وما مر عن الصدوق في كتاب الأمالي أن من دين الإمامية أن مذهب العقل ناقض مطلقا ، وإلاّ فمثل هذا القياس بطريق أولى غير حجة عند غيره فضلا عنه ، إذ الظاهر منه ومن غيره ومن الأخبار أن النوم في نفسه حدث لا من جهة احتمال الحدث ، مع أن احتمال الحدث غير ناقض بالوفاق والنصوص ، ومنها ما مر في خصوص النوم ، مع أن الأولوية أيضا موضع نظر ظاهر ، سيما بالنسبة إلى كثير من أفراد السكر بل أكثرها وبعض أفراد الإغماء.

نعم ، روي في عيون أخبار الرضا 7 في جملة علل الفضل : فإن قال : فلم وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء ، قيل ـ إلى أن قال : ـ وأمّا النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم ينفتح كل شي‌ء منه ، وكان أغلب الأشياء في الخروج عنه الريح ، فيجب عليه الوضوء لهذه العلة (٢) ، ويؤيده رواية الكناني التي ذكرناها عند قول المصنف : والنوم الغالب على الحاستين (٣) ، وكذا ما ورد في الأخبار من قولهم : :

__________________

(١) راجع ص ٢٠٥.

(٢) عيون أخبار الرضا « ع » ٢ : ١٠٣ ، الوسائل ١ : ٢٥٥ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٣ ، بتفاوت يسير.

(٣) راجع ص ٢٠٥ ، ٢٠٥.


« والنوم حتى يذهب العقل » وما يؤدي مؤدّاه ) مما مر ، فتأمّل. ويمكن أن يكون استدلال الشارح (١) أيضا راجعا إلى هذا ، فتأمّل.

قوله : ومن المذي. ( ١ : ١٥١ ).

أقول : قال ابن الجنيد : المذي على قسمين قسم بحسب الخلقة ، وقسم عقيب الشهوة (٢).

قوله : فأمرني بالوضوء. ( ١ : ١٥١ ).

أقول : هذه الرواية بحسب ظاهرها تشير إلى عدم اشتراط قصد الوجوب أو الندب ، أو أنه لا يضر إتيان المستحب بقصد الوجوب. ويمكن أن يكون المراد من الوضوء معناه اللغوي ، فلا يكون فيه إشارة ، لكن فيه بعد.

قوله : يحكم على المطلق. ( ١ : ١٥٢ ).

أقول : فيه : أن تحقق المذي من غير شهوة غير ظاهر ، وعلى تسليمه ففي غاية الندرة ، وحمل المطلقات الكثيرة المخالفة لمذهب العامة (٣) على الفروض النادرة فيه ما فيه ، سيما مثل هذا الخبر الموافق لمذهب العامة. مع أن الراوي علي بن يقطين ، والمناسب بالنسبة إليه الاتقاء.

مع أن روايات الكاظم 7 أقرب إلى التقية من روايات الباقر والصادق 8 ، كما حققنا ، وسيجي‌ء في بحث الجهر والإخفات في القراءة وغيره (٤) ، بل ومثل الرضا 7 ومن بعده أيضا.

__________________

(١) كما في « و » ، وفي سائر النسخ : الشيخ.

(٢) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣٠٤.

(٣) انظر المغني والشرح الكبير ١ : ١٩١ ، ١٩٤ ، ونيل الأوطار ١ : ٦٢.

(٤) يأتي في ج ٣ : ٥٣ ـ ٥٧.


مع أن المطلقات أوفق للإطلاقات والعمومات ، مع أن رواية ابن أبي عمير عندنا صحيحة ، سيما مثل هذه ، بل وأصح من كثير من الصحاح ، لأنها أقوى منها بمراتب. والاعتماد عندي وعند المتأخرين والقدماء على الاعتداد والاعتماد والوثوق ، كما أثبتناه في تعليقاتنا على رجال الميرزا (١).

نعم ، العدالة عندهم طريقة اعتماد على سبيل القاعدة.

هذا مع ما عرفت من فتاوى الأصحاب ، ونقل عليه الإجماع.

وحمل هذه الأخبار على الشهوة الزائدة يوجب الخروج عن ظاهرها ، وظاهرها هو الحجة ، مع أن ابن الجنيد لا يقول بهذا ، كما أشرنا ، فتأمّل.

وفي صحيحة يعقوب بن يقطين عن الكاظم 7 : « أن المذي منه الوضوء ، خرج بشهوة أو غير شهوة (٢) ، وحمل على الاستحباب أو التقية أو التعجب ، وخيرها أوسطها.

قوله : وهو غير ناقض. ( ١ : ١٥٢ ).

إذا حصل قبل الوضوء استبراء ، جمعا بين هذه الروايات وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق 7 : « إنّ الودي منه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول ، والمذي ليس فيه وضوء ، إنّما هو بمنزلة النخامة » (٣) ، وغيرها من الأخبار المروية في الاستبراء وحكمه (٤) ، وسيجي‌ء تمام الكلام فيه‌

__________________

(١) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢٧٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢١ / ٥٣ ، الاستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٦ ، الوسائل ١ : ٢٨١ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١٢ ح ١٦ ، بتفاوت في العبارة.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠ / ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٩٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ١ : ٢٨١ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١٢ ح ١٤ ، بتفاوت يسير.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ و ١ : ٣٢٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١١.


فانتظر.

قوله (١) : برواية أبي بصير. ( ١ : ١٥٤ ).

هذه الرواية لا تصير مستندهما ، لأن مقتضاها أن مس الفرج ناقض لا باطن الفرج ، نعم موثقة عمار الساباطي صريحة في مس باطن الفرجين ، فقوله : وقريب منها رواية عمار ، فيه ما فيه ، فتأمّل.

قوله : العورة عورتان. ( ١ : ١٥٦ ).

نعم ، ورد في بعض الأخبار (٢) أنهم : كانوا يستترون من السرة إلى الركبة في الحمام وحال التنوّر ، وأمروا الراوي أن يفعل كذلك ، وحمل على الاستحباب ، ولا شك في أولويته ، لأنه أقرب إلى الحياء ، بل والمروءة أيضا.

قوله : وهذه الأخبار كلها. ( ١ : ١٥٨ ).

هذا الإيراد غير متوجه على القدماء ، لأنّ الصحيح عندهم ليس هو الصحيح عند المتأخرين ، فأما المتأخرون فالظاهر منهم اشتهار الفتوى بالتحريم بين الفقهاء ، والشهرة عندهم جابرة للضعف ، مع أن الشارح لا يتسامح في أدلة السنن والمكروهات ، فلا وجه للحمل عنده أيضا.

وأما إشعار الروايتين ففيه أيضا إشكال ، لأن ذكر الواجب في جملة المستحبات ، والمكروه في المحرمات ، في الآيات والأخبار من الشيوع بمكان لعله لا يكاد يقبل الإحصاء ، مثل ما ورد في تكبيرات الصلاة ، وذكر الركوع والسجود. وكذا بالنسبة إلى باقي أفعال الصلاة ، وكذا الزكاة والصوم‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « ب » و « ج » و « د ».

(٢) الكافي ٦ : ٥٠١ / ٢٢ ، الوسائل ٢ : ٣٥ أبواب آداب الحمام ب ٥ ح ١ ، و ٢ : ٦٧ أبواب آداب الحمام ب ٣١ ح ١.


والحج والغسل وغير ذلك ، بل كثيرا ما ورد الواجب والمستحب بلفظ واحد ، مثل : « كبر سبع تكبيرات » (١) ، و « سبح ثلاث تسبيحات » (٢) ، و « صلّوا كما رأيتموني أصلي » (٣) ، وغير ذلك ، فتأمّل.

وبالجملة : هذا الإشعار الذي ادعاه والذي ذكره بعد ذلك كونهما بحيث يفيان بحمل ما هو حقيقة في الوجوب والحرمة على خلافه محل نظر ، وقد تقدم الكلام فيه.

مع أن تخصيص ذكر الثواب بمن بال ناسيا ربما يكون فيه إيماء إلى أن فعل ذلك لا ينبغي أن ينسب إلى عامد ، تفخيما لقبحه ، فتأمّل.

قوله : من غير انحراف. ( ١ : ١٥٩ ).

وإن كان مشعرا بذلك لكن لا يكفي ذلك لتخصيص العمومات ، مع أن قوله 7 : إذا دخلت المخرج في الرواية الأولى التي هي الأصل في هذا الباب ظاهر في البنيان.

مع أن في الإشعار المذكور إشكالا من حيث إنّهم : حثوا ما حثوا وأكدوا ما أكدوا في تعظيم القبلة في غير المقام فضلا عن المقام ، حتى منعوا من لبس السراويل (٤) ، والجماع (٥) الذي هو من المستحبات الأكيدة وغير ذلك (٦) ، وفي المقام أكدوا في حال النسيان أيضا ، سيما بالنحو‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٦ : ٢٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ١٩٧ / ٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٤) مكارم الأخلاق ١ : ٢٢٦ / ٦٦٣ ، الوسائل ٥ : ١٠٩ أبواب أحكام الملابس ، ب ٦٨ ح ٤.

(٥) الوسائل ٢٠ : ١٣٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٦٩.

(٦) مثل ما روي في حديث الأربعمائة : « لا يتفل المؤمن في القبلة » الخصال : ٦١٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب السجود ب ٧ ح ٩.


الذي نبهنا عليه ، وكذا في حال الاستنجاء أيضا ، فكيف مع جميع ذلك كانوا يبولون ويتغوطون هم وجميع أهاليهم وخدمهم وحشمهم مواجهين للقبلة دائما على طريقة الاستمرار.

وحاشاهم من أن يأمروا الناس بالبر ويفعلوا خلاف ذلك ، سيّما وأن يأمروا كذلك ويفعلوا كذلك ، وكيف كانوا يقولون ما لا يفعلون؟! إلى غير ذلك من التهديدات والتشنيعات الكثيرة الواردة عن الله تعالى وعنهم :.

ولعل المنزل لم يكن منهم : ، بل كان نازلا فيه من جديد في سفر أو غيره ، مثل سفر خراسان ، ويشعر لفظ المنزل بذلك. وربما كان محمّد بن إسماعيل متوهما ، والله يعلم.

قوله : في جميع أبواب الفقه. ( ١ : ١٥٩ ).

يظهر من الأخبار أن عدم الاستقبال والاستدبار إنما هو تعظيما للقبلة ، فكل ما ينافيه لعله داخل ، فلو كان مستقبل الشرق أو الغرب بالبدن لكن يبول أو يتغوط إلى سمت القبلة لعله منافاة التعظيم فيه تكون أزيد. مع أن قوله 7 : ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول في تلك الرواية ربما يكون ظاهرا في ما ذكره ، فتدبر. ولعل الأولى أن لا يواجه القبلة بالبدن ، ولا بالعورة ، ولا برأس الذكر حال التخلي ، والله أعلم.

قوله : فلقصور الرواية. ( ١ : ١٦٠ ).

لا يخفى أنّه لا وقع لهذا الطعن بعد ما طعن به أوّلا ، لأن الكلام مبني على حجية هذا الخبر ، وأنّه إذا كان حجة يكون مقتضاه وجوب التشريق والتغريب أيضا (١) ، لا الفرق بين الأمرين وتخصيص التحريم بالاستقبال‌

__________________

(١) ليس في « ج » و « د » و « ه‍ ».


والاستدبار ، دون عدم الكون على المشرق والمغرب ، مع أنّك عرفت أن هذا الخبر حجة عندهم بسبب الاشتهار المذكور ، والمفيد قد أفتى بمضمون هذا الخبر جزما (١) ، وإن لم يعلم أن بناءه على الحرمة أو الكراهة ، ولعل هذا القدر كاف عند هذا المحقق ، أو اعتقد أن فتواه بعنوان الحرمة ، وعبارته قابلة.

ونسب إلى المفيد القول بالتحريم بسبب هذه العبارة العلامة في المنتهى والتذكرة ، والمحقق في المعتبر ، والشهيد في الدروس (٢) ، فتأمّل.

على أنّه سيجي‌ء في كتاب الصلاة في مسألة فاقد العلم والظن بالقبلة ما يظهر أن اتساع القبلة يصل إلى ربع الدائرة وأزيد عند الفقهاء ، وهو الظاهر من الخبر المعمول به عندهم أيضا ، فإذا كان استقبال القبلة واستدبارها حراما يلزم منه وجوب استقبال جهة المشرق والمغرب ، فإن اتساع هاتين الجهتين يكون أيضا إلى ربع الدائرة ، لعدم الفرق ، والجهات عندهم أربع ، والظاهر من كلام هذا المحقق أن مراده هو هذا.

على أنّه سيجي‌ء من الشارح القول بأن اتساعها هو ما بين المشرق والمغرب (٣).

فقوله : وأمّا ثالثا. فيه ما فيه.

مضافا إلى أنّ الرواية لا تأمل في صحتها ، لأن الصدوق ـ ; ـ رواها بطريق صحيح (٤).

__________________

(١) المقنعة : ٣٩.

(٢) المنتهى ١ : ٣٩ ، التذكرة ١ : ١١٨ ، المعتبر ١ : ١٢٢ ، الدروس ١ : ٨٨.

(٣) انظر المدارك ٣ : ١٣٧.

(٤) يعني رواية : ما بين المشرق والمغرب قبلة.


وقوله في الرواية : « ولكن شرقوا أو غربوا » بلفظ « لكن » الظاهر في الاستدراك يشعر بما ذكره هذا المحقق من أن المنهي عنه هو استقبال القبلة المتسعة التي إذا انحرف عنها يصير الإنسان مواجها للمشرق والمغرب ، فتأمّل.

وبالجملة : لا شك في أن الأحوط هو ما ذكره هذا المحقق ، والله يعلم.

قوله : وهو قريب. ( ١ : ١٦٠ ).

فيه تأمّل ظاهر.

قوله : أجمع علماؤنا. ( ١ : ١٦١ ).

سواء قلنا بأن الغسل منحصر بالماء ، كما هو المشهور ، أو أنه يتحقق بالماء المضاف أيضا ، كما هو رأي السيد. هذا وما ذكره بعد ذلك بقوله : إذ الإجماع منعقد على عدم طهارة المحل ، ربما يفيد أن السيد ـ ; ـ في هذا المقام يقول بعدم إجزاء غير الماء ، لكن ما تقدم في باب المضاف يدل على خلاف ذلك (١) ، وأنّه يكتفي بالمضاف مطلقا. وعلى هذا رواية بريد ابن معاوية وغيرها حجة عليه. وقد أشرنا إلى هذا في ذلك الباب ، فتأمّل.

ويمكن أن يكون مراده أن السيد خارج عن الإجماع ، لكنه بعيد.

قوله : أو أن المراد نفي كون. ( ١ : ١٦٢ ).

لا يخفى أنه إن وقع الاستبراء فلا يكون ناقضا مطلقا ، فلا حاجة إلى مسح الذكر بالريق ، ولا قول : إنّ هذا من ذاك ، وإن لم يقع الاستبراء فلا ينفع المسح والقول ، بل لا بدّ من الأمر بالاستبراء ، كما يظهر من التأمّل في‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ١١٢.


الأخبار الواردة في الاستبراء (١) ، وفتاوي الفقهاء فيه. وكيف كان ، كان الأولى أن يأمره بالاستبراء بدلا عن المسح والقول.

على أنّه لو كان مجرد المسح كافيا عن الاستبراء ويكون البناء على التخيير بينهما لكان في صورة وجود الماء وغسل المحل لا حاجة إلى الاستبراء أصلا ، ولا إعادة الوضوء ، ولا غسل المحل مطلقا ، إذ يكفي أن يقول : هذا من ذاك. والبناء على أنه في صورة الغسل لا يكفي ، وفي صورة عدم الغسل يكفي الرطوبة بدلا عن الاستبراء ، فيه ما فيه. مع أن التخيير خلاف فتوى جميع (٢) الفقهاء.

والظاهر أنّ المراد مسح غير مخرج البول بالريق ، حتى لو أحس ببلل يقول : هذا من ذاك ، لأن الرطوبة الخارجة من الإحليل ينجس البدن والثوب ، فيشتد ذلك على الرجل ، فتأمّل.

والرواية دالة على أن المتنجس ينجس ، وأن الريق لا يطهر النجاسة ، وأن غير الماء أيضا لا يطهرها ، وأنّه لا يحصل التكليف بالتجسس في استكشاف تحقق النجاسة بوجود أمارة مورثة للتهمة واحتمال تحققها فيدل على عدم وجوب معرفة حصول النجاسة والبحث والفحص عنه ، وجواز الحيلة في منع ظهورها على المكلف.

ومما ذكر ظهر أنّ الحمل على التقية أيضا غير جيد.

قوله : إلى ما ذكره. ( ١ : ١٦٢ ).

ربما يظهر ذلك من كلام الشيخين أيضا (٣).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ و ١ : ٣٢٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١١.

(٢) لا توجد في « و ».

(٣) المقنعة : ٦١ ، التهذيب ١ : ٤٨ ، المبسوط ١ : ١٧.


قوله : وتخفيف النجاسة. ( ١ : ١٦٢ ).

نعم ، لو كان عدم التخفيف والتجفيف موجبا لنجاسة المواضع الطاهرة أمكن الحكم بالوجوب من هذه الجهة.

ونظر المحقق إلى ما روي عن الرسول 6 : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (١).

وعن علي 7 : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، و « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٣). وهي منجبرة بالشهرة وتلقي الفحول بالقبول ، لكن الشأن في دخول المقام فيها ، فتأمّل.

قوله : واختلف الأصحاب. ( ١ : ١٦٣ ).

فيه إشعار بأن هذه الرواية معمول بها عندهم ، فيكون ضعفها منجبرا بهذا.

قوله : مع أن راوي هذه الرواية. ( ١ : ١٦٣ ).

يعني أنه على تقدير ان يكون المراد بالغسل بالمثلين الغسل مرتين ـ كما ادعاه هذا القائل ـ يتحقق التعارض بين روايتيه ، وإلا فالظاهر أن الغسل بالمثل لا يتحقق كما ذكره ، فيتعين التأويل في هذه الرواية (٤).

فيمكن أن يكون وقع الاشتباه للكتّاب بخفاء مركز الياء ، وكتبوه كذا سهوا من قلمهم ، أو أن المراد عدم الحاجة إلى الدلك وغيره ، بل يكفي صب الماء ، لأن البول ماء ، كما ورد هذا المضمون في بعض الأخبار ، حيث سأله‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، وفيه : قال النبي 6 : « لا يترك الميسور بالمعسور ».

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٤) في هامش « ه‍ » : أي الرواية الثانية.


7 عن البول يصيب الجسد ، فقال : « صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء » (١).

أو أنه رفع توهم وجوب الجمع بين الماء والأحجار مثلا ، أو توهم انحصار الفضل في الجمع ، بل يجزي في الفضل أن يغسل بالماء خاصة.

أو أنّه سقط كلمة « لا » بأنه كان « لا يجزئ » موافقا لما في روايته الأولى ، ومثله غير عزيز في الأخبار ، منه ما مر في كراهة سؤر الحائض (٢) ، أو أنه استفهام إنكاري ، أو أنّ المراد بالمثل ما يقاربه في المقدار ، وهو أقل ما يتحقق به الجريان والاستيعاب ، والله يعلم.

قوله : والخروج من الخلاف. ( ١ : ١٦٤ ).

ولما ورد في غسل البول من الجسد أنّه يصبّ عليه الماء مرّتين.

والظاهر من المصنف نقل الإجماع على ذلك ، كما سيجي‌ء في مبحث النجاسات (٣) ، ولعدم قوة دلالة الإطلاقات ، ولا حسنة ابن المغيرة ، لأن فيها بعد ما ذكره الشارح منها : قلت : فإنه ينقى ما ثمة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليها » إذ بملاحظته ربما لا يبقى وثوق بشموله للبول ، مضافا إلى أن الاستنجاء لغة تطهير مخرج النجو ، ويظهر ذلك من النص أيضا ، مثل صحيحة زرارة السابقة (٤) ، ولذلك قال الشارح : ويشهد له إطلاق.

قوله : لا يوجد. ( ١ : ١٦٥ ).

كلام حق لا غبار عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٣٤.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٣٣٦.

(٤) راجع ص ١٨٩.


قوله : لم يشترط الفصل قطعا. ( ١ : ١٦٥ ).

ووجهه أنّه إذا كان عوض الفصل الذي هو عدم الغسل غسلا فلا معنى لأن يكون الغسل سببا لعدم طهارة المغسول ، وعدم الغسل يصير سببا للطهارة ، إذ غاية الأمر مساواة الغسل وعدمه في الحكم.

قوله : دليل على وجود العين. ( ١ : ١٦٥ ).

غاية ما يثبت مما ذكرت وجود الأجزاء الجوهرية ، ولا يلزم منه وجود العين يعني الغائط ، إذ لا نسلم أن كل جزء جوهري حكمي يكون مسمّى بالغائط لغة وعرفا ، بل لا نسلم كونه في الحقيقة غائطا ، فتأمّل.

قوله : كما في الرائحة. ( ١ : ١٦٥ ).

وهم يقولون بذلك بالنسبة إليها.

قوله : وهو غير واضح. ( ١ : ١٦٥ ).

ما ذكره ـ ; ـ غير واضح ، لأن الاعتبار شاهد على أن المسح والتنشيف وإن بولغ فيه غاية المبالغة يبقى بعد ذلك أثر لو غسل بعد ذلك بالماء يعلم بقاء هذا الأثر فيه غالبا ، ولا أقل في بعض الموارد والأوقات في الخلل والفرج. ومعلوم من عدم وجوب الغسل على التعيين ، وكون البناء على التخيير مطلقا ، أن بقاء هذا الأثر عند المسح معفو عنه مطلقا ، وأنه لو اختار الغسل لا يكفي للطهارة ذهاب القدر الذي يذهب بالمسح مع بقاء الأثر أي القدر الذي لا يذهب بالمسح أصلا ، بل ولا بدّ من ذهاب الجميع حتى يحصل نقاء ما ثمة عرفا وعندهم ، يشير إلى ذلك ما سنذكره من قوله 6 : « مري نساء المؤمنين يستنجين بالماء فإنه مطهرة للحواشي » (١).

ومما ذكر ظهر أن مرادهم من الأثر هو هذا المعنى لا غير. وفي‌

__________________

(١) انظر ص ١٠٩.


المصباح المنير : استنجيت : غسلت موضع النجو ، أو مسحته بحجر أو مدر ، والأول مأخوذ من استنجيت الشجر ، إذا قطعته من أصله ، لأن الغسل يزيل الأثر ، والثاني مأخوذ من استنجيت النخلة ، إذا التقطت رطبها ، لأن المسح لا يقطع النجاسة بل يبقي أثرها (١). انتهى.

وبالجملة : المراد بالأثر الأجزاء اللطيفة العالقة بالمحل التي لا تزول إلا بالماء ، كما قيل (٢). وهو موافق لما نقله الشارح ، كما لا يخفى ، فتدبر.

ووضوح إرادة ذلك أيضا غير خفي ، لأنهم إذا قالوا في المقام : بقي أثره ، أو لم يذهب أثره بالمرة ، يريدون هذا. مع أن صحة المأخذ وظهور الحكم قرينة واضحة على الإرادة ، كما أن ذلك قرينة في سائر كلماتهم في الفقه ، فتأمّل.

ثم إن سلار قال : حد الاستنجاء حصول الصرير في الموضع (٣) ، والظاهر أن مراده أن حصول النقاء في الاستنجاء حده الصرير ، فإن كان نظره إلى الغالب فالأمر كما ذكره ، وإن كان مراده أنه مطلقا حده كذا فمحل نظر ظاهر ، لاختلاف المياه والفصول وحال الموضع في حصول الصرير ، فربما يحصل قبل النقاء ، وربما يحصل بعده ، وربما لا يحصل ، فتأمّل.

قوله : إن كان محلها. ( ١ : ١٦٦ ).

وإن لم يعلم شي‌ء من الأمرين كما هو الغالب والمتعارف فالأصل الطهارة وبراءة الذمة ، ولعله لهذا ورد النص والفتوى بالعفو مطلقا ، سيما بعد ما مضى من أنّه لا يجب تحصيل معرفة حصول النجاسة والتجسس عن‌

__________________

(١) المصباح المنير : ٥٩٥.

(٢) انظر المسالك ١ : ٥.

(٣) حكاه عنه في المعتبر ١ : ١٢٩.


استكشافه (١) ، بل ورد في بعض الأخبار المنع عنه (٢) ، فتدبر.

قوله : إشعار بذلك. ( ١ : ١٦٧ ).

يدل على ذلك بعض الاخبار ، مثل قوله 6 : « مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ، فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير » (٣).

وفي بعض الأخبار أيضا أن الله تعالى قد أكثر الثناء على الأنصار بسبب استنجائهم بالماء (٤) ، وليس متن الحديث ببالي. وكذا ورد أن الاستنجاء بالماء خلق كريم فأمر به رسول الله عليه وآله ، وأنزل فيه آية ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٥).

قوله : فإن أريد. ( ١ : ١٦٧ ).

لعله يقول بأن قيد الحيثية مأخوذ في التعاريف ، وهاهنا اجتمع تكليفان متغايران لكل منهما حكم في نفسه ، فمن حيث الاستنجاء العيني يجوز تركه لا إلى بدل ، وإن كان من حيث الوجوب لا يجوز تركه كذلك.

قوله : وصحيحة زرارة. ( ١ : ١٦٩ ).

في الاستدلال بها نظر ، إذ لا دلالة فيها على أنه كيف كان يتمسح ،

__________________

(١) راجع ص ٢١٧.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩ ح ١ ، ٢٤ : ١٦١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٥ ح ١ ، ٢٤ : ١٧٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٨ / ١٢ ، الفقيه ١ : ٢١ / ٦٢ ، علل الشرائع : ٢٨٦ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٤ / ١٢٥ ، الاستبصار ١ : ٥١ / ١٤٧ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب الاستنجاء ب ٩ ح ٣ وفي المصادر :. أن يستنجين بالماء ويبالغن.

(٤) الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ، الآية : البقرة : ٢٢٢.

(٥) الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ، الآية : البقرة : ٢٢٢.


فضلا عن أن يكون اكتفى بأقل من الثلاثة ، سيما بعد ما ذكر من أن الثلاثة محمولة على أن الغالب لا يحصل النقاء بأقل منها ، بل (١) وما ذكر من الحمل على الاستحباب.

قوله : ويمكن. ( ١ : ١٦٩ ).

هذا الحمل بعيد جدا ، إذ يوجب صرف الحديث إلى الفروض النادرة ، إذ غالبا لا يتحقق النقاء بأقل من ثلاثة حتى يحمل الثلاثة على الاستحباب.

فالأولى الحمل الثاني ، لكن يخدشه أن كيفية المسح متفاوتة في حصول النقاء تفاوتا فاحشا ، بالزيادة والنقصان من جهة الحجر ، وقدر استعماله ، والقوة في وضعه على الموضع ، وغمضه ، وخشونة الحجر وملاسته ، والمبالغة في أخذ النجاسة به والمسامحة فيه ، والاحتياط وعدمه حال إدارته ، ولزوجة النجاسة وعدمها ، وغلظتها وعدمها ، والمسارعة إلى الرفع وعدمها ، ومقدار الممسوح ، سيما على ما اختاره المصنف من إجزاء التوزيع ، وكذا حال كيفية شرح الدبر بحسب العكنة (٢) والخشانة والملاسة.

وربما يؤيد ذلك ما رواه العامة عن النبي 6 : « لا يستنجي أحدكم دون ثلاثة أحجار » (٣) ، فتأمّل.

إلاّ أن يقال : المراد أنه في تحقق المبالغة بالمسح يكفي ثلاثة أحجار غالبا ، ولا يحتاج إلى أزيد منها ، بأن بالثلاثة يذهب عين القذر ورطوبته ، ويظهر نقاء المحل في الثالث ، أو أن أواسط الأمور المذكورة هو الفرد الشائع‌

__________________

(١) ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) العكنة : بالضمّ والسكون : الطيّ في البطن من السمن ، مجمع البحرين ٦ : ٢٨٢.

(٣) سنن النسائي ١ : ٤٤ ، سنن البيهقي ١ : ١٠٣.


الغالب ، وأنه يحصل النقاء بثلاثة أحجار ، لكن لا بدّ من ملاحظة ما ذكروا والتأمّل فيه.

ويمكن أن يقال : المطهر هو النقاء واقعا ، إلاّ أنه لا يمكن العلم به عادة ، بل غاية ما يحصل الظن بتحققه ، لأنه لا يمكن للمكلف أن يرى مقعده ، نعم يرى الحجر نقيا ليس عليه شي‌ء من أجزاء النجاسة ، ولا يحصل من هذا قطعه بزوال النجاسة بالمرة وحصول النقاء ، إذ لعله يكون بعد متلوثا يابسا ، ولعل الشارع لا يرضى بكل ظن يكون ، بل بالظن الحاصل بعد الأحجار ، كما أنه لا يرضى في كثير من المواضع إلاّ بشهادة عدلين مثلا ، فتأمّل. وحسنة ابن المغيرة سيجي‌ء الجواب عنها وطريق حملها.

قوله : أنّها واردة في صورة. ( ١ : ١٦٩ ).

فيه : أنه لا قائل بالفصل ، وطريقة الشارح دائما التمسك بعدم القول بالفصل في نظائر ما نحن فيه ، فتأمّل.

مع أن ازالة النجاسة حكم شرعي يتوقف على الثبوت ، ولم يثبت فيما دون الثلاثة ، فلو استند في ذلك إلى العموم يلزم جواز ذلك في الحجر أيضا ، وإخراج الحجر من العموم يوجب صرف الحديث إلى الفرد الغير الغالب ، لأن الغالب هو استعمال الحجر ، إذ هو أغلب استعمالا من الثوب.

مع إمكان الجمع بحمل الحسنة على الاستنجاء بالماء. هذا على تقدير معارضة الحسن للصحيح ومقاومته له. ويقرب الجمع المذكور أن الراوي سأل عن حال بقاء الريح مع أنه أقل ما يبقى الريح ، ويصعب الاطلاع عليه ويسهل الإشكال فيه.

بل لعله لا يبقى إشكال بعد حكمه أن حد الاستنجاء أن ينقى ما ثمة ، إذ الظاهر أن المراد نقاء العين ، بل الراوي أيضا فهم كذلك حيث قال : فإنه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، ومع جميع ذلك سأل عن حال الريح ولم يسأل‌


عن حال بقاء الأجزاء اللطيفة العالقة التي لا شك في بقائها غالبا ، لو لم نقل : كليا ، ويطلع عليه البتة بالعرق ووصول الماء إليه ، ويصعب الإشكال فيه ، لأنّه من تتمة العين ، فلم يتحقق النقاء من العين والأثر بالمرة وحقيقة.

مع أنّ الاطلاع بالنقاء على سبيل العلم صعب ، بل غاية ما يكون خروج الحجر نقيا ، فكيف يحكم بالنقاء ويستشكل الأمر في بقاء الريح ، ولا يسأل عن أن مجرد خروج الحجر نقيّا يستلزم نقاء الموضع واقعا أم لا ، مع أنّه في مقام السؤال عن حد الاستنجاء؟ فتأمّل.

وأمّا موثقة يونس فالموثق عند الشارح ـ ; ـ ليس بحجة فضلا عن أن يقاوم ويرجح عليه ، مع أنّ دلالة الموثقة ليست بمرتبة دلالة الصحيحة ، فضلا عن أن ترجح عليها ، فتأمّل.

وكيف كان فالأحوط والأولى عدم الاكتفاء بأقل من ثلاثة ، حجرا كان أم غيره ، سيما بعد ملاحظة بقاء الأثر جزما ، فكيف يكتفى لعفوه بدليل مشوب بالشبهة؟! مضافا إلى بقاء النجاسة شرعا إلى أن يثبت خلافه ، ( وأنّ استعمال الحجر ومثله مخالف للأصل ، ورخصة ، فيقتصر على مورد الثبوت. فتأمّل ) (١).

قوله : إلاّ بعد قطعه. ( ١ : ١٦٩ ).

الفرق بين الثوب المتصل والحجر المتصل في الاستبعاد المذكور مستبعد جدا ، مع أنه في المقام بصدد إثبات عدم الحاجة إلى تثليث المسحات مطلقا ، لا أنّه يكفي ذو الجهات ، فتأمّل.

هذا مع أن الحجر مع ما فيه من الصلاة إذا كان لا يكفي للتطهير حتى‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».


يتحقق ثلاث مسحات فكيف يكفي أقل من ثلاثة في مثل الثوب مع ما فيه من الرخاوة؟! فتأمّل.

ويؤيده ما روي عن النبي 6 من الأمر بثلاث مسحات (١).

قوله : إذ لا دليل. ( ١ : ١٧٠ ).

لا يخفى أنه على تقدير العمل بروايات الأحجار الثلاثة ، والبناء على الوجوب ، ظاهرها استيعاب المحل بالنحو المتعارف ، والتوزيع المذكور لا شك في أنه من الأفراد النادرة ، بل الأمور المفروضة للفقهاء ، وحمل الأخبار على ذلك فيه ما فيه. نعم على القول بمجرد النقاء يكفي ذلك ، لكن لا فرق حينئذ بين ما إذا كان الحجر ثلاثا أو أزيد أو أنقص.

قوله : قد عرفت. ( ١ : ١٧٠ ).

قد عرفت أن المراد من الأثر ما ذا ، وأنه يكفي حينئذ زوال العين دون الأثر.

قوله : والغالب. ( ١ : ١٧٢ ).

ربما يخدشه ما اختاره الشارح في مبحث التراوح وغيره ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : على المشهور. ( ١ : ١٧٢ ).

فيه تنبيه على أن منشأ الإشكال في كفاية ذي الجهات هو هذا ، ولولاه لأمكن دعوى العلم بعدم الفرق بين المتصل والمنفصل ، فيكون هذا قرينة على أن المراد ثلاث مسحات مطابقا لظاهر الحديث النبوي ويصير موافقا لما شبه به من عشرة أسواط ، لكن هذا حق لو قيل بأن وجوب الإكمال لأجل‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٨٥ / ٥٩ ، مجمع الزوائد ١ : ٢١١.


حصول الطهارة في الواقع ، أما لو قيل بأنه لأجل حصول الظن المعتبر شرعا فلا يمكن التوجيه ، وكيف كان ، الأحوط عدم الاكتفاء.

ونظير ذي الجهات ما لو استعمل حجرا ثم كسر ما نجس منه أو حكّه. أما لو استجمر ثم كسر ثم استجمر ثم كسر ثم استجمر بحيث خرج الحجر عن اسم الواحد ودخل في الثلاث فالظاهر الاكتفاء ، مع احتمال احتياط فيه أيضا.

قوله : تمسكا بالعموم. ( ١ : ١٧٢ ).

فيه ما مر ، فتذكر.

قوله : بل الأظهر. ( ١ : ١٧٢ ).

إذا تحقق عدد الثلاثة على الرأي المشهور ، ومطلقا على الرأي الآخر.

قوله : إذا كان طاهرا. ( ١ : ١٧٢ ).

واشترط العلامة في كتبه جفاف الحجر وإدارته كي لا تتعدى النجاسة من موضع إلى موضع ، وعدم وضع الحجر على النجاسة ، بل يوضع في محل طاهر قريبا من النجس ، ثم ذكر كيفية الإدارة وجعلها أحسن وأحوط (١).

ولم نجد شيئا من ذلك في شي‌ء من النصوص ، بل هي ـ على ما ترى ـ مطلقة ، وشي‌ء من هذه القيود ليس مما يتيسر للعالم أن يتفطن له ، فضلا عن العوام ، فضلا عن الأعراب وأهل البوادي ، وفضلا عن النساء وغيرهم ممن كلف بالمسح بالأحجار.

نعم ، إذا كان البلل كثيرا يمكن الاستشكال في المطهرية ، لعدم كونه من الأفراد الشائعة ، ولانفعال القليل بالملاقاة ، ولعدم الاطمئنان بإزالة النجاسة ، بل ربما يوجب زيادة التلويث والانتشار ، والله يعلم.

__________________

(١) انظر نهاية الإحكام ١ : ٨٨ ، ٩٢ ، والتذكرة ١ : ١٣٠.


قوله : ويدل عليه. ( ١ : ١٧٢ ).

في الدلالة تأمّل ، سيما على رأي القائل بكفاية مجرد النقاء ، مثل الشارح ـ ; ـ وخصوصا على القول بجواز المستعمل الطاهر. إلاّ أن يدعى تبادر الطاهر من لفظ البكر ، فتأمّل.

قوله : بملاقاة الحجر. ( ١ : ١٧٢ ).

لعل مستنده الإجماع ويمكن أن يقال أيضا : إنّ التطهير حكم شرعي يتوقف على الثبوت ، ولا يثبت من الإطلاقات جواز النجس أيضا ، لعدم انصراف الذهن إليه ، فتأمّل.

وعلى تقدير الاستعمال ففي حكم المحل احتمالات :

أحدها : تحتم الماء ، والثاني بقاء المحل على حاله ، والثالث إذا كان النجاسة بغير الغائط تعين الماء ، وإلاّ فلا ، قال بكل قائل (١).

ووجّه الأول بأن الاستجمار رخصة فلا يتعدى عن مورد النص. ووجه الثاني أن (٢) النجس لا يتأثر بالنجاسة. ووجه الثالث ظاهر.

لكن الإشكال في ما وجه به الأول ، لأن القائل بعدم تحتم الماء يقول بالدخول تحت مورد النص ، ولعل المراد أنه ليس من الأفراد الشائعة ، ويجب قصر النص عليها.

ومما ذكر ظهر حال عروض النجاسة للمحل مطلقا بحيث لا يتعداه ، وإن كان دم القروح والبواسير. إلاّ أن يدعى الدخول تحت الأفراد الشائعة بالنسبة إلى البواسير ، لكن لا بدّ من تأمّل ، فتأمّل.

__________________

(١) قال بالأول الشهيد في الذكرى : ٢١ ، واحتمل الثاني العلامة في النهاية ١ : ٨٨ ، وقال بالثالث في القواعد ١ : ٤.

(٢) في « ا » : بأن.


قوله : ولا الروث. ( ١ : ١٧٢ ).

الظاهر من العبارة أنه يكفي ويجوز كل شي‌ء يزيل النجاسة سوى ما استثني ، وهو رأي الشيخ ومن تبعه ، وادعى في الخلاف الإجماع عليه (١) ، وكذا ابن زهرة (٢) ، والمحكي عن سلار أنه لا يجزئ إلاّ ما كان أصله الأرض (٣).

وعن ابن الجنيد : إن لم يحضر الأحجار يمسح بالكرسف وما قام مقامه ، ثم قال : ولا اختار الاستطابة بالآجرّ والخزف إلاّ إذا لابسه طين أو تراب يابس (٤). ولعل نظره إلى قوله 6 : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا » (٥).

وعن المرتضى ـ ; ـ أنه جوز بالأحجار وما قام مقامها من المدر والخزف (٦). ولعل نظره إلى أن الوارد في الأخبار هو هذه الثلاثة.

ومستند المشهور بعد الإجماع المنقول من الفقيهين موثقة يونس بن يعقوب ، ورواية ليث المرادي ، لأنه قال 7 : « وأما العظم والروث فطعام الجن » ، إذ لو كان منحصرا في الشرع في الحجر والكرسف والمدر لما أجاب بما أجاب.

قوله : بما يحصل النقاء. ( ١ : ١٧٣ ).

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٠٦.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

(٣) المراسم : ٣٢.

(٤) انظر الذكرى : ٢١ ، والذخيرة : ١٨.

(٥) عوالي اللآلي ٢ : ١٣ / ٢٦ و ٢٠٨ / ١٣٠ ، المعتبر ٢ : ١١٦ ، الوسائل ٥ : ١١٨ أبواب مكان المصلي ب ١ ح ٥ ، المستدرك ٢ : ٥٣٠ أبواب التيمّم ب ٥ ح ٨.

(٦) حكاه عنه في المعتبر ١ : ١٣١ ، وفيه وفي « ا » : « الخرق » بدل « الخزف ».


هذه العبارة تشعر بأن مراده حسنة ابن المغيرة ، وفي دلالتها نظر ، لمكان كلمة « حتّى » فتدبر.

نعم ، ظاهر موثقة يونس ذلك حيث اكتفى فيها بإذهاب الغائط مطلقا ، إن لم يناقش بأنها محمولة على الأفراد الشائعة ، لكن ظاهر رواية ليث المرادي حصول الطهارة ، لأنه علل فيها بكونهما طعام الجن ، وأنه لذاك لا يصلح ، فلو كانا غير مطهرين شرعا لكان التعليل بعدم التطهير أولى.

وبالجملة : لما لم يظهر عدم التطهير وعلل بما علل يظهر في النظر ما ذكرناه ، فتأمّل.

إلاّ أن ابن زهرة ادعى الإجماع على عدم إجزاء العظم والروث والمطعوم ، فلعل الأحوط عدم الاكتفاء.

وأما الصيقل فلو اتفق حصول النقاء به يطهر ، لأن المانع لم يكن إلا عدم الإذهاب والإنقاء ، وهو العلة في المنع ، فتأمّل.

قوله : قال في المعتبر. ( ١ : ١٧٤ ).

علل في المعتبر تقديم اليمنى في دخول المسجد واليسرى في الخروج بأن اليمنى أشرف فيدخل بها إلى المواضع الشريفة ، وبعكسه اليسرى ، وربما علل بعض ما نحن فيه بكونه عكس المسجد.

قوله : والأصح اختصاصه. ( ١ : ١٧٥ ).

وأثبته جماعة للأنثى (١) ، فتستبرء عرضا ، ونفاه العلامة للأصل (٢) ، فلا‌

__________________

(١) أثبت ابن الجنيد التنحنح للأنثى ، على ما حكاه عنه في الذكرى : ٢٠ ، ونسب في كشف اللثام ١ : ٢٢ تعميم الاستبراء لها إلى العلامة في المنتهى ١ : ٤٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٨١.

(٢) انظر القواعد ١ : ٤ ، والتحرير ١ : ٧.


حكم للخارج المشتبه منها ، للأصل ، وتأمل في ذلك بعض المحققين (١) ، ولعل تأمّله ليس في موضعه ، لأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يحصل العلم ، فمع الاشتباه لا يحصل البتة ، وقياسها على الرجل لعله قياس مع الفارق. مع أنّ الأمر عام البلوى ، فالسكوت عنه بالمرة يؤيد ذلك ويشير إليه ، فتأمّل.

قوله : واتباع الأصحاب. ( ١ : ١٧٥ ).

هذا يخالف طريقته ، إلاّ أن [ يكون ] (٢) مراده متابعتهم بحسب الفعل والعمل لا الفتوى ، ويكون مراده من الحسن الحسن العقلي لا الشرعي ويبنى على انفكاك العقلي عن الشرعي في أمثال المقام. ولا يخفى التكلف. فالأظهر المسامحة في أدلة السنن ، كما هو المشهور ، وقد سبق في أول الكتاب الكلام في ذلك (٣) ، فراجع.

قوله : لأن المرفوعة. ( ١ : ١٧٦ ).

فيه تنبيه على أن الكراهة إذا كان الموضع مملوكا أو مباحا لا ملكا لغيره ، فإنه لا يجوز بغير إذنه ، ومع الإذن يكون مكروها أيضا ، وهذا بالنسبة إلى جميع المواضع المكروهة.

لكن لا يخفى أن الأخبار التي استدلوا بها على الكراهة ظاهرها الحرمة ، للفظ النهي ، والجملة الخبرية ، ولفظ الأمر. ولعل حملهم على الكراهة للإجماع. لكن الصدوق قال : لا يجوز التغوط في في‌ء النزال ، وتحت الأشجار المثمرة (٤) ، ويؤيد الحرمة أن ذلك أذية للمؤمنين ، فتأمّل.

__________________

(١) الذخيرة : ٢١.

(٢) أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) راجع ص ٢٠.

(٤) الهداية : ١٥.


إلاّ أن يقال : ليس بأذية بالفعل والنية ، بل ربما يكون أذية ، وأنه لهذا حمل الأصحاب على الكراهة ( لكن لا بدّ من تأمّل ) (١).

قوله : مواضع اللعن. ( ١ : ١٧٦ ).

لعل المراد لعن أصحاب الدور ، لا لعن الملائكة أو الله تعالى أيضا ، لأنه دليل على الحرمة البتة ، فتأمّل.

قوله : بل من شأنها ذلك. ( ١ : ١٧٦ ).

لا يخفى أنه ما علل بذلك فقط ، بل قال : لإطلاق الخبر ، ولأن المشتق. ، ولا يتمسك بالإطلاق إلاّ بالنسبة إلى الافراد الحقيقة ، والمشتق في ما سيأتي مجاز اتفاقا.

وأشار بإطلاق الخبر إلى ما ورد في بعض الأخبار من النهي عن تحت الأشجار المثمرة (٢) ، وهذا عند الشيعة والمعتزلة شامل لما أثمرت في الماضي ، وما يكون الثمر فيها بالفعل فقط ، على ما صرحوا في علم الأصول حين ضربوا المثل بهذا الخبر ، بل التعليل بذلك أيضا شاهد ، لقوله : بقاء أصله ، لأن البقاء لا يتحقق ما لم يتحقق المبدء. ولأن التعليل ورد لصدقه على الماضي خاصة ، كما في علم الأصول ، ولا شك في أنّ ما ذكره في المقام إشارة إلى ما ذكروه في الأصول.

وما ذكره من أن مقتضى هذه. ، فيه : أنّ مفهوم الوصف ليس بحجة عند المشهور ، وعلى تقدير الحجية فمعارضتها للمنطوق محل إشكال. إلاّ أن يقال : يكون مثل هذا المفهوم أقوى من مثل ذلك المنطوق ، فتأمّل.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٢) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، أمالي الصدوق : ٣٤٤ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١٠.


وبالجملة : عموم الكراهة محتمل ، بل ومتعين على طريقة الشارح وغيره من المتأخرين من أن الخبر غير الصحيح لا يعارض الصحيح ، وسيما على طريقة الشارح من عدم التسامح في أدلة السنن والكراهة ، إذ خبر عاصم بن حميد صحيح ، ومضمونه المنع من تحت الأشجار المثمرة ، فتأمّل.

قوله : ويشهد أيضا ما رواه الصدوق. ( ١ : ١٧٧ ).

هذا بعد ما قال : إنّه لا يجوز التغوط في في‌ء النزال وتحت الأشجار المثمرة ، ولعل مراده من عدم الجواز ما يشمل الكراهة ، فتأمّل.

قوله : ويمكن أن يراد. ( ١ : ١٧٧ ).

بأن يكون ذكر أبواب الدور على سبيل المثال ، وربما وقع نظير ذلك في الأخبار.

قوله : واستقبال الشمس. ( ١ : ١٧٨ ).

المفيد في المقنعة قال : لا يجوز استقبال قرصيهما في بول ولا غائط (١).

قوله : بالنسبة إلى الحدثين وإلى. ( ١ : ١٧٩ ).

موافقا لما صرح به غيره (٢) ، وفي الفقيه : وسئل الحسن 7 : ما حد الغائط؟ فقال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها » ، وفي خبر آخر قال : « ولا تستقبل الهلال ولا تستدبره » (٣).

ويؤيده المساواة في عدم الاحترام لو فعل ، والاحترام لو لم يفعل ،

__________________

(١) المقنعة : ٤٢.

(٢) كالشهيد الثاني في الروضة ١ : ٨٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٨ / ٤٧ ، ٤٨ ، الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٢.


( ولذا احتمل الشهيدان كراهة استدبارها أيضا (١) ، إلاّ أن يقال : الاستدبار في البول لا ينافي الاحترام ) (٢) ، ولذا لم يرد في خبر ، فليتأمّل ، لأن المراد بالغائط في خبر الحسن بن علي أعم من البول والغائط ، على حسب ما يقول به الشارح وفهمه الأصحاب ، حيث حكموا بكراهة البول مستقبل الريح ، والظاهر أن مستندهم هو هذا الخبر ، ولأن (٣) المنع عن استقبال الريح يناسب البول غالبا ، فتدبر.

قوله : تعمد إلى مكان مرتفع. ( ١ : ١٧٩ ).

لعل ارتفاعه قليل حتى لا ينافي ما ورد من النهي عن تطميح البول.

قوله : ولأنه لا يؤمن. ( ١ : ١٧٩ ).

هذه العلة تقتضي المنع عن التغوط أيضا.

قوله : فقد حكي. ( ١ : ١٧٩ ).

تفريعه (٤) على ما تقدم لا يخلو من تأمّل ، فلعل المراد ما يشمل الجن الذي يظهر في صورة حيوان ، ولذا قيل : إنها مساكن الجن (٥) ، فتأمّل.

قوله : أن سعد بن عبادة. ( ١ : ١٧٩ ).

هذا من الشارح عجيب ، حيث اعتقد بهذه الحكاية ، حتى أنه ذكرها في المقام ، ولا شك في كذب الحكاية ، وأنها مجعولة ممن قتل سعدا بتحريك بعض حتى يهدر دمه ولا يتحقق فتنة ، حتى ابن ابي الحديد أيضا صرح بأن قاتله لم يكن من الجن ، بل كان من الإنس ، وأنّ الحكاية لا أصل‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٠ ، روض الجنان : ٢٦.

(٢) ما بين القوسين لا يوجد في « ا ».

(٣) كما في « أ » ، وفي غيره : لأن.

(٤) الموجود في النسخ : في تفريعه.

(٥) قاله من العامة ابن قدامة في المغني ١ : ١٨٨.


لها (١).

وبالجملة : ما ذكرناه محقق في موضعه ، فليلاحظ.

قوله : لورود النهي عنه. ( ١ : ١٨٠ ).

وعن ظاهر علي بن بابويه عدم الكراهة في غير الراكد (٢) ، وورد في كثير من الاخبار عدم البأس مع البأس في الراكد (٣) ، لكن ورد في الجاري أيضا النهي عن البول فيه إلاّ لضرورة ، معللا بأن للماء أهلا.

قوله : بأن للماء أهلا. ( ١ : ١٨٠ ).

ربما يقتضي هذا التعليل النهي عن التغوط أيضا ، كما قال به بعض الأصحاب ، واستدل بأن النهي عن البول يقتضي النهي عن الغائط بطريق أولى (٤) ، وفيه تأمّل. وربما يتوهم عدم الكراهة إذا بال الإنسان في ظرف ثم يصب في الماء ، وفيه إشكال ، فتدبر.

فرع : في بعض الروايات ورد المنع عن البول قائما ، وفي بعض آخر المنع من تطميح البول من السطح ، أو من الشي‌ء المرتفع (٥) ، وفي بعض آخر التغوط في أفنية المساجد ، بل وربما يعم البول أيضا (٦) ، وبعض الأصحاب كره أفنية الدور (٧).

__________________

(١) انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٠ ، الجزء ١٠.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠.

(٣) الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح.

(٤) الذكرى : ٢٠.

(٥) الوسائل ١ : ٣٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٣.

(٦) الكافي ٣ : ١٦ / ٥ ، الوسائل ١ : ٣٢٤ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٢.

(٧) المفيد في المقنعة : ٤١.


قوله : لآكلها إذا خرجت. ( ١ : ١٨٠ ).

ربما يظهر منه الكراهة في بيت الخلاء مطلقا ، فتأمّل.

قوله : السواك على الخلاء. ( ١ : ١٨١ ).

ربما يظهر منه حال الجلوس على الخلاء ، فتأمّل.

قوله : ولا يدخل المخرج. ( ١ : ١٨١ ).

قال الصدوق ـ ; ـ : ولا يجوز أن يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله أو مصحف فيه القرآن (١).

قوله : وهو حسن. ( ١ : ١٨١ ).

لكن في بعض الأخبار كراهة الدخول وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، وعدم الكراهة إذا كان اسم محمّد 6 (٢) ، فتدبر.

واعلم أنه يكره طول الجلوس في الخلاء ، وورد أنه يورث الباسور (٣).

قوله : الأول النية. ( ١ : ١٨٤ ).

ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع ، وكذا العلامة في التذكرة ، وابن زهرة في الغنية (٤).

قوله : ولم أعرف لقدمائنا. ( ١ : ١٨٤ ).

قاعدتهم أنّهم يذكرون لزوم النية ووجوب كون العمل لله تعالى خالصا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢ / ٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ١٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٣٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٦.

(٣) الوسائل ١ : ٣٣٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٠.

(٤) الخلاف ١ : ٧١ ، التذكرة ١ : ١٣٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢.


في موضع واحد على سبيل القاعدة الكلية ، وبالنسبة إلى جميع الأعمال ، لا إلى كل عمل عمل.

قوله (١) : إنّما الأعمال بالنيات. ( ١ : ١٨٤ ).

فإن قيل : كما يمكن حمل النفي على نفي الصحة لأنه أقرب إلى الحقيقة ، كذا يمكن الحمل على نفي الكمال ، والأول وإن كان أقرب المجازات إلاّ أنّه يوجب التخصيص في الأعمال ، وبقاء العام على العموم الذي هو حقيقته أولى من ارتكاب أقرب المجازات.

قلت : ( قوله 7 في تلك الرواية : ولا عمل إلاّ بإصابة السنة يمنع من الحمل على نفي الكمال ، وأيضا ) (٢) لما كان الكلام من الشارع عرفنا أن مراده نفي الحكم الشرعي والأمر الشرعي ، فالظاهر منه نفي حقيقة ذلك الحكم والأمر ، أي الأمر الذي هو منصب الشرع ووظيفته ، وهذا في النظر مرجح للتخصيص في الأعمال ، لأنه قرينة مخصصة ، سيما مع شيوع التخصيص إلى أن قيل : ما من عام إلاّ وقد خص.

مضافا إلى أن التخصيص ضروري وقطعي عند آحاد المخاطبين ، سيما المخاطبين بتلك الأخبار ، فكان حاضرا لديهم عند سماعهم الأخبار ، فلا حاجة إلى العناية في تقدير القرينة.

وأيضا هذه العبارة وأمثالها من الشارع شائعة في نفي الحكم الشرعي رأسا ، وهي أيضا من المرجحات ، ولعله لهذا فهم الفقهاء نفي الصحة ، ولم يتفطن أحد إلى هذا الاحتمال ، سيما وأن يجعله مساويا ، وخصوصا أن يجعله أولى. نعم بعض المحققين ممن قارب عصرنا أتى بهذه الشبهة (٣).

__________________

(١) الظاهر أنّ هذه الحاشية متعلقة بقوله : « لا عمل إلاّ بنيّة ».

(٢) ما بين القوسين لا يوجد في « ا ».

(٣) انظر الذخيرة : ٢٣.


ومما يقرب ما ذكرنا أيضا أن العبادة لا شبهة في احتياجها إلى النية وتوقفها عليها كما ستعرف ، ومعلوم أن العبادات في الشرع في غاية الكثيرة.

وبالجملة : احتمال نفي الكمال مما لا يتفطن به أهل العرف والفقهاء ، ولا يخطر بخاطر إلا بعد الاطلاع بما ذكره ، فتأمّل.

هذا كله على القول بأن لفظ العبادة اسم للأعم من الصحيحة ، أما على القول بأنه اسم لخصوص الصحيحة فلا وجه للإيراد المذكور أصلا ، كما لا يخفى.

قوله : واعلم أن الفرق. ( ١ : ١٨٤ ).

لا يخفى أن الواجب ما يكون على تركه العقاب ، فإن كان عبادة فيكون على فعله الثواب أيضا ، وإلا فلا. والعبادة إما أن تكون بالذات عبادة أو بواسطة النية.

والأول مثل الصلاة والصوم ، والعبادة في اصطلاح الفقهاء عبارة عن هذا القسم ، وربما يعرفونه بالذي لا يصح فعله بغير النية ، وهذا لا تعرف ماهيته إلا من الشرع ، كما لا تعرف شرائطه وأحكامه الشرعية إلا منه ، وكذا لا تعرف المصلحة في إيجابه بصورته المخصوصة وشرائطه المخصوصة.

والقسم الثاني مثل إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق ونظائرهما من الواجبات العينية أو الكفائية ، ومن الواجبات العينية والكفائية في هذا القسم الصناعات والتجارات والزراعات ونظائرها مما يتوقف عليه انتظام العالم ، وربما صارت عينية أيضا ، وربما كان واجبا للغير مثل قطع الطريق للحج ، سواء قلنا بوجوبه شرعا أو عقلا ، ومثل غسل النجاسات من الظروف والثياب وغيرهما للإجماع على عدم الوجوب لنفسه ، بل للصلاة والأكل وغيرهما.

وهذا القسم لا يتوقف صحته على النية ، نعم صيرورته عبادة تتوقف عليها ، إذ لو أخرج الغريق أو أنقذ لا لقصد الامتثال بل لأنه ابنه أو غريمه أو غير‌


ذلك ، من دون نية إطاعة الله تعالى أصلا ورأسا ، يكون صحيحا مؤديا للواجب خارجا عن العهدة ، ولا يجب عليه أن يغرقه ثانيا لأن ينقذه لله تعالى ، بل هو حرام.

بل لو أنقذ لقصد حرام أو وجه حرام مع التمكن من غيره لكان صحيحا أيضا وإن كان معاقبا من جهة الحرام. وهذا يجتمع فيه الأمر والنهي عند المعتزلة والشيعة أيضا ، لأنّ إيجابه ليس إلاّ للتوصل إلى مصلحة مسببة عنه كقطع المسافة للحج على القول بوجوب مقدمة الواجب ، للاتفاق على عدم وجوب الإعادة لو وقع بوجه منهي عنه.

والفرق أن الأمر تعلق بنفس الإنقاذ ، وفي الحج تعلق بالحج وبمقدمته للتوصل إليه ، وهذا بخلاف القسم الأول فإن إيجابه ليس بمحض التوصل إلى مصلحة مسببة بل لكونه في نفسه مطلوبا محبوبا ، والمصلحة تكون فيه.

وظاهر أنّ الأمر بإزالة النجاسة من القسم الثاني من قبيل قول الشارع : اقطع الطريق حتى تصل إلى الحج ، إذ مع قطع النظر عن الإجماع وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار نقول : إذا قال : أزل النجاسة ، نعرف معناها جزما ، لأن الإزالة معناها معلوم لغة وعرفا ، فنحكم بكفاية المعنى العرفي ، فإن شرط شرطا نحكم باعتباره شرعا ، وإن لم يشترط نحكم بعدم اعتباره.

ثم إن الإجماع واقع على عدم وجوبها لنفسها ، بل كونه لغيرها مثل الصلاة ، وبعد ما لاحظنا الصلاة نجد أنّ المعتبر فيها أن لا تكون نجاسة معلومة للمصلي حال الصلاة ، علمنا من ملاحظة المجموع أن إيجاب الإزالة ليس إلاّ للتوصل إلى مصلحة هي انعدام النجاسة المعلومة في الواقع أعمّ من أن يكون ذلك الانعدام من جهة صاحب الثوب المصلي أو غيره ، حتى أنّه لو انعدم بالمطر أو لوقوعه في الكر أو الجاري من غير مباشرة أحد لكفى.


وأمّا الوضوء والغسل والتيمم فهي عندهم من القسم الأوّل تحتاج إلى النيّة ، لعدم معلومية الماهية إلاّ من الشرع ، وعدم معرفة المصلحة في الإيجاب بالخصوصية المعلومة ، وعدم ظهور كون الإيجاب لمحض التوصل إلى أمر معلوم ، إذ لا نعرف أنّ الحدث ما ذا؟ وأنّ الرفع بأيّ نحو؟ وماهية الرافع ما هي؟ فضلا عن شرائطه. بل ظاهر الأمر أنّه واجب شرعا وإن كان الواجب لغيره ، فالمطلوبية والمصلحة إنما تتحققان فيه نفسه وإن كانتا للغير.

وفرق بين هذا وبين ما لو علم أن وجوبه لمحض التوصل إلى مصلحة خارجة ، وهذا حاله حال مثل الصلاة والصوم ، وإن الفارق بينهما هو الوجوب للنفس والوجوب للغير ، لكن كلا الوجوبين شرعيان ، فتأمّل جدا.

والله تعالى أوجب علينا إطاعته وإطاعة رسوله ، والإطاعة الواجبة هي امتثال الأمر ، والمرجع في هذا اللفظ العرف كسائر الألفاظ ، فما يكون في العرف امتثالا يكون الواجب هو لا غير ، والامتثال العرفي لا يتحقق إلاّ بقصد ما هو مطلوب للآمر وارتكابه لأجل أن الآمر أمر ، لا بشهوة نفسه أو شهوة غير الآمر.

مثلا : لو أمر السيد عبده بإتيان أمر ، وقال آخر للعبد : لو أتيت بمطلوب سيدك لقتلت سيدك ، فأتى العبد ذلك المطلوب لا لأجل أن السيّد طلب بل لأجل أنّ السيّد يقتل لا شك في كونه عاصيا وإن أتى بما هو مطلوب السيّد ، وكذا لو أتى به بشهوة نفسه لا لشهوة سيده. والبيان الوارد في الطهارات مثل البيان الوارد في الصلاة لا يظهر كونه بيانا لتمام ماهيتها وشرائطها ، بل الظاهر خلاف ذلك ، ولا ينفع التمسك بالأصل بعد العلم بوجوب الإطاعة والامتثال.

ومما يدل على كون الطهارة مثل الصلاة في كونها في نفسها عبادة قوله‌


7 : « الصلاة ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود » (١) وأنّه ورد الأجر العظيم في فعلها حتى في قطرات مائها وبقاء بللها وغير ذلك ، وسنذكر بعضا ، فتأمّل.

ومما يشهد أيضا أنه إذا دخل الوقت وجب الطهور ، مع أنّه قبل الوقت صحيح وسنة ، فظهر أنّ وجوبها ليس بمحض تحقق الصلاة عقيبها ، فتأمّل.

قوله : ملتبس جدا. ( ١ : ١٨٥ ).

قد ذكرنا فرقا ونذكر أيضا فرقا آخر ، وهو أنّ العبادة لا بدّ فيها من قصد الفعل للمعبود المعين المعلوم ، وإلاّ لم تكن عبادة له ، ووقع الإجماع على وجوب النية في العبادات ، والأخبار كثيرة في لزوم فعلها لله تعالى ، والإخلاص وترك الشرك بالله وحرمة الرياء ، والقرآن أيضا دالّ ، ولذا لم يتأمّل أحد في الوجوب للصلاة ونظائرها.

وكون الوضوء عبادة يظهر من الحديث ، مثل قول الرضا 7 حين منع من صب الماء : « تؤجر أنت وأوزر أنا » (٢). واستشهد بقوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٣) ، لكن فيه تأمّل ، إذ ربما يظهر منه خلاف ذلك ، فلاحظ وتأمّل.

ومما يفرق أيضا الإجماع في إزالة النجاسة بعدم اشتراط النية بالتقريب الذي مر في الحاشية ، والإجماع في الطهارات بالاشتراط لما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٤ ، الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣١٠ أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٦٩ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ / ١١٠٧ ، الوسائل ١ : ٤٧٧ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ١.

(٣) الكهف : ١١٠.


نقلنا. مضافا إلى عمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، فليتأمّل.

قوله : وأنّ المعتبر فيها تخيل المنوي. ( ١ : ١٨٥ ).

إن أراد مجرد تخيل المنوي فهو مناف لما سيذكره من اعتبار قصد القربة والإخلاص ، وإن أراد مع قصدها ففي الحكم بسهولة الخطب مطلقا تأمّل لا يخفى على من لاحظ الأخبار وكلام المحققين في مقام تخليص العمل عن الرياء وغيرها من الدواعي المنافية للإخلاص.

وما ذكره بعض الفضلاء ليس هذه النية قطعا ، لأنه لا يمكن التكليف به كما اعترف به ، وهذه النية واجبة يمكن (١) تخلّفها قطعا ، بل وربما يكون من أصعب الواجبات والتكليفات كما أشرنا. فتأمّل.

قوله : على أن الأمر المذكور. ( ١ : ١٨٧ ).

أي مضافا إلى الاستصحاب ، إذ لم يثبت نسخ الجميع ، بل نسخ البعض ، بل الثابت عدم نسخ الجميع لما يظهر من الآيات والأخبار : منها هذه الآية ، ومنها ما يدل على متابعة ملة إبراهيم وبقائها في الجملة ، ومنها ما ذكر في الأمم السابقة مدحا وترغيبا لهذه الأمّة ، ومنها ما يدلّ على أنّ بعض الأفعال في نفسه حسن ممدوح لا دخل للزمان وغيره فيه ، فتأمّل جدّا بعد ملاحظة المآخذ.

قوله : فهذا الاستدلال لا محصّل له. ( ١ : ١٨٨ ).

ولا يخفى أنّ قوله في ما سبق : لا يتم إلاّ بذلك ، إشارة إلى أنّ قصد الوجوب أو الندب مقدمة لحصول المطلوب الشرعي الذي هو عبادة وتوقيفية ، فلعل قصد التعيين شطره أو شرطه شرعا ، والواجب علينا أن نأتي بالفعل على الوجه المطلوب ولا يتم ذلك إلاّ بقصده ، إذ بدون ذلك لا يعلم‌

__________________

(١) في غير « أ » : لا يمكن.


حصول المطلوب ، إذ ليس هو أمرا عقليا أو عرفيا أو أمثال ذلك ، حتى يرجع إليها في معرفته.

وأمّا الشرع فلا إجماع ولا نص ينفع ، إذ مثل قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ). (١) لم يذكر فيه إلاّ نفس الأجزاء المختصة بالوضوء ، أمّا الكيفية المخصوصة والأمور العامة المشتركة بينه وبين جميع العبادات سواء أنّها أيضا أجزاؤه أو شروطه مثل النية والإيمان وعدم الغصب وغير ذلك فلم يذكر فيه ، بل لم يرد في نص من النصوص الواردة في بيان كيفية عبادة من العبادات ذكر أمر من الأمور العامة ، بل تلك الأمور ثابتة في مقام آخر بعنوان الضابطة الكلية والقاعدة العامة من غير خصوصية بمكان دون مكان.

ولذا قدماؤنا أيضا لم يذكروا في عبادة من العبادات أمرا من الأمور العامة لما أثبتوها في موضعه المختص به. وأمّا المتأخرون فهم أيضا لم يذكروا سوى النية ، وربما يذكر بعض منهم بعضا آخر مثل عدم الغصبيّة.

ومعلوم أن النزاع في كيفية النية بعد فرض وجوب أصلها وتسليمه ، فعلى هذا نقول : كيف يثبت من مجرد قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ ) ـ الآية ـ مثلا عدم دخول قصد الوجوب والندب في النية التي هي من الأمور العامة جزما ، وغير مختصة بالوضوء أصلا ، وثابتة من الدليل الخارج قطعا سيما ومن أدلتها « لا عمل إلاّ بنية » (٢) ، وأمثالها الدالة على اشتراط مطلق النية ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط. مع أنّ من الأدلة قوله 7 : « إنما لكل امرئ ما نوى » (٣) وربما يظهر منه أن ما لم ينو ليس له ، فتأمّل ، إلاّ أن يثبت الشارح‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٤٦ أبواب مقدمة العبادات ب ٥.

(٣) أمالي الطوسي : ٦٢٩ ، الوسائل ١ : ٤٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١٠.


عدم الدخول وعدم الحاجة إلى المقدمة لتحصيل العلم بالبراءة بالأصل ، وجريانه في العبادات معركة لآراء الفقهاء.

ومع ذلك ، الشارح أيضا ربما لا يعتدّ بالأصل في العبادات ولا يثبت كيفيتها به ، إلاّ أن يثبت أنّ النية خارجة عن ماهية العبادات ، وهو خلاف المشهور ، ويثبت أيضا أنّ معرفة ماهية النية من باب معرفة غير العبادات.

ومع ذلك لما كان الشارح من المنكرين للحقيقة الشرعية وبمجرد الصارف عن المعنى اللغوي لا يكتفي بالرجوع إلى الحقيقة عند المتشرعة ربما يشكل الأمر بالنسبة إليه من هذه الجهة أيضا.

ومع ذلك قوله : هذا الاستدلال لا محصل له ، فيه ما فيه ، لأنّه تمام على قاعدة جماعة كثيرة من الفقهاء. فتأمّل.

ويمكن أن يقال : إنّ النية من الأمور التي يعم بها البلوى ويكثر إليها الحاجة وتشتد ، لأنّ أقسام العبادات من الواجبات والمستحبات بالأصالة أو بالعرض في غاية الكثرة ، وجميع المكلفين يحتاجون ، والاحتياج في غاية الكثرة ، بل في اليوم مرات كثيرة بالنسبة إلى مثل مستحبات الخلاء والوضوء ومستحباته ، والصلاة من الأذان إلى آخرها ، والتعقيبات وأدعية الساعات ، وقراءة القرآن إلى غير ذلك ، فلو كان قصد الوجوب أو الندب معتبرا فيها لأكثر الشارع من الأمر بالعمل والتعليم والتعلم ( وكثر العمل والتعليم والتعلم ) (١) ، وشاع في الأعصار والأمصار ، واشتهر غاية الشهرة ، ومع ذلك لم يصل خبر ولا أثر ، بل وربما وصل ما يفيد خلاف ذلك ، مثل أنهم صلوات الله عليهم ربما أمروا بفعل أمور بعضها واجب وبعضها مستحب ، مثل كبّر سبع‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « و » و « ج » و « د ».


تكبيرات ، وسبّح ثلاث تسبيحات (١) وغير ذلك ( ولم يأمروا بقصد التعيين.

ويؤيده أيضا أنهم كثيرا ما أمروا الواجب والمستحب بلفظ افعل ، وما ورد من أنّ غسل الجمعة يصير عوضا عن غسل الجنابة في ناسي غسلها في الصوم الواجب (٢).

ويؤيده أيضا الأدلة الدالة على أصالة البراءة ما لم يثبت التكليف.

ويؤيده عدم إشارة إلى أنّ المكلف في صورة لم يعلم خصوص الوجوب أو الندب ما ذا يصنع.

نعم ، ببالي أنّه ورد في بعض الأخبار ما يشير إلى اعتبار قصد الوجوب أو الندب مثل من دخل في الصلاة وشكّ أنّه هل نوى النافلة أو الفريضة (٣) وغير ذلك ) (٤) وسيجي‌ء من الشارح ما يظهر منه أنّه أيضا اعتبر في أمثال المقامات ، لكن ربما كان جميع ذلك منحصرا في صورة يكون كل واحد من الوجوب والندب من مشخصات الفعل ومميزاته ، ويكون حينئذ اعتبارهما من جهة لزوم قصد التعيين لتحقق الإطاعة والامتثال كما مر ، وسيجي‌ء في الحاشية الآتية أيضا.

والاتفاق واقع في لزوم قصد التعيين مضافا إلى الأدلة التي مرت الإشارة إليها ، مثل عمل كافة المسلمين في الأعصار والأمصار ، وأن كلّ أحد يعلم أنّه لا بدّ من الإطاعة ، وأنّها لا تتحقق إلاّ بقصد المطلوب ، وأنّ المكلّف أمر ولأجله أفعل ، وغير ذلك مما مر وسيجي‌ء.

__________________

(١) انظر الوسائل ٦ : ٢٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب و: ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٣٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٦ أبواب النية ب ٢.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».


ولكن الأحوط قصد الوجوب أو الندب أيضا ، لما مر وسيجي‌ء ، وإن كان الظاهر عدم الوجوب ، لكن الاحتياط في موضع يعلم الوجوب أو الاستحباب ، أمّا إذا لم يعلم مثل الوضوء في الوقت المشكوك فيه وغسل الجمعة بالنسبة إلى من لم يعلم الوجوب أو الاستحباب ومتحيّر فيهما فلا حاجة إلى الاحتياط أيضا ، نعم لعلّ الأحوط قصدهما حينئذ على سبيل الترديد.

ومع ذلك (١) يكفي قصد الوجوب الوصفي والقيدي ولا يحتاج إلى قصد التعليل بأن يقول : لوجوبه ، إلاّ أن يريد الاحتياط عما ذكره العدلية في كتبهم الكلامية (٢) ، فتدبر. والله أعلم بحقائق أحكامه.

هذا ، ويمكن أن يجعل مراد المستدل أنّ العبادة تقع على وجوه متعددة : الوجوب ، والندب ، والكراهة ، والحرمة ، فإن قصد وجها معيّنا وكان هو المطلوب ثبت المطلوب ، وإن كان غيره لم يتحقق الامتثال ، لأنّه الإتيان بالمطلوب ، وإن قصد غير المعيّن لم يتحقّق الامتثال أيضا ، لأنّ غير المعيّن يتحقّق في ضمن كلّ فرد ، وجميع الأفراد متساوية فيه ، فلا خصوصية له بالمطلوب ، وحينئذ يكون الفرق بين هذا الدليل والدليل الثاني أنّه أعمّ منه.

قوله : كما ذكره المتأخرون. ( ١ : ١٨٨ ).

يمكن أن يكون مراده أنّه يمكن للمكلف أن يوقع الفعل على وجه الوجوب تارة وعلى الندب أخرى ، بأنّه عنده كذلك وإن لم يكن في الواقع ، إذ لا بدّ أن يمتثل هو ويعلم أنه ممتثل ، ولو لم يعلم لم يكن بعد ممتثلا عرفا لأنه اعتقد أنّه غير ممتثل ولا يريد الامتثال ولم يقصد إتيان ما طلب منه ،

__________________

(١) في « و » : بل ومع ذلك.

(٢) انظر الاقتصاد : ١٠٩ ( للشيخ الطوسي ) ، وكشف المراد : ٤٠٧.


فكيف يكون ممتثلا؟! فإذا علم أنّه عبادة والعبادة لا تخلو عن الرجحان وتوهم أنه على قسمين أو جاز ذلك عنده فلا بدّ أن يأتي بالمميز.

هذا حال الجاهل أو المتوقف في عدم جواز الاجتماع كالشارح ، وأمّا المعتقد له لتمكنه أن يقصد مستحبا في مقام الواجب وبالعكس ـ وإن لم يكن مشروعا كقصد الرياء والتبريد محضا وأمثالهما ـ فيجب عليه عدم قصد المخالف للحق ، لما عرفت.

وقصد التعيين واجب قطعا ، لأنّه يكون به ممتثلا كما عرفت ، وهو إمّا قصد الوجوب أو الندب أو قصد الوضوء الذي ذمتي مشغولة بما يتوقف عليه أو فارغة عنه وهما يستلزمان الوجوب والندب عادة ، بل ربما كانا رجعا إليهما في المعنى.

نعم إن نوى ما أراده الشارع منه ، بعد أن يعتقد أنه ليس إلاّ واحدا معينا ، ولم يتذكر أيهما هو فالظاهر أنّه يكفي ، لكن لعله من الفروض النادرة ، فتأمّل.

قوله : لكن امتثال الأوامر. ( ١ : ١٨٨ ).

لا يخفى أن الإطاعة لا تتحقق عرفا إلا بقصد تعيين المطلوب فيما إذا كان المطلوب أمرين متغايرين يتميز أحدهما عن الآخر في نظر المأمور أيضا ، فإذا أتى بأحدهما فلا بدّ من تعيينه بملاحظة ما به الامتياز.

مثلا : عند الصبح مكلف بركعتين فريضة ، وركعتين نافلة ، فلا بدّ للمكلف من أن يعين أحدهما حتى يكون ممتثلا ، سيما إذا أراد امتثال أحدهما معينا ، فلو صلى ركعتين من دون تعيين كونهما فريضة أو نافلة لا يعد ممتثلا ، لا بالنسبة إلى الفريضة ، ولا بالنسبة إلى النافلة.

نعم ، إذا تميز الفريضة عن النافلة بالماهية أو بلازم آخر سوى الوجوب أمكن الاكتفاء بقصد الماهية أو اللازم الآخر ، ومعلوم أنّ ما نحن فيه ليس‌


كذلك.

مع أنّ الحكم بوجوب الطهور إذا دخل الوقت لا بدّ له من ثمر يثمر بالنسبة إلى المكلف ، إذ بمجرد دخول الوقت لا يترتب العقاب على تركه ، والصحة والمشروعية كانت حاصلة قبل الوقت أيضا ، وكونها شرطا لصحة الصلاة لا دخل له في دخول الوقت ، فضلا عن الوجوب ، للإجماع على صحّة الصلاة بالوضوء المندوب مثلا ، والحاصل قبل دخول الوقت ، واشتراطها للصلاة لا يفهم من هذا الخبر ، بل لا بدّ من أن يكون مفهوما من الخارج ، وكونها واجبة بالأصالة بعد دخول الوقت باطل قطعا ، ومرّ أنّ ثمرة النزاع في الوجوب للغير والوجوب للنفس تظهر في نية الوجوب والاستحباب ، فتأمّل.

ويؤيده ما ذكره العدلية في كتبهم الكلامية من أنه يشترط في استحقاق الثواب على فعل الواجب أن يوقع بوجوبه أو وجه وجوبه ، وفي المندوب أيضا كذلك.

قوله : ولم تكن النية. ( ١ : ١٨٩ ).

لا شبهة في أنّ الناوي كذلك مخطئ على أي حال ، بل وفاعل حرام لو قصد كونه كذلك شرعا أو اعتقد ، إنّما الكلام في أنّه هل يؤثّر في قبح الفعل أم لا ، فإذا سلّم أن له حقيقة فلا وجه لتأمّله في قبح وضوئه ودعوى كونه مخطئا في نيته فقط ، فتأمّل.

قوله : في غاية الجودة. ( ١ : ١٨٩ ).

جيّد في صورة نوى الذي أراده الله تعالى منه في الوقت الذي يفعله ، وكان ما أراده واحدا معينا ، وأمّا إذا كان متعدّدا متميزا وما به التمييز خصوص الوجوب والندب فقد عرفت حاله ، وكذا إذا لم يكن متعددا لكن المكلّف يزعم التعدد ونوى غير الذي أراده الله تعالى منه ، فهو بالنسبة إلى المجتهد‌


يمكن أن يكون حكما ظاهريا صحيحا بالنسبة إلى ما يزعم تحققه لا بالنسبة إلى المتحقق ، فتأمّل.

وكذا يشكل الحكم في غير المجتهد ، لأنّ خطاءه غير معذور ولا معفوّ عنه ، فتأمّل جدا.

وبالجملة : يكون ممتثلا إذا نوى الذي أراده الله تعالى وعيّنه بوجه من الوجوه ، فلا يضرّ خطاؤه في اعتقاده باتصافه بالصفة التي ليست فيه ، بل ويكون ضدّها فيه.

قوله : واحتج عليه المشترط. ( ١ : ١٨٩ ).

استدلاله ليس كذلك ، بل قال : إنّ المفهوم وجوب إيقاع الغسل والمسح لأجل الصلاة ، ولا معنى لهذا إلاّ أنّه لأجل أن يبيح له فعل الصلاة ، كما أنّ المفهوم في المثالين كذلك.

ولذا لو قال المولى لعبده : إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك ، فأخذ العبد الأهبة لا لأجل لقاء الأمير بل وصرّح العبد بأنّي لم آخذ تهيأ للقاء الأمير بل لأمر آخر لا يكون ممتثلا ومطيعا للمولى في ما أمره به ، سيما إذا صرّح العبد بأنّه لو لا الأمر الآخر ما كنت آخذ الأهبة أبدا.

وكذا الحال في قوله لعبده : أعط الحاجب درهما ليأذن لك ، إذ لم يجوّز تحصيل إذنه بغير الدرهم ، حتى يصير شرطا شرعيا ، وأمّا إذا كان مراده تحصيله كيف كان ـ والدرهم مقدمة عقلية كما هو الظاهر من القرينة ـ فلا دخل له في ما نحن فيه ، ولذا لو رضي الحاجب بغير درهم يكون العبد ممتثلا وإن لم يعط درهما أصلا ، بل ربما كان عاصيا إن اعطى.

وكذلك الحال في المثالين الآخرين لو ادعى قرينة على مراد المولى ، بأنّ مراده كون العبد مع الهبة أو السلاح حين اللقاء كيف كان ، نظير طهارة الثوب والبدن للصلاة.


وبالجملة : فرق بين أن يقال : لا بدّ من الوضوء حين الصلاة وأمثال هذه العبارة وأن يقال : اغسل وجهك للصلاة ، ولذا لم يستدل المستدل بمثل : « لا صلاة إلا بطهور » (١) مع صراحة دلالته على الاشتراط.

ومما ذكرنا يشكل ورود الإيراد الذي أورد في الذخيرة على المستدل : بأنّ غاية ما يلزم من الدليل كون الوجوب لأجل الصلاة على أن يكون الظرف قيدا للوجوب لا وجوب الوضوء لأجل الصلاة على أن يكون قيدا للوضوء. انتهى (٢).

وذلك لأنّه إن أراد الوجوب الشرطي ففيه أنّه معنى مجازي للأمر ، وإن أراد الشرعي فعلى تقدير تصحيح خلو الظرف عن الوضوء الذي هو غسل الوجه. يتم دليل المستدل أيضا ، كما ذكره ، فتأمّل جدّا.

قوله : لا يقتضي وجوب إحضار النية. ( ١ : ١٨٩ ).

فيه : أنّ الأدلة التي استدل بها على وجوب نية القربة لا تدل على وجوب إحضارها عند فعلها ، وبالجملة كون النية هي المخطر بالبال أو الداعي على الفعل كلام آخر ليس المقام مقامه ، فتأمّل.

قوله : فإنّه يكفي إعطاؤه. ( ١ : ١٨٩ ).

فيه اعتراف بأنّ وجوب الإعطاء توصلي لا شرط شرعي ، فلا وجه لتمسّكه به وجعله مماثلا لوجوب الغسل والمسح الذي هو عبارة عن وجوب الوضوء ، فتأمّل.

قوله : لعدم الأولويّة. ( ١ : ١٩١ ).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٤.


لو كان كل واحد منهما علة مستقلة للفعل وتداخل لأمكن القول بالصحة ، أما لو كان جزء العلة له وكان لو لم ينضم الآخر لما فعل لبطل كما قال ، لكن يشكل الأمر في ضم الراجح أيضا ، فإن من صام شهر رمضان بضم الحمية بحيث لو لم يكن الحمية لما صام لا يعد ممتثلا لصوم شهر رمضان ومطيعا لله تعالى في ذلك عرفا ، فتأمّل.

قوله : ومتى أخلّ بالاستدامة. ( ١ : ١٩٢ ).

لا يخفى أنّ النية على المشهور هي صورة مخطرة بالبال ، لأنها الداعية على الفعل ، فلا بدّ أن تكون موجودة في الذهن بحيث تؤثر في الإيجاد ، فلو لم تكن موجودة لا تؤثر قطعا ، فكذا لو كانت في الحافظة ، إذ حال النسيان لا تؤثر قطعا.

والذي دعاهم إلى ذلك ما عهد من حصر القوى الباطنة في الخمسة المشهورة المعهودة ، ولهذا شرطوا المقارنة للوضوء والصلاة وغيرهما ، لتحقق مفاد التلبس المستفاد من الأدلّة.

وكذا اعتبروا الاستدامة الحكمية دون الفعلية لتحقق الحرج مطلقا والتعذر في بعض الأحيان ، إذ ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، فإذا توجه إلى إحضار الصورة فكيف يتأتى أن يتوجه إلى إصدار الفعل.

والحق أنّ المؤثر غير منحصر في المخطر على ما نشاهد في وجداننا ، فإنّا كثيرا ما نفعل الأفعال الاختيارية من غير إخطار ، بل ومع غاية توغل النفس في الأفكار ، أو المكالمات والمخاصمات ، أو الصناعات والحرف ، أو المشي ، أو غير ذلك.

ولذا بعد الصلاة بلا فصل نشتغل بالأوراد والأدعية والقرآن ، سيما وكل واحد واحد مغاير للآخر غاية المغايرة نأتي بالكل من دون إخطار أصلا بالنسبة إلى كل واحد واحد ، ولا بالنسبة إلى المجموع ، بل والفكر في غاية التوغل‌


في أمور أخر ، كما هو حال صلاتنا ، مع أنّ كل واحد واحد من أفعال الصلاة يصدر عنا ، سيما مع مضادّتها وكمال مغايرتها مع الآخر. ومن البديهيات أنّ الفعل الاختياري لا يمكن صدوره من غير قصد وداع.

فالحق ما قاله الشهيد من اعتبار الاستدامة الفعلية ، لأنّ العدم لا يؤثر قطعا ، ونحن نركع ونسجد مثلا على قياس ما نقرأ الدعاء في التعقيب والأوراد من دون تفاوت أصلا ، وحكاية انحصار القوى غير مضرّة ، إذ لا شكّ في أنّ مراتب القوة الحافظة ودرجاتها متفاوتة ، فلعل أوائل الحافظة تكون بحيث تؤثر ، بل المدرك بالوجدان أنّ الأمر كذلك ، فتدبر.

قوله : وفي البناء نظر. ( ١ : ١٩٢ ).

لجواز التمسك بمجرد الاستدامة الحكمية من دون اعتبار لفعلية النية في الاستدراك ، فتأمّل.

قوله : لكن تحققه مشكل. ( ١ : ١٩٢ ).

إذ كيف يفعل البعض بقصد القربة مع عدم انضمام البعض الآخر ، وعدم اعتباره وملاحظته ، مع أنّه ليس بعبادة إلاّ بانضمامه واعتباره معه ، فتأمّل.

قوله : هو بعينه معنى الاستدامة الفعلية. ( ١ : ١٩٣ ).

فإنّه ـ ; ـ قال : مقتضى الدليل الاستدامة ، لكن لمّا تعسّر ذلك أو تعذّر اكتفى بالاستدامة الحكمية ، ثم فسرها بالبقاء على حكمها والعزم على مقتضاها ، والذي نفاه أوّلا هو الأمر الذي تعذّر أو تعسّر استدامته ، كما صرّح به ، وهو مركّب من صور متعددة مترتبة ، كل واحدة منها مخطرة بالبال ، والذي أثبته هو الأمر البسيط الإجمالي ، وهو مجرد العزم على ما قصد أوّلا.

ولعلّ مراده أنّه ليس مخطرا بالبال ، لأنّ استدامة إخطاره متعذّر أو متعسّر أيضا ، بل هو في أوائل الحافظة ، كما أشرنا ، فبين المنفي والمثبت‌


فرق من وجهين : الإجمال والتفصيل ، والمخطرية وعدمها ، بل وكون المنفي العزم على نفس العبادة ، والمثبت العزم على ما عزم به أوّلا ، فتأمّل.

واعترض عليه بأنّه لا دليل على الاستدامة الفعلية ، إذ القدر الثابت أنّ العبادة لا بدّ أن تكون متلبسة بالنية في الجملة (١).

وهذا الاعتراض في غاية السخافة ، إذ لا شبهة في أنّ مقتضى الأدلّة كون العمل بجميع أجزائه لا بدّ وأن يكون خالصا لله ، وأن يكون بالنية ، وأن يكون المكلف ممتثلا فيه.

لكن يرد عليه أنّ مقتضى الدليل إن كان مراعاة الاستدامة الفعلية ، فإذا تعذرت أو تعسرت فأيّ دليل يدل على الاكتفاء بالحكمية ومراعاتها ووجوب اعتبارها؟ إلاّ أن يقال : المرتبة الإجمالية جزء المرتبة التفصيلية ، أو يتحقق فيها ما هو جزؤها ، و « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) و « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٣) ، وهما مرويّان عن علي 7 ، وللاستصحاب ، فتأمّل.

نعم يتوجه عليه أنّه لا وجه لجعل النية خصوص المركب التفصيلي دون البسيط الإجمالي ، إذ لا دليل على وجوب التفصيل وتعين هذا الوجودي دون الوجودي الآخر ، وجعل الوجودي بدلا اضطراريّا.

واعلم أنّ بين المخطر بالبال والداعي على الفعل عموما من وجه ، إذ ربما يكون الداعي سوى ما يخطر صورته غفلة.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٥.

(٢) انظر عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ و ٢٠٧.

(٣) انظر عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ و ٢٠٧.


قوله : عبادة الذاهل. ( ١ : ١٩٣ ).

إن أراد الذهول عن صورة العزم ونقشه فليس ذلك بمقتض لبطلان عبادة هذا الذاهل قطعا ، وإن أراد عدم عزمه لفعل ما بقي لله تعالى ولم يفعل الباقي بقصد القربة والإخلاص وعزم الامتثال ، فدعوى قطعية البطلان باطلة ، سيما بملاحظة ما ذكره ابن زهرة من أنّ الفرض الثالث استمرار حكم النية إلى حين الفراغ ، وذلك بأن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها ، بالإجماع (١). انتهى.

قوله : الثالث أنّ ما ذكره. ( ١ : ١٩٣ ).

لم أفهم كلام الشهيد ـ ; ـ بأن مراده من الباقي والمؤثر ما ذا ، والاحتياج في أي شي‌ء حتى أفهم اعتراض الشارح ، وأنه وارد عليه أم لا.

والذي يظهر من كلامه أن مراده من الباقي هو أجزاء العبادة التي يريد المكلف أن يأتي بها بعد النية ، ومراده من المؤثر هو النية التي هي علة غائية في وجودها.

وهو في غاية الفساد ، لأنّ الأجزاء لم تكن موجودة ولا تكون باقية بالبديهة ، وما ادّعى أحد ولا توهم متوهم ولا يمكن أن يتوهم ، لأنّها معدومة حال النية بالبديهة ، تحدث شيئا فشيئا بعد النية وتخرج من العدم إلى الوجود ، وبعد الوجود تعدم ولم يكن لها بقاء أصلا حتى يقال : إنّها في حال الوجود يحتاج إلى المؤثر دون حال البقاء ، فتأمّل.

والأظهر أنّ مراده من الباقي أثر النية أعني الصحة. وفيه : أنّه لم يظهر بعد (٢) نفس الأثر فكيف بقاؤه ، مع أنّه ـ ; ـ اعترف بأنّ مقتضى الدليل اعتبار الاستدامة الفعلية ، وهذا يقتضي أن يكون بدونها غير‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣.

(٢) ليس في « ه‍ ».


صحيحة ، فتأمّل.

قوله : والوجه فيه صدق الامتثال. ( ١ : ١٩٣ ).

فيه تأمّل ، لأنّ مقتضى الدليل أنّ كلا من [ الأحداث ] (١) علّة مستقلة ، وأهل العرف لا يفهمون من مثل هذا كون المعلول واحدا إذا وقع عقيب علل متعددة حتى يحكم بتحقق الامتثال عندهم ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ الظاهر عندهم التعدد إلاّ أن يصرح الآمر بكفاية الواحد ، وإن شئت معرفة صدق ما قلناه بدّل الحدث والوضوء بأمر عرفي ثم تأمّل.

نعم ، المتشرعة يفهمون كما ذكره ، بل ويوجبون كون الوضوء واحدا ولا يرضون بالوضوء لكل حدث على حدة ، وليس ذلك إلاّ من وقوع الإجماع كذلك ، بخلاف الغسل كما سنذكر ، مع أن مفهوم العبارة بحسب العرف في الوضوء والغسل واحد ، بل وغيرهما من الأمور التي لا تأمل لأحد في ظهور التعدد ، فتأمّل.

قوله : إلى صدق الامتثال. ( ١ : ١٩٤ ).

فيه ـ مضافا إلى ما سبق ـ : أن التداخل عبارة عن صيرورة شي‌ء أو أشياء شيئا واحدا ، أو كفاية شي‌ء عن شيئين أو عن أشياء ، ولا شك في كون هذا خلاف الأصل ، فلا يمكن أن يقال به إلاّ بدليل ، وصدق الامتثال العرفي كيف يجوز أن يصير دليلا؟ لأن أهل العرف كيف يمكنهم أن يحكموا بصيرورة شيئين شرعيين شيئا واحدا وكفاية واحد شرعي عن متعدد شرعي؟! إلاّ أن يريد من التداخل كون المكلف به شيئا واحدا لا تعدد فيه أصلا وإن كانت أسبابه متعددة ، لأنها من قبيل الأمارات والمعرّفات ، لكن قد عرفت أن الظاهر من الأدلة تعدد المسببات وإن كانت من قبيل المعرفات‌

__________________

(١) في النسخ : الحدث ، والأنسب ما أثبتناه.


يجوز اجتماعها على معلول واحد ، لأن الجواز لا كلام فيه ، وإنما الكلام في الظهور ، إذ لا نسلم الظهور في الواحد بل ندعي الظهور في التعدد كما مر.

بل الأخبار التي يستدل بها هاهنا أيضا ظاهرة في التعدد ، حيث قال : « إذا اجتمعت عليك حقوق » فإن الحقوق ظاهر بل صريح في التعدد ، وكذا قوله 7 : « أجزأك عنها » لأنه صريح في الكفاية عن المتعدد ، لا أنه لا تعدد أصلا ، فإن حجة الإسلام مثلا تكليف واحد لا يمكن أن يقال يجزئ عن حجتين للإسلام أو ثلاث حجج ، إذ لا تعدد في حجة الإسلام أصلا.

وأيضا : غسل الجنابة له ثواب خاص ، وهو من الفرائض ويرفع الحدث الأكبر والأصغر قطعا ولا يجوز معه الوضوء ، وغسل مس الميت له ثواب خاص ، ووجوبه من السنة ، وغير معلوم أنه يرفع الحدث الأصغر ، بل الشارح ـ ; ـ ادعى أن مسّ الميت ليس بحدث أصلا (١) ، ومع ذلك يجوز معه الوضوء ، بل ويجب الوضوء مع غسل الحيض ومعه أيضا.

فكيف يمكن أن يقال : جميع الأغسال الواجبة شخص واحد لا تعدد فيه أصلا ، وأنّ المكلف لا يثاب إلا بثواب شخص واحد؟ إذ لا شك في بطلانه إذ مع التداخل أيضا يثاب المكلف بثواب الأغسال التي كانت عليه.

ودعوى اتحاد الأغسال المستحبة أظهر فسادا منها ، وأظهر فسادا منهما دعوى اتحاد الواجب والمستحب سيما الواجبات والمستحبات.

وهذا أيضا ينافي استشكاله في صورتي التعيين وتفريقه بين صورتي التعيين وبين غيرهما ، بل يلزم منه عدم التفاوت أصلا بين من قصد امتثال جميع الأغسال وبين من لم يقصد امتثال الجميع ومن قصد عدم الامتثال بالنسبة إلى بعضها ، بل ومن بنى على العصيان بالنسبة إلى البعض ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر مدارك الأحكام ١ : ١٦.


قوله : والأظهر التداخل. ( ١ : ١٩٤ ).

الامتثال إذا تحقق في عبادة اقتضى استحقاق ثوابها والاستئهال له ، فإذا لم يكن مقصود المكلف الإتيان بتلك العبادة أصلا ولم يرد إطاعة الله فيها مطلقا بل وربما أعرض عنها صفحا كيف يكون مستحقا لثوابها؟ بل قد مرّ أن الامتثال في العبادات يتوقف على قصد التعيين والإطاعة ، وغير العبادة لا يتوقف ، ومن جملته الواجبات الشرطية التي ليست بعبادة ، وبعض الأغسال وإن كان شرطا للعبادة إلاّ أنه في نفسه عبادة.

فعلى هذا نقول : الغسل من حيث هو هو ليس بمستحب ، بل إنما استحب لفعل خاص أو زمان خاص أو مكان خاص عيّنه الشارع ، فلو لم يقصد سوى الغسل من حيث هو هو كيف يكون آتيا بالمستحب؟.

اللهمّ إلاّ أن ينوي الغسل الذي أراده الشارع أي بهذا العنوان ، وهذا على صور ثلاث : قصد العموم ، والخصوص ، ولا هذا ولا ذاك ، والأولى صحيحة مجزية للامتثال ، ومثلها قصد التداخل شرعا ، والثانية صحيحة بالنسبة إلى الخاص المعين دون غيره ، لعدم إرادة إتيانه وامتثاله ، أو لإرادة عدم إتيانه وإطاعته ، والثالثة صحتها لا تخلو عن الإشكال ، لاشتراط قصد التعيين في الامتثال ، كما قلنا.

ثم إن استحباب الغسل لفعل أو زمان أو مكان ورد في الأخبار على صورتين : الأولى : الأمر بفعله له ، وهذه حكمها مر. والثانية : افعل ذلك الفعل وأنت على غسل ، أو ذلك الفعل شرطه أن يكون مع الغسل ، وأمثال هذين ، وهذه يتحقق الامتثال فيها بتحقق الفعل مع الغسل مطلقا ، سواء قصد حين الاغتسال أم لا.

نعم ، لا بدّ أن يكون الغسل في نفسه متحققا بإحدى الصور الصحيحة التي أشرنا إليها ، مضافا إلى أن فاعل ذلك لا بدّ أن يكون عالما‌


بالمسألة وعالما بأنه على غسل ، على الرأي المشهور من عدم صحة عبادة الجاهل وإن وافقت الواقع ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله ، وقس على الفعل حال الزمان والمكان ، وعلى الأغسال المستحبة الأغسال الواجبة ، أو التي بعضها واجب وبعضها مستحب.

فإن قلت : الإمام 7 لم يتوجه في الأخبار الدالة على التداخل إلى قصد التعيين مطلقا.

قلت : لم يتوجه في تكليف من التكاليف إليه ولا إلى قصد الامتثال والقربة ، فالدليل المقتضي لاعتبارهما يشمل ما نحن فيه ، فتأمّل.

ثم اعلم أن ما ذكرناه إنما هو بالقياس إلى حصول الثواب ، وأما استباحة الفعل المشروط بالغسل ، فهي حاصلة وإن لم يقصد إلاّ رفع بعض الأحداث ، بناء على أن الحدث معنى واحد ، بل وإن لم يقصد الرفع ولا الاستباحة ، بناء على عدم وجوب قصدهما ، ويظهر ذلك من الأخبار ، مثل مرسلة جميل (١) وما رواه ( الصدوق في ) (٢) الفقيه (٣) وغيرهما ، وفي دلالة المرسلة إشكال ، وإذا قصد رفع بعض وعدم رفع بعض فمشكل صحة مثله.

ثم اعلم أيضا أن المطابق لقواعدهم أنه إن قصد الجنابة لا يتوضأ مع الغسل ، وإن قصد الحيض يتوضأ ، وإن قصدهما لا يتوضأ ، والأحوط والأولى قصد الجميع ، إلاّ أن يكون غافلا أو جاهلا ويكون بحيث لو لم يكن غافلا أو جاهلا لأتى بما غفل عنه أو جهله ، فلا يبعد أن يقال : إنه تعالى يعطيه ثوابه أيضا ، ويكون داخلا في التداخل ، فتأمّل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٢٦٣ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ج » و « د » : في الكافي و.

(٣) الفقيه ١ : ٤٤ / ١٧٣ ، و: ٩٣ / ٢٥.


قوله : وقد ذكر في أوّل الكتاب. ( ١ : ١٩٧ ).

لا يخفى أنّ الحديث الغير الصحيح ليس بحجة عند الشارح وإن انجبر بفتوى الأصحاب ، ويقول : فتاويهم إن وصلت إلى حدّ الإجماع فهي حجة ولا حاجة إلى الخبر (١) ، وإلا فلا فائدة. فكيف يكتفي بفتوى واحد منهم ، فإذا اجتمع فتاوى سائر الفقهاء مع فتواه يخرج عن الاعتداد جميعها ، وإن انفرد فتواه ولم يوافقه سائر الفقهاء يصير حجة ومفيدا؟! وهذا من العجائب.

( مع أن انجبار الحديث بفتاوى الأصحاب أمر ظاهر ، لأنه نوع من التبين المأمور به في الآية بالنسبة إلى خبر الفاسق ، بل أقوى أنواعه ، بل به يتبين حقية خبره ، لأن التبيّن تجسّس الأمر إلى ظهور الحال ، مع أن الظن كما يكفي في العدالة المعتبرة كذا يكفي في التبين ، لاتحاد الحال ووحدة المقتضي والمانع فيهما ) (٢).

( هذا مع أن البقاء على الجنابة عمدا غير مضر عند الصدوق (٣) ، وأما باقي الفقهاء فلا يضر عندهم البقاء على الجنابة نسيانا ، بل المضر هو البقاء عمدا ) (٤).

قوله : إن زاد عليه. ( ١ : ١٩٧ ).

أي بغير قصد التشريع.

قوله : وإن نقص منه أثم. ( ١ : ١٩٧ ).

اي وإن كان باطلا أيضا.

__________________

(١) في « ج » و « د » : الجبر.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) انظر المقنع : ٦٠ ، وفي « و » و « ه‍ » زيادة : على ما مضى.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ا ».


قوله : أنه لا إجمال. ( ١ : ٢٠٠ ).

لم يرد أنه بيان للغسل ، بل أراد أنه بيان للوضوء ، ولا شك في أنه مجمل في أعلى درجات الإجمال ، لأنه عبادة توقيفية ، ووظيفة الشارع بيانها ، لأنها كيفية استحدثها الشارع.

إلا أن يدعي الشارح أنه لم يقع التكليف بالوضوء إلاّ من قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ ). وإن ثبت بعض الأجزاء الأخر وبعض واجباته من دليل آخر ، مثل الترتيب والموالاة وغيرهما. لكن هذا محل نظر ، لأنّ الوضوء كان واجبا قبل نزول هذه الآية في أول بعثته 6 ، والآية نزلت في آخر عمره 6 ، فلا يمكن أن يدعى أن هذه الآية بيان للوضوء. مع أن البيان يستوفي جميع ما هو جزء وداخل في الكيفية ، والآية ليست كذلك.

وأيضا زرارة ونظراؤه كانوا من الفقهاء والعارفين بمدلول عبارات الآية ، فلو كان الأمر على ما ذكرت فلم كانوا يسألون عن وضوء رسول الله 6 دون أمير المؤمنين أو غيره من الأئمة : ، ولم أجيبوا بالإتيان بجميع الواجبات دون المستحبات مثل المضمضة والاستنشاق وغيرهما؟! فتأمّل.

ومما ذكر ظهر أنّه يمكن الاستدلال على الوجوب أيضا بتوقف حصول الامتثال العرفي على الغسل من الأعلى ، وبأن شغل الذمة يقيني وهو مستصحب حتى يثبت خلافه وهو البراءة ، ولقوله 7 : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله » (١) وقوله 7 « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٢).

__________________

(١) ورد مؤداه في التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) جوامع الجامع ١ : ١٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٦٧ أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٤٣.


ويمكن الاستدلال أيضا بأنه ثبت وجوب البدأة من الأعلى في اليد ، كما ستعرف ، فكذا الوجه ، لعدم القول بالفصل ، ويؤيده الشهرة العظيمة ، بل ربما صار شعارا للشيعة ، كما أنّ المنكوس صار شعارا للعامّة ، فربما يشمله العمومات الدالة على الأخذ بما خالفهم ، وأن الرشد في خلافهم ، وغير ذلك ، فتأمّل.

قوله : مع أن أكثر الأخبار. ( ١ : ٢٠٠ ).

لا يخفى أن عدم الذكر في بعضها لا يعارض الذكر في بعضها ، وإن أراد أن هذا مشعر بعدم فهم راوي البعض الوجوب أو كونه أمرا لا يهم به ففيه أيضا نظر ، لأن المقامات مختلفة.

قوله : فمرسل. ( ١ : ٢٠٠ ).

لكن نقله الصدوق في الفقيه مع أنه قال في أوّل الفقيه ما قال ، وربما يظهر من الشارح الاعتماد عليه ، منه ما مرّ في بحث التداخل في الأغسال (١) ، مع أن موافقته لما اشتهر بين الأصحاب يكفي لانجباره ، فتأمّل.

قوله : والمستند في ذلك. ( ١ : ٢٠٢ ).

فيه : أن الغرفة الواحدة تجزي للغسل في غسل الرأس فكيف لا تجزئ في الوضوء؟! والأولى الاستدلال عوض هذا بصدق الامتثال العرفي ، وأصالة عدم زيادة التكليف.

وفي كشف الغمة في ما كتب الكاظم 7 إلى علي بن يقطين اتقاء : « اغسل وجهك وخلل شعر لحيتك. » ، ثم كتب إليه : « توضأ كما أمر الله : اغسل وجهك مرة فريضة واخرى إسباغا » إلى أن قال : « فقد زال ما‌

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٧.


كنا نخاف عليك » (١) ، ولم يتعرض في هذه المرتبة إلى تخليل الشعر ، وفيه شهادة على كونه من بدع العامة.

قوله : نظرا إلى أن المواجهة. ( ١ : ٢٠٣ ).

لم أفهم هذا ولا اعتراض الشارح ، فتأمّل.

قوله : وأيديكم إلى المرافق. ( ١ : ٢٠٣ ).

ذكر الشيخ في الخلاف أنه ثبت عن أهل البيت أن « إلى » بمعنى « مع » هنا (٢).

قوله : وهو مذهب أهل البيت. ( ١ : ٢٠٤ ).

ويظهر من العلامة في المنتهى أن وجوب غسله بالأصالة إجماعي عند الشيعة ، وما نقله الشارح من المنتهى خلاف ما في المنتهى (٣) ، فلاحظ.

قوله : توفيقا بين الآية والأخبار. ( ١ : ٢٠٤ ).

في كشف الغمة عن الكاظم 7 : « الوضوء كما أمر الله تعالى : اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا ويديك من المرفقين كذلك » (٤) الحديث ، وورد أيضا أن الآية هكذا ، أي من المرافق (٥) ، وضعف السند غير مضر بعد عمل الأصحاب بمضمونه ، مع أن ما في كشف الغمة لا تأمّل في صحته ، فتأمّل.

قوله : للأصل. ( ١ : ٢٠٥ ).

__________________

(١) إرشاد المفيد ٢ : ٢٢٧ ، كشف الغمة ٢ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٤٤٤ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

(٢) الخلاف ١ : ٧٨.

(٣) قال في المنتهى ( ١ : ٥٨ ) : يجب غسل اليدين بالإجماع والنص ، وأكثر أهل العلم على وجوب إدخال المرفقين في الغسل ، خلافا لبعض أصحاب مالك ، وابن داود ، وزفر.

(٤) كشف الغمة ٢ : ٢٢٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨ / ٥ ، الوسائل ١ : ٤٠٥ أبواب الوضوء ب ١٩ ح ١.


لعل مراده من الأصل القاعدة الناشئة من قوله 6 : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (١) ، وقول علي 7 : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، وقوله : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٣).

ورواية رفاعة مع عدم الصحة لا دلالة لها على ما نحن فيه ، بل ظاهرها أن من قطعت يده من المفصل أو رجله من الكعب يغسل موضع القطع ، وهو مذهب الشافعي ، ولعله للتقية قال : يغسل ذلك المكان. مع احتمال أنه 7 ما أجاب عن المسح بل بنى الأمر على المعلومية بالمقايسة.

وأما رواية ابن مسلم فمع الضعف قال : « يغسلهما » ، وهو في غاية الوضوح في وجوب غسل موضع المسح ، ففي الاستدلال به إشكال واضح ، وإن كان الضعف منجبرا بعمل الأصحاب ، فالدليل في الحقيقة هو الإجماع ، والاستصحاب والقاعدة.

قوله : وهو حسن. ( ١ : ٢٠٦ ).

لعل تحسينه بناء على عدم ظهور الوجوب ، وفيه تأمّل ، وإنما قلنا ذلك لبعد ذلك من طريقة الشارح.

وبالجملة : لا تأمّل في أن الاحتياط غسله ، بل يشكل الاكتفاء بغير غسله.

قوله : وفي الثالث إلى قوله : يسقط غسله. ( ١ : ٢٠٦ ).

هذا على تفسيره المرفق بما فسره مشكل ، ولعل حكم المصنف بسقوط فرض غسلها بناء على هذا.

نعم ، لا إشكال فيه على التفسير الآخر ، وهو أنه العظمان المتداخلان ، فظاهر أن المراد رأسهما ، فإذا ذهب أحدهما وجب غسل‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧.


الآخر ، لما ذكر في غسل بعض يد الأقطع.

قوله : لأنه كالجزء من اليد. ( ١ : ٢٠٦ ).

لعل مراده أنّ تحت هذه الأشياء أجزاء من اليد يجب غسل ظواهرها ، وظاهرها صارت الآن ظواهر هذه الأشياء.

قوله : لم يجب غسلها قطعا. ( ١ : ٢٠٧ ).

لأن ما أمر الله بوجوب غسله من الأيدي هو الذي يكون له مرفق ، ووجوب غسل اليد الأصلية وان لم يكن لها مرفق إنما هو بالإجماع ، فتأمّل.

قوله : احتج العلامة في المختلف. ( ١ : ٢٠٨ ).

وفي الكشي ، في ترجمة حريز بن عبد الله ـ في الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن ـ قال : قلت لحريز يوما : يا أبا عبد الله كم يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوئك؟ قال : بقدر ثلاث أصابع ، وأومأ بالسبابة والوسطى والثالثة (١).

قوله : واحتجوا عليه. ( ١ : ٢١٠ ).

الحديث في الكافي في باب علة الأذان حديث صحيح طويل في آخره : « ثم أوحى الله تعالى إليّ : يا محمّد ، ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك ، فدنى رسول الله 6 من صاد ، وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن » إلى أن قال : « ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ، ورجليك إلى كعبيك » (٢).

وفي كشف الغمة أن الكاظم 7 كتب إلى علي بن يقطين :

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٢٧ / ٦١٦ ، المستدرك ١ : ٣١٦ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥.


« توضأ ثلاثا ثلاثا » ، ثم كتب إليه : « توضأ كما أمر الله ، اغسل وجهك واحدة فريضة واخرى إسباغا ، وكذلك المرفقين ، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف عليك » (١).

وفيه أيضا عنه 7 : أنّه كتب إليه أن أصحابنا اختلفوا في مسح الرجل ، بعضهم روى أنه من الأصابع إلى الكعب ، وبعضهم روى بالعكس ، فكتب 7 إليه : « توضأ كما أمر الله ، اغسل وجهك مرة فريضة واخرى إسباغا ، ويديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك بنداوة وضوئك » (٢).

وفي الفقه الرضوي : « وروي أن جبرئيل 7 هبط إلى رسول الله 6 بغسلتين ومسحتين : غسل الوجه والذراعين بكف كف ، ومسح الرأس والرجلين بفضل النداوة التي بقيت في يديك من وضوئك » (٣).

وتدل على ذلك أيضا رواية مالك بن أعين عن الصادق 7 : « من نسي مسح رأسه ثم ذكر ، إن كان في لحيته بلل فليأخذ ويمسح به ، وإلاّ فلينصرف وليعد الوضوء » (٤) إذ الظاهر منها أنه لو لم يكن بلل يأخذ ويمسح به يعيد الوضوء ، أعم من أن لا يكون بلل أصلا ، أو يكون لكن ليس بحيث يؤخذ ويمسح به الرأس والرجلان.

وتدل عليه أيضا مرسلة خلف بن حماد عن الصادق 7 :

__________________

(١) راجع ص ٢٦١.

(٢) راجع ص ٢٦١.

(٣) فقه الرضا : ٨٠ ، المستدرك ١ : ٣٠٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠١ / ٧٨٨ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٧ ، بتفاوت في العبارة.


الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة ، قال : « إن كان في لحيته بلل فليمسح به » قلت : فإن لم يكن له لحيته ، قال : « يمسح من حاجبيه ، أو من أشفار عينيه » (١) فإن الظاهر منها انحصار وجوب المسح ببقية البلل ، والظاهر منها أنه لو لم يكن بلل يعيد ، فلا ينفعه هذا الوضوء ، فلو جاز المسح بالجديد لنبّه 7 على ذلك.

وتدل عليه أيضا رواية زرارة القوية عن الصادق 7 في نسيان مسح الرأس : أنه إن كان في لحيته بلل فليفعل (٢).

ورواية أبي بصير عنه 7 في ذلك : أنه 7 أمر بالمسح من بلّة لحيته (٣).

وما رواه في الفقيه مرسلا عنه 7 (٤) ، وهي صريحة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : إذ من الجائز. ( ١ : ٢١٠ ).

لعلّه لا يخلو عن بعد ذكرنا وجهه في حاشيتنا على الذخيرة ، فليلاحظ ، مضافا إلى أن العبادات توقيفية لا يمكن الاكتفاء فيها بليت ولعل ، بل لا بدّ فيها من الاقتصار على المنقول من فعله ، كما سيصرح به الشارح مرارا. مع أن البيان القولي مفقود ، كما عرفت ، فانحصر في الفعلي. مع أن جميع المواضع التي اعترف الشارح بوجوب الاقتصار فيها على المنقول من‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٩ / ١٦٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ / ١٧٥ ، الوسائل ١ : ٤٠٧ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٨٩ / ٢٣٥ ، الوسائل ١ : ٤٠٨ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٥ ، الوسائل ١ : ٤١٠ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٨.


فعله وردت فيها إطلاقات ، مثل « كبّر » في تكبيرة الإحرام ، وغير ذلك.

قوله : فإن الجملة الخبرية. ( ١ : ٢١١ ).

فيه نظر ، لأن الظاهر أن قوله : « وتمسح » عطف على « ثلاث غرفات » ومثل هذا العطف شائع. وكونه أمرا عطفا على الخبر بعيد ، كما لا يخفى ، وكذا كون الواو للاستئناف. مع أنه يلزم أن يكون من واجبات الوضوء المسح ببقية بلة اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولم يظهر فتاويلهم بذلك ، سيما الشارح لكن تقدير « أن » مخالف للأصل ، وكذا كون الواو بمعنى « مع » وعطفا فاسد ، ومع قطع النظر عن المعية يفسد المعنى ، لأن قوله : « فقد يجزيك » متفرع على كون الله وترا يحب الوتر ، وكون المسح ببقية البلة كيف يتفرع على كون الله وترا يحب الوتر ، مع أن الإجزاء يستعمل في أقل الواجب ، ويشعر بأن غيره أولى ، وليس كذلك عند ابن الجنيد ، بل ظاهر كلامه كون الأمر بالعكس ، فتأمّل ) (١).

قوله : إنهم معترفون بصحة. ( ١ : ٢١٢ ).

ويمكن أن يكون مراد المعصوم 7 من إشارته أن لا يسأل الراوي أمثال هذه السؤالات ، لكون المقام مقام التقية ، فلم يتفطن الراوي ، وتوهم أن المراد النهي عن المسح ببقية البلل ، فسأل ثانيا ما سأل فأجاب 7 : « نعم » ، لكونه مناسبا لمذهبهم ، فتأمّل.

قوله (٢) : للأصل. ( ١ : ٢١٢ ).

الأصل لا يجري في ماهية العبادات ، لكونها توقيفية موقوفة على النص لا على الأصول والأدلة ، وهو ظاهر ، وحققناه في الفوائد الحائرية (٣) ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) هذه الحاشية والتي بعدها ليست في « ا ».

(٣) مخطوطة.


والإطلاقات تنصرف إلى المتبادر الشائع الغالب المطابق لأصل العدم.

مع أن الأمر إنما هو بالمسح ببقية البلل ، والمتبادر البقية خاصة لا ممزوجة ، كقول المولى : ائتني بالعسل ، فالمتبادر منه غير الممزوج بالخل أو غيره ، فلا يتحقق الامتثال بالسكنجبين ، فلذا لو مزج ماء الوضوء بالماء الجديد لا يكون ممتثلا بلا تأمّل ، ولو تحقق به الامتثال لصح مسح العامة لأنهم يصبون على أيديهم الماء الجديد ، وأيديهم لا تنفك عن ماء الوضوء ، وإن كان الغالب الماء الجديد ، بل هذا أولى مما ذكره من المسح على الرجلين وهو في الماء.

قوله : وفيه منع. ( ١ : ٢١٣ ).

مرادهما أن المسح بالممزوج بالماء الجديد ، وبقية البلل غير الممزوج مع الجديد ، لأن المركب من الداخل والخارج خارج ، كالعسل والسكنجبين ، وبقية البلل غير الممزوج من البقية والجديد ، وفرق بين المسح ببقية البلل والمسح بشي‌ء فيه بقية البلل.

هذا ، ويحتمل أن يكون مرادهما أنه يصدق عليه المسح بماء جديد كما يصدق عليه المسح بالبقية من غير ترجيح ، فالحكم بأنه مسح بالبقية وليس مسحا بالماء الجديد تحكم ، بل المركب من الداخل والخارج خارج ، ومسح العامة كذلك.

قوله : وهو حسن. ( ١ : ٢١٣ ).

والأحوط الاجتناب مطلقا ، إلاّ أن يكون مجرد نداوة لا يتحقق الامتزاج بسببها ( لأن الغلبة تفيد الصدق المجازي ، إلاّ أنّ مراده الاستهلاك ، لتحقق الصدق الحقيقي العرفي ) (١) فتأمل.

__________________

(١) ما بين القوسين لا يوجد في « ا ».


قوله : غير واضح. ( ١ : ٢١٣ ).

لا يخلو عن إشكال ، لأن مجرد الغمس يتحقق بسببه الغسل من غير توقف على الخروج ، بل والبقاء بعده آنا ما ، فربما يصدق عرفا أنه مسح بماء غير ماء الغسل ، فتأمّل.

قوله : والتعليق. ( ١ : ٢١٣ ).

ظاهر التعليق عدم كونه لأجل الخروج مخرج الغالب ، كما اقتضاه دليلهم وطريقتهم ، مع أنه لا معنى للخروج مخرج الغالب في المقام إذا كان الأخذ مطلقا جائزا ، والرخصة من الشرع حاصلة كذلك ، فتأمّل جدا.

قوله (١) : مخرج الغالب. ( ١ : ٢١٣ ).

هؤلاء ليس عادتهم نقل متون الأخبار ، بل التحقيق والإفتاء بما حققوا ، فلو كان الظاهر عليهم عدم اشتراط الجفاف لصرحوا بذلك وأفتوا كذلك ، لا أن تكون عبارتهم صريحة في الاشتراط ، سيما في العبادات التوقيفية ، لتوقفها على بيان الشارع ، فإن كان بيانه بما ذكره من الأدلة على وجوب كون المسح ببقية البلة لتعين وجوب كون المسح بخصوص ما بقي في اليد لا غير ، وما دل على الأخذ من مثل اللحية مشروط بالجفاف ، فلا وجه لما ذكره من الخروج مخرج الغالب ، وكذلك الحال في أكثر ما ذكرنا من الأخبار ، نعم في نادر منها المسح بنداوة الوضوء ، وكيف يغلب الغالب مع كونه مطلقا والغالب مقيدا.

على أنه كما يجوز ما ذكره كذا يجوز ما ذكرنا ، ومجرد الاحتمال لا يكفي في بيان ماهية العبادة ، فكيف تحكم بما ذكرت في عبارات الأصحاب مع ما عرفت من الأدلة والأخبار أيضا.

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ا ».


قوله : لا بأس. ( ١ : ٢١٤ ).

ربما تكون هذه الرواية متحدة مع الرواية الآتية في مسح الرجلين عن حماد بن عثمان (١) ، فتأمّل جدا.

قوله : وهو ضعيف. ( ١ : ٢١٤ ).

فيه : أنّ حال المقام حال وجوب البدأة بالأعلى والمرفق في الغسل وأنه لا ضعف أصلا في ما ذكراه ، لأنّ الامتثال هو الإتيان بما أمر به ولا يتحقق إلاّ أن يعلم أنه أتى به ، وللاستصحاب ، وقولهم : : لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله (٢) ، وغير ذلك ، والعلم لا يتحقق في موضع الخلاف ، ومعلوم بالضرورة أنه لا يوجد نص يبين مجموع ماهية الوضوء ، وماهية العبادة توقيفية ، وكون ماهية المسح معلومة لا يكفي لمعلومية ماهية الوضوء ، كما أنّ معلومية ماهية الغسل لا يكفي ، ومن قال بوجوب البدأة لا يقول بأنه داخل في ماهية الغسل والمسح ، بل يقول : داخل في الوضوء ، كالترتيب وغيره ، والتمسك بأصل العدم موقوف على حجية الاستصحاب ، لأنه نوع منه ، والشارح لا يقول به. ومع ذلك جريانه في ماهية العبادات خلاف ما حقق في محله.

قوله (٣) : لا نفس الخلاف. ( ١ : ٢١٤ ).

نعم ، الخلاف يورث شبهة ، والتجنب عن الشبهة مستحب ، وارتكابها مرجوح.

قوله : والأظهر. ( ١ : ٢١٥ ).

فيه إشكال يظهر على من لاحظ الأخبار ، وكلام الأصحاب ، والنزاع‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٢٢١.

(٢) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ ، بتفاوت.

(٣) هذه الحاشية أثبتناها من « ه‍ ».


العظيم الذي بينهم وبين العامة.

ويظهر من بعض الأخبار أن من غسل رجله وأضمر أنه مفروض لم يقبل وضوؤه (١) ، يظهر منه فساد وضوئه لو قصد وجوب الغسل ، ويظهر من مفهومه أنه لو قصد أن الغسل غير واجب وتحقق المسح يكون وضوؤه صحيحا.

وهذا يصحح التعليل الذي ذكره الشهيد ـ ; ـ أخيرا ، مع صحته في نفسه ، لأن الأعمال بالنيات ، فإذا لم يكن الغسل مقصودا بل يكون المقصود هو المسح فلا مانع من الصحة ، كما إذا مسح ببقية النداوة القليلة الغير الجارية أصلا إلاّ أنه يمطر على الموضع مطر أو يصل ماء من الخارج من غير أن يقصد الإيصال والإجراء على الموضع.

كما أن المسح في الغالب يدخل في غسل الأعضاء ، للاستعانة في الجريان من غير قصد كونه معتبرا (٢) أو داخلا في الوضوء وجزءا منه ، فلو نوى المكلف كونه جزءا ، بأن المطلوب في غسل الوجه ـ مثلا ـ الغسل والمسح معا أثم ، وإن نوى أن المطلوب هو الغسل خاصة امتثل ، فتأمّل جدا.

فهذا يؤكد التباين ويصححه لا العموم من وجه ، فتأمّل.

قوله : ونقل عليه المرتضى. ( ١ : ٢١٦ ).

وهكذا نقل الإجماع الشيخ الطبرسي (٣) وابن زهرة (٤) ، وأسند ذلك ابن‌

__________________

(١) انظر الكافي ٣ : ٣١ / ٨ ، التهذيب ١ : ٦٥ / ١٨٦ ، الوسائل ١ : ٤٢٠ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١٢.

(٢) في « ه‍ » : معتبرا في غسل الأعضاء وداخلا.

(٣) مجمع البيان : ٢ : ١٦٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣.


الأثير إلى الشيعة (١) ، وكذا غيره من العامة (٢) ، والعلامة ـ ; ـ أيضا في المنتهى فسّره كذلك ناقلا اتفاق الأصحاب عليه (٣).

قوله : والظاهر أنه ;. ( ١ : ٢١٧ ).

لا يخفى بعده ، بل الظاهر أنه فهم منه ما نسبه إلى فقهاء أهل البيت : ، لا ما يخالف مذهبهم ، كما أنّ الشيخ ـ ; ـ أيضا فهم كذلك (٤) ، وكذا الشهيد في الذكرى (٥) ، وقال ابن أبي جمهور في كتاب الغوالي عند ذكر هذا الحديث : وهذا يدل على أن الكعب هو مفصل القدم الذي عند وسطه في قبة القدم (٦). انتهى.

بل وربما كان غيرهم أيضا فهم كذلك. والذي يشهد على صحة فهمهم أن قول الراويين : دون عظم الساق ، بعد قولهما : يعني المفصل ، شاهد واضح على أن المراد من المفصل ليس المفصل بين الساق والقدم إذ عظم الساق متصل بنفس القدم من غير أن يكون بينهما واسطة وحيلولة وامتداد ، فمفصل العظم وسطحه المتصل بالقدم ليس بينهما مغايرة وتفاوت بحيث يكون الإشارة إلى أحدهما دون الإشارة إلى الآخر في مثل المقام حتى يقول : الكعب ليس سطح العظم بل مفصل ذلك السطح عن القدم ، مع أنه إذا بلغ المسح إلى المفصل فقد بلغ إلى عظم الساق قطعا ، والمطلوب أن حد المسح إلى أين؟.

__________________

(١) النهاية ٤ : ١٨٧.

(٢) كالفيومي في المصباح المنير : ٥٣٥.

(٣) المنتهى ١ : ٦٤.

(٤) انظر الخلاف ١ : ٩٢.

(٥) الذكرى : ٨٨.

(٦) عوالي اللآلي ٢ : ١٩٦.


ومما يشهد على ما ذكرناه أيضا أن في الكافي بعد هذا الكلام قال 7 : « والكعب أسفل من ذلك » قال هذا عقيب قوله : « هذا عظم الساق » (١) جوابا عن سؤالهما عنه ، فعلى هذا لعل مرادهما من المفصل المفصل الشرعي الذي منه يقطع السارق.

وروى الشيخ في التهذيب والكليني في الكافي بسندهما عن سماعة عن الصادق 7 : « إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم» (٢).

وفي الفقيه بسنده الصحيح عن زرارة عن الباقر 7 قال : « كان أمير المؤمنين 7 إذا قطع اليد قطعها دون المفصل ، وإذا قطع الرجل قطعها من الكعب » (٣).

وفي الكافي ، والفقيه ، والتهذيب بسندهم عن الصادق 7 : قلت له أخبرني إلى أن قال : وكيف يقوم وقد قطعت رجليه؟ فقال 7 : « إن القطع ليس من حيث رأيت ، إنما يقطع الرجل من الكعب ، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه يصلي ويعبد الله » (٤) الحديث.

وفي الفقه الرضوي : « يقطع من المفصل ويترك العقب يطأ عليه » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥ / ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٢٢٣ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ / ٤٠٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٢ أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٣.

(٣) الفقيه ٤ : ٤٦ / ١٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٨.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٥ / ١٧ ، الفقيه ٤ : ٤٩ / ١٧١ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ / ٤٠١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٧ أبواب حد السرقة ب ٥ ح ٨.

(٥) لم نعثر عليه في الفقه الرضوي ، ورواه في البحار ٧٦ : ١٩٢ عن نوادر الحسين بن سعيد عن أبي عبد الله 7.


وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : القطع عندنا في الرجل من معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ويترك ما يمشي عليه ، وعندهم المفصل الذي بين الساق والقدم (١).

وقال المرتضى : يقطع من صدر القدم ويبقى له العقب ، وخالف باقي الفقهاء (٢).

وقال أبو الصلاح : يقطع مشط رجله من المفصل دون مؤخر القدم والعقب (٣).

وقال ابن حمزة : من الناتئ في ظهر القدم ويترك العقب (٤).

ويظهر من الشيخ في الاستبصار أيضا عدم الخلاف في هذه المسألة (٥) أي مسألة قطع الرجل ، وكذا يظهر من غير واحد من المتأخرين ، فما يظهر من الشيخ وشيخه المفيد ـ رحمهما الله ـ في بعض كتبهما (٦) من أنه يقطع من أصل الساق ويترك العقب لعله محمول على ما يوافق ما ذكرناه ، فتأمّل.

وحكي عن صدر الأفاضل من العامة : الكعب في رواية هشام ، عن محمّد هو المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك (٧).

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٣٥ ، الخلاف ٢ : ٤٦٩.

(٢) الانتصار : ٢٦٢.

(٣) الكافي في الفقه : ٤١١.

(٤) الوسيلة : ٤٢٠.

(٥) لأنّه ألّف الاستبصار في ما اختلف من الأخبار ، ولم يذكرها فيه.

(٦) الشيخ في النهاية : ٧١٧ ، والمفيد في المقنعة : ٨٠٢.

(٧) انظر الذخيرة : ٣٢.


وربما يؤكد ما ذكرناه الإجماعات التي ذكرها الشارح ـ ; ـ وذكرناها أيضا ، وكذا اتفاق سائر أحاديث أهل البيت على ما يظهر منه أنه العظم الناتئ في وسط القدم ، والتأويلان الآتيان عن الشارح ـ ; ـ بعيدان ، فتدبر.

ومما يؤكد ، ( بل ويعين ) (١) ، قوله 7 : « والكعب أسفل من ذلك » لأن مفصل عظم الساق الذي يمسح عليه ليس بأسفل قطعا ، بل هو أعلى ، كما لا يخفى.

وبالجملة : إن أريد من المفصل خصوص القدر الذي في وسط القدم ومن عظم الساق خصوص الظنبوب فمع أنه خلاف مقتضى إطلاق اللفظين لا يلائمه ما ذكرنا من قوله : « والكعب أسفل منه » وإن أريد منهما مقتضى إطلاق لفظهما لا تلائمه الإشارة إلى أحدهما دون الآخر ، وجعل حكمهما متعددا ، سيما وأن يكون نزاعا عظيما بين الخاصة والعامة ، فتأمّل.

وجعل النزاع خصوص الاكتفاء في المسح بالوصول إلى جزء الكعب الذي هو في ظهر القدم لا النزاع في نفس الكعب ، فمع فساده لا يلائمه ظاهر الروايتين.

ومما يؤيد ما ذكر أن أهل اللغة والعرف لا يقولون بكون هذا المفصل كعبا ، وسيجي‌ء اعتراف العلامة ـ ; ـ بالنسبة إلى اللغة ، بل والعرف أيضا ، وما قيل من أن أهل اللغة ذكروا إطلاق الكعب على المفصل فمدخول ، يظهر ذلك بمطالعة الذخيرة وشرح الدروس للمحقق الخونساري (٢).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ب » : ويبين.

(٢) الذخيرة : ٣٢ ، مشارق الشموس : ١١٩.


قوله : بما رواه الشيخ. ( ١ : ٢١٧ ).

وجه دلالة الصحيحة أن الغاية خارجة عن المغيّا ، كما حقق في محله وظاهر من العبارة ، مع أن التعبير عن المفصل بظهر القدم فيه ما فيه ، سيما وأن يكون هو ظهرا دون الظنبوب ، إذ لا فرق بينهما في الظهرية وعدمها. مع أنّه إذا وصل المسح إلى المفصل فقد وصل إلى الظنبوب قطعا على تقدير الاستيعاب العرضي ، إذ في هذه الرواية عقيب ما ذكر : قلت : جعلت فداك ، لو أنّ رجلا قال : بإصبعين من أصابعه هكذا؟ قال : « لا إلاّ بكفه » وعلى تقدير عدم الاستيعاب العرضي أيضا ظاهر أن المفصل ليس خصوص القدر الذي في الفوق دون القدر الذي في الجانبين.

ووجه دلالة الحسنة ظهر مما ذكر.

مضافا إلى أن كلمة « في » ظرفية ، فيظهر منه كون ظهر القدم محيطا بالكعب وهو في وسطه ، وظاهر أن المفصل خارج عن القدم ، لأنه موصل القدم بالساق ، ولهذا لا خصوصية له بالقدم ، ونسبته إليه وإلى الساق على سواء ، ومع ذلك لا خصوصية بالظهر دون الجانبين والخلف.

ومما ذكر ظهرت دلالة الرواية الأخرى ، فإن التصريح بالفرق بينه وبين الظنبوب وكونه أسفل العرقوب صريح في أن الكعب ليس إلا ظهر القدم لا منتهى القدم ، ومع ذلك لا خصوصية للمفصل بالظهر ، ومع ذلك لا فرق بين المفصل والظنبوب في الظهرية وعدمها ، إلى غير ذلك مما عرفت.

قوله : ويؤيده الأخبار. ( ١ : ٢١٨ ).

بل هي أدلة حقيقة ، لما ستعرف من ظهور وجوب الاستيعاب الطولي ، وعلى تقدير عدم الظهور فالتأييد أيضا محل مناقشة ، إلاّ أن يقال : العلاّمة ـ ; ـ قائل بوجوب الاستيعاب ، ويستثني الشراكين وهو بعيد ، فتأمّل.

قوله : وذهب العلاّمة ـ ;. ( ١ : ٢١٨ ).


قال ـ ; ـ فيه : والمراد من الكعبين هنا المفصل بين الساق والقدم (١) ، تنبيها على أن الكعب في الوضوء غير الكعب في غيره ، وهو خلاف ما ثبت من الأخبار ، كما لا يخفى.

قوله : وهو المفصل الذي قدام العرقوب. ( ١ : ٢١٨ ).

قيل : هذه العبارة صريحة في مدعى العلامة ـ ; ـ (٢).

وفيه تأمّل ، إذ جعل الضمير راجعا إلى الكعب لا يلائم ما ذكره من أنه في ظهر القدم ، لأنه إن أراد أنه في ظهره لا في طرفه ـ كما يقول العامة ـ فلا يناسب تحديده بأنه قدام العرقوب ، لأن الذي في الطرفين قدّام العرقوب قطعا ، وخصوص مفصلهما ـ أي الذي تحتهما ـ ليس كعبا قطعا ، ولا في ظهر القدم البتة ، وإن أراد مجموع المفصل ـ أي من الظهر إي تمام ما تحت الناشزين في الطرفين الذين هما الكعب عند العامة ـ فلا وجه لجعل المجموع في ظهر القدم ، مع أن العظم في الطرفين ، إذ من ابتداء العرقوب إلى ابتداء ظهر القدم من كل طرف ما هو أكثر منه مما هو في الظهر.

ومع ذلك ، الحكم بكون المجموع كعبا ـ أي حتى إلى العرقوب ـ لعله يرفع النزاع بين العامة والخاصة ، إذ بالوصول إلى مفصل الناشزين يتحقق الوصول إليهما البتة ، سواء كان من التحت أو من طرف الظهر ، إلاّ أن يقال : نزاعهم في الاكتفاء بجزء المفصل الذي هو في وسط الظهر خاصة ، وهو بعيد.

ففي العبارة المذكورة حزازة ، ولعلّ لفظ « المفصل » سهو من قلم‌

__________________

(١) المختلف ١ : ١٢٥.

(٢) انظر الحبل المتين : ١٩ ، ومشارق الشموس : ١٢٢.


العلامة ـ ; ـ أو من النساخ ، لأن العلامة ـ ; ـ أتى بعبارته في جملة العبارات التي هي ظاهرة في خلاف مطلوبه ، ومفيدة للاشتباه على غير المحصل في ظنه ، ولذا وجد أثر النسخة ورمزها عليه. ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى عظم الساق بضرب من التجوز ، ذكره تنبيها على أن المراد من عظم الساق الرأس المتصل بالمفصل ، فتأمّل.

وقيل : إن قوله : وهو المفصل من كلام المصنف لا أنه تتمة ، ولذا لم يذكره الشهيد (١). وهو أيضا بعيد ، إلاّ أنه لعله أولى من جعله تتمة ، والأظهر أن العبارة لا تخلو عن سقم.

قوله : ويمكن حمل. ( ١ : ٢١٩ ).

لا يقال : كما يمكن حمل ذلك كذا يمكن حمل مستند المشهور.

لأنا نقول : ليس كذلك ، لأن مستندهم راجح بكثرة العدد ، وعلو السند ، وقوة الدلالة ، والشهرة بين الأصحاب ـ لو لم نقل بالإجماع ـ والموافقة لقول اللغويين ، وغير ذلك ، فتعين أن يكون حجة ، وانحصرت الحجية فيه ، لأن : الطرف المقابل يصير مرجوحا ، والمرجوح موهوم ، فلا يمكن أن يصير حجة ، وفي الحمل يجب إرجاع ما ليس بحجة إلى ما هو حجة لا العكس ، إذ لا شك في حرمته وعدم جوازه.

ومن مضعفات الذي فهم العلامة والشارح ـ رحمهما الله ـ من رواية زرارة أن الباقر 7 أشار حيث قال : « هاهنا » ، فلعلّ الراوي توهّم لأنّ الإشارة إلى أمرين متقاربين جدا كثيرا ما يصير موردا للتوهم.

وأيضا الأقل متيقن ، والزائد مشكوك فيه فيجب نفيه بالأصل ، فتأمّل.

__________________

(١) الذخيرة : ٣٢.


وصرح ابن أبي جمهور في الغوالي بأن المفصل الذي ذكر في رواية ابن بكير هو مفصل القدم الذي عند وسطه في قبة القدم.

قوله : بالمنع من دلالتها (١). ( ١ : ٢١٩ ).

في صحيحة زرارة في نسيان المسح : « فإن أصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه ، وعلى ظهر قدميك » (٢) فتأمّل. وفي صحيحة زرارة أيضا :

« وتمسح ببلة يمناك رأسك ، وما بقي ظهر قدمك اليمنى ، وببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى » (٣).

قوله : ومع التعارض. ( ١ : ٢١٩ ).

لا يخفى أن جعله معارضا بعيد جدا ، إذ غاية الأمر عدم ظهور الاستيعاب لا ظهور العدم ، بل الظاهر الاستيعاب ، كما لا يخفى على المتأمّل ، إذ على تقدير أن لا يكون كلمة « ما » بدلا عن « شي‌ء » يكون ظاهرا أيضا في الاستيعاب ، لأن التعرض له في الرجلين مع عدم التعرض لمثله في الرأس قرينة على ما ذكرنا ، إذ المعنى : شي‌ء من رأسك أيّ شي‌ء يكون أو شي‌ء من قدميك لكن لا مطلقا بل ما يكون بين الكعبين إلى أطراف الأصابع ، وعبّر بلفظ : « إلى » ولم يقل أطراف أصابعك ، مع أن الرأس أولى بذكر موضع مسحه ، لظهور الخلاف من العامّة ، ووقوع الإشكال عند الشيعة بسببه ، كما يظهر من سؤالاتهم.

__________________

(١) في نسخة في « و » : لكنها معارضة.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ / ٢٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٥ / ٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢ ، بتفاوت.


على أنّه في المقام في مقام ذكر الاكتفاء بشي‌ء في المسح ، فلم يكن المقام مقام الذكر إلى الكعبين ، بل لا يناسب ، لأنه يوهم خلاف المقصود.

وبالجملة : يظهر مما ذكرنا أن « ما بين. » قيد للمسح لا (١) للممسوح إظهارا للفائدة.

وفي حسنة ابن أذينة ـ رواها الكليني في علة الأذان ، بل (٢) وهي صحيحة عند الشارح ـ قال : « ثم امسح بفضل ما بقي في يديك من الماء رأسك ورجليك إلى الكعبين » (٣) الحديث.

وصحيحة ابن أبي نصر المذكورة أيضا ظاهرة في الاستيعاب ، إلاّ أن يقال : تتمة الصحيحة محمولة على الاستحباب ، وهي الأمر بمسح كلّ الكف ، ومرّ الكلام في نظيره مرارا ، فتأمّل ، وسيجي‌ء عن الشارح ما يشير إلى الالتزام به ، بل إلى القول بوجوبه.

هذا ، والعلامة ـ ; ـ ادعى الإجماع على الاستيعاب الطولي (٤) ، والمحقق نسبه إلى فتوى الأصحاب (٥).

بل مما ذكرنا ظهر أنّ الآية الشريفة أيضا ظاهرة ، بل وبعيد غاية البعد أنه تعالى يتعرض لذكر أحد حدّي مسح موضع الرجل ولم يتعرض للحدّ الآخر ، ولم يتعرض لحدّ موضع مسح الرأس أصلا وقطعا ، مع أن موضعه أيضا محدود‌

__________________

(١) كما في « أ » و « و » ، وفي سائر النسخ : « أو » بدل « لا ».

(٢) بدلها في « أ » و « و » : قيل.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٤) المنتهى ١ : ٥٦٣.

(٥) المعتبر ١ : ١٥٠.


معين.

فظهر أنه لما ذكر المسح بالباء ذكر قوله : « إلى الكعبين » إظهارا لغاية الاعتناء بالاستيعاب ، وعدم جعله مثل مسح الرأس ، فتأمّل.

وشغل الذمة بالعبادة التوقيفية أيضا يرشد إليه ، والطريقة المستمرة بين الماسحين في الأعصار والأمصار ربما (١) تعضده ، لأن الوضوء مما تعمّ به البلوى وتكثر الحاجة إليه ، فلو كان الاستيعاب غير واجب لشاع بمقتضى العادة ، لا أنه يكون الأمر على خلافه فتوى من الفقهاء وعملا من المسلمين ، وظاهر أن النبيّ 6 والأئمة : أيضا ما كانوا يكتفون بغير الاستيعاب ، فتأمّل.

وأيضا ما ورد من أن أمير المؤمنين 7 مسح ولم يستبطن الشراكين (٢) ، وأمثال ذلك ظاهرة في الاستيعاب ، إذ لو لم يكن لازما لما كان لذكرها فائدة ، فتدبر.

ويمكن حمل كلام الشارح على نفي وجوب الاستيعاب العرضي ، فتأمّل.

قوله : وإن ادعى العامّة. ( ١ : ٢٢٠ ).

والمستفاد من مجموع أحاديث أهل البيت حتى صحيحة الأخوين (٣) التي هي مستند العلامة ـ ; ـ تكذيب العامة في دعواهم ، وأن ما‌

__________________

(١) بدلها في « ا » : مما.

(٢) انظر المدارك ١ : ٢١٨.

(٣) في بعض النسخ : الآخرين ، وفي بعضها : الآخرتين ، والصحيح ما أثبتناه ، كما عبر به في المدارك ١ : ٢٢١ ، والمراد صحيحة ابني أعين المذكورة في المدارك ١ : ٢١٧.


ادعوه ليس كعبا أصلا لا أنه أحد المعاني ، والظاهر منها أنه ليس كعبا في العرف واللغة ، بل الظاهر منها أنّ الكعب ليس له إلاّ معنى واحد ، لا أنّ الكعب في الوضوء كذا وإنّ كان في غير الوضوء شيئا آخر ، وهو ظاهر على من له أدنى تأمّل.

ومن التأمّل في ما ذكر هاهنا منضما إلى ما ذكرنا سابقا يتضح غاية الاتضاح أن المفصل في صحيحة الأخوين (١) هو المفصل الشرعي ، مع احتمال توهم منهما أو تجوز ، ولا يخفى على المتأمل المنصف أنّ الأول أظهر ، فتدبر.

قوله : فيه وجهان. ( ١ : ٢٢٠ ).

على تقدير أن يكون الممسوح ظاهره كون المجموع ممسوحا لا شي‌ء منه ، كما هو الحال في اليدين ، فظاهره أيضا الإيصال والاستيعاب ، هذا مضافا إلى ما مر في الحاشية السابقة المكتوبة على قوله : لكنها معارضة بما رواه الشيخ (٢) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : لصحة الخبر وصراحته. ( ١ : ٢٢١ ).

ربما لا يلائم هذا ما ذكره سابقا في بحث مسح الرأس ، من أنه هل يكفي المسمى أم لا بدّ من مقدار ثلاث أصابع ، حيث قال : يجوز حمل المطلق على المقيد ويجوز حمل المقيد على الاستحباب ، ثم رجح الثاني بقوة دلالة المطلق على الاكتفاء بالمسمى (٣) ، وهنا يقول بإجمال دلالته وصراحة دلالة المعارض ، مع أن دلالته ليست إلا بالنهي ، وهو ظاهر في‌

__________________

(١) راجع ص ٢٨١ رقم (٣).

(٢) راجع ص ٢٧٩.

(٣) المدارك ١ : ٢٠٩.


الحرمة لا صريح فيها ، مع أنّه ورد في أخبار أهل البيت : الكراهة إلى حدّ تأمل متأمّل في الحمل على الحرمة ، والتأمّل وإن كان ليس في موضعه ، إلاّ أنّ حصول الوهن في الجملة لا شبهة فيه ، بل نقول استعمال الإجزاء في أقل المستحب أقل من استعمال النهي في الكراهة بمراتب شتّى ، فتأمّل ، هذا مع تأيّد الكراهة بالأصل ، فتأمّل.

قوله : جواز المعية. ( ١ : ٢٢٢ ).

لورود خبر في ذلك ، وهو في الاحتجاج ـ على ما أظن ـ في التوقيعات الواردة عن القائم 7 (١).

قوله : في الصحيح. ( ١ : ٢٢٢ ).

حكم في مسح الرأس بحسنه ، وفي المقام بصحته ، ومع ذلك معارض لظاهر الآية والأخبار الكثيرة (٢) الظاهرة في عدم الترتيب ، وبعض الأخبار الصريحة في عدم هذا الترتيب ، ومرّت صحيحة البزنطي (٣) التي هي في غاية الظهور ، فتأمّل.

قال المصنف : وإذا قطع بعض موضع المسح مسح على ما بقي

أقول : لما ورد عن الرسول 6 : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٤) ، وعن أمير المؤمنين 7 : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٥) ، وعنه 7 : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٦) وللأصل (٧).

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٩٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٥.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٣) المدارك : ١ : ٢١٧.

(٤) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧.

(٥) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧.

(٦) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧.

(٧) ليس في « أ » و « و ».


قوله : قال في التذكرة. ( ١ : ٢٢٣ ).

لا يخفى أنّ أصل الحكم فاسد ، فضلا عن الفرع ، لأنّ مقتضى الآية والأخبار المتواترة كون المسح على الرجل لا على شي‌ء آخر ، والشراك ليس برجل قطعا بل هو شي‌ء آخر ، بلا شبهة. وما ورد في بعض الأخبار من عدم استبطان الشراك لعل المراد إظهار عدم وجوب استيعاب عرض الرجل في المسح ، فإنّ الشراك كما هو حائل في الطول كذلك حائل في العرض أيضا.

ويحتمل أن يكون المراد إظهار عدم وجوب مسح نفس الكعب ، دفعا لتوهم من توهم وجوبه ، أبناء على اعتقاده بدخول الغاية في المغيا ، أو كون « إلى » بمعنى « مع » ، على النحو الذي مرّ في غسل المرفق ، ولا دلالة فيه على أنّه 7 مسح على الشراك ، لأنّ النعلين غير الشراك.

مع أنّ الوجوب غير ظاهر ، لاحتمال الاستحباب ، أو الوقوع اتفاقا ، لأنّ تحقق استيعاب المسح بدون مسح الشراك لعله لا يخلو عن صعوبة مّا ، مع أنّه لا شك في كونه أسهل ، فلعله لهذا كان 7 يفعل ، لعدم منع أصلا.

وبالجملة : لا دلالة في بعض الاخبار على ما ذكره ، فضلا عن أن يكون مقاوما للآية والأخبار المتواترة ، وخصوصا أن يترجح عليها فيحكم بسببه بتقديمه عليها.

ومما ذكرنا ظهر وجه ما ذكرنا سابقا من أن أمثال هذه الأخبار حجة على العلامة ـ ; ـ وأدلّة ( حقيقة على فساد ) (١) ما ذهب إليه من كون الكعب المفصل ، فتأمّل.

قوله : لا أتقي فيها أحدا. ( ١ : ٢٢٣ ).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ج » و « د » : على حقيقة فساد.


إما أنّه 7 ما كان يتقي فيها ، أو أنّ الغالب لا تقية فيها.

قوله : واستدلوا عليه. ( ١ : ٢٢٤ ).

في الفقه الرضوي (١) أيضا ما يوافق هذه الرواية ، وعمل الأصحاب جابر للضعف ، مع أنّ في الطريق من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٢) ، مع أنّ أبا الورد لعلّه من الحسان.

قوله : محتمل ، لتعذر. ( ١ : ٢٢٤ ).

لا يخفى أنّ هذا موقوف على ثبوت كبرى كلية لا بدّ من بيانها ، مع أنها لو ثبتت يلزم منها أنّ مقطوع موضع المسح ينتقل إلى التيمم ، لا أنه يكتفي بما بقي ، سيما من قطع من الكعب ، وهو خلاف ما صرح به في المبحث المتقدم ، فتأمّل.

إلاّ أن يقول : الأخبار تدل في أقطع الرجل ، لكن قد عرفت أنها تدل على غسل الرجل المقطوعة ، إلاّ أن يستند إلى الإجماع ، فتأمّل.

قوله : يقتضي الإجزاء. ( ١ : ٢٢٤ ).

إن أراد الأجزاء حال الاضطرار فمسلّم ، وإن أراد حال الاختيار أيضا فالمنع ظاهر.

قوله : فإن ذلك محل النزاع. ( ١ : ٢٢٤ ).

الظاهر مما ذكرت في قول المصنف : ويجب المسح على بشرة القدمين ، وأشرت إليه من الأخبار التي كادت تبلغ حد التواتر عدم صحة هذه الطهارة ، وعدم جوازها لصلاة من الصلوات مثلا ، خرج منها ما أجازوا‌

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٦٨ ، مستدرك الوسائل ١ : ٣٣١ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ١.

(٢) وقع في طريق الرواية حماد بن عثمان وفضالة بن أيوب ، والأوّل من أصحاب الإجماع وكذلك الثاني على قول بعضهم ، راجع رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥ و ٨٣٠ / ١٠٥٠.


للضرورة والاضطرار ، وبقي الباقي ، ولا يظهر مما أجازوا أزيد من حال الاضطرار ، بل ربما كان الظاهر منه الاختصاص بحال الاضطرار.

ومما ذكرنا ظهر ما في قوله : والإعادة على خلاف الأصل ، مضافا إلى أنه لا يقول بحجية الاستصحاب ، فتأمّل.

قوله : والأصل عدمه. ( ١ : ٢٢٨ ).

قد مر أن التكليف إذا كان بالوضوء الذي هو توقيفي يشكل التمسك فيه بالأصل ، فتأمّل.

قوله : والجواب. ( ١ : ٢٢٨ ).

فيه أيضا ما عرفت ، نعم الإجماع المنقول ليس بحجة على من لا يقول به من القدماء ، وأمّا نحن فربما تحصل لنا الريبة بملاحظة كلماتهم وربما لا تحصل ، فيصير من قبيل خبر واحد يعارضه الخبران الصحيحان المتقدمان ، والمعارضة واضحة ، فيترجحان في النظر ، وكذا الكلام في الجواب عن الثاني فتأمّل جدا.

قوله : [ لأن الأخبار الواردة ] (١) إلى قوله : وضوئي. ( ١ : ٢٣٠ ).

يلزم صحة وضوء من غسل وجهه ـ مثلا ـ قبل طلوع الشمس ، ثم جفّفه تجفيفا تاما ، ثم غسل يده اليمنى نصف الليل أو بعد ذلك ، ثم جففها تجفيفا تاما ، ثم غسل اليسرى من الغد أو بعد ذلك ، ما لم يتحقق حدث ، إلاّ أن يقول بالمقدر التقديري ، أو يلتزم صحة ذلك وفيه بعد شديد ، فتأمّل.

قوله : فما ذكره الشهيد. ( ١ : ٢٣٠ ).

إنّ الظاهر أنّه ـ ; ـ فهم من الأخبار أن المضر للوضوء هو‌

__________________

(١) في النسخ : لأن مورد الأخبار.


الجفاف ، وليس ببعيد ، فتأمّل مجموع الأخبار الواردة في بطلان الوضوء عند جفاف الجميع.

قوله : لعدم المطابقة. ( ١ : ٢٣١ ).

أي عدم المطابقة بين نيته وفعله ، وكان الذي فعل فعل بغير نية ، ونيته تحققت بغير فعل.

لكن لا يخفى ما فيه ، إذ مجرّد أن لا يفعل التتابع لا يقتضي أن يكون فعله بغير نية ، إذ لو كان كذلك لزم بطلان صلاة من نوى الفريضة الكاملة أي المستجمعة لجميع المستحبات المعروفة إذا نسي المستحبات أو شيئا منها ولو كان واحدا ، وهو فاسد قطعا.

بل نقول : لو ترك كل المستحبات عمدا كانت صلاته صحيحة بلا شبهة ، لأنه وإن كان قصد حين الدخول الإتيان بالكاملة ، إلاّ أنه بدا له ، وهذا غير مضر بلا تأمّل ، فكذلك الحال في صورة النذر ، لأن الوضوء المتتابع لا يصير منذورا إلا أن يكون في نفسه مع قطع النظر عن النذر راجحا شرعا ، إذ لو لم يكن راجحا لم ينعقد نذره ، فبمجرد الإخلال بالتتابع لا يخرج عن الرجحان النفسي ، وكذا مع قصد المتتابع ، والإخلال به عمدا أو سهوا لا يخرج عن الرجحان ، ولا يكون بلا نية ، لأن المعتبر منها قصد التقرب والتعيين ، والأول موجود قطعا ، وكذا الثاني ، لأنه ترك شيئا من المعين لا يضر تركه ولا يضر صيرورته بسبب ذلك فردا آخر ، كما هو الحال في مستحبات الفرائض ، فتأمّل جدا.

قوله : ونقل عليه ابن إدريس الإجماع. ( ١ : ٢٣١ ).

وكذا يظهر من المرتضى في الانتصار (١) ، وابن زهرة أيضا (٢) ، وخروج‌

__________________

(١) الانتصار : ٢٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.


معلوم النسب غير مضر للإجماع عندنا ، فلا يضر الإجماع المنقول بخبر الواحد ، فعلى تقدير حجيته لا إشكال ولا كلام.

وعلى تقدير القول بعدم حجيته نقول : لا تأمل في كونه مشهورا ، كما قال الشارح ـ ; ـ وغيره : إنه قول معظم الأصحاب ، والشهرة تجبر عدم صحة الأخبار الكثيرة الصريحة الدلالة في الاستحباب ، أو الواضحة الدلالة ، وسنذكر كثيرا منها ، مع انجبار تلك الأخبار بأمور أخر أيضا ، منها موافقتها لظواهر الصحاح ، ( ومنها كثرتها وتعاضد بعضها ببعض ، ومنها استبعاد كون جزء العبادة متصفا بالإباحة ) (١) ومنها قوة السند في كثير منها من الجهات التي تظهر على من لاحظ وتأمّل ، سيما على (٢) من لا حظ ما كتبناه في علم الرجال ، ومنها موافقتها للأخبار الكثيرة الواردة في أن الوضوء بمدّ والغسل بصاع (٣) ، وتلك الأخبار متفق عليها عند جميع الفقهاء والمحدثين ، ومنها ورود مضمونها في كتب العامة ، رووه عن النبيّ 6 (٤) ، وإن اتفقوا على ترك العمل به لأنهم ينكرون أخبار التثنية ، ولعلهم لا ينكرون أخبار الوحدة حملا لها على الفريضة.

ومن هذا ظهر فساد الحمل على التقية ، كما احتمله بعض (٥) ، بناء على أنّ العامة يروون وإن كانوا متفقين على الرد ، كيف والعامّة ذكروا الروايات الدالة على حقية ما هو مذهب الشيعة أصولا وفروعا ، إلى أن لا يكاد يتحقق مذهب منهم إلاّ وحقيته مروية في كتبهم ، ومع ذلك كان اللازم على الشيعة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) أثبتناه من « و ».

(٣) انظر الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٦٢.

(٥) راجع منتقى الجمان ١ : ١٤٨.


التقية منهم ، وكانوا يتقون البتة ، فكيف يكون الأمر بالعكس؟!

هذا مضافا إلى [ أنّ ] (١) الأخبار الدالة على التقية أكثرها في غاية الظهور في خلاف التقية ، كما لا يخفى على المتأمّل ، هذا وأمّا الأخبار التي تعارضها فمتفقة في ( عدم الصحة و) (٢) عدم الصراحة وعدم وضوح الدلالة ، لأن كون وضوء رسول الله ـ 6 ـ مرة مرة كيف يقاوم تصريحهم باستحباب الزيادة بالنسبة إلينا أو وضوح الدلالة ، بل ويظهر من بعضها أن التثنية بالنسبة إلى غيرهم : ، كما ستعرف ، مضافا إلى ما ستعرف ، فتأمّل.

هذا مع المضعفات الأخر التي تظهر مما ذكرنا وسنذكر ، فتأمّل.

ومن المقويات للاستحباب والمضعفات لعدمه ما ذكرناه في صدر الكتاب في إثبات التسامح في أدلة السنن ، فلاحظ ، بل بملاحظته يتعين ما ذكرنا.

قوله : هذا وضوء من لم يحدث حدثا. ( ١ : ٢٣٢ ).

لا يخفى أن الوضوء لما كان من الفرائض كان كثيرا ما يطلق ويراد منه ما هو الفرض ، إذ المراد من الحدث خصوص بدع العامة ، لا أنّه لا يجوز التعدي عن الكيفية التي فعلها أصلا ، بأن لا يتمضمض ، ولا يستنشق ، ولا يقول بسم الله وغيرها من الأدعية ، ولا يصب غرفتين أصلا ، ولا يغسل عضوا بعنوان التبعض وغير ذلك.

وبالجملة : لا يعارض ذلك ما ذكرناه وما سنذكره.

ويظهر من كثير من الأخبار أنّ المضمضة والاستنشاق من الوضوء ،

__________________

(١) أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) ما بين القوسين لا يوجد في « د ».


فمعارضها محمول على أنهما ليسا من فرائضه ، لعين ما ذكرنا ، فتأمّل.

قوله : وعندي في هذا الجمع نظر. ( ١ : ٢٣٣ ).

ستعرف دفع النظر ، مضافا إلى أن الإمام ربما كان يترك المستحب لغرض ، كما ورد في صوم يوم عرفة (١).

قوله : أخذ بأحوطهما. ( ١ : ٢٣٣ ).

هذا مخالف لما يظهر من أحواله 6 في عباداته ودعواته وغيرها ، بل كان كثيرا ما يقتصر على الواجبات توسعة أو لغرض آخر ، وإن كان 6 في جميع أوقاته مستغرقا في ذكره تعالى ومحبته وشوقه.

قوله : قال الصدوق. ( ١ : ٢٣٣ ).

وصرح في الأمالي بجواز المرتين ، ونسبه إلى عقائد الإمامية (٢) ، فما نسب إليه من القول بالمنع فاسد (٣).

قوله ( ٤ ) : ومقتضى كلام. ( ١ : ٢٣٣ ).

فظهر من كلام هؤلاء أيضا كون الثانية غير حرام إن كانت جزءا للوضوء وغير خارجة عنه ، فيقتضي كونها مستحبة ، إذ لا معنى لكون جزء (٤) العبادة جائزا ، كما ستعرف ، فظهر من اتفاق الجميع على عدم الحرمة ، ومما ذكرنا عن الأمالي ، ومن الأخبار الكثيرة التي سنذكرها ، ومما أشرنا في الحاشية السابقة الطويلة ، والإجماعات عدم إمكان حمل أخبار التثنية على التقية.

قوله : وعلى هذا فيمكن. ( ١ : ٢٣٣ ).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٠ : ٤٦٤ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٣) نسبه إليه في السرائر ١ : ١٠٠.

(٤) هذه الحاشية ليست في « د ».


فيه نظر من وجوه :

الأول : أن الحمل إنما هو بعد مقاومة المعارض بحسب السند ، وهي مفقودة ، لأن النصوص التي ذكرها ليس فيها صحيح يقاوم أحد الصحاح ، فكيف يقاوم الصحاح ، سيما على طريقته ـ ; ـ؟!

الثاني : أنّ في بعضها : « الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يؤجر عليه ».

وقال ابن أبي عقيل : السنة إتيان الماء على الأعضاء مرتين ، الفرض من ذلك مرة ، والاثنتان سنة ، ولئلا يكون قد قصر ( المتوضئ في المرة ، فيكون يأتي (١) على تقصيره ، فإن تعدى المرتين لا يؤجر على ذلك ، بذلك ( جاء التوقيع ) (٢) عنهم : ، وصرح بمضمون فتواه ابن الجنيد والمفيد (٣).

وسند الحديث وإن كان فيه القاسم بن عروة إلا أنه يجبره ما ذكرناه ، مضافا إلى أن حديث القاسم قوي ، كما حققناه في الرجال (٤) ، مع أنك قد عرفت أن المعارض ليس بصحيح ، وتلك الزيادة لا تلائم ما ذكره من الحمل ، مضافا إلى بعده في نفسه ، بل ومستبعد جدّا بملاحظة أن جزء العبادة كيف يتصف بالإباحة؟! إذ المقصود أن الغسل الثاني جزء للوضوء ويفعل بقصد الوضوء لا بقصد عدم الوضوء بل للاستبراد أو لغوا أو غير ذلك ، إذ مع كون ذلك غير مورد المسألة لا مانع فيه أصلا وإن زاد على المرتين عندهم ( سوى كون المسح بغير نداوة الوضوء وهو مشترك بين المرتين ـ لو‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » : الثاني.

(٢) في « ا » : جاء التوقيف ، وفي « و » : جاز التوقيف.

(٣) انظر المختلف ١ : ١١٨ ، والمقنعة : ٤٨.

(٤) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢٦٣.


كان إحداهما خارجة ـ وما زاد عن المرتين ) (١).

والخبر المذكور محمول على أن الزيادة عن الاثنين خارجة عن الوضوء البتة ، ولذا ورد أيضا أنها بدعة ، ويصدق عليها أنها لا يؤجر عليها ، بل عدم الأجر في العبادة كناية عن البدعة ، إذ العبادة لا تخلو عن الأجر كما نبهنا.

وأيضا : الغسل الثاني لا بدّ أن يكون بقصد القربة والامتثال وهو فرع الرجحان ، أو هوي النفس فلا يلائمه قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ ) (٢) الآية ، وغير ذلك من الأدلة.

وأمّا مرسلة ابن أبي عمير فمحمولة على ما ذكره الشارح ، لما ذكره ، وأما مع عدم استيقان أن الواحدة تجزي فلعله يحبط أجره ، لا أنه ليس بمستحب ، كيف والمفهوم يدل على أن مع الاستيقان يؤجر دلالة لائحة غير خفية على الفطن ، وهذا من جملة ما يدل على صحة الحمل المشهور ، واستحباب الغسل الثاني.

ويدل عليها أيضا ما ورد من أن المرتين إسباغ (٣) ، ويظهر من الأخبار رجحان الإسباغ (٤) ، ويدل أيضا دلالة صريحة الروايتان اللتان ذكرناهما في مبحث كون المسح بنداوة الوضوء (٥).

وفي عيون أخبار الرضا 7 في ما كتبه من محض الإسلام :

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « أ » و « و ».

(٢) البينة : ٥.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٤٣٩ ، ٤٤٠ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢٠ و ٢٣.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٤٨٧ أبواب الوضوء ب ٥٤.

(٥) راجع ص ٢٦٤ ، ٢٦٥.


« الوضوء مرة مرة فريضة واثنتان إسباغ » (١) ، وما كتبه 7 كله محض الحق.

وفي رجال الكشي في داود بن زربي : قال : قلت للصادق 7 : كم عدة الطهارة؟ قال 7 : « ما أوجبه الله تعالى فواحدة ، وأضاف إليها رسول الله أخرى لضعف الناس ، ومن توضأ ثلاثا فلا صلاة له » ـ إلى أن قال ـ : « يا داود توضأ مثنى مثنى ، ولا تزيدن (٢) عليه » (٣).

وفي ما كتب القائم 7 إلى العريضي من أولاد الصادق 7 : الوضوء كما أمر الله تعالى غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحد ، واثنان إسباغ الوضوء ، وإن زاد على الاثنين أثم (٤).

( وفي ما كتب الرضا 7 إلى المأمون : واحد فريضة والثاني استحباب ، ومن زاد على الاثنين أثم ) (٥).

ومما ذكرناه عن الكشي يظهر وجه الجمع بين ما ورد من أن وضوء رسول الله 6 وأمير المؤمنين 7 كان واحدة واحدة ، وبين ما دل على أنّ المرتين مستحب ، وفيه إشارة إلى ما ذكره ابن أبي عقيل : ولئلا يكون قد قصر. فإنهما 8 كانا منزهين عن الضعف والتقصير ، وإن احتمل أن الرسول 6 ربما توضأ مرتين مرتين‌

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٢٥ / ٢ ، الوسائل ١ : ٤٤٠ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢٣.

(٢) في النسخ : ولا تزدنّ ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٠٠ / ٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٤٤٣ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) انظر تحف العقول : ٣١١. وما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».


لاقتداء الناس ، لما رواه عمرو بن أبي المقدام عن الصادق 7 : « إني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنين اثنين » (١).

وحمل الصدوق ـ ; ـ هذه على التجديد بعيد لا يلائمه تكرر لفظ اثنين ، وسيما مرتين ، مع أن كون التجديد منحصرا في مرة واحدة خلاف ما يظهر من الأخبار ، مع أن المقام ليس مقام التوجه إلى ذكر الانحصار ، مع أن الراغب عن التجديد غير مأنوس من ملاحظة الأخبار ، وما ورد من أن وضوءه 6 ما كان إلا مرة مرة لعله محمول على عادته الجارية في وضوئه ، وهذه الرواية على أنه توضأ نادرا لأجل ترغيب الناس وعدم تنفرهم ، على ما يومئ إليه لفظة الماضي المؤكدة بلفظ « قد » ، فتفطن.

وممّا يدل أيضا على مذهب المشهور وحملهم : ما رواه الصدوق ـ ; ـ في الفقيه عن الصادق 7 : « فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله 6 للناس اثنتين اثنتين » (٢) ، وحمل الصدوق على الإنكار فاسد.

وهذا الخبر يشير إلى أن الخبر المتقدم وارد في تكرار الغسل لا في التجديد ، وهذا الخبر مضمونه مضمون ما رويناه عن الكشي ، وقال في الفقيه : وروي في المرتين أنه إسباغ (٣) ، وفي التهذيب في الصحيح عن الصادق 7 : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماء » (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٣٩ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥ / ٧٧ ، الوسائل ١ : ٤٣٩ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٣٩ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٣٨ / ٣٨٨ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الوضوء ب ٥٢ ح ٤.


هذا كله مضافا إلى ما ذكرناه في الحواشي السابقة.

قوله : ويشهد له صحيحة زرارة. ( ١ : ٢٣٣ ).

هذا الاستشهاد لا يخلو من غرابة سيما بعد ملاحظة ما سنذكره من عدم تحريم الغرفة الثانية ، وأن المحرم هو الغسلة الثالثة.

قوله : والأخبار إنما تدل. ( ١ : ٢٣٤ ).

فيه تأمل ظاهر على من لاحظ الأخبار وتأمل فيها ، سيما التي ذكرناها في الحاشية.

قوله : من لم يستيقن. ( ١ : ٢٣٤ ).

فيه دلالة على استحباب الثانية ، كما نبهنا.

قوله : ولا ريب في تحريم الغسلة الثالثة. ( ١ : ٢٣٤ ).

هذا الحكم على طريقة الشارح ـ ; ـ لا يخلو عن إشكال ، لورود ما ذكره في العنوان السابق فيه وهو صدق الامتثال مع عدم دليل على الحرمة على طريقته ، ويظهر من طريقته في العنوان أن حال المرتين حال الثالثة ، فتأمّل.

وبالجملة : هو لا يعمل بالأخبار المرسلة وغير الصحيحة ، ولا يعتمد على أمثال هذه الاتفاقات من الفقهاء ، وتحقق الامتثال بالمرة يقتضي كون الثانية أيضا بدعة ، ولم يظهر خلاف ذلك منه في العنوان السابق ، فتأمّل فيه.

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد وابن ابي عقيل والمفيد ـ 4 ـ تجويز الثالثة وعدم كونها بدعة ، وعن المشهور كونها بدعة ، وعن أبي الصلاح بطلان الوضوء أيضا ، واستقربه (١) ، وهو جيد يظهر وجهه من ملاحظة ما ذكرناه في الحاشية السابقة الطويلة ، فراجع.

__________________

(١) المختلف ١ : ١١٨ ، وانظر المقنعة : ٤٨ ـ ٤٩ ، والكافي في الفقه : ١٣٣.


قوله : تمسكا بالإطلاق. ( ١ : ٢٣٥ ).

هذا مناف لما ذكره سابقا من أن نهاية الجواز الغرفة الثانية ، واختياره في الجمع بين الأخبار.

قوله : أجمع. ( ١ : ٢٣٥ ).

لولا الإجماع لكان ذلك محل تأمّل ، لعموم ما دل على التكرار ، لكن ما ورد في أنه إسباغ ، وأنه زيد لضعف الناس وأمثالهما يشعر بكون المراد الغسل ، لأن المطلوب في المسح تقليل الماء مع عدم الاستيعاب ( فيه ، فتأمّل.

مع أن ما ذكرناه في كون المسح بنداوة الوضوء في غاية الظهور في عدم التكرار في المسح ، وكون هذا مستند الإجماع يكفي ، سيما مع الإشعار الواضح ، بل الظاهر الدلالة ، بل لو لم يكن الإجماع أيضا يكفي ) (١).

قوله : وقد يقال : إنه لا مانع. ( ١ : ٢٣٥ ).

إن أراد أنه لا مانع من أن يقال : لا يجب تحقق الغسل في الوضوء ، بل يكفي المسح في المغسول والممسوح جميعا فلا يخلو عن غرابة ، لمخالفته للإجماع ، بل والضرورة وكذا مخالفته للمستفاد من الأخبار المتواترة بعد الآية ، سيما ما ورد من أن الوضوء مسحتان وغسلتان.

وإن أراد أن الغسل لا يحتاج في تحققه إلى جريان بل يكفي في تحققه إمرار اليد برطوبة مّا فهو أيضا غريب ، لأن الغسل عرفا ولغة لا يتحقق بغير جريان مّا.

وأعجب من ذلك أن الشارح ـ ; ـ تأمل في تحقق الغسل‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « و ».


العرفي بجريان مّا ، فكيف إذ لم يتحقق جريان أصلا ، مع أنه على هذا لا يتحقق فرق بين الغسل والمسح ، وهو مخالف لما ذكرناه من الإجماع والآية والأخبار.

وبالجملة : حمل هذه الأخبار على ما ذكره جده ـ 1 ـ من كونه على جهة المجاز مبالغة في الاجتزاء بالجريان القليل متعين.

قوله : وتشهد له. ( ١ : ٢٣٦ ).

هذا لا يخلو من غرابة ، إذ لا شهادة فيها أصلا ، مضافا إلى دلالة الأخبار المعتبرة على أفضلية الإسباغ.

قوله : وهو ضعيف. ( ١ : ٢٣٧ ).

فيه تأمّل ، فتأمّل ، وإن كان الأحوط إزالته.

قوله : استظهارا للعبادة. ( ١ : ٢٣٧ ).

إن لم يحصل العلم بالوصول فلا بدّ من التحريك أو النزع تحصيلا للعلم بالامتثال والبراءة اليقينية ، لعدم ثبوت حجية الظن في هذا الموضع مع تيسر العلم وحصوله بلا حرج ، وإن حصل العلم فكيف يتأتى الاستظهار. إلاّ أن يقال : مرتبة العلم متفاوتة ، وحصول الأقوى أولى لكونه أوثق وأحوط ، لكن هذا لا يلائم طريقة الشارح ـ ; ـ لأنّه لا يجوّز التسامح في أدلة السنن ، ولا يجعل نفس الاحتياط دليلا شرعيا ، فضلا من الأحوطية ، فضلا عن مثل هذه ، فتأمّل.

قوله : ويدل عليه (١).

وفي الصحيح عن كليب الأسدي ، عن الصادق 7 : عن الرجل‌

__________________

(١) لم نعثر على هذه العبارة في المدارك ، ولعلّها عبارة أخرى عن قوله : وقد ورد بذلك روايات ١ : ٢٣٧.


إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل » (١) ، وحمل هذه على الاستحباب بعيد جدا.

وكذا حسنة الوشاء ، عن أبي الحسن 7 : إذا كان الدواء على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح عليه؟ قال : « نعم يجزيه أن يمسح عليه » (٢) ، والإجزاء ظاهر في الوجوب.

وعن عبد الأعلى ، عن الصادق 7 : انقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فقال 7 : « ( ما جَعَلَ ) الله ( عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، امسح عليه » (٣).

وأما صحيحة ابن الحجاج فلا تدل إلاّ على أنه لا يجب غسل ما لا يستطيع غسله ، لا أنّه لا يجب مسحه أيضا ، وإن كان ظاهرها ذلك ، إلاّ أنّ هذا الظاهر يكون مقاوما للأدلة الدالة على الوجوب المعتضدة بفتاوى الأصحاب لا يخلو عن الإشكال ، بل الظاهر عدم المقاومة والرجحان. وعلى تقدير عدم الإجماع أيضا يكون الأمر كما ذكرنا. مع أنّ القول بالاستحباب لا وجه له إلاّ بعد دعوى الإجماع على عدم الفرق بين القرحة وغيرها ، ولعله لا يعرف إلاّ من فتاوى الفقهاء بوجوب غسل ما حولهما ، والمسح على جبيرتهما ، ( وفيه ما فيه ) (٤) ، فتأمّل.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١١٠٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٥ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

(٤) ما بين القوسين أثبتناه من « و ».


و (١) يعضد الإجماع وفتاوى الأصحاب والتصريح بالوجوب في الأخبار الكثيرة ما ورد عن علي 7 : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » و « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، وعن الرسول 6 : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٣).

بل احتمل العلامة في النهاية وجوب أقلّ مسمى الغسل في المسح (٤) ، بل ربما كان هذا هو الظاهر من الأخبار ، بل وكلام الفقهاء أيضا ، لأنّ المسح هو إمرار اليد مع الرطوبة من غير قيد عدم الجريان ولو خفيفا ، كما مر من أنّ بين الغسل والمسح عموما من وجه ، سيما المسح الوارد في هذه الأخبار ، إذ الظاهر أنّ مراد المعصوم 7 أنّه إن لم يمكنه إمرار اليد حال الغسل على ما تحت الجبيرة يمرّ يده على ما فوقها دفعا للحرج ، لا أنّه تجفف كفّه الماسحة حتى لا يتحقق جريان أصلا.

نعم ، لو كان الجريان يضرّه يجفّف من هذه الجهة ، وهذا أمر يظهر من الخارج لا من الأخبار.

ومما ذكر ارتفع التعارض بين صحيحة عبد الرحمن وما ذكرنا من الأخبار ، لجواز أن يكون المراد من قوله 7 : « ما وصل إليه الغسل » أعمّ من البشرة وما فوق الجبيرة ، بل هذا أنسب إلى كلمة « ما » المفيدة للعموم بلا تأمّل ، بل وأنسب إلى قوله : « وصل اليه الغسل » ، إذ لو كان المراد ما ذكره الشارح كان يقول : يغسل ما حولها ، فالعدول منه إلى ما ذكر ظاهر في ما‌

__________________

(١) من هنا إلى آخر هذه الحاشية أثبتناه من « و ».

(٢) انظر عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧ ، ٢٠٥.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ ، بتفاوت في العبارة.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ٦٥.


ذكر ، يعني أنّ كلّ شي‌ء يصل إليه ماء الغسل عند إمراره يده عليه على طريقة غسله المتعارف من صبّ الماء وإمرار اليد على الباقي يجب غسله بصب الماء وإمرار اليد على البشرة ، وعلى الجبيرة موضع البشرة ، فتأمّل.

قوله : واعلم أنّ في كلام الأصحاب. ( ١ : ٢٣٨ ).

ربما يظهر من كلامهم في مبحث التيمم أنه طهارة اضطرارية لا يصح ولا يتحقق إلاّ بعد العجز عن الطهارة المائية ، فإذا ظهر من كلامهم في المقام بل وتصريحهم أنّ الوضوء بغسل ما حول الجبيرة والمسح عليها صحيح قطعا ، بل ويظهر منهم فيه وجوبه وتعيينه يظهر من ذلك أنّ ما ذكروه في باب التيمم إنّما هو بعد العجز عن هذا الوضوء الصحيح ، بل الواجب والمعين ، فتأمّل.

قوله : أو بالتخيير. ( ١ : ٢٣٩ ).

في البناء على التخيير إشكال ، لأنّ شغل الذمة اليقيني يستدعي (١) البراءة اليقينية ، أو الظنية المعتبرة الاجتهادية ، وشي‌ء من ذلك غير متحقق بمجرد الاحتمال ، ولو قلنا بأنّه غير مرجوح بل مساو. مع الإشكال فيه أيضا ، لما ذكرنا في صدر الكتاب في مسألة تيمم الجنب للخروج عن المسجدين من أنّ التيمم بدل اضطراري عن الطهارة المائية (٢) ، فحيث ثبت من الأخبار وكلام الأصحاب ( ووفاقهم ) (٣) صحة الطهارة المائية قطعا ، بل ووجوبها عينا ـ على الظاهر منها ـ يكون ذلك قرينة واضحة على الجمع الأول وتعيينه (٤) ، فتدبر.

__________________

(١) في « أ » و « و » : يقتضي.

(٢) راجع ص ١٥.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ب » : وورد.

(٤) في « ب » و « ج » و « د » : بعينه.


وأشكل مما ذكر الاكتفاء بالتيمم على الجبيرة مع التمكن من الوضوء بغسل ما حولها أو المسح عليها. بل مع قطع النظر مما ذكرنا يبعد حمل الأخبار الواردة بالتيمّم على التيمم على الجبيرة ، فتأمّل.

قوله : الأظهر. ( ١ : ٢٤٠ ).

فيه ما ذكرنا في المسح على الخفين ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وتتعلق النية. ( ١ : ٢٤٠ ).

فيه : أنّ الحاجة إلى النية إنما هي من جهة كون الفعل عبادة مطلوبة من الفاعل ، ولا شكّ في أنّ الوضوء ليس وضوء المباشر ، فلا يمكن أن يصلي به أو يطوف مثلا ، بل الوضوء وضوء الآمر بلا شبهة ، والعبادة عبادته ، وهو مطلوب منه لا من المباشر ، بل المباشر من قبيل الآلة لتحقق المطلوب ، فلا وجه للحكم بتعلق النية به ، وخصوصا مع عدم التعلق بالآمر ، والظاهر أنّ المباشرة غير واجبة إلاّ على المملوك والأجير ، لأصالة البراءة ، ووجوبها على المملوك والأجير ليس من قبيل العبادات بل هو من باب المعاملات ، وعلى تقدير كونه من العبادات يكون عليهما النية من جهة تكليفهما لا من جهة التكليف بالوضوء ، فتأمّل.

قوله : وتمكين غيره منها كان أولى. ( ١ : ٢٤٠ ).

( بل هو متعين ) (١) ، بل هو أولى بالنية من ( المباشر ، لأنّ العبادة عبادته ، فتأمّل.

قوله : إذا قلنا : إنّ الضمير عائد إلى القرآن. ( ١ : ٢٤١ ).

ربما يكون أقرب بقرينة ( لا يَمَسُّهُ ) ، إذ المسّ (٢) حقيقة في‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ج » و « د » ، وما بين القوسين ليس في « ب ».

(٢) في النسخ زيادة : ليس ، حذفناها لاستقامة المعنى.


الإمساس الجسدي البدني ، مضافا إلى أنّه تعالى في مقام وصف القرآن وأحواله. مع أنّ قوله تعالى ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) صفة القرآن ، فلا وجه للفصل بأجنبيّ. مع أنّ قوله ( مَكْنُونٍ ) مطلق ، فالظاهر أنّه مكنون مطلقا ، لظهور بقاء المطلق على إطلاقه ، وأصالة عدم التقييد ، وعدم تعلق الاستثناء به.

وأيضا نقل عن الشيخ والطبرسي ـ رحمهما الله ـ أنّهما قالا في التبيان ومجمع البيان : وعندنا أنّ الضمير يعود إلى القرآن (١).

وأيضا يظهر من أخبار متعددة عن الأئمة : أنّ الضمير راجع إلى القرآن (٢).

ومما ذكرنا يظهر أيضا أنّ الجملة الخبرية بمعنى النهي ، كما لا يخفى على من تأمّل أدنى تأمّل.

وأما المطهّر فعلى تقدير ثبوت الحقيقة الشرعية فظاهر رجحانه في الطهارة الرافعة ، وعلى تقدير عدم الثبوت فالحمل على المعنى اللغوي أي الحقيقي منه في المقام بعيد ، بل لم يقل به أحد بعد ملاحظة كون الجملة بمعنى النهي ، والإمساس بمعناه الحقيقي ، فتعين أن يكون المراد غيره. فبعد القرينة الصارفة يتعين المعنى الاصطلاحي ، لكثرة استعمال الشرع فيه إلى أن وقع النزاع في صيرورته حقيقة عنده وفي اصطلاحه.

ولورود الأخبار الكثيرة في المنع عنه ، وكذا فتاوى الفقهاء.

وأمّا النهي عن غيره فغير معروف من الأخبار وكلام الأخيار ، بل ويظهر من بعض أخبار الأئمة تفسيرها بالطهارة الرافعة ، مثل ما روي في القويّ عن‌

__________________

(١) التبيان ٩ : ٥١٠ ، مجمع البيان ٥ : ٢٢٦.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢.


أبي الحسن 7 : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ، ولا جنبا ، ولا تمسّ خطه (١) ، ولا تعلقه ، إنّ الله تعالى يقول ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٢).

إلاّ أن يقال : يظهر منه دخول التعليق مثلا فيه أيضا ، ولم يقل أحد بحرمته أيضا ، لكن سيجي‌ء في مبحث الجنابة أنّ السيد ـ ; ـ عامل بمضمون هذه الرواية (٣).

مع أنّه غير مضرّ ، لأنّ الغرض هنا إثبات كون الطهارة بالمعنى الاصطلاحي ، لا الدلالة على الحرمة أيضا ، إذ بملاحظة الأدلة الخارجة يظهر أنّ النهي هنا مستعمل في القدر المشترك.

وأمّا الآية فيظهر من الأدلّة ـ مضافا إلى ظاهرها ـ الحرمة ، فيمكن أن يكون التعليل في الخبر بالنسبة إلى مس القرآن ، لا مثل التعليق ، كما هو المستفاد من قوله ( لا يَمَسُّهُ ). أو يكون التعليق من بطون القرآن ، فلا يمنع التمسك بالظاهر ، فتدبّر.

قوله : ويتوجه على الروايتين. ( ١ : ٢٤١ ).

هاتان الروايتان وإن كانتا مطعونا في سندهما إلاّ أنّ مضمونهما منجبر بعمل الأصحاب ، كما عرفت مرارا.

مع أنّ الرواية الأولى ليس فيها إلاّ الحسين بن مختار ، وقد وثقه المفيد في إرشاده (٤) ، وعلي بن الحسن بن فضال على ما نقله ابن عقدة (٥) ، وقال‌

__________________

(١) في بعض نسخ المصادر : خيطه.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٧ / ٣٤٤ ، الاستبصار ١ : ١١٣ / ٣٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

(٣) المدارك ١ : ٢٨٧.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢٤٨.

(٥) انظر الخلاصة : ٢١٥.


الصادق 7 له : « رحمك الله » (١) ، إلى غير ذلك مما ذكرناه في تعليقتنا على رجال الميرزا (٢). وأما أبو بصير فمشترك بين ثقات ليس إلاّ ، كما حقّقناه فيها (٣).

والثانية فيها حماد بن عيسى ، وهو ممن أجمعت العصابة. فلا يضر الإرسال الذي بعده ، كما حقّقناه أيضا (٤) ، مع أنّ الظاهر أنّ حمادا أخذه من كتاب حريز ، وكتابه معتمد معتبر لا تأمّل فيه ، ويظهر من رواية حماد (٥) المشهورة في كيفية الصلاة اعتباره.

قوله : عدم الدلالة على المدعي صريحا. ( ١ : ٢٤١ ).

فيه ، إشارة إلى دلالة مّا ، وهو كذلك ، لأنّ الكتابة لا تكاد تنفك عن المماسة غالبا ، والأخبار واردة مورد الغالب.

ومع الإغماض عن الدلالة لا شك في أنّ الحمل على ذلك أولى وأقرب من الحمل على الكراهة ، سيّما مع موافقته لغيره من الأخبار الظاهرة في الحرمة.

وكذا ظاهر الآية على حسب ما مرّ ، فتدبر.

وفي الفقه الرضوي : « ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ، ومس الورق » (٦).

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ / ٨.

(٢) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١١٦ و ٣٧١ و ٦.

(٣) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١١٦ و ٣٧١ و ٦.

(٤) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١١٦ و ٣٧١ و ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣١١ / ٨ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٦) فقه الرضا 7 : ٨٥ ، مستدرك الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.


قوله : وإمكان حملها. ( ١ : ٢٤١ ).

لا يخفى أنّ الشارح اختار كون الحديث الصحيح حجة وإن لم يوجد بمضمونه قائل ، ولا يشترط في حجيته ذلك ، وصرح بذلك.

قوله : وهو متّجه. ( ١ : ٢٤٢ ).

فيه : أنّه إذا لم يكن دليل فلا وجه للحكم في الكراهة أيضا.

نعم ، لو بني على التسامح في أدلة الكراهة والسنة لأمكن ، لكنه خلاف رأي الشارح ، وإن كان الحق التسامح ، كما حققناه في أوّل الكتاب ، فلاحظ.

قوله : لكل صلاة ، مراعاة. ( ١ : ٢٤٢ ).

هذا موقوف على أحكام ثلاثة :

الأول : كون الصلاة واجبة عليه في هذه الحالة.

الثاني : أنّ الطهارة شرط حينئذ أيضا ، لأنّها شرط مطلقا بمقتضى النص.

الثالث : أنّ فعل الطهارة في أثناء الصلاة مبطل لها ، فإنّ الحدث إذا كان ناقضا مطلقا ، والطهارة تكون شرطا مطلقا يقتضي ذلك سقوط الصلاة.

نعم ، إذا ثبت أنّها ليست بساقطة يكون الأمر كما ذكره ، والظاهر أنّ عدم السقوط إجماعي.

قوله : وظاهر كلامه أنّ البول. ( ١ : ٢٤٢ ).

لا مطلقا ، بل الذي يخرج قطرة قطرة من غير قصد وإرادة ، أمّا غير ذلك فلا ، فلعل نظره إلى عدم عموم في الأخبار الدالة على النقض بحيث يشمل الفروض النادرة ، فتأمّل.


وموثقة سماعة أو مضمرته : عن رجل أخذه تقطير من فرجه ، إمّا دم وإمّا غيره ، قال : « فليصنع خريطة وليتوضأ وليصلّ ، فإنّما ذلك بلاء ابتلي به ، فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضأ منه » (١) ، فتأمّل.

قوله : فإنّ الجمع بين الفريضتين. ( ١ : ٢٤٣ ).

سيما في المقام ، لأنّه في صدد الإشكال في حكاية دوام الحدث المانع من الطهارة ، فتدبر.

قوله : وأنّ العمل بها. ( ١ : ٢٤٣ ).

والصدوق ـ ; ـ روى هذه الرواية بطريق فيه علي بن أحمد بن عبد الله البرقي ، وأبوه أحمد (٢) ، فلعل الشهيد بنى على ما ذكر في علم الرجال من أنّه رجع عن القول بعبد الله كل الشيعة إلاّ عمار وطائفته (٣) ، أو بنى على حكاية إجماع العصابة (٤) ، أو على تصحيح العلاّمة ـ ; ـ هذه الرواية (٥) ، فتأمّل.

قوله : وهو مصادرة. ( ١ : ٢٤٣ ).

ليس فيه مصادرة ، لأنّه يثبت في مقامه اشتراط الاستمرار بالأخبار وغيرها ، وعلى تقدير المناقشة في دليله لا يقال : إنّه مصادرة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٧ ، الوسائل ١ : ٢٦٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥.

(٣) انظر رجال الكشي ٢ : ٥٦٥ / ٥٠٢ ، والإرشاد ٢ : ٢٢٣.

(٤) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٥) كما في المختلف : ٢٨.


وبالجملة : أنّه مبني على مقدمة مسلّمة عند الأكثرين ، كما سيجي‌ء وسيجي‌ء استدلالهم عليها ، وهي أنّ الطهارة شرط ، ومع زوال الشرط يزول المشروط ، وأنّ الإجماع حاصل على أنّ الفعل الكثير مبطل ، وبروايتين ستذكران ، استدلوا بذلك ردّا على من قال : إن الحدث سهوا لا يبطل الصلاة ، فلو تمّ أدلّتهم عليه للزمهم القول بالبطلان هنا لو قالوا بأنّه حدث ، فالنقض منه وارد على المعظم ، مع أنّه يعتقد تمامية الدليل مثلهم ، فلا وجه للحكم بالمصادرة بوجه من الوجوه ، فتأمّل.

قوله : في موضع النزاع. ( ١ : ٢٤٣ ).

النزاع لا ينافي الإجماع عندنا (١) ، مع أنّ ضروري المذهب مثل حرمة القياس وقع فيه النزاع ، فما ظنك بالإجماع ، وسيما المنقول بخبر الواحد ، فإن قال بحجيته فلا وجه للمنع وإلاّ فلا وجه لمنع الإجماع أصلا ، ولا للاستناد إلى النزاع ، بل الوجه على هذا أن يمنع حجيته خاصّة ، ومع ذلك ، المنع غير المصادرة ، وعدم ثبوت الإجماع عند الشارح ـ ; ـ لا يضر المستدل ، فتأمّل.

قوله : المعتضدة بالأصل. ( ١ : ٢٤٤ ).

لا بدّ من التأمّل في هذا الأصل ، إذ لم نجد له أصلا ، بل لم نجد العمومات أيضا ، إذ العبادة ماهيتها غير معلومة إلاّ من الشرع ، وثبوت كون مثل هذه الصلاة من جملة ما أمر الله تعالى به محل تأمّل ، سيما بعد ملاحظة قوله 6 : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٢) وأنّه صلّى الله عليه‌

__________________

(١) ليس في « أ » و « ج » و « د ».

(٢) عوالي اللآلي ١ : ١٩٧ / ٨ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ١٢٤.


وآله ما صلّى كذلك قطّ ، وكذا ملاحظة « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) ، لأنّه من قبيل : لا صلاة إلاّ بطهارة الثوب ، أو طهارة الجسد ، فإنّ الظاهر منه كون مجموع الصلاة من أوّلها إلى آخرها كذلك ، وكذا ملاحظة الإجماع والأخبار الواردة في إبطال الفعل الكثير ، فتأمّل.

وبالجملة : العمدة ما ذكره من اعتبار السند وعمل الأصحاب ، وهذا القدر يكفي لإثبات الحكم.

قوله : أمكن في الاستعمال. ( ١ : ٢٤٤ ).

لو تم هذا لاقتضى استحباب الوضع على اليسار أيضا في بعض الأواني ، مع أنّ كون مثل هذا دليلا على الاستحباب الشرعي محل تأمّل.

قوله : وهو حسن. ( ١ : ٢٤٤ ).

لو تمّ الدليلان لعمّا غير ما نحن فيه من جميع الأمور ، ولم يفت الأصحاب في غير الوضوء حتّى الغسل وغسل النجاسة ونظائرهما ، نعم ، في حسنة ابن أذينة التي رواها الكليني في علة الأذان ، وهي صحيحة أو كالصحيحة ، سيما عند الشارح ـ ; ـ مع أنّ المقام مقام الاستحباب ، مع أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، ومضمون الحسنة أنّه 7 قال : « فتلقى رسول الله 6 الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ـ في نسخة ـ وباليمنى ـ في نسخة ـ » (٢) فتأمّل جدّا.

قوله : والاغتراف بها. ( ١ : ٢٤٥ ).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ و ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١ و ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥.


أي لغسل الجميع لا لغسل الوجه واليد اليسرى خاصة. والأولى أن يستدل الشارح بالخبر المتضمن للاغتراف صريحا ، وكذا الغمس ، كما مر.

قوله : إذا وضعت. ( ١ : ٢٤٥ ).

ويظهر من بعض الأخبار (١) استحباب التسمية عند صب الماء على الوجه أيضا.

قوله : منعنا ذلك. ( ١ : ٢٤٦ ).

فيه ما فيه ، لأنّ الأصحاب كانوا يعملون ، ويظهر من ذلك اعتبارها عندهم ، وهذا لا يقصر عن الصحيح ، لو لم يكن أحسن منه ، وتمام التحقيق في ما كتبناه في الرجال (٢).

قوله : مقتضى الروايتين. ( ١ : ٢٤٧ ).

هذا الحصر بالنسبة إلى الثانية محل تأمّل ، لمكان التعليل ، فتأمّل.

قوله : وجزم الشارح ;. ( ١ : ٢٤٧ ).

يعني أنّ الشارع طلب غسل اليد من الأمور المذكورة ، مطلقا من غير تقييد بكون اليد مظنونة النجاسة أو متهمة النجاسة ، ولذلك أفتى الأصحاب كذلك ، فعلم أنّ الغسل ليس إلاّ للتعبد المحض ، فهذا يناسب التعميم ويقتضيه ، إذا كان طلبه مطلقا غير مقيد أو مشروط بشي‌ء ، وهو كذلك ، كما ستعرف.

قوله : وهو ضعيف. ( ١ : ٢٤٧ ).

لا يخفى أنّ نظره ـ ; ـ إلى ما رواه الشيخ في الصحيح ـ أو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥ / ٤ ، الوسائل ١ : ٣٧٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٢) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢٧٥.


كالصحيح ـ عن الباقر 7 ، قال : « يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا » (١).

وما رواه في الفقيه عن الصادق 7 : « اغسل يدك من البول مرة ، ومن الغائط مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا » وقال : « اغسل يدك من النوم مرة » (٢).

ولا تعارضهما صحيحة الحلبي ، لأنّ قيد الإناء كان في كلام الراوي ، وإثبات الحكم في ما سأله لا ينفي الحكم في ما عداه ، ولا يقتضي تقييدا فيه ولا اشتراطا.

ومثله الكلام في رواية عبد الكريم مع ضعف سندها ، والتعليل المذكور فيها لا يقتضي التخصيص والتقييد ، لأنّه إنما هو بالنسبة إلى ما سأله ، ولا يقتضي أن يكون علة الحكم مطلقا هو ما ذكر ، كيف وهذه إنّما هي للوضوء من النوم فقط دون البول وغيره ، مع أنّ هذه الرواية رواها في التهذيب هكذا : قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى [ شي‌ء ] (٣) ، أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : « لا ، حتى يغسلها » ، قلت : فإنه استيقظ من نومه ولم يبل ، أيدخل يده في وضوئه (٤)؟. إلاّ أن يدعي تبادر القليل من الوضوء ، لكن لا شبهة في اختصاص التعليل بالنوم في الصورة المسؤولة عنها ، فتأمّل.

قوله : ولو تداخلت. ( ١ : ٢٤٧ ).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦ / ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٥٠ / ١٤٢ ، الوسائل ١ : ٤٢٧ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩ / ٩١ و ٩٢ ، الوسائل ١ : ٤٢٨ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٤ و ٥.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٦.


نظره في ما ذكره إلى ما ذكره في بحث تداخل الوضوء والغسل ، وقد عرفت أنّه محل تأمّل (١) ، نعم يمكن أن يستند هنا إلى الصحيحة التي ذكرناها عن الباقر 7 ، بضميمة عدم القول بالفصل ، لكنه أيضا يحتاج إلى التأمّل.

قوله (٢) : اقتصارا على المتيقن. ( ١ : ٢٤٧ ).

لكن في الجنابة ورد استحباب غسل بعض الذراع أيضا (٣) ، وفي بعض الروايات كل الذراع (٤) ، على ما هو ببالي.

قوله : والمضمضة. ( ١ : ٢٤٧ ).

نقل عن الشيخ في المبسوط : ولا يلزم أن يدير الماء في لهواته ، ولا أن يجذبه بأنفه (٥).

قوله : والاستنشاق. ( ١ : ٢٤٧ ).

قال الشارح الفاضل : وليكونا باليمين ويجذب الماء بخياشيمه إن لم يكن صائما ، والأفضل مجّ الماء من فيه ، وإن ابتلعه كان جائزا (٦) ، انتهى.

قوله : لم أقف له على شاهد. ( ١ : ٢٤٨ ).

وفي ما كتب أمير المؤمنين 7 إلى أهل مصر مع محمّد بن أبي بكر : « المضمضة ثلاثا والاستنشاق ثلاثا » (٧) فلاحظ (٨).

__________________

(١) راجع ص ٢٥٥.

(٢) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٣) التهذيب ١ : ١٣٢ / ٣٦٤ ، الوسائل ٢ : ٢٣١ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٨.

(٤) التهذيب ١ : ١٣١ / ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٩ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٦.

(٥) المبسوط ١ : ٢٠.

(٦) روض الجنان : ٤٢.

(٧) الغارات ١ : ٢٤٤ ، مستدرك الوسائل ١ : ٣٠٥ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٨.

(٨) ليس في « أ ».


وفي كشف الغمة أنّ الكاظم 7 كتب إلى علي بن يقطين :

« تمضمض ثلاثا ، ثم استنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ثلاثا » إلى أن قال : ثم كتب : « توضأ كما أمر الله تعالى : اغسل وجهك واحدة فريضة واخرى إسباغا ، وكذلك المرفقين ، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنا نخاف عليك » (١) ، فإنّ تغيير خصوص غسل الوجه واليدين وإبقاء المضمضة والاستنشاق بحالهما دليل على استحباب التثليث ، كما أفتى به الأصحاب.

وفي الكافي عن الصادق 7 في من نسي الاستياك ، قال : « يستاك ، ثم يتمضمض ثلاث مرات » (٢).

وفي الفقه الرضوي : وقد روي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا ، وروي مرة مرة يجزئه ، وقال : الأفضل الثلاثة (٣).

قوله : والكل حسن. ( ١ : ٢٤٨ ).

بل الأولى تقديم المضمضة مطلقا على الاستنشاق ، لما ظهر من بعض الأخبار ، بل الأحوط الاقتصار عليه لذلك.

قوله : والدعاء. ( ١ : ٢٤٨ ).

في الفقه الرضوي : « أيما مؤمن قرأ إنّا أنزلناه في وضوئه خرج من ذنوبه كهيئة ولدته امّه » (٤) انتهى ، وفي الأخبار ورد بعد تمام الوضوء (٥) ، فتأمّل.

__________________

(١) كشف الغمة ٢ : ٢٢٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٣ / ٦ ، الوسائل ٢ : ١٨ أبواب السواك ب ٤ ح ١.

(٣) فقه الرضا 7 : ٨١ ، المستدرك ١ : ٤٦٨ أبواب الجنابة ب ٦ ح ١.

(٤) فقه الرضا 7 : ٧٠ مستدرك الوسائل ١ : ٣٢٠ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤.

(٥) راجع البحار ٧٧ : ٣٢٨.


قوله (١) : من الفرق بين الغسلة الأولى والثانية. ( ١ :٢٤٩ ).

موافق للشيخ في المبسوط (٢) ووافقهما العلاّمة (٣) أيضا ، ولعل نظرهم إلى أن غسل خصوص الظاهر من دون شي‌ء من الباطن حتى يتحقق الابتداء بغسله مما لا يكاد يتحقّق ، لأن بصب الماء على الظاهر يغسل من الباطن أيضا قدر معتد به ، لجريان الماء إليه بالقدر المذكور عادة ، ومع ذلك غسل جميع الظاهر بحيث لا يشذ عنه شي‌ء مقدما على الباطن يتوقف على اهتمام تام ، ولعله خلاف ظواهر الأخبار الواردة في بيان الوضوء ، وخلاف الطريقة المتعارفة بين الشيعة.

وحمل الحديث على أن المراد من الغسل قصد الغسل لا نفسه بعيد ومخالف للفتاوي ، فلا جرم يكون المراد الابتداء بالصبّ ، مع أن لفظ الغسل غير موجود في الحديث والصب غسل بعنوان خاص ، فإذا كان ما فيه من الخصوصية متعلق الابتداء لا جرم ذلك القيد يكون متعلق الانتهاء ، فإذا كان المراد الابتداء بالصب لا جرم منه يتحقق صب آخر مغاير للأول حتى يكون مؤخرا عنه ونهاية له ، ولا ريب في عدم تحققه إلاّ في الغسلة الثانية فيصير مؤخرا في الظاهر ، كما أن يكون الرجل ابتداء صبه بالظاهر ومؤخره بالباطن ، فتأمّل.

لكن عبارة المحقق ربما لا يلائمها ما ذكرنا ، لأنه قال : وأن يبدأ في الأولى بغسل ظاهر ذراعية فإنه أيضا ظاهر في غسل مجموع خصوص الظاهر‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و ».

(٢) المبسوط ١ : ٢٠.

(٣) كما في القواعد ١ : ١١ ، والتذكرة ١ : ٢٠٢ ، ونهاية الأحكام ١ : ٥٧.


فيكون مورد الاعتراضين.

نعم ، عبارة العلاّمة ـ ; ـ لا تأبى عما ذكرناه ، لأنه قال : وبدأة الرجل بظاهر ذراعيه في الأولى والباطن في الثانية. إذ كون الابتداء في الغسلة الأولى بالظاهر لا يقتضي كون غسل مجموع الظاهر مقدما على الباطن حتى يتوجه الإيرادان ، بل في تلك الغسلة يكون الابتداء والشروع بظاهر الذراع ، فتأمّل جدا.

ويمكن أن يكون مراد المحقق أيضا ذلك إلاّ أنه وقع في عبارته مسامحة أو غفلة ، لكن يمكن أن نقول : المراد من الحديث ربما يكون هذا المذكور من دون حاجة إلى تقدير الصب في الكلام بحيث يظهر بالدلالة الالتزامية وجود صب آخر حتى يثبت ما ذكروا.

لا يقال : إن أردت أنّ غسل ابتداء ظاهر المرفق يكفي ففيه أنّ الشروع بعد ذلك بغسل مجموع الباطن من غسل ما بعد المرفق من الظاهر خلاف فتوى الفقهاء ودليلهم ، وإن أردت أن الظاهر مقدم في الغسل على الباطن يعود المحذوران.

لأنا نقول : نريد الثاني ونقول الابتداء بالظاهر على قسمين :

الأول : أن يكون الظاهر يغسل ابتداء ، وبعد يشرع في غسل الباطن ، وفيه المحذوران.

والثاني : أن يكون كل جزء من الظاهر مقدم على ما يوازيه وما يحاذيه من الباطن ، وهذا ليس فيه شي‌ء من المحذورين أصلا ، فتدبر.

قوله : وفي السند إسحاق بن إبراهيم. ( ١ : ٢٥٠ ).

هو أخو علي بن إبراهيم ولعله من مشايخ الإجازة فيكون الحديث قويا.


مع أن ابن بابويه رواها في الفقيه مرسلا (١) وفيه أيضا شهادة على القوّة والاعتبار ، مضافا إلى الاشتهار بين الأصحاب ، فينجبر الضعف ، ولعل عملهم بها للتسامح ، فيكون الفرض محمولا على الاستحباب ، لا أن المراد منه الاستحباب ، بل ينزل حكمه منزلة الاستحباب كما مرّ في صدر الكتاب ، وللإجماع حملوا على أنّ المراد شدة الاستحباب ، وبملاحظة تتبع تضاعيف الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان وجواب سؤال السائلين عن الوضوء ، حتى أنهم تعرضوا لكون الابتداء من المرفق وغيره ولم يتعرضوا لوجوب الابتداء من الظهر أو البطن مع أنّه أخفى ، فلاحظ وتأمّل. وسيجي‌ء عن الشارح في مبحث استحباب البول للجنب نظير هذا (٢).

قوله : قال الشهيد في الذكرى. ( ١ : ٢٥٠ ).

قال بعض المحققين : هذا إنّما يتمشّى على القول بعدم استحباب الغسلة الثانية ، وعدم كون المضمضة والاستنشاق من الوضوء الكامل ، وأمّا على القول بذلك فلا (٣). وصدّقه غيره من المحققين أيضا (٤).

قوله : والمستند فيه. ( ١ : ٢٥٢ ).

لا يخفى أنّ التشبّه بالعامة لعله أمر مكروه عندهم صلوات الله عليهم ، والخبر منجبر بعمل الأصحاب ، والمخالف غير معلوم صريحا ، وقول الشيخ لا بدّ من ملاحظته.

قوله : ويشهد له. ( ١ : ٢٥٣ ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠ / ١٠٠.

(٢) انظر المدارك ١ : ٢٩٨.

(٣) الحبل المتين : ٢٧.

(٤) ذخيرة المعاد : ٤٢.


وجه الشهادة وعدم الدلالة أنّ عدم البأس لا ينفي الكراهة ، سيما إذا كان مرادهم ترك المستحب ، مع أنّ حكاية الوضوء غير مذكورة.

وفي زيادات التهذيب ، في الموثق عن إسماعيل بن الفضل أنّ الصادق 7 توضّأ ثمّ مسح وجهه بأسفل قميصه ، ثم قال : « يا إسماعيل افعل كذا ، فإنّي أفعل كذا » (١).

وفيه : أنّه إن كان الأمر محمولا على ظاهره فالأظهر التقيّة ، وإن كان المراد نفي الحظر فلا ينافي الكراهة ، سيما بالمعنى المذكور ، فتأمّل.

مع أنّ المسح بالقميص لعله ورد ذمّه في الأخبار (٢).

قوله : وقد توضأ. ( ١ : ٢٥٣ ).

هذا أيضا لا ينافي الكراهة ، سيما إذا كان مرادهم خلاف الاستحباب ، مع أنّه لعله كان هناك عذر.

قوله : وهو قوي. ( ١ : ٢٥٣ ).

بل ضعيف ، إذ يظهر من الأخبار استحباب بقاء الرطوبة ، وأنّها متى كانت باقية يكون المتوضئ يعود إليه الثواب ، وقوله 7 « حتى يجف » إشعاره بمكانه.

قوله : لا ينافي الشك. ( ١ : ٢٥٣ ).

إذا اعتبرت كون زمان الطهارة بعد زمان الحدث فلا مانع من أن يجعل الحدث بمعنى الأثر الحاصل البتة ، كيف وهذا المعنى لازم للمعنى الأول لا ينفك عنه إلى أن تتحقق الطهارة ، فالإيراد من أصله فاسد ، فإن قولك :

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٧ / ١٠٦٩ ، الوسائل ١ : ٤٧٤ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٣.

(٢) انظر البحار ٧٣ : ٣١٥ و ٣١٧ و ٣٢١ و ٣٢٣.


في زمان واحد ، إن جعلته متعلقا بقولك : وجود ، فهو فاسد قطعا ، وإن جعلت الحدث بالمعنى الأول ، لأنه أيضا مناف للطهارة قطعا يمتنع اجتماعهما في زمان واحد ، وإن جعلته متعلقا بقولك : اجتماعهما ، فلا مانع أصلا ، لأن الحدث المتيقن مقدم على الطهارة المشكوك فيها قطعا ، فتدبر.

قوله : أو تيقنهما. ( ١ : ٢٥٤ ).

وفي الفقه الرضوي : « وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيهما أسبق فتوضأ » (١) ، انتهى. وأيضا الوضوء شرط لصحة الصلاة ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط ، فلا يتحقق الامتثال اليقيني بل العرفي أيضا.

قوله : فإن عبارته. ( ١ : ٢٥٦ ).

بل صرح بهذا الجواب حينما اعترض البيضاوي على عبارته في القواعد (٢) : ولو تيقنهما. إلى قوله : استصحبه ، بأن الاستصحاب انقطع يقينا ، فالموافق للقواعد مراعاة اليقين الحاصل المضاد للحالة السابقة لا الحالة السابقة ، فأجاب بأني ما استدللت بالاستصحاب ، إلى آخر ما أجاب (٣).

وما أورد عليه الشارح أيضا غير وارد ، لأن المسألة تتصور بصورتين :

الأولى : أن يكون الحدث الناقض والطهارة الرافعة الواقعة كل واحد منهما واحدا غير متعدد على اليقين.

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٦٧ المستدرك ١ : ٣٤٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٢.

(٣) انظر رياض العلماء ١ : ٣٨٢.


والثانية : وقوع كل واحد منهما على اليقين في الجملة بأن القدر المتيقن واحد مع احتمال الزيادة ، باحتمال أن يكونا متحدين أو متعددين لا يقين في واحد منهما.

فكأنّ الشارح حمل عبارته في المختلف على الصورة الأولى ، وغفل عن أنّه يلزم على هذا أن يكون قوله ـ ; ـ : ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه ، فلا يزول اليقين بالشك ، وكذا قوله : والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها ، لغوا محضا ، بل ويفيدان خلاف المطلوب ، لأنّ القولين صريحان في التمسك بالاستصحاب.

وغير خفيّ أن مراده هو الصورة الثانية ، واليقين الحاصل بوقوع حدث ناقض في الجملة وطهارة رافعة كذلك لا ينفع إلاّ بضميمة الاستصحاب ، كما لا يخفى على المتأمّل ، ويكون ما ذكره ـ ; ـ قولا في أصل المسألة بالقياس إلى أحد شقوقها ، فتأمّل.

قوله : فسرها بالمتابعة. ( ١ : ٢٥٦ ).

لم يفسرها أحد بالمتابعة في حال عدم الاختيار أيضا ، بل من فسرها إنما فسرها بها في حال الاختيار ، خاصة وما نحن فيه من أقوى أنواع عدم الاختيار ، ولذا لم يقل أحد بالبطلان بفواتها.

قوله : فإذا قمت وفرغت. ( ١ : ٢٥٦ ).

الظاهر أنّه عطف تفسيري ، والحال الأخرى أعم من الجلوس لغير الوضوء ، والسكون الذي هو خارج عنه وواقع بعد الفراغ منه ، إذ لا بدّ أن يكون المكلف مشتغلا بكون ، فتأمّل.

قوله : قوله 7 في صحيحة زرارة. ( ١ : ٢٥٧ ).

وورد أيضا أنّه قيل لواحد من الأئمة : ـ ولعله الصادق 7 ـ : إن فلانا رجل عاقل إلاّ أنه مبتلى في طهارته ، فقال : كيف يكون‌


عاقلا وهو يعلم أنّه مطيع للشيطان ، فقيل له كيف يعلم أنّه مطيع له؟ قال 7 : لأنّه لو سئل عنه : لم تفعل كذلك؟ يقول هو من الشيطان لا يخليني (١) ، ومتن الرواية ليس ببالي.

قوله : والأولى تداركه. ( ١ : ٢٥٨ ).

بل متعين ، لعدم الامتثال اليقيني بدونه ، بل العرفي أيضا ، فيبقى تحت العهدة.

قوله : فلأن نيتها إنما تكون. ( ١ : ٢٦٠ ).

لا يخفى أن هذا الشرط خلاف مقتضى دليل اعتبارها ، وخلاف إطلاق قول القائل به ، فلا وجه لما ذكره ، ولم يظهر من الشيخ في المبسوط أنّه يقول بما ذكره الشارح ، إذ لعل بناءه على أن هذا الشك داخل في الشك بعد الفراغ أو غير ذلك ، وهذا أنسب بكلامه حيث اعتبر في النية الرفع أو الاستباحة مطلقا ، مع أنّه لو قال بما ذكره لكان موردا للاعتراض بأنّ الدليل لو تم لاقتضى الاعتبار مطلقا وإلاّ فلا مطلقا ، فتأمّل.

قوله : ولأن الظاهر. ( ١ : ٢٦٠ ).

لو تم هذا بحيث يجعل مستند حصول البراءة اليقينية أو الامتثال العرفي بالنسبة إلى شغل الذمة اليقيني ، لكان دليلا على عدم لزوم الإعادة لا على عدم لزومها على تقدير القول باعتبار الاستباحة مع القول بفساد هذا القول ، والكلام إنما هو على تقدير القول بهذا الفاسد ، فلا وجه للتمسك بدلالة الأخبار ، مع أن في الدلالة أيضا تأمّل.

وبالجملة : على فرض تماميتها تكون دالة على أن قصد الاستباحة‌

__________________

(١) الكافي ١ : ١٢ / ١٠ ، الوسائل ١ : ٦٣ أبواب مقدمة العبادات ب ١٠ ح ١.


ليس بشرط على ما يقول القائل به ، لا أنّه على هذا القول أيضا لا يجب الإعادة ، فتأمّل.

قوله : تلافيا لما عساه. ( ١ : ٢٦٠ ).

استشهاده بأمثال ما ذكره ، واستناده إليها لتحصيل البراءة اليقينية أو العرفية في ما نحن فيه في غاية الغرابة ، فتأمّل.

قوله : مع احتمال الصحة. ( ١ : ٢٦١ ).

هذا الاحتمال ليس بشي‌ء ، لأن الدليل الذي استدل به على اعتبار قصد الوجه لو تم لاقتضى الوجه الذي لم يظهر على المكلف خلافه ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : الرابعة. ( ١ : ٢٦٢ ).

ولو توضأ قبل دخول الفريضة ندبا ثم دخل وقت الفريضة فصلّى ثم ذهل عن الوضوء فتوضأ ندبا للتأهب لفريضة أخرى ففيه إشكال ينشأ من أنه لو كان الخلل في الوضوء الأول لم تبرأ ذمته عن الصلاة الواجبة التي صلى به فلم يكن الوضوء الثاني مشتملا على الوجه الواقعي ، من اشتماله على الوجه الذي أعتقده.

قوله : لصدق الامتثال. ( ١ : ٢٦٣ ).

فإن قصد التعيين إنما اعتبر لتحقق الامتثال العرفي ، وهو متحقق في قصد ما هو معين في الواقع ، وإن كان مترددا فيه عند المكلف ، فلا يحتاج الامتثال هنا إلى صلاة أخرى تكون مقدمة له.

لكن يشكل الأمر من جهة الجهر والإخفات على القول بوجوبهما ومن طرف الدليل المقتضي له ، فعلى هذا يحتاج إلى صلاة أخرى تحصيلا للبراءة. والمشهور قائلون بوجوبهما ، ومنهم المصنف.

قوله : وفي هذا نظر. ( ١ : ٢٦٤ ).


يعني أن العلة لم تظهر أنها ما هي ، فضلا عن أن تكون يقينية ، حتى يصير تنقيح المناط الذي هو حجة عند الشيعة أيضا. إلاّ أن يقال : العلة صدق الامتثال بالترديد ، فيرجع إلى الدليل الأول.

ويمكن أن يكون المنقح هو الإجماع المركب ، بأن من قال بالخمس قال هنا بالصلاتين ، ومن اكتفى بالثلاث اكتفى هنا بواحدة. ويمكن أن يتمسك به من أول الأمر من دون توسيط تنقيح العلة ، لكن لا بدّ من التأمّل في ثبوت الإجماع.

قوله : والامتثال يقتضي الإجزاء. ( ١ : ٢٦٤ ).

لو تم ما ذكره لزم عدم وجوب الإعادة في صورة من صور المسألة ، مع أنّه ـ ; ـ علّل وجوب الإعادة بتحصيل اليقين بالبراءة.

وبالجملة : لا دليل على كون مثل هذا الامتثال مقتضيا للإجزاء والخروج عن العهدة مع الكشف عن كون المكلف به ليس هذا بل غيره في الواقع.

إلاّ أن يكون نظره إلى ما ذكره سابقا من احتمال كون المكلف به قصد الوجه في الجملة ، وكون المكلف مأمورا بإيقاع الطهارة على ذلك الوجه بحسب الظاهر عنده ، لكن قد عرفت ما فيه ، فتأمّل.

قوله : ويتخير في الفريضة. ( ١ : ٢٦٥ ).

فيه إشكال ظهر وجهه مما ذكرناه سابقا ، إذ لم نجد دليلا على الاكتفاء بواحدة عن ثلاث سوى صدق الامتثال بالترديد ، وهو لا يتم بالقياس إلى الجهر والإخفات ، نعم في صورة النسيان يكون الأمر كذلك ، لورود النص المنجبر بالشهرة ، ومقتضى ذلك النص التخيير ، فتأمّل.

قوله : وبين الأداء والقضاء. ( ١ : ٢٦٥ ).

لا يتصور التخيير بينهما ، بل غايته النية المرددة على تقدير وجوب‌


قصد الأداء والقضاء ، وهو غير واجب ، كما سيجي‌ء (١).

قوله : وتدل عليه. ( ١ : ٢٦٦ ).

في استدلاله بهذه الأخبار على العموم المذكور نظر ، إذ العموم لو كان فإنما هو بالنسبة إلى الأفراد الشائعة ، كما اعترف الشارح وصرح مرارا ، مع أن بعضها لا عموم فيها ، فتأمّل.

إلاّ أن الحكم إجماعي بل الظاهر أنّه ضروري.

قوله : لأنها صفات لازمة. ( ١ : ٢٦٦ ).

يتوجه على دليله هذا ما ذكره ـ ; ـ ردّا على جماعة من الأصحاب من جواز عموم الوصف ، إلاّ أن يدعي اليقين بكون هذه الصفات من خواص المني ، لكن يتوجه عليه صورة فقدها ، فتأمّل.

قوله : وهو مشكل. ( ١ : ٢٦٧ ).

لا شبهة في أن الغالب اتصاف المني بالوصفين المذكورين ، فيحصل المظنة من جهتهما.

نعم ، في اعتبار المظنة إشكال ، بل مقتضى الأدلة عدم اعتبارها مطلقا إلاّ أن يدل على اعتباره دليل شرعي ، وإن كان مقتضى الدليل الأول الذي ذكره الشارح اعتبارها عند الاشتباه. والحق أنه ليس بدليل ، بل الدليل هو صحيحة علي بن جعفر ، نعم هو يصلح للتأييد.

وما اشتهر من أن المرء متعبد بظنه لم نجد له أصلا بعنوان الإطلاق والكلية ، نعم ظن المجتهد حجة ، وليس هذا منه ، لأنه من ظنون المكلفين من حيث هم مكلفون لا من ظنون المجتهدين من حيث هم مجتهدون ، والفرق بينهما واضح ، والدليل الذي يدل على حجية ظن المجتهد لا يشمل‌

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ٣١١.


هذا ، لأنه يدل على أن التكليف بشي‌ء إذا كان يقينيا وذلك الشي‌ء غير متيقن أنه ما ذا ، وطريق العلم به يكون مسدودا والطريق إلى معرفته يكون منحصرا في الظن من حيث هو ظن ، وأين هذا مما نحن فيه ، لأن التكليف ليس بيقيني ، والأصل براءة الذمة ، والطهارة السابقة مستصحبة ، فتأمّل جدا.

قوله : مع التحقق. ( ١ : ٢٦٩ ).

أي مع تحقق أنه مني ، ومقتضى كلام العلاّمة ـ ; ـ أن المني لا يصير منيا حتى يستحيل من مرتبة كونه دما إلى مرتبة كونه منيا ، فمقتضى كلامه ـ ; ـ أيضا أن مع تحقق كونه منيا يجب فيه الغسل ، إلاّ أنّه ما دام هو على لون الدم لم يصر منيا.

ونقل الشارح الإجماع على وجوب الغسل إذا تيقن أن الخارج مني ، فالواجب في ما نحن فيه الرجوع إلى العرف ، ومراعاة أمارات الحقيقة والمجاز.

والأحوط الغسل مع حصول الاشتباه بعد الرجوع والمراعاة ، وإن كان الأصل براءة الذمة عنه حينئذ وعدم الوجوب.

قوله : ولا بأس به. ( ١ : ٢٧١ ).

اختار هنا جواز الاحتياط ، وفي مبحث الوضوء اختار عدمه (١) وحالهما متقارب بالنظر إلى الأدلة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ويمكن الاكتفاء. ( ١ : ٢٧٢ ).

ليس بشي‌ء ، لأن الصحيحة محمولة على الغالب ، كما مر وجهه مرارا ، سيما مع كونها مقيدة بالأخبار والإجماع فتأمّل. نعم الأحوط مراعاته.

قوله : والمسألة محل تردد. ( ١ : ٢٧٤ ).

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٢٥٧.


لا يخفى أن الأصل براءة الذمة ، وعدم الوجوب ، وبقاء الطهارة السابقة ، فإن كان دليل الوجوب محل نظر عنده فكيف يقرب الوجوب؟! إلاّ أن يقول : النظر ضعيف ، وهو كذلك ، لأن الخبر وإن كان مرسلا إلاّ أنّه منجبر بالشهرة ، والإجماع المنقول ، والآية تؤيده ، وكذا ما ذكره من الأخبار هذا مع أنّ الشيخ رجع عن قوله (١) ، لأنّ باقي تصانيفه متأخرة عن النهاية والاستبصار ، فتأمّل.

قوله : وهذا مما لا سبيل إليه. ( ١ : ٢٧٥ ).

لا يخفى على المطلع أنّ الشارح ـ ; ـ والشهيد والمحقق وغيرهم من الفقهاء في كثير من المسائل يتمسكون بالإجماع على وجه الاعتماد والاعتداد ، بحيث لا يبقى شبهة ولا ريبة ولا تأمّل أصلا على الملاحظ ، والكثرة بمكان لا يمكن التعداد.

مع أنّ أمثال ما ذكروه شبهة في مقابل البديهة ، كما حقق في الأصول ، وكيف لا يكون كذلك مع أن ضروري الدين والمذهب لا يحصل العلم بهما من حيث الفطرة ، لأنّهما ليسا من الفطريات قطعا بل حصوله بملاحظة حال المسلمين والمؤمنين قطعا من غير شك وشبهة ، مع أن أمثال ما ذكر من الشبهات واردة فيه أيضا.

وبالجملة : إذا كان منشأ العلم هو الحدس فكما يحصل بالضرورة من دون مصادمة الشبهة كذا يجوز حصوله من الكسب من دون المصادمة ، بل بطريق أولى. نعم في كثير من المواضع لا يحصل العلم بل يحصل الظن ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٤٣ ، وانظر المبسوط ١ : ٢٧ ، والخلاف ١ : ١١٦ ، والتهذيب ٤ : ٣١٩.


فما دل على حجية ظن المجتهد على سبيل العموم يشمل هذا. والتزام أن كل واحد واحد من الظنون التي يعتمدون عليها عليه دليل قطعي بخصوصه سوى أمثال ما نحن فيه لعله جزاف وخروج عن الإنصاف ، وغير خفي على الملاحظ المتأمّل الفطن ، فتأمّل.

قوله : بأن ذلك يخرج الخبر. ( ١ : ٢٧٥ ).

دخوله في المرسل إنما يكون إذا كان الناقل للإجماع لا يكون هو مطلعا على الإجماع وعالما به وإنما نقله بواسطة أو وسائط وأسقط الواسطة ، وليس كذلك ، بل عبارات الناقلين في غاية الوضوح في دعواهم الاطلاع ، لا أنّه لا اطلاع لهم ، بل أخبرهم مخبر عن مخبر لم يذكروه وأخبروا على سبيل الخبر وكون العهدة على المخبر ، بل هذا فاسد قطعا.

ودعوى عدم إمكان حصول الاطلاع لهم في غاية الفساد ، كيف ونحن الآن في كثير من المسائل حصل لنا العلم والاطلاع ، وادعى الشارح ـ ; ـ الإجماع في كثير من المواضع على سبيل الاستناد والاحتجاج ، كما لا يخفى على المطلع ، منها في بحث نجاسة المني (١) وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.

والناقلون للإجماع أقرب عهدا من الشارح وأعرف وأشدّ مهارة وأزيد اطلاعا بمراتب ، بل العوام حصل لهم اليقين بوجود « رستم » وأمثاله مع أنهم ما سمعوا وجودهم إلاّ من قليل من الناس ، وما اطلعوا على ذلك إلاّ من نادر من الكتب من دون أن يطلعوا على أن الناقلين ممن سمعوا ، فضلا عن أن يطلعوا على أن من سمعوه منه كان بعدد التواتر ، وهكذا إلى زمان رستم ، بل طريق علمهم التظافر والتسامع والتحدس والتفرس ، فلو أخبر العامي بوجود‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٢٦٦.


رستم مثلا لا يكون خبرا مرسلا ، كما لو أخبر بوجود الرسول 6 ، وكذا في ادعائه الرسالة وأمثال ذلك.

على أن الوسائط في نقل الإجماع لو كانت فإنما هم الفقهاء الفحول والأجلة ، وليس هذا شأن غيرهم بلا شبهة ، فالخبر في حكم المسند الصحيح.

مع أنّه أي فرق بين أمثال زماننا وزمان الحضور في حصول العلم بقول كل مجتهد مجهول ، مع أن الشيعة لم يعتبروا كون الاتفاق في عصر واحد في تحقق الإجماع.

مع أن في الضروري يحصل العلم بقول كل مجهول ، فأي مانع في النظري؟ مع أن الناقل يمكن أن يكون مراده الإجماع الضروري ، إذ ربما يكون ضروريا عند الأولين نظريا عند الآخرين ، ولا هذا ولا ذاك عند بعض ، مع أنّا حققنا أنّه لا يحتاج في العلم بالإجماع إلى قول مجهول النسب ، فتأمّل.

قوله (١) : ما شاءا إلاّ السجدة. ( ١ : ٢٧٨ ).

لا يخفى أن السجدة بنفسها لا تقرأ ، لأنها وضع الجبهة ، فلا تمكن إرادة نفسها. فإما أن يراد منها سببها وموجبها من قبيل إطلاق السبب على المسبب ، أو يضمر لفظ العبارة والكلام ونحوهما ، أو يكون المراد منها سورة السجدة ، كما يقال : أقرأ البقرة ، أو آل عمران ، أو الأنعام ، أو الحمد ، أو الرحمن أو الواقعة ، إلى غير ذلك ، كما هو الحال في جميع سور القرآن من أولها إلى آخرها أنه يطلق اللفظ الذي ذكر من السورة ويراد منه نفس السورة إذا كانت تلك السورة تعرف بذلك اللفظ المذكور فيها.

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و ».


مثلا سورة البقرة تذكر بلفظ البقرة على الإطلاق كما تذكر بإضافة لفظ السورة إليها ، فإذا قيل : لا تقرأ البقرة ، ليس المراد خصوص قوله تعالى : بقرة في قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، وكذلك قوله لا تقرأ الحمد أو آل عمران وغيرهما.

وكذلك السجدة ليس المراد نفس السجدة المذكورة في الأمر بها بل سورتها ، كما يراد من لفظ سورة السجدة ، فإذا قيل : لا تقرأ السجدة يكون المراد سورة السجدة ، كما يقال : لا تقرأ سورة السجدة ، فإن المتعارف المعهود بين المتشرعة إرادة سورة السجدة من إطلاق السجدة ، كما هو الحال في ما ذكرنا من السور إلى آخر القرآن ، مثل الفيل ، وقريش ، والكافرون ، والفتح ، إلى غير ذلك ، فإذا قيل : اقرأ القرآن إلاّ الكافرون ليس المراد في لفظ قل يا أيها الكافرون.

قوله : وليس في هاتين الروايتين. ( ١ : ٢٧٨ ).

في الفقه الرضوي : « ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التي تسجد فيها ، وهي ألم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ ، ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ومسّ الأوراق » (١) ، انتهى.

قوله : لا تخلو من ضعف. ( ١ : ٢٧٩ ).

فيه ما ذكرنا في مبحث الوضوء (٢).

قوله : مع أن أبا الربيع. ( ١ : ٢٨٠ ).

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٦٥ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ١.

(٢) راجع ص ٣٠٣.


يمكن الجمع بحمل هذه على مسّ غير الاسم ، على ما يومئ إليه قوله : وفيها اسم الله ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله تعالى. ( ١ : ٢٨٠ ).

في الاستدلال به إشكال ظاهر.

قوله : والضرائح المقدسة. ( ١ : ٢٨٢ ).

ورد في بعض الأخبار في المنع عن دخول بيوت الأئمة : جنبا ، فلاحظ ، حيث قال للراوي معترضا عليه : أهكذا تدخل بيوت الأنبياء (١)؟ ، على ما هو ببالي ، فلاحظ.

قوله : قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الجنب. ( ١ : ٢٨٢ ).

وفي الفقه الرضوي : « وليس للحائض والجنب أن يضعا في المسجد شيئا ، لأنّ ما فيه لا يقدران على أخذه من غيره ، وهما قادران على وضع ما معهما في غيره » (٢).

قوله (٣) : وروي أن الأكل. ( ١ : ٢٨٣ ).

وروى الحلبي عن الباقر 7 : « إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ » (٤).

قوله : على كراهة الأكل. ( ١ : ٢٨٤ ).

دليل الكراهة هو الخبران المذكوران عن الصدوق ، المنجبران بعمل‌

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٣٩٩ / ٢٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢١٢ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ٥.

(٢) فقه الرضا 7 : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٦٣ أبواب الجنابة ب ١٠ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٣) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٨١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٤.


الأصحاب ، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن والمكروهات ، وقد مر وجهها في صدر الكتاب ، والصحيحان المذكوران يؤيدان أيضا.

وفي الموثق كالصحيح عن الصادق ٧ : « الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله تعالى ما شاء » (١).

قوله : لضعف سند الرواية. ( ١ : ٢٨٧ ).

ليس في سندها إلاّ ضعيف واحد مشاركا مع مجهول ، فانضمامهما معا يوجب قوة ، مع أن السيد الذي لا يقول بحجية أخبار الآحاد إذا قال بحجيتها يظهر منه كونها من الأخبار المتواترة ، أو المحفوفة بالقرينة القطعية ، ويحصل من هذا ظن في غاية القوة ، والمدار عند الشارح أيضا في تصحيح الأخبار على الظنون ، بل والظنون الضعيفة ، كما لا يخفى على ( المطلع ، فتأمّل ) (٢).

قوله : فإن الحدث الذي يمكن. ( ١ : ٢٩٠ ).

سيجي‌ء في مبحث التيمم فساد ما ذكره الشارح (٣) ، فلاحظ.

قوله : أنه يجب تخليل الشعور. ( ١ : ٢٩١ ).

في الفقه الرضوي : « وميز شعرك بأناملك عند غسل الجنابة ، فإنه روي عن النبيّ 6 أن تحت كل شعرة جنابة ، فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها ، وانظر أن لا يبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلاّ وتدخل تحتها الماء » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ا » : المتأمّل.

(٣) راجع ج ٢ : ١٢٣ ، ١٢٤.

(٤) فقه الرضا 7 : ٨٣ ، المستدرك ١ : ٤٧٩ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٣.


قوله : ونقل الشيخ في الخلاف فيه الإجماع. ( ١ :٢٩٣ ).

وكذا المرتضى ، وابن زهرة ، وابن إدريس والعلاّمة (١).

قوله (٢) : ورواية زرارة. ( ١ : ٢٩٤ ).

لكن تدل على أن أجزاء الغسل ثلاثة : صبّ على الرأس ، وصبّ على المنكب الأيمن ، وصب على المنكب الأيسر ، لا أن له جزئين : صبا للرأس ، وصبا للجسد ، بل تدل على أن كل واحد من الأجزاء الثلاثة يجب تحققه لتحقق ماهية الغسل للأمر بكل واحد منها في مقام بيان الغسل ، لا أن الواجب هو الصب على الرأس والصب على مجموع الجسد ، كما نسب إلى الشاذّ منا ، فيثبت المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل.

مضافا إلى أن الواجبين الآخرين لا يمكن تحققهما دفعة ، بل لا بدّ من تقدم أحدهما وكونه المتحقق عقيب الواجب الأول.

فإمّا أن يكون نسبة هذا المعنى إلى كل واحد منهما على السواء من دون رجحان أصلا ، أو يكون الرجحان لوجوب الصب على الأيمن ، والثاني هو الأرجح والأظهر بحسب فهم العرف.

فإن الظاهر والمتبادر من قوله 7 : « ثم صب على منكبه الأيمن » بعد قوله : « ثم صب على رأسه » بلا فصل ، كون الصب على الأيمن بعد الصب على الرأس وكذلك المتبادر من قوله : « وعلى منكبه الأيسر » بعد ذكر قوله : « على منكبه الأيمن » في ضمن السياق المزبور كون الصب على الأيسر بعد الصب على الأيمن ، سيما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الله تعالى‌

__________________

(١) الانتصار : ٣٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، السرائر ١ : ١٣٥ ، التذكرة ١ : ٢٣١.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ ».


يحب التيامن في كل شي‌ء (١) ، وما ورد من أنّ النبيّ 6 كان إذا اغتسل بدأ بميامنه (٢).

مضافا إلى أن فعله 7 في مقام بيان ماهية العبادة ومعرفتها حجة ، كما حقق.

مع أن الترتيب الذكري في مقام بيان الأمور التوقيفية يرجح في نظر العرف كون الفعل بذلك الترتيب ، فلاحظ طريقة فهمهم ومكالمات الأطباء في مقام المعالجة وأمثال ذلك حتى يظهر عليك.

ومثل الحسنة المزبورة موثقة زرارة كالصحيحة عن الباقر 7 : سألته عن غسل الجنابة؟ فقال : « أفض على رأسك ثلاث أكف ، وعن يمينك ، وعن يسارك ، إنما يكفيك مثل الدهن » (٣).

مضافا إلى أن الإفاضة على الرأس مقدمة على الإفاضة على اليمين قطعا ، فيظهر من السياق أن الإفاضة على اليمين أيضا مقدمة على الإفاضة على اليسار ، سيما بملاحظة قوله 7 : « إنما يكفيك » ، لأن الظاهر منه أنّه 7 في صدد بيان أقل ما يتحقق به الغسل ، ومع ذلك أمر بالإفاضة على اليمين على حدة ، وبالإفاضة على اليسار على حدة. ومثل هذا الكلام في قوله 7 : « فما جرى » في حسنة زرارة.

قوله : لورودها في مقام البيان. ( ١ : ٢٩٥ ).

لعل المراد أن اشتراك المجموع في عدم بيان الترتيب بين الجانبين يدل على عدم اشتراطه ووجوبه ، لكن لا يخفى أن الأخبار التي هو أتى بها‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٠٠ / ١٠١.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٥٦ / ٤٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٧ / ٣٨٤ ، الوسائل ٢ : ٢٤١ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٦.


ظاهرة في عدم الترتيب مطلقا ، والأخبار الأولة في وجوبه بين الرأس والبدن ، وكيف التعارض في مقام البيان! فظهر أن ما أتى به ليس في مقام البيان البتة ، لمنافاته الإجمال. مع أن الظاهر منها ـ خصوصا الآخرين ـ أن المراد بيان أنّه لا وضوء فيه ، كما يقول به العامة (١) ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف.

ومما يومئ أنّه توجه 7 في أوله إلى الآداب والمستحبات ، إلى أن وصل إلى نفس الغسل ، فلم يذكر إلاّ أنّه يغسل جسده ولا وضوء فيه ، من غير توجه إلى مستحبات وآداب مع أن فيه آداب ومستحبات البتة.

وأهم من ذلك عدم ذكر تقديم الرأس ، إذ لا أقل من أنّه مستحب في غاية الشدة ونهاية التأكيد.

ثم لا يخفى أن غرض الشارح إن كان نفي ثبوت الترتيب بين خصوص الجانبين ، وإن وجب بين الرأس والجسد ، كما يظهر من قوله : بين الجانبين ، ففيه ما عرفت وستعرف ، وإن كان نفي الترتيب مطلقا فمع كونه خلاف ظاهر كلامه ـ مضافا إلى ما عرفت أيضا ـ أنّه إحداث قول ثالث ، والشارح بأضعف من هذا ربما يتمسك ، فتأمّل.

وبالجملة : الأخبار الأخيرة هو لا يقول بمضمونها ، والأولة لم يقل به أحد من الفقهاء بما يظهر منها على تقدير تسليم ظهور التفصيل ، بل إما حملت على الاستحباب ، أو طرحت ، أو قيل بأن المراد منها وجوب الترتيب مطلقا ، سكت المعصوم 7 عن التنصيص بالنسبة إلى الجانبين ، بناء على ظهور أن الترتيب هو كذلك ، وكانوا يعرفون من الطريقة المستمرة بين المسلمين ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر بداية المجتهد ١ : ٤٤ ، والمغني لابن قدامة ١ : ٢٤٩.


مع أنّه ورد في الأخبار الكثيرة أنّ غسل الميت يترتب بين الجانبين.

وروى في الاستبصار حديثا ظاهره الصحة ، عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر 7 ، قال : « غسل الميت ) (١) مثل غسل الجنب » (٢). ويؤيده أيضا ما في الأخبار من أن غسل الميت من جهة أنّه يخرج منه النطفة التي خلق منها (٣). ويعضده أيضا أنّ الميت الجنب يغسل غسلا واحدا (٤) ، فتأمّل ، بل صرح 7 في بعضها أنّه يغسل غسل الجنابة (٥).

وفي كتاب العلل في الصحيح إلى ابن أبي نصر ـ وهو ممن أجمعت العصابة ، وممن لا يروي إلاّ عن ثقة ـ عن عبد الرحمن بن حماد عن الكاظم 7 ، عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ قال : « إن الله. » (٦) ، وذكر وجهه.

ومرّ الإجماعات التي نقلناها مع عدم ظهور مخالف وثبوته ، مع أنّه على تقدير الثبوت خروج معلوم النسب ضرره غير ظاهر.

وربما كان في حسنة زرارة أيضا إيماء إلى ذلك.

وبالجملة : مع ملاحظة جميع ما ذكرنا ـ مضافا إلى أنّ العبادة توقيفية ـ ربما يشكل الاكتفاء بترتيب الرأس دون الجانبين ، سيما مع مشاهدة عمل المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم الاقتصار على ترتيب الرأس ، ولعله غير مأنوس من طريقتهم ، مع أن الغسل من الأمور التي يعم بها البلوى ، فلو‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣٢.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٤٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٥٣٩ الباب ٣١ من أبواب غسل الميت ب ٣١.

(٥) انظر الهامش ٣.

(٦) علل الشرائع : ٣٠٠ / ٥ ، الوسائل ٢ : ٤٨٨ أبواب غسل الميت ب ٣ ح ٨.


كان خصوص هذا الترتيب واجبا دون غيره لشاع ذلك ، ولا أقل من أن يكون مذهبا شائعا من المذاهب ، بل ولا أقل من أن يكون مذهبا معروفا من أحد من القدماء ، بل ولم نجد من المتأخرين أيضا من يفتي بذلك ، فكيف يخفى مثل هذا العام البلوى ، الكثير الحاجة ، المتوفر الدواعي على المعرفة والضبط على جميع الفقهاء من المتأخرين والقدماء؟! فتأمّل.

وأيضا (١) : كما أنّ الوضوء ماهية واحدة فكذلك الغسل ، ولذا وردت وضوءات كثيرة واجبة ومستحبة ولم يتأمّل أحد في ماهية واحد منها وأنها بأي هيئة ، وكذلك الغسل ، فإنّ الأغسال الواجبة كثيرة والمستحبة أكثر وأكثر ، ولم يتوقف أحد في واحد منها بأنها بأي كيفية ، ولم يرد في خبر من الأخبار لا كيفية الواجب ولا المستحب أصلا سوى غسل الجنابة ببعض الوجوه وغسل الميت ، وأما باقي الأغسال فلم يذكر ماهيتها أصلا ورأسا ، والبناء ليس إلاّ على كون الكل بهيئة واحدة ، وعرفت أن غسل الميت ورد فيه الترتيب بين اليمين واليسار كثيرا بحيث لم يبق مجال التوهم فيه ، ولا أقل في كون الغسل المذكور ( في موضع من المواضع الواجبة والمستحبة ) (٢) هل هو بهيئة غسل الجنابة أو بهيئة غسل الميت ، إذ لم يتوقف أحد في ذلك قطعا.

على أن الشارح في مبحث تداخل الأغسال اختار وحدة الجميع من جهة صدق الامتثال (٣) ، وليس هذا إلاّ من جهة أن جميع الأغسال بهيئة واحدة لا تفاوت فيها أصلا.

وأيضا : ترتيب الغسل وارتماسه وعدم وجوب الموالاة فيه وغير ذلك‌

__________________

(١) من هنا إلى آخر الحاشية ليس في « أ ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « و ».

(٣) أنظر المدارك ١ : ١٩٤.


إنّما ورد في الأحاديث في خصوص غسل الجنابة فقط ، مع أنّه يفهم منه أن جميع الأغسال هكذا ، واتفقت الفتاوي والأفهام على ذلك ، وليس ذلك إلاّ من بداهة اتحاد الهيئة ، وفي غسل الميت اتفق الأفهام والفتاوي والأخبار على الترتيب بين اليمين واليسار.

قوله : ولو قيل بسقوط الترتيب بالمرة. ( ١ : ٢٩٦ ).

كما يقول به المشهور ، والمراد هنا إظهار الفائدة بين قول المشهور وقول القائل ، وكذا في قوله : وفيما لو نذر. ، فإنّه يبرأ على قول القائل بمجرد الارتماس ( لا الارتماس ) (١) الذي يجعله بالقصد مرتبا.

وإنما قيده كذلك لإظهار الفائدة والفرق بين المعنيين أيضا ( وبأنه كما تظهر الفائدة بين المشهور وبين القائل تظهر الفائدة بين المعنيين أيضا ) (٢).

وقوله : لأنّه ذكره. تعليل لحصول تلك الفائدة إذا كان مراد القائل المعنى الآخر الذي تحت لفظ عبارته ، وحصول الترتيب فيه حكما وكونه في حكم المترتب واحد لا فرق بينهما ، فتأمّل.

قوله (٣) : لعدم الوحدة المذكورة. ( ١ : ٢٩٦ ).

الظاهر اتفاق الأصحاب على اشتراط الوحدة المذكورة في الارتماس كاتفاقهم على اشتراط الترتيب في الترتيبي ، والشرط المذكور شرط للصحة والإجزاء ، أو تحقق الماهية على القول بكون ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة منها.

والدليل على الشرط المذكور ما ورد في الأخبار : « إذا ارتمس ارتماسة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د » و « و ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ ».


واحدة أجزأه عن غسله » ، فما لم يتحقق الشرط لم يتحقق الإجزاء والصحة ، فيكون باطلا.

وأيضا : الترتيب شرط ، كما ثبت ، فلو لم يتحقق في الترتيبي بطل ، وإذا ارتمس بالوحدة المذكورة أجزأ عن الترتيب ، فلو لم يتحقق تلك الوحدة بطل قطعا ، لعدم تحقق الترتيب ولا ما هو مسقط للترتيب.

بل الأصحاب يجعلون الأصل في الغسل هو الترتيبي ، لأنهم يذكرون أنّ من شرائط الغسل هو الترتيب ، ثم يذكرون أنّه إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه عن الترتيب وسقط ، والسقوط لا يكون إلاّ في ما هو ثابت ، والإجزاء لا يكون إلاّ بالنسبة إلى ما هو أصل ، بل في الأخبار أن الارتماسة الواحدة تجزئ عن غسله.

ويظهر من الأخبار أن المتعارف في ذلك الزمان كان هو الترتيبي ، مع أن في تلك الرواية أنّه أجزأه ما جرى الماء قليله وكثيره ، وفيه شهادة على إرادة الترتيبي ، إذ لا مناسبة لقلة الماء وكثرته في الماء الجاري على جسده في الارتماسي ، مع أن الظاهر الإجزاء عن الدلك ، كما ستعرف ، ولا دلك في الارتماسي ، فتأمّل.

ومما ذكر ظهر فساد ما اختاره في القواعد ، من كفاية غسل تلك اللمعة المغفلة في الارتماسي (١) ، وجعله أوسع من الترتيبي ، من جهة أن الترتيبي يجب فيه غسل تلك اللمعة مع ما بعدها إن لم تكن في طرف اليسار. والظاهر أنّه استند في حكمه في الارتماسي إلى قول الصادق 7 : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه » (٢).

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢١ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٣٧ / ٣٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٦ ، الوسائل ٢ : ٢٤٠ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٣.


وفيه : أن المطلق ينصرف إلى الشائع المتعارف ، وهو الترتيبي ، كما عرفت ، مع أن المطلق يحمل على المقيد ، وقد عرفت أنّ الارتماسي شرطه الوحدة المذكورة ، وأنّ هذا الشرط موضع الترتيب في الترتيبي ، وأنّه مسقط للترتيب الذي هو شرط للصحة إجماعا ، ولذا لو غسل من اليمين شيئا قبل غسل الرأس يكون باطلا عندهم قطعا ، بل الظاهر البطلان واقعا ، كما عرفت ، وهذا كيف يجتمع مع ما ذكره من الإجزاء في الأجزاء من دون تحقق الوحدة التي هي شرط نصا ووفاقا ، بل هما متنافيان بالبديهة فكيف يجتمعان؟! ولا يمكن منع اشتراط الوحدة المذكورة أيضا.

مع أنّه لم يرض بكونه ترتيبا حكما فكيف رضي بما ذكر؟! لأن إجزاء بعض الأجزاء قبل بعض ترتيبي حقيقي ، فإن أكثر الأجزاء تطهّر ، وغسل ، وأجزأه غسله مع عدم غسل اللمعة وعدم الإجزاء فيها ، بل يصير ترتيبيا بترتيبات لا يمكن عدها من الكثرة ، بل بعكس ترتيب الترتيبي ، لأن العادة في الارتماس بتأخير الرأس عن الجسد ، والإطلاق ينصرف إلى ما هو المعتاد والمتعارف ، فيصير هذا المعتاد والمتعارف شرطا ، لأنهم : جعلوه شرطا بقولهم : « إذا ارتمس » ، إذ كلمة « إذا » ليست من أدوات العموم فيكون المطلق باقيا على إطلاقه ، فتأمّل جدا.

على أن ظاهر قوله 7 : « فما جرى عليه الماء » فاسد ، لأن الضمير في أجزأه يرجع إلى الجنب ، فيصير المعنى أنه أيّ قدر من جسده جرى عليه الماء أجزأه في غسله ولا يحتاج إلى أمر آخر ، وفيه ما فيه. وتأويله بما أراده ليس بأولى من تأويله بأن المراد : إذا جرى في جسده الماء سواء كان قليل الماء أو كثيرة أجزأه عن الدلك ، كما يظهر من غيره من الأخبار.


على أن ما أراده ـ على فرض ظهوره ـ ليس بحيث يقاوم ما ذكرنا من الأخبار والوفاق ، فضلا عن أن يغلب عليهما ، سيما وأن يكتفي في مقام تحصيل البراءة اليقينية لشغل الذمة اليقيني.

هذا مضافا إلى ما ستعرفه في مبحث وقوع الحدث في الأثناء.

ولما ذكرنا اعتبر المحقق الشيخ علي قصر الزمان في غسل اللمعة ، وأنّه لو طال يجب عليه الإعادة (١) ، والظاهر أن ما اعتبره لأجل الوحدة التي هي شرط.

لكن إن كان مراده غسلها تحت الماء حال الارتماس فلا فرق بين الطول والقصر وخرج عن محل النزاع ، وإن أراد بعد ما خرج عن الماء ففيه منع تحقق الوحدة العرفية على سبيل الحقيقة لا المجاز ، سيما بملاحظة أنّه 7 قال : « إذا ارتمس أجزأ » والارتماس هو الدخول تحت الماء ، فمقتضاه تحقق الإجزاء حين ما هو داخل ولم يخرج ، لا أنّه لم يتحقق الإجزاء إلاّ بعد الخروج وبعد غسل اللمعة بعد ما خرج ، وأين هذا من ذاك ، فكيف يكون داخلا في الأخبار الدالة على إجزاء الارتماسة الواحدة؟!.

ومما ذكر ظهر فساد ما قاله في الذخيرة (٢) من كفاية الارتماسة الواحدة وإن لم يتحقق شمول الماء لجميع الجسد إلا بعد ما خرج ، وغسل تلك اللمعة خارجا عن الماء وإن طال الزمان أيضا.

قوله : لا على معنى الاعتقاد المذكور. ( ١ : ٢٩٦ ).

يعني أنّه بمجرد الارتماس يصير بريئا وإن لم يصدر منه الاعتقاد‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٢٨٠.

(٢) الذخيرة : ٥٧.


المذكور ، لأن القائل ذكره. ، يعني أن مقتضى كلامه أن الغسل الارتماسي غسل ترتيبي حكما وإن لم يكن ترتيبيا فعلا ، والناذر نذر الغسل مرتبا بحسب الشرع من غير تقييد بالفعلي. أما لو كان مراده أنّه يعتقد الترتيب حال الارتماس فلا يبرأ إلاّ بعد الاعتقاد ، وبغير الاعتقاد لا يصير ترتيبيا.

هذا على ما أفهمه مما نقله في هذا الكتاب ، وليس عندي الذكري. وعدم الفرق بين ما هو في حكم الترتيب وما هو ترتيبي حكما (١) يحتاج إلى التأمّل ، سيّما فيما إذا نذر الاغتسال مرتبا ، فإن الظاهر منه الترتيب الفعلي إلاّ أن يكون ناويا المعنى الأعم ، فتأمّل.

مع أن كون الفائدة ما ذكره في وجود اللمعة أيضا محل نظر ظاهر (٢).

قوله : لما فيه من الاستظهار. ( ١ : ٢٩٨ ).

وهو مستحب ، لقوله 7 : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٣) ، وأمثاله ، هذا على تقدير تحقق الامتثال العرفي بدونه ، وإلاّ فهو واجب ، فتأمّل.

قوله : وإن لم يدلك جسده. ( ١ : ٢٩٨ ).

في دلالته على استحباب الدلك في صورة وصول الماء بدونه نظر ، وأما في صورة عدم الوصول بدونه فلا شبهة في الوجوب ، والدليل على استحباب الإمرار هو اتفاق الأصحاب ، كما نقله بعض (٤).

__________________

(١) في « د » زيادة : لا.

(٢) ليس في « ب ».

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٣٩٤ / ٤٠ ، ٣ : ٣٣٠ / ٢١٤.

(٤) انظر المعتبر ١ : ١٨٥.


قوله : لما فيها من الإسراع. ( ١ : ٢٩٨ ).

ولأن البقاء على الجنابة مكروه شرعا إلاّ في صورة قصد الإعادة ، مع أنّ الظاهر من الأخبار استحباب عدم البقاء حينئذ أيضا.

ومن جملة الأدلة على استحباب الموالاة الأسوة بالنبيّ والأئمة صلوات الله عليهم ، فإنها هي المعروفة عنهم.

قوله : ولا بأس بالوجوب. ( ١ : ٢٩٨ ).

أي البناء في العمل عليه ، نظير ما سيذكره الشارح في الاستبراء (١) ، ولقوله : لا بأس ، فتأمّل. وكذا لما يظهر من أدلته ، فتأمّل ولعل مراد الشيخ من الوجوب أيضا ذلك ، فتأمّل.

قوله : وهو خلاف المدعى. ( ١ : ٢٩٩ ).

بل يدل على عدم الوجوب ، من جهة أنهم : ما أنكروا على السائلين في ترك البول ، مع أنّه يظهر من تلك الروايات أن المغتسلين كانوا يتركون البول على عدم وجوبه عليهم ، فهم : قرروهم على اعتقادهم ، فلاحظها حتى يظهر عليك ما قلناه.

قوله : وخلو الأخبار. ( ١ : ٢٩٩ ).

لم يدّع أحد أنه داخل في ماهية الغسل ، فالأخبار الواردة في بيان ماهية الغسل وكيفيته لا دخل لها في عدم وجوبه ، وأمّا عدم الصراحة فغير مضر بعد تسليم الظهور ، كما يشعر به كلامه هنا ، وصرح به مرارا لأن الظهور يكفي ، مضافا إلى أنّه في مقام بيان الغسل.

ولعل مراده أنّه وإن كان ظاهرا فيه إلاّ أن خلو الأخبار في بيان الغسل ظاهر في خلافه ، وقد عرفت حالها.

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٠٠.


فالأولى أن يقول : « تغسل يدك » مبني على الاستحباب قطعا ، فلا يبقى وثوق في الدلالة على الوجوب في قوله : « وتبول. » ، والأخبار المتضمنة للإعادة تدل على الاستحباب أيضا ، وكذا ما رواه عن النبيّ 6 والأخبار الواردة في بيان الغسل مؤيدة ، فتأمّل.

قوله (١) : وهو اختيار المصنف في النافع. ( ١ : ٣٠٠ ).

ووافقهما على ذلك ابن بابويه ، وابن زهرة ، وابن حمزة ، وابن إدريس ، والمفيد إلاّ أنه قال : تمسح مرة أو مرتين أو ثلاثا (٢).

وقال في الذخيرة : إن ما ذكره في المبسوط أيضا قريب مما ذكره في النهاية (٣).

أقول : الظاهر عدم المخالفة بين ما ذكره القدماء والمتأخرون ، لأن مرادهم إخراج بقية البول بمسح ما بين المقعدة إلى الذكر ثلاثا ، ومن أول الذكر إلى آخره ثلاثا ، والمتقدمون جعلوا الغاية داخلة في المغيا ، فيصير المسح ستا ، والمتأخرون جعلوها خارجة ، فيصير تسعا ، وهذا القدر من التفاوت لعله سهل. مع أن طريقة المتأخرين أسهل ، وغرض الكل إخراج البول من الذكر.

ويمكن أن يكون مراد المرتضى أيضا ذلك ، بأن جعل أصل الذكر من المقعدة إلى الأنثيين ، كما يومئ إلى ذلك كلام ابن زهرة ، وحديث ابن مسلم بالنحو الذي رواه في التهذيب والاستبصار ، من جهة أن الغرض إخراج بقية‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٢) انظر الهداية : ١٦ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩ ، والوسيلة : ٤٧ ، والسرائر ١ : ٩٦ ، والمقنعة : ٤٠ ، وفي نسخة منها : مرتين أو ثلاثا.

(٣) الذخيرة : ٢٠.


البول مهما أمكن ، وهو لا يتحقق إلاّ بمسح ما بين المقعدة إلى الأنثيين أيضا ، لأنّه من قبيل القضيب المدور المجوف يخرج منه البول والمني ، وهو ممرّهما ، وكثيرا ما يبقيان فيه وبأدنى حركة يخرج قطعا ، ولذا ورد في الأخبار صريحا خرط بين المقعدة والأنثيين ، والأصحاب اتفقوا على الفتوى به :

فقد روي في الصحيح عن ابن أبي عمير ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وممن لا يروي إلاّ عن الثقة ـ عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن عمرو ، عن الصادق 7 : في الرجل يبول ، ثم يستنجي ، ثم يجد بللا بعد ذلك ، فقال : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاثا ، وغمز ما بينهما ، ثم استنجى ، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (١).

والشيخ روى حسنة ابن مسلم في التهذيب والاستبصار كما ذكره الشارح ، وهذه أيضا ظاهرة في ما ذكرنا ، ومعلوم قطعا أن الغرض ليس جمع الماء في الإحليل وجرّه مما بين المقعدة والإحليل ، وإبقاؤه في الإحليل ، بل لا شك في لزوم الإخراج ، للقطع بأن الغرض إخراج بقية البول ثم الاستنجاء ، لا الجمع في الإحليل ثم الاستنجاء ، لأنّه حينئذ يكون أسرع خروجا ، وعدم الخرط يكون أولى.

فيكون المراد من قوله 7 : « إلى [ طرف ] (٢) ذكره » تمام ذكره ، بجعل الغاية داخلة في المغيا ، كما هو أحد الأقوال ، أو مجازا على القول بعدم الدخول ، لعدم النزاع في تحقق الاستعمال ، مضافا إلى القرينة التي أشرنا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠ / ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٩٤ / ٣٠٣ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٢.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من التهذيب وفي الاستبصار : رأس.


إليها.

ولقوله 7 بعد ذلك : « وينتر طرفه » ، ولعل المراد النتر ثلاثا ، ولم يقيد به اكتفاء بقرينة المقايسة (١) ، لأن الغرض ليس إلاّ الإخراج ، ولا فرق بين الإخراج من الطرف والإخراج من الأصل.

ولقوله 7 في صحيحة حفص : « ينتره ثلاثا » ، ولا شك في دخول الرأس فيه. والحمل على التخيير فاسد قطعا ، لأن الغرض إخراج البقية قطعا ، فلا معنى له.

وقس على ما ذكرناه في الحسنة رواية عبد الملك ، فإن المراد مما بينهما هو الذكر ، وهو مجموعه من حيث المجموع ، ولم يصرح باسمه لقبح ذكره بالاسم. مع أن التأسيس هو الأصل والتأكيد خلافه ، لما عرفت من أنّه لا معنى لجمع الماء في الإحليل في مقام تحصيل القطع بأن الغرض إخراجه لا إبقاؤه وجعله في معرض الخروج ، إذ هو ضد الغرض قطعا. وكذا الكلام في كون المراد ثلاث غمزات.

على أنا نقول : الأخبار متعارضة ، والجمع بينهما ممكن ، ووجه الجمع أيضا ظاهر ، والبناء على التخيير مقطوع بفساده ، وجل الأحكام الفقهية من الجمع بين الأخبار ، ورواية عبد الملك غير قاصرة عن أكثر الصحاح عند الفقهاء المشهورين ، كما حققناه في موضعه ، وكذا حسنة ابن مسلم. على أن الغرض لما كان إخراج البقية قطعا أخذ الفقهاء جميع ما ورد في الأخبار مما هو سبب للإخراج ، فحكموا به ، سيما والمقام مقام الاستحباب ، والأخذ بما هو أكمل ، فتأمّل.

قوله : وما رواه الكليني. ( ١ : ٣٠١ ).

__________________

(١) في « ج » و « د » : المقام.


جعله دليلا للسيد محل نظر.

قوله : البيان المنافي للإجمال. ( ١ : ٣٠١ ).

فيه ـ مضافا إلى ما عرفته ـ : أن الحسن لا يقاوم الصحيح عندك. مع ذلك ، التخيير أيضا مناف للتعيين ، وما ورد في مقام البيان هو المعين ، والجواب بعدم الضرر فيه إذا كان لمصلحة مشترك. مع أنك قد عرفت فساد التخيير في هذا المقام.

قوله : لما فيه من المبالغة. ( ١ : ٣٠١ ).

جعله دليلا لخصوص التسع محل نظر وتأمّل ، ولا إجماع على عدم الزيادة ، للقول بالتنحنح مطلقا أو ثلاثا عن سلار ، والعلاّمة ، والشهيد ، والصبر هنيئة عن العلاّمة (١).

قوله : وهو جيد. ( ١ : ٣٠٥ ).

على تقدير الصحة أيضا مشكل ، للمخالفة للقاعدة الشرعية الثابتة من الأدلة الكثيرة الموافقة لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، فتأمّل ، ولمخالفتها للأخبار الصحيحة الكثيرة التي أفتى الفقهاء بمضمونها ، ولأخبار كثيرة لم يفتوا بمضمونها.

قوله : بإطلاق روايتي. ( ١ : ٣٠٥ ).

إطلاق هذه وما وافقها غير نافع ، لأن الظاهر منها عدم الاستبراء أيضا ، إذ لو كان استبراء لكان يذكر عند السؤال ، لأنه أوقعه من جهة إخراج البقية ، فكيف لا يذكره في هذا المقام ويكتفي بذكر أن يبول خاصة؟!

مضافا إلى أن الأصل العدم ، نعم صحيحة ابن مسلم نافعة ، لأن‌

__________________

(١) المراسم : ٣٢ ، التذكرة ١ : ١٣١ ، الدروس ١ : ٨٩.


الظاهر منها الحصر ، فتأمّل.

قوله : وهذه الرواية. ( ١ : ٣٠٦ ).

نعم ، تدل عليه رواية أخرى ، وهي ما رواه أحمد بن هلال : قال سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول؟ ، فكتب : « إن الغسل بعد البول ، إلاّ أن يكون ناسيا ، فلا يعيد منه الغسل » (١) ، رواها الشيخ أيضا.

قوله : وهو مجهول. ( ١ : ٣٠٦ ).

أقول : بل هو ثقة ـ على ما حقق ـ فالأولى أن يقال : ( إنّ هذه الأخبار لا تعارض الأخبار الصحيحة من جهة قبول الفقهاء أو المشهور منهم ، وكثرتها مع الصحة ، وموافقتها للإجماع المنقول ، ولأخبار أخر قوية ومعتبرة.

قوله : في حسنة حفص. ( ١ : ٣٠٦ ).

أقول : هو سهو ، لأنّها صحيحة قطعا ، كما نقلها سابقا (٢) ، ودلالتها على ما نحن فيه محل تأمّل.

قوله : أما وجوب الإتمام فلأن. ( ١ : ٣٠٧ ).

فيه : أن هذا إنما يتم لو ثبت من الأدلة وجود غسل للجنابة يرفع الأكبر دون الأصغر ، وأن غسل الجنابة على ضربين : ضرب يرفع الأكبر والأصغر معا بدون وضوء ، بل وانضمام الوضوء معه حرام ، وضرب يرفع الأكبر خاصة ، وانضمام الوضوء معه ليس بحرام ، بل واجب لرفع الأصغر.

وثبوت ما ذكر من الأدلة لا يخلو من الإشكال ، إذ المستفاد من الأدلة والظاهر منها أن غسل الجنابة يرفع الحدثين من دون حاجة إلى الوضوء ، بل‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٥ / ٤١٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ / ٤٠٧ ، الوسائل ٢ : ٢٥٢ أبواب الجنابة ب ١٢٣٦.

(٢) انظر المدارك ١ : ٣٠٠.


ومع المنع منه. فلو بني على أن الإطلاق والعموم منصرفان إلى المتبادر ـ وهو ما إذا لم يقع في الأثناء حدث ، وأمّا إذا وقع فيه الحدث فغير ظاهر حكمه منهما ـ ففيه : أنّ جميع الإطلاقات الواردة حكمها كذلك ، فمن أين أثبت وجود غسل يرفع الأكبر خاصة؟.

فعلى هذا نقول : القدر الذي فعله من الغسل قبل الحدث لا يرفع الجنابة قطعا ، والجنابة باقية محتاجة إلى رافع البتة ، فالرافع للأكبر إن كان رافعا للأصغر فالأمر كما اختاره ابن إدريس ومن وافقه ، وإلا فالحكم برفع الأكبر يحتاج إلى دليل يطمئن إليه النفس ، وما ذكر ذلك الدليل ولا أشار إليه.

ولا يخفى أن الحكم برفع الحدثين على وجه يطمئن به النفس إنما يتحقق بإعادة الغسل ، وضم الوضوء معه لحصول الشك في وجود غسل جنابة يرفع الأكبر خاصة ، والشك في وجود جزء غسل للجنابة يرفع الحدثين معا ، والشك في أن الغسل الذي وقع في أثنائه الحدث يرفع شيئا من الحدثين بدون الإعادة ، كما سنشير ، فتأمّل.

قوله : ليس موجبا للغسل. ( ١ : ٣٠٧ ).

لم يدّع أحد أنّه موجب للغسل ، بل يدّعون أنّه مبطل له ، ودعوى القطع بعدم الإبطال فاسد قطعا. والاستناد إلى أصالة العدم ـ مع أنّها ظنية ـ موقوفة على جريانها في ماهية العبادات أيضا ، ومع ذلك يعارضها أصالة عدم رفع الحدث بمثل هذا الغسل ، وأصالة بقاء الجنابة ، وأصالة عدم زيادة التكليف بالوضوء.

قوله : وهو إما الغسل بتمامه. ( ١ : ٣٠٧ ).

هذا الحصر مصادرة ، فإن بنى على أنّ القدر الثابت هو أحد الأمرين خاصة وغيرهما لم يثبت ، ففيه : أنّ القدر الثابت هو رفع الأكبر بغسل لم يقع في أثنائه حدث ، وإن استند إلى العموم والإطلاق في الأخبار ففيه : أن الظاهر‌


منها عدم الحاجة إلى الوضوء أصلا ، والبناء على عدم العموم من هذه الجهة والعموم من تلك الجهة فيه ما فيه.

ويمكن أن يستدل لعدم وجوب الإعادة بما ورد في الأخبار الواردة في كيفية الغسل : « ما جرى عليه الماء فقد طهر » (١) ، وما ورد : « كل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته » (٢) ، وأن يستدل لخصوص قول ابن إدريس ومن وافقه بإطلاق ما ورد في جواز تفريق أجزاء الغسل وعدم موالاتها (٣) ، فلاحظ وتأمّل ، إلاّ أن الأحوط ما ذكرناه ، لما مرو يأتي ، فتأمّل.

قوله : وهو باطل. ( ١ : ٣٠٨ ).

الحكم به إن كان من جهة الإجماع ، ففيه : أنّه لا إجماع ، وإن كان من جهة الأخبار ، ففيه : أنّه لا فرق بين القليل والكثير بالنسبة إليها ، وإن كان من جهة العقل ، ففيه : أنّه لا طريق للعقل إلى أمثال هذه التعبديات ، كيف والعبادات توقيفية ووظيفة الشرع وفاقا ، فتأمّل.

قوله (٤) : ففساده ظاهر. ( ١ : ٣٠٨ ).

فيه : أن المستدل استدل بالأولوية ، ومنعها مكابرة ، لأنّه يلزم أن يكون من يغسل من رأسه في غسله مقدار شعرة فقط من أول عمره ، ولم يغسل الباقي إلى آخر عمره ويصدر منه الأحداث التي لا تعد ولا تحصى في هذه المدة ، أن لا يرفع جميع هذه الأحداث أثر ذلك المقدار القليل غاية القلة ، ثم بعد إتمام غسله يصدر منه مقدار رأس شعرة ريح أو بول فيبطل أثر الجميع‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١ ، وتقدم في المدارك ١ : ٢٩١ و ٢٩٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٣٧ أبواب الجنابة ب ٢٩.

(٤) هذه الحاشية ليست في « أ ».


في استباحة الصلاة وأمثالها ، ورفع الحدث منها.

فكيف يكون جميع الأحداث التي لا تحصى لا ترفع أثر مقدار شعرة من الغسل ، ويكون مقدار رأس شعرة من الريح مثلا يرفع أثر جميع هذه الغسلات التي هي بالنسبة إلى مقدار شعرة من قبيل القطرة بالنسبة إلى البحار؟!

ولو لم يف مجموع الأحداث التي لا تحصى لرفع أثر شعرة من الغسل فكيف يفي شعرة من الحدث لرفع أثر مجموع الشعرات من الغسل التي لا يمكن عدها ولا يحصيها إلاّ الله تعالى؟! مع أنّ البعض أضعف من الكلّ ، سيما في المقام ، لعدم استحالة رفع أثر البعض من الحدث في الأثناء ، بحيث يعود إلى الجنابة فيحتاج إلى إعادة الغسل ، كما اختاره جماعة ، بل الأكثر ، بل المشهور ، كما قاله المحقق الشيخ علي في شرح الألفية (١) ، وورد في الخبرين ، واقتضاه الأصل والقاعدة من بقاء الجنابة حتى يثبت الرافع ، واقتضاه الأولوية المذكورة وغير ذلك ، ولا كذلك الحدث الواقع بعد كمال الغسل ، للقطع برفع الجنابة بالمرة إلاّ أنّه يرتفع خصوص الاستباحة ، وليس ذلك إلاّ من جهة أن الجزء والبعض أضعف من الجميع بالبديهة.

بل الجماعة الذين يقولون بوجوب الوضوء يكون الجزء عندهم أضعف من الكل بالبديهة ، لقطعهم بارتفاع حدث الجنابة والحدث الأصغر جميعا بالمرة بالغسل من دون وضوء ، وارتفاع الاستباحة بالمرة بالحدث الواقع بعد الغسل ، وظنهم ببقاء الحدث الأصغر وارتفاع الأكبر بالحدث في الأثناء وأنّه ما لم يتوضأ لم يرتفع الأصغر.

بل عند ابن إدريس ومن وافقه أيضا لا يكون الجزء بقوة الكل ، إذ‌

__________________

(١) شرح الألفية ( رسائل المحقق الكركي ٣ ) : ٢٠٣.


بمجموع الغسل وكماله يحصل القطع عندهم أيضا بارتفاع الأكبر والأصغر إلى أن يحدث الأصغر ، فيحصل المنع من جهته بما هو مقتضاه ، وأما إذا حصل الجزء فلا يحصل الرفع والاستباحة يقينا ، بل له مدخلية فيهما ، وأين المدخلية من التمام والكمال! ومع ذلك ليس إلاّ بظن اجتهادي ، فعلى هذا إذا ارتفع أثر المجموع والأقوى في الاستباحة فارتفاع الأضعف بطريق أولى.

هذا ، مع أنّ الرفع والاستباحة موقوفان على الكمال ، وقبله لم يتحققا ، وعدم تحققهما مستصحب حتى يثبت خلافه ، وثبوته من الوضوء بعد إتمام الغسل ـ كما قال السيد 2 ـ غير ظاهر ، لعدم الدليل ، بل ظهور العدم ، إذ ظهر ارتفاع الاستباحة مما تقدم على الحدث فلا عبرة به شرعا ولا يرتفع الحدث من الجنابة ولا يحصل الاستباحة من جهتها إلاّ بالغسل جزما ، والأجزاء السابقة يسقط اعتبارها شرعا من الأصل والقاعدة والقياس (١) بطريق أولى.

فالعبرة بما تأخر عن الحدث بحسب الشرع ، فلا بدّ من الإعادة ، فابتداء الغسل من الشروع في الإعادة ، والعبرة به شرعا لا يكون إلاّ بما أعاده ، فهو الغسل الرافع للجنابة ، فلا يجوز معه الوضوء ، لورود النهي في الأخبار (٢) ، وللإجماع ، وهو موافق لمضمون الخبرين ، ويجبر سندهما ـ مضافا إلى الشهرة وغيرها ـ بما تقدم.

قوله : لمنع كونه ناقضا. ( ١ : ٣٠٨ ).

لا يخفى أن مجرد المنع لا يكفي لحصول الطهارة حتى يثبت بدليل ، فإن كان استناده إلى العموم والإطلاق فقد أشرنا إلى ما فيهما ، فتأمّل ، سيما‌

__________________

(١) ليس في « و ».

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٦ أبواب الجنابة ب ٣٤.


مع وجود مثل هذه الرواية التي اعتمد عليها جماعة من فحول الفقهاء الماهرين في معرفة الأحاديث ، فتأمّل.

قوله (١) : إلى أن يتّضح السند. ( ١ : ٣٠٨ ).

لا يخفى أنها منجبرة بأمور : منها الأوفقية إلى القاعدة الشرعية ، كما عرفت. ومنها الموافقة للفقه الرضوي (٢) ، فإنّه أيضا صريح في ذلك ، وقد عرفت اعتباره في الجملة. ومنها الموافقة للشهرة ، فإن المحقق الشيخ علي ادعى الشهرة في هذا (٣). ومنها الموافقة لما ذكر من أنّ ناقض المجموع ناقض للأبعاض بطريق أولى ، بل المجموع ليس إلاّ كل واحد واحد من الأبعاض ، إلاّ أنّه إذا خلا عن الجنابة بالمرة يجب الوضوء ، وأمّا مع بقاء الجنابة البتة فحينئذ يكون الوضوء رافعا غير ظاهر ، مع ما عرفت من الحاشية الأولى ، وما ورد في الأخبار أن من لم يتمكن من الغسل وهو متمكن من الوضوء لا يتوضأ ، لأن الله جعل عليه نصف الوضوء ، يعني التيمم (٤) ، فتأمّل.

قوله : ويتصور ذلك في غسل الارتماس. ( ١ : ٣٠٩ ).

لا مدخلية للنية هنا ، لأن الحدث لو تحقق بينها وبين الغسل تجب إعادتها ، لوجوب المقارنة عندهم ، ولا ربط لهذا النزاع به ، بل ليس إلاّ في وقوع الحدث في أثناء غسل الأعضاء ، فتأمّل.

فعلى هذا نقول : إن وقع في الارتماس امتداد ـ بناء على ما ذكره من أن الارتماس شمول الماء للبدن دفعة بالدفعة العرفية ـ وتخلل الحدث بين

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٢) فقه الرضا 7 : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٧٤ أبواب الجنابة ب ٢١ ح ١.

(٣) راجع ص ٣٤٨.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ١.


غسل الأعضاء ، فربما يخدش هذا صدق الوحدة العرفية ، إذ يصدق عرفا أن بعض غسل الأعضاء قبل الحدث وبعض آخر بعده ، فوقع بينهما ترتيب عرفي ، فهو ينافي الدفعة المعتبرة ، فتأمّل.

وإن لم يقع فيه امتداد ، كما هو الظاهر من الشهيد ـ ; ـ فلا يتحقق حينئذ وقوع الحدث في الأثناء.

مع أن ما اختاره الشارح أشد إشكالا من جهة أنّه لم يرد الغسل الارتماسي إلاّ في حديثين متضمنين إجزاءه عن الغسل ، فإن هذا الغسل إن كان يجزئ عن الوضوء فالحق مع ابن إدريس.

وإن بنى على أنّه لا عموم فيهما يشمل محل النزاع فمن أين يثبت كون محل النزاع داخلا في الارتماسي ومجزيا؟ سيما وتحقق الارتماسي الذي هو محل النزاع في غاية الندرة ، بل لا يكاد يتحقق ، وعلى تقدير إمكان التحقق فجعله داخلا في إطلاق الحديثين غير داخل فيه أشد فسادا.

وإن كان هذا الغسل لا يجزئ عن الوضوء يلزم صرف الحديث عن الفروض المتعارفة الشائعة إلى الفرض النادر ، سيما مثل هذه الندرة ، وفيه ما فيه ، والظاهر المتبادر أنّه مجز عن الغسل المتعارف الغالب ، وأنّه لا يحتاج معه إلى وضوء للصلاة ، فتأمّل.

قوله : الحكمي القصدي. ( ١ : ٣٠٩ ).

إن أراد أنه يقصد أولا رأسه ثم بعده يمينه ثم بعده يساره فما ذكره صحيح ، لكن حمل كلامه ـ ; ـ عليه بعيد ، بل ربما يكون هذا ترتيبا فعليا ، وإن أراد ما هو الظاهر من كلامه ففيه نظر ، فتدبر.

قوله : اطرد الخلاف وإلاّ تعين إتمامه. ( ١ : ٣٠٩ ).

فيه تأمل ، لجريان كلام القائل بالإعادة هنا أيضا من دون تفاوت ، نعم القول بالاكتفاء بمجرد الإتمام لا يجزئ هنا ، بل معلوم أنّه غير قائل هنا ،


لصراحة كلامه ودليله في أنّه في خصوص غسل الجنابة.

قوله : فالحيض هو الدم. ( ١ : ٣١١ ).

لا يخفى أن دم الحيض ليس من الأمور التي بمحض اعتبار الشرع وإحداثه ، بل هو من الأمور العادية الواقعية ، مثل البول والغائط والمني ، خلقه الله تعالى في المرأة عند بلوغها أو بعده ، لأجل تكوّن الولد كالمني ، بل تكوّنه من الحيض أكثر منه بمراتب.

وشي‌ء منه يصير لبنا وغذاء له ، وشي‌ء منه يجتمع في الرحم حول الولد يصير حاميا له من ملاقاة المصادمات.

وهو يجتمع في الرحم شيئا فشيئا ، ثم تعتاد قذفه في كل شهر غالبا.

وله أقل معروف وأكثر معروف عند الأطباء أيضا ، وإن وقع الاختلاف بينهم.

وليس كل دم في المرأة فيه تلك الخواص ، أو خاصية واحدة منها. وفساده يداوي عند الأطباء ، ويحصل منه المفاسد ، وهو عيب يوجب الرد شرعا.

والشارع اعتبر له أحكاما كثيرة : منها ما ذكر في هذا الباب ، ومنها ما سيجي‌ء في كتاب النكاح والطلاق ، مثل أنّه سبب براءة الرحم ، وموجب لانقضاء العدة إلى غير ذلك ، مثل ما سيجي‌ء في مبحث النجاسات من عدم العفو عنه ، وفي باب الصيام والصلاة وغيرهما.

وكل لغة تعبر عنه بلفظ ، فالعرب بلفظ دم الطمث والقرء والحيض ، أما الأولان فلا شك فيهما ، وأمّا الأخير فبملاحظة العرف العام واللغة أيضا :

ففي المجمل : الحيض حيض المرأة (١). وفي المغرب : حاضت المرأة حيضا ومحيضا خرج الدم من رحمها (٢). وفي القاموس : حاضت المرأة‌

__________________

(١) المجمل ٢ : ١٢٧.

(٢) المغرب ١ : ١٤٥.


إذا سال دمها (١). وقال الجوهري : حاضت المرأة تحيض حيضا (٢).

والظاهر أن لفظ الطمث والقرء والحيض حقيقة في خروج هذا الدم عرفا ولغة ، أما العرف فغير خفي ، وأما اللغة فيظهر بالتأمّل في ما أشرنا وما ذكروا ، وإن كان أكثر اللغات مجازات ، فتأمّل.

وكيف كان فلا شك في أن الوارد في عبارة الشارع والفقهاء ليس إلاّ هذا المعنى. ولذا متى قال الشارع : لا تجامعوا الحائض ، والحائض لا تصلي ولا تصوم ولا تدخل المساجد والمسجدين ، إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة الصادرة عنه فيها ، كان الرواة والسامعون لهذه الأحكام يعرفون المراد من الحيض والحائض بلا تأمّل وريبة ، وما كانوا يسألون أبدا أن الحيض ما ذا؟ والحائض من هي؟ وأن الحيض بأي كيفية؟ كما كانوا لا يسألون عن المني والبول وغيرهما عند استماع الأحكام الواردة فيها بأن المراد من البول والمني مثلا ما ذا؟ وأنهما بأي شي‌ء يتحققان أو يعرفان.

نعم ، ربما يحصل الاشتباه مثلا بسبب التعدي عن الأحكام المعهودة المعتادة أو غير ذلك ، فكانت النساء يسألن عن علاج الاشتباه شرعا فأجبن بما أجبن ، فكنّ يقلن : لو كان امرأة ما زاد على هذا ، أو يقلن : أفرأيت كان امرأة مرّة ، أو غير ذلك ، فهذه صريحة في أنهن كن عارفات بالحيض وصفاته ، فالصفات معتبرة في حالة الاشتباه كاعتبار صفات المني حالة الاشتباه ، والبول بالاستبراء وعدمه ، كما مرّ في الجنابة والبول ، فتأمّل.

ومما ينبه إلى ما أشرنا أن اليهود يعتزلون الحائض بالمرة ، والنصارى يباشرونهن ويجامعونهن ، والمجوس يفعلون ما هو المعهود منهم من ترك‌

__________________

(١) القاموس ٢ : ٣٤١.

(٢) الصحاح ٣ : ١٠٧٣.


الاشتغال وغير ذلك حال حيض نسائهم ، فتأمّل.

قوله : لأن الحمرة. ( ١ : ٣١٢ ).

الإتيان بلفظ التعليل يوهم انحصار فائدة القيد في ما ذكره ، وليس كذلك ، كما لا يخفى على المتأمّل في ما سيجي‌ء ، مضافا إلى ما ذكرناه في الحاشية السابقة ، فتأمّل.

قوله : أن هذه الأوصاف. ( ١ : ٣١٣ ).

فيه تأمّل من وجوه :

الأول : أن الروايات المذكورة في الأوصاف مختلفة جدا ، فبعضها اكتفي فيه بالحرارة ، وبعضها الحرارة والحرقة ، وبعضها اللون أيضا ، وفي بعضها السواد ، وفي بعضها الحمرة ، إلى غير ذلك من الاختلاف ، فليلاحظ الكل ، وليتأمّل فيها. والبناء على تقييد كل واحد بالآخر في غاية البعد ، بل لعله لا يمكن ، والبناء على أن كل واحد من الأوصاف يستلزم الآخر ، فلأجل هذا اقتصر في البعض بذكر البعض واكتفي بواحد بدلا عن الآخر ، ففيه : أنّه على هذا لم تكن الصفات خاصة مركبة ، مضافا إلى أنّ في بعضها تضادّا ، وأنّ الظاهر عدم التلازم أيضا.

الثاني : الخاصة عبارة عن صفة واقعية مختصة غير مشتركة ، وغير خفي أن الصفات يتحقق في غير الحيض كثيرا ، مثل دم النفاس والقروح والجروح ، وما تراه قبل التسع وبعد اليأس ، وما تراه أقل من ثلاثة وأكثر من عشرة ، وما ليس بينه وبين الحيض أقل الطهر ، وما خرج من الجانب الأيمن أو الأيسر على الخلاف ، وفي حال الحمل على الخلاف ، ودم العذرة وغير ذلك.

وأيضا : إذا كانت خاصة شاملة فلا وجه لتخلفه ، وإذا كانت غير شاملة فلا وجه للحكم بأنّه متى وجدت حكم بكونه حيضا إلاّ أن يمنع مانع.


وبالجملة : المستفاد من الأدلة أن الصفات ليست بصفات الحيض إلاّ بشروط كثيرة ، مثل كونه بعد التسع وقبل اليأس ، ولا يكون في أيام العادة ولا في أيام النفاس ، ولا أقل من ثلاثة ، إلى غير ذلك مما يظهر مما أشرنا ، فكيف يعبر عنها بالخاصة ، سيما والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ، بل الأصل العدم إذا كان الشرط من الأمور الحادثة ، فتدبر.

الثالث : إن قلت : إنّ الحيض أمر واقعي والصفات صفاته في الواقع ففيه ـ مضافا إلى ما مر ـ : أن معرفة أيام الحيض والعادة وضبطها كيف يصير منشأ لتحقق الحيض بغير الصفات ، وعدم المعرفة والضبط منشأ لعدم تحققه بغير الصفات واقعا؟ وقس على الوقوع في أيام العادة وعدمه حال غيره وتأمّل جدا ، وإن أردت أن الحيض أمر اعتبره الشارع ، فلذا جعل لما اعتبره قاعدة أنه كذا وكذا إلاّ ما أخرجه دليله ، فقد عرفت في الحاشية السابقة فساد ذلك.

ويزيده بيانا : أنّ الظاهر من قوله 7 : « أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة » أن أقل الحيض واقعا ثلاثة ، وأكثره واقعا عشرة ، لا أنه وإن أمكن أنه أقل من ثلاثة واقعا إلاّ أني لا اعتبره حتى يكون ثلاثة.

وكذا الحال في الأكثر من عشرة ، حتى أنّه 7 صرح بأن ما زاد عن العشرة أو عن أيام العادة فهو من عرق ، أو من آفة أو من قرح أو من ركضة الشيطان ، وليس بحيض.

وكذا يدل عليه قوله 7 : « دم الحيض ليس به خفاء » ، وقوله 7 : « الحيض والاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد » ، إلى غير ذلك مما يحصل من تتبع الأخبار.

وأيضا : الظاهر من قوله 7 : « قبل التسع لا ترى الحيض ، وكذا بعد اليأس » أنّه ليس بحيض واقعا ، لا أنّي لا اعتبره حيضا ، إلى غير ذلك ، فتتبع وتأمّل.


وبالجملة : الأمور التوقيفية على الشرع إما نفس الأحكام الشرعية أو موضوعاتها إذا كانت عبادة ، وأمّا غيرها فليس بتوقيفي ، بل يرجع فيه إلى اللغة أو العرف أو غيرهما ، إلاّ أن يقع من العرف اشتباه أو شبهة أو اختلاف ، فيرفع الشرع جميع ذلك.

ومعلوم أن الحيض ليس بحكم شرعي ولا من العبادات ، بل من القسم الثالث ، والشرع لرفع الاختلاف مثلا قال : أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ، ولرفع الشبهة والاشتباه قال : دم الحيض ليس به خفاء ، هو دم حارّ. ، على أن غالب الحيض لما كان بالصفات المتلازمة بعضها مع بعض ـ إلا ما شذّ وندر ـ اعتبرها ، لأن الغلبة مظنة وأمارة مرجحة ، وكم من أمارات ظنية اعتبرها الشرع في أبواب الفقه ، ومنها وقوع الدم في أيام العادة وإن كان أصفر باردا ، بل وكدرة ، فإن المظنون كونه حيضا ، بل هو أقوى من الصفات في الاعتبار والشرع ، كما سيجي‌ء.

ومنها خروجه من الجانب الأيسر ، على الأظهر كما ستعرف ، بل لعل الغالب والراجح والظاهر أنّ المرأة التي بلغت مبلغ النساء في الحيض وشرعت في رؤية الدم أنّه حيض ، لأنه الأمر العادي الخلقي الغالب في النساء ، وأما الدماء الأخر فهي على خلاف ذلك ، بل وموقوفة على حوادث ، والأصل عدمها ، إلاّ أن تكون أمارة دالة عليها.

ولعله لما ذكرنا ذهب الأصحاب إلى أن ما أمكن أن يكون حيضا فهو حيض وادعوا الإجماع. ويؤيده ملاحظة كثير من الأخبار حيث رجح الشارع طرف الحيض في ما احتمله وغيره ، ولم يكن أمارة على غيره. بل وربما يعلل للحكم بكون الدم حيضا باحتمال التقدم والتأخر ، كما سنشير.

ولعله لما ذكرنا أيضا ما اعتبروا هذه الصفات إلا فيما إذا استمر الدم ، إذ لا يمكن الحكم بأن المجموع حيض.


قوله : ومتى انتفت انتفى. ( ١ : ٣١٣ ).

هذا فرع عموم المفهوم ، والشارح لا يقول به ، مع أنّه لا يقول بحجية مفهوم الوصف ، فكيف يتمسك به ثم بعمومه؟! فتدبر.

قوله : إلا بدليل. ( ١ : ٣١٣ ).

فيه ـ مضافا إلى ما سبق : ـ أن الشارع قال : دم الحيض حارّ أسود مثلا ، ولم يقل : إنّ كل دم حارّ أسود فهو حيض.

فإن قلت : اعتبرت الصفات لأجل التميز.

قلت : نعم اعتبرها لأجل التميز بينه وبين خصوص الاستحاضة فيما إذا دار الاحتمال بينهما خاصة ، ولذا في كل حديث قال ذلك ضم إليه قوله :

« ودم الاستحاضة بارد » أو قوله : « ليس يخرجان من مكان واحد » مثلا.

وبالجملة : لا يخفى ذلك على من أمعن النظر في الأخبار وتحقق ذلك أيضا أن كل موضع وقع الالتباس بين الحيض وغير الاستحاضة مثل القرحة والعذرة لم يعتبر الصفات أصلا ، بل اعتبر مميزا آخر ، لو كان ، والأغلب جانب الحيض ، كما لا يخفى على من أمعن النظر ، فتأمّل جدا.

فاللام في قوله : « فإذا كان للدم حرارة » لم يثبت إفادته العموم ، لأنه يفيد حيث لا عهد ، وظاهر أن المراد الدم المسؤول عنه ، فتأمّل.

قوله : لاعتبار سند الخبرين. ( ١ : ٣١٤ ).

هذا التعليل لا يخفى ما فيه ، وكذا قوله : ومطابقتهما. ، فإن بنى على أنّ الظاهر من السائل التردد في كون الدم المسؤول عنه عذرة أو حيضا فقط من دون احتمال مثل القرحة أيضا ، فمثل هذا لا بدّ أن يكون بصفة الحيض ، وإلا فلا وجه لاحتمال كونه حيضا ، ولا لانحصار الاحتمال فيه وفي العذرة فقط ، ففيه ما لا يخفى.

مع أنّ مقتضى الروايات أن دم الحيض حارّ أسود ، ودم الاستحاضة‌


بارد ، فعند الاشتباه والتردد في كونه حيضا أو استحاضة وعدم أمارة أحدهما وخاصة يعتبر التميز ، لا أنّ كل دم تراه المرأة ويكون حارّا أسود فهو حيض البتة ، مع أنّه خلاف الواقع جزما. مضافا إلى أنه لا وجه حينئذ للحكم باعتبار القطنة ، وأنّها لو خرجت مطوقة فهو من العذرة ، وكذا فيما لو خرج من الجانب الأيمن ، إلى غير ذلك مما أشرنا ، فتأمّل.

مع أنّه على هذا يظهر الجواب عن اعتراضه ، إذ لعله ـ ; ـ فرض المسألة أعم من مورد الحديثين ، كما سنشير ، فتأمّل.

قوله : لا عبرة بلونه. ( ١ : ٣١٤ ).

لا يخفى أن الجمع بين هذا الاعتراض والاعتراض الأول غير جيد ، لأنّه لو كان رأيه أن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض فلا وجه للاعتراض الأول ، وإلاّ فلا وجه لهذا الاعتراض ، بل المتعين هو هذا الاعتراض ، لكن قوله ; : ما لم يعلم أنّه لقرح يكشف عن أن المسألة مفروضة عنده أعم من مورد الحديثين ، إذ ظاهرهما عدم التردد في كونه دم قرحة ، بل وانحصار التردد في الحيض والعذرة ، كما مرت الإشارة إليه ، ودأب الفقيه وطريقته تعميم المسألة ، وعدم الاقتصار على مورد الحديث غالبا ، فتأمّل.

على أنا قد أشرنا سابقا أن الشارع يغلب جانب الحيض غالبا فيما إذا لم يمكن استعلام كونه غير الحيض من أماراته ، فلا حاجة إلى دعوى كون مورد الحديثين ما إذا كان الدم بصفة الحيض مع ما فيها من العناية ، وكذا دعوى انحصار تردد السائل في الحيض والعذرة فقط ، فتأمّل.

فلعلّ مراد المحقق أن الاستنقاع ليس من صفات الحيض ولا خصوصية له به ، ولم يعدّ أحد من الفقهاء ذلك من جملة صفاته ، حتى أن منهم من ذكر الخروج من الأيسر من صفاته ، ولم يذكر أحد الاستنقاع منها ، وإن كان في مقام إمكان كونه حيضا يحكم بكونه حيضا من هذه الجهة لا من‌


جهة الاستنقاع ، فعدم تعرضه لحكم الاستنقاع في هذا الكتاب وفي النافع من هذه الجهة لا من جهة توقفه كما ذكره ، فإن حكم الاستنقاع داخل تحت القاعدة لا حاجة إلى ذكره هنا ، وإنما المحتاج ذكر حكم التطوق ، لأنه مخالف للقاعدة.

وأمّا كلامه في المعتبر فمراده منه أن التطوق دليل على كونه من العذرة في الواقع بخلاف الاستنقاع ، لعدم دلالته على الحيضية أصلا ، كما أشرنا ، بل يعد في مقام الاحتمال ، نعم للاحتمال حكم شرعي وقاعدة شرعية سيذكر ، فتأمّل.

قوله : إذ المفروض. ( ١ : ٣١٤ ).

فيه ما عرفت من أن المفروض ليس عدم العلم بكونه قرحة ، بل يحتمل أن يكون ذكرهما على سبيل المثال ، وإلاّ فربما يعلم أنه استحاضة مثل أن تراه في حال اليأس أو الحمل على الأظهر عنده ، أو لم يكن بينه وبين الحيض أقل الطهر ، أو غير ذلك ، فتأمّل ، وليس عندي عبارته حتى ألاحظ ، فلاحظ.

قوله : وأجيب عنه. ( ١ : ٣١٦ ).

هذا الإشكال ينحل على طريقة المشهور ، لأن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض عندهم ، وأمّا على طريقة الشارح ـ ; ـ فالانحلال لا يخلو عن إشكال ، لأن ما تراه قبل التسع ليس بحيض لا قبل ثبوت التسع ، فتأمّل.

قوله : وكذا قيل في ما يخرج. ( ١ : ٣١٦ ).

في الفقه الرضوي : « فإن اشتبه عليها الحيض ودم القرحة فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل أصابعها ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو‌


من القرحة ، وإن خرج من الأيسر فهو من الحيض » (١).

والظاهر أن الصدوق ـ ; ـ حكم بمضمون الفقه الرضوي ، كما هو طريقته غالبا ، وأمّا الشيخ وأتباعه فموافقتهم له ليست من جهة الفقه الرضوي ، كما لا يخفى على المطلع ، بل من جهة الحديث الذي رواه سيما كتابه النهاية ، فإن فتاويه فيه على طبق أحاديث التهذيب ، كما لا يخفى على المطلع ، فهذا دليل على أن نسخة التهذيب ليست على ما ذكره الشهيد وابن طاوس ، ويظهر من كلام الشارح أن نسخ التهذيب الموجودة الآن على وفق ما نقله ، ولعله كذلك ، فهو دليل آخر على ما ذكرنا ، وكذا كون الرواية في الفقه الرضوي كذلك من الأمارات والأدلة ، وكذا اتفاق من تأخر عنه على الفتوى كذلك ، مع وجود الرواية في الكافي على خلافه ، وكذا فتوى ابن الجنيد ، وكذا ما ذكره ابن طاوس وغيره ، فإنه أيضا من الأدلة والأمارات ، مع أن المشتهر عند النساء أيضا أنه كذلك ، وسألت أنا عن المتدينة منهن عن ذلك فصرحت بأنه كذلك ، فاسأل واستعلم.

ومما يؤيد أيضا أن ابن طاوس لم ينقل عنه مخالفة المشهور وموافقة ابن الجنيد ، وأمّا الشهيد فتصنيفه البيان متأخر عن الدروس والذكرى ، وهو دليل رجوعه ، وهو دليل على ظهور الأمر عليه ، فتأمّل.

قوله : في كثير من نسخ التهذيب. ( ١ : ٣١٨ ).

لكن اتفاق نسخ التهذيب على خلاف ذلك على ما نجد الآن ، وكونه هو الظاهر من غيره من الفقهاء ، كما لا يخفى على المتأمّل المطلع ، يبعّد ما ذكره ، بل ربما يأبى عنه.

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ١٩٣ ، المستدرك ٢ : ١٤ أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.


وأمّا ما نسب إلى ابن طاوس فلا شبهة في كونه خلاف الواقع ، إذ اندراس جميع النسخ وتبدلها بالمرة بنسخة أخرى مضادة لها مع كون النسخ عند الفقهاء غالبا وفي نظرهم وانتشارها في الأقطار مما يحكم العادة بفساده ويحصل القطع بأنّه ليس كذلك ، مضافا إلى أنّه كيف اطلع ابن طاوس على جميع النسخ كلها ، فظاهر كلامه ليس مراده قطعا.

هذا كله مضافا إلى ما ذكرناه في الحاشية السابقة ، والمحقق في المعتبر قال : احتمل أن يكون ما في الكافي سهوا (١).

قوله : لضعفها وإرسالها. ( ١ : ٣١٨ ).

الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، سيما مثل هذا العمل ، لاتفاق القدماء والمتأخرين من الفقهاء والمحدثين في الإفتاء والاعتبار.

وأمّا الاضطراب فمندفع بما أشرنا إليه من المرجح بل المرجحات ، سيما مع غاية وضوح بعضها لو لم نقل بحصول العلم ، وجلّ أدلة الفقه مضطربة ، والبناء على ترجيح مّا ، فكيف مثل هذا الترجيح ، بل الذي وجدنا عن المحقق أنّه حكم بكون ما في الكافي وهما.

وأمّا مخالفة الاعتبار فهذا من المحقق في غاية الغرابة ، لأنه صرح بأنّ كل ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ما لم يعلم أنّه لعذرة أو لقرحة (٢) ، فلو خرج من الجانب الأيمن فهو قرحة ، ولو خرج من الأيسر وإن احتمل القرحة إلاّ أنّه يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، وادعى على ما ذكره الإجماع ، يعني أنّ الشارع حكم كذلك وما نحن فيه من جملته ، فالشارع حكم كذلك البتة فكيف يعترض بما يعترض ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٩٩.

(٢) المعتبر ١ : ٢٠٣.


مع أن خلقة النساء ربما تكون بحيث لو استلقين على أظهرهن ورفعن الرجلين يقع الرحم على الجانب الأيسر بحيث لو كان قرحة لخرج دمها من الجانب الأيمن ، فتأمّل.

وأمّا الشارح فقد ذكر في ما سبق : كل دم يكون بصفة الحيض يكون حيضا إلاّ أن يدل دليل على أنّه ليس بحيض (١). وما نحن فيه منه إذا كان بالصفة ، وكذا لو كان في أيام العادة ، ومرّ في اشتباه الحيض بالعذرة الصحيحتان الدالتان على أنه بمجرد الاستنقاع حيض البتة (٢) ، مع أنّه يتوجه عليهما أنّه لعله يكون دما آخر ، كما صرح به المحقق في المعتبر (٣) ، فتأمّل.

قوله : وظاهر كلام المصنف. ( ١ : ٣١٨ ).

يمكن أن يقال : لعل الغالب الخروج من الجانب ، كما هو الحال في باقي الصفات وإنّما الغلبة يكفي للتمييز.

قوله : وهل يشترط التوالي. ( ١ : ٣١٩ ).

في الفقه الرضوي : « فإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات » (٤).

قوله : فلم يسقط التكليف. ( ١ : ٣٢٠ ).

إن أراد منه الاستصحاب فمع أنه غير قائل به يتوجه عليه أنه إن أراد من التكليف كونها في معرض التكليف ، ففيه : أن الحائض أيضا كذلك ، وإن أراد من التكليف كونها بالفعل ، ففيه : أن ذلك إنما يتم إذا دخل وقت العبادة‌

__________________

(١) المدارك ١ : ٣١٣.

(٢) المدارك ١ : ٣١٣ ، ٣١٤.

(٣) المعتبر ١ : ١٩٨.

(٤) فقه الرضا 7 : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٢ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١.


ومضى منه مقدارها فرأت الدم ، وأمّا إذا رأت قبل ذلك فالأمر بالعكس ، والاستصحاب يقتضي عدم التكليف ، والتمسك بعدم القول الثالث مشترك بين الطرفين ، نعم يمكن التمسك بأنّها كانت طاهرة فتستصحب الطهارة ، إلاّ أنّه معارض بعمومات كثيرة وغيرها مما ستعرف.

وإن أراد منه العمومات ، ففيه : أنّها مخصصة بالحائض لا بما علم حيضها ، والحيض اسم لما في نفس الأمر ، مثل الفاسق في قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ) (١) وغير ذلك ، فمن أين علم أنّها داخلة في الحائض أو في غير الحائض؟! إذ الأول هو المستثنى ، والثاني هو المستثنى منه.

فإن قلت : إن المستثنى منه هو المكلف أي البالغة العاقلة ، وهذه لا شك في دخولها فيها ، وأمّا دخولها في الحائض فمشكوك فيه.

قلت : لو كانت داخلة في المستثنى منه قطعا يلزم من ذلك خروجها من المستثنى قطعا.

وإن أردت أن قبل الاستثناء كانت داخلة قطعا وبعد الاستثناء يحصل الشك في خروجها فالأصل بقاؤها على حالها.

قلت : إن أردت أن الحكم تعلق بالجميع ثم خرج البعض فما علم خروجه يحكم بالخروج ، وما شك فالأصل بقاؤه ، فلا شك في فساد ذلك ، إذ ليس هذا من العموم والتخصيص في شي‌ء بل هو نسخ وتمسك بالاستصحاب ، إذ حكم العام لا يتعلق بالأفراد إلاّ بعد خروج الخاص فيتعلق بما بقي ، فالأصل عدم التعلق إلاّ بما علم تحققه به ، وكونها بالغة عاقلة لا يكفي للعلم بالتعلق ، لأنّه لم يبق على إطلاقه وعمومه قطعا ، لخروج‌

__________________

(١) الحجرات : ٦.


الحائض جزما ، ولا يدرى هل هي حائض أم لا ، وخروج الحائض عن العموم والإطلاق تقييد وتخصيص بغير الحائض البتة ، وما دل على أنّ الحائض تفعل كذا وكذا أيضا عام ، إلاّ أن يبنى على أنّه عند الشك يكون المظنون إلحاق الشي‌ء بالأعم الأغلب ، لكنه ـ ; ـ لم يعتبر ذلك ، لأن اعتماده على العمومات الدالة على الصفات والوقوع في أيّام العادة ليس إلاّ ، ولا يعتمد على إلحاق الشي‌ء بالأعم الأغلب ، فلاحظ كلماته وتأمّل.

على أنّا نقول : عموم ما دل على اعتبار الصفة واعتبار العادة يقتضي الحكم بكونها حائضا ، فلا وجه للشك حتى يستند لرفعه إلى إلحاق الشي‌ء بالأعم الأغلب لو كان الدم بالصفة أو في العادة ، ولو لم يكن كذلك فقد ادعوا الإجماع على أن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، مع ما مر في الحواشي السابقة في أول المبحث إذ يظهر من ذلك أنّه لو اتفق أن امرأة اعتادت برؤية الدم متفرقة في ضمن العشرة في كل شهر من أول عمرها إلى آخره فالظاهر أن أهل العرف والطب يحكمون بأنّه حيض ، ولا يقولون أن مثل هذه المرأة ممن لم تحض قط ، سيما إذا وقع الحمل واللبن من هذا الدم ، فإنه حينئذ مثل المني المسلوب الصفات المعلوم كونه منيا ، فتأمّل.

ومما ذكر ظهر أن الدليل لرأي الشيخ غير منحصر في ما ذكره ، فتدبر.

قوله : أن المتبادر من قولهم. ( ١ : ٣٢٠ ).

لا يخفى أن ما ذكره إنما ينفع لو كان الشيخ في النهاية قائلا بكون النقاء المتخلل طهرا كما ذكره جدّه ـ ; ـ ومع ذلك فالأولى الاستدلال على بطلانه بعموم ما دل على أنّ أقل الطهر عشرة ، لأنّه أدل على المطلوب ، لكنه ـ ; ـ يزيف كلام جده بما سيجي‌ء ، مع أنّ عبارة النهاية على ما رأيتها لا يظهر منها ما ذكره جده ـ ;.


نعم ، ببالي أن ابن البراج شريك الشيخ في عدم اعتبار التوالي (١) ، فلعل عبارته تكون ظاهرة وأنا لم أطلع عليها ، ومع ذلك فلا بدّ من رفع اليد عن الظاهر لو كانت ظاهرة ، كما سيذكره الشارح ـ ; ـ ، ولعل نسبة جدّه ذلك إلى قائله من أنّ مستنده رواية يونس وهي ظاهرة فيه ، وهو تمسك بها من دون تعرض إلى توجيه لكنه محل تأمّل ظاهر ، سيما بعد حكمه بأنّ أقلّ الطهر مطلقا عشرة.

فعلى هذا نقول : لو كان رأيه أن النقاء المتخلل حيض ـ كما يقول به الشارح وغيره ـ فلا وجه لهذا الاستدلال عليه ، لأن الحيض المتفرق من المحالات عنده ، فكيف يبطل مذهبه بدعوى تبادر توالي الحيض ، فإنّ المذكور في الأخبار ليس إلاّ لفظ الحيض.

فإن بنى الأمر على أنّ المتبادر من لفظ الحيض هو الدم فبعد التسليم قوله 7 : « وأكثره عشرة » ربما يأبى عن دعوى التبادر ، لأنّ العشرة التي لم يتوال فيها الدم لا تأمّل في كونها من أفراد الأكثر ، بل وأكثر الأفراد. وبعد التسليم لا شبهة في أنّ أقل الحيض عند الشيخ أيضا ـ مثلا ـ منحصر في رؤية الدم ثلاثة أيام متواليات ، إذ بعد تفرقة الدم لا يكون أقل الحيض البتة ، مثلا لو رأت الدم في الأول والخامس والعاشر يكون الجميع حيضا ، وأكثر الحيض عشرة أيام ، فيكون من أكثر الحيض لا أقل الحيض.

على أنّه لو كان المتبادر من الحيض الدم يكون جميع ما ورد وتضمن أنّ الحائض تفعل كذا وكذا يشمل ما نحن فيه ، فيظهر دليل آخر للشيخ ومن وافقه ، فتدبر.

نعم ، دليل المشهور هو عبارة الفقه الرضوي ، كما أشرنا إليه ، متأيدا‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٣٤.


بظن الإلحاق بالأغلب.

قوله : ضعيفة مرسلة. ( ١ : ٣٢١ ).

لكن الكليني روى هذه الرواية ، مع أنّه صرح في أول الكافي بأن جميع ما رواه فيه ، من الأخبار الصحيحة الصادرة عن المعصومين على اليقين (١) ، وربما يظهر من هذا أن الكليني ـ ; ـ أيضا موافق للشيخ ، لأن مذهبه هو مضمون أخباره.

وأيضا ملاحظة ما ذكر في الرجال في ترجمة يونس هذا يشير إلى صحة الاحتجاج بأمثال هذه الروايات عنه. هذا مع تأيّدها بما مر في الحاشيتين السابقتين ، إلاّ أن صراحة ما نقلناه عن الفقه الرضوي وانجباره بالشهرة ربما يعارضها ، والاحتياط واضح.

قوله : لأنه إن كان حيضا. ( ١ : ٣٢١ ).

في هذا التعليل شي‌ء لا يخفى على المتأمّل.

قوله : وهو بعيد. ( ١ : ٣٢٢ ).

هذا كالمتقدم عليه ، فتأمّل.

قوله : ومن تبعه معترفين. ( ١ : ٣٢٢ ).

ذكر الشهيد في الذكرى : أنّ المفيد ـ ; ـ ذكر النبطية من جهة الرواية (٢) ، فقوله : معترفين. غير مستقيم ، فلعل بعض المتأخرين ذكر عدم النص غفلة ، أو أراد منه عدم عثوره عليه مسندا ، فتبعه الشارح غفلة ، فنسب إلى الكل ما نسب ، فتأمّل.

قوله : واختلفوا في تعيينها. ( ١ : ٣٢٢ و ٣٢٣ ).

__________________

(١) الكافي ١ : ٩.

(٢) الذكرى : ٢٨.


وقد ذكرت الأقوال في رسالتي فلاحظ.

قوله : وهي مع قصور سندها. ( ١ : ٣٢٣ ).

أمّا القصور ففيه : ما مر مرارا وسيجي‌ء من أنه لا قصور أصلا ، مضافا إلى أن الصدوق ـ ; ـ رواها ثم أفتى بها (١) ، والكليني أيضا رواها ، ويظهر منه أيضا أنّه أفتى بها ، ولذا قال : وروي ستون (٢).

وأمّا الدلالة فيكفي فيها عدم قول بين المسلمين ـ فضلا عن الشيعة ـ بأنّه غير الستين ، بل لا شبهة في أنّه لو كان غير الخمسين فهو الستون ليس إلاّ ، ويظهر ذلك من الخبر أيضا ، إذ لم يرد خبر في كون الحد غير ذلك ، بل ورد أن الحدّ ستون ويتأيد ذلك بما ذكرنا ، فتدبر.

ولا تعارضها صحيحة عبد الرحمن (٣) ، لأنّ المطلق يحمل على المقيد ، والعام على الخاص ، سيما إذا كان الإطلاق ، لأنه ينصرف إلى الغالب ، فتأمّل.

وربما كان مستند القول بالستين مطلقا رواية عبد الرحمن الأخيرة ، وما قال في الكافي : « وروي ستون سنة » ، والعمومات الدالة على اعتبار الصفة (٤) ، والعمومات الدالة على اعتبار العادة (٥) ، والإجماع الذي ادعي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥١ / ١٩٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٧ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥.


على أن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيضا (١) ، خرج الستون بالإجماع والأخبار وبقي الباقي ، ويؤيدها استصحاب كونها ممن تحيض ، وغيره مما مرّ.

قوله : كما هو. ( ١ : ٣٢٤ ).

هذا على تقدير كون الانتساب بالأب ، وإلا فالأغلب في الشيعة الآن انتسابهم بالأم ، كما لا يخفى.

قوله : فالأصل يقتضي. ( ١ : ٣٢٤ ).

الظاهر أنّ الأصل هو الراجح ، بناء على أن الشي‌ء يلحق بالأعم الأغلب.

قوله : ويعضده. ( ١ : ٣٢٤ ).

أقول : فيه ما عرفت.

قوله : وقال في المعتبر : إنه إجماع. ( ١ : ٣٢٤ ).

قد تقدم الكلام فيه ، ويدل على ذلك أيضا التعليل الوارد عنهم بأنه ربما تعجل بها الوقت فيحكم بكونه حيضا ، كما سيجي‌ء في موثقة سماعة (٢) ، فإن احتمال التعجيل كيف يكفي للحكم بالحيضية لو لم يكن الإمكان والاحتمال كافيا ، فتدبر.

ومرّ في حسنة ابن مسلم : « إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ، وإن رأت بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٣) وكذا‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠٣.

(٢) الكافي ٣ : ٧٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١. وسيأتي في المدارك ١ : ٣٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٨ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.


يشهد عليه كل ما ورد من أنها تحيض بمجرد رؤية الدم (١).

قوله : من حيث ترك المعلوم. ( ١ : ٣٢٤ ).

قد عرفت الكلام في هذا أيضا.

قوله : تعويلا على مجرد الإمكان. ( ١ : ٣٢٤ ).

بل على الإجماع. وأمّا المجمعون فلعلهم اطلعوا على المستند ، وبكون الإجماع واقعيا ، والمظنون صحة دعوى الإجماع وحقيته ، مع ما عرفت مما يمكن أن يصير مستندا لهم ، وطريق الاحتياط واضح.

قوله : وهو غير بعيد (٢). ( ١ : ٣٢٧ ).

لعل مراده أن مقدار العادة والمتقدم والمتأخر يكون المجموع حيضا إلى عشرة أيام ، وما زاد عنها فاستحاضة ، يعني لا يجب الاقتصار على العادة في الحكم بكونه حيضا ، ولا جعل نفسها حيضا ، بل المتقدم والمتأخر أيضا حيض ، بشرط أن لا يزيد على العشرة ، فليلاحظ عبارة المبسوط.

قوله : وتشهد له. ( ١ : ٣٢٨ ).

في شهادتها له نظر ، بل الكل يشهد للمصنف.

قوله : موضع الخلاف. ( ١ : ٣٢٨ ).

ليس كذلك ، بل هو أعم ، كما صرح به ابن إدريس والشهيد ، وعبارة المحقق التي سيذكرها في المقام صريحة أيضا في ذلك ، وأمّا كلام المختلف فلا صراحة بل ولا ظهور فيه لما ذكره ، غاية ما فيه أنّه أتى بالأخبار المتضمنة لاعتبار الأوصاف دليلا على المدعى ، بعد جعله المدعى أعم كغيره ، وغير خفي أن دليل الفقيه ربما يكون أخص من المدعى ، ويتمون‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ و ٦.

(٢) انظر المدارك ١ : ٣٢٧ الهامش (٥).


المدعى بضميمة عدم القول بالفصل ، وربما كان المراد إبطال مذهب الخصم.

ومما يشهد على ما ذكرنا عدم تعرضه كغيره لحال الدم الذي لا يكون بصفة الحيض ، وأنّها إذا رأته ما ذا تصنع ، وحوالته على ظهور كون الأمر بالنسبة إليها الاحتياط ، فيها ما لا يخفى على المطلع بأحوال الفقهاء ، سيما أحواله ، فتأمّل.

قوله : قال : المرأة إذا رأت الدم. ( ١ : ٣٢٩ ).

أمثال هذه الأخبار تدل على التحيّض بمجرد الرؤية مطلقا ، بصفة الحيض يكون الدم أم لا ، ومر ما يكفي للتأييد والاعتضاد في المباحث السابقة.

قوله : بل يكفي ظهوره. ( ١ : ٣٢٩ ).

الأولى أن يقول : بل يكفي الظهور الذي اقتضته الأدلة الشرعية.

قوله : قلنا : الفرق أن اليوم. ( ١ : ٣٣٠ ).

لا يقال : هذا مخالف لما ذكره من أنّ ما رأته من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.

لأنه شرط تحقق الثلاثة المتوالية في الحكم بالحيضية ، فبعد تحقق الشرط كلما يمكن أن يكون حيضا من أول الثلاثة إلى آخر العشرة فهو حيض ، لا أنّه من آخر الثلاثة إلى آخر العشرة حيض.

وبالجملة : مدار حكمه على الأصل ، فقبل تحقق الثلاثة يكون الأصل العدم ، وبعد تحققها يكون التجاوز مانعا في الصورة التي ذكرها ، والأصل عدمه ، وأمّا غير الصورة وهو أن يكون الدم المتجاوز من أوله إلى آخره بلون واحد فمقدار الثلاثة حيض ، لكونه المتيقن ، والزائد منها يبنى على فعل العبادة ، كما سيجي‌ء عن المعتبر.


والأقوى أنّها بمجرد الرؤية تترك ، كما هو الظاهر من الأخبار ، إلاّ أن يقال : إطلاقات الأخبار محمولة على الغالب ، وهو ما إذا كان بصفة الحيض ، فيرجع إلى ما ذكره الشارح ـ ; ـ ويصح لو لم يكن خرقا للإجماع المركب ، فتأمّل.

قوله : أما الدمان فظاهر. ( ١ : ٣٣٠ ).

بناء على اتصافهما بصفة الحيض فيشملهما العموم وأمّا إذا لم يكونا بصفته فلا يكونان حيضا عند الشارح ، وكذا إذا لم يكن أحدهما بصفته لا يكون حيضا عنده ، وأمّا على رأي المصنف وسائر الفقهاء فهما حيض مطلقا للكلية المدعاة في إجماعهم المنقول بخبر الواحد ، وعموم الأخبار وإطلاقها ، وخصوص حسنة ابن مسلم ، ويؤيده ما سيجي‌ء من أن ذات العادة إذا رأت ما زادت على عادتها تستظهر مطلقا ، إذ العادة أمارة كون الزائد عنها غير حيض ، ومع ذلك حكموا بالاستظهار ، فمع عدم العادة بطريق أولى ، وكل هذه يؤيد الكلية المدعاة ، فتأمّل.

قوله (١) : تحيضي أيام أقرائك. ( ١ : ٣٣٤ ).

لا يخفى أنه خطاب للمرأة الدامية المستمرة الدم المتجاوز دمها عن عادتها وصار مستمرا ، كما لا يخفى على من تأمّل حديثه وسابقه ولا حقه.

وأمّا صحيحة معاوية ورواية ابن ابي يعفور وأمثالهما مما قالوا : : المستحاضة بمجرد مضي الأيام تغتسل فمعلوم أن المستحاضة معناها : التي استمر بها خروج الدم بعد حيضها ، فهي أيضا المرأة الدامية السابقة ، ولا تأمل في أن المرأة إذا جاوز دمها عن العشرة وتكون ذات العادة ترجع إلى عادتها البتة ، وتجعل كل ما زاد عن عادتها استحاضة ، والمستحاضة تغتسل وتصلي بلا شبهة ، إذ لا تدري أن دمها يدوم ويتجاوز‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و ».


عن العشرة فيكون استحاضة وتصير من قبيل المرأة الدامية ، أو ينقطع على العاشر فلا يكون استحاضة ، وإذا لم يكن استحاضة يكون حيضا ، إذ لا ثالث ، وعرفت أن الاستظهار طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا أي استحاضة ، إذ لا حدث من الدم سواهما ، والمظهر للاستحاضة التجاوز عن العشرة ، وللحيض هو الانقطاع على العاشر ، وهو وفاقي عند الأصحاب ، وليس لهم فيه ارتياب ، كما سيجي‌ء ، فظهر أن بين الأخبار لا تعارض أصلا ، وأن المظهر هو الذي ذكره الفقهاء ، وسيجي‌ء بسط الكلام.

فالأولى أن يقال : إنّ اختلاف أخبار الاستظهار في قدره وأكثرها وارد بكلمة ( أو ) المفيدة للتخيير والترديد لا يلائم الوجوب ، مع أنّه يظهر من بعض الأخبار جواز دخول الزوج بها بعد العادة ، وغير ذلك مما سنشير.

قوله : ويمكن الجمع بينها أيضا بحمل أخبار. ( ١ : ٣٣٤ ).

هذا مع ما بعده (١) ينافيه بعض الأخبار وفهم الفقهاء. والأخبار مثل موثقة سعيد بن يسار عن الصادق 7 : « إنها إذا رأت بعد الطهر الشي‌ء من الدم الرقيق تستظهر بيومين أو ثلاثة ثم تصلي » (٢).

وصحيحة عبد الرحمن عن الكاظم 7 في النفساء إذا طهرت بعد ثلاثين يوما ثم ترى الدم أو الصفرة « إنه إن كان صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة ، وإن كان دما ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيام قرئها ثم تغتسل وتصلي » (٣).

__________________

(١) في « ج » و « د » : ما بعده.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٢ أبواب الحيض ب ١٣ ح ٨.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٣ ، الوسائل ٢ : ٣٩٣ أبواب الحيض ب ٥ ح ٢.


قوله : ثم إن قلنا بالاستحباب. ( ١ : ٣٣٤ ).

لا يخفى أنها في الواقع إما طاهرة فيكون فرضها إتيان الصلاة ، أو حائض فيكون فرضها تركها ، ولما كان أمرها مترددا بين الأمرين رخّصها الشارع وخيّرها في اختيار أي الحالين شاءت إلى أن يظهر بالمظهر أمرها ، فإن اختارت حالة الطهر وصلّت وصامت بعد هذا الاختيار ثم انكشف أنها كانت طاهرة تمضي هذه الصلاة والصوم ، وإلاّ يظهر كون الصلاة والصوم لغوا ، فهي مخيرة في الاختيار ، وبعد الاختيار يكون ما فعلت عبادة مراعى إلى وقت الانكشاف ، ولما كان اليوم واليومان ـ مثلا ـ قريبا من الحيض والعادة ، والغالب أن الحيض يزيد عن العادة بهذا المقدار ويكون هذا مرجحا للحيضية ، جعل الشارع الأولى بالنسبة إليها اختيار حالة الحيض ، ثم بعد ذلك لما كان يبعد كونه حيضا ويقرب كونه طهرا جعل الأولى أن تختار جانب الطهر إلى أن يظهر بالكاشف أمرها ، هذا على طريقة الفقهاء ، فتأمّل.

قوله : فيجب عليها قضاء ما أخلّت به. ( ١ : ٣٣٦ ).

استشكله العلامة في النهاية ، وسيجي‌ء حكمه.

قوله : لعدم الظفر بما يدل عليها من النصوص. ( ١ :٣٣٦ ).

أقول : في مرسلة داود عن الصادق 7 : المرأة تحيض ويمضي طهرها وهي ترى الدم فقال : « تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيام ، فإن استمر الدم فهي مستحاضة ، وإن انقطع الدم اغتسلت وصلّت » (١).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٠ / ٧ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٤٩٤ ، الوسائل ٢ : ٣٠١ أبواب الحيض ب ١٣ ح ٤.


ويظهر منها أنها إذا استمر دمها تكون مستحاضة ، وظاهر الاستمرار التجاوز عن العشرة ، والظاهر أن بالاستمرار يظهر كونها مستحاضة بالنسبة إلى مجموع الدم الذي رأت في الطهر ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وأيضا لم يتعرض لحكم المستحاضة أصلا ، وتعرض لحكم حال الانقطاع ، فظهر أنّ هذا الانقطاع غير انقطاع الاستحاضة ، حيث جعله في مقابل الاستحاضة التي لم يتعرض لحالها ووكل إلى الظهور من خارج ، وهذه الرواية رواها في الكافي مع زيادة تؤكد ما ذكرنا ، فتأمّل.

قوله : والمستفاد من الأخبار أن ما بعد أيام الاستظهار استحاضة. ( ١ : ٣٣٦ ).

ليس كذلك قطعا ، لأن المستفاد من أكثر الأخبار أن ما بعد أيام العادة استحاضة ، بل ربما كانت متواترة ، مثل صحيحة معاوية المتقدمة (١) وما وافقها من أخبار كثيرة صحيحة ومعتبرة (٢) ، ومثل الحسن كالصحيح عن ابن سنان أنه « لا بأس أن يأتيها بعلها إلاّ أيام حيضها » (٣) ، وما وافق من الأخبار.

ومثل ما ورد أن كل ما رأت بعد أيام حيضها فليس من الحيض (٤) ، وما ورد أن المستحاضة تصوم رمضان إلاّ أيام حيضها ثم تقضيها (٥).

إلى غير ذلك مما دل على اعتبار العادة في الحيض‌

__________________

(١) في المدارك ١ : ٣٣٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨١ ، الباب ٥ من أبواب الحيض ، والوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٣) الكافي ٣ : ٩٠ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٢ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٧٨ أبواب الاستحاضة ب ٢.


والنفاس ، ورجوع المرأة إليها فيهما ، وعدم وجوب الاستبراء.

ومن الأخبار ما تدل على أنها بعد تمامية عشرة أيام تصير مستحاضة (١).

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق 7 : المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال : « تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيما فتأخذه ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل » (٢).

فمع جميع ما ذكر كيف يقول : المستفاد من الأخبار أن ما بعد أيام الاستظهار استحاضة.؟!.

مع أن الأخبار (٣) التي يظهر منها ما ذكره مختلفة جدا ، منها ما يظهر أن بعد يوم استحاضة ، ومنها ما يظهر بعد يومين ، ومنها ما يظهر بعد ثلاثة ، ومنها ما يظهر بعد العشرة ، ومنها ما يتضمن الترديد بيوم أو يومين وغير ذلك ، مع أن الترديد لا وجه له ، لأن الاستحاضة اسم دم يخرج من عرق العاذل ، ومن موضع غير موضع الحيض ، كما عليه أهل اللغة والفقهاء ، ويظهر من الأخبار.

وأيضا إن قال بأن دم أيام الاستظهار حيض واقعا ، فهو مخالف للأخبار المتواترة وما عليه جميع المسلمين ومنهم الشارح.

وإن قال : إنه ليس بحيض ولا استحاضة ، فهو أيضا مخالف لما يظهر من الأخبار المتواترة وما عليه جميع المسلمين من انحصار الدم الذي هو حدث‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٣ أبواب الاستحاضة ب ١٣ ح ١١ و ١٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٠ ، الوسائل ٢ : ٣٧٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣.


مانع من الصلاة والصوم في الدماء الثلاثة.

وإن قال بأنه مردد بين الاستحاضة والحيض والنفاس ، كما ذكرنا في ما سبق وظهر من كلامه ، ففيه أيضا : أن قضاء الصوم لازم على أيّ تقدير ، لعموم ما دلّ على قضائه ، وأمّا قضاء الصلاة فقد وقع التصريح في الأخبار بلفظ الاستظهار وهو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا ، فإن ظهر كونه حيضا يكون حكمه حكم الحيض ، لعموم ما دل على حكم الحيض ، وكذا ان ظهر كونه استحاضة ، فحينئذ يجب قضاء الصلاة أيضا ، لعموم ما دل عليه ، مع أن جلّ روايات الاستحاضة لم يتعرض فيها لذكر القضاء أصلا ، بل جلّ مواضع قضاء الفوائت ، والمستند في الكل العموم ، فتكون الأخبار دالة على قضاء الصوم والصلاة بالدلالة الالتزامية ، لأن معنى تستظهر طلب ظهور الحال وكونه حيضا ، فلازمه وجوب قضاء الصوم قطعا ، أو استحاضة فلازمها وجوب قضاء الصوم والصلاة معا ، فكيف يقول : المستفاد من الأخبار أنّه لا يجب قضاء ما فات؟!

قوله : وأنه لا يجب. ( ١ : ٣٣٦ ).

فيه : أنه على هذا لم يبق للاستظهار ـ مع وروده في كثير من الأخبار وكونه مجمعا عليه ـ معنى ، إذ سبق منه آنفا أنه طلب ظهور الحال في كون الدم طهرا أو حيضا يعترف بالعموم أيضا ، ولا وجه للاستفادة كما عرفت ، سيّما مع كون الصوم مثل الصلاة في عدم التعرض لقضائه. مع أنّ ثبوت كونه طهرا ممّا مرّ في المرسلة.

مضافا إلى أنّ الدم الموجود بعد العشرة طهر يقينا ، فالموجود في الدقيقة الخارجة عن العشرة إذا كان طهرا على اليقين يكون الموجود في الدقيقة المتصلة بتلك الدقيقة طهرا أيضا على اليقين ، لأنّ الوجدان حاكم بأنّ الدم الموجود في الدقيقتين المتصلتين دم واحد من نوع واحد ولا يجوز أن يكون‌


بعضه حيضا ـ وهو الموجود في الدقيقة الداخلة في العشرة ـ وبعضه طهرا ـ وهو الموجود في الدقيقة الخارجة عن العشرة ـ مع أنّهما نوعان مختلفان في الماهية مختلفان في المخرج ، لأن الطهر عن عرق العاذل والحيض من قعر الرحم ، ولذا اختلف حكمهما وعلاماتهما ، ثم ننقل الكلام إلى الدقيقة المتصلة بالدقيقة الداخلة ، وهكذا إلى أن يتصل بدم العادة ، فيحكم بأنّه من العادة بمقتضى العادة وغيرها من الأدلة.

على أنّهم : أمروا بالاستظهار في كثير من الأخبار ، والتكليف لا يكون إلاّ بشي‌ء موجود يتمكن المكلف من تحصيله فلا بدّ من مظهر وكاشف يظهر الحال ، فإذا ظهر كونه حيضا فلا بدّ من جريان حكمه ، وكذا لو ظهر كونه طهرا ، ثم إنه غير خفي أنه ليس هاهنا كاشف قطعا ووفاقا سوى ما ذكره الفقهاء ، ولم يشر أحد إلى شي‌ء آخر أصلا ، فتعين أن يكون هو الذي قرروه على قياس ما قرر في غسل المتوسطة ، مع أنّهم ربما يبنون في بيان المجملات وتقريرها على ما قرره الفقهاء وبينوه من قبيل ما مر في وقت غسل المتوسطة ، وما سيجي‌ء في باب الإقامة أنها سبعة عشر أنّ النقص من التهليل الآخر ، وغير ذلك.

ولكن التفصيل الذي ذكروه لم يظهر من الأخبار ، أمّا أخبار الاستظهار فكما أشار إليه الشارح ، وأمّا غيرها فيظهر من بعضها أن ما زاد استحاضة مطلقا (١) ، ومن بعضها أنه حيض كذلك مثل حسنة ابن مسلم (٢) ، ومرسلة يونس عن بعض رجاله عن الصادق 7 حيث قال فيها : « فإذا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٣ أبواب الحيض ب ٥ ح ٢ و ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٥٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٨ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.


حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإذا رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة ، فإن رأت الدم من أول ما رأته الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ، ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة » (١).

وأيضا استصحاب الحالة السابقة يقتضي ذلك ، وكذا الكلية المدعاة وهي أن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، وأدلة تلك الكلية أيضا تقتضي ذلك وقد مرت الإشارة ، فلاحظ.

وأيضا إطلاق الأخبار الدالة على أن أكثر الحيض عشرة يقتضي ذلك ، وأيضا ما ذكره من أنّه لا يجب قضاء ما فاتها في أيام الاستظهار يقتضي ذلك ، إذ لو كان الدم استحاضة لوجب القضاء البتة ، لأن المستحاضة طاهرة قطعا ودمها طهر جزما.

وفي قوية يونس أنّه قال 7 : « ألا ترى أن أيامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمسا أو أقل ما قال لها : تحيّضي سبعا ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيامها وهي مستحاضة غير حائض » ، الحديث (٢).

فظهر مما ذكر أن الأدلة في كون الزائد إلى العشرة طهرا أو حيضا متعارضة ، فإما أن يبنى على الترجيح ولا مرجح بحسب الظاهر ، أو يبنى على التخيير وإن كان الأولى اختيارها جانب الحيض في أيام الاستظهار ، كما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.


اختاره الشارح ـ ;.

وأمّا المفصّل فلعله جعل التفصيل وجه الجمع ، ويكون استناده في هذا الوجه إلى ما أشرنا إليه من شهادة المرسلة ، وظهور معنى الاستظهار ، وانحصار المظهر في ما ذكروه إجماعا ، وأن هذا الدم يحتمل أن يكون حيضا وهو الفطري الخلقي الذي هي مفطورة به ، وتقرؤه ثم تدفعه ، بأن زاد ما قرأته أو تأخر دفعه فيكون بقية ما جاء في العادة ، وبحسب العادة ربما يزيد ، كما أنّه ربما ينقص ، وتعارف ذلك بين النساء واشتهر بينهن ، بل قلّ ما يتفق أن لا يزيد ولا ينقص أصلا ، بل لعله لا يكاد يتحقق ما يكون أخذه في آن أخذ السابق ، وانقطاعه في آن انقطاعه. ويحتمل أن يكون طهرا بأن يكون من فساد وحدوث عيب وعروض آفة ، فإذا انقطع على العاشر ترجح كونه حيضا : لأصالة الصحة وعدم العيب وعدم حدوث آفة ، ولأنه الفطري الخلقي ، مضافا إلى كثرة وقوع الزيادة والنقيصة وتعارفه ، وأمّا إذا تجاوز فلا شك في حدوث العيب والآفة والخروج عن الصحة والخلقة المفطورة ، ويبعد غاية البعد أنّه إلى آن تمام العشرة يكون بقية الحيض والفطري الصحيح ، وأنّه بعد ذلك الآن بلا فصل حدث العيب والآفة فخرج ( بسببه ) (١) ، مع أنّه متصل واحد في النظر.

ويعضده مقتضى عادة ذات العادة ، ويحمل ما دل على أنّه استحاضة على صورة التجاوز ، كما يحمل ما دل على أن المستحاضة عليها الغسل ثلاثا أو لكل صلاتين على غير القليلة أو المتوسطة أيضا ، ونظائر تلك الأخبار.

مع أنّه ربما يظهر من بعض الأخبار ـ موافقا للغة ـ أن الاستحاضة‌

__________________

(١) كما في « أ » و « و » ، وفي سائر النسخ : بشبهة.


استحاضة إذا استمر الدم (١) ، فلاحظ.

وكيف كان الأحوط قضاء ما فات ، لكثرة ما دل على أنّه استحاضة ، وأنّ المستحاضة لا تسقط عنها الصلاة ، وهو إجماعي أيضا. هذا ، مضافا إلى قول القائلين بالتفصيل والمؤيدات لهم ، والله أعلم.

قوله : قضاء ما فاتها في أيام الاستظهار مطلقا. ( ١ :٣٣٦ ).

لم نجد الاستفادة إلاّ من جهة عدم تعرض المعصوم 7 لقضائه. ويمكن أن يقال : إنه 7 في هذا المقام لعله ليس بصدد التعرض للقضاء ، لأنه 7 لم يتعرض لقضاء الصوم أيضا مع أنّه واجب قطعا ، ويؤيده أيضا أنه 7 لم يتعرض لقضاء أيام الحيض أيضا. مع أنّ ما دل على عموم قضاء الفوائت يشمل ما نحن فيه ، ولم يخرج من العموم إلاّ صلاة الحائض ، وأيام الاستظهار عند الشارح ـ ; ـ غير أيام الحيض ، وعند المشهور أيضا ، إلاّ أن يظهر كونه حيضا. والمعصوم 7 في غالب صور القضاء لم يتعرض لذكره بخصوصه في خبر من الأخبار ، بل اكتفى بالعمومات ، ومسلم عند الشارح هذا.

قوله : كما قرأ به السبعة. ( ١ : ٣٣٧ ).

ويشهد على ذلك ما ورد في الأخبار من أنّ غسل الحيض سنّة (٢) ، فتأمّل.

لكن يتوقف الاستدلال على بطلان الحقيقة الشرعية ، ويمكن أن يقال : لا دليل على ثبوتها في كلام الله تعالى وكلام الرسول 6 ،

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٣٧٣ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ١٧٤ و ١٧٦ أبواب الجنابة ب ١ ح ٤ و ١١.


وأيضا ترجيح هذه القراءة لا بدّ له من مرجح ، فإذا وقعت المخالفة في القراءة فالمشهور التخيير لا الترجيح ، لأنّ الترجيح إنّما يطلب في موضع يراد أنّ الأمر في الواقع كيف هو ، وغير ظاهر كون ما نحن فيه منه ، لأنّ الشرع أمضى كلّ هذه القراءات مع أنّ الحق واحد منها ، بل ربما كان الحق القراءة المنسوبة إلى أهل البيت : ، فالشرع جعل هذه القراءات ممّا يجوز لنا التمسك به ، فالعبرة بتجويز الشرع لا بكونها موافقة للواقع.

مع أن قوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) (١) قراءة الجميع من حيث لا يشذ عنهم أحد ، فهو أرجح البتة ، وظاهرها يخالف ظاهر هذه القراءة ، مع أنّها أقوى سندا ، بل ربما كانت أقوى دلالة أيضا ، لموافقتها لقراءة يطّهّرن بالتشديد ، على أنّه لا أقل من التساوي ، والترجيح بأصل الإباحة يعارضه استصحاب الحرمة ، وكيف كان فالعبرة بالأخبار.

وعلى تقدير رجحان قراءة يطّهّرن على حسب ما ذكرنا فالمراد من الطهارة المعنى الذي هو حقيقة عند المتشرعة ، وهو مما يكثر استعمال الشارع اللفظ فيها إلى أن توهموا أو (٢) قالوا : إنه حقيقة ، فتأمل (٣).

قوله : ويدل على الجواز. ( ١ : ٣٣٨ ).

في استدلاله بها عجب ، لأنها تدل على خلاف مختاره ، ووردت هذه الرواية بطريقين موثقين عن ابن مسلم عن الباقر 7 ، وأما الروايات الأخر فغير صحيحة ، وهو لا يعمل بها فلا تكون حجة عنده ، والحق أنّها حجة ، لانجبارها بالشهرة ، فمن هذه الجهة تقاوم الصحيحة ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) في « ج » و « د » : و.

(٣) ليس في « أ » و « و ».


والشارح ـ ; ـ لا يرضى بالانجبار بها ويقول : إن وصلت الشهرة إلى حدّ الإجماع ، فهي حجة ، وإلاّ فلا تنفع.

ومما يعضد المشهور كون تلك الروايات أكثرها موثقة ، ومع ذلك توافقها العمومات الدالة على حلية وطء النساء ، من الآية والأخبار ، والروايات الدالة على الكفارة في وطء الحائض في أول الحيض أو وسطه أو آخره ، فإنها ظاهرة في عدم الحرمة بعد ذلك ، إذ لو كان حراما لكان يتوجه إليه ويأمر بالاستغفار وغير ذلك.

والأحوط أن لا يجامع إلاّ أن يكون شبقا ، بل الأحوط الترك مطلقا.

قوله : وبما رواه الشيخ. ( ١ : ٣٣٩ ).

وورد في النفساء أيضا أنّه بعد الطهارة يأمرها بالغسل ثم يجامع (١) ، والسند قوي.

قوله : بمقتضى الأصل السالم. ( ١ : ٣٤١ ).

هذا بناء على دعوى فهم مضي مقدار الطهارة والصلاة عند ما تحيض من الروايتين الموثقة والمضمرة ، أو عدم حجيتهما وما ماثلهما ، بل الحجة ما دل على عموم قضاء الفوائت ، والفوت لا يتحقق إلاّ بالنسبة إلى شي‌ء له وقت معين وقد مضى ذلك الوقت ولم يفعل ذلك الفعل فيه.

وفيه : أنّه إن أراد الوقت الذي تعلق وجوب ذلك فيه وصح فعله فيه شرعا فلا يتحقق هذا المعنى في مثل قضاء صلاة النائم وصوم الحائض ، بل وما ترك نسيانا أو غفلة أو لعذر من الأعذار ، وينحصر في ما يترك عصيانا ، وإلاّ فلا شك في شمولها للفائت الذي لم تدرك مقدار الطهارة والصلاة ، بل ولم تدرك شيئا من الوقت حال الطهارة أصلا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٥ ، الوسائل ٢ : ٣٩٥ أبواب النفاس ب ٧ ح ١.


وبالجملة : دلالة الروايات على مضي المقدار بخصوصه كما ترى.

والعلامة ـ ; ـ في المنتهى لم يقل ما نسبه إليه ، بل صرح فيه أن القضاء ليس تابعا للأداء ، إلاّ أنّه ذكر في هذه المسألة أنّه لا بدّ من مضي مقدار الطهارة والصلاة حتى يتحقق شرط الوجوب والتكليف ، يعني أن الفوت والقضاء لا يصدقان ولا يتحققان إلاّ بعد مضي هذا المقدار من الوقت.

ولذا لو مات المكلف قبل دخول وقت الفريضة لم يصدق عليه أنه فاتته الفريضة وأنّ عليه قضاء ، إذ لم يرد منه فريضة أصلا إلاّ بعد دخول الوقت ، فكيف يصدق عليه في ذلك الآن ـ أي قبل الوقت ـ أنّه فاتت منه الفريضة وأن عليه قضاءها ، فإن القضاء عبارة عن تدارك ما فات ، لا أنّه عبارة عن تكليف مبتدأ ، ولذا لا يقال : إنّ صلاة الظهر مثلا عند دخول وقتها أو في أول وقتها قضاء وفائتة ، بل أداء وحاضرة.

فمراده ـ ; ـ أنه ما لم يمض المقدار المذكور لا يصدق فائتة الطاهرة وقضاء صلاة الطاهرة حتى يجب عليها القضاء ، بل يصدق فائتة الحائض وقضاء صلاة الحائض ، ولا شك أن الحائض لا تقضي الصلاة بل تقضي الصوم ، فعرفت أن ما ذكره حق لا محيص عنه ، لصدق الحكم المذكور ، وإلاّ فالعمومات كيف تكفي من دون ملاحظة ما ذكره ، فتدبر.

والحاصل أن الأصل السالم إنّما يكون سالما إذا لم تشمل العمومات الدالة على وجوب قضاء الفوائت ما نحن فيه ، وعدم الشمول إنما يظهر مما ذكره وإلاّ فالعموم لا يقاومه الأصل.

قوله : ومتى انتفى انتفى. ( ١ : ٣٤٢ ).

قد عرفت أن القضاء هو تدارك ما فات ، وأن الفوت لا يتحقق إلاّ في المطلوب الموقت الذي كان في ذلك الوقت مطلوبا وفات ، والفوت يتحقق‌


بالترك عمدا أو بعروض مانع من تحقق المطلوب أحيانا ، وبعروضه يسقط التكليف الثابت ، والسقوط ما دام عروض المانع موجودا ودائر معه ، وفرق واضح بين عدم تحقق طلب أصلا وبين تحققه إلاّ أنه عرض مانع عن وجود المطلوب أحيانا لا يتمكن المكلف بسببه من إيجاده ، فيسقط بسببه إلزام المكلف الحكيم بإيجاده ومؤاخذته بتركه ، بل ويقبح طلبه حينئذ ، والمانع أمر خارجي عقلي ، كالنوم والنسيان وأمثالهما ، وذلك المانع قسمان : قسم يكون مانعا عن تحقق نفس المطلوب ، وقسم يكون مانعا من تحقق شرط المطلوب ، مثل الطهور للصلاة ، فإنه ربما لا يتحقق ما يتطهر به ، وهو الماء والتراب ، وربما لا يتمكن من استعماله أصلا ، وربما لا يتحقق نفس الطهارة أصلا بأن كانت حائضا مثلا ، إذا عرفت هذا فلا بدّ من حمل كلام الشارح على ما يوافق ما ذكرنا.

قوله : قال بعض المحققين. ( ١ : ٣٤٤ ).

لا يخفى أن مراد بعض المحققين أنه لم يكن لتأخير الغسل في الصورة المذكورة في الخبر معنى ، يعني أن المعصوم 7 علل النهي عن اغتسالها بمجي‌ء ما يفسد الصلاة ، فلو لا وجوبه للصلاة لم يكن لتأخيره من هذه الجهة معنى ، ولا تأمّل في الظهور ، لأن معنى الحديث أنها يمكنها الغسل إلاّ أنّه لا يجب عليها ، لأن الوجوب لأجل الصلاة ، ولا يمكنها أن تصلي ، فتكون هذه الرواية موافقة لموثقة عمار ، ويكون معنى قوله 7 : « فلا تغتسل » لا يجب عليها ، لأنه نهي ورد مورد توهم الإيجاب ، كما حقق في الأصول ، ويمكن أن يكون غسلها إنما هو لرفع الحالة المانعة عن الصلاة ، فإذا لم يرتفع فلا تغتسل ، بناء على أنّ الحدث حالة واحدة ، كما مر في بحث تداخل الأغسال من أنّهم قالوا : إذا اغتسل مغتسل بقصد رفع حدث معين يرتفع الجميع ، فلاحظ وتأمّل.


قوله : قال 7 : إن طهرت بليل من حيضها. ( ١ : ٣٤٥ ).

لا يخفى أن هذه الرواية موثقة في غاية القوة ، بل موثقة كالصحيحة ، والموثق حجة ـ كما حققناه في محله ـ فضلا عن مثلها ، وسيما بملاحظة انجبارها بالشهرة ، وتأيدها بأن الغالب مساواة حكم الجنب والحائض ، ومنع بعضهم دلالتها على الوجوب ، وليس بشي‌ء ، لظهور كلمة « على » في اللزوم ، ويؤيده أيضا أن المستحاضة تقضي صومها إذا أخلت بالأغسال كما سيجي‌ء ، ووجه التأييد ظاهر ، فتأمّل.

قوله : فكيف يكون سببا. ( ١ : ٣٤٧ ).

إن أراد أن ذلك محرم عند العلاّمة ـ ; ـ فبعد تسليم ذلك في هذا الموضع من الكتاب أيضا فعدم ضرره ظاهر ، لأنّه صرح بعدم وقوفه على حجة ، إنما يأتي بذلك نكتة (١) للشيخ ومن تبعه ، وإن أراد أنه عند الشيخ ومن تبعه حرام فغير معلوم أنّه حرام عندهم ، بل رأيت نهاية الشيخ فظهر لي أنه غير قائل بالحرمة ، بل الذي يظهر من الكل أنّهم قائلون بجواز مرور الحائض ، بل ربما يظهر أنّهم يقولون ذلك في الجنب الذي بدنه ملوث أيضا ، والأخبار صريحة في مرور الحائض ، ولم يتأمّل أحد فيها ولم يوجهها.

نعم ، ربما يرد على العلاّمة ـ ; ـ أنّه على التقدير الثاني أيضا لا وجه للتخصيص بالحائض ، فتأمّل.

قوله : ولعله لزيادة. ( ١ : ٣٤٧ ).

لا يخفى أنّ العلة هي الرواية المذكورة ، فهي منجبرة بالشهرة ، مضافا إلى قوة في نفس السند ، والتأييد بما ذكره ، فالتوقف لعله ليس في محله.

__________________

(١) في « ج » و « د » : لكونه.


قوله : وهو غير جيد. ( ١ : ٣٤٧ ).

قال في المعتبر : إن الحكم بالكراهة مذهب علمائنا لا يختلفون في ذلك (١). ولا يخفى أن ما ذكره كاف للحكم بالكراهة ، لتسامحهم فيه ، بل كاف في الوجوب والحرمة أيضا ، لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، سيما بعد ملاحظة أن الأصحاب كلهم أفتوا بالكراهة ، مضافا إلى أن الجنب والحائض في الغالب حكمهما واحد في أمثال المقام ، مع أنّه ربما يظهر من الأخبار الدالة على جواز القراءة (٢) لها (٣) أن حالهما واحد في الجواز ، فلو ظهر أن الجنب جوازه بعنوان الكراهة إلاّ في صورة واحدة خاصة يكون حال الحائض أيضا كذلك ، وهذا صالح للتأييد والتقوية كسابقه ، إن لم نقل بأنه دليل آخر ، فتأمّل.

نعم ، ربما يظهر ما استحسنه الشارح. إلاّ أن يقال : القدر الذي ظهر من الأخبار أنّها كقراءة الجنب في الجملة ، لا إلى حد يشمل الصورة الواحدة ، لعدم الوثوق في الظهور إلى هذا الحد ، والأظهر أن اعتماده على الإجماع ، وما ذكر مؤيد.

قوله : فلتسجد إذا سمعتها. ( ١ : ٣٤٨ ).

وروي في الموثق أيضا عن الصادق 7 أنّ « الحائض تسجد إذا سمعت السجدة » (٤) ، لكن لا يخفى أنه ليس بين الروايات تعارض ، لأن‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٣٣.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩.

(٣) في « ب » و « ج » و « د » : لهما‌

(٤) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٢ ، الوسائل ٢ : ٣٤١ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٣.


مقتضى صحيحة أبي عبيدة وجوب السجدة عليها إذا سمعت ، ورواية عبد الرحمن أنه لا يجب إذا سمعت ، لأنّ النهي إذا ورد في مقام توهم الوجوب لا يكون باقيا على حقيقته ، ويكون المراد عدم الوجوب ، كما حقق في محله.

وأمّا روايتا أبي بصير فمحمولتان على الاستحباب أو على صورة الاستماع ، لما ظهر من الخارج أن السجدة إنما تجب بمجرد السماع ، واستثناء الحائض لا وجه له ، بل هي أولى بعدم الوجوب.

قوله : بما رواه في الصحيح. ( ١ : ٣٤٩ ).

في طريقها أبان بن عثمان ، والشارح ـ ; ـ ربما يحكم بصحة حديثه وربما يتأمّل ـ على ما أظن ـ وإن الظاهر أن حديثه كالصحيح ، لما حققناه في الرجال (١).

قوله : وفيه كلام مشهور. ( ١ : ٣٥٠ ).

الكلام ليس إلاّ من الصدوق ـ ; ـ وشيخه ، وأمّا باقي الفقهاء والمحدّثين وعلماء الرجال فلم يذكروا ذلك أصلا ، بل ظاهرهم الاتفاق على عدم الضرر من هذه الجهة ، مع أنّ الأصل براءة الذمة ، والإطلاقات ربما تكون واردة مورد الأغلب من أنّ السماع بعد الاستماع ، بل لم نجد إطلاقا سوى مضمرة أبي بصير ، مع ضعفها بقاسم بن محمّد الجوهري وعلي بن أبي حمزة ، وإن كان ممن قال الشيخ إنّه ممن أجمعت العصابة على العمل بروايته (٢) ، إلاّ أنّه لا يقاوم يونس ولا عبد الله بن سنان.

__________________

(١) تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١٧ ، ١٨.

(٢) عدة الأصول ١ : ٣٨١.


وبالجملة : هذه الرواية أقوى سندا قطعا وكذلك أقوى دلالة ، ومتأيدة بالأصل وموثقة عمار عن الصادق 7 ، في الرجل يسمع السجدة قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر ، فقال : « لا تسجد » (١) للإجماع على أن كراهة الوقت لا يسقط الوجوب الفوري ، ويؤيدها أيضا رواية عبد الرحمن ، كما عرفت.

قوله : الخامس يحرم على زوجها وطؤها. ( ١ : ٣٥٠ ).

كما يحرم على الرجل يحرم على المرأة أيضا وتعزر مثل الرجل ، أمّا الكفارة فليس عليها وفاقا.

ولو اتفق الحيض في أثناء الجماع وعلم به الرجل وجب النزع ، وكذا لو أخبرت المرأة ، لما ستعرف.

قوله : فالظاهر وجوب القبول. ( ١ : ٣٥٠ ).

ويمكن الاستدلال برواية السكوني عن الصادق 7 « إن عليا 7 قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض : كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها في ما مضى كان كذلك ، فإن شهدت صدقت ، وإلاّ فهي كاذبة » (٢) ، لكنها على طريقة الشارح يشكل العمل بها.

قوله : ولو لا وجوب القبول. ( ١ : ٣٥١ ).

فيه : أنّه على تقدير تسليم شمول ما خلق الله لدم الحيض ، مقتضى ما ذكرت وجوب قبول ما أخبرت من أنّ الله خلق في رحمي ، لا أنّ الدم خرج من رحمي ، وإلاّ فلا شبهة في أنّ الدم كان مخلوقا في رحمها قبل خروجه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٩٣ / ١١٧٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٣ أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٨ / ٥١١ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٣.


قوله : إذا ادعت صدقت. ( ١ : ٣٥١ ).

وفي الصحيح : « العدة والحيض إلى النساء » (١).

وإطلاق هذين الخبرين يشمل جميع الصور ما لم يعلم كذبها ، واختاره العلاّمة ـ ; ـ في النهاية ، وقيل ما لم يظن أيضا ، واختاره الشهيد الثاني ، والأول أوفق للإطلاق في المقام ، وللعمومات الدالة على عدم العمل بالظن.

قوله : بأصالة الإباحة. ( ١ : ٣٥١ ).

أي باستصحاب الإباحة ، أو عموم ما دل عليها ، والمجموع دليل.

قوله : فإنهم غير ملومين. ( ١ : ٣٥١ ).

في دلالتها على الاستمتاع كيف كان نظر ، لأن الظاهر محافظة الفرج عن الزنا ، وورد الخبر (٢) بأن هذا هو المراد ولا عموم ، بل مطلق فينصرف إلى المعهود ، فتأمّل.

قوله : وقد وردت بذلك روايات كثيرة ، كموثقة عبد الله بن بكير. ( ١ : ٣٥١).

أقول : غير الصحيحة منجبرة بالشهرة ، مع أنّ الموثقة حجة ، والصحيحة منجبرة بعدم القول بالفصل ، مع أنّ قوله : « ما بين » عام و « لا يوقب » مطلق ، فلعله منصرف إلى المعهود ، فتأمّل.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ١٤٨ / ٥١٠ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ من أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٣.


قوله : موافق لمذهب العامة. ( ١ : ٣٥٣ ).

وببالي أنّه ورد هكذا في أحاديثهم (١) أيضا.

قوله : جمعا بين الأدلة. ( ١ : ٣٥٣ ).

لا يخفى أن الأمر على الشارح ـ ; ـ مشكل ، لأنه لا يعمل بالخبر الذي ليس بصحيح ، والآية على تقدير سلامتها عن معارضة الآية الأخرى فالخبر الصحيح يخصصها ، فإنه يخصص الآية بمثله ، وأمّا صحيحة عمر بن يزيد فيحتاج تتميمها إلى ثبوت إجماع مركب ، وهو أيضا مشكل عنده ، كما مر ، إلاّ أن يقول : إن الصحيحين تعارضا فيبقى الأصل والآية بحالهما.

قوله : هذا التقدير مستفاد من مرسلة. ( ١ : ٣٥٤ ).

وفي الفقه الرضوي (٢) كما في هذه الرواية المرسلة من أوّلها إلى آخرها ، والأصحاب اتفقوا على الكفارة ، إلاّ أنّ الخلاف في الوجوب والاستحباب.

وأمّا قدر الكفارة بالنحو الذي ذكره المصنف هو المعروف بين القدماء والمتأخرين ، سوى الصدوق في المقنع ، فإنه قال : يتصدق على مسكين بقدر شبعه (٣).

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٥٥ / ٢١٢ ، ٢١٣.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٣٦ ، المستدرك ٢ : ٢١ أبواب الحيض ب ٢٣ ح ١.

(٣) المقنع : ١٦.


والأظهر الاستحباب ، والأحوط الوجوب ، لا لأن الأخبار ضعيفة ، لأنها منجبرة بعمل الأصحاب ، بل للاختلاف الذي بينها ، وكذا بينها وبين صحيحة العيص ، ولعل مراده 7 : لا أعلم واجبا عليه سوى الاستغفار.

ولا فرق في المرأة بين الزوجة الدائمة والمنقطعة ، بالإجماع والإطلاق ، وأمّا الأمة لو وطأها سيدها فالمشهور أيضا كذلك ، وقال الشيخ والصدوق : يتصدق السيد بثلاثة أمداد (١) ، لما ورد في بعض الروايات (٢).

وأمّا الزنا ووطئ الشبهة فربما يكون الأمر فيهما كذلك ، لعموم الروايات وإطلاقها ، ويحتمل العدم ، لكونهما من الفروض النادرة ( مع أن الكفارة لتكفير الذنب ، فمع شدّة الذنب ربما لا يكفر بل ينتقم الله منه ، فتأمّل ) (٣).

قوله : والأصح عدم التكرر. ( ١ : ٣٥٦ ).

الأظهر عدم التداخل مطلقا ، كما يفهمه أهل العرف ، وإن كان علل الشرع معرفات ، إذ مقتضى ذلك جواز التداخل لا لزومه ، بل الظاهر عدمه ، لما ذكر ، ولأصالة العدم ، فتأمّل.

مع أنّه على ما ذكره يلزم التخيير بين فعل واجب وتركه إذا أراد الحرام ثانيا ، وكذا الحال إذا أراد ثالثا ، وهكذا ، لأن الواطئ بفعل الحرام أوّلا وجبت عليه الكفارة قطعا على القول بالوجوب ، والواجب تركه حرام موجب‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٣ ، النهاية : ٥٧٢.

(٢) الفقيه ١ : ٥٣ / ٢٠٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و ».


للعقاب.

إلاّ أن يقول بأنّه واجب موسع ، وبعد التأخير وفعل الحرام ثانيا تكفي كفارة واحدة ، لصدق الامتثال.

لكن يرد ما قلناه من أنّه إذا كفّر قبل الحرام الثاني يكون واجبا قطعا ، والواجب على تركه العقاب ، ويجب أيضا بعد الحرام الثاني كفارة أخرى ، هي أيضا واجبة قطعا على تركها العقاب ، فيكون المكلف مخيرا بين أن يفعل واجبا واحدا أو واجبات متعددة ، وقد صرح في بحث نزح خمسين للعذرة أنه لا معنى للتخيير بين الأقل والأكثر.

إلاّ أن يقول : بعد الفعل صار واجبا ، وقبله لم يكن واجبا ، وفيه ما فيه.

أو يقول بمجرد إرادة التكفير واختياره صار واجبا ، وقبلها لم يكن ، وفيه أيضا ما فيه.

أو يقول : الكفارة الأولى والثانية والثالثة وهكذا ليست بواجبة ما لم تكن الكفارة الأخيرة ، لأن الواجب هي الأخيرة خاصة ، وفيه أيضا ما فيه.

أو يقول : إن الكفارة الأخيرة أسقطت عقاب الكفارات الأول ، وهو محتمل إلاّ أنّه خلاف مدلول كلامه ، لأن مدلول كلامه أنّه حينئذ لم يكن عليه إلاّ كفارة واحدة ، والواجب منحصر في الواحد ، وأنّه من باب تعدد الأسباب لمسبب واحد ، فلا يدفع عنه ما اعترضنا عليه من أنّه يلزم تخيير المكلف بين أن يجعل واجبه أقل أو أكثر ، فتدبر ، وليس اعتراضي مخصوصا بل كلما هو نظيره مما اختاره يرد عليه ، وكذا إن اختاره غيره ، فتأمّل.

قوله : فإيقاع هذه الأغسال الواجبة. ( ١ : ٣٥٧ ).

لا يخفى أن هذه الأغسال ليس على تركها عقاب عندهم ما لم يتضيق وقت العبادة ، كما هو المشهور ، أو يحصل الظن بحصول الموت أيضا ، كما هو عند القائل بالوجوب لنفسه ، فالطرفان متفقان على عدم العقاب في غير‌


الصورتين مع رجحان الفعل ، وهذا بعينه مذهب المشهور من قولهم بالاستحباب لنفسه ، فأيّ معنى للحكم بإيقاعه بنية الوجوب ، وأن الظاهر من الوجوب الوارد في الاخبار هو هذا ، مع أنّه ليس في الأخبار إشارة إلى النية أصلا ، وقصد الوجوب ليس معناه إلاّ أنّه لو لم يفعل هذا الفعل لكان معاقبا ، وبعد العلم بعدم عقاب أصلا كيف ينوي أن هذا الفعل واجب عليه ، إذ ما لم يتضيق لم يكن عقاب أصلا ، فشرط العقاب تحقق الضيق ، وهو يعلم أنّه لا يضيق ، وأمّا الواجب لغيره فالعقاب على ترك الغير ، كما صرحوا به ، فلا ضرر فيه.

( وأمّا الواجب الموسع لو ترك في مجموع الوقت يكون عليه عقاب البتة ، وهذا الغسل ليس كذلك ، إذ لو اغتسل بقصد أن يوقع بعده حدثا لا يكون على تركه العقاب ، لأنه لو لم يفعل لا يكون عليه بأس أصلا ، إنّما البأس إذا ترك عقيب الحدث الأخير ، وهذا واضح إن لم يكن غفلة ) (١) وتمام الكلام مر في أول الكتاب (٢).

قوله : أجمع علماؤنا. ( ١ : ٣٥٧ ).

في الفقه الرضوي : « وليس في غسل الجنابة وضوء ، والوضوء في كل غسل ما خلاف الجنابة ، لأن غسل الجنابة فريضة تجزئه عن [ الفرض ] الثاني ، ولا يجزئه سائر الأغسال عن الوضوء ، لأن الغسل سنة والوضوء فريضة ، ولا تجزئ سنة عن فرض ، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان ، فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزئ عن أصغرهما ، وإذا اغتسلت بغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل ، ولا يجزئك الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

(٢) راجع ص ٣٠ و ٣١.


وأعد الصلاة » (١) انتهى.

والصدوق في الفقيه ذكر ذلك بعينه (٢) ، وغير خفي أنّه أخذه منه ، وأفتى به ، وذكر في أول الفقيه ما ذكر ، فتدبر وقال في أماليه : إن من دين الإمامية الإقرار بأن كل غسل فيه وضوء في أوّله ، إلاّ غسل الجنابة فإنه فريضة (٣).

وفي الغوالي ، عن النبي 6 : « كل الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلاّ الجنابة» (٤).

قوله : ولا جعل الثانية من الحسن. ( ١ : ٣٥٨ ).

إذا كان في الرواية من ليس من الحسان بل كلهم من الصحاح كان اللازم أن يذكر في الصحيح عن حماد ، وظهر أن مراده من الحسن ليس المعنى الاصطلاحي ، وهو غير بعيد بالنسبة إلى العلامة ـ ; ـ فتأمّل.

قوله : وأجيب عنه بأن الآية. ( ١ : ٣٥٩ ).

تخصيص الكتاب على تقدير تسليم جوازه بأخبار الآحاد يشكل بمثل هذه الأخبار المعارضة لأخبار أخر معمول بها عند الأصحاب ومشتهرة بينهم في الرواية والعمل. ويؤيد عموم الكتاب عمومات الأخبار الكثيرة الواردة في أن من أحدث الأصغر عليه الوضوء. فتأمّل جدا.

وأمّا المخصص فالضعيف ليس بحجة أصلا فضلا عن أن يقاوم الكتاب والأخبار الموافقة له المنجبرة بعمل الأصحاب وغيره ، وأما الصحيح‌

__________________

(١) فقه الرضا : ٨٢ ، المستدرك ١ : ٤٧٦ أبواب الجنابة ب ٢٦ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الفقيه ١ : ٤٩.

(٣) الأمالي : ٥١٥.

(٤) العوالي ٢ : ٢٠٣ / ١١٠ ، المستدرك ١ : ٤٧٧ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٣.


فتضعفه مخالفة الكتاب والأخبار التي وردت بحد التواتر : أنّ ما خالف الكتاب ليس بحجة ، بل ورد أن ما لم يوافقه ليس بحجة (١) ، وكذا تضعفه الأخبار الموافقة للكتاب ، وكذا تضعفه مخالفة الشهرة بين الأصحاب ، والأخبار الواردة في الأمر بأخذ ما اشتهر وترك الشاذّ النادر (٢) ، وما فيه من التعليل بعلة عقلية ظاهرة.

ومع جميع ذلك ليس فيه ما يدل على العموم في الغسل ، إذ مسلم عنده كغيره أن المفرد المحلى باللام لا يفيد العموم من حيث اللغة ، وما ذكره من القرينة موجودة في الآية أيضا ، فلا وجه لمنعه العموم فيها ودعواه العموم في الخبر. على أنّه ستعرف الوهن فيما ذكره ، وبعد التسليم يكون حاله كحال عموم الكتاب ، والخاص إنما يقدم على العام لكونه أقوى دلالة ، ومع ذلك عام الكتاب إنما يخصص ( بما تكون ) (٣) دلالته قطعية ، على ما يظهر من كلام من يجوّز تخصيص الكتاب به ، حيث قال : الخاص وإن كان ظني السند إلاّ أنّه قطعي الدلالة ، فيقاوم ( قطع الكتاب ) (٤) على أنّه لا أقل من أن تكون الدلالة قوية غاية القوة ، ( وأين هذا مما نحن فيه ، لما عرفت ) (٥).

ومما يضعف ( عموم الغسل في الصحيح ) (٦) ـ مضافا إلى ما مرّ وسيجي‌ء ـ ملاحظة الأخبار الواردة في التيمم وغيره ، أنهم حينما كانوا يريدون بيان حال الغسل كانوا يقولون : والغسل من الجنابة كذا ، فلاحظ‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

(٣) في « ب » و « ج » و « د » : بالخاص الذي تكون.

(٤) في « ب » و « ج » و « د » : الكتاب الذي هو قطعي المتن وظنّي الدلالة.

(٥) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و ».

(٦) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و ».


وتأمّل.

قوله : وإن كان المرسل لها. ( ١ : ٣٥٩ ).

لا وجه للطعن بالإرسال ، لما ذكره علماء الرجال في الرجال ، وذكرنا أيضا ، وليس هذا موضع البسط ، لأن طريقة الفقهاء تسليم مرسلاته وقبولها ، سيما في المقام ، لأن المشهور قالوا بمضمونها ، بل غير خفي أنّهم اعتمدوا عليها ، أو هي معظم معتمدهم ، كما لا يخفى على من تتبع أحوالهم وكلماتهم ، والرواية لو كانت ضعيفة لكانت منجبرة بالشهرة ، فضلا عن أن تكون مرسلة ابن أبي عمير ، ومع ذلك هي موافقة للكتاب وما نقلناه من الفقه الرضوي والأمالي ، ومخالفة لمذهب العامة أيضا (١) ، وموافقة لما رواه علي ابن يقطين ، عن الكاظم 7 : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل » (٢).

قوله : لأنا نقول. ( ١ : ٣٥٩ ).

لا يخفى أن ظاهرها الثبوت واللزوم ، وكون المراد أن في كل غسل يستحب أن يتوضأ والأولى أن يتوضأ بعيد ، والأخبار المعارضة لهذا الخبر ربما يظهر منها عدم الاستحباب المؤكد ، وهذا الخبر على تقدير تسليم دلالته على الاستحباب فظاهر أنّه مستحب مؤكّد ، بل وغاية التأكيد ، بل‌

__________________

(١) لعل المراد مخالفة ذيل المرسلة لمذهب العامة ، لأنهم قالوا باستحباب الوضوء مع غسل الجنابة وحكي عن بعضهم وجوبه ، كما في المغني لابن قدامة ١ : ٢٥١ ، وأمّا وجوب الوضوء مع سائر الأغسال فالظاهر أنّه موافق لأكثر العامة ولم نجد خلافه في كتبهم الموجودة عندنا ، غير ما حكي عن بعضهم كالزرقاني في شرحه على مختصر أبي الضياء ـ في فقه مالك ـ ١ : ١٠٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٤١ / ٤٠١ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٤ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٣.


ويظهر من الأخبار المعارضة حرمة الوضوء وأنّه بدعة ، وأين هذا من الاستحباب فضلا عن المستحب المؤكد.

قوله : وما رواه الشيخ. ( ١ : ٣٥٩ ).

ليس فيها صراحة بأنّه يجزئ عن الوضوء للصلاة ، إذ ربما كان المراد أنّه مجز عنه لتحقق الغسل ، سيما على القول بوجوبه لنفسه ، فتأمّل.

قوله : والتعريف في الغسل. ( ١ : ٣٥٩ ).

يمكن إثبات عموم الآية بمثل ما ذكره ، إذ لا فرق بين أدوات الإهمال وتعريف المفرد باللام ، فتأمّل.

قوله : فيكون للاستغراق. ( ١ : ٣٥٩ ).

فيه منع ظاهر ، لأن الحمل على الاستغراق فرع تساوي نسبة الكامل وغيره ، ألا ترى أن لفظ الصلاة والزكاة والصوم وغيرها لا ينصرف إلا إلى الواجبات منها ، وكذا فرع تساوي نسبتها في الأغلبية ، ولذا لو قيل : بع بالنقد ، ينصرف إلى الغالب خاصة ، وكذلك الصلاة إلى اليومية ، والزكاة إلى غير الفطرة ، وأمثالها.

قوله : إذ لا خصوصية لغسل. ( ١ : ٣٦٠ ).

فربما يظهر منه أنّ من أحدث الأصغر مخيّر بين الوضوء والغسل مطلقا ، بل والغسل أفضل فردي الواجب التخييري ، ولعله مخالف لما عليه الفقهاء ، وما هو المستفاد من الأخبار الواردة في رفع الحدث الأصغر ، إذ ظاهر أن الفقهاء لا يرضون بأن من بال مثلا يجوز له أن يتوضأ للبول أو يغتسل للبول ، بل ويغتسل لرفع حدث البول يكون أولى وأبلغ وألطف ، ولو احتاج إلى التيمم يكون مخيرا بين جعله بدلا عن الوضوء أو عن الغسل ، بل وجعله بدلا عن الغسل أولى ، وكذا الحال بالنسبة إلى الأخبار.


والعلاّمة ـ ; ـ ادعى أن الظاهر عند إطلاق لفظ الغسل هو غسل الجنابة ، وحمل كل مطلق في المقام على ذلك ، وحمل الأخبار المعينة على عدم الوضوء لتحقق الغسل لا لأجل الصلاة ، وحمل رواية الهمداني الآتية على أنّه ليس في غسل الجمعة وضوء لأجل الصلاة إذا تحقق قبل دخول الوقت ، كما هو الغالب المتعارف.

فلو حمل على غسل الجنابة ـ بناء على ما قيل : إن المفرد المحلى باللام إذا أمكن حمله على المعهود لم يجب حمله على العموم ، والمطلق ينصرف إلى الكامل والغالب ، ولعل غسل الجنابة كذلك ، لحصول سببه في أكثر الأحيان ، وكثرة الاحتياج إليه ، وكونه فرضا لازم الحصول بالنسبة إلى الرجال والنساء جميعا ، فصار بمنزلة الحاضر المعهود في الذهن ـ لارتفع هذا الإشكال ، وكذا إشكال التعارض بينه وبين روايتي ابن أبي عمير وغيرهما مما مرّ. ( وورد عنهم : : إن أحاديثنا تفسر بعضها بعضا (١) ، وظهر علينا ذلك ، بل بناء الفقه عليه ) (٢). وسيجي‌ء عن الشارح أيضا أن إطلاق لفظ الصلاة ينصرف إلى الفريضة اليومية ، وغير ذلك من نظائر ما نحن فيه ، فتأمّل.

وأمّا مرسلة حماد فمعارضة بما ذكرنا ، ولذا حملها من حملها ، ويمكن حملها على أنّه لا يحتاج في تحقق الغسل ليوم الجمعة إلى الوضوء ، لا أنّه يكفي لاستباحة الصلاة.

على أنّه ورد في علة الأمر بغسل الجمعة : « إنّ الله تعالى أتمّ وضوء‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».


الفريضة بغسل الجمعة ما كان فيها من تقصير » (١) فتأمّل.

نعم ، مجهولة إبراهيم بن محمّد الهمداني أنه « لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة ولا غيره » (٢) ، والعمل بها مشكل ، لما عرفت من ثبوت الوضوء البتة من روايتي ابن أبي عمير وغيرهما ، ولا تقاوم هذه الرواية تلك الروايات بوجه من الوجوه يظهر ذلك للمتأمّل في ما ذكرناه.

وبالجملة : الأحوط أن لا يكتفى بأمثال هذه الظواهر من هذه الأخبار مع ما قد عرفت مما هو فيها.

ومما يقرب حمل صحيحة ابن مسلم على غسل الجنابة ملاحظة روايته الأخرى عن الباقر 7 أيضا قال : إن أهل الكوفة يروون عن علي 7 أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : « كذبوا على علي 7 » إلى أن قال : « قال الله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٣).

( ثم اعلم أنّ الشارح ـ ; ـ إن أراد من قوله : إذ لا خصوصية.

بحسب الشرع فمصادرة ، وإن أراد بحسب طهارة الجسد ونظافته ففيه ما كتبناه في الحاشية السابقة ، فتأمّل.

على أنّ اتصاف غسل الجنابة مسلم ثابت وغيره مشكوك فيه ، والأصل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٦ / ١١١١ ، المحاسن : ٣١٣ / ٣٠ ، الوسائل ٣ : ٣١٣ ، أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ١٤١ / ٣٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٤٤ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ / ٤٢٦ ، الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٥.


عدمه فتأمّل ) (١).

قوله : وقد ورد هذا التعليل بعينه في غسل الجمعة في مرسلة حماد بن عثمان. ( ١ : ٣٦٠ ).

هذه ـ مع أنها مرسلة ـ فيها اشتراك أيضا ، فكيف تقاوم ما مر مما عرفت ، ورواية علي بن يقطين أقوى من هذه الرواية.

قوله : وتقريب الاستدلال ما ذكرناه. ( ١ : ٣٦٠ ).

دلالة هذا أضعف ، لأن الغسل المحلى باللام لعله غسل الجنابة المذكور سابقا ، فكيف يبقى الوثوق بإفادته العموم؟! مع أن أداة العموم مفقودة ، والضابطة أن المفرد المحلى باللام إذا تكرر يكون الثاني عين الأول ، فتأمّل.

قوله : ويشهد لهذا القول أيضا. ( ١ : ٣٦١ ).

لا يخفى أن المتداول بين الفقهاء وغيرهم التعبير بلفظ خصوص الغسل ، مثل : أن تغتسل للحيض والاستحاضة والنفاس ، و: يجب في مس الميت الغسل ، و: يجب غسل الميت ، و: هل يجوز جماع الحائض قبل الغسل أم لا. إلى غير ذلك من أوّل الكتاب إلى آخره.

وكذا لو سألت عنا في المقامات نقول لها : اغتسلي ، من غير تعرض لذكر الوضوء في مقام من المقامات.

وكذا الحال في الأغسال المستحبة فنقول : غسل الجمعة سنة ، أو : اغتسل للجمعة ، وهكذا في سائر الأغسال ، من غير إشارة إلى الوضوء.

وكذا الفقهاء في كتبهم من غير تعرض لذكر الوضوء أصلا ، مع أنّه لا شبهة عندنا أنّا نريد الوضوء مع الغسل ، وكذا الحال في سائر الأغسال.

فالمقام ليس مقام ذكر الوضوء حتى يقال : مع عدم ذكره ظاهر في عدم‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».


وجوبه ، لأنّا يقينا نريد الوضوء ونعتبره كالفقهاء جزما ولا نشير أبدا. مع أنّ رفع الحدث لعله كان مركوزا في طباع السائلين والرواة ، فلذا لم ينبهوا ، فتأمّل ، وقد بسطنا الكلام في تحقيق المقام في صدر الكتاب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ولفظ ينبغي ظاهر في الاستحباب. ( ١ : ٣٦٢ ).

وإن كان بحسب اللغة ومفهوم اللفظ أعم ، لأن الواجب لا تناسبه التأدية بأمثال هذه العبارات من جهة عدم إفادة الوجوب ، بل المناسب في الوجوب التصريح والتوضيح.

قوله (١) : ونقل عن ابن بابويه القول بالوجوب. ( ١ : ٣٦٢ ).

وهو ظاهر الشيخ في النهاية (٢).

قوله : لحسنة زرارة. ( ١ : ٣٦٢ ).

والطريق الآخر صحيح على المشهور ، من جهة محمّد بن إسماعيل البندقي.

قوله : وهو مع عدم صراحته في الوجوب محمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة. ( ١ : ٣٦٣ ).

يعني وإن لم يكن صريحا لكنه ظاهر ، والظاهر يحمل على الاستحباب بسبب وجود معارض مقاوم ، والأصل عدم الوجوب يعني أصل البراءة لا أصل العدم ، لأن لكل من الواجب والمستحب قيدا زائدا على الرجحان ، إلاّ أن يقال : رجحان الواجب أزيد من رجحان المستحب بوصوله إلى حد لم يجز بسببه تركه.

ومما يدل على الاستحباب أن الظاهر من الأخبار سقوط الصلاة عنها رأسا عند الحيض ، ووجوبها عند الطهر ، لا أن الواجب عليها إحدى‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ج » و « د ».

(٢) انظر النهاية : ٢٥.


العبادتين : الصلاة حالة الطهر ، والذكر حالة الحيض.

وأيضا لو كان الذكر واجبا عليها لكان يشيع في الأعصار والأمصار ، سيما عند العلماء والصلحاء في النسوة اللاتي في بيوتهم ، سيما الصالحات منهن ، لعموم البلوى وشدة الحاجة وتوفر الدواعي إلى النقل والفتوى والعمل مع أنّ الأمر بالعكس ، لأنا لا نرى بيتا يلتزم ، والفقهاء اتفقوا على عدم الوجوب إلاّ ما شذ. والظاهر أن البيوت والنساء كانت كما ذكرنا في الأعصار والأمصار ، ولعله شذ بيت أو امرأة كانت تفعل ، ومع ذلك لعله ليس بعنوان الالتزام ، فتأمّل.

قوله : ولو لم تتمكن من الوضوء. ( ١ : ٣٦٣ ).

وإذا لم تتمكن من الوضوء والتيمم فلتفعل ما بقي من الذكر واستقبال القبلة والموضع الطاهر أو قريبا من المسجد ـ كما في بعض الأخبار (١) ـ لما ورد من أن « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، وما ورد من أن « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٣) كلاهما عن علي 7.

ثم لا يخفى أن الوضوء والذكر وكونهما في وقت كل صلاة ورد في كل الأخبار ، وأمّا استقبالها للقبلة فقد ورد في أكثر الأخبار ، وفي بعض الأخبار لم يذكر ، وأمّا كون الذكر بقدر الصلاة فقد ورد في بعض الأخبار ، وأما غيره فمطلق ، وفي بعض الأخبار ذكر الموضع الطاهر ، وأكثر الأخبار خالية عنه ، وكذا الجلوس قريبا من المسجد ، وفي بعض الأخبار ضم تلاوة القرآن مع الذكر.

قوله : ففي مشروعية التيمم. ( ١ : ٣٦٣ ).

دليل مشروعية التيمم عموم كونه بمنزلة الوضوء ، ودليل عدمها أن الشارع قال : يتوضأ ، ومر الكلام في أمثال المقام في أول الكتاب.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٣٤٥ أبواب الحيض ب ٤٠ ح ١ ، ٢.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ و ٢٠٧ ، والظاهر أنّه رواهما عن النبيّ 6.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ و ٢٠٧ ، والظاهر أنّه رواهما عن النبيّ 6.


فهرس الموضوعات

الوضوء الواجب

الوضوء واجب غيري....................................................... ٥

بيان المراد من القيام في قوله تعالى : ( إذا قمتم ... )........................... ٧

القول بوجوب الطهارات بحصول أسبابها والمناقشة فيه......................... ١١

ـ وجوب الوضوء للطواف الواجب........................................ ١٩

ـ وجوب الوضوء لمس القرآن............................................. ١٩

الوضوء المندوب

التسامح في أدلّة السنن.................................................... ٢٠

هل يجوز الدخول في العبادة الواجبة بالوضوء المندوب؟........................ ٢٤

الغسل الواجب

ـ وجوب الغسل لما يجب له الوضوء........................................ ٢٥

ـ وجوب الغسل لصوم الواجب........................................... ٣٠

ـ وجوب الغسل لصوم المستحاضة......................................... ٣٢


بحث حول مكاتبة علي بن مهزيار.......................................... ٣٢

التيمم الواجب

وجوب التيمم لخروج الجنب في أحد المسجدين.............................. ٣٣

التيمم المندوب

بحث حول التيمم المندوب................................................. ٣٦

مسألة : قد تجب الطهارة بالنذر وشبهه..................................... ٣٧

المياه

الماء المطلق طاهر ومطهّر................................................... ٣٩

معنى الطهور.............................................................. ٤٠

الماء الجاري

نجاسة الماء الجاري بالتغيّر.................................................. ٤٢

هل يشترط في التغير أن يكون حسيّاً أم لا؟.................................. ٤٣

عدم تنجسّ الماء الجاري قليله وكثيره بالملاقاة................................. ٤٦

أدلّة القائلين بعدم تنجس الماء الجاري قليله وكثيره بالملاقاة..................... ٤٦

إشارة إلى أنّ الكليني أضبط من الشيخ....................................... ٤٦

أدلّة القائلين بتنجس الماء الجاري بالملاقاة والجواب عنها........................ ٤٨

ماء الحمّام

هل تشترط في مادّته الكرّيّة أم لا؟.......................................... ٥٢

هل تشترط كريّة ما في الحياض؟........................................... ٥٤

طريق تطهير ما في الحياض................................................. ٥٦


الماء المحقون

إشارة إلى أنّ مفهوم اللقب ليس بحجّة....................................... ٥٩

نجاسة الماء القليل بالملاقاة................................................... ٦٠

أدلة القول بنجاسته....................................................... ٦٠

أدلّة القول بعدم النجاسة................................................... ٦٣

الجواب عن أدلّة القول بعدم النجاسة........................................ ٦٤

كيفيّة تطهير الماء القليل.................................................... ٨١

هل يطهر القليل بإلقاء كرّ عليه؟............................................ ٨١

هل يطهر القليل بإتمامه كرّاً؟............................................... ٨٢

بحث حول الإجماع المنقول................................................. ٨٢

الماء الكرّ

هل يعتبر في عدم انفعال الكرّ تساوي السطوح؟.............................. ٨٨

عدم طهارة الكرّ بزوال التغيّر من نفسه...................................... ٩٠

بحث في حجية الاستصحاب............................................... ٩١

بحث حول أصالة البراءة................................................... ٩٣

إشارة إلى أنّ مراسيل ابن أبي عمير كالمسانيد................................. ٩٣

بيان مقدار الكرّ وزناً...................................................... ٩٤

اختلاف الأصحاب في تعيين الأرطال....................................... ٩٤

بحث رجالي حول عثمان بن عيسى وأنّ أبا بصير مشترك بين ثلاث ثقات....... ٩٦

بيان مقدار الكرّ مساحةً................................................... ٩٧

إشارة إلى أنّ محمد بن سنان ثقة............................................ ٩٨

قال ابن الجنيد : الكرّ ما بلغ تكسيره مائة شبر والمناقشة فيه.................... ٩٩

تساوي مياه الغُدران والحياض والأواني في الحكم............................ ١٠٠


ماء البئر

بحث في الحقيقة الشرعية واللغويّة......................................... ١٠٢

هل ينجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؟...................................... ١٠٤

بيان الأقوال في المسألة................................................... ١٠٥

حمّاد بن عيسى ثقة...................................................... ١١٢

منزوحات

البئر ما ينزح لوقوع المسكر فيها.......................................... ١١٦

الاستعمال أعم من الحقيقة............................................... ١١٧

ما ينزح لوقوع الفقاع فيها............................................... ١١٨

ما ينزح لوقوع المني أو أحد الدماء الثلاثة فيها.............................. ١١٨

ما ينزح لموت البعير فيها................................................. ١١٨

ما ينزح لموت الدابة فيها................................................. ١٢٠

توضيح ما قاله العلاّمة في المقام............................................ ١٢١

ما ينزح لموت الحمار أو البقرة فيها........................................ ١٣١

ما ينزح لموت انسان فيها................................................. ١٣٢

عدم الفرق بين المسلم والكافر في النزح.................................... ١٣٢

ما ينزح لوقوع العذرة إذا ذابت.......................................... ١٣٤

ما ينزح لوقوع بول الرجل فيها........................................... ١٣٦

ما ينزح لوقوع قليل الدم فيها............................................. ١٣٦

ما ينزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت............................... ١٣٨

ما ينزح لاغتسال الجنب فيها............................................. ١٣٩

ما ينزح لذرق الدجاج الجلال............................................ ١٤٢

ما ينزح لموت الحيّة فيها.................................................. ١٤٢

ما ينزح لموت العصفور فيها.............................................. ١٤٢


ما ينزح لبول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام.................................. ١٤٣

ما ينزح لماء المطر وفيه البول و ........................................... ١٤٥

بحث رجالي حول كردويه................................................ ١٤٥

بيان المراد من الدلو التي ينزح بها.......................................... ١٤٦

فروع

عدم اعتبار النيّة في النزح................................................. ١٤٨

عدم اعتبار بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه............................... ١٤٨

وجوب إخراج عين النجاسة قبل النزح.................................... ١٤٨

هل طريق التطهير منحصر بالنزح؟........................................ ١٤٩

طهارة جوانب البئر التي أصابها الماء في حال النزع........................... ١٤٩

اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح............................ ١٥١

حكم سقوط أبعاض المقدّر لها............................................ ١٥٢

حكم النجاسات التي لم يقدر لها.......................................... ١٥٣

حكم البئر إذا تغير أحد أوصاف مائها بالنجاسة............................ ١٥٥

حكم ما لو زال تغير البئر بغير النزح ونحوه من المطهرات..................... ١٥٧

المسافة التي تكون بين البئر والبالوعة....................................... ١٦٠

إشارة إلى اختلاف القدماء والمتأخرين في الخبر الصحيح...................... ١٦١

حكم الإناءين المشتبهين.................................................. ١٦٢

فروع في الإناءين المشتبهين............................................... ١٦٧

اشتباه المضاف بالمطلق................................................... ١٧١

الماء المضاف

الماس المضاف طاهر لا يزيل حدثاً......................................... ١٧٣

إشارة إلى حال سهل بن زياد............................................. ١٧٤

الماء المضاف لا يزيل خبثاً................................................ ١٧٤


بحث أصولي في المطلق والمقيّد............................................. ١٧٧

نجاسة الماء المضاف بملاقاة النجاسة........................................ ١٨١

لو مُزج المضاف بطاهر.................................................. ١٨٢

كراهة الطهارة بالماء المسخن بالشمس..................................... ١٨٢

في المراد من المكروه...................................................... ١٨٤

كراهة تغسيل الأموات بالماء المسخن بالنار................................. ١٨٤

الماء المستعمل

حكم الماء المستعمل في رفع الخبث......................................... ١٨٥

حكم الماء الاستنجاء..................................................... ١٨٩

حكم الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.................................. ١٩١

الأسئار

تعريف السؤر.......................................................... ١٩٤

كراهة سؤر الجلال وما أكل الجيف....................................... ١٩٥

طهارة الأسئار إلاّ سؤر نجس العين........................................ ١٩٦

كراهة سؤر الحائض غير المأمونة.......................................... ١٩٩

حكم سؤر البغال والحمير والفأرة......................................... ٢٠١

حكم سؤر الحيّة وحكم ما مات فيه الوزع والعقرب........................ ٢٠١

حكم ما لا يدركه الطرف من الدم....................................... ٢٠٢

نواقض الوضوء

ـ خروج البول والغائط والريح.......................................... ٢٠٤

ـ النوم الغالب على الحاستين............................................ ٢٠٥

ـ ما أزال العقل من الجنون والإغماء...................................... ٢٠٩

عد ناقضية المذي........................................................ ٢١٠


عدم ناقضية الودي...................................................... ٢١١

عدم ناقضية مسّ الذكر والدُبر والقبل..................................... ٢١٢

أحكام الخلوة

وجوب ستر العورة...................................................... ٢١٢

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي............................... ٢١٢

يراد بالاستقبال والاستدبار ما هو المتعارف................................. ٢١٤

استحباب التشريق أو التغريب حال التخلّي................................ ٢١٤

الاستنجاء

وجوب غسل مخرج البول بالماء........................................... ٢١٦

بيان أقل ما يجزي من الماء في إزالة البول................................... ٢١٨

وجوب غسل مخرج الغائط حتّى يزول العين والأثر.......................... ٢٢٠

عدم وجوب إزالة الرائحة................................................ ٢٢١

التخيير بين الماء والأحجار إذا لم تتعدّ النجاسة المخرج....................... ٢٢٢

لا يجزي في الاستنجاء أقلّ من ثلاثة أحجار................................ ٢٢٢

وجوب إمرار كلّ حجر على موضع النجاسة وكفاية زوال العين.............. ٢٢٦

حكم استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات............................. ٢٢٦

حكم استعمال الحجر المستعمل........................................... ٢٢٧

حكم الاستنجاء بالروث والعظم والمطعوم.................................. ٢٢٩

حكم الاستنجاء بصيقل يزلق عن النجاسة................................. ٢٢٩

مندوبات التخلّي

ـ تغطية الرأس......................................................... ٢٣٠

ـ الاستبراء............................................................ ٢٣٠

ـ تقديم اليمنى عند الخروج.............................................. ٢٣١


مكروهات التخلّي

ـ الجلوس في الشوارع والمشارع......................................... ٢٣١

ـ الجلوس تحت الأشجار المثمرة.......................................... ٢٣١

ـ الجلوس في مواطن النزال ومواضع اللعن................................. ٢٣٣

ـ استقبال الشمس والقمر بفرجه........................................ ٢٣٣

ـ استقبال الريح بالبول................................................. ٢٣٣

إشارة إلى حكاية قتل سعد بن عبادة....................................... ٢٣٤

ـ البول في الماء الجاري والراكد.......................................... ٢٣٥

ـ الأكل والشرب والسواك حال التخلّي.................................. ٢٣٦

ـ الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه....................... ٢٣٦

كيفية الوضوء

فروض الوضوء

ـ النيّة................................................................ ٢٣٦

أدلّة وجوب النيّة........................................................ ٢٣٧

بيان المراد من الوجب.................................................... ٢٣٨

اشتراط القربة في النيّة................................................... ٢٤٢

اشتراط قصد الوجوب أو الندب.......................................... ٢٤٢

اشتراط نيّة الرفع أو الاستباحة............................................ ٢٤٩

هل يصح الوضوء لو ضمّ إلى نيّة التقرب إرادة التبرّد أو غير ذلك فيه أم لا؟... ٢٥٠

وجوب استدامة حكم النيّة إلى الفراغ..................................... ٢٥١

ـ كفاية وضوء واحد بنيّة التقرب عن أسباب متعددة....................... ٢٥٥

تداخل الأغسال الواجبة.................................................. ٢٥٥

تداخل الأغسال المستحبّة........................................... ٢٥٦،٢٥٧


ـ غسل الوجه......................................................... ٢٥٩

حدّ الوجه الذي يجب غسله.............................................. ٢٥٩

وجوب غسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل................................. ٢٦٠

عدم وجوب تخليل اللحية................................................ ٢٦١

ـ غسل اليدين......................................................... ٢٦٢

ـ ما يجب غسله من اليدين.............................................. ٢٦٢

وجوب الابتداء من المرفق في غسل اليدين.................................. ٢٦٢

حكم من قطع بعض يده................................................. ٢٦٣

حكم من كان له ذراعان أو كان له يد زائدة.............................. ٢٦٤

ـ مسح الرأس......................................................... ٢٦٤

الواجب في المسح مسمّاه................................................. ٢٦٤

اشتراط كونا لمسح بنداوة الوضوء......................................... ٢٦٤

جواز مسح الرأس مدبراً................................................. ٢٦٥

عدم جواز غسل موضع المسح............................................ ٢٧٠

ـ مسح الرجلين........................................................ ٢٧١

تحقيق معنى الكعبين لغةً وشرعاً........................................... ٢٧١

عدم التريب بين الرجلين................................................. ٢٨٣

وجوب المسح على بشرة القدمين......................................... ٢٨٤

جواز المسح على حائل عند التقية والضرورة................................ ٢٨٤

ـ الموالاة.............................................................. ٢٨٦

عدد الغسلات.......................................................... ٢٨٧

الغسلة الثالثة بدعة...................................................... ٢٩٥

لا تكرار في المسح....................................................... ٢٩٦

إجزاء ما يسمّى به غاسلاً في الوضوء...................................... ٢٩٦

ـ وضوء الجبيرة........................................................ ٢٩٧

عدم جواز تولية الغير أفعال الوضوء اختياراً................................. ٣٠١


حرمة مس المحدث كتابة القرآن........................................... ٣٠١

إشارة إلى أن حسين بن مختار ثقة وإشارة إلى مقبوليّة مراسيل حماد بن عيسى ٣٠٣ ـ ٣٠٤

ـ حكم المبطون والمسلوس............................................... ٣٠٥

سنن الوضوء

ـ وضوء الإناء على اليمين والاغتراف بها................................. ٣٠٨

ـ التسمية والدعاء بالمأثور............................................... ٣٠٩

ـ غسل اليدين قبل إخالهما الإناء......................................... ٣٠٩

ـ المضمضة والاستنشاق والدعاء عندهما.................................. ٣١١

ـ ابتداء الرجل بظاهر الذراع والمرأة بباطنه................................ ٣١٣

إشارة إلى أنّ إسحاق بن إبراهيم من مشايخ الإجازة........................ ٣١٤

ـ الوضوء بمدّ.......................................................... ٣١٥

مكروهات الوضوء

ـ التمندل بعد الوضوء.................................................. ٣١٥

أحكام الوضوء

حكم من تيقن الحدث وشكّ في الطهارة................................... ٣١٦

حكم من تيقنهما وشكّ في المتأخّر......................................... ٣١٧

حكم من تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه.................................. ٣١٨

حكم من شكّ في شيء من أفعال الوضوء قبل فوات المحل.................... ٣١٨

حكم من جدّد وضوءاً بنيّة الندب وذكر أنّه أخلّ بعضو من إحدى الطهارتين.. ٣١٩

حكم من أحدث عقيب طهارة منهما ولم يعلمها بعينه....................... ٣٢٠

حكم من صلى الخمس بخمس طهارات وتيقن أنّه أحدث عقيب أحدهما....... ٣٢١


غسل الجنابة

لغسل الجنابة سببان...................................................... ٣٢٢

الأول : الإنزال......................................................... ٣٢٢

صفات المني............................................................. ٣٢٢

كفاية الشهوة وقتور الجسد في المريض..................................... ٣٢٣

الثاني : الجماع.......................................................... ٣٢٣

حكم من جامع في الدبر................................................. ٣٢٣

حكم من وطأ غلاماً..................................................... ٣٢٤

بحث في الإجماع المركب................................................. ٣٢٥

أحكام الجنب

المحرمات :

ـ قراءه سورة العزائم................................................... ٣٢٦

ـ مس كتابة القرآن أو شيء عليه اسم الله................................ ٣٢٧

ـ الجلوس في المساجد ووضع شيء فيها................................... ٣٢٨

المكروهات :

ـ الأكل والشرب...................................................... ٣٢٨

ـ مسّ المصحف والنوم ما لم يتوضّأ...................................... ٣٢٩

واجبات غسل الجنابة

ـ النيّة................................................................ ٣٢٩

ـ غسل البشرة......................................................... ٣٢٩

ـ الترتيب............................................................. ٣٣٠

سقوط الترتيب في الغسل الارتماسي....................................... ٣٣٥


مسنونات غسل الجنابة

ـ إمرار اليد على الجسد................................................ ٣٣٩

ـ البول أمام الغسل..................................................... ٣٣٩

ـ الاستبراء............................................................ ٣٤١

أحكام الجنابة

حكم البلل الخارج بعد الغسل............................................ ٣٤٤

حكم من أحدث أثناء الغسل............................................. ٣٤٥

علي بن سندي ثقة...................................................... ٣٤٥

إشارة إلى الأشياء التي تنجبر بها ضعف السند............................... ٣٥٠

الحيض

تعريف دم الحيض....................................................... ٣٥٢

صفات دم الحيض....................................................... ٣٥٤

تمييز دم الحيض عن دم العذرة............................................ ٣٥٧

حكم الدم الذي تراه الصبيّة قبل البلوغ.................................... ٣٥٩

حكم الدم الذي يخرج من الجانب الأيمن................................... ٣٥٩

هل يشترط التوالي في الثلاثة؟............................................. ٣٦٢

لا حيض بعد سنّ اليأس................................................. ٣٦٦

قاعدة الإمكان.......................................................... ٣٦٨

أحكام الحيض

ذات العادة تترك الصلاة ولصوم برؤية الدم................................ ٣٦٩

متى تترك المبتدأة العبادة.................................................. ٣٦٩

حكم من ترى الدم ثلاثة ثم ينقطع ثم يعود قبل العاشر....................... ٣٧١


وجوب الاستظهار أو استحبابه؟.......................................... ٣٧١

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل........................................ ٣٨٠

حكم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة................................. ٣٨٢

بحث في أنّ القضاء تابع للأداء أو فرض مستأنف........................... ٣٨٢

أحكام الحائض

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة.............................................. ٣٨٤

عدم صحّة الصوم منها................................................... ٣٨٥

حرمة دخول المساجد إلاّ اجتيازاً.......................................... ٣٨٥

حرمة قراءه العزائم وكراهة غيرها عليها................................... ٣٨٦

وجوب السجدة عليها إذا قرأت أو سمعت آية السجدة...................... ٣٨٦

إشارة إلى أنّ حديث أبان بن عثمان كالصحيح............................. ٣٨٧

بحث حول ما ذكره الصدوق من عدم العمل بما رواه محمّد بن عيسى عن يونس متفرّداً ٣٨٧

حرمة وطء الحائض..................................................... ٣٨٨

حجّية قول المرأة في دعوى الحيض........................................ ٣٨٨

جواز الاستمتاع بما عدا القُبل............................................. ٣٨٩

مقدار الكفّارة بوطء الحائض............................................. ٣٩٠

هل تتكرر الكفّارة بتكرّر الوطء؟......................................... ٣٩١

وجوب الغسل على الحائض إذا طهرت.................................... ٣٩٢

غسل الحيض

لزوم الوضوء مع غسل الحيض............................................ ٣٩٣

بحث في مراسيل ابن أبي عمير............................................. ٣٩٦

أدلّة القائلين بعدم وجوب الوضوء مع غسل الحيض والمناقشة فيها............. ٣٩٧

استحباب الوضوء للحائض وذكر الله وقت كل فريضة............. ٤٠٠ ـ ٤٠٢

الحاشية على مدارك الأحكام - ١

المؤلف:
الصفحات: 415