
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
وبه نستعين
والحمد لله رب
العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الغر الميامين
الفصل
الثالث
مما بنى عليه كتاب
التجارة في الخيار الذي هو بمعنى الخيرة أى المشيئة في ترجيح أحد الطرفين ، إلا أن
المراد به هنا ملك إقرار العقد وازالته بعد وقوعه مدة معلومة ، ولا ريب في ثبوته
في الجملة ، بل هو كالضروري ، وإن كان الأصل في البيع اللزوم ، أي بناؤه عليه لا
على الجواز وإن ثبت في بعض أفراده وفي جامع المقاصد أو أن الأرجح فيه ذلك ، نظرا
إلى أن أكثر أفراده عليه ، ومراده أن الأصل حينئذ بمعنى الراجح ، كما أن مرجع
الأول إلى ما يناسب المعنى اللغوي ويمكن كونه بمعنى القاعدة ، أما الاستصحاب فبعيد
إلا بتكلف نعم هو دليله مضافا إلى الآية في وجه وظاهر النصوص والنظر في أقسامه وأحكامه ، أما أقسامه فقد ذكر المصنف هنا
منها خمسة وأخر سبعة ، وثالث ، ثمانية ، ورابع ؛ أربعة عشر. وليس ذلك خلافا وانما
هو مجرد جمع واستقصاء. الأول خيار المجلس اي عدم التفرق حقيقة عرفية أو تجوزا في
بعض أفراد الحقيقة ، لعدم اعتبار محل الجلوس في هذا الخيار ، بل ولا مكان العقد في
شيء من النصوص والفتاوى ،
__________________
( فـ ) حينئذ إذا
حصل الإيجاب والقبول انعقد البيع وكان لكل من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في
المجلس أي لم يتفرقا ، إجماعا منا بقسميه ، ونصوصا مستفيضة أو متواترة. منها ـ قول الصادق 7 في صحيح ابن مسلم
وصحيح زرارة عن رسول الله 6 « البيعان بالخيار حتى يفترقا » وقوله 7 في صحيح الفضيل لما قال له ما
الشرط في غير الحيوان : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد
الرضا منهما » وفي صحيح الحلبي « أيما رجل اشترى بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا
افترقا وجب البيع » وفي صحيح عمر بن يزيد « قال رسول الله 6 : إذا التاجران صدقا بورك لهما وإذا كذبا وخانا لم يبارك
لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا فان اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا » إلى
غير ذلك من النصوص التي لا بأس بدعوى تواترها.
فما في خبر غياث عن جعفر عن أبيه
عن على : « قال : قال : إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا » مطرح أو
محمول على اشتراط السقوط. أو على إرادة حصول الملك ، أو على الافتراق البعيد ، أو
غير ذلك ، والأجود حمله على التقية من أبي حنيفة وأتباعه في هذه الفتوى الملعونة
التي أقدم فيها على خلاف رسول الله 6 وآله على علم منه ، ولذا عدت في مطاعنه ، وإطلاق النص
والفتوى شامل لكل من المالكين ، ومن في حكمهما والوكيلين والمختلفين بل في الرياض
ثبوته للمتبايعين سواء كان العقد لهما أو لغيرهما أو على
__________________
التفريق على بعض
الوجوه بالإجماع القطعي ، والمستفيض الحكاية ، وإن كان فيه نوع مناقشة ، إلا أن
الوجه في ذلك واضح للصدق ، سواء قلنا بأن البيع هو الصيغة ، أو النقل ، أو
الانتقال ، فالبايعان المتلبسان بالصيغة ، أو الناقلان ، أو موجدا سبب الانتقال ، والكل
صادق على الكل فثبوته حينئذ للوكيلين من الشرع باعتبار الصدق المزبور والتبعية ،
كما صرح به في الحدائق ، لا من نص الموكل وإذنه فيه ، بل قد يتوقف في ثبوته لهما
مع حضورهما معهما ، لعدم الصدق إلا توسعا ، ولذا يقال عند التحقيق : ما باعا وإنما
باع وكيلهما ، بل مال إليه في الحدائق اللهم الا أن يدعى ثبوت الخيار لهما باعتبار
كونه حقا متعلقا في مالهما فيتبعه في الانتقال إليهما ، الا أن ذلك لا ينافي ثبوته
للوكيلين مع ذلك ، ومال إليه في المسالك والمحكي عن التذكرة ، بل لعل مدته حينئذ
افتراق الوكيلين لا افتراقهما الذي لم يجعل غاية في شيء من النصوص بعد فرض كونهما
غير بيعين ، وليس هذا اختلافا بين الضمير ومرجعه ، إذ ليس ثبوت الخيار لهما من
الخبر المزبور كي يرد ذلك ، بل لما قلناه وهو يقتضي فرعيته على ما للوكيلين فيتبعه
حينئذ فتأمل هذا.
ولكن في المسالك
بعد اعترافه أن إطلاق المتن يقتضي التعميم المزبور وأن العرف يشهد على الصدق
المذكور في الوكيلين قال : « لكن الحكم في المالكين واضح ، وأما الوكيلان فان لم
ينص لهما الموكل على الخيار لم يكن لهما الفسخ. فينتفى الحكم عنهما ، وان وكلهما
فيه ، فان كان قبل العقد بنى على التوكيل فيما لا يملكه الموكل هل يصح بوجه حينئذ
أم لا وسيأتي في بابه إنشاء الله فان لم نجوزه لم يكن لهما ذلك أيضا ، وان جوزناه
، أو كان التوكيل فيه بعد العقد في المجلس كان لهما الخيار ما لم يفترقا ، عملا
بإطلاق الخبر ، وهل يثبت مع ذلك للموكلين إذا حضرا
المجلس قيل : نعم
لأن الخيار لهما بالأصالة ، ولأنهما بيعان عرفا ، إذ يصدق على البائع عرفا أنه باع
متاعه إذا كان قد وكل في بيعه وباعه الوكيل ، وكذا المشتري ، ويحتمل العدم لأنهما
ليسا بائعين بمعنى موقعي الصيغة ، ولا ناقلين للملك إنما أوقعها ونقله الوكيلان ،
ويحتمل أن لا يكون الخيار إلا لهما لأنهما المالكان حقيقة المستحقان للخيار إذ
الأصل في الوكيلين ان لا يستحقان خيارا ، ولا يتناولهما الخبر ثم على تقدير ثبوت
الخيار للجميع أو للمالكين فهل المعتبر تفرق الوكيلين أم المالكين أم الجميع كل
محتمل ، ويشكل بسبب ضمير تفرقا في بعض الموارد ، ومن ثم قيل : ان المراد بهما
المالكان والضمير لهما ، ودخول الوكيلين في الحكم بأمر خارج ، والوجه ثبوته لكل
واحد منهما واعتبار تفرق كل في خيار نفسه لا في خيار الأخر ، والمسألة من المشكلات
» وكأنه أشار بقوله أخيرا قيل : إلى ما في جامع المقاصد في مسألة ثبوت الخيار مع
اتحاد الموجب والقابل.
قال : « والذي يجب
أن يحقق في معنى الحديث أن البيعين ان أريد بهما العاقدان لأنفسهما لم يعم
الوكيلين ولا الموكلين ، وإن أريد بهما مالك المبيع ومالك الثمن لم يطابق أول
الحديث إلا إذا كان المالكان هما العاقدين لأن قوله ما لم يفترقا لا يصدق في
المالكين إذا كان العاقد غيرهما ، لانه يصير معناه حينئذ البيعان بالخيار ما لم
يفترق المتعاقدان. وهو غير ظاهر ، إلا أن يدعى وجود القرينة الدالة على مرجع هذا
الضمير وهي ذكر الافتراق المقتضى بسبق الاجتماع للعقد ، أو يقال : ان الحديث دال
على حكم المالكين المتعاقدين لأنه الغالب ، وحكم ما إذا كان العاقد وكيلا هما
يستفاد من أمر خارج » قلت : قد يصعب إقامة دليل معتبر على ثبوته للوكيلين صالح
لقطع أصالة اللزوم مع فرض عدم إرادتهما من لفظ الحديث ، ولذا قال
في الحدائق : ما
سمعت ، ومقتضاه أن لا يحتاج معه إلى نص الموكل بل لا عبرة بمنعه في وجه ، ولا يخفى
عليك ما في قوله وإن جوزناه إلخ ، ضرورة أنه إذا كان مستند خيارهما التوكيل لا لفظ
الحديث لم يتجه تأجيله بالافتراق الذي هو أجل للخيار الشرعي الثابت للبيعين ، ولا
فرق بين توكيلهما وتوكيل أجنبي. اللهم إلا أن يدعى كون المراد أن البيعين بالخيار
ولو من اذن الموكل ما لم يفترقا. وهو كما ترى ، وما تسمعه في آخر المبحث ، ومن
الغريب قوله وهل يثبت مع ذلك الى آخره إذا كان المراد باسم الإشارة ما ذكره من
صورتي ثبوت الخيار لهما. تجويز التوكيل قبل العقد أو فرض وقوعه بعده ، إذ لا وجه
حينئذ لاحتمال عدم الخيار لهما ، بعد أن كان التوكيل فيه مقتضيا لثبوته لهما ،
والوكالة في شيء لا تزيل تسلط الموكل ، وكذا لا وجه لعدم الخيار للوكيلين مع فرض
أنهما قد وكلا فيه ، بل لا وجه لجميع ما ما ذكره بعد ذلك ، ويمكن أن يريد باسم
الإشارة ما ذكره أولا من اقتضاء الإطلاق ثبوته للوكيلين ، ويكون الاحتمالات حينئذ
لحال اجتماع حضور المالكين معهما خاصة ، لا إذا لم يجتمعا ، فان الخيار للوكيلين
حينئذ على مقتضى الإطلاق المزبور ، أو يقال : ان المراد ثبوت الخيار لهما من حيث
حضورهما مضافا إلى ثبوته لهما من جهة عقد الوكيلين ، فيكون لهما الخيار من جهتين
إحداهما من حيث اجتماع الوكيلين ، ويبطله تفرقهما ، والثانية من جهة حضورهما ،
ويبطله تفرقهما دون الوكيلين ، بل الظاهر أن مراده ذلك وإن كان فيه ما فيه ، ولا
يخفى عليك أيضا ما في قوله ثم إلخ ؛ كقوله والوجه مع ما سلف ، وبالجملة كلامه أشكل
من المسألة ، هذا كله. ولكن الإنصاف ـ إن لم يكن إجماع ـ عدم ثبوته للوكيلين إلا
بالتوكيل فيه لا أصالة ، والخبر حينئذ إنما هو في البيعين الموجب اجتماعهما فيه في
مجلس العقد للخيار
وتفرقهما سقوطه ، وثبوته للمالكين في عقد الوكيلين إنما هو لما دل من تنزيل عبارة
الوكيل منزلة عبارة الموكل المقتضى ثبوت الخيار للموكلين ، اجراء لحكم عقدهما على
العقد من وكيلهما بالتنزيل المزبور ، ولكن يسقطه تفرق الوكيلين باعتبار ظهور دليل
الخيار في اعتبار دوام مجلس العقد ، سواء كان منهما أو من وكيلهما ، ومع تفرق الوكيلين
لم يثبت الخيار باعتبار فوات مجلس العقد الذي لا دليل على تنزيل مجلس الموكل
منزلته ، كي يكون المدار عليه لا على مجلس عقد الوكيلين ، فان عمومات الوكالة لا
تقتضي ذلك ، وحينئذ فلا اختلاف في مرجع الضمير في البيعين بعد أن كان مورده غير
الوكيلين ، وإنما ثبت الخيار للموكلين في بيعهما من الطريق الذي ذكرنا لا من الخبر
، أو يقال ان المراد بكون البيعين بالخيار كونهما مع الخيار ، وإن كان ثبوته لمن
له العقد ، بل لو أريد كونه لهما كان نحو قولهم الخيار في الحيوان للمشترى مثلا
الشامل للوكيل مع أن من المعلوم كونه للموكل ، كما هو واضح ، وحينئذ فلا يكون
اختلاف بين الضمير ومرجعه وعلى تقديره فهو للقرينة.
ومن ذلك يظهر لك
الوجه فيما سمعته من كلام جامع المقاصد فلا حظ وتأمل وتدبر.
فان ذلك هو
التحقيق الذي لا ينبغي المحيص عنه في المسألة ، وحاصله ثبوته للمالكين في عقد
الوكيلين حضرا معهما أو لم يحضرا ، ويسقطه تفرق الوكيلين ؛ نعم لو كانا وكيلين على
مجرد إجراء الصيغة ، وقلنا بصحته. وكان الأصليان حاضرين أمكن كون المدار على
تفرقهما دون الوكيلين ، لصدق البيعين عليهما دونهما ، ويحتمل كونه كالأول لكون
الوكالة فيه مشتملة أيضا على إنشاء النقل وقصده ، فهما كالمستقلين
من هذه الجهة ،
وأما الوليان فالخيار للمولى عليه أيضا ولكن للوليين النظر فيه ، لعموم الولاية ،
وكيف كان فالفضوليان غير بائعين بناء على ما هو التحقيق من أنه النقل ، سواء قلنا
بأن الإجازة كاشفة ، أو ناقلة فلا خيار في عقدهما حينئذ ، نعم قد يحتمل خصوصا على
النقل دوران ثبوته على مجلس الإجازة إذا فرض اجتماعهما فيه ، ويحتمل سقوط الخيار
هنا من أصله ، ويحتمل كونهما كالوكيلين لأنهما ناقلان أيضا وإن كان مشروطا بالرضا
ولا يخلو من قوة.
وعلى كل حال فـ (
لو ضرب بينهما حائل ) أو حفر نهر لا يتخطى أو نحو ذلك مع بقائهما على حال العقد لم
يبطل الخيار قطعا ، لعدم صدق التفرق به سواء كان غليظا أو رقيقا ثوبا أو جدارا من
طين أو جص ، بلا خلاف أجده بيننا بل وبين غيرنا ، عدا ما في التذكرة عن الشافعية
في الأخير قولان : أصحهما عدم السقوط ، قال : والحقة الجويني بما إذا حمل أحدهما
وأخرج ، لكن في المسالك انه نبه المصنف بما ذكره على خلاف بعض العامة حيث أبطله
ولعله يريد ما سمعت والأمر سهل.
وكذا لم يبطل لو
أكرها معا على التفرق باختيارهما أم لا ، بلا خلاف أجده ، بل في الغنيمة وعن تعليق
الشرائع الإجماع عليه ، للأصل بعد تبادر الاختيار من النصوص ، ولذا يصح في التحقيق
أن يقال لم يفترقا ، ولكن فرقا ، معتضدا بأنه شرع للإرفاق المفقود مع الإجبار ،
وبما في صحيح الفضيل السابق من الاشعار ، بل لو أريد منه بعد الرضا منهما بالافتراق
كان نصا في المطلوب ، وبغير ذلك فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من نوع
توقف فيه في غير محله ؛ سيما إذا كان الإكراه رافعا للاختيار من رأسه.
__________________
نعم قد اشترط
جماعة بما إذا لم يتمكنا مع ذلك من التخاير أي اختيار الفسخ أو العمل على مقتضى
الخيار ، بأن سد أفواههما أو هدد عليه ، بل صرح في الروضة وغيرها بلزوم العقد مع
تمكنهما منه ولم يختارا وإن أكرها على التفرق ، وفيه ان ترك اختيار الفسخ مع
التمكن منه بعد الإكراه على الافتراق الذي نزله الشارع منه منزلة العدم بالنسبة
إلى الإسقاط كالسكوت في المجلس ـ لا دلالة فيه عليه ـ ولا وضع شرعا له كما هو واضح
، ولو أكره أحدهما على المفارقة فإن أكره الأخر على المكث كانا معا مكرهين ، وإلا
فقد يظهر من تعليق عدم البطلان في المتن والمحكي عن الشيخ وغيرهما على إكراههما
معا البطلان فيه حتى في حق المكره.
ومثله لو حبس
أحدهما وفارقه الأخر اختيارا ، ولعله لما تعرف من سقوطه في حال الاختيار بتخطي
أحدهما عن الأخر وهو موجود في الفرض ، فلا يقدح اكراه الثاني ، وفيه صدق المفارقة
باختيارهما معا في الأول ، وإن كان المتخطي واحدا والأخر اختار المكث على المصاحبة
، كما أن الأول اختار التخطي على المكث مع صاحبه ، بخلاف ما نحن فيه الذي يمكن لو
لا الإكراه لجلس معه في الأول وصاحبه في الثاني ، والمدار في السقوط التفرق
المستند إلى اختيارهما معا ، لأنه المتبادر من النصوص ، حتى صحيح فضيل السابق ،
والموافق لأصالة بقاء الخيار ، بل قيل : أنه مقتضى إجماع الغنية ، المعتضد بفتوى
جماعة منهم الشهيد الثاني والمحقق الثاني في الروضة وجامع المقاصد بل لم أقف على
الفتوى صريحا في الاكتفاء بذلك ، فيما عدا القواعد قال : « ولو حمل أحدهما ومنع من
الاختيار لم يسقط خياره على إشكال. أما الثابت فان منع من التخاير أو المصاحبة لم
يسقط ، وإلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار الأول » وفيه ـ مع منافاة إشكاله هنا لما
جزم به
قبل ذلك من بقاء
الخيار لو أكرها على التفرق ـ بل ولما جزم به أيضا في الثابت لأن التفرق إن كان
صادقا سقط خيارهما معا وإن انتفى أو شك فيه فهو كذلك فيهما ـ انك قد عرفت عدم
السقوط فيهما في الأخير فضلا عن سابقه لعدم تحقق التفرق المستند إلى اختيارهما معا
وهو المدار كما عرفت ، ومنه يعلم ضعف احتمال بقاء خيار المكره خاصة ، وإن كان هو
أقوى مما استقر به ، بل هو ظاهره أو صريحه في التذكرة فلاحظ وتأمل ، ولو زال
الإكراه ففي فورية الخيار وتراخيه إلى حصول الافتراق قولان ، أقواهما الثاني ،
للأصل ولأن خيار المجلس موضوع على التراخي وهذا منه أو بدل عنه ، بل إن لم يقم
إجماع على أن غاية الافتراق بعد الزوال ، أمكن القول ببقائه مطلقا في بعض الصور
التي لم يبق معها بعد الزوال صدق الافتراق فيكون الخيار حينئذ ثابتا بقوله البيعان
إلخ ، ولم تحصل الغاية حال إمكانها وبعد الإكراه لم يبق لها مصداق فتأمل جيدا.
ولو زال الإكراه
وهو مار ففي التذكرة انقطع خياره ببقائه سائرا قال : « وليس عليه الانقلاب إلى
مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الأخر إن طال الزمان ، وإن لم يطل ففيه احتمال عند
الجويني » قلت : لا ريب في ضعفه لعدم الدليل على الوجوب في الفرض ، كما أنه لا
دليل على تحري الأقصر لو أراد العود ، ولا تضر مفارقته مجلس الزوال له ، فمن
التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في كثير من الفروع المتصورة في المقام منها ـ ما
لو تناديا بالبيع في سفينتين مثلا ففرقتهما الريح التي لا يتمكنان من الاصطحاب
معها ، فان الظاهر كما في جامع المقاصد عدم السقوط أيضا كالإكراه ، بل قال : « لو
دهشا فلم يختارا حينئذ ففي السقوط نظر والله أعلم ».
وكذا يسقط الخيار
باشتراط سقوطه منهما أو من أحدهما بلا خلاف أجده فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه
لأصالة اللزوم مع الشك في تناول
الأدلة له ، وعموم
الأمر بالوفاء بالعقود وصحيح « المؤمنون عند شروطهم » الذي هو أرجح مما دل على الخيار من وجوه فيحكم عليه وإن كان
التعارض من وجه ، وليس الخيار من مقتضى العقد ، بل هو مقتضى إطلاقه ، بل قد يقال :
إنه ليس من مقتضياته أصلا ، بل هو حكم شرعي ثبت للعاقدين على انه أولى من اشتراط
الخيار في العقد ، والمراد من المتن وغيره مما عد فيه ذلك أحد الأمور الأربعة
المسقطة للخيار سقوطه بنفس الشرط ، لا اشتراط الإسقاط الذي يحصل بأحد مسقطاته ، إذ
ليس هو حينئذ إسقاطا بالشرط ، بل أقصاه استحقاق الاسقاط عليه ، فان لم يف له به
تسلط على الخيار كباقي الشرائط ، وليس مما نحن فيه ، كما أن اشتراطه بالمعنى الذي
ذكرناه أولا لا يرجع إلى نفي استحقاق ثبوت الخيار شرعا كي يكون باطلا ، بل مرجعه
إلى إيجاب اختيار لزوم العقد عليه ، فمع قبوله كذلك لا بأس به ، وعدم حصوله إلا
بعد تمام العقد لا ينافي اشتراط سقوطه عند حصول سببه ، فما عن بعض الشافعية من عدم
صحة هذا الشرط كخيار الشفعة لا ريب في بطلانه.
كل ذلك مع الشرط
في العقد أما قبله فلا يلزم كغيره من الشروط الخارجية ، للأصل ، بعد القطع بعدم
ارادته من قوله : « المؤمنون عند شروطهم » لأن المراد منه ما يلتزمونه بالملزم
الشرعي وإلا لوجب الوفاء بكل كلام يقع بينهم من الوعد وغيره ، وهو معلوم البطلان ،
قيل : وإليه أومأ في جملة من النصوص في النكاح التي هي بفحواها أو عمومها شاهدة علي المقام
أيضا خلافا لظاهر المحكي عن الخلاف والجواهر فأوجبه به. وهو ممكن التنزيل
__________________
على صورة بناء
العقد عليه لا ما إذا وقع سابقا من دون بناء.
ومن الغريب ما في
الرياض من أن قول الشيخ غير بعيد ، لو لا نصوص النكاح ، للشك في شمول دليل الخيار
، إذ فيه أنه لا شك بعد القطع بصدق البيعين عليهما ، والدليل غير منحصر في المتيقن
كما هو واضح والله أعلم وكذا يسقط الخيار بمفارقة كل منهما صاحبه إجماعا بقسميه
ونصوصا مستفيضة أو متواترة وتحصل ببعد أحدهما عن صاحبه ولو بخطوة بلا خلاف يعتد به
أجده فيه ، لعدم تحديدها بالشرع فيكتفى بمسماها المتحقق بالخطوة قطعا ، بل هي في
كلامهم مثال لمطلق البعد بينهما زائدا على ما كان حال العقد ، ولا ينافي ذلك صحيح
الخطى الذي لا يأتي حصوله بما دونها.
بل قد يستفاد منه
ارادة المعنى اللغوي من الافتراق ، بناء على أن له معنى عرفيا لا يتحقق بالخطوة
ونحوها بل في الرياض « لو لا المعتبرة المستفيضة التي منها الصحيح المزبور ، لأشكل
إثبات اللزوم وسقوط الخيار بالافتراق بنحو من الخطوة بإطلاق مفهوم نصوص الافتراق ،
لاختصاصها بحكم التبادر في الافتراق المعتد به الغير الصادق على الافتراق بنحو
الخطوة عرفا وعادة » وإن كان قد يناقش فيه بمنع عدم الصدق عليه عند التحقيق لا
التوسع المبني على تنزيل القليل منزلة العدم ، بل الشك كاف لأصالة عدم النقل إلى
معنى جديد ، وبأنه لا تعرض في المعتبرة للخطوة إذ في صحيح الحلبي عن الصادق 7 « ان أباه اشترى
أرضا يقال لها العريض فلما استوجبها قام فمضى فقال له : يا أبه لم عجلت؟ فأجابه
بأني أردت أن يجب البيع » ونحوه غيره ولا دلالة فيه على أنه كان خطوة أو أكثر ولا
إطلاق فيه ، نعم في صحيح ابن مسلم
__________________
عن الباقر 7 « بايعت رجلا
فلما بايعته قمت فمشيت خطأ ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا » ، وهو مع
أنه ليس فيه خطوة ، حكاية فعل لا إطلاق فيه ولم يعلم حاله ، فالعمدة حينئذ ما
ذكرنا معتضدا بفتوى الأصحاب ، وببعض ما يستفاد منه المراد بالمجلس من نصوص الصرف فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فظاهر
النص والفتوى عدم اعتبار قصد الاسقاط بالافتراق فلا فرق فيه بين حصوله من الجاهلين
أو العالمين أو المختلفين ، ولا بين الناسيين للبيع أو الخيار وغيرهما ، ولا بين
الافتراق له أو لغرض آخر ، وفعل الباقر 7 لا يقتضي حصر
الاسقاط به ، فما عساه يتوهم من عبارة الحدائق من اعتبار ذلك في غير محله ، ومنه
يعلم أنه لا يعتبر دلالته عرفا على الرضا ، وإن كان قد يتوهم من صحيح الفضيل
نعم صريح الصحاح
المزبورة حصول افتراقهما بما ذكرناه من انتقال الواحد ؛ ولا يشترط ذلك منهما كما
أوضحناه فيما تقدم ، وكذا لا فرق عندنا بين قرب المكانين وبعدهما ، حتى لو تساويا
من مكان بعيد اعتبر التفرق من مكانهما لسقوط الخيار ؛ وعن بعض العامة إسقاطه
لمقارنة المسقط ولا ريب في سقوطه ، أما إذا لم يحصل مسماه كما لو مشيا مصطحبين أو
تقاربا أو نحو ذلك لم يسقط الخيار ، ولو هرب أحدهما ففارق الأخر ولو بخطوة اختيارا
، عالمين أو جاهلين أو مختلفين ، ففي القواعد وجامع المقاصد السقوط أيضا ، بل في
الأخير وإن فعل ذلك حيلة في لزوم العقد ، وهو لا يخلو من نظر إذا لم يحصل صدق
التفرق باختيارهما ، والله أعلم.
وكذا يسقط الخيار
في العقد بإيجابهما أباه أو أحدهما ورضا
__________________
الآخر وهو المسمى
بالتخاير ، وصورته أن يقولا اخترنا العقد أو ألزمناه أو أسقطنا الخيار أو نحو ذلك
، مما يدل على اختيار لزوم العقد والرضا به ، ولا يختص به ، بل كل ما دل على الرضا
فهو كاف ، ولذا لزم بالإيجاب من أحدهما مع رضا الأخر ، وعلى كل حال فالسقوط بذلك
مما لا خلاف فيه ، بل في الغنية والتذكرة ومحكي الخلاف الإجماع عليه ، بل ولا
إشكال ، ضرورة معلومية كون الخيار مما يسقط بالإسقاط ، وأن المدار في لزوم العقد
على ما يدل على الرضا من الأفعال ، فضلا عن الأقوال ، كما أومأ إليه في صحيح
الفضيل وبعض نصوص خيار الحيوان وغيره ، ولما قيل من أن فسخ اللازم بالتقابل يقتضي لزوم
الجائز بالتخاير ، ولأنه سقط بالافتراق ، لدلالته على الرضاء ، والتخاير صريح فيه
، وإن كان فيه نوع تأمل ، وفحوى
خبر السكوني عن الصادق 7 « أن أمير المؤمنين 7 قضى في رجل اشترى ثوبا شرط إلى نصف النهار فعرض له ربح
فأراد بيعه فقال : ليشهد أنه قد رضيه أو استوجبه ، ثم ليبعه إن شاء فإن أقام في
السوق ولم يبع فقد وجب عليه » ونحوه خبر الحلبي والشحام
لكن في الحدائق «
ولقائل أن يقول ان ذلك لا يزيد على ما يقتضيه العقد من اللزوم ، وأقصاه التأكيد ،
ونصوص الخيار مطلقا شاملة للعقد المؤكد وغيره ، ضرورة صدق عدم الافتراق معه وهو
مدار بقاء الخيار ، إلا أن يقال ان هذه الألفاظ في قوة اشتراط سقوط الخيار فيرجع
إليه » وهو من غرائب الكلام إذ الفرق بينه وبين الشرط في متن العقد واضح ، كوضوح
أن المراد به ما دل على إسقاط الخيار لا ما دل على أصل
__________________
وقوع العقد الذي
مقتضاه اللزوم.
ولو التزم أحدهما
به سقط خياره لما عرفت دون صاحبه لأصالة بقائه ، وعدم ارتباط أحدهما بالآخر ،
وكونهما بالتفرق كذلك بناء على ما قلناه لا يقتضي مساواة غيره له كما هو واضح ،
والتثنية في ثبوت الخيار لهما بعد معلومية إرادة ثبوته لكل منهما كما أومأ إليه في
صحيح الفضيل المتضمن رضاهما معا ، لا يقتضي الارتباط.
ولو خير أحدهما
الآخر بأن قال له : اختر فسكت فخيار الساكت باق إجماعا ، للأصل وإطلاق الأدلة ،
والسكوت أعم من الرضا ، نعم لو اقترن بما يدل عليه سقط كما ستعرف ، وكذا خيار
الآخر لأن أمره بالخيار لخصوص المأمور أو لهما معا لا يدل على إسقاط خيار نفسه
بإحدى الدلالات ، وقيل فيه ولكن لم نعرف القائل وإن نسب إلى الشيخ إلا أن المحكي
عن مبسوطة وخلافه خلاف الحكاية يسقط
للنبوي « البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقل لصاحبه اختر » والأول
أشبه لما عرفت ؛ وعدم ثبوت هذه الزيادة من طرقنا ، مع أن مقتضاها سقوط خيارهما معا
، ولعله لذا حملها في المختلف على ما إذا خيره فاختار اللزوم ، لكن في الحدائق «
إن فيه ما لا يخفى ، لأن محل الكلام إنما هو المخير بصيغة اسم الفاعل وان تخييره
لصاحبه يدل على اختياره الإمساك وظاهر كلامه ان الذي اختار إنما هو المخير بصيغة
اسم المفعول ، وهو ليس محل البحث » وفيه أنه صرح الشيخ وابن زهرة والعلامة والشهيد
وغيرهم على ما حكى عن البعض بأنه لو قال أحدهما لصاحبه اختر فاختار الإمضاء بطل
الخياران ، أما لو سكت فهو ما نحن فيه ، بل قد استدل بعض الأساطين للسقوط بأنه ملك
__________________
صاحبه ما ملكه من
الخيار ، وإن كان فيه منع دلالة التخيير على التمليك ، ولو قصد سقط خياره ، كما
صرح به في التذكرة وإن سكت المخير بالفتح كما أنه لا يسقط وإن أمضى المأمور إذا
كان القصد الاستكشاف ، أما إذا قصد التفويض سقط مع الإمضاء ، دون السكوت ، قيل :
وهو الظاهر من التخيير ، ولذا فرقوا بين السكوت والإمضاء ، ولو سلم عدم الظهور فهو
أعم من التمليك قطعا ، فلا يحكم بالسقوط بمجرده ، ولو صرح بالمتعلق فان قال : اختر
الإمضاء فالحكم كما لو أطلق ، ولو قال : اختر الفسخ فخيار الأخر باق وإن أمضى
المخير ، وظاهر الدروس سقوطه وهو بعيد.
ثم إنه قد يظهر من
اقتصار المصنف وغيره على ما ذكر من المسقطات عدم سقوطه بغير ذلك حتى التصرف ، بل
هو كالصريح منه فيما يأتي ، بل قصره في الغنية والمحكي عن المبسوط وابني سعيد
وإدريس في موضع من السرائر على التفرق والتخاير ، بل عن جماعة قصره على الأول ،
لكن صرح جماعة من المتأخرين ـ بل الظاهر عدم الخلاف فيه بينهم كما اعترف به بعض الأساطين
ـ بسقوط خيار المشتري بالتصرف في المبيع ، بل حكاه بعضهم عن خلاف الشيخ ، والكافي
والجواهر والسرائر أيضا ، بل عن الأول انه نقل إجماع الفرقة على أن المشتري متى
تصرف في المبيع سقط خياره ، قال : وورد الاخبار به عنهم : مشيرا بذلك إلى
ما أورده في كتاب الحديث ، إلا أنه لم نجد ما يدل على ابطال التصرف لمطلق الخيار
بعد الإجماع المزبور المؤيد بتخصيص الأصحاب خيار الغبن بالبقاء مع التصرف من بين
الخيارات ، مع احتمال إرادتهم فيه أيضا ما قبل ظهور الغبن وثبوت الخيار ، فلا
تخصيص حينئذ لذلك إلا ما قيل من التعليل بالرضا المستفاد من صحيح الفضيل السابق وصحيح ابن رئاب
في خيار الحيوان ، وفيه فان أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة فذلك
رضا منه فلا شرط له ، ومنه
__________________
يظهر الوجه في
سقوط خيار البائع لو تصرف بالثمن المعين ، للاشتراك بالعلة وهي الدلالة على الرضا
بالبيع.
أما ما ذكروه فيما
لو انعكس الأمر ـ فتصرف البائع في المبيع أو المشتري في الثمن ـ من أنه يكون فسخا
، ويبطل به الخياران ـ بل في الغنية نفى الخلاف عنه ـ فلا أجد له دليلا سوى دعوي
دلالة التصرف عليه ، ولا ريب فيه ان تمت الدلالة ولو بمعونة قرينة ، وإلا فهو محل
مناقشة كما في الرياض « لمنع الدلالة مع أعمية التصرف من الفسخ وغيره ، فيحتمل
السهو والغفلة فإن تم إجماع على الإطلاق ، وإلا فالمسألة محل ريبة ، لأصالة بقاء
صحة المعاملة والخيار فيها » قلت : بل ان لم يتم إجماع على الأول ، أي اللزوم
بالتصرف كان محلا للنظر ، إذ دعوى دلالته عليه عرفا مطلقا محل منع ؛ خصوصا وقد
يصدر منه التصرف مع الغفلة عن البيع أو الخيار أو نحو ذلك.
نعم يمكن دعوى وضع
ذلك للدلالة شرعا وتعميمه لما نحن فيه ، إلا أنه إن لم يحصل إجماع كما ترى ، بل قد
يناقش في الدال منه عرفا إذا لم تكن دلالته رافعة لاحتمال عدم ارادة الفسخ ، بناء
على اعتبار خصوص الظاهر من الأقوال في أمثال ذلك لا الأعم منها والافعال.
وعلى كل حال فهل
المدار على حصول الدال على الرضا باللزوم أو الفسخ ، أو يكفي حصول ذلك في النفس
وإن لم يصدر منه ما يدل ، عليه فيحرم عليه فيما بينه وبين ربه العمل على خلاف ما
وقع فيها ، ظاهر الأصحاب الأول ؛ ويؤيده الاستصحاب ، وقد يظهر من بعض النصوص الثاني.
وكذا لا خيار
للبائع والمشتري في شراء من ينعتق على المشتري ، كما صرح به جماعة ، بل في الحدائق
انه المشهور ، لدخوله في ملك المشتري
__________________
بنفس العقد ،
فينعتق بمجرد الملك ، والعتق لا يقع متزلزلا. والحر لا يعود رقا ، وفي الصحيح « فيمن ينعتق من الرجال
والنساء انهم إذا ملكوا أعتقوا ، وانهم إذا ملكن أعتقن » بل في كثير من النصوص
والعبارات نفي الملك ، وحقيقة النفي وأقرب مجازاته ينفيان الخيار.
نعم يثبت على
القول بانتقال المبيع بعده ، إذ لا مانع فيه ، وهو خلاف التحقيق كما ستعرف ،
واحتمل في الدروس ثبوته للبائع ، لسبق تعلق حقه فيقف العتق على التفرق ، أو يثبت
الخيار في القيمة دون العين ، جمعا بين الحقين وتنزيلا لها منزلة التلف الذي لا
يمنع الخيار ، بل في الحدائق « التوقف في سقوط خيار المشتري ، فضلا عن البائع ،
لأن التعارض بين ما دل على العتق وعلى الخيار ، تعارض العموم من وجه ولا ترجيح »
ولا ريب في بعد الجميع خصوصا مع علم البائع ، ودعوى تقدم حقه ممنوعة ، فإن الخيار
بعد الملك كالعتق ، وهو مبني على التغليب وأدلته أنص على هذا المورد من أدلة
الخيار ، ومعتضدة بالشهرة ، فيترجح عليها وتخصص بها ، والقيمة بدل العين ، فيمتنع
استحقاقها دون المبدل.
نعم لو تصرف
المشتري فيه بالعتق اختيارا سقط حقه قطعا ، بناء على ما عرفت ، أما البائع فالظاهر
بقاء خياره لسبق حقه ، إلا أنه يقوى في خصوص العتق الانتقال إلى القيمة ، لما عرفت
من عدم التزلزل فيه ، ودعوى عدم عود الحر رقا ، اللهم إلا أن يدعى توقف نفوذ العتق
على انقضاء خيار البائع ، وهو مناف لإطلاق ما دل على حصوله بإجراء الصيغة على
الملك ، لكن في المسالك الإشكال في صحة سائر تصرفات المشتري الناقلة مع خيار
البائع ، وربما يأتي للمسألة تتمة في المباحث الاتية إنشاء الله ، ولو اشترى العبد
نفسه بناء على جوازه كالكتابة فكا لانعتاق
__________________
عند الفاضل ، وفي
جامع المقاصد « ان مثلهما لو كان المبيع جمدا في زمان الحر ، لانه يذوب شيئا فشيئا
إلا أن يقال التلف لا يسقط الخيار » قلت : وهو كذلك والله اعلم.
ولو كان العاقد
واحدا عن اثنين هو أحدهما أو غيرهما كالأب أو الجد أو الوصي لطفلين ، كان الخيار
ثابتا ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد. أو يفارق المجلس الذي عقد
فيه على قول لم نعرف قائله قبل المصنف ؛ نعم صرح بالخيار في الفرض جماعة من
الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا بيننا ، وإن حكى الفاضل قولا بالسقوط ، إلا أن
الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين كونه من العامة ، نعم احتمله بعض أصحابنا أو مال
إليه ، بل في الحدائق « انه الأقرب ، لقاعدة اللزوم ، والشك في ثبوت الخيار في
الفرض ، إن لم يكن ظاهر الأدلة خلافه » وفيه انه يمكن ان يكون دليله ـ بعد الإجماع
في الغنية. على دخول خيار المجلس كل بيع ، معتضدا بالشهرة العظيمة في المقام ،
وظاهر الأصحاب في بيان محله التنقيح ، لأن المقتضي له في التعدد ـ هو البيع ، وقد
وجد في الواحد ، والنص وإن كان ظاهره التعدد ، إلا انه بوروده مورد الغالب ؛ وظهور
ارادة قصد التنصيص به على الاشتراك ، والتوطئة لذكر التفرق ، يضعف ارادة اعتبار
ذلك في الخيار ، ولو اثر فيه ، لأثر في غيره مما ابتنى عليه ، فيسقط مع الاتحاد
أكثر الاحكام ، وهو معلوم العدم ، فيكون الظاهر من تعليق الخيار بالبيع في قوله «
البيعان » هو ثبوته لهما من حيث هما بيعان ويرجع بعد إسقاط التثنية من الحيثية ،
لكونها في قوة التكرار بالعطف إلى ثبوته للبائع من حيث هو بايع ، والمشتري من حيث
هو كذلك ، والعاقد الواحد بايع ومشتر ، فيثبت له الخيار بالاعتبارين.
ولا ينافي ذلك قوله « ما لم يفترقا »
إذا كان المراد من النفي حقيقته التي
هي السلب المطلق ،
فلا فرق فيه بين المتعدد والمتحد ، بل لو أريد منه الملكة أي عدم الافتراق عمن
شأنه ذلك ، أمكن حينئذ القول بأنه لا يقتضي تخصيص مورد الخيار به ، بل أقصاه
السقوط بذلك فيما يحصل به من افراده ، فلا ينافي ما دل بإطلاقه على ثبوت الخيار
للبائع مثلا ، من الخبر المزبور ، بعد ما ذكرناه فيه وغيره كقول الرضا 7 في خبر ابن أسباط
« الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري وفي غير الحيوان ان يفترقا » أي الخيار
ثابت في غير الحيوان إلى أن يفترقا إن كان لطرفيه عاقدان بل قيل : انه قد يتمسك
للمطلق بعموم النص ، بدعوى إرادة الحقيقة من النفي والحمل للتثنية على عموم المجاز
، كما ينبه عليه سوق النصوص والاقتران بخيار الحيوان في أكثرها ، والعموم فيه معلوم
بالنصوص ، منها صحيح الفضيل المتقدم سابقا ، وفي الصحيح « ما الشرط في
الحيوان؟ فقال : ثلاثة أيام للمشتري ، قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : البيعان
بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » الذي هو مع تضمنه
لما ذكرنا عم المتحد سؤالا ، فينبغي ان يعمه جوابا وتعليلا ، ينشأ من التنبيه على
علة السقوط بالافتراق ، فيعمه حكما.
كل ذلك مضافا الى
معلومية بدلية المتحد عن الاثنين في سائر الأحكام الثابتة للمتبايعين ، والى
استبعاد ثبوته لو وكل الولي عن أحد الطفلين ثم عقد معه إذ دعوى السقوط فيه أيضا
كما ترى ، فلا مناص بعد ذلك بل بعضه عما عليه
__________________
الأصحاب ، كما انه
لا مناص بعد القول بثبوته ، عن القول بعدم سقوطه في التأخر عن مجلس العقد ،
للاستصحاب وعدم ما يدل على تنزيله منزلة افتراقهما كما هو المشهور بين الأصحاب بل
لم يظهر فيه خلاف بينهم.
نعم عن المبسوط
كالمتن حكايته ، واحتمله العلامة ، ويحتمله عبارة الدروس على بعد ، وعن الصيمري
اعتماده ، نظرا إلى ان خيار المجلس يسقط بمفارقته من غير اصطحاب ولا مصاحبة بين
الشخص ونفسه ، وفيه ان افتراقهما أيضا مستحيل ، والمسقط هو الافتراق ، وربما انتصر
له بلزوم الضرر ، ومخالفة الفرع للأصل ، وبإطلاق ما دل على جواز بيع الوكيل ماله
من موكله ، ومال موكله من نفسه ، ولو دام الخيار مع الاتحاد وجب التفصيل ، والضرر
يندفع بالاشتراط ، والفسخ والمخالفة مقلوبة ؛ ضرورة عدم اللزوم بمفارقة المجلس
خاصة في المتبايعين ، بل لا بد من افتراق البدنين ، وتصرف الوكيل منوط بالمصلحة
مطلقا ، فان وجدت مع استمرار الخيار ، وإلا بطل لهذا الاعتبار.
هذا ولعل اقتصار
المصنف على هذين المسقطين ، لعدم ذكره التصرف أما غيره ممن ذكره ولم يذكره هنا ،
فمقتضاه انه لا يحصل به في المقام باعتبار اشتراك المتصرف ، إلا أن يضم إليه قصد
التصرف عن أحدهما ، ولو جاءا مصطحبين فقال أحدهما : تفرقنا ولزم البيع ، وأنكر
الأخر ، فعلى المدعى البينة ، إن لم يطل الوقت ، للأصل ، بل وإن طال ترجيحا له على
الظاهر ، ويحتمل العكس ، بل قواه في جامع المقاصد ، نظرا إلى شدة استبعاد بقاء
الشخصين مجتمعين مدة طويلة ، مع كون الاصطحاب منسوبا إليهما معا ، حتى لو أراد
أحدهما المفارقة احتيج في منعه الى الالتزام والقبض ، وذلك من الأمور النادرة ،
قال : « ولكن هذا الظاهر يتفاوت قوة وضعفا بإفراط طول
المدة وعدمه » قلت
: هو ان لم يصل في القوة إلى صلاحية قطع الأصل ، يشكل تقديمه عليه ، ولو اتفقا علي
التفرق ، واختلفا في الفسخ ، فالقول قول منكره بيمينه.
وفي القواعد «
احتمال تقديم مدعيه ، لأنه أعرف بنيته » وهو كما ترى ، ولعله يريد ما لو اختلفا في
فعل مدعي الفسخ ، مع أن ظاهر جامع المقاصد تقديم قول المنكر فيه ، ولو قال أحدهما
: تفرقنا قبل الفسخ ، وقال الآخر : فسخنا قبل التفرق ، احتمل تقديم الأول ، لأصالة
بقاء العقد ، وتقديم الثاني ، لأنه يوافقه عليه ويدعي فساده ، والأصل صحته ، لأن
الفسخ فعله ، وأصالة تأخر كل منهما عن الآخر مع جهل التاريخ يقتضي الاقتران ، وهو
ـ مع انه خلاف الظاهر ، بل والأصل ، كما حقق في محله ولذا لم يعتبره أحد من
الأصحاب يقتضي ترجيح الأخير ، لاستصحاب الخيار حتى يتحقق الافتراق فتأمل والله
اعلم.
القسم
الثاني ـ خيار الحيوان
خيار الحيوان الذي
هو في الجملة إجماعي. بل ضروري عند علماء المذهب والشرط فيه أي الخيار في الحيوان
كله إنسية وغيره ثلاثة أيام على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في ظاهر
الانتصار والتذكرة والمحكي عن الخلاف والتحرير وصريح السرائر الإجماع عليه ،
لإطلاق النصوص
بل العموم في بعض
الصحاح منها ؛ وخصوص صحيح ابن رئاب وغيره ، مما تسمعه خلافا للحلبيين على ما حكي عن أبي
الصلاح منهما ، وربما يوافقهما ظاهر الشيخين ، والمحكي عن الديلمي ، حيث حكموا
بضمان البائع مدة الاستبراء ، وليس إلا لأنها مدة الخيار المضمون ما يحدث فيها على
البائع. لأنه لا خيار له ، والحمل على عدم القبض بعيد. بل المفروض في المقنعة
والنهاية. وضع المشتري إياها عند غيره ، وهو قبض وإيداع ، بل فيهما ، والوسيلة
ومحكي المراسم والجامع ان نفقة تلك المدة على البائع ، قيل : وهو يؤذن بذلك ، وإلا
لوجبت على المشتري بالملك قبل انقضائها.
قلت : يمكن القول
بالضمان والنفقة مع انقضاء مدة الخيار ، للأدلة كما هو مقتضى الجمع بين إطلاقهم
الثلاثة في خيار الحيوان ، وذكرهم ذلك ، وعلى كل حال فلا نعرف له مستندا صالحا
لمعارضة إطلاق الأدلة وعمومها فضلا عن خصوصها ، إذ إجماع الغنية ـ بعد معارضته
بمثله ، ورجحانه عليه من وجوه ـ غير صالح لذلك قطعا كما هو واضح.
وكيف كان فهذا
الخيار للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر الأشهر فتوى ورواية. بل المشهور شهرة
عظيمة فيها ، بل في الغنية وظاهر الدروس أو صريحها الإجماع عليه ، بل لا أجد فيه
خلافا إلا من المرتضى في انتصاره ، والمحكي عن ابن طاوس ، بل لم نعرف النسبة إلا
لاولهما ، لقاعدة اللزوم المستفادة من الآية والرواية ، وخصوص
صحيح ابن رئاب المروي عن قرب الاسناد
__________________
« سئل الصادق 7 عن رجل اشترى
جارية ، لمن الخيار للمشتري أو البائع أو لهما كليهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ،
ثلاثة أيام نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء ، قلت له : أرأيت إن قبلها
المشتري أو لا مس فقال : إذا قبل أو لا مس أو نظر فيها الى ما يحرم على غيره فقد
انقضى الشرط ولزمته » الحديث. بل وصحيح الفضيل قال للصادق 7 : « ما الشرط في الحيوان؟ فقال : ثلاثة أيام للمشتري ، قلت
: وما الشرط في غير الحيوان؟ فقال : البيعان بالخيار ما لم يفترقا » الحديث ، الذي
يقرب منه في الصراحة بالعدول بالجواب في غير الحيوان ، والاقتران باللام المفيدة
للاختصاص ، وظهور ارادة القيد من الوقوع في بيان السؤال ، فهو بمنزلة ما يذكر في
الحدود والحصر بتعريف المبتدأ بناء على أن للمشتري خبرا ، أو كالخبر بالنسبة إلى
ذلك ونحو خبر ابن أسباط « سمع الرضا 7 يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، وفي غير
الحيوان ان يفترقا » وإن لم يجتمع فيه جميع ما ذكرنا ، كصحيح الحلبي « عن الصادق 7 في الحيوان كله
شرط ثلاثة أيام للمشتري ، وهو بالخيار فيها ان شرط فيها أو لم يشترط » ، وصحيح ابن
رئاب « عن الصادق 7 الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، اشترط فيها أو لم
يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه ، فلا
شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : إن لا مس أو قبل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه
قبل الشراء » وسمع الحسن بن علي بن فضال
__________________
في الموثق « أبا الحسن علي
بن موسى الرضا 7 يقول : صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام ».
فمن الغريب ما في
المسالك من الاقتصار في الاستدلال له على صحيح الحلبي وقال : « انه لا
يدل على نفيه عن البائع إلا من حيث المفهوم المخالف وهو ضعيف ، فالقول بما عليه
المرتضى في غاية القوة ، إن لم يثبت الإجماع علي خلافه » وتبعه في هذا الميل
الكاشاني وهو كما ترى ، مع انه لم نقف له على دليل سوى ما ادعاه من الإجماع
الموهون بالتتبع لفتاوي من تقدمه كالمفيد والصدوقين ، ومن تأخر عنه المعارض بمثله
صريحا وظاهرا ، وسوى صحيح محمد بن مسلم عن الصادق 7 « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وما سوى ذلك
من بيع حتى يفترقا » وصحيحه الآخر « عنه أيضا قال رسول الله 6 : البيعان بالخيار حتي يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة
أيام » كصحيح زرارة عن الباقر 7 مع أن المراد بصاحب الحيوان في الأخيرين المشتري ، بقرينة
موثق ابن فضال الذي هو إن أريد منه بيان الموضوع أو التخصيص في الحكم كان
كافيا في المطلوب ، ونافيا لأصل الدلالة فيهما على الأول ، الذي يمكن دعوى انه
المنساق المتبادر ، إذ هو الصاحب فعلا ، على أنه لو أريد به الأعم ثبت لكل منهما
الخيار ، متى كان أحد العوضين.
وهو مما لم يقل به
أحد ، لان من صوره كون الثمن للدار مثلا حيوانا ولا خيار للمشتري قطعا ، كما ان
العدول في الجواب فيهما صريح أو
__________________
كالصريح في إرادة
أحدهما من الصاحب ، وتخصيصه بالبائع فيما إذا كان المبيع حيوانا مما لم يقل به احد
، فوجب ارادة المشتري منه ، فانحصر الدليل في الصحيح الأول القاصر عن معارضة
ما عرفت من وجوه ، بل ربما احتمل فيه بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه للصحيح الذي
بعده ، انه نقل من الراوي بالمعنى ، بزعم الموافقة ؛ واحتمل فيه أيضا إرادة الخيار
لمجموعهما الصادق بالمشتري خاصة ، أو أن الخيار للمشتري وعلى البائع فهو لهما أو
نحو ذلك من الاحتمالات البعيدة التي لا بأس بها بعد القصور عن المعارضة ، وانها
أولى من الطرح.
نعم احتمل الفاضل
تنزيله على ما إذا كان كل من الثمن والمثمن حيوانا ، وكأنه علق قوله في الحيوان
فيه بالمبتدأ ، وهو مبنى على ثبوت الخيار لهما في هذه الصورة ، وعده في جامع
المقاصد ثالث الأقوال ، ونفى عنه البعد لما فيه من الجمع ، بل عن جماعة منهم
الصيمري اختياره لذلك ، ولاتحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشترى ، وهي خفاء
حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذه المدة ، وفيه بعد اعتبار التكافؤ في الجمع ، انه
لا شاهد عليه في اللفظ ولا من خارج ، وقاعدة أولويته من الطرح غير ثابتة كما تحرر
في الأصول ، والحكمة ما لم يكن منصوص علة أو تنقيح مناط لا يجوز اطرادها عندنا.
ومن ذلك كله يظهر
لك ضعف ما احتمله الفاضل أيضا من ثبوته لذي الحيوان مطلقا ، فيشتركان فيه مع كون
العوضين حيوانين ، ويختص به المشتري في بيع الحيوان بغيره ، ويختص به البائع في
بيع غيره به ، وإن مال إليه أو توقف فيه في الرياض ، وقواه في الروضة ، واختاره في
المسالك ، ومجمع البرهان و
__________________
الحدائق ، وعن
غيرها ، إلا انه لا مستند له سوى الصحيح المزبور بعد التنزيل المذكور ، وإطلاق
صاحب الحيوان في الصحيحين ، بناء على ارادة المنتقل اليه منه ، لا ما كان صاحبه ،
والاشتراك في وجه الحكمة ، وفي الجميع ما عرفت خصوصا بعد غلبة كون الحيوان مقابل
بغيره ، فصاحبه المشتري ، سيما ولا عموم معتد به في هذه الإضافة إذ ليست من إضافة
المصدر. فتأمل جيدا.
ثم إن ابتداء الخيار
من تمام العقد ، كما صرح به جماعة وهو ظاهر الباقين ، لا من حين التفرق ، لتبادر
الاتصال من النصوص وانه كخيار المجلس ، بل هو متعين الإرادة في كثير منها ،
لعدم سبق غيره ، وبه ينقطع الاستصحاب والتأسيس مع انه خلاف وضع العقد غير لازم ؛
والخيار واحد بالذات مختلف بالاعتبار ، فلا يجتمع المثلان وفائدته البقاء بأحد
الاعتبارين مع سقوط الأخر ، فلا يتداخل السببان والأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات
، فلا استحالة في اجتماعهما كما اجتمعت في المجلس والعيب ، وخيار الرؤية باعتراف
الخصم ، والبيع يتم بالإيجاب والقبول على الأصح ، فلا يمتنع الخيار قبل التفرق ،
وارتفاع الخيار المخصوص لا يقتضي اللزوم مطلقا ، بل اللزوم اللازم من رفعه ، فيصح
تعلقه بالجائز ، ولو قيل بالسببية في المجموع ، دون الجميع اندفع أكثر ذلك إلا انه
خلاف الظاهر نصا وفتوى ، ويلزمه سقوط الأثر بالكلية مع استمرار المجلس طول المدة ،
وهو بعيد.
كما أن احتمال
سقوط خيار المجلس في الحيوان ، لظهور بعض النصوص الجامعة بينهما في اختلاف
موضوعهما بعيد أيضا ، لظهور الفتاوى وجملة من النصوص في خلافه ، ويلزمه عدم الخيار
بعد الثلاثة لو زاد المجلس عليها ، والبحث في ثبوته للوكيل نحو ما سمعته في خيار
المجلس ، لكن من المعلوم هنا اختصاصه بالمالك ومن يوكله فيه ، كما ان من المعلوم
ابتداؤه في الفضولي
__________________
من حين الإجازة
بناء على النقل ، أما على الكشف فان كانت بعد الثلاثة سقط ، وإلا ثبت فيما بقي
منها والله أعلم.
وكيف كان فـ (
يسقط باشتراط سقوطه في العقد وبالتزامه بعده ) لما تقدم في خيار المجلس وبإحداثه
فيه حدثا ، كوطي الأمة وقطع الثوب وبتصرفه فيه سواء كان تصرفا لازما كالبيع أو لم
يكن كالهبة قبل القبض والوصية لصحيحي ابن رئاب السابقين ومكاتبة الصفار إلى أبي محمد 7 « في الرجل اشترى
من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، إله أن
يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب
الذي يركبها؟ فوقع 7 إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء الله » وصرح
جماعة بل لا خلاف فيه يعرف بينهم أنه لا فرق بين الناقل وغيره ، لصدق اسم الحدث ،
وذكر بعض أفراد العام أو المطلق للتمثيل لا يقضي بالتخصيص والتقييد لهما ؛ سيما
إذا كان في كلام السائل كالمكاتبة ، والمناقشة بظهور صحيحي ابن رئاب في اختصاص الحدث
بما لا يشمل التصرف الناقل إذ المثال إنما هو لما ماثله ضعيفة ، ضرورة أن ذلك وإن
لم يكن من صنف المذكور ، ولكنه أولى قطعا ؛ نعم قد يظهر من بعض النصوص الاتية في
خيار الشرط عدم دلالة مثل ذلك على الرضا ولذا اشترط على المتصرف الذي
له الخيار أن يستوجب البيع أولا ، لكن لم أجد عاملا بها ، فهي بالنسبة إلى ذلك
شاذة.
وعلى كل حال فقد
قيل أن الظاهر من صحيح الرضا الذي هو كالتعليل
__________________
كون المناط حصول
الرضا بسببه ، فلو علم انتفاؤه وان قصده بالحدث اختباره أو غيره ، بقي خياره ،
ولعله لذا قيده بعض الأفاضل بما إذا لم يكن للاختبار ونحوه ويؤيده الأصل ،
والإطلاقات وبعض النصوص ، كالخبرين أحدهما
الصحيح « عن رجل اشتري شاة ، فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال :
إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها ، ورد معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن
فليس عليه شيء » لكن عن بعضهم سقوط الخيار به أيضا بل مال إليه في المسالك ، ولعله
للإطلاق وارادة التنزيل منزلة الرضا في السقوط شرعا ، لا أنه كاشف عنه ، وإلا لم
يتم في مشكوك الحال فضلا عن معلوم العدم ، اللهم إلا أن يقال أن الشرع كاشف عن
العرف ، فيتبع فيما لم يعلم عدمه ، بل ذلك هو الموافق لأصلي الخيار واللزوم ؛
وستسمع إنشاء الله تمام البحث فيه من الاحكام.
ويسقط أيضا
بانقضاء المدة وهي ثلاثة أيام كما عرفت قال ، بعض الأفاضل : بلياليها تحقيقا ،
لأنه الأصل في التحديد ، والظاهر دخول الليلتين أصالة ، فتدخل الثالثة ، وإلا
اختلف معنى الآحاد في استعمال واحد ، وفيه نظر ، لان الظاهر دخول الليلتين المتوسطتين
في الحكم ، دون الاسم ، إذ ليس اليوم لغة وشرعا وعرفا إلا البياض المقابل لليل ،
الا أنه لما فهم اتصال الخيار بالعقد في جميع أزمنة وقوعه ليلا أو نهارا إلى أن
تحقق مصداق مضي ثلاثة أيام ، دخل الليلتان وغيرهما ، بل الظاهر دخول المنكسر من
اليوم كذلك أيضا. فإذا وقع العقد مثلا ظهر يوم الخميس ، فالخيار متصل إلى أن يتحقق
مصداق مضى ثلاثة أيام ، ولا يكون ذلك إلا بانتهاء يوم الأحد ، وهو غروب الشمس منه
، ولو وقع في أول ليلة الخميس مثلا ، فالخيار فيه إلى مضى الثلاثة ، فتدخل الليلة
في الحكم لا في اسم اليوم.
__________________
بل هذا كاد يكون
صريح قوله 7 في صحيح ابن رئاب
« فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب البيع » إذ مفهومه ان العقد على الخيار إن لم
تمض ، فالمنكسر في النهار والليل حينئذ داخلان في حكم البقاء على الخيار إلى حصول
الغاية ، لا في مفهوم الأيام المنافي للغة والشرع والعرف ، كدعوى صدق اليوم على
الملفق من يوم آخر أو من الليل المنافية للثلاثة أيضا ، وحينئذ فالخيار في الزيادة
على الأيام الثلاثة مستفاد من دليل الخيار بالتقريب الذي ذكرناه ـ فتأمل جيدا فإنه
دقيق نافع في كثير من المقامات لم أجد من تنبه له ، مع أنه بالتأمل في المقام
وغيره يمكن القطع به لمن رزقه الله تعالى اعتدال الذهن.
نعم لا إشكال في
ثبوت مشروعية التلفيق في الجملة ، ضرورة أن الكسر كما يكون في الأيام ، يكون في
الشهور والسنين ، وفي غير واحد من النصوص في قوله تعالى ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ ) الى قوله ( فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) » قال : فهذه أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر
وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الأخر وهو كالصريح في التلفيق في الأشهر ، بل وانه
يجبر الأولين من الأخر وان ذلك كله مصداق أربعة أشهر فتأمل جيدا والله العالم ،
ولا يسقط هذا الخيار بالتبري من العيوب ، وإن كان الحكمة في شرعه خفاء العيب غالبا
، إلا أنه لا يجب انعكاسها.
ويعم هذا الخيار
كل حيوان الصامت والناطق من لا ينعتق عليه ، على ما سمعته في خيار المجلس ، وفي
اشتراط استقرار الحياة في صحة البيع وثبوت الخيار وجهان ، أشبههما العدم ، ويثبت
في حيوان البحر وان اخرج من الماء واشترطنا إمكان البقاء ، لا مكان عوده إلى ما
يعيش فيه ، فلو تركه المشتري على الجدد حتى مات فلا ضمان على البائع ، لأنه هو
الذي أتلفه ، والله أعلم.
__________________
القسم الثالث خيار الشرط
بالضرورة بين
علماء المذهب ، والكتاب والسنة عموما ، وخصوصا في بعض أفراده ، ولا يقدح منافاته
لمقتضى إطلاق العقد ، كما في كل شرط ؛ ودعوى أن اللزوم من مقتضياته ، لا مقتضى
إطلاقه ـ يدفعها مشروعيته بأسبابه ، ولو أنه كذلك لم يشرع أصلا كالملك بالنسبة إلى
البيع كما هو واضح ، وحينئذ فـ ( هو ) عندنا بحسب ما يشترطانه أو أحدهما لا يتقدر
بمدة مخصوصة ، خلافا للشافعي وابى حنيفة ، فلم يجوز اشتراط أزيد من ثلاثة ، ولا
يعتبر فيها الاتصال بالعقد ، كما هو صريح بعض وظاهر إطلاق آخرين ؛ للعموم ، خلافا
لما عن بعض العامة فمنعه ، واحتمله الفاضل تفاديا من انقلاب اللازم جائزا ؛ وفيه
انه جائز وواقع في خيار التأخير وغيره ، ومتي جاز الانفصال جاز التعاقب لعموم
المقتضى ، لكن في المسالك احتمال العدم بعد قطعه بجواز الانفصال ، ولعله لاستظهار
الاتحاد من الإطلاق ، وفيه منع واضح. ولو شرط الخيار شهرا يوما ، ويوما لا ، صح
بناء على إرادة خمسة عشر من الشهر العددي ، كما عساه المنساق من العبارة ، ومع
التصريح بذلك لا إشكال في الصحة ، واليوم المتصل بالعقد أول الأيام ، فظهر أن
المدار على الشرط.
لكن يجب أن يكون
ما يشترطانه من مدة الخيار مدة مضبوطة ولذا لا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة
والنقصان كقدوم الحاج ونحوه قولا واحدا ، للغرر حتى في الثمن لأن له قسطا منه ،
فيدخل فيما نهى النبي 6 فاشتراطه مخالف للسنة ، وما دل على وجوب اتباعها من الكتاب
علي أن مشروعية
__________________
العقود لقطع
الاختلاف فلا تناط بما هو مثاره.
ولو شرط كذلك بطل
البيع أيضا لا الشرط خاصة ، كما ستسمعه فيما يأتي إنشاء الله تعالى محررا ، أما لو
أطلق اشتراط الخيار من غير ذكر مدة أصلا ، فالمشهور بين المتقدمين الصحة ،
والانصراف إلى الثلاثة ، بل في الانتصار والغنية ومحكي الجواهر والخلاف الإجماع
عليه ، بل في الأخير نسبته الى أخبار الفرقة أيضا ، وإن كنا لم نقف على شيء منها
فيما وصل إلينا من النصوص ، سوى ما قيل من فحوى قوله 7 في الصحيح السابق
« الشرط في الحيوان ثلاثة للمشتري اشترط أو لم يشترط » فإنه يدل بالفحوى على
أن الشرط في غيره ثلاثة مع اشتراط الخيار ، لا اشتراطها ، لعدم اختصاصه بها إذ
ضرورة صحة اشتراط أي عدد ، فالمختص بها حينئذ إطلاق اشتراط الخيار وفيه ما فيه ،
والنبويين « الخيار ثلاث » قال : « لا خلا به ولك الخيار ثلاثا » وهما
ـ مع انهما من غير طرقنا ـ لا دلالة فيها ، لما في التذكرة من أن قول لا خلا به
عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا فإطلاقها مع العلم بمعناها كالتصريح ، الا
أن إرسال الشيخ الأخبار المزبورة لا تقصر عن المراسيل في كتب الحديث التي من
المعلوم عدم بنائها على الاستقصاء التام ، فعدم الوجود فيها غير دال على العدم ،
فهي حينئذ مع الإجماعات المزبورة كافية في إثبات المطلوب ، سيما مع عدم الموهن لها
بين المتأخرين فضلا عن غيرهم ، إذ لم نعرف مصرحا بالبطلان بعد الشيخ في أحد قوليه
الا الفاضل وثاني الشهيدين والصيمري فيما حكي عنه.
نعم نسب الى
المرتضى وظاهر الديلمي ، والمعلوم من الأول خلافه ، وعبارة المتن كاللمعة والنافع
والوسيلة ومحكي التحرير لا دلالة فيها ، لأن اشتراط التعيين
__________________
في المدة غير
اشتراط المدة المعينة ، ولذا لم يشر في شيء منها الى الخلاف ، مع أن الغالب في
بعضها الإشارة إلى شواذ الأقوال فضلا عن مثل هذا.
فمن الغريب ما في
بعض المصنفات من حكاية القول المزبور على وجه يكون به من الشواذ ، علي أنه ليس في
الأدلة ما ينافيه ، إذا الغرر مندفع بتحديد الشرع وإن لم يعلم به المتعاقدان ،
كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته من الزمان ، ومن
ذلك يعلم ما في دعوى أولويته بالمنع ، من ذي المدة الغير المعينة ، كالتعليل بأنه
لو صح فاء ما أن يدوم الخيار وهو باطل بالإجماع أو يخص من غير مخصص ، إذ قد عرفت
أن التخصيص بالثلاثة إما لانصراف الإطلاق عرفا ، لكونها أقل مدة يتروى بها في مثله
والشرع كاشف ، أو لتعيين الشارع ، والشرط سبب لا مناط كالوصايا المبهمة ، ولذلك
كله مال إليه في الدروس بل جزم به العلامة الطباطبائي في مصابيحه وهو لا يخلوا من
قوة.
وكيف كان فـ ( لكل
منهما أن يشترط الخيار لنفسه ) في الكل والبعض المعين ولأجنبي متحدا أو متعددا مع
التعيين ، وإلا لم يجز للغرر ، كالتعيين في المخير فيه ، فلا يكفي في شيء منهما
أحدهما ونحوه وله مع الأجنبي كذلك بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه للعموم
، لكن إن اتحد ذو الخيار فالأمر اليه ، والأقدم الفاسخ ولو أجنبيا ، لعدم معارضة
اختيار اللزوم له كما هو واضح. فما في الوسيلة ـ من أن الخيار إن كان لهما واجتمعا
على فسخ وإمضاء نفذ ، وإن لم يجتمعا بطل ، وإن كان لغيرهما ورضي نفذ البيع ، فان
لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء ـ لا وجه له.
كما أن ما في
الدروس ـ من أنه يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا ولا اعتراض عليه ومعهما أو مع أحدهما
، ولو خولف أمكن اعتبار فعله ، وإلا لم يكن لذكره فائدة ـ في غير محله ، بل ينبغي
الجزم بتقديم الفاسخ ولو الأجنبي كما ذكرناه ، واشتراط
الخيار للأجنبي
خاصة تحكيم لا توكيل وليس له الفسخ دونه ، الا أن الظاهر وجوب اعتماد المصلحة لأنه
أمين ، فلو بان الخلاف لم يمض الفسخ ، بل قد يقال : إن المنساق عرفا من مثل ذلك ما
يشبه التوكيل ، فيمكن احتمال مراعاة الأصلح لذلك ، بناء على اعتباره فيها ، كما أنه
يعتبر فيه أيضا غير ذلك مما يعتبر فيها من البلوغ والعقل ونحوهما ،
وكذا يجوز لكل
منهما اشتراط المؤامرة اى الاستيمار بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه
، للعموم ، خلافا للشافعي في أحد قوليه فيلزم العقد بإمضاء المستأمر وسكوته إذا كان
المراد منها اشتراط الخيار له بأمره لانتفاء المشروط حينئذ بانتفاء شرطه ، والأصل
في العقد اللزوم ، أما لو أمر بالفسخ فلا يتعين عليه امتثال أمره به قطعا.
نعم له العمل به
على ما هو مقتضى الشرط ، وليس له الفسخ قبل أمره به ، لعدم حصول الشرط فما عن
التحرير ـ كما عن أحد قولي الشافعية من جواز الرد من غير أن يستأمر لأنه ذكر
الاستيمار احتياطا ـ واضح البطلان ، بل عن الأول التصريح فيه بعد ذلك بالمنع من
الرد قبله ، ولذا حمله بعض الأفاضل على ما إذا حصل الأمر بالفسخ قبل الاستيمار ،
خلافا لظاهر المبسوط والخلاف والتذكرة وكنز الفوائد وتعليق الإرشاد والمسالك على
ما حكى عن بعضها ، فينتفى لانتفاء الشرط ، لكن يمكن تنزيل عباراتهم على الغالب من
ترتب الأمر على الاستيمار ولا بأس به ، ولا بد من ضبط مدة الاستيمار ، كما هو صريح
جماعة ؛ وظاهر آخرين تحرزا من الغرر ، خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف وأحد قولي
الشافعي ، فيثبت على التأبيد مع انتفاء التحديد وهو كما ترى.
ولا ينصرف الإطلاق
هنا إلى الثلاثة التي خيارها ، متصل بالعقد ، بخلاف خيار
__________________
المؤامرة الذي لا
يحصل إلا بعد الأمر ، وصرف إطلاق الخيار إليها لا يقتضي كونها ظرفا لشرائط الخيار
قطعا ، إذ لا تزيد على خيار الحيوان ولا يشترط تعيين المستأمر لعدم الغرر فيه ،
بخلاف الخيار للأجنبي ، وبذلك ـ وعدم الخيار للمستأمر بالفتح وإنما له الأمر به ـ افترقت
المؤامرة عن اشتراط الخيار للأجنبي ، فيصح إناطة الأول بأمر أحد الرجلين دون
الثاني ، ومع الاختلاف يقدم الفاسخ ، وفي المتحد إذا اختلف رأيه في المدة يحتمل
ذلك مطلقا أو بشرط التأخر ، والأخذ بالمقدم مطلقا والمؤخر كذلك ، وقد اختار بعض
الأساطين الثاني. هذا كله بناء على معلومية إرادة ما عرفت من اشتراط الاستيمار ،
أما إذا أريد منه غير ذلك من المشاورة. وإجالة الرأي معه ، لا اتباع أمره أو نحو
ذلك ، اتبع عملا بالشرط ، ولعل إطلاق اشتراط الاستيمار ظاهر فيما ذكره الأصحاب ،
والأمر سهل بعد وضوح المأخذ ، لعدم خروج المؤامرة بنص مخصوص ، فالمرجع في المراد
منها الى ما يرجع إليه في غيرها من العرف واللغة ، بل استقصاء البحث فيها ليس من
وظائف الفقيه.
وكذا يجوز اشتراط
الخيار مدة معينة ـ لا مجهولة ولا مطلقة ، بل إطلاق الخيار هنا لا ينصرف إلى
الثلاثة كما سمعته في المؤامرة. نعم لا يعتبر فيها الاتصال وان انصرفت اليه عند
الإطلاق ـ وإن كان الخيار فيها بشرط أن يرد البائع فيها بالثمن ويرتجع بالمبيع
إنشاء مطلقا أو موزعا عليها نجوما ، متساوية أو مختلفة مع اشتراط الخيار بنسبة
الرد وبدونه ، وإن كان إذا أطلق توقف على رد الجميع إجماعا في أصل المسئلة بقسميه.
ونصوصا عموما
وخصوصا فيه الصحيح وغيره ولا يقدح لفظ الوعد في سؤال الأول بعد أن
كان الجواب أرى أنه لك إن لم يفعل ، اي يرد الثمن ، وان جاء بالمال للوقت فرد عليه قال فيه : « قلت لأبي
عبد الله 7. انا نخالط أناسا من
__________________
أهل السواد وغيرهم
فنبيعهم فنربح عليهم العشرة باثني عشر أو العشرة بثلاثة عشر ، ونوجب ذلك فيما
بيننا وبينهم السنة ونحوها ، فيكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك الذي فيه
الفضل الذي أخذ منا بشراء وقد باع وقبض الثمن منه ، فبعده إن هو جاء بالمال الى
وقت بيننا وبينه أن نرد عليه الشراء ، فان جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ،
فما ترى في الشراء ، فقال : أرى أنه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال للوقت فرده
عليه »
وفي موثق إسحاق بن
عمار « حدثني من سمع أبا عبد الله 7 قال : سأله رجل وأنا عنده فقال له : رجل مسلم احتاج الى
بيع داره فمشى إلى أخيه فقال : أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحب إلى من أن تكون
لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردها على؟ قال : لا بأس
بهذا ، إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه ، قلت : فإنها كانت فيها نخل كثير فأخذ
الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال : الغلة للمشتري ، ألا ترى لو احترقت كانت من ماله » إلى
غير ذلك من النصوص ، ونحوه اشتراط المشتري رد الثمن برد المبيع في مدة معلومة ،
لعموم المقتضي ، فلكل منهما حينئذ ذلك ؛ اتحدت المدة أو اختلفت ، كما ان لكل منهما
اشتراط الرجوع في الكل برد الكل أو البعض ، وفي البعض برد البعض الخاص وما دونه ،
ولو اشترط الكل أو أطلق الرد لم يتخير برد البعض وإن قل الباقي ، ولو اشترط البعض
تخير برده كملا دون البعض منه ، واللزوم من أحدهما لا ينافيه الجواز للآخر.
لكن قد يظهر من
النصوص وجملة من العبارات عدم احتياج الانفساخ إلى أزيد من الرد ، وهو إما لانه
المشروط ، أو لأن به يحصل اختيار الفسخ ، وفي الأول أن القدرة إنما تتعلق بالفسخ
دون الانفساخ. فلا يصلح اشتراطه الا بواسطته ، اللهم الا أن يستند في الجواز الى
ظاهر صحيح سعيد بن يسار وخبر معاوية بن ميسرة وموثق إسحاق مؤيدا بعموم
« المؤمنون عند شروطهم » القاضي بصحة ما لم
__________________
يعلم فساده من
الشرائط ، وأن الشرط بنفسه من المؤثرات لذلك ، ونحوه مما يؤثر غيره إلا أن يعلم
العدم ، كالنكاح والطلاق ونحوهما ، بل هو لا يزيد على اشتراط انتقال عين مخصوصة من
غير ناقل عداه.
نعم هو مبني على
أن المشروط هو الانفساخ لا الخيار ، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب إذ هذا القسم المسمى
عندهم ببيع الشرط ، وهو عندهم ما اشترط فيه الخيار بعد الرد ـ فالذي يحصل به حينئذ
التسلط على الفسخ ، لا الانفساخ. نعم قد يقال : بعد معلومية عدم توقف الفسخ على
لفظ مخصوص بل يكفى فيه كل ما دل عليه من فعل أو قول ـ أنه دال عليه ويحصل به ،
والغالب دلالته عليه فيحصل به الفسخ ، وعلى هذا ينزل إطلاق النصوص وبعض الفتاوى ؛
وفيه منع دلالته عليه ، وإنما هو دال على ارادة الفسخ والعزم عليه لا إنشاء الفسخ
به خصوصا إذا حصل الرد تدريجا ، والذي يؤثر الفسخ الثاني لا الأول.
ومن هنا صرح بعضهم
بعدم الانقطاع البيع بمجرد رد الثمن ، بل قيل : انه ظاهر كلام الباقين ، وإطلاق
النصوص وبعض الفتاوى يمكن تنزيله على الغالب من تعقيب الرد بالفسخ ، لا على ذلك ،
الا أن الانصاف عدم خلوه عن النظر بعد ، إذ من المحتمل كون المراد من اشتراط
الخيار بالرد أن له الفسخ في هذه المدة بهذا الطريق منه ، والا كان ابتداء الخيار
مجهولا فيكفي حينئذ في حصول الفسخ نفس الرد فتأمل جيدا.
وعلى كل حال
فالظاهر أنه لا فرق في الاحتياج إلى الفسخ بين القول بانتقال المبيع بنفس العقد ،
والقول بانتقاله بمضي الخيار معه ، بناء على شمول كلامهم لمثل هذا الخيار المسبوق
باللزوم ، إذا العقد عندهم وإن لم يكن ناقلا من حينه ، الا أنه يفيد الملك إذا
انقضى زمن الخيار فمع عدم فسخه لا يستقر ملك ذي الخيار عليه ، فهو لا بد منه على
القولين وان افترقا بكونه على الأول لعود الملك و، على الثاني لاستقراره ، نعم قد
يتوقف في اندراج هذا الخيار في كلامهم بمسبوقيته باللزوم. وانتقاله
بمجرد جهة الرد عن
المشتري الى البائع وإن لم يحصل به الفسخ ، وإنما حصل به الخيار خاصة من غير ناقل
شرعا ـ لا يخلوا من اشكال ، ومن هنا أمكن أن يقال : بأن النماء هنا للمشتري إلى
حين الفسخ مطلقا على القولين ، لانه ملكه. والتزام ـ عوده إلى البائع بالخيار على
الثاني ، وعدم انتقال خصوص النماء للمشترى ما بين الرد الى حين الفسخ وإن لم ينتقل
الأصل إلى البائع إلا به ـ كما ترى.
وكما أن النماء له
فالتلف منه بلا خلاف أجده فيه ، للصحيح والموثق بل هو كذلك وان كان بعد الرد الا انه مضمون عليه ، لانه
وقع في زمن خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرجوع عليه بالمثل أو القيمة ، بخلاف
التلف قبل الرد الذي هو ليس زمان خيار ، كي يستحق الرجوع به عليه بعد الفسخ ، بل
المتجه فيه سقوط الخيار ؛ الا ان يشترط عليه الرجوع به عينا أو قيمة ، فيلزم بناء
على صحة هذا الشرط ، وبدونه لا يلتزم حتى لو تصرف فيه باختياره تصرفا ناقلا ، فضلا
عن التلف السماوي ، للأصل ، وظاهر الصحيح والموثق.
وكيف كان فمورد
النص نماء المبيع وتلفه إذا كان الخيار للبائع ، لكن يعلم منه حكم نماء الثمن
وتلفه في هذه الصورة ، وحكم نماء العوضين وتلفهما إذا كان للمشترى ويسقط هذا
الخيار بانقضاء المدة ولما يحصل الرد والإيجاب من ذي الخيار ، والتصرف والاذن فيه
كما في مطلق خيار الشرط على ما ستعرف إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف ، فإنه نوع
منه ، وإنما يغايره في زيادة قيد الرد ، فلا يخالفه الا فيما يقتضيه القيد وقد
يستظهر عدم سقوط هذا القسم من خيار الشرط بالتصرف ، لان المدار عليه في هذا الخيار
، ولانه شرع لانتفاع البائع بالثمن ، والمشتري بالمبيع فلو سقط به سقطت الفائدة في
وضعه.
وللموثق المفروض في بيع
الدار لاحتياج البائع إلى الثمن المصرح فيه
__________________
بكون الغلة
للمشترى ورد بأنه ـ مع مخالفته لإطلاق النصوص السقوط بالتصرف لان المدار عليه ـ ان
التصرف المسقط ما كان في زمن الخيار وهو لا يحصل هنا الا بعد الرد ولا ينافي شيء
مما ذكر لزومه به بعده ، لان ذلك. زمنه لا قبله. وإن كان قادرا على إيجاد سببه فيه
، إذ المدار على الفعل لا القوة ، على انها لا تتم فيما اشترط فيه الرد في وقت
منفصل عن العقد ، كيوم بعد سنة.
ولا فرق على
الظاهر في التصرف في المردود بين كونه عين مال المشتري مثلا ، وبين كونه مثله أو
قيمته ، لصدق الرد ودلالة التصرف فيه بعده على الالتزام شرعا أو عرفا على الوجهين
السابقين ، وقد يحتمل في الأخيرين العدم ، لعدم صدق التصرف فيه ، ضرورة تغاير
البدل للأصل ، الا أن الأول أقوى ، هذا.
ولكن قد يناقش في
دعوى أن زمن الخيار بعد الرد ، باقتضائها جهالة الابتداء حينئذ أولا ، وبصدق زمن
الخيار عليها جميعها عرفا ، ثانيا ، وبمنافاتها لما تسمعه منهم في غير مرة من جعل
هذه المدة زمن خيار ، ثالثا ، منها ـ ما اعتمدوه في رد قول الشيخ بالملك بعد
انقضاء الخيار ، بهذه النصوص المصرحة بأن المبيع ملك المشتري والثمن ملك البائع قبل
انقضاء مدة الخيار ، فلو لا انها مدة خيار ما اتجه لهم ذلك الا على تكلف بعيد ؛
فلاحظ وتأمل.
ثم ان المعتبر في
رد المبيع رد العين مع الإطلاق ، بخلاف الثمن الذي مبنى هذا النوع على التصرف فيه
غالبا ، فيكفي فيه المثل ، بل قد يحتمل ذلك في المبيع إذا كان مثليا لصدق الرد
عرفا ، ولا اعتبار بالقيمة في ذوات الأمثال ، نعم قد يحتمل الاكتفاء بها مطلقا في
خصوص الثمن ، لكن يقوى اعتبار رد العين نفسها الا أن تقوم قرينة معتبرة على إرادة
الأعم فتتبع ، هذا.
واعلم أن جميع ما
ذكرناه في خيار المؤامرة والخيار برد الثمن جريا على
__________________
ما ذكره الأصحاب ،
وظاهرهم أنها على مقتضى العمومات ، بل هو صريح غير واحد منهم ، بل هو مقتضى ما
ذكروه من التعدي عن محل النص في الخيار برد الثمن ، لكن قد يشكل ذلك بأنهما معا من
التعليق الممنوع في البيع ونحوه ، من غير فرق فيه بين كونه في نفس العقد ، وبين
كونه في متعلق العقد كالشرط ونحوه ، فلو باع واشترط شرطا مثلا قد علقه على مجيء
زيد في مدة معينة مثلا ، لم يجز بلا خلاف أجده فيه والفرق بينه وبين تعليق الخيار
على رد الثمن أو على أمر زيد به غير واضح ، والتعبير بعبارة لا تعليق فيها في
اللفظ ؛ لا يرفع التعليق في المعنى ، فان اشتراط الخيار حال رد الثمن أو حال أمر
زيد به كاشتراطه حال قدوم الحاج أو مجيء زيد في مدة معينة مثلا.
فالتحقيق حينئذ
الاقتصار في خيار الرد على النصوص ، وما يمكن إلحاقه بما فيها ، وأما خيار
المؤامرة فلم نجد فيه نصا بالخصوص ، فان كان إجماعا فذاك والا! شكل بما ذكرناه إلا
إذا فرض على وجه لا تعليق فيه والله اعلم.
( القسم
الرابع )
خيار الغبن بلا
خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، عدا ما يحكى عن المصنف من إنكاره في حلقة درسه ،
والموجود في كتابه خلاف هذه الحكاية ، واستظهره في الدروس من كلام الإسكافي ، لأن
البيع مبني على المغالبة ، ولا ريب في ضعفه ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ،
وفي الغنية الإجماع عليه ، وهو بعد التتبع الحجة مضافا الي ما قيل من النهي عن أكل
مال الغير ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) في الكتاب والسنة والنصوص « غبن المسترسل سحت »
كما في أحدها « والمؤمن » في
آخر وفي ثالث « لا يغبن
__________________
المسترسل فان غبنه
لا يحل » وما ورد من النهي عن تلقي الركبان وأنهم مخيرون إذا غبنوا وخبر الضرار
وفي الجميع نظر ،
ضرورة حصول التراضي ، والا كانت المعاملة باطلة ، لا أن فيها الخيار ، وعدمه على
تقدير العلم لو سلم ، لا ينافي الرضا الفعلي الذي عليه المدار ، وإن كان الداعي له
الجهل ، والمراد من النصوص المزبورة ، كراهة خدع المؤمن المطمئن إليك الواثق ،
وزيادة الربح عليه ، وعن مجمع البحرين « الاسترسال : الاستيناس والطمأنينة إلى
الإنسان والثقة فيما يحدثه ، وأصله السكون والثبات ومنه الحديث » الى آخره علي أن
مقتضى الحكم بأنه سحت ـ البطلان ، لا الخيار ، كما أن مقتضى عدم الحل الإثم ، بل
ما ثبت من الخيار عند الأصحاب أعم مما فيه الغبن بمعنى الخدع ، وخبر الركبان لم
نقف عليه في كتب الأصول ، بل في الحدائق ولا في كتب الفروع ، وإن كان فيه انه يكفي
ارسالهم له ، بل لعله أقوى من ذكر المتن ، وفي الغنية « نهي 7 عن تلقى الركبان
» وقال : « فان تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق » وحديث الضرار مع قطع النظر عن
كلام الأصحاب لا يشخص الخيار بل لا يقتضي إلا الإثم ان أريد منه النهي.
نعم قد يستفاد منه
المطلوب إذا أريد منه عدم مشروعية ما فيه ضرر ، مضافا الى أصالة صحة البيع وحليته
، وجبر كثير من محال الضرر بالخيار وفتوى الأصحاب وأن الخيار وجه جمع بين الحقين
ورافع للضرر من الجانبين ، بخلاف الإلزام بالأرش ونحوه ، والأمر سهل بعد ما عرفت
من الإجماع المزبور ، نعم يشترط فيه أمران أحدهما ـ جهل المغبون القيمة وقت العقد
بلا خلاف ، ضرورة تسلط الناس على أموالهم فله أن يقدم على بيع ما يساوي مأة بواحد ، فمع العلم
والاقدام لا خيار قطعا ، كحدوث الزيادة والنقيصة بعده ، وفي التذكرة والمسالك
الإجماع عليه ، بل في الثاني منهما وغيره التصريح بعدم الفرق بين
__________________
من تمكن من
المعرفة ولو بالتوقف وغيره ، لكن قد يشكل الأول إن لم يكن إجماعا بأنه هو أدخل
الضرر على نفسه فلا خيار له ، كمن أقدم على البيع بالمسمى وإن فرض مساواته أضعافه
، فإن الظاهر عدم الاعتبار بجهله والأصل اللزوم فتأمل.
ومن الجاهل الناسي
كحدوث القيمة للمبيع ولما يعلم بها ويقبل قوله في الجهل مع إمكانه في حقه كما في
الجامع وجامع المقاصد والمسالك لأصالة عدم العلم ، ولأنه مما يخفى ولا يعلم الا من
قبله ، واحتمل في الثاني العدم ، لأصالة لزوم العقد فيستصحب الى ثبوت المزيل ،
وأشكله بأنه ربما تعذر إقامة البينة ولم يتمكن الخصم من معرفة الحال ، فلا يمكنه
الحلف على عدمه ، فيسقط الدعوى بغير بينة ولا يمين ، ثم قال : كالأول ، نعم لو علم
ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان بحيث لا يخفى عليه قيمته لم يلتفت الى
قوله وهو كذلك ، اما النسيان فقد يقوى عدم قبوله بقوله.
الثاني ـ الزيادة
والنقيصة التي لا يتسامح الناس بمثلها عادة فلا يقدح التفاوت اليسير ، والمرجع في
ذلك ـ بعد ان لم يكن له مقدر في الشرع ـ الي العرف ، وهو مختلف بالنسبة إلى المكان
والزمان ونحوهما ، ولو اختلفا في القيمة وقت العقد فعلى مدعي الغبن البينة ،
لأصالة اللزوم ، والظاهر ثبوت خيار الغبن من أول العقد لا حين ظهوره ، فلو أسقطه
حاله سقط وإن لم يكن عالما به ؛ كما أن الظاهر كونه على التراخي ما لم يحصل ضرر
علي الأخر ؛ للأصل خلافا لبعضهم منهم ثاني المحققين والشهيدان مع أن الأخير منهما
قد استوجه الأول في بحث تلقي الركبان بعد أن حكاه عن المصنف.
وكيف كان فلعل
الفور اقتصارا على موضع اليقين ، ولاقتضاء التراخي الإضرار بالمردود عليه ، لتغير
السعر بتغير الزمان ، ولان قوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ونحوه مما يقتضي اللزوم كما أنه عام في الافراد كذلك في
الأوقات والا لخلي عن الفائدة فلا يتصور حينئذ استصحاب في الخارج لبقاء غيره على
مقتضى العام ، والأصل عدم تخصيصه ،
__________________
وفيه عدم انحصار
الحكم الشرعي في اليقين ، وقد عرفت تقييده بعدم الضرر ، والآية وغيرها مطلقة
بالنسبة إلى الزمان لا عامة فلا تنافي الاستصحاب.
ومن ذلك كله ظهر
لك المراد من قول المصنف ـ من اشتري شيئا ولم يكن من أهل الخبرة مثلا وظهر فيه غبن
لم تجر العادة بالتغابن به في مثل هذا البيع والزمان والمكان كان له فسخ العقد إذا
شاء ودليله ، أنه كما يثبت للمشترى يثبت للبائع ، لاتحاد الدليل بل لو فرض تصور
الغبن فيهما كما إذا وقع البيع على شيئين في عقد واحد وكان كل منهما بثمن معين في
أحدهما الغبن على البائع وفي الأخر على المشتري ثبت الخيار لهما معا هذا. وربما
استفيد من التعليق على المشيئة في المتن أنه على التراخي ، وقد عرفت الحال فيه
والله اعلم.
ولا يسقط ذلك
الخيار بالتصرف السابق على ظهور الغبن إذا لم يخرج عن الملك أو يمنع مانع من رده
كالاستيلاد في الأمة والعتق كما في القواعد وغيرها من غير فرق بين البائع والمشتري
، وإن كان المصنف لم يذكر الخيار إلا للثاني ، الا أن الظاهر ارادته المثال ضرورة
عدم اختصاصه بالمشتري ، بل خبر تلقي الركبان في البائع مضافا الى
الاشتراك بحديث الضرار وغيره.
وحينئذ فالمراد
عدم سقوط هذا الخيار مطلقا بالتصرف الا الناقل أو المانع من الرد ، كما أن الظاهر
ارادة التصرف من ذي الخيار ، ضرورة عدم السقوط بالتصرف من غيره وإن كان ناقلا ،
للاستصحاب وحديث الضرر وغيره ، واحتمال عدم الفرق ـ فيبطل الخيار وإن كان النقل من
غير ذي الخيار لتعلقه بالعين فيفوت بانتقالها ـ ـ لا ينبغي صدوره ممن له ادنى خبرة
بالنصوص والفتاوى.
نعم ظاهرهم عدم
الفرق فيما ذكرنا بين البائع والمشتري كما هو مقتضى الدليل
__________________
لكن في اللمعة «
ولا يسقط بالتصرف الا ان يكون المغبون المشتري وقد أخرجه عن ملكه ؛ ثم قال : و « فيه
نظر ، للضرر مع الجهل بالغبن ، فيمكن الفسخ وإلزامه بالقيمة أو المثل ، وكذا لو
تلفت العين أو استولد الأمة ، وظاهره بل كاد يكون صريح الروضة في أول كلامه عدم
سقوط خيار البائع لو كان هو المغبون وقد تصرف فيه تصرفا مخرجا ، وهو كما ترى لا
نعرف له وجها ولا دليلا ، بل ولا موافقا.
نعم في جامع
المقاصد « لو تصرف البائع في الثمن فهل يسقط خياره أم لا؟ وهل يفرق بين التصرف
المخرج عن الملك ، وغيره؟ لا أعلم في ذلك تصريحا » لكن في عبارة التذكرة ما يقتضي
عموم سقوط الخيار هنا بالتصرف إذا كان مخرجا عن الملك ، فإنه قال : « ولا يسقط هذا
الخيار بتصرف المغبون ، للاستصحاب إلا أن يخرج عن الملك ببيع وعتق وشبهه ، لعدم
التمكن من استدراكه » هذا لفظه ، وهو شامل لما قلناه ، مع احتمال أن يريد به تصرف
المشتري خاصة إذا كان هو المغبون ، لكن ما استدل به بعينه قائم فيما ذكرناه.
قلت : لا ينبغي التأمل
في عدم الفرق كما هو مقتضى إطلاق القواعد وغيرها ، والأدلة ، وصريح الروضة في
آخرها والمسالك وغيرها ، بل الظاهر ضعف ما ذكره من النظر الذي قد اعترف في الروضة
بأنه لم يقف على قائل به ، لأصالة اللزوم في العقد ، ولأن المعلوم من ثبوت الخيار
ما دامت العين على ملكه ، وقيام قيمتها مقامها في ذلك مع التصرف فيه محتاج الى
الدليل ، وفرق واضح بين المقام وبين الانتقال إلى القيمة لو كان المتصرف غير ذي
الخيار الذي هو تصرف في حق غيره ، فيتجه الانتقال إلى القيمة بخلاف المقام الذي
كان التصرف فيه من ذي الحق ، فسقوطه في الحقيقة مستند الى فعله ، بخلاف الأول الذي
مبناه معلومية عدم سقوط حق شخص بتصرف آخر ، فإطلاق الأصحاب حينئذ عدم السقوط
بالتصرف الا المخرج منه في محله ، فتأمل جيدا.
وحاصل البحث في
المسئلة وفروعها أن التصرف مع ثبوت الغبن إما أن يكون
في المبيع المغبون
فيه أو في ثمنه أو فيهما ، ثم إما أن يخرج عن الملك ؛ أو يمنع من الرد مانع
كالاستيلاد أو يرد على المنفعة خاصة كالإجارة ، أو يوجب تغير العين بالزيادة
العينية كغرس الأرض ، أو الحكمية كقصارة الثوب أو المشوبة كصبغه ، أو النقصان بعيب
ونحوه ، أو بامتزاجها بمثلها بما يوجب الشركة بالمساوي أو الأجود أو الأردى أو
بغيرها أو بهما على وجه الاضمحلال ، كالزيت يعمل صابونا ، أو لا يوجب شيئا من ذلك
، ثم إما أن يزول المانع من الرد قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعده ، أو لا يزول ،
والمغبون إما البائع ، أو المشتري ؛ أو هما ، فهذه أكثر أقسام المسئلة ، ومضروبها
يزيد على مأتي مسئلة وهي مما يعم بها البلوى وحكمها غير مستوفى في كلامهم.
وجملة الكلام فيه
أن المغبون إن كان هو البائع لم يسقط خياره بتصرف المشتري مطلقا ، فان فسخ ووجد
العين باقية على ملكه لم تتغير تغيرا توجب زيادة القيمة ولا يمنع من ردها أخذها ،
لعودها الى ملكه بالفسخ ، بل وكذا إن وجدها متغيرة بصفة محضة كالطحن والقصارة
ونحوهما ، لكن في المسالك « في استحقاق المشتري أجرة عمله ، وجه قوى » وفي الروضة
الجزم به بل قال فيها : « وان زادت قيمة العين شاركه في الزيادة بنسبة القيمة »
وفيه أن العمل قد وقع في ملكه فلا يستحق به عوضا ، وزيادة القيمة إنما كانت بصفة
راجعة إلى المال بنفسه ، وإن كانت بعمله فلا يستحق بها شركة.
فمن الغريب جزمه
بذلك خصوصا بعد رجوعه بأجرة العمل كما هو واضح ، نعم إن كان التغير صفة من جهة
وعينا من اخرى كالصبغ صار شريكا بنسبته إذا فرض زيادته بذلك ، مع احتماله مطلقا ،
ولو كانت الزيادة عينا محضة كالغرس أخذ المبيع وتخير بين القلع بالأرش والإبقاء
بالأجرة ، لأنه مقتضى الجمع بين الحقين ، إذا الوضع كان بحق ، ولو رضى ببقائه بها
واختار المشتري قلعه ، فالظاهر انه لا أرش له بل كان عليه تسويته ، ولو كان زرعا
وجب إبقاؤه الى أو ان بلوغه بالأجرة ، وليس له
القلع بالأرش لأن
له أمدا ينتظر ، وإن وجدها ناقصة ففي الروضة « أخذها مجانا كذلك إنشاء » وفي
المسالك « ان لم يكن النقص بفعل المشتري ، وإن كان بفعله فالظاهر انه كذلك » أي
يأخذها مجانا ولا شيء له ، لانه تصرف في ملكه تصرفا مأذونا فيه فلا يتعقبه ضمان.
وفيه أن النقصان
بفعل الله أو بفعله كتلف العين وإتلافها فكما أنه لو فسخ ووجدها تالفة أو متلفة
يرجع بالقيمة فكذا هنا ، واحتمال سقوط الخيار هنا مناف لاستصحابه والعين كالمضمونة
في يد من لا خيار له لذي الخيار ، نحو العكس الذي ستسمع التصريح من الروضة بضمانها
كلا وبعضا وإن كان من قبل الله تعالى ، وإن كان فيه ما فيه ، وإن وجدها ممتزجة
بغيرها ففي الروضة والمسالك « انه إن كان بمساو أو أردى صار شريكا إن شاء ، وإن
كان بأجود ، ففي سقوط خياره أو كونه شريكا بنسبة القيمة أو الرجوع إلى الصلح أوجه
، وفي ثانيهما أن الثالث لا يخلو عن قوة ، لبقاء ماله وأصالة بقاء خياره ».
وفيه مضافا الى
عدم ذكر الأرش إذا فرض النقص بالمزج بالأردى ، وعدم تقييد الشركة بنسبة القيمة ،
أن الثاني هو الأقوى وأنه لا فرق بينه وبين المزج بالأردى ، لكن على معنى الشركة
في الثمن لا العين ، للزوم الربا في الربوي بناء على عمومه لكل معاوضة ولعدم
المعاملة بينهما والامتزاج أعم من ذلك كما هو واضح ، وكأن الأول مبنى على سقوط
الخيار بالتلف ولو كان من فعله ، وهو غريب.
ومنه يعلم ما في
قوله فيهما أيضا متصلا : « ولو مزجه بغير الجنس بحيث لا يتميز فكالمعدومة » إن
أراد بذلك سقوط الخيار ، فتأمل جيدا ، فإنه يمكن ارادته سقوط الخيار في العين على
معنى الانتقال الى المثل أو القيمة ، وإن وجدها منتقلة عن ملكه بعقد لازم كالبيع
ونحوه ففي الروضة والمسالك وغيرهما ، رجع بالمثل أو القيمة ، ولعله للجمع بين ما
يقتضي بقاء الخيار ، وعموم ما دل على صحة العقد ولزومه ، وهذا و
إن لم يذكروا غيره
في المقام بل لا يخلوا عن قوة ، إلا أنه يمكن أن يتحصل من كلامهم في غيره وهو بيع
من لا خيار له ، أن فيه وجوها آخر أيضا.
منها ـ البطلان ،
نظرا إلى أن حق الخيار كحق الرهانة لا يصح معه التصرف إلا بالاذن ، ومنها ـ الصحة
لكن متزلزلة كالأصل ، لعدم زيادة الفرع عليه ، وفيه قوة أيضا ومنها ـ التفصيل بين
العتق ونحوه وغيره ، فينفذ في الأول وينتقل الى المثل والقيمة دون غيره ، ولتحرير
ذلك محل آخر ، كما أن ما فيهما أيضا من أنه كذلك يرجع بالمثل أو القيمة لو وجدها
على ملكه مع عدم إمكان ردها كالمستولدة ، يحتمل أيضا احتمالا آخر تقدم في بيع أم
الولد ، وهو انه تنقل إليه لسبق حقه على الاستيلاد فلا يؤثر منعا.
وكيف كان فإذا
استمر المانع استمر السقوط ، وفي الروضة « وإن زال قبل الحكم بالعوض بأن رجعت إلى
ملكه أو مات الولد أخذ العين مع احتمال العدم ، لبطلان حقه بالخروج فلا يعود ، ولو
كان العود بعد الحكم بالعوض ففي رجوعه إلى العين وجهان ، من بطلان حقه من العين ،
وكون العوض للحيلولة وقد زالت » وفيه أولا أنه لا يعقل للحكم بالعوض بعد الفسخ
معنى معتبر يترتب عليه ما ذكره ، بل المدار على حال الفسخ الذي به يتشخص ما للفاسخ
من العين أو المثل أو القيمة ، فلو رجعت العين أو زال المانع قبله ، اتجه فيه ما
ذكره مع احتمال الفرق بين الاستيلاد وغيره ، فيرجع العين فيه دون المبيع ونحوه.
نعم يمكن إلحاق فسخ البيع بالإقالة به ، لا ما إذا تملكه جديدا بسبب آخر ، ومن ذلك
يعلم الحال فيما لو رجعت أو زال المانع بعده ، ولعل الأقوى عدم الرجوع بالعين إذا
فرض عودها الى الملك بسبب آخر ، وفسخ الخيار انما يقتضي إبطال ملكه لها بذلك السبب
لا مطلقا فتأمل جيدا.
وإن وجد العين
منتقلة بخيار ففي الروضة والمسالك أيضا « ألزم بالفسخ ، فان امتنع فسخه الحاكم ،
فان تعذر فسخه المغبون » وفيه أنه لا دليل على شيء من ذلك ، بل مقتضى كون الفسخ
بالخيار ابطال المعاوضة الاولى ورجوع كل عوض الى صاحبه إن كان موجودا وإلا
فبدله الانتقال
إلى القيمة وعدم الإلزام بالفسخ هنا ، ضرورة أنه حال الفسخ ينبغي انتقال شيء إليه
في مقابلة ما رده من العوض وليس إلا القيمة لا الإلزام بفسخ البيع ، ولعله لذا
أطلق المصنف وغيره السقوط بالتصرف المخرج فتأمل جيدا.
وإن وجدها منقولة
المنافع ففي الروضة والمسالك « جاز له الفسخ وانتظار انقضاء المدة ويصير ملكه من
حينه وليس له فسخ الإجارة ، وتظهر الفائدة في ملك ما لا يدخل في ملك المنفعة
المنقولة من حمل وثمرة واستخدام وعتق ونحوها » وعلى كل حال فليس له عوض المنفعة
التي استوفاها المالك بالإجارة ، كما ان الظاهر وجوب رد العوض لو فسخ قبل انقضاء المدة
لعود الملك اليه بالفسخ ، واحتمال العدم ـ كما في المسالك لعدم التمكن من الانتفاع
التام ضعيف ، ولو كان النقل جائزا كالسكنى المطلقة ففي الروضة له الفسخ وفيه اشكال
خصوصا بناء على عدم جواز فسخ الإجارة الجائزة باشتراط خيار له اللهم إلا أن يكون
مدار فسخ السكنى على من انتقل اليه الملك.
هذا كله إن لم يكن
التصرف في الثمن تصرفا مخرجا أو مانعا من الرد وإلا سقط خياره كما عرفت ، والنظر
السابق الذي عرفته وعرفت ما فيه آت هنا ، والظاهر أن الإتلاف أقوى من التصرف في
الإسقاط هنا كما اعترف به في جامع المقاصد قال : « اما لو تلف بنفسه ففي سقوط
الخيار تردد ، ينشأ من عدم التمكن من رد العين ، ومن عدم التقصير من المشتري فلا
يسقط حقه » ومقتضى ما تسمعه من الروضة الجزم بعدم السقوط ، بل ظاهره ذلك مع
الإتلاف أيضا وأنه يرد المثل أو القيمة حينئذ ، ولكنه كما ترى ، ضرورة أن الوجه في
السقوط بالتصرف المخرج عن الملك ليس الا لتعذر الرد الذي هو الأصل في اقتضاء الفسخ
، لا للدلالة على الرضا ، والا لم يفرق بين سائر التصرفات ، ولا ريب في أنه أقوى
تعذرا من التصرف ، بل لعله كذلك أيضا بالتلف بآفة ، وعدم التقصير لا ينافي السقوط
لتعذر الرد الذي هو مقتضى الفسخ بالخيار ، وان خرج منه تصرف غير المغبون ولو
بإتلاف للإجماع على عدم سقوط خيار المغبون بذلك هذا. وكان رد القيمة أو المثل مبني
على عدم
اندراج ما نحن فيه
فيما ذكروه من قاعدة « التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له » والا كان المتجه عدم
رد المثل أو القيمة ؛ والانفساخ من غير حاجة الى بقاء الخيار.
وان كان المغبون
هو المشتري لم يسقط خياره بتصرف البائع بالثمن مطلقا ، بل يفسخ ويرجع بالمثل أو
القيمة على نحو ما عرفت إذا لم يكن تصرف في المثمن بما يسقط خياره ولو إتلافا ،
لكن في الروضة « انه ان تصرف فيما غبن فيه فان لم يكن ناقلا عن الملك علي وجه لازم
ولا مانع من الرد ولا منقص للعين فله ردها ، وفي الناقل والمانع ما تقدم ، ولو كان
قد زادها فأولى بجوازه ، أو نقصها أو مزجها أو آجرها فوجهان ؛ وظاهر كلامهم أنه
غير مانع.
لكن إن كان النقص
من قبله ردها مع الأرش ، وإن كان من قبل الله تعالي فالظاهر أنه كذالك كما لو تلف
، وكذا لو كانت الأرض مغروسة فعليه قلعه من غير أرش إن لم يرض البائع بالأجرة ؛
وفي خلطه بالأردى ، الأرش ، وبالأجود إن بذله له بنسبة فقد الصفة والا فإشكال »
وفيه أن بعضه لا يجامع ما تقدم فيما إذا كان المغبون البائع ، ونحوه ما وقع له في
المسالك أيضا فلاحظ وتأمل ، ليتضح لك الحال في ذلك وفي صورة اجتماعهما وفي كثير من
الفروع المتصورة هنا التي لا تخص المقام في الحقيقة والله اعلم.
وكيف كان فـ ( لا
يثبت به ) إي الغبن أرش مطلقا قبل التصرف وبعده ، للأصل وحرمة القياس على المعيب ومحكي
الإجماع بل محصله. نعم استشكل الفاضل في ثبوت الخيار لو بذل الغابن التفاوت ، من
انتفاء الضرر الموجب للخيار ، ومن ثبوته فلا يزول الا بدليل.
بل جزم بالأول في
الحدائق وهو غير ثبوت الأرش الذي سمعت الإجماع عليه ، وقد يناقش في الثاني بأنه
مصادرة ، إذ الكلام في ثبوته مع البذل وقد يفرض مقارنته للعقد ، كما انه قد يناقش
في الأول بعدم انحصار الدليل بحديث الضرار على أن الظاهر منه إرادة
__________________
عدم مشروعية ، ما
فيه ضرر إلا أنه لما لم يكن معلوما لنا هنا بالخصوص ، لتكثر تصور ما يندفع به
الضرر ، قوى في الظن مشروعيته على الخيار ، للإجماع ، ولانه المعلوم من جبر الشارع
ضرر العقود بالخيار ، والجامع بين الحقين وغير ذلك مما لا يخفى ، لا أن المراد
تكليف الضار بدفع ما وقع منه من الضرر ، كي يتخير فيما يدفعه من بذل التفاوت ، أو
التسليط على الفسخ. لكن روي الحلبي « انه سئل أبو عبد الله 7 عن رجل اشترى ثوبا ثم رده على صاحبه فأبى أن يقبله إلا
بوضيعة؟ قال : لا يصلح له أن يأخذه فإن جهل وأخذه بأكثر من ثمنه رد علي صاحبه
الأول ما زاد » فتأمل جيدا.
القسم
الخامس
خيار التأخير أي
من باع ولم يقبض الثمن ولا سلم المبيع ولا اشترط تأخير الثمن ولو ساعة ولا تأخير
قبض المثمن فالبيع لازم ثلاثة أيام. فإن جاء المشتري بالثمن فيها استحق والا كان
البائع أولى بالمبيع منه إنشاء الفسخ بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه بل حكي
الإجماع عليه مستفيضا أو متواترا. وقال زرارة للباقر 7 في الصحيح « الرجل يشترى من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول : حتى
آتيك بثمنه؟ فقال : ان جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام ، والا فلا بيع له » وسأل
على بن يقطين أبا الحسن 7 في الصحيح « عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن؟
فقال : الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن جاء قبض بيعه ،
__________________
والا فلا بيع
بينهما » وقال العبد الصالح 7 في موثق ابن عمار « من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ولم يجيء فلا بيع له » وقال
عبد الرحمن بن الحجاج « اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ثم
احتبست أياما ، ثم جئت الى صاحب المحمل لأخذه فقال : قد بعته فضحكت ثم قلت : لا
والله لا أدعك أو أقاضيك ، فقال لي : ترضى بابى بكر بن عياش؟ قلت : نعم فأتيناه
وقصصنا عليه قصتنا ، فقال أبو بكر : يقول من تريد أن أقضي بينكما أيقول صاحبك أو
غيره ، قال : قلت : بقول صاحبي ، فقال : سمعته يقول : من اشترى شيئا فجاء بالثمن
ما بينه وبين ثلاثة أيام ، والا فلا بيع له » لكن قد يوهم ظاهر هذه النصوص خصوصا
صحيح ابن يقطين منها الانفساخ قهرا الذي هو أقرب الي نفى الحقيقة من نفى اللزوم ،
وبلفظها عبر الصدوق ، بل ترك الإسكافي الظرف منها بل في المبسوط « روى أصحابنا
أنه إذا اشترى شياه بعينه بثمن معلوم ، وقال للبائع : أجيئك بالثمن ومضى فإن جاء
في مدة الثلاث كان البيع له وإن لم يجيء في هذه المدة بطل البيع » الا أنه يمكن
ارادته بطلان اللزوم بقرينة كلامه في غيره من كتبه ، خصوصا الخلاف الذي نسب فيه
الخيار إلى إجماع الفرقة وأخبارهم ، كما أنه يمكن ارادة ذلك من النصوص ولو بمعونة
الشهرة والإجماع المستفيض أو المتواتر ، وأصالة الصحة وعدم المبطل وغير ذلك.
على أنه هو
المناسب للإرفاق للبائع ، إذ قد يدخل عليه الضرر بنقصان القيمة في هذه المدة ، بل
قد يدعى انصراف الإطلاق اليه ولو بقرينة المقابلة في الشرطية ، مضافا إلى ظهور التقييد
بالظرف في ثبوت البيع للبائع ، واللزوم قابل للتبعيض بخلاف الصحة ، ولا ينافيه
صحيح ابن يقطين لصدق نفى اللزوم بينهما ولو بنفيه للبائع منهما. فمن
الغريب بعد ذلك كله جزم المحدث البحراني با الانفساخ.
__________________
وعلى كل حال فشرطه
عدم قبض الثمن ، وعدم اقباض المبيع ، والحلول فيهما إجماعا بقسميه ، وفي الغنية
نسبته إلى رواية أصحابنا ولو لا ذلك لأمكن المناقشة في اشتراط الثاني ، لإطلاق
الموثق وغيره الذي لا يقيده ما في سؤال صحيح ابن يقطين ، بل قد
يظهر من سؤال صحيح زرارة إقباض المبيع وتركه عند البائع ، وقد اعترف بعض الأفاضل
بعدم ظهور النصوص في الشرط المزبور ، بل ظاهرها خلافه ، لكن قال لعل استناد
الأصحاب إليها مبنى على كون القبض عندهم في نحو المتاع النقل لا مجرد قبض اليد.
وفيه أن ذلك مذهب
جمع منهم ، والظاهر اتفاقهم هنا على الشرط المزبور ، ولكن الأمر سهل بعد الإجماع
المذكور ، فلو وجدا أو أحدهما فلا خيار وإن أبقاه عند صاحبه خلافا للمحكي عن الشيخ
من ان للبائع الفسخ متى تعذر الثمن ، وقواه في الدروس ، ولم يستبعده في المسالك ،
وهو مع أنه غير ما نحن فيه من خصوص هذا الخيار ـ ضعيف لانه هو أدخل الضرر على نفسه
بتسليم المبيع ، ولأن فائدة الفسخ التسلط على العين ، فان تمكن منها أخذها مقاصة كغيرها
والا فلا فائدة له.
وعلى كل حال فلو
انتفى القبض منهما ولو للبعض فالخيار باق في الكل بلا خلاف وفي خبر ابن الحجاج دلالة عليه ،
وكذا لو قبض فبان مستحقا كلا أو بعضا لانه كعدم القبض بخلاف قبض المعيب فإنه صحيح
ويسقط به خيار البائع ، قيل : ويكفي في الثمن مطلق القبض بخلاف المبيع فيشترط فيه
اذن البائع ، كما صرح به جماعة ، ولوح اليه آخرون ، لان قبض الثمن من فعل البائع
كإقباض المبيع فيسقط حقه بهما ؛ وقبض المشتري ليس فعلا له فلا يسقط حقه بفعل غيره
، وهو جيد لو أن السقوط بالقبض المأذون فيه ، لدلالته على إسقاط الحق ، أما إذا لم
يكن لذلك بل لتغير الصورة الثابت فيها الخيار فيبقى على أصل اللزوم ، ففيه ان
النصوص أدل هنا على كون القبض للثمن بالاذن فيها على غيره ،
__________________
بل لا دلالة فيها
على المثمن كما عرفت.
اللهم الا أن يقال
أن النصوص لا دلالة في شيء منها على اعتبار شيء ، منها إذ جاء ونحوه مجرى الغالب
في دفع الثمن ، الى المالك ، لا ان المراد منه الشرطية بل العمدة الإجماع ، وهو
ثابت في الإقباض كما عرفت دون قبض الثمن ، بل قد يدعى تحققه في عدم اعتباره ، لا
طلاقهم القبض فيه والإقباض في المثمن ، أو يقال : إن الاذن معتبرة في إقباض المبيع
دون الثمن ، كما يظهر من بعض كلماتهم في باب القبض ، وإن كان فيه ما فيه ، لكن مع
ذلك كله أطلق في الروضة وغيرها اعتبار الاذن في القبض ، وقد ينزل على إرادة
الإقباض ، فتأمل نعم لو أجاز البائع لزم ، خلافا للمحكي عن الشيخ لعدم الإقباض ،
وهو ضعيف ولو مكنه منه فعن التحرير سقوط الخيار وهو جيد بناء على أنه التخلية ،
والا فالأشبه البقاء وإن أسقطنا الضمان به ، لمنع عموم البدلية ، فالأصل بقاء
الحق.
وأما الحلول
فمستنده ـ بعد الإجماع ـ الأصل السالم عن معارضته المنساق من النصوص. مؤيدا بأن
الواجب مع الشرط مراعاة الأجل طال أو قصر فلا يتقدر بالثلاثة ، وإثباتها بعد
الحلول خروج عن ظاهر الفتوى والدليل ، ولو شرط التأجيل في البعض فأخر الباقي
فالأقرب السقوط ، وفاقا للفاضل والمحكي عن ولده وغيره ، للأصل أيضا السالم عن
معارضة النصوص ، بعد ما عرفت من ظهور سياقها في حلول الجميع ، مؤيدا بأنه ساقط في
المؤجل بالشرط ، فيسقط في الكل لئلا يثبت التبعيض.
والعمدة ما عرفت ،
بل عن التحرير اشتراط خلو الثلاثة عن الخيار للبائع كالحلي في خصوص الشرط منه ولا
بأس به ، بعد استثناء خيار المجلس لو قلنا بأن مبدئها من حين العقد ، للأصل
المزبور ، المؤيد باندفاع ضرر التأخير ، وظهور النصوص والفتاوى على سبق اللزوم
ثلاثا فينتفى الخيار مطلقا.
قيل : وليس المراد
به نفى الخيار المخصوص لأن الثابت بالتأخير أصل الخيار والحكم لا يتقيد بالسبب ،
وإن كان في الأخير ما فيه ، كالمحكي عنهما أيضا من اشتراط
خلوها عنه مطلقا ،
أو خصوص الشرط للمشتري أيضا ، للأصل أيضا ولان شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير ؛
وتأخير المشتري بحق الخيار ينفى خيار البائع ، ضرورة منافاته لإطلاق الأدلة ،
واللزوم ـ المفهوم من النص والفتوى في الثلاثة ـ إنما هو للبائع دون المشتري ، فلا
مانع من خياره بوجود أسبابه ، بل مقتضى كلام الفاضل عدم هذا الخيار في الحيوان
مطلقا ، وهو مناف لعموم الأدلة التي منها يعلم فساد ما عن الحلي أيضا ، لعدم الفرق
بين الأصلي والمشترط ، وفي الدروس « يحتمل ثبوت الخيار مطلقا ، فلو اشترط المشتري
فسخ البائع بعد الثلاثة ولو شرطاه وخرج الخيار فكذلك » وفيه ـ مضافا الى ما عرفت
من سقوطه في اشتراط الخيار للبائع ، ـ انه يلزمه تأخير الثلاثة عن محلها المستفاد
من النص والفتوى.
ولا يشترط كون
الثمن معينا قطعا ، أما المبيع فعن ابى العباس والصيمري وظاهر المبسوط والمراسم
والوسيلة والتحرير ذلك ، وفي الانتصار وعن الخلاف اشتراط تعيينها ، لكن الظاهر
ارادة الاحتراز به عن النسية ونحوها ، بل هو محتمل الكتب المزبورة ، فينحصر القول
حينئذ بالأولين خلافا لإطلاق الأكثر وصريح المحكي عن القاضي بل عنه الاحتجاج له
بالإجماع فهو ـ مع إطلاق معقد غيره وعموم النصوص ـ الحجة في الخروج عن الأصل ،
وتغير الصورة وانتفاء العلة ممنوعان ، ويظهر من بعض الأساطين اشتراط التغاير بين
البائع والمشتري بالذات في هذا الخيار ، ولعله لانه هو المستفاد من النصوص ، فيبقى
غيره على أصل اللزوم ، لكن يمكن أن يستفاد مما سمعته في مثل ذلك في خيار المجلس
ثبوته في المقام ، وفرض تصوره واضح ، الا انه يقوى في النفس الأول هنا ، ويعرف
البحث في الوكيل ونحوه مما تقدم سابقا فلاحظ وتأمل.
ثم ان ظاهر النص
والفتوى اختصاص هذا الخيار بالبيع والبائع كما هو مقتضى الأصل ، بل نفى بعض
الأساطين الخلاف في الأول وحكى الإجماع في الثاني الذي نص عليه المفيد والمرتضى
حاكيا ثانيهما الإجماع عليه أيضا ، وعن الدروس أنه استشعر الخيار له من عدم
حكمهم بإجباره على
النقد ، لكن فيما حضرني من نسختها « لا خيار للمشترى بعد الثلاثة ولا فيها في ظاهر
كلامهم أنه يلوح منه جواز تأخير الثمن إذ لم يحكموا بإجباره على النقد » قلت : لعل
وجهه احتباس المبيع والرضا بالتأخير كما هو الظاهر.
ولا فرق في اعتبار
الثلاثة في هذا الخيار في النصوص السابقة والفتاوى بين الحيوان وغيره ، والانسي من
الأول وغيره ، الا ما ينعتق على المشتري فان الظاهر سقوط الخيار فيه وتعين
المطالبة بالثمن لما سمعته في خيار المجلس ، وليس هو كالتلف والتصرف الذي لا يسقط
الخيار ، بل يفسخ وينتقل حقه للمثل والقيمة ضرورة كون التعارض في الأدلة في نحو
الفرض في أصل ثبوت الخيار ، فمع فرض ترجيح أدلة الانعتاق يرتفع أصل الخيار ، ولا
وجه للانتقال الى المثل أو القيمة إذ هو فرع الاستحقاق.
وكيف كان فلا فرق
في تقدير المدة المزبورة بين افراد المبيع ، خلافا للصدوق حيث قدر المدة في الأمة
بشهر ، للخبر « فيمن اشترى جارية وقال : أجيئك بالثمن ، إن جاء فيما
بينه وبين شهر ، والا فلا بيع له » الذي رماه في الدروس بالندرة وفي المختلف
بالقدح بالسند ، وإن كان فيه ما فيه ، وعن الاستبصار احتمال حمله على الندب ، ولا
يخفى أن الخبر واضح الدلالة ، نقي السند ، مؤيد بأصل اللزوم الا أن شذوذه ـ وغرابة
اختصاص الأمة بهذا الحكم ولزوم الضرر بطول المدة ـ يمنع من تخصيص تلك العمومات به
، فالعمل على المشهور وحمله على بيان منتهى الصبر طريق الجمع.
وكيف كان فقد قيل
: إن مبدء المدة من حين التفرق ، وأنه ظاهر الشيخين والسيدين والقاضي والديلمي
والحلي والعلامة في المختلف والتحرير ، لما عرفت من ظهور النص والفتوى في لزوم
البيع في تمام المدة ، ولو كانت من حين العقد لاشتملت على خيار المجلس فينتفى
الزوم في المجموع ، بل الجميع في بعض الصور ، بل لعل المتبادر من قوله 7 « إن جاء فيما
بينه وبين ثلاثة أيام » مجيئه من وقت المفارقة ؛ إذ لا يعقل المجيء حال
__________________
الاجتماع إلا إذا
أريد به مجرد دفع الثمن وهو خلاف الظاهر ، فهو حينئذ من الافتراق وإن اشترط في
العقد سقوط خيار المجلس لعموم المقتضي.
نعم بناء على أن
المنساق ما ذكرناه أولا ، اتجه حينئذ كون الابتداء من حين العقد مع اشتراط السقوط
، لانتفاء المانع حينئذ هذا. ولكن قد يقال : إن المنساق من النص والفتوى كونه من
حين البيع ، وخيار المجلس بعد ندرة طوله غير قادح في إرادة اللزوم في أكثر الثلاثة
، على أن المراد اللزوم من حيث التأخير ، لا من كل وجه فتأمل.
وفي فورية هذا
الخيار وتراخيه ما عرفت سابقا ، بل القول بالثاني هنا اولى ، وعن الشهيد في قواعده
التصريح به ، كما انه ظاهر التذكرة لإطلاق الأدلة ، بل لم أجد قائلا بالأول هنا ،
وإن كان محتملا نظرا الى تعليل الفورية في غيره ، بالاقتصار علي المتيقن فيما خالف
أصل اللزوم. نعم تردد المحقق الكركي في الفورية هنا مع جزمه بها في خيار الغبن
والرؤية ، وكان منشأه احتمال كون المقتضى هنا إطلاق الأدلة الاستصحاب ونحوه. بل لا
يسقط بالمطالبة بالثمن بعد الثلاثة ، لأعميتها من الدلالة على الرضا بلزوم العقد ،
أما لو فرض ذلك ولو لقرينة ، اتجه السقوط كما في غيره من الخيارات ، وقد سمعت في
خيار المجلس والحيوان ما يومي اليه من النصوص والاستصحاب بعد صدور الدال على الالتزام لا وجه له ، إذ
احتمال عدم سقوط هذا الخيار بنحو ذلك كما ترى ، ولعله على ذلك يحمل ما عن ظاهر
المشايخ والديلمي والحلي من السقوط بالمطالبة ، وكذا يسقط باشتراط السقوط كما عن
الشهيد وغيره النص عليه ، عملا بالشرط ، وبالإسقاط بعد الثلاثة أيضا كما هو شأن
الحقوق أما لو أسقطه فيها فقد قال : بعض الأساطين لا يسقط ، لعدم ثبوت الحق ، وقد
يحتمل السقوط باعتبار حصول سبب الاستحقاق وهو العقد ، ولا يسقط ببذل المشتري الثمن
بعدها قبل الفسخ للاستصحاب وإطلاق الأدلة ، ولم يثبت كون العلة فيه الضرر فيثبت
ويزول بزواله مع أن البذل بعدها ، قد لا يدفعه في بعض الأحوال ، خلافا للفاضل ولم
يسوغ له الفسخ والأقوى الأول.
وكيف كان فـ ( لو
تلف ) المبيع كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها على
__________________
الأشبه بل لا خلاف
فيه في الثاني ، بل حكي الإجماع مستفيضا أو متواترا عليه. لقاعدة « كل مبيع تلف
قبل قبضه فهو من مال بائعه » المعلومة بالنص والإجماع والخبر « في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجب له ، غير أنه ترك
المتاع ولم يقبضه ، وقال : أتيك غدا فسرق المتاع من مال من يكون؟ فقال : من صاحب
المتاع الذي هو في بيته ، حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته
فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد اليه ماله ».
و « قاعدة التلف
في مدة الخيار ممن لا خيار له » لا تشمل المقام ، ولو لأنها مخصوصة بما بعد القبض
، ووفاقا للمتأخرين في الأول ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الخبرين
، خلافا للمفيد والسيدين والمحكي عن سلار ، فمن المشتري ، وربما مال اليه الشهيد
في المحكي عن نكتة ، بل في الانتصار والغنية الإجماع عليه ، لانه ملكه ولا تقصير
من البائع إذ لا طريق له الى الفسخ ، وبه افترق عن التلف بعدها ، ولان النماء له
فالضمان عليه ، كما يستفاد من بعض نصوص خيار الشرط ، والنقض بالتلف
بما بعد الثلاث مدفوع بالإجماع ثمة دون المسألة ، إلا ان ذلك كله كما ترى ، بعد
الخبرين المزبورين المعتضدين بفتوى المتأخرين وبعض من تقدمهم ، الموهون بها
الإجماعان المذكوران.
وفي الوسيلة « أنه
من ضمان البائع وإن كان بغير تفريط ، الا أن يكون عرض التسليم ولم يستلم المبتاع ،
فان تلف بتفريطه كان من ضمانه على كل حال » ونفى عنه البأس في المختلف بعد تخصيص
الدعوى بالثلاث قال : « وكلام ابى الصلاح يدل عليه ، فإنه قال : فان كان تأخيره من
قبل المبتاع فهلاكه ونقصه من ماله » قلت : لا يخفى ما فيه بناء على عدم تحقق اسم
القبض بمثل الفرض المزبور ، ولم يثبت ارتفاع الضمان به وإن لم يسم قبضا ، والمنقول
عن الحلي موافقة المفيد ، وعبارة الوسيلة مطلقة في الثلاث وغيرها ، على ان الظاهر
__________________
كون مبناها تنزيل
التمكين منزلة القبض في نقل الضمان ، وهو يقتضي ضمان المشتري مع حصوله مطلقا ، فلا
وجه للتخصيص ، بل نقل الضمان من البائع بالتمكين المزبور مذهب الشيخ وجماعة ، بل
عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، وحينئذ فيشكل إطلاق القول بضمان البائع في الثلاثة
كما هو المشهور وفيما بعدها من الجميع ان ثبت الإجماع ، ومن خصوص القائل إن لم
يثبت ولا يندفع الا باشتراط عدم التمكين في أصل الخيار كما عن التحرير أو تخصيص
محل النزاع بما إذا انتفى كما عن السرائر ، فيكون ما في الوسيلة موافقا للمشهور لا
أنه قول ثالث كما وقع من غير واحد ؛ والله اعلم. هذا كله فيما لا يفسده البقاء.
وأما إن اشترى ما
يفسد من يومه وقد تركه عند البائع حتى يأتيه بالثمن فقد روى محمد بن أبي حمزة
مرسلا عن الصادق 7 وأبي الحسن 8 » انه إن جاء بالثمن فيما بينه وبين الليل » اى قبل الليل
« والا فلا بيع له » ولا يقدح إرساله بعد اعتضاده بما في ذيل مرسل ابن رباط عن الصادق 7 على ما في الفقيه
» والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم الى الليل » وإن
احتمل أنه من كلام الصدوق بل لعله الظاهر ؛ وانجباره بعمل الأصحاب وموافقة
الاعتبار وحديث الضرار . نعم اختلفت عباراتهم في تأدية المراد بعد اشتراكها في
التحديد بالليل ففي جملة نحو ما في المتن من الامتداد اليه من دون تعرض للمبدء وفي
أخرى تقدير المدة بيوم وفي ثالثة جعل الخيار الى الليل ، الا أنه مناف لما في النص
وأكثر العبارات من أنه مبدأه لا منتهاه فيجب رده اليه وإن بعد ، والأمر سهل بعد
وضوح المراد.
نعم قد يشكل
الحديث والفتاوى بأن الغرض من الخيار دفع الضرر بالفسخ قبل فساد المبيع ، وإذا كان
مما يفسده ليومه كما هو المفروض ، وجب ان يكون الخيار قبل
__________________
الليل ، ليتأتى
للبائع فسخه ، ودفع الضرر عن نفسه ، وبأن البيع يقع في طرفي النهار وفي الأثناء ،
وقد يقع في الليل أيضا ، والتحديد بالنهار كلا أو بعضا لا يطرد في الجميع ، والحمل
على مقدار اليوم خروج عن ظاهر النص والفتوى ، ولا يتأتى معه الغرض المطلوب في
الأكثر ، ومن هنا حمل الشهيد في الدروس النص على ما يفسده المبيت ، نظرا الى
الغالب في نحو الخضر والفواكه واللحوم والألبان ، وإلى شيوع استعمال اليوم فيما
يشمل الليل ، فيثبت الخيار حينئذ فيما هو كذلك ، وقد بيع في النهار عند انقضائه ودخول
الليل ، ورد ما سواه الى ما يقتضيه الأصل ، وحديث الضرار ودلالة الإيماء ؛ وهو جيد
جدا ، وارتضاه المحقق الكركي ومال اليه الشهيد الثاني وغيره ، ومقتضاه ثبوت الخيار
في غير مورد النص عند خشية فساده مطلقا ، فلو كان مما يتسرع إليه الفساد في بعض
يوم فالخيار فيه قبل الليل ، ولو كان مما لا يفسد في يوم ، تربص به البائع إلى خوف
فساده ، فيتخير حينئذ ، وإن مضى عليه يومان وأكثر ، واحتمل العلامة في هذا انتظار
الليل لورود التحديد به شرعا ، ويضعف بما عرفت ، وبأن مورد النص الفاسد ليومه ،
وليس هذا منه ، فيستمر فيه اللزوم الى خوف الفساد ، بمقتضى الأصل السالم عن
المعارض.
وقد يحتمل فيه وفي
غيره ملاحظة النسبة لما يفسده المبيت فيفسخ مع بقاء زمان يعدمه الفساد كزمانه ،
فتأمل ويكفى الفساد في تغير العين ونقص الوصف وإن لم يبلغ حد التلف ، كما في
الدروس وجامع المقاصد وظاهر المسالك ، وهل ينزل فوات السوق منزلة الفساد؟ احتمله
الشهيد ، للزوم الضرر بنقص السعر ، وهو قوى ، وإن احتمل العدم أيضا ، اقتصارا فيما
خالف الأصل على المتقين.
ثم إن الظاهر
اتحاد البحث في تلفه كذي الثلاث ، لاتحاد الطريق وهو صريح الغنية أو كصريحها مدعيا
عليه الإجماع ، وربما احتمل كونه من البائع هنا مطلقا عند غير من صرح من المفصلين
أيضا ، لا قدامه على التأخير فيما هو مظنة التلف ، كما أن الظاهر من الماتن وغيره
، بل عن جماعة التصريح به ، بل في الغنية الإجماع عليه كون هذا الخيار من
جملة أفراد خيار
التأخير ، فيشترط فيه ، ما يشترط فيه من الأمور الثلاثة ، ويجرى فيه أيضا كثير من
الفروغ السابقة. والله أعلم هذا تمام الكلام في الخيارات الخمسة وأما خيار العيب فـ ( يأتي
) البحث فيه في بابه إنشاء الله تعالى لكثرة فروعه وأما أحكامه أي
الخيار.
فتشتمل
على مسائل
الأولى المشهور أن
خيار المجلس لا يثبت في شيء من العقود عدا البيع بل في الغنية ومحكي الخلاف
الإجماع عليه للأصل السالم عن المعارض خلافا للمحكي عن المبسوط والقاضي والحلي
فأثبتوه في نحو الوديعة والعارية والقراض والوكالة والجعالة ، وهو ضعيف لما عرفت ،
مؤيدا بأن الخيار فيها عام أيضا لا يقبل السقوط ، فلا تأثير للمجلس ، إلا أن يقصد
منع التصرف فيه معه ، كما احتمله في الدروس ولا دليل عليه ، ولا يصح في الوديعة
لامتناعه فيها مطلقا بل ولا في غيرها ، لوجود الاذن المسوغ كذلك ومنع في المختلف
إجماع الخلاف ، لان ثبوت الخيار مطلقا يستلزم ثبوته في المجلس ، وفيه أن الممنوع
خيار المجلس دون الخيار فيه ، فان أراد الثاني كان النزاع لفظيا. وكيف كان فلا
دليل على ثبوت حق فيها مغاير لحق الجواز الثابت بأصل الشرع.
وأما خيار الشرط
فيثبت في كل بيع لا يستعقب العتق ، سلما كان أو صرفا أو غيرهما ، لعموم المقتضى ،
خلافا للفاضل في موضع من التذكرة فيهما ، وللغنية ومحكي المبسوط والخلاف والسرائر
في الثاني ، لاقتضاء اعتبار القبض في المجلس فيهما ، الافتراق بلا علقة ، واشتراط
الخيار علقة ؛ وهو كما ترى ، ودعوى الإجماع من الثلاثة
على الثاني ـ التي
منعها غير واحد من الأصحاب ـ على مدعيها ، بل في المسالك « أطبق المتأخرون على
منعها ، مؤيدا ذلك ، بأن من عدا المدعي ممن تقدم عليه ؛ أو تأخر عنه ، بين مطلق
ثبوته في البيع ، وبين مصرح به » بل في موضع آخر من التذكرة التصريح بثبوته لكن
على إشكال.
نعم قد يظهر من
اقتصار الدروس على حكاية الشيخ الإجماع ، ومنعه من الفاضل نوع توقف فيه ، بل في
التحرير والقواعد في ثبوته إشكال ، إلا أن ذلك لا يقدح في دعوى منع الإجماع ،
خصوصا مع شهرة الصحيح المثبت بعمومه الخيار ، بين الفقهاء والمحدثين ، وقد رواه
أئمة الحديث والأقدمون من فقهاء أصحاب الأئمة : ، ولا راد له ولا
معارض له يخصصه ، بل لعل مبنى الإجماع المدعى ، على الإجماع على اشتراط القبض الذي
ظن المدعي منافاته لاشتراط الخيار ، فيكفي في رفعه حينئذ وضوح عدم التنافي.
وكذا يثبت في كل
عقد لازم ، معاوضة كان أولا ، عدا النكاح والوقف بلا خلاف أجده في المستثنى منه ،
إلا في الضمان من الفاضل في أحد قوليه ، والصلح مطلقا من المحكي عن المبسوط
والخلاف ، وخصوص ما يفيد منه فائدة الإبراء من الكركي ، تبعا للفاضل في التحرير ،
وخصوص الصلح عن المجهول ، والدعوى الغير الثابتة بالإقرار من المحكي عن الصيمري ،
والكل شاذ ضعيف ، لعموم المقتضى ، وعدم ثبوت أن ما في الذمة إذا انتقل لا يعود ،
بل هو ينتقض بجملة من المقامات.
وكذا دعوى إسقاط
الحق ، أو أن الصلح لا يقبل الخيار ، فان ذلك كله لا مانع من حصوله على جهة
التزلزل ، وبلا خلاف أيضا في الأول من المستثنى ، بل في جامع المقاصد والمسالك
والمحكي عن الخلاف والمبسوط والسرائر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تأيده بمشاكلته
العبارة ، وابتنائه علي الاحتياط التام وسبق التروي فيه وتوقفه على رافع مخصوص ،
فلا يرتفع بغيره.
__________________
أما اشتراطه في
الصداق فلا بأس به ، كما صرح به الفاضل والكركي ، للعموم ، وفي المتعة اشكال إن لم
تكن مندرجة في النكاح الذي هو معقد الإجماع. وعلى المشهور في الثاني بل في المسالك
أنه موضع وفاق ، وهو الحجة ، وإن كان فيه أنه نبه في الدروس وغيرها على أنه موضع
خلاف. نعم هو لا يقدح في الإجماع الكاشف فان تم كان هو الحجة ، والا كان للنظر فيه
مجال ، وان كان قد علل باشتراط القربة فيه ، وهو مناف لاشتراط الخيار ، وبأنه فك
لا الى عوض ، فلا يقبله كالعتق ، لكن فيهما معا منع.
ومنه ينقدح النظر
في إلحاق العمرى والحبس وما في معناهما به في جامع المقاصد للاشتراك في المعنى
المذكور ، بل وينقدح أيضا في عدم دخوله في الهبة قربة الى الله تعالى ، مع أنه قال
في التذكرة : « وأما الهبة فان كانت لأجنبي غير معوض عنها ولا قصد بها القربة ولا
تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها. وإن اختل أحد القيود لزمت ،.
وهل يدخلها خيار
الشرط الأقرب ذلك » وظاهره تناولها خصوصا وقد نفى الباس عما ذهب إليه الشافعي من
عدم دخوله في الوكالة والقراض والشركة والوديعة والجعالة ، قال : « لأنها عقود
جائزة لكل منهما فسخها سواء كان هناك شرط خيار أولا » فحمل كلامه هنا على الهبة
الجائزة لا يخلوا من منافاة له ، فالأولى بناء دخوله في ذات القربة على التنافي
بينهما ، وعدمه ، والحكم بجواز الدخول في اللازمة منها للعوض أو القربة ؛ كما هو
مقتضى تعميم المصنف وغيره للعموم ، وبناؤه في غير ذلك على دخوله في العقود الجائزة
وعدمه.
فعن الشيخ والقاضي
والحلي : دخوله فيما سمعته عن الشافعي استنادا إلى العموم المقتضى اطراده في كل
عقد جائز ، ويقتضيه إطلاق المتن والغنية والإرشاد والقواعد والدروس ، ومنعه
العلامة في المختلف والتحرير والكركي والشهيد الثاني ، وقد سمعت نفي الباس عنه في
التذكرة لعدم تأثير الشرط في الجائز بالأصل ، ويضعف بعدم اشتراط التأثير في الشروط
، فان منها ما يؤكد مقتضى العقد ، فإن أريد خصوص المؤثر هنا عاد النزاع الى اللفظ
، على أنه قد يؤثر فيهما لو لزم الجائز كالهبة بالتصرف مثلا ، فان له الفسخ حينئذ
بالشرط ، وكذا
المعاطاة لو كان
التصرف من ذي الخيار. فتأمل هذا. وقد علم مما ذكر ، حكم الشرط فيما اختلف في لزومه
وجوازه كالسبق والرماية ، أو يلزم من أحد الطرفين دون الأخر كالرهن ، واستشكل في
التحرير جوازه من الراهن وإن لزم العقد من جهته ، لان الرهن وثيقة الدين ، والخيار
ينافي الاستيثاق ، ورد يمنع المنافاة ، فإن الاستيثاق في المشروط بحسب الشرط ،
فتحصل من جميع ذلك أنه لا يثبت في النكاح والوقف خاصة من العقود.
وكذا لا يثبت في
الإبراء والطلاق وفي الإقالة ما ستعرف والعتق من الإيقاعات إلا على رواية شاذة لا يلتفت إليها
كالقول بها بعد الإجماع في المحكي عن المبسوط على الأخيرين ، وفي المسالك على
الأولين ، وعن الحلي نفى الخلاف في الثالث الذي ينافي اشتراط الخيار فيه اعتبار
القربة أيضا بناء على المنافاة ، كما أنه ينافيه في الثلاثة ، انها من الإيقاعات
لا العقود ، ولذا احتج ـ في المحكي عن السرائر ـ على عدمه في الثاني بخروجه عن
العقود ، ومقتضاه اطراد الحكم في الجميع ، وعدم اختصاصه بالثلاثة ، كما يوهمه
الاقتصار في المتن وغيره عليها ، ولعلها كذلك ، لابتناء الإيقاع على النفوذ بمجرد
الصيغة فلا يدخله الخيار ، والمفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه الصحيح « من اشترط
شرطا مخالفا لكتاب الله عز وجل فلا يجوز على الذي اشترط عليه » فلا يتأتى في
الإيقاع المتقوم بالواحد ،
وقد يلحق بالطلاق
الإقالة بناء على عدم تعقل العود بعد الفسخ من غير سببه وفيه بحث ، سيما بعد
إطلاقهم دخوله في العقود بناء على أنها منها ، وسيما بعد حكمهم في الشفعة ،
بقابلية الإقالة للفسخ ، كالبحث في إلحاق الكتابة المطلقة به في التحرير ؛ وعن
التذكرة وان كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسختها ، ودعوى أن الحر لا يعود رقا لا
دليل عليها على الإطلاق ، بحيث يشمل الحرية المتزلزلة كما في جملة من المقامات
المذكورة في كتاب العتق وغيره وحينئذ ، فتفرع على ذلك فروع جليلة لا تخفى بأدنى
تأمل.
منها ـ حكم المال
الحاصل له في زمن الحرية إذا عاد إلى الرقية ، أما المشروطة ففي جامع المقاصد
دخوله بالنسبة للمولى قال : « وفي العبد قولان اختار الثبوت الشيخ ،
__________________
والعدم المصنف في
التحرير ، نعم قد يلحق بالطلاق الخلع والمباراة » وفي التذكرة وجامع المقاصد دخوله
في القسمة سواء كان فيها ردا أولا ، وفيه بحث أيضا. ثم إن الظاهر دخول خيار الشرط
بجميع أقسامه كخيار المؤامرة ورد الثمن ونحوهما ، لكن فيما يتصور فيه ذلك كعقود
المعاوضة ، للعموم المقتضى عدم الفرق فيه بين البيع وغيره ، واحتمال قصرهما على
البيع ـ للدليل والا فلا يجوز للجهالة ـ ضعيف جدا كما هو واضح. وأما الغبن فثبوته
في سائر عقود المعاوضة بناء على أن مدركه حديث الضرار ـ متجه.
المسألة الثانية
التصرف من المشتري في المبيع يسقط خيار الشرط له كما يسقط خيار الثلاثة بلا خلاف
معتد به أجده فيه ، بل في الغنية وجامع المقاصد ومحكي الخلاف وكنز الفوائد الإجماع
عليه ، وهو ـ بعد شهادة التتبع له ـ الحجة مضافا الى ما عن الشيخ والقاضي من ورود
الأخبار من طريق الأصحاب بذلك محتجين بها عليه ، وكفي بهما ناقلين ، والى دعوى
الأولوية ، فإنه متى سقط به الخيار الأصلي كالحيوان ، فالشرط أولي ، وإن كان فيها
ما فيها ، كدعوى العموم من العلة المنصوصة في الصحيح في خيار الحيوان
، ضرورة أن الفاء فيه رابطة ، لا تعليلية ، نعم بعد تعذر إرادة الحقيقة من الحمل فيه
، وجب حمله على ارادة دلالته على الرضا ، وحينئذ لا تفاوت بين الحيوان وغيره ،
ضرورة اعتبار ما دل عليه من الافعال والأقوال ، والمناقشة فيما لم يصل الى حد
العلم في الأول ، يدفعها حينئذ هذا الصحيح وغيره ، واحتمال قصره على خصوص الحيوان
كما ترى.
وعلى ذلك عول من
قيد السقوط بالتصرف بما إذا لم يكن للاختبار ونحوه فيما علم عدم ارادة الالتزام به
، بل المتجه حينئذ أن ما كان ظاهره ذلك كذلك أيضا بل ينبغي عدم السقوط بالمشكوك
فيه.
__________________
ومن هنا وقع خبط
في كلام بعض المتأخرين ، وربما مال بعض متأخريهم إلى دعوى ما سمعته في الحيوان من
أصالة الدلالة في التصرف حتى يعلم العدم ، جمعا بين ما دل على السقوط به وبين خبر
الأمداد ونحوه مما يقضى بعدم السقوط به ، إلا أن الجميع كما ترى ،
مناف لإطلاق الفتاوى ومعقد بعض الإجماعات السابقة ، وما ذكروه في مسقطات الخيار من
عد التصرف قسما آخر مقابلا للرضا ، وليس في
قوله 7 « فذلك رضا منه » ظهور في أن السقوط بالتصرف للدلالة ،
خصوصا مع ملاحظة كون الفاء فيه رابطة للشرط لا تعليلية ؛ وأن بيان الدلالة ليس
وظيفة الشارع ، لاختلافه باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال ، فيمكن ارادة قيامه
مقام الرضا في الإسقاط ، بل يمكن دعوى أنه المنساق من أمثاله ، أو إرادة أنه بعد
إقدامه على المسقط شرعا وفعله فهو رضا منه بالالتزام إذا كان عالما بأنه مسقط
متنبه له ، وكان الإطلاق لغلبة العلم بالحكم الشرعي ، وعدم معذورية الجاهل وندرة
الغفلة والسهو ، فالقول بأنه مسقط تعبدا مطلقا لا يخلو من قوة ، وتعديته لغير
الحيوان بالإجماع المحكي عن الخلاف ان لم يكن المحصل ، وظهور عدم ارادة خصوص
المورد في الصحيح وغيره وحينئذ لا ينبغي التوقف فيه هنا ، بل ولا في سقوط
خيار البائع بالتصرف في الثمن كما صرح به جماعة وعلم من رأى الباقين لذلك ، ولعدم
الفرق بين العوضين ، وخبر ابى الجارود ـ القاضي بعدم سقوط خيار البائع في التصرف بالثمن في خيار
الرد ـ محمول على ما عرفت سابقا من كون التصرف فيه قبل تحقق الخيار ، لأنه إنما
يحصل بعد الرد كما عرفته سابقا ، والمدار حينئذ على صدق الحدث فيه ناقلا كان أو
غير ناقل.
نعم قد يتوقف في
الحدث فيه خطا ـ بل أو غفلة أو نسيانا أن فيه الخيار أو
__________________
لظن أنه الخالي
منه ـ من صدق اسم الحدث فيه ، ومن أن المنساق من قوله « أحدث فيه حدثا » قصد
الأحداث فيه ، خصوصا بعد ان لم يكن عمومه لغويا ، وقد يؤيده في الجملة عدم سقوط
خيار الغبن بالتصرف غير الناقل إذا لم يعلم بالغبن ، ولكن لا يخفى عليك الفرق عرفا
بين الحدث خطأ وبين الغفلة والنسيان ، فهو من ذي الخيار مسقط لخياره ، من غير فرق
بين الاختيار وغيره ، وخبر رد الأمداد مع الشاة القاضي بعدم سقوط
الخيار بالحلب ، مع الطعن في سنده وشذوذه ، وعدم ظهوره في الرد بالخيار بل قد يظهر
منه عدمه ، ومنافاته لما دل على أن النماء في زمن الخيار للمشترى ، ـ يمكن القول
بأن استخراج الحليب الذي هو ملكه ليس إحداثا فيها ، كما أن اشتراط بيع ما فيه
الخيار بالإيجاب قبل البيع في خبري الحلبي والسكوني الآتيين من الشواذ التي
لم يعمل بهما احد فيما اعلم.
ومن ذلك كله يظهر
لك ما في جامع المقاصد والمسالك والرياض وغيرها ، فلاحظ وتأمل. نعم قد يتوقف فيما
ذكره غير واحد ـ بل نسبه بعض الأساطين إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، بل
في الغنية نفى الخلاف عنه ـ من الفسخ بتصرف كل منهما فيما انتقل عنه ، إذا لم يكن
دالا على ارادة الفسخ فضلا عما علم منه عدم الدلالة أو كان ظاهرا لعدم الدليل إن
لم يكن إجماعا على الحاقه بالتصرف الملزم بناء على السقوط به تعبدا ، ودعوى
الدلالة عليه ـ كدلالته في المنتقل اليه على الإمضاء ـ يدفعها ما عرفت من عدم
دوران السقوط في المقيس عليه على الدلالة ، وليس في الأدلة ، ما يقتضي التعبد هنا
، بل ليس فيها ما يقضى باعتبار غير مقطوع الدلالة عليه من الأفعال ، إلا فحوى ما
دل عليه في الإمضاء ، ويمكن منعها إن لم ترجع الى التنقيح ومنعه لعدم المنقح إن لم
يكن إجماعا كما هو مفروض المسألة.
وأما الاستدلال
عليه ـ بأن هذا التصرف لو لم يكن فسخا لكان ممنوعا منه شرعا
__________________
لمصادقته ملك
الغير على المشهور من الانتقال بنفس العقد ، والأصل في تصرفات المسلمين وقوعها على
الوجه السائغ الصحيح فيكون فسخا ـ كما ترى ، ضرورة عدم انحصار وجه الصحة في ذلك ،
ولا يتم في إجراء العقد خاصة عليها ، وكون الفضولي على خلاف الأصل ، لا ينافي قدحه
في الدلالة على أن المراد الفسخ به تعبدا كالامضاء ، فلا تتنقح دلالته على ارادة
عدم الفسخ به.
نعم لا بأس بذكر
هذا الأمور مؤيدة بعد دعوى الإجماع على الفسخ بكل ما لو وقع في المنتقل اليه كان
اجازة ويكون هو العمدة حينئذ ، لكن في فساد التصرف لو كان بيعا ونحوه ، وصحته
وجهان ، بل قولان ينشأن من حصول الملك به ، فلا يحصل شرط الصحة الذي هو سبق الملك
، ومن أن الفسخ يحصل بالقصد المقارن للتصرف ، فيتقدم ويحصل الشرط ، وهو الذي
اختاره الكركي وعليه فرع جواز الوطء له ، وفيه أنه حصل بالقصد لا بالفعل كما هو
المفروض ، بل لا بد من الالتزام في البيع ونحوه ، كون وقوع تمام الصيغة الذي يحصل
به مسمى التصرف ، شرطا كاشفا عن حصول الانفساخ قبله آنا ما ، وهذا وان ارتكبناه في
غير المقام ، الا أنه لمكان الدليل المخصوص الدال على الصحة ، والحصر طريق الجمع
بينه وبين ما دل على اعتبار سبق الملك بدعوى التقدم الذاتي ، بخلاف المقام الذي لا
يتوقف الحكم بالفسخ على صحة التصرف ، بل يكفى ولو كان فاسدا اى لم يترتب عليه أثره
، هذا إذا كان التصرف بالبيع ونحوه.
أما إذا كان
بالانتفاع كاللمس والتقبيل والوطي ونحوهما ، فيمكن القول بحصول الفسخ بها ، وأنه
مقارن للدخول في الملك من غير اثم ، تحكيما لما دل على أن له الفسخ بأي فاسخ ،
يكون المستفاد من نفس ثبوت الخيار له على ما دل على حرمة التصرف في مال الغير ،
بحمله على ما لا يقارنه الملك من التصرف ، خصوصا مع خفاء اندراج هذا الفرد ، فزمان
الفسخ حينئذ والدخول في الملك واللمس واحد. ولا بأس به. فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.
وربما ظهر من
الدروس التردد في الجواز ، بل صريح التحرير الحرمة ، وهو ضعيف لما عرفت ، بل يمكن
القول به في البيع ونحوه ، بناء على منع اعتبار سبق الملك فيه ونحوه لعدم الدليل ،
بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه ، وقوله 7 « لا بيع إلا في ملك » لا يقتضي أزيد من
اعتبار أصل الملك في البيع ، على وجه يشمل المقارن في مثل الفرض لا أقل من الشك ،
وقد عرفت أن مقتضى الإطلاق الصحة في مثل الفرض الذي هو من باب ترتب المعلولات
الغير المتنافية بعللها ، وان كانت العلة في وجود الجميع واحدة ، فيترتب حينئذ علي
التصرف الفسخ ، المقتضى لعود الملك للفاسخ المقتضى لانتقاله عنه إلى المشتري ،
المقتضى للانعتاق لو فرض كونه أبا له.
وربما يؤيده ما
ذكروه في الوكالة ، من حصول عقدها بالقبول فعلا من الوكيل ، بأن يفعل ما وكل فيه
من تزويج أو بيع أو نحوهما ، فإن الوكالة والبيع حصلا بعلة واحدة ، والظاهر عدم
زيادة اعتبار الملك في مضى البيع على اعتبار الوكالة فيه ، فان بيع الوكيل والمالك
سواء في ذلك ، وبالجملة لا مانع من تسلسل العلل المترتب على كل منها معلولها ، وإن
اتحد العلة الأولى معها ، نعم لا يعقل حصول المعلولات المتنافية لعلة واحدة كما هو
واضح ، ومما يؤكد المقام ظهور إرادة القائل بكون البيع مثلا فاسخا الصحيح منه ، لا
الفاسد الذي يكون فسخه من الدلالة على ارادته ، لا أنه فسخ بالتصرف ، بل هو صريح
استدلالهم على الفسخ بأصالة الصحة في العقد. والله العالم.
ولو كان الخيار
لهما وتصرف أحدهما فيما انتقل اليه من المبيع أو الثمن سقط خياره بائعا كان أو
مشتريا وسواء كان التصرف جائزا كالانتفاع بغير الوطي أو غيره كالوطي ونحوه ، إذ لا
تلازم بين حصول الالتزام وحلية التصرف ، إذ لا ريب في صدق اسم الأحداث في العين
وان كان حراما ، لأن الإثم حكم شرعي لا مدخلية له في صدق الاسم كما صرح به في
الدروس.
__________________
نعم قد يتوقف في
صدق الأحداث بالبيع ونحوه ، بناء على عدم نفوذه على الخيار للآخر ، بل لعل صدق عدم
الأحداث عليه اولى ، خصوصا بعد تفسير الأحداث في الصحيح بمثل التقبيل
واللمس ، واحتمال كون التهيأ للصحة ولو بالإجازة إحداثا بعيد.
ولكن التحقيق
الجواز في الجمع من غير فرق بين العتق وغيره « لأن « الناس مسلطون على
أموالهم » ولم يثبت مانعية
تعلق حق الخيار ، وليس فيه إبطال لحق صاحبه ، لانتقاله إلى القيمة حينئذ أو المثل
، أو أن له التسلط علي فسخ العقد الأخر علي اختلاف الوجهين أو القولين الذين
أقواهما الأول ، لإطلاق ما دل على اللزوم ، وانقطاع الملك الحاصل له بالعقد الأول
بما وقع له من العقد الثاني ، فيقع الفسخ من ذي الخيار على ما ليس بملك له ، إلا
أنه لما كان الحق متعلقا بالعقد الذي وقع على العين التي نقلها الشارع إلى القيمة
أو المثل ، فالفسخ يفيد انتقالها إليه كما لو تلف ، ولا فرق بين الوطي وغيره من
الانتفاعات كما هو ظاهر المحكي عن المبسوط وصريح التحرير ، واحتمال الحبل ـ فتكون
أم ولد فيمتنع رد عينها بعد تسليم امتناع الرد به كما هو الأصح ـ غير صالح لتخصيص
ما دل على تسلط الناس على أموالهم ، وإلا لامتنع الانتفاع بها في غيره ، لاحتمال
التلف به أيضا ، كما أنه لا فرق بين العتق وغيره ، وبناؤه على التغليب غير صالح
للفرق هنا بعد ما عرفت.
ومن ذلك كله ظهر
لك ما في كلام الفاضل في القواعد فإنه جزم بعدم نفوذ بيع المشتري ووقفه وهبته إذا
كان الخيار لهما أو للبائع إلا بإذن البائع ، واستشكل فيه في العتق وجزم بجواز
الوطي له ، كباقي وجوه الانتفاع تارة ، وتردد فيه بالخصوص من بينها أخرى ، بل
والشهيد في الدروس حيث أطلق التردد في جواز تصرف المشتري إذا كان الخيار مختصا
بالبائع ، وفي تصرفه أيضا ، والبائع مع اشتراك الخيار بينهما ، إذ لا إشكال
__________________
في جواز تصرف
المشتري إذا لم يكن وطيا ولا ناقلا.
وكيف كان فالتحقيق
ما عرفت ، ويؤيده في الجملة ما سلف لهم في الغبن من صحة التصرف ، وانتقال ذي
الخيار إلى المثل أو القيمة ، واحتمال الفرق ـ بفرض كلامهم هناك في التصرف مع
الجهل بالخيار ـ غير مجد ، لان الظاهر تعلق الخيار فيه حال العقد وإن لم يكن معلوما
، فلو كان حق الخيار مانعا ، أبطل التصرف وإن كان المتصرف جاهلا وهو واضح.
ثم إنه على كل حال
يسقط خيار المشتري بالوطي وإن أثم كما عرفت ؛ ولو فسخ البائع بعد الاستيلاد انتقل
إلى القيمة عندنا ، وعن الشيخ والقاضي أنه يرجع بقيمة الولد والعقر ، وهو جيد بناء
على عدم الانتقال إلا بعد انقضاء الخيار وكان الوطي شبهة ، لكن ستعرف ما في المبني
عليه.
ولا فرق فيما
ذكرنا بين اشتراك الخيار بينهما واختصاصه بأحدهما ، فللبائع التصرف في ثمنه وإن
كان الخيار مختصا بالمشتري كالعكس ، ولو تصرف كل منهما أو أحدهما فيما انتقل عنه
كان فسخا كما عرفت ، ولو كان الخيار لأحدهما ونقلهما معا دفعة ببيع ونحوه بطل ،
للتدافع بين الفاسخ والملزم من الشخص الواحد ، والظاهر البقاء على أصل الخيار ،
واحتمال تقديم الأول أو الثاني هنا ضعيفان ، وان جزم بالأول في التحرير ولو كان
التصرف فيهما من غير ذي الخيار وقف على الإجازة ، بناء على جريانها في نحو حق
الخيار ومع حصولها لهما معا يسقط الخيار ، وله ـ على اشكال ـ إبطال التصرف في
المنتقل اليه واجازة الأخر مع إبقاء حق الخيار والرجوع بالقيمة حينئذ ، وليس له
إبقاؤه مع اجازة التصرف في ماله ، ولو كان الخيار مشتركا بينهما فتصرف المشتري
مثلا فيهما ففي القواعد « صح ما تضمن الفسخ من التصرف ، بخلاف الأخر الذي فيه
ابطال حق البائع » وفيه أولا أنه لا يتم على المختار ، وثانيا ـ أنه وإن كان باطلا
بناء علي منع حق خيار البائع الا ـ أنه يحصل به الالتزام وسقوط الخيار ، كما صرح
به في التحرير وجامع المقاصد في غير المقام فيتدافع حينئذ مع ما يقتضي الفسخ
المتوقف صحته على عدم الالتزام ؛ فالأقوى اتحاد
الحكم فيها مع
الاولى. والله اعلم ، ولو أذن أحدهما بالتصرف فيما انتقل اليه وتصرف الأخر فيما
انتقل إليه أيضا سقط خيارهما قال في الشرح : « أما خيار المتصرف فواضح ، واما
الاذن فوجه سقوط خياره دلالة الإذن على الرضا ، فيكون التزاما من البائع بالبيع ،
واما من المشتري فلان تصرف البائع يبطل البيع ؛ فلا يبقى لخيار المشتري أثر ، ولو
لم يتصرف المأذون لم يبطل خياره.
وفي بطلان خيار
الآذن نظر من دلالته علي الرضا المزيل لحقه ، ومن عدم منافاة الرضا بزوال الخيار ،
لان غايته قبل وقوعه أن تكون الإزالة بيده ، وهي لا تقتضي الزوال بالفعل ، وأطلق
جماعة كونه مبطلا ، وعدم البطلان أوضح. ولو كان التصرف غير ناقل للملك ، ففي
إبطاله الخيار الآذن نظر ، لعين ما ذكر » وفيه ـ بعد تسليم ارادة كون التصرف
والإذن في المبيع من كل منهما من العبارة وما ضاهاها ـ أن الإذن فيما إذا كان
المتصرف البائع لا مدخلية لها ، ضرورة استناد الفسخ حينئذ إلى تصرف البائع ، أذن
له المشتري أو لم يأذن ؛ أما الثاني فواضح ، كالأول مع فعل المأذون ، بل لعله كذلك
وإن لم يفعل ، لدلالة الإذن بفعل الملزم ، على إرادة الالتزام وإسقاط الخيار ، بل
لعل نفس الاذن بالتصرف من الإحداث فيه ، ويحتمل العدم ، لمنع الدلالة في الأول ،
للفرق بين إنشاء الالتزام ، وبين ارادة ما يحصل به الالتزام ، وصحة السلب في
الثاني ، وكأنه لا يخلو من قوة خصوصا مع ملاحظة استصحاب الخيار.
وفي تعليق الإرشاد
« واعلم أن مجرد الإذن في هذه التصرفات من دون فعل لا يكون اجازة ولا فسخا كما هو
مصرح به في كلامهم » قلت : ومن ذلك ينقدح الإشكال في الالتزام بالعرض على البيع ،
إذ هو أعم من إنشاء الالتزام ، لإمكان حصوله مع التردد في الفسخ والإجازة ، ودعوى
الظهور في الالتزام ممنوعة ، على انه ـ بعد التسليم ـ مبنى على حجية ظواهر الافعال
في مثل ذلك ، وإن كان قد يؤيد القول بها
هنا الإجماع على
سقوطه بالتصرف الذي هو غير قاطع ، لكنه لا يتم بناء على أن السقوط به تعبدي ، لا
من حيث الدلالة كما سمعت قوله فيما تقدم.
نعم يمكن
الاستدلال على الالتزام بالعرض بخبر السكوني « فيمن اشترى ثوبا بشرط ، فعرض له ربح فأراد بيعه؟ قال :
فليشهد أنه قد رضيه واستوجبه ، ثم ليبعه إن شاء ، فان اقامه بالسوق ولم يبعه فقد
وجب عليه البيع » وهو ـ مع اشتماله على ما لا يقول به ، من اشتراط بيع ذي الخيار ،
بالاستيجاب قبل البيع ـ يمكن منع دلالته ، لاحتمال إرادة إقامة المستوجب في السوق
منه ، فيكون حاصله أنه مع الاستيجاب يسقط الخيار إن لم يبعه ، ومتى قام الاحتمال ،
بطل الاستدلال ، بعد منع الظهور فلاحظ وتأمل.
ثم لا يخفى عليك
أن ذلك كله يجري في الاذن بما يقتضي الفسخ ، والعرض الذي يقتضيه أيضا ، ولو أذن
أحدهما للآخر في نقل ما انتقل اليه ـ بناء على عدم الجواز مع تعلق حق الخيار ،
وفعل المأذون ـ سقط خيار المتصرف قطعا ، وأما الإذن فقد جزم الكركي وثاني الشهيدين
وغيرهما بالسقوط أيضا بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه ، وعلله في الجامع بعدم
إمكان فسخ العقد الواقع باذنه ، قال : « أما إذا لم يبع ففي كون مجرد الإذن إجازة
إشكال ، ومثله الإذن في سائر التصرفات الغير الناقلة للملك »
قلت : يظهر وجه
الإشكال في الأول مما ذكرناه أولا ، لأن مرجعه إلى أن الاذن في الملزم ملزم أولا ،
وقد سمعت الكلام فيه ، إلا أنه غير جار فيما ذكره من التصرفات الغير الناقلة التي
هي إذا وقعت إنما تلزم بالنسبة إلى المتصرف ، فالإذن فيه لا يستفاد منه التزام
الآذن بوجه من الوجوه ، إلا إذا كان المراد من الإذن رفع ما حصل بسببه المنع اى
الخيار ، وحينئذ لا ينبغي التوقف في السقوط. وإن لم يفعل
__________________
المأذون ، الا أن
في دلالة الإذن بالتصرف ـ خصوصا إذا كان خاصا على ذلك ـ منعا واضحا.
اللهم الا أن يدعى
أن حجر الخيار لا يرتفع شرعا مع بقائه ، فالإذن في أي تصرف تستلزم رفعه ، وهو أوضح
منعا ، وكان الوجه ـ في الالتزام بالإذن بالتصرف الناقل مع وقوعه ـ أن حق الخيار
متعلق بالعين وهو الذي أذن في نقلها ، والأصل برأيه الذمة من الانتقال الى المثل
أو القيمة ، وينبغي أن يلحق به الإذن بالوطي المتعقب للاستيلاد ، بل كل تصرف يمنع
من الرد ، وفي إلحاق الاذن في النقل المتزلزل كالبيع بالخيار والهبة إشكال ، قد
يظهر من التذكرة الأول وأنه متفق عليه بيننا.
ومن ذلك كله يظهر
لك ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما فلاحظ وتأمل. كما أن منه يظهر وجه النظر
فيما ذكره العلامة الطباطبائي في مصابيحه من وجوه قال : « وكما يسقط الخيار
بالتصرف فكذا بالإذن فيه كما في الشرائع والتذكرة والقواعد والإرشاد والتنقيح
لدلالته على الالتزام في المنقول عنه ، والفسخ في المنقول إليه ، فإن تصرف المأذون
سقط خيارهما والا فخيار الآذن ، واستشكله المحقق الكركي والشهيد الثاني وغيرهما ،
لعدم ظهور الدلالة ، ولان التمكن من الإزالة غير الزوال بالفعل ؛ ويضعف بأن مقتضى
الاذن رفع الحجر من قبل الآذن ، ولا مانع غير الخيار فيرتفع بالإذن ، ولا يتوقف
على وجود التصرف ، وإلا لكان السقوط بالتصرف المأذون فيه ، دون الاذن ، كما
اعترفوا به ، فان الآذن لم يوجد منه سوى الإذن ، فان لم يسقط الخيار به لم يسقط
بالتصرف الذي هو فعل غيره » فتأمل جيدا.
والظاهر ان التصرف
من المتعاقدين لا يسقط خيار الأجنبي ، بل ولا خيار المؤامرة قبل الأمر بالفسخ ،
للأصل ، ولا خيار تأخير الثمن قبل الثلاثة إذا فرض إمكانه قبل القبض على اشكال.
المسألة الثالثة :
إذا مات من له الخيار انتقل الى الوارث من أي أنواع الخيار
كان بلا خلاف معتد
به ، بل ظاهر هم الإجماع ، بل عن بعضهم دعواه صريحا ، للنبوي المنجبر بالعمل «
ما ترك ميت من حق فهو لوارثه » المؤيد بعموم غيره كتابا وسنة وما في القواعد
من احتمال سقوط خيار المجلس بالموت ـ فيما لو مات أحدهما ، لأولوية مفارقة الدنيا
من مفارقة المجلس ـ ليس خلافا في المسألة عند التأمل ، على أنه في غاية الضعف ،
ضرورة إرادة التباعد بالمكان الظاهر في الجسم من الافتراق ، لا في الروح التي لم
يعلم مفارقتها للمجلس ، فلا ريب حينئذ في انتقاله الى الوارث.
نعم في القواعد «
إن كان الوارث حاضرا في المجلس امتد الخيار ما دام الميت والآخر في المجلس ، وإن
كان غائبا امتد الى أن يصل اليه الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت ، وهل يمتد بامتداد
المجلس الذي وصل فيه الخبر؟ نظر » وفيه أنه إذا سقط اعتبار الميت امتنع الحكم
ببقاء الخيار ، لانتفاء متعلقة ، وهو عدم تفرق المتبايعين ، بل الحكم ببقائه دعوى
لا مستند لها ، وأبعد من ذلك امتداده بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر الذي هو
ليس مجلس البيع ، خصوصا مع تعدد الوارث القاضي بمراعاة مجلس كل واحد منهم ، بل إما
أن يجعل على الفور أو على التراخي ، ومن ذلك يعلم ما في المسالك قال : « ولو كان
الوارث غائبا عن المجلس ، ففي ثبوته له حين بلوغه الخبر فوريا ، أو امتداده
بامتداد مجلس الخبر ، أو سقوط الخيار بالنسبة إلى الميت ، أوجه »
نعم ما فيها أيضا
من أنه لو قيل بثبوت الخيار للوارث إذا بلغه الخبر وامتداده الى أن يتفرق الميت
ومبايعة كان وجها جيدا ، بناء على اعتبار الميت حال حضور الوارث في المجلس ، وأقرب
من ذلك كله ـ وإن لم أجد من ذكره ـ ثبوته للوارث مطلقا ، للأصل
__________________
بعد تعذر حصول
الافتراق الاختياري بين البيعين ، كما عرفته مفصلا فيما لو أكره أحدهما على
الافتراق ، وأنه لا يسقط خيار المكره والآخر أيضا وإن فارقه اختيارا فلاحظ وتأمل ،
فلا حاجة حينئذ إلى اعتبار تفرق الوارث ، وأنه على تقديره لو فارق أحد الورثة لم
يؤثر ، لعدم صدق افتراق المتبايعين ، نظرا الى قيام الجميع مقام الموروث ، مع
احتماله أيضا نظرا إلى ثبوت الخيار لكل من الوارث على جهة الاستقلال ، فافتراقه
يؤثر في سقوط خياره ، الا انه لو فسخ الآخر مضى عليه ، كما لو تعدد ذو الخيار ،
ولا ينزل على حصته لعدم إشاعة حق الخيار في العين ؛ ولذا لم يجز للمورث أن يفسخ في
البعض ، وليس للوارث ، إلا ما كان للمورث.
ومن ذلك يتضح لك
الحال في كل خيار ورثه متعددون ، وأنه يقدم الفاسخ منهم على الملزم ، لانه لما علم
عدم قابلية الخيار للتوزيع في نفسه ـ ضرورة عدم معقولية نصف الخيار وربعه مثلا ،
وعدم تبعيته أيضا قسمة العين ، لما عرفت من عدم الإشاعة ، وكان يمكن إبقاء النبوي
وغيره مما دل على انتقال الحق كان لكل واحد من ورثته على ظاهره لتعقل تعدد من لهم
الخيار ، بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل نحو ذلك فيه على ارادة الاشتراك ، لعدم
تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث ـ اتجه القول بثبوته حينئذ لكل واحد
منهم ، وأنه يقدم الفاسخ منهم على الملزم ، كذوي الخيار فتأمل جيدا فإنه دقيق.
ثم لا يخفى أنه لا
فرق في إرث الخيار بين حصوله فعلا للميت ، وبين حصول سببه ، فينتقل خيار التأخير ،
وإن مات البائع في الثلاثة ، كخيار رد الثمن وخيار الشرط بعد شهر مثلا ونحو ذلك ،
إذ هو حق أيضا ينتقل بالإرث كخيار المؤامرة ، فإذا مات المستأمر بالكسر انتقل حقه
لورثته ، اما المستأمر بالفتح فالظاهر عدمه ، لظهور إرادة المباشرة من اشتراط
استئماره ، ولانه لا حق له عند التأمل ، إذ لزوم العقد عند أمره بالالتزام لأصالة
اللزوم في العقد ، ولا يجب اتباع أمره بالفسخ ، وإن كان للمستأمر بالكسر الفسخ
عنده ، إلا أن ذلك
يقضى بكونه حقا له ، لا للمستأمر بالفتح كما هو واضح.
بل لا يبعد ذلك في
المشترط له الخيار إذا كان الشرط على جهة المباشرة ، فإذا مات لم ينتقل لورثته ،
لسقوط الحق بعد فرض اشتراطها بموته ، وليس ذا شرطا لعدم الإرث كي يكون باطلا ، بل
يمكن رد اشتراط عدم الإرث إليه في بعض الأحوال فيصح.
أما اشتراط الخيار
للأجنبي لا على جهة المباشرة ، فقد يقوى انتقاله أيضا الى وارثه لإطلاق النص
والفتوى وبه صرح الفاضل في التحرير خلافا له في القواعد ، ودعوى أنه انما يورث
تبعا للمال لا شاهد عليها ، بل يكفى فيه تعلقه بالمال كالشفعة ، بل قد يورث ما لا
تعلق له بالمال ؛ كحق القذف ويقرب منه حق القصاص.
ومن ذلك يظهر لك
قوة القول بإرث الزوجة غير ذات الولد ، للخيار فيما إذا اشترى أرضا وله الخيار ،
أو باعها كذلك ، وإن استشكل في أحدهما الفاضل في القواعد على أن حق الخيار في
الثاني منهما قد تعلق بالثمن الذي انتقل إليها بالإرث ، فيتبعه الخيار ، وإن كان
لو فسخت حرمت ، الا أن ذلك لم يثبت مانعيته من الإرث ، كعدم ثبوت اشتراط إرثه
بالتبعية لعين ، فلها أن تفسخ في الأول أيضا وترث من الثمن. والله أعلم بحقيقة
الحال.
ولو جن ذو الخيار
قام وليه مقامه كما في غيره من أمواله وحقوقه ويجري في خيار المجلس ما يقرب مما
سمعته في الموت ، وفي المسالك ومثله ما لو خرس ولم يمكنه الإشارة المفهمة والا
اعتبرت إشارته كاللفظ وعلى كل حال فـ ( لو زال العذر لم ينقض تصرف الولي ) الجامع
لشرائط الصحة التي منها مراعاة الغبطة والمصلحة ، أو عدم المفسدة على ما هو محرر
في محله.
ولو كان الميت
الذي له الخيار مملوكا مأذونا ثبت الخيار لمولاه إذا كان البيع أو الشراء للمولى ،
إذ ذلك له قبل موته ضرورة تبعيته للمال.
أما لو فرض ثبوته
للعبد نفسه ، كما لو اشترط مثلا فالأقرب عدم انتقاله
للمولى كما سمعته
في الأجنبي ولو كان ذلك في ماله ، ولو كان البيع لأجنبي وشرط الخيار للعبد ففي
التحرير هو للمولى أيضا على اشكال ، قلت : لعله من عدم الدليل على ثبوت كل ما
للعبد حتى الفرض للمولى ، وفيه أن الآية وغيرها مما استدل به على ذلك يشمل الأموال والحقوق ، فلا
يبعد حينئذ انتقاله للمولى حال الحيوة ، فضلا عن الموت ، بل لعل ذلك هو المدار في
الانتقال بالموت ، ومنه حينئذ يظهر أنه لا مدخلية للموت في ذلك ، إذ في مصابيح
العلامة الطباطبائي الإجماع على أن الحر لا يرث العبد ، وفي الصحيح المروي بطرق متعددة عن
ابى جعفر وابى عبد الله 8 « أنه لا يتوارث الحر والعبد » كما أن منه يظهر ما في
القواعد أيضا قال : « ولو كان الميت مملوكا مأذونا فالخيار لمولاه ولو شرط
المتعاقدان الخيار لعبد أحدهما ملك المولى الخيار ، ولو كان لأجنبي لم يملك مولاه
، ولا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حق المولى ، ولو مات لم ينتقل الى مولاه » فتأمل
والله أعلم.
المسألة الرابعة
المشهور نقلا وتحصيلا بل في التذكرة الإجماع على أن المبيع يملك ه المشتري في زمن
الخيار بالعقد كالمحكي عن ابن إدريس نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ،
ويؤيده تعريف الفقهاء البيع بنقل الملك ؛ أو انتقاله ، أو الإيجاب والقبول
الناقلين للملك ، واتفاقهم على كونه من الأسباب المملكة ، وثبوت الخيار الظاهر في
التملك وجواز التصرف بالمستلزم له. وقيل والقائل ابن الجنيد في المحكي عن ظاهره
وابن سعيد في جامعه به وبانقضاء مدة الخيار مع عدم الفسخ ، وجعل الشيخ الافتراق في
كتابي الأخبار شرطا في استباحة الملك. بل صرح في الاستبصار منهما باشتراطه في صحة
العقد ، وكلامه في النهاية لا يأبى التنزيل على المشهور كالمقنعة ، بل عن الشهيد
احتماله أيضا في كلامه في الخلاف ، إلا
__________________
أنه بعيد ، قال
فيه : « العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول ، فان كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق
بالأبدان ، وإن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط. فان كان الشرط لهما أو البائع فإذا
انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم ، وإن كان الخيار للمشترى وحده زال ملك
البائع بنفس العقد. لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملك
المشتري بالعقد الأول » وذكر اللزوم أولا ، ومعروفية بقاء الملك بلا مالك ، لأبي
حنيفة ، ومالك ، لا يقتضي بإرادة اللزوم من الملك المستلزمة لبطلان التفصيل حينئذ.
نعم كلامه في بيع
المبسوط لا يأبى التنزيل عليه ، بل ما ذكره في كتاب الفلس منه ظاهر في ذلك إن لم
يكن صريحا. وسلار وإن كان قد جعل تفرق المتبايعين شرطا ، لكنه قال : « ولو تقابضا
ولم يفترقا بالأبدان كان البيع موقوفا ، كما أن أبا الصلاح نص في المحكي عنه على
أنه شرط في الصحة » ثم قال : « واعتبرنا الافتراق بالأبدان لتوقف مضيه عليه »
وكيف كان فالذي
تحصل من كلام الأصحاب أقوال ثلاثة ، المشهور ، والتوقف على انقضاء الخيار ،
والتفصيل بين خيار المشتري وحده ؛ وغيره فيخرج عن ملك البائع في الأول دون غيره ،
ولا ريب في أن الأول أظهر وأصح لصدق التجارة عن تراض قبله ، وعدم معقولية غير ترتب
الأثر من التحليل للبيع الصادق عليه قبل انقضاء الخيار قطعا ولأن المقصود
للمتعاقدين والذي وقع التراضي عليه بينهما انتقال كل من الثمن والمثمن حال العقد ،
فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك عند الشارع ويثبت المطلوب ، أو باطلة من أصلها ، لا
أنها صحيحة على غير ما قصداه وتراضيا عليه ، وإثبات الخيار منهما أو من الشارع إن
لم يؤكد ذلك لا ينافيه ، فالمقتضي للملك حينئذ موجود والمانع منه مفقود.
وموثق إسحاق بن
عمار وخبر معاوية بن ميسرة المتقدمين في خيار تأخير الثمن ، المصرحين بكون المبيع
ملكا للمشتري والثمن ملكا للبائع في السنة التي اشترط فيها الرد برد الثمن ، بناء
على أن ذلك مدة الخيار وقد عرفت الحال فيه سابقا ويمكن تنزيلهما على ارادة اشتراط
سلطنة الفسخ بالطريق المخصوص الذي هو رد الثمن ، فيكون حينئذ ذلك كله مدة خيار ولا
يحتاج إلى فسخ زائد على الرد كما هو ظاهر هما ، الا أنه ينافيه ما ذكرناه سابقا.
فلاحظ وتأمل.
وموثق غياث بن
إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي : « إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا » وموافقة
ذيله للتقية غير مانع من الاستدلال بإطلاقه ، وخبر عقبة بن خالد المتقدم في خيار
تأخير الثمن وصحيح بشار بن يسار « سئل الصادق 7 عن الرجل يبيع المتاع ، ويشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟
قال : نعم لا بأس به ، قلت ؛ أشترى متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك
»
وحسنة الحسين بن
منذر قال للصادق 7 : « يجيئني الرجل فيطلب العينة ، فأشتري له المتاع من أجله
، ثم أبيعه إياه ، ثم أشتريه مكاني؟ فقال : إذا كان له الخيار إنشاء باع وإن شاء
لم يبع ، وكنت أنت أيضا بالخيار ، إن شئت اشتريت وان شئت لم تشتر فلا بأس » وصحيح
محمد بن مسلم « سئل أبا جعفر 7 عن رجل أتاه رجل فقال : ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك
بنقد أو نسية ، فابتاعه الرجل من أجله قال : ليس به بأس إنما تشتريه
__________________
منه بعد ما يملكه
» وصحيح منصور بن حازم عن الصادق 7 « في رجل أمر رجلا أن يشترى له متاعا ، فيشتريه منه؟ قال :
لا بأس بذلك ، انما البيع بعد ما يشتريه » والنصوص المتضمنة لكون
مال العبد للمشتري مطلقا ، أو مع الشرط وعلم البائع من دون تقييد بانقضاء الخيار ،
والنبوي « الخراج بالضمان » الذي معناه أن الربح في مقابلة الخسران
، فإن الخراج اسم للفائدة الحاصلة في المبيع ، والمراد أنها للمشتري ، كما ان
الضرر الحاصل بالتلف عليه ، فهو دال على المطلوب ، وإن كان مورد الحديث خيار العيب
، والحكم ثابت فيه بلا خلاف كما قيل ؛ بل لا يبعد أن يكون الخلاف في خصوص خيار
الحيوان ، والمجلس والشرط الذي لم يسبق بلزوم العقد ، وأما هو فقد عرفت الحال فيه
سابقا.
كل ذلك مع عدم
دليل معتبر للمخالف ، خصوصا التفصيل ، عدا دعوى قصور العقد فلا يفيد الملك وهو كما
ترى. نعم قد يستدل له بصحيح ابن سنان « سأل أبا عبد الله 7 عن الرجل يشتري الدابة أو العبد يشترط إلى يوم أو يومين
فيموت العبد أو الدابة ، أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : على البائع
حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشترى ، شرط له البائع أو لم يشترط ،
قال : وإن كان بينهما شرط أيام معدودة ، فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع » وخبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله 7 عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت عنده
وقد قطع الثمن على من يكون
__________________
الضمان؟ فقال :
ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضى شرطه » ومرسلة ابن رباط عن الصادق 7 « إن حدث
بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع » الا أنها لا تصلح لمعارضة الروايات
المتقدمة ، لرجحانها بالكثرة والمطابقة للأصول ، والإجماع المنقول ، وظاهر الكتاب
، والشهرة بين الأصحاب ومخالفة أكثر الجمهور ، فتعين التأويل في هذه ، بحمل
الصيرورة فيها على اللزوم جمعا بين الاخبار.
وأما ضمان البائع
وهو وإن كان على خلاف الأصل الا أنه قد ثبت بالدليل في صورة اختصاص المشتري
بالخيار كضمان البائع المبيع قبل القبض ، وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لو تجدد له اى
المبيع نماء بين العقد وانقضاء الخيار كان للمشتري لأنه نماء ملكه وحينئذ فـ ( لو
فسخ ) المشتري العقد مثلا رجع على البائع بالثمن ولم يرجع البائع عليه بالنماء
الذي هو له على المختار.
نعم هو للبائع على
القول الأخر إن فسخ ، بل وان لم يفسخ ، بناء على الملك من حين الانقضاء كما هو
ظاهر القول المحكي في المتن وغيره. أما على احتمال ارادة الكشف في كلام الشيخ فهو
للمشتري أيضا ، واحتمله الشهيد في كلام الشيخ في الخلاف ، ولعله أخذه من قوله
بالعقد الأول ، ويمكن ارادة حصوله به بحمل السببية على الناقصة ، وحينئذ يشكل
تبعية النماء فيما إذا كان الخيار للمشترى خاصة على كلام الشيخ ، لعدم ملكية الأصل
عنده لأحد المتعاقدين ؛ ولعله يلتزم دخوله في ملك المشتري إن لم يفسخ ، والبائع إن
فسخ كالأصل.
وعلى كل حال فهذا
من فائدة الخلاف في المسألة كالأخذ بالشفعة ، وابتياع الزوجة ، وبيع من ينعتق على
المشتري وجريان المبيع في حول الزكاة إن كان زكويا ، وغير ذلك ، والثمن في ذلك كله
كالمبيع ، إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا ، لاستحالة انتقال
__________________
أحد العوضين دون
الأخر ، بخروجه عن حقيقة المعاوضة واستلزامه الجمع بين العوض والمعوض. والله أعلم.
المسألة الخامسة
إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه بآفة سماوية في غير الثلاثة في تأخير الثمن فهو من
مال بائعه إجماعا بقسميه. إذا لم يكن بامتناع من المشتري أو برضا منه بالبقاء في
يد البائع ، بعد تمكينه منه وعرضه عليه ، للنبوي المنجبر بعمل
الأصحاب كافة « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه » المعتضد مع ذلك بخبر عقبة
بن خالد المتقدم في خيار تأخير الثمن.
أما التلف في
الثلاثة فقد عرفت البحث فيه سابقا ، وأن الأقوى فيه ذلك ، كما أن الظاهر كونه من
مال المشتري إذا كان عدم القبض لامتناع منه ، بلا خلاف أجده فيه ، للأصل السالم عن
معارضة القاعدة المزبورة بعد انصرافها إلى غيره ، بل قد يقال : بذلك أيضا فيما إذا
كان التأخير بالتماس منه بعد العرض عليه والتمكين منه ، وفاقا لجماعة ، إما لأن
مثله يسمى قبضا ، أو لأن المراد من النبوي غيره ، بل في الغنية والمحكي عن ظاهر
الخلاف الإجماع عليه ، لكن دعوى صدق اسم القبض بذلك فيما لا يكفى فيه التخلية
ممنوعة ، كمنع قيام ذلك مقام القبض الرافع للضمان الذي هو مقتضي الاستصحاب مطلقا
أو في بعض الأحوال ، وخبر عقبة الظاهر في أن المشتري هو الذي تركه في يد البائع ،
فالقول بالضمان لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا ، ولم نقل بأن مثله قبض.
نعم يمكن دعوى
انسياق التلف بالآفة السماوية ، فلو أتلفه أجنبي لم يضمنه البائع ، واستحق المشتري
عليه المثل أو القيمة ، وقيل : بالتخيير بين ذلك والفسخ والرجوع بالثمن ، بل هو
المشهور بينهم ، بل لا خلاف أجده بينهم ، لكن لا دليل عليه ،
__________________
بل لعل مقتضى
الدليل خلافه ، بل لعله كذلك إن أتلفه البائع أيضا ، لأصالة اللزوم ، لكن قد يظهر
من خبر عقبة بن خالد أنه من ضمان البائع مطلقا حتى يقبضه المشتري الا أنه محتاج
الى الجابر في تخصيص القاعدة ، لتعبير أكثر الأصحاب أو جميعهم بمضمون النبوي
الظاهر فيما عرفت ، ويمكن حمل السرقة في خبر عقبة على الآفة السماوية ؛ باعتبار
عدم تعين من يرجع اليه بالمثل أو القيمة ، ولو أتلفه المشتري فالظاهر أنه بمنزلة
القبض ، ونظر فيه في الرياض ، ولعله لظهور خبر عقبة فيما عرفت ، فينفسخ العقد
ويرجع البائع عليه بالمثل أو القيمة ، وستسمع لهذا البحث تتمة إنشاء الله تعالى في
باب القبض وفي باب بيع الثمار ، بل قد يقال : إن الانصاف شمول النبوي لجميع صور
التلف. بآفة أو بغيرها ، الا أن يكون إجماع على البعض ، أو شهرة عليه بحيث يضعف
الظن بإرادته منه.
وكيف كان فالنماء
بعد العقد قبل التلف للمشتري كما في المسالك وغيرها ، بل قيل انه يظهر منه دعوى
الوفاق عليه ؛ لأنه نماء ملكه فالقاعدة واستصحاب الحالة السابقة يقضيان بأن الفسخ
من حينه فاحتمال كون الفسخ من الأصل ـ كما عن التذكرة حكايته ـ ضعيف.
لكن في الرياض «
أنه ينافي الفسخ من حينه ظاهر النص وفتوى الجماعة ، فيحتاج الى تقدير دخوله في ملك
البائع آنا ما ويكون التلف كاشفا ، مثل دخول الدية في ملك الميت ، والعبد المأمور
بعتقه في ملك المعتق عنه » قلت : قد لا يحتاج الى هذا التقدير ، ويكون المراد من
النص والفتوى أن حكم هذا التالف حكم ما لو كان ما لا للبائع ، أي لا يستحق بالعقد
ثمنا على المشتري ، بمعنى أنه يبطل أثر العقد بالنسبة الى ذلك وإن كان قد تلف وهو
على ملك المشتري ، وأقصاه تحكيم النبوي المنجبر بعمل الأصحاب على غيره مما يقتضي
خلافه ، وكان مقصود المقدر مراعاة رجحان الجمع على الطرح. والأمر سهل.
ثم إن مقتضى الأصل
بعد اختصاص النص والفتوى بالمبيع ، كون تلف الثمن من البائع ، لكن عن ظاهر بعض
الأصحاب إلحاقه بالأول مشعرا بدعوى الوفاق عليه وعلى ارادته من المبيع وارادة
المشتري من البائع ، التفاتا الى صدقهما عليهما لغة ، وفي الرياض « إن تم والا
فالمسألة محل إشكال لكن ظاهر الخبر الثاني أي خبر عقبة العموم فلا بأس به » قلت :
لا إجماع قطعا ، وارادته من النبوي كما ترى ، وخبر عقبة إنما يدل بعد القبض ،
ويمكن حمله على كون الثمن كليا كما هو الغالب ، والضمان فيه أعم من الانفساخ
الحاصل بتلف المبيع ، على أنه لا جابر له بالنسبة الى ذلك فتأمل جيدا.
وتلف بعض المبيع
من مال بايعه كتلف الجميع ، والظاهر ثبوت الخيار في الباقي لتبعض الصفقة ، ولو كان
المبيع كليا وتصور تشخصه بغير القبض ، لحقه الحكم مع صدق اسم المبيع عليه ، ولو
كان كليا من جهة ، شخصيا من أخرى ، كصاع من صبرة وقد تلفت اجمع فهو كالشخصي والله
اعلم.
وإن كان قد تلف
المبيع بعد قبضه بآفة أو بغيرها وبعد انقضاء مدة الخيار فهو من مال المشتري بلا
خلاف ولا إشكال ، ويرجع على من له الرجوع عليه بالمثل أو القيمة وإن كان تلفه بعد
القبض بآفة في زمن الخيار من غير تفريط من المشتري وكان الخيار للبائع خاصة فالتلف
من مال المشتري أيضا لأنه ملكه على المختار ، وللنصوص السابقة في بحث خيار رد
الثمن بناء علي أنها من مدة الخيار.
وإن كان الخيار
للمشتري خاصة فالتلف من مال البائع إجماعا بقسميه ، للنصوص المتقدمة في دليل القائل
بعدم الملك حتى ينقضي الخيار ، والصحيح منها صريح في خيار الشرط
والحيوان ، ولعلهما المراد ان من المتن و
__________________
غيره ، بقرينة ذكر
المدة والزمن ونحوهما ، لعدم ضبط مدة معلومة لغيرهما من الخيارات كما أشار إليه
العلامة الطباطبائي في مصابيحه في خيار تأخير الثمن ؛ حتى خيار المجلس ، على أن
الخيار فيه لهما معا ، وستعرف أن الحكم على القواعد مع اشتراك الخيار ، فلا ريب في
عدم ارادة غيرهما من المتن ونحوه ، سيما على القول بالفورية في كثير منها ، فيقتصر
فيما خالف الضوابط كالصورة الأخيرة عليهما خاصة ، فيحكم حينئذ بانفساخ العقد فيها
ورجوع الثمن إلى المشتري ، كالتلف قبل القبض.
نعم لا فرق فيها
بين كون الخيار للمشتري خاصة ، أوله مع الأجنبي من طرفه كما صرح به غير واحد ، بل
كأنه إجماع عملا بالإطلاق ، بل قد يظهر من تعليق الإرشاد أن الخيار للأجنبي من طرف
المشتري كخياره ، ومقتضاه أن التلف من البائع أيضا لو كان للأجنبي من طرفه خاصة ،
وفيه أنه بعد البناء على أنه تحكيم لا توكيل ـ لا يشمله الصحيح المزبور ، فيشكل
الحكم المذكور المخالف للقواعد من وجوه فيه ، بل إن لم ينعقد إجماع على إلحاق خيار
الأجنبي معه بخياره خاصة ـ كان المتجه حينئذ الاقتصار على المتيقن من الصحيح وهو
ما إذا كان الخيار للمشتري خاصة ، سيما مع عدم سوق إطلاقه ، لتناول مثل الفرض الذي
ليس له في النصوص أثر بالخصوص ، وإنما سوغه الأصحاب لعموم دليل جواز الشرط وإلا
لشمل الإطلاق المزبور ما إذا كان الخيار للبائع معه أيضا ، مع أنه لا خلاف بينهم
على ما قيل : في كون تلف المبيع فيه من المشتري وأن الثمن من البائع كما هو مقتضى
القواعد ، بناء على الملك بالعقد ، بل لم يذكر احد منهم كون التلف فيه من البائع
فيه احتمالا ، مع أنه اولى بتناول الإطلاق المزبور ، فالوجه الاقتصار فيما خالف
الأصل على المتيقن من النص والفتوى.
نعم لا بأس بضم
الأجنبي في الصورة الأولى التي كون تلف المبيع فيها من المشتري على القواعد كما هو
واضح. وعلى كل حال فقد ظهر لك أن المراد في المتن وغيره بل
والنص بكون التلف
من البائع في الصورة الأخيرة ، انفساخ العقد ورجوع الثمن إلى المشتري نحو التلف
قبل القبض ، ويقابله ما فيها من كون التلف من المشتري في الصورة الأولى أي لا
ينفسخ العقد بذلك ، بل يكون التالف من مال المشتري نعم لا ينافي ذلك بقاء الخيار
للبائع فيها كما صرح به جماعة منهم الفاضل والكركي بل لا خلاف أجده فيه ، للأصل
وعدم ثبوت اشتراط بقاء الخيار ببقاء العين ، بل الثابت خلافه ، فله الفسخ حينئذ
والمطالبة بالمثل أو القيمة ، لأن يد المشتري يد ضمان بالثمن لا مجانا ، وكون
التلف بالآفة لا ينافي الاستحقاق بالفسخ الجديد المقتضى رجوع كل عوض بعينه أو بدله
الى صاحبه ، بل لو تلف الثمن بالآفة في يد البائع لم يسقط خياره ، فله الفسخ أيضا
مع رد المثل أو القيمة والمطالبة بالمبيع أو بدله كما هو واضح ؛ وإن تقدم في الغبن
ما عساه يتوهم منه المنافاة لذلك ؛ الا أن العمدة الإجماع هناك ظاهرا.
وقول الأصحاب ـ إن
تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له ، بعد تنزيله على خيار الشرط والحيوان ـ
لا ينافي شيئا مما ذكرناه ، والدليل عليه واضح ، إذ مع فرض أن الخيار للمشتري خاصة
كان تلفه من البائع ، للنصوص السابقة الدالة بصريحها على ذلك والمراد به كما صرح به في جامع
المقاصد انفساخ العقد به كالتلف قبل القبض ، لاتحادهما في لفظ الدليل المفهوم منه
ذلك بعد القول بالملك بالعقد ، فما عساه يظهر مما ستسمعه من الدروس ـ من الفرق
بينهما في ذلك ، فيبطل في التلف قبل القبض ، دون محل البحث ـ واضح الضعف ، ومع فرض
ان الخيار للبائع خاصة كان التلف من المشتري ، أي لا ينفسخ العقد كما هو مقتضي
القواعد ، لانه ملكه وقد تلف في يده الا أنه يبقى مع ذلك خيار البائع على حسب ما
ذكرناه.
ومن ذلك يظهر لك
خطاء بعض الأعلام الناشي من الوهم في المراد من قاعدة
__________________
« التلف في زمن
الخيار ممن لا خيار له » وأنها أعم من الثمن والمثمن ، وخيار الشرط والحيوان
وغيرهما ، قال : « ولو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهية بعد قبضه. وقبل انقضاء
خيار المشتري أو البائع ؛ فالتالف ممن لا خيار له بلا خلاف أجده ، لما مر في كل من
خياري الشرط والحيوان من المعتبرة المستفيضة وأخصيتها من المدعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة
، مع أن هذا الحكم غير محتاج إلى دلالة من كتاب أو إجماع أو سنة على حدة في بعض
صور المسألة ، وهو على المشهور ما إذا تلف المبيع بعد القبض والخيار للبائع
وبالعكس ، لكون المتلف مال من لا خيار له ، المنتقل اليه بمجرد العقد ، فيكون
الحكم في الصورتين موافقا للقاعدة ، مع تأيد أولهما بأخبار خيار الشرط ، وإنما المحتاج
إلى الدلالة ما إذا تلف المبيع بعده والخيار للمشتري وبالعكس لمخالفة الحكم فيهما
للقاعدة المتقدمة جدا ولا إشكال فيه أصلا بعد قيام النص والفتوى بإثباته فيهما ،
فيكون كل منهما بهما عن القاعدة مستثنى ».
وهو من غرائب
الكلام ضرورة كون النص والفتوى في خصوص المبيع دون الثمن ، بل ظاهر خبر معاوية بن
ميسرة من أخبار اشتراط الخيار برد الثمن ، أن تلف الثمن من البائع وأنه ملكه وإن
كان الخيار له. فمن العجيب دعوى أن النص والفتوى على كون الثمن من المشتري إذا كان
الخيار للبائع خاصة ؛ ومقتضاه الانفساخ كتلف المبيع إذا كان الخيار للمشتري خاصة
الذي قد عرفت أنه مدلول النص والفتاوى. وأغرب من ذلك كله إن أراد تعميم هذا الحكم
لسائر الخيارات في الثمن والمثمن ، هذا كله على المختار من الملك بالعقد.
أما على القول
الآخر فالصورة المخالفة عندنا للضوابط التي دلت عليها النصوص في الحيوان والشرط ،
موافقة للضوابط ، لعدم انتقال المبيع حينئذ إلى المشتري ، فتلفه
__________________
حينئذ من البائع
وإن كان الخيار للمشتري ، بل هو كذلك وإن كان الخيار للبائع ، ولم يعلم منهم أنه
على هذا التقدير من المشتري ، كي يحتاج إلى دليل خاص من إجماع أو غيره ، كما أنه
لم يعلم منهم كون تلف الثمن من البائع إذا كان الخيار للمشتري خاصة ليحتاجوا فيه
إلى الدليل الخاص ، إذ لعله عندهم من المشتري كما هو مقتضي قاعدتهم.
ومن العجيب ما وقع
في الرياض هنا من الخبط والخلط ، الناشي من توهم عموم قاعدة المزبورة ، مع انا لم
نجدها في شيء من كتب المتقدمين ولا الأساطين من المتأخرين ، بل هم بين مصرح في
خصوص خيار الحيوان والشرط للمشتري أن تلف المبيع من البائع ، كما هو مضمون النصوص
، وبين من زاد على ذلك بأنه من المشتري إذا كان الخيار للبائع ، كما هو مقتضى
القواعد بناء علي الملك بالعقد فلاحظ وتأمل لتعرف حقيقة الحال : وقد ظهر مما ذكرنا
أنه لا يسقط الخيار مطلقا بعد القبض في التلف بالآفة في غير الصورة المنصوصة بل
يفسخ ويرجع العين أو البدل كما أنه يرجع بذلك.
أما الإتلاف فإن
كان ممن له الخيار لما هو ملكه ، فهو مسقط لخياره خاصة دون خيار الآخر ، وإن كان
لغير ملكه المنتقل اليه ، فهو فسخ للعقد ويسقط خيار الأخر حينئذ بالانفساخ ، وإن
كان ممن ليس له الخيار ، فلا يسقط خيار من له الخيار مطلقا ، بل له الفسخ والرجوع
بالمثل أو القيمة ، وهل يتعين حقه في ذمة المتلف دون من كانت في يده العين ، أوله
الرجوع عليه ، أو يتعين وهو يرجع على المتلف وجوه ، أصحها الأول لأن فسخ العقد
يقتضي عود ملك العين أو بدلها ، فهي كما لو كانت العين في يد شخص آخر غير من انتقلت
إليه ، فإن الظاهر عدم تكليفه بتحصيلها منه مع الفسخ ، مع احتماله فتأمل جيدا.
ولا فرق في ذلك
بين سائر أقسام الخيار ، لكن في القواعد في باب المرابحة « أن في سقوط خيار
المشتري فيما لو أكذبه بالإخبار برأس المال مع التلف نظر » و
في جامع المقاصد «
وفي بقاء خيار الغبن بعد التلف تردد ، سواء كان التلف من البائع ، أم من أجنبي ،
أم بآفة ، الا أن يكون بالآفة قبل القبض ، فإنه من ضمان البائع ، وعلى إطلاق كثير
منهم ينبغي أن يكون بعد القبض كذلك ، لاختصاص الخيار بالمشتري ، فينفسخ العقد في
الموضعين ، الا أن التردد فيما سبق له في المرابحة ، ينافي الحكم بانفساخ العقد
لانه من المشتري أيضا ».
قلت : لا ريب في
ضعف التردد المزبور المبني على احتمال تعلق حق الخيار بالعين خاصة وهو واضح الضعف
، بل يمكن القطع بعدمه ، بملاحظة كلام معظم الأصحاب ، كما أنه لا ريب في عدم ارادة
خيار الغبن ونحوه من إطلاق الأكثر كون التلف في يد المشتري إذا كان الخيار له من
البائع ، لما عرفت من أنه لا دليل عليه وانما خاص بالشرط والحيوان ، فتأمل جيدا ؛
فإنه قد وقع خبط في المقام لجملة من الأعلام في عدة من الأمور ، والتحقيق ما عرفت
أنه لا انفساخ إلا في صورتين إحداهما التلف للمبيع قبل القبض ـ والأخرى بعد إذا
كان الخيار للمشتري في الحيوان والشرط خاصة ، ولا ينفسخ في غيرهما.
نعم يبقى الخيار
لصاحبه على حسب ما سمعته ، وقد يظهر من الدروس الخلاف في الصورة الثانية ، وأن
الحكم فيها بقاء الخيار كغيرها ، قال : « لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع
والخيار ، وبعده لا يبطل الخيار وإن كان التلف من البائع ، كما إذا اختص المشتري
بالخيار فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه ، ولو فسخ المشتري رجع
بالثمن وغرم البدل في صورة ضمانه ، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم
يؤثر في تضمين البائع المثل أو القيمة ، وفي انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره
نظر » وهو غريب.
وأغرب منه احتماله
أخيرا عدم الرجوع بالمثل أو القيمة لو أوجب العقد ولم يفسخه ، فيكون معنى كونه من
مال البائع عنده فيما لو فسخ خاصة فإنه يرجع بالثمن حينئذ ويذهب المبيع من البائع
، ولم أجد شيئا من ذلك لغيره ، وإن كان قد يؤيده استصحاب بقاء العقد ونحوه.
والتحقيق ما قلناه ، والله اعلم.
فرعان
الأول قال الشيخ في المحكي عن مبسوطة وخلافه وابنا زهرة وإدريس على
ما حكي عن الثاني منهما : أن خيار الشرط يثبت من حين التفرق لنحو ما سمعته في خيار
الحيوان وقيل من حين العقد وهو أشبه وأشهر بل هو المشهور ، لنحو ما سمعته هناك
أيضا وتزيد هنا ، أن البحث في المقام راجع الى قصد المشترط وما يظهر من عبارته ولا
ريب في انسياق الاتصال منها كما في غير المقام ، مما نذكر فيه أحد المتعاقدين مدة
، بل لا يبعد البطلان لو كان القصد من حين التفرق ، للجهالة نحو ما لو صرح به ، بل
ربما حكي عن الشيخ الاعتراف به ، كما أنه والحلي اعترفا في المحكي عنهما بالصحة مع
التصريح بالاتصال ، بل في التذكرة صح عندنا ، خلافا لبعض العامة ، وبه تسقط حججهم
القاضية بالامتناع ، إذ الممتنع لا ينقلب بالشرط الى الجواز.
بل قد يشكل تصور
أصل نزاعهم في المسألة ، لما عرفت من الصحة مع قصد الاتصال ، والبطلان مع قصد
التفرق ، اللهم إلا أن يفرض خلوه عن القصد الخاص ، ويكون الابتداء من حين التفرق
شرعيا حينئذ ، نحو ما قيل في خيار الحيوان ، لا أنه من قصد المتعاقدين وإن كان
المنع عليه مع هذا الفرض واضحا أيضا ، لعدم الدليل الصالح لإثبات ذلك ، بل ما
ذكروه من الأدلة ظاهر في عدم بناء المسألة على الفرض المزبور ، كما أنه ظاهر في
اقتضاء التأخير بعد الثلاثة في خيار الحيوان ، وهو بعيد من قصد المتعاقدين ، بل
صحيح ابن سنان السابق شاهد على خلافه ، بناء على ظهوره في دخول ما شرطه
من اليوم واليومين في الثلاثة وأظهر منه خبر عبد الرحمن بل منهما يعلم
بناء على ذلك فساد ما وقع من بعض الاعلام من أنه يشكل الحكم بالاتصال مع العلم
بالخيار وتساوى المدتين أو قصور مدة الشرط ، بل لعل الظاهر التأخر عملا بشاهد
الحال ، أما لو زاد الشرط احتمل
__________________
التأخر مطلقا
والاتصال كذلك ، والتفصيل بمقتضى العرف فيتأخر في مثل الأربعة والخمسة ، ويتصل في
نحو الشهر والسنة ولا بأس به ، وفيه منع اقتضاء العرف ذلك ثم قال : ولو أطلق
الخيار فالقول في الثلاثة كالمدة المشترطة والصحيح الشاهد بصحته ، يشهد باتصاله ،
قلت : كأنه أراد الصحيح المتقدم سابقا في البحث عما لو اشترط الخيار وأطلق ، ومنه يعلم حينئذ
زيادة تأييد لما قلناه من ظهور الاتصال ولو كانت المدة المشترطة مساوية للمدة
المضروبة من الشارع فتأمل جيدا والله أعلم.
الثاني لا اشكال
ولا خلاف في أنه إذا اشترى شيئين وشرط الخيار له أو لغيره في أحدهما على التعيين
صح فله الفسخ فيه حينئذ وليس للبائع ذلك بالتبعض الذي قد أقدم عليه وأنه إن أبهم
بطل للغرر ، كالإبهام فيمن له الخيار كما هو واضح والله اعلم.
ويلحق بذلك خيار
الرؤية إذ هو قسم من أقسام الخيار ولكن هو لا يثبت إلا في بيع الأعيان الشخصية من
غير مشاهدة رافعة للغرر والجهالة ، فإنه لا ريب في صحة البيع كذلك ، نصا وفتوى بل
الإجماع بقسميه عليه ، وما في مرسل عبد الأعلى عن أبي جعفر 7 « أنه كره شراء ما لم يره » لا بد من حمله ـ بعد إرادة
الحرمة من الكراهة فيه ـ على عدم الوصف مع ذلك أو على ما لا يمكن رفع جهالته به ،
كبعض الليالي أو غير ذلك ؛ ضرورة أن ما نحن فيه أولى بالصحة من السلم وإن كان
يفتقر ذلك حينئذ إلى ذكر الجنس ونريد به هنا النوع المصطلح كما في المسالك أى
اللفظ الدال على القدر الذي تشترك فيه افراد الحقيقة النوعية كالحنطة مثلا أو
الأرز أو الإبريسم لا الجنس المصطلح والى ذكر الوصف ، وهو اللفظ الفارق بين أفراد
ذلك الجنس كالصرافة في الحنطة أي خلوها من الخليط
__________________
والحدارة ، أو
الدقة مقابلة للحدارة ويجب أن يذكر كل وصف تثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه
وهو مختلف ولا يلزم الاستقصاء ، بل قيل إنه ربما يكون مخلا في بعض الأحوال ، والا
بطل إجماعا بقسميه ، للنواهى عن بيع الغرر والجهالة المقتضية للفساد كما هو معلوم في محله.
نعم لا يبعد جوازه
بعد الإناطة بالوصف ، وإن لم يوثق بوجوده ، لارتفاعه به على كل حال ، وجبر الخلاف
بالخيار ، وضبط ذلك بعضهم بما صح فيه السلم ، بل قيل ربما ادعى الإجماع على اشتراط
جميع شروط السلم ، وفيه أن الجهل في الموجود قد يرتفع عرفا بما لا يرتفع في
المعدوم ؛ وربما افضى فيه الى عزة الوجود ، فيبطل لذلك ، بخلاف ما نحن فيه المرتفع
عنه هذا المحذور بوجوده ، فالأولى الإناطة بما عرفت من أنه لا بد من ذكر كل وصف
تتفاوت الرغبة بثبوته ، وانتفائه ؛ وتتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهر الا يتسامح
بمثله ، ولو زاد على ذلك أمكن ثبوت الخيار بفقده أيضا وإن كان لا يتوقف صحة البيع
عليه.
وعلى كل حال فـ ( يبطل
العقد مع الإخلال بذينك أو أحدهما ) أي الجنس والوصف ما لم تكن رؤية قديمة يستغنى
بها عن الذكر ، وإن كان حكم الخيار ثابتا أيضا مع البيع على تلك الرؤية ، فاتفق
أنه قد تغير بزيادة أو نقصان أو بهما من جهتين ولا ريب في أنه يصح مع ذكرهما ،
سواء كان البائع رآه دون المشتري ، أو بالعكس ، أو لم يرياه جميعا ، بأن وصفه لهما
ثالث لكن قد يتوقف في البطلان مع رؤية المشتري له ، وجهل البائع به ، للأصل بعد
تنزيل أدلة الغرر على ما لا تشمل ذلك ، فان لم يقم إجماع عليه ، فللنظر فيه مجال ،
وإن كان الأصح البطلان ، لعموم ما دل على اعتبار المعلومية في البائع والمشتري وعلى كل حال فلا
إشكال في أنه يثبت له الخيار أيضا مع ذكر الوصف ، وإناطة البيع به.
__________________
وكيف كان فان كان
المبيع على ما ذكر ، فالبيع لازم كتابا وسنة وإجماعا بقسميه والا كان المشتري خاصة
بالخيار بين فسخ البيع وبين التزامه إذا كان ناقصا عن الوصف ، إن اختص البائع
بالرؤية دونه وبالعكس ؛ ان كان المشتري رآه دون البائع كان الخيار للبائع دونه مع
الزيادة في الوصف إذا فرض ملاحظة عدمها والا فلا خيار للأصل وإن لم يكونا رأياه
كان الخيار لكل واحد منهما إذا كان ناقصا من جهة زائدا من اخرى ؛ كما لو وصف بهما
الثوب بأن طوله عشرون ذراعا وعرضه ذراع فظهر خمسة عشر طولا ، في عرض ذراع ونصف
مثلا ، أو العبد بأنه كاتب خاصة فظهر خياطا خاصة ، بلا خلاف في المشتري ، كما في
الرياض ومحكي مجمع البرهان ، بل في الحدائق أنه موضع وفاق فيهما ، وفي شرح شيخنا
المعتبر ، الإجماع بقسميه عليهما لكن قد يناقش في ذلك أولا بأنه قد يظهر من إطلاق
جماعة كالمصنف وغيره ، تخير المشتري حتى مع الزيادة ، بل قيل أنه كصريح إيضاح
النافع ، وان كان هو في غاية الضعف لعدم ما يصلح حينئذ لقطع ما دل علي اللزوم من
الكتاب والسنة ، إلا ما عساه يتوهم من إطلاق الخبر الآتي الذي يقطع بعدم
ارادة مثل ذلك منه ، وكذا الكلام في العكس ، ونحو ذلك الوصف بغير المقصود الذي لم
يرد منه القيدية ، فظهر الخلاف ، كالبسط في الشعر ، فبانت الجعودة أو الجهل فبانت
المعرفة فيتخير البائع دون المشتري ، مع فرض إرادة القيدية من ذلك ، لا ما يتعارف
من ارادة البراءة من الالتزام بها.
وثانيا بما في
المقنعة والنهاية من البطلان مع ظهور خلاف الوصف ، لا الخيار كالمحكي عن المراسم
في خصوص الأعدال المحزومة وعن الأردبيلي التأمل فيه ، وان كان هو ضعيفا كالأول
أيضا ضرورة ابتنائه على عدم الفرق بين وصف المعين والوصف المعين وبين الذاتي
والعرضي.
وأضعف منه ما عن
ابن إدريس من تخيير المشتري بين الرد والأخذ بالأرش ، لعدم
__________________
الدليل عليه فيما
لم يعد فقده عيبا ، فتعين كون التحقيق الخيار لحديث نفى الضرار وللصحيح « عن رجل
اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلما أن نقد المال وصار الى الضيعة فقلبها
ثم رجع فاستقال صاحبه ، فلم يقله فقال 7 : لو أنه قلب منها أو نظر الى تسعة وتسعين قطعة ، ثم بقي
قطعة ولم يرها ، لكان له في ذلك خيار الرؤية.
ومنه يعلم الوجه
فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من انه لو اشترى ضيعة رأى بعضها ووصف له سائرها أي
ما فيها ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف إذا الظاهر ارادة المجموع
من اسم الإشارة في الصحيح لا خصوص من لم يرها الذي يحصل التضرر فيه ، بتبعض الصفقة
على البائع ، مع احتماله وانجباره بثبوت الخيار له بذلك ، لكن عن بعضهم الإجماع
علي الأول ولا بأس به ، بل لا ينافيه لو جعل اسم الإشارة لخصوص غير المرئي إذ
أقصاه ثبوت الخيار فيه الذي هو أعم من الاقتصار على فسخه خاصة. فتأمل
وفي فورية هذا
الخيار وتراخيه وجهان ، بل قولان أشهرهما الأول ، بل ربما أسند إلى ظاهر الأصحاب ،
للأصل ، ولزوم الضرر لولاه ، والاستصحاب لا يحكم علي العموم الزماني ، المستفاد من
لزوم العقد ، إلا أنك قد عرفت المناقشة في جميع ذلك ، مما مر من نظير المسألة ،
على أن إطلاق النص في المقام كاف. اللهم الا أن ينكر ظهوره في إرادة الإطلاق
المفيد في المقام ، والضرر مندفع بأنه يلزم بالاختيار حينئذ معه ، على الفورية لو
أخر لعذر ، من حصول مانع أو نسيان للعقد أو للصفقة السابقة ، أو عدم ظهور اللاحقة
، أو زعم صدور الفسخ منه ، أو جهل بحكم الخيار ؛ ففي شرح الأستاد بقي خياره قال : «
وجهل حكم الفورية ليس بعذر » وفيه ـ بعد الإغضاء عن وجه الفرق بين حكم الخيار
والفورية ـ أنه قد يشكل عدم السقوط في بعض ما ذكره أو جميعه بناء على التوقيت في
الفورية كما هو الظاهر من القائل بها هنا ، وإن قال : بغيره في نحو الأوامر ،
لوضوح الفرق بين المقامين فتأمل جيدا.
__________________
ولا ريب في صحة
إسقاط هذا الخيار بعد تحققه كما في غيره من الحقوق ، بل وبعد العقد قبل التحقق ،
خلافا للمحكي عن التذكرة وغيرها للاكتفاء في صحة الإسقاط بوجود السبب ، فإنه حق
أيضا يسقط بالإسقاط ، وقد يقال : بأنه إن صادف المخالفة في الواقع أثر ، لعدم
اعتبار العلم بذلك قطعا ، والا كان العقد لازما بدونه. ودعوى ـ أن الحق لا يثبت
الا بظهور المخالفة لا بوجودها في نفس الأمر ـ يمكن منعها ، كما سمعت نحوه في خيار
الغبن ، وحينئذ فلا ريب في صحة اشتراط سقوطه بالعقد كخيار المجلس ، ونحوه ، بل لا
يبعد ذلك وإن قلنا بعدم ثبوته الا بعد ظهور المخالفة ، خلافا لجماعة منهم الكركي
فإنه ـ بعد ان استظهر الصحة في غيره حتى الغبن والتأخير ـ قال : « فان شرط رفعه
بطل الشرط والعقد ، للزوم الغرر ، لأن الوصف قام مقام الرؤية ، فإذا شرط عدم
الاعتداد به ، كان غير مرئي ولا موصوف » واليه يرجع ما في الدروس من التعليل
بالغرر ، لكن قال : « وكذا خيار الغبن ثم احتمل الفرق بينهما » قلت : يمكن منع عدم
صدق التوصيف معه ؛ وليس لثبوت الخيار مدخل في رفع الغرر ، وإنما الذي رفعه نفس
الوصف ، ضرورة عدم كون المدار على مطابقة الواقع ، إذ قد تخطى المشاهدة بل المدار
على صدق الاقدام على معلوم غير مجهول.
نعم قد يقال :
بعدم صحة اشتراط الاسقاط فيما لو اشترى مثلا مع عدم الاطمئنان بالوصف ، فإن ثبوت
الخيار فيه له دخل في رفع الغرر الذي هو الخطر ، مع ان الأقوى الصحة فيه أيضا ،
لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول ، ولو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في
الصحة ثبوت الخيار ، وإلا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار ، وهو معلوم
العدم ، وإقدامه على الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف
إدخال للغرر عليه من قبله ، ولا يسقط الخيار بالإبدال قطعا ولا ببذل التفاوت ولو
شرط الأول في العقد إن ظهر الخلاف فسد كما في الدروس للجهالة والغرر ، والظاهر أن
شرط الثاني كذلك ، وسقوطه بالتصرف قبل العلم به نحو ما سمعته في الغبن وبعده يسقط
إن دل على الرضا ، والا فلا ، حتى في الناقل والمتلف منه ، الأعلى
احتمال ذكرناه في
خيار الغبن.
ولو اشتري ما على
صفة نساج على أن ينسج الباقي مثله بطل في الأشهر ، ويمكن الصحة وفاقا للمختلف ،
للأصل وعدم ثبوت بطلان البيع المتحد المتعلق بشخصي وكلي في الذمة ، بعد فرض ضبطه
بالوصف ، ودعوى عدم الضبط بذلك ممنوعة ، على أن الفرض حصول الضبط ، وثبوت خيار
الرؤية في غير المنسوج دون ما شاهده بعد التسليم غير مانع ؛ على أن الظاهر منع
الخيار من هذه الجهة وإن قلنا بثبوته بناء على الصحة من حيث فوات الشرط ، والظاهر
أن ذا ليس من الكلي الذي يجب فيه الابدال.
نعم يمكن القول
ببطلان البيع فيه ، وثبوت الشركة في القيمة بالنسبة ، كما أنه يمكن القول بالخيار
للتبعض ، أو لأن ذلك من الشرط أو الوصف في المرئي أيضا.
وكيف كان فلا يقصر
ذلك عن بيع ما في البيت الذي قد رأى أنموذجا منه مع إدخال الأنموذج معه في البيع ،
بل قد يقال بالصحة فيه وإن لم يدخله معه ، لأنه لا يقصر عن الوصف في رفع الجهالة ،
خلافا لأول الشهيدين وثاني المحققين ، واستشكل فيه الفاضل في القواعد ، والظاهر
ثبوت خيار الرؤية في غير البيع مما يعتبر فيه المشاهدة أو الوصف كالإجارة ونحوها ،
لأن العمدة فيه حديث الضرار ، بل يمكن القول بثبوته فيما لا يعتبر فيه ذلك كالصلح
تنزيلا للخيار في خلاف الوصف في المعين منزلة الإبدال في الوصف المعين فتأمل جيدا
والله اعلم
( الفصل
الرابع في أحكام العقود )
والنظر في أمور
ستة الأول في النقد اي
الحال باعتبار كونه منقودا ولو بالقوة ويقابله النسيئة التي هي اسم مصدر بمعنى
التأخير ، يقال : أنسأت الشيء إنساء ،
وينقسم البيع
باعتبار وجودهما في كل من الثمن والمثمن ، والتفريق ، إلى أربعة أقسام ، فالأول
النقد ؛ والثاني الكالي بالكالي ، اسم فاعل أو مفعول من المراقبة ، لمراقبة كل من
الغريمين صاحبه لأجل دينه ، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن ، النسيئة ، وبالعكس ،
السلف ، وكلها صحيحة ، عدا الثاني ، فقد ورد النهي عنه بلفظ « بيع الدين بالدين » وانعقد الإجماع بقسميه على فساده كما ستعرفه أنشأ الله
تعالي في محله.
وكيف كان فـ ( من
ابتاع شيئا مطلقا ) من دون تقييد بالتأجيل للثمن وخلافه أو اشترط عليه التعجيل منه
كان الثمن حالا وكذا المثمن ، أما الإطلاق فللانصراف عرفا وقال الصادق 7 في الموثق « في رجل اشترى
جارية بثمن مسمى ثم افترقا : وجب البيع والثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد » ومنه
يعلم حينئذ ما ذكره بعضهم وغيره من أن اشتراط التعجيل مؤكد ، بل في الروضة أنه
المشهور ، وفي الدروس « وأفاد التسلط على الفسخ إذا عين زمان النقد فأخل المشتري
به مثلا » واحتمل في المسالك قويا ذلك مع الإطلاق أيضا ، وفي الروضة « لو قيل
بثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا لو أخل به عن أول وقته كان حسنا ».
قلت : قد يمنع
أولا التأكيد بناء على أن الإطلاق يفيد استحقاق المطالبة في كل وقت ، كما هو مقتضى
الحلول في كل دين ، أما وجوب الدفع فعلى المطالبة فعلا ؛ وحينئذ فاشتراط التعجيل
يفيد وجوب الدفع بدونها ، فهو أمر غير ما يقتضيه العقد ، اللهم الا ان يمنع ذلك
ويقال : باقتضاء العقد التقابض من دون مطالبة كما تعرفه إنشاء الله في النظر
الثالث. وثانيا قد يناقش في صحة الشرط باعتبار تعدد افراد التعجيل واختلافها ، فلا
يصح مع الشرط عدم التعيين للجهالة ، وعلى تقدير الصحة ، فدعوى التسلط على الخيار
بالإخلال به في أول وقته يمكن منعها ، لعدم صدق الإخلال بالشرط حتى تنتفي سائر
الأفراد ، نحو التكليف بالمطلق.
__________________
وثالثا لا بد من
تقييد الخيار بعدم إمكان الإجبار كما في المسالك « وإلا أجبر على الوفاء به » وقد
يحتمل الإطلاق كما ستسمع البحث في ذلك وفي أصل ثبوت الخيار في الشرط في محله نعم
لو قال : إن لم تعجله في كذا فلي الخيار صح ، كما في القواعد لما عرفته من اشتراطه
برد الثمن ، بل في التحرير في أحكام الخيار « إذا قال بعتك على أن تنقدني الثمن
بعد شهر والا فلا بيع بيننا صح البيع » وفي القواعد « وفي صحة البيع نظر فان قلنا
به بطل الشرط على اشكال ».
وفي جامع المقاصد
كما عن الإيضاح « الأصح بطلان الشرط والعقد ، للتعليق على المجهول ، وامتناع
اقتضاء صحة الشيء بطلانه ، فهو شرط مناف لمقتضى صحة العقد لأنه يقتضي ارتفاعه بعد
وقوعه ، وفرق واضح بينه وبين الخيار ، لا مكان انفكاك اللزوم عن الصحة ويمتنع
انفكاك الصحة عن نفسها ، ويمكن الصحة للعموم ، ولأنه يجري مجرى الخيار ، لان دفع
المشتري الثمن وعدمه من أفعال المشتري الاختيارية ، فهو تخيير له في فعل الممضى
والفاسخ » لكنه كما ترى وحينئذ لا ينبغي الإشكال في بطلان الشرط ضرورة عدم صحته مع
فساد العقد ، كما أنه لا إشكال في فساد العقد مع بطلان الشرط ، بناء على أن بطلانه
يقتضي بطلان العقد والله اعلم.
وأما ان اشترط
التأجيل للثمن جميعه أو بعضه ولو نجوما متعددة صح إجماعا بقسميه ونصوصا عموما
وخصوصا في البعض وهو المسمى بالنسيئة ، من غير فرق بين طول المدة
وقصرها ، خلافا للإسكافي فمنع فيما حكى عنه أكثر من ثلاث سنين في السلف وغيره ،
وهو مع مخالفته للأدلة لا شاهد له ، نعم
قال أحمد بن محمد لأبي الحسن 7 « إنى أريد الخروج إلى بعض الجبال إلى أن قال : إنا إذا
بعناهم نسيئة كان أكثر للربح فقال : بعهم بتأخير سنة ، فقلت : بتأخير سنتين؟ قال :
نعم قلت ؛ ثلاث؟ قال : لا » وهو غير ما سمعته منه ، اللهم إلا أن يريد ثلاث فصاعدا
كما عساه يومي إليه المروي عن قرب الاسناد عن أحمد أيضا قال لأبي الحسن
الرضا 7 « إن هذا الجبل قد فتح
__________________
على الناس منه باب
رزق فقال : إذا أردت الخروج فاخرج ، فإنها سنة مضطربة ، وليس للناس بد من معاشهم ،
فلا تدع الطلب ، قلت : إنهم قوم ملاء ، ونحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة
قال : بعهم قلت : سنتين ، قال : بعهم قلت : ثلاث؟ قال : لا يكون لك شيء أكثر من
ثلاث سنين » بناء على إرادة المنع من بيعه ثلاثا بذلك ، إلا أنهما كما ترى مع
قصورهما عن المعارضة من وجوه ، يمكن حملهما ـ بل لعله الظاهر ـ على إرادة الإرشاد
بذلك ، وبذل النصيحة ، لا النهي المترتب عليه الإثم أو الفساد كما هو واضح.
فلا ريب في الجواز
حينئذ ، بل لا يبعد جواز ذكر المدة التي يعلم المتعاقدان ، عدم إدراكها عادة ،
كالتأخير إلى ألف سنة مثلا ، وإن نظر فيه في الدروس أولا ، ثم استقرب الجواز بعده
، لوجود المقتضى ، وارتفاع المانع ، والحلول بموت من عليه الدين غير مانع ، إذ هو
بعد أن كان حكما شرعيا لا يورث جهالة ، بخلاف ما لو جعل الأجل إلى أن يموت وعدم
انتفاع صاحب الدين به مدفوع بقيام الوارث مقامه ، بل الظاهر عدم تسلط الوارث للمشترى
بذلك على الخيار ، وإن احتمله في المسالك تبعا للتذكرة ، لأصالة اللزوم مع عدم
التقصير من البائع في فوات الأجل الذي له قسط من الثمن ، فهو كفوات المدة المحتملة
بالموت ، وإن كان قد يقال : بجريان الاحتمال فيه ، إلا أنه ضعيف جدا.
نعم قد يقال في
محل البحث : إنه إن لم يتسلط بذلك على الخيار ، أو ينقص من الثمن بنسبة ما فات من
الأجل ، كان اشتراطه ممن عليه الدين لا فائدة به ، بل هو كالسفه ، إذ الفرض حلوله
بالموت فتأمل جيدا.
وكيف كان فـ ( لا
بد أن يكون مدة الأجل ) المضروبة للثمن. أو المثمن ، أو لهما معينة لا يتطرق إليها
احتمال الزيادة والنقيصة بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الإجماع عليه وأن المسامحات
العرفية في بعض الافراد لا عبرة بها ، فـ ( لو اشترط التأجيل ) حينئذ ولم يعين
أجلا أو عين أجلا مجهولا كقدوم الحاج ونحوه مما هو محتمل للزيادة والنقيصة كان
البيع باطلا قطعا ، بل ربما أدى ذلك إلى الجهالة في
الثمن ، لأن الأجل
له قسط منه ، بل يظهر ـ من الدروس وغيرها ـ اعتبار معرفة المتعاقدين تعيين المدة ،
فلو أجل بالنيروز ـ والمهر جان الذي هو عيد الفرس ، والفضيح عيد النصارى ، والفطير
عيد اليهود ؛ بناء على أنه يوم معين مضبوط عندهم ولم يعلمه المتعاقدان أو أحدهما
لم يصح أيضا ، للجهالة أيضا ، وقد يناقش فيه باحتمال الاكتفاء فيه بانضباطه في
نفسه كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق ، فله شراء وزنة مثلا بعيار بلد مخصوص ،
وإن لم يعرف مقدارها ، الا أن للنظر فيه مجالا ، وربما ظهر من التذكرة الاكتفاء
به.
ولو أجل بالمشترك
بين أمرين ـ أو أمور كالنفر من مني ، أو ربيع أو جمادى ـ بطل كما نص عليه غير واحد
، للجهالة ، لكن في اللمعة « قيل : يصح » ويحمل على الأول ، ولم نظفر بقائله ،
وعلله في الروضة ـ بعد أن ساوى في الحكم بينه ، وبين التأجيل بيوم من الأسبوع ـ بأنه
علقه على اسم معين ، وهو يتحقق بالأول ، قال : « لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد
، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط ، فلا يكفى ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به ،
ومع القصد لا إشكال في الصحة ، وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه ، ويحتمل الاكتفاء
في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك ، قصداه أم لا ، نظر إلى كون الأجل الذي عيناه
مضبوطا في نفسه شرعا ، وإطلاق اللفظ منزل على الحقيقة الشرعية » وفيه أولا انه من
الواضح عدم حمل اللفظ من غير الشارع واتباعه في الاستعمال على الحقيقة الشرعية ،
وتخصيص محل البحث بما إذا قصد المتعاملان ما يراد من الإطلاق عند الشارع ـ بعد فرض
علمهما انه منصرف عنده الى زمان معين وعدمه ـ موقوف على الاكتفاء بمثل ذلك ،
والظاهر عدمه ، لوضوح الجهالة فيه.
وثانيا انه لا
حقيقة شرعية في المقام ، ضرورة أن الشارع هنا لو حكم بالانصراف إلى أولهما ، فليس
الا لاقتضاء العرف فيه ذلك ، وحينئذ فمع الانصراف عرفا متجه ، كما اعترف به في
التذكرة نعم قال فيها : « لو قال إلى الجمعة حمل على الأقرب
في الجمع وكذا في
غيره من الأيام ، قضية للعرف المتداول بين الناس ، بخلاف جمادى وربيع » ولعله كذلك
اما المكسر من أيام الأسبوع فقد يمنع فهم العرف منه الأول ، بخلاف المتواطى من
أسماء الشهور كرجب وشعبان ، فإنه لا ريب في فهم شهر سنة العقد منه ، فجعل المعيار
العرف هو المتجه والله اعلم ولو باع بثمن حال ، وبأزيد منه الى أجل بأن قال : بعتك
هذا بدرهم نقدا وبدرهمين الى شهرين قيل والقائل الشيخ في المبسوط والحلي في
السرائر يبطل وتبعهما الفخر وأبو العباس ، والمقداد والآبي ، والفاضل ، والشهيدان
في اللمعة والروضة وجماعة من متأخري المتأخرين ، للغرر والإبهام الناشي من الترديد
، القاضي بعدم وقوع الملك حال العقد على أحدهما بالخصوص ، وهو مناف لمقتضى سببية
العقد وإنشائيته وللنهى « عن البيعين في بيع واحد » المفسر بذلك أو
بما يشمله.
وذيل خبر محمد بن
قيس الآتي ولكن المروي
عن علي 7 ، بطريق حسن ، بإبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن قيس الثقة ،
بقرينة عاصم بن حميد ، عن ابى جعفر 7 ـ انه يكون للبائع
أقل الثمنين في أبعد الأجلين قال : « قال أمير المؤمنين 7 : من باع سلعته فقال : إن ثمنها كذا وكذا ، يدا بيد وثمنها
كذا وكذا نظرة ، فخذها بأي ثمن شئت ، وجعل صفقتها واحدة ، فليس له الا أقلهما وإن
كانت نظرة » وزاد في الكافي « قال : وقال 7 : من ساوم بثمنين أحدهما عاجل والآخر نظرة فليسم أحدهما
قبل الصفقة » والمناقشة بأن غايتها الدلالة على وقوع الإيجاب بها خاصة ـ وبأن الذي
فهما الجماعة كما ستعرف ، ترتب الحكم المذكور فيها على فساد المعاملة ، وبمنافاة
الزيادة المزبورة لها ، بناء على أن الظاهر منها عدم جواز الترديد ، بل لا بد من
تعيين أحدهما قبل العقد وإيقاعه عليه ، لا تعيين مقدار الثمنين ، اى الثمن والأجل
ـ مدفوعة بظهورها في إرادة
__________________
تمام البيع ، لا
إيجابه خاصة ، ومنع ترتب الحكم فيها على الفساد كما ستعرف ، وعدم انحصار الجمع بين
الصدر والزيادة بذلك ، على أنه لم يعلم كونها رواية واحدة.
وفي خبر السكوني عن جعفر عن أبيه
عن آبائه : « أن عليا 7 قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين بالنقد كذا وبالنسيئة كذا
فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال : هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين » يقول : ليس له
الا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة وظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما في
الجملة ، ففي المقنعة « لا يجوز البيع بأجلين على التخيير ، كقولهم المتاع بدرهم
نقدا ، وبدرهمين الى شهر أو سنة أو بدرهم الى شهر وباثنين الى شهرين ، فان ابتاع
إنسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين » وفي المحكي عن
ناصريات المرتضى المكروه ان يبيع الشيء بثمنين ، بقليل إن كان الثمن نقدا وبأكثر
منه نسيئة وعن الإسكافي روى عن النبي 6 أنه قال : « لا تحل صفقتان في واحدة » وذلك أن تقول : إن
كان بالنقد فبكذا وإن كان بالنسيئة فبكذا وكذا ، ولو عقد البائع للمشتري كذلك وجعل
الخيار اليه ، لم اختر للمشترى أن يقوم على ذلك ، فان فعل واستهلكت السلعة لم يكن
للبائع إلا أقل الثمنين ، لإجازته البيع به ، وكان للمشترى الخيار في تأخير الثمن
الأقل إلى المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفر من غير زيادة على الثمن الأقل.
وفي النهاية « فإن
ذكر المتاع بأجلين ، ونقدين مختلفين ، بأن يقول ثمن هذا المتاع كذا عاجلا ؛ وكذا
أجلا ، ثم امضى البيع كان له أقل الثمنين وأبعد الأجلين » وعن القاضي من باع شيئا
بأجلين على التخيير مثل أن يقول بعتك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا ؛ أو بدينارين أو
درهمين الى شهر ، أو شهور ، أو سنة ، أو سنتين ، كان البيع باطلا ، فإن أمضى
البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين.
وفي موضع من
الغنية « وللجهالة بالثمن والأجل أيضا نهي عن بيعتين في بيعة
__________________
نحو أن يقول بعتك
كذا بدينار الى شهر ، وبدينارين إلى ثلاثة أشهر ؛ فيقول المشتري قد قبلت به » وفي
آخر « وقد قدمنا أن تعلق البيع بأجلين وثمنين كقوله بعت إلى مدة كذا بكذا ، وإلى
ما زاد عليها بكذا يفسده ، فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد
الأجلين ، بدليل إجماع الطائفة »
وعن صاحب البشري
أنه قال : « لو عملنا برواية السكوني كان قريبا » وعن الراوندي « أن على المشتري
الثمن الأقل في الأجل الأول ، لأنه رضي بالأقل في الزمن الأقل ؛ فإن لم يؤد
المشتري فليس له في ذمته إلا الأقل سواء أداه عاجلا ، أو آجلا » وكأنه يرجع الى ما
تسمعه من المختلف ، أو ما في الدروس فإنه بعد ان ذكر الخلاف في الصورتين قال : «
والأقرب الصحة ولزوم الأقل ، ويكون التأخير جائزا من جهة المشتري ، لازما من طرف
البائع لرضائه بالأقل ، فالزيادة ربا ، ولأجلها ورد النهي وهو غير مانع من صحة
البيع ».
وكأنه أخذه مما
احتمله الفاضل في المختلف جوابا عما يقال : من أن وجوب الأقل إلى الأبعد ليس تجارة
عن تراض ، قال : « ويمكن ان يقال : أنه رضى بالأقل فليس له الأكثر في البعيد ،
وإلا لزم الربا ، إذ تبقى الزيادة في مقابلة تأخير الثمن لا غير ، فان صبر الى
البعيد لم يجب له أكثر من الأقل » لكنه لا إلزام فيه للبائع بالأجل البعيد ، كما
سمعته من الدروس الذي هو واضح الضعف ، إذ الأجل قد وقع في مقابلة الزيادة الفاسدة
فلا يلتزم به البائع ، فلا ريب في أن ما ذكره في المختلف أولى منه ، بل يمكن تنزيل
الخبرين المزبورين حتى الثاني منهما عليه بمعنى كان على المشتري في آخر الأجلين
أقل الثمنين ، لا أن له إلزام البائع بذلك ، ضرورة كون الثمن فيه الأقل بلا أجل
على هذا التقدير ، وأن الزيادة في مقابلة التأخير إلى المدة قد وقعت على نحو
الشرطية ، فتختص حينئذ هي مع الأجل بالنهي والفساد ، كما ذهب إليه أبو حنيفة في
أصل بيع الربا ، وإن كان هو واضح الضعف ، مع عدم تشخيص الثمن أما معه ، فان لم
يذكر شرطا في العقد ، فلا ريب في الصحة
وإن ذكر فيه كما
هو في محل البحث أمكن القول هنا باختصاص الفساد بالشرط دون العقد ، لهذه النصوص
وإن قلنا بفسادهما معا في غيره ، وتقل مخالفتهما حينئذ للقواعد ، وربما احتمل
تنزيلهما على ما لا ريب في صحته من ذكر الزيادة بعد العقد ، إلا أنه بعيد عن ظاهر
الخبرين.
فما ذكرناه أولى
حينئذ ، بل يمكن حمل عبارة المقنعة وما ضاهاها عليه ، بل وعبارة النهاية ، وبه
يجمع بين هذين الخبرين ، وبين ما دل على النهي عن البيعين في بيع ، كموثق عمار عن الصادق 7 في حديث « أن
رسول الله 6 بعث رجلا إلى أهل مكة ، وأمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع » وقال هو أيضا في خبر سليمان بن صالح « نهى رسول الله 6 عن سلف وبيع ،
وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك » الحديث. وفي خبر الحسين بن زيد عن الصادق عن
آبائه : في مناهي النبي 6 قال : « ونهى عن بيعين في بيع » بناء على أن المراد منه
ذلك ؛ أو ما يشمله ، بحمل النهي علي حرمة الشرط وقبوله ، لا على ما يقتضي فساد
العقد بل قد يؤيد ذلك أنه مقتضى الجمع بين ذيل خبر محمد بن قيس الذي زاده في
الكافي ، وصدره
وأما طرح الخبرين
ـ مع اعتبار سند الأول منهما لانه حسن كالصحيح ، بل هو صحيح بناء على المختار من
الظنون الاجتهادية ، والعمل بهما معا ممن عرفت ، ـ فغير لائق بصناعة الفقه ، خصوصا
مع قلة مخالفتهما للقواعد على ما سمعت ، بل لعلهما لا يخالفان شيئا ، علي القول
بعدم فساد العقد بفساد الشرط فتأمل. ويحتمل الجمع بالخرمة مع الصحة كما أومى إليه
الحر ، في وسائله ، وربما تقبله عبارة المقنعة ، وما شابهها ، وإن كان فيه ما فيه
؛ إلا أنه أولى مما في الرياض قطعا ، فإنه بعد أن جزم بالفساد ـ واقتصر على خبر
السكوني وأورد عليه بوجوه ، منها ضعف السند ، وعدم المكافاة ،
__________________
وشذوذ القائل به
وهو الطوسي في نهايته ، مع رجوعه عنها في مبسوطة ـ قال : « ثم على المختار هل لهذا
البيع حكم البيع الفاسد ، فيرجع مع تلف المبيع الى المثل أو القيمة ، أم لا؟ بل
يرجع البائع معه الى ما في هذه الرواية ، من أقل الثمنين. إلى أبعد الأجلين ،
قولان ، أشهرهما بين المتأخرين ، الأول عملا بالأصل في البيع الفاسد ، وبين
المتقدمين ، المتقدم ذكر جمع منهم كالمفيد والمرتضى والإسكافي والقاضي وابن زهرة
في الغنية ، مدعيا عليه الإجماع ، الثاني ، ولعله لصحيح محمد بن قيس ، ولا بأس به
لاعتضاد صحة سنده بمصير كثير من القدماء الى العمل به ».
إذ هو كما ترى من
غرائب الكلام ، بل لم نعرف أحدا ممن تقدم عليه عنون هذا الخلاف ، كما أنه ليس في
شيء من الخبرين الإشارة إلى تخصيص الحكم بتلف السلعة مع أن مخالفتهما للقواعد أشد
حينئذ مما فر منه ، ومن العجيب نقله عن الجماعة ما عرفت ، مع أنه ليس في كلام احد
منهم ، عدا الإسكافي الإيماء إلى تخصيص الحكم بالتلف ، بل لعل ظاهر قول الإسكافي ،
لم اختر الصحة على التقديرين ، وأنه يكره للمشتري القيام على هذا البيع نحو ما
سمعته عن المرتضى ، بناء على ارادة المعنى المصطلح من الكراهة في كلامه.
وكيف كان فمن ذلك كله
ظهر لك ضعف ما استدل به للبطلان ، بناء على تنزيل القول بالصحة على ما عرفت ، إذ
لا غرر فيه ولا جهالة بعد تعيين ثمنه ، وأن الزيادة وقعت في مقابلة التأخير ، على
جهة الشرطية ، فتفسد ، بل عن الأردبيلي إنكار اندراج مثل ذلك في الغرر والجهالة ،
المنفيين بالشرع ، على تقدير كونهما ثمنين ، فضلا عن الثمن والشرط ، قال : « لان
الاختيار اليه ، وعلى كل من التقديرين ، فالثمن معلوم.
وربما يؤيده الحكم
بالصحة من غير واحد ، فيما لو قال للخياط ، خط هذا الثوب اليوم أو فارسيا بدرهم ،
وبأقل منه أو أكثر إن خطته في غد أو روميا ، مع اشتراك الإجارة والبيع في اعتبار
عدم الغرر والجهالة ، لكن قد يمنع الصحة فيها أيضا أو يلتزم تصحيح ذلك على أنه
جعالة ، لا اجارة لعدم اعتبار المعلومية فيها أو يفرق بين الإجارة والبيع ، بأن
العمل الذي
يستحق به الأجرة ،
لا يمكن وقوعه الا على احد الصفتين ، فتعين الأجرة المسماة عوضا له ، فلا يقتضي
التنازع بخلاف البيع. إلا أن الجميع كما ترى.
نعم قد يقال انه
وإن كان لا جهالة في صفة الثمن ، ولكنها متحققة في أصل الثمنية ، بمعنى أنه لم
يعلم بعد قبول المشتري ذلك ما صار ثمنا للجميع ، وهو مناف لسببية العقد أيضا ، لا
أقل من الشك في تأثيره على هذا الحال ، ودعوى تعيينه حينئذ باختيار المشتري ينافي
إنشائية العقد ، وسببيته المقتضية ترتب الأثر عليه بالفراغ منه ، ودعوى الكشف
حينئذ ـ مع أنه لا شاهد عليها ـ لا تجدي في رفع الجهالة حين العقد ، ولا فرق في
ذلك بين البيع والإجارة وغيرهما من عقود المعاوضة ؛ ومن ذلك يظهر أن محل النزاع
فيما لو قبله المشتري على تخيير البائع آت كما هو ظاهر الإيجاب ، وظاهر قوله خذه
بأيهما شئت في صحيح محمد بن قيس فحينئذ على القول بالصحة ، إن اختار ألزم باختياره ، ولو
قبله على الترديد ولم يعين كان عليه أقل الثمنين في أبعد الأجلين للخبرين ،
واحتمال أن ذلك عليه ـ وإن اختار عملا بإطلاقهما ـ ممكن لانه بتمام العقد صار حكمه
شرعا ذلك ، فلا أثر لاختياره حينئذ ، بل ولا للبائع مطالبته بالاختيار ، ومنه يعلم
شدة مخالفة الخبرين للقواعد ، على هذا التقدير.
أما لو قال : قبلته
نقدا أو نسيئة فخارج عن محل النزاع ، ويحتمل فيه الصحة ، لوجود المقتضى من
الإطلاقات وغيرها ، وارتفاع المانع ، ويحتمل البطلان ، للشك في تأثير نحو هذا
الإيجاب الذي لم يجزم موجبه بأحدهما بالخصوص ، والأول لا يخلو من قوة ، بناء على
عدم منع مثل هذه الجهالة ، وإلا فالثاني أقوى ، وكذا يخرج عن محل النزاع ، لو قبله
على جهة التخيير للبائع ، وإن كان هو واضح البطلان أيضا ، والغرض من ذلك كله ، أن
المتجه ـ بناء على العمل بالخبرين المزبورين ـ الجمود لعدم المنقح من إجماع وغيره
، ولذا قال المصنف لو باع كذلك إلى وقتين متأخرين كان باطلا جازما به
__________________
غير مظهر للتردد
فيه كالأول ، بل في التحرير بطل قولا واحدا.
فمن الغريب ما في
الرياض من أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم صحة وبطلانا بين الصورتين ، وإن
أشكله ـ هو إن لم يكن إجماعا ، ـ بأن البطلان في الثانية أقوى ، لفقد المعارض فيه
، لاختصاص النص مطلقا بالصورة الأولى ، قلت : لا ريب في قوة البطلان في الثانية ،
بناء عليه في الأولى ، ضرورة أولويتها بذلك. نعم يتجه الفرق بينهما باحتمال الصحة
في الأولى ، دونها ، للخبرين المزبورين. اللهم إلا أن يدعى التنقيح ، ودونه خرط
القتاد بعد ما سمعت ، وإن كان هو مقتضى ما سمعته من عبارة المقنعة وإجماع الغنية ،
والله اعلم.
وإذا باع شيئا
شخصيا طعاما أو غيره واشترط : تأخير الثمن إلى أجل معلوم ثم ابتاعه البائع أو غيره
من المشتري بعد قبضه قبل حلول الأجل ، جاز بزيادة كان على الثمن الأول أو نقصان ؛
أو مساواة بالجنس أو بغيره ، حالا ومؤجلا بما يساوي الأجل الأول ، أو يزيد عليه أو
ينقص عنه ، بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في الرياض ، والمحكي عن مجمع البرهان
، بل في الأخير كان دليله الإجماع. نعم في مفتاح الكرامة خاصة عن المراسم إن باع
ما ابتاعه إلى أجل قبل حلول الأجل فبيعه باطل ، معترفا بأنه لم يجد أحدا نقل عنهما
الخلاف قبله. قلت : قد يريد السلف أو الأعم منه ومن غيره ، لا ما نحن فيه ، بل
لعله الظاهر منه.
وعلى كل حال فلا
ريب في الحكم المزبور ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، أو خصوص خبر على بن جعفر
المروي عن كتاب مسائله قال : « سألت أخي موسى 7 عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ، ثم اشتراه بخمسة
دراهم نقدا أيحل؟ قال : إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس » كالطلاق خبره المروي عن قرب
الاسناد المحذوف فيه لفظ
__________________
الأجل والنقد وصحيح
بشار « سأل أبا عبد الله 7 عن الرجل يبيع المتاع نسيئا ، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه
منه؟ قال : نعم لا بأس به ، فقلت له : أشترى متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك
ولا غنمك » وخبر الحسين بن منذر قال : « قلت لأبي عبد الله 7 : يجيء الرجل فيطلب العينة ، فاشترى له المتاع من أجله ،
ثم أبيعه إياه ، ثم أشتريه منه مكاني؟ فقال : إذا كان بالخيار إن شاء باع ، وإن
شاء لم يبع ، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت ، وإن شئت لم تشتر؟ فلا بأس قلت :
فإن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد ، ويقولون : إن جاء به بعد أشهر صلح ، فقال :
إنما هذا تقديم وتأخير فلا بأس به » بناء على أن العينة ، شراء ما باعه نسيئة ،
كما حكاه عن بعضهم في الدروس ، لكن فيها قبل ذلك ، أنها لغة وعرفا شراء العين
نسيئة ، فإن حل الأجل فاشترى منه عينا أخرى نسيئة ثم باعها ، وقضاه الثمن الأول
كان جائزا ، وتكون عينة على عينة ، وعليه أيضا يتم الاستدلال ؛ ضرورة عدم اعتبار
كون بيع القضاء على غير البائع فيها. نعم عن ابن إدريس ؛ أن اشتقاقها من العين وهو
النقد ، وفسرها بشراء عين نسيئة لمن له عليه دين ، ثم يبيعها عليه بدونه نقدا
ويقضى الدين الأول ، تخرج عما نحن فيه ؛ مع احتمال عدم اعتبار كون العين من غير
البائع وحينئذ يتم الاستدلال عليه أيضا ولو بالإطلاق ، على أن المحكي عنه في الدروس
أنه فسرها بشراء عين نسيئة ممن له عليه دين ثم يبيعها عليه بدونه نقدا ويقضى الدين
الأول فيكون حينئذ مما نحن فيه ، الى غير ذلك مما لا حاجة إليه ، بعد ما عرفت من
عدم الإشكال في المقام.
وخبر منصور بن
حازم قال : « سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر ، أو غنم ، أو غير
ذلك فاتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئا؟ فقال : لا يبعه ، نسيئا وأما نقدا
فليبعه بما شاء » يمكن أن يكون المراد منه أن الطالب
__________________
أراد شراء المطلوب
مما له عليه من الطعام فعلا بعد حلوله فقال : لا يبعه عليه نسيئة لأنه يكون بيع
دين بدين على بعض الوجوه ، أما نقدا فلا بأس ، ولعل شيئا فيه مصحف نسيئا وحينئذ
يكون خارجا عما نحن فيه. فتأمل جيدا ، وفي الرياض أنه مجمل ، محتمل الحمل على
الكراهة جمعا بينه وبين غيره مع عدم مكافأته قطعا.
وعلى كل حال فلا
ينبغي التوقف في شيء من شقوق المسألة. نعم يستفاد من خبر ابن المنذر وخبري على بن
جعفر أن ذلك جائز إذا لم يكن شرط البائع الأول على المشتري ذلك في حال بيعه عليه ،
ولذا نص على اشتراط ذلك في الجواز جماعة ، بل نسبه في الرياض إلى الأصحاب ، وأنه
لا خلاف فيه ، وفي المحكي عن الكفاية لا أعلم خلافا بينهم في البطلان عند الشرط ،
والمفاتيح الظاهر اتفاقهم على بطلانه قلت : قد يظهر الخلاف من إطلاق الجواز في
المقنعة والنهاية ومحكي السرائر بل قد يظهر من جامع المقاصد والمسالك وغيرهما عدم
اعتباره ؛ لاقتصارهم على الاستدلال له بما في التذكرة من الدور ، وبأنه لم يقصد
النقل معه ، وإفساده بما لا مزيد عليه ، وهو كذلك سواء قرر الدور بأن انتقاله الى المالك
موقوف على حصول الشرط ، وحصوله موقوف على انتقال الملك ، أو بأن بيعه له يتوقف على
ملكيته له المتوقفة على بيعه.
وعلى كل حال فيه
ان المتوقف على حصول الشرط هو اللزوم ، لا الانتقال وتوقف تملك البائع على تملك
المشتري لا يستلزم توقف تملك المشتري على تملك البائع كما هو واضح ، والا لما صح
في باقي الشرائط من العتق ونحوه خصوصا شرط بيعه للغير الصحيح إجماعا محكيا ان لم
يكن محصلا ، على أن تملك المشتري ـ فيما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل ـ قبل
الأجل واضح واشتراط البيع يؤكد قصد النقل إلى المشتري ، لا أنه ينافيه ، وإلا لنا
فاه إذا كان من قصدهما ذلك ، وإن لم يشترطا ، مع أن العقود تتبع القصود ، والاتفاق
كما في الروضة وغيرها على الصحة ، وما هو إلا لأن قصد رده بعد ملك المشتري له ،
غير مناف لقصد البيع بوجه ، وإنما المانع عدم القصد الى ملك المشتري أصلا بحيث لا
يترتب عليه
__________________
حكم الملك وهو غير
ما نحن فيه كما أن احتمال كون الدور لو كان الشرط ملكه للبائع بالثمن المعين بهذا
العقد ، مناف للمفروض في كلامهم على أنه قد يقال : بصحته ، وترتب ملك البائع على
ملك المشتري آنا ما ، نحو أعتق عبدك عنى ، بمعنى الترتب الذاتي لا الزماني. فانحصر
الدليل حينئذ في النصوص المزبورة.
لكن قد يناقش فيها
بالطعن في السند ، وكون المفهوم فيها البأس الذي قد يمنع استفادة الحرمة منه عرفا
، فضلا عن الفساد ، مضافا إلى اشتمال خبر ابن منذر منها على اعتبار عدم اشتراط
المشتري على البائع ذلك أيضا ، ولم نعرف قائلا به. بل قد يستفاد منه لزوم الشرط لو
شرط ، وأن به يرتفع الخيار للبائع أو المشتري ، وإن كان يحرم البيع الثاني أو هو
والبيع الأول بالشرط ، ويكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط ، وإن كان لو فعل التزم
به ، وهو غير اشتراط المحرم الذي يفسد ويفسد العقد على قول فتأمل. على أن ظاهر خبر
على بن جعفر اشتراط البيع بنقيصة ، بل لعله المراد من خبر ابن منذر فالتعدية إلى
المساوي والزائد تحتاج الى دليل ، وثبوت إجماع معتد به هنا على عدم الفصل محل منع
، إذ لم يحك عن احد التعرض لأصل الشرط المزبور قبل المصنف الا عن المبسوط خاصة في
باب المرابحة ، ولعله لذلك وغيره أومأ أول الشهيدين الى التردد في ذلك ، في المحكي
عنه في غاية المراد بقوله « إن كان في المسألة إجماع فلا بحث »
ثم لا يخفى أن
المتجه بناء على العمل بالنصوص المزبورة الجمود عليها ، فلا يتعدى لغير البيع من
العقود ولا له إذا كان الثمن عينا في وجه ، أو كان الشرط بيعه من غير البائع ، أو
نقله إليه بغير البيع ولا لاشتراطه في عقد آخر ونحو ذلك مما لا دلالة فيها عليه ،
كي يتجه تخصيص عموم أدلة الشرط بها ، ودعوى التنقيح مع عدم المنقح كما ترى ، بل لو
لا مخافة المخالفة لإجماع الأصحاب لأمكن حمل هذه النصوص على الإثم بالاشتراط كما
عرفت ، أو على إرادة الكراهة مع شرط البيع بنقيصة ، لانه كالحيلة
__________________
في تبريته الدراهم
أو غير ذلك. والله اعلم
وكيف كان فـ ( ان
حل الأجل ) ولم يقبض الثمن فابتاعه بمثل ثمنه من غير زيادة ولا نقيصة جاز بلا خلاف
وكذا ان ابتاعه بغير جنس ثمنه بزيادة أو نقيصة حالا أو مؤجلا للأصل ، وإطلاق
الأدلة السابقة ، وإطلاق خصوص صحيح منصور بن حازم قال للصادق 7 : « رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه ،
وأتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب : أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي لك
عندي ؛ فرضي؟ قال : لا بأس بذلك » وموثق يعقوب بن شعيب وعبيد بن زرارة أو صحيحها « سألا
أبا عبد الله 7 عن رجل باع طعاما بماءة درهم الى أجل ، فلما بلغ ذلك الأجل
، تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم ، خذ مني طعاما ، فقال : لا بأس به فإنما له
دراهم يأخذ بها ما شاء » الى غير ذلك.
وأما إن ابتاعه
بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة ففيه روايتان أشبههما وأشهرهما ما سمعته من روايات
الجواز بل لم أجد من عمل برواية المنع غير الشيخ في النهاية بالنقيصة ، وفي
التهذيبين بالزيادة ، وهي خبر خالد بن الحجاج « سأل أبا عبد الله 7 عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى ، فلما جاء الأجل
أخذته بدراهمي فقال : ليس عندي ، ولكن عندي طعام فاشتره منى؟ فقال : لا تشتره منه
فإنه لا خير فيه » وخبر عبد الصمد بن بشير قال : سأل الصادق 7 أيضا محمد بن القاسم الحناط « فقال : أصلحك الله أبيع
الطعام الرجل إلى أجل ، فأجيئ وقد تغير الطعام من سعره فيقول : ليس لك عندي دراهم؟
قال : خذ منه بسعر يومه قال : أفهم أصلحك
__________________
الله إنه طعامي
الذي اشتراه منى قال : لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك قال : أرغم الله أنفي رخص لي
، فرددت عليه ، فشدد على » وخبر الحلبي قال : « سئل أبو عبد الله 7 عن رجل اشترى ثوبا ثم رده على صاحبه ، فأبى أن يقبله إلا
بوضيعة ، قال : لا يصلح له أن يأخذه ، فإن جهل وأخذه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه
الأول ما زاد » وهي جميعا كما ترى غير مكافئة لغيرها من وجوه ، خصوصا بعد الطعن في
السند واختصاص الأولين بالطعام ، واحتمال الأول منهما الإرشاد أو الكراهة كما يومي
اليه التعليل ، وعدم التصريح فيه بأنه طعامه الذي باعه إياه ، ولا بزيادة الثمن أو
نقيصة ، والثاني ـ مضافا إلى كثير من ذلك ـ أن السائل لما طمع أن يرخص له أخذ
طعامه الذي دفعه اليه ، مع أن القيمة قد زادت ، وهو لا يستحق إلا دراهم ، لم يرخص
له الا أن يأخذ بسعر يومه ، بل لعل ذلك هو الظاهر منه ، كظهور الثالث في الإقالة
بالنقيصة ، المجمع على عدم جوازه ، كالزيادة بحسب الظاهر.
فلا ينبغي التوقف
حينئذ في الحكم المزبور في الطعام ، فضلا عن غيره ، وإن حكى عن بعضهم موافقة الشيخ
في الأول ، ولا ريب في ضعفه ، وأضعف منه ما عن خلاف الشيخ من أنه لا يجوز شراء
طعام ممن باعه طعاما قبل نقد الثمن ولو غير ما باعه إياه بزيادة عن ثمنه ، لأدائه
إلى بيع الطعام بطعام بزيادة ، وفيه أن العوض دراهم لا طعام ، هذا كله إذا لم
تتغير السلعة.
أما إذا تغيرت عن
حالة البيع ، كالهزالة ؛ أو نسيان الصنعة ، أو تمزيق الثوب ، ففي التحرير « جاز
شرائه إجماعا وإن كان لا يخلو إطلاقه من بحث في الجملة ، وقد بان لك من ذلك كله أن
شراء المبيع المؤجل ثمنه ، إما أن يكون قبل حلول أجله ، أو بعده ، وعلى التقديرين
، فاما أن يكون البائع قد اشترط شرائه في نفس العقد أو لا ، وعلى كل تقدير فاما أن
يشتريه بجنس الثمن وقدره ، أو بزيادة أو بنقيصة ، أو بغير جنس ، إما حالا ، أو
__________________
مؤجلا ، فيكون
الحاصل من ذلك كما في حاشية الكركي على الإرشاد أربع وعشرون صورة ، يظهر بأدنى
تأمل بطلان اثنتي عشرة منها والخلاف في أربع إلى أن قال : وفي شرح الإرشاد للشهيد
أن الحاصل من ضرب صورتي اشتراط شراء المبيع في نفس العقد وعدمه ، في الشراء بزيادة
أو نقيصة ، أو بمساواة الجنس الثمن أو بغير جنسه ، حالا أو مؤجلا ، ستة عشر ، وهو
غير ظاهر ، بل اثنتا عشر صورة ، لأن الشراء بالجنس ، لا يخرج عن الزيادة والنقصان
والمساواة فهي ثلاث وبغير الجنس والحلول والتأجيل ثلاثة أخرى ، ومضروب الست ، في
اثنين اثنتا عشرة وإذا ضربت في صورتي الشراء قبل حلول الأجل أو بعده ، تبلغ أربعا
وعشرين لا اثنين وثلاثين كما ذكره فليتأمل » قلت : لعل الشهيد نظر الى ان الحلول
والتأجيل لكل من الأربعة ، أي البيع بغير الجنس وبه زائدا أو ناقصا أو مساويا ،
وعليه تكون ستة عشر فإذا ضربت في صورتي الشراء قبل حلول الأجل وبعده ، تبلغ اثنين
وثلاثين. والأمر سهل. نعم عن الشهيد في شرحه المزبور واحتمال إلحاق البيع بالجنس
مساويا مؤجلا في صور الخلاف ، لأن للأجل زيادة : وفيه أن العكس أقوى منه احتمالا ،
إذا المفروض ان المبيع كان مؤجلا ، فبيعه بمقدار ثمنه حالا مخالف لثمنه ، بل هو
كذلك مع نقصان الأجل عن أجله ، أو زيادته ، والله اعلم.
ولا يجب على من
اشترى مؤجلا أن يدفع الثمن قبل الأجل وإن طولب إجماعا أو ضرورة وإن دفعه تبر عالم
يجب على البائع أخذه وإن لم يكن ضرر عليه بذلك ، بلا خلاف أجده بيننا ، بل في
الرياض « الإجماع عليه كالأول » وفي جامع المقاصد « نسبة الخلاف فيه الى بعض
العامة » ولكن قد يتخيل الوجوب ، وأنه كالدين الحال في ذلك ، لان فائدة التأجيل الرخصة
للمشترى بالتأخير ، لا عدم وجوب الأخذ لو دفعه اليه قبله ، فمصلحته مختصة به ،
ولذا يزداد الثمن عليه من أجله ، وله طلب النقصان في مقابلة التعجيل ، وعقد البيع
بلا أجل يقتضي وجوب الدفع والأخذ ، واشتراط الرخصة للأول لا يستلزمها للثاني ، بل
الظاهر أن المراد من الأجل التوسعة في ذلك الزمان إلى نهاية
الأجل ، أي لا
يضيق إلا في ذلك الزمان كالواجب الموسع ، وقد يتفرع على ذلك أن للمشترى إسقاط حق
التأجيل كما في غيره من الحقوق
لكن في القواعد «
أنه لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط وليس لصاحبه المطالبة في الحال »
وعلله في جامع المقاصد « بأن ذلك قد ثبت بالعقد اللازم لانه المفروض ، فلا يسقط
بمجرد الاسقاط ، ولأن في الأجل حقا لصاحب الدين ولهذا لا يجب قبوله قبل الأجل ،
أما لو تقايلا في الأجل فإنه يصح ، ولو نذر التأجيل فإنه يلزم ، وينبغي أن لا يسقط
بتقايلهما إذا التقايل في العقد لا في النذر »
وفيه أن ثبوته
بالعقد اللازم ، لا يمنع من سقوطه بالإسقاط ، كاشتراط الخيار ونحوه ، ويمكن منع
حقية صاحب الدين فيه ، واتفاق وجود مصلحة له في ذلك ، لا ينافي كونه من حقوق
المشتري ، كالخيار المشروط له ، كما أنه يمكن منع مشروعية التقايل فيه خاصة دون
أصل العقد ، ولو صح رجع الى الإسقاط ، ومع فرض أنه من حقوق المشتري خاصة ، لم
يعتبر اتفاق البائع معه على الإسقاط الذي هو بمنزلة الإبراء ، بل هو منه ، كما
أومى إليه هو في حاشية الإرشاد في مسألة التعجيل بالنقيصة ، بل لعله الظاهر من
القواعد في باب السلم.
وما في الرياض ـ من
أنه نمنع استلزام انحصار فائدته في الرخصة للمشتري بعد تسليمه وجوب الأخذ على
البائع مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النص والإجماع ، لاختصاصه بغير صورة
الفرض ـ يدفعه ما عرفت من اقتضاء العقد ذلك ، وأن الشرط المزبور حق للمشتري خاصة ،
فيسقط بإسقاطه كغيره من الشرائط التي له على البائع ، فالعمدة حينئذ الإجماع
المزبور. والله اعلم.
وإن حل الأجل
فمكنه المشتري منه بعد المطالبة أو قبلها وجب على البائع أخذه إذا كان مساويا لما
في الذمة قدر أو جنسا ووصفا ، بلا خلاف
أجده فيه أيضا ،
بل في الرياض الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد حديث الضرار الشامل للمقام ،
ضرورة تحقق الضرر على المشتري ببقائه مشغول الذمة ،
وقد يناقش في
الوجوب من حيث الدفع بارتفاع الضرر بقبض الحاكم مع الامتناع أو بتشخص المدفوع
للمشترى بحيث يكون الضمان منه معه ، والعقد إنما يقتضي ملك الثمن على المشتري لا
وجوب قبضه فهو كما لو كان الثمن عينا ، فإنه لا يجب عليه القبض من حيث الدفع ، بل
هو إن كان من حيث حرمة الإتلاف ، وتدفع بأن الثابت من الأدلة ذلك خصوصا قوله تعالى
( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) فان وجوب الوفاء
بها يتبع وجوب الدفع ووجوب القبول وحينئذ فإذا انتفى سقط اعتباره ، إذ هو كالدفع
من المديون يجب عليه أولا فإذا امتنع جاز التقاص من ماله
وكيف كان فان
امتنع البائع من أخذه ثم هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان من مال البائع
على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا مع تعذر الحاكم ، لأن في هلاكه من المشتري ضررا
عظيما ، فيكون منفيا بالنص وتعين الدين بالقبض ممن له أو من يقوم مقامه ـ ولذا كان
للمديون تغييره ما لم يقبض ـ إنما هو في غير الفرض ، ضرورة أن التعيين كما يتوقف
على قبض المالك يتوقف على تعيين المديون ، فإذا امتنع أحدهما في محل الوجوب وجب أن
يسقط اعتباره ، حذرا من لزوم الضرر
إنما الكلام في
اعتبار الحاكم وظاهر الأصحاب قصر الحكم هنا عليه ، إذ لم أجد في كلام من وقفت عليه
منهم ذكر غيره إلا في الحدائق فجعل عدول المؤمنين مرتبة أخرى هنا ، وهو موقوف على
عموم ولايتهم لمثل المقام ، وفيه بحث ، بل قد يظهر من إطلاق الشيخين وابن حمزة في
المقنعة والنهاية والوسيلة والمتن والنافع والمحكي عن
__________________
الديلمي والقاضي
وكذا التقى عدم اعتبار الحاكم في التلف من البائع ، ولعله لعدم ثبوت ولايته في
المقام ، وإطلاق حديث الضرار ؛ خلافا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين والكركي
ومحكي المبسوط والسرائر ، بل ربما قيل : إنه المشهور فخصوه بما إذا تعذر الحاكم ،
ومقتضاه ، كون المقاصة من المساوي للدين كذلك ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على
عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كليا إلا بقبضه على محل الوفاق ، والتفاتا إلى
اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم ، فلو قصر كان كالمفرط في المال ؛ ـ من
حيث تمكنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه ، فيكون من ماله ، وإلى أن الحاكم كما أنه
قائم. مقام الغائب ، يقوم مقام الممتنع عمن يجب عليه ؛ ولذا يأخذ الزكاة منه قهرا
، ويتولى النية ، ويؤدي ديونه وما يجب عليه من نفقة ونحوها من ماله نعم هل يجب ذلك
كما زائد هو وظيفته؟ لكن في الدروس عن ابن إدريس وجوب القبض الى على الحاكم بمجرد
الامتناع ، أو مع تعذر جبره على الواجب وسؤال البائع القبض؟ قد يقوى الثاني ، ومنه
يعلم حينئذ وجوب جبر الحاكم له على ذلك كما هو وظيفته ، لكن في الدروس عن ابن
إدريس وجوب القبض على الحاكم ، ولا يجب عليه الإجبار على القبض أو الإبراء ، واستبعده
فيها ، وهو كذلك.
نعم يمكن القول
بعدم إجباره إن لم يسأله الدافع ، كما في سلم جامع المقاصد قال : « لأن يده يد رضي
بها المدفوع له ، ولم يصدر منه ما ينافيها » وقال فيه أيضا : « إن للحاكم قبضه وإن
لم يجبره على قبضه ، وأنه لو لم يسأله الدافع لم يجب عليه قبضه ، وإنه يجوز ذلك له
وإن لم يسأله » وفيه بحث في الجملة يعرف مما ذكرنا.
ثم إن من الواضح
عدم وجوب الدفع إلى الحاكم بعد الامتناع ، بناء على اعتباره ، لعدم تشخص المدفوع
للبائع ، بل هو باق على ملك المشتري ، فله التصرف فيه وإبقاء الحق في ذمته. نعم
إذا أراد إبراء ذمته من الحق دفعه إلى الحاكم ، إذ الظاهر الاتفاق على تشخصه بقبضه
له ، وربما ظهر من بعض مشايخنا عدمه.
نعم يكون تلفه منه
خاصة ، وبناء على التشخيص بالامتناع من غير حاجة إلى قبض الحاكم يمكن القول بوجوب
دفعه إليه ، لأنه مال مسلم محترم يتمكن وصوله من وليه فيجب ، والأقوى عدم الوجوب ،
للأصل ،
لكن هل يبقى أمانة
في يده يجب حفظها أولا؟ قد يظهر من المتن والدروس وغيرهما الأول ، بل هو صريح
اللمعة ، والثاني لا يخلو من وجه بل قوة ، قال في جامع المقاصد : « إذا امتنع
المالك من القبض وتعذر الحاكم ، زال الضمان عن الدافع بالتعيين لكن هل هو مشروط
بالحفظ بمجرى العادة فيكون أمينا أم لا؟ فلا يكون الحفظ واجبا عليه ، لم أجد به
تصريحا للأصحاب ، لكن قوة التأمل في كلامهم تشهد للثاني حيث أطلقوا نفى الضمان عنه
، دفعا للضرر ، ولو وجب الحفظ الدائم لبقي الضرر المحذور ، وألزم بالضمان بالتقصير
فيه ، ويتجه الفرق بين ما إذا عرضه على المالك بعد تعيينه ولم يأت به لكنه أعلم
بالحال ، وبين ما إذا أتاه وطرحه عنده ، فينتفى وجوب الحفظ في الثاني ، دون الأول
، وإن اشتركا في عدم الضمان » ونحوه في حاشية الإرشاد له ؛ ولعل مراده بالاشتراك
في عدم الضمان على تقدير عدم التفريط ، لا مطلقا ، فلا ينافي ما تقدم من قوله لو
وجب ألزم بالضمان.
وعلى كل حال ففي
جريان مثل ذلك في الحاكم لو قبضه إشكال ، لكن في المسالك في باب السلم في شرح قول
المصنف ، ولو امتنع قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك قال : « هذا مع إمكانه ،
ومع تعذره يخلى بينه وبينه ؛ وتبرأ ذمته وإن تلف ، وكذا يفعل الحاكم لو قبضه ، إن
لم يمكن إلزامه بالقبض » كالإشكال في أصل ثبوت التشخيص بالامتناع مطلقا أو مع تعذر
الحاكم على اختلاف القولين وإن كان ظاهر الأصحاب ذلك ، بل هو صريح جماعة منهم ،
وقد يحتمل العدم ، وإن كان لو تلف يكون من مال البائع على كل حال ، إذ به يتحقق
رفع الضرر ، ويحصل الجمع بين قاعدة عدم التشخيص إلا بقبض ذي الدين ، وبينه
وربما أومى إليه
في الدروس قال : « ولو امتنع البائع أثم ، ولو هلك بعد تعيينه فمن ماله ، ما لم
يفرط فيه المشتري أو يتعدى ، وللمشتري التصرف فيه ، فيبقى في ذمته ؛ ضرورة ان جواز
تصرف المشتري فيه مستلزم لبقاء ملكه عليه ، وحينئذ فالنماء بين التعيين والتلف له
، اللهم إلا أن يقال : يمكن التزام الشهيد بأنه ملك البائع متزلزلا ؛ فله الرجوع
فيه ، فالنماء حينئذ له ، إلا إذا أعاده المشتري إلى ملكه وفي الروضة « إنه ربما
قيل ببقائه على ملك المشتري وإن كان تلفه من البائع »
ثم إنه قد ينقدح
بناء على التشخيص القول بمثله فيمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في مال
على حكم الإشاعة ، بحيث يتعين المدفوع للشريك ولا يتلف منهما معا ، وكذا لو تسلط
الظالم بنفسه ، وأخذ قدر نصيب الشريك ، لكن في جامع المقاصد وحاشية الإرشاد لم أجد
تصريحا للأصحاب بنفي ولا إثبات ، مع أن الضرر قائم هنا ، وفي الأول إن المتجه
العدم ، وفي الثاني إن الحكم مشكل ، قلت : ويؤيده الأصل وعدم التقصير من الشريك
فلا ضرر من قبله. والله أعلم.
وكذا البحث بتمامه
في طرف البائع إذا باع سلما لكن صرح المصنف هناك بقبض الحاكم ، ولا فرق بين
المقامين على الظاهر وكذا كل من كان له حق ، حال أو مؤجل ، فحل ثم دفعه ، وامتنع
صاحبه من أخذه ، فإن تلفه من صاحبه الذي يجب عليه قبضه على الوجه المذكور لاتحاد
الجميع في المدارك كما هو واضح
لكن لا يخفى أنه
قد ذكرنا ذلك كله موافقة لكلماتهم التي جملة منها مجرد دعوى بلا دليل فضلا عن أن
يصلح قاطعا لأصالة عدم تشخص الدين وعدم ملك المستحق ، وعدم براءة ذمة المستحق عليه
في جملة من الصور المفهومة من كلامهم ، كذا دعوى ملك المستحق لما يعينه المديون
متزلزلا على وجه يجوز للدافع الرجوع به أو دعوى أنه باق على ملك الدافع ولكن التلف
يكون من مال الديان.
نعم قد يقال : في
خصوص ما لو مكنه منه على وجه يدخل به تحت
يده عرفا ، وتحت
سلطانه وتحت قبضته برأت ذمة المديون وصيرورة المال ملكا للديان لأنه قبض أو كالقبض
، ضرورة صدق الأداء والوفاء والإعطاء ونحوها مما هو مستفاد من خطاب الديان ، وكذا
بالنسبة إلى أداء الأمانة ، وإيصال المغصوب ، وخروج المبيع عن ضمان البائع ، وربما
يشهد لذلك في الجملة ما ذكروه في غير المقام ، من صدق الوفاء وإيصال الحق إلى
مستحقه ، بالدس في المال على وجه يدخل في قبضته وتحت سلطانه ، ويمكن تنزيل عبارة
المتن ونحوها على هذه الصورة ، ولذا لم يعتبروا اذن الحاكم ، بخلاف غيرها من الصور
التي لا يصدق معها التمكين فعلا. وإن قال له : إن حقك موجود هو في الدار ونحو ذلك
، مما هو طلب للتمكين منه ، لا أنه مكنه فعلا ، فان الظاهر عدم تشخص الحق بذلك ولو
مع تعذر الحاكم والعدول ، للأصل بل الأصول ، ومشروعية المقاصة لا تقتضي مشروعية
ذلك.
نعم هنا بحث في
ولاية الحاكم عنه في القبض حينئذ أو في حال الغيبة ، وأراد المديون فراغ ذمته وهو
شيء آخر ، غير ما نحن فيه من تعيين من عليه الحق ، وبذلك يظهر لك النظر في جملة
من الكلمات ؛ حتى ما سمعته من الكركي ، فإنه وإن كان قد حام حول الحمى فيما ذكره
من مسألة وجوب الحفظ وعدمه ، إلا أن ظاهره الاكتفاء بتعيينه في الصورة الاولى ،
وإن وجب عليه الحفظ ، فلاحظ وتأمل والله العالم.
ويجوز بيع المتاع
حالا ومؤجلا ، بزيادة عن ثمنه ونقصان جوازا لا خيار فيه إذا كان كل من البائع
والمشتري عارفا بقيمته ما لم يكن سفها ، والا بطل العقد إن كان بعد تحجير الحاكم
أو قبله ، بناء على عدم الحاجة إليه في منع تصرفه ، كما أن للمغبون منهما الخيار
مع الجهل بالقيمة ، بلا خلاف ولا إشكال في شيء من ذلك ، وإن كان في عبارة المتن
وغيرها من عبارات الأصحاب خلل ما في تأدية ذلك ، إلا أنه سهل بعد وضوح الحال
ومعلومية الحكم.
وكذا لا خلاف ولا
إشكال في أنه لا يجوز تأخير ثمن المبيع ولا شيء من
الحقوق المالية
بزيادة فيها لأنه ربا محرم كتابا وسنة وإجماعا ، فلا يجوز سواء وقع على جهة البيع ، أو الصلح ،
أو الجعالة ، أو غيرها ، ولو اشترط في عقد آخر فسد وأفسد ، إذ هو لا يحلل الحرام.
نعم لا بأس بجعل
الزيادة المبذولة في ثمن مبيع آخر ، لا في مقابلها ، مع اشتراط التأخير في الدين
الحال إلى الأجل المسمى ، كما صرحت به النصوص والفتاوى قال محمد بن إسحاق بن
عمار للرضا 7 : « الرجل يكون له المال ، فدخل على صاحبه ، يبيعه لؤلؤة
بألف درهم ، تساوى ماءة درهم ويؤخر عليه المال إلى وقت؟ فأجابه لا بأس قد أمرني
أبي ففعلت ذلك » وقال لأبي الحسن 7 : « يكون لي على الرجل دراهم ، فيقول : أخرني بها وأنا
أربحك ، فأبيعه جبة تقوم على بألف درهم ، بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرين ألف
وأؤخره بالمال؟ قال : لا بأس » وقال عبد الملك : « سألته عن الرجل أريد أن أعينه المال ويكون لي عليه مال
قبل ذلك ، فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي لي عليه ، أيستقيم أن أزيده مالا
وأبيعه لؤلؤة ، تساوي ماءة درهم بألف درهم ، فأقول أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم
على أن أؤخر بثمنها وبمالي عليك بكذا وكذا شهرا؟ فقال : لا بأس » إلى غير ذلك مما
هو صريح في الجواز على الوجه المزبور وظاهر في عدمه مع جعل الزيادة في مقابل
التأخير ، ولا يقدح في ذلك كونها حيلة للتخلص من الربا ، بعد أن وردت بها النصوص
وأفتى به الأصحاب ، بل هي على مقتضى الضوابط الشرعية ، ونعم الحيلة ، ما يفر بها
من الباطل إلى الحق.
وكذا يجوز تعجيلها
أى سائر الحقوق المالية المؤجلة بنقصان منها
__________________
بلا خلاف أجده فيه
على جهة الصلح ، وهو المسمى بالحطيطة أو الإبراء من كل منهما ، ويدل عليه ـ مضافا
إلى الأصل ـ مرسل أبان عن الصادق 7 « سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين ، فيقول له قبل
أن يحل الأجل : عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أيحل ذلك لو احد منهما؟ قال
: نعم » وقال ابن أبى عمير : « سئل الصادق 7 عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى ، فيأتيه غريمه ، فيقول
له : انقدني كذا وكذا ، وأضع عنك بقيته ، أو يقول : انقدنى بعضه وأمد لك في الأجل
فيما بقي عليك؟ فقال : لا ارى به بأسا ، إنه لم يزد على رأس ماله ، قال الله جل
ثنائه ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ
وَلا تُظْلَمُونَ ) ونحوه صحيح محمد بن
مسلم ومنهما يعلم جواز الصلح عن التأخير بغير الزيادة ، لعدم
تحقق الربا فيه هنا. فتأمل جيدا وستسمع في باب القرض تمام البحث في هذا المسألة.
إنشاء الله تعالى والله أعلم.
ومن ابتاع شيئا
بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة أي بالزيادة على رأس المال بما يتراضيان به ، كما أن
التولية ، البيع بما يساويه ، والوضيعة بالأنقص ، والمساومة بما يقع الرضا به من
غير اعتبار لرأس المال ، والواجب في الأول الإخبار بقدر الثمن وجنسه ووصفه ، فمع
فرض أنه مؤجل فليذكر الأجل لأن له قسطا من الثمن فإن باع حالا أو إلى أجل دون أجله
ولم يذكره صح البيع بلا خلاف ، بل الإجماع بقسيمه عليه للعموم وخصوص النصوص ووجود المقتضى ،
مع عدم ما يصلح للمانعية ، سوى التدليس المزبور الذي هو كالداعي إلى تعلق الرضا
والقصد إلى البيع المخصوص.
نعم كان المشتري
بالخيار بين رده ، وإمساكه بما وقع عليه العقد للتدليس ،
__________________
ولفوات ما هو
كالشرط والوصف ، ولحديث الضرار المنجبر هنا بفتوى كثير ، بل في تعليق الإرشاد الأكثر ، بل
في الرياض أنه الأشهر بين الطائفة ، سيما متأخريهم بل ظاهرهم الاتفاق عليه كافة ،
إلا من الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة ، بل في موضع آخر منه أنه المشهور شهرة
عظيمة كادت تكون إجماعا من متأخري الطائفة ، مع رجوع الشيخ في الخلاف والمبسوط عما
في النهاية مؤيدا ذلك كله بثبوته فيما هو مثله في المعنى ، من الكذب والخطاء بمقدار
الثمن من غير خلاف يعرف فيه بينهم الا من المحكي عن الإسكافي ، فله الأخذ بحط
الزيادة وربحها والمبسوط حيث يظهر غلطه وعن الخلاف أنه قواه مع أنه لا دلالة في
كلام الإسكافي على سقوط الخيار ، ولعله يثبته له مع ذلك.
ولكن المروي هنا
أنه يصح البيع ويكون للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع ففي صحيح هشام عن أبى عبد الله 7 « في الرجل يشترى
المتاع إلى أجل فقال : ليس له ان يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه فان باعه
مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل : مثل ذلك » وخبر أبى محمد الوابشى الذي لا تقدح
جهالته بعد ان كان الراوي عنه ابن محبوب في وجه في معقد الإجماع على تصحيح ما يصح
عنه قال : « سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله 7 ، عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير إلى سنة ، ثم باعه من
رجل آخر مرابحة ، إله أن يأخذ منه ثمنه حالا والربح؟ قال : ليس عليه إلا مثل الذي
اشترى ، إن كان نقد شيئا فله مثل ما نقد ، وإن لم يكن نقد شيئا فالمال عليه إلى
الأجل الذي اشتراه »
وخبر ميسر بياع
الزطي الذي هو كالصحيح في الوجه المزبور ، لأن في السند صفوان قال لأبي عبد الله 7. « إنا نشتري
المتاع بنظرة ، فيجيء الرجل ، فيقول :
__________________
بكم يقوم عليكم ؛
فأقول : بكذا وكذا فأبيعه بربح؟ فقال : إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل مالك
قال : فاسترجعت وقلت : هلكنا » الحديث والمراد منه بقرينة الخبرين السابقين ، أنه
إذا باعه مرابحة ولم يذكر الأجل ، لا أن المراد بيان وجوب الاخبار خاصة فهو واضح
الدلالة كالسابقين.
وأما السند فقد
عرفت حاله في جميعها فالعمل بها متجه خصوصا بعد ان لم تكن مهجورة ، بل عمل بها
الإسكافي والشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة ، والمحدث البحراني على ما حكي عن
بعضهم ، ومال إليه الأردبيلي ، أو قال به في المحكي عنه ، ولم يعلم حال من لم
يتعرض لذلك منهم ، كالصدوق والمفيد ، وأبى يعلى ، وعلم الهدى والراوندي على ما قيل
، وعن صاحب الرموز التوقف ، كالشهيد في غاية المراد ، وظاهر الدروس والمحقق الثاني
في تعليق الإرشاد ، بل قيل أن التوقف ظاهر شرح الإرشاد لفخر الإسلام. والتنقيح
والمقتصر ، والتوقف من جهتها ، كالعمل بها في الخروج عن الشذوذ والهجر ، بل عمل
بها في المختلف في الجملة قال بعد ان ذكرها دليلا للشيخ. « والجواب انها محمولة
على ما إذا باعه بمثل ما اشتراه وأخفى عنه النسيئة ولم يشترط النقد ، فإنه والحال
هذه ، يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع على إشكال ».
وإن كان قد يناقش
فيه بأنه ـ مع كونه إحداث قول في المسألة ـ لا فرق في ظاهرها بين التصريح بالنقد
وعدمه ، بعد أن كان الإطلاق منصرفا إليه ، خصوصا بعد ما عرفت من تصريحهم بأنه مؤكد
، على أن الظاهر اتحاد محل النزاع في كلام الأصحاب مع مضمون النصوص ، والظاهر أن
مراد المختلف بقوله باعه بمثل ما أشتريه ، التصريح بتعيين الثمن ، وأنه هو الذي
اشتراه به وأخفى النسيئة ، لا أنه عقد البيع كذلك ، ضرورة بطلانه حينئذ ، فضلا أن
يكون له من الأجل مثله.
لكن في حاشية
الإرشاد للكركي « ظاهر الاخبار يقتضي ثبوت مثل الأجل ؛
لكن ليس فيها
تصريح بكون البائع عين الثمن وأهمل الأجل ، أو باع بمثل ما اشتراه ولم يعين شيئا ،
والمصنف في المختلف حمل الروايات على المعنى الثاني وأشكله ، وأكثر الأصحاب على
أنه يلزم المشتري الثمن حالا » ثم قال : « وأقول : إذا عين البائع الثمن وأهمل ذكر
الأجل وجرى العقد على ذلك ينبغي الجزم بالصحة من غير أجل إذ ليس في الاخبار ولا
غيرها ما ينافي ذلك ، غاية ما في الباب ثبوت الخيار للمشترى للتدليس ، فإن للأجل
قسطا من الثمن ، وإذا باع بمثل ما اشتراه ولم يعين شيئا وكان مؤجلا استحق مثل
الأجل إن صححنا البيع ، وهذه مدلول الروايات ، لكن نحن في صحته من المتوقفين ؛ لما
فيه من الغرر » وهو كما ترى ، بل الخبر الثالث كالصريح في خلافه.
وكيف كان فالعمل
بالنصوص متوجه ، سيما مع عدم شدة مخالفتها للقواعد ، إذ ليس إلا اقتضاء إطلاق
العقد الحلول وقد يمنع في مثل المقام ، المبنى على البيع مرابحة ؛ بل لو صرح فيه
بذلك ، بزعم أن رأس المال كذلك أمكن عدم الالتفات اليه.
نعم يمكن القول
بثبوت الخيار مع ذلك ، إن لم ينعقد الإجماع على خلافه إذ ربما يكون مقصوده الشراء
حالا ، لعدم المنافاة بينها وبين ما دل عليه ، والظاهر إرادة ثبوت مقدار أجل
البائع للمشتري من النصوص المزبورة ، لا ما بقي من أجل البائع ، إذ قد يبيعه بعد
حلول أجله عليه ، كما أن الظاهر مساواة هذا الأجل للأجل المذكور في العقد في جميع
الأحكام المذكورة ، من الحلول بالموت ، وعدم وجوب القبض على البائع ، لو دفعه إليه
المشتري قبل الحلول ونحو ذلك ، ولا يسقط هذا الخيار بناء عليه ببذل البائع الأجل ،
ولا بتلف المبيع من المشتري ، ولا بتصرفه فيه قبل العلم به ، بل يفسخ ويرد القيمة
أو المثل نحو ما سمعته في خيار الغبن ، وفي القواعد النظر في السقوط بالأخيرين وقد
مر في الغبن وفي بحث تلف المبيع مدة الخيار ما يعلم منه الحال هنا ، فلا نعيده
فلاحظ وتأمل.
ولو باعه وضيعة أو
تولية ولم يخبره ففي تعدية المبحث المزبور قوة كالقوة
فيما لو باعه
مؤجلا دون الأجل الذي اشترى به ، ولو باعه مؤجلا مرابحة بمقداره لكن لا على أن رأس
المال كذلك ، ففي تسلط المشتري على الخيار وجه أيضا والله اعلم.
( النظر
الثاني )
من الستة فيما
يدخل في المبيع والمعروف بينهم أن الضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ. لغة أو
عرفا لكن قال ثاني الشهيدين منهم : « المراد بالعرف ما يشمل الخاص الذي منه الشرعي
، بل هو مقدم عليهما إذا لم تتفق ، ثم العرفي ، ثم اللغوي » وتبعه في الحدائق ،
فقال « إن الأظهر أن يقال إن الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية إن وجدت ،
وإلا فعلى عرفهم : ، لانه يقدم على عرف الناس ، وإلا فعلى ما هو المتعارف في
ألسن المخاطبين ، والمتبادر في محاوراتهم ، وإن اختلفت في ذلك الأصقاع والبلدان ،
ثم مع تعذر ذلك فاللغة ، وربما قدم بعضهم اللغة على العرف ».
وهو من غرائب
الكلام ، إذ فيه ما لا يخفى إذا أراد تقديم الشرعي على العرف الخاص للمتعاقدين ،
ضرورة تبعية عقد هما لقصدهما ، بل لو قصدا غيره مع الجهل به بطل ولو الشرعي ، نعم
لو علماه وقصداه صح وإن كان غير عرفهما ، من غير فرق بين الشرعي والعرفي ، بل وفيه
أيضا فيما إذا لم يكن لهما عرف خاص ، بل كان للعرف العام الشامل لهما معنى مغاير
للشرعي ـ أن الظاهر إرادة ذلك من لفظهما ، لا الحقيقة الشرعية التي يحمل عليها لفظ
الشارع ومن تبعه في الاستعمال ، وبعض
النصوص الواردة في
بعض الألفاظ في النذور الوقف والوصية ، مع أنها وأرده في موارد خاصة ، بل قيل إنها
في الألفاظ التي لم يعلم لها معان معينة في العرف واللغة ، وإنما هي مجملة ، أو
مبهمة غير متفق عليها بين الطائفة في موردها ، فضلا عن غيره ، والبحث في تقديم
العرفية على اللغوية ، أو العكس إنما هو في الاستعمال الذي لم يعلم حصوله قبل هجر
اللغة أو بعده ، لا في مثل المقام الذي فرض ذلك فيه نادر. وظني أن الاشتباه نشأ من
ذكر هذا الترتيب في الألفاظ الواردة في خطاب الشارع فزعموا أن المقام مثله والفرق
بينهما في غاية الوضوح.
نعم قد يقال :
بتقدم الحكم الشرعي على ما هو مقتضى العرف كما تسمعه في دخول ثمرة النخل قبل
التأبير في ملك المشتري وإن لم يكن هو على مقتضى العرف ، بل وإن كان العرف على
خلافه ، وهو ـ مع أن فيه من الإشكال ما تسمعه ـ غير محل البحث لكن قد يريده الشهيد
أو نحوه مما لا يكون به مخالفا.
ثم ينبغي أن يعلم
أن ما يدخل في المبيع قد يكون من جهة تناول اللفظ ، وقد يكون من جهة غيره ، وكلام
معظم الأصحاب هنا في بيان الأول ، وإن شمل بعض كلماتهم ولو من حيث تعلق البيع
التوابع في المبيع التي يقطع بعدم تناول لفظ المبيع لها ، كطريق الدار ، وثياب
العبد ، إلا أن الأمر سهل. بعد أن كان المرجع في حكم التبعية الشرع ، أو العرف إذ
الفرض عدم ذكر ما يدل عليها في العقد الناقل ، وقد لا تكون حاضرة في ذهن
المتعاقدين ، ودعوى أن الدلالة التزامية ، يدفعها منع اللزوم بينها ، وبين متعلق
البيع مع أن المحكي عن قطب الدين الرازي ، أن المراد بتناول اللفظ بالدلالة
المطابقية والتضمنية لا الالتزامية. فلا يدخل الحائط لو باع السقف واستحسنه في
المسالك.
لكن في الحدائق
بعد أن حكى ما سمعت عن القطب ، حكى عن الأردبيلي أن المراد بالمعاني ما يفهم منها
بحسب التخاطب إرادة اللافظ ذلك مطابقا ، أو تضمنا ، أو
التزاما ، ثم قال
: « وهو الأظهر بالنظر إلى ما قد منا نقله عنهم من الحوالة على العرف ، قلت :
الدلالة الالتزامية المصطلحة هي الانتقال من اللفظ الدال على الملزوم إلى اللازم ،
بواسطة اللزوم بينهما عقلا أو عرفا ، أراده اللافظ أو لم يرده ، فتعليق صيغة البيع
باللفظ الدال على الأول ، لا يقتضي إرادة نقل الثاني قطعا ، وإن دل عليه اى صار
سببا لحضوره في ذهن السامع عند ذكر الدال على الملزوم ، وبينهما بون بعيد ، وفرضه
لازما للإرادة بمعنى إن قصد نقل أحدهما يلزمه قصد نقل الأخر في الدلالة الالتزامية
المصطلحة يمكن منع تصوره ، فلم يبق في مثل التوابع المزبورة إلا التبعية شرعا أو
عرفا ، لنقل ذلك المبيع ، لا أنه قصد بالعقد نقلها ، وأنه هو الذي أثر انتقالها
كالمتبوع ، وحيث كان الناقل في الفرض لفظ صيغة البيع ، أمكن اندراجه حينئذ في
الضابط المزبور بهذا الاعتبار ، بناء على إرادة ما يشمل ذلك من اللفظ فيه ، وإلا
فهي تابعة للنقل ، ولو كان بالفعل بناء على حصوله بالمعاطاة ، فتأمل جيدا فإنه
دقيق.
ثم إن الظاهر كون
محل البحث في اللفظ الذي صار موردا للعقد حال غفلة المتعاقدين عما شك في دخوله فيه
، وعما اختلف فيه ، إذ مع تنبههما لذلك ولم يتعرضا للدخول والخروج ، ولا كان العرف
عندهما منقحا ، يقوى بطلان البيع للجهالة ، إذ إناطة البيع بمعنى اللفظ ؛ مع فرض
عدم معرفته لا ريب في كونه منها ، بخلاف ما إذا كانا غافلين واكتفيا في علم المبيع
بمعظم أجزائه ، ولم يتنبها لاستحضار تمامها ، فإن الصحة فيه واضحة ويتجه حينئذ نزاعهما
في دخول بعض الأشياء وخروجها ، والمرافعة للحاكم ، فيحكم بينهما بحسب ما يراه من
الدخول والخروج ولو من جهة الشك ، وقد يقال : بالصحة في الأول أيضا ، بناء على عدم
قدح مثل هذه الجهالة في أمثال ذلك في الصحة بعد ان كان معظم المراد من اللفظ
معلوما ، فتأمل جيدا.
كما أنه يمكن
القول بالبطلان فيهما ، هذا كله مع الجهل في أجزاء مسمى مورد العقد ، أما الجهل
بالتوابع فغير قادح ، إذ قد عرفت أن مرجعها إلى الشرع ، لا إلى
ألفاظ المتعاملين
، والمسألة غير منقحة في كلام الأصحاب ، وظن المجتهد الذي يترافعان إليه في الدخول
والخروج كاف ، لأنه من ظن الموضوع ، بل لا يبعد الاكتفاء به في ظن التبعية.
وكيف كان فقد
تعارف بين الأصحاب البحث في ألفاظ مخصوصة لكثرة دورانها ، فمنها لفظ البستان
والباغ فمن باع بستانا دخل فيه الشجر والنخل والأرض بلا خلاف ولا إشكال ، من غير
فرق بين ما قصد منه الثمر من الشجر وغيره ، بل الظاهر دخول الميت من النخل فيها ،
إذا لم تكن مقطوعة ، فضلا عن المشرف ، وكذا الشجر على إشكال فيه ، والسعف اليابس
في النخلة ، والأغصان اليابسة في الشجرة ، لكن في القواعد « لا يدخل الغصن اليابس
، ولا السعف اليابس على إشكال ، وفي ورق التوت نظر » إلا أن ضعفه واضح ، والقطع
عادة لا يخرجه عن الجزئية.
وأما الأبنية فلا
ريب في دخول سورها فيه كما نص عليه في جامع المقاصد ومحكي التذكرة ، وكذا غيره مما
يعد من توابعها ومرافقها ، ويدخل في نحو إطلاق باع فلان بستانه ، ولكن في القواعد
الإشكال فيه وفي المسالك وجهان ، من ذلك ، ومن عدم دخوله في مسماه لغة ، ولذا يسمى
بستانا وإن لم يكن فيه بناء ، بخلاف ما إذا لم يكن فيه شجر ، فتنتفي دلالة
المطابقة والتضمن ، وأما انتفاء دلالة الالتزام فلعدم كونه لازما بحيث يلزم من
تصوره تصوره ، وفيه أنه يمكن كونه جزء من الفرد المبيع ، لا من مفهوم البستان
الصادق مع عدمه ، كصدقه مع قطع بعض الأشجار منه ، ولعل الأقوى : الرجوع فيه إلى
العادة المختلفة باختلاف الأمكنة ، وأوضاع البناء وغيرهما ، وإليه أومى في الدروس
بقوله يدخل فيه الجدار والبناء الذي جرت العادة بكونه فيه دون غيره ، لكن في التذكرة
« عندنا لا يدخل » ولا ريب في تبعية المجاز ، لأنه من ضرورات الانتفاع بها ، بل
والشرب أيضا لذلك ، كما جزم به في الدروس وجامع المقاصد ، لكن في القواعد والتذكرة
الإشكال فيهما ،
ولا وجه معتد به
للأول ، بل والثاني مع الانحصار ، لامتناع الانتفاع المطلوب من البستان بدونه كما
هو واضح.
واحتمال كون
الإشكال من حيث المفهوم ـ وإن كان داخلا بوجه آخر ـ فيه ما لا يخفى ، كاحتمال كونه
مع التمكن من مجاز وشرب أعزلها ، وكذا يتبعها العريش الذي يوضع عليه الغضبان إذا
كان ثابتا دائما أو غالبا ، دون المنقول دائما أو غالبا ، مع أن في الدروس وجها في
الدخول ، وأطلق في القواعد الدخول على إشكال ، كإطلاقه في التذكرة أن الأقرب عدم
الدخول ، وليس لفظ الكرم كالبستان قطعا ، خلافا للمحكي في التذكرة عن الشافعية قال
: وليس جيدا ، فإن العادة والعرف والاستعمال يقتضي عدم دخول الحائط في مسمى الكرم
، ودخوله في البستان ، وفي المسالك أن المرجع في دخول الأرض والعريش والطريق
والشرب والبناء ، لو باعه بلفظ الكرم العرف ، فإن أفاد دخولها في مسماه دخل ، وإلا
فلا ، ولو أفاد دخول بعضها خاصة اختص به وكذا القول في باقي الأشجار الثابتة معه ،
ومع الشك في تناول العرف لها لا تدخل. وأوضح من ذلك ما في الدروس « ولو باعه بلفظ
الكرم تناول العنب لا غير إلا مع القرينة ».
ومنها الدار التي
أشار إليها المصنف بقوله وكذا من باع دارا دخل فيها الأرض والأبنية الأعلى والأسفل
بلا خلاف ولا إشكال إلا أن يكون الأعلى مستقلا بما تشهد العادة بخروجه مثل أن يكون
مساكن منفردة لها طريق مخصوص ونحوه ، كما في بعض البلدان ، والظاهر اشتراك السقف
حينئذ بينهما ، وعليه يحمل إطلاق
المكاتبة الصحيحة « في رجل اشترى من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه ، وفوقه
بيت آخر ، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع 7 ليس له إلا ما
اشتراه باسمه وموضعه إنشاء الله » مع أنها في البيت لا في الدار.
وكذا لا خلاف ولا
إشكال في أنه تدخل الأبواب المنصوبة ، والحلق ، والمغالق ، والسلاسل ، والعتبات
والأغلاق المنصوبة عليها في بيع الدار وإن
__________________
لم يسمها بل
الظاهر دخولها فيها لا في بيعها خاصة ، كما هو ظاهر العبارة وكذا الأخشاب
المستدخلة في البناء بل والأوتاد المثبتة فيه ، والسلم المثبت في الأبنية على حذو
الدرج بل والحمام المعد لها والحوض والخوابي المثبتة في الأرض والحيطان بحيث تصير
من أجزائها وتوابعها ، خلافا للفاضل في التذكرة كما حكاه في المسالك ، فنفى دخول
السلالم المسمرة ، والرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير سمر ، والأوتاد المثبتة ،
لخروجها عن اسم الدار ، وفي أكثر كتبه كما حكاه في المسالك أيضا الخوابي مطلقا ،
وقد يحمل على ما لا تعد من أجزائها.
قال في التذكرة :
« ما أثبت في الدار لا على وجه الدوام والبقاء فيها كالرفوف والدنان والإجانات
المثبتة والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة في الأرض والجدران والتحتاني من حجري
الرحا ، وخشب القصار ومعجن الخباز ، الأقرب عدم دخوله ، لأنها ليست من أجزاء الدار
، وإنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا يتزعزع ويتحرك عند الاستعمال » وقال في
الدروس : « لا يدخل فيها ما بها من آلة ولو كانت مدفونة » ثم بعد أن حكى عن الشيخ
دخولها ، لأنها كالخزائن قال : « نعم لو كانت الخابية مثبتة في الجدران ، قرب
دخولها » وفي المسالك « لو كان السلم غير مثبت لم يدخل قطعا » قلت : قد يناقش فيه
على إطلاقه.
وكيف كان فلا يدخل
فيها الكنوز المذخورة ، والأحجار المدفونة ، وما ليس بمتصل كالفرش ، والستور ،
والحبل ، والدلو ، والبكرة ، والقفل ، ونحو ذلك ، ويقوى دخول ألواح الدكاكين ، كما
في المسالك ، واستشكل فيه في القواعد ، وفي التذكرة « أن الأقرب الدخول ، لأنها
أبواب لها ؛ فأشبه الباب المثبت ، ويحتمل عدم الدخول ، لأنها تنقل وتحول فكانت
كالفرش » قلت : لا ريب في دخول الألواح التي هي أبواب لها وإن لم تكن ثابتة لسهولة
الارتفاق بسعة الباب ، أما الألواح المسماة بالخوان ، في عرفنا ، فالظاهر عدم
الدخول ، لأنها من الآلات فتأمل جيدا.
وفي دخول المفاتيح
للأغلاق المنصوبة تردد ، ودخولها أشبه لأنها من التوابع للأغلاق التي عرفت دخولها
ولا تدخل الرحى المنصوبة قطعا إلا مع الشرط خلافا للمحكي عن المبسوط ، وضعفه واضح
، وإثباتها لسهولة الانتفاع بها ، لا لإدخالها في الدار ، ويدخل في بيع الدار
المجاز ، ولو قال بحقوقها وتعدد دخل الجميع ، ولو لم يقل ، ففي القواعد إشكال ،
قال : « فإن قلنا بدخول الجميع فلا بحث ، وإلا وجب التعيين » وكذا يدخل فيه البئر
، بل والماء الذي فيه ، كما نص عليه في التذكرة ولا تقدح جهالته بعد أن كان من
التوابع ، خلافا للمحكي عن المبسوط ، فلم يدخله لان له مادة مجهولة تمنع من صحة
بيعه ، فتمنع من دخوله ، وتبعه القاضي كما في الدروس والله أعلم.
ولو كان في الدار
نخل أو شجر لم يدخل في الدار ولا في المبيع بلا خلاف كما عن التنقيح الاعتراف به
في بيع الأرض التي هي كالدار في ذلك ؛ وفي التذكرة « لو كان وسطها أشجار لم تدخل
عندنا » فإن قال بحقوقها قيل والقائل الشيخ كما في المسالك يدخل بل فيها أنه يفهم
منه الدخول وإن لم يقل بحقوقها ، محتجا بأنه من حقوقها ، وفي الدروس عن المبسوط
دخول الشجر والنخل في بيع الدار ، وضعفه المصنف فقال : ولا أرى هذا شيئا ، بل لو
قال وما دار عليه حائطها أو ما شاكله ، لزم دخوله ، والذي حكاه الفاضل وغيره عن
الشيخ ، الدخول في بيع الأرض إذا قال ذلك ، لا الدار ، بل قيل إنه وافقه عليه
القاضي وابن حمزة وابن زهرة اللهم إلا أن لا يفرق بينهما.
وعلى كل حال فلا
ريب في ضعف الدخول ، سيما مع كونه على خلاف الأصل ، ودعوى كونه من الحقوق ممنوعة
في الغالب ؛ بل لو فرض ذلك في بعض الأشجار والزرع المقصود منها نزهة الدار وحسنها
كان خارجا عن محل النزاع ، ويكون من قبيل الدخول بالقرائن ، بل لا يحتاج فيه إلى
التصريح بالحقوق.
ومكاتبة الصفار في الصحيح إلى
أبى محمد 7 « في رجل اشترى من رجل
__________________
أرضا بحدودها
الأربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في
كتابه ، وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها ؛ والخارجة منها ، أيدخل
النخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع 7 ، إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها ، فله جميع
ما فيها إنشاء الله » أوضح دلالة على العدم منها على الدخول ، من حيث تعليق الدخول
فيها على ذكر ما أغلق عليه بابها ، الدال بالمفهوم على العدم ، مع عدم ذكره ،
والمنطوق لا خلاف فيه نقلا وتحصيلا لدلالة العرف.
وإذا استثنى نخلة
مثلا فله الممر إليها والمخرج منها ومدى جرائدها وعروقها من الأرض وليس للمشترى
منع شيء من ذلك ، لانه من حقوقها التابعة لها ، كما أنه للبائع ذلك لو انعكس
الأمر.
نعم لا يدخل نفس
الأرض في بيع النخل أو الشجر ، للأصل ، لكن يستحق من منفعتها ما يتوقف الانتفاع
بالشجرة وثمرتها من الحرث والسقي وجمع الثمرة ونحو ذلك من حقوقها. قال الصادق 7 في خبر السكوني : « قضى رسول
الله 6 في رجل باع نخلا واستثنى نخلة ، بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها » كخبر
عقبة بن خالد « عن النبي 6 قضى في هرائر النخل ان تكون النخلة والنخلتان للرجل في
حائط آخر ، فيختلفون في حقوق ذلك ، فقضى أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة
من جرائدها حين يعدها ».
ولعل الأصل في
الخبر حريم النخل ، ثم اعتراه التصحيف ، وعلى كل حال فالمراد واضح ؛ وليس أنه يملك
مقدار ذلك من الأرض ، بل المراد كون ذلك من الحقوق ؛ فليس للمالك حينئذ أن يثنى
الجرائد ، أو يقطع العروق ، بل ليس له العمل في الأرض بما يضر بالعروق ، أو النخلة
، أما إذا لم يضر فالظاهر جوازه ، وفي
__________________
المسالك « أن في
الجواز احتمالا وجيها ، لانه مالك الأرض ، وإنما استحق مالك الشجرة ما يحتاج إليه
بطريق الاستتباع لتوقف الانتفاع عليه ، لا الملك ، فيقتصر فيه على موضع اليقين »
ثم قال : « وكذا لا يجوز لمالك الشجرة الانتفاع بما يخرج عن متعلقاتها ، من الزرع
تحتها ، والإقامة عندها زيادة على المعتاد في أمثالها ، مع احتماله أيضا » قلت :
لا وجه للاحتمال المزبور إذا لم يتوقف عليه مصلحة النخلة.
وكيف كان فلا
ينبغي التأمل فيما ذكرناه من الأحكام المزبورة ، لكن قال محمد بن الحسن
الصفار « كتبت إليه في رجل باع بستانا له فيه شجر وكرم ، واستثنى
منها شجرة ، هل يمر إلى البستان إلى موضع شجرته التي استثناها ، وكم لهذه الشجرة
التي استثناها من الأرض التي حولها ، بقدر أغصانها ، أو بقدر موضعها التي هي ثابتة
فيه فوقع 7 ، له من ذلك على حسب ما باع ، فلا يتعدى الحق في ذلك ، إنشاء الله » ولعل مراده
نفى الملكية ، لا الاستحقاق بالمعنى الذي ذكرناه والله أعلم.
وقد ظهر لك مما
ذكرنا أو لا أنه لو باع أرضا وفيها نخل أو شجر ، كان الحكم كذلك الذي سمعته أى لا
يدخل ما لم يأت بالعبارة السابقة ونحوها مما تدل على الشمول وكذا لو كان فيها زرع
لم يدخل أيضا في بيع الأرض ، ولو كان بذرا لما عرفت سواء كانت له أصول تستخلف أو
لم يكن ، لكن يجب تبقيته في الأرض حتى يحصد لانه أو انه الذي ينتظر ، والمراد
باستخلاف الأصول ، أنه يجز مرة بعد أخرى ، ويجب تبقيته حينئذ إلى أن تنتهي جزاته ،
ويستقلع ، والجميع للبائع ، للأصل ، لكن في الدروس « عن الشيخ والقاضي أنه ان كان
مجزوزا فهو للمشترى ، وإلا فالجزة الأولى للبائع ، والباقي للمشترى » ولا ريب في
ضعفه.
__________________
نعم لو شرطه
المشتري ، أو دلت القرينة ، دخل كغيره من الزروع سنبلا ، وقطنا مفتحا وغيره كان أو
غيرهما ، خلافا للمحكي عن المبسوط فلا يصح في السنبل والقطن ، للجهالة له ؛ مع أنه
جوز بيع السنبل والبذر مع الأرض ، وعن المختلف إن كان البذر تابعا دخل بالشرط ،
وإن كان أصلا ، بطل ، قلت : الصحة مطلقا لا تخلو من قوة ، بل في الدروس انه الوجه
، ومنها النخل والشجر ، ويدخل فيه ولو بالتبعية ، الكبيرة ، والصغيرة ، والعروق ،
والمجاز ، والشرب ، على حسب ما عرفته سابقا في بيع البستان ، ولا تدخل الأرض كما
سمعته حينئذ أيضا ؛ بل ولا الإفراخ المتجددة ، وإن كانت هي ملكا للمشتري ؛ باعتبار
كونها نماء ملكه ، وتظهر الثمرة في عدم وجوب إبقاؤها على البائع كالأصول ، بل له
الإزالة ، لأن البيع إنما اقتضى إبقاء الشجرة وما يعد من أجزائها ، وليس الفروخ
شيئا منهما.
نعم قد يقال إن
الإزالة عند صلاحية الأخذ ، وإمكان الانتفاع كما في الزرع والثمرة إذا اشتراهما ،
بل في جامع المقاصد « أنه لا يستحق أجرة على ذلك ، لان البقاء إلى أو ان الانتفاع
من مقتضيات العقد ، وربما أشكل أصل الحكم ، بأنه إن شملهما اسم الشجر وجب الإبقاء
دائما ، كالشجرة وإن لم يشمله لم يجب إبقاؤه وقتاما ، كما لو نبت حب الغير في أرض
آخر ، وأجيب بأن اسم الشجرة لا يتناوله فلا يجب إبقاؤه دائما ، لكن لا يجوز إزالته
حالا ، لانه من نماء الشجرة فهو كثمرتها التي لم تدخل في مسماها ، لكن يجب إبقاؤها
إلى أو ان البلوغ عرفا ، ثم تسوغ الإزالة » قلت : قد يحتمل وجوب بذل الأجرة ، جمعا
بين الحقين ولو شرط البقاء فلا بحث في الوجوب.
هذا وفي الدروس «
قيل : ولا تدخل الإفراخ إلا بالشرط » وهو مشعر بتردده ، ولعله نظر الى الجزئية
باعتبار حصولها من أصول الشجر ، وفيه أنه وإن نمت من أصوله ، إلا أن العرف اقتضى
خروجها عن الجزئية ؛ وعدها شجرا آخر ، لكن في جامع
المقاصد » هذا ،
إذا لم يكن نابتة في نفس المغرس ، أما إذا أنبتت فيه فإشكال ».
وكيف كان فلا ريب
في استحقاقه البقاء في الأصول ، ولو انقلعت سقط حقه ، وليس له غرس غيرها فيه ، كما
أنه ليس له الإبقاء في المغرس مثبتة ، لأنها حطب حينئذ لا شجرة ، بل الظاهر عدم
وجوب بقاء أصلها ، لرجاء أن ينبت ، لان استبقاء الأصول إنما كان بالتبعية لها وقد
زالت ، وربما احتمل الوجوب ، لوجوب إبقاء المجموع ، فلا يسقط بزوال بعضه ، ولا ريب
في ضعفه ، بل الظاهر كون الحكم كذلك وإن اشترط بقاء الإفراخ إذا لم يكن فرخ حال
الموت نعم لو كان موجودا. وبقاء الأصل له مدخلية في بقائه ، اتجه حينئذ وجوب
الإبقاء والله أعلم.
ولو باع نخلا قد
أبر ثمرها أى لقح بذر طلع الفحل من النخل في طلع الإناث بعد تشقيقه ، فهو للبائع
للأصل والإجماع المحكي إن لم يكن المحصل لان اسم النخلة لا يتناوله ، ولقول أمير
المؤمنين 7 في خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق 7 « من باع نخلا قد أبره فثمرته للبائع الا أن يشترط المبتاع
» أي المشتري « ثم قال : قضى به رسول الله 6 » كقول الصادق 7 في خبر يحيى بن ابى العلاء : « من باع نخلا
قد لقح ، فالثمرة للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله 6 بذلك » وقال أيضا في خبر عقبة بن خالد : « قضى رسول
الله 6 أن ثمرة النخل للذي أبرها ، إلا أن يشترط المبتاع » فما عن ابن حمزة من أنها
للمشتري مع عدم بدو الصلاح ، شاذ لا مستند له ، ولكن يجب على المشتري تبقيته إلى
أوان بلوغه من غير أجرة ، نظرا إلى العرف وكذا لو اشترى ثمرة كان للمشتري تبقيتها
على الأصول ؛ نظرا إلى العادة بلا خلاف في شيء من ذلك ، بل يمكن تحصيل الإجماع
عليه إذ هو من مقتضيات العقد عرفا ، فكأنه مشترط ، ويأتي في باب الخيار له تتمة
إنشاء الله.
__________________
ومن المفهوم من
النصوص المزبورة علم أنه إن باع النخل ولم يكن مؤبرا ، فهو للمشتري على ما أفتى به
الأصحاب بل في المختلف والتذكرة ومحكي الخلاف الإجماع عليه ؛ بل هو مقتضى ما تسمعه
من عبارة المصنف ، فضلا عن نسبته هنا إلى الأصحاب ، الظاهر في الإجماع أيضا ،
كظاهر الصيمري والمحكي عن المقداد ، وبه يخرج عن مقتضى الأصل ، لكن قد يشكل العمل
بذلك ، إذا فرض كون العرف على الخروج عن المشتري ، كالإشكال في الأول ، إذا فرض تعارف
الدخول في ملك المشتري ، ضرورة أنه معه يكون كالمصرح به ، ودعوى شمول النصوص لذلك
، يمكن منعها خصوصا في الأول الذي دليله المفهوم.
وعلى كل حال فـ ( لو
انتقل النخل بغير البيع ، فالثمرة للناقل سواء كانت مؤبرة أو لم تكن ) عند علمائنا
كما في التذكرة وسواء انتقلت بعقد معاوضة كوقوعه ثمنا للإجارة ومهرا في النكاح أو
بغير عوض كالهبة وشبهها بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل في ظاهر التذكرة أنه من معقد
إجماعه ، للأصل السالم عن معارضة النصوص والإجماعات السابقة ؛ ودعوى التنقيح
ممنوعة على مدعيها ، كدعوى أن النصوص السابقة ، إنما كشفت عن العرف في التبعية ،
خصوصا بعد ما صرح بما ذكرنا ، غير واحد من الأصحاب ، بل عن بعضهم الإجماع عليه ،
خلافا للمحكي عن المبسوط والقاضي فعمما الحكم ، وعن السرائر أنه لا دليل لهما سوى
القياس ، ولو ظنها المشتري غير مؤبرة ، فظهرت مؤبرة فعن الشيخ أن له الفسخ ، لفوات
بعض المبيع في ظنه ، وعن الفاضل عدمه ، لعدم العيب وتفريطه ، وهو قوى ، لكن في
الدروس « أن الوجه الأول ، لأن فوات بعض المبيع أبلغ من العيب ، ولا تفريط ، لانه
بنى على الأصل » وفيه منع الفوات ، ومنع كون البناء على الأصل عذرا يسلط على
الخيار ، ولو ظن البائع التأبير فظهر خلافه ، ففي الدروس « أن له الفسخ إذا تصادقا
على الظن » وفيه نظر يعلم مما عرفت ، وعليه فلو ادعى أحدهما على صاحبه علم الحال ،
فأنكر ، احتمل كما في الدروس إحلاف المنكر ، ويقضى
بما ظنه ولعله
الظاهر. والله اعلم.
وكيف كان فـ ( الابار
) الذي عليه المدار يحصل ولو تشققت من نفسها فأبرتها للواقح لإطلاق الخبرين
الأولين ، ومعاقد الإجماعات ، ولا ينافيه خبر عقبة بل في المسالك «
أن العادة الاكتفاء بتأبير البعض ، والباقي يتشقق بنفسه ، وينشب ريح الذكور إليه ،
وقد لا يؤبر شيء ، ويتشقق الكل بتابر الرياح ، خصوصا إذا كانت الذكور في ناحية
الصبا ، فهب الصبا وقت التأبير » ونحوه في التذكرة وهو معتبر في الإناث ، ولا
يعتبر في فحول النخل لما عرفت من أن مسماه ذلك. فثمرتها على كل حال للبائع ، للأصل
السالم عن معارضة المفهوم الظاهر في الذي عادة صنفه التأبير.
وكذا لا يعتبر هو
أو شبهه في غير النخل من أنواع الشجر ، اقتصارا على موضع الوفاق ، فلو باع شجرة
فالثمرة للبائع على كل حال إلا أن يكون عرف يقتضي الخروج ، للأصل السالم عن
المعارض بعد حرمة القياس ، ولعل ما في النهاية غير مناف لذلك قال : « إذا باع نخلا
قد أبر ولقح ، فثمرته للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع الثمرة ، فإن شرط كان على ما
شرط ، وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه » ونحوه قال المفيد وعن ابن
إدريس أنه ما قصد الشيخ من ذلك إلا أن الثمرة للبائع ، لأنه ما ذكر إلا ما يختص
بالبائع ، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا في النخل ، فأما ما عداه متى باع
الأصول وفيها ثمرة فهي للبائع ، إلا أن يشترطها المشتري ، سواء لقحت أو لم تلقح ،
وهو كما ذكر ، وإلا كان ضعيفا لا شاهد عليه.
ثم إن المدار على
التأبير فعلا ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، لا وقته كما عن الشافعي ، فلو باعه النخل
بعد صلاح الثمرة ، لكنها لم تكن مؤبرة ؛ كانت للمشترى للصدق ، إلا أن يكون هناك
عرف يقتضي الخروج ، فإن فيه الإشكال المزبور حينئذ.
وعلى كل حال فـ ( في
جميع ذلك له تبقية الثمرة حتى تبلغ أو ان أخذها ) و
__________________
هو مختلف كما
تسمعه في الفروع وليس للمشتري إزالتها إذا كانت قد ظهرت ، سواء كانت ثمرتها في
كمام كالقطن والجوز ، أو لم تكن ، إلا أن يشترطها المشتري على البائع « فإن المؤمنين عند شروطهم »
وكذا لو كان المقصود من الشجر ورده ، فهو للبائع تفتح أو لم يتفتح بلا إشكال ولا
خلاف أجده في شيء من ذلك ، إلا من المحكي عن المبسوط وبعض أتباعه ، فقال : « إذا
باع القطن وخرج جوزه ، فان كان تشقق فالقطن للبائع ، إلا أن يشترطه المشتري ، وإن
لم يكن تشقق فهو للمشتري » ثم قال : « وما عدا النخل والقطن فعلى أقسام أحدها ـ ما
يكون ثمرته بارزة ، لا في كمام ولا ورد كالعنب والتين وما أشبه ذلك ، فان باع
أصلها ، فإن كانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع ، وإن لم يكن قد خرجت فهي للمشتري.
الثاني ـ أن تخرج الثمرة في ورد ، فإن باع الأصل بعد خروج وردها ، فان تناثر الورد
وظهرت الثمرة فهي للبائع ، وإن لم يتناثر وردها ولم يظهر الثمرة ، ولا بعضها فهي
للمشتري. الثالث ـ أن تخرج في كمام كالجوز واللوز ، مما دونه قشر يواريه إذا ظهر
ثمرته فالثمرة للبائع ـ الرابع ما يقصد ورده كشجر الورد والياسمين ، فإذا بيع
الأصل ، فإن كان ورده قد تفتح فهو للبائع ، وإن لم يكن تفتح فهو للمشترى.
ونحوه عن ابن
البراج ، ولم أعرف له شاهدا صالحا لقطع الأصل في الورد والقطن ، بل ظاهر التذكرة
أن المخالف في الثاني الشافعي ، قال؟ فيها : « القطن ضربان ، أحدهما له ساق ويبقى
سنين ، ويثمر كل سنة ، وهو قطن الحجاز والشام والبصرة. والثاني ـ ما لا يبقى أكثر
من سنة واحدة ، وكلاهما لا يدخل الجواز الظاهر في بيع الأصل ، سواء تفتح أولا ،
خلافا للشافعي ، ثم حكى قوله في القسمين » والتحقيق عدم الخروج عن مقتضى الأصل إلا
في النخل كما عرفت ، بل في الدروس أنه لا يدخل في ملك المشتري ورد الثمار فضلا عن
الجنبذ. والله أعلم.
ومنها ـ القرية ،
والدسكرة ، والضيعة في عرف أهل الشام ، ويدخل فيه دورها
وساحاتها وطرقها ،
وفي دخول الأشجار الثابتة وسطها إشكال ، كما في القواعد ، وجزم في الدروس بالخروج
الا مع الشرط ، أو القرينة كالمزارع التي حولها ، فإنه لا ريب في خروجها ، بل في
القواعد وان قال بحقوقها ، ومنها ـ لفظ الكتاب ويدخل فيه أجزائه وجلده وخيوطه ،
وما به من الأصول والحواشي والأوراق المثبتة فيه ، ولا يدخل فيه كيسه ولا ما به من
أوراق منفردة لا تتعلق به ، الا إذا كان عرف يقتضيه ، وفي دخول ما يعلم به من
الأوراق نظر كما في الدروس. ومنها ـ لفظ الحمام ويدخل فيه بيوته ، وموقده ، وخزانة
مائه ، وحياضه ، ومسلخه ، وبئره وماؤها ، بل في الدروس أنه لو كان ينتزع من مباح
دخلت الساقية فيه ، والأقرب دخول قدره المثبت فيه ، ولا يدخل فيه سطله ، ولا
أقدامه ، ووقوده ومأزره ، وعلى البائع تسليمه مفرغا من الرماد وكثير الغمامة.
ومنها ـ لفظ العبد
والأمة ولا يبعد اقتضاء العرف دخول ثيابهما الساترة للعورة في بيعهما ، كما نص
عليه في الدروس ، ويأتي الكلام في غيرها في بيع الحيوان ، ومنها ـ لفظ الدابة
ويدخل فيه النعل ، دون المقود والرحل إلا مع الشرط كما في الدروس ، ولعل العرف
الان على خلافه ، خصوصا في المقود. إلى غير ذلك من الألفاظ التي لا فائدة في
التعرض لتفصيلها ، بعد أن كان الضابط ما سمعته أولا. والله أعلم.
فروع الأول : إذا باع النخل
المؤبر وغيره صفقة كان المؤبر للبائع والآخر للمشتري بلا خلاف فيه بيننا ، اتحدت
البستان أو تعددت واتحد نوع المؤبر أو اختلف ، خلافا للشافعي وكذا لو باع المؤبر
لواحد ، وغير المؤبر لاخر بل لو باع نخلة واحدة أبر بعضها دون الأخر ، كان لكل
حكمه ، لأن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، فيدور الحكم مدارها وجودا وعدما
، خلافا للتذكرة فالجميع للبائع ، لصدق بيع نخل قد أبر ، واقتصارا فيما خالف الأصل
ـ عن دخول غير المؤبر في ملك المشتري ـ على المتيقن ، ولعسر التميز إذا أبر
المشتري ما انتقل إليه ، والمشقة
في اعتبار تأبير
الجميع في بقاء الثمرة على ملك البائع.
والجميع كما ترى
بعد ما عرفت ؛ على أن صدق التأبير ليس بأولى من صدق عدم التأبير ، بل يمكن منع صدق
الأول بظهور النصوص في تأبير الجميع ، والاقتصار على المتيقن لا يعارض الدليل ولو
كان ظنيا ، وعسر التميز ـ مع أنه لا يشخص ملكية البائع ـ يمكن رفعه حينئذ بالصلح ،
كما في الدروس « إذا لم يعلما قدر ما لكل منهما ، نحو ما لو كانت مؤبرة للبائع ،
فتجددت أخرى للمشتري قال في القواعد : إن لم يتميزا فهما شريكان ، فان لم يعلما
قدر ما لكل منهما اصطلحا ، ولا فسخ لا مكان التسليم ، وكذا لو اشترى طعاما فامتزج
بطعام البائع قبل القبض فله الفسخ ولعله أراد الانفساخ من قوله لا فسخ ، اى لا
يتوهم ذلك لعدم القدرة على التسليم ، لا مكانه ولو بتسليم الجميع ، فلا ينافي
حينئذ ما ذكره أخيرا من أن له الفسخ بالتعيب بالشركة قبل القبض. فتأمل جيدا.
فلا ريب حينئذ في
قوة ما ذكرناه أولا ، وأضعف من ذلك احتمال كون الجميع للمشترى لصدق عدم التأبير ؛
ولم أجده لأحد من أصحابنا نعم في جامع المقاصد أنه ربما ظهر من عبارة التذكرة ـ وهو
مع ضعفه ـ يمكن منع ظهورها فيه. فلاحظ وتأمل.
الفرع الثاني قد
عرفت أن تبقية الثمرة على الأصول إلى بدو الصلاح مستحقة لمالكها مجانا ، ولو مع
الضرر اليسير ، للأصول بائعا كان أو مشتريا ، ولكن بعد أن لم يكن لها مقدر شرعا
يرجع إليه كان المرجع فيها إلى العادة في تلك الشجرة كما في نظائره خصوصا في نحو
المقام الذي مبناه حديث الضرار ونحوه فما كان من الشجر حينئذ يخترف ويجتنى بسرا ينبغي أن
يقتصر على بلوغه وانتهاء حلاوته وما كان لا يخترف في العادة إلا رطبا فكذلك وما
يؤخذ تمرا فإلى أن ينشف نشافا تاما ، وهكذا. ومع اضطراب العادة يرجع إلى الأغلب
فيها ، ومع التساوي يحتمل الحمل على الأقل ، اقتصارا فيما خالف أصل تسلط
__________________
المشتري على ملكه
ـ ومنع غيره من الانتفاع به ـ على المتيقن والأكثر لثبوت أصل الحق ، فيستصحب الى
أن يثبت المزيل ، ووجوب التعيين للاختلاف المؤدي إلى الجهالة ، وتسمع في باب
الثمار تتمة لهذا. إنشاء الله تعالى.
ولو اتفق في
التبقية الضرر الكثير على مشتري الأصول ، فالأقرب ـ كما في القواعد وجامع المقاصد
ـ جواز القطع. فله إجباره عليه كما عن المختلف والدروس وحواشي الشهيد وغيرها ،
لوجوب التسليم مفرغا عليه ، ولنفى الضرر ، ولا يقدح رضاه بالعقد المقتضى للتبقية
بعد تنزيله على الغالب من عدم الضرر الكثير ، بل في الأول النظر في دفع الأرش ،
للأصل بعد أن كان القطع مستحقا ، بل عن الدروس الجزم بعدمه له أولا ؛ وان كان فيه
من الضعف ما لا يخفى. للمنع من جواز القطع بلا أرش ، ولعدم ، زوال الضرر بالضرر ،
ولانه نقص دخل على مال غيره لنفعه. نعم قد يحتمل البقاء بالأرش ، والاولى مراعاة
أكثرهما ضررا ، ومع التساوي والتشاح القرعة.
ومن ذلك يعلم ما
في التذكرة من أنه لا يجب القطع مع خوف الضرر على الأصل وإن كان كثيرا على اشكال ،
وما عن التحرير من عدم الترجيح ، بل عنها في موضع آخر والمبسوط وعميد الدين الجزم
بعدم القطع وان كثر الضرر ، بل ربما احتمل في عبارة المبسوط ذلك وان أدى الى تلف
الأصول ، وفيه ما لا يخفى.
الفرع الثالث يجوز
ال سقي لذي الثمرة لصلاحها لانه من حقوقها المستحقة له باستحقاق تبقيتها وسقى
الأصول كذلك لصاحبها فان امتنع أحدهما فمنع الأخر من السقي أجبر الممتنع لعدم
تسلطه علي منع تصرف الأخر لصلاح ماله. نعم لو تضررا معا منعا منه. فان كان السقي
يضر أحدهما بالفعل والأخر بالترك رجحنا مصلحة المبتاع كما عن الفاضل والشهيدين ،
بل نسبه ثانيهما إلى الأشهر ، لأن البائع هو الذي أدخل الضرر على نفسه بتسليطه
عليه.
ويحتمل البائع كما
في الدروس لسبق تعلق حقه الذي لا يزيله تسليط المشتري ،
وقد يحتمل بل لعله
الأقوى مراعاة أكثرهما ضررا ، ومع التساوي القرعة ، إلا أنه على كل حال ينبغي بذل
الأرش للمتضرر منهما جمعا بين الحقين ، خلافا لظاهر المتن وغيره من التقديم مجانا
، وأما احتمال جواز فسخ العقد ـ بينهما مع التشاح كما حكاه في المسالك عن بعض
الأصحاب ، وغيره عن المبسوط ـ ففي غاية الضعف لعدم المقتضى له ، وعليه لا يسقط
البحث ، لانه يمكن فرض المسألة فيما لا خيار فيه من العقود أو غيرها وكيف كان
فليسق من تقدم فيه لكن لا يزيد عن قدر الحاجة فإن اختلفا فيها رجعا إلى أهل الخبرة
كما في غير المقام.
الفرع الرابع :
الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن تدخل عرفا في بيع الأرض بلا خلاف أجده فيهما ،
مما عدا ثاني الشهيدين لأنهما من أجزائهما ولكن قال المصنف فيه تردد مما سمعت ،
ومن عدم صدق اسمها على الحجارة عرفا ، وخروج المعادن عن الحقيقة ، وعدم دلالتها
عليها بأحد الدلالات الثلاث. وفي المسالك « أن الأقوى ، دخول الحجارة ، دون
المعادن ، لان الحجارة من الاجزاء بخلاف المعادن الخارجة عن الحقيقة والطبيعة »
والأقوى عدم الفرق ، إذ لا ريب أن أرض المعدن قطعة من الأرض المخصوصة ، لها خصوصية
فتدخل في بيعها ، وأضعف من ذلك ، احتمال الخروج في الأحجار.
نعم هو كذلك في
الأحجار المدفونة فيها كما في التذكرة والقواعد والدروس وغيرها ، لتميزها ، وكونها
كالكنوز ونحوها من الأمور المودعة فيها للنقل ولكن للمشتري حينئذ أمره بالمبادرة
بإخراجها ، لتفريغ ملكه ، وإن لم يكن عليه ضرر في الإبقاء ، ولا أجرة له مدة
الإخراج وإن كان كثيرا ، واحتمله في التذكرة بعد اختيار اللزوم ، فان الظاهر ثبوت
الخيار له إذا لم يكن عالما ، وفات ما يعتد به من المنافع مدة الإخراج أو نقصت
العين ، ولو بذل له الدفين لم يجب عليه القبول ، كما أن له الخيار في الأحجار
المخلوقة فيها إذا كانت مانعة من الغرس والزرع ولم يكن عالما بها وان قلنا بدخولها
في ملكه والظاهر انه
لا خيار للبائع لو
ظهر فيها صفة زائدة على وصفها ، كما لو ظهرت مصنعا أو معصرة للزيت أو العنب أو
نحوهما ، لدخولها في ملك المشتري على كل حال ، خلافا للمسالك ، فخيره ، ونحوه يأتي
في المعدن ، بناء على دخوله وعدم علم البائع به.
وبه جزم في الدروس
قال : « ويدخل المعدن على الأقرب ، فلو جهله البائع تخير ، وكذا البئر والعين
وماؤهما ، ولو ظهر فيها مصنع أو صخرة عظيمة معدة لعصر الزيتون أو العنب فكذلك ،
وللبائع الخيار مع عدم العلم ، والحجارة المخلوقة تدخل » قلت : قد يمنع دخول
الأخيرين في ملك المشتري إذا لم يكونا مخلوقين فيها. وخيار البائع إذا كانا كذلك
كما عرفت ، لأنها على الأول كالمدفونة التي اعترف بعدم دخولها وعلى الثاني داخلة
في بيع الأرض كيف ما كانت ، بل قد يمنع الدخول في سابقيهما ، لعدم تناول اسم الأرض
لهما ، والغرض عدم كونهما من التوابع لها ، والا لم يتسلط البائع على الخيار إذا
لم يكن عالما ، كما أنه لا تسلط له مع فرض الدخول في الأرض ولو بالقصد الإجمالي.
فتأمل جيدا. والله اعلم.
( النظر
الثالث في التسليم )
لا خلاف في أن
إطلاق العقد وتجريده عن اشتراط التأخير يقتضي وجوب تسليم المبيع والثمن عرفا
فيتبعه الوجوب شرعا ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا ) وغيره بل الظاهر
ذلك ، وإن لم يطالب كل منهما الأخر بذلك ، فلا يجوز لأحدهما التأخير إلا برضاء
الأخر ، ضرورة أنه بتمام العقد ، يتم ملك كل منهما للعوض ، فإبقاؤه في اليد محتاج
إلى الاذن. نعم الظاهر باعتبار كون العقد عقد معاوضة ، ـ وجوب التقابض معا دفعة ،
كما أنه حصلا لهما الملك به كذلك.
__________________
فإن امتنعا معا
عنه عصيا وأجبرا على التقابض ، كما في كل ممتنع عما وجب عليه ، ولو امتنع أحدهما
أجبر الممتنع خاصة ، لاختصاصه بالعصيان ، وكان للآخر حبس العوض حتى يجبر الآخر على
التقابض ، كل ذلك لتساوى الحقين في وجوب إيصال كل منهما المال إلى مالكه ، ولا
رجحان لأحدهما على الآخر بالتقدم ، وقيل والقائل الشيخ في محكي عن خلافه ومبسوطة ،
وابن زهرة والقاضي والحلي على ما حكي عنهما يجبر البائع أولا إذا تمانعا ، وهو أحد
أقوال الشافعي ، لأن الثمن تابع للمبيع ، ولأنه بتسليمه يستقر البيع ويتم ، إذ لو
تلف قبل القبض كان من مال البائع وينفسخ العقد.
ولا ريب أن الأول
أشبه بأصول المذهب ، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين سواء كان الثمن عينا أو
دينا لاستواء العقد في إفادة الملك لهما ، وتبعية الثمن للمبيع على وجه يقتضي ذلك
، ممنوعة كمنع اقتضاء الثاني له ، بل لعل ما عن أبي حنيفة ومالك والشافعي ـ من
القول الآخر له ، وهو العكس إي يجبر المشتري على تسليم الثمن ـ أولى منه ، لأن حقه
متعين في المبيع ، فيؤمر بدفع الثمن ليتعين حق البائع ، فإن للبائع حقا آخر ، وهو
التسلط على الخيار بعد الثلاثة وقد يفوته ذلك بالقبض.
وأولى منهما معا
القول الثالث للشافعي وهو لا يجبران معا ، لكن يمنعان من التخاصم ، فان سلم أحدهما
ما عليه ، أجبر الآخر ، وكأنه لحظ أن الوجوب على كل منهما مشروط بعدم امتناع الأخر
فإذا امتنعا معا ارتفع الوجوب عنهما ، فلا عصيان من أحدهما حتى يجبرهما الحاكم ،
لكن قد عرفت أن وجوب التقابض عليهما مطلق غير مشروط بشيء ولا ينافيه جواز
الامتناع لأحدهما ، إذا عصى الآخر في عدم التقابض.
والرابع له أيضا
أنهما يجبران معا وهو المختار ، لكن أقواله الأربعة إذا كان الثمن في الذمة فإن
كان معينة فقولان له خاصة ، عدم الإجبار وبه قال أحمد للشبهة السابقة ، والإجبار
لهما ، وقد عرفت أنه الأقوى على كل حال ، ومن ذلك كله ظهر لك أن المراد
بوجوب التسليم على
كل منهما التقابض ، وإلا فيجوز لأحدهما الامتناع عن التسليم ، إن سبقه الآخر
بالامتناع ، كما هو مقتضى المعاوضة ، والمعلوم من بناء المتعاقدين ، بل إطلاق
العقد بالنسبة إلى ذلك كالتصريح به.
لكن عن الأردبيلي
بعد أن حكى عن الأكثر أنه إنما يجب عليهما معا الدفع بعد أخذ العوض ، ويجوز لكل
المنع حتى يقبض ـ أشكله بعدم النص ، وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على
كل واحد منهما عند طلب الآخر ، وعدم جواز الحبس حتى يقبض حقه ، وجواز الأخذ لكل
حقه من غير إذن الأخر ، لأن ذلك هو مقتضى الملك ، ومنع أحدهما حق الأخر وظلمه لا
يجوز الظلم للآخر ومنعه حقه ، واستجوده المحدث البحراني ، لكن قال : إن في فهم ذلك
من عباراتهم في هذا المقام إشكالا ، إذ غاية ما يفهم منها أن إطلاق العقد يقتضي
وجوب تسليم المبيع والثمن ، فالواجب حينئذ على كل منهما التسليم من غير أولوية
تقديم ، خلافا للشيخ.
فالغرض بيان
تساويهما في وجوب التسليم ردا على ما سمعته من الشيخ ، وأين هذا من المعنى الذي
ذكره وأشكله ، قلت : لا ينبغي التأمل في أن المفهوم من عبارات الأصحاب أن لأحدهما
الامتناع بعد امتناع الأخر ، وأن بناء المعاوضة على ذلك ، وهو المراد مما في
الدروس من أن حكم العقد تقابض العوضين ، إلى أن قال : « فإن تنازعا في التقدم
تقابضا » ونحوها غيرها لا ان الوجوب على كل منهما مستقل على كل حال وأن المالين
بمنزلة الوديعتين فليس لأحدهما الامتناع عن التسليم مع عدم إرادة المقاصة مثلا بعد
امتناع الأخر.
ومن ذلك يظهر أنه
لا وجه لإشكال الأردبيلي بعد الفهم العرفي من إطلاق العقد ، وفتاوى الأصحاب ـ بعد
الإغضاء عما نقله عنهم ـ مما حاصله يرجع إلى ما ذكرناه في القول الثالث للشافعي ،
وربما حكي عن بعض الفسخ أو بعد الخلاف ؛ وحينئذ يكون على وفق المشهور. فتأمل جيدا.
فإن المقام لا يخلو من دقة.
وربما ظهر منه
أيضا أن وجوب التسليم الذي اقتضاه العقد بعد الطلب ، فلا تجب حينئذ قبله ، وفيه أن
ظاهر الأصحاب ما قد مناه سابقا من اقتضاء إطلاق العقد وجوب
التسليم ، كما أن
العرف والقواعد الشرعية كذلك أيضا ، فالتأخير يحتاج إلى الاذن لا الدفع فلاحظ
وتأمل جيدا فيه وفي أن حق الحبس حيث يكون لأحدهما حق متعلق بالعين فيأثم حينئذ
بالقبض بغير إذن ، وسائر تصرفاته فيها وإن لم يضمن له قيمة المنافع للملك بالعقد ،
أو أنه لا تعلق له بالعين ، بمعنى ، أن الإثم يحصل بالقهر على القبض خاصة ، وأما
التصرف في العين فلا إثم فيه ، وجهان لم أقف على تنقيح لأحدهما في كلام الأصحاب.
والذي يناسب
الإرفاق وحديث الضرار الأول ، فلا تصح الصلاة فيه مثلا ، كما أنه لم أقف على تنقيح
في كلامهم ، لكون الإثم يحصل بالقبض بلا إذن ، أو أنه مع المنع خاصة ، مع أن
الوجهين قائمان فيه أيضا ؛ والمناسبة المذكورة لأولهما أيضا. هذا كله مع عدم الشرط
لا معه.
فـ ( لو اشترط
البائع ) خاصة تأخير التسليم للمثمن إلى مدة معينة جاز سواء كان كليا في الذمة أو
عينا مشخصة ، للعموم الذي مقتضاه عدم استحقاق التسليم عليه كما لو اشترط المشتري
تأخير الثمن ولو اشترطا معا جاز أيضا إذا لم يكن كل من الثمن والثمن كليا في الذمة
، والا كان من بيع الكالي بالكالي كما في الدروس ، وتسمع إنشاء الله تعالى تحقيق
الحال في ذلك أيضا ، وليس لغير مشترط التأخير الامتناع عن التسليم حينئذ ، لبقاء اقتضاء
العقد بالنسبة إليه سالما كما هو واضح ولو فرض اتحاد الأجل منهما ؛ ففي بقاء حكم
ما اقتضاه العقد من التقابض بعد حلول الأجل وجهان : ولو كان الشرط لأحدهما ، فلم
يقبض العوض حتى حل الأجل ، ففي عود حكم التقابض إشكال ، أقواه العدم ، لعدم إطلاق
للعقد بقبضه بعد أن كان مستحقا لتقدم التسليم على الآخر ولو كان الثمن تدريجيا
كعمل من المشتري ، فالظاهر عدم اعتبار التقابض لعدمه ، بل الواجب دفع المبيع كما
لو كان الثمن نسيئة.
نعم لو كان منفعة
عين مملوكة ، كدابة أو دار أمكن اعتباره بدفع العين ذات
المنفعة. فتأمل.
فإنه قد ينافيه كلامهم في كتاب الإجارة. ثم إن الشرائط التابعة للثمن والمثمن
تتبعهما أيضا في اعتبار التقابض لاتحاد اقتضاء الإطلاق في الجميع.
نعم لو فرض
خروجهما عن ذلك ، أمكن دعوى عدم اقتضاء الإطلاق التقابض وإن استحق كل منهما على
الأخر ، نحو الوديعتين ، فليس لأحدهما الحبس بامتناع الأخر ، كما في بعض الشروط في
النكاح التي يراد منها أصل الاستحقاق ، لا معنى المعاوضة الملحوظ فيها التقابض.
فتأمل. والظاهر أن حق الحبس ثابت بالامتناع من بعض العوض بل الظاهر عدم وجوب
التقابض على النسبة لأنه خلاف مقتضى العقد ، مع احتماله فيما يتحقق منه. والله
العالم.
وكذا يجوز لو
اشترط البائع مثلا سكنى الدار أو ركوب الدابة مدة معينة كان أيضا جائزا بلا خلاف
ولا إشكال في أصل جواز ذلك ، وظاهر المصنف عدم استحقاق التسليم عليه حينئذ ، ولعله
لاقتضاء العرف ، وإلا فلا منافاة بين استحقاق الركوب والسكنى ، ووجوب التقابض ،
ولكن البحث فيما يتحقق به القبض الذي يتوقف عليه الصحة في بعض العقود ، ويرتفع به
ضمان البائع وخياره بعد الثلاثة في بعض الأحوال ، والحرمة أو الكراهة في بيع ما لم
يقبض ، الى غير ذلك من الأحكام المترتبة في البيع وغيره وهو في النهاية الأثيرية :
القبض بجميع الكف ومحكي المصباح المنير : الأخذ. وفي الرياض عن جماعة من أهل اللغة
: أنه القبض باليد. وفيه في غيره أنه في العرف كذلك أيضا.
لكن ذلك لا يوافق
ما عند الأصحاب ، إذ قيل : أنه التخلية مطلقا سواء كان المبيع مما لا ينقل كالعقار
، أو مما ينقل ويحول كالثوب والجوهر والدابة ، وقيل فيما ينقل ، القبض باليد ، أو
الكيل فيما يكال ، أو الانتقال به في الحيوان وقريب منه ما في المحكي عن المبسوط ،
بل لعله هو الذي أراده ، وإن كان لم يحكه بتمامه قال فيه على ما في المختلف : «
أنه التخلية فيما لا ينقل ويحول. وأما فيه فإن كان مثل الدراهم والدنانير والجوهر
وما يتناول باليد ، فهو التناول ، وإن كان حيوانا
كالعبد والبهيمة ،
فالقبض في الأول أن يقيمه في مكان آخر ، وفي الثاني أن يمشي بها إلى مكان آخر ،
وإن كان اشتراه جزافا ، فالقبض أن ينقله من مكانه ، وإن كان مكايلة فالقبض أن يكيله
» قال : وتبعه ابن البراج وابن حمزة.
وقيل : أنه
التخلية فيما لا ينقل ، وفي المنقول نقله ، واختاره أبو المكارم مدعيا عليه
الإجماع ، وتبعه الشهيدان في اللمعة والروضة ، وفي الدروس « في غير المنقول
التخلية بعد رفع اليد ، وفي الحيوان نقله » وفي المعتبر « كيله أو وزنه ، أو عده ،
أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد » قال : وقيل : التخلية مطلقا ، ولا بأس به في
نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع قبل القبض.
نعم لو خلى بينه
وبين المكيل فامتنع حتى يكتاله ، لم ينتقل إليه الضمان وفي المختلف « أنه إن كان منقولا
فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد ، وإن كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك أو
الكيل أو الوزن ، وإن لم يكن منقولا فالتخلية ، وفي التحرير « الأقرب عندي أن
القبض : الكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن ، والقبض باليد فيما ينقل ويحول ،
والنقل في الحيوان ، والتخلية فيما لا ينقل ويحول ومنه الثمرة على رؤس النخل » وفي
المسالك « التخلية في غير المنقول ، وفيه استقلال اليد عليه ، سواء نقله أم لا ،
وفي المكيل والموزون كيلهما ووزنهما » إلى غير ذلك من الأقوال المتفقة ، على أنه
التخلية في غير المنقول ، واختلافهما إنما هو في المنقول ، ومرجعها مع ملاحظة سائر
القيود إلى سبعة ، كما أن منشأها منحصر في دعوى العرف.
وصحيح معاوية بن
وهب « سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ؛ فقال : ما لم يكن كيل
أو وزن ، فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن
__________________
توليه » وخبر عقبة
بن خالد عن الصادق 7 « في رجل اشترى متاعا وأوجبه ، غير أنه ترك المتاع عنده
ولم يقبضه ، وقال : آتيك غدا إنشاء الله ، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال : من
مال صاحب المتاع الذي هو في بيته ، حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه
من بيته ، فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه »
فبين جامع بين
مضمونهما والعرف ، وبين مقتصر على الثاني ؛ لضعف سند الثاني منهما ، واعتباره
الإخراج المخالف للإجماع ، وارادة النقل منه ليس بأولى من ارادة التخلية أو
الاستيلاء أو نحو ذلك ، ولا تصريح في الأول بأن الكيل قبض ، ويمكن إرادة النهي عن
بيعه قبل كيله ووزنه ، وإن تحقق القبض فيه بالنقل ، ولعل الاكتفاء به في جواب
السؤال عن البيع قبل القبض ، لاستلزامه حصول القبض مع زيادة الاعتبار المزبور ،
فالمراد حينئذ أن اشتراط ذلك في بيعه مستلزم لحصول القبض ، وفرض حصوله أى الاعتبار
بدونه نادر لا ينافي الإطلاقات ، فانحصر الأمر حينئذ في اللغة.
لكن قد عرفت أن ما
فيها لا يوافق ما أجمع عليه الأصحاب في غير المنقول ، والذي يقوي في النفس ، أن
المراد به في جميع المقامات التي اعتبره الشارع في صحتها أو لزومها أو غيرهما من
الأحكام ، تحويل السلطنة العرفية من المنقول منه إلى المنقول اليه سواء حصل له
السلطنة الشرعية قبله بالعقد ، كما في البيع ونحوه ، أو لا كالوقف والهبة ونحوهما.
ولا ريب في حصولها
بالتخلية في غير المنقول ؛ بمعنى رفع المنافيات للمنقول اليه مع رفع يد الناقل
والإذن منه ، ضرورة صيرورته بذلك كالناقل في قبضه لعقاره ولا يحتاج حينئذ وصول
المنقول اليه بنفسه أو وكيله الى المنقول أو تصرفه فيه بل لا يحتاج الى مضى زمان
وان كان بعيدا عن المنقول اليه ، لصدقها بدونه قطعا ، كصدق دخوله في قبضته
واستيلائه وتحت يده بذلك كالمنقول منه ؛ وليس الإذن المزبورة
__________________
لتوقف جواز قبض
المشتري للمبيع عليها ، كي يرد أنه لا دليل عليه بعد أن ملكه بالعقد بل لتوقف تحقق
التخلية المعتبرة في حصول السلطنة العرفية في مثله عليها ، وإلا فالأقوى عدم
اعتبار الاذن فيما كان قبضه بغير التخلية ، حيث لا يكون له الحبس لتسلم الثمن أو
المثمن.
نعم هي معتبرة حيث
يكون له ذلك ، على الوجه الذي عرفته سابقا ، وكذا لا ريب في حصولها في غير المنقول
بالاستيلاء على العين استيلاء يستطيع به النقل والأخذ وغيرهما من أحوال المالك ،
من غير حاجة إلى وقوع ذلك منه فعلا ، ضرورة صدق تحقق المراد من القبض بطرح العين
بين يدي المنقول إليه على وجه يتمكن من الفعل فيها كيف شاء نقلا وأخذا ونحوهما ،
إذ ليست أمواله التي بيده ويصدق عليها أنها مقبوضة له وتحت قبضته وفي يده إلا كذلك
، من غير حاجة إلى المماسة والتصرف الحسيين ، وليس ذا كالتخلية المزبورة في غير
المنقول ، إذ من الواضح الفرق بين تحقق السلطنتين عرفا في ذلك ، فإن أراد القائل
بالتخلية مطلقا ما يشمل ذلك ، بدعوى انها في المنقول غيرها في غيره فمرحبا بالوفاق
كما انه إن كان المراد بما في المسالك ذلك اختص البحث معه حينئذ في خصوص القبض في
المكيل والموزون ، لكن في كلامه بعد ذلك ما ينافي حمله على ما ذكرناه ، بل فيه ما
يقضى بالتشكيك في اعتبار القبض في المكيل والموزون بالكيل والوزن.
قال : « التحقيق
أن الخبر الصحيح دل على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما ،
لا على أن القبض لا يتحقق بدونهما ، وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا
ينافي ذلك ، لان الاعتبار بهما قبض وزيادة ، فلو قبل بالاكتفاء في نقل الضمان
فيهما بالنقل ، عملا بمقتضى العرف والخبر الآخر ويتوقف البيع
ثانيا على الكيل والوزن ، أمكن إن لم يكن إحداث قول في المسألة » انتهى فتأمل
__________________
جيدا ، فان كلامه
لا يخلو من اضطراب في الجملة ، كالفاضل في الرياض.
والتحقيق ما عرفت
، وليس مرادنا حصر مصداق القبض بما ذكرنا ، بل المراد عدم اعتبار القبض باليد أو
النقل حسا ولو كان المبيع بيد المشتري قبل الابتياع ، ففي المسالك « إن كان بغير
إذن البائع ، فلا بد من تجديد الاذن في تحققه ، أي القبض بالنسبة إلى رفع التحريم
أو الكراهة ، وأما بالنسبة إلى نقل الضمان فيحتمل قويا تحققه بدونه ، كما لو قبضه
بعده بغير إذن البائع » قال : « ويحتمل توقف الأمرين على تجديده ، لفساد الأول
شرعا ، فلا يترتب عليه أثره ، ولو كان بإذنه كالوديعة والعارية ، لم يفتقر إلى تجديد
إذن ولا تخلية ». وفيه أنه لا وجه لاعتبار الاذن في المنقول ، حيث لا يكون له
الحبس ، كما لو باعه بثمن في ذمة البائع مثلا ، لانتقاله إلى ملكه بالعقد ، والفرض
أنه في يده وفي قبضته وكون اليد سابقا عدوانا لا ينافي انتقال استمرارها إلى غير
العدوان ، وليس ذا كالقبض المتوقف صحة العقد عليه ، فان اعتبار الاذن في ذلك مطلقا
متجه ، بخلاف المقام المتجه فيه على الظاهر عدم الفرق.
نعم لا يبعد بقاء
حق الحبس له إذا لم يكن الثمن واصلا إليه ، فيحرم عليه التصرف ، بناء على اقتضائه
ذلك ، ويبقى له الخيار بعد الثلاثة ، أما انتقال الضمان ، وزوال الحرمة أو الكراهة
، فالوجه تحققهما به ، لصدقه ، ودعوى ارادة الصحيح منه ـ بدعوى أنه يشترط فيه شرعا
الاذن وبذلك ينقسم حينئذ إلى الصحيح والفاسد دعوى في دعوى لا شاهد على شيء منهما
، خصوصا مع أن الأصل ضمان المشتري. فتأمل.
ولو كان المبيع
مشغولا بملك البائع ، فإن كان منقولا كالصندوق المشتمل على أمتعة البائع ، كفى في
قبضه على المختار حصول تلك السلطنة عليه ولو قبل تفريغه. بل لو اعتبرنا نقله ،
ونقله المشتري بالامتعة كفى في نقل الضمان وغيره
حتى مع عدم إذن
البائع في نقل الأمتعة ، بعد أن يكون آذنا في المبيع ، أو كانت إذنه غير معتبرة
لوصول الثمن إليه ، إذ الإثم في ذلك لا ينافي صحة القبض ، وترتب أحكامه عليه ،
واحتمل في المسالك توقفه ـ فضلا عن غيره من أحكام القبض ـ على إذن البائع في نقل
الأمتعة ، وفيه من الضعف ما لا يخفى.
وإن كان غير منقول
فلا ريب في تحقق التخلية قبل نقل الأمتعة ، فيكتفى. بها ، واحتمل في المسالك عدم
الاكتفاء بها قبل النقل أيضا وهو أضعف من سابقه. ولو كان المبيع مشتركا بين الناقل
وغيره ففي المسالك « إنه على ما اخترناه إن كان منقولا فلا بد من إذن الشريك في
تحقق القبض لتوقفه على إثبات اليد والتصرف في حصة الشريك » الى ان قال فان « أذن
الشريك والا نصب الحاكم من يقبضه أجمع ، بعضه أمانة وبعضه لأجل البيع » واختار
العلامة في المختلف الاكتفاء حينئذ بالتخلية ، لأن المانع الشرعي من النقل كالمانع
العقلي في العقار ، ذكر ذلك في باب الهبة ، والحكم واحد بل فيها أقوى.
قلت الظاهر تحقق
القبض بنقله وقبضه وإن كان عصيانا ، لما عرفت من أن الإثم في ذلك لا ينافي تحقق
القبض عرفا ، بل وشرعا ، بل قد يقال : بتحققه وإن لم يحصل له النقل الحسي ، بل
بمجرد حصول سلطنة البائع له وهي تامة ، والمنع من جهة الشريك أمر خارجي عنها لا
ينافي تسلط المشتري على ذلك كتسلط البائع ، وحينئذ يرفع أمره إلى الحاكم في
استيفاء المنفعة مع التشاح ، وأولى من ذلك غير المنقول الذي يكتفى فيه بالتخلية ،
واستجوده في المسالك بعد أن احتمل التوقف على الإذن أيضا ، قال : « لأن حقيقة قبض
ما هذا شأنه رفع يد المالك وتخلية المشتري بينه وبينه ، وهذا لا يقتضي التصرف في
مال الشريك » ثم قال : « ووجه الاشتراط أن وضع اليد والتسليط على التصرف لا يمكن
بدون التصرف في حصة الشريك » قلت : هو كما ترى بعد عدم اعتبار مثل ذلك في التخلية
التي يكفي فيها رفع المانع عرفا وشرعا من قبل البائع. ومن ذلك ظهر لك الحال فيما
لو كان المبيع مختصا بالبائع ، أو مشتركا بينه وبين
غيره أو المشتري ،
إذ المدار عندنا على حصول تلك السلطنة المزبورة ، والاستيلاء المذكور وفي المسالك
« أنه ان كان في مكان لا يختص بالبائع ، كفى في المنقول نقله من حيز إلى آخر ، وإن
كان في موضع يختص به ، فإن نقله فيه من مكان إلى آخر بإذنه كفى أيضا ؛ وإن كان
بغير إذنه كفى في نقل الضمان خاصة كما مر ، ولو اشترى المحل معه كفت التخلية في
البقعة ، وفيه وجهان أصحهما الافتقار إلى النقل ، كما لو انفرد بالبيع ، ولو أحضره
البائع ، فقال له المشتري ففعل تم القبض لأن البائع حينئذ كالوكيل فيه ، وإن لم
يقل شيئا ، أو قال لا أريده ففي وقوعه بذلك وجهان ، وينبغي الاكتفاء به في نقل
الضمان ، كما لو وضع المغصوب بين يدي المالك دون غيره ».
وأنت إذا أحطت
خبرا بما ذكرناه لا يخفى عليك مواقع النظر من هذا الكلام. كما أنه لا يخفى عليك ما
في قول المصنف والأول من الأقوال الذي لم نعرف قائلا به قبله أشبه وإن استدل له ـ بعد
دعوى العرف ـ بأنه استعمل فيها إجماعا فيما لا ينقل ويحول ، فيجب أن يكون كذلك في
غيره ، ويكون حقيقة في المعنى المشترك ، إذ لو استعمل في المنقول بمعنى آخر لكان
إما حقيقة فيهما ، فيلزم الاشتراك ، أو مجازا في الأخر فيلزم المجاز ، وكلاهما على
خلاف الأصل. ونظر فيه في الرياض « بوجوب المصير إلى أحدهما ؛ بعد قيام الدليل عليه
، مع أن استعمال القبض في التخلية في المنقول ، خلاف المفهوم والمتبادر منه في
العرف واللغة ، بل المتبادر منه عرفا عند الإطلاق هو القبض باليد ؛ وبه صرح جماعة
من أهل اللغة ، فاللازم الاقتصار عليه ، إلا ما قام الإجماع على إرادة التخلية منه
، وهو إنما يكون في غير المنقول خاصة ، وكذا لا يجب اعتبار شيء زائد عليه من
النقل ، إلا ما قام الدليل على اعتباره فيعتبر إن تم. فتأمل جيدا. ومع ذلك يرده
المعتبرة فلا وجه لهذا القول أصلا ».
قلت : قد عرفت أنه
يمكن إرادة المعنى الشامل للتخلية وغيرها من القبض ،
__________________
وهو السلطنة
العرفية ، بل ظاهر الأصحاب أن المذكورات أفراد للقبض ، لا معان ، فلا حاجة حينئذ
إلى ارتكاب دعوى الاشتراك أو المجاز ، للدليل ، كما أنك عرفت إمكان إرادة القائل
بالتخلية ما قلناه ، وحينئذ دعوى منافاته للعرف كما ترى ، ولو سلم فالمراد شرعا لا
يزيد على ذلك قطعا ، بل قد يحتمل إرادة ذلك من القبض باليد والنقل في عبارات
الأصحاب ، ضرورة عدم الاجتزاء بذلك مع عدم حصول السلطنة به ، فهو كناية عما ذكرنا
، لغلبة حصولها معه.
والمعتبرة قد عرفت
الحال فيها ، إذ هي الخبران المزبوران خاصة الذي على تقدير القول بالأول منهما ، قال في المسالك
: « لا يخلو المبيع إما أن يكون قد كيل قبل البيع ووزن ؛ أولا بأن أخبر البائع
المشتري بكيله أو وزنه ، أو باعه قدرا منه معينا من صبرة مشتملة عليه ، فان كان
الأخير فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه ، للنص المزبور ، وإن كان الأول ففي
الافتقار إلى اعتباره ثانيا لأجل القبض ، أو الاكتفاء بالاعتبار السابق وجهان ، من
إطلاق توقف الحكم على الكيل والوزن وقد حصلا ، وقوله 7 « لا تبعه حتى تكيله أو تزنه » لا يدل على أزيد من حصولهما
الشامل لما كان قبل البيع.
ومن كون الظاهر
ذلك لأجل القبض ، لا لأجل صحة البيع ، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد ، وبه
صرح العلامة والشهيد وجماعة ، وهو أقوى ، ويدل عليه قوله 7 في الخبر السابق
« إلا أن توليه » فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع أو ما قام مقامه ، فلا بد منه
في التولية وغيرها ، ومقتضى قوله 7 « إلا أن توليه » أنه معها لا يتوقف على كيل أو وزن ، فدل
ذلك على أنهما لأجل القبض لا لأجل صحة البيع.
وأما الثاني فإن
اكتفينا بالاعتبار الأول ؛ في الأول ، كفى الاخبار فيه ، واختارهما في التذكرة وإن
لم نكتف في السابق في الأول ، لم يكتف حينئذ بالاخبار في
__________________
الثاني بطريق
أولى.
وقد روى محمد بن حمران قال : « قلت لأبي
عبد الله 7 : اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله ، فصدقناه وأخذناه بكيله؟ فقال 7 : لا بأس ، فقلت
: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : لا ، أما أنت فلا تبعه حتى تكيله » انتهى
وفيه أولا ما عرفت من عدم دلالة النص ، وثانيا أنه لا ينبغي التأمل في تحقق القبض
في الأول ، لو وهبه مثلا ما بقي من الصبرة ، ثم نقل الجميع ، وبه صرح بعض المحققين
، وثالثا أن السيرة القطعية ، بل يمكن دعوى الضرورة على خلاف ما جعله الأقوى كما
هو واضح ، خصوصا إذا كاله المشتري قبل الشراء ونقله ، فإنه لا حاجة حينئذ إلى قبض
، لأنه اشترى ما هو مقبوض له فتأمل جيدا. وستعرف إنشاء الله تحقيق أنه لا فرق فيه
؛ بين البيع تولية وغيره في الكراهة أو الحرمة قبل القبض.
ولعل المراد من
خبر محمد بن حمران أنه لا يباع ثانيا مخبرا بكيله ، على حسب ما أخبر به الأول
، ضرورة ظهور الاخبار في مباشرة المخبر الاعتبار ، والفرض أنه كذلك ، فهو حينئذ
تدليس محرم ، أو أن المراد به ما يراد من غيره من حرمة بيع المكيل أو الموزون قبل
اعتبارهما ، أو كراهته مطلقا ، أو إذا كان طعاما كما ستعرف ذلك في محله ، من غير
مدخلية لتحقق معنى القبض ، وإن كان ينافيه ظاهر كلامهم الاتى الذي هو ظاهر في أن
المدار على تحقق القبض فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فلا
ينبغي إلحاق المعدود بالمكيل والموزون ، في أنه لا يكتفى بعده سابقا عن العد بعد العقد
، لعدم النص ، وتحقق القبض عرفا بما يتحقق في غيره خلافا للدروس فألحقه فيها ، وهو
لا يخلو من وجه ، والتحقيق في ذلك كله ما سمعت ، ومنه يعلم الغرابة هنا في بعض ما
وقع لبعض الأصحاب. والله أعلم بحقيقة الحال.
__________________
وكيف كان فـ ( إذا
تلف المبيع ) بآفة سماوية قبل تسليمه إلى المشتري وقبل تمكينه منه ، انفسخ العقد
وكان من مال البائع وعاد الثمن إلى المشتري بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة والدروس
حتى لو أبرأه المشتري من الضمان كما تقدم البحث فيه ، وفيما لو مكنه منه ، فامتنع
من تسلمه أو أنه يتركه عند البائع باختياره والظاهر أن إتلاف المشتري بمنزلة القبض
، سواء كان عالما أو جاهلا ، للأصل السالم عن معارضة الخبر المنساق منه غير
الفرض ، بقرينة ظهوره في إرادة الإرفاق بالمشتري ، واحتمل الشافعي عدم كونه بمنزلة
القبض في الأول ، فضلا عن الثاني ، بل في التذكرة « هذا إذا كان المشتري عالما ،
أما إذا كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله ، فالأقرب أنه
ليس قبضا وأنه كإتلاف البائع » وهو كما ترى.
ولو أتلفه البائع
ففي القواعد والدروس وغيرهما أنه يتخير المشتري بين الفسخ ورد الثمن ، وبين
الالتزام ومطالبة البائع بالمثل أو القيمة ، كما لو أتلفه أجنبي ، وعن الشيخ الفرق
بينهما ، فجعل الأول كالتلف بآفة سماوية ، ووافق على الخيار في الثاني الذي ظاهرهم
الاتفاق على الخيار فيه ، لكن قد يحتمل الانفساخ فيهما معا ، عملا بإطلاق الخبر وعدم جواز
الإتلاف للبائع ـ فضلا عن الأجنبي ، لأن ليس له الفسخ فيكون عاديا فيه ، فيترتب
عليه المطالبة بما أتلفه ـ لا ينافي تحقق الانفساخ به ، للخبر المزبور ، وإن كان
قد أثم بالفعل ، على أنه لو فرض عدم تناول الخبر المزبور له ، أشكل ثبوت أصل
الخيار له ، بل المتجه اللزوم ومطالبة البائع أو الأجنبي بالمثل أو القيمة ، وتعذر
التسليم على هذا الوجه لم يثبت سببيته للخيار ، وخبر الضرار يدفعه ما وضعه
__________________
الشارع من الضمان
لمن أتلف مال غيره فتأمل جيدا.
وعلى كل حال
فالظاهر عدم جريان حكم المبيع على المثل أو القيمة في التلف من البائع قبل القبض ،
بل في جواز حبسها على الثمن إشكال. ولو كان المبيع متعددا فتلف بعضه قبل القبض ،
انفسخ ورجع بقسطه من الثمن بلا خلاف ، بل في التذكرة نسبته إلى كل من أبطل البيع
بالإتلاف ، وفيها وفي الدروس كان له خيار التبعض في المقبوض ، وفيه نوع تأمل ، لكنه
ضعيف ، وأضعف منه احتمال عدم الانفساخ في التالف ، لتعليق الحكم على تلف المبيع
الذي لا يصدق إلا بتلف الجميع ، فيبقى حينئذ غيره على الأصل ، فيكون تلفه حينئذ من
المشتري ، لأنه أمانة في يد البائع ، وتسمع في باب الثمار تتمة لهذا إنشاء الله
تعالى.
وكذا إن نقصت
قيمته إى المبيع بحدث فيه من الله أو البائع ، أو الأجنبي كان للمشترى رده بلا
خلاف ، بل في الروضة عن كشف الرموز الإجماع عليه ، ولأصالة صحة العقد ، والضرر
بإلزامه بقبوله على هذا الحال ـ وقد علم من حكم التلف قبل القبض إرفاق الشارع
بالمشتري خاصة دون البائع ـ وجبر ضرره ـ المشابه للانفساخ إنما هو بالخيار.
وفي الأرش مع
الالتزام لو كان التعيب من قبل الله كما في المسالك تردد ينشأ ـ من أصالة البراءة
بعد جبر الضرر بالخيار ، على أنه إذا كان من الله تعيب على ملكه ، لا من قبل أحد ،
وهو خيرة الشيخ في المحكي عن مبسوطة وخلافه ، وابن إدريس بل نفى الخلاف فيه في
الثاني ، بل ربما ظهر منهم ذلك حتى لو كان من قبل البائع ـ ومن أنه مضمون على
البائع بأجمعه ، فكذا أجزائه وصفاته ، واختاره الشيخ في نهايته ، والفاضل
والشهيدان ، بل في المختلف حكايته عن ابن براج وأبى الصلاح ، وفيه ان ضمان البائع
له بمعنى انفساخ العقد لو تلف ، لا انه يغرم
__________________
المثل أو القيمة ،
ومثله يمنع سريانه للاجزاء ، والا لاقتضى انفساخ العقد في الجزء المقابل له من
الثمن ، حتى لو أراد دفع الأرش من غيره لم يجب عليه القبول ، ولا ريب في بطلانه
خصوصا على ما هو الظاهر من عدم مقابلة اجزاء الثمن لاجزاء المبيع اللهم إلا ان
يدعى ان إعطاء الأرش مشابه للرجوع بالثمن في تلف الجميع ، فيستفاد حكمه منه ، لكن
الاكتفاء في الحكم الشرعي بمثل ذلك في نحو هذه المسألة الخلافية كما ترى.
نعم لا ريب في
ثبوت الأرش لو كان التعيب من أجنبي ، لعموم من أتلف والضرورة على عدم هدر جناية
الجاني وتناول البائع لها ـ مع كون المال لغيره ـ لا وجه له ، فانحصر في المشتري ،
لكن الظاهر بناء على ذلك إنما هو تفاوت ما بين القيمتين من غير ملاحظة النسبة إلى
الثمن ؛ وإن كان إطلاق لفظ الأرش تقتضي ذلك لأنه جزء من الثمن ، ولو كان التعيب من
قبل البائع ، فالظاهر التزامه بالأرش ، لنحو ما سمعته في الأجنبي. فيتجه منه ما
ذكرناه فيه.
اللهم إلا أن يدعى
انفساخ العقد فيما قابل الجزء الفائت من الثمن ، وقد عرفت ما فيه ، وقد يناقش في
أصل ثبوت الأرش على البائع ، بأن الضرر الناشئ منه سلط المشتري على الخيار ، فكان
تزلزل العقد صار عوض جنايته ، فلا يستحق معه أرش ، الا أن الأول أقوى. ومن ذلك ظهر
أن المشتري يرجع على الأجنبي بالأرش حيث يكون التعيب منه كما هو صريح بعضهم ،
وظاهر آخر وليس له الرجوع على البائع ، باعتبار أنه مضمون عليه كالمغصوب ، وهو في
الجملة مؤيد لما ذكرنا من عدم كون العين مضمونة على البائع بالمعنى المزبور. فتأمل
جيدا. والله أعلم.
( ويتعلق
بهذا الباب مسائل )
الأولى : لا خلاف
بناء على الملك بالعقد في أنه إذا حصل للمبيع نماء كالنتاج أو ثمرة النخل أو ما في
حكمه كاللقطة للعبد كان ذلك للمشتري لأنه من التوابع لملكه فإن تلف الأصل قبل قبضه
سقط الثمن عن المشتري لانفساخ العقد وله النماء لأن التحقيق كون الفسخ من حينه ،
لا من أصله ، وليس من ذلك أرش جناية الأجنبي مثلا ، فمتى فسخ بها كانت للبائع ،
لأنه عوض جزء عاد إلى ملك المالك كما هو واضح ولو تلف النماء من غير تفريط ، لم
يلزم البائع دركه لأنه امانة في يده ولا يجرى عليه حكم المبيع ؛ للأصل السالم عن
المعارض.
المسألة الثانية :
إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطا لا يتميز ، فإن دفع الجميع إلى
المشتري جاز وعن الشيخ انه يجب عليه القبول ، لأنه زاده فضلا ، وفيه منع ، بل
الظاهر عدم سقوط الخيار الاتى بالبدل ، كما صرح به في جامع المقاصد والمسالك وان
امتنع البائع قيل والقائل الشيخ فيما حكى عنه ينفسخ البيع ، لتعذر التسليم ولانه
كالتلف قبل القبض ، وفيه منع واضح إذ أقصاه صيرورته كبيع المشاع. والأقوى عندي ان
المشتري بالخيار ، إنشاء فسخ وان شاء كان شريكا للبائع ، كما إذا اختلطا بعد القبض
فإنه لا ريب في تحقق الشركة قهرا ، ولا فرق في الاختلاط بين كونه من فعل البائع ،
أو غيره غير المشتري ولا بين كونه بالمماثل أو الأجود أو الأردى.
نعم في المسالك «
ينبغي ـ في الامتزاج بالأجود بغير اختياره ـ ثبوت الخيار
له ، أي البائع
أيضا لتضرره بذلك ، مع اختيار المشتري الشركة » وفيه إشكال ينشأ من عدم مراعاة
حاله قبل القبض ، وإنما هي مختصة بالمشتري ، ولذا لو تعيب من قبل الله في يده ،
تسلط المشتري خاصة على الخيار ، وفي الأرش ما عرفت ، على إن المتجه بناء على ما
ذكره ، ثبوت الخيار له مطلقا ، لا في خصوص الاختلاط بالأجود ، لأن الشركة مطلقا
ضرر عليه أيضا. فتأمل. وحكم الاختلاط بغير مال البائع ، حكم الاختلاط بماله. ثم
إنه حيث تفتقر القسمة إلى مؤنة فهي على البائع ، لأن هذا العيب مضمون عليه ،
والتخليص واجب عليه ، لوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.
المسألة الثالثة :
لو باع جملة فتلف بعضها بآفة سماوية فإن كان للتالف قسط من الثمن ، لانه لا يبقى
مع فواته أصل المبيع ، بل بعضه ، وضابطه ما كان صالحا للبيع منفردا ، انفسخ العقد
فيه ، ورجع ما يخصه من الثمن ، لصدق تلف المبيع قبل قبضه ، وكون الثمن موزعا عليه
، وكان للمشتري فسخ العقد في الباقي ، لتبعض الصفقة وله الرضا بحصة الموجود من
الثمن كبيع عبدين ، أو نخلة وفيها ثمرة لم تؤبر ، وإن لم يكن له قسط من الثمن
لبقاء أصل المبيع بفواته ، كان للمشتري الرد لما تقدم أو أخذه بجملة الثمن ، كما
إذا قطعت يد العبد وظاهره هنا الجزم بعدم الأرش ، مع أنه تردد فيه سابقا ، واحتمال
تغاير موضوع المسألتين في غاية السقوط ، ووجهه ما سمعته من عدم مقابلة الثمن
للاجزاء ، حتى يفوت ما يخصها منه بفواتها ، فليس إلا الخيار ، كما لو فات الوصف
الذي صرح في القواعد وجامع المقاصد والمسالك بعدم الأرش فيه ، قالا في الأخيرين :
« فلو كان العبد كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض ، فللمشتري الرد خاصة ؛ فإن الفائت
ليس بعضا من المبيع ، ومن ثم لو شرط كونه كاتبا ، فظهر بخلافه لم يستحق سوى الرد »
لكنهما فرقا بينه وبين الجزء الفائت ، كاليد ونحوها ، وجزما بعد التردد بالأرش فيه
، معللين له بأن القيمة تزيد بوجوده ، وتنقص بعدمه ، وفواته من أظهر العيوب
وأبينها ، وللقطع بأن المبيع
هو مجموع بدن
العبد ، وقد فات بعضه ، بل صرح في الأخير منهما أن الخيار فيه تبعض الصفقة ، وأنه
كفوات ماله قسط من الثمن من أحد العبدين ونحوه.
وقد عرفت سابقا
قوة القول بعدم الأرش في الجزء ، فضلا عن الوصف لو كان الفوات من قبل الله ، أما
لو كان من أجنبي فلا ريب في ضمان الجناية ، وأن الأقوى كون المضمون تفاوت القيمتين
من غير ملاحظة الثمن ، بل وكذا البائع ، وعليه فقد يقوى عدم الفرق بين فوات الجزء
والوصف ، ضرورة تفاوت القيم بتفاوت الوصف ، بل يمكن التزام مقابلته بالثمن ، بناء
على مقابلته الاجزاء. فتأمل جيدا. والله أعلم.
المسألة الرابعة :
يجب تسليم المبيع مفرغا من أمتعة البائع وغيرها مما لم يدخل في البيع بمعنى وجوب
التسليم والتفريغ فلو كان فيه متاع وجب نقله ، أو زرع قد أحصد ، وجب إزالته وإن لم
يكن قد أحصد ، وجب الصبر إلى أوانه إن اختاره البائع ، ولا أجرة عليه على الظاهر.
نعم للمشتري الخيار إذا لم يكن عالما به للضرر. ولو كان للزرع عروق تضر بالانتفاع
كالقطن والذرة ، أو كان في الأرض حجارة مدفونة ، أو غير ذلك مما يمنع الانتفاع أو
كماله وجب على البائع إزالته ، وتسوية الحفر في الأرض لوجوب تسليم المبيع إليه
متمكنا من الانتفاع به وكذا لو كان فيها دابة ، أو شيء لا يخرج ، إلا بتغير شيء
من الابنية ؛ وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم وفي القواعد وجامع المقاصد والمسالك
والروضة ، وجب الأرش ويمكن رجوعهما إلى معنى واحد ، وإن أريد بالأرش رجوع جزء من
الثمن ، كان فيه بحث يعرف مما تقدم ؛ وله الفسخ مع الجهل بالحال ، كما صرح به في
الجامع والمسالك. ثم إن التفريق وإن كان واجبا ، إلا ان القبض لا يتوقف عليه ، فلو
رضي المشتري بتسلمه مشغولا ، تم القبض ، ويجب تفريغه بعده ، وفي جواز الامتناع عن
القبض قبله وجه.
المسألة الخامسة :
لو باع شيئا فغصب من يد البائع قبل القبض فإن أمكن استعادته في الزمان اليسير وجبت
ولم يكن للمشتري الفسخ ، للأصل السالم
وإلا يمكن ذلك
أصلا ، أو بعد الزمان الكثير كان له ذلك للضرر ، وله حينئذ الانتفاع بما لا يتوقف
على القبض ، كعتق العبد ونحوه ، وتلفه في هذه المدة من مال البائع ، وإن كان قد
رضي المشتري بالصبر ، واحتمال أن هذا الرضا قبض ضعيف ، بل لو تصرف في المبيع ،
بنظر أو لمس أو نحوه ، وهو في يد الغاصب لم يكن قبضا عرفا ، بل الرضا بالبقاء في
يد البائع ، ليس قبضا ، فضلا عن الغاصب ، كما صرح به خبر عقبة بن خالد المتقدم. نعم قد
يقال : بعدم الانفساخ قهرا بالتلف السماوي في يد الغاصب بكونه مضمونا عليه للمشتري
، فهو حينئذ كما لو ضمنه الأجنبي بالإتلاف في يد البائع ، خصوصا مع كون الانفساخ
على خلاف القواعد ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو فيما إذا كان غير مضمون
للمشترى ، كما إذا كان في يد البائع ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق ، لكن لا يحضرني في
الآن من احتمله.
وكيف كان فـ ( لا
يلزم البائع أجرة المدة على الأظهر ) لأن المضمون عليه إنما هو العين وما كان من
توابعها الداخلة في البيع ، وليست المنفعة من هذا القبيل وانما هي نماء المبيع فلا
تكون مضمونة ، ولذا قال! في جامع المقاصد : « لا ريب في ضعف احتمال الضمان ، وقد
سبق من قريب فله النماء. غير مضمون ، والمنفعة نماء. نعم قد يقال : إن النماء
المتصل محل تردد ، فان المبيع لو سمن في يد البائع ، ثم هزل جاء فيه الوجهان ، إلا
إذا كان السمن موجودا وقت العقد ، فإنه مضمون قطعا » قلت : يمكن دعوى كون المنفعة
فيه من قبيل النماء المتصل ، فيكون الاحتمال حينئذ في محله ، لأن فواتها حينئذ
بمنزلة النقص قبل القبض.
نعم يضعف الاحتمال
المزبور ما عرفته سابقا من أن النقص الداخل على المبيع من أجنبي ، ضمانه ـ مع
اختيار المشتري اللزوم ـ على الأجنبي لا على البائع ، فيختص حينئذ الغاصب بالرجوع
عليه ، على أن التحقيق عدم دخول المنافع في المبيع ، وإنما هي نماء.
__________________
فأما لو منعه
البائع عن التسليم ، ثم سلم بعد مدة ، كان له الأجرة لأنه غاصب إذا لم يكن امتناعه
بحق ، كقبض الثمن ، بل في جامع المقاصد احتمال الضمان أيضا ، لأن جواز الحبس غير
سقوط حق المنفعة ، ولا يلزم من ثبوت الأول الثاني وإن كان الأقوى الأول. ثم إن
الظاهر جريان حكم الغاصب عليه في صورة عدم كون الحبس بحق ، ينافيه الاحتمال السابق
، في عدم الانفساخ قهرا لو تلف في يده بآفة سماوية.
ولو طلب المشتري
الانتفاع بالمبيع في يد البائع بنفسه وبغيره إلى حين تسليم الثمن ففي جامع المقاصد
الظاهر أن للبائع المنع ، وفيه نظر ، وكيف كان فالنفقة في مدة الحبس على المشتري ،
لأن العين ملكه ، فان امتنع منها رفع البائع أمره إلى الحاكم ، فان تعذر أنفق بنية
الرجوع ورجع بها كما في نظائره. لكن في جامع المقاصد ما أشبه هذه المسألة ، بمثل
منع الزوجة نفسها قبل الدخول إلى أن تقبض المهر ، فان في استحقاقها النفقة تردد ،
قال : ويحتمل الفرق بين المؤسر والمعسر ، وفيه أنه يمكن الفرق بين المقامين. والله
أعلم.
ويلحق بهذا اى
النظر الثالث بيع ما لم يقبض وفيه مسائل
الأولى : من ابتاع متاعا ولم يقبضه ثم أراد بيعه جاز إن لم يكن
مكيلا أو موزونا إجماعا بقسميه ونصوصا ولا يشمله
النهي عن بيع ما ليس عنده قطعا ، كما أنه لم يثبت حديث النهي عن بيع
مطلق ما لم يقبض كما اعترف به في
الروضة ، ولئن ثبت كان حمله على الكراهة بالنسبة إلى ذلك متعينا ، فما حكاه في
التذكرة عن بعضهم من القول بالمنع ـ مع أنا لم نتحقق القائل به ـ فاسد قطعا نعم كره
له ذلك مطلقا كما عن بعضهم ، للمرسل المزبور وإشعار بعض النصوص أو إن كان المبيع مما
__________________
يكال أو يوزن
وفاقا للمفيد والنهاية ومحكي القاضي ، بل هو المشهور بين متأخري الأصحاب ، نقلا وتحصيلا
، لأصالة الجواز وعموماته ، وإطلاقاته ، سيما التعليل في نحو الصحيحين اللذين في
أحدهما « في رجل أمر رجلا يشترى متاعا ، فيشتريه منه ، قال : لا
بأس بذلك ، إنما البيع بعد ما اشتريته » وفي ثانيهما « لا بأس إنما
تشتري. بعد ما اشتريته ».
وخصوص خبر الكرجى قال للصادق 7 : « أشتري الطعام
إلى أجل مسمى ، فيطلبه التجار منى بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه ، فقال : لا بأس أن
تبيع إلى أجل كما اشتريت ، وليس لك أن تدفع قبل أن تقبض ، قلت : فإذا قبضته جعلت
فداك ، فلي أن أدفعه بكيله؟ قال : لا بأس بذلك إذا رضوا » وزاد فيما رواه عنه في الفقيه ، قال : « وقلت له
: اشتري الطعام من الرجل ، وأبيعه من رجل آخر قبل أن اكتاله ، فأقول : ابعث وكيلك
حتى يشهد كيله إذا قبضته؟ قال : لا بأس » والمراد أجل الثمن ، والبيع مرابحة ،
ولذا قيد الامام 7 نفى البأس بما سمعت.
وخبر جميل بن دراج
عن الصادق 7 أيضا « في رجل اشترى الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال :
لا بأس ، ويوكل الرجل المشتري منه بكيله وقبضه؟ قال : لا بأس » وخبر أبى بصير « سألت أبا عبد
الله 7 عن رجل اشترى طعاما ثم باعه
__________________
قبل أن يكيله؟ قال
: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا ، قبل أن يكيله أو يزنه ، إلا أن يوليه كما
اشتراه ، فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع ، وما كان من شيء
عنده ليس بكيل ولا وزن ، فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه » وصحيحي محمد بن مسلم
الواردين في بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها ، بناء على شمولها للمكيل والموزون
منها ، لا أنه لخصوص ما كان على الشجر والنخل.
وخبر إسحاق
المدائني « سأل أبا عبد الله 7 عن القوم يدخلون السفينة ، يشترون الطعام ، فيتاومون بها ،
ثم يشتريه رجل منهم ، فيسألونه فيعطيهم ما يريدون من الطعام ، فيكون صاحب الطعام
هو الذي يدفعه إليهم ، ويقبض الثمن؟ قال : لا بأس ما أراهم إلا وقد شركوه ، مضافا إلى النصوص الدالة على جواز
بيع السلم بعد حلوله وقبل قبضه ، بل لا خلاف أجده فيه هناك إلا من بعضهم إذا كان
البيع بجنس الثمن مع الزيادة ، بناء على أن المسألتين من واد واحد ، كما صرح به في
الروضة والمسالك واختار فيهما معا الحرمة ، إلا أن النصوص شاهدة بخلافه ، ولذا فر
المحدث البحراني من القول بالحرمة فيها من قوله بها في المقام. نعم يمكن حمل تلك
النصوص على غير صورة البيع ، وأنه كان وفاء بصلح ونحوه. فلاحظ وتأمل.
وقيل؟ كما عن
العماني : لا يجوز ، ومال إليه ثاني الشهيدين والمحدث البحراني وقيل كما عن
المبسوط والخلاف والغنية والصدوق والقاضي في أحد كتابيه أنه إن كان طعاما لم يجز
بل في الثلاثة الأول الإجماع عليه ، وإن كان موهونا بمصير بعض من تقدمه ، ومعظم من
تأخره إلى خلافه ، بل قد سمعت أن خيرته في النهاية
__________________
الكراهة ، فلا ريب
في قصوره عن معارضة أدلة الجواز ، كالنصوص التي ما بين قاصرة الدلالة ، أو السند ، ومشتمل على ما لا
يقول به المعظم منهم من الفرق بين التولية وغيرها ، وناه عن البيع قبل الكيل
والوزن الذي لا يدل على المقام ، بناء على التحقيق من عدم توقف القبض عليه ، على
أن مقتضى عدم التعارض بينهما ما اختاره العماني ، وهو شاذ ، فمفاد النصوص لا قائل
به إلا نادر ، وما قالوه من خصوص الطعام غير مفادها.
وحينئذ فلا ريب أن
الأول أشبه وعليه يحمل لفظ لا يصلح في
صحيح الحلبي عن الصادق 7 قال : « في الرجل يبتاع الطعام ، ثم يبيعه قبل أن يكال؟ قال
: لا يصلح له ذلك » ومثله خبر البصري وأبى صالح مع زيادة « لا تبعه حتى تكيله » وخبر على بن جعفر « سأل أخاه 7 عن الرجل يشترى
الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وإن كان تولية
فلا بأس » خصوصا بملاحظة خبر أبي بصير المتقدم الظاهر في الكراهة. بل هو القرينة على إرادتها من
النهي في الزيادة المزبورة.
كالنهي في صحيح منصور بن حازم عن الصادق 7 أيضا « إذا
اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن ، فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن توليه ، فإذا لم يكن فيه
كيل ولا وزن فبعه » وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر 7 « من احتكر طعاما أو علفا ، أو ابتاعه بغير حكرة ، وأراد
أن يبيعه ، فلا يبعه حتى يقبضه ويكتاله » وخبر حزام المروي عن مجالس الطوسي قال : « ابتعت
طعاما من طعام الصدقة ، فأربحت فيه قبل أن أقبضه ، فأردت
__________________
بيعه ، فسألت
النبي 6؟ فقال : لا تبعه حتى تقبضه » مع أنه استثنى في الثاني : التولية ، كما أن
الأول لا يدل على المطلوب ؛ إلا بناء على إرادة القبض من الكيل ، وفيه منع.
وأولى من ذلك في
احتمال إرادة الكراهة ، صحيح الحلبي « سأل أبا عبد الله 7 عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا ولم يقتسموه ، أيصلح
لأحد منهم بيع بزة قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس به ، وقال : إن هذا ليس بمنزلة
الطعام ، إن الطعام يكال » الذي أقصى مفهوم التعليل فيه ثبوت البأس الذي هو أعم من
الحرمة. كخبر منصور « سأل أبا عبد الله 7 عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل ولا وزن إله أن يبيعه
مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يكن كيل ولا وزن فإن هو
قبضه فهو إبراء لنفسه » إلى غير ذلك من النصوص ـ التي هي مع قطع النظر عما ذكرناه
من أدلة الجواز ـ ظاهرة في الكراهة.
وقد عرفت أن
مقتضاها ـ خصوصا مع ملاحظة التعليل في صحيح الحلبي ـ تعميم الحكم في كل مكيل
وموزون ، لا خصوص الطعام ، وهو خلاف المعروف بين القائلين بالحرمة ، كما أن
المعروف بينهم ، عدم الفرق في ذلك بين التولية وغيرها ، ولذا نسبه المصنف إلى
الرواية ، فقال وفي رواية يختص التحريم بمن يبيعه بربح ، فأما التولية فلا بل عن
المهذب البارع ، أنه لم يقف على عامل بها ، وإن كان فيه أنه قال : به بعض من تقدمه
كالفاضل في التحرير والقواعد وتبعه الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، للنصوص
المزبورة التي ظهر لك أن الأولى الجمع بينها بالقول بالكراهة في مطلق ما لم يقبض
للمرسل ، وتشتد في خصوص المكيل والموزون ، وتشتد في خصوص الطعام منه
، وتشتد في خصوص بيعه مرابحة ؛
__________________
وفي إلحاق الوضيعة
بها ؛ أو بالتولية ، وجهان ـ من لزوم الاقتصار فيما خالف إطلاق المنع على ما تضمنه
الروايات ـ ومن مفهوم الصحيح إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، واحتمال ورود الإطلاقات ،
واستثناء التولية خاصة مورد الغلبة ، لكون المعاملة بالوضيعة نادرة ، إلا أنه وارد
في مفهوم الصحيح ، ومع ذلك يؤيد الأول ، ذيل خبر أبى بصير السابق ، بناء
على عطف يضع فيه على لفظ يربح ، لكن قد يقوى في النفس خفة الكراهة فيها بالنسبة
إلى التولية ، إذ الظاهر أن المراد من النصوص أنه مع البيع مرابحة ينبغي الكيل
والوزن ، وعدم الاكتفاء بالإخبار كما هو المناسب لأخذ الربح ودفعه ، أما إذا لم
يكن له فيه ربح ، فاللائق أخذه منه كما اشتراه بالاخبار ونحوه ، ولا ينبغي مداقته
لعدم حصول ربح له ، فلا ريب في أولوية المواضعة حينئذ ، فلاحظ النصوص وتأمل ما
ذكرناه تجده واضحا.
كما أنك تجد أوضح
من ذلك ، ما أومأنا إليه سابقا من أنه على المختار من عدم توقف القبض على الكيل
والوزن ، ينبغي جعل موضع الكراهة ، بيع ما لم يكل أو يوزن وإن كان مقبوضا ، بل
الاولى تحرير محل النزاع كذلك ، لما عرفت من الاختلاف في تحقق القبض ، واحتمال عدم
البأس كراهة وحرمة في بيع الطعام فضلا عن غيره إذا كان قد قبضه بنقل أو وضع يد أو
نحوهما وإن لم يكن قد كاله ووزنه ـ ينافيه ظاهر النصوص ، ضرورة وضوحها في أن
المدار على عدم كيله ووزنه. نعم عبر في بعضها عن ذلك بعدم القبض لغلبة حصول الكيل
والوزن معه ، واحتمال العكس ضعيف بالنسبة إلى ذلك فيها ، وإن كان يؤيده ظاهر تحرير
محل النزاع في كلام الأصحاب فلاحظ وتأمل.
وكيف كان ،
فالظاهر البطلان على القول بالحرمة ، كما عن العماني التصريح به ، وتبعه بعض المتأخرين
، لما تحقق في الأصول من اقتضائه الفساد عرفا ، إذا تعلق بالمعاملة ، فما في
المختلف من أنه يأثم خاصة ، بناء على عدم اقتضاء النهي الفساد في
__________________
المعاملة ، قد
تبين ضعفه في الأصول ، هذا كله إذا أراد بيع ما انتقل إليه بالبيع قبل قبضه.
وأما لو ملك ما
يريد بيعه بغير بيع ، كالميراث ، والصداق للمرأة والخلع ، جاز وإن لم يقبضه بلا
خلاف أجده ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، لعموم الأدلة وإطلاقها السالمين
عن المعارض ، حتى لو كان انتقاله إلى المورث والمصدق والمختلعة ببيع لا قبض معه ،
كما هو مقتضى إطلاق المتن وغيره وصريح بعض ، ضرورة ظهور أدلة المنع فيما لا واسطة
بين الابتياع والبيع ، وفي الفرض قد تخلل الإرث والإصداق وعوض الخلع بين الابتياع
والبيع ، فما عن بعضهم من تقييد الإطلاق بذلك في غير محله.
وكذا لا إشكال في
جواز نقل ما ابتاعه ولم يقبضه بغير البيع حتى الصلح ، بناء على ما هو التحقيق من
كونه عقدا مستقلا ، للعموم والإطلاق السابقين فالمنع حينئذ من الإجارة بناء على أنها ضرب من البيع ، فيه
منع واضح ، ومن الكتابة لأنها بيع للعبد من نفسه ، وهو أوضح منعا ، فصار المنع
والكراهة فيما لم يقبض مشروطة بشرطين ، أحدهما ـ انتقاله إليه بالبيع ، والثاني ـ نقله
بلا واسطة مبيع ، والظاهر اختصاص الحكم بالمبيع كما صرح به بعضهم ، دون ثمنه ،
فيجوز نقله ببيع وغيره وإن لم يكن مقبوضا ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.
والله أعلم. ومما ذكرنا يظهر لك.
أن المسألة
الثانية التي ذكرها المصنف وغيره ، وهي أنه لو كان له على غيره طعام من سلم ،
وعليه مثل ذلك ، فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر ليست مما نحن فيه ، إذ هي إما
حوالة أو وكالة ؛ وعلى كل حال ليست من بيع المبيع قبل قبضه فلا يأتي فيها البحث
السابق فما ( فـ ) ى المتن وغيره ـ من أنه على ما قلناه في
__________________
المسألة السابقة
يكره ، وعلى ما قالوه فيها يحرم معللا ( لـ ) ـه بـ ( أنه قبضه عوضا عماله قبل أن
يقبضه صاحبه ) في غير محله ، كالتعليل الذي من الواضح عدم اقتضائه كونه بيعا قبل
قبضه ، إذ المعاوضة أعم من البيع ، ودعوى أن الحوالة قسم من البيع كما ترى ، بل هي
قسم مستقل برأسه ، ومن هنا قال في المحكي عن الخلاف : « يجوز الإحالة ، سواء كان
الطعامان قرضين ، أو أحدهما قرضا والآخر سلما بلا خلاف أو كانا سلمين عندنا ، لأن
الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل ».
ومن ذلك يعلم أن
ما حكاه في المسالك عن الخلاف في غير محله ، نعم حكى ذلك عن المبسوط والقاضي وظاهر
المتن وبعض ، موافقته على بناء هذه المسألة ، على المسألة السابقة ، بل نفى الخلاف
عنه في المبسوط ؛ قال : « وإن كانا سلمين لا يجوز بلا خلاف لأن بيع السلم لا يجوز
قبل القبض إجماعا لا لعلة » لكن قد عرفت ما فيه ، على أنه قد روى المشايخ الثلاثة
في الصحيح في بعض والموثق في آخر ، عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال :
« سألت أبا عبد الله 7 عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر ، فقال
للرجل : انطلق فاستوف كرك ، قال : لا بأس به ».
وكيف كان فقد ظهر
لك أن بناء هذه المسألة على ما تقدم لا وجه له. وما عن الشهيد في بعض تحقيقاته ـ وأنه
من لطائف الفقه ، وربما كان التعليل في المتن وغيره موميا إليه ـ « من أن مورد
السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة ، منطبقة على أفراد لا نهاية لها ، فأي
فرد عينه المسلم إليه ، تشخص ذلك الفرد ، وانصب العقد عليه ، فكأنه لما قال له
الغريم : اكتل من غريمي فلان ، قد جعل عقد السلم معه. واردا على ما في ذمة غريمه
المستسلف منه ؛ ولما يقبضه بعد ، ولا ريب أنه مملوك له بالبيع ، فإذا جعل مورد
السلم الذي هو بيع ، يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان ، ويلحق بالباب » ـ
لو سلم فإنما هو في الفرد الذي يتشخص بالدفع والقبض ، أما الذي تشخص
__________________
بعقد الحوالة كما
في المقام ، فقد يمنع صدق اسم المسلم عليه ، إذ هي عقد مستقل يحصل به ملك ما في
الذمة ، ولا ينصب عقد السلم عليه ، ولو فرض موضوع البحث وكالة في القبض ، زال
الإشكال من هذه الحيثية قطعا.
نعم يبقى إشكال
تولى الواحد طرفي القبض إذا أراد قبضه لنفسه ، بعد القبض عن موكله كما تسمعه في
المسألة الآتية ، ولعل ما ذكرناه أولى مما في المسالك من مناقشة الشهيد « بان مورد
السلم ونظائره من الحقوق الثابتة في الذمة ، لما كان أمرا كليا ، كان البيع
المتحقق به هو الأمر الكلى ، وما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة وغيرها
ليس هو نفس المبيع ، وإن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة ،
فإنها ليست عينه ، ومن ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا رجع الحق إلى الذمة ،
والمبيع المعين ليس كذلك ، ونظير ذلك ما حققه الأصوليون من ان الأمر بالكلي ليس
أمرا بشيء من جزئياته الخاصة ، وإن كان لا يتحقق إلا بها ، وحينئذ فانصباب العقد
على ما قبض وكونه حينئذ مبيعا غير واضح ، فالقول بالتحريم عند القائل به في غيره
غير متوجه ، نعم لا بأس حينئذ بالكراهة ، خروجا من خلاف الشيخ وجماعة ، وتحرزا مما
هو مظنة التحريم ».
إذ فيه أن ما ذكره
من ظهور الاستحقاق والعيب ، يقتضي الفرق بين المبيع المعين وغير المعين لا أنه
يقتضي كونه غير مبيع ، ولم يدع الشهيد ولا غيره ، أنه عين المبيع أولا وبالذات ،
بل صار بعد التعيين مبيعا ، ولا ينبغي إنكار صدق وصف الكلى على الشخصي المدفوع عنه
في البيع والإجارة وغيرهما ، وقد صرح به الأصحاب في غير المقام ، كالإجارة والصرف
، والعرف شاهد عليه.
نعم قد يتوقف في
نحو الدفع بالحوالة كما ذكرناه : والأمر سهل بعد أن كان الحكم الكراهة المتسامح
فيها عندنا في أصل المسألة ، إذ ما نحن فيه إن لم يكن من البيع قبل القبض ، فهو
شبيهه كما عبر به في الدروس ثم على التحريم فلا ريب في البطلان كما
قلناه في المسألة
السابقة ، وحينئذ لا يبر أذمة كل من المحول والمحول عليه بقبض المحتال ، وما عن
التذكرة ـ من أن براءة ذمة الدافع ، أصح الوجهين ضعيف ، ضرورة كون الدفع والقبض
بعنوان صحة العقد ، والفرض فساده ، نعم هو صحيح على المختار وتبرأ ذمة كل منهما.
وكذا يصح الشراء
قطعا لو دفع إليه مالا ، وقال : اشتر به طعاما لي فإن قال : اقبضه لي ثم اقبضه
لنفسك صح الشراء والقبض عن الموكل قطعا ، بل عن غاية المرام نفى الخلاف فيه دون
القبض له عند الشيخ والقاضي فيما حكي عنهما لانه لا يجوز أن يتولى الواحد طرفي
القبض ولأن الحلبي سأل الصادق 7 في الصحيح « عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي
عليه ، بعث إلى بدارهم ، فقال اشتر لنفسك طعاما واستوف حقك؟ فقال : أرى أن يولى
ذلك غيرك ، وتقوم معه حتى تقبض الذي لك ، ولا تتول أنت شرائه » وسأله أيضا عبد
الرحمن البصري في المرسل « عن الرجل أسلف دراهم في طعام ، فحل الذي له ،
فأرسل إليه بدارهم ، فقال اشتر طعاما واستوف حقك هل ترى به بأسا؟ قال : يكون معه
غيره يوفيه ذلك ».
ومن هنا قال
المصنف كظاهر غيره وفيه تردد لكن لا ريب أن الأقوى الجواز للأصل ، فيكفي المغايرة
الاعتبارية في القابض والمقبوض منه ، كما تقدم في تولي طرفي العقد ، ولأن يعقوب بن شعيب سأل الصادق 7 في الصحيح « عن
الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب وتمر فبعث إليه بدنانير فيقول : اشتر بهذه
واستوف منه الذي لك؟ فقال : لا بأس إذا ائتمنه ».
ومنه يعلم أن
المراد بالخبرين الأولين الإرشاد إلى رفع التهمة ، ومن هنا جزم
__________________
الفاضل في بعض
كتبه والشهيد ان والمحقق الثاني بصحة القبض له ، على أن إقباضه لا يزيد على إذنه
وقد حصلت ، فهو كما لو أذن لغريمه في قبض مال مخصوص له ، عوضا عما له عليه.
بل الظاهر الصحة
أيضا لو دفع له دراهم ، وقال : اشتر لي بها طعاما ، ثم اقبضه لنفسك ، وإن لم يقل
اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك. بل صحيح شعيب أدل علي صحة ذلك من الأول ، ولا يحتاج إلى أن يقبض أولا
بنية أنه لذي الدراهم ، ثم بقبض بعد ذلك بل يكفى قبضه لما اشتراه إذا كان مشخصا
بنية أنه وفاء عما له في ذمته ، وأقصاه أنه يكون استيفاء مما لم يقبضه بإذنه ، بل
لو كان ما اشتراه كليا ، يمكن الإكتفاء بقبض الغريم عوضا عما له في ذمته ، عن
القبض أولا بعنوان أنه لذي الدراهم ، وإطلاق الخبر المزبور شاهد عليه ، ولو دفع
اليه دراهم وقال : خذها بدل الطعام جاز ، لأنه استيفاء من غير جنس ؛ بل لو قلنا
أنه بيع للطعام على من هو عليه قبل قبضه جاز أيضا بناء على المختار من كراهة ذلك ،
لكن عن المبسوط أنه لم يجز لأنه بيع المسلم فيه قبل قبضه ، وهو غير جائز ، وفيه أن
الدفع بدله أعم من البيع ولو سلم فقد عرفت التحقيق.
ولو دفع اليه
دراهم وقال : اشتر لنفسك لم يصح الشراء وحينئذ فـ ( لا يتعين له بالقبض ) بلا خلاف
أجده فيه ، لامتناع الشراء بمال الغير لغيره ما دام على ملك الغير ولو باذنه ،
اقتصارا على المتيقن من إطلاق أدلة البيع ، فيبقى أصالة عدم النقل بحالها ، إلا ان
الانصاف عدم خلو ذلك عن البحث إن لم يكن إجماعا ، ولو علم بقرينة ـ إرادة قرض
الدراهم من ذلك ، أو القضاء لما عليه من الطعام بجنس الدراهم أو الاستيفاء بعد
الشراء والقبض له ، ويكون التعبير المزبور باعتبار ما يئول إليه ، أو لأنه السبب
في هذا الشراء ـ خرج عن موضوع البحث. والله أعلم.
__________________
المسألة الثالثة : لو كان المالان قرضا ، أو
المال المحال به قرضا ، صح ذلك قطعا بل في التحرير قولا واحدا ، للأصل بعد انتفاء
شرطي المنع في الأول الذي نفي الخلاف عن الصحة فيه في المحكي عن المبسوط والخلاف ،
وانتفاء تحقق بيع ما لم يقبض في الثاني ، لكن لا وجه لتخصيص القرض بالمحال به ،
كما في الكتاب والقواعد والتحرير ؛ بل متى كان أحدهما قرضا صح كما نص عليه في
المبسوط والتذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك على ما حكى عن بعضها ، إذ
التحقيق ان الحوالة ليست بيعا ، وربما وجه تخصيص ذلك بأن المحال يشبه المبيع ، من
حيث تخيل كونه مقابلا بالاخر ، وفيه ان شبهه بالثمن أظهر لمكان الباء.
نعم قد يقال : ان
الغرض : من التخصيص الرد على ما عن الشافعية في أحد الوجهين من عدم صحة الحوالة
إذا كان المحال به قرضا ، بل ربما استظهر من التذكرة احتماله أيضا حيث انه حكاه
ساكتا عليه. موجها له بأنه بيع سلم بدين. والأمر سهل بعد ما عرفت.
المسألة الرابعة :
إذا قبض المشتري المبيع مثلا ( ثم ادعى نقصانه. فإن لم يحضر كيله ولا وزنه )فلا
خلاف أجده إلا ما ستعرف ) (فـ ) ي أن القول قوله فيما وصل إليه مع يمينه ، إذا لم
يكن للبائع بينة بل في الرياض قولا واحدا لأصالة عدم وصول حقه إليه ، السالمة عن
معارضته ، الظاهر وغيره ، كما صرح به غير واحد فيكون منكرا ؛ والبائع مدع ، «
والبينة على المدعي ، واليمين على من أنكر » من غير فرق بين
دعوى كثرة النقصان وقلته هنا ، واحتمال أن القول قول البائع بيمينه ـ إن ادعى
المشتري نقصانا كثيرا لا يخفى مثله على القابض ، بخلاف القليل الذي يمكن خفائه ،
نحو ما تسمعه من التحرير في صورة الحضور ناشأ من ملاحظة معارضة الظاهر ، للأصل في
الأول ، بخلاف الثاني ـ يدفعه منع الظهور
__________________
مطلقا ، مع عدم
الحضور أولا ، ومنع حجيته ـ بحيث يعارض الأصل ـ ثانيا ، ودعوى ـ أنه به يكون
البائع منكرا ، بناء على أنه ما وافق الظاهر ، فيقدم حينئذ بيمينه يدفعها ـ مضافا
إلى ما عرفت ـ منع تسليم كون المنكر ذلك ، بل القول بأنه ما وافق قوله الأصل أقوى
منه.
نعم لو فرض قرائن
تشهد بكذب المدعي على وجه يحصل العلم للحاكم ؛ لم تسمع دعواه لذلك ، كما لو ادعى
قبض حقه بعنوان أنها وزنة وكان من أهل الخبرة هذا. ولكن قد يقال : إن الأقوى منهما
إيكال المدعي والمنكر إلى العرف ، ولعل صدقه على ما لو ترك ، لترك أتم ، ولا ريب
في أن المشتري هنا يصدق عليه ذلك ، فيكون مدعيا وعليه البينة ، وعلى البائع اليمين
، وقد يؤيده أصالة الصحة في دفع المسلم وقبضه ، إذ الفرض أنه قبض على أنه تمام
الحق ، وصحة كل شيء بحسبه ، ونحو ذلك بل أظهر منه ، لو ادعى المشتري عيب المقبوض.
ولذا حكي عن
التذكرة أنه فصل فقال : « يقدم قول مدعي التمام ، إن اقتضى النقص بطلان العقد ،
كالصرف بعد التفرق والسلم ، وإلا فمدعي النقص » واحتمله في الدروس ولعله لاندراج
الأول في مدعى الصحة والفساد ، بخلاف الثاني وإن كان قد يناقش بمنع كون الأول كذلك
، بعد فرض عدم اعترافه بما يقتضي الحكم عليه بالصحة ، كما لو قال : قبضته بإخبار
البائع أنه تام ، والفرض تسليم البائع ذلك ، فإن مجرد ذلك لا يقتضي الحكم عليه
بصحة العقد المشترط فيه التقابض الذي مقتضى الأصل عدم حصوله ، وإن كان قد وقع
العقد بمعنى الإيجاب والقبول ، إذ ذلك بمجرده لا يقتضي حصول الشرط المتأخر ، كما
هو واضح ، خصوصا بعد ملاحظة نظائره مما يشترط في صحته القبض كالرهن والهبة ونحوهما
، ولعله لذا أطلق الأصحاب الحكم في المقام.
ولكن يرد عليه ما
ذكرناه ، ويمكن دفعه بعدم قبضه بعنوان الإذعان بالتمامية ، على وجه يكون كالاعتراف
، بل المفروض أنه قبضه على إخبار البائع مثلا ،
ولعل فرق الأصحاب
بين الحضور وعدمه لذلك ، على معنى ، أن الحاضر منفصل بعنوان وصول تمام حقه إليه ،
على وجه يكون كالمعترف فعلا ، بخلاف غير الحاضر ولذا كان القول قول البائع مع
الحضور والمشتري مع عدمه ، ولعل هذا تحقيق المسألة إن لم يكن إجماعا على غيره.
وكيف كان فمما
ذكرنا ينقدح الوجه فيما ذكره غير واحد ، بل هو المشهور ، بل عن التذكرة نسبته إلى
علمائنا ، بل في الرياض نفى الخلاف ، وأنه هو الحجة من أنه إن كان المشتري قد حضر
الكيل والوزن فالقول قول البائع مع يمينه ، والبينة على المشتري خصوصا مع اعتضاد
قول البائع هنا بظهور الحضور ، في تمامية المقبوض ، واحتمال السهو والغلط ونحوهما
لا ينافي الظهور المزبور ، بل قبضه مع حضوره ، بمنزلة اعترافه بتمامية الفعل ، فلا
يسمع منه دعوى النقصان من دون ذكر وجه معتد به لما وقع منه ، نحو ما إذا وقع
الاعتراف منه بذلك ، والأصل براءة ذمة البائع بعد حصول ذلك منه ، فيتفق حينئذ
الأصل والظاهر ، والترك لو ترك في المقام ، ولا فرق في ذلك بين دعوى كثرة النقصان
وقلته.
ولكن في التحرير
وإن حضر فالقول البائع إن ادعى نقصانا كثيرا ، والوجه قبول قوله في قليل يمكن
وقوعه في الكيل ، وكأنه لحظ عدم الظهور في الأخير ، بخلاف الأول ، وفيه منع ؛ مع
أن العمدة ما عرفت ، ومنه يعلم أنه لا وجه لتوقف بعضهم في الحكم المزبور ، وأنه لا
دليل على اعتبار الظهور ورجحانه على الأصل أولا ، ومنع الظهور ثانيا ، لاحتمال
الغلط والسهو وغيرهما ، فان لم ينعقد إجماع كان الوجه تقديم قول المشتري على كل
حال ؛ إذ قد عرفت أن الوجه ما ذكرناه ، ولا يرد مثله في الأول ، لأن المفروض عدم
حضوره ، بل كان قبضه مبنيا على إخبار البائع ، بل لو اعترف كان المراد من اعترافه
البناء على ظاهر الإخبار. هذا كله إذا أبرز الدعوى بما ذكرنا.
أما لو ادعى
المشتري عدم قبض جميع حقه كان القول قوله وإن كان حاضرا ،
للأصل السالم عن
معارضة غيره ؛ وحضوره أعم من قبض جميع حقه كما هو واضح ، وهذه من الحيل التي يترتب
عليها الحكم الشرعي الذي هو مبني على القواعد الظاهرة ، والظاهر اتحاد الحكم
المزبور في المعدود ، ولو مزروعا كالمكيل والموزون وان اقتصر بعضهم على الثاني ،
وحضور الوكيل كحضور الموكل في وجه ، وكذا حضوره الكيل لغيره ، خصوصا إذا كان هو
المباشر له ، وإن كان ظاهر بعض العبارات حضور الكيل للنفس ، والمدار في الظاهر
الذي يترتب عليه الحكم هو ما كان متحققا في غالب الأفراد ، لا ما اتفق باعتبار فرد
خاص قد انضمت إليه بعض القرائن الحالية أو المقالية. فتأمل جيدا. والله أعلم.
المسألة الخامسة :
إذا أسلفه في طعام بالعراق مثلا وقلنا بانصراف إطلاق العقد إلى بلده ثم طالبه
بالمدينة مثلا لم يجب عليه دفعه بلا خلاف أجده فيه ، للأصل ، وكون الانصراف كالشرط
الذي قد جعل الله المؤمن عنده من غير فرق بين تساوى القيمة وتفاوتها ، كما أنه لو دفعه
إليه لم يجب على ذي الحق قبوله لذلك أيضا نعم لو تراضيا عليه لا بأس به قطعا وأما
لو طالبه بقيمته قيل والقائل الشيخ وجماعة لم يجز لأن دفعها عوضا ع نه من بيع
الطعام على من هو عليه قبل قبضه وقد عرفت أن مذهبهم فيه الحرمة ، بل البطلان وفيه
أولا أن المتجه على ما قلناه نحن هناك أنه يكره هنا ، وثانيا منع كون ذلك منه ، إذ
هو وفاء للحق بغير جنسه ، لا بيع ، وأقصى ما يسلم أنه معاوضة أعم من البيع ، على
أن ابن فضال قد كتب إلى أبى
الحسن 7 « في الرجل يسلفني في الطعام ، يجيء الوقت وليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته
دراهم؟ قال : نعم » وأرسل ابن أبان عن بعض أصحابنا « عن الصادق 7 في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل ، فيحل
__________________
الطعام ، فيقول :
ليس عندي طعام ، ولكن انظر ما قيمته فخذ منى؟ قال : لا بأس بذلك ».
ولا ينافيهما صحيح العيص بن القاسم سأل الصادق 7 « عن رجل أسلف
رجلا دراهم بحنطة ، حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ، ووجد عنده دوابا ورقيقا
ومتاعا أيحل له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال : نعم يسمى كذا وكذا ، بكذا وكذا
صاعا » إذ المراد منه أنه حيث كانت القيمة عروضا ، لا دراهم ؛ فلا بد من تشخيصها
في مقابلة الطلب الذي له ، ليحصل بذلك استيفاء حقه ، فلا ينبغي التوقف حينئذ في
الجواز مع التراضي.
إنما البحث في أن
له حينئذ جبره على القيمة في بلد السلم؟ المشهور نقلا العدم للأصل ، ولأن القيمة
فرع استحقاق ذيها ، لأنها لم يجر عليها عقد ، ولا دل دليل على استحقاقها ، وعن
التذكرة أن له ذلك لأن الطعام الذي يلزم دفعه معدوم ، فكان كما لو عدم الطعام في
بلد يلزمه التسليم فيه ، وفيه منع ظاهر ، ولأن الطعام قد حل ، والتقصير من المسلم
إليه ، حيث أنه لم يحضره في مكان التسليم عند الحلول ، ولا مانع من التسليم إلا
كونه ليس في مكان التسليم الذي هو حق عليه ، فإذا أسقطنا حق المسلم من المطالبة
بالطعام ، ارتفاقا بحال المسلم إليه ، انتقل حق المسلم له إلى القيمة في مكان
التسليم ، جمعا بين الحقين ، وفيه أن الحلول أعم من ذلك ، والتقصير مع إمكان فرض
عدمه ، هو أعم منه أيضا ولا تعارض بين الحقين ، حتى يجمع بينهما بذلك ؛ على أن
الله قد جمع بينهما « بأن المؤمنين عند شروطهم » قال : « ولأن فيه
من الضرر ما لا يخفى إن لم يكن له ذلك ، إذ ربما لا يريد العود الى بلد السلف
وربما احتاج في عوده إلى أضعاف السلم ، وربما كان المسلم إليه لا يوثق بعوده إليه
والظفر به هناك ، بل ربما يكون هرب من السلف ، فيكون منعه من مطالبته مفضيا إلى
__________________
ذهاب حقه أبدا ،
وطريقا إلى مدافعة الغريم عن الحق الحال عليه » وفيه أن الضرر لا يدفع بالضرر ؛
على أنه يمكن فرضه خاليا عن ذلك كله ، ولا نقول أنه ليس له مطالبته أصلا ، بل له
المطالبة في المدينة بإلزامه بالتأدية في العراق ، والاحتمالات المزبورة بعد أن
كانت اتفاقية الحصول ، اتجه الرجوع فيها بعد ثبوتها إلى الحاكم ليلزمه بوجه تخلو
عنه.
ومن ذلك يعلم ما
في جامع المقاصد من أن التحقيق أن يقال : له المطالبة بالطعام مع المساواة لبلد
السلم أو النقصان ، وإلا فله المطالبة بقيمة بلد السلم ، لتعذر المثل ، بل قال :
ولو أتاه برهن أو ضمين وتهيأ للمسير معه مع أول رفقة ، فالظاهر عدم وجوب الصبر ،
لما فيه من الضرر وتأخير الدين الحال ، إذ لا يخفى أن المساواة أو النقصان ، لا
تسوغ له المطالبة في غير البلد الذي انصرف اليه العقد الذي بمنزلة الشرط ، على أن
المسلم إليه قد يكون تحصيل عين الحق في تلك البلد سهلا عليه ، بخلاف غيره ، كما أن
حلول الدين لا يسوغ خلاف الشرط ، والفرض انصراف العقد إلى البلد المخصوص ، بل لو
قلنا أنه يجب عليه في ذلك اليوم التسليم في العراق ، وهو متعذر فالمتجه فيه السقوط
، لقبح التكليف بما لا يطاق ، ومنع خطاب الوضع وهو ثبوت لا أنه ينتقل إلى القيمة
قياسا على تقدير المسلم فيه في بلد السلم ، بعد بطلان القياس عندنا ، والله أعلم.
ولو فرض أنه كان
ما في الذمة من الطعام مثلا قرضا في العراق لا سلما جاز أخذ العوض أي القيمة بسعر
العراق قولا واحدا ، لعدم كونه بيعا لما اشتراه قبل القبض. إنما الكلام في أن له
المطالبة بالمثل؟ الأظهر العدم ، وفاقا للفاضل وثاني الشهيدين ، للأصل بعد انصراف
عقد القرض إلى بلده فليس له المطالبة بالأداء في غيره ، كما أنه لو دفع إليه فيه ،
لم يجب قبوله ، فإذا لم يكن له ذلك ، لم يكن له
المطالبة بالقيمة
التي لم يجر عليها عقد ، ولا دليل عليها ، خلافا للتحرير والتذكرة ومحكي المبسوط
والقاضي وغاية المرام ، بل ربما لاح من الأخير عدم الخلاف فيه ، فيجبر على دفع
قيمة العراق ولم نعرف له وجها ، سوى ما سمعته في السلم وسمعت بطلانه ، وللمختلف
فيجب دفع المثل بالمطالبة ، فإن تعذر فالقيمة بسعر العراق ، وكأنه مبني على منع
الانصراف المزبور ، كما مال إليه في الحدائق ، إلا أن المتجه حينئذ القيمة في ذلك
الوقت.
وعلى كل حال فضعفه
واضح ، وخبر سماعة « سأل أبا عبد الله 7 عن رجل لي عليه
مال فغاب عني ، فرأيته يطوف حول الكعبة ، فأتقاضاه؟ فقال له لا تسلم عليه ولا ترعه
حتى يخرج من الحرم » مع أنه لم يعلم كونه قرضا أو غيره ، إنما هو مساق لبيان حرمة
الحرم ، على أن له المطالبة في غير ذلك المكان ، بالتأدية في بلد القرض ، وربما
كان هاربا منه. فتأمل.
وإن كان الطعام
غصبا وقد تلف فعن المبسوط والقاضي أنه لم يجب عليه دفع المثل لو طالبه به في غير
بلد الغصب وإن لم يكن فيه مانع السلم جاز له دفع القيمة بسعر العراق مثلا لا
القيمة وقت الإعواز ، بل يجبر عليها مع المطالبة وفيه أن الأشبه بعموم « من أتلف » و « على اليد » وغيرهما ، جواز
مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان وإن تعذر فليطالبه بالقيمة الحاضرة عند الإعواز لأنه
وقت الانتقال إليها ، فما في المختلف ـ من أنه يجبر على دفع المثل فان تعذر فقيمة
بلد الغصب ، نحو ما سمعته عن المبسوط في القيمة ، لأنه غصبه هناك ،
__________________
فإذا تعذر المثل وجب
عليه قيمته فيه ـ كما ترى.
المسألة السادسة :
لو اشترى عينا بعين ، وقبض أحدهما ثم باع ما قبضه وتلفت العين الأخرى في يد بائعها
بعد البيع الثاني بطل البيع الأول من حينه ، لحصول التلف قبل القبض ولا سبيل إلى
إعادة ما بيع ثانيا لوقوعه مصادفا للملك ضرورة كون الفسخ بالتلف من حينه بل يلزم
البائع قيمته لصاحبه إن كان قيميا ، كما لو كان تالفا ، بل الظاهر عدم وجوب فسخ
البيع الثاني عليه لو كان له خيار مثلا ، مع احتماله كالهبة قبل التصرف ، وعلى
الأول ، فلو فسخ بعد دفع القيمة أو قبلها ، ففي وجوب دفع العين عليه وجه قوي ، لأنه
وإن كان للفسخ مدخل في الملك من حينه ، إلا أن المملك الأول له قد انفسخ ، ففسخ
العقد الثاني يرجعه على مقتضى العقد الأول الذي فرضنا انفساخه ، فيعود الملك إلى
مالكه الأول بمجرد فسخ العقد.
نعم لو كان
انتقاله إليه بعقد جديد كهبة ونحوها ، اتجه عدم وجوب دفع العين عليه ، ويحتمل عدم
الوجوب خصوصا لو كان قد دفع القيمة التي هي بمنزلة العوض عنه ، بل وإن لم يدفعها ،
بناء على أن دخوله في الملك بالفسخ بمنزلة الملك الجديد. فتأمل جيدا
وكيف كان فهل
المعتبر قيمته يوم البيع ، أو يوم تلف العين الأخرى؟ يحتمل الأول ، لأنه وقت تعذر
المثل ، والثاني لأن القيمة حينئذ لم تكن لازمة للبائع ، وإنما لزمت بتلف العين
الأخرى ، الموجب لبطلان العين ، وهو الأجود ، ولو جهل تاريخ كل من البيع الثاني ،
والتلف ، اتجه البطلان ، بناء على أن مقتضى تعارض الأصلين الاقتران الذي لا ريب في
البطلان مع تحققه ، وأما إذا قلنا بعدم الاقتران ، وأن الأصل يقتضي عدمه أيضا ،
فيمكن الصحة تمسكا بأصالتها الناشئة من إطلاقات البيع وعموماته فتأمل. والله أعلم.
( النظر
الرابع : في اختلاف المتبايعين )
لكن ينبغي أن يعلم
أولا أنه إذا عين المتبايعان نقدا مخصوصا أو عروضا كذلك وجب الوفاء بما عيناه في
العقد وإن أطلقا النقد مثلا ، وكانا من أهل بلاد واحدة انصرف إلى نقد البلد فـ (
إن ) لم يكن فيه إلا نقد واحد أو كان فيه نقد غالب صح قطعا ، إذا وقع العقد في
بلدهما المنصرف فيه إليه ، ضرورة كون الانصراف من التعيين ، بل وإن كانا في غيره ،
ترجيحا لعرف المخاطبين على مكان الخطاب ، ولو انضم عرف بلد العقد إلى أحدهما دون
الأخر ، أمكن ترجيحه عليه ، سيما إذا كان البائع الذي يمكنه ترجيح عرفه على
المشتري إذا وقع العقد في محل لا يعضد أحدهما ، لأن ابتداء الخطاب منه والمشتري
قابل للمراد من خطابه على الظاهر واحتمال ـ الخروج عن عرفهما معا ، لاختلافه ،
والرجوع إلى بلد العقد إذا فرض فيه نقد غالب ـ ضعيف ، وقد تحقق في الأصول في بحث
تقديم عرف المخاطب على المتكلم أو العكس ، ما يشهد للمقام في الجملة ، وإن كان
يمكن الفرق بينهما ، ولذا كان الأولى التعيين في المقام المقصود منه ذكر ما يرتفع
به النزاع والشقاق في جميع صور الاختلاف المزبورة ، ولا ينبغي الاعتماد على مطلق
الظن فيه.
وكيف كان فـ ( إ )
ن لا يحصل تعيين ولا غلبة ونحوهما مما يكفى ، فيه كان البيع باطلا للجهالة إلا إذا
علم كل منهما قصد الأخر فإنه يكفي ، إذ احتمال الذكر تعبدا لقطع النزاع ضعيف ،
وأضعف منه ما عن الأردبيلي من احتمال الصحة إذا تساوت النقود ، إن لم يكن خلاف
الإجماع ، مع أنه لم نجده لغيره ، وخلاف علم الهدى والشيخ فيما حكي عنهما في
المشاهدة وكفايتها مقام آخر ، كالمحكي
عن ابى علي من
تجويزه البيع بسعر ما باع ، ودعوى الملازمة يمكن منعها ، فانحصر التأمل فيه ، مع
احتمال أن يريد ما يحكى عن بعضهم من صحة البيع إذا تعددت النقود ، وتساوت في القدر
والقيمة والمالية ، وإن اختلفت الافراد بحسب الرغبة ، فإن القول به حينئذ لا يخلو
من قوة إن لم يؤد التفاوت إلى الغرر والجهالة والنزاع والمشاجرة ، ولم يعلق البيع
بالمشترك اللفظي. مريدا به مفهوم أحدهما على جهة الترديد لعدم معقولية الملك على
هذا الوجه ، ومن ذلك كله يعلم الحال في الذرع والكيل وكذا الوزن ولو تعارف ذرع غير
بلد العقد فيها ، أو وزنها ، أو كيلها لمبيع خاص ، انصرف اليه فيها من العالم
بالحال ، وإلا بطل العقد مع اختلاف القصد ، ويقدم قوله في الجهل بذلك ، إذا لم يكن
هناك ظاهر ينفيه ، وإلا تعارض الأصل والظاهر.
وكيف كان فـ ( إن
اختلفا ) أى المتبايعان فهيهنا مسائل : الأولى : إذا اختلفا في قدر الثمن سواء كان
في الذمة ، أو معينا في وجه تسمعه إنشاء الله تعالى ، ( فـ ) ادعى البائع زيادته ،
والمشتري عدمها ، كان القول : قول البائع مع يمينه إن كان المبيع باقيا ، وقول
المشتري مع يمينه إذا كان تالفا على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل عن ظاهر
الغنية وكشف الرموز الإجماع عليه ، بل هو صريح محكي الخلاف ، وآخر مبحث الشرائط من
السرائر ، وإن أنكره في موضع آخر منها غاية الإنكار ، لكن عن كشف الرموز أن
المناقضة منه ليس ببدع ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك ، مرسل البزنطي الذي رواه
المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله 7 « في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري : هو بكذا وكذا ،
بأقل مما قاله البائع ، القول قول البائع إذا كان الشيء قائما بعينه ، مع يمينه »
المنجبر بما سمعت ، بل عن إيضاح النافع أن الرواية مقبولة عند أهل الحديث.
وعن الكفاية أنها
مشهورة ومتكررة في الكتب معمول بها بين الأصحاب ، مع
__________________
ما عن عدة الشيخ
من أن البزنطي لا يروي إلا عن ثقة ، وكشف الرموز أن الأصحاب عملوا بمراسيل البزنطي
، والرواية مقبولة عند أهل الحديث ، فلا مناص عن العمل بها منطوقا ومفهوما ؛ خصوصا
بعد تأيدها في الجملة ، بإطلاق
الصحيح « فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا » الظاهر في
بقاء العين أيضا ، والنبوي « إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع ، والمبتاع
بالخيار » وبما أرسله في الخلاف من أخبار الفرقة ، والمناقشة في مفهومه ـ بأنه أعم
من كون القول قول المشتري مع التلف ، لإمكان التحالف ـ يدفعها بعد أن كان دعوى أنه
خلاف المنساق الإجماع المركب إن لم نقل انه مقتضى الأصل ، وإلا كنا في غنية عن
المفهوم كما أنا في غنية بما عرفت من الخبر المنجبر بالعمل ، عن تكلف جريان ذلك
على القواعد بوجوه تصلح مؤيدة للدليل لا دليلا ، لوضوح عدم تماميتها ، كما لا يخفى
على من لاحظها.
ومن ذلك ظهر لك أن
ما عن الإسكافي ـ من تقديم قول البائع إن كانت في يده لكن للمشتري الخيار ، وقول
المشتري إن كان العكس ، أو أحدث بها حدثا إذ هو يؤيد أيضا ، وربما حكي عن أبى
الصلاح وإن كنا لم نتحققه ، بل لعل المحقق خلافه ـ في غاية الضعف لما عرفت على أنه
مع قطع النظر عنه غير موافق للضوابط ، وإن احتجوا له ، بأنه إذا كان في يد البائع
، فالمشتري يريد انتزاعه من يده ، فالقول قوله ، بخلاف ما لو كان في يد المشتري ،
فان البائع حينئذ يدعي زيادة على ما أقر به المشتري ، والأصل عدمها ، لكنه كما ترى
، ضرورة عدم أثر ليد البائع بعد اعترافه بأنها يد أمانة ، والمشتري بعد اعترافه
بأنها مبنية على يد البائع ، وكذا ما عن بعضهم ـ من أن القول قول المشتري بيمينه ،
لانه منكر للزيادة المدعاة بعد اعتراف البائع بأن العين ملكه ، فهو كمن ادعى عليه
بماءة مثلا فاعترف بخمسين ، إلا أنه لم نعرف قائله ، قبل الفاضل
__________________
في المختلف ، بل
في المسالك « لم يذكره أحد من أصحابنا في كتب الخلاف ، وذكره العلامة في القواعد
احتمالا ، وحكاه في التذكرة عن بعض العامة وقواه ، لكن الذي يظهر أنه أقوى الأقوال
إن لم يتعين ، العمل بالأول نظرا إلى الخبر والإجماع ، غير أن فيهما ما قد عرفت »
قلت : بل إليه يرجع ما في المختلف وإن أطال فيه إلا أنه لا يخفى عليك ضعفه في خصوص
المقام لما سمعت.
نعم لا بأس به في
غيره لو أبرزت الدعوى باشتغال الذمة بالزائد وإنكاره ، أما لو أبرزت في تشخيص سبب
الشغل بحيث يكون الاستحقاق تبعيا ، فقد يمنع تقديم قول المشتري فيه ضرورة كون كل
منهما مدعيا ومنكرا ، ففي المقام مثلا يدعي البائع أن ما وقع ثمنا في عقد البيع
المخصوص ماءة والمشتري خمسون ، فنزاعهما في تشخيص العقد المشخص في الواقع ، ولا
ريب في كون كل منهما مدعيا فيه ومنكرا ، ولعله لذا احتمل التحالف الفاضل في كثير
من كتبه ، بل عن ولده أنه صححه ، والشهيد الأول اختاره في قواعده ، وإن نسبه في
دروسه إلى الندرة.
بل مال إليه هنا
في جامع المقاصد قال ما حاصله : إن البائع لما لم يكن اعترافه بالملك مطلقا ، بل
كان على وجه إن ثبت ، ثبت به الثمن المخصوص ، كان منكرا لما يدعيه المشتري أيضا ،
ومدعيا عليه ثمنا مخصوصا اقتضاه عقد آخر ، والمشتري ينكره ويدعي عليه ثمنا مخصوصا
اقتضاه عقد آخر ، فلا قدر مشترك بينهما محقق قد اتفقا عليه ، كي تتوجه الدعوى
حينئذ إلى الزائد عليه وينتفى التحالف الذي ضابطه تنافي الدعويين ، وجمع الدعويين
؛ وإثبات ما اتفقا عليه وأقر به المشتري للبائع ، فيبقى الزائد الذي ينكره المشتري
فيقدم قوله بيمينه ـ لا وجه له ؛ بعد ما عرفت من تشخيص كل من الدعويين بما ينافي
الأخرى ، وصيرورتهما به بمنزلة دعوى كل منهما عقدا غير عقد الأخر التي لا ريب في
التحالف فيها ، كما لو قال المالك : آجرتك العين ، فأنكر الأخر وقال بعتنيها أو
بالعكس ، ولا وجه لاحتمال كون القول قول منكر دخول ملك العين لاتفاقهما على ملك
المنفعة ، فيكون النزاع في الزائد ، فالقول قول منكره كما لا يخفى ،
ومن ذلك يعلم أن
الوجه التحالف فيما لو قال : وهبتني ، فقال : بل بعته بألف ، كما جزم به في
التذكرة ، وإن كان في القواعد احتمله وتقديم قول مدعى الهبة مع اليمين ، وفي جامع
المقاصد لا ريب في أرجحية التحالف ، إلا أن المتجه طرده في جميع المسائل أي التي
منها ما في.
المسألة الثانية :
وهي ما لو اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله ، أو في قدر الأجل ، أو في اشتراطه الرهن
من البائع على الدرك أو ضمين عنه فإن الجميع متحدة في المدرك إلا أن المصنف وغيره
حكموا ( فـ ) يها بأن القول قول البائع مع يمينه وقد عرفت اختلاف إبراز الدعوى ،
فقد تبرز على وجه التحالف ، أو إنكار البائع أو المشتري ، فتأمل جيدا.
بل قد يقال : إن
القول قول مدعى الأقل على أى حال أبرزت الدعوى ، إذا كان المراد اشتغال الذمة
بالأكثر ، ضرورة أن أقصاه الاختلاف في السببين ، أى السبب الموجب للأقل ، والسبب
الموجب للأكثر ، ولا ريب في موافقة الأصل للأول ، فيكون هو المنكر ومن هنا أفتى به
الأصحاب من غير خلاف يعتد به في سائر المقامات ، حتى في الجنايات الموجبة للمال ،
لو وقع النزاع في السبب الموجب للأقل منها أو الأكثر فلاحظ وتأمل فإن ذلك هو
التحقيق في المسألة ، بل هو الذي يوافق صدق المدعى فيها عرفا.
وكيف كان فمحل
البحث وثمرته في أصل المسألة إنما هو إذا لم ينفسخ العقد ضرورة ، أنه معه ـ بإقالة
أو فسخ بأحد وجوهه أو بتلف قبل القبض ـ لا يظهر للنزاع ثمرة إن لم يكن البائع قبض
الثمن ، بل وإن كان قد قبضه إذ هو حينئذ كالدين في ذمته أو الأمانة عنده ، فيقدم
قوله في قدره فيه بلا خلاف أجده هنا ، وإن كان يمكن فرض صورة للنزاع بحيث تأتي
الوجوه السابقة أو بعضها ، إلا أنها خارجة عن البحث ، كخروج فرض النزاع في تعيين
الثمن أنه العبد أو الجارية عنه أيضا ضرورة تعين التحالف فيه ، بل لفظ القدر ونحوه
في النص والفتوى ظاهر في خلافه ، ومن هنا خص بعضهم
__________________
محل البحث بما إذا
كان في الذمة ، وان كان قد يناقش فيه بأعمية ذلك من المطلوب ، إذ يمكن فرضه في
الذمة مع وقوع الاختلاف في تعيينه ، بحيث يتعين التحالف فيه ، وبأنه يمكن فرضه في
المعين أيضا مع فرض الاختلاف في القدر ، كما لو قال بعتك بهذين الدينارين أو
الثوبين مثلا ، فقال : بل أحدهما معينا ، فان الحكم فيه كالذمة في جريان ما سمعت
ومنه يظهر رجوع تفصيل المختلف إلى ما في التذكرة كما عرفت فلاحظ وتأمل ،
لكن الإنصاف ان
المتجه في هذا الفرض ما تقتضيه الأصول ، لعد اندراجه في المنساق من النص والفتوى ،
كما ان المنساق منهما أيضا اعتبار قيام العين في يد المشتري في تقديم قول البائع ،
فلو انتقلت عنه انتقالا لازما كالعتق والبيع والوقف ونحوها ، لم يكن القول قوله ،
ضرورة كون المفهوم حينئذ بناء على ما ذكرنا عدم اعتبار قوله إذا لم تكن العين
قائمة في يد المشتري ؛ فيندرج فيه الفرض لذلك ، لا لان الانتقال اللازم تلف حكمي ،
حتى يرد عليه منع كونه كذلك ، وإن من الجائز كون العلة ، التلف الحقيقي الذي يمتنع
معه الرجوع إلى العين في اعتبار ما يدعيه ؛ من ان الحكم إنما تعلق في تقديم قول
البائع على قيام العين من غير اعتبار بالعلة ، وهو متحقق مع انتقالها عن ملكه بأي
وجه فرض.
لكن قد عرفت
اندفاع ذلك كله ، بناء على ما ذكرنا ، بل منه يظهر الحال في غير اللازم من
الانتقال كالبيع في زمن الخيار ونحوه نعم لو كان قد فسخ قبل التنازع اتجه حينئذ
تقديم قول البائع ، لصدق القيام في يده ، أما مع عدمه فالمتجه ما ذكرناه اقتصارا
على المتيقن فيما خالف الأصل ، ولذا كان المتجه كما في المسالك فيما لو تلف بعض
المبيع تنزيله منزلة تلف المجموع ، لا بقاؤه ، ولا إلحاق كل جزء بأصله ، ويؤيده
عدم صدق قيام عين المبيع الذي هو مناط تقديم قول البائع.
ولو امتزج المبيع
بغيره فإن بقي التميز ، فعينه قائمة ، وإن لم يتميز ففي المسالك احتمل بقاؤه كذلك
لانه موجود في نفسه ، وإنما عرض له عدم التميز من
غيره ، والمفهوم
من قيام عينه وجوده ، خصوصا عند من جعل التلف في مقابلته ، فإنه ليس بتالف قطعا ،
وفيه أن المنساق من القيام غيره مما يظهر عينه للحس ويمكن إرجاعه ، فالمتجه الاقتصار
عليه ، هذا مع مزجه بجنسه بحيث لا يخرج به إلى حقيقة أخرى ، كالزيت يخلط بمثله ،
والنوع الواحد من الحنطة بمثله. أما لو خلط بغير جنسه بحيث صارا حقيقة أخرى كالزيت
يعمل صابونا ، فإنه حينئذ بمنزلة التالف. والله أعلم.
المسألة الثالثة :
لو اختلفا في قدر المبيع فقال البائع بعتك ثوبا بدرهم مثلا فقال المشتري بل ثوبين
أو قال البائع : هذا الثوب بكذا ، وقال المشتري : ذلك مع ثوب آخر معين به فالقول :
قول البائع أيضا لأصالة عدم انتقال غير ما اعترف به ، ولذا كان القول قول المشتري
في قلة الثمن ، والبائع في كثرته عند من عرفت لو لا الخبر المزبور المفقود في الفرض
، والتحقيق إتيان البحث السابق هنا إذ لا نص في المقام يعارض ما يقتضيه الأصل ،
فيبقى البحث في تعيين مقتضاه من تقديم مدعى الأقل أو التحالف أو غيرهما ، وقد تقدم
الكلام فيه مفصلا.
نعم هذا إذا كان
الاختلاف في المبيع من حيث القدر ( فـ ) أما إذا كان من حيث التعيين كما لو قال
البائع بعتك هذا الثوب بكذا فقال المشتري بل هذا فهنا دعويان لا قدر مشترك بينهما
فيتحالفان على نفى كل من قولهما ويبطل دعواهما لحصول ضابط التحالف : ويترادان ،
كما في النبوي « المتبايعان إذ
اختلفا ، تحالفا وترادا » وكذا لو نكلا معا ويبتدء باليمين من ادعي عليه أولا ،
كما في المسالك في نحو ذلك ، بل هو مقرب التذكرة ، ونفى عنه البعد في جامع المقاصد
، ولو تساويا في إبراز الدعوى ، فإن قلنا بتقديم من كان على يمين صاحبه ،
__________________
اتجه ، حينئذ
اليمين على الآخر ، وإلا فالقرعة ، لكن في الدروس البادي باليمين من يتفقان عليه
فان اختلفا عين الحاكم ، وفي القواعد في نحو المقام احتمال استحباب تقديم البائع ،
والمشتري ، والتساوي فيقرع ، ولعل ما ذكرناه أولى.
وعلى كل حال
فالظاهر أن اليمين على النفي لا جامعة بينه وبين الإثبات ، وإن احتمله في القواعد
، ووجه بأنه أفصل للحكم وأسهل للحاكم ، إذ قد ينكل أحدهما فيغني عن ردها تلك
اليمين ، مضافا إلى ما ورد من النهي عن تكرارها وفيه ان يمين
الإثبات بعد النكول فلا تتقدم عليه كي تجدي في السقوط عند التوجه.
وعلى كل حال فإذا
حلفا سقطت الدعويان عندنا كما في التذكرة قال : « كما لو ادعى على الغير بيع شيء
أو شرائه ، فأنكر وحلف ، سقطت الدعوى ، وكان الملك باقيا على حاله ، ولم يحكم
بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه ، ومن ذلك نسب إليه في المسالك القول بالبطلان من
الأصل بعد التحالف ، وأنه ينزل البيع منزلة المعدوم ، خلاف ما اختاره في القواعد
والدروس ، من أنه حين التحالف ، أو الفسخ ، لا من الأصل.
وكيف كان فيشكل
باتفاقهم على وقوع عقد ناقل للثمن أو المثمن ، وإن اختلفا في تعيين الأخر منهما ،
ومن هنا اتجه جعل البطلان من الحين في المتفق عليه ثمنا أو مثمنا ، وأما المختلف
فيه منهما فالمتجه فيه ما ذكره من البقاء على الملك وحينئذ فكل من إطلاقه في
التذكرة والقواعد غير جيد ، وتظهر فائدة القولين في النماء ، وفيما لو وقع التحالف
بعد انتقال العين بعقد لازم كالبيع وشبهه ، أو الخروج عن الملك بعتق أو وقف
ونحوهما ، فعلى الأول يبطل العقود وغيرها ، ويرجع العين إلى صاحبها وبه قطع في
التذكرة تفريعا على أصله ، وعلى الثاني يرجع إلى القيمة يوم الانتقال ، وبه قطع في
القواعد تفريعا على أصله ، وأما التلف فيرجع معه بالقيمة.
وعلى كل حال ولعل
الذي ألجأ الفاضل في التذكرة إلى ذلك ، هو تلازم حال
__________________
الثمن والمثمن ،
فإذا فرض أن أحدهما باق على حكم الملك ، كان الآخر كذلك ، ويدفعه جواز اختلافهما
في الحكم الظاهري ، وإن تلازما في الحكم الواقعي ، وكيف كان فالمراد من البطلان من
الأصل أو من الحين ، هو جريان حكم ذلك عليه ، وأنه يكون حينئذ بمنزلة ما لم يجر
عليه العقد ، لا أنه كذلك حقيقة ، ولكن قال في المسالك بعد البحث في ذلك : «
الظاهر أن العقد يبطل بمجرد التحالف وإن لم يفسخه فاسخ وبه قطع في التذكرة محتجا
بما تقدم ، من أن يمين كل منهما يسقط دعوي الأخر ، فيكون الملك باقيا على حاله ،
ولم يحكم بثبوت عقد ، حتى يحكم بانفساخه وهذا على القول ببطلانه من أصله ، وأما
على القول ببطلانه من حينه ، فالظاهر أنه كذلك ، لانتفاء دعوي كل منهما بيمين
صاحبه ، فينفسخ حينئذ ، ولأن إمضاؤه على وفق اليمينين متعذر ، وعلى وفق أحدهما
تحكم ، وهو ظاهر فتوى القواعد » قلت : ذلك كله لا يقتضي الانفساخ باطنا للعقد
اللازم الذي أقرا به وتوافقا عليه ، وتعذر تسليم الثمن أو المثمن ظاهرا أخيرا لا
يقضى به.
نعم قد يقال :
بتسلط المحق منهما على الخيار في وجه تسمعه إنشاء الله تعالى ومما يؤيد ذلك ما ذكر
في التذكرة وغيرها قال فيما نحن فيه : « إذا حلف البائع على نفى ما يدعيه المشتري
بقي على ملكه ، فان كان في يده ، وإلا انتزعه من المشتري ، وإذا حلف المشتري على
نفي ما يدعيه البائع ، وكان الثوب في يده ، لم يكن للبائع مطالبته به لانه لا
يدعيه ، وإن كان في يد البائع لم يكن له التصرف فيه ، لانه معترف بأنه للمشترى ،
وله ثمنه في ذمته فإن كان قد قبض الثمن رده على المشتري وله أخذ الثوب قصاصا ، كما
أن له ذلك أيضا إذا لم يكن قد قبض الثمن ، فان زادت قيمته فهو مال لا يدعيه أحد »
وهو كالصريح في خلاف ذلك كله ، ضرورة أنه لا وجه للمقاصة مع فرض الانفساخ ، وظاهر
الدروس التردد ، في ذلك ، كالمحكي عن الشافعي قال : « إذا حلفا أو نكلا احتمل أن
ينفسخ العقد إذ إمضاؤه على وفق اليمينين متعذر ، وعلى وفق أحدهما تحكم ، أى فيكون
ذلك بمنزلة عدم وقوع البيع على أحدهما واقعا ، تنزيلا للظاهر منزلة الواقع ، كما
هو مقتضى
قوله 6 « ترادا » ،
ويحتمل أن يتزلزل فيفسخه المتعاقدان أو أحدهما أو يرضى أحدهما بدعوى الأخر ، أو
يفسخه الحاكم إذا يئس من توافقهما وامتنعا من فسخه ، لئلا يطول النزاع » إلى أن
قال : « ثم إن توافقا على الفسخ ، أو فسخه الحاكم ، انفسخ ظاهرا وباطنا ، وإن بدر
أحدهما فإن كان المحق فكذلك ، وإلا انفسخ ظاهرا » قلت : لا ريب أن المتجه على
مقتضى الضوابط الشرعية عدم الانفساخ بالتحالف بل ولا يتسلط الحاكم على ذلك. نعم إن
توافقا عليه ، وإلا فالظاهر انحصار الخيار في المحق على إشكال في بعض الأحوال ؛
وهو حال ما بعد القبض ، بل قد يقوى عدمه.
فيتجه حينئذ
المقاصة على أحكامها ، هذا كله بحسب الواقع ، والا فالحكم الظاهري قد عرفت الحال
فيه.
نعم قد يقال : إن
للغير التصرف في كل من الثوبين مثلا وشرائهما ، بل والثمن الذي يرجع إلى المشتري
منهما أيضا وإن علم ان الواقع ينافي ذلك ، إلا ان الظاهر عدم اعتبار مثل هذا العلم
في المنع عن العمل بما يقتضيه الحكم في الظاهر ، وله نظائر كثيرة في الفقه ، منها
ـ العين المقسومة بين اثنين ، لتعارض البينتين مثلا. بل ومع العلم بأنها لواحد
منهما ، إذا لم نقل بالقرعة. فإن للغير شراء الجميع من كل واحد منهما وإن علم أن
أحدهما غير مالك للنصف ، إجراء للحكم الظاهري ، بل إن لم يكن إجماع جرى مثله في
النكاح لو فرض التداعي بين السيد مثلا وآخر في تزويج أمته ، فقال السيد : هذه وقال
الأخر : بل هذه ، وتحالفا ، فإن للغير التزويج بهما ، وإن علم أن إحداهما ذات زوج
عملا بالحكم الظاهري.
وكيف كان فلا
ينبغي منع كل واحد منهما من التصرف فيما وصل إليه بعد التنازع. وإن تردد فيه في
الدروس من قيام الملك وتوقع زواله ، فهو كالزائل قال : « وأولى بعدم الجواز بعد
التحالف ، لتأكد سبب الزوال » وفيه ما عرفت ، اللهم إلا أن يريد بحسب ظاهر الحال ؛
وقلنا : بعدم الحاجة إلى حكم الحاكم بعد التحالف وإلا فلو تصرف المحق منهما فيما
له على وجه لا يكون فيه هتك للحكم الظاهري أمكن القول بالجواز ، للعمومات التي لا
ينافيها ذهاب اليمين بما فيها في الظاهر.
نعم لو قلنا
بالانفساخ منعا قطعا ، كما أنه مما قد منا يظهر لك الحال فيما ذكره فيها أيضا من
أنه لو تحالفا بعد هلاك العين ، ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك على الأقرب ولو
عابت فأرشها ، ولو أبق فالقيمة للحيلولة ، ثم يترادان إذا عاد ، وإن رهن أو آجر أو
كوتب فالعقود باقية ، وينتقل إلى القيمة في الكتابة ، وفي الرهن والإجارة وجهان ،
مبنيان على الحمل على الكتابة ، أو الإباق ، ولو رضى صاحب العين بتأخير الأخذ إلى
فك الرهن ، أو فراغ الإجارة ، احتمل إجابته إن تسلم العين أو أسقط الضمان وجوزناه
والا لم يجب
وفي المسالك « أنه
لو وجد العين أي التي وقع التحالف على ثمنها مستأجرة أو مرهونة ، انتظر انقضاء
المدة أو الفلك ، وفي تخيره بينه وبين القيمة معجلة ، وجه » وفي القواعد « لو كان
المبيع أي الذي اختلف في ثمنه تالفا وجبت القيمة عند التحالف يوم التلف ، ويحتمل
يوم القبض ، ولو تلف بعضة أو تعيب ، أو كاتبه المشتري أو رهنه أو أبق أو آجره ،
رجع بقيمة التالف وأرش المعيب وقيمة المكاتب والمرهون والآبق والمستأجر ، وللبائع
استرجاع المستأجر ، لكنه يترك عند المستأجر مدة الإجارة والأجرة المسماة للمشتري ،
وعليه أجرة المثل للبائع ، ولو زالت الموانع ـ بأن عاد الآبق أو فك أو بطلت
الكتابة بعد دفع القيمة ، ـ فالأقرب عود ملك البائع إلى العين ، فيسترد المشتري
القيمة » وبعض ما ذكره لا يخلو من بحث ، كما أن ما ذكره فيها من أنه لو اختلفا في
قيمة التالف بعد التحالف رجعا إلى قيمة مثله موصوفا بصفاته. فإن اختلفا في الصفة
قدم قول المشتري مع يمينه ، أى إن كان هو المنكر كذلك أيضا ؛ بل في المسالك « أنه
قد أغرب في ذلك وهو بأصول العامة أليق ، نظرا إلى أن الوصف تفيد أهل الخبرة الظن
بالقيمة ، فيكون مناسبا لرفع النزاع » قلت : لا ريب أن المتجه على أصولنا كما في
الغصب وغيره تقديم منكر الزيادة ، لعموم
قوله « واليمين على من أنكر » ولأن للأعيان خصوصيات لا تعرف إلا بالمشاهدة ،
__________________
ولا تفي الأوصاف
بالقيمة كما هو واضح.
ثم إن الظاهر
جريان التحالف في زمن الخيار المشترك ، واحتمل في الدروس عدمه ، لأنهما يملكان
الفسخ ، لكن استوجه الأول ما لم يفسخ أحدهما ، قال : « والغرض من اليمين نكول
الكاذب ، ودوام العقد بإحلاف الصادق ، فان حلفا فالفسخ أمر ضروري ، شرع لتعذر
إمضاء العقد ، وعليه يتفرع التحالف في المضاربة ، ويجرى التحالف في سائر العقود
الجارية على هذا النمط ، وتنقيح هذه المباحث محتاج إلى إطناب تام.
فلعل الله يوفق له
» ولو اختلف ورثة البائع وورثة المشتري في القدر كان القول : قول ورثة البائع في
المبيع وورثة المشتري في الثمن وإن كانت عين المبيع قائمة لما عرفت من كون القول :
قول مدعي الأقل في الثمن والمثمن ، خرج من ذلك للنص والفتوى صورة ما لو كان النزاع
بين البائع نفسه والمشتري كذلك مع قيام عين المبيع ، دون غيرها من الصور التي منها
محل البحث ، حتى صورة النزاع بين أحدهما ووارث الأخر ، ودعوى أن كل ما كان للمورث
ينتقل للوارث مسلمة في المال والحقوق التي تنتقل ، بخلاف محل الفرض الذي هو من
الاحكام لا من الحقوق ، فما عن جماعة من أن حكم الوارث حكم المورث مطلقا في غير
محله ، وإن استحسنه في المسالك. والله العالم.
المسألة الرابعة
إذا قال البائع مثلا بعتك مالي بعبد وشبهه مما يصح ثمنا فقال المشتري بل بحر أو
قال بخل فقال : بل بخمر أو نحو ذلك مما لا يصح ثمنا أو قال البائع مثلا فسخت قبل
التفرق وأنكر الأخر ، فالقول : قول من يدعي صحة العقد وبقاؤها بيمينه للأصل :
بمعنى الظاهر ، أو القاعدة ، أو الاستصحاب ؛ وحينئذ فيكون على الأخر البينة بلا
خلاف معتد به أجده ، لكن في الكفاية فيه نظر ، ولعله لأعمية أصالة الصحة من كون
المبيع عبدا ، و
لأصالة عدم العقد
الصحيح ، فيكون كإنكار البيع ، ولأن أصالة صحة العقد إنما هي بعد استكمال أركان
العقد ليتحقق وجوده ، أما قبلها فلا وجود له ، والشك في المثال إنما هو في المعقود
عليه الذي هو أحد أركان العقد ، وفيه إن ذلك من توابع العقد الصحيح الذي شخصه
الأصل في المقام ، فهو في الحقيقة من لوازم خصوص هذا العقد من البيع لا مطلق عقده
، ومن الواضح الفرق بين المقام المعلوم وقوع العقد فيه ، وبين إنكار البيع فلا
يقاس أحدهما على الأخر والعقد للأعم من الصحيح والفاسد ، فتحققه لا يتوقف صدقه على
كون المعقود عليه مما يصح العقد عليه ، وإنما يتوقف عليه الصحيح منه لا أصله ، فمع
التنازع فيه كما في المثال لا إشكال في جريانها كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومن ذلك يعلم ما
في الحواشي المنسوبة للشهيد على القواعد قال في الشرح نحو المتن : « هذا مخالف لما
قاله الأصحاب والمصنف ، من قبول قول المشتري في مثل ذلك وإنما هذا من فروع
المخالفين ، حتى لو أراد دعوى الفسخ ؛ إذ الفاضل والمصنف وغيره قدموا قول منكره
للأصل ، وإن كان قد احتمل في القواعد في بحث خيار المجلس تقديم قوله ، لأنه أعرف
بنيته ، ولا ريب في ضعفه بعد حمل النية في كلامه على الفعل ، بقرينة وضوح عدم
مدخلية النية ».
وكيف كان فالتحقيق
ما عرفت نعم قد يتجه تقديم مدعي الفساد لو كان الاختلاف في حرية المعين ثمنا أو
مثمنا ورقيته ، ولم يكن سبيل إلى معرفتها ، فإن أصل الصحة لا يشخص الرقية هنا قطعا
، وكذلك الخلية والخمرية ، فيبقى أصل عدم النقل وأصل البراءة معاضدا لمدعي الفساد
، فيكون القول : قوله بيمينه ، ولعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين في مسالكه ، قال : «
وربما يستشكل الحكم مع التعيين ، كبعتك بهذا العبد ، فيقول : بل بهذا الحر ، فإن
منكر نقل العبد إن كان هو المشتري فهو ينفى ثبوت الثمن في ذمته وإن كان هو البائع
فهو ينفى انتقال عبده عنه ، فالأصل معهما في الموضعين ،
ولانه يرجع إلى
إنكار البيع ، فيقدم قول منكره ».
نعم لو لم يعينا
في الصورتين توجه ما ذكر وإن كان لا يخلو من بعد ، إلا أنه أولى من حمله على إرادة
الفرق بين الكلي والمعين ، ولو مع اختلاف المتبايعين فيه ، بأن قال البائع مثلا :
بعتك بهذا العبد مشيرا إلى معلوم العبودية ، وقال المشتري : بل بهذا الحر مشيرا
أيضا إلى معلوم الحرية ، لعدم ما يصلح فارقا كما هو واضح بأدنى تأمل.
ولو قال البائع
مثلا : بعتك وأنا صبي فأنكر المشتري وقال : بعتني وأنت بالغ ففي القواعد « احتمل
تقديم قول مدعي الصحة مع يمينه ، وتقديم قول البائع ، لأصالة البقاء » ثم قال : «
ولو قال : كنت مجنونا ولم يعلم له سبقه ، قدم قول المشتري بيمينه والا فكالصبي »
وظاهره التوقف ، كالتذكرة والتحرير ، والدروس في المقام والإقرار ، وإقرار جامع
المقاصد بل في إقرار الثاني « أن الصبي يحلف » لكن في الجامع هنا « أن الاحتمال
الثاني في غاية الضعف ، لأن أصالة البقاء مندفعة بالإقرار بالبيع المحمول على
البيع الصحيح شرعا ، فإن صحته تقتضي عدم بقاء الصبوة فلا يعد معارضا ، كما لا يعد
احتمال الفساد معارضا لأصالة الصحة في مطلق الإقرار بوقوع عقد البيع ، فإن قلت :
أصلان قد تعارضا ، للقطع بثبوت وصف الصبوة سابقا قلت : قد انقطع هذا الأصل
بالاعتراف بصدور البيع المحمول على الصحيح ، كما يحكم بانقطاع أصالة بقاء ملك
البائع ، بالاعتراف بصدور البيع لو اختلفا في صحته وفساده ، ولو ثبت في هذه
المسألة تعارض الأصلين ، لثبت تعارضهما فيما لو قال : تبايعنا ؛ وادعى أحدهما
الفساد ، والفرق غير واضح ، وكون الصبوة مستمرة لا دخل له في الفرق » ثم قال في
شرح قوله ولو قال : كنت مجنونا إلى آخره : « أي فيجيء فيه احتمال تقدم جانب الصحة
، لأنها الأصل ، والفساد لأصالة بقاء مقتضية ، وليس بشيء ؛ لانقطاع هذا الأصل كما
قررناه في المسألة السابقة ».
قلت : هو مناف لما
ذكره في شرح قول الفاضل في باب الضمان ، لا يصح ضمان
الصبي وإن أذن له
الولي ، فإن اختلفا قدم قول الضامن ، لأصالة براءة الذمة وعدم البلوغ ، وليس لمدعي
الأهلية أصل يستند إليه ، ولا ظاهر يرجع إليه ، بخلاف ما لو ادعى شرطا فاسدا ،
وكذا البحث فيمن عرفت له حالة جنون ، قال : أى « فإن اختلف الضامن والمضمون له في
وقوع الضمان حال الصبا أو حال الكمال. قدم قول الضامن في أنه كان صبيا وقت الضمان
، لأن الأصل براءة الذمة ، فيستصحب ، وكذا أصل عدم البلوغ ، وليس لمدعي أهلية
الضمان حال وقوعه أصل يستند إليه ، ولا ظاهر يرجع إليه يكون معارضا للأصلين
السابقين ، فإن قيل : له أصالة الصحة في العقود ، وظاهر حال العاقد الآخر أنه لا
يتصرف باطلا قلت : الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها ، ليتحقق وجود العقد
، أما قبله فلا وجود للعقد ، فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحر أو العبد ،
حلف منكر وقوع العقد على العبد ، وكذا الظاهر إنما يثبت مع الاستكمال المذكور ؛
واعترف شيخنا الشهيد في حواشيه بوجود أصالة الصحة في العقود ، لكن بمعارضة أصالة
الصبا يتساقطان ، ويبقى أصل البراءة سليما عن المعارض ، فكأنه لا أصل له ، وما
ذكرناه أثبت »
ثم إنه في شرح
قوله بخلاف إلى آخره قال : « لأن الظاهر أنهما لا يتصرفان باطلا ، وحيث كان
المتعاقدان كاملين تحقق الظاهر المذكور. وأصالة صحة العقود » وشرح قوله وكذا البحث
إلى آخره « أى ما سبق في الاختلاف في وقوع الضمان حال الصبا والبلوغ آت فيما عرف
له حال جنون بعين ما ذكر ، لكن لو حصل الاختلاف في وقوع العقد في يوم الجمعة وكان
فيه كاملا ، وفي يوم الخميس قبله وكان باتفاقهما صبيا أو مجنونا ؛ فهل هو كما سبق؟
أو يحتمل بأصالة عدم التقدم ، كل ممكن » انتهى وهو كما ترى.
والتحقيق عدم
الفرق بين البيع والضمان في تقديم مدعي الصحة ، لأصالتها القاطعة جميع هذه الأصول
، بل هو كذلك وإن لم يعترف بأنه باع ثم ادعى أنه كان صبيا ، ويكفى ثبوت أصل الفعل
فيه ولو ببينة ، ثم يصححه الأصل.
ومن الغريب دعوى
تخصيصه أصالة الصحة بما بعد استكمال الأركان التي منها المعقود عليه ، مع أنه لم
يعرف خلاف في أن القول : قول مدعي الصحة فيما لو تنازع المتعاقدان الكاملان في
وقوع العقد على ما يصح ، أو ما لا يصح ، وقد كان ما هو فيه من تقديم قول الصبي في
مسألة الضمان مستغنيا عن هذه الدعوى ، وكان يكفى فيه دعوى عدم تحقق موضوع أصالة
الصحة ، وهو فعل المسلم الكامل ، وإن كان يدفعه منع كون الموضوع ذلك ، بل الأصل في
الفعل نفسه الصحة ، وإنما يمنع منها عدم الكمال فمع عدم تحققه والفرض وقوع الفعل ؛
يحكم بصحته حتى يتبين خلافه ، إلا انه لا يخلو من نظر فتأمل جيدا
النظر
الخامس : في الشروط
المذكورة في متن
العقد دون ما بعده بل وما قبله ، إذا لم يكن بناء العقد عليه وإلا فالصحة فيه قوية
جدا ، وعلى كل حال فالمراد بها المرسومة فيه زائدا على الثمن والمثمن على وجه
الالتزام ، دون التعليق الذي لا إشكال في البطلان معه وإن كان بلفظ الشرط ، من غير
فرق بين كون المعلق عليه محقق الوقوع في مستقبل الأزمنة أولا ، لا لأنه ينافي قصد
إنشاء النقل والانتقال والرضا بهما لا مكان منعه ، خصوصا بعد مشروعية التدبير
والنذر ونحوهما من الإنشاء المعلق بل لانه مناف لما هو المعلوم من الشرع من تسبيب
هذه الصيغ وترتب الآثار عليها بمجرد تمامها ، فالتعليق المقتضى لتأخر الآثار ،
وعدم إعمال السبب مقتضاه مناف لذلك.
ومنه يعلم أنه لا
يقدح صورة التعليق بعد العلم بإرادة الالتزام منها ، لا حقيقته المنافية لما عرفت
، بل ولا يقدح منه ما كان نحو بعتك إذا كانت الشمس طالعة مع
العلم بالطلوع ،
وإن كان هو ظاهر بعضهم ، لكونه تعليقا في الظاهر وللشك في السببية معه ، إلا أنه
كما ترى. نعم لا يبعد البطلان مع الشك ، لاقتضائه توقف عمل السبب بعد تمامه على
غيره مما لا مدخلية له في تسبيبه مع احتمال الصحة لكون التعليق فيه للعلم بترتب
الأثر ، لا للأثر نفسه ، فتأمل جيدا.
ولا خلاف كما لا
إشكال في قبول عقد البيع وغيره من العقود اللازمة ، الشرائط في الجملة ، والنصوص
مستفيضة فيه أو متواترة بل لعل إطلاق الأمر بالوفاء بالعقود « والتجارة عن
تراض » كاف إلا أن منها ما ليس بسائغ ، ومنها ما هو سائغ وضابطه
كما في القواعد واللمعة والروضة وغيرها ، بل عن ابى العباس نسبته إلى علمائنا ، ما
لم يكن مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن كاشتراط تأجيل أحدهما مدة مجهولة ولا
مخالفا للكتاب والسنة ضرورة وضوح بطلان الثاني ، وكذا الأول بعد ما عرفت من اعتبار
المعلومية فيهما ، بل هو مندرج في الثاني ، ولذا اقتصر في النصوص على استثنائه ففي
الصحيح « المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله تعالى
فلا يجوز » وآخر « من اشترط مخالفا
لكتاب الله عز وجل فلا يجوز على الذي اشترط عليه والمسلمون عند شروطهم فيما يوافق
كتاب الله عز وجل » والخبر « المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلا لا أو حلل حراما »
لكن يظهر من جماعة
منهم الفاضل في القواعد أن من المخالف للمشروع اشتراط ما ينافي مقتضى العقد ، كشرط
عدم البيع أو الهبة أو العتق أو الوطي أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن ، أو نحو
ذلك ، بل في الغنية من الشروط الفاسدة بلا خلاف ،
__________________
أن يشترط ما يخالف
مقتضى العقد ، مثل أن لا يقبض المبيع ولا ينتفع به.
وعن جماعة أن ضابط
المنافي كل ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو يقتضيه
ورتبه ، وقد يشكل باشتراط عدم الانتفاع بالمبيع مثلا زمانا معينا ؛ فان مقتضى
إطلاق العقد إطلاق التصرف في كل وقت ، وباشتراط إسقاط خيار المجلس والحيوان ، وما
أشبه ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه كما في المسالك ؛ واحتمال إرادة ما لم يجعل
العقد إلا لأجله من المقتضى كانتقال العوضين في البيع الذي هو الأثر الحقيقي له ،
ينافي منع اشتراط عدم البيع ونحوه مما سمعت منعه ، لانه مناف.
ومن هنا قال في
جامع المقاصد « الحاسم لمادة الاشكال أن الشروط على أقسام ، منها ـ ما انعقد
الإجماع على حكمه من صحة وفساد ، فلا عدول عنه ، ومنها ـ ما وضح فيه المنافاة
للمقتضي ، كشرط عدم الضمان عن المقبوض بالبيع ، أو وضح مقابله ، ولا كلام في اتباع
ما وضح ، ومنها ـ ما ليس واحدا من النوعين ، وهو بحسب نظر الفقيه » لكن لا يخفى
عليك أن ما ذكره غير حاسم ، والأولى الاعراض عن هذه العبارة ، والرجوع إلى ما
سمعته من الكلية المنصوصة التي يندرج فيها جميع ما يشك في جوازه ، فيكون ذلك حينئذ
هو المدار.
لا يقال : إن فيها
إجمالا أيضا إذ لا يدرى ما المراد بالحلال والحرام ، أهو ما كان كذلك بأصل الشرع
من دون توسط العقد ، أو ما يعم ذلك؟ فإن أريد الأول ، نافى ما نصوا عليه من بطلان
اشتراط عدم البيع ونحوه ، إذ لا مانع في الشرع من كون الشيء مملوكا ولا يباع أو
لا يوهب مثلا ، وإن أريد الثاني ، ففيه أولا أنه مناف لما ذكروه ، بل قد عرفت دعوى
الإجماع عليه في المسالك من صحة اشتراط عدم الانتفاع مدة ، وإسقاط خيار المجلس
وإسقاط خيار الحيوان ونحوها مما عرفت ، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص الآتية في
جواز بيع الأمة بشرط عدم البيع والهبة ، المستلزم لحرمتهما بعد
الشرط ، مع أنهما
حلال بواسطة العقد ، بل ظاهر هذه النصوص جواز اشتراط المنع من غيرهما إلا الإرث
خاصة من بينها ، وثانيا المنع من الهبة مثلا الباطل اشتراطه ، لكونه محرما ، حلالا
بواسطة العقد ، وإن أريد به بالنسبة إلى العقد المعرى عن الشرط. فهو وارد في كل
شرط ، لأنه مخالف لمقتضى العقد الخالي منه ، وإن أريد بالنسبة إلى العقد المتضمن
له فهو غير واضح ، لأنا نقول : لا يخفى رجحان إرادة الأول ، لانسياق حصول صفة الحل
وللحرمة قبل العقد ذي الشرط منه ، فالمراد تحريم ما كان حلالا بأصل الشرع ، أو
بالعكس كاشتراط عدم الإرث ممن يرثه أو شرب الخمر أو الزنا ونحوها ، بل التأمل
الجيد يقضى بكون المراد بذلك بيان ان الشرط من الملزمات بكل ما هو جائز للمكلف
فعله أو تركه ، وأنه ليس مؤسسا للحكم الشرعي ومثبتا له ، حتى يكون محللا للحرام أو
بالعكس ، فيكون الضابط حينئذ في السائغ منه ما كان جائزا للمشترط عليه قبل
الاشتراط وانما أريد بالشرط الإلزام به وغيره ما لم يكن كذلك ، ومقتضى ذلك جواز
اشتراط عدم البيع أو الهبة أو الوطء أو نحو ذلك ضرورة أن للمشترط عليه مع قطع النظر
عن الشرط ترك ذلك كله.
اللهم إلا أن
ينعقد إجماع على عدم الجواز وهو محل شك ، بل قد يقوى الظن بخلافه ، خصوصا بعد
استدلال جماعة علي البطلان بالمنافاة لمقتضى العقد الذي هو كما ترى ؛ وخصوصا بعد
أن سئل الصادق 7 في الصحيحين « عن الشرط في
الأمة لا تباع ولا توهب فقال : يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث ، لأن كل شرط خالف
الكتاب باطل » وفي الأخر « وهو مردود » ونحوهما غيرهما ، وهما مع صراحتهما بجواز
اشتراط عدم البيع والهبة ، قد اشتملا على الاستثناء المشعر بما ذكرنا من تفسير
الحلال والحرام.
نعم لا ريب في
بطلان منافي مقتضى العقد بمعنى عوده عليه بالنقص ، كاشتراط عدم الملك في المبيع ،
بل هو عند التأمل راجع إلى الضابط الذي عرفت ، كما أن
__________________
البطلان في الشرط العائد
إلى جهالة المبيع أو الثمن لا إشكال فيه ، بعد النهي عن بيع الغرر الشامل لمحل الفرض قطعا.
نعم قد يتوقف في
بطلان المجهول من الشرط مع الأول إلى العلم إذا لم تكن جهالته مؤدية إلى جهالة
الثمن أو المثمن ، لعموم دليل الشرطية بلا معارض ، ضرورة اختصاص دليل المنع بغير
الشرط ودعوى ـ إلحاق أحكام المبيع والثمن له ، لاندراج كل شرط في اسم كل عقد وقع
فيه ـ واضحة المنع ، بعد صحة السلب عنه ، ولا دليل على المساواة في الحكم ، كدعوى
استلزام جهالة الشرط ، الجهالة فيهما لأن له مدخلية فيهما ، إذ لا شاهد لها في
العرف واللغة والشرع ، ومدخليته التي هي بمنزلة الداعي لا تقتضي ذلك قطعا ، ولا
يندرج بسببها في دليل منع الجهالة في الثمن والمثمن كما هو واضح ، فهو حينئذ قسم
من الملزمات مستقل برأسه وإن اعتبر في إلزامه وقوعه في ضمن عقد لازم ، ولذا صح
اشتراط ما لا يصح وقوع العقد المشترط فيه عليه ، كاشتراط المنفعة ونحوها في عقد
البيع ، والعين في عقد الإجارة وتصفح ما ذكره الأصحاب من صحة اشتراط الرهن والضامن
والعتق ونحو ذلك ، مع أن في مطلقها جهالة لا تغتفر في نظيره في البيع.
أما إذا كان جهالة
لا تئول إلى العلم ، اتجه البطلان لأنه مثار النزاع ، ولم يعهد نظيره في الشرع بل
المعلوم منه خلافه ، بل قد يقال ـ إن لم يكن إجماع على مثل هذا التسامح في الأول ـ
بعدم الجواز أيضا ، لأن دليل المنع وهو
النهي عن الغرر في البيع ، شامل لعقد ذي الشرط المفروض فيه الغرر
، وإن لم يصدق على الشرط أنه مبيع أو منه ، أو ثمن أو منه ، ضرورة كون المراد
النهي عن الغرر في عقد البيع ، ولو بالنسبة إلى ما فيه من الشرط ، كما هو واضح ،
نعم لا يثبت في الشرط الأحكام الثابتة للمبيع مثلا من حيث كونه كذلك لعدم صدقه
عليه ، لا الثابتة للعقد الشامل للمشروط وغيره والله العالم.
وكيف كان فقد بان
لك من ذلك كله أنه لا إشكال في أنه يجوز أن يشترط
__________________
ما هو سائغ داخل
تحت قدرته ، كقصارة الثوب وخياطته ، وحياكته إلا أنه بناء على اعتبار المعلومية ،
لا بد من بيان الثوب وكيفية الخياطة ونحو ذلك مما يرتفع به الجهالة ، كما أنه لا
إشكال في أنه لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره ، كبيع الزرع على أن يجعله
المشتري أو الله سنبلا والرطب على أن يجعله تمرا ، ولا بأس باشتراط تبقيته لدخولها
تحت القدرة ، وفي المسالك وغيرها ، وهل يشترط تعيين المدة أم يحال على المتعارف من
البلوغ؟ لأنه مضبوط عرفا كما إذا لم يشترط ، الظاهر الإكتفاء بالثاني ، وإطلاقهم
يدل عليه ، قلت : كما أنه يدل على ما ذكرنا من التسامح في الشرط ، وربما فرق بين
أخذها شرطا وعدمه ، فيعتبر ضبط المدة في الأول دون الثاني ، وهو جيد بناء على عدم
اغتفار الجهالة في الشرط ، وعلى أن التبقية عند عدم الاشتراط من دليل آخر ، لا من
انصراف إطلاق العقد وإلا كان كالشرط مع إمكان منعه ، ضرورة وضوح الفرق بين ما
يستفاد من الانصراف وبينه من الشرط ، في صدق الغرر في عقد البيع ولو بالنسبة إلى
ما فيه من الشرط في الثاني ، بخلاف الأول.
وعلى كل حال
فالتبقية مقدورة يصح اشتراطها ، ولعل من ذلك اشتراط حصول الأثر المعلوم توقفه علي
عقد أو إيقاع من دونه ، كاشتراط طلاق الزوجة ـ وحليته الوطء من دون صيغتهما ،
ضرورة عدم دخول ذلك تحت قدرته ، لكون المرجع فيه الشرع ، بل قد عرفت فيما سبق أن
دليل الشرطية لا يفيد إلا أن الشرط من الملزمات للجائز ، كالنذر والعهد ؛ ومقتضاه
حينئذ أن كل شيء شك في حكمه شرعا فضلا عما علم لم يصح اشتراطه.
نعم كل شيء علم
حكمه شرعا وشك في جواز اشتراطه كان مقتضى العموم جوازه ، وفرق واضح بين المقامين ،
فيجوز اشتراط الصيغة المقتضية للطلاق وحل الوطي ونحوهما ، ويجوز اشتراط الأعمال
وإن لم يذكر صيغة ، بل يستحق العمل عليه بنفس الشرط ، لعدم توقف حل استيفائه منه
عليها ، إذ لا ريب في جواز تبرعه به وقبوله منه ، بل ربما
قيل أيضا بجواز
اشتراط ملك عين مخصوصة ، ويملكها بنفس الشرط ، من غير حاجة إلى تجديد عقد الهبة
لأنها من العقود الجائزة التي لا يعتبر فيها لفظ مخصوص ، فيكفي حينئذ عبارة
الشرطية مع القبول في تحقق أثرها ، كاشتراط الوكالة وغيرها ، إلا أنه قد يشكل حصول
الملك قبل القبض ، لاعتباره فيها ، وحينئذ يكون المراد بما في الشرط من الملك ملك
أن يملك.
اللهم إلا أن يقال
أنها في الفرض كالهبة المعوضة ، بناء على عدم اشتراط الملك فيها بالقبض ، فتأمل
جيدا فإن ذلك كله كما ترى ، ضرورة عدم وفاء دليل الشرطية بصحة اشتراط آثار العقود
على وجه يلحقه حكم العقد الذي لا يتناول الشرط.
نعم قد يقال :
بصحة اشتراط أثر العقد الذي لا دليل على انحصار سببه في العقد الذي هو من أسباب
حصوله ، كالملك الذي ليس في الأدلة ما يقتضي انحصار سببه في الهبة ونحوها ، وإن
كان الهبة تفيده لا أنها منحصر فيها ، فهو حينئذ ملك شرطي ، لا ملك الهبة التي هي
اسم للعقد المخصوص ، المعلوم عدم كون الشرط منه ، بل لعل الحرية كذلك أيضا ، فيصح
اشتراطها على وجه يكون هو السبب في حصولها ، وليس ذلك من العتق الذي هو عبارة عن
الإيقاع المخصوص ، وحينئذ فالضابط في الأمر الذي يجوز اشتراطه ، هو ما لا دليل على
انحصاره في سبب خاص من عقد أو إيقاع ، وإن كان يحصل بهما ، فيشمله حينئذ عموم « المؤمنون » وأما ما دل على انحصاره في السبب المخصوص الذي هو عقد أو
إيقاع فلا يصح اشتراطه ؛ للتعارض من وجه ولا ترجيح ، والأصل عدم ترتب الأثر.
وأما اشتراط العقود
والإيقاع فلا إشكال فيه ، فيجوز اشتراط البيع والهبة والتزويج والقرض وغيرها ، لكن
لو شرط عليه البيع مثلا من زيد بكذا فلم يقبل زيد
__________________
فهل يتسلط من له
الشرط على الخيار لعدم الشرط أو لا؟ لأن المراد من هذا الاشتراط ما هو مقدور له ،
وهو بذله له بذلك ، والا كان من غير المقدور الذي يبطل اشتراطه ـ وجبان ينقدح من
أولهما أن المدار في غير المقدور الفاسد اشتراطه العرف وتجدد العجز لا يخرجه عن
القدرة ، وإن سلط من له الشرط على الخيار ، نعم يمكن القول بالبطلان ، لو انكشف
عدم القدرة عليه حال الاشتراط.
وعلى كل حال
فالظاهر عدم خروج المثال بامتناع زيد عن وصف القدرة ، فيصح اشتراطه لذلك مرادا به
البيع حقيقة لا بذله ، ويتسلط على الخيار مع عدمه ، ولو كان شرط البيع مثلا في عقد
فاسد بجهالة ثمن ونحوه ، فباع المشترط عليه ، فلا ريب في صحة بيعه ، ولزومه مع
علمه بالفساد بل الظاهر ذلك وإن لم يعلم ، وإن كان يقوي ثبوت الخيار له ، وقد
يحتمل الفساد ، لأنه كدفع ثمن العقد الفاسد ، إذ دفع كل شيء بحسب حاله والأول
أقوى ، بل لو لا غروره وحصول الغرر ، أمكن القول بعدم الخيار له والله أعلم.
وكيف كان فمن ذلك
أى اشتراط الإيقاع في العقد ما نبه المصنف بقوله ويجوز ابتياع المملوك بشرط أن
يعتقه عن المبتاع بلا خلاف أجده فيه ، كما عن بعضهم الاعتراف به ، بل في المسالك
الإجماع عليه ، وعلى صحة اشتراطه غير مقيد به ، كما عن المبسوط والمهذب البارع وإيضاح
النافع الإجماع على صحة اشتراط عتقه ، لكن صريح بعضهم وظاهر آخر ان جوازه لذلك ،
ولأنه مبني على التغليب الذي منه ومن غيره يعلم عناية الشارع بفك الرقبة بأدنى سبب
، وإلا فهو مناف لمقتضى العقد ، فينبغي بطلانه ، وفيه ما عرفت من أنه لا دليل على
البطلان بمثل هذه المنافاة بل ظاهر الأدلة خلافه.
بل في التذكرة
يجوز اشتراط عتقه عن البائع عندنا خلافا للشافعي ، لأنه شرط لا ينافي الكتاب
والسنة لكن ظاهره في القواعد عدم الجواز كما هو خيرة الشهيدين في
الدروس والروضة
والفاضل المقداد « لأنه لا عتق إلا في ملك « وفيه أنه في الملك لكون المعتق هو المشتري ، ولا دليل على
اشتراط ملكية المعتق عنه على أنه لو سلم فهو اشتراط لإدخاله في ملكه ، ثم عتقه عنه
، ولا بأس به ، بعد إن لم يكن الشرط بيعه عليه الذي قد عرفت منعه فيما تقدم ، لعدم
توقف العتق المشترط عليه ، فالصحة حينئذ أقوى : ولو شرط في عتقه عن المشتري التبرع
لزم الشرط ، وكذا المجانية ، أما لو شرط عتقه عن كفارة المشتري ، ففي المسالك « صح
، وفائدة الشرط التخصيص لهذا العبد بالإعتاق » قلت : بل فائدته عدم إجزاء العتق
تبرعا عن الشرط إذا كان للبائع غرض بذلك ، ومثله اشتراط العوضية في العتق بالخدمة
ونحوها ، فلا ـ تجزى المجانية حينئذ ، وإن كان قد يندر فرض مصلحة للبائع في ذلك ،
لغلبة كونها للمشتري ، فله حينئذ إسقاطها وعتقه مجانا.
ثم إن ظاهر الشرط
يقتضي إيقاعه مباشرة اختيارا ، بل في المسالك مجانا أيضا ، فلو شرط عليه عوضا من
خدمة وغيرها لم يأت ، وقال : « وحيث يفوت الشرط يتخير البائع بين فسخ البيع
والإمضاء ، لكن لو فسخ هنا رجع إلى القيمة ، كالتالف أيضا ، لبناء العتق على
التغليب ، مع احتمال فساده ، لوقوعه على خلاف ما وجب ، ويحتمل ضعيفا سقوط الشرط
هنا ونفوذ العتق ».
قلت : لا ريب في
ضعفه إن أراد من الشرط الخدمة ونحوها المشترطة في العتق وكذا إن أراد به شرط
البائع بناء على الظهور المزبور نعم يمكن منع ظهور الإطلاق في ذلك ، لصدق تحقق
العتق ولو مع الشرط : ثم قال : « وهل يشترط وقوعه من المشتري مباشرة أم يكفي وقوعه
مطلقا؟ وجهان ، وتظهر القائدة فيما لو باعه بشرط العتق ، فعلى الأول يحتمل بطلان
البيع ، لأن شرط العتق مستحق عليه ، فلا يجوز نقله إلى غيره ، وصحته مع تخير
البائع ، ثم إن أعتق المشتري الثاني قبل فسخه نفذ ، وقدر كالتالف وإلا أخذه ، وعلى
الثاني يصح كما لو أعتقه بوكيله ، والذي يدل عليه الإطلاق والحكم
__________________
في باقي الشروط
أنه لا يقتضي مباشرتها بنفسه إلا مع التعيين ، وهذا الشرط لا يزيد على غيره » وفيه
أولا ـ أنه خلاف ما استظهره سابقا بناء على اتحاد المراد بالمباشرة في العبارتين ،
وثانيا ـ أنه لا ريب في ظهور الإطلاق في المباشرة بالمعنى المزبور ، أى عتقه في
ملكه ولو بوكيله ، فلا يندرج حينئذ فيه المثال المزبور ، وثالثا ـ أنه لا وجه
لاحتمال البطلان على الأول ، وإن كان هو خيرة محكي التحرير والتذكرة ومهذب البارع
، إذ لا ينقص عن بيعه من دون اشتراط العتق الذي صرح هو وغيره في أنه للبائع
إمضائه.
قال في القواعد
والدروس ومحكي التذكرة وجامع المقاصد والروضة : أنه لو باع العبد المشروط عليه
عتقه ، أو وقفه تخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، أي فإن فسخ بطلت هذه العقود ، بل
قد يقال : بالصحة حتى مع الفسخ ، فتكون له القيمة حينئذ نحو ما سمعته في الخيار
اللهم إلا أن يقال إن ذلك إذا لم يكن الشرط في العين المتصرف بها ، أما هي كالعبد
المشروط عتقه مثلا ، فقد يفرق بينه وبين الخيار بتعلق الحق فيه بالعين كالرهن
بخلافه ، وحينئذ فعلى ذلك يتجه ما في المسالك من البطلان ، بناء على إرادة عدم
النفوذ منه كالرهن ، فتأمل جيدا ، فإنه قد يقال : إنه لا دليل على اقتضاء تعلق حق
الشرط بالعين ، عدم تأثير البيع الذي يقتضي الإطلاق صحته وترتب أثره عليه.
نعم باعتبار ثبوت
الحق في العين بعده لاستصحابه ، يتجه تسلط من له الشرط على فسخ التصرف المزبور
المنافي لنفوذ الشرط الذي جعل الشارع المؤمن عنده ، وقال : إن شرطه له ، فيفسخه
حينئذ ويطالب المشتري بإنفاذ شرطه ، كما في غيره من الحقوق السابقة على العقود
المتعلقة بها ، كالشفعة وأرش الجناية وتعلق حق الدين بالتركة ونحو ذلك ؛ وبه يرجح
حينئذ على ما دل على لزوم التصرف اللاحق الذي حصل في العين مستحقا فيها ذلك ،
وحينئذ فيتجه بقاء البيع الأول على اللزوم بناء على اعتبار تعذر
الوفاء بالشرط في
تزلزله ، لا مجرد عدم الوفاء به ، وربما كان ما ذكرناه محتمل عبارة الدروس قال : «
ولو أخرجه أي العبد المشترط عتقه ببيع أو هبة أو وقف ، فللبائع فسخ ذلك كله ، بناء
على كون المراد أن له فسخ هذه التصرفات دون البيع الأول ، وله إمضائها بإسقاط حقه
من الشرط.
نعم ظاهر غيره بل
صريح بعض أن له فسخ هذه التصرفات بفسخ البيع الأول ، فيترتب عليه فسخها إن لم يسقط
حقه من الشرط ، وهو لا يخلو من وجه ، بناء على ثبوت الخيار للبائع في البيع الأول
بمجرد عدم وفاء المشتري بالشرط ، وحينئذ فالمتجه كونه مخيرا على الوجهين فتأمل
جيدا ، فإن ذلك عين التحقيق في المسألة ، وهو الموافق للقواعد وإن لم أجده محررا.
ورابعا ـ لا يخفى
ما في قوله : والذي إلى آخره : من وضوح منع كون الحكم في باقي الشرائط ذلك ، مع
إرادة المعنى المزبور من المباشرة نعم هو كذلك بالنسبة إلى مباشرة الوكيل مثلا
فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر جواز
عتق المشتري له عن كفارته مع الإطلاق ، لصدق امتثال كل منهما ، ضرورة ظهور إرادة
المشترط عتقه كيف ما كان ، فهو كما لو صرح له بذلك إذ لا ريب حينئذ في الجواز ،
لكن بنى في المسالك جوازه على أن العتق حق لله تعالى ، لأن فيه معنى القربة
والعبادة أو للبائع لتعليق غرضه به ، ولأن الشروط من جملة العوضين ، أو للعبد
لاستلزامه زوال الحجر عنه وتحريره ، أو للجميع لعدم المنافاة بينها ، فيجوز
اجتماعها ؛ ثم قال بعد أن جعل الأخير هو التحقيق : « ويتفرع على ذلك المطالبة
بالعتق ، فمن كان الحق له ، فله المطالبة به ، وأما عتقه عن الكفارة ، فإن قلنا
الحق فيه لله تعالى لم يجز كالمنذور وإن قلنا : إنه للبائع فكذلك إن لم يسقط حقه ،
وإن أسقطه جاز ، لسقوط وجوب العتق حينئذ ، وكذا إن قلنا : إنه للعبد ، وعلى ما
اخترناه لا يصح مطلقا ، وشرط العتق مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقها »
وفيه أنه لا ريب
في كون الحق من حيث الاشتراط للبائع ، وإن كان المشترط من حقوق الله ، كصوم أو
صلاة ونحوهما ، ولذا يجري عليه ما يجري على باقي الشرائط كالتسلط على الخيار عند
عدم الوفاء به ونحوه ، وكون العتق حقا لله لا ينافي كون اشتراطه حقا للبائع ،
فالأقوى جواز عتقه عن الكفارة مع الإسقاط بل ومع عدمه. بناء على ما ذكرناه من ظهور
إرادة العتق كيف ما كان ، وكذا لو كان حقا للعبد وما ذكره أخيرا من أن شرط العتق
مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقها وإن تبع به الشهيد في الدروس ، قال فيها
: « ولو أسقط البائع الشرط جاز إلا في العتق لتعلق حق العبد وحق الله تعالى به ،
لكن فيه نظر واضح ضرورة تبعية حق الله والعبد لحق الاشتراط كما عرفت ، وإحبال
الأمة ، بل إيلادها لا يمنع من عتقها المشترط ، ويجزى عنه بخلاف التنكيل وإن كان
يحصل به العتق ، إلا أن للبائع الفسخ والرجوع بالقيمة أو الإمضاء والمطالبة بأرش
الشرط في وجه على ما ستعرف.
لكن في القواعد «
وفي التنكيل إشكال » ولعله لصدق العتق ، ولا ريب في ضعفه ، ضرورة ظهور الشرط في
غيره خصوصا بعد عدم صحة اشتراطه لكونه معصيته نعم لو صرح المشترط بأن المراد حصول
الحرية كيف ما كان ، أمكن القول بالاجتزاء ، وإن عصى المشترط عليه باختياره كما هو
واضح ، وكسب العبد قبل العتق للمشتري ، كما أن قيمته لو قتل له ، لكن يقوم مشروط
العتق ، كما في التذكرة ، وإن كان فيه نوع تأمل ، بناء على رجوع البائع عليه لو
فسخ بقيمته مطلقا ، لعدم حصول الشرط له. وبما اقتضاه شرط العتق من النقصان لو
أمضى. ولو أطلق اشتراط العتق من غير تعيين كونه عن المشتري صح وحمل عليه بناء على
عدم صحته عن البائع ، أما عليها فيحتمل الصحة والاجتزاء بالمسمى حينئذ بناء على
عدم قدح مثل هذه الجهالة ، خصوصا مع علم إرادة المشترط العتق كيف ما كان وإلا بطل
إن لم يعين والله أعلم.
أو بشرط أن يدبره
بلا خلاف مطلقا أو معينا ، ويتخير الأول بين
المطلق والمقيد ،
إلا أنه إذا اختار الثاني ولم يتفق في تلك السنة وجب عليه التدبير ثانيا ، لأن
الغرض ترتب العتق ولم يحصل ، واحتمل في المسالك العدم ، للقيام بالشرط المطلق ،
ولا ريب في ضعفه كضعف ما فيها أيضا من احتمال جواز رجوع المشتري في هذا التدبير
نظرا إلى أصله ، ضرورة عدم صدق الوفاء بالشرط الظاهر في كون الغرض منه العتق بعد
الموت أو بشرط أن يكاتبه بلا خلاف أيضا كتابة مطلقة أو مشروطة بقدر أو أجل معلومين
، ولو أطلق تخير المشتري بين المطلقة والمشروطة ، كما في المسالك ، وهو مؤيد لما
ذكرناه من اغتفار نحو هذه الجهالة.
ولو تشاح المشتري
والعبد في القدر والأجل ، رجع إلى القيمة السوقية ، ولا يجب على المشتري النقصان
عنها ، ولو طلب الزيادة أجبر على القيمة إن أمكن ، والا تخير البائع بين الفسخ
والإمضاء ، والظاهر جواز رجوعه في المشروطة عند عجزه ، ضرورة إرادة الكتابة على
حكمها من عبارة الشرط ، واحتمل في المسالك العدم ، ولا ريب في ضعفه والله أعلم.
ولو شرط المشتري
أن لا خسارة عليه أو أن يكون تلفه من البائع متى تلف أو إن غصبه غاصب رجع على
البائع بالثمن أو شرط البائع في الأمة علي المشتري أن لا يعتقها أو لا يطأها أو لا
يهبها أو لا يبيعها قيل يصح البيع ويبطل الشرط لكن قد سمعت المعتبرة المتضمنة للجواز
في الجملة ، إلا أنه في المحكي عن كشف الرموز ما رأيت أحدا عمل بها ، بل في مفتاح
الكرامة أنى لم أجد من تأمل أو خالف في بطلان الشروط الخمسة المتأخرة ، إلا الفاضل
في التذكرة ، فإنه استشكل في بطلان اشتراط عدم البيع والعتق ، وظاهر النافع التأمل
فيهما ، حيث قال : المروي الجواز ، وفي إيضاحه إن الجواز غير بعيد ، لأن بقاء
الأمة عند المالك الصالح مطلوب اشتراط بقاء ملكه عليها ، وذلك لا ينافي كما في أم
الولد ، ومنذور التصدق
__________________
به وهو جيد جدا إن
لم يثبت إجماع ، وقد سمعت ما في الرياض من حكايته الجواز عن بعض وميلة إليه ، وأما
الثلاثة الأول فلا ريب في البطلان مع إرادة إثبات الاستحقاق شرعا بالشرط لما عرفت من
أنه ملزم لا مثبت لحكم.
وسأل عبد الملك بن
عتبة الرضا 7 « عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أنه ليس منه على وضيعة هل يستقيم
ذلك وكيف يستقيم وما حد ذلك؟ قال : لا ينبغي » ويمكن إرادة الكراهة منه إذا لم يكن
المراد من الشرط ما يرجع إلى إثبات حكم شرعي ، وقلنا : بعدم قدح مثل هذه الجهالة
فيه بل هذا التعليق ، إلا أن الجميع كما ترى ، ومنه يعلم الحال في الشرطين
الأخيرين.
وكيف كان فقد عرفت
الضابط في الشرائط السائغة وغيرها ، وأنه لا يخرج عنه إلا بدليل كما هو مقتضى عموم قوله 7 « المؤمنون عند
شروطهم » وإن ما طفحت به عباراتهم من البطلان المنافي لمقتضى العقد ، أقصى ما يمكن
تسليمه فيه اشتراط أن لا يملك ونحوه مما يعود عليه بالنقص ، وقد يلحق به مثل أن لا
يتصرف به أصلا ، قال في الغنية « من الشروط الفاسدة بلا خلاف أن يشترط ما يخالف
مقتضى العقد ، مثل أن لا يقبض المبيع ولا ينتفع به » وهو جيد إن أراد من الأمرين
أمرا واحدا ، أما غيره مما هو في الحقيقة مناف لمقتضى إطلاق العقد لا لنفسه ، فلم
يثبت بطلانه بل الثابت خلافه كما عرفت ، فلاحظ وتأمل.
إنما الكلام في
صحة البيع المشتمل على الشرط الفاسد ، وبطلانه ؛ فالأول خيرة الإسكافي والشيخ
والقاضي والعجلي وابن سعيد وأبى إلا على ما حكي عن بعضهم وعن ابن زهرة موافقتهم ،
والرياض وفي خصوص الشرط المخالف لمقتضى العقد أو للسنة ، محتجا عليه بالإجماع ،
وابن المتوج في الشرط الفاسد الذي لا يتعلق به غرض ، كما لو شرط أكل الطعام بعينه
أو لبس ثوب ونحوه ، والثاني خيرة الفاضل وولده والشهيدين والعليين وأبى العباس
والأردبيلي والخراساني على ما حكي عن بعضهم ووافقهم أبو المكارم في خصوص غير
المقدور من الشرط ، كأن يشترط عليه أن يجعل الرطب تمرا بل قال : « إنه فاسد مفسد
بلا خلاف » وظاهر جماعة منهم المصنف التوقف ، وكان الأول لا يخلو من
__________________
قوة ، للعموم
وإجماع الغنية.
وصحيح الحلبي الذي رواه
المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله 7 « أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة
فأعتقتها ، فخيرها رسول الله 6 وقال : إنشائت تقر عند زوجها ، وإن شائت فارقته ، وكان
مواليها الذين باعوها شرطوا على عائشة أن لهم ولائها ، فقال رسول الله 6 الولاء لمن أعتق
».
ومثله صحيحة عيص
بن القاسم مؤيدين بما ورد في النكاح من الأخبار الدالة على صحة عقده
وفساد الشرط فيه كصحيحة محمد بن قيس بل وخبر الوشاء الذي اعترف في المحكي من نهاية المرام بدلالته على عدم
فساد العقد بفساد الشرط ، وحمل الصحيحين الأولين على ما عند العامة من بطلان الشرط
مطلقا مع صحة العقد ، يدفعه وقوع الخلاف عندهم في ذلك ، حتى أنه من طريف ما يحكى
عن محمد بن سليمان الدهلي
قال : « حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : دخلت مكة زادها
الله شرفا فرأيت فيها ثلاثة كوفيين ، أحدهم أبو حنيفة وابن أبى ليلي وابن شبرمة ،
فصرت إلى أبى حنيفة فقلت : ما تقول فيمن باع بيعا وشرط شرطا فقال : البيع فاسد
والشرط فاسد فأتيت ابن أبى ليلى فسألته فقال : البيع جائز والشرط باطل ، فأتيت ابن
شبرمة فسألته فقال : البيع والشرط جائزان ، فرجعت إلى أبى حنيفة ، فقلت له : إن
صاحبيك قد خالفاك فقال : لست أدري ما قالا ، حدثني عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن
النبي 6 نهى عن بيع وشرط ، فأتيت ابن أبى ليلى فقلت له : إن صاحبيك قد خالفاك ، فقال
ما أدري ما قالا ، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : لما اشتريت
بريرة جاريتي شرط على
__________________
مواليها أن أجعل
ولائها لهم إذا أعتقتها ، فجاء النبي 6 وقال : الولاء لمن أعتق ، فأجاز البيع وأفسد الشرط ، فأتيت
ابن شبرمة فقلت له : إن صاحبيك قد خالفاك ، فقال : لست أدرى ما قالا ، حدثني مشعر
بن محار بن زياد عن جابر بن عبد الله قال : ابتاع النبي 6 مني بعيرا بمكة
فلما نقدني الثمن ، شرطت أن يحملني إلى المدينة ، فأجاز النبي 6 البيع والشرط » فحملها
على التقية مع هذا الاختلاف كما ترى ، بل ما رواه ابن أبى ليلى مؤيد لهما ، وإن
توهم منه البطلان في سائر الشرائط ، كما أنه يؤيدهما أيضا ما أرسله في الغنية ؛ من
خبر بريرة بل الظاهر أنه من المستفيض بين العامة والخاصة ، وهو ظاهر
في المطلوب واحتماله أمرا آخر لا يرفع الظهور الذي هو مناط الأحكام ، كل ذلك مضافا
إلى أن مدخلية الشرط في الترضي لا تزيد على مدخلية الثمن والمثمن ، وبطلان العقد
في أبعاضها لا يسري إلى بطلان الآخر حتى فيما كانت الهيئة الاجتماعية مطلوبة
وملحوظة ، بل أقصاه ثبوت الخيار للتضرر ، ولا بأس بالتزامه هنا مع الجهل بالفساد ،
بل لعل القائلين ببطلان الشرط خاصة يلتزمون بذلك وإن لم يصرحوا به ، ولعله
لمعلوميته.
ودعوى أن الشرائط
في العقود ملحوظ فيها معنى الشرطية يدفعها معلومية بطلان التعليق فيها ، سواء كان
للزوم أو الصحة أو للرضا ، مع أن مقتضى الأول انتفاؤه بانتفائه لا الصحة ، ومرجعه
إلى اشتراط الخيار بشرط ولو سلم صحته ، فمن المعلوم عدم إرادته كمعلومية عدم صحة
التعليق عليه في الأخيرين ، ولذا حكي عن فخر المحققين أنه قال : إن كون هذه شروطا
مجاز ، لأنها تابعة للعقد ، والعقد سبب فيها ، فلا يعقل كونها شرطا له ، وإلا دار
، بل هي من صفات البيع ، تختلف الأغراض باختلافها ، لكن في جامع المقاصد « لا محصل
لهذا الكلام ، فإنها شروط للبيع الذي هو انتقال المبيع من البائع إلى المشتري ، لا
شروط العقد ، وقد عرفت فيما سبق أن البيع ليس هو نفس العقد ؛ حتى لو كان نفس العقد
امتنع كونها مشروطا له ، بل للانتقال الذي هو أثره
__________________
وكيف يعقل أن هذه
الشروط شروط للعقد الذي هو الإيجاب والقبول.
ثم قوله إن هذه
صفات للبيع ليس بجيد ، إلا بناء على أن البيع هو العقد ، فكونها صفات له لا ينافي
كونها شروطا لأثره ، وأما إن فقدها لا يستلزم أرشا فلا دخل له فيما نحن فيه ، بل
هذا ملتفت إلى أن الأمور المشترطة ، لما لم تكن داخلة في نفس مسمى البيع ، لم يكن
بإزائها شيء من الثمن ، لأن الثمن في مقابل المبيع وأجزائه وإن كان قد يزيد بوجود
بعض الصفات ، لأن زيادته على أنه في مقابل المبيع ملحوظا فيه مقابل الصفة المعينة
، فإن الثمن للمبيع باعتبار المقابلة ، وليس في مقابلة الصفة منه شيء.
وفيه أن كونها
شروطا لأثر العقد مستلزم للتعليق المنافي لسببية العقد اللهم إلا أن يريد كون
الشرط ملك المشروط ، وهو أمر مقارن لأثر العقد يحصل معه بحصوله فليس من التعليق
المنافي ، لكن فيه أن ذلك حكم الشرط المستفاد من قوله 7 « المؤمنون عند
شروطهم » لا نفس الشرط ، ضرورة كون الفعل المشترط لا ملكه ، وارتكاب هذا التجوز ـ مع
أنه خلاف قصد المتعاقدين ـ ليس بأولى من إرادة الإلزام من الاشتراط ، كما هو معناه
لغة ، وإليه أومى الفخر ، ومراده أن العقد إذا صار سببا في لزومه ، لم يعقل كونه
شرطا له ولو لتأثيره الذي ذكره المحقق الثاني ، على أن المرجع في تأثير العقد
الأدلة الشرعية التي دلت على تسببه ، فلا يعقل اشتراط حصول أثره بشيء من غير
الشارع ، وأدلة الشروط قاصرة عن إفادة ذلك ، بل هي ظاهرة في إرادة أن كل ما يلتزمه
المؤمنون في عقد من العقود اللازمة يلتزم به ، ردا على ما عن بعض العامة من بطلان
الشرط في العقد خاصة ، أو هو مع العقد كما سمعته من أبى حنيفة وابن أبى ليلى.
وإليه يرجع ما عن
المهذب البارع في الجواب عن الدور المقرر على تقدير
__________________
القول ببطلان
العقد مع بطلان الشرط ، من أن لزوم الشرط وصحته فرع على صحة البيع ، فلو كانت
موقوفة على صحته لزم الدور ، وقال في الجواب عن ذلك : « إن تسويغ الشرط ليس شرطا
في الحقيقة لصحة البيع حتى يلزم الدور ، بل هو من صفات البيع ، فما كان منها سائغا
داخلا تحت القدرة لزم باشتراطه في العقد ، كما لو شرط صفة كمال في البيع وإن لم
يكن سائغا بطل العقد لا من حيث فوات شرطه ، بل من حيث وقوع الرضا عليه ، وشروط
الصحة إنما هي الأمور المذكورة في أوائل الكتاب كإكمال المتعاقدين ونحو ذلك »
ومرجع ما ذكره أخيرا إلى ما قيل من أن التراضي إنما وقع على المبيع مع الشرط ، فمع
انتفائه ينتفي فلا يكون تجارة عن تراض ، فيبطل لكونه شرطا في الصحة إجماعا.
وفيه ـ بعد الغض
عن اقتضائه البطلان إذا لم يوف بالشرط السائغ ـ أن التراضي وقع معه ؛ لا مقيدا به
، كما لو شرط كون العبد كاتبا مثلا ، أو اشترى العبدين جميعا ، فتبين أنه غير كاتب
أو أن أحد العبدين ليس ملكا له ، كان البيع صحيحا كما صرح به غير واحد ، بل قد يظهر
من جامع المقاصد الإجماع عليه ، وإن كان يثبت له الفسخ ، مع أن التراضي لم يتحقق
إلا على الوجه الذي ليس بواقع ، والفرق بين المقامين غير واضح بل قد اعترف في جامع
المقاصد أن فيه عسرا ، ودعوى ـ أن الأوصاف والاجتماع إذا أخذت قيدا كالشرائط يبطل
البيع أيضا بانتفائها ، وإنما يثبت له الخيار إذا كانت لا على وجه القيدية ـ سفسطة
لا محصل تحتها ، كالقول بأن منشأ البطلان في المقام أن الشرط له قسط من الثمن ،
فإنه قد يزيد باعتباره وينقص ؛ فإذا بطل ، بطل ما بإزائه من الثمن ، وهو غير معلوم
فتطرق الجهالة إلى الثمن فيبطل البيع ، إذ هو بعد معلومية عدم توزيع الأثمان على
الشرائط ، وأنها كالأوصاف التي يزيد الثمن وينقص بها كما ترى ، خصوصا بعد ما سمعته
من جامع المقاصد في توضيح عدم مقابلة الشرط للثمن.
نعم قد عرفت إنا
نقول بثبوت الخيار له ، لفوات الشرط كفوات الوصف من غير فرق في ذلك وفي غيره مما
ذكرنا من جميع الشرائط الباطلة ، سواء كان البطلان
لعدم القدرة أو
غيره ، ونفى الخلاف عن بطلانه خاصة في الغنية لم نتحققه ، كظهور الإجماع من محكي
إيضاح النافع ، حيث قال : عليه الفتوى ، وسواء كان المقصود بالذات الشرط الفاسد ،
وجيء بالبيع تبعا أو بالعكس ، وسواء كان مما لا يتعلق به غرض كأكل الهريسة وغيره
، بل في المحكي عن التذكرة أن الأول لا يقتضي فساد العقد عندنا.
نعم قد يتجه
البطلان فيهما معا لو كان البطلان لجهالة في الشرط ، بحيث تؤدي إلى أحد العوضين ،
فيبطل العقد حينئذ للجهالة لا لبطلان الشرط ، بل كل شرط باطل يستلزم انتفاء شرط من
شرائط العقد المعلومة ، أو وجود مانع يقتضي بطلان العقد معه ، ولعل منه ما بعود
على العقد بالنقص ، أما غير ذلك ، فالأقوى فيه ما سمعت ، وقد ظهر لك من جميع ما
ذكرنا حجة القول المقابل وجوابها ، وأضعفها الاستناد إلى أصالة عدم الانتقال التي
يكفي في قطعها عموم الأدلة ، فضلا عما عرفت هذا.
وقد يستفاد من
مجموع ما ذكرنا خصوصا ما سمعته في الرد على ما في جامع المقاصد أنه ينبغي أن يكون
النزاع في الشرط المطلق ، أما إذا علم إرادة مجرد الإلزام به من غير تعليق ، فلا
إشكال في عدم اقتضاء فساده فساد العقد ، كما أنه لا إشكال في اقتضائه ذلك إذا علم
إرادة تعليق الصحة على ملكه على النحو الذي سمعته من ثاني المحققين لو سلمنا صحته
بل التحقيق عدمها ، فمحل البحث في الشرط المطلق الذي لم يعلم ارادة المشترط منه
أحد الأمرين ، ولا كان في العبارة دلالة على أحدهما فتأمل جيدا والله أعلم.
ولو شرط في البيع
مثلا أن يضمن إنسان بعض الثمن معينا أو مطلقا إن قلنا بصحته أو كله صح البيع
والشرط بلا خلاف ، للعموم ، وكذا لو اشترط الرهن أو الكفيل أو الشهادة ، إلا أن في
القواعد الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط إما بالوصف أو المشاهدة ، وتعيين الكفيل
بالاسم والنسب والمشاهدة ، أو الوصف كرجل موسر ثقة ولا يفتقر إلى تعيين الشهود ،
بل الضابط العدالة ، فلو عينهم فالأقرب
تعينهم وتبعه على
ذلك كله غيره ، وقد يمنع وجوب التعيين للرهن والكفيل والضامن ، خصوصا بناء على ما
ذكرنا من اغتفار نحو هذه الجهالة في الشرط ، بل وعلى غيره أيضا ، فيصح الإطلاق
حينئذ ، لكن يحمل على الصالح للاستيفاء ، كما صرح به في الدروس وغيرها بناء على
الاجتزاء بالإطلاق ، لا أنه يجتزي بمسماه ، وإن احتمله في المحكي عن الإيضاح إلا
أنه كما ترى.
واختلاف الرغبات
في الأعيان ، والناس في الاستيفاء وسهولة البيع وشدة حاجة الراهن إلى الفك ونحو
ذلك لا يوجب جهالة قادحة ، والإلجاء مثله في الشهود ، وعدم صحة رهن المجهول ، لا
ينافي الجهل به حال اشتراطه وإن علم حال ارتهانة ، فالمراد كونه مجهولا حال
الاشتراط ، لا حال الارتهان ، وهما غيران ويجوز رهن المبيع على الثمن من غير شرط
قطعا ، بل ومعه على الأقوى خلافا للمحكي عن الشيخ والحلي للعموم ، وليس من رهن ما
لا يملك ، ولا قبل ثبوت الدين ، إذ هو اشتراط لرهنه بعد الملك ، كهبته ، والموجود
في العقد اشتراط رهنه لا رهنه كي يشترط فيه ثبوت الدين وملكية الرهن.
وليس البيع يقتضي
إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع ، بل أقصاه أنه لا يقتضي إيفاؤه من ثمن المبيع ،
وهو أعم ، فلا يناقض اشتراط الرهن المقتضى لإيفاء الثمن منه ، كما أن رهانته عند
البائع تخرجه عن كونه مضمونا على البائع ، فلا يتنافيان ، وليست صحة البيع موقوفة
على رهنه لو اشترط. نعم ملكية رهنه موقوفة على صحة البيع فلا دور حتى لو قلنا
بتوقف لزومه على الرهن إذ الصحة غير اللزوم.
وكيف كان فلو أخل
المشتري بما اشترط عليه من الرهن أو الكفيل أو الضامن أو غير ذلك ، تخير البائع
بعد تعذر الإجبار كما ستعرف ، وكذا يتخير لو هلك الرهن أو تعيب قبل القبض ، بناء
على اشتراط القبض في الرهن أو وجد به عيبا قديما وليس له المطالبة بالإبدال أو
الأرش اما لو هلك أو تعيب بعد القبض فلا خيار ، لأصالة اللزوم بعد الوفاء بالشرط
كما هو واضح ، ولو اختلفا في زمن حدوث العيب ففي تقديم قول الراهن وقول
المرتهن وجهان.
والله أعلم.
تفريع : إذا اشترط
العتق في بيع المملوك ، فإن أعتقه ، فقد لزم البيع بلا خلاف ولا إشكال ، وإن امتنع
، كان للبائع إجباره كما في كل شرط على الأقوى ، إن كان مما يجبر عليه ، لا ما إذا
كان من صفات المبيع ، كما لو اشترط كونه كاتبا وشاعرا ، لوجوب الوفاء به عليه
كتابا وسنة وإجماعا محكيا عن الغنية والسرائر إن لم يكن محصلا ، خصوصا
بعد ملاحظة كلامهم في باب القبض ، من أنه لو أجله في عقد لازم لزم ، لكن قال
الشهيد في اللمعة : « لا يجب على المشترط عليه فعله ، وإنما فائدته جعل البيع عرضة
للزوال بالفسخ ، عند عدم سلامة الشرط ، ولزومه عند الإتيان به » وهو كما ترى.
ونحوه ما عنه أيضا
في بعض تحقيقاته ، من أن الشرط الواقع في العقد اللازم ، إن كان العقد كافيا في
تحققه ، ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به ، كشرط الوكالة في
العقد ، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد ، كشرط العتق فليس بلازم ،
بل يقلب العقد اللازم جائزا ؛ وجعل السر فيه أن اشتراطه في العقد كاف في تحققه
كجزء من الإيجاب والقبول ، فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد
أمر منفصل عن العقد ، وقد علق عليه العقد ، والمعلق على الممكن ممكن ، وهو معنى
قلب اللازم جائزا ، وإن كان هو أجود مما في اللمعة ، إلا أنهما معا مشتركان في
اقتضاء الأدلة خلافهما ، ولعل منشأهما معا تخيل التعليق في الشرط هنا ، بل كاد
يكون الثاني كالصريح في ذلك.
وقد عرفت أن ليس
المراد منه هنا إلا الإلزام ، ولو سلم فقد سمعت ما ذكره المحقق الثاني من أن الشرط
حينئذ هو أن يملك عليه الأمر المشترط ، وهو حاصل بنفس العقد من غير حاجة إلى أمر
آخر ، وليس هو معلقا على أمر ممكن ، بل قد علق على شيء حصل بتمام العقد ، فالممكن
حينئذ متعلق الشرط لا هو فتأمل جيدا.
__________________
بل لو لا الإجماع
ـ ظاهرا على ثبوت الخيار في حال تعذر الإجبار ، مضافا إلى حديث الضرار وخبر أبى الجارود
عن أبى جعفر 7 « إن بعت رجلا على شرط ، إن أتاك بمالك ، وإلا فالبيع لك »
بناء على أن المراد منه لزومه لك ، نحو قولهم : في غيره « فلا بيع له » ـ لأمكن عدم القول بثبوت الخيار
أصلا ، لما عرفت ولان الشرط من طرف البائع مثلا كالثمن ، فإن الامتناع منه في غير
التأخير ثلاثة أيام بالشروط السابقة لا يؤثر خيارا على الأصح ، لأصالة اللزوم ،
ومن ذلك يعلم أن المتجه الاقتصار على المتيقن من ثبوت الخيار ، ولعله حال تعذر
جبره على الحاكم لا على من له الشرط ، وإن كان قد يظهر من بعض الأصحاب سهولة الأمر
في ثبوت الخيار ، حتى لو احتاج إلى رفع أمره إلى الحاكم والمراجعة والانتظار ونحو
ذلك لم يجب عليه ، وربما يشهد له خبر أبى الجارود ، وحديث الضرار ، إلا أن الأحوط
ما عرفت.
وعلى كل حال فله
أي البائع إذا تعذر إجبار المشتري على العتق خيار في الفسخ ورد المبيع مثلا ،
والإمضاء بالثمن ؛ وليس له أرش الشرط على المشهور بين الأصحاب لأنه وصف في المعنى
، ولا يقابل بالثمن وكذا إن مات العبد قبل عتقه كان البائع بالخيار المزبور أيضا
إلا أنه إذا فسخ يرجع بالقيمة وقت الموت ؛ لأنه وقت الانتقال أو حين القبض ، أو
منه إلى الموت وجوه أقواها عندهم الأولى ، لأنه وقت قيام القيمة مقام العين في
تعلق الحق الذي كان متعلقا بالعين ، ولو كان معلقا على تعذر الفسخ ، ولم أجد من
احتمل حال الفسخ هنا ؛ كما ذكروه في بعض المباحث السابقة.
وعلى كل حال
فالخيار بين الفسخ والإمضاء بالمسمى ، لكن في القواعد ولو مات أو تعيب بما يوجب
العتق أي قهرا ، رجع البائع بما نقصه شرط العتق ، فيقال كم
__________________
قيمته لو بيع
مطلقا وبشرط العتق فيرجع بالنسبة من الثمن ، وله الفسخ فيطالب بالقيمة ، وفي
اعتبارها إشكال ، بل احتمل في التحرير أن له الأرش المزبور خاصة من غير خيار ، ولا
ريب في ضعفه ، بل قد يظهر من المسالك الإجماع على خلافه ، كاحتمال عدم الخيار
والأرش أصلا ، حتى لو كان عدم الشرط بتفريط من المشتري ، أما الأول وإن قال الشهيد
في حواشيه : إنه المنقول ، بل قيل إنه حكاه في المبسوط قولا ، ووجه بأن الشرط
يقتضي نقصانا ولم يحصل ، ومقتضاه ثبوت الحكم في كل شرط تعذر الوفاء به.
ففيه ـ مضافا إلى
أن الشروط لا يوزع عليها الثمن ، وإن حصل باعتبارها نقصان ، كالأوصاف والتدليس
الذي صرحوا بعدم الأرش فيه ـ أن الأرش لا يدرك به مصلحة الشرط ، ضرورة أنه برجوعه
زائدا على المسمى على نسبة التفاوت بين القيمتين ، يصير كأنه باعه من دون اشتراط
عتقه ، فلم يحصل به مصلحة الشرط ، ولعل هذا هو السر في عدم الأرش للشرائط والأوصاف
، بخلاف العيوب التي ثبت الأرش فيها أيضا بالأدلة.
نعم قد يقال :
بالقيمة للشرائط القابلة للتقويم ، قال في التذكرة : « لو شرط على البائع عملا
سائغا تخير المشتري بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته ، وكان مما يتقوم
كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا ، فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد المشتري ولو لم
يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ والإمضاء مجانا ، ولو كان الشرط على المشتري مثل ان
باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه ، فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ والإمضاء
بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة وإلا مجانا وهو لا يخلو من وجه والله أعلم.
النظر السادس في لواحق من أحكام العقود
الصبرة لا يصح
بيعها إلا مع المعرفة بما يرفع جهالتها من كيلها أو وزنها أو عدها أو نحو ذلك مما
هو شرط صحة البيع كما عرفته سابقا ، فإذا عرفها صح بيعها أجمع وبيع جزء منها مشاع
ثلث أو ربع ، وبيعها كل قفيز منها بدرهم ، وبيع قفيز منها ، أما بيع كل قفيز منها
بدرهم ، فلا يصح ، للجهل بقدر المبيع المستلزم للجهل بقدر الثمن ، خلافا للإسكافي
، فأجازه في المجهولة ( فـ ) ضلا عن المعلومة كما ستسمع ولو باعها إي الصبرة أو
جزءا منها مشاعا أو كل قفيز منها بدرهم مع الجهالة بقدرها لم يجز ، وكذا لو قال :
بعتك كل قفيز منها بدرهم ، أو بعتكها كل قفيز بدرهم خلافا للإسكافي في الجميع وظاهر
الشيخ في الثالث ، إلا أن الأول حكى الفاضل في المختلف عنه بالنسبة إلى الصورة
الأولى ، جواز بيع الصبرة تارة اكتفاء بالمشاهدة عن اعتبارها ، واخرى أنه لا بأس
ببيع الجزاف بالجزاف مما اختلف جنساهما ، لأن المقتضى وهو البيع موجود ، والمعارض
منتف ، لانه إما مانع ؛ الجهالة وهو منتف بالجهالة ، هكذا وجد في المختلف والصواب
« بالمشاهدة » أو مانع تطرق الربا وهو منتف باختلاف الجنس ، لكن لا ريب في ضعفه
على كل حال ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، فضلا عن محكيه في المختلف عليه ،
إذ الجهالة نفسها مانعة ، للنهى عن الغرر والمشاهدة غير كافية في ذلك قطعا.
وأما الصورة
الثالثة ففي المختلف « أنه أطلق الصحة فيما إذا قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز
بدرهم ، ولم يتعرض لكونها معلومة أو مجهولة » وعن ابن جنيد « أنه لو وقع البيع على
صبرة بعينها ، كل كر بكذا أو ماءة كر منها بكذا فقبض المشتري
__________________
البعض أو لم يقبض
، ثم زاد السعر أو نقص ، كان باقي الصبرة أو الماءة للمشتري بالسعر الذي قاطعه
عليه ، وأما إذا اشترى كل كر منها بكذا ولم يشترط جميع الصبرة ، ولا مقدارا معلوما
، كان بقدر ما وزن بسعر يوم الشراء » وظاهره الصحة فيهما.
وفي المختلف « إن
التحقيق الصحة إذا كانت معلومة المقدار ، وإلا احتمل البطلان في الجميع ؛ والصحة
في قفيز واحد كما قاله أبو حنيفة ، أما بطلان البيع في الجميع ، فلانه مبيع مجهول
المقدار ، والثمن فيه غير معلوم فكان باطلا ، وأما صحته في قفيز فلان بيع كل قفيز
يستلزم بيع قفيز ما ، فيصح ، لتعينه وتعين ثمنه » وقول الشيخ يقتضي الصحة في
الجميع ؛ لانه نقل كلام أبي حنيفة ولم يرتضه ، واختار كلام الشافعي ، ومذهبه صحة
الجميع ، وعلى كل حال فضعف الجميع واضح ، وإن اختلفت مراتبه ، ضرورة صدق الغرر فيه
، الذي لا يزول بالتقدير المزبور قطعا ، والصحة في الواحد بعد أن لم يكن مقصودا
لهما كما ترى ، نحو الصحة في الصورة الرابعة التي لم يعلم قدر المبيع ولا قدر
الثمن.
نعم لو قال : بعتك
قفيزا منها ، أو قفيزين مثلا صح كالمعلومة بلا خلاف ولا إشكال إذا علم اشتمالها
عليه ، بل ظاهر اللمعة ذلك وإن لم يعلم إلا أنه يجبر نقص المبيع لو تحقق بالخيار ،
وفيه أنه لا غرر أعظم من الشك في الوجود ؛ ولعله لذا كان خيرة الأكثر العدم إلا
أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن هناك طريق شرعي يقتضي وجوده من أصل أو غيره ،
ولعل من اعتبر العلم أراد ما يشمل ذلك ، بل يمكن إرادة ما يشمل الاطمئنان منه
والأمر سهل.
إنما الكلام في
أنه هل ينزل على الإشاعة في الصورتين ، أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة
وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها ، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة ، وعلى
الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره ، ويرجح الأول ، عدم معهودية ملك الكلي في غير
الذمة لا على وجه الإشاعة ، بل ينحل إلى جهالة المبيع وإبهامه ، وما تسمعه في بيع
الثمار من أن
استثناء البائع
أرطالا معلومة ينزل على الإشاعة من غير خلاف فيه بينهم قالوا : فلو خاست الثمرة
بأمر من الله تعالى مثلا ؛ وزع على النسبة وهو مثل المقام كما اعترف به في الدروس.
لكن في الصحيح « رجل اشترى من
رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة والأنبار فيه ثلاثون ألف طن
، فقال البائع : بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري : قد قبلت ورضيت ،
فأعطاه من ثمنه ألف درهم ، ووكل المشتري من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار
فاحترق منه عشرون ألف طن ، وبقي عشرة آلاف طن ، فقال عشرة آلاف التي بقيت هي
للمشتري ، والعشرون التي احترقت من مال البائع » وهو يؤيد الثاني وبه يفرق بين ما
هنا ، وبين ما في بيع الثمار ، إلا أنه قد يشكل صحة أصل البيع فيه بجهالة عين
المبيع فيه الموجبة للضرر المنفي الموجب لفساد المعاملة ؛ وصرح الأصحاب ـ فيما لو باع شاة
غير معلومة من قطيع ـ بالبطلان وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياة لتفاوت
أثمانها ، بل صرحوا بالبطلان فيما لو فرقت الصبرة صيعانا متمايزة ، واشترى مقدارا
منها ، فالأطنان إن كانت قيمية فمن الأول ، وإلا فمن الثاني.
اللهم إلا أن
يلتزم الأخير ويكون البيع غير ملاحظ فيه خصوص ذلك التميز ، وإنما المراد مقداره ،
حتى لو أراد البائع تغيير الأطنان من غير نقصان للمقدار كان له ذلك لأن المفروض أن
الجميع من أجمة واحدة ، فيصح حينئذ لأنه كبيع المقدار المعلوم من الصبرة.
ولكن على كل حال
فالمتجه الجمود على النص في خصوص البيع بالفرض المزبور ولا يتعدى منه إلى غيره ،
كالصلح وثمن الإجارة ومهر النكاح ونحو ذلك بناء على ما سمعت من أن ملك الكلي في
العين الخارجية لا يكون إلا على الإشاعة وفرض المسألة
__________________
كون المبيع في
الذمة ، وشرط التأدية من الصبرة خروج عن موضوع البحث ومقتضاه عدم البطلان ، حتى لو
تلفت الصبرة أجمع ؛ وإن تسلط على الخيار بانعدام الشرط.
بقي شيء وهو أن
منشأ الوجهين على الظاهر ، الاختلاف في تعيين مراد المتعاملين من العبارة التي هي
مورد العقد ، لان ذلك حكم شرعي وإن لم يقصداه ، فيخرج عن محل البحث حينئذ ما صرح
فيه بقصد الإشاعة أو الكلي ، إلا أنه قد يشكل صحة الثاني ، بناء على عدم ملك الكلي
في غير الذمة لا على وجه الإشاعة وخبر الأطنان لا دليل فيه على صحته ، بل هو أعم منه ومن الإشاعة ، وإن
كان قد خولف مقتضاها بجعل التالف عن البائع خاصة ، فيكون حكما شرعيا تعبديا لا
يقاس عليه غيره.
بل قد يقال : إن
هذا المعنى حكم مطلق بيع الصاع من الصبرة ، أما لو صرح به فلا دليل على جوازه وقد
يحتمل في أصل المسألة أن منشأ الوجهين الاختلاف فيما تقتضيه الأدلة الشرعية في بيع
مطلق الصاع من الصبرة من غير مدخلية لتعرف قصد المتعاملين ، بل لو علم خلوهما عن
الأمرين معا ، جاء الوجهان أيضا ولم يحكم بفساد المعاملة ، فتأمل جيدا ، فإن
التحقيق التنزيل على الإشاعة ، ضرورة كونه كالمالين المختلطين ، أو كالمال الذي
اشترى أبعاضه ، هذا كله فيما يتوقف رفع جهالته على الاعتبار.
وأما بيع ما تكفى
فيه المشاهدة فإنه جائز مع حصولها بلا خلاف ولا إشكال ، لحصول المقتضى وانتفاء
المانع كأن يقول : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب ، أو هذه الساجة بالجيم أو جزء
منها مشاعا من غير مسح لها ، بناء على كفاية المشاهدة في الثلاثة كما هو الأقوى ،
خلافا للشيخ في المحكي من ظاهر خلافه ، فمنع في الأولين من دون مسح ، ولا ريب في
ضعفه ، سيما بعد اقتضاء العمومات الجواز ولا معارض وكذا ما لا يكون العد معتبرا في
معرفته ، كقطيع الغنم ، وجملة النخيل والشجر وصبرة الكتب ونحو ذلك ، فيصح شراؤه
بعد مشاهدة كل واحد مثلا
__________________
على وجه يعلم به ،
وإن لم يعرف عده ضرورة عدم كونه كالدراهم ونحوها مما يتوقف معرفته على عده كما هو
واضح.
نعم لو أراد بيعها
ذرعانا فـ ( قال : بعتكها كل ذراع بدرهم لم يصح إلا مع العلم بذرعانها ) بجملتها ،
لحصول الجهالة في الثمن ، وإن كانت هي معلومة بالمشاهدة على وجه يصح بيعها ، وهذا
هو الفارق بينها ، وبين الصبرة المعلومة حيث صح بيعها كل قفيز بدرهم لأن معلوميتها
، انما تكون من جهة الكيل ، فيستلزم العلم بقدر الثمن ، ولو اكتفينا بالمشاهدة
فيها كما ذهب اليه ابن الجنيد ، اشترط في بيعها كل قفيز بدرهم معرفة ما تشتمل عليه
منه ليحصل بذلك العلم بقدر الثمن.
ولو قال بعتك عشرة
أذرع منها وعين ابتداء الموضع ومنتهاه جاز قطعا بل في المسالك ومحكي التحرير
الإجماع عليه ، لكونه معلوما بالحد والمشاهدة ، فهي عين مشخصة لا جهالة في شيء
منها ، ولو عين المبتداء أو المنتهى ، فقال : من هنا إلى حيث ينتهي ، أو إلى هنا
من حيث يبتدى ، صح أيضا مع فرض تشخص المبيع بدايته ونهايته في الواقع ، وإن جهل
ذلك المتشخص ، إلا أن جهله ليس لصدقه على كثيرين ، بحيث تكون أفرادا له حتى يكون
المبيع كليا من بعض الجهات بل كان الجهل لعدم العلم بخصوص المحل الذي تنتهي إليه
العشرة ومثله غير قادح للأصل سواء كانت أجزاء الأرض أو الثوب متساوية أو مختلفة
لأن الفرض مشاهدته لها أجمع ، فارتفع الغرر من هذه الجهة ، وليست هي بأعظم غررا من
بيع الثوب والأرض برؤية بعضها الذي لا خلاف في جوازه ، ولا من بيع شيء مع عدم
العلم بدخول ما يدخل فيه عرفا ، مما يجوز معه النزاع ، بل هذه الجهالة عند التأمل
، كالجهالة بوزن العشرة أقفزة مثلا أو بعلو الصبرة التي تحصل منها أو نحو ذلك ، ما
لا تعد جهالة في العرف ولذا استمر العمل على مقدار الاذرعة من الثياب من دون علم
بما ينتهى اليه ذلك المقدار من المذروع منه استمرارا يمكن تحصيل العلم بتقرير
المعصوم منه.
فما في الدروس وعن
المبسوط والخلاف وابن إدريس والقاضي والمقدس الأردبيلي من الصحة حينئذ قوي جدا ،
بل قيل إنه خيرة الإرشاد وشرحه لولده ، لكن عن غاية المراد أنه حكى ولد المصنف عن
والده إصلاح صح « بلم يصح » حتى يوافق ما في كتبه وفي المسالك « إن الأجود الصحة
مع تساوي الأجزاء أو تقاربها ، وإلا فالبطلان أجود » وكأنه أخذه مما عن غاية
المراد من أنه قد ينصر الشيخ بأن هذا الاختلاف غير قادح لأنه اختلاف مقاربة لا
مفارقة مع غلبة تساوى الأجزاء المتجاوزة ، وحينئذ فالأولى أن يحمل قوله تساوي
أجزاء الأرض غالبا أو تقاربها ، وفيه أنه بناء على ما ذكرنا لا فرق بين تساوي
الأجزاء واختلافها ، لأن جهالتها تتبع الكلي إذا لم يكن مشاعا منها ، أما إذا كان
شخصيا مشاهدا فلا جهالة فيه.
فالأولى بناء كلام
الشيخ على ذلك ، لا على ما ذكراه وإلا لاتجه الصحة وإن لم يعين المبدأ ولا المنتهى
كما في الصبرة ، لكون الفرض التساوي ، أو التقارب ، وقد صرح غير واحد بعدم الجواز
بناء على عدم تساوي الأرض وكذا الثوب ، ولذا قال : في المتن ولو أبهمه أي الموضع
لم يجز لجهالة المبيع ، وحصول التفاوت في أجزائها ، بخلاف الصبرة نعم في الدروس
أنه لو باعه ذراعا من ثوب معلوم المساحة وقصدا معينا أو أن يختار أحدهما ما شاء ،
بطل ، وإن قصد الإشاعة صح ، وهو كذلك ، إلا أنه غير ما نحن فيه.
من ذلك كله ظهر لك
أنه لو عين المبدأ وكان المبيع عشرة أذرع كلية بالنسبة إلى غير محل الابتداء لم
يصح قطعا كما إذا لم يعين مبدأ المبيع ، وإن عين ما فيه المبيع بداية ونهاية بناء
على اختلاف أجزاء الأرض على وجه لا يمكن رفعها بالكلي ، وإن شوهد جميع أفراده
الدائرة بينها ، اللهم إلا أن يقصد الإشاعة ، فقد يقال : بالصحة ، كما سمعته من
الدروس وإن لم يعلم مساحة الأرض ، إذا كان المبيع أذرعا معلومة ، لكون المبيع
حينئذ حصة مشاعة مقدرة بالعشرة أذرع مثلا ، والجهل
بنسبتها إلى
المجموع حال العقد غير قادح ، بعد الضبط بالأذرع ، فيملك حينئذ في كل جزء من الثوب
على حسب نسبة العشرة إلى المجموع ، نحو ما سمعته في بيع الصاع من الصبرة ، علي
تقدير التنزيل على الإشاعة ، واختلاف الأجزاء وتساويها لا مدخلية لها في علم
المبيع وجهالته ، فإذا صح بيع الصاع من الصبرة منزلا على ملك حصة من الصبرة مشاعة
تعلم بنسبة الصاع الى المجموع ، ولا يقدح جهالتها حال العقد ، فكذلك المقام.
بل قد ينقدح من
ذلك ومما سمعته سابقا في بيع الصاع من الصبرة من انصراف مطلقه عندنا إلى الإشاعة ،
صحة نحو ذلك في المقام ، وإن لم يصرح بقصدها ، فينزل حينئذ على الإشاعة المزبورة ،
ويكون صحيحا ، وما عساه يوهمه إطلاق بعض العبارات من عدم جواز مثل ذلك ، بل
والصورة السابقة ، يمكن دفعه بظهور الإطلاق في غير ذلك ، وأن المراد منه بيع مقدار
مخصوص لا على جهة الإشاعة ، ولا ريب في بطلانه خصوصا في مختلف الأجزاء فتأمل جيدا.
فإن الظاهر
البطلان مع قصد النسبة بما ذكره من العدد على وجه يكون المبيع الكسر الذي يطابق
النسبة المزبورة في الواقع ، لجهالة المبيع التي لا يرفعها ضبط النسبة المزبورة ،
وإلا لصح ذلك في القيمي كأن يبيعه من العبد مثلا ما يقابل عشرة من النسبة إلى
مجموع قيمته ، وهو معلوم الفساد ، ولا ينافي ذلك القول بتنزيل الصاع من الصبرة على
الإشاعة ، فإنه لا يراد منه وقوع البيع على الكسر الذي يكون نسبة الصاع إلى مجموعه
، بل المراد منها أن المبيع كلي شائع في مصاديقه في الصبرة كشيوع كلي الشاة في
الزكاة في الأربعين في وجه ، وهذا وإن لم يكن من الاشتراك على اشتراك الكسور
كالنصف ونحوه ؛ ولكن حكمه حكمه بالنسبة إلى توزيع التالف على المجموع باعتبار عدم
تعيين كلي كل من المالكين في فرد مخصوص ، بل هو مصداق لكل منهما وحينئذ فالتحقيق
صحة بيع الكلي في الشائع في الافراد الخارجة ، ولكن مع تساوى
الاجزاء كالصاع من
الصبرة على الوجه الذي ذكرنا ، وكذا الأرض والثوب مع فرض تساوى الاجزاء ، ولا يصح
مع اختلافها ، أما بيعه على وجه النسبة بمعنى كون المبيع الكسر من الصبرة أو الأرض
المقدر بنسبة الصاع أو الذراع إلى المجموع فغير جائز في متفق الاجزاء ومختلفها ،
ولعله بذلك تعرف الوجه في إطلاقهم والله أعلم.
ولو باعه أرضا
مثلا على أنها جربان معينة مصرحا بذلك أو بنى العقد عليه فكانت أقل فالمشتري
بالخيار بلا خلاف ولا إشكال ، إلا أن الأكثر نقلا وتحصيلا بل في الرياض أنه حكى
الشهرة عليه جماعة على كون الخيار بين فسخ البيع واسترجاع الثمن إن كان قد قبضه
البائع وبين أخذها بحصتها من الثمن ، وقيل : بل بكل الثمن كما هو خيرة الشيخ
والقاضي والفاضل وولده وأبى العباس والصيمري على ما حكي عن بعضهم ، بل هو ظاهر
الوسيلة والنافع وجامع المقاصد ، وقواه في الميسية على ما قيل ، واستوجهه في
المسالك والأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، إذ المذكور وإن كان بصورة الوصف
والشرط الذين لا يوزع عليهما الأثمان لكنهما أجزاء من المبيع حقيقة خارجية فيفوت
بفواتها بعض المبيع حينئذ فيثبت الخيار المزبور لتخلف الوصف الذي هو بعض من المبيع
، وبذلك افترق عن بعض الأوصاف التي لا ترجع إلى أجزاء من المبيع ، فكان الخيار
فيها بتخلف الوصف بين الفسخ والقبول بتمام الثمن ، لكون الفائت ليس جزء مبيع يقابل
شيئا من الثمن ، بل وصفه ، وما نحن فيه ليس من ذلك قطعا ، بل هو لا ينقص عن وصف
الصحة الذي يثبت الخيار بفقدها بالعيب بين الرد والقبول بالأرش ، مضافا إلى خبر عمر بن حنظلة المنجبر بما سمعت
قال فيه : « رجل باع أرضا على أن فيها عشرة أجربة ، فاشترى المشتري منه بحدوده ،
ونقد الثمن ، وأوقع صفقة البيع وافترقا ، فلما مسح الأرض ، فإذا هي خمسة أجربة ،
قال : إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض ، وإن شاء رد المبيع و
__________________
أخذ ماله كله ،
إلا أن يكون إلى جنب تلك له أيضا أرضون ، فليوفيه ، ويكون البيع لازما ، وعليه
الوفاء بتمام المبيع ، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع ، فان شاء
المشتري أخذ الأرض واسترجع فضل ماله ، وإن شاء رد الأرض وأخذ المال كله » واشتماله
على ما نقول به مع إمكان تأويله ، لا يمنع من العمل بالباقي ، وإشكال ذلك كله ـ بأن
ما فات لا قسط له من الثمن ، لاستحالة تقسيط الثمن على الأجزاء أو العلم ، لعدم
الفائت ، وعدم المماثل له ، فاستحال تقومه ، فاستحال ثبوت قسط له ، خصوصا إذا كانت
الأرض المشتراة مختلفة الاجزاء ، وفرض الفائت من الجيد أو الردي تحكم ، فاتضح أن
الفوات هنا كفوات صفة كمال ، وهو كم ، والكم عرض فكان كالتدليس ، وفرق بينه وبين
ما إذا باع عبدين ، فبان أحدهما مستحقا ، لأنه في هذه لم يسلم المبيع ، وهو مجموع
العبدين ، وهنا قد سلم المبيع وهو مجموع الأرض ، وإنما فقد منها كونها بقدر الجريب
الواحد عشر مرات مثلا ، وهذا وصف يعد كمالا ، ولا يعد نقصه عيبا ، وبأن التقسيط
يؤدي إلى جهالة الثمن في الجملة والتفصيل ـ يدفعه إمكان كون طريق التقويم بأن هذه
الأرض المشخصة من غير زيادة عليها ولا نقيصة على فرض أنها عشرة أذرع ، ولو
للاشتباه فيها ، قيمتها كذا وعلى فرض أنها خمسة قيمتها كذا ، فينسب إحدى القيمتين
إلى الأخرى ، ويؤخذ من الثمن بنسبته ، فلا يحتاج حينئذ إلى إضافة شيء إليها كي
يستشكل بأنه يستحيل تقويمه لعدم المماثل ، حتى يجاب عنه بأن الغالب في الأرض
التساوي ، فيفرض كونه مساويا لها ، مع أنه قد يستشكل بأنه قد يفرض كونها مختلفة ،
فيلتزم كون الفائت مختلفا على نسبة اختلافها ، إذا الجميع كما ترى ، ولا جهالة حال
العقد بعد الإقدام منهما على مقابلتها بالثمن على أنها عشرة ، كما أنه لا يقدح الجهالة
في التقسيط بعد معلومية المقابلة في الجملة.
ومن ذلك ظهر لك
الوجه في قول المصنف ولو زادت كان البائع بالخيار بين الفسخ والإجازة بجميع الثمن
، وكذا كل ما لا يتساوى أجزاؤه لعدم موجب التقسيط
هنا ضرورة اختصاص
إيجاب التبعيض ذلك بالمشتري ، فلم يبق إلا جهة تخلف الوصف الموجب ضررا على البائع
لو كان البيع لازما فثبت له الخيار بالطريق المزبور وإلزام المشتري هنا بإعطاء ما
يخص الزيادة على نسبة الثمن ، أو تخيره بين ذلك وبين الفسخ لا يوافق الضوابط
الشرعية ؛ كاحتمال بطلان البيع كما في القواعد.
وعن المبسوط بل عن
التبصرة أنه الوجه عندي لجهالة المبيع ، لكون الزيادة غير معينة ، إذ فيه أن
المبيع بحسب الصورة هو المجموع ، وقد تجدد كون الزائد ليس منه بعد الحكم بصحة
العقد ، على أن ذلك مبنى على كون الزيادة للبائع ، وهو خلاف التحقيق كما ستعرف ،
بل قد عرفت أن مبنى كلام المصنف ، ومن عبر كعبارته على ذلك ، ومن هنا كان لا يرد
على المتن بقرينة ذيله ، أن إيجابه التقسيط في الأول قاض بالتبعيض ، وإثباته
الخيار المزبور هنا قاض بأنه من تخلف الوصف فيتدافع ، إذ قد عرفت اجتماع الحيثيتين
في الأول بخلاف الثاني.
لكن قد يناقش بأنه
وإن كان التبعيض لا يوجب تقسيطا بالنسبة إلى البائع ، إلا أن مقتضاه كون الزيادة
للبائع كما صرح به بعضهم ، واحتمله آخر ولا يكون له خيار حينئذ واحتماله ـ حينئذ
للتضرر بعيب الشركة ـ يدفعه أولا أنه هو الذي غرر بنفسه ، وثانيا عدم الضرر عليه
بعد أن كان قادما على مقابلة الجميع بالثمن ، فظهور الشركة في الحقيقة نفع لا ضرر
عليه ، والتسلط بمثله على الخيار محل شك ، بل منع لأصالة اللزوم.
نعم لا بأس به
بالنسبة للمشتري حينئذ لأنه أقدم على كون الجميع له ، فظهور الشركة فيه عيب
بالنسبة إليه ، بل لا يسقط حتى لو بذل البائع الزيادة ، لعدم وجوب القبول عليه ،
فلا ريب حينئذ في ضعف الاحتمال المزبور ، وأضعف منه حمل المتن عليه ، ضرورة ظهوره
في كون متعلق الخيار مجموع الأرض ، بجميع الثمن.
فالتحقيق كون
الزيادة والنقيصة من واد واحد ، والظاهر أنه من تخلف الوصف
فيهما ؛ لأن
المفروض كون المبيع عينا مشخصة محددة غير قابلة للزيادة والنقيصة إلا أنه وصفها
البائع بمقدار مخصوص ، وأخذها المشتري على ذلك الوصف فتخلف ، فحصل الضرر منه على
البائع أو المشتري ، فيثبت الخيار ؛ فليس في الحقيقة فواته مفوتا لجزء من المبيع ،
لما عرفت من أنه محدد مشخص غير قابل للزيادة والنقيصة.
لكن الخبر المزبور
الذي عمل به جماعة من الأصحاب أوجب التوزيع في صورة النقصان ، ولا محيص عن
العمل به إن لم يحمل بقرينة ذيله على كون المبيع عشرة معينة الابتداء إلى أن تنتهي
، بناء على صحة ذلك ، فبان قصورها عن العشر ، فإن التوزيع هنا متجه ، ضرورة كون
مورد البيع المعدود من حيث العدد ، إلا أنه خلاف الظاهر ، وذيله ـ بعد أن انفرد
الشيخ بالعمل به في النهاية التي لم تعد للفتوى ، فلا جابر له بالنسبة إلى ذلك ـ لا
بأس بطرحه أو تنزيله على ما يوافق الضوابط وإن بعد ، ولا يمنع من العمل بما تضمنه
من التوزيع المزبور.
ومنه يعلم حينئذ
الحال فيما لو نقص ما يتساوى أجزاؤه فإنه ي ثبت الخيار للمشتري بين الرد وأخذه
بحصته من الثمن وفاقا للشيخ والفاضل في بعض كتبه والشهيدين في الدروس واللمعة
وغاية المرام على ما حكي عن بعضها ، بل عن الأخير أنه المشهور ، بل هو لازم لجميع
من عرفته ممن قال به في مختلف الأجزاء ضرورة أولويته منه بذلك ، ولذا أرسله بعضهم
في ضمن الاستدلال إرسال المسلمات ، بل ظاهر المقداد في التنقيح أو صريحه ، أنه لا
كلام فيه لإمكان توزيع الثمن فيه على أجزائه ، فلا مانع فيه من هذه الجهة ، بل إذا
كان منه ما لا يضبط إلا بالوزن ونحوه ، ولا تكفي فيه المشاهدة ، كما هو الغالب فيه
بكون التقدير فيه ملاحظا في المبيع أولا وبالذات ، فكأنه باعه المقدر من حيث
التقدير ، فيفوت البعض بفواته.
__________________
إلا أن الإنصاف
كون العمدة إلحاقه بمضمون الخبر المزبور وإلا فمتساوى الأجزاء ، وإن كان يمكن توزيع الثمن عليه ،
وليس فيه المانع المزبور ، لكن بعد أن كان عينا مشخصة لا تزيد ولا تنقص صار
التقدير المفروض فيها وصفا أيضا ، حتى لو كان وزنا ونحوه ، إذ هو طريق إلى
المعلومية المسوغة للإقدام على البيع كالوصف ، لا أنه بعض مبيع ؛ ولذا كان خيرة
الفاضل في القواعد التخيير فيه بين الرد والأخذ بالثمن ، بل هو المحكي عن ولده في
الإيضاح ، وعن الشهيد في حواشيه والميسية والكفاية أنه أقوى ، وفي المسالك أنه
متجه ، ومال إليه في جامع المقاصد ، إلا أن فيه إعراضا عن الخبر المزبور ، المنجبر
بما عرفت ، فالتوزيع هو الأقوى.
نعم هو متجه فيما
لو زاد ، فيتخير البائع بين الرد والقبول بالثمن المسمى ، كما سمعته في مختلف
الأجزاء وفاقا للفاضل في القواعد ، والمحكي عن ولده في شرح الإرشاد ومال إليه
المحقق الثاني والمقدس الأردبيلي على ما حكي عنه ، بل ربما قيل إنه لازم لكل من
قال به في مختلف الأجزاء ممن عرفت ، فحينئذ يكون الزيادة للمشتري ، ولا خيار له
حينئذ ، لأن المتضرر بفوات الوصف البائع دونه ، خلافا للمبسوط والتحرير والإرشاد
والتبصرة والتنقيح وظاهر موضع من الدروس ، فجعلوا الزيادة للبائع على ما حكي عن
بعضها ، بل في مجمع البرهان لا شك في أنها له ، بل في التنقيح لا كلام فيه ، ولعله
لا يخلو من قوة فيما يعتبر فيه الوزن والكيل والعدد ، إذ التزام دخول الصبرة
المبيعة بعنوان أنها وزنة في ملك المشتري وإن كانت وزنتين لا يخلو من صعوبة.
وعلى كل حال
فالمتجه ثبوت الخيار للمشترى ، لأنه خلاف ما قدم عليه ، وللتضرر بالشركة دونه ،
نحو ما سمعته في مختلف الأجزاء فمن الغريب ما في القواعد والتحرير من عدم الخيار
له على هذا التقدير ، ولعله لعدم التضرر ، فهو كالصاع من الصبرة إلا أنه
__________________
كما ترى ، فتأمل
جيدا في جميع ما ذكرنا ، فإن منه يظهر لك الخلل في جملة من كلمات الأصحاب في مواضع
متعددة والله أعلم.
ولو جمع بين شيئين
مثلا مختلفين في كون كل منهما مورد عقد مخصوص في عقد واحد بثمن واحد كبيع وسلف
فقال : بعتك هذا العبد وعشرة أقفزة حنطة موصوفة بكذا مؤجلا إلى كذا بمأة درهم أو
إجارة وبيع فقال : آجرتك الدار وبعتك العبد بكذا أو نكاح وإجارة فقال : أنكحتك
نفسي وآجرتك الدار بكذا صح بلا خلاف أجده فيه ، وإن أوهمه نسبة بعضهم إياه إلى
الأكثر بل قيل صرح في المبسوط بأن فيه خلافا عندنا ، لكنه احتمل إرادته من العامة.
نعم عن الأردبيلي
أنه تأمل فيه ، ولعله للشك في نقل مثل هذا العقد الذي لا يدخل في اسم كل منهما ،
وإلا اعتبر فيه ما يعتبر فيهما ، ولأن الجهالة والغرر وإن ارتفعا بالنسبة إلى هذا
العقد ، إلا أنهما متحققان بالنسبة إلى البيع والإجارة ، وقد نهي الشارع عنهما في
كل منهما ] وارتفاعها بالنسبة إلى مجموع العقد غير مجد ، وليس هو
كالمبيعين الذين فسد البيع بالنسبة إلى أحدهما ، للاكتفاء فيه بمعلومية ثمن
المجموع الذي هو مبيع والجهل بالتقسيط غير قادح بعد أن كان بالنسبة إلى جزء المبيع
لا إلى مجموعه ، بل لعل مثل ذلك غير قادح حتى مع العلم بالفساد من أول الأمر ،
لصدق معلومية ثمن المبيع ، ولو كان البيع في بعضه فاسدا بخلاف المقام الذي ثمن
تمام المبيع فيه مجهول ، وإن كان هو معلوما بالنسبة إلى مجموع العقد.
اللهم إلا أن يقال
: إن المعلوم من قدح الجهالة ما إذا كان البيع عقدا مستقلا لا جزء عقد ، فإطلاق
الأدلة بحاله ، كما أن عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) كاف في ثبوت مشروعيته ، بعد ظهور اتفاق الأصحاب عليه ،
الذي يكفي في ثبوت معهوديته ، فتشمله الآية
__________________
وإن قلنا بأن
اللام إشارة إلى العقود المتعارفة ، إذ لا طريق لنا إلى ذلك إلا كلام الأصحاب ،
فيكفي حينئذ معلومية العوض لهذا العقد الذي هو في الصورة عقد واحد وفي المعنى عقدان
أو عقود ، ولذا يجري عليه حكم كل منها لنفسه من غير مدخلية للآخر نحو خيار المجلس
وغيره ، كما هو واضح ، إلا أنه من حيث اتحاد القبول فيه ـ باعتبار عدم الدليل على
اعتبار القبول بعد العقد على وجه لا يشاركه غيره في معناه ـ واحد.
وحينئذ فإن احتيج
إلى أن يقسط العوض لتعدد المالك أو غيره قسط على قيمة المبيع وأجرة المثل بلا خلاف
ولا إشكال وعلى مهر المثل بلا خلاف أيضا إلا أنه أشكل بأن المفوضة ترجع إلى مهر
السنة لو زاد مهر المثل عنه ، وهنا لما لم يتعين لها مهر مقدر ابتداء أشبهت
المفوضة ، فلا يتم إطلاق مهر المثل ، ويدفع بأنها هنا ليست مفوضة بل مسماة المهر ،
غايته عدم العلم بقدر ما يخصه ابتداء ، على أن الرجوع إلى مهر السنة على تقدير
زيادة مهر المثل محل تأمل أو منع.
نعم هو مسلم
بالنسبة إلى مفوضة البضع ، وهذه ليس منه قطعا كما هو واضح ، ولو كان أحد الأعواض
مؤجلا ، قسط عليه كذلك ، فلو باعه عبدا يساوى عشرة حالا ، وعشرين مؤجلا فباعه
مؤجلا ، وأجره داره مدة سنة بعشرين ، والعوض عشرون ، فإنه يقسط بينهما بالسوية
وكذا يجوز بلا خلاف بل ولا إشكال بيع السمن بظروفه مع العلم بوزن المجموع الكافي
عن معلومية وزن كل منهما ، بعد إقدام المشتري على الرضا بكون سعر الظرف سعر الدهن
، فإذا احتيج إلى التقسيط قسط على ثمن مثلهما ، بأن يقال : قيمة الظرف مثلا درهم ،
وقيمة السمن تسعة فيخص الظرف عشر الثمن ولو قال : بعتك هذا السمن بظروفه كل رطل
بدرهم بعد العلم بوزن المجموع كان جائزا أيضا لما عرفت
من وجود المقتضى
وارتفاع المانع ، والتقسيط فيه بأن يوزن الظرف منفرد أو ينسب إلى الجملة ، ويؤخذ
له الثمن بتلك النسبة ، وبذلك افترق هذا المثال عن الأول كما هو واضح والله أعلم.
( الفصل
الخامس : في أحكام العيوب )
من اشترى مطلقا أو
بشرط الصحة اقتضى سلامة المبيع من العيوب بلا خلاف ولا إشكال في الثاني ؛ بل
والأول إن كان المراد الاقتضاء شرعا ، أما عرفا فلا يخلو من إشكال ، خصوصا بعد عدم
الانصراف في مثل التكاليف والوصايا ونحوهما وأصالة السلامة لا تقتضي إرادة السالم
من الإطلاق ، وإلا لاقتضت في الجميع ، بل لم يكن المعيب بعض أفراد المبيع لو كان
كليا.
اللهم إلا ان يفرق
بينها وبين البيع بل جميع عقود المعاوضات ، والإطلاق إنما يقتضي السلامة في المبيع
، لا أن المبيع السالم ، فلا ينافي كون المعيب فردا هذا. ولكن مع ذلك لا يخلوا
الانصراف المزبور عرفا من تأمل في بعض الأحوال ، خصوصا بالنسبة إلى بعض العيوب
والأمر سهل ، لكن صريح جماعة أن الشرط المزبور بعد تسليم الانصراف المذكور مؤكد بل
لم أجد قائلا بغيره.
نعم في المسالك «
وربما قيل : إن فائدة اشتراط الصحة جواز الفسخ وإن تصرف لو ظهر عيب ، فيفيد فائدة
زائدة علي الإطلاق كاشتراط الحلول » وهو متجه ، وإن قال بعض مشايخنا إنى لم أجد
هذا القول لأحد من العامة والخاصة ، ضرورة أنه لا بأس باجتماع الجهتين عملا
بالدليلين الغير المتنافيين ، نعم قد يتوقف في أصل صحة اشتراط ذلك كسائر الصفات في
الأعيان الشخصية ، لظهور أدلة الشرط في أنه مما يكلف المشترط عليه بالوفاء به ،
وفي الفرض لا يتصور ذلك على تقدير عدم الاتصاف ، إلا أنه قد يمنع اعتبار ذلك في
الشرط ، وإن كان فائدته حينئذ أنه في مثل ذلك قلب اللازم جائزا ،
فتأمل جيدا والله
أعلم.
وكيف كان فان ظهر
به عيب سابق على العقد فالمشتري خاصة بالخيار ، بين فسخ العقد وأخذ الأرش إجماعا
محصلا ، ومحكيا مستفيضا ، صريحا وظاهرا ، وهو الحجة مضافا إلى ما أرسله ـ في محكي
الخلاف من الأخبار وخبر الضرار وفقه الرضا بناء على حجيته « إن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري
فالخيار إليه إن شاء رد وإن شاء أخذ أو رد عليه بالقيمة أرش المعيب » والظاهر
زيادة أو فيه كما عن بعض الأجلة ، ولعل المراد « الهمزة » ـ والى المعتبرة التي
منها مرسل جميل عن أحدهما 7 « في الرجل يشترى
الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال : إن كان قائما رده على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن
كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب » وغيره إلا أنه ليس فيها جميعا
ذكر الإمضاء مع الأرش ، بل ظاهرهما الرد خاصة كما اعترف به في الرياض ، لكن قال :
« إن الإجماع ولو في الجملة كاف في التعدية ».
قلت : إن لم يثبت
أولوية ثبوت الأرش قبل التصرف المزبورة منه بعده ، لوضوح منعها ، أو أن ثبوته ـ لأنه
عوض جزء من المبيع ـ قد فات ، فهو كمقابل أحد المبيعين من الثمن لو بطل البيع فيه
، بناء على مقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن ، ويكون استحقاق المشتري له على
القاعدة ، كما في تبعض الصفقة ؛ وفيه أنه أوضح منعا من الأولوية المزبورة لعدم
ثبوت التوزيع المزبور قصدا ولا شرعا على وجه يتناول الحكم المذكور ، بل تصريحهم
بأنه يسقط بالإسقاط بعد العقد ، بحيث لا يصح الرجوع منه بعده كما ستعرف ينافيه
ضرورة عدم صحة تسلطه على الأعيان ، ولو كان بمنزلة الهبة جاز الرجوع فيها ،
فالعمدة حينئذ في ثبوته ما عرفت.
وقد يظهر من المتن
وغيره ، أن الخيار المزبور عند ظهور العيب ؛ لا أنه كاشف عن
__________________
ثبوته حال العقد ؛
لكن يمكن عدم إرادة ذلك منها ، وإن اقتضاه ظاهر التعبير المساق إلى بيان أن ثمرته
عند الظهور ، لعدم تصور فائدة له قبل العلم غالبا ، لكن فيه إن له ثمرات. منها ـ إسقاطه
بالتصرف قبل ظهوره ، ولولا أنه ثابت لم يتصور سقوطه به ، إلا أن يكتفى بوجود سببه
وكذا إسقاطه ، ومنها ـ أنه لو فسخ قبل ظهوره أثر الانفساخ حينه ولو تأخر الظهور عن
ذلك فتأمل جيدا ، والظاهر ثبوت الخيار المزبور في العيب في الثمن ، وإن خلت عنه
أكثر النصوص والفتاوى إن لم يحمل المبيع فيها على ما بشملهما ، وهو كما ترى ، ولا
ينافي ذلك قول المصنف خاصة ضرورة كون المراد ذلك بالعيب في المبيع والله أعلم.
وكيف كان فـ (
يسقط الرد ) والأرش بالتبري من العيوب بأن يقول : بعتك هذا بكل عيب ، أو وأنا بريء
من كل عيب ، أو نحو ذلك مما لا يفرق فيه بين العيوب ظاهرة أو باطنة ، معلومة أو
غير معلومة ، حيوانا كان المبيع أو غيره ، إجماعا محكيا صريحا عن الخلاف والغنية والتذكرة
، وظاهرا في غيرها إن لم يكن محصلا ، ضرورة كون المراد البراءة مما رتب الشارع
عليه من الحكم ، وهو الرد أو الأرش ، فهو حينئذ شرط مندرج فيما دل على الشرائط ،
حتى لو ذكره قبل العقد ، وبنياه عليه بناء على أنه حينئذ كالمصرح به فيه ، ولأن
المشتري حينئذ راض به على ذلك ، فهو كما لو علم به وأقدم عليه ، بل يشمله دليل ذلك
، بل قد يقال إن في شمول أدلة الخيار المزبور لمحل الفرض محل شك ، بل ظاهرها خلافه
، فيبقى أصالة لزوم العقد وأصالة برأيه الذمة من الأرش بلا معارض.
مضافا إلى مفهوم الحسن أو الصحيح « أيما رجل اشترى
شيئا فيه عيب أو عوار ، ولم يتبرء إليه منه ولم يبين له ، فأحدث فيه بعد ما قبضه
شيئا وعلم بذلك العيب وذلك العوار أنه يمضى عليه البيع ، ويرد عليه بقدر ما ينقص
من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به » وخبر جعفر بن عيسى قال : « كتبت إلى
أبى الحسن 7 جعلت فداك المتاع
__________________
يباع فيمن يزيد
فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه بريء من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشتري
ورضيه ولم يبق إلا نقد الثمن ، فربما زهد فإذا زهد فيه ادعى عيوبا وأنه لم يعلم
بها ، فيقول : له المنادي قد تبرئت منها ، فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ،
أيصدق؟ فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق فيجب؟ فكتب عليه الثمن » الذي يمكن تقرير
الدلالة فيه على المطلوب بوجهين.
ويصح التبري من
العيوب المتجددة ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه ، لأن المراد التبري من الخيار
الثابت بسببها بمقتضى العقد ، فليس براءة مما لم يجب ، على أنه يمكن منع عدم صحته
على جهة الشرطية. ثم على الصحة فالظاهر شمول إطلاق البراءة من العيوب لها ، وإن
كان المنساق أولا إلى الذهن العيوب الموجودة حال العقد.
وكذا يسقطان
بالعلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف أجده ، لأن إقدامه معه رضا منه به ، ولا خلاف في
الغنية في سقوط خيار العيب به حينئذ ، مضافا إلى أصلي لزوم العقد وبراءة الذمة من
الأرش ، ضرورة ظهور أدلة الخيار المزبور في غير الفرض وإلى مفهوم خبر زرارة المتقدم المتمم
بعدم القول بالفصل بين عدم الأرش والرد معه ، بل قد يقضى إطلاقه كالفتاوى السقوط
به فيما لو علم به ثم نسيه ، وهل يصح شرائه من العالم مصرحا ببقاء خيار العيب له؟
ونحو ذلك مما يرفع دلالة العلم على الرضا به معيبا؟ الأقوى ذلك ، لأنه كالشرط
حينئذ ، بل لو اقتصر على خصوص الرد من مقتضى العيب صح أيضا لذلك ، وأما لو اقتصر
على الأرش فقد يحتمل البطلان ، التجهل الثمن حينئذ ، ويحتمل الصحة الكتفاء بعلم
الثمن بالجملة كما لو باع ما يصح وما لا يصح مع العلم به.
ويسقط الخيار
المزبور أيضا بإسقاطه بعد العقد بلا خلاف ، لأنه من الحقوق التي تسقط بالإسقاط ،
كما عرفته في الخيارات السابقة ، فيسقط الرد حينئذ
__________________
وكذا الأرش ،
لأنهما هنا متعلقاه ، فإسقاطه إسقاطهما معا ، ولو اقتصر على إسقاط أحدهما صح وإن
اتحد سبب استحقاقهما كما هو واضح ، ويمكن استفادته من العبارة.
ويسقط الرد خاصة
بإحداثه فيه حدثا كالعتق وقطع الثوب بلا خلاف معتد به بل في المختلف وعن شرح
الإرشاد للفخر الإجماع عليه سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده على نحو ما سمعته
في الخيارات السابقة ؛ ضرورة اشتراكه معها في أن له الفسخ وإن زاد عليها بالأرش ،
فيسقط ما به الاشتراك ما يسقطها ، ولذا كان البحث السابق في التصرف المسقط آتيا
هنا مضافا ، إلى مرسل جميل وخبر زرارة السابقين الدالين على ثبوت الأرش لعدم دلالة التصرف على
إسقاطه شرعا ولا عرفا ، خلافا لما عن ابن حمزة في الوسيلة فأسقط الأرش به إذا كان
بعد العلم به ، ولا ريب في ضعفه للأصل وإطلاق النص .
بل في صريح الغنية
أو ظاهرها الإجماع عليه ، مؤيدا بالتتبع لفتاوى الأصحاب صريحها وظاهرها ، بل عن
شرح الإرشاد للفخر الإجماع على ثبوت الأرش ، على أن فيما حضرني من نسخة الوسيلة «
وإن علم بالعيب ثم تصرف فيه لم يكن له الرد والأرش ، لأن تصرفه ليس بموجب لرضاه »
وتعليله إنما ينطبق على أن له الأرش ، ولعل الاسقاط من النساخ ، والا فلا ريب في
ضعفه ، كضعف ما عن المبسوط من أن التصرف قبل العلم لا يسقط الخيار ؛ للأصل المنقطع
بما عرفت ، ومفهوم خبر زرارة المحتمل لأن يكون المراد منه أنه لو أحدث فيه شيئا ثم
علم به لم يكن له الخيار ، لا أن الحدث إذا كان بعد العلم ينفى الخيار ، حتى يستدل
بمفهومه على أن الحدث قبله لا ينفيه ، بل لعل المراد منه أنه لا يتحقق ثبوت الخيار
إذا لم يكن علم به ، فتأمل جيدا ، وما عنه أيضا من أنه إن كان بيع المشتري له قبل
علمه بالعيب وعاد إليه فله رده ، وما عنه أيضا والمقنعة والنهاية من أن الهبة
والتدبير لا يمنعان من الرد لأن له الرجوع فيهما بخلاف العتق ، لما عرفت من إطلاق
النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات والله أعلم.
__________________
وكذا يسقط الرد
بحدوث عيب بعد القبض غير مضمون على البائع بلا خلاف أجده فيه ، بل عن شرح الإرشاد
للفخر الإجماع عليه ، وفي محكي الخلاف الإجماع والأخبار على أنه ليس له رده إلا أن
يرضى البائع بأن يقبله ناقصا فيكون له رده ، وأنه يكون له الأرش إن امتنع البائع
من قبوله معيبا ، وعن موضع من المبسوط « إذا باع عبدا وقطع طرف من أطرافه عند
المشتري ، ثم وجد به عيبا قديما سقط حكم الرد إجماعا ووجب الأرش » وعنه أيضا « نفى
الخلاف عن أن له الأرش إذا امتنع البائع من قبوله » ولعل مراده من الشرط أن له رده
إن أراده إذا لم يمتنع البائع من قبوله ، لا نفى الأرش حينئذ وإن اختاره.
لكن في التحرير «
لو تعيب عند المشتري لم يكن له رده ، فلو اختاره البائع جاز وأو أراد المشتري
الأرش حينئذ قال الشيخ : ليس له ذلك ، والوجه عندي أن له الأرش إن اختاره ولو
امتنع البائع من قبوله معيبا كان للمشتري حق الأرش قولا واحدا » وفي الدروس «
وثاني الأمور المسقطة للرد دون الأرش ، حدوث عيب عند المشتري مضمون عليه ، إلا أن
يرضى البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور ، ولا يجبر البائع على الرد وأخذ
الأرش ، أي أرش العيب الحادث ، ولا يتخير المشتري بينه وبين المطالبة بأرش السابق
، ولو قبل البائع الرد لم يكن للمشتري الأرش بالعيب الأول عند الشيخ » وقد فهما
منه الخلاف في ذلك ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، للأصل وإطلاق الأدلة والإجماع
السابق المعتضد بفتاوى الأصحاب ، بل إن لم يثبت إجماع على سقوط الرد به مطلقا
لأمكن المناقشة فيه ، إذا لم يكن من جهته بحيث يعد تصرفا فيه ، لعدم معارض للأدلة
المزبورة ؛ خصوصا مع عدم سقوط غيره من الخيار بذلك ، بل قد عرفت عدم سقوطه فيما لو
تلف بآفة سماوية في وجه ، فضلا عن التعيب ، وتعليل غير واحد من الأصحاب السقوط هنا
بأنه لما كان مضمونا عليه كان بمنزلة إحداثه فيه حدثا ، ولو كان من غير جهته
فنقصانه محسوب عليه ، فيمنع الرد ويثبت الأرش حينئذ لذلك كما ترى ، وإلا لجري في
غيره من الخيارات.
نعم يتجه جبره
بالأرش لو أراد رده لنفى الضرر ، ولعله لذا قال في الغنية : « فان لم يعلم بالعيب
حتى حدث فيه عيب آخر كان له أرش العيب المتقدم دون الحادث إن اختار ذلك ، وإن
اختار الرد كان له ذلك ما لم يحدث هو فيه حدثا » وظاهره عدم سقوط الرد بذلك وهو
جيد على الوجه الذي قلنا ان لم يثبت إجماع على خلافه أو يدعى دلالة مرسل جميل المشتمل على
اشتراط الرد بقيام الثوب بعينه ، وأنه متى قطع أو خيط أو صبغ تعين الأرش أو يدعى
أن مفهوم الرد لا يتحقق إلا مع عدم تعيب العين ، والجبر بالأرش لا يصيره ردا حقيقة
مضافا إلى أصالة لزوم العقد التي يجب الاقتصار في خلافها على المتيقن وهو غير
الفرض.
نعم يمكن القول
ببقاء الرد بالعيب السابق إذا كان العيب الحادث من البائع ، وإن كان قد يشمله
المتن ونحوه ، بل ومن وصف العيب بكونه غير مضمون على البائع ؛ ضرورة كون المراد
إخراج صورة الخيار ونحوها مما كان العيب فيه مضمونا عليه ، لا مثل الفرض الذي كان
الضمان فيه عليه نحو ضمان الأجنبي لو كان جانيا ، إلا أن المتيقن من إطلاقها
وإطلاق معاقد الإجماعات السابقة غير ذلك ، فيبقى على أصالة الرد هذا وفي القواعد
لو كان العبد كاتبا أو صائغا فنسيه عند المشتري لم يكن له الرد بالسابق ولعله لأن
نسيان الصنعة عيب ، أو أنه مغير للعين تغييرا يمنع من ردها ، ومثله نسيان الدابة
الطحن والله أعلم.
وكيف كان فـ ( لو
كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الرد ) بالعيب السابق قطعا ، بل يمكن تحصيل
الإجماع فضلا عن محكيه ؛ لكونه مضمونا على البائع ، ولذا كان للمشترى الرد به ،
فضلا عن العيب السابق بلا خلاف ، بل حكى الإجماع عليه غير واحد.
نعم اختلفوا في
ثبوت الأرش به ، وقد تردد المصنف فيه سابقا ، وذكرنا التحقيق فيه فيما تقدم فلاحظ
، إنما البحث الآن في العيب السابق ولا إشكال في ثبوت الرد والأرش
__________________
به معه ، كما عرفت
، ومثله حدوث العيب من غير جهة المشتري في الثلاثة لو كان المبيع حيوانا ، لأنه
أيضا مضمون على البائع ، فلا يمنع حكم العيب السابق ، وكذا كل خيار مختص بالمشتري
، بناء على إلحاقه في ثلاثة الحيوان في الضمان لما يحدث فيه ، كما تقدم تحقيق
الحال فيه ، والظاهر تعدد سبب استحقاق الرد حينئذ ، وتظهر الثمرة في أمور ، فما عن
المصنف ـ من أن له الرد بأصل الخيار ، لا بالعيب الحادث ، وابن نما بالعكس ـ في
غير محله ، بل مقتضى الجمع بين الدليلين الحكم بالسببين كما هو واضح ، على أنه لم
نتحقق هذه الحكاية عنهما في المقام.
نعم ستسمع كلامهما
في حدوث العيب في ثلاثة الحيوان وتحقيق الحال فيه ، وهو غير المقام ، اللهم إلا أن
يراد جريان نظيره هنا ، لكنه لا يتم في المحكي عن ابن نما هناك من إيجاب الرد
والأرش ، لكن يمكن البحث في المسألة لنفسها ، بفرضها في العيب المتجدد قبل القبض
مثلا ، وكان معيبا سابقا ، فهل يتعدد سبب الخيار في الرد بهما لكونهما سببين ، أو
يخص بالأول ، لأنه المؤثر ، ولا أثر للثاني لكونه تحصيل الحاصل لأن جنس العيب اتحد
أو تعدد هو السبب ، أو يخص بالثاني باعتبار انقطاع حكم الرد بحدوث العيب ، وإن كان
مضمونا على البائع لإطلاق دليله ، ويبقى حكم الرد للثاني ، إلا أنه لا يخفى عليك
ضعف الأخير ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه كما عرفت.
وأما الثاني فله
وجه لو كان دليل الخيار به مستفادا من دليل الخيار بالأول ، ضرورة كونه حينئذ
كتعدد القديم في ظهور عدم تعدد الخيار به ، على وجه يصح إسقاطه من جهة واحد دون
الآخر ؛ لكون المجموع بعد وجدانها دفعة أو تدريجا سبب واحد.
نعم قد يقال : لو
وجد أحدهما ثم رضي به ثم وجد آخر كان له الرد به ؛ لظهور الأدلة في سببية الثاني
حينئذ ، ضرورة كونه كما رضي بالعيب قبل العقد فوجد غيره ؛ لكن
من المعلوم عدم
ظهور هذه الأدلة في المتجدد ، بل هي كالصريحة في السابق ، وحينئذ يكون السابق صنفا
، والمتجدد آخر فيعمل كل مقتضاه ، وسقوط الرد من أحدهما لا يقتضي سقوطه من آخر ،
فتأمل جيدا فإن المسألة محتاجة بعد إلى تنقيح.
فقد تلخص لك من
ذلك ما يسقط الرد والأرش ، والأول خاصة ، لكن كان عليه ذكر الانعتاق قهرا من القسم
الثاني ، كما لو اشترى أباه ثم وجد به عيبا فإنه يتعين الأرش هنا لعدم التمكن من
الرد اللهم إلا أن يتكلف إدراجه في التصرف أو غيره أو يقال بثبوت الرد فيه ، لكن
بدفع القيمة عوضا عنه لمعلومية بدليتها ، وإن كان قد يدفع الأخير ما ستعرفه من أن
التلف هنا مسقط للرد بالعيب ، ويبقى الأرش ، فالانعتاق قهرا منزل منزلته ، والأمر
سهل.
وقد يسقط الأرش
ويبقى الرد فيما لو اقتصر على إسقاطه دون الرد ، وفيما لو زادت قيمة المعيب عن
الصحيح أو ساوتها ، كما لو ظهر العبد خصيا ، فإن المشتري يتخير بين الرد والإمساك
مجانا ، لعدم الاطلاع على قدر نقص القيمة الذي هو المدار في نقص المالية ، بل أصالة
براءة الذمة كافية في نفيه ، بعد ظهور أدلة ثبوته أو صراحتها في غيره من العيوب
التي تنقص القيمة ، ولا يجرى مثله في الرد بعد فرض كونه عيبا بلا خلاف أجده فيه.
بل ظاهر التذكرة
وجامع المقاصد الإجماع على ثبوت الخيار به ، بل هو مقتضى ما رواه ابن مسلم لابن أبى ليلى في
الشعر على الركب ، فالرد به حينئذ لا إشكال فيه ، وإن احتمل بعض متأخري المتأخرين
عدمه ، كالأرش للأصل ، وظهور نصوص الرد في العيب المنقص للقيمة لا ما زاد فيها ، لكن فيه منع واضح
بعد ما عرفت ، بل قد يظهر من إطلاق الفتاوى كون العيب ما زاد عن الخلقة أو نقص ،
وأن فيه الرد والأرش ثبوته فيه ، ولذا استشكل فيه غير واحد من المحققين ، ولعل
طريق تأريشه حينئذ إلغاء
__________________
ما يترتب على
الخصاء من المنفعة التي هي بالنسبة إلى بعض أفراد الناس.
كالحكام والسلاطين
، ثم تقويمه فحلا صالحا للنسل ، ولما يقدر عليه الفحول من الأشغال ، ولا ريب في
حصول النقص حينئذ وإن كان قد يناقش بأن ذلك إضرارا على البائع خصوصا إذا كان
حيوانا يراد منه كثرة لحمه وشحمه ، وحرمة الفعل في الآدمي بل وفي غيره كما عن
نهاية الاحكام ؛ نسبته إلى علمائنا ، لا تنافي زيادة المال من جهته ، وربما لا
يكون البائع فاعلا له ، بل قيل أن المصرح بجوازه في غير الآدمي كثيرون ، خلافا
للقاضي والتقى خاصة فلم يجوزاه.
وكيف كان فالأرش
محل نظر ، سيما في شعر الركب ونحوه مما لا طريق الى الفرض المزبور فيه. نعم يمكن
القول بعدم سقوط الرد هنا بالتصرف قبل العلم فيه ، وبحدوث عيب لا من جهته للضرر
معه ، ومن هنا قال في الدروس : « لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح كما في الخصي
احتمل سقوط الأرش ، وبقاء الرد لا غير ؛ وقد يشكل مع حصول مانع من الرد كحدوث عيب
أو تصرف ، فإن الصبر على العيب ضرار ، والرد ضرار » ونحوه في المسالك « وزاد ويمكن
ترجيح البقاء اعتبارا بالمالية وهي باقية » قلت لا طريق بعد عدم السبيل إلى
التاريش لعدم معرفته ، إلا القول بعدم سقوطهما الرد هنا ، بعد جبر العيب الحادث
بالأرش من المشتري أو لا التزام كما هو واضح.
ومما يسقط فيه
الأرش ، خاصة ما لو اشترى ربويا بجنسه وظهر عيب فله الرد دون الأرش حذرا من الربا
، ومع التصرف أو حدوث عيب ، فيه البحث المذكور ، وقال في الدروس هنا : « لو اشترى
ربويا بجنسه وظهر فيه عيب من الجنس ، فله الرد لا الأرش حذرا من الربا ، ومع
التصرف فيه الإشكال ، ولو حدث عنده عيب آخر احتمل رده ، وضمان الأرش كالمقبوض
بالسوم ، واحتمل الفسخ من المشتري ، أو من الحاكم ويرتجع الثمن ، ويغرم قيمة ما
عنده بالعيب القديم ، كالتالف من غير الجنس ، والأول أقوى ، لأن تقدير الموجود
معدوما خلاف الأصل » وهو جيد جدا ، إلا أن الأول يجري في
التصرف ـ وفي
الخصي أيضا لا في خصوص حدوث العيب في الربوي كما هو واضح.
واعتبر في المغرم
من القيمة كونه من غير الجنس حذرا من الربا ، وقد سبقه في ذكر الاحتمالين ، الفاضل
في القواعد « ولو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا ، فوجد
المشتري عيبا قديما ، وتجدد عنده آخر لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ، ولا مع
الأرش ، ولا يجب الصبر على العيب مجانا ، فالطريق الفسخ وإلزام المشتري بقيمته من
غير الجنس ، معيبا بالقديم سليما عن الجديد ، ويحتمل الفسخ مع رضا البائع ، ويرد
المشتري العين وأرشها ولا ربا ، فإن الحلي في مقابلة الثمن ، والأرش للعيب المضمون
كالمأخوذ للسوم ».
لكن فيه أن الفسخ
لا يتقيد برضا البائع ، وإنما المشترط به رد العين مع الأرش ، لإمكان عدم وجوب
قبول ذلك عليه ، كما نص عليه بعضهم. نعم قد يقوى الوجوب بعد الفسخ لعود المال إليه
، والعيب يجبر بالأرش الذي قد سمعت عدم الربا بعد الفسخ ، وأنه كأرش عيب المقبوض
بالسوم إذا كان ربويا ، ضرورة أن الربا في المعاوضات لا الغرامات.
وقد ينقدح من ذلك
وجه آخر حكاه في التذكرة عن بعض الشافعية ، ونفى عنه البأس ، بل عن جامع الشرائع
حكايته عن بعض أصحابنا ، وهو رجوع المشتري بأرش العيب ولا ربا ؛ لأن المماثلة في
ماله إنما تعتبر في ابتداء العقد ، وقد حصلت ، والأرش حق ثبت بعد ذلك ، ودعوى أن
الأرش لفوات مقابلة من المبيع واضحة المنع ، ضرورة اقتضائها انفساخ العقد بالنسبة
إلى ذلك ، وأنه يستحق خصوص الثمن ، وأن نماؤه له ، إلى غير ذلك مما لا يمكن
التزامه ، بل لا بأس حينئذ بأخذ الأرش من الجنس ، ولا يشترط كونه من غير الجنس
فتأمل جيدا والله أعلم.
وو كيف كان فـ (
إذا أراد بيع المعيب ؛ فالأولى ) والأفضل إعلام المشتري بالعيب أو التبري من
العيوب مفصلة من غير فرق بين الخفي منه والظاهر ،
لأصالة براءة
الذمة من وجوب الإخبار بعد انجبار الضرر بالخيار ، لكن قيده جماعة من المتأخرين
بالظاهر الذي يمكن للمشتري الاطلاع عليه من دون إعلام البائع.
أما الخفي فيجب
الإخبار به ، وإلا كان غشا وتدليسا ، بل ينبغي بطلان البيع في نحو شوب اللبن
بالماء ، لأن المبيع المقصود غير معلوم القدر للمشتري ، وعليه نزل ما عن الخلاف «
من باع شيئا وبه عيب لم يبينه فقد فعل محظورا وكان للمشتري الخيار » والمبسوط وفقه
القرآن للراوندي « وجب أن يبين للمشتري عيبه ، أو يتبرأ اليه من العيوب ، والأحوط
الأول » والتحرير « وجب الإشعار أو التبري من العيوب » لكن ظاهر الأخيرة أو صريحها
سقوط وجوب الإعلام حتى بالخفي إذا تبرئ من العيوب ، كما هو صريح الدروس قال : «
يجب على البائع الإعلام بالعيب الخفي على المشتري إن علمه البائع ، لتحريم الغش ،
ولو تبرئ من العيب سقط الوجوب » قال الشيخ : « والاعلام أحوط » بل عن إيضاح النافع
أنه المشهور ، وكان وجهه الأصل بعد عدم صدق الغش معه.
وعلى كل حال فلا
خلاف في عدم وجوب الإخبار بالظاهر بعد تنزيل العبارات المزبورة على ما سمعت ،
ولعله لذا قال في الرياض : « ويجوز بيع المعيب وإن لم يذكر عيبه مع عدم الغش بلا
خلاف في الظاهر ، بل قد يظهر من إطلاق المتن والقواعد وغيرها عدم وجوبه حتى في
الخفي ، ولعله للأصل وعدم كونه غشا بعد ان لم يكن من فعله ، ولا أخبر بسلامته.
نعم هو كذلك في
مزج اللبن ، ولعل كلامهم في غيره. ثم على الوجوب فالظاهر صحة البيع ، لأن النهي عن
أمر خارج ، بل لا يبعد ذلك حتى في اللبن الممزوج ، كما احتمله في المسالك قال : «
ولا جهالة بعد علم مقدار الجملة ، فهو كما لو باع ماله ومال غيره وله الخيار حينئذ
» وفيه أنه مناف لما فرضه أولا من كون عنوان المبيع اللبن منه لا ـ
المشاهد ، ولذا
أبطله كالجهالة ، ولا يجدى العلم بالجملة بعد أن كانت مبيعا وغير مبيع ؛ فالوجه
الصحة في الفرض إلا أن الظاهر كونه خيار عيب لا تبعض لصدق اسم اللبن على الممزوج ،
وإلا كان خارجا عن موضوع المسألة التي هي بيع ذي العيب الخفي المنافي صدق اسم العنوان
عليه ، ويتجه فيه البطلان مع فرض جعل العنوان اللبن منه للجهالة ، ولو جعل المشاهد
صح للعلم بالجملة حينئذ ولو كان بعنوان أنه لبن.
ولو أجمل في
البراءة بأن قال : برئت من عيبه أو من جميع العيوب أو من العيوب ، جاز وكان
كالتفصيل في الحكم ، لعموم المقتضي الذي قد عرفته فيما مضى من الإجماع وغيره ،
فليسقط به حينئذ الخيار في الرد والأرش ، ويسقط به أيضا وجوب الإخبار بالخفي ،
بناء على سقوطه بالبراءة المفصلة ، خلافا لما عن بعض الأصحاب فأوجب التفصيل فلا
يبرء حينئذ بالإجمال ولا يسقط به الخيار ، بل قضيته ما استدل له به في المسالك «
من أنه بيع مجهول البطلان ، إلا أنه كما ترى ، إذ لا جهل مع المشاهدة ، واعتبار ما
يجب اعتباره في صحة البيع ، والعيب الحاصل فيه غير مانع من صحة البيع ولا يشترط
معرفة الباطن ، لا أنه يعتبر ويكفى فيه أصل السلامة ، حتى يقال : يذهب الوثوق به
بالتبري ، فيكون كبيع المجهول ، على أنه قد عرفت في اشتراط سقوط خيار الروية ما
يؤكد ذلك ، فلاحظ وتأمل كل ذا مع ضعف الخلاف المزبور ، وإن حكى عن ابن إدريس إلا
أنه غلط قطعا.
نعم حكاه في
المختلف عن أبى علي وحكى فيه عن القاضي ما يقتضي ذلك ويمكن دعوى مسبوقيتهما
بالإجماع وملحوقيتهما به ، فما في الدروس « من أن في التبري مجملا قولين أشهرهما
الاكتفاء سواء علم البائع بالعيب أم لا » مما يوهم أنه قول مشهور في غير محله
والله أعلم.
وإذا ابتاع شيئين
صفقة من مالك واحد بثمن واحد ثم علم بعيب في
أحدهما ، لم يجز
رد المعيب منفردا ولكن له رد هما معا أو أخذ الأرش بلا خلاف أجده فيه ، بل في
الغنية الإجماع عليه ، كما عن الخلاف أن دليله إجماع الفرقة وأخبارهم ، لا لأن رده
خاصة موجب للتبعيض الذي يتضرر به البائع ، إذ يمكن جبره بتسلط البائع على الخيار
حينئذ ، بل لظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بالمجموع لا في كل جزء منه ، لا أقل من
الشك ؛ ضرورة عدم الوثوق بإطلاق فيها على وجه يشمل الفرض والأصل اللزوم ، ومنه
يعلم حينئذ عدم الفرق في الحكم المزبور بين ما ينقصه التفريق كمصراعي باب أولا ،
ولا بين حصول القبض وعدمه.
نعم لو تصرف فيهما
أو في أحدهما مثلا ، سقط الرد وتعين الأرش ؛ لأنهما بمنزلة مبيع واحد ، بالنسبة
إلى ذلك ، ولا يقاس الخيار على الشفعة التي قيل انهم صرحوا في بابها فيها لو باع
حصة من الدار والبستان صفقة بأن لشريكه فيهما أخذ أحدهما بالشفعة وإن تبعضت الصفقة
، والظاهر اتحاد الحكم في باقي الخيارات ، فليس له في خيار المجلس رد بعض المبيع
والالتزام بالباقي ، لما عرفت ، وإثباته لكل من الورثة في حقه على القول به لمدرك
آخر كما أشبعنا الكلام فيه فيما تقدم.
وعلى كل حال فقد
ظهر عدم التفريق في الصفقة الواحدة ، ومنه ما لو اشترى حاملا وشرط الحمل أو قلنا
بدخوله فوضعت ، ثم ظهر على العيب ، فليس له إفرادها بالرد ، لا لتحريم التفرقة ،
بل لاتحاد الصفقة ، من غير فرق بين الأمة والدابة ، ولو كان الحمل عنده لا بتصرفه
فالحمل له وإن فسخ ففي الدروس « رد الام ما لم تنقص بالحمل أو الولادة » وأطلق
القاضي « أن الحمل يمنع من الرد ، إما بفعله أو باهماله المراعاة حتى ضربها الفحل
وكلاهما تصرف » قلت : لا ريب في قصور حملها على وجه لا يعد تصرفا ، إلا أنه يمكن
القول بمنعه مطلقا من الرد إذا كان في غير زمن الخيار ، لأنه عيب حدث عنده ، لما
ستعرفه من عدهم الحمل عيبا ، وعدم نقصها به لا يرفع كونه عيبا فتأمل والله أعلم.
وكذا في عدم جواز
الاختلاف لو اشترى اثنان شيئا متحدا أو متعددا على جهة الشركة فيهما بثمن كذلك نعم
كان لهما معا رده أو إمساكه مع الأرش وليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه على المشهور
بين الأصحاب ، نقلا وتحصيلا من غير فرق بين علم البائع بتعدد المشتري وجهله ، ولا
بين اتحاد العين وتعددها ، ولا بين اقتسامها قبل التفرق وعدمه ، لا للتضرر بتبعض
الصفقة والشركة مع المشتري الآخر ، إذ قد عرفت إمكان دفعه بجبره بالخيار ، مع أنه
لا يتم في صورة علم البائع بالتعدد ، بل لما سمعت من أصالة عدم الخيار على هذا
الوجه ، بعد انصراف أدلته إلى غيره.
ودعوى تنزيل تعدد
المشتري منزلة تعدد العقد واضحة المنع بالنسبة إلى ذلك خلافا للمحكي عن شركة
المبسوط والخلاف وأبى على والقاضي والحلي وصاحب البشرى وفخر الإسلام ، فجوزوا
اختلافهما في ذلك ، واستوجهه في المسالك ، ونفى عنه البعد في التذكرة ، لإطلاق
الأدلة وكونه بمنزلة عقدين وإقدام البائع على الشقص ، وللتحرير والكركي فيجوز مع
علم البائع بالتعدد لا مع جهله ، واستحسنه صاحب المسالك ، وضعفهما معا واضح بعد ما
عرفت من انصراف الإطلاق إلى غيره ، ومنع التنزيل وتأثير الإقدام ، بل الأخير منهما
أوضح ضعفا ، ضرورة عدم مدخلية العلم والجهل في تعدد العقد واتحاده نعم لهما مدخلية
في ثبوت الخيار للبائع بالتبعيض وعدمه كما هو واضح.
ولو كان المبيع
عينين لكل واحد من المشتريين واحدة منهما معينة ولو بما يخصها من الثمن لو كان
كليا ، فالظاهر جواز التفريق ، للتعدد حقيقة ، مع احتمال العدم ، بل في المسالك «
إمكان تمشي الخلاف فيه نظرا إلى اتحاد العقد إلا أن الأول أقوى » ، ولو ظهر العيب
في الأول في الثمن فإن كان في جميعه فلا إشكال في التخيير ، وإن كان في بعضه
فالظاهر عدم جواز رده حتى على القول بجواز
التفريق في المشتريين
، لوضوح الفرق بينهما ، بأن المشتري الذي يرد إنما يرد تمام حصته ، فيكون كأنه رد
تمام المبيع نظرا إلى تعدده بالنسبة إليه ، وهذا لا يأتي في الثمن لأن البائع إذا
رده ، إنما يرده عليهما معا إذا الفرض كونه مشتركا بينهما فإذا رد المعيب فقد رد
على مستحقه بعض حقه ، وبقي البعض الآخر عنده ، فهو في التحقيق من قبيل المسألة
الأولى التي قد عرفت عدم الخلاف في عدم جواز التفريق فيها.
فما عن بعض
الأصحاب ـ من جواز التفريق فيه فيرد المعيب منه ويبطل ما قابله من المبيع حينئذ
نظرا إلى كون العقد بمنزلة المتعدد باعتبار تعدد المشتري فيه ـ واضح الضعف ، وإن
جعله في المسالك وجها ، نعم لو دفع كل من المشتريين جزأ من الثمن متميزا ، واشتريا
بالمجموع شيئا مشتركا ، فظهر بأحدهما عيب ، وكان المعيب مساويا لحصة صاحبه. أمكن
جواز رده خاصة لمالكه ، لتحقق التعدد حينئذ ، كما أن الظاهر إن لم يكن مقطوعا به
جواز التفريق لو اشتريا عينين كل منهما بثمن مستقل لا على وجه الشركة ، وإن كانت
الصفقة واحدة في الصورة إلا على احتمال تسمعه من المحقق الثاني هذا كله في تعدد
المشتري.
أما لو تعدد
المستحق مع اتحاد المشتري ابتداء كما لو تعدد وارث خيار العيب ، ففي القواعد « أنه
لا إشكال في وجوب التوافق » ولعله لاتحاد العقد ، لكن قال فيما تقدم في الخيارات :
« وهل للورثة التفريق؟ نظر أقر به المنع » واحتمله في المسالك هنا ، وقد عرفت
التحقيق في ذلك فيما تقدم ، فلاحظ وتأمل.
ولو تعدد البائع
واتحد المشتري جاز التفريق ، سواء اتحد العقد أو تعدد ، بل في الدروس وعن ظاهر
التذكرة وتعليق الإرشاد الإجماع عليه ، حيث قالوا جاز له له الرد قطعا ، ولعله لأن
تعدد البائع يوجب تعدد العقد ، ولعدم التبعيض على المردود عليه ، لكن في جامع
المقاصد « قد يقال : إذا اتحد العقد ؛ جاء الإشكال السابق في المشتريين صفقة ،
لصورة الصفقة هنا أيضا ، قيل : وفيه أن الفرق بين تعدد المشتريين
تعدد البائعين
واضح ، لأنه يلزم في الأول تبعض الصفقة على البائع ولا كذلك الثاني. نعم يجيء
الإشكال في بعض الصور ، منها ما إذا اشترى اثنان من اثنين دفعة في صفقة واحدة ،
لأن كل واحد من المشتريين قد اشترى ربع العبد مثلا من كل واحد من البائعين فلو رد
الربع على أحدهما تبعضت الصفقة عليه ».
قلت : بعد الأعضاء
عما ذكره يمكن القول بكون الوجه في عدم جواز الرد في في تعدد المشتري عدم تناول
الأدلة له ، فتبقى أصالة اللزوم بلا معارض ، ونحوه يأتي هنا أى تعدد البائع مؤيدا
بدعوى ظهور الأدلة في كون الخيار في نفس العقد ، فمع اتحاده لا يتصور التفريق فيه
إلا أن الأقوى ما ذكرناه أولا فتأمل جيدا والله أعلم
وإذا وطئ الأمة ثم
علم بعيبها الذي هو ليس بحبل لم يكن له ردها عندنا وتعين له الأرش بلا خلاف إلا من
الجعفي كما في الدروس ، ولا اشكال نصا وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه فإن كان العيب حبلا جاز له
ردها ويرد معها نصف عشر قيمتها لمكان الوطء إجماعا محكيا في الاستبصار والغنية إن
لم يكن محصلا ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة أو المتواترة في ردها وأنه لا يمنع
منه الوطء وفي صحيح ابن سنان ومعتبر عبد الملك بن عمرو وخبري سعيد بن
يسار وفضيل مولى محمد بن راشد « يرد معها العشر » وفي خبر عبد الرحمن « يرد معها شيئا
» وفي صحيح محمد « يكسوها » وتأولهما الشيخ بمطابقة نصف العشر ، ولكن روى عبد الملك بن عمرو
عن الصادق 7 « في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى
__________________
فيطأها قال :
يردها ويرد معها عشر ثمنها إذا كانت حبلى » وحمله في التهذيبين على الغلط من
الناسخ أو الراوي بإسقاط لفظ نصف ليطابق ما رواه هذا الراوي بعينه ، وغيره.
وقد يؤيده ما في
الدروس « من أنه ذكر الصدوق هذا الخبر برجاله ، وفيه نصف العشر » كما أنه يمكن حمله
على كون عشر الثمن نصف عشر قيمتها ، أو على البكر بحمل الحمل من السحق أو وطئ
الدبر بناء على أن له منفذا ، مؤيدا بما في الكافي بعد أن ذكر خبر عبد الملك
المتضمن للنصف قال : في رواية اخرى « إن كانت بكرا فعشر قيمتها ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر
قيمتها » وبالمعلوم من وضع الشارع العشر لوطء البكر في غير المقام.
وعلى كل حال فقد
عرفت من ذلك مستند ما عن الحلبي من إطلاق رد العشر ، وما عن ابن إدريس والفاضل
والكركي والقطيفي والميسي والشهيد الثاني وبعض متأخري المتأخرين من رد ذلك إذا
كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا ، إلا أن الأول ـ مع اتحاده واحتماله ما عرفت ،
وذكره عشر الثمن ، لا القيمة ، وظهوره في كون الوطء مع العلم بالحبل الذي ستعرف
خروجه عما نحن فيه ، ومخالفته للمعلوم من وضع الشارع نصف العشر لوطء الأجنبي ،
فضلا عن المقام الذي كان الوطء فيه من المالك ـ قاصر عن معارضة النصوص السابقة
المعتضدة بعمل الأصحاب من وجوه ، فلا ريب حينئذ في ضعف القول.
أما التفصيل فإنه
وإن أمكن حمل الخبر المذكور عليه ، ويشهد له المرسل المزبور المؤيد بمعلومية
وضع هذا التقدير للوطء في غير المقام ، إلا أن إطلاق النصوص الكثيرة والفتاوى
على خلافه ، اللهم إلا أن يدعى انصرافه للحامل
__________________
التي ذهبت بكارتها
كما هو الغالب ؛ وفيه بعد إمكان منع عدم تناول الحامل له وإن ندر سببه بالسحق
ونحوه ، أن المتجه حينئذ خروج البكر الحامل عن موضوع المسألة كما احتمله في
القواعد في الحامل بالمساحقة فتبقى حينئذ على القواعد ، لأن الجرءة على إخراجها
عنها بالمرسل المزبور ـ الذي لا جابر له ، مع أنه بأضعف وجوه الإرسال ـ كما ترى
خصوصا مع إمكان دعوى عدم جواز الرد فيها بفوات جزء من العين وهي البكارة فهي كما
لو تصرف فيها بغير الوطء معه ، فإنه لا إشكال في خروجها عن موضوع المقام حينئذ
وبقائها على مقتضى القواعد ، كالتي وطأها المشتري في دبرها ، بناء على انصراف
الوطي في النصوص والفتاوى إلى الغالب من الوطء بالفرج ، فلا ترد حينئذ ، وعلى
تقديره فالظاهر رد نصف العشر لو كانت بكرا وفاقا لجماعة ، لظهور توظيف العشر لزوال
البكارة ، والفرض بقاؤها ، مضافا إلى إطلاق النص بنصف العشر مع احتماله ، لصدق وطئ
البكر ، إلا أنه ضعيف كضعف احتمال ردها بلا شيء ، لترتب العشر ونصفه على الوطء
المنصرف إلى القبل ، وطريق الاحتياط في جميع ذلك غير خفي.
وكيف كان فلا
إشكال في الرد بالحبل مع الوطء بنصف العشر في الجملة ، خلافا للمحكي عن أبى علي
فمنعه مطلقا ، ووافقه الفاضل في المختلف والسيد في الرياض ، وحملوا إطلاق النصوص
والفتاوى على الحامل من المولى ، فيكون بيعها باطلا ، ورد العقر حينئذ عوض وطى ملك
الغير ، فلا مخالفة فيها لقاعدتي « عدم رد المعيب بالتصرف ، وعدم العقر للوطي في
الملك » على أن الموظف منه للبكر العشر ، وقد أطلق في النص والفتوى نصف العشر ،
المعتضد أولهما بالمعتبرة المستفيضة الدالة على عدم جواز رد الجارية إذا وطئت
بالعيب السابق وإنما له الأرش وفي
صحيحي محمد بن مسلم « معاذ الله أن يجعل له أجرا » قال في أولهما « سئل أحدهما
7 عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها فيجد فيها عيبا بعد ذلك ، قال : لا يردها
على صاحبها ، ولكن تقوم ما بين العيب والصحة ويرد على المبتاع معاذ الله أن يجعل
لها أجرا » وفي الآخر عن
__________________
الصادق 7 « قال : كان علي 7 لا يرد الجارية
بعيب إذا اوطئت ، ولكن يرجع بقيمة العيب ، وكان علي 7 يقول : معاذ الله أن أجعل لها أجرا ».
وفيه أنه يشبه أن
يكون اجتهادا في مقابلة النصوص والفتاوى بلا شاهد ، بل اقتصارهما على خصوص الوطء
شاهد بخلافها ، ضرورة عدم الفرق في رد الحامل من المولى بين التصرف فيه بوطئ وغيره
، لفساد البيع ، ودعوى تخصيصه لكونه الغالب في مشتري الأمة واضحة المنع كما أن
تعبير أكثر الأصحاب بجواز الرد شاهد على الخلاف أيضا ، إذ على الفرض المزبور يجب
الرد.
نعم عن نهاية
الطوسي يلزمه الرد ونحوها عن المراسم والوسيلة ، إلا أنها في جنب غيرها من إطلاق
الأصحاب وتصريحهم كالعدم ، والنصوص وإن اشتمل بعضها على الأمر بالرد إلا أنه في
مقام توهم الحظر ، لمعلومية عدم رد المعيب إذا تصرف فيه وخصوصا الجارية إذا وطئت ،
والأجر في الصحيحين للرد على بعض العامة القائلين برد الجارية غير الحبلى مع الأجر
إن وطئت ، لا أن المراد به ما يشمل العقر المزبور ، كما أن المراد بالعيب فيهما
غير الحبل ؛ بل كاد يكون صريح صحيحي ابن سنان وزرارة منها ، مع أن لا استنكار في تقييد المطلقات وتخصيص
العمومات بمثل هذه النصوص المستفيضة المعمول بها عند الأصحاب قديما وحديثا.
ومنه يعلم أنه لا
حاجة إلى ما في الدروس وغيرها من تكلف كون الفسخ هنا لورد كاشفا عن الفساد من
الأصل حينئذ ، فيكون الوطء بغير الملك ، فيتجه إعطاء العقر ، مع أن الكشف خلاف
الأصل أولا وخلاف المعهود في باقي الخيارات ثانيا ، فالتزام رد العقر وإن كان
الوطء في الملك لهذه النصوص أولى قطعا ، وقد ورد مثله في التصرية كما ستسمع ،
وإطلاق نصف العشر في النص والفتوى مشترك الإلزام ، ضرورة عدم تماميته على تقدير
كون الحمل من المولى ، كما أن الجواب عنه ـ بانصراف الحامل إلى فاقدة البكارة على
ما هو الغالب ـ مشترك بينهما.
__________________
بل ربما يجاب عنه
على المشهور ، باستثناء هذه البكارة من وطئ البكر لمكان الحمل الذي بسببه كانت
بكارتها بمنزلة العدم ؛ وإن كانت من سحق ونحوه فأرشها حينئذ على البائع على أن ذلك
إنما يتم على من أطلق ، أما من فصل بين البكر وغيرها فلا يرد عليه ذلك ، فلا ريب
حينئذ في ضعف الحمل المذكور ، مع أن المحكي عن ابن الجنيد الذي هو الأصل في الخلاف
، أنه قيد الحمل بكونه من المولى ، وهو أعم من بطلان البيع ، إذ يمكن حمله على حمل
منه بحيث لا يقتضي ذلك ، كما لو حملت من رائحة منيه مثلا قال في الدروس : « وقيد
ابن الجنيد بكون الحمل من المولى ، ويلوح من النهاية ، وحينئذ يتوجه لزوم الرد ،
للحكم ببطلان البيع ، ويتوجه وجوب العقر ؛ ولو حمل على حمل لا يلزم منه بطلان
البيع لم يلزم الرد وأشكل وجوب العقر لأنها ملكه حال الوطء ، إلا أن يقول : الرد
يفسخ العقد من أصله ، أو يكون المهر جبرا لجانب البائع كما في لبن الشاة المصراة
أو غيرها عند الشيخ ، والأخبار مطلقة في الحمل وهو الأصح » قلت : بل ما فيها من
شبه التفصيل بين عيب الحبل وغيره ، كالصريح في إرادة الحمل من غير المولى والله
أعلم.
هذا وقد ظهر لك
مما ذكرنا أنه لا ترد الأمة مع الوطء قبلا أو دبرا بغير عيب الحبل وأنها ترد به
إذا وطئت ، لكن قد يظهر من المتن وغيره اشتراط ذلك بعدم العلم بالحبل حال الوطء ،
فلو وطأها عالما لم يكن له الرد ، وبه صرح في الدروس والمحكي عن غيرها فقال : «
ولو وطئ بعد العلم بالحبل تعين الأرش ، ويظهر من التهذيب جواز الرد ، ويلزمه العشر
عقوبة وجعله محملا لرواية العشر ، وأكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم » قلت هو كذلك
إلا أنه في أسئلتها ؛ بل في صحيح ابن سنان عن الصادق 7 « قال على 7 لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، ويوضع عنها
__________________
من ثمنها » إلى
آخره ، وفي خبر زرارة عن الباقر 7 « كان على بن الحسين 8 لا يرد التي ليست بحبلى إذا وطأها » ومفهومها مطلق ، بل
خبر عبد الملك كالظاهر في الوطي مع العلم وعدم القول بما تضمنه من رد
العشر لا ينافي العمل به بالنسبة إلى ذلك ، إلا أن الحكم لما كان مخالفا للعمومات
والإطلاقات ، وجب الاقتصار فيه على المتيقن.
وهل يلحق بالوطي
مقدماته من اللمس ونحوه ، ففي الدروس « نظر من التنبيه ومن النص على إسقاطها خيار
الحيوان ولأن الوطء مجبور بالمهر بخلاف المقدمات » وفي المسالك بعد ان ذكر الوجهين
أيضا من الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النص ، ومن الأولوية واستلزامه لها
غالبا قال : « وتوقف في الدروس وله وجه إن كان وقوع تلك الأشياء على وجه الجمع
بينها وبين الوطء ، ولو اختص التصرف بها فالإلحاق به من باب مفهوم الموافقة وإن
كان استثناؤها مطلقا متوجها للملازمة ».
قلت : قد تمنع
الأولوية إذا اختص التصرف بها لا على ارادة الوطء ، بل وعلى إرادته ولم يقع ، ولا
تلازم بين العقوبتين ، أما إذا وقع فقد يقوى عدم منعها من الرد ، لفحوى الرد
بالوطي الذي يقارنه غالبا هذه المقدمات مع ترك الاستفصال.
ثم إن ظاهر نصوص
المقام وفتاواه كون الحمل عيبا في الأمة ، بل الظاهر ذلك وإن قلنا بتبعيته للمبيع
، إذا الزيادة حينئذ للمشتري من هذا الوجه لا تنافي النقيصة من آخر ، وإلا لم يجز
رد المبيع المعيب إذا كان فيه صفة أخرى لم يشترطها المشتري على البائع ، وهو مخالف
لإطلاق النصوص ، لكن قد سمعت فيما سبق ما في الدروس ، وعن الخلاف والغنية والتحرير
أنه لو حملت الأمة عند المشتري ردها بالعيب السابق دون الولد ، بل مدعيا في
الأولين الإجماع عليه ، ونحوه عن المبسوط والتذكرة إلا أنهما قيداه بما إذا لم
تنقص بذلك ، وإلا تعين له الأرش.
__________________
وفي القواعد « لو
كان المبيع غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرف ، فالأقرب أن للمشترى الرد
بالعيب السابق ، لأن الحمل زيادة » ومقتضى تعليله كون الحكم كذلك في الأمة أيضا ،
بل لو اشتراها حاملا غير عالم بذلك ، وقلنا بتبعية الحمل للمبيع كان المتجه أيضا
عدم الرد به وإطلاق النصوص حجة عليه ، بل لا يبعد كونه عيبا في الدابة فضلا عن
الأمة ، فلا يرد معه بالعيب السابق ، لحدوث العيب إذا فرض حملها في غير زمن الخيار
، كما عن فخر المحققين وأول الشهيدين في الحواشي ، والكركي لانتقاص الانتفاع بها ،
وكونها معرضا للتلف بما يخشى منه على الحامل ، بل قد يقال باندراجه في الضابط
الآتي لكن الإنصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها.
بقي شيء وهو أن
الحامل التي وطأها المشتري ولما يعلم إذا وجدها معيبة بغير الحمل أيضا فقد ينساق
إلى الذهن أنها أولى بالرد من المعيبة بالحمل خاصة ، بل إطلاق النص شامل لها ، لكن
قد يقال : إن المتجه لقاعدة الاقتصار عدم الرد بعد انسياق غير المعيبة الا بالحبل
من نصوص الرد بالوطي. ولعله لذا قال المصنف : فإن كان العيب الحبل مضافا إلى إطلاق
غير واحد من النصوص ، عدم الرد مع الوطء إذا كانت معيبة ، والمتيقن في الخروج منه
ما إذا لم تكن معيبة إلا بالحبل فتأمل جيدا.
ولو اشتبه الحمل ـ
فلم يعلم كونه عند البائع أو المشتري ، فاخرج بالقرعة بناء على ذلك وألحق بمن كان
وطأه من زوج أو غيره عند البائع ـ ففي جواز الرد نظر ، من اقتضاء اللحوق السبق ،
ومن أنه حكم شرعي لا يقتضي تنقيح عنوان فوجدها حاملا ، وقاعدة الاقتصار تقتضي
الثاني.
القول في أقسام
العيوب والضابط فيها على ما طفحت به عباراتهم مع اختلاف يسير ، بل عن مجمع البرهان
الإجماع وفي الرياض الظاهر الاتفاق
عليه أن كل ما كان
من أصل الخلقة ، فزاد أو نقص فهو عيب ، فالزيادة كالإصبع الزائدة والنقصان كفوات
عضو والأصل في ذلك ، واقعة ابن أبى ليلى مع محمد بن مسلم ، ففي الكافي عن الحسين بن
محمد عن السياري قال : « روي عن ابن أبي ليلى أنه قدم اليه رجل خصما له ، فقال؟ إن
هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا « أى العانة » وزعمت أنه
لم يكن لها قط ، فقال ابن أبى ليلى إن الناس ليحتالون إلى هذا بالحيل حتى يذهبوا
به ، فما الذي كرهت ، فقال : أيها القاضي إن كان هذا عيبا فاقض لي به ، فقال :
اصبر حتى أخرج إليك ، فإني أجد أذى في بطني ، ثم دخل وخرج من باب آخر حتى اتى محمد
بن مسلم الثقفي ، فقال له : أي شيء تروون عن أبى جعفر 7 في المرأة لا
يكون على ركبها شعرا ، يكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم : أما هذا نصا فلا
أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه : عن النبي 6 أنه قال : كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ،
قال له ابن ابى ليلى : حسبك ، ثم رجع الى القوم ، فقضى لهم بالعيب » ولا يقدح ضعف
سنده بعد الانجبار بعمل الأصحاب الذين عبر كثير منهم بلفظه ، وآخر بما يرجع اليه
من أنه الخروج عن المجرى الطبيعي لزيادة أو نقصان ، ومراد الجميع كما قيل عدم
الزيادة والنقيصة ذاتا أو صفة عن أكثر نوع ذلك المعيب.
نعم قيده الفاضل
في بعض كتبه ، بالموجب لنقصان المالية كالمحكي عن يحيى بن سعيد ، وأطلق غيره بل
صريح ثاني الشهيدين وغيره ، بأنه لا يجب أن يكون موجبا للنقص ، للإنفاق على أن
الخصي عيب مع إيجابه زيادة ، وكذا عدم الشعر على الركب ، ومن هنا اعترضه في جامع
المقاصد بأنه كان عليه أن يقيد بقوله غالبا ، ليندرج فيه الخصاء والجب ، فإنهما
يزيد ان في المالية ، مع أنهما عيبان ، فيثبت بهما الرد قطعا ، وفي الأرش إشكال.
__________________
ولعل الذي دعاه
الى التقييد بالنقص ، القطع بعدم العيب فيما لو زاد بحيث لا يعد عيبا عرفا ،
كزيادة بعض الأسنان وبعض الثالول ونحو ذلك ، بل ربما يزيد زيادة تزيد في حسنه
كالشعر في الأهداب والحواجب ، وكذا لو نقص نقيصة لا تعد عيبا عرفا كبعض الأجزاء ،
إلا أنه كان الأولى إيكال ذلك إلى العرف ، لا الاحتراز عنه ينقص المال ، لما عرفت
من أن بعض العيوب عرفا كالخصاء ونحوه لا تنقص قيمة المال ، بل لعله يغني عما في
جامع المقاصد « من أنه ينبغي أن يكون المراد بالمجرى الطبيعي ما جرت به العوائد
الغالبة ، ليندرج فيه الأمور التي ليست مخلوقة أصلا ، ليكون على نهج مقتضى الطبيعة
أم لا ، ككون الضيعة ثقيلة الخراج ومنزلة الجنود ».
قلت : إذا جعل
المدار على العرف استغنى عن ذلك كله ، ضرورة أن عيب كل شيء بحسبه ، ولا حاجة إلى
تخلف دخول نقصان الصفات كخروج المزاج عن مجراه الطبيعي ؛ مستمرا كان كالممراض ، أو
عارضا ولو كحمى يوم في الخلقة ، مع أنه يمكن دعوى غير ذلك منها ، ولا تكلف غير ذلك
، على أنه لا ظهور في الخبر في حصر العيب بذلك ، والمراد بحمى اليوم المحكي عن
التذكرة الإجماع عليه يوم البيع أو قبل القبض مثلا فضلا عن حمى الود والغب.
وقد ظهر من ذلك
كله أنه لا إشكال بل ولا خلاف في أن الجذام والبرص والجنون والعمى والعرج والقرن
والفتق والرتق والقرع والصمم والخرس وأنواع المرض والإصبع الزائد والحول والخوص
والسبل وهو زيادة الأجفان والتخنيث وهو كونه خنثى والجب والخصاء ونحوها عيوب ،
والمشهور أن بول الكثير أي الذي لا يبول مثله في العادة عيب ، خلافا للشيخ ،
واعتياد الزنا والسرقة ، بل ترك بعضهم الاعتياد ، وعن المبسوط إذا وجده سارقا كان
له الخيار إجماعا ، وفي جامع المقاصد « ظني أن الاعتياد غير شرط ، لأن الإقدام على
القبيح مرة يوجب الجرءة ، ويصير للشيطان عليه سبيل ؛ ولترتب وجوب الحد الذي لا
يؤمن معه الهلاك » وعلى هذا يكون شرب الخمر والنبيذ عيبا كما في التحرير والدروس ،
بل في الجامع أيضا « ولو حصلت التوبة الخالصة المعلوم
صدقها ، ففي
الزوال نظر » وإن كان هو كما ترى.
لكن على كل حال
فلا ريب في أن اعتياد السرقة والزنا ونحوهما من المفاسد عيوب ، أما المرة الواحدة
فيشكل ثبوت العيب بها ، وقد يحمل عليه ما عن الخلاف من أن العبد والأمة إذا وجدهما
زانيين لم يكن له الخيار ، والفسق ليس عيبا قطعا لكن مقتضى ما سمعت قد يقال : إنه
إذا كان بارتكاب الكبائر يكون عيبا ، لأنه يقتل صاحبها في الثالثة أو الرابعة كما
أنه قد يقال بعدم العيب من حيث استحقاق الحد بكل ما يوجبه ، بناء على حرمة إقامته
في هذا الزمان أو قلنا بجواره وقطعنا بعدم وقوعه ، ومنه يعلم الإشكال في عدهم
استحقاق الحد عيبا بلا خلاف كما تسمعه.
وأطلق جماعة كون
البخر والصنان عيبا ، وقيده في القواعد بما لا يقبل العلاج ، ولعل التقييد بالزائد
على المعتاد منه أولى ، إلا أنه ومع ذلك لا يخلو من إشكال في بعض افراد العبيد ،
وعن الخلاف والمبسوط أنه لا يثبت بالبخر الخيار ، وعن المختلف أنه عيب في الجارية
دون العبد ، لكن يثبت به الخيار فيه ، لأنه خارج عن الأمر الطبيعي كالعيب ، وفيه
ما لا يخفى ، ولعل ما ذكرناه من الإحالة إلى العرف يغني عن تحقيق ذلك ، كما أنه
يغني عما ذكره في القواعد ، وعن التذكرة من كون الضيعة منزل الجنود وثقيلة الخراج
عيبا ، وليس عدم الختان في الصغير والأمة والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري
بجلبه عيبا قطعا ، أما الكبير فقد صرح الفاضل والشهيد بكونه عيبا ، خلافا لما عن
المبسوط والخلاف ، ولا خلاف أجده في أن استحقاق القتل أو القطع أو غيره من أنواع
الحد والتعزير المخوف ، والاستسعاء في الدين عيب ، بل عن التذكرة الإجماع عليه في
الجملة وفي الدروس « الأقرب كونه لزنية أو أعسر أى يعمل بيساره عيب ، ويقوى ذلك في
الكفر » واستشكل في القواعد في الثاني ، وجزم بالعدم في الأول والثالث ، بل ربما
قيل إنه المشهور في الأخير ولعل من عده عيبا نظر إلى الخروج عن الطبيعي به للولادة
على الفطرة.
أما التزويج
والإحرام والصيام والحجامة والحياكة والاعتداد ومعرفة الغناء والنوح والقمار
ونحوها ، وعدم معرفة الصنائع والطبخ والخبز ونحوها فليس عيبا ، ولو ظهر تحريم إلا
أنه على المشتري بنسب أو رضاع أو مصاهرة ففي الدروس « في كونه عيبا نظر ؛ من نقص
انتفاعه ، وعدم صدق الحد عليه مع بقاء القيمة السوقية ولو كانت الأمة مستحاضة قيل
إنه عيب أيضا ، وقيل منه أيضا الحمق البين ، ونجاسة ما يحتاج تطهيره إلى مئونة أو
كان منقصا للعين وكثرة السهو والنسيان ».
وبذلك كله وغيره
يظهر لك الاحتياج إلى مراعاة العرف ، وصعوبة الاكتفاء بالخبر المزبور اللهم إلا أن
يقال لا بأس بالتعويل عليه وخروج بعض الأمور التي لا تنطبق عليه بالإجماع ونحوه ،
واحتمال أن له موضوعا شرعيا ، أو مرادا كذلك وأنه لا عبرة بالعرف كما ترى ، هذا.
وقد يقال : بعد ملاحظة اتفاقهم ظاهرا على جعل مضمون الخبر المزبور ضابطا للعيب
وعدمه ، وملاحظة عدم اندراج جملة مما ذكروا فيه الخيار للعيب فيه ، وملاحظة جملة
مما سمعته من كلماتهم المشوشة التي في بعضها ثبوت الخيار مع نفى المعيبية ، أن
الضابط المزبور للعيب الذي يثبت به الخيار ، وإن لم ينقص به قيمة المال ، كالجب
والخصاء وعدم الشعر على الركب ، وغير ذلك مما هو نقص في الخلقة أو بزيادة فيها ،
بمعنى الخروج عن مستوي الخلقة بنقصان أو زيادة ، فإنه عيب يثبت به الرد وإن زادت
قيمة المال.
وأما الزيادة التي
يزداد بها حسنا كشعر الأهداب ونحوها ، فهي من الكمال في مستوي الخلقة لا الخروج
عنها ، فلا يرد على الضابط المزبور ، أما غير ذلك من العيوب التي لا تندرج في
الضابط المزبور نحو كون القرية ثقيلة الخراج ومنزل الجنود ، وكون العبد قاتلا أو
سارقا أو نحو ذلك مما يوجب الحد والقصاص ، فمدار الخيار فيه على نقص المالية
الموجب للتضرر ، ولعل إطلاق اسم العيب عليه باعتبار اللغة ، لأنه
__________________
بها لمطلق الوصمة
، أو لأنه عيب في المعاملة باعتبار اشتمالها على الضرر ، أو غير ذلك ، بل قد يناقش
في ثبوت الأرش لجملة منها كما يفصح عنه حكمهم بثبوت الخيار في العبد الجاني ، وفي
الدار المستأجرة لو بيعت من دون ذكر أرش ، وبذلك يتم الأمر ، ويظهر لك ما في جملة
من الكلمات ، والله الهادي هذا كله فيما يعد عيبا.
وأما فوات ما لم
يكن كذلك فقد عرفت في بحث الشرائط أن كل ما مشترطه المشتري على البائع مما يسوغ ،
فأخل به أو لم يحصل يثبت به الخيار وإن لم يكن فواته عيبا ؛ كاشتراط الجعودة في
الشعر والتأشير بالشين المعجمة في الأسنان ، والزجج في الحواجب والإسلام ؛
والبكارة ومعرفة الطبخ أو غيره ، وكونها ذات لبن ، أو كون الفهد صيودا ، ولو شرط
غير المقصود ، وظهر الخلاف ولم يكن غرض يعتد به ، فلا خيار على الأقوى ، وليس منه
شرط الكفر أو الثيوبة أو كون الدابة حائلا فبانت حاملا لتعلق الأغراض بذلك ، ولو
شرطها حاملا صح ولو شرط الحلب كل يوم شيئا معلوما ، أو طحن الدابة قدرا معينا ،
ففي القواعد لم يصح.
وكيف كان فالمراد
من الخيار المزبور الرد والالتزام بلا أرش إذا لم يكن فواته عيبا كما عرفت البحث
فيه فيما تقدم ، كما أنك عرفت كون المقصود من اشتراط هذه الصفات التي لا ترجع إلى
فعل المشترط تعريض العقد للجواز إذا لم تحصل فلاحظ وتأمل جيدا كي يظهر لك جملة مما
له تعلق بالمقام. والله أعلم.
( وها هنا
مسائل )
الأولى : التصرية
تدليس إذ المراد بها جمع اللبن في الضرع أياما ليظن الجاهل بذلك أنها حلوب ، وفي
المحكي عن نهاية الأثيرية المصراة : الناقة أو البقرة
أو الشاة يصري
اللبن في ضرعها أى يجمع ويحبس ، ثم قال : أيضا قد تكررت هذه اللفظة في الأحاديث
منها قوله 7 « لا تصروا الإبل
والغنم » فان كان من الصر فهو بفتح التاء وضم الصاد وإن كان من الصري فيكون بضم
التاء وفتح الصاد وروي أيضا من اشتري مصراة فهو بخير النظرين » والمصباح المنير « صريت
الناقة ، فهي صرية من باب تعب إذا اجتمع لبنها في ضرعها ، ويتعدى بالحركة والتضعيف
مبالغة وتكثيرا فيقال : صريتها تصرية إذا تركت حلبها » والصحاح « صريت الشاة تصرية
إذا لم تحلبها أياما ؛ والشاة مصراة فلم يذكر غير الشاة » والقاموس « ناقة صريا
محفلة والصري : كربى المصراة والشاة المحفلة » انتهى وحفلت الشاة بالتثقيل ، تركت
حلبها حتى اجتمع اللبن في ضرعها فهي محفلة ، وكان الأصل حفلت لبن الشاة ، لأنه هو
المجموع فهو محفل هذا.
ولكن لم أجد هذه
اللفظة في شيء مما وصل إلينا من النصوص ، إلا ما عن الصدوق في معاني
الأخبار « عن محمد بن هارون الزنجاني عن على بن عبد العزيز عن ابى
عبد الله 7 رفعه إلى النبي 6 لا تصروا الإبل والغنم ، فإنه خداع ، ومن اشترى مصراة فإنه
يتخير بأحد النظرين ، إن شاء ردها ورد معها صاعا » وقد قيل : الظاهر أن الصدوق نقل
هذا الخبر من طريق الجمهور ، لعدم وجوده في كتب الأخبار ، بل وكذا ما عن هداية
الحر لا تصروا الإبل والغنم من اشترى مصراة فهو بأخرى النظرين إن شاء ردها ورد
معها صاعا تمرا وروي أيضا « من اشترى محفلة فليرد معها صاعا بل لم أعثر في النصوص
على
__________________
ما يفيد معناها
وإن لم يكن بهذا اللفظ ، سوى حسن الحلبي عن ابى عبد الله 7 « في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال : إن
كان في تلك الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد ؛ وإن لم يكن لها لبن فليس عليه
شيء » ولا دلالة فيه على أنها كانت مصراة ؛ وبذلك يظهر أن استناد بعض الأصحاب في
بعض أحكام التصرية إلى إطلاق النصوص انما يراد به النصوص العامية المروية في كتب
فروع الأصحاب التي قد سمعت بعضها ، وتسمع فيما يأتي الباقي.
لكن يهون الخطب
أنه لا إشكال في كونه تدليسا محرما إجماعا محصلا ومحكيا في المسالك وو غيرها كما
أنه لا إشكال في كونه في الشاة يثبت به الخيار بين الرد والإمساك بل الإجماع محصله
ومحكيه مستفيصا جدا إن لم يكن متواترا عليه ، بل في محكي الخلاف. أن أخبار الفرقة
عليه أيضا ، فذلك مضافا إلى خبر الضرار الذي هو مستند أصل الخيار في التدليس ، بعد اتفاق الأصحاب
ظاهرا كاف فيه ، ولا أرش فيه كما صرح به بعضهم ، بل الإجماع إن لم يكن محصلا فهو
محكي عليه ، مضافا إلى الأصل بعد ان لم يكن عيبا ، واندفاع الضرر بالخيار.
نعم لو كان المدلس
عيبا اتجه الأرش فيه من حيث العيب ، كما أن المتجه حينئذ تعدد جهة الخيار كما هو
واضح ، وأما أنه إذا رد الشاة يرد معها لبنها الموجود حال العقد فهو على مقتضى الضوابط
لكونه بعض المبيع ، ولذا نفى الخلاف عنه في المحكي عن كشف الرموز ، بل فخر الإسلام
الإجماع عليه ، لكن عن المبسوط « أنه إذا كان لبن التصرية باقيا لم يشرب منه شيئا
، فإن أراد رده مع الشاة لم يجبر البائع عليه ، وإن قلنا أنه يجبر عليه لأنه عين
ماله كان قويا » بل في المختلف « عن ابن البراج الجزم بأنه لا يجبر على أخذه ، وأن
له أخذ الصاع من التمر أو البر ، فإن تعذر فقيمته
__________________
وإن بلغت قيمة
الشاة ، بل عن المهذب البارع أن فيه أقوالا ثلاثة ، الأول رده ، والثاني رده ورد
صاع معه من حنطة أو تمر ، ونسبه إلى أبى على ، الثالث أنه يرد صاعا من بر ونسبه
إلى القاضي في المهذب وإن كان فيه أن المحكي عن أبى علي في المختلف
أنه قال : حكم النبي 6 في المصراة إذا أكرهها المشتري فردها بأن يرد معها عوضا
عما حلب منها صاعا من حنطة أو تمر ، وقد سمعت ما حكاه فيه عن ابن البراج ، وتنزيل
هذه على صورة التعذر لا يخلو من بعد ، ولعل مستندها إطلاق النصوص العامية ، وفيه ـ
مع أنه لا تعرض فيها للبن الموجود حال العقد ، بل يمكن بناء إطلاقها على الغالب من
تلفه ، وأن الصاع عوضا كما سمعته من مرسل أبى على ـ لا جابر لها
بالنسبة إلى ذلك فالقول حينئذ برد الصاع عوضا عنه وإن كان موجودا أو رده معه ، كما
ترى ، بل المتجه رد اللبن نفسه من دون شيء لأصالة البراءة ، وليس للبائع حينئذ
عدم قبوله والمطالبة بالصاع كما هو واضح.
أما لو تلف فقد
قال المصنف : إنه يرد معها مثل لبنها ، أو قيمته مع التعذر وهو المشهور بين
المتأخرين ، بل عن ظاهر مجمع البرهان الإجماع عليه ، لأن اللبن من المثلي فمع تلفه
ووجوب رده يضمن بمثله ، كما في غيره ، ومع تعذر المثل ينتقل إلى القيمة ، لأنها
أقرب حينئذ إلى العين ؛ وبالجملة فحكمه حكم المثليات ، فلا ينبغي إطالة الكلام في
ذكر أحكامها هنا ، خلافا للإسكافي والشيخ والقاضي وأبى المكارم وابن سعيد على ما
حكي عن بعضهم ، فيرد صاعا من تمر أو بر ، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة
وأخبارهم ، كما في الغنية الإجماع عليه أيضا.
وقيل كما عن الشيخ
بل في التحرير أنه نسبه إلى جماعة ولم نجد واحدا منهم ، ولعله من العامة يرد ثلاثة
أمداد من طعام إلا أنه لم نجد له شاهدا سوى حسن الحلبي المتقدم الذي قد
عرفت عدم الدلالة فيه على التصرية ، مع أنه معارض بأدلة
__________________
الطرفين كما أنه
لم نجد لسابقه شاهدا بعد الإجماعين الموهونين ، بخلاف المتأخرين ، بل قيل والشيخ
في النهاية سوى الجمع بين خبري أبي هريرة وعبد الله بن عمر اللذين مع في إطلاقهما من المخالفة كما عرفت لا جابر لهما
في المقام سوى الإجماع المزبور الذي قد عرفت حاله ، ويمكن حملهما على التراضي بكون
ذلك قيمة له. هذا كله في اللبن الموجود حال العقد.
أما المتجدد فقد
يظهر من المتن مساواة حكمه للموجود ، بل قيل إنه ظاهر المقنعة والنهاية والسرائر
والتحرير والمفاتيح أو صريحهما وصريح اللمعة وإيضاح النافع ، بل عن الفخر نسبته
إلى إطلاق الأصحاب كما عن الأردبيلي أنه ظاهر عبارات المتون ، وقد استشكل فيه
جماعة ، لكن لم أجد ما يقتضي مخالفة قاعدة كون النماء للمالك التي قد عرفت عدم
الكلام فيها في سائر مباحث الخيار وغيره ، سوى دعوى إطلاق الأخبار العامية التي
ليس في شيء منها تعرض للبن الموجود والمتجدد ودعوى أن الفسخ رافع للعقد من أصله
المخالفة للقواعد أيضا ولما عليه الأصحاب في غير المقام أيضا.
فقد ظهر لك من ذلك
أن المشهور أقوى فحينئذ ، إذا امتزج مع الموجود حال العقد ، اشتركا بالسوية إذا لم
يعلم زيادة أحدهما على الآخر ، وإلا اصطلحا ولو تعيب اللبن المبيع عنده ، وجب رده
مع الأرش كما في القواعد والدروس وجامع المقاصد والروضة والمسالك ، لكونه مضمونا
عليه ، إذ هو جزء المبيع ، وربما احتمل رده مجانا والانتقال إلى البدل وهما معا
ضعيفان.
نعم قد يتجه
أولهما إذا كان لا من قبل المشتري ، باعتبار أن العيب في مدة الخيار مضمون على
البائع إذا فرض بقاء خيار الحيوان في الشاة المصراة ، وأنه لا يسقط بالاختيار ،
ومثله يجري في التلف الذي قد ذكرنا ضمانه بالمثل ومع التعذر بالقيمة. فينبغي
تقييده بما إذا كان من قبل المشتري ، وإلا فلا ضمان عليه كغيره مما تلف في
__________________
زمن الخيار ، ولو
اتخذ اللبن جبنا أو سمنا ففي الدروس « الظاهر أنه كالتالف » وفيه أن عين المال
موجودة ، فالمتجه حينئذ ردها إليه ، وإن استحق المشتري عليه الأجرة.
لكن فيها أيضا إنه
على تقدير الرد له ما زاد بالعمل ، ووافقه ثاني الشهيدين مصرحا بصيرورته معه شريكا
بنسبة الزيادة ، ولعل ما ذكرناه أولى ، ضرورة احتياج ما ذكره إلى الدليل وليس ، بل
لعل الدليل على خلافه قائم ، ولو تحفلت الشاة بنفسها لنسيان المالك حلبها أو غيره
ففي القواعد وغيرها أنه لا خيار له ؛ ولعله لانتفاء التدليس ، والأصل اللزوم ، وقد
يقوى ثبوته ، لأن ضرر المشتري لا يختلف ، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيبا لم
يعلمه البائع ، والله أعلم.
وكيف كان فـ (
تختبر المصراة للعلم بتصريتها ) التي لم يقربها البائع ولا قامت بها البينة بثلاثة
أيام كما في القواعد والتذكرة واللمعة والإرشاد ، فإنها غالبا بها ينكشف حالها وأنها
مصراة أو لا؟ بل أغلب أحوال عيوب الحيوان تنكشف فيها ، فضلا عن التصرية ، ولذا وضع
الشارع إرفاقا بالمشتري ثلاثة أيام للخيار فيه ؛ ولعل إطلاق المصنف ومن عبر
كعبارته ظاهر في عدم تحديد الاختيار فيها بحد مخصوص ؛ فربما كانت معرفتها مصراة ،
متوقفة على النقصان عن الحلبة الاولى في تمام الثلاثة ، وربما كانت بأقل من ذلك ،
كما أن معرفة عدم تصريتها تارة يحصل بمساواة حلبها في الثلاثة للأولى أو زيادته ،
وأخرى بأقل من ذلك ، فالمراد أن الثلاثة حينئذ غالبا بها ينكشف الحال ، ويرتفع
الإجمال ، وإلا فقد تعرف التصرية أو عدمها قبل الثلاثة. وإليه أومى الشهيد في
المحكي عن غاية المراد قال : « إن التحديد بالثلاثة في النص لمصلحته ، لتجويز أن
تحلب في اليومين حلبا متساويا ثم تنقص عنه في الثالث ، فإنه يثبت له الخيار » وقال
في المسالك : « إن اتفقت الحلبات في الثلاثة ، أو كان ما عدا الأولى أزيد لم تكن
مصراة ، وإلا بأن كانت ما عدا الأولى أقل فهي مصراة ، وكذا لو
كان يعضها ناقصا
والآخر زائدا » وقال في الدروس : « وتثبت باعتراف البائع ونقص حلبها في الثلاثة عن
الحلب الأول ، فلو تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار ، ولو زادت
بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار » فإنه مع تعليق الظرف الأخير فيه بزادت يكون
ظاهرا في ثبوتها قبل انقضاء الثلاثة ، بل هو ظاهر ما تسمعه من عبارة المصنف
والقواعد وغيرهما ، إذ حملهما على خصوص الإقرار أو البينة خلاف الظاهر.
بل لعله على ذلك
يحمل ما في التذكرة قال : « وتختبر التصرية بثلاثة أيام ، ويمتد الخيار بامتدادها
، كما في الحيوانات للخبر ، لأن الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية ، فإنه لا
يعرف ذلك قبل مضيها لجواز استناد كثرة اللبن إلى الأمكنة فإنها تتغير ، أو إلى
اختلاف العلف ، فإذا مضت ثلاثة أيام ظهر ذلك ، فيثبت الخيار حينئذ على الفور ، ولا
يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها ، لعدم العلم بالتصرية.
لكن في جامع
المقاصد استظهر من نحو عبارة الكتاب اعتبار استمرار النقصان إلى الثالث بل جعله
صريح التذكرة ، ثم قال : « وهل يعتبر نقصان اليوم وحده؟ أى عند العلامة في التذكرة
تعليله بإمكان زيادة اللبن حيث زاد لاختلاف الأمكنة والمرعي يقضى بعدم اعتباره ،
لأن ظاهر هذه أنه لا بد من التكرار ، ليوثق بكون النقصان لا لأمر عارض ، وقوله
بعدم الثبوت قبلها لأنها هي المدة المضروبة ، وقد يقتضي الثبوت بالنقصان في اليوم
الثالث ».
قلت : قد عرفت أن
التحقيق عدم انضباط ذلك ، إلا أن الغالب انكشاف حالها في ضمن الثلاثة ، ومنه يعلم
ما في جامع المقاصد من الميل إلى النقصان في الثلاثة مطلقا مثبت للتصرية ، مدعيا
أن المفهوم من النص وإطلاق كلامهم أن نقصان اللبن في جزء من الثلاثة موجب للخيار ،
إذ هو واضح المنع ، بل لا يبعد عدم انحصار معرفتها بالثلاثة ، إذ ربما عرض لها
فيها ما يمتنع معه معرفة التصرية ، ولعل إطلاق كلام الأصحاب مبني على الغالب ، قال
في التذكرة « لو عرفت التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ، فالأقرب ثبوت
الخيار ، لانه عيب
سابق ، والتنصيص على الثلاثة لمكان الغالب ، بل قيل : إن ظاهر المقنعة والنهاية
والسرائر والغنية والمفاتيح عدم اعتبار الثلاثة ، لعدم ذكرهم لها فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد قيل
: إنه ـ بناء على عدم اشتراط استمرار النقصان ـ ينحصر معرفة التصرية بالاختبار ،
إذ لا أثر للبينة والإقرار ما لم يتحقق النقصان ، لأنه هو الموجب للتخيير ، ضرورة
سقوط الخيار لو رد اللبن بعد التصرية هبة من الله تعالى على وجه صار لها عادة مثلا
، وإذا تحقق النقصان لم يكن لهما أثر ، للاكتفاء به حينئذ عنهما في ثبوته.
أما على اشتراط
الاستمرار ، فيمكن القول بثبوتها بهما إذا اقترن بنقصان ما ، وإن كان بدونهما لا
بد من الاستمرار ، وفيه أنه يمكن القول بثبوتها بهما على الأول من غير حاجة إلى
تحقق نقصان ، فيفسخ حينئذ بذلك ، بناء على أصالة عدم تغير حالها ، وان كان ينكشف
عدم اثر الفسخ لو أنفق صيرورة ذلك عادة لها ، فإنه حينئذ مانع من صحة الفسخ ، لا
أن النقصان شرط له ، وفرق واضح بين الأمرين ، على أنه يمكن المناقشة في الاكتفاء
بنقصان ما ، بثبوتهما بعد ان كان ذلك غير مثبت لها بنفسه ، لاحتمال كونه من عارض
العلف ونحوه ، فهو أعم منه ، وربما كان ما في التحرير مبنيا على ما ذكرنا قال : «
لو علم بالتصرية قبل حلبها ، إما بالإقرار أو بالبينة ردها من غير شيء » إذ لم
يقيده باشتراط النقصان ، ونحوه ما تسمعه من عبارة التذكرة. فتأمل جيدا ، فإنه بذلك
يظهر لك ما في كلام بعض الأساطين ، منهم الشهيد الثاني في المسالك ، وإن كان يمكن
تنزيله بتكلف على ما ذكرنا. والأمر في ذلك كله سهل.
إنما الكلام في
أمور بها ينكشف جملة من كلمات الأصحاب ، الأول أن المصراة التي أريد معرفة تصريتها
بالاختبار يبقى فيها خيار الحيوان لكونها أحد أفراده ، أو أنه يسقط بالتصرف الذي
هو اختبار التصرية ، قد يظهر من عبارة التذكرة السابقة الأول ، بل هو أيضا ظاهر
التحرير ، قال « فيه مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوان ، ويثبت
على الفور ولا يسقط بالتصرف ، ولا يثبت قبل انقضاء الثلاثة على إشكال » بل وكذا ما
عن المبسوط والخلاف من أن مدة الخيار فيها ثلاثة أيام مثلها في سائر الحيوان ،
مستدلا في الثاني
منهما على ذلك
بإجماع الفرقة على ثبوت الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط وهذا داخل في
ذلك.
قال : وخبر أبي
هريرة وابن عمر صريح في ذلك مشيرا به إلى ما رووه من قوله 7 من اشترى شاة
مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ؛ وصاعا من تمر وفي
الآخر أو بر بل قد يظهر منهما من الكتابين الأخيرين أنه لا خيار من حيث التصرية ،
وإنما هو خيار الحيوان ، ـ وخصوصية التصرية حينئذ عدم سقوط خيار الحيوان باختبارها
، ولعله إليه أومى في الدروس بقوله « يتقيد الخيار بالثلاثة لمكان خيار الحيوان »
صرح به الشيخ ومن هنا احتاج بعض متأخر الأصحاب إلى ذكر الفرق هنا بين خيار الحيوان
والتصرية ، فقال إن خيارها بعد الثلاثة إذا كان ثبوتها بالاختبار بخلافه ، فإنها
فيها وان ثبتت قبل ثلاثة بالإقرار مثلا وقلنا بفوريته كان هو الفارق حينئذ بينهما
، وإلا لم يتقيد بالثلاثة ، على أنه لا مانع من تعدد الأسباب ، وتظهر الثمرة حينئذ
بالإسقاط ونحوه ، وهو جيد ، إذا احتمال عدم الخيار بالتصرية بعد ما سمعت من
الإجماعات السابقة وأنه تدليس وغير ذلك مما دل على الخيار من هذه الحيثية كما ترى
بل ينافيه إطلاق الاختبار ثلاثة ، ضرورة أنه لا يجامعها حيث لا تثبت بدونه ،
والحكم بكونه يتخير في آخر جزء منها يوجب المجاز في الثلاثة ، بل قد يقال : بسقوط
خيار الحيوان إن لم ينعقد إجماع علي خلافه ، وبقاؤه من حيث التصرية ، بناء على
سقوطه بمثل هذا التصرف ، إذ استثناؤه من بين التصرفات لا دليل معتد به عليه ،
خصوصا مع شرب اللبن الموجود حال العقد الذي هو بعض المبيع ، خلافا لجامع المقاصد
حيث قال : « والذي ينبغي علمه هنا هو امتداد الخيار بامتداد الثلاثة ، لأنه خيار
الحيوان كما صرح به الشيخ ، وتصرف الاختبار مستثنى دون غيره فمتى علم بالتصرية
فشرط بقاء الخيار عدم التصرف ، فإذا انقضت الثلاثة فالخيار على الفور » وفيه ما لا
يخفى بعد الإحاطة
__________________
بما مضى ويأتي.
نعم لا يسقط خيار
التصرية باختبارها بشرب اللبن ، للإجماع وغيره ، لا مطلق الخيار ، ولذا لو كان
فيها عيب واختبر تصريتها لم يكن له الرد بذلك العيب ، وكان له الأرش خاصة ، ومن
هنا قال في الدروس « لو رضي بالتصرية فوجد بها عيبا قبل الحلب فله ردها ، عند
الشيخ مع الصاع ، ولو حلبها غير مصراة ثم اطلع على العيب فله ردها عنده ، إن كان
اللبن باقيا والا فلا ، لتلف بعض المبيع ، أما اللبن الحادث فله ، ولا يمنع حلبه
من الرد ، ومنع الفاضل من الرد في الصورة الأخيرة ، لمكان التصرف ويحتمل المنع في
الأول أيضا لأن الحلب إنما يغتفر في الرد بالتصرية وعلي كل حال فالمتجه حينئذ
استقلال خيار التصرية عن خيار الحيوان.
الثاني ـ الظاهر
عدم مدة مخصوصة لهذا الخيار للأصل السالم عن المعارض ، إلا الخبر العامي السابق الذي لم
يجمع شرائط الحجية بالنسبة إلى ذلك ، لكن في التذكرة لو عرف التصرية قبل الثلاثة
أيام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت به الخيار إلى تمام الثلاثة لأنه كغيره
من الحيوان ، أما لو أسقط خيار الحيوان فإن خيار التصرية لا يسقط ، وهل يمتد إلى
الثلاثة أو يكون على الفور إشكال ، وللشافعية وجهان ، وفيه ما عرفت وإليه أومى في
الدروس « فإنه قال بعد العبارة السابقة آنفا : وروى العامة الثلاثة ؛ لمكان
التصرية ، ويظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان.
نعم يتجه في هذا
الخيار البحث في أنه على الفور أو التراخي كغيره من الخيارات التي لم يظهر من
الأدلة المخصوصة توسعته بالخصوص ، وقد قدمنا سابقا أن القول بالتراخي ما لم يؤد
إلى الضرر على البائع ، لا يخلو من قوة ، وقد يظهر من عبارة التذكرة السابقة
وغيرها التفصيل هنا بين ثبوته في ثلاثة الحيوان أو ثبوته بعدها ، ففي الأول يمتد
إلى انتهائه ، وفي الثاني على الفور ، واليه أومى في الدروس بقوله « هذا الخيار
على الفور
__________________
إذا علم به ،
والظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إن كانت ثابتة ، وإلا فمن حين العلم وكأنه بناه
على أن منشأ الفور الاقتصار على المتيقن في مخالفة ما يقتضي لزوم العقد ، أما إذا
كان جائزا كما في الفرض فلا مقتضى للفور ، وفيه أن التوسعة من جهة أخرى لا تقتضي
التوسعة من غير تلك الجهة كما هو واضح ، فالمتجه حينئذ فوريته بناء عليها وإن كان
في الثلاثة ، فان لم يفعل سقط ، وإن بقي الخيار من الجهة الأخرى وستسمع ما في
القواعد.
الثالث : قد ظهر
لك مما ذكرنا أنه تثبت الخيار متى تثبت التصرية ، ولا يتوقف على مضي الثلاثة ، وما
في التحرير من أنه لا تثبت قبل انقضاء الثلاثة علي إشكال ، يمكن أن يكون مبنيا على
إمكان ثبوت التصرية قبلها وعدمه ، لا أنه يشترط مضى الثلاثة ، وإن عرف التصرية ،
ولذا صرح فيه قبل ذلك بأنه لو علم بالتصرية قبل الحلب بالإقرار أو البينة ردها من
غير شيء وقال في القواعد « ولو كان المشتري عالما بالتصرية فلا خيار ، ولو علم
بها قبل الثلاثة تخير على الفور.
لكن في الدروس «
لو علم المشتري بالتصرية فلا خيار بها ، ولو علم بها بعد العقد قبل الحلب تخير ،
قاله الفاضل مع توقفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلبها » قلت لعل وجهه ما عرفت
، وقد تلخص من جميع ما ذكرناه ان خيار التصرية يستقل عن خيار الحيوان ، ولا مدة له
، بل هو على البحث في نظائره أنه على الفور أو التراخي ، من غير فرق بين الثلاثة
وما بعده ، وأن الاختبار المذكور لا دليل شرعا عليه حتى يترتب الحكم على إطلاقه ،
بل هو يبين على نحو غيره من الموضوعات العرفية ، فلا يتقيد بالثلاثة ، وخصوصا مع
إرادة النقصان في جزء منها المحتمل كونه للمكان أو للمرعى أو غيرهما ، وبذلك مضافا
إلى ما سمعته في مطاوي البحث ، يظهر لك النظر في جملة من كلمات الأصحاب كالشيخ
والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فقد ظهر
أن الخيار في التصرية مخالف لقاعدة السقوط بالتصرف
المتلف لبعض
المبيع وغير ذلك ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، ومن هنا قال المصنف وتثبت
التصرية في الشاة قطعا وإجماعا بقسميه ونصوصا منجبرة بالعمل وإن كانت عامية وأما في الناقة والبقرة فـ (
على تردد ) لما عرفت من الاقتصار على المتيقن حيث لا نص من طرقنا يشملها ، إلا أن
المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا إلحاقهما بها ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع
عليه ، بل قيل أن الإجماع يلوح أيضا من السرائر والتذكرة ، بل قد سمعت ما يدل عليه
في الإبل من النصوص العامية المتجه بعدم القول بالفصل بينها وبين البقر ، مضافا إلى
دعوى المساواة لها في العلة الموجبة للخيار ، وهي كون اللبن مقصودا مع التدليس ،
وإلى التعليل في الخبر بأنه خداع والى خبر الضرار إلا أن الانصاف إن لم يتم الإجماع ، عدم خلو الإلحاق بعد ،
بحيث يثبت لهما ما سمعته من أحكام التصرية من إشكال ، لعدم اقتضاء جملة مما ذكرنا
ذلك نعم ينبغي الجزم به من حيث التدليس إذا كان اللبن هو المقصود ، أو بعضه بل ومع
الإطلاق ، لأن لبنهما مما يقصد.
ولو صرى أمة لم
يثبت الخيار مع إطلاق العقد لعدم النص مضافا إلى شهرة الأصحاب ، بل عن كشف الرموز
وظاهر السرائر والتذكرة وغيرهما الإجماع على عدم ثبوت التصرية في غير الثلاثة.
نعم له الخيار مع
الشرط كما في المسالك لكن قال « إن لم يتصرف ولو بالحلب وإلا فالأرش » وفيه انه لا
أرش للشرط إذا لم يكن فقده عيبا ، كما أن الخيار لفقد الشرط لا يسقط بالتصرف ، كما
هو ظاهر المتن هنا ، على ما اعترف به في المسالك ، كما أن
__________________
القول بثبوت
الخيار فيها للتدليس حيث يكون المقصود لبنها متجه وإن لم يثبت لها أحكام التصرية ،
وإليه يرجع ما عن تعليق الإرشاد ، من أنه ان أريد بثبوت الخيار فيها لو ثبت
تصريتها فهو متجه ، وان أريد ثبوت الخيار مع التصرف وكون الثلاثة محلا لثبوته
بنقصان اللبن فيها فهو خلاف الأصل ، ولم يثبت بنص ولا إجماع ، بل وما في الدروس
قال « ومن التدليس التصرية في الشاة والناقة والبقرة على الأصح ، ونقل فيه الشيخ
الإجماع ، وطرد ابن الجنيد الحكم في الحيوان الآدمي وغيره » وليس بذلك البعيد ،
للتدليس إذ الظاهر إرادة ثبوت الخيار بذلك ، لا ثبوت الأحكام التصرية ومن هنا قال
بعد ذلك : « لو قلنا بقول ابن الجنيد في تصرية الآدمية ، والأتان وفقد اللبن لم
يجب البر والتمر ولو أوجبناه في الشاة والبقرة لعدم النص ، وعدم الانتفاع به فيما
ينتفع بلبن المنصوص ، فمراده ثبوت حكم التدليس على الظاهر ، وإلا كان محلا للنظر ؛
بل لا يبعد إلحاق حبس ماء القناة والرحى وإرساله عند البيع والإجارة حتى تخيل
المشتري كثرته بالتصرية من حيث الخيار ، كما صرح به في الدروس ومحكي التذكرة ضرورة
كونه تدليسا موجبا له كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده ، وإرسال الزنبور في
وجهها فيظنها للمشترى أنها سمينة وكذا البحث فيما لو صرى البائع أتانا بفتح الهمزة
أى حماره لاشتراكها مع الأمة في جميع ما ذكرناه حتى في الإجماع المحكي على نفى
التصرية فيها.
ولو زالت تصرية
الشاة الثابتة بالإقرار أو البينة أو بالاختبار بناء على ما قد مناه من إمكان
ثبوته وصار ذلك عادة قبل انقضاء ثلاثة أيام هبة من الله تعالى بحيث علم صيرورة ذلك
عادة لها سقط الخيار لانتفاء الضرر الذي أوجبه ، وإطلاق الخيار بها في النصوص
العامية منزل على الغالب ، فالقول به حينئذ ضعيف جدا إذ هو حينئذ من قبيل بعض
العيوب السريعة الزوال.
وأما لو زالت بعد
ذلك أي الثلاثة لم يسقط الخيار لحصول موجبه فيستصحب ، والمراد ببقائه حينئذ بناء
على فوريته استمرار صحة الفسخ ، وإن تحقق الزوال بعد ذلك ، بمعنى أن الزيادة
المتجددة لا تكون كاشفة عن بطلانه ، ولا مبطلة له ، إذ المراد بالنسبة إلى خصوص
جاهل الفورية ، والخيار بناء على عدم سقوطه معه هذا ، وقد أشكل على بعضهم إطلاق
العبارة وما ماثلها زوال التصرية قبل ثلثة ، بناء على عدم معرفتها إلا بمضي
الثلاثة ، فحمل العبارة على خصوص معرفتها بالإقرار والبينة ، فإنه يتصور حينئذ
فيها ثبوت التصرية وزوالها ، وإن قلنا بتوقف الثبوت بهما ، أي الإقرار والبينة على
نقصان ما إذ يكفي حينئذ نقصان الحلبة الأولى ، لكن بناء على الفورية فيه حتى في
الثلاثة يجب إرادة عدم استمرار صحته من السقوط في المتن ، بمعنى أنه ينكشف بذلك
عدم الخيار ، أو أنه يبطل به ، أو أن المراد علم بهما بعد زوالها ، فإنه يسقط
حينئذ كما يسقط الخيار بالعيب القديم ، إذا علم به بعد زواله ، وكذا لو لم تعلم
الأمة بالعتق حتى عتق زوجها.
لكن لا يخفى عليك
ما في حمل العبارة على ذلك من الخفاء ، بل حملها على ما ذكرنا من أنه يمكن ثبوت
التصرية وزوالها في الثلاثة بالاختبار أيضا أولى ، إلا أنه قد يشكل بأنه لا دليل
حينئذ على سقوط الخيار ، الثابت سببه بمجرد الزوال في الثلاثة بخلاف ما بعد وإن قل
، ويمكن حمل العبارة علي إرادة زوال التصرية بأن صار ذلك عادة لها أى صريت فلم
تنقص أبدا ، ويكون المراد حينئذ بسقوط الخيار عدم ثبوته من أصله ، وكيف كان فالأمر
في ذلك سهل بعد وضوح الحكم مما ذكرناه سابقا على كل تقدير.
ولو ماتت الشاة
المصراة أو الأمة المدلسة ففي القواعد وعن غيرها فلا شيء له لامتناع الرد بالموت
والأرش بعدم العيب ، وقد يشكل بإمكان الفسخ ودفع القيمة خصوصا بعد ما ذكره هو من
بقاء الخيار فالمبيع الذي كذب في الإخبار عن رأس ماله ،
إذ لا فرق بين
المقامين على الظاهر ، وقد تقدم في الأبحاث السابقة في الخيار ما يؤكد ذلك فلاحظ
وتأمل فإنه قد تقدم لنا في خيار الغبن ما يقتضي أن الأصل اعتبار وجود العين في
الخيار ، إلا ما خرج ، ولعله لظهور التخيير بين الرد والإمساك في ذلك.
لكن قد يقال هنا
أن الخيار إنما هو في العقد ورد العين ، إنما هو من توابعه ، وحكمها في كل مقام
يراد منه الرد ، الانتقال للمثل أو القيمة ، وأولى من ذلك ما لو تعيبت عنده قبل
علمه بالتدليس ، لكنه قال في القواعد : « إنه لا شيء له أيضا ». وعلله في جامع
المقاصد بالاقتصار على موضوع الوفاق ، وبأن هذا العيب من ضمان المشتري ، بل قال :
« إن التقييد بقبلية علمه غير ظاهر ، لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك ، إلا
أن يقال إنه غير مضمون عليه ، الآن لثبوت خياره » قلت : التعليلان الأولان معا كما
ترى ، إذ لا دليل على أن حدوث العيب مانع من الرد في غير المعيب.
نعم ما ذكره من
التعليل أخيرا جيد وإن كان هو غير موافق لما أسلفناه سابقا ، لكن منه ينقدح أن عدم
سقوط خيار التصرية بالاختبار لتقدمه على حصول سببه ، فلا ينافي حينئذ ما دل على
سقوط الخيار بالتصرف ، ضرورة ظهوره فيما كان منه بعد ثبوت الخيار ، خصوصا إذا قلنا
بذلك لدلالته على الرضا ، بل قد ينقدح من ذلك أن أحكام التصرية على القاعدة ،
وأنها فرد من خيار التدليس والله أعلم.
المسألة الثانية :
الثيبوبة ليست عيبا في الإماء كما هو صريح جماعة ، ومقتضى نفى الخيار به وحصر
العيوب في غيره من آخرين ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن كشف الرموز لا خلاف
، بين الأصحاب في أن الثيبوبة ليست عيبا يوجب الرد ، وإنما اختلفت عباراتهم في
اشتراط البكارة ، وفي التحرير لا نعلم خلافا في أن الثيبوبة ليست عيبا ؛ وعن إيضاح
النافع أن عليه الفتوى ، لأن البكارة صفة كمال بالنسبة الى غير العاجز وليست عيبا
، ونسبه أيضا إلى الأصحاب ، وفي المسالك أطلق الأصحاب ، والأكثر من غيرهم أن
الثيبوبة ليست عيبا ولعله لأصالة اللزوم بعد غلبة ذلك فيهن ، وصيرورته
بمنزلة الخلقة
الأصلية ، وإن كانت عارضة إذ قل ما يوجد فيهن الأبكار ، فلا اغترار بأصالة السلامة
التي هي بمعنى الغلبة ، بل قد عرفت أن خبر محمد بن مسلم المشتمل على
تعريف العيب مداره الزيادة والنقيصة على أصل خلقة أغلب ذلك النوع ، لا أقل من الشك
، مع انه لا جابر له في خصوص المقام ، مضافا إلى خبر سماعة « سألته عن رجل
باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك ، قال : لا ترد عليه ، ولا يجب عليه ، شيء
إنه قد يكون تذهب في حال مرض أوامر يصيبها » المنجبر بما سمعت.
لكن قد يقال :
بمنع عدم صدق العيب عرفا بعد إن كانت البكارة مقتضى الطبيعة والخلقة الأصلية ، في
جميع النوع ، وغلبة العروض في خصوص المجلوب منها لا ينافي ذلك ، كما أن خبر سماعة
ـ مع أنه ظاهر في الشرط الذي ستسمع شهرة الأصحاب إن لم يكن إجماعهم على ثبوت
الخيار له ؛ ولذا حملوه على الجهل بكونها عند البائع ؛ لغلبة زوالها بالعوارض ، بل
ربما كان التعليل فيه ألصق بهذا من غيره ، ومعارض لخبر يونس ومحتمل لكون عدم
الرد للتصرف فيكون المنفي فيه عدم شيء مخصوص من العشر ونحوه ، لا الأرش ـ لا
دلالة فيه على عدم العيب ، ضرورة إمكان كون عدم الرد به للغلبة التي تصيره كالعيب
الذي أقدم عليه المشتري أو تبرأ منه البائع ؛ وأنه بها يرتفع الاغترار بأصل
السلامة ؛ ولا ينزل إطلاق العقد على السالم فيبقى حينئذ أصل اللزوم بحاله.
ويمكن تنزيل كلام
الأصحاب على ذلك ، بإرادة نفى العيب الموجب للرد والأرش ، كما سمعته من معقد نفى
خلاف كشف الرموز ، ويؤيده ما تسمعه من أن المشهور ثبوت الأرش مع الشرط ، ولو لا
أنه عيب ، لم يتجه ذلك ، بناء على ما عرفت من عدم توزيع الثمن على الشرائط ،
واحتمال أنه لخبر يونس الاتى لا لأنه عيب كما ترى.
__________________
ومنه حينئذ ينقدح
دلالة خبر يونس الاتى على المطلوب ، كما أنه ينقدح مما ذكرنا كون المدار حينئذ في
عدم ترتب حكم العيب عليه الغلبة المزبورة ، فمع فرض انتفائها كما في الصغيرة
والإماء المستولدة في بلاد الإسلام ونحو ذلك ، يتجه حينئذ ترتب حكم العيب عليه بل
المتجه بناء على ما ذكرنا أيضا لزوم البيع لو عرض الثيبوبة عند المشتري بغير تصرف
منه ، لأنه من حدوث العيب المانع من الرد المعين ، للأرش إلى غير ذلك.
بل قد يظهر لك مما
عن مهذب القاضي كونه عيبا مطلقا ، قال : « إذا لم يشترط الثيبوبة ولا البكارة
فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار ، وكان له الأرش إذا الأرش لا يكون إلا للعيب »
ولعل عدم الخيار حينئذ لتصرفه بها ، إذا الغالب معرفة ذلك بالوطي فيكون حينئذ عنده
عيبا ، ومال إليه المقداد مطلقا ، واحتمله الشهيدان ، بل مال إليه ثانيهما وبعض من
تأخر عنه في الصغيرة ، والتحقيق ما عرفت من أن المدار على الغلبة المزبورة.
نعم لو شرط
البكارة فكانت ثيبا كان له الرد مطلقا ان ثبت أنها كانت ثيبا عند البائع كما هو
مقتضى تخلف كل شرط ، مضافا إلى ما عرفت من أنه عيب عندنا ، إلا أنه منع من ترتب
مقتضاه حال عدم الشرط ، الغلبة المزبورة ، أما معه فيترتب عليه حكمه مع أنه لا أجد
خلافا بين الأصحاب في الخيار مع الشرط ، إلا ما يحكى عن النهاية من اشترى جارية
على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا الرجوع على البائع بشيء من الأرش
، لأن ذلك قد يذهب من العلة والتروه ونحوه عن الكامل ويمكن إرادتهما غير صورة
الشرط على معنى شرائها بتخيل البكارة ، وأظهر من ذلك إرادتهما ما لو جهل بكونها
عند البائع ، كما يومي إليه التعليل.
والخلاف إذا اشترى
جارية على أنها بكر فكانت ثيبا ، روى أصحابنا أنه ليس له الرد وهو مع أنه غير
مخالف ، يمكن ارادته غير صورة الشرط ، وأنه تصرف فيها ، والمبسوط إن شرط أن تكون
بكرا فخرجت ثيبا روى أصحابنا أن ليس له الخيار وله الأرش ، ونحوه
عن مهذب القاضي
والاستبصار بل قيل : أنه اختاره ابن إدريس أولا ثم عدل عنه ، وقد يريدون حال
التصرف.
والتذكرة قال :
أصحابنا إذا اشتراها على أنها بكر فكانت ثيبا لم يكن له الرد ، لما رواه سماعة وساق الخبر
المتقدم ، وقد يحتمل أيضا ما عرفت.
وعلى كل حال فلا
إشكال في ثبوت الخيار بل لا إشكال في أن له الأرش إذا اختار الإمساك كما نسبه في
الدروس والمسالك إلى المشهور ، بل لعل عدم ذكره في المتن ونحوه لا لعدم ثبوته ، بل
لأنه في معرض ثبوت أصل الخيار.
ولا يشكل بأن
الثمن لا يوزع على الشرائط ، لما عرفت من أن الأرش من حيث كونه عيبا لا من حيث أنه
شرط ، مضافا إلى خبر يونس « في رحل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال
: يرد عليه فضل القيمة ، إذا علم أنه صادق » بناء على حمله على صورة الشرط وعلم
سبق ذلك قبل البيع بالبينة ، أو الإقرار أو قرب زمان الاختبار لزمن البيع ، أو
كونه بعده في زمن ضمان البائع ، ضرورة ، أنه لا أرش لو علم تأخره عن زمان ضمان
البائع ، بل إن جهل ذلك لم يكن له الرد لأن ذلك قد تذهب بالخطوة ونحوها ، فيحتمل
كونه في زمن ضمان المشتري ، لا لأصالة تأخر الحادث لما تقرر فيها من الإشكال حتى
بالنسبة إلى معلوم التاريخ ، بل لأصالة لزوم العقد وبراءة ذمة البائع ، بعد
التسليم الظاهر في أنه تمام الحق ، كما هو واضح.
ولو شرط كونها
ثيبا فبانت بكرا كان له الخيار بين الرد والإمساك مجانا على الأقوى ، وفاقا لجماعة
عملا بقاعدة الشرط ، ضرورة كون ذلك منه ، إذ قد يتعلق له غرض به لعجزه عن افتضاض
البكر ، أو غيره خلافا لما عن المبسوط والتحرير ، فلا خيار ، لكون الضد صفة كمال ؛
وفيه ما عرفت نعم لا أرش من هذه الجهة والله أعلم.
المسألة الثالثة
لا خلاف ولا إشكال في أن الإباق الحادث عند المشتري
__________________
الذي لم يكن
مضمونا على البائع لا يرد به العبد ولا يستحق به أرش كما في سائر العيوب الحادثة
كذلك من غير فرق بين الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ؛ للأصل وقول أبى جعفر 7 في مرسل ابن أبي
حمزة « ليس في الإباق عهدة » وقال
في خبر محمد بن قيس « إنه ليس في إباق العبد عهدة إلا أن يشترط المبتاع » أما
لو أبق عند البائع كان للمشترى رده وإن لم يكن أبق عنده ، بلا خلاف أجده كما اعترف
به في التحرير قال : « الإباق عيب لا نعلم فيه خلافا في الأمة والعبد ، والصغير
والكبير » ، بل عن المبسوط الإجماع على أن بالخيار ، ومقتضاه أنه عيب ، بل لعل
العرف كذلك أيضا ضرورة كونه بحكم التالف بل هو أبلغ من السرقة لغيره ، لأنه سرقة
لنفسه ، بل لعل خبر محمد بن مسلم شامل له ، بناء على إرادة ما يشمل نقص الصفات الغالبة في
النوع منه ؛ وفي خبر أبى همام « أن محمد بن على قال للرضا 7 : الإباق من أحداث السنة؟ فقال : ليس الإباق من هذا إلا أن
يقيم البينة أنه كان أبق عنده ».
وقد يظهر منه
كالمتن وغيره ، بل هو صريح التذكرة وجامع المقاصد الاكتفاء بالمرة الواحدة عند
البائع ، لأن الإقدام ولو مرة يوجب الجرية عليه ، ويصير للشيطان عليه سبيل ،
ولتحقق صدق العيب بها عرفا ؛ خلافا لما عن بعض الأصحاب من اشتراط الاعتياد ، وإن
قال بعض مشايخنا إنا لم نتحققه ، وربما لاح مما عن المبسوط واختاره ثاني الشهيدين
وقال : أقل ما يتحقق بمرتين.
وعلى كل حال ففيه
بحث وإن كان يشهد له أصالة اللزوم ولو للشك في كونه عيبا بها.
نعم ينبغي تقييد
الرد به بالمرة الواحدة ، بما إذا لم يظهر بعدها التوبة
__________________
الصادقة وملكة
الطاعة ، بل لا بد من هذا التقييد على تقدير اعتبار الاعتياد أيضا ، ثم إن الظاهر
من المتن أنه بذلك يكون عيبا يجري عليه حكمه من الرد والأرش ، لا أن له الرد خاصة
على كل حال ، كما عساه يوهمه الاقتصار عليه ، كما أن ظاهر خبر محمد بن قيس صحة اشتراط عدم
الإباق ولعله لا بأس به إذا كان شرطا للخيار في مدة مخصوصة كاشتراطه برد الثمن
ونحوه فتأمل.
المسألة الرابعة
المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ، ومثلها
تحيض فيها كان ذلك عيبا لانه لا يكون إلا لعارض غير طبيعي وهو المدار في ثبوته
عرفا ، بل لا خلاف أجده فيه إلا من العجلي ؛ ولا ريب في ضعفه ، للصدق عرفا ولانه
من نقص الصفات ، ول صحيح داود بن فرقد « سأل الصادق 7 عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة
أشهر ، وليس بها حمل ، فقال : إن كان مثلها تحيض ، ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب
ترد به » بل في المسالك « إن في دلالته على اعتبار الستة أشهر نظرا لأنه إنما علق
الحكم على حيض مثلها ، وأراد به نفى الصغر والياس وإن كان ذلك مستفادا من إثبات
الإدراك ، ونفى كونه عن كبر فان من المعلوم أن مثلها تحيض في تلك المدة وأقل منها
، والسؤال وقع عن تأخير الحيض ستة أشهر ، والجواب لم يتقيد به ؛ وحينئذ فلو قيل
بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد كان حسنا ».
قلت : وهو جيد بل
هو مقتضى ما سمعت من التعليل ويمكن تنزيل عبارات الأصحاب على ما لا ينافيه ، ومنه
ينقدح أنه لا ينبغي أن يكون مجرد بلوغ تسع سنين والتأخر ستة أشهر موجبا لذلك ،
لانه قد عرف بالتجارب التأخر عن عشر سنين ،
__________________
بل عن أزيد من ذلك
، فالمتجه حينئذ النظر إلى أمثالها سنا مع الاتفاق في البلد والمزاج في الجملة ،
فإن وجد فيها دونها يكون عيبا.
ثم إنه لا بد من
تنزيل الخبر وعبارات الأصحاب على إرادة علم سبق ذلك عند البائع ، وإلا فمع احتمال
عروض العارض عند المشتري لا رد ولا أرش ، كما أنه يجب تقييد الرد بما إذا لم يتصرف
في هذه المدة ، وإلا كان له الأرش كغيره من العيوب ، إذ احتمال استثناء ذلك منها
بأن التصرف لا يسقطه لإطلاق الرد في الصحيح المزبور مع استبعاد عدم
التصرف في هذه المدة مخالف لظاهر الفتاوى وللأدلة السابقة على تعين الأرش معه
المرجحة بها عليه ، وإن كان التعارض من وجه ، كما هو واضح ،
المسألة الخامسة
من اشترى زيتا أو بزرا بفتح الباء وكسرها ولعله أفصح زيت الكتان وأصله محذوف
المضاف أى دهن البزر فوجد فيه ثفلا بالضم ما استقر تحت الشيء من كدرة فإن كان مما
جرت العادة بمثله لم يكن له رد ولا أرش لأنه ليس عيبا أو لأن جريان العادة يجعله
كعلم المشتري به أو إسقاط البائع له وكذا لو كان كثيرا وقد علم المشتري به قبل
العقد ، لما عرفت من أن ذلك رضاء منه به فلا رد ولا أرش ، ولا يشكل صحة البيع
بالجهل بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر وإن شوهد لعدم الاكتفاء بها ، لما عرفته
مكررا بأن العلم بالجملة كاف في رفع ذلك.
أما إذا لم يكن
عالما بكثرة الثفل فظاهر المصنف وغيره أن له حكم العيب بل لا أجد فيه خلافا لكونه
عيبا عرفا ، ولكونه على غير أصل الخلقة ، وقال ميسر بن عبد العزيز لأبي عبد الله 7 : « الرجل يشترى
زق زيت فيجد فيه درديا؟ فقال : إن كان يعلم ان الدردي يكون في الزيت فليس عليه ان
يرده ، وإن لم يكن يعلم فله أن يرده »
__________________
وعبر بمضمونه في
التحرير ، بل قيل والنهاية والسرائر وجامع الشرائع ، ولعل المراد من الجميع ما في
المتن وغيره بجعل جريان العادة بمنزلة العلم ، كما انه يحتمل العكس ؛ بحمل ما في
المتن على ارادة العلم بجريان العادة ، بل لعله أولى عند التأمل ، إلا أن يكون
شيئا يسيرا لا يعد مثله عيبا في العادة ؛ فإنه لا خيار حينئذ وان لم يعلم
وكيف كان فلا
دلالة في الخبر على أنه مع عدم العلم عيب يستحق به أرشا لو أراده أو مع التصرف ،
أو الرد فيه أعم من ذلك ومن كونه من تبعض الصفقة ، باعتبار خروج بعضه درديا غير
سمن ، وقد يشهد له الصحيح عن جعفر عن أبيه 7 « أن عليا 7 قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد
فيها ربا فخاصمه إلى على 7 فقال له على 7 لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل : إنما بعته منك حكرة ،
فقال له 7 : إنما اشترى منك سمنا ، ولم يشتر منك ربا ، » إلا أنه يجب حمله بعد أن كان
المبيع شخصيا لا كليا على إرادة أن له من الثمن بقدر ما يقابل الرب من السمن ،
ومنه يعلم حينئذ صحة البيع في نحو ذلك بعنوان أنه سمن وإن بان الخلاف ، بل يثبت
الخيار للتبعض ، مضافا إلى عدم الجهالة بعد العلم بالجملة ، وكونها المبيع ولو
بزعم العنوان خطأ.
والتحقيق التفصيل
بين ما يعد بمزجه عيبا في الممزوج معه وعدمه في العرف ، وهو مختلف بالنظر إلى الكم
والكيف ، ولعله لذا قال في التحرير « الدردي في الزيت والبزر عيب موجب للرد أو
الأرش مع عدم علم المشتري به » وقال أيضا « لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره ، تخير
بين الرد وأخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن ، ولا يلزم البائع ان يعطيه سمنا
بإزاء الناقص ، وإن كان سمانا » ومن ذلك يعلم انه قد يجتمع للمشتري خياران من التبعض
والعيب إذا فرض انه يثبت بالخلط أيضا.
المسألة السادسة
لا إشكال بل ولا خلاف في ان كلا من تحمير الوجه
__________________
ووصل الشعر وما
شابهه يثبت به الخيار إذا شرط فبان الخلاف ، بل في المسالك الإجماع عليه لما عرفته
سابقا مما دل على ذلك ، إلا أنه بين الرد والإمساك مجانا ضرورة عدم كونه عيبا ،
فلم يبق إلا جهة الشرطية.
نعم لو كان
المشترط مما يكون فقده عيبا اتجه ذلك كما هو واضح ، أما إذا لم يشترط واشتراها
محمرة ذات شعر فبان أنها ليست كذلك ، فالمشهور بين الأصحاب أنه تدليس ، فيثبت به
الخيار بين الرد والإمساك مجانا ، من دون الأرش إذا لم يكن قد بان عيب فيها كغيره
من أنواع التدليس الذي لم أجد خلافا في ثبوت الخيار به ، بل قد سمعت الإجماع
بقسميه على ثبوته بالتصرية التي هي فرد منه ، مضافا إلى خبر الضرار .
وقيل كما عن
الخلاف انه لا يثبت به الخيار ذكر ذلك في الجعد والتحمير والتبييض ، ولعل وصل
الشعر مثلها عنده ، بل قيل إنه ظاهر التحرير والإرشاد والدروس ، وإن كان قد يناقش
فيه باحتمال نفيه من حيث العيب ، ردا على ما يفهم مما عن المبسوط ، بل لعله ظاهرها
أو ظاهر بعضها لا من حيث التدليس ، بل لعل ما في الخلاف كذلك ، لكن لم يحضرني
فيرتفع الخلاف حينئذ من أصله.
وعلى تقديره فلا
ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، إذ لا مجال لاحتمال كونه غير تدليس ،
كما أنه لا مجال لعدم ثبوت الخيار به على تقديره ، بل لا يبعد ثبوت الخيار وإن لم
يكن من فعل المولى : لحصول الضرر على المشتري بذلك دون البائع ، لعدم وجود الصفة
في مبيعه في الواقع ، والله أعلم.
بقي القول في
لواحق هذا الفصل ، وفيه مسائل ، الأولى : إذا قال البائع بعتك بالبراءة من العيوب
وأنكر المبتاع ، فالقول قوله مع يمينه ، إذا لم يكن للبائع بينة بلا خلاف يعرف ،
كما اعترف به بعضهم لقوله 6 البينة على
__________________
المدعى واليمين
على من أنكر » إذ هو مدع حتى لو قلنا أنه الذي « يترك لو ترك » لأن المراد به
بالنسبة إلى تلك الدعوى نفسها وهو هنا كذلك ، فلا ينافيه الفسخ حينئذ من المشتري ،
على أنه لا يتوقف على عدم دعوى البائع البراءة ، بل هو يحصل بموجبه ، فإذا ثبت
البراءة ينكشف فساد الفسخ ولو كان مورد النزاع في حال العقد الواقع ، أمكن التحالف
كما تقدم في نظائره.
ولو كان كيفية
الدعوى استحقاق المشتري الفسخ ، والبائع ينكره من غير ذكر سبب خاص أمكن القول
حينئذ بكون البائع المنكر ، ولعله عليه ينزل ما عن المبسوط ـ « من أنه قد يكون
البائع منكرا كان يدعي المشتري ابتياعه السلعة وبه عيب ، فيقول البائع : بعته
بريئا من هذا العيب فله أن يحلفه والله لا يستحق رده على ، لأنه قد يبيعه وبه
العيب ، ثم يسقط الرد بالرضا بالعيب » ، بناء على إرادة البراءة من استحقاق الرد
بقرينة آخر كلامه ، لا أن المراد نفى الاستحقاق باشتراط البراءة من العيوب وإلا
كان من المسألة المفروضة في المتن التي عرفت عدم الخلاف فيها ، وأنه لا إشكال
للخبر المزبور الذي لا يصلح لمعارضته مكاتبة جعفر بن عيسى لأبي الحسن 7 المتقدمة في
المسقطات من وجوه ، منها أن المفهوم من سياقه أن إنكار المشتري لسماع البراءة وقع
مدالسة ، لعدم رغبته فيه وإلا فهو عالم بتبري البائع ، ولذلك ألزمه الإمام 7 بالثمن.
وكيف كان فعن
الشهيد في حواشيه أن يمين المشتري هنا على نفى العلم ، ولعله لأنها على نفى فعل
الغير مضافا إلى إيماء قوله في خبر جعفر لم أسمع إليه.
وفيه ان مرجعه إلى
ما وقع عليه العقد إذ لا أثر للبراءة التي لم يسمعها المشتري ومن هنا قال في
المحكي عن النهاية والسرائر يحلف انه لم يبرأ إليه من العيوب وباعه مطلقا أو على
الصحة ، والأمر سهل ، وكدعوى التبري دعوى العلم بالعيب أو الرضاء به بعد العقد أو
نحو ذلك ، وعن التذكرة أن مثلها أيضا دعوى التقصير في الرد ، وفي المسالك
__________________
« أنه يتم في
الخيار الفوري لا في خيار العيب » ، قلت لعله فرعه على القول بأن خيار العيب فوري
كما صرح به في الغنية على ما ستعرف إنشاء الله والله أعلم.
المسألة الثانية
إذا قال المشتري : هذا العيب كان عند البائع أو قبل القبض مثلا فلي رده ، وأنكر
البائع ، فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف أجد فيه لأن المشتري هنا هو المدعى
باعتبار مخالفة دعواه أصالة اللزوم و « يترك لو ترك » فيكون البائع منكرا يقبل
قوله مع يمينه ، لكن إذا لم يكن للمشترى بينة وإلا وجب الأخذ بها ولا شاهد حال
يشهد له يفيد القطع للحاكم بصدق دعواه ، مثل أن يكون العيب إصبعا زائدا أو قطع
إصبع قد اندمل موضعه ، وقد اشتراه من يومه أو أمسه ، وإلا كان القول قوله بلا يمين
، كما أنه لو كان كذلك بالنسبة إلى إنكار البائع كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع
، قبل قوله بلا يمين.
أما إذا لم يفد
القطع فظاهر الدروس وغيرها ممن قيد القرينة بإفادة القطع عدم اعتباره ، واستحسنه
ثاني المحققين ، لأن القرائن المثمرة للظن الذي لم يثبت من قبل الشارع اعتباره
يبعد المصير إليها ، قال : ويستفاد من ذلك التعويل على ما أثمر القطع واليقين في
كل موضع كالشياع إذا بلغ مرتبة التواتر ، فأثمر اليقين ، قلت ، قد يظهر من إطلاق
المتن والنافع والقواعد والإرشاد الاكتفاء بما يفيد الظن أيضا ، إلا أنه لا بد من
اليمين معه ، لأن أقصاه لو كان مع المشتري انقلاب البائع مدعيا باعتبار مخالفته
للظاهر ، والمشتري منكرا لموافقته إياه ، فيقبل قوله مع اليمين ، ولا ثمرة له
حينئذ لو كان مع البائع ، لأن القول قوله بيمينه بدونه.
وعن حواشي الشهيد
إن كان شاهد الحال للبائع لا بد من اليمين ، لانه منكر ، وإن كان للمشترى فلا
يحتاج إلى يمين ، لان الحال تشهد له بسبق العيب على العقد ، كالبينة التي تشهد له
بسبق العيب ، وفيه ما لا يخفى سواء أراد الظني منه أو القطعي.
وكيف كان فيمين
البائع على نفى العيب إذا كان مختبرا للمبيع مطلعا على
خفاياه قبل البيع
، لا على نفى العلم بلا خلاف أجده بل في الرياض قولا واحدا ، ومقتضاه عدم الاكتفاء
به لو حلف كذلك ، وهو لا يخلو من إشكال ، سيما إذا كان جوابه به ، أما إذا لم يكن
قد اختبره فقد يقال : إن له الحلف على القطع عملا بأصالة العدم ، بناء على ظاهر السلامة
، كما يحلف على عدم النجاسة في الماء استنادا إلى أصالتها.
وعن التذكرة
والميسية وغيرهما الاكتفاء حينئذ بنفي العلم : وفي المسالك « وهو حسن لاعتضاده
بأصالة عدم التقدم فيحتاج المشتري إلى إثباته ، » قيل ومعناه أن هذا الحلف لا يسقط
الدعوى بالكلية ، بل لو ظفر بعد ذلك ببينة أقامها ، وسمعت وهذا أحد الاحتمالين أو
القولين في مثل المسألة ، ولعل الأقرب أنه لا يكتفى بذلك منه ، فيرد الحاكم اليمين
على المشتري ، فيحلف فيرد أو يأخذ الأرش ، قلت : وهو متجه بناء على عدم الإكتفاء
بالحلف على نفى العلم في الصورة الأولى ، إذ لا أثر للاختيار وعدمه ، في كون حق
المدعى اليمين على نفى العلم ، فالمتجه اتحادهما في الحكم ؛ وأنه يكفى فيهما معا
اليمين على نفى العلم حتى إذا كان الجواب نفي العيب ، ويكفى ذلك في نفى استحقاق
المشتري الرد الذي يشترط فيه معلومية السبق ولو بطريق شرعي ، فتأمل جيدا فإن
المسألة لا تخلو بعد من نظر ، وقد أشبعنا الكلام فيها في كتاب القضاء فلاحظ ، هذا
كله إذا كان الجواب بنفي العيب.
أما إذا كان
الجواب بلا يستحق الرد علي بهذا العيب فهو جواب صحيح يجب على الحاكم استماعه
وإحلافه على ذلك ، كما عن المبسوط من غير حاجة إلى نفى العيب أو العلم به ، وما عن
النهاية والسرائر من إطلاق أنه كان على البائع اليمين بالله أنه باعه صحيحا ، لا
عيب فيه ، منزل على غير ذلك ، كما أن ما عن أبى على من أنه إن ادعى البائع أنه حدث
عند المشتري أحلف المشتري إن كان منكرا ، منزل على المقام أيضا فتأمل جيدا.
ولو باع الوكيل
فالمشتري يرد بالعيب على الموكل ولو أنكر سبق العيب لم يقبل إقرار الوكيل عليه ،
وكان للمشتري الرد على الوكيل إذا كان جاهلا بالوكالة ولم يتمكن الوكيل من إقامة
البينة على وكالته وإقرار الموكل بها لا يجدى في جواز الرد عليه.
نعم كان للوكيل
تحليف الموكل على نفى العيب دفعا للظلامة عن نفسه ، ولو أنكر الوكيل المجهولة
وكالته سبق العيب حلف على النفي دفعا للغرامة عن نفسه ، فان نكل رد عليه ، وفي
جواز رده حينئذ على الموكل وجهان مبنيان على أن اليمين المردودة كالإقرار فلا يرد
، أو كالبينة فيرد ، وربما أشكل بناء الوجهين على ذلك ، بأن البينة على سبق العيب
غير مسموعة من الوكيل على الموكل ، بعد إنكاره السبق ، لانه معترف بكون المشتري
ظالما ، وقد يدفع بأن المراد كونها كالبينة من الراد ، لا من الناكل فهي حاكمة
عليها ، لكن في اقتضاء ذلك جواز الرد من الوكيل نظر.
نعم للمشتري الرد
بها بعد اعتراف البائع بالوكالة ، أو يقال بأن إنكاره لسبق العيب على وجه الاستناد
إلى الأصل بحيث لا ينافي ثبوته ولا دعوى ثبوته كأن يقول في الجواب لا حق لك على من
جهة هذه الدعوى ، إذ ليس في المبيع عيب لك على الرد به ، فلا يمتنع حينئذ تخريج
المسألة على القولين والله أعلم.
المسألة الثالثة
إذا أراد المشتري أخذ الأرش حيث يكون له ، فطريق معرفته أنه يقوم المبيع صحيحا
ومعيبا وينظر في نسبة النقيصة من القيمة فيؤخذ من الثمن بنسبتها أى ما بين
القيمتين ، لأنه هو الذي فات عليه بسبب العيب ، لا أنه يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين
، وإن أطلق في النصوص وعبارات بعض القدماء ذلك ، الا أنه يجب تنزيله على كون الثمن
قيمة المثل لا مطلقا والا جمع في بعض الأحوال بين العوض والمعوض وقد نهى عنه رسول
الله 6 قال : لا يجمع بين
العوض والمعوض
لواحد » على أن المراد جبر ما فات عليه بسبب العيب لا غيره ، مما أقدم عليه أو غبن
فيه أو غير ذلك ، والذي فات عليه بسبه ما ذكرناه مضافا الى ما سمعته من الصحيح أو الحسن السابق المراد من
قوله فيه « ويرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك » ما سمعته
قطعا ، والا لم يكن وجه للتقييد بالثمن كما هو واضح ، وحينئذ فما عن بعض الجمهور
من أن الأرش نقص قيمة المعيب من الأغلاط.
نعم هو متجه في
الأرش بالنسبة إلى الغاصب ونحوه ، بل والى البائع حيث يفسخ بخياره مثلا ، وكان قد
تعيب في يد المشتري عيبا مضمونا ، فإنه يأخذ حينئذ تفاوت ما بين القيمتين ، لا من الثمن
بالنسبة مع احتماله ، لإقدامه على الضمان بالثمن ، إلا أن الأول أقوى ، وعن الشهيد
في الحواشي أن الأرش يطلق بالاشتراك اللفظي على معان آخر ، منها ـ نقص القيمة
لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر الشرعي ومنها ـ ثمن التالف المقدر شرعا
بالجناية ، كقطع يد العبد ، ومنها ـ أكثر الأمرين من المقدر الشرعي والأرش ، وهو
ما تلف بجناية الغاصب ،
ثم ان الظاهر
مراعاة القيمة حال العقد لان الثمن يومئذ قابل المبيع ، وهو وقت دخوله في ملكه ،
ووقت استحقاقه الأرش ، لا يوم القبض باعتبار أنه يوم دخول المبيع في ضمانه ، ويوم
استقرار الملك ، لانه لا دخل لذلك في اعتبار القيمة ، ومنه يعلم ضعف احتمال أقل
الأمرين من يوم العقد الى يوم القبض ، لأن القيمة ان كانت يوم البيع أقل فالزيادة
حدثت في ملك المشتري ، ولان يوم البيع وقت الاستحقاق ، وان كان يوم القبض ، أقل
فالنقص من ضمان البائع ، لأنه وقت الاستقرار ، ولعل احتمال
__________________
كون المدار على
القيمة حال استحقاق الأرش باختياره أو بحصول المانع من الرد أولى منهما ، لان ذلك
الوقت هو وقت استحقاق الأرش إذ قبله كان البائع مخيرا بين الرد والأرش ، فهو غير
مستحق على التعين ، ولذا لا تشتغل به ذمة البائع حينئذ بخصوصه الا مع أحد الأمرين
، ولو كان العيب الذي يراد أرشه حادثا في زمن الخيار مثلا بناء على استحقاق الأرش
، فالمتجه ملاحظة القيمة حين حدوثه أو حال تعين استحقاقه بالاختبار أو التصرف مثلا
فتأمل جيدا.
ويعتبر في المقوم
العدالة والمعرفة والتعدد والذكورة وارتفاع التهمة ، كما نص عليه في الدروس وغيرها
، الا انه مع ابتنائه على أن التقويم من باب الشهادة لا يخلو بعضها عن نظر ، خصوصا
مع تعذرها وانحصار المقومين في فاقديها ، وعلى تقدير الاشتراط ، فالمتجه حينئذ عند
التعذر الرجوع إلى الصلح بما يراه الحاكم ، كما أن المتجه هنا سؤال الحاكم ممن
يتمكن من المقومين وإن لم يجمعوا الشرائط ليكون على بصيرة في حكمه ، وأما احتمال
التعطيل حتى يحصل مقومون جامعون للشرائط ، ففيه تعطيل الحق عن مستحقه ؛ كما أن
احتمال الاقتصار على المتيقن ونفى الزائد بأصالة البراءة فيه ضرر على من له الأرش
، فالأولى ما ذكرنا.
كما أنه يمكن أن
يقال إن اختلف أهل الخبرة في التقويم أو اختلف القيم ، لأفراد ذلك النوع المساوية
للمبيع ، فان ذلك قد يتفق ولو نادرا ، يتعين الصلح أيضا إذ الاقتصار على الأقل
ونفى الزائد بأصل البراءة والرجوع إلى القرعة أو التخيير للحاكم أو نحو ذلك ، مما
يظهر بعضه مما ذكروه في تعارض الامارات ، لكن المفيد والمصنف والفاضل والشهيدين
والعليين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم على أنه يعمل على الأوسط الذي هو هنا عبارة
عن قيمة منتزعة من مجموع القيم ، نسبتها إليه كنسبة الواحد الى عدد تلك القيم من
القيمتين نصف مجموعهما ومن الثلاثة ثلثه و
هكذا حتى تكون
عملا بالجميع في الجملة ، وذلك لانتفاء الترجيح لقيمة على أخرى ، فالمراد من الوسط
حينئذ القيمة المتوسطة بين الجميع بحيث لا تكون إلى واحدة أقرب منها إلى أخرى ، لا
الوسط بالمعنى المنساق ، ضرورة انتفاؤه في نحو القيمتين ، والأربعة ونحوها مما لا
وسط لها.
وحاصله مراعاة
نقيصة كل قيمة وزيادتها ، فلو قوم صحيحا مثلا باثني عشر ومعيبا بعشرة وقومه آخر
صحيحا بثمانية ، وخمسة معيبا كان تفاوت قيمتيه صحيحا أربعة ، فتقسم بالنصف إعمالا
لكل من البينتين ، فيكون قيمته صحيحا عشرة وتفاوت قيمتيه معيبا مثلا خمسة فتقسم
أيضا بالنصف إعمالا لهما ، فيكون قيمته معيبا سبعة ونصفا ، فالتفاوت حينئذ بين
قيمة الصحيح والمعيب المنتزعين الربع ، فيؤخذ ذلك من الثمن ، وهذا معنى قولنا يؤخذ
من القيمتين نصف مجموعهما ، ومن الثلث ثلثها ، محافظة على ذلك.
وكذا قول بعضهم في
طريق ذلك ، بوجه أسهل من الأول ، إنه تجمع القيم الصحيحة ، والقيم المعيبة ، ثم
تنسب ويؤخذ بنسبتها من الثمن ، بل هو بعينه الرجوع إلى نصف مجموع القيمتين ، ضرورة
كون النسبة بين المجموعين هي النسبة بين أجزائهما مع اتحاد الاجزاء في الاسم
كالنصف مثلا ، فالنسبة بين العشرين والخمسة عشر مثلا هي النسبة بين العشرة والسبعة
ونصف ، وبالنسبة بين الستة والثمانية ، كالنسبة بين نصفيهما كما هو واضح ، ومرجع
الجميع إلى ما ذكرنا.
نعم يحكى عن
الشهيد طريق آخر للجمع بين القيم ، بل عن إيضاح النافع أنه الحق ، وهو أن ينتسب
معيب كل قيمة إلى صحيحها ويجمع قدر النسبة ويؤخذ من المجتمع بنسبة القيم كنصفه إن
كانتا اثنتين وثلثة لو كانت ثلاثة وهكذا ، وهو قد يتحد
مع الطريق الأول ،
وقد يختلف ، وكشف الحال يحصل بصور ، الأولى أن يختلف المقومون فيها معا بأن قالت
إحدى البينتين إن قيمته اثني عشر صحيحا وعشرة معيبا والأخرى ثمانية صحيحا وخمسة
معيبا ، فالتفاوت بين مجموع الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع ، فيرجع ربع الثمن
فلو كان اثني عشر فالأرش ثلاثة وكذا إذا أخذت نصف مجموع الصحيحتين وهو عشرة ونصف
مجموع المعيبتين وهو سبعة ونصف ، يكون التفاوت ربعا أيضا وعلى ما ذكره الشهيد يؤخذ
تفاوت الأولى وهو السدس ، والثانية وهو ثلاثة أثمان ثم يقسم ذلك بالنصف لأن الفرض
أنهما قيمتان ، فيكون نصف سدس وثمن ونصف ثمن ثم يسقط ذلك من الثمن فإذا كان هو اثنى
عشر سقط منه ثلثة وربعه التي هي نصف السدس وثلاثة أثمان أى ستة ونصف ، ولو كانت
القيم ثلاثة إحداها كالأولى والثانية عشرة صحيحا وثمانية معيبا والثالثة ثمانية
صحيحا وستة معيبا فعلى الأول يكون التفاوت الخمس ، لأن مجموع القيم الصحيحة ثلاثون
، والمعيبة أربعة وعشرون ، فالتفاوت ستة هي خمس ، فيرجع بخمس الثمن وهو اثنان
وخمسان ، من الاثنى عشر ، وعلى الثاني يجمع سدس الثمن وهو اثنان من الاثنى عشر ،
وخمسه وهو اثنان وخمسان ، وربعه وهو ثلاثة ، فيكون المجموع سبعة وخمسين ، فيسقط من
الثمن ثلثها وهو اثنان خمسان وثلث الخمس ، وبه يزيد على الأول وقد يتحدان كما لو
كانت إحدى القيمتين اثني عشر صحيحا وأربعة معيبا ، والأخرى ستة صحيحا واثنان معيبا
فإن التفاوت الثلثان على كل منهما ، وكذا لو كانت الأولى ستة معيبا والثانية ثلاثة
، معيبا ، فان التفاوت النصف على كل منهما أو كانت الأولى ثمانية معيبا والثانية
أربعة ، فإن التفاوت الثلث على كل منهما.
وهكذا الصورة
الثانية : إن تتفق قيمة الصحيحة وتختلف المعيبة فلو كانت قيمته اثني عشر صحيحا عند
الجميع وقيمته معيبا بعشرة عند قوم ، وستة عند آخرين.
والطريق على
الاولى تنصيف مجموع قيمتي المعيبة ونسبته ، إلى الصحيحة ويسقط من الثمن بالنسبة ،
وهو الثلث هنا أو تضعف الصحيحة وينسب المجموع الى المجموع ؛ وهو هنا الثلث أيضا ،
وعلى ما ذكره الشهيد يجمع السدس والنصف من الثمن ، ويسقط نصفه وهو الثلث
هنا أيضا ، وكذا
لو كانت القيم في المعيب ثلاثة بأن قالت الثالثة إن قيمته ثمانية معيبا ، فإنك إن
كررت الصحيحة ، أو أخذت ثلث مجموع قيم المعيبة ونسبته إلى الصحيحة ، أو جمعت السدس
والنصف والثلث وأسقطت ثلثة من الثمن ، كان التفاوت الثلث أيضا.
الصورة الثالثة :
ان تتفق قيم المعيبة دون الصحيحة ، بأن كانت قيمته ستة معيبا عند الجميع وثمانية
صحيحا عند قوم ، وعشرة عند آخرين ، والتفاوت الثلث إن ضعفت المعيبة ، ونسبتها إلى
مجموع القيمتين أو أخذت نصف الصحيحتين ، ونسبته إلى المعيبة ، وعلى ما ذكره الشهيد
يجمع التفاوت وهو الربع والخمسان وهي من الاثنى عشر المفروض كونه ثمنا ، أربعة
وأربعة أخماس ، ثم يسقط نصفهما من الثمن وهو ثلاثة ونصف وخمسان ، وبه يحصل
الاختلاف بين الطريقين ، ولو كانت القيم ثلاثة بأن كانت الثالثة اثني عشر صحيحا
صار التفاوت خمسين ، سواء أخذت ثلث مجموع الصحيحة وهو عشرة ، ونسبته إلى المعيبة
أو ضعفت المعيبة ثلاثا فتكون ثمانية عشر وتفاوتها مع الثلاثين خمسان.
أما على ما ذكره
الشهيد يجمع الربع وهو ثلاثة من الاثنى عشر والخمسين وهو أربعة وأربعة أخماس
والنصف وهو ستة فيكون المجموع ثلاثة عشر وأربعة أخماس فيسقط ثلثها من الثمن وهو
أربعة وثلث وخمس وثلث الخمس ، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما
ذكرنا. نعم قد يشكل ذلك كله بأنه لا دليل عليه ، وقاعدة الجمع بين البينات يمكن
منعها فالمتجه حينئذ ما ذكرنا من القرعة ، أو الاقتصار على الأقل ، أو نحو ذلك مما
سمعت الذي لا يخلو القول بالقرعة فيه من قوة ، ومع تلك القاعدة ، فالأولى ما ذكره
الشهيد من إعمال كل من البينتين ببعض ما قامت عليه من التفاوت على وجه لا يفصل
أحدهما عن الأخر ، ضرورة كونه هو الذي اختلفت البينات فيه ، والتقويم مقدمة له ،
لا أنه ينتزع قيمة جديدة خارجة عن المجموع كما هو مقتضى الطريق
الأول ، إذ هو ليس
جمعا فيما اختلفت فيه البينات من التفاوت الذي هو مقتضى أحدها الثلث مثلا ، ومقتضى
الأخرى الربع مثلا ، بل اللائق بعد القطع بانحصار التفاوت في أحد الأمرين ، ولم
يعلم به على الخصوص تنصيف مقتضى كل من البينتين والحكم بكونه الأرش إعمالا لكل
منهما في النصف فتأمل جيدا.
اللهم إلا أن يقال
انهم أخذوا ذلك مضافا إلى ما سمعت من
خبر عبد الله بن عمر الوارد في الأضاحي قال : « كنا بمكة فأصابنا غلاء في
الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ، ثم ، لم توجد بقليل ولا كثير
فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن 7 فأخبره بما اشترينا وانا لم نجد ، فوقع 7 انظروا إلى الثمن
الأول والثاني والثالث فأجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه » وقد عمل به الأصحاب في محله
بل قالوا الضابط أن تجمع القيمتان أو القيم ويتصدق بقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية
، فمن الثلاث الثلث ، ومن الأربعة الربع ، وهكذا واقتصار بعض على الثلث تبعا
للرواية وإلا فالمراد ذلك ، وهو قريب إلى ما قلنا به ، بل لعل اختلاف البينات هو
تعدد القيم باعتبار تفاوت الرغبات فيكون كالشيء الواحد الذي له قيم متعددة ومقتضى
العدل الجامع بين حقي المشتري والبائع هو ما ذكره الأصحاب ، وتضمنه الخبر المزبور
، فليست المسألة حينئذ من تعارض البينات كي يجرى فيها حكمه.
ولو كان الثمن
عروضا استحق المشتري قيمة نسبة التفاوت منه كما أنه لو كان نقدا لم يستحق الأرش في
خصوص ما دفعه منه ، لان التحقيق كون الأرش من الغرامات فالثمن حينئذ ملك البائع
على كل حال ، ولو كان العيب في الثمن وكان عروضا استحق البائع على المشتري قيمة
نسبة التفاوت من المبيع فمع فرض كون التفاوت النصف استحق عليه قيمة نصف المبيع.
__________________
وقد يحتمل أنه
يستحق عليه تفاوت ما بين الصحة والعيب ، ولا جمع هنا بين العوض والمعوض عنه بحال ،
لان الغابن إن كان هو المشتري فالأمر واضح ، وان كان هو المغبون ، فليكن كذلك في
الثمن وأرشه ، ضرورة أن الأرش ليس هو إلا جابرا للمعيب ، بحيث يصيره صحيحا ؛ وهو
الغبن الأول الذي قد أقدم عليه ، وفيه أن مثله يأتي في عيب المبيع مع أنك قد عرفت
انه يرجع على الثمن بنسبة التفاوت ودعوى ـ الفرق بينهما يكون الثمن قيمة للمبيع ،
بعد أن تراضيا عليه ، فيكون التفاوت بالنسبة وملاحظة القيمة الواقعية إنما هو
لمعرفة قدر التفاوت ـ يدفعها أنه كما أن الثمن قيمة للمبيع بالتراضي كذلك المبيع
قيمة الثمن لذلك أيضا ، فالأولى ملاحظة النسبة في كل منهما ، فتأمل جيدا.
المسألة الرابعة
إذا علم بالعيب بعد العقد ولم يرد لم يبطل خياره ولو تطاول إلا أن يصرح بإسقاطه أو
يحصل ما يقتضيه مما عرفته فيما تقدم ، إذ هو على التراخي على المشهور بل ربما ظهر
من بعضهم الاتفاق عليه فضلا عن عدم الخلاف فيه ، وفي المسالك « أنه المعروف في
المذهب ولا نعلم فيه خلافا » نعم فجعله في التذكرة أقرب وهو يشعر بخلافه ، لكن لا
نعلم قائله وإنما خالف فيه الشافعي جعله علي الفور وهو محتمل إن لم يثبت الإجماع
بتقريب الدليل السابق في نظائره » قلت الاستصحاب وإطلاق الأدلة بل ظهور بعضها إن
لم يكن صريحة ينفي الاحتمال المزبور ، فضلا عن الإجماع المذكور ، وإن كان هو قول
ابني زهرة وحمزة في الغنية والوسيلة بل نفى الخلاف عنه أولهما ، إلا أنه غريب فلا
ريب حينئذ في التراخي كما أنه لا ريب في أن له فسخ العقد بالعيب سواء كان غريمه
حاضرا أو غائبا خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من اشتراط الحضور.
المسألة الخامسة
إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشترى
رده قطعا وفي
الأرش تردد وخلاف قد تقدم الكلام فيه سابقا في التسليم ولو قبض بعضه ثم حدث في
الباقي حدث العيب كان الحكم كذلك فيما لم يقبض لأنه مضمون على البائع واتحاد
الصفقة يلحق المقبوض به في ذلك بل لا يجوز له الاقتصار على رد غير المقبوض لما
عرفته مفصلا في المعيب بعيب سابق إذ المسألة من واد واحد.
لكن في المسالك
هنا « أنه ربما قيل بجواز الاقتصار على رد المعيب خاصة نظرا إلى أن سبب الرد هو
العيب الحادث في البعض وقد حدث حين كان ذلك البعض مضمونا وحده فيتعلق به جواز الرد
دون المقبوض ، » وفيه أن حدوث العيب في غير المقبوض مقتض لجوار رده في الجملة لا
رده وحده ، لأن كون المقبوض غير مضمون لا يمنع رده كما لا يقتضيه ، فيبقى مقتضى
اتحاد الصفقة الذي هو عدم جواز تبعيضها إلا بالتراضي بحاله من غير معارض ، بل لو
أراد المشتري رد الجميع ولم يرض البائع إلا برد المعيب وحده لم يكن له ذلك ، لأن
المعيب يرد بعينه الحادث في وقت كونه مضمونا ، والباقي حذرا من تبعيض الصفقة كما
هو واضح.
وأما ما يحدث في
الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة لأنه مضمون على
البائع فيها ، فلا ينافي الخيار الثابت فيها كما أنه لا يمنع الرد بالعيب السابق
ولو فيما بعدها ، لما عرفت من أن ثبوت الخيار به على التراخي والحادث لا يصلح
مانعا له ، بعد أن كان مضمونا على البائع نعم ظاهر العبارة أنه هو لا يوجب خيارا
كما حكاه أول الشهيدين عنه في الدروس قال : « وهو ينافي حكمه في الشرائع بأن الحدث
في الثلاثة من مال البائع مع حكمه بعدم الأرش فيه » وكأنه يريد أنه إذا كان مضمونا
على البائع كالجملة لزمه الحكم بالأرش ، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا الا ثبوت أرشه
، لأن الأرش عوض الجزء الفائت أو التخيير بينه وبين الرد ، كما أن ضمان الجملة
يقتضي الرجوع بمجموع عوضها وهو الثمن.
ومن هنا كان خيرة
الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم أن له الرد بالعيب الحادث بل صرح بعضهم بان له
الأرش إن اختاره ، إذ هو باعتبار ضمانه على البائع كالعيب السابق ، وهو المنقول عن
شيخ المصنف نجيب الدين ابن نما فيكون له في الثلاثة حينئذ الخيار في الرد من جهتين
، ولا مانع ، لأن علل الشرع معرفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد ، كما في
خيار المجلس والحيوان والشرط والغبن إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرق ، وتظهر
الفائدة في المقام في الإسقاط وفي ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة ، ولعدم تقيد
خيار العيب بها ، وإن اشترط حصوله في الثلاثة فما قبلها وقد تقدم في العيب قبل
القبض ما يظهر منه المطلوب هنا ، لاتحاد هما في كيفية الدليل ، فيأتي في الأرش
والرد حينئذ ما سمعته سابقا.
وقد ينتصر للمصنف
بأن الأصل اللزوم ولا معارض له سوى ما دل على أن التلف في الثلاثة من مال البائع ،
وهو ظاهر في الانفساخ وألحق به العيب ، إلا أن الإجماع على عدم الانفساخ به ،
فيمكن أن يكون المراد بكونه من مال البائع أنه إذا فسخ المشتري بخياره الذي هو
الثلاثة تستقر غرامة العيب على البائع ، لا أنه يرد به ، أو أن له الأرش للأصل
السالم عن المعارض ، ولا ينتقض ذلك بالعيب قبل القبض لأنه لا أرش له عنده أيضا ،
وأما الرد به فلعله للإجماع ونحوه ، وبذلك يرتفع التنافي عن كلام المصنف والله
أعلم بحقيقة الحال.
المسألة السادسة :
روى إسماعيل أبو همام بن همام في الصحيح عن الرضا 7 قال : سمعته يقول « يرد المملوك من أحداث السنة : من
الجنون والجذام والبرص فقلت : كيف يرد من أحداث السنة قال : هذا أول السنة ، فإذا اشتريت مملوكا
به شيء من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة فرده
__________________
على صاحبه » وفي
رواية على بن أسباط عنه 7 أيضا « وأحداث السنة
ترد بعد السنة قلت وما أحداث السنة قال الجنون والجذام والبرص والقرن فمن اشترى فحدث فيه هذه
الأحداث فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه » وفي معناه رواية
محمد بن على لذي احتمل فيه أنه الحلبي عنه 7 أيضا قال « سمعته يقول يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص
والقرن قال : قلت : كيف يرد من أحداث السنة فقال : هذا أول السنة يعني المحرم فإذا
اشتريت مملوكا فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددت علي صاحبه » وفي
خبر ابن فضال « ترد الجارية من أربع خصال من الجنون والجذام والبرص
والقرن والحدبة » وعن الكافي « والقرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج
الصدر » وفي موثقه عن أبى الحسن 7 « في أربعة أشياء خيار سنة الجنون والجذام والبرص والقرن »
وفي حسنة عبد الله بن سنان « وعهدته السنة من الجنون فما كان بعد السنة فليس بشيء »
وروى الوشاء « أن العهدة في الجنون وحده إلى سنة » ولا محيص عن العمل
بما تضمنه الصحيح الأول بعد اعتضاده بما سمعت ، وبالإجماع في الغنية ومحكي السرائر
الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب فإني لم أجد خلافا في الرد بها إلى سنة كما عن
التذكرة الاعتراف به في الجنون ، بل قيل إن ظاهرها الإجماع فيه وفي الأخيرين فما
عن الأردبيلي من التوقف في خصوص البرص منها لما في حسنة عبد الله بن
سنان « من
__________________
أن العهدة فيه ثلاثة
أيام » في غير محله ، ضرورة قصورها عن معارضة ما سمعت من وجوه خصوصا بعد احتمال
تصحيف المرض فيها بالبرص ، للتقارب في النقش ، كما أن الاشكال ـ في المسالك في
الجذام بأنه يوجب العتق على المالك قهرا ، وحينئذ فإن كان حدوثه في السنة دليلا
على تقدمه على البيع ، لما قبل في تعليل الرد بهذه الأحداث ؛ من أن وجودها في
السنة دليل على حدوثها قبل البيع ، لأنها تكمن في البدن سنة لم تخرج ، فيكون عتقه
على البائع ، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع فلا يتجه الخيار ؛ وإن عمل على الظاهر
كان حدوثه في ملك المشتري موجبا لعتقه قبل أن يختار الفسخ إذ ليس له اختياره ، حتى
يتحققه ، ومتى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ ، فيشكل جوازه بعد العتق ـ في غير
محله.
وإن قال : ويمكن
حله بأن الحكم بعتقه بالجذام مشروط بظهوره بالفعل ، كما هو ظاهر النص ، ولا يكتفى
بوجوده في نفس الأمر ، فلا يعتق على البائع قبل بيعه لعدم ظهوره ولا بعده قبل
الفسخ ، لعدم ملكه ، وعتقه على المشتري موقوف أيضا على ظهوره ، وهو متأخر عن سبب
الخيار فيكون السابق مقدما فيتخير ، فإن فسخ عتق على البائع بعده ، وان اختار
الإمضاء عتق على المشتري بعده ، فينبغي تأمل ذلك ، قلت : فيه أولا أنه لا إشعار في
شيء من النصوص بأن الفسخ بهذه العيوب لمكان ظهور سبقها عند البائع ، حتى يتجه
القول بسبق الخيار ، قال : ابن إدريس الذي هو الأصل في الاشكال المزبور ؛ فيما حكي
من سرائره أن الدليل على ذلك الإجماع ؛ وما بنا حاجة إلى ما قاله شيخنا في مقنعته
، من أن أصول هذه الأمراض يتقدم ظهورها سنة ، ولا يتقدمها بأكثر من ذلك ، لأن هذا
يؤدى إلى بطلان البيع ، لأن البائع باع ما لا يملك ، لأن الرقيق ينعتق بالجذام من
غير اختيار مالكه ، وإنما الشارع حكم بأن الرقيق يرد من هذه العيوب ما لم يتصرف
فيه ما بين شرائه من سنة ، وثانيا أنه يمكن القول كما في
الحدائق بأن
الانعتاق بالجذام ونحوه إنما هو في الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار ولا فسخ ،
بخلاف ما نحن فيه الذي هو مراعى بمضي السنة ، فلا بأس حينئذ بتنزيل خبر السكوني الدال على
الانعتاق به على غير الفرض ، خصوصا مع قصوره عن معارضة هذه النصوص من وجوه ، فلا
وجه حينئذ للتفصيل بين فسخه ، فينعتق على البائع وعدمه ، فينعتق على المشتري ،
لوضوح بعده عن هذه النصوص ، وإن كان قد يناقش فيه بأن التعارض بينها وبين خبر
السكوني إنما هو في غير هذا الحال ، فيترجح عليه ، أما غيره فيبقى بلا معارض.
نعم قد يقال أنه
لا تنافي بين انعتاقه وبين استحقاق المشتري الرجوع على البائع ، إلا انه يمكن أن
يكون انفساخا للعقد لأنه قد تلف بعيب مضمون على البائع ، فهو كما لو عمى في
الثلاثة ، فالمراد بالرد حينئذ في النصوص هنا الأعم منه ومن الرد بالخيار ؛ ويحتمل
أن لا يكون انفساخا فله الخيار حينئذ بين فسخ العقد والرجوع بالثمن ، وبين الإمضاء
والمطالبة بالأرش ، لكن يجب حينئذ عدم ملاحظة الحرية فيقوم عبدا صحيحا وعبدا
مجذوما ، إذ على تقدير ملاحظتها لا تبقى له قيمة ، فلا جهة للأرش ، بل يتعين كونه
انفساخا ، كما في كل عيب مذهب للمالية ، ولعل ذلك لازم على ما ذكره في المسالك
أيضا فيما لو منع من رده من حدوث عيب ونحوه ؛ ثم أجذم فإنه لا محيص له حينئذ عما
ذكرنا من القول بالانفساخ قهرا واختيار الأرش على الطريق الذي ذكرناه ، هذا كله في
العيوب الثلاثة.
وأما القرن فقد
ألحقه في الدروس ومحكي جامع الشرائع والإسكافي فيما حكي عنه ، لكن في المسالك
نسبته إلى الشهرة ، ولم نتحققها بل لم نعرف القول به لغير من عرفت ، فالقول به لا
يخلو من تأمل ، وإن تضمنه الأخبار المزبورة المحتاج بعضها
__________________
إلى جابر ، كما أن
اقتصار الأكثر على غيره يوهن الآخر ، على أن في خبر كافي منها ما يقضى
بأنه الحدبة ، وهو خلاف المعروف بين الفقهاء واللغويين ، إذ هو عندهم شيء كالسن
يكون في الفرج يمنع من الجماع ، وعلى ما رواه غيره يكون الحدبة
معطوفا على الأربعة ، إلا أنه لم نعثر على مفت به ولا على نص آخر به ، واحتمال
دخولها في القرن باعتبار اشتراكها معه في النشو ، وإن كان هو في الفرج وهي في
الصدر كما ترى.
وكيف كان فالظاهر
مساواة الخيار بهذه العيوب له في غيرها سقوط الرد بالتصرف وحدوث العيب ونحو هما
مما عرفت ، وبالسقوط في الأول فضلا عن غيره صرح الفاضل والشهيدان وغيرهم ، بل لعل
من تركه هنا اتكالا على ما ذكروه في حكم العيب ، ولذا قال في الغنية : « يرد بها
ما لم يمنع مانع » وقال ابن إدريس فيما حكي من سرائره « إن خطر بالبال وقيل الفرق
بين هذه العيوب وغيرها أنه لا يسقط الرد بها بالتصرف بخلاف غيرها ، قلنا له : هذا
خلاف إجماع أصحابنا ؛ ومناف لأصول المذهب ، لأن الإجماع حاصل على أن التصرف يسقط
الرد بغير خلاف بينهم ، والأصول مثبتة مستقرة على هذا الحكم » بل ظاهره الإجماع
على ذلك إلا أنه أشكله بعضهم بأنه يبعد تنزيل إطلاق الاخبار على عدم التصرف في
المملوك الذي يشترى للخدمة في مدة هذه السنة ، فلا يبعد القول بعدم سقوط هذا
الخيار بالتصرف كالمصراة ؛ وقد يدفع أولا بأنه لا استبعاد في حمل الإطلاق عليه بعد
أن لم يكن جوابا للسؤال عن أمر واقع ، وثانيا أنه قد يقال إن المسقط للرد إنما هو
التصرف بعد حصول سبب الخيار لا قبله ، والنصوص لو سلم ظهورها فهو في الثاني ، لا
الأول كما هو واضح.
__________________
ولعله إليه أومى
المصنف بقوله. فرع هذا الحكم يثبت مع عدم الأحداث فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته
ثبت الأرش وسقط الرد وان اعترضه في المسالك بأن مطلق التصرف مانع من الرد كغيرها
من العيوب وان لم يوجب تغييرا ، لكن قد يقال ان المصنف أراد أن التصرف إذا لم يكن
يقتضي أحد الأمرين ولا مخرجا عن الملك ، لا يسقط الرد بالعيب الحادث بعده ؛ أما
هما فيسقط انه وإن حصلا قبله لاشتراط الرد في المعيب بكون العين قائمة ، أي غير
متغيرة ولو صفة ، ولذا كان حدوث العيب مانعا من الرد ، بل قد تقدم احتمال توقف
حقيقة رد العين عليه ، وكذا يسقطه مطلق التصرف وإن لم يكن مغيرا لو كان بعد حصول
سبب الخيار.
وعلى كل حال فلا
ينبغي التأمل في ثبوت الأرش هنا مع حصول المانع من الرد ، وإن استشكل فيه في
التحرير ، إلا أنه في غير محله ، ضرورة عدم نقصان هذه العيوب عن غيرها بالنسبة إلى
ذلك ؛ وعدم التعرض له في نصوص المقام اكتفاء بما تضمنته من بيان زيادة هذا العيوب
على غيرها بالرد بها لو حدثت في ضمن سنة ، فالثابت لما عداها ثابت لها بطريق أولى.
نعم قد يستشكل في الأرش إذا حدثت هذه العيوب في المملوك في ضمن السنة ، لكن بعد
انتقاله إلى غيره على وجه لا يرد بها عليه ، لظهور المراد في نصوص المقام كون
المملوك باقيا على الملك ، مضافا إلى الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن.
لكن الأقوى ثبوت
الأرش أيضا ، والرد في النصوص محمول على ما إذا كان باقيا على الملك ، وأولى من
ذلك ما إذا كان انتقالها بوجه يرد بها عليه ، وأولى منه لو ردت فعلا بها عليه ،
فظهر أن المتجه حينئذ مساواة هذه العيوب لغيرها في ذلك كله ، ومنه يعلم أن الرد
بها وإن اشترط بحصوله في السنة. إلا أنه لا يتقيد بها كما هو مقتضى إطلاق الأدلة ؛
بل قيل ان خبر على بن أسباط « صريح فيه ، ولا ينافيه
__________________
ذيله بعد أن كانت
الغاية فيه للإحداث لا إلى الرد ، فيكون المراد من قوله فيه بعد السنة أن له الرد
مع حدوثها في السنة ، من حال حدوثها إلى ما بعد السنة ، لا أن المراد اشتراط الرد
بما بعدها ، ثم إن الظاهر إرادة مقدار سنة مبدأها يوم الشراء ، لا أن المراد تمام
تلك السنة التي مبدأها المحرم حتى أنه لو وقع الشراء مثلا في ذي الحجة كان العهدة
من هذه العيوب تمامه ، لأن به تتم السنة ، وإن أوهمه بعضها. نعم قد يظهر منها
اعتبارها هلالية لا عددية ؛ وإن وقع الشراء في المنكسر والله اعلم.
( الفصل
السادس )
في المرابحة
والمواضعة والتولية التي هي بجميعها قسيمة للمساومة لما قيل : من ان البائع ، إما
أن يخبر برأس ماله أولا ، والثاني المساومة والأول المرابحة إن باع بربح والمواضعة
إن باع بنقص ، والتولية إن انتفيا معا فالمرابحة حينئذ كما في القواعد البيع مع
الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه ، ومنه يعلم تعريف البواقي ، وزاد أول
الشهيدين « التشريك ، وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله ، بأن يقول شركتك في هذا
المتاع نصفه مثلا بنصف ثمنه ، بعد العلم بقدره ، وتبعه ثاني الشهيدين بعد اعترافه
بأنه لم يذكره كثير ، قال : وفي بعض الأخبار دلالة عليه.
قلت : ومقتضاه عدم
تصور المرابحة فيه ، وهو التشريك بالربح ولا المواضعة ، وفيه نظر ، وعلى تسليمه
يمكن اندراجه في التولية ، بدعوى تعميمها حينئذ للجميع والبعض ، فتكون قسمة
الأصحاب حينئذ بحالها ، قال : في التذكرة ولو كان المشتري قد اشترى شيئا وأراد ان
يشرك غيره فيه ليصير له بعضه بقسطه من الثمن جاز ، بلفظ البيع والتولية والمرابحة
والمواضعة ثم إن نص على المناصفة وغيرها فذاك ، وإن أطلق الاشتراك احتمل فساد
العقد ـ للجهل بمقدار العوض ، كما لو قال : بعتك بمأة
ذهبا وفصة ـ والصحة
وتحمل على المناصفة كما لو أقر بشيء لاثنين ، وللشافعية وجهان كهذين ، والاشتراك
في البعض ، كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.
لكن قد يقال : أن
المرابحة مثلا البيع بنفس رأس المال مع زيادة كذا قال العلاء « قلت لأبي عبد
الله 7 الرجل يريد أن يبيع البيع فقال : أبيعك بده دوازده فقال لا بأس ؛ إنما هذه
المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة » وظاهره حصرها في ذلك ، وهو لا يأتي في
التشريك ، لان القسط من الثمن ليس ثمنا ولذا لم تحصل المرابحة العرفية في أبعاض
المبيع المعينة المقسط عليها الثمن كما ستعرف إنشاء الله.
وكذا الكلام في
التولية والمواضعة نعم قد يقال : ينبغي إرادة القصد فيها مع ذلك ، بعدم جريان
أحكام المرابحة علي البيع بالزيادة مع قصد عدمها بل وبدون قصدها ؛ إلا أنه لا يخلو
من نظر ، فتأمل ولو اختلفا في القصد فالظاهر البطلان ، ولو ادعى المشتري إرادة
المرابحة ، فأنكر البائع كان القول قوله بيمينه ، إذا لم يكن ظهور في اللفظ ، لانه
كدعوى الشرط على البائع حينئذ ؛ ولعل المفاعلة في المرابحة وو المواضعة لتوقف
العقد على الرضا والصيغة من الجانبين ، فكان كلا منهما فاعل للربح وإن اختص بملكية
أحدهما.
وعلي كل حال ففي
الدروس « قد يتفق المرابحة وقسيماها في مبيع واحد ، كما لو اشترى ثلاثة ثوبا
بالسوية لكن ثمن أحدهم عشرون والأخر خمسة عشر والأخر عشرة ثم باعوه بعد الاخبار ،
بخمسة وأربعين ، فهو مواضعة بالنسبة إلى الأول ، وتولية بالنسبة إلى الثاني ،
ومرابحة بالنسبة إلى الثالث ، وكذا لو باعوه مساومة ولا يقسم على رأس المال ، هذا
مع تعدد العقود ، ولو كان العقد واحدا بالخمسة والأربعين ، كان الثمن
__________________
مقسوما على رأس
المال ، ولو تشخص في العقد الواحد ثمن كل ثلاث فهو كالعقود المتعددة ، والظاهر أن
مراده بقوله هذا إلى آخره. بالنسبة إلى الثلاثة الذين اشتروا الثوب بالسوية إذا
القسمة على رأس المال متجهة فيهم لو كان العقد واحد ، أو لم يذكر ثمن كل ثلاث ،
ولو اشترى خمسة ثوبا بالسوية لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون ، والآخر خمسة عشر ،
والثالث عشرة ، والرابع خمسة ، والخامس لم يتبين ، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم
بستين ، بعد إخبارهم بالحال ، والرابع شرك في حصته فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة ،
وإلى الثاني تولية ، والثالث مرابحة ، والرابع تشريك ، والخامس مساومة ، واجتماع
قسمين وثلاثة وأربعة منها على قياس ذلك ، إلا أنه ينبغي مراعاة القصد الذي ذكرناه.
وكيف كان ،
فالكلام في المرابحة وتوابعها يقع في مقامين ، أحدهما في العبارة والثاني في الحكم أما العبارة فإن يخبر
برأس ماله بما تسمعه من إحدى العبارات الآتية وشبهها إذا لم يكن المشتري عالما ،
وإلا كفى الاعتماد على علمه ، كما صرح به في التذكرة ، واحتمال وجوب الذكر تعبدا
ليكون قائما مقام ذكره في العقد بعيد ، فالأخبار في المتن وغيره محمول على الغالب
من انحصار طريق معرفة المشتري فيه ، ثم يقول بعد الإخبار بعتك أو ما جرى مجراه مما
تقدم في الصيغة بربح كذا وجريان المرابحة ولواحقها في غير البيع من عقود المعاوضة
كالصلح والإجارة لا يخلو من قوة ، بل صريح بعضهم جريانها في الإجارة ، بل السيرة
القطعية على جريانها في المعاطاة ، على أن التحقيق كونها من الإباحة بعوض ، وحينئذ
يكون ذكر المرابحة في البيع كذكر النقد والنسيئة ، لا لإرادة اختصاصها به ، هذا
كله بالنسبة إلى نقل المال إلى المشتري.
أما انتقاله إلى
البائع فلا يعتبر فيه البيع قطعا ، بل يكفي فيه الصلح ونحوه ، بل قد يقال : بكفاية
جميع ما يغرمه في تلك الحال ، كإحياء أرض ، أو معدن ، أو نحو
ذلك ، وقد أراد
بيعها مرابحة ، جاعلا ما غرمه على ذلك رأس مال مخبرا بتقوم ونحوه فتأمل : ولا
يتعين لفظ ربح ، بل يجرى مجراه كل ما أفاد فائدته من لفظ الزيادة وغيرها ، نعم قد
يفرق بينه وبينها بصراحته أو ظهوره في نفسه ، في إرادة عقد المرابحة بخلاف لفظ
الزيادة فإنه يحتاج معه إلى ضم غيره معه في إرادة المرابحة ، لما عرفت من أعمية
البيع بالزيادة منها ، ولعله على هذا ينزل
خبر ميسر بياع الزطي الفارق فيه بين اللفظين ، فلاحظ وتأمل ، قال : « قلت :
لأبي عبد الله 7 إنا نشتري المتاع نظرة ، فيجيئني الرجل ، فيقول : بكم تقوم
عليك؟ فأقول : بكذا وكذا ، فأبيعه بربح ، فقال : إذا بعته مرابحة ، كان له من
النظرة مثل مالك قال : فاسترجعت ، وقلت : هلكنا ، فقال : مم قلت؟ لأن ما في الأرض
من ثوب أبيعه مرابحة ، يشتري مني ، ولو وضعت من رأس المال ، حتى أقول تقوم بكذا
وكذا ، قال فلما رآى ما شق ، علي ، قال : أفلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج منه ،
قل : قام علي بكذا وأبيعك بزيادة كذا ولا تقل بربح » بل وخبر عبيد بن عبد ربه قال : « قدم متاع
لأبي عبد الله 7 من مصر ، فصنع طعاما ودعى له التجار ، فقالوا : نأخذه بده
دوازده ، فقال : لهم أبو عبد الله 7 وكم يكون ذلك. فقالوا : في كل عشرة آلاف ألفين ، فقال
أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا ، فباعهم مساومة » الذي يكشف عن المراد ، بخبر
محمد بن مسلم « قال أبو عبد الله 7 : « إنى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة ، ولكن أبيعك بكذا وكذا
مساومة ، وقال : أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم علي ، فبعته مساومة »
بناء على أن المراد إضافة الزيادة مع الأصل ثم بيعه مساومة ، ولا بد أن يكون رأس
ماله معلوما ، وقدر الربح معلوما عندهما حال البيع ، بلا خلاف أجده فيه ، بل في
التذكرة لو كان المشتري جاهلا برأس المال بطل البيع إجماعا ، وكذا لو كان البائع
__________________
جاهلا به والمشتري
عالم به ، أو كانا جاهلين ، وعن المبسوط لو علما قدر رأس المال وجهلا الربح مثل أن
يقول : رأس المال كذا ، والربح ما نتفق عليه بطل ، قلت : لا ريب في البطلان مع هذه
الجهالة ، في رأس المال ، أو الربح ضرورة ، رجوعها إلى جهالة الثمن التي هي مانع
من صحة البيع من أصله ، فضلا عن خصوص المرابحة منه ، والأول إلى العلم غير كاف فيه
قطعا ، نعم في جامع المقاصد والمسالك « أن المراد بذلك وجوب علمهما حالة البيع ،
فلا يكفي علم أحدهما ؛ ولا تجدد علمهما بعد العقد ، وإن اقتضاه الحساب المنضبط ،
كما لو علما بالثمن وجعلا ربح كل عشرة درهما ، والحال أنهما لا يعلمان ما يتحصل من
المجموع حالة البيع ، ولعله كذلك إذا فرض جهلهما أو جهل أحدهما بمقدار الثمن عشرات
مثلا ، أما إذا علماه إلا أنهما لم يستحضرا المجموع ، فقد يقال : بصحته خصوصا إذا
لم يكن محتاجا إلى طول نظر ، لعدم الجهالة في مثله عرفا فيتناوله العمومات ، بل قد
تحتمل الصحة في الأول أيضا ، لأنه وإن كان مجهول الجملة إلا أنه معلوم عند
التفصيل.
قال : في المختلف
« ولو أخبره برأس المال وزاد في كل عشرة درهما ، ولم يعلما وقت العقد كمية الثمن
احتمل البطلان ، للجهالة ، والصحة لإمكان العلم ، فإنه يستخرج بالحساب » وعلل في
التذكرة كراهة نسبة الربح إلى الثمن في المرابحة ، بأنه قد لا يعلم قدر الثمن في
حالة العقد ؛ ويحتاج في معرفته إلى الحساب ، بل قد عرفت فيما سبق صحة بيع الصبرة
كل قفيز بدرهم ، مع أنها مجهولة الجملة ، بل جوز الفاضل في القواعد ، بعتك هذه
السلعة بأربعة إلا ما يخص واحدا إذا علماه بالجبر والمقابلة ، كل ذلك مضافا إلى
إطلاق النصوص خصوصا المتضمن منها جواز بيع ده بدوازده ، فالقول بالصحة حينئذ في
الصورتين خصوصا الأولى لا يخلو من قوة.
نعم قد يقوى
البطلان لو فرض عدم علمه بمسمى العشرة مثلا إذ هو غرر محض ؛ وكونها عددا مضبوطا في
نفسه وإن لم يعرف مصداقها غير مجد ، ولعل منه الشراء بوزن
بلد مخصوص لا
يعلمه أو كيله ، ثم إن الظاهر كون المراد من العلم برأس المال الذي هو شرط في
الصحة ، عدم إناطة البيع به ، ثم البحث عنه بعد ذلك ، أما إذا لم يكن كذلك بل فرضا
له رأس مال وعينا له ربحا صح مع تراضيهما ، كما أنه يصح لو اقتصر البائع على المتيقن
من رأس المال. نعم قد يمنع صدق اسم المرابحة عليه مع أن في ذلك بالنسبة إلى بعض
الصور نظر ، فتأمل جيدا والله اعلم.
وكذا لا بد من ذكر
الصرف والوزن إن اختلفا مع الاختلاف لحصول الجهالة بدون ذلك إذا فرض تعدد النقود ،
واختلف صرفها ووزنها ، بأن كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم ، وبعضها أكثر ، وكذا
الوزن لو كان الثمن دراهم مثلا معروفة بالوزن ، أما لو اتخذ النقد لم يفتقر ، كما
صرح بذلك كله ، في جامع المقاصد والمسالك ، وزاد في الأول « يمكن أن يراد أنه يجب
الجمع بين ذكر صرف الدراهم مع الوزن إن فرض الاختلاف ، بأن يكون صرف الدراهم
المختلف وزن أنواعه واحدا ، فإن ذكر الصرف حينئذ لا يغني عن ذكر الوزن » ، قلت :
كما أنه لا يغني ذكر الوزن للدراهم المختلف صرفها مع اتحاد وزنها ولو في بلدين إذا
كان الشراء في ذات الصرف الزائد.
كما يومي إليه خبر إسماعيل بن عبد
الخالق « قال : قلت لأبي عبد الله 7 إنا نبعث بالدراهم لها صرف إلى الأهواز ، فيشتري لنا بها
المتاع ، ثم نلبث فإذا باعه وضع عليه صرفا ، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف
الدراهم في المرابحة ويجزينا عن ذلك؟ فقال : لا بل إذا كانت المرابحة فأخبره بذلك
، وإن كانت مساومة ، فلا بأس » وفي الوافي تحرينا عن ذلك بالمهملتين ، اي تعمدنا
الاعراض عنه وطلبنا ما هو أحرى ، وفيما حضرني من نسخة الوافي عن التهذيب ، روايته
نحو ذلك لكن فيه بدل ثم نلبث ، فإذا باعه ثم يكتب روزنامچه يوزع عليه صرف الدراهم
فإذا بعناه فعلينا أن نذكر صرف الدراهم في المرابحة ، وتجزينا عن ذلك؟
__________________
قال : إذا كان
مرابحة فأخبره » إلى آخره ولعله أصح ، والموجود في نسخة معتبرة من الكافي ، تجزينا
« بالجيم والزاء المعجمة » وكذا في نسخة معتبرة من التهذيب عنه ، لكن مع زيادة
الواو في قوله تجزينا : ولعل عدمها أولى ، وحينئذ يحتمل أن يكون ابتداء السؤال على
جهة الاستفهام من قوله ، كان أو كونه تجزينا عن ذلك ، على معنى ؛ هل يجزينا عن
غيره؟ وهو الاقتصار على أصل الثمن ، إذا كان دوانيق ، مثلا ودفعنا عنه في تلك
البلد دراهم ، لها صرف أى فضل عن الدراهم في بلد بيع المرابحة قال : لا يجزي إلا
أن تخبره بالحال ، فإن الدراهم وإن لم تكن ثمنا لكن لما دفعت عنه صار كأنه متشخص
بها ؛ لان النقد يقوم بعضه مقام بعض في عرف التجار ، بخلاف العروض ، ويمكن أن يكون
هذا من جملة المراد بقولهم يجب ذكر الصرف ، خصوصا مع ملاحظة إرادة وجوب ذلك من حيث
المرابحة ، بخلاف ذكر الصرف في الدراهم المفروض اختلافه وكونها ثمنا ، فإن ذلك
مانع من صحة البيع ولو مساومة ، للجهالة ، لا من حيث المرابحة فتأمل جيدا بل لعل
مراد من تعرض لاعتبار ذكر الصرف الإشارة إلى ما في الخبر المزبور.
أما الوزن فمع فرض
اختلافه لا بد من ذكره ، اختلف الصرف أم اتحد لعدم انحصار الفرض في الصرف ، إذ
يكون المراد صوغه حليا ونحوه مما للوزن فيه مدخلية. والله اعلم وكيف كان فـ ( إذا
كان البائع لم يحدث في المبيع حدثا ولا غيره ) عما كان عليه عند البائع ، ولا حصل
ذلك من غير المشتري ، بل كان المبيع على الحال التي انتقل اليه فيها فالعبارة عن
الثمن أن يقول اشتريته بكذا أو رأس ماله كذا أو تقوم علي ، أو هو علي أو نحو ذلك
من العبارات المفيدة للمطلوب ، وإن كان قد عمل فيه ما يقتضي الزيادة في قيمته قال
: رأس ماله كذا ، وعملت فيه بكذا ونحوه اشتريته أو تقوم علي أو هي علي ، ضرورة عدم
الفرق هنا بين الجميع بعد أن ذكر العمل بعبارة مستقلة.
نعم ظاهر المتن
وغيره أنه ليس له تقويم عمله ، وضمه إلى رأس المال ويعبر عنه بإحدى العبارات
المزبورة غير مخبر بحقيقة الحال وهو كذلك ، إذ لا ريب في الكذب لو عبر بالأولين
وكذا الأخيرين ، ونحوه لو كان العامل غيره بلا أجرة ، كما أن ظاهر المتن جواز بيعه
مرابحة مع ذكره العمل بكذا ، سواء كان أريد من قيمته أولا ، بل هو صريح التذكرة ،
وقد يشكل بخروجه عن وضع المرابحة الذي يعتبر فيه ذكر ما يغرمه البائع على المبيع
من حيث التجارة والفرض عدم الغرامة هنا ، ويدفع بمنع اعتبار الاقتصار على ذلك فيها
، لإطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله للفرض الذي هو زيادة في الربح في الحقيقة
عند التحليل ، وإن جعله صورة في مقابل العمل ، كما هو واضح.
لكن قد يقال :
بثبوت الخيار للمشتري لو أخطاء البائع أو كذب في تقويم عمله ، إن أراد بقوله عملت
فيه بكذا التقويم ، أما لو أراد الاقتراح فلا خيار ، ولو أطلق احتمل قويا تنزيله
على الأول وإن كان عمل فيه غيره بأجرة مسماة صح أن يضمها إلى الثمن من غير إخبار ،
لكن يقول : تقوم علي أو هو علي ولا يجوز اشتريته ، أما رأس مالي ففي الدروس
والمختلف يجوز ، لأنه عبارة عما لزمه عليه ، وعن المبسوط لا يجوز ، وتبعه في
التذكرة وجامع المقاصد ، والظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأمكنة والأزمنة ، ففي بعضها
لا ينساق منه إلى الثمن ، وفي آخر يراد منه ما غرمه عليه ، ولو كان العمل بأعيان
كالصبغ بأشياء اشتراها بثمن معلوم صح ضم ذلك إلى الثمن ، ولو لم يكن قد اشتراها
ففي ضم قيمتها مع الاكتفاء بتقوم ، وهو على وجه ، والأولى ذكر ذلك للبائع.
وكذا له مع
التعبير بالعبارتين ضم جميع المؤن التي قصد بالتزامها عرفا الاسترباح من الدلالة ،
وأجرة البيت والكيال والحارس والحمال والقصار والصباغ ، ولو كان قد غبن فيها لم
يجب الإخبار بها ، بناء ، على عدم وجوب الاخبار به لو كان بالنسبة
إلى المبيع ، حتى
مع علمه به وإقدامه عليه ، أما لو دفع عنها بعد اشتغال ذمته بأجرة المثل ما يزيد
على ذلك سماحة ، أو لغرض من الأغراض ، وجب ذكر ذلك للبائع إذا لم يرد الاقتصار على
أجرة المثل ، وإلا كان له ضمها وإن أبرأه منها أو بعضها من كانت له ، ولعل منه ما
لو صالحه عنها بالأقل ، أما المؤن التي فيها بقاء الملك كنفقة العبد وكسوته وعلف
الدابة ، ففي القواعد لا تدخل في العبارتين ، ولعله لأن هذا الأمور من ضروريات
بقائه ، وليست مقصودة لغرض الاسترباح ، ولأنها في مقابلة خدمة العبد وركوب الدابة
، بخلاف نحو الأقمشة المذخورة للاسترباح فقط ، وقد يشكل بأن جميع ذلك قد لا يلتزم
إلا لغرض الاسترباح.
نعم ربما يفرق بين
ما يمكن تحصيل مؤنة بالانتفاع به وما لا يمكن فتعد الأولى مؤنة محضة لتحقيق ما
يقابلها بخلاف الثانية ، وعلى كل حال فالظاهر إن هذا في غير الزائد من العلف
والنفقة التي لا يقصد بها إلا زيادة القيمة كالعلف للسمن ، وزيادة ترفيه العبد
بالمأكل والملبس ، لزيادة قوته وبدنه ، فإن هذه كغيرها من مؤن الاسترباح ، له ضمها
إلى الثمن مخبرا بالعبارتين ، بل لعل من ذلك أجرة الطبيب إن كان قد اشتراه مريضا ،
لزيادة القيمة بزوال المرض ، ولو عرض المرض عنده فأجرة لطبيب كالنفقة ، والمراد من
عدم ضم مؤن البقاء إلى الثمن عدم الاكتفاء بالعبارة المزبورة مع ضمها ، أما لو صرح
فلا يبعد الجواز ، لانحلاله إلى إرادة زيادة ربح ولا مانع منه ، لا أنه لا يجوز
البيع مرابحة حينئذ ، لاعتبار الاقتصار على الزيادة على رأس المال وما يغرمه
للاسترباح فيها ، إذ يمكن منع اعتبار ذلك فيها ، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة ؛ ولو
كان من جملة ثمن المبيع عمل قد استأجر عليه البائع غيره صح له ضم ما بذله من
الأجرة إلى الثمن ، وقال أحد العبارتين ، ولو عمله هو فالأولى ذكر ذلك للمشتري بما
يفرض له من القيمة ، حتى لو كان العمل معروف القيمة ، لعدم صدق إحدى العبارات
الأربع على ما يشمله من دون ذكره.
نعم قد يقوي عدم
انحصار الأمر فيها ، فإذا عبر عن الثمن بما يشمله صح
ولو اشترى بثمن
معيبا ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش وأخبر بالباقي ، بأن يقول رأس مالي فيه كذا
أو تقوم علي ، أو هو علي ، ولا يقول اشتريت به أي الباقي للكذب ، إذا المراد به ما
وقع في العقد ، وليس هو الباقي.
نعم لا يبعد عدم
جريان تسلط المشتري مرابحة على الخيار بنحو هذا الكذب ، كما أن المتجه تسلطه عليه
لو باعه مرابحة مخبرا بالثمن الذي وقع في العقد ، ولم يذكر ما رجع إليه من الأرش ،
وإن كان صادقا بقوله اشتريته بكذا ، إلا أنه لما كان ظاهرا في انه دفع ما اشترى به
، وأنه لم يرجع إليه منه شيء والفرض أنه ليس كذلك ، اتجه تسلطه على الخيار حتى لو
أسقط الأرش عن البائع بعد أن يثبت استحقاقه له ، بل لا يبعد ذلك أيضا لو أسقطه قبل
تعينه له ، كما في حال التخيير بينه وبين الرد ، بل لعله كذلك لو أسقط الخيار الذي
هو أحد فرديه ، بل لو صالح البائع المشتري عليه بما هو أنقص منه لو رجع به نفسه ،
أمكن القول بوجوب ذكره ، هذا وقد يقال بعدم وجوب الاسقاط عليه إذا لم يرجع وان كان
مستحقا بل لعله هو ظاهر التقييد بالرجوع في المتن ؛ وكأنه لعدم كون الأرش ما لا
يثبت في الذمة ، وإن كان لصاحبه الرجوع به لو اراده ، فمع إسقاطه يسقط الحق ، لا
أنه إبراء ، وحينئذ فيتحقق صدق تقوم ، وعلي ، واشتريته بكذا فتأمل ، ولو فرض كونه
بزائد لم يجب حط الزيادة من الثمن في وجه قوي ، كما أنه يقوي فيما لو صالحه عنه
بشيء مع الجهل بقدر التفاوت ، إسقاط المصالح به من الثمن والإخبار بالباقي ، ولو
لم يتمكن المشتري من إثبات سبق العيب احتمل الإخبار بما عدا الأرش في الواقع ،
وبالجميع ، لانه هو الثمن ؛ ولم يعد إليه شيء ولو صولح عن إسقاط الدعوى به ، أمكن
احتساب ثمن الصلح خاصة من الثمن ، من ذلك كله ينقدح الوجه في كثير من الفروع
المتصورة في المقام.
وعلى كل حال فـ (
لو جنى العبد ففداه السيد ، لم يجز له أن يضم الفدية إلى ثمنه ) مخبرا بإحدى
العبارات السابقة بلا خلاف بيننا ولا إشكال ، لأنه غرامة
متجددة لا مدخلية
لها في تقويمه ، نعم لا يبعد جواز ضمها مع التصريح بالحال والبيع مرابحة ، فيكون
مرجعه إلى زيادة الربح ، وقد يمنع صدق المرابحة عليه لإمكان دعوى المستفاد من النص
والفتوى أنها تؤدي بالعبارات المزبورة ، بل ربما كان ذكرهم لها للإشارة إلى أن
الميزان في تحققها صدق أخذتها ، والفدية ونحوها مما لا تندرج فيها ، ضرورة عدم
كونها من مؤن الاتجار ، فإذا ذكرها وأراد مع ذلك البيع مرابحة لم يترتب عليها
حكمها ، مع فرض أن فيها أحكاما خاصة وإن كان البيع صحيحا في نفسه ، وصورته صورة
المرابحة ، وكذا الكلام في نظائر المسألة ولو جني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها
من الثمن ، وكذا لو حصل منه فائدة كنتاج الدابة وثمرة الشجرة وغيرها من النماءات
التي لا مدخلية لها في ثمن المبيع بلا خلاف ولا اشكال.
نعم لو تعيب شيء
من ذلك وجب الاخبار به كما هو واضح ، وكيف كان فـ ( يكره نسبة الربح إلى ) أجزاء
رأس المال وفاقا للمشهور بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن الخلاف الإجماع
عليه ، بأن يقول بعتك بماءة وربح كل عشرة ، درهم ، ولو قال بعتك بمأة وعشرة ، أو
وربح عشرة لم يكن مكروها ، وعلى كل حال فلا حرمة ولا بطلان للأصل ؛ والإطلاقات
سيما إطلاق نصوص المرابحة كخبر على بن سعيد « سأل عن رجل يبتاع ثوبا فطلب منه مرابحة ترى في بيع
المرابحة بأسا إذا صدق في المرابحة ، وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم؟ قال : لا بأس
» خلافا للمحكي عن المقنعة والنهاية والمراسم والتقى والقاضي ففي الأولين لا يجوز
، وفي الثالث لا يصح ، ولم أجد لهم دليلا صالحا لذلك عدا الصحيح « الرجل يريد أن
يبيع البيع فيقول أبيعك بده دوازده أو ده يازده فقال : لا بأس به ، إنما هذه
المراوضة فإذا
__________________
جمع البيع جعله
جملة واحدة » لظهوره في وجوب الجمع المزبور ، بان يقول : بعتك هذه السلعة بدوازده
أو يازده نحو ما فعله مولانا الباقر 7 فيما روى عنه الصادق 7 في الصحيح « قال : قدم متاع لأبي من مصر فصنع طعاما ودعي له التجار
فقالوا نأخذه منك بده دوازده فقال 7 وكم يكون ذلك فقالوا في كل عشرة آلاف ألفين فقال : إني
أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا ، » بل عدوله 7 عن إجراء الصيغة بنحو ما ذكروه إلى ما ذكره ، ظاهر في
المنع.
وفيه أن الصحيح
محتمل لإرادة التخلص عن الكراهة ، على أن الخصم لا يقول بوجوب الجمع جملة واحدة ،
فإنه لا بأس كما عرفت ، بأفراد رأس المال عن الربح من دون ملاحظة النسبة ؛ فلا بد
حينئذ من إرادة الرجحان منه ، ويرتفع الاستدلال في وجه ، وفعل الباقر 7 يمكن أن يكون
فرارا من أصل المرابحة إلى المساومة التي هي أفضل ، كما يومي إليه تتمة الصحيح المزبور على ما
عن الكافي « فقال ، لهم إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألف درهم
فباعهم مساومة ، » بل في الصحيح أو الموثق كالصحيح « إنى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة وعشرة باثني عشر أو نحو
ذلك من البيع ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة » ما يقضي بكراهة المرابحة مطلقا وإن
لم أجد قائلا به.
نعم في الرياض «
قد ذكر بعض الأجلة أن الظاهر من المعتبرة هنا كراهة المرابحة وأولوية المساومة لا
الكراهة ، في موضوع المسألة ، قال : وهو كذلك لو لا المخالفة لفهم الطائفة ، وعلى
كل حال فلا دلالة في عدوله 7 على الحرمة قطعا ، فيبقى حينئذ ما دل على الجواز بلا معارض
، مضافا إلى الصحيح أو الموثق المزبور ، المشتمل على لفظ الكراهة ؛ وعمومه لغير
موضوع المسألة لو قلنا باختصاصه بها غير قادح ، كما أن احتمال إرادة الحرمة من لفظ
الكراهة بناء على عدم تعارفها في الصدر الأول بالمعنى المصطلح ـ يدفعه بعد التسليم
ـ ترجيح إرادته هنا بالشهرة ، والإجماع المحكي وغيرهما ، وكذا الكلام في الخبر
الآخر أكره بيع ده يازده وده دوازده ، ولكن أبيعك بكذا وكذا وكيف
__________________
كان فلا ريب في
عدم الحرمة والبطلان ، كما أنه لا ريب في الكراهة بعد التسامح بها ، للإجماع
المحكي وغيره ، إن قصرناها على خصوص موضوع المسألة ، وإلا فمطلق للخبرين لسابقين ،
والله اعلم. هذا وربما جعل مدار الكراهة على نسبة الربح للمال في مقابلة نسبته إلى
السلعة على معنى عدمها لو قال بعتك بكذا مع ربح للمبيع ده دوازده ولكن الألصق
بالنصوص ما ذكرناه والله اعلم. هذا كله في العبارة.
( وأما
الحكم ففيه مسائل )
قد تقدم البحث في
الأولى منها وهي من باع غيره متاعا جاز أن يشتريه منه بزيادة أو نقيصة حالا ومؤجلا
بعد قبضه ، ويكره قبل قبضه إذا كان مما يكال أو يوزن على الأظهر ، وكان المصنف
أعادها كالفاضل في القواعد ، لبناء ما بعدها عليها ، إلا أنه كما ترى ، لا مدخلية
لها فيه أصلا ولو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز كما سمعت الكلام فيه مفصلا
وإن كان ذلك من قصدهما ولم يشترطه لفظا كره كما في القواعد والتحرير والإرشاد
والتذكرة ؛ وإن قلنا أن الشرط المضمر كالموجود إلا أنه يمكن تخصيص ذلك بالجائز منه
، لكن فيه منع واضح ، ضرورة اتحادهما في المقتضي ، فيتجه حينئذ بطلان العقد مع
قصدهما الاشتراط ، وبناؤهما العقد عليه ؛ وإن لم يذكراه لفظا بناء على فساد العقد
بفساد الشرط.
نعم لو لم يكن
قصدا الاشتراط بل عزما على التعاكس واستوثق أحدهما من الأخر صح على كراهة عند
بعضهم ، وإن كان الدليل عليها لو لا التسامح لا يخلو من إشكال ، والأمر سهل ، بعد
أن كان الحكم الصحة ، ولا يرد أن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد ، لان
العقود تتبع القصود ، لان من المعلوم عدم اعتبار مثل هذا العزم في العقد ، ضرورة
كون العزم فعله خارج العقد ، لكن في المسالك « وأجيب بأن القصد وإن كان معتبرا في
الصحة فلا يعتبر في ، البطلان ؛ لتوقف البطلان على اللفظ
والقصد ، وكذلك
الصحة ولم توجد في الفرض » وهو كما ترى غير مستقيم ، بل ليس له محصل يعتد به ،
والتحقيق ما سمعت ، ولعل في عبارة المجيب سقطا قبل قوله لتوقف البطلان ، وهو بخلاف
المقام ، وحينئذ يكون الفرق بين اعتبار القصد في صحة العقود الذي يكفي في البطلان
عدمه ، كما في النائم وغيره بخلاف المقام ، وهو الشرط المعتبر في شرطيته القصد
واللفظ سواء كان صحيحا أو مبطلا للعقد ، فإن شرطيته متوقفة على ذلك ، ومنه يظهر
عدم توجه ما أورده في المسالك عليه ، فلاحظ وتأمل.
إذا عرفت هذا فلو
باع غلامه الحر سلعة ثم اشتراها منه بزيادة جاز أن يخبر بالثمن الثاني إذا لم يكن
شرط إعادته من غير تقييد لها بالبيع ولو شرط ها فباعها منه بزيادة للاخبار بها لم
يجز قطعا بل لا خلاف أجده فيه لأنه خيانة عرفا ، إذا المشتري لم يترك المماكسة ،
إلا اعتمادا على مما كستة لنفسه ، وثوقا باستقصائه في النقيصة لنفسه ، فكان ذلك
خيانة ؛ بل لا يبعد ذلك أيضا وإن لم يشترطه ، بل كان القصد الشراء بالزيادة
للاخبار بها وفاقا للشهيدين والعليين على ما حكي عن بعضهم إذ هو غش وخديعة وتدليس
وخيانة عرفا ، والصدق في قوله اشتريت قد لا ينافي ذلك ؛ بل قد يدعى انصراف الشراء
في الفرض إلى غير ذلك.
وفي المسالك « إن
قوله ولو شرط لم يجز لأنه خيانة يقتضي التحريم مع عدم الشرط ، إذا كان قصدهما ذلك
؛ لتحقق الخيانة ، ومجرد عدم لزوم بيعه عليه على تقدير عدم شرطه لا يرفع الخيانة
مع اتفاقهما عليها بل ينبغي فرض التحريم في صورة عدم شرط الإعادة ، لأن التحريم لا
يتحقق إلا مع صحة البيع ، ليمكن فرض الزيادة ، ومع شرط الإعادة يقع البيع باطلا ،
كما سلف عن قريب ، فلا يتحقق الزيادة ولا التحريم » قلت : قد يدفعه ما سمعته منافي
تفسير العبارة ، ولا حاجة إلى قوله في الجواب عنه و، يمكن أن يقال بالتحريم وإن
قلنا بفساد العقد نظرا إلى قصد الغرور والسعي إلى تحصيل المحرم ، كما يقال في
النجش والربا أنه حرام ، يفسد العقد مع أنه قد يخدش بأن المراد
لم يجز الاخبار
بالثمن الثاني ، ومع فرض كون البيع فاسدا بالشرط لا ثمن حتى يخبر عنه فتأمل جيدا.
هذا كله مع قصد الحيلة بالشراء بالزيادة ، فلو اشتراه منه ابتداء من غير مواطاة
جاز ، ولا فرق في تحريم الحيلة بين الغلام والولد والأجنبي والله أعلم.
المسألة الثانية
لو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل بالإقرار أو البينة صح البيع بلا خلاف على الظاهر
، للأصل والإطلاقات ، ضرورة أولويته من تخلف الوصف والشرط والجملة ، بل الظاهر ذلك
إن لم يكن له رأس مال أصلا ، فضلا عن كونه أقل نعم لأجل الكذب في الإخبار كان
المشتري بالخيار بين رده وأخذه بالثمن المسمى في العقد ، ولا تعليق للرضا والقصد
ولا الصحة على الصدق في الاخبار قطعا بل هو أشبه شيء بالداعي إلى قصد ما اتفقا
عليه ، بل لو لا الإجماع على الخيار في الظاهر هنا لأمكن المناقشة فيه كما في غير
المقام مما كان الداعي فيه الكذب بنحو ذلك ، مما لا يرجع إلى العيب ولا إلى
التدليس الذي هو بمعنى كتمان صفة وإظهار أحسن منها ، ودعوى أن المراد عندهم
بالتدليس ما يشمل المقام لو سلمت لا تجدي ، لعدم تعليق الخيار عليه في شيء من
النصوص كي يدور الحكم عليه ، بل دليله فحوى نصوص التصرية ونحوها ، وأما خبر الضرار
وقاعدة رجوع المغرور على من غره ، ونحوه فمع احتياج ثبوت الخيار به أيضا إلى
الانجبار ، قد يمنع تناوله للمقام ، باعتبار ظهور قاعدة الغرور في الضمان ، وخبر
الضرار في العقد الضرري ، لا في مثل المقام الذي ضرره نشأ من اعتماده على خبره ،
ولا يبعد ثبوت الخيار في الكذب بكل ما يختلف الثمن به ؛ بل الظاهر ثبوته بعدم
الإخبار بما يختلف الثمن به فضلا عن الكذب لما عرفت.
وعلى كل حال فما
عن الأردبيلي من التأمل في الصحة في غير محله ، كما أن
__________________
التأمل في ثبوت
الخيار له كذلك أيضا ، وكذا الكلام لو بان غلطه في الاخبار ، إلا أنه لا إثم عليه
، وقد ظهر لك مما ذكرنا أن الخيار في مفروض المسألة للإجماع ، وإلا فليس هو مندرجا
في أحد الخيارات السابقة ، مع فرض عدم اتحاد بيع المرابحة لصورة تحلف الوصف أو
الشرط ، ودعوى أنها لا تكون إلا كذلك ممنوعة ، فإنه يمكن فرضها مجردة عن ذلك ، وإن
كان الداعي للمشترى إخبار البائع برأس المال مع إرادة ربح كذا وحينئذ يكون هذا
الداعي من بين الدواعي مسلطا على الخيار ، للإجماع ونحوه ، وقيل والقائل أبو على
فيما حكى عنه والشيخ ان المشتري يأخذه أي المبيع بإسقاط الزيادة من الثمن مع ربحها
، إلا أن المحكي من خلاف الشيخ في مبسوطة وخلافه النص على ذلك في صورة الغلط ،
ولعله لا فرق بينها وبين الكذب ، كما أنه لا فرق في ثبوت ذلك بين الإقرار والبينة
، لكن في محكي المبسوط أنه قيل : إن بان ذلك أى الغلط بقول البائع لزم المشتري
الثمن بإسقاط الزيادة وربحها ، وإن قامت به البينة كان المشتري بالخيار.
وكيف كان فلا دليل
على شيء من ذلك إذا البيع إنما هو برأس المال الذي أخبر به ، لا بما هو في نفس
الأمر ، ومنه يعلم الاستدلال على التفصيل بأنه إن أقر كان مأمونا بخلاف ما إذا
قامت به البينة ، فلا ريب في أن الترجيح لما ذكرنا ، خصوصا بعد عدم ما يصلح ملزما
للثمن الناقص ، إذ العقد الواقع ان كان صحيحا لزم ما فيه وإلا بطل مطلقا ، وعلى كل
حال فلا خيار للبائع عندنا كما عن التحرير ، للأصل وقد يحتمل للضرر في بعض الأحوال
؛ كما أن الظاهر عدم الخيار للمشترى على قول المبسوط ، لارتفاع مقتضية بإسقاط
الزيادة مع ربحها ، ولأنه رضي بالأكثر فبالأقل أولى لكن احتمل في مسالك ثبوته له
أيضا بالخيانة ، ولانه قد يكون له غرض بالشراء بهذا الثمن لابرار قسم أو إنفاد
وصية وهو كما ترى ، نعم يمكن ان يكون ذلك مؤيدا للمختار ضرورة عدم ارتفاع الضرر
الناشئ عن الكذب حينئذ بإسقاطه الزيادة فتأمل ،
جيدا ، هذا وفي
القواعد « وهل يسقط الخيار بالتلف فيه نظر » وعن المبسوط إسقاطه به وبالتصرف ، وعن
الشهيد انه حكاه عن ابن المتوج ، لان الرد انما يتحقق مع بقاء العين ، ولحصول
الضرر على البائع بالانتقال الى البدل قهرا لكن قوي ثاني المحققين والشهيدين عدم
السقوط لحصول المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس الا التلف ولا يصلح للمانعية ، إذ
مع الفسخ يثبت المثل أو القيمة. ولعموم المغرور يرجع على من غره ، والكذب في
الاخبار مقتض للخيار ولم يثبت اشتراطه بالعلم بذلك قبل تلف المبيع ، فمع التلف
وانتقاله عن ملكه انتقالا لازما أو وجود مانع من رده كالاستيلاد ، يرد على البائع
مثله أو قيمته ، ويأخذ هو الثمن أو عوضه مع فقده وقد تقدم في خيار الغبن وغيره ما
له نفع في المقام فلاحظ وتأمل ، ولو قال البائع بعد البيع اشتريته بأكثر لم يقبل
منه إذا لم يعلم صدقه ولو أقام بينة لانه قد كذبهما بإقراره وحينئذ فـ ( لا يتوجه )
له على المبتاع يمين لعدم سماع دعواه بعد معارضة إقراره السابق لها الا أن يدعى
عليه العلم فتقبل حينئذ بينته ويتوجه له عليه اليمين على عدم العلم لعدم منافاة
إقراره السابق لها ، بل لو رد اليمين عليه كان له الحلف ، سواء قلنا ان اليمين
المردودة كالبينة أو كالإقرار من المنكر ، لأنهما معا هنا مسموعان اما الثاني
فواضح ؛ واما الأول فلما عرفت من أن دعواه العلم لا تنافي كذبه بإقراره السابق ،
واولى من ذلك لو قلنا انها أصل برأسه ، فما عن بعضهم من ان في رد المشتري اليمين
على البائع هنا وجهين يلتفتان إلى انها كالبينة ، أو كإقرار المنكر ، فعلى التأني
ترد وعلى الأول لا ترد لا يخلو من نظر ، بل قد يناقش في إطلاق عدم سماع بينته في
الأول أيضا إذا أظهر لإقراره الأول تأويلا محتملا ، مثل أن يقول ما كنت اشتريته بل
اشتراه وكيلي وأخبرني أن الثمن ماءة فبان خلافه ؛ أو ورد على كتابه فبان مزورا أو
كنت راجعت جريدتي فغلطت من متاع الى غيره.
ضرورة رجحان
البينة حينئذ على الإقرار الأول بعد فرض ذكر التأويل المزبور
له ولعله لذا قيد
السماع بذلك جماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه ، والمحقق الثاني وغيرهم ، بل قد
يقال يرجحانها أيضا وأن لم يذكر التأويل المزبور بل احتماله له كاف في مرجوحيته
بالنسبة إلى البينة ، لقوة البينة وانها بمنزلة العلم بخطئه فلا يصلح الإقرار
السابق لمعارضتها بعد تعقيبه بما يقضى بخطاه فتأمل جيدا.
ومن هنا بان لك أن
ما عن المبسوط من قوة عدم سماع البينة وان ذكر تأويلا محتملا لا يخلو من نظر ، كما
أن إطلاق المصنف والفاضل في بعض كتبه عدم السماع لذلك وكيف كان فإذا علم غلطه بأي
طريق كان له الخيار بين الفسخ والإمضاء بالمسمى ، وربما تخرج على قول الشيخ إضافة
الزيادة مع ربحها ، ولو كان قد تبين كذبه وأنه تعمد الى ذكر النقصان فلا يبعد عدم
الخيار له لانه هو الذي قد ضيع ماله فتأمل جيدا.
هذا وفي التحرير
في نحو مفروض المسألة تخير المشتري بين الأخذ بالزيادة على إشكال والفسخ ، ولو قيل
أن الزيادة لا تلحق بالعقد فيتخير البائع كان وجها ؛ وهل يلزمه مع القبول نصيب
الزيادة من الربح الوجه ذلك إذا نسب الربح الى الثمن ، مثل أن يقول بربح كل عشرة
درهم ، ولو قال بربح عشرة لا غير لم يثبت ، ولو أخذها بالزائد ونصيبه من الربح لم
يكن للبائع خيار ، وكذا لو أسقط الزيادة عن المشتري انتهى ، وفيه نظر من وجوه
والله أعلم.
المسألة الثالثة
إذا حط البائع بعض الثمن جاز للمشتري ان يخبر بالأصل لعدم الخيانة فيه إذا كان ذلك
تفضلا منه. لا لدعوى عيب أو غبن أو نحوهما ، من غير فرق في ذلك بين كونه في زمن
الخيار وعدمه للصدق في الاخبار على الحالين وقيل والقائل الشيخ في المحكي عن
مبسوطة وابن زهرة في ظاهر الغنية أو صريحها إذا كان الحط قبل لزوم العقد صحت
الحطيطة وألحق بالثمن وأخبر بما بقي وان كان بعد لزومه كانت هبة مجددة وجاز
الاخبار بأصل الثمن قيل وكأنه مبني على ان المبيع انما ينتقل بانقضاء مدة الخيار
وفيه أنه لا مدخلية لذلك إذ الثمن ما وقع عليه العقد ولا اثر لوقت انتقال الملك بل
الظاهر عدم الفرق في الإخبار بين رأس مالي أو اشتريت أو قام علي أو هو علي أو نحو
ذلك نعم ليس له أن
يقول أديت أو نحوه وربما احتمل ذلك أيضا في قام على ونحوه والله اعلم. المسئلة
الرابعة من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة بل ومواضعة وتولية تماثلث أو
اختلفت وسواء قومها أو بسط الثمن عليها بالسوية بلا تقويم وسواء باع خيارها بالأقل
أو لا الا بعد أن يخبر بذلك وكذا في عدم الجواز لو اشترى دابة مثلا حاملا فولدت
وأراد بيعها منفردة عن الولد كل ذلك على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل
عن الخلاف الإجماع عليه بل يمكن تحصيله في مختلفة بل وفي غيرها إذ لم يحك الخلاف
فيها الا من الإسكافي والقاضي فجوزاه فيما لا تفاضل فيه كالمعدود المتساوي وهما
غير قاد حين في الإجماع ، بمعنى القطع بالحكم المخالف لما ذكراه خصوصا بعد تفاوت
القيم والأغراض وكون التوزيع لثمن خرص وتخمين يتطرق إليه الخطأ غالبا وخصوصا بعد
أن سأل أبو حمزة أبا جعفر
7 « عن الرجل يشترى المتاع جميعا بالثمن ثم يتقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على
رأس المال جميعا أيبيعه مرابحة فقال له : لا حتى يبين له أنه انما قومه » ونحوه
صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما 7.
نعم ظاهرهما جواز
البيع مرابحة إذا أخبر بذلك كما هو مقتضى قوله في المتن الا بعد أن يخبر بذلك ، بل
وأكثر عبارات الأصحاب ، بل زاد في التذكرة بعد أن حكى خلاف الشافعي في انه يجوز
البيع مرابحة بالتقسيط وان لم يخبر به ، قال : اما لو أخبر بالحال فقال اشتريت
المجموع بكذا ، وقومته مع نفسي فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا فإنه يجوز إجماعا
لكن عن ابن إدريس انه حكى الاستثناء المزبور الظاهر في جواز البيع مرابحة بعد
الاخبار ، واعترضه بأنه ليس بيع المرابحة لأن وضعه في الشرع ان يخبر بالثمن الذي
اشترى وهذا ليس كذلك.
ورده في المختلف «
بان هذه المنازعة لفظية كما قال في النافع انه لو أخبر جاز لكن يخرج عن وضع
المرابحة » وفي جامع المقاصد والمسالك وغيرهما ان إطلاق المرابحة عليها مجاز
للمشاكلة في الصورة قلت قد يناقش في ذلك بمنع حصر المرابحة
__________________
فيما لا يدخل فيه
التقويم ، ضرورة صدق اسم رأس المال والقيام عليه به ونحوهما. نعم لا يصدق اشتريته
ونحوه عليه ، وقد تقدم صحة المرابحة فيما لو عمل فيه عمل قد ذكره بكذا وفيما لو
رجع بأرش العيب ، كما أن من الواضح صحتها فيما لو تلف بعض الصفقة قبل القبض ، ورجع
بحصته من الثمن ورضى بالبيع في الباقي ، وفيما إذا ظهر مستحقا ، وفي التذكرة « لو
اشترى عبدا بثوب قيمته عشرون وأراد بيعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ، ذكر
انه اشتراه بثوب قيمته كذا ولا يقتصر على ذكر القيمة ، لأن البائع بالثوب يشدد
أكثر مما يشدد البائع بالنقد ولو كان قد اشترى الثوب بعشرين ثم اشترى به العبد ،
جاز أن يقول قام على بعشرين ، ولا يقول اشتريته بعشرين ، بل قال فيها أيضا « لو
انتقل اليه بغير عوض كالهبة لم يجز بيعه مرابحة ، سواء قومها بثمن مساو أو أزيد أو
أنقص الا أن يبين الحال في ذلك ، ولا يكفى بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال »
الى أن قال « ولو آجر داره بعبد أو نكحت المرأة رجلا على عبد أو خالع زوجته عليه ،
أو صالح عن الدم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ، ولو أخبر بالحال جاز
بما قام علي ويذكر في الإجارة مثل اجرة مثل الدار ، وفي النكاح والخلع مهر المثل ،
وفي الصلح عن الدم الدية ومقتضاه التوسعة في المرابحة بأزيد من محل البحث وإن كان
لا يخلو من نظر.
وفي القواعد ولو
اشتريا ثوبا بعشرين ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد وعشرين » قلت
مع أن نصيبه كان بعشرة بالتقسيط الى غير ذلك مما لا إشكال في جواز البيع مرابحة مع
التقويم والتقسيط ، ومنه ما لو تعدد المشتري والمبيع واتحد الثمن ، بل في جملة من
النصوص ظهور إن لم يكن تصريح بجواز البيع مرابحة مع التقويم ، مضافا الى النصوص
السابقة ، وكيف كان فحيث لا تجوز المرابحة لو باعا بقصدها ولو للجهل منهما أو من
أحدهما ، أمكن القول بالصحة بيعا للأصل ، وخروج وصف المرابحة عن حقيقة البيع ، وقد
يحتمل البطلان لأنها صنف خاص منه ، ولتبعية العقود للقصود ،
فلو صح غيرها وقع
ما لم يقصد ، وما قصد لم يقع ، والأول أقوى ، وربما يشهد له ما سمعته هنا من
الجواز ممن عرفت لو أخبر بالحال وان لم يكن مرابحة مما ظاهره ذلك ، وان قصد
المتعاملان المرابحة ولو للجهل منهما بموضوعهما ، بل منه يظهر الوجه فيما ذكرناه
سابقا من ثبوت الخيار لو كذب البائع في رأس المال إذا لم يكن له رأس مال بل كان
موروثا أو متهبا ، ضرورة ابتنائه على صحة البيع ، وربما انقدح منه ثبوت الخيار في
كل ما فعل بعنوان المرابحة فبان عدم موضوعها ، إذ لعل له غرضا بذلك كوفاء نذر أو
إنفاذ وصية ونحو ذلك فتأمل جيدا والله أعلم.
المسألة الخامسة
إذا قوم التاجر على الدلال متاعا وربح عليه أو لم يربح ولم يواجبه البيع لم يجز
للدلال بيعه مرابحة على ما قوم عليه بلا خلاف أجده فيه ، لأن الغرض عدم الشراء ،
ول ما رواه في الكافي عن
الكناني والفقيه عنه وعن سماعة والتهذيب عن الكناني وعمرو بن عيسى عن سماعة عن أبى عبد الله 7 « في الرجل يحمل
المتاع لأهل السوق وقد قوموا عليه قيمة فيقولون بع فما ازددت فلك؟ قال : لا بأس
بذلك ، ولكن لا يبعهم مرابحة » ونحوه ذلك صحيح زرارة الاتى ، وحينئذ
فإن فعل كان آثما ، بل يمكن فساد بيعه الا بعد الاخبار بالصورة قبل البيع ، فإنه
يصح بيعه حينئذ وإن لم يكن مرابحة حقيقة ، لعدم الشراء من البائع ، إلا أنها بصورة
المرابحة ، لكن لا يبعد جريان الخيار فيها لو فرض كذب الدلال فيما ذكره من التقويم
الذي هو بمنزلة رأس المال ، لفحوى ما عرفت وعلى كل حال لا يجب على التاجر الوفاء
لو قال له بعه بذلك والزائد لك ، للأصل إذ ليس هو إلا وعدا ، ولا يجب الوفاء به ،
ضرورة فساد كونه إجارة وجعالة للجهالة ، وعدم ملك الزيادة حال القول ، ولأنها ببيع
الدلال انتقلت إلى التاجر باعتبار كونها عوض ملكه ، ولا مقتضى للانتقال عنه إلا
القول الأول الذي لم يثبت كونه ناقلا لمثلها ، كما انه لم يثبت كونه مقتضيا
لانتقالها إلى الدلال من أول الأمر بل الثابت من قاعدة تبعية ملك الثمن للمثمن
خلافه ، فلا شيء حينئذ للدلال بل الربح جميعه له أي
__________________
التاجر ولكن
للدلال أجرة المثل لاحترام عمله سواء كان التاجر دعاه الي البيع المزبور أو الدلال
ابتدأه لاشتراكهما في جميع ما ذكرنا كما هو واضح.
لكن في المقنعة «
وإذا قوم على الواسطة المتاع بدراهم معلومة ، ثم قال له : بعه بما تيسر لك فوق هذه
القيمة وهو لك ، والقيمة لي جاز ، ولم يكن بين التاجر والواسطة بيع مقطوع فان باعه
بدونها ، كان عليه تمام القيمة لصاحبه وان لم يبعه كان له رده ولم يكن للتاجر
الامتناع من قبوله ، ولو هلك المتاع في يد الواسطة ، من غير تفريط له فيه كان من
مال التاجر ولم يكن على الواسطة فيه ضمان ، فان قبض الواسطة من التاجر المتاع على
ما وصفنا ، لم يجز ان يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.
وإذا قال الواسطة
للتاجر خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي فيه شيئا لا بيعه ففعل التاجر ذلك وباعه
الواسطة بزيادة على رأس المال والربح كان ذلك للتاجر دون الواسطة ، إلا أن يضمنه
الواسطة ويوجبه على نفسه ، فان فعل ذلك جاز له أخذ الفضل على الربح ، ولم يكن
للتاجر إلا ما تقرر بينه وبينه فيه » ونحو ذلك في النهاية إلا أنه قال : « في الصورة
الثانية للدلال أجرة المثل لا أكثر من ذلك ، وكان نظرهما إلى الخبر المزبور ، وصحيح
محمد بن مسلم المروي عن الكافي والتهذيب عن الصادق 7 « أنه قال في رجل
قال لرجل : بع لي ثوبا لي بعشرة فما فضل فهو لك لبس به بأس » وصحيح زرارة المروي عن الكتب
الثلاثة « قلت لأبي عبد الله 7 ما تقول في رجل يعطى المتاع فيقول : ما ازددت علي كذا وكذا
فهو لك؟ فقال : لا بأس بذلك ، ولكن لا بيعه مرابحة » وموثقته عن ابى جعفر 7 « سألته من الرجل
يعطى المتاع فيقال له ما ازددت علي كذا وكذا فهو لك قال لا بأس »
لكن عن ابن إدريس بعد
أن حكى ذلك عن الشيخ قال : إنه غير واضح وأنه لا يستقيم على أصول مذهبنا ، إذ هو
ليس بيع مرابحة ولا إجارة ولا جعالة محققة » الى أن قال : « وانما أورد أخبار
الآحاد في هذا الكتاب إيرادا لا اعتقاد أعلى ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت أو
__________________
فاسدة على ما ذكره
واعتذر به في خطبة مبسوطة ، ورده في المختلف بأن كلام الشيخ محمول على الجعالة على
التقدير الأول ، لكن يبقى الإشكال في الجعالة إذ انضمنت عوضا مجهولا ، ويحتمل أن
يقال هنا بالصحة ، لأنا إنما منعنا جهالة مال الجعالة لأدائه إلى التنازع وهو منتف
هنا ، إذا الواسطة إن زاد في الثمن مهما كانت الزيادة له ، وإلا فلا شيء له ،
لأنهما إنما تراضيا على ذلك ، بخلاف الجعالة المجهولة المؤدية إلى التنازع ، وهذا
القول لا بأس به عملا بالأحاديث الصحيحة ، أما الصورة الثانية ، فإنه لا جعالة
هناك فلهذا أو جبنا على التاجر أجرة المثل ، وتبعه في الدروس قال بعد أن حكى عن
الشيخين أن الزيادة للدلال إذا قوم التاجر عليه : « ولو بدء الدلال بطلب التقويم ،
فله الأجرة لا غير ، وسوى الحليون بين الأمرين في الأجرة ، والأول اثبت ، لأنه
جعالة مشروعة ، وجهالة العوض غير ضائرة ، لعدم إفضائه إلى التنازع ، وروى ابن راشد
« في من اشترى جواري وجعل للبائع نصف ربحها بعد تقويمها أنه يجوز. فإن أحبل
المالك إحداهما سقط حق البائع ».
ونحوه في جامع
المقاصد الا انه زيد فيه « عدم شيء للدلال على التاجر إذا لم يشترط له شيئا
فينبغي أن لا يكون له أجرة المثل أيضا لمثل ذلك » ثم قال « إن ظاهر العبارة قد
يشعر بتخيل فرق بين أن يبتدأ الدلال التاجر ، وان يبتدئ التاجر الدلال ، وبه صرح
في الدروس وهو غير واضح ، فان الابتداء وعدمه مع حصول التراضي سواء في الحكم ، فان
من قال لمن ذهب عبده أرد عبدك ، على أن لي نصفه ابتداء منه ، فقال مولى العبد نعم
لك ذلك يستحق ما عين له ، إن جوزنا كون العوض مجهولا ، وأجرة المثل إن لم نجوزه
فلا يفترقان.
والظاهر أن الشيخ
إنما حكم بعدم شيء في الثانية ، لأن التاجر لم يلتزم بشيء أصلا ، ولا يستحق
الدلال اجرة عليه ، والروايات لا دلالة فيها على الفرق بين الابتداء أولا والرضا
آخرا ، والذي يقتضيه النظر أنهما إذا تراضيا على ذلك سواء تقدم بالقول الدلال أم
التاجر ، إذا وقع ما يدل على الرضا من الأخر فإنه يكون جعالة ، فيصح ، ولو أبطلنا
أو جبنا أجرة المثل في الموضعين ، ولو ان التاجر لم يصرح بشيء لم يكن للدلال شيء
إلا أن يأمره
__________________
بذلك ويكون له في
العادة على مثل هذا اجرة ».
وتبعه في كثير من
ذلك في المسالك ، وفي الجميع ما عرفت من عدم صحة الجعالة فضلا عن الإجارة ، لعدم
شمول الربح للمالك حين الجعل ، والمضاربة شرعت لدليلها ، مع أن العامل يملك جزاء ،
من المال بظهور الربح فيه ، بل لو جاز في الجعالة نحو ذلك لكانت المضاربة قسما
منها على أنه ليس في الجعالة عموم يشمل الفرض بناء على انها ليس من العقود كي
تندرج في عمومها ؛ إذا قلنا انها عبارة عن الإيجاب والقبول ، لما ستعرفه في محله
إنشاء الله من قوة القول بأن الجعالة من قسم الإيقاع ، والمتيقن مما جاء فيها
كتابا وسنة كون الجعل مملوكا ذمة أو خارجا ، بل هو المناسب لإنشاء تمليكه ، وإن
كان لا يملكه إلا بعد تمام العمل ، وحينئذ فلا فرق في عدم جواز الربح جعلا بين
كونه لعمل آخر كرد عبد ونحوه وبين كونه لذلك العمل نفسه كما لو قال بعه بالزيادة
وهي لك وغير ذلك.
وما تسمعه إنشاء
الله في باب الجعالة من التوسعة فيها انما هي في أمر أخر لا ما يشمل المقام فلاحظ
وتأمل بل الالتزام بمضمون النصوص المزبورة وإن كان مخالفا للقواعد اولى من ذلك
وينبغي حينئذ الجمود على ما فيها من ابتداء التاجر الدلال أما العكس فلا دلالة في النصوص
حينئذ ؛ فيبقى على القواعد من استحقاق اجرة المثل ولعله لذلك فرق الشيخان فيهما
وان أبيت من ذلك فحمل النصوص حينئذ وكلام الشيخين على توكيل التاجر الدلال علي
قبول المتاع بما فرضه من القيمة على نفسه عند ارادة البيع فيكون بيع المتاع حينئذ
له والزيادة له أولى ، فهو أشبه شيء بقول المالك أذنت لك ببيع مالي لك وعليك
قيمته فإذا باعه تعلقت قيمته ، في ذمته بل في عبارتي المقنعة والنهاية ما يشهد له.
ولا فرق في ذلك
بين ابتداء التاجر بذلك أو الدلال ، وليس في كلام الشيخين ظهور في الفرق المزبور
الذي لا يكاد يحصل له وجه معتد به كما أوضحه فيما سمعته من جامع المقاصد. نعم
الظاهر ان منشأ الفرق فيما ذكره من الصورتين عدم تعرض الدلال والتاجر للزيادة ،
وانما طلب الدلال الاخبار بالثمن ومقدار الربح كي إذا باعه به فصاعدا يستحق
أجرة عمله ، ولا
يكون للتاجر طريق عليه بأنك لم تبعه على ما أريد ومن هنا صرح الشيخ في هذه الصورة
بالرجوع بأجرة المثل كما سمعت ، وبذلك يظهر لك وجه النظر فيما سمعته من جامع
المقاصد وبعض من تأخر عنه ، كما انه لا يخفى عليك مما ذكرنا ان الأقوى ما ذكره
المصنف والفاضل في جملة من كتبه من وجوب أجرة المثل في المفروض المسألة لما عرفت
من بطلان ذلك اجارة وجعالة ، والنصوص وان كثرت وصح جملة منها وتعاضدت إلا ان اعراض
المعظم عنها مع ذكرهم لها يذهب الوثوق بها والعامل بها بظن أنها جعالة ليس عملا
بها حقيقة ، بل هو توهم أن مفروضها كذلك ، وقد عرفت فساده ، بل لعل الشيخين بعد ما
عرفت من عدم فرقهما بين ابتداء التاجر والدلال لذلك أيضا ، بل هي أجمع غير صريحة
في لزوم ذلك ، بل ولا ظاهرة ظهورا يعتد به ، إذ من المحتمل كون المراد نفي الباس
عما وقع بينهما مستمرا عليه التراضي منهما ، نحو نفى الباس في صحيح عبد الرحمن « سألت أبا عبد
الله 7 عن السمسار يشتري بالأجر فندفع إليه الورق ونشترط عليه إنك إن تأتي بما تشترى
فما شئت أخذته ، وما شئت تركته ، فيذهب ويشتري ويأتي بالمتاع فيقول خذ ما رضيت ،
ودع ما كرهت؟ قال : لا بأس » والله العالم.
( وأما
التولية )
التي قد تضمنتها
جملة من النصوص كصحيح منصور بن حازم وخبر على بن جعفر وخبر معاوية بن وهب وخبر سماعة وخبر أبى بصير وغيرها
__________________
وكثير من عبارات
الأصحاب كالشيخ وغيره ، فهي أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة وقد يقوى
جريان جميع ما سمعته في المرابحة مما يدخل قيمته في رأس المال من الأعمال وغيرها ،
لكن في التذكرة « لا بد من كون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذله ، فلو اشتراه
بعرض لم تجز التولية ، مع أنه ؛ قد ذكر جواز نحو ذلك في المرابحة ، وفيه أنه لا
ريب في جوازه إذا انتقل ذلك العرض الى من يراد توليته كما أنه يقوى جوازها بقيمة
العرض بعد الإخبار بذلك ؛ نحو ما سمعته في المرابحة ؛ واحتمال الفرق بينهما بدخول
التقويم في الجملة في المرابحة بخلافها باعتبار ظهور مادتها في إرادة العقد ،
بمعنى إعطاء البيع بنفس ما وقع في ذلك العقد ممنوع وإلا لجرى مثله في المرابحة
والمواضعة.
وعلى كل حال فيقول
إذا أراد عقدها وليتك أو بعتك أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على النقل الذي هو
بيع. نعم في جامع المقاصد والمسالك « إنه إن كان العقد بغير لفظ وليتك وجب ذكر
الثمن ، وإن كان بها لم يحتج ، كما أنه فيها وفي غيرها أنه يجعل مفعوله العقد لو
كان اللفظ وليتك.
ولذا قال في
الدروس والمسالك : « إنه يحتمل الاجزاء لو قال وليتك السلعة » قلت : لعل الاستغناء
عن الثمن فيما سمعته لصراحة لفظ التولية في البيع برأس المال ، فيغني ذكره قبل
العقد عنه فيه ، بل أصل المعنى في وليتك العقد إعطاء السابق ، بمعنى تمليك المولى
البيع بما ملكه المولى في العقد السابق ، لكن لا يبعد الاجتزاء بجعل المفعول
السلعة ، بل في كثير من نصوصها وقعت مفعولا للتولية ، وإن لم تكن في صورة العقد ،
بل لا إشعار في شيء من النصوص بجعل المفعول العقد ، فجعل المفعول السلعة إن لم
يكن أولى من كون المفعول العقد في الاستغناء عن الثمن ، فلا ريب في مساواته له ،
بل لا يبعد الاستغناء عنه لو قال بعتك السلعة تولية ، بل قد يظهر من القواعد
والتذكرة وغيرهما الاجتزاء بلفظ بعتك مع قصد التولية ، وإن لم يذكر لفظها ، كما أن
ظاهرهما الاجتزاء بهما وان لم يذكر لهما مفعولا من السلعة والعقد ، اكتفاء بما
قدماه على العقد ، وكل ذلك غير بعيد.
إنما الكلام في
أصل العقد بهذا اللفظ أي التولية ، ولا يبعد جوازه لاندراجه في عموم الآية بعد أن ذكر جماعة
من الأصحاب العقد به ، بل ذلك قرينة إلى إرادة العقد بهذا اللفظ في النصوص
المشتملة عليها ، لا أن المراد البيع برأس المال الواقع بألفاظه الخاصة ؛ ولا يشكل
ذلك بعدم جواز العقد بلفظ المرابحة والوضيعة ، للفرق بذكر بعض الأصحاب العقد
باللفظ الأول دونهما ، وبناء على أن المراد في الآية العقود المتداولة لا طريق إلى
معرفة ذلك إلا ذكر الأصحاب ، مضافا إلى أن التولية ليس إلا البيع برأس المال ،
بخلاف المرابحة والمواضعة التي لهما أفراد متعددة ، لتعدد أفراد الربح والنقصان ،
وإلى أن كلا من لفظهما لا دلالة في أصله على النقل ، بخلاف التولية التي من
مشتقاتها الولي بمعنى المالك المتصرف ، وهي بمعنى الإعطاء ، ونحوه مما يناسب إرادة
النقل ، فتأمل جيدا.
وكيف كان فهي بيع
يلحقها أحكامه من الشفعة والقدرة على التسليم وغيرهما ، كما أنه يلحقها الخيار
المزبور في المرابحة ، لو كذب برأس المال على ما صرح به في التذكرة ، لاتحاد
الطريق ، والزوائد المنفصلة قبل التولية للمولي وبعدها للمولى ، بالفتح خلافا لأحد
قولي الشافعية والحط من الثمن بعد التولية وقبلها للمولي بالكسر ، وفي القواعد »
لو باع تولية فحط البائع الأول عنه البعض فله الجميع ، وإن كان الحط قبل التولية
فله الباقي إن كان بما أدى » وهو جيد إن صدق عليها اسم التولية التي هي كما عرفت
البيع برأس المال ، ولا ريب في أنه الجميع ، ولا ينافيه الحط إذ هو إبراء وحينئذ
فالبيع بما أدى وضيعة لا تولية ، والمراد بالبيع بما أدى الإخبار بمقداره قبل ؛ ثم
البيع به ، لا أنه يناط البيع به ثم يعلم بعد ذلك ، ضرورة كونه حينئذ مجهولا فيفسد
كما يفسد البيع بذلك ، والله أعلم.
__________________
( وأما
المواضعة )
فإنها مفاعلة من
الوضع بمعنى الحط إذ هي النقصان قدرا من رأس المال ؛ ولا ريب في جوازها إذ هي
كالمرابحة ، إلا أنه قيل بكراهة النسبة إلى رأس المال ، نحو ما سمعته في المرابحة
، والتسامح فيها يقضي بالتسامح في البحث عنها ، والأمر سهل ، وحينئذ فإذا قال بعتك
بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون إذ لا ريب في ظهور العبارة في أن
الموضوع بعض كل عشرة ، لا أن المراد به معنى الوضع لكل عشرة ، حتى يكون الموضوع
خارجا عنها ، كما لو عبر بهذه العبارة التي لا ريب في ظهورها في كون الموضوع
للعشرة غيرها ، ولذا لم يخالف فيه أحد ، فيكون الثمن أحد وتسعين إلا جزءا من أحد
عشر جزءا من درهم ، وإلا لكان المتجه حينئذ عدم كون الثمن فيما فيما أو قال : من
كل أحد عشر درهما ما ذكره المصنف وغيره ، بل لا خلاف أجده فيه من أنه أحد وتسعون
إلا جزءا من أحد عشر جزء ، ولا ريب في أنه خلاف الظاهر ، ومحتاج إلى القرينة ،
فاحتمال جماعة له كما قيل : إن أريد به بحيث يساوى ذلك له ، فهو كما ترى ، فضلا عن
دعوى ظهور العبارة فيه ، كما هو واضح ، وفي الدروس « ولو قال : بعتك بمائة ووضيعة
درهم من كل عشرة ، فالثمن تسعون ، ولو قال لكل عشرة زاد عشرة أجزاء من أحد عشر
جزءا من درهم ، وضابطه إضافة الوضيعة إلى الأصل ، ونسبتها إلى المجموع ثم إسقاطها
، فالباقي الثمن.
ولو قال وضيعة
العشرة درهم ، احتمل الأمرين نظرا إلى معنى الإضافة من اللام ومن ، وإن أثبتا
الإضافة الظرفية ، فهي كالتبعيضية ، والشيخ طرد الحكم بالضابط في وضع درهم من كل
عشرة ، كأنه يجعل من لابتداء الغاية ، ويجعل العشرة سالمة للبائع ، وكذا في كون
الثمن تسعين لو قال بعتك بمائة بمواضعة الشعرة درهم ؛
وفاقا للمحكي عن
الشيخ لأن المنساق إلى الذهن كون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، فيساوي حينئذ
بوضيعة درهم من كل عشرة.
لكن في المسالك «
تبعا لما عن الميسية أن الإضافة بمعنى من ، لا تكون إلا في من البيانية لا
التبعيضية ، نحو خاتم فضة ، وباب ساج ، وهو منتف هنا ، لاشتراطها بصحة إطلاق
المجرور بها على المبين ، كما في قوله تعالى ( فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) وقد صرح بذلك المحقق الرضى وابن هشام وتاهيك بهما ، وحينئذ
فينتفي القول بحمل الإضافة في المسألة على معنى من رأسا ، لأن الموضوع المضاف بعض
العشرة ولا يصح الاخبار بها عنه فتعين كونها بمعنى اللام ، قلت : فيكون الثمن
حينئذ أحد وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا نحو المثال الآتي وفيه مضافا إلى ما
تسمعه من المناقشة في المثال المساوي له ، منع اعتبار ذلك في الإضافة ؛ قال الزمخشري
فيما حكي من كشافه في تفسير قوله تعالى ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) أنه يجوز الإضافة بمعنى من التبعيضية كأنه قيل ومن الناس
من يشترى بعض الحديث الذي هو اللهو منه.
وعن السيد الشريف
أنه نص في بيان معنى فاتحة الكتاب ؛ أن الإضافة بمعنى من قد تكون في من التبعيضية
، ونقله عن بعضهم وعن صاحب الكشاف ، ومن ذلك ينقدح قوة جواز الإضافة بمعنى التبعيض
الذي هو أعم من البيانية التي ذكرها ، وأنه لا يعتبر صحة الحمل ولعل التبعيض
بالمعنى المزبور حاصل حتى فيما ذكره من المثالين ، خصوصا وقد ذكر هذا الاحتمال
جماعة من المحققين ، كالشيخ والمصنف والفاضل والشهيد وفخر الإسلام والمحقق الثاني
وغيرهم ، حتى أن جماعة توقفوا في الترجيح بينه وبين كون الإضافة بمعنى اللام ، بل
صرح بعضهم بالبطلان مع عدم القرينة لتكافؤ الاحتمالين ، وكل ذلك دليل على صحته ،
وإن كان الأقوى ترجيحه على اللام بالتبادر في عرفنا الآن ، وترجيح ذلك عليه
بالقياس على المرابحة ؛ فإنه إذا قال : رأس مالي مثلا عشرون ، وبعتك برأس مالي مع
مواضعة العشرة درهمين ونصف ، فلو فرض أن ذلك كان بصيغة
__________________
المرابحة صار
المجتمع خمسة وعشرين ، ونسبة الخمسة إليها الخمس ، فينبغي سقوط الخمس من الثمن ،
لو كان بصيغة المواضعة وهو أربعة فيكون الثمن ستة عشر درهما ، ليس بأولى من القول
بملاحظة نسبة الوضيعة إلى رأس المال ، وأنه يسقط بقدرها ، فيكون الثمن خمسة عشر ، لأن
نسبة الخمسة إلى العشرين الربع.
وحينئذ ففي المثال
تنسب العشرة إلى الماءة وتسقط من الثمن فيبقى تسعون ، ضرورة أن نسبتها العشر ، لا
أنه تنسب العشرة إلى القدر المجتمع منها ومن رأس المال ، فيكون الساقط جزءا من أحد
عشر فتأمل جيدا ولو قال : بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل أحد عشرة ، كان الثمن أحدا
وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم بلا خلاف أجده فيه هنا ، لكن قد يشكل بأن
الظاهر الوضع لكل عشرة درهم ، فبعد حذف التسعة عن المائة ، لا ينبغي وضع شيء آخر
عن الواحد ، لعدم كونه عشرة ، فيكون الثمن حينئذ أحدا وتسعين ، مضافا إلى أصالة
عدم الوضع ؛ فلو ادعى البائع هذا المعنى حمل عليه ، ولو مات ولم يفسر حمل عليه
أيضا ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد الحط لكل عشرة أجزاء ، جزء من خارج درهما
كان أو عشرة ، ملاحظة لجانب المشتري ، لأن الأصل عدم الزيادة ، ولعله على ذلك مبنى
كلام الأصحاب ، ولا بأس به مع مساعدة العرف عليه ، وأما التشريك فقد تقدم سابقا
بعض الكلام فيه وفي الدروس هنا هو أن يجعل له فيه نصيبا برأس ماله ، وهو بيع أيضا
ولو أتى بلفظ التشريك ، فالظاهر الجواز ، فيقول شركتك في هذا المتاع نصفه بنصف
ثمنه ، انتهى وفيما ذكره أخيرا بحث.
( الفصل
السابع في الربا )
المحرم كتابا وسنة وإجماعا من
المؤمنين بل المسلمين ، بل لا يبعد كونه من ضروريات الدين ، فيدخل مستحلة في سلك
الكافرين ، كما يومي إليه ما رواه
__________________
ابن بكير « قال : إنه بلغ
أبا عبد الله 7 عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبأ ، فقال لئن أمكننى
الله منه لأضربن عنقه » ونحوه غيره
« والدرهم من الربا يمحق الدين ويورث الفقر ان تاب » « بل هو عند الله أشد من عشرين زنية » « بل ثلاثين » « بل سبعين كلها
بذات محرم في بيت الله الحرام » « بل للربا سبعون
بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه في الكعبة » « ولذا كان أخبث المكاسب وشرها ، ومن أكله ملاء
الله بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل » ، ومن اكتسب منه ما لا لم يقبل الله منه شيئا من عمله ، ولم
يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده قيراط واحد » وقد رأى النبي 6 لما اسرى به إلى
السماء أقواما يريد أحدهم أن يقوم ، فلا يقدر من عظم بطنه ، فسأل جبرئيل عنهم ،
فقال له : هم الذين يأكلون الربا » « فلعن الله آكله
ومشتريه وبايعه وكاتبه وشاهديه والزائد والمستزيد في النار » .
لكن في الدروس ولو
اضطر الدافع ولا مندوحة فالأقرب ارتفاع التحريم في حقه ، وهو جيد في بعض أفراد
الضرورة ، « وإنما حرمه الله لئلا يترك الناس فعل المعروف من القرض وغيره بل لتركوا التجارات أيضا بل هو في نحو
شراء الدرهم بالدرهمين من السفه المفسد للمال كما أومى إليه الرضا 7 في جواب السؤال
عن علة تحريمه « قال : لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشتري الدرهم
بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا فبيع الربا وشراؤه وكس على كل
حال ، على المشتري ، والبائع ، فحرم الله عز جل على العباد الربا ، لعلة فساد
الأموال ، كما حظر
__________________
على السفيه أن
يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده ، حتى يونس منه رشد ، فلهذه العلة حرم
الله عز وجل الربا وبيع الربا بيع الدرهم بالدرهمين ».
ومنه كغيره يعلم
أن ليس المراد من الربا المحرم مطلق الزيادة ، كما هو معناه لغة ؛ بل المراد به
كما في المسالك وغيرها « بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب
الشرع 7 أو في العادة مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع
الزيادة ، وإن لم يكونا مقدرين بها إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا ، ولم يكن
المتعاقدان والدا مع ولده. ولا زوجا مع زوجته » وإن كان تعريفه بذلك لا يخلو من
نظر ، من وجوه إلا أنه يسهل الخطب عدم إرادة تعريف الحقيقي ، بل قد يقال : إن
المراد به شرعا المعنى اللغوي ؛ لكن في خصوص النسيئة والبيع أو مطلق المعاوضة ،
بناء على تعميمه بالشرائط التي تسمعها إنشاء الله ، وبيع الربا هو البيع المشتمل
على الزيادة كما أومى إليه الرضا 7 بما سمعت ، وعن حواشي الشهيد وآيات المقداد وجامع المقاصد
أنه شرعا زيادة أحد العوضين إلى آخر ما سمعته من المسالك ، وعن فقه القرآن
للراوندى أصل الربا الزيادة والربا هو الزيادة على رأس المال من جنسه أو مماثله
إلى غير ذلك ، مما يرجع إلى ما ذكرنا من النصوص وغيرها ، فضلا عن التبادر.
ومن هنا ربما قيل
بأن المتجه بحسب القواعد صحة المعاملة المشتملة عليه ؛ واختصاص الفساد بالزيادة ،
لأنها هي محل النهي فبيع المثلين حينئذ بالمثل كبيع ما يجوز بيعه ، وما لا يجوز
بيعه ، في عقد واحد الذي يصح في الأول ، ويبطل في الثاني.
نعم لا يبعد
التسلط على الخيار مع الجهل وحينئذ فلا بد من الاستدلال على الفساد بدليل خاص غير
تحريم الربا لكن لا يخفى أن ظاهر الأصحاب بل وجملة من النصوص تحريم نفس المعاملة
وما يحصل بها ، فما يأخذه من الغريم من رأس المال والزيادة حرام ، وكذا ما يعطيه ،
وعن مجمع البيان معنى أحل الله البيع وحرم الربا : أحل البيع الذي لا ربا فيه ؛
وحرم البيع الذي فيه الربا ، فيمكن كون النهي هنا كالنهي عن بيع الملامسة و
المنابذة مما لا
إشكال عندنا في اقتضائه الفساد ، وأنه ليس كالنهي عن البيع وقت النداء أو يرجع إلى
النهي عن نفس العوض والمعوض عنه ، وهو لا ريب في اقتضائه الفساد.
بل يمكن استناد
الفساد إلى قاعدة تبعية العقود ، للقصود ، ضرورة أن البائع أو المشتري إنما بذل
المثل في مقابلة المثلين ، فان لم يتم له بطل العقد ، وليس هو كبيع الشاة والخنزير
التي يبطل من الثمن ما قابلها ، فيبقى الأخر بما قابله منه ، لان البطلان في
الزيادة هنا بلا مقابل وهو أمر غير مقصود ، للمتعاملين ، فلو صح العقد وقع ما لم
يقصد ، وما قصد لم يقع كما هو واضح.
نعم قد يقال بصحة
المعاملة إذا كانت الزيادة خارجة عن أحد العوضين ، كما إذا كانت شرطا ونحوه بناء
على أن بطلان الشرط لا يقضى ببطلان العقد ، مع احتمال القول بالفساد هنا ، وإن لم
نقل به هناك ، لظهور النص والفتوى في أن الربا متي دخل المعاملة أفسدها على أي وجه
كان دخوله ، فيختص النزاع السابق حينئذ بما إذا لم يكن فساد الشرط لانه ربا ، ومن
هنا كان اشتراط الأجل في أحد المتماثلين ربا ، وفي خبر خالد بن الحجاج « سألته عن رجل
كانت لي عليه ماءة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا ، قال : لا بأس ما لم تشارط ؛
قال : وقال : جاء الربا من قبل الشرط. وإنما تفسده الشروط » فالأقوى البطلان حينئذ
وإن كان الربا شرطا ، ولا ينافي ذلك ما تسمعه إنشاء الله من النصوص والفتاوي في
وجوب رد الزيادة في حالي العلم والجهل وعدمه ، كما ستعرف.
وقد تلخص مما
ذكرنا فساد المعاوضة الربوية على كل حال سواء قلنا بكون النهي عنها ، أو قلنا بأن
النهي عن الزيادة ، وأما الأول فواضح ، وأما الثاني فلان المراد من النهي عن
الزيادة معاملة المثل بالمثلين مثلا ، وهي مباينة لمعاملة المثل بالمثل على وجه لا
تتحقق الثانية في ضمن الأولى ، كي يكون النهي متعلقا بالزيادة نحو شراء
__________________
الشاة والخنزير ،
فإنهما معا يحصلان بعقد واحد ؛ فيصح بالمحلل ويبطل بالمحرم ، وليس ما نحن فيه كذلك
قطعا ؛ ضرورة عدم حصول معاملة المثل بالمثل في ضمن معاملة المثل بالمثلين ، مع
زيادة لما عرفت من مباينتهما على وجه لا يجتمعان ، فإنه متى تحقق أحدهما خرج عن
موضوع الأخر.
نعم لو فرض عقد
واحد اشتمل علي معاملة المثل بالمثل وعلى معاملة المثل بالمثلين أمكن حينئذ التزام
كونه كالشاة والخنزير وليس المقام من هذا القبيل قطعا ، فليس حينئذ معاملة المثل
بالمثلين الا من العنوان المحرم ، لا أنه اجتمع فيه المحلل والمحرم وكيف يتصور
اجتماعهما بعد اعتبار الشارع في المثل بالمثل عدم الزيادة فتأمل جيدا فإنه دقيق
نافع.
وكيف كان ف ( هو )
أي الربا يثبت في البيع بلا خلاف بين المسلمين بل هو كالضروري من الدين ، لكن مع
وصفين أحدهما اتحاد الثمن والمثمن في الجنسية والثاني كونهما مما يعتبران بالكيل
والوزن وكذا ثبوته في القرض فيتحقق فيه مع اشتراط النفع بالعين أو الصفة من غير
فرق فيه بين المكيل والموزون ، وغيرهما فهو أعم موضوعا من الأول فلا بد للفقيه
حينئذ من البحث في حكم كل منهما وشرائطه ـ ولذا قال المصنف أما الثاني أي ربا
القرض فسيأتي البحث فيه ، في بابه.
وأما الأول فيقف
بيانه على أمور أربعة لكن ينبغي أن يعلم أولا أن الظاهر ما صرح به المصنف في باب
الغصب من ثبوت الرياء في كل معاوضة ، وفاقا للمحكي عن السيد والشيخ والقاضي وابن
المتوج وفخر المحققين والشهيدين وابن العباس والقطيفي والعليين والأردبيلي وغيرهم
، بل نسبته الأخير في آيات أحكامه إلى الأكثر ، لإطلاق ما دل على حرمته من الكتاب
والسنة. إذ هو الزيادة المتحقق صدقها في البيع وغيره.
ودعوى ـ أنه البيع
والقرض مع وصف الزيادة كما يومي إليه تعريف بعضهم له بذلك أو أنه الزيادة فيهما
خاصة لغة أو شرعا ـ لا شاهد لها ، بل الشواهد جميعا على خلافها حتى ما ورد في وجه تحريمه من
تعطيل المعاش ، واصطناع الناس المعروف ونحوهما. بل والصحاح المستفيضة التي
سيمر عليك كثير منها ، كقول الصادق 7 في صحيح ابى نصر « الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الأخر
إلى أن قال : والدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به » وفي آخر كان علي 7 « يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر
، ولم يكن علي 7 يكره الحلال » وقال عبد الرحمن للصادق 7 أيضا « أيجوز
قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز إلا مثلا بمثل » كقوله أيضا في صحيح
الحلبي « الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيها زيادة ولا نقصان الزائد
والمستزيد في النار » وسأل محمد أبا جعفر 7 عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي
صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر رطلا دقيقا فقال : لا قلت : الرجل يدفع السمسم إلى
العصار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة ، قال : لا » بل قيل إنه صريح في المطلوب إلى
غير ذلك من النصوص ، الظاهرة بسبب الإطلاق أو ترك الاستفصال في حصول الربا
بالزيادة في مطلق المعاوضة ، المعتضدة مع ذلك كله بالاحتياط.
__________________
خلافا للحلي
والفاضل فخصاه بالبيع ، والقرض ، للأصل ، بعد دعوى أن الربا الزيادة فيهما ، أو أن
المنساق من الأدلة ذلك ، سيما بعد أصالة البيع في المعاوضة ، ولو لانه الكثير
الشائع ، فنصوص الاستدلال ونحوها تنصرف اليه ، وفيه ما عرفت ، وحينئذ فينقطع الأصل
بما سمعته ، مؤيدا بالشهرة العظيمة ، بل قيل إن الفاضل قد رجع عنه في كتاب الصلح
من القواعد ، فينحصر الخلاف حينئذ بالحلي ، واقتصار المصنف هنا على البيع مع
تصريحه في الغصب بالعموم ، لا يعد خلافا كتعريف بعضهم له بذلك مع تصريحه في غير
المقام بالتعميم ، الكاشف عن عدم إرادة الاختصاص بذلك ، وأنه ذكره لكون البيع محل
البحث ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.
وكيف كان فـ ( الأول
) من الأمور في بيان الجنس الذي قد عرفت اعتبار اتحاده في المنع من الربا كما
ستعرف دليله ؛ نعم قد صرح غير واحد أن المراد به في النص والفتوى الحقيقة النوعية
المسماة في المنطق بالنوع ، وفي اللغة بالجنس ، لكن اعترف في جامع المقاصد بأن ذلك
يعسر الوقوف عليه ، بل عن مجمع البرهان أنه متعسر ، بل قيل إنه متعذر ، وهو كذلك ،
ضرورة صعوبة الوصول إلى معرفة الذاتيات ، بحيث يفرق فيها بين الجنس والنوع ،
والصنف والفرد ، على وجه يطمئن به ولعله لذا جعل ضابطه في السرائر والتذكرة
والتحرير والدروس واللمعة وغيرها كل شيئين مثلا يتناولهما لفظ خاص كالحنطة مثلا
بمثلها والأرز بمثله ولعله لان الاتفاق في ذلك كاشف عن الاتحاد في الحقيقة
النوعية. كما يومي اليه الجمع ـ في المحكي عن الكافية ـ بينهما ؛ فقال : إن المراد
بالجنس الواحد الحقيقة النوعية ، وضابطه أن يتناولها لفظ خاص ، وكان وجه ذلك
معلومية إرادة كون التناول للاشتراك في القدر المشترك بين الأفراد الذي لا قدر
غيره أخص منه ، فلا أثر للتناول بالاشتراك اللفظي ، ولا للتناول بالاشتراك في
الجنس الذي تحته قدر أخص منه ، لافراد خاصة من ذلك الجنس ولا أقل من أن يكون ذلك
قاعدة مطردة حتى يعلم خلافها ، كاطراد قاعدة اقتضاء اختلاف اللفظ الخاص اختلاف
الحقيقة حتى يعلم ، فلا يرد
حينئذ تناول لفظ
الطعام والحب ونحوهما مما هي أسماء أجناس تحتها إقدار مشتركة أخص منها ، كما لا
يرد الاتحاد هنا في الشعير والحنطة مع اختلاف اللفظين ، مع إمكان التخلص عن الأخير
بطريق آخر ، هو ما أشارت إليه النصوص ، من أن الاتحاد في باب الربا بينهما باعتبار
كون الشعير من الحنطة ، وأنها هي أصله ، لا باعتبار اتحادهما في الحقيقة ، الآن
ومثله حينئذ كاف في تحقق الربا ، وإن اختلفت الحقيقة ، وكان إطلاق الأصحاب في أول
البحث الاكتفاء باتحاد الجنس ، مع جريان الربا في المختلف إذا كان أحدهما أصلا
والأخر فرعا ، اتكالا على ما يذكرونه بعد ذلك ، أو يريدون اتحاد الجنس ولو بالأصل.
نعم الظاهر
الاكتفاء بذلك إذا كانت الحقيقة الفرعية متخذة من ذلك الأصل لا غير كالشعير من
الحنطة. والتمر من الطلع مثلا ، فلا يرد حينئذ معلومية عدم الربا بين التمر والملح
الذي يفرض استحالته ، لأن حقيقة الملح ليست متخذة منه ، بل هو استحالة لخصوص فرد
فتأمل جيدا. فإنه دقيق نافع. وتسمع له فيما يأتي تتمة إنشاء الله.
وبذلك كله يظهر لك
ارتفاع الاشكال عن المسألة وإن التبس الأمر على بعض المحققين ؛ من متأخري
المتأخرين ، ولو فرض حصول فرد مشتبه بين كونه متحد الجنس ومختلفه ، فظاهر اعتبار
الأصحاب اتحاد الجنس في الحرمة الحل لأن الشك في الشرط شك في المشروط ، والفرض كون
المحرم مشروطا دون الجائز الباقي على مقتضى العموم.
نعم قد يقال إن
ظاهر النصوص الاشتراط في كل منهما ، لقوله فيما تسمع « إذا اختلف الجنسان أو الشيئان فبيعوا كيف شئتم » ونحوه
غيره ، وقوله « كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح
__________________
مثلين بمثل إذا
كان من جنس واحد » فيكون كل من الجائز والمحرم مشروطا بشرط ، فمع فرض الشك يتجه
الفساد ، لأصالة عدم ترتب الأثر ، وعدم النقل والانتقال ، ونصوص « كل شيء يكون فيه حلال وحرام » في غير الفرض ، كما يشهد
له اتفاقهم على عدم جريانها في المشتبهة من النساء بين الأجنبية والنسبية ، وليس
إلا لاشتراط كل من الحل والحرمة بشرط فرض الشك فيه ، فيبقى أصل عدم ترتب الأثر
بحاله ، كبقاء مقتضى قاعدة المقدمة.
نعم قد يقال
بالحلية في المشكوك في حصول سبب التحريم ، نحو ما أشارت إليه النصوص بأن جارية تحتك
ولعلها أختك » وللسيرة والطريقة وغيرهما ، وبذلك ظهر لك أن مقتضى النصوص في المقام
الفساد ، إلا أنه بملاحظة اقتصار الأصحاب الشرطية في المحرم دون غيره ، يحكم بالحل
في المشتبه فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فيجوز
بيع المتجانس بمثله وزنا بوزن نقدا بلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى عموما
وخصوصا كما أنه لا يجوز مع الزيادة الجنسية لذلك. نعم في المسالك. « هذا إذا كان
أصلهما الوزن ، اما لو كان أصلهما الكيل ففي الإكتفاء بتساويهما وزنا خاصة نظر ،
من كون الوزن أضبط ، حتى قيل إنه أصل للكيل ، ومن ورود الشرع والعرف بالكيل ، فلا
يعتبر بغيره ، وظاهر كلام المصنف اختيار الأول ، وهو متجه ، بل نقل بعضهم الإجماع
على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده 7 قلت : ستسمع
تحقيق المسألة في الفرع الأول والله أعلم.
وأما إذا كانت
الزيادة حكمية ، كالأجل فلا خلاف محقق معتد به في عدم الجواز فـ ( لا يجوز ) حينئذ
إسلاف أحدهما في الآخر ، لكن قال المصنف هنا على الأظهر ولعله أشار به إلى ما حكاه
في المختلف عن الخلاف من كراهة بيع
__________________
المتجانسين
متماثلا نسيئة ، والمبسوط من أن الأحوط أن يكون يدا بيد.
وفي الدروس « إنه
أول كلامه ، بإرادة التحريم لأن المسألة إجماعية ، » قلت : لأنه نفسه منع من بيع
الثياب بالثياب والحيوان بالحيوان نسيئة ، فضلا عما نحن فيه ، فمثله حينئذ لا يعد
خلافا بعد الإجماع بقسميه ، وظهور النصوص في تحقق الربا بذلك ، بل ستعرف القول
بتحققه بذلك مع اختلاف الجنس ، فضلا عن متحده.
وحيث يجوز بيع
المتجانسين لا يشترط في صحته التقابض قبل التفرق عندنا ، كما عن التذكرة لإطلاق
الأدلة السالم عن المعارض ، ضرورة عدم الربا بعد أن كانا حالين ، وإن قبض أحدهما
وبقي الأخر فاليد باليد ، إن كان في الأدلة يراد به نفي النسيئة ، كما هو معلوم ،
إلا في الصرف فيجب التقابض فيه حتى مع اختلاف الجنس ، للأدلة التي ستسمعها في
محلها ، بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، إلا من ابن زهرة في الغنية فأوجب التقابض
قبل الافتراق في بيع المتجانسين ، وهو غريب ، لم أجد من وافقه عليه.
وأغرب منه دعواه
نفى الخلاف عنه في الظاهر ، ولو اختلف الجنسان في الربويين جاز التماثل والتفاضل
نقدا ، بلا خلاف كما اعترف به بعضهم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للإطلاق والنبوي المجمع عليه كما
في السرائر « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » وقول أبى جعفر 7 في صحيح ابن مسلم
« إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد » كقول الصادق 7 في موثق سماعة :
« المختلف مثلان بمثل
__________________
يدا بيد لا بأس به
» وفي موثقه الآخر « سألته عن الطعام والتمر والزبيب قال : لا يصلح منها
اثنان بواحد إلا أن تصرفه إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر
من ذلك ».
وفي صحيح الحلبي
أو حسنته عن الصادق 7 « ويكره قفيز لوز بقفيزين ولكن صاع حنطة بصاعين من تمر أو
بصاعين من زبيب » وسأله أيضا في صحيحه الأخر « عن الزيت بالسمن اثنين بواحد قال يدا بيد لا بأس به » وفي
الموثق « كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من
جنس واحد » وغير ذلك من النصوص مفهوما ومنطوقا بل إليه يومئ نصوص الجواز فيما يعمل
من جنسين المعلوم بناء الجواز فيها على صرف كل إلى ما يخالفه كما هو واضح ، هذا
كله في النقد.
واما في النسيئة
فإن كان كل من العوضين من الأثمان فهو صرف لا تجوز فيه كما تعرفه في محله ، وإن
كان أحدهما منها والآخر من العروض فلا خلاف أجده في جواز التماثل والتفاضل بل
الإجماع بقسميه عليه ، إذ هو إما نسيئة أو سلم ، وكل منهما مجمع على جوازه ، بل
لعله من الضروريات المستغني عن الاستناد إلى إطلاق الأدلة ونحوه ، وإن لم يكن كذلك
بل كان عرضا بعرض ففيه تردد وخلاف فعن ابني أبي عقيل والجنيد والمفيد وسلار وابن
البراج عدم الجواز ، والمشهور نقلا وتحصيلا بل لعل عليه عامة المتأخرين الجواز ،
ولا ريب في أن
الأحوط المنع وإن كان الأقوى خلافه ، لإطلاق الأدلة الذي يقصر معارضه عن تقييده ،
سندا في البعض ، ودلالة في الجميع ، إذ هو إما البأس في المفهوم الذي هو أعم من
الحرمة ، كلفظ لا يصلح الذي ادعي ظهورها في الكراهة ، ولو للشهرة ، والتعبير
بلفظها في مضمر على ابن إبراهيم الطويل وغير ذلك ،
__________________
ولذا صرح بها هنا
غير واحد من الأصحاب ، بل في الغنية الإجماع عليها ، وهو دليل آخر على المطلوب ،
فالإستدلال ـ بصحيح الحلبي عن الصادق 7 الذي رواه محمد بن سنان عنه أيضا « قال : ما كان من طعام
مختلف أو متاع شيء من الأشياء متفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فإما
نظرة فلا يصلح ».
ونحوه خبر زياد بن ابى غياث إلا أنه قال : «
فأما النسيئة فلا يصلح » ـ لا يخفي عليك ما فيه خصوصا ، بعد معلومية ما دل على اعتبار
اتحاد الجنس في تحقق الربا إن أريد بعدم الجواز هنا للربا ، كما هو الظاهر
استبعادا لإرادة التعبدية دون الربوية ، ولأنه الظاهر مما ذكر دليلا لهم أيضا ،
وهو الحديث المشهور ، « إنما الربا في
النسيئة » الممنوع ارادة الشمول لما نحن فيه منه ، الموهون بمتروكية الحصر فيه ،
على ان من المعلوم عدم إرادة مطلق الزيادة من الربا فيه ، بل المراد بالشرائط
المعتبرة ، ومن جملتها عند علمائنا كما في المختلف اتحاد الجنس الذي صرحت به
الصحيحة المتقدمة كل ذا ، مع احتمال وروده كالنصوص السابقة مورد التقية ، لكون
المنع مذهب العامة ، كما يلوح من الغنية ، ويؤيده مصير الإسكافي ، وقد ظهر لك من
ذلك كله وجه ما ذكر المصنف من الاحتياط ، وغيره من الكراهة ، ولو من جهة الشبهة
الناشئة من أدلة المنع المزبور سيما مع صحة بعضها ، واحتمال إرادة الحرمة من نفى
الصلاحية ، إما من حيث الصيغة كما ادعاه بعض الناس ، أو من حيث غلبة التعبير به
وبلفظ الكراهة عن الحرمة في باب الربا مؤيدا ذلك بفتوى من عرفت.
لكن في الرياض «
أن المستفاد من النصوص المزبورة المنع في خصوص الزيادة العينية ، لا الحاصلة بمجرد
النسيئة ونحوها من الزيادات الحكمية ، فالفتوى بانسحاب
__________________
المنع فيها لا وجه
له مطلقا ، حرمة كان أو كراهة ، إلا أن المصير إلى الأخير بناء على المسامحة غير
بعيد ؛ » قلت : لعل الوجه في المنع ما عرفت من دعوى أن ذلك من الربا الذي يتحقق
بكل من الزيادتين ، فلاحظ وتأمل. والأمر سهل ؛ بعد ما سمعت من صفته على كل حال
والله اعلم.
والحنطة والشعير
جنس واحد في حكم الربا على الأظهر الأشهر بل المشهور نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة ،
خصوصا بين المتأخرين ، بل عليه عامتهم ، عدا ابن إدريس بل كادت تكون إجماعا ، بل
هي كذلك في الغنية ، ومحكي خلاف الشيخ لا لتناول اسم الطعام لهما إذ قد عرفت أنه
غير مجد بعد الاختلاف في الاسم الخاص الظاهر في اختلاف الحقيقة لا اختلاف صنف ؛ بل
للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة كقول الصادق 7 في صحيح ابى بصير
الذي رواه المشايخ الثلاثة « الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما
على الأخر » وفي صحيح الحلبي أو حسنه المروي في الكافي والتهذيب « لا يباع مختومان من الشعير ،
بمختوم من الحنطة ولا يباع ، إلا مثلا بمثل والثمرة أيضا مثل ذلك ، قال : وسئل عن
الرجل يشتري الحنطة ولا يجد عند صاحبها إلا شعيرا ، أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟
قال : لا إنما أصلهما واحد » وزاد
في الكافي « وكان علي 7 يعد الشعير بالحنطة » أى ويعدهما واحدا وقال سماعة في الموثق
« سألته عن الحنطة والشعير فقال : إذا كانا سواء فلا بأس » وقال البصري قلت : لأبي عبد
الله 7 « أيجوز قفيز من الحنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز إلا مثلا بمثل ، ثم
قال : إن الشعير من الحنطة » وقال الباقر 7 في صحيح زرارة ومحمد « الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق مثلا بمثل ، والشعير
بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به ، » وفي
__________________
خبر محمد بن قيس « أن أمير
المؤمنين 7 قال : لا تبع الحنطة بالشعير إلا يدا بيد ، ولا تبع قفيز من حنطة بقفيزين من
شعير » كقول الصادق 7 في مرسل صفوان « الحنطة والشعير لا بأس به رأسا برأس » وسأله أبو بصير « عن الحنطة
بالشعير والحنطة بالدقيق؟ قال : إذا كان سواء فلا بأس ؛ وإلا فلا » وقال هشام بن
سالم في الصحيح « سئل الصادق 7 عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار فلا يكون عنده ما يتم
له ما باعه ، فيقول له : خذ مني مكان كل قفيز قفيزين من شعير حتى تستوفي ما نقص من
الكيل ، قال : لا يصلح لأن أصل الشعير من الحنطة ، ولكن يرد عليه من الدراهم بحساب
ما نقص من الكيل » إلى غير ذلك من النصوص ، وكأنه أشار عليه السلم بالأصالة
المزبورة إلى ما رواه الصدوق بإسناده « أن على بن أبى طالب 7 سئل مما خلق الله
الشعير ، فقال : إن الله تبارك وتعالى أمر آدم أن ازرع مما اخترت لنفسك وجائه
جبرئيل 7 بقبضة من الحنطة فقبض آدم 7 على قبضته وقبضت حوا على أخرى ، فقال آدم لحواء : لا تزرعي
أنت فلم تقبل أمر آدم فكلما زرع آدم جاء حنطة ، وكلما زرعت حوا جاء شعيرا ».
ومن الغريب بعد
ذلك كله اختيار ابن إدريس العدم ، وأغرب منه دعواه أنه لا خلاف بين المسلمين ،
العامة والخاصة ، ولا بين أهل اللغة واللسان في أنهما جنسان ، وأنه لم يذهب إلى
الاتحاد غير شيخنا أبي جعفر والمفيد ومن قلده في مقالته ، وتبعه في تصنيفه ، وإلا
فجل أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا المصنفين الماضين ، لم يتعرضوا لذلك ، بل
أفتوا بأنه إذا اختلف الجنس فلا بأس ببيع الواحد بالاثنين ، مثل شيخنا ابن بابويه
، والسيد المرتضى ، وعلى ابن بابويه وغيرهم ؛ بل أبو على بن الجنيد من كبار فقهاء
أصحابنا
__________________
ذكر المسألة
وحققها وأوضحها في كتابه الأحمدي ، وقال لا بأس بالتفاضل بين الحنطة والشعير
لأنهما جنسان مختلفان.
وكذلك ابن أبى
عقيل من كبار مصنفي أصحابنا قال : « وإذا اختلف الجنسان فلا بأس ببيع الواحد بأكثر
منه وقد قيل : لا يجوز بيع الحنطة والشعير إلا مثلا بمثل سواء ، لأنهما من جنس
واحد ، وبذلك جاءت بعض الأخبار ، والقول والعمل على الأول ، وأطنب في المقال ،
وكان فيما قال : إن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا واستدل أيضا بقوله 7 « إذا اختلف
الجنسان فبيعوا كيف شئتم » قال : وقد اختلف الجنس في الحنطة والشعير صورة ، وشكلا
، ولونا ، وطعما ، ونطقا ، وإدراكا ، وحسا ، ونحو ذلك مما هو غير خفي على أصاغر
الطلبة ، فضلا عن أجلاء الأصحاب » ومع ذلك فيه أولا أنه مبني على أصل فاسد كما حرر
في الأصول ، بل أساء الأدب معه في الحدائق هنا ، فقال الواجب عليه مع رده هذه
الأخبار ونحوها من أخبار الشريعة هو الخروج من هذا الدين إلى دين آخر ، وثانيا منع
كونها آحادا بل هي إن لم تكن متواترة ، فمضمونها بسبب اعتضاد بعضها ببعض ، والعمل
بها والإجماع ونحو ذلك قطعي ، وثالثا إن خلاف القد يمين ، لا يقدح في سبق الإجماع
ولا في لحوقه وابن بابويه قد روى نصوص الاتحاد وظاهره العمل بها.
ومن الغريب أن
الفاضل في التحرير قد اغتر بنقله ، فقال : « قال الشيخ : الحنطة والشعير جنس واحد
وقال ابن ابى عقيل وباقي علمائنا : أنهما جنسان » إذ لم نعرف من عني بالباقي غير
ابني الجنيد وإدريس ، وقد ظهر لك بحمد الله سقوط القول بالاختلاف المقتضى لجواز
التفاضل فيهما والخبر العامي « بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير
بالبر كيف شئتم يدا بيد » لا ينبغي التعويل عليه خصوصا بعد ما قيل من القصور في
دلالته أيضا ،
نعم صرح غير واحد
من الأصحاب باختصاص ذلك في باب الربا وإلا ففي الزكاة و
__________________
غيرها جنسان ،
ولذا لم يكمل نصاب أحدهما بالآخر ، وقاعدة اشتراط اتحاد الجنس في الربا تخص
بالأدلة المزبورة ، قلت : قد يقال : إن النصوص إنما دلت على أن الشعير من الحنطة
لا أنهما الآن حقيقة واحدة ، لكن الربا يكفي فيه اتحاد الحقيقة فيه سابقا ، كما
يومي اليه التعليل في النصوص المزبورة ، وإن اختلفت لا حقا ؛ ولذا الحقوا كل فرع
بأصله في ذلك ، بخلاف الزكاة فإنه لا دليل على ذلك فيها ، فيبقى اقتضاء اختلاف
الحقيقة اللاحق بحاله فيها ، بخلافه في الربا ، بل لا تخصيص بقاعدة اشتراط الاتحاد
، ضرورة حصوله سابقا وليس المراد منه الاتحاد في سائر الأحوال.
فالنصوص حينئذ
إنما كشفت عن الاتحاد السابق ؛ وليس هو مما يستبعد إثبات مثله بها ، ولا ينبغي
معارضتها بمعلومية الاختلاف بين العامة والخاصة في الصورة والطعم وغيرهما ، إذ ليس
في شيء منها منافاة لذلك ، فتأمل جيدا والله أعلم. والعلس والسلت على القول
بأنهما من أفراد الحنطة والشعير فدخولهما فيها ظاهر ، وإن اختصا باسم آخر ، وإلا
فمقتضى الاسم عدم الإلحاق.
وثمرة النخل جنس
واحد وان اختلفت أنواعه وكان رديا بلا خلاف أجده فيه ، فلا يجوز التفاضل بين ردي
الدقل وجيد البرني مثلا ، وقد سمعت إطلاق كون الثمرة ، كالشعير والحنطة ، في صحيح
الحلبي كإطلاق
موثق سماعة « لا يصلح شيء من الطعام والتمر والزبيب اثنان بواحد ،
إلا أن تصرفه إلى نوع آخر » إلى آخره ، بل في التذكرة أن الطلع كالثمرة وإن اختلفت
أصولها ، وطلع الفحل كطلع الإناث وإن كان لا يخلو من تأمل إن لم ينعقد إجماع عليه
، ولعل إدراجه في قاعدة لحقوق الفرع بالأصل أولى.
__________________
وعلى كل حال لا
ينافي ما ذكرنا ما في خبر ابن سنان « سمعت أبا عبد الله 7 يقول : كان أمير المؤمنين 7 يكره أن يستبدل وسقا من تمر خيبر بوسقين من تمر المدينة ،
لأن تمر المدينة أدونهما » ومثله خبر ابن مسكان لكن بدون تعليل ،
إذا الظاهر إرادة الحرمة من الكراهة هنا ، خصوصا بعد خبر سيف التمار ،
قال : « قلت :
لأبي بصير أحب أن تسأل أبا عبد الله 7 عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر
مشقق قال : فسأله أبو بصير عن ذلك فقال : هذا مكروه ، فقال : أبو بصير ولم يكره ،
فقال : كان على بن ابى طالب 7 يكره ان يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ،
ولم يكن على 7 يكره الحلال » وفي الكافي قبل قوله ولم يكن « لان تمر المدينة أدونهما » والصواب
أجودها مكان أدونهما ، كما في خبر محمد بن قيس سمعت أبا جعفر 7 « يكره وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأن تمر
المدينة أجودهما » الحديث أو مبادلة كل من المدينة وخيبر بالآخر ، كما سمعته في
خبري ابن سنان ومسكان والله أعلم.
وكيف كان فقد ظهر
أن ثمرة النخل بجميع أفرادها جنس واحد وكذا ثمرة الكرم على اختلافها في الشكل
والطعم وغيرهما.
وفي موثق سماعة « سئل أبو عبد
الله 7 عن العنب بالزبيب؟ فقال : لا يصلح إلا مثلا بمثل » مع أنه لا خلاف أجده أيضا
فيه ، وفي القاعدة المعروفة بين الأصحاب قديما وحديثا وهي أن كل ما يعمل من جنس
واحد يحرم التفاضل فيه وإن اختص هو باسم كالحنطة بدقيقها ، والشعير بسويقه ،
والدبس المعمول من التمر بالتمر ، وكذا ما يعمل من العنب بالعنب إلحاقا للفرع
بأصله في حكم الربا ، للمعتبرة المستفيضة
__________________
التي منها صحيح زرارة ومحمد « المتضمن لنفي
البأس عن الحنطة بالدقيق إذا كانا مثلا بمثل » كصحيحه الأخر عن الباقر 7 أيضا « الدقيق
بالحنطة ، والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به ».
وموثق سماعة « سألته عن
الحنطة والدقيق؟ فقال : إذا كانا سواء فلا بأس » وقال أبو الربيع للصادق 7 : « ما ترى في
التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا بأس. قلت : فالبختج والعصير مثلا بمثل؟
قال : لا بأس » وفي الوافي البختج : العصير المطبوخ معرب مي پخته » وسأل محمد بن
مسلم أبا جعفر 7 « عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام ، فيقاطعه على أن يعطي
صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر رطلا دقيقا ، فقال : لا قلت : الرجل يدفع السمسم
إلى العصار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة؟ فقال : لا » وسأله أيضا في صحيحه الآخر « عن البر
بالسويق؟ فقال : مثلا بمثل لا بأس به. قلت : إنه يكون له ريع ، « أى نماء » أو
يكون فيه فضل فقال : أليس له مؤنة؟ قلت : بلى قال : هذا بهذا ، وقال : إذا اختلف
الشيئان فلا بأس مثلين بمثل » إلى غير ذلك من النصوص المتمم دلالتها بعدم القول
بالفصل بين مواردها وبين غيرها مضافا إلى التعليل السابق في نصوص الحنطة والشعير
الظاهر في التعدية إلى كل فرع بالنسبة إلى أصله كما حقق في الأصول ، بل في مرسل على بن
إبراهيم المضمر « وما كيل أو وزن مما أصله واحد ،
__________________
فليس لبعضه فضل
على بعض ، كيلا بكيل ، أو وزنا بوزن ، فإذا اختلف أصل ما يكال ، فلا بأس به اثنان
بواحد يدا بيد ؛ ويكره نسيئة » إلى أن قال : « وما كان أصله واحد أو كان يكال أو
يوزن فخرج منه شيء لا يكال ولا يوزن ، فلا بأس به يدا بيد ، ويكره نسيئة ، وذلك
كالقطن والكتان ، فأصله يوزن ، وغزله يوزن ، وثيابه لا توزن ، فليس للقطن فضل على
الغزل ، وأصله واحد فلا يصلح إلا مثلا بمثل ، فإذا صنع منه الثياب صلح يدا بيد ،
والثياب لا بأس الثوبان بالثوب » ولا يقدح إرساله وإضماره بعد الانجبار بالشهرة
العظيمة ، بل قيل إنها إجماع.
وفي التذكرة «
الأصل مع كل فرع له واحد ، وكذا فروع كل أصل واحد ، وذلك كاللبن الحليب مع الزبد ،
والسمن والمخيض واللبأ والمصل والأقط والجبن والترحين والكشك والكامخ والسمسم مع
الشيرج والكسب والراشي ، وبزر الكتان مع حبة ، والحنطة مع الدقيق ، والخبز على
اختلاف أصنافه من الرقاق والفرن وغيرهما ، ومع الهريسة ، والشعير مع السويق ،
والتمر مع السيلان والدبس والخل منه والعصير منه ، والعنب مع دبسه وخله ، والعسل
مع خله ، والزيت مع الزيتون ، وغير ذلك عند علمائنا أجمع ، فلا يجوز التفاضل بين
اللبن والزبد ، والسمن والمخيض : واللبأ واللاقط ، وغير ذلك مما تقدم ، بل يجب
التماثل نقدا ، ولا يجوز نسيئة لا متماثلا ولا متفاضلا ، ولا فرق في ذلك بين الأصل
مع فرعه ، أو بعض فرعه مع البعض » إلى آخره مؤيدا ذلك كله بعدم العثور على خلاف في
شيء من القاعدة المزبورة وفروعها ، إلا ما عن الأردبيلي من التأمل في ذلك ، وأنه
غير منضبط على القوانين من حيث عدم صدق الاسم الخاص على الجميع ، وعدم الاتحاد في
الحقيقة.
ولهذا لو حلف أن
لا يأكل أحدهما لم يحنث بأكل الأخر : فيحتمل كونهما جنسين يجوز التفاضل فيهما ،
والشرط في النصوص للكراهة مع عدمه ، كما مر في سائر المختلفات
قال : « ويمكن أن
يكون الضابط أحد أمرين ؛ إما الاتفاق في الحقيقة أو الاتحاد في الاسم ، وهنا الأول
متحقق وإن لم يتحقق الثاني ، وفيه تأمل ».
قلت : كان وجه
التأمل عدم تمامية ذلك أيضا ضرورة أنه قد يتخلف الاسم والحقيقة ، كالتمر والخل
والزبد والمخيض كما اعترف هو به في أول كلامه ، ورده بعض الأفاضل ، بأن مرجع
المناقشة المزبورة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتحاده في الربا بين
الربويين ، هل هو الحقيقة الأصلية خاصة وإن اختلفت أسماء أفرادها ، أو أنه لا بد
من الاتحاد في الاسم ، بناء على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة
، ولا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدمناه من الأدلة الدالة على إرادة المعنى الأول
بلا شبهة ، وتكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية كما
سلمه هو في مسألة الحنطة والشعير للنصوص الجارية هنا بمقتضى العلة المنصوصة ، ولذا
إن الحلي المصر على إرادة المعنى الثاني في مسألة الحنطة والشعير وافق الأصحاب في
المسألة ، مدعيا في جملة من مواردها إجماع الطائفة.
وبذلك يظهر لك
الفرق بين المقام وبين ما ذكره فانا لا ننكر دوران الأحكام مدار الأسماء في غير ما
نحن فيه ، كما هو واضح ، وهو جيد لو كانت المناقشة من حيث اختلاف الإسلام خاصة ،
وإلا فحقيقة الأصل والفرع متحدة.
اما إذا كانت في
مختلف الحقيقة من الفرع مع الأصل الذي هو فرد من إطلاق القاعدة المزبورة ، ومن
مقتضيات العلة في نصوص الحنطة والشعير ، فمن الواضح عدم توجه بعض ما في الرد عليها
من هذه الحيثية ، ضرورة إمكان منع دلالة النصوص وغيرها على نحو ذلك أولا ، ومنع
تسليمه ثانيا ، لمعارضته بما دل « على البيع كيف شئتم مع اختلاف الجنس ، » وإن كان
من وجه ، وبما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا ، وباستلزامه حصول الربا
في المستحيل إلى حقيقة أخرى لو بيع بأصله ، كالتمر المستحيل إلى الملح مثلا
والتزامه في غاية الصعوبة ، لعدم الدليل الصالح لإثباته عدا إطلاق معقد الإجماع
على
القاعدة المعارض ،
بإطلاق معقد جواز البيع ، مع اختلاف الجنس كيف شاء ، وعدا منصوص العلة في نصوص الحنطة والشعير
الذي لا جابر له في الفرض ، لقلة من استند في هذه القاعدة إليه ، بل قد يقال : أنه
من الحكمة لا من العلة خصوصا مع ملاحظة خبر زرع حوا ، وستسمع التصريح في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد
بجواز بيع اللبن باللحم لاختلاف الماهية ، بل كثير من أفراد ذلك غير محتاج إلى
التصريح هذا.
لكن الإنصاف أنه
لا مناص عن التزامه ، أو القول به في المستحيل إلى حقيقة أخرى هي فرع لذلك الأصل ،
كالشعير بالنسبة إلى الحنطة ، لا إذا لم تكن واستحال إليها فرد من ذلك الجنس ،
كالمثال المزبور أو القول بتنزيل إطلاقهم على الفرع الذي لم ينتقل إلى حقيقة أخرى
، وإن تغير الاسم كالدقيق بالنسبة إلى الحنطة ونحوه ، لكن ينافي ذلك بعض أمثلتهم
للقاعدة ، منها ما سمعته من معقد إجماع التذكرة الشامل لبيع الفرع بالفرع أيضا وإن
اختلفا في الحقيقة بعد اتفاقهما في الأصل ، ومن هنا كانت المسألة من المشكلات
ومحتاجة إلى التأمل التام ، وقد تقدم لنا سابقا بعض الكلام في ذلك فلاحظ وتأمل.
بل قد يناقش فيها
من جهة أخرى وهي أن الفرع إن كان بسبب العمل ومخالطة غير الربوي له كالخل الذي
يتخذ من التمر والماء الذي هو من أمثلة القاعدة المزبورة ، قد يمنع لحوقه بالربوي
من جزئي أصله ، ضرورة كونه ترجيحا من غير مرجح بعد فرض عدم كون الجزء الآخر من
المستهلكات ، فإطلاق أدلة البيع وغيره يقتضي جواز التفاضل فيه لو بيع بالتمر مثلا
، اللهم الا أن يدعى أن الماء صار من اجزاء التمر كالمعتصر منه ، لكنه كما ترى.
وفي التذكرة في
المقام « أن مخالطة الملح والماء والأنفحة وبعض الأجزاء اليسيرة لا توجب اختلافا.
لأنها أجزاء يسيرة لا اعتبار بها ، فإن كانت كثيرة توجب اختلافا جاء
__________________
حكم المختلفين »
فتأمل جيدا ، فإنه يمكن القول باعتبار ما كان فرعا لأصل نحو الحنطة والدقيق ،
والشعير والسويق ، ونحو الدهن من السمسم مما سمعته في النصوص المزبورة ، لا كل فرع
لكل أصل وإن كان بعيد الا يعرفه إلا خواص الناس ، نحو طلع الفحل ، ونحو اتخاذ
القند من الشوندر ، وغير ذلك مما يستخرج من بعض الأجسام على وجه لا يدركه إلا أو حدي
الناس لا أقل من الشك والأصل الجواز ، بناء على ما سمعت ، وإجماع التذكرة لا وثوق
به في ذلك وشبهه.
وأما المناقشة
فيها بما حكاه في الرياض عن الفاضل المزبور أيضا ، منها ـ أنه لا شك في أن الحنطة
إذا جعلت دقيقا تزيد كما هو ظاهر ، ودلت عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ،
وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمل ، فلا ينبغي صحة بيع
أحدهما بالاخر متساويا أيضا للزيادة كما في اليابس من جنس بآخر رطبا مثل الرطب
بالتمر ، والعنب بالزبيب ، فكيف لا ينبغي النظر إلى مثل هذه الزيادة في وقت آخر
بتبديل وتغيير ، مع أنه معتبر عندهم في الرطب والتمر ؛ فقد أجاب عنها في الرياض
باغتفار هذه الزيادة اتفاقا فتوى ورواية.
ولعل الوجه فيه ما
أشير إليه وإلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه ، وحاصلها أن
اغتفار الزيادة إنما هو لأجل الطحن ، وليس بيع الرطب بالتمر اليابس على تقدير
المنع عنه مثله بالبديهة ، إذ لا مئونة في يبس التمر وهو فرق واضح لا يشوبه شوب المناقشة.
قلت لا إشكال في
منع الزيادة سواء كان في مقابلها عمل له مئونة أولا ؛ كما صرحوا به في بيع الخاتم
بالفضة وغيره ، كما أن الظاهر عدم الفرق بين الزيادة الحسية والحكمية ، والفعلية
والتقديرية ، بناء على العمل بالعلة المستفادة من قوله 7 « أينقص إذا جف »
كما ستعرف ، الكلام فيه
مفصلا إنشاء الله ، فلا يبعد حينئذ أن يكون وقوع التعليل
__________________
في الصحيح إقناعيا
لرفع استبعاد المخالفين ، وإلا فمثل هذه الزيادة غير قادحة ، للنص والإجماع هذا.
وفي الوافي في بيان وجه هذه الزيادة : « لعل مراد السائل أن البر له ريع ، فيه فضل
لأنه يزيد إذا خبز ، بخلاف السويق » انتهى وقد يكون المراد أنه إذا بيع أحدهما
بالآخر كيلا ، لأنهما من المكيلات ، فإن الحنطة تكون أثقل والسويق أخف ، فيحصل الريع
والزيادة في الحنطة ، بل لو بيعا بالوزن يحصل التفاوت في الكيل ، وستعرف البحث في
ذلك ، وأنه هل المعتبر التساوي فيهما ، أو يكفي فيه أحدهما وإن تفاوتا في الأخر
وكيف كان فلا مجال لهذه المناقشة بعد النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات كما هو
واضح والله اعلم.
وما يعمل من جنسين
يجوز بيعه بغيرهما وبهما مع التفاضل وعدمه وبكل واحد منهما لكن بشرط أن يكون في
الثمن زيادة عن مجانسه بحيث تصلح لمقابلة الأخر مع الانفراد كما في المسالك ، أو
ولو مع الانضمام كما يقتضيه إطلاق غيره ، والأول أحوط ، وإن كان الثاني لا يخلو من
قوة.
وعلى كل حال فلا
خلاف أجده في شيء من ذلك نصا وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه ، كما ستعرف ذلك كله
وغيره في « المسألة السادسة » إذ هي مع ما نحن فيه من واد واحد كما اعترف به في
المسالك ضرورة عدم الفرق بين المعمول من جنسين وبين بيع الجنسين صفقة من غير عمل
يقتضي تركيبهما في ذلك نعم عن السيد العميد أن كل مركب من شيئين أو أشياء
كالزلابية والأشربة إذا لم يمكن انفصال أجزائه بعضها عن بعض ، فهو كالشيء الواحد
، لا يجوز التفاضل فيه وهو غريب ، إذا فرض عدم الخروج بالتركيب إلى حقيقة أخرى
خارجة عن الجنسين ، بل وإن كان كذلك ، بناء على الاحتمال الذي ذكرناه سابقا في
مسئلة لحوق الفرع بالأصل ، إذ الظاهر عليه هنا لحوقه بأصلهما ، فلا يجوز بيعه بجنس
أحدهما ، مع عدم الزيادة المقابلة ، ويجوز معها وبهما معا مطلقا ، ومنه المركب
مثله ، فتأمل جيدا ، فإنه يمكن المنع من اللحوق هنا وإن قلنا به بالنسبة إلى جريان
الربا ، إلا أن الغرض منه التخلص من الربا ،
وحينئذ فلا يجوز
بيعه بمثله متفاضلا.
وعلى كل حال فلا
يعتبر معرفة مقدار كل من الجنسين في صحة البيع اكتفاء بمعرفة المجموع حتى في صورة
البيع بجنس أحدهما ، إذ يمكن فرض العلم بزيادة الثمن عما قابله من جنسه ، وإن لم
يعلم خصوص المقدار من ذي الجنسين بان يعلم مثلا ان المجانس لا يبلغ النصف ، فيبيعه
بقدر ثلثي المجموع مثلا ، كما هو واضح. والله أعلم.
واللحوم مختلفة في
الجنس بحسب اختلاف أسماء الحيوان بلا خلاف بل في التذكرة الإجماع عليه ، والاشتراك
في اسم اللحم لا يقتضي الاتحاد ، كالاشتراك في اسم الحيوان.
نعم لحم البقر
والجاموس جنس واحد إجماعا في المحكي عن الغنية والتذكرة مؤيدا بما تقدم لهم في باب
الزكاة ولدخولهما تحت لفظ البقر لغة فالاختلاف حينئذ في العرف اختلاف أفراد لا
حقيقة ، وإن اختص كل منهما باسم فيه ، فتوقف فاضل الرياض فيه لذلك قال « وإن
تجانسا لغة كما حكي في غير محله ، بل لا وجه لما فرضه من اتحاد الجنس في اللغة
واختلافه في العرف » ولحم الضأن والمعز جنس واحد. بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع
في محكي الكتابين عليه ، لدخولهما تحت لفظ الغنم الظاهر في أنه اسم للنوع الذي لا
يقدح في اتحاد الحقيقة فيه مثل هذا الاختلاف كالإنسان ، بل في حواشي الشهيد «
اللحم والكبد والقلب والكرش كله واحد » وفيها أيضا « يجوز بيع اللبن باللحم ،
واللحم بالبيض لاختلاف المهية ، بخلاف الدبس بالخل للاختلاف بالصفة لا غير واللحم
والشحم مختلفان ، أما الألية والشحم ، فالظاهر اتحادهما كما في الدروس ».
ولحم الإبل عرابها
وبخاتيها جنس واحد بلا خلاف أيضا ، والإجماع في محكي الكتابين عليه ، لنحو ما عرفت
، والبخاتي : بفتح الباء وتشديد الياء المثناة من تحت جمع بختي ـ بضم الباء وتشديد
الياء أيضا : الإبل الخراسانية قال الشاعر : « لبن البخت في
قصاع الخليج »
ويخفف ويثقل ، وربما قيل انه معرب ، والطيور أجناس مختلفة لغة وعرفا ، لاختصاص كل
منهما باسم ، وإن جمع الجميع اسم الطير بلا خلاف أجده في شيء من ذلك.
نعم في خصوص
الحمام منه خلاف فقيل إنه جنس واحد كما هو خيرة الفاضل في التذكرة وغيرها ،
والشهيد في الدروس والمحقق الثاني في جامعه ، للاشتراك في الاسم ، ولأنه أقرب إلى
الاحتياط وقيل وهو الذي يقوى عند المصنف أن كل ما يختص باسم منه ، فهو جنس على
انفراده كالفخاتي والورشان وهو ظاهر التحرير أو صريحه ، ومنشأ الخلاف الشك في أن
مقولية الحمام على ما تحته مقولية النوع على الأصناف ، أو الجنس على الأنواع ،
فعلى الأول يحرم بيع بعضها ببعض مطلقا ، وعلى الثاني يختص كل نوع بحكمه ، ولما كان
الوقوف على ذاتيات الحقائق عزيز جدا ، ولم يكن من جهة الشرع قاطع بشيء حصل الخلاف
، لكنك خبير أن الإطلاقات تقتضي الجواز مع الشك ، مضافا إلى عدم مساعدة العرف بصدق
الحمام على كثير مما ذكر أنه فرد له ، إذ المعروف عند معظم الفقهاء كما قيل أن
الحمام كل طائر يعب الماء أو يهدر ، فيدخل فيه القماري والدباسي والفواخت ، سواء
كانت مطوقة أو لا ، ألفه أو وحشية ، بل عن الكركي أنه عرف عند أهل اللغة أيضا ،
لكن فيه أن المحكي عن أكثر كتب اللغة كالصحاح وفقه اللغة وشمس العلوم والسامي
وغيرها أنه كل مطوق ، وحكاه الأزهري عن أبي عبيدة عن الأصمعي.
وعن مصباح المنير
: الحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت والقماري وساق حرا والقطار والدواجن
والوراشين وأشباه ذلك إلى أن قال : والعامة تخص الحمام بالدواجن ، وكان الكسائي
يقول الحمام هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت ، والظاهر أن التفاوت بينهما
قليل أو منتف.
وعلى كل حال
فالعرف لا يوافق شيئا مما سمعته عند أهل اللغة فلا ريب حينئذ في أن
الأحوط الاتحاد
خصوصا بعد قوله 6 « ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال » بناء
على شموله لمثل المقام وإن كان الذي يقوى التعدد بتعدد الأسماء ، والله أعلم ، بل
ظاهر قول المصنف وكذا السموك أنه أيضا أجناس متعددة بتعدد اسم كل واحد ، بل هو
صريح التحرير ، ولكن يظهر من بعض مشايخنا أن المعروف كونه جنسا واحدا ، لشمول
الاسم للجميع ، والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف بالحقيقة ، ويمكن إرادة ذلك
من الإشارة في المتن وهو لا يخلو من قوة ، لكن لا ريب في أنه جنس مخالف لغيره من
اللحم ، كما أن الجراد جنس مخالف لسائر اللحوم البرية والبحرية.
وعلى كل حال ففي
المسالك « الطير إنما يتصور الربا فيه إذا بيع لحمه وزنا ، أما لو بيع جزافا فلا ،
ولو بيع عددا كما هو الغالب ففي ثبوت الربا فيه خلاف يأتي ، والأقوى عدمه » قلت :
ستعرف أنه لا يكفي في الربا أيضا مطلق البيع وزنا وإن كان المتعارف في الزمن
السابق بيعه جزافا وكيف كان فـ ( الوحشي ) من كل جنس مخالف لأهليه كما نص عليه ؛
بل عن الغنية وجامع المقاصد وظاهر التذكرة وغيرهما الإجماع عليه ، بل عن موضع آخر
من التذكرة ما هو كالصريح في ذلك ، ولولا هذا الاتفاق لأمكن المناقشة في ذلك كما اعترف
به في الرياض هذا وعن الخلاف والمبسوط أن ليس في الإبل وحشي.
والألبان تتبع
اللحمان في التجانس والاختلاف بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة الإجماع عليه ،
فلبن الإبل جنس ولبن البقر جنس آخر كذي اللبن وقد يحتمل اتحاد الجنس في بعضها ،
وإن اختلف اللحمان ، بل عن بعض العامة أنها جميعا جنس واحد. والله أعلم.
هذا وقد عرفت
سابقا أنه لا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من اللبن وبينه كزبد البقر مثلا ، بحليبه
ومخيضه وأقطه لأنه فرعه بل لا يجوز التفاضل في الفروع نفسها
__________________
فضلا عن الفرع
وأصله فلاحظ وتأمل. والأدهان تتبع ما تستخرج منه ، فدهن السمسم جنس ، وكذا ما يضاف
إليه كدهن البنفسج والنيلوفر لأن إضافته إليه لا تخرجه عن أفراد أنواع الدهن ،
فإنه ليس مركبا منه ومما يضاف إليه بل هو عين الدهن يكتسب باختلاطه به مدة خاصة ثم
ينزع منه ودهن البزر جنس آخر كدهن اللوز ودهن الجوز وغيرها من الأدهان كما هو واضح
، ضرورة أن الاشتراك في الدهنية لا يقتضي الاتحاد في الحقيقة المعلوم اختلافها
وكذا الخلول فإنها تتبع ما يعمل منه فخل العنب مخالف لخل الدبس وإن اشتركا معا في
الخلية ويجوز التفاضل بينهما نقدا كغيرها من المختلف وأما في النسيئة ففيه تردد
وخلاف تقدم تحقيق الحال فيه سابقا إذا المقام فرد من افراد مختلف الجنس والله
أعلم.
الثاني من الأمور (
اعتبار الكيل والوزن فـ ) إذا كان المبيع والثمن كذلك مع اتحاد الجنس حرم الربا
فيهما إجماعا بقسميه ، وسنة وكتابا ، بل كاد يكون ضروريا ، إنما الكلام في اشتراط
ذلك فيه وقد عرفت سابقا اشتراط الجنسية ، أما التقدير بهما على معنى أنه لا ربا
إلا في مكيل أو موزون فهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل عن الخلاف ومجمع
البيان والتذكرة وظاهر الغنية والسرائر الإجماع على عدم الربا في المقدر بالعدد ؛
وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني منها ، إلا أن الأصل والعمومات كافية في الجواز.
مضافا إلى النصوص
المستفيضة إن لم تكن متواترة كالصحيح المروي في الكتب الثلاثة « لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم
يكن كيلا أو وزنا » والخبر المنجبر بما سمعت « أن ما عد عدا ولم يكل ولم يوزن فلا بأس
به ، اثنان بواحد يدا بيد ، ويكره نسيئة » وموثق منصور بن حازم سال الصادق 7 « عن البيضة
بالبيضتين؟ قال : لا بأس ، والثوب بالثوبين؟ قال لا بأس والفرس بالفرسين؟ قال : لا
بأس به ، ثم قال : كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل
__________________
إذا كان من جنس
واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد » وخبره الأخر « سألته عن الشاة
بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين؟ قال : لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا » وكذا سأله داود بن
الحصين فأجابه بذلك أيضا.
والخبر الذي قيل
فيه أنه مروي في الكتب الثلاثة أيضا بستة طرق ، منها الصحيح عن عبيد بن زرارة
تارة ، وعن زرارة أخرى عن الصادق 7 « لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن » وصحيح زرارة أيضا
عن الباقر 7 « البعير بالبعيرين ، والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به
بأس ، وقال : لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا وصفتهما » وسأل البصري أبا عبد الله 7 « عن بيع الغزل
بالثياب المنسوجة والغزل أكثر وزنا من الثياب؟ فقال لا بأس » وسأله أيضا « عن العبد
بالعبدين والعبد بالعبد والدراهم؟ قال : لا بأس بالحيوان كله بدا بيد ونسيئة » وسأله
سعيد بن يسار أيضا « عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال : نعم لا بأس
إذا سميت الأسنان جذعين ، أو ثنيين ، ثم أمرني فخططت على النسيئة لأن الناس يقولون
لا » وموثق سماعة « سألته عن بيع الحيوان اثنين بواحد؟ فقال : إذا سميت
الثمن فلا بأس » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب.
فما في المقنعة
وعن ابى علي وسلار من ان حكم المعدود حكم المكيل والموزون ، فلا يجوز التفاضل في
المتجانسين مطلقا نقدا ونسيئة واضح الضعف ، وإن كان قد يحتج له بعد إطلاق حرمة
الربا بصحيح محمد « سأل أبا عبد الله 7 عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع ، والبعير بالبعيرين
والدابة بالدابتين؟ فقال كره ذلك علي 7 فنحن نكرهه ، إلا ان يختلف الصنفان قال : وسألته عن الإبل
والبقر والغنم أو أحدهن في هذا الباب؟ فقال : نعم فإنا
__________________
نكرهه » وصحيح ابن
مسكان المروي في الفقيه مرسلا مقطوعا قال : « سئل الصادق (ع) عن الرجل يقول عاوضني
بفرسي وفرسك وأزيدك؟ قال : فلا يصلح ، ولكن يقول أعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي
بكذا وكذا » لكن فيه بعد تقييد الإطلاق بما عرفت ، عدم صدق اعتبار العد في ذلك ،
فيكون حينئذ ما في الخبرين مع معارضته بما سمعت ، مخالفا للإجماع ، ولعله لذا نفى
الخلاف في المختلف عن بيع الثوب بالثوبين نقدا ، فلا بد ـ من عدم إرادة الحرمة من
الكراهة ؛ ونفي الصلاحية ، أو على إرادة خصوص النسيئة منه ، لما في المقنعة لا بأس
ببيع ما لا يكال ولا يوزن ، واحد باثنين وأكثر من ذلك نقلا ، ولا يجوز نسيئة كثوب
بثوبين ، وبعير ببعيرين ، وشاة بشاتين ودار بدارين ، ونخلة بنخلتين يدا بيد نقدا ،
وإن باع ذلك نسيئة كان البيع باطلا ، ونحو عن المراسم.
وفي النهاية «
واما ما لا يكال ولا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه ، والجنس واحد نقدا ، ولا يجوز ذلك
نسيئة ، مثل ثوب بثوبين ، ودابة بدابتين ، ودار بدارين ، وعبد بعبدين ، وما أشبه
ذلك. ، إلى ان قال في آخر المبحث. وما يباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ؛
والجنس واحد ؛ ولا يجوز ذلك نسيئة ، مثل البيضة بالبيضتين ، والجوزة بالجوزتين ،
والحلة بالحلتين ، وما أشبه ذلك ». ونحوه في المحكي عن العماني وابن الجنيد
والخلاف في عدم جريان الربا في المعدود ، والمنع نسيئة في نحو ما عرفت.
وفي الوسيلة «
السادس أي بيع المعدود بالمعدود ، ويجوز التبايع فيه متماثلا ومتفاضلا ، نقدا لا
نسيئة ، إذا كانا من جنس واحد ، مثل بيع بيضة ببيضتين ، وجوزة بجوزتين ، وحلة
بحلتين » وفي الغنية « ويجوز بيع الحيوان بالحيوان مثماثلا أو متفاضلا ، سواء كان
صحيحا أو كسيرا نقدا ؛ ولا يجوز ذلك نسيئة ، في الظاهر من روايات أصحابنا وطريقة
الاحتياط تقتضي المنع منه. »
__________________
وإلى ذلك أشار
المصنف بعد ان ذكر أنه بالمساواة فيهما أى الكيل والوزن في المكيل والموزون يزول
تحريم الربويات إجماعا أو ضرورة إذا لم يكن في أحدهما زيادة عينية ، أو حكمية ،
ولو أجلا ، قال فلو باع ما لا كيل فيه ولا وزن متفاضلا جاز ولو كان معدودا ،
كالثوب بالثوبين والثياب ، والبيضة بالبيضتين والبيض نقدا ، وفي النسيئة تردد و،
لا ريب في أن المنع أحوط ، خروجا عن شبهة الخلاف المتقدم ، وإن كان هو ضعيفا بل في
محكي التذكرة الإجماع على خلافه ، بل يمكن دعوى تحصيله ، كما أن النصوص السابقة
بين صريح وظاهر في جوازه ، والبأس المستفاد من مفهوم بعضها أعم من الحرمة ، على
أنك قد سمعت ما في خبر سعيد بن يسار .
ومنه يعلم وجه
الاقتصار في بعضها على اليد باليد ، وقد ظهر لك من ذلك أن الخلاف متحقق هنا في
أمرين ؛ أحدهما : إلحاق المعدود بالمكيل والموزون في جريان الربا كما هو صريح
المقنعة ، والمحكي عن سلار وابى علي ، وثانيهما : المنع من البيع متفاضلا نسيئة ،
وإن لم يكن معدودا ، كما سمعته من الشيخ وغيره ممن لم يجز المعدود مجرى المكيل
والموزون في الربا ، ولعل ذلك منهم إثبات حكم خاص للنسيئة ، لا لأنه ربا أو لأن
الربا الممنوع فيه في النسيئة لا النقد ، والظاهر ثبوت ذلك عندهم ، ولو في المعدود
أيضا ، كما هو صريح النهاية أيضا وقد يطلق اسم المعدود على ما يشمل نحو العبد
والفرس والدار ، ومن هنا اشتبه على بعض الناس الحال في المقام والتحقيق ما عرفت.
وعلى كل حال فلا
دليل معتبر على شيء من الدعويين بحيث يصلح لمعارضة تلك الأدلة ، لكن لا بأس
بالقول بالكراهة في بيع المتجانس متفاضلا نسيئة ، بل وغير نسيئة في المعدود وغيره
، خروجا من شبهة الخلاف للفتوى والرواية ، بعد القول بالتسامح في الكراهة على هذا
الوجه ، والله أعلم.
ولا ربا في الماء
للأصل والإطلاق والنصوص السابقة لعدم اشتراط الكيل
__________________
والوزن في بيعه
وإن اتفق بيعه بأحدهما في بعض الأحوال أو الأمكنة أو الأزمنة ، نعم قيل إنه لا
يباع سلفا إلا وزنا ، فلو أسلف ماء في ماء إلى أجل ، احتمل أن يكون ربويا ،
لاشتراط الوزن فيه حينئذ ، وكذا الحجارة والتراب والحطب ، وفيه أن الوزن في السلم
للضبط ، لا لأنه يعتبر في صحة بيعه ذلك ، فالأقوى عدم جريان الربا فيه ، حتى في
السلم إذ لو سلم اعتبار الوزن فيه ، يمكن منع تحقق شرط الربا ، بذلك ، ضرورة ظهور
الأدلة في اعتبار ذلك في أصل بيعه ، لا في قسم خاص من البيع.
وكذا الطين نعم
يثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه لتحقق الشرط فيه ، والمراد به طين قبر
ذي القرنين وعن المصباح أنه روي عن محمد بن جمهور القمي عن بعض أصحابه « أنه سأل الصادق 7 عن الطين الأرمني
يؤخذ للكسر أيحل أخذه قال : أما إنه طين قبر ذي القرنين وطين قبر الحسين 7 خير منه » وعن
مكارم الأخلاق أنه أرسل عنه 7 « أنه سئل يؤخذ الطين الأرمني للكسر والمبطون؟ فقال : نعم
» الحديث وعن الإيضاح في باب المطاعم نفى الخلاف عن جوازا كله لدفع الهلاك فكان
دواء يباع وزنا ، وأما الخراساني فأكله حرام فإن بيع لغرض صحيح بني ثبوت الربا فيه
على دخول الاعتبار وعدمه ، ولا تلازم بين حكم أكله وحكم بيعه ، وإن حكى عن الشيخ
والقاضي أنه أطلق حرمة بيع الطين المأكول ، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك. والله
أعلم.
وحيث عرفت اشتراط
الكيل والوزن في تحقق الربا في المعارضة ، فينبغي أن يعلم أن الاعتبار في ذلك
بعادة الشرع ، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في عصر النبي 6 بني عليه حكم
الربا إجماعا محكيا في التنقيح إن لم يكن محصلا ، وإن
__________________
تغير بعد ذلك ، بل
فيه أيضا أنه ما علم أنه غير مكيل ولا موزون في عصر النبي 6 فليس بربوي
إجماعا ، ومقتضاه وإن كيل أو وزن بعد ذلك ، وكان الوجه في الأمرين بعد الإجماعين
المعتضدين بالتتبع ـ الاستصحاب السالم عن معارضة قاعدة « دوران الحكم المعلق على
الوصف مداره وجودا وعدما » بعد تخصيصها بغير المقام ، ولو للإجماع السابق ، أو
لأنها حيث يكون التعليق على الوصف المعلوم مناسبته ، أو لأن المراد منها زوال
الحكم عن الفرد الفاقد للوصف من أصله ، لا الذي تلبس به ثم زال عنه ، أو لغير ذلك
، مما يشترك في كون المدار هنا على ما عرفت ، من أن وجود الكيل والوزن في ذلك
العصر كاف في تحقق الربا كما ان الجزافية مثلا فيه تكفي في تحقق عدمه.
فتحصل أن المدار
المتصف بكل منهما في ذلك الزمان ، وفي مضمر على بن إبراهيم الطويل « ولا ينظر فيما
يكال أو يوزن إلا إلى العامة ولا يؤخذ فيه بالخاصة فإن قوما يكيلون اللحم ويكيلون
الجوز فلا يعتبر بهم ، لأن أصل اللحم أن يوزن ، وأصل الجوز أن يعد » وهو مؤيد بما
ذكرنا في الجملة ، ولعل العلم باتفاق البلدان في هذا الزمان على أحدهما ، مع عدم
العلم بالحدوث ، بل اتفاق بعضها مع عدم العلم بخلاف الباقي كاف ، في إثباته فيه ،
لأصالة عدم التغير والانتقال من صفة أخرى.
وإليه أشار المصنف
بقوله وما جهل الحال فيه ، رجع إلى عادة البلد وأما إن اختلفت البلدان فيه على وجه
لم يعلم عادة عصره 7 ، فالمشهور بين المتأخرين بل لعل عليه عامتهم أنه كان لكل
بلد حكم نفسه ، وهو المحكي عن المبسوط والقاضي معللين له بالأصل في الجملة ، وأن
المعتبر العرف والعادة عند عدم الشرع ، وكما أن عرف تلك البلد التقدير فيلزمه حكمه
عرف الآخر الجزاف مثلا فيلزمه حكمه صرفا للخطاب إلى المتعارف من الجانبين ، وردا
للناس إلى عوائدهم ، كما في القبض والحرز والإحياء وإلا لزم الخطاب
__________________
بما لا يفهم ،
فيكون قد قام العرف الخاص مقام العام عند انتفائه ، وهو مخالف لما سمعته من خبر
على بن إبراهيم ويجب تقييده أيضا بما إذا لم يعلم سبق الاختلاف بالاتفاق ،
فإن المتجه حينئذ عدم الربا ، وإن لم يعلم أن الاتفاق كان على عدم التقدير ، ضرورة
الإكتفاء في نفى الحرمة باحتمال عدم التقدير ، للأصل وغيره.
أما إذا لم يعلم
فقد يتجه ذلك ؛ لكن لا لما ذكروه ، بل لاستصحاب هذا الحال إلى زمن الخطاب ، فينساق
الذهن حينئذ إلى أن لكل بلد حكم نفسه ، إذ هو صادق عليه اسم التقدير وعدمه ،
والأول علة للربا كما أن الثاني علة لعدمه ، فإعمالهما معا بعد عدم الترجيح بينهما
يقضي بذلك ، وليس ذا من تنزيل اللفظ على العرف الخاص المتعدد الذي هو واضح البطلان
، كما حرر في الأصول ، ضرورة أن الاختلاف بين البلدين مثلا بالتقدير وعدمه ، لا في
معنى اللفظ ، وبينهما بون ، كما أن الحكم المزبور لا ينافي ما تقدم سابقا من
الاكتفاء في جريان حكم الربا سبق التقدير وإن زال ، القاضي بعدم دوران الحكم مدار
الوصف ، وإلا لانتفى بانتفائه ، إذ هو هنا أيضا كذلك ، فإنه وإن أعطينا كل بلد
حكمه ، لكن ليس لدوران الحكم على الوصف وجودا وعدما ، بل لدورانه على أصل ثبوت
الوصف كما في سابق التقدير ، فيجري حينئذ حكم الربا في بلاد التقدير وإن زال ، ولا
يجري في بلاد الجزاف وإن قدر ، بناء على أن ذلك كذلك في المعلوم حاله في عصر النبي
6.
نعم قد يشكل ذلك
بأن المختلف في بلدين مثلا لا يدخل تحت إطلاق أحد الخطابين ، لا أنه مصداق لكل
منهما ، فقضية الأصل عدم حرمة الربا وربما يؤيده خبر على بن إبراهيم السابق إلا أنى
لم أجد قائلا به هنا بل ولا من احتمله ، وبمنع مثل ذلك في الشرع إذا المعلوم منه
أن الأشياء منها ما لا يصح بيعها إلا بالتقدير ، ولتوقف رفع
__________________
الجهالة عليها
ومثلها لا ينبغي اختلاف البلدان ، بل لا بد من الحكم بفساد فعل فاقدة التقدير ،
ومنها لا يعتبر فيها ذلك ، فيجوز بيعها مقدرة وبلا تقدير واختلاف البلدان في هذه
بان كان التعارف في بعضها التقدير وفي الأخر العدم ، غير قادح في عدم الربا فيها ،
لعدم اشتراط صحة بيعها بالتقدير ، فيجوز بيعها بدونه في بلاد التقدير ، فلم يتحقق
شرط الربا ، ودعوى إمكان توقف رفع الجهالة على التقدير في بلاد دون اخرى ، يمكن
منعها حينئذ فمفروض المسألة حينئذ لا بد وأن يكون من الثاني ، حملا لأفعال المسلمين
على الصحة ، فلا يجرى فيه الربا ، بل احتمال ذلك فيه كاف في رفع الحرمة ولكن قد
يدفع ذلك كله وغيره بالإجماع المركب إن لم يكن البسيط ، إذ الأقوال في المسألة
ثلاثة أشهرها ما عرفت.
وقيل والقائل
الشيخ في النهاية وسلار فيما حكى عنه يغلب جانب التقدير ويثبت التحريم حينئذ عموما
من غير فرق بين بلد الكيل والوزن والجزاف ، وعن فخر المحققين أنه قواه ، ولعله
لصدق التقدير ، وإن كان يعارضه صدق عدمه ، وكما أن الأول مناط الربا ، كذلك الثاني
مناط عدمه ، وأصالة الجواز المستفادة من إطلاق الأدلة وعمومها تقتضي الجواز ، ولا يعارضها
إطلاق حرمة الربا بعد تقييده باشتراط الوزن والكيل.
وقيل والقائل
المفيد : إن تساوت الأحوال فيه غلب جانب التقدير ، والأرجح الأغلب ، ولعل المشكوك
عنده من المتساوي ترجيحا له بغلبته على غيره ، بخلاف الأول الموافق جريان الربا
فيه للاحتياط ، ول قوله 7 « ما اجتمع الحرام والحلال إلا وغلب الحرام ، الحلال » لكن
لا يخفى عليك عدم وجوب مراعاة الأول عندنا ، وعدم تناول الثاني لما نحن فيه.
نعم يؤيد القولين
معا ما ذكرناه من أنهما موافقان لعمومية الحكم وأن الشيء إما ربوي أو لا ، لا أنه
ربوي في مكان دون آخر ، بل قد يظهر من بعضهم أنه كذلك في الزمان أيضا ، لكن ومع
ذلك فالوقوف على المشهور أولي ، وإن كان الاحتياط
__________________
لا ينبغي تركه ؛
خصوصا بعد أن حكى الميل إلى قول المفيد جماعة من المتأخرين والله اعلم.
وكيف كان فـ (
المراعى في المساواة ) المسوغة لبيع المتجانس كيلا أو وزنا وقت الابتياع فيجوز
حينئذ بيع كل ماله حالتا رطوبة وجفاف ، بعضه ببعض مع تساوى الحالين ، كالرطب بمثله
والعنب بمثله ، والفواكه الرطبة بمثلها ، واللحم الطري بمثله ، والحنطة المبلولة
بمثلها ، والتمر والزبيب والفاكهة الجافة والمقدد والحنطة اليابسة كل واحد بمثله ،
بلا خلاف أجده فيه ، بل في التحرير القطع به الجاري مجرى الإجماع ، بل عن نهاية
الأحكام نسبته إلى علمائنا للأصل السالم عن معارضة التفاضل حالة العقد ، ولانه وجد
التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص كبيع اللبن باللبن.
وكذلك جميع
الأشياء الرطبة بعضها ببعض سواء كان لها حالة جفاف أولا ، كالرطب الذي لا يتمر ،
والعنب الذي لا يزبب ، والبطيخ ونحوه ، وكذا بيع اليابس بمثله ، فيندرج حينئذ في
جميع ما تقتضي الجواز ، كما أنه يخرج عما يقتضي المنع بل ما تسمعه من نصوص المسألة الاتية
ظاهرة في الجواز فيه ، لكنه قد يقال بوجوب تقييد ذلك بما إذا لم تختلف كيفية
الرطوبة بما لا يتسامح في مثله بالعادة ، وإلا كان إلحاقه بالمسألة الاتية أي بيع
الرطب بالجاف أولى ، بل قد يناقش في الجواز في غيره أيضا بفحوى ما تسمعه من النصوص
الاتية ، الدالة على منع بيع ما ينقص إذا جف بجنسه الجاف ؛ معللة له بذلك ، ضرورة
اقتضائها الحرمة بعدم المساواة المتأخرة عن وقت الابتياع ، فهي حينئذ شرط في
الجواز ، والشك فيها شك فيه ، ومع فرض رطوبة العوضين معا لم يعلم مساواتهما بعد
الجفاف قطعا ، لاحتمال زيادته في واحد دون الأخر ، اللهم الا أن تدفع بمنع اقتضاء
تلك النصوص شرطية
__________________
المساواة على
الوجه المزبور ، بل أقصاها الحرمة بتحقق النقصان عند العقد ، وهو منتف في الفرض
قطعا ، لاحتمال المساواة في الواقع.
نعم لو علم حال
البيع بنقصان أحدهما من الآخر بعد الجفاف ، اتجه الإلحاق بالمسألة الآتية ؛ أما
إذا لم يعلم وقت الابتياع فلا معارض لما يقتضي الصحة من النصوص وغيرها ، بل مقتضى
إطلاقها ذلك وإن تحقق النقصان متأخرا عن وقت الابتياع ، وإن كان لا يخلو من تأمل
في الجملة ، بل خيرة المصنف تبعا للمحكي عن الشيخ في مبسوطة وخلافه وابني زهرة
وإدريس وكاشف الرموز الاكتفاء بالمساواة وقت الابتياع ، وإن علم النقصان حاله بعد
ذلك.
فلو باع لحما نيا
بمقدد متساويا جاز ، وكذا لو باع بسرا برطب ، وكذا لو باع حنطة مبلولة بيابسة ،
لتحقق المماثلة فيخرج عما دل على حرمة الربا ، ويدخل فيما دل على الجواز ، بعد عدم
حجية منصوص العلة في غير ذي العلة ، وقيل بالمنع والقائل القديمان والشيخ في موضع
من المبسوط ، والوسيلة ، والتذكرة ، والتحرير ، ونهاية الأحكام ، والإرشاد ،
والمختلف ، والقواعد ، واللمعة ؛ والمقتصر والمهذب ، والتنقيح ، وإيضاح النافع ،
والميسية ، والمسالك ، والروضة ، والدروس ، على ما حكي عن بعضها ، بل في التذكرة
أنه المشهور ، وفي التنقيح وعن إيضاح النافع أن عليه الفتوى ، نظرا إلى تحقق
النقصان عند الجفاف فلا تجدي المساواة وقت الابتياع ؛ وقد أرسله العامة والخاصة في كتب
فروعهم عن النبي 6 « انه سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال : أينقص إذا جف؟ فقيل
له : نعم ، فقال : لا إذا » وكان سؤاله مع العلم بالحال ، لبيان الوجه في التحريم
وقد قال : الصادق 7 في صحيح الحلبي « لا يصلح التمر
اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب فإذا يبس نقص » و
__________________
في خبر داود بن سرحان « لا يصلح التمر
بالرطب ، إن الرطب رطب ، والتمر يابس فإذا يبس الرطب نقص » وخبر داود الأبزاري الذي يقرب من ذلك
» والباقر 7 في خبر محمد بن قيس « أن أمير المؤمنين 7 كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل من أجل
أن التمر ييبس فينقص من كيله » بناء على إرادة الحرمة من نفي الصلاح والكراهة في
باب الربا ، لكثرة التعبير بهما عنها فيه خصوصا في نحو المقام الذي قد عرفت شهرة
الأصحاب عليه ، وخصوصا بعد ما ورد في نحو ذلك من
أن عليا 7 لا يكره الحلال ، بل في صحيح الحلبي ما يشهد لإرادتها منه
، كما لا يخفى.
والمناقشة في حجية
العلة في غير موردها واهية ، كما حرر في الأصول ، بل هي هنا في صحيح الحلبي
كالصريحة في التعميم ، أو يعلل المنع مضافا إلى ذلك ، بانضياف أجزاء مائية مجهولة
فمقابله أزيد منه بالنسبة إلى أجزائه فعلا فلا مساواة حال الابتياع حينئذ.
لكن قد يناقش فيه
بأنه إنما يتم في ذل البلل العرضي كالحنطة المبلولة ، لا في مثل العنب ونحوه مما كان
الماء فيه أحد أجزائه ، ومن هنا فرق في المحكي عن موضع من المبسوط بين الحنطة
المبلولة وغيرها ، فمنع فيها دون نحو العنب بالزبيب ، وعلى كل حال فلا ريب في أن
المنع مطلقا أقوى ، ومنه يعلم أنه لا ينبغي أن يكون في بيع الرطب بالتمر في غير
العرية تردد كما وقع من المصنف إذ هو مورد العلة المزبورة ، وإن قال والأظهر
اختصاصه بالمنع اعتمادا على أشهر الروايتين رواية وعملا ، بل هو المشهور بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الغنية وعن الخلاف الإجماع عليه ، وهما الحجة بعد
النصوص السابقة التي لا وجه للمناقشة فيها باحتمال حملها
__________________
على النسيئة
المتفق على منعها فيه ، كما في التحرير استنادا إلى خبر محمد بن قيس منها ، ضرورة
ظهور شمول مفهوم التعليل للنقد والنسيئة ، ولو أريد الثاني لكان اللازم التعليل
بها ، على أنه لو سلم دلالة خبر محمد بن قيس على ذلك فلا دلالة فيه على العدم في
النقد ، كي ينافي غيره من النصوص الذي يراد حملها عليه ، كما أنه لا وجه للمعارضة
بالأصل والإطلاقات التي يكفي في تخصيصها الأقل من ذلك.
وب موثق سماعة قال « سئل أبو
عبد الله (ع) عن العنب بالزبيب قال لا يصلح إلا مثلا بمثل قال والتمر بالرطب مثلا
بمثل » المؤيد بخبر ابى الربيع في الجملة « قال لأبي عبد الله 7 ما ترى في التمر
والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا بأس قلت فالبختج والعنب مثلا بمثل؟ قال : لا
بأس » القاصرين عن المعارضة من وجوه بل قد يحتملان بل قيل : انه الظاهر إرادة
المماثلة بوصفى الرطوبة واليبوسة ، فيكون كل منهما حينئذ مشعرا بالمنع مع المخالفة
؛ بل ربما احتمل في الموثق حمله على عنب يابس أو زبيب رطب ، والتفاوت اليسير غير
قادح كبيع العسل بالعسل قبل التصفية ، واللحم الطري بمثله ، بل في الكافي قلت :
والتمر والزبيب قال : مثلا بمثل فيكون خارجا عما نحن فيه ، كما أن خبر أبى الربيع
كذلك إذ ليس فيه بيع الرطب بالتمر.
نعم أقصاه
المنافاة لتعدية العلة ، وقد يحتمل إرادة الرطب من التمر ، فيكون حينئذ من قبيل
بيع ذي الحالتين مع التساوي فيهما ، والمراد بالبختج فيه عصير العنب المطبوخ
بالنار ، وبالعصير ذلك قبل أن تمسه النار كما قيل ، ولعله مما ينقصه التجفيف ؛ لا
الجفاف بنفسه ، وستسمع الحال فيه كل ذلك مع ندرة الخلاف ، لانحصاره فيما أجد في
المحكي عن الإستبصار الذي لم يعد للفتوى ، وموضع من المبسوط ، وابن إدريس فجوازه
على كراهية ، بل قال الثاني منهما : أن مذهبنا ترك التعليل والقياس ، لأنه
__________________
كان يلزم عليه أنه
لا يجوز بيع رطل من العنب برطل من الزبيب ، وهذا لا يقول به أحد من أصحابنا بغير
خلاف ، وهو كما ترى.
نعم تبعهما بعض
متأخري المتأخرين ولو زاد في الرطب بما يساوي نقيصة الجفاف لم يرتفع المانع ، سواء
كانت الزيادة من الجنس أو المخالف لفوات التساوي حال الابتياع ، كما أنه كذلك لو
نقص في التمر ، وفي التحرير الاتفاق على منع بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، نعم لو
نقص الرطب وضم إليه من غير جنسه وباعه بالتمر صح ، ولو فرض زيادة أحد العوضين على
حال الابتياع من غير نقيصة للآخر جاز بعد إحراز المساواة حال البيع ، للأصل
والإطلاقات السالمة عن معارضة تعدية العلة ، اللهم إلا أن يدعى ظهورها في إرادة
المثال ، ولو كان النقصان بالجفاف يسيرا لقلة العوضين جرى عليه حكم الربا في وجه ،
لكونه مما لا يتسامح فيه حال الكثرة ، وربما يومي إليه ترك الاستفصال في منع بيع
الرطب بالتمر ، كما أن المتسامح به حال الكثرة لا يقدح في القلة وإن تفاحش ، وقد
يقوى في النظر ملاحظة أشخاص الأعواض في ذلك ، ولو كان مما ينقصه التجفيف لا الجفاف
أمكن الإكتفاء بالمساواة حال البيع ، إذا لم يكن معظم الانتفاع به متوقفا على
التجفيف ، أو أنه متخذ عادة لذلك ، وكذا يكتفى بالمساواة في وجه لو كان مما يعود
نقصه ، لاعتياد رش الماء عليه والله أعلم.
( فروع )
الأول : إذا كانا
أي العوض والمعوض في حكم الجنس الواحد وأحدهما مكيل والآخر موزون كالحنطة والدقيق
فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز مع التساوي وإن تفاوتا بالكيل وفاقا للمحكي عن
المبسوط والسرائر والقاضي ، وبه صرح في التحرير والمسالك وغيرهما ، للإطلاقات وصدق
بيع المثل بالمثل ، وفي صحيح زرارة « الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به » وقال
محمد بن مسلم للباقر 7 في
__________________
الصحيح « ما تقول
في البر بالسويق فقال : مثلا بمثل لا بأس به ، قلت إنه يكون له ريع فيه فضل فقال أليس
له مؤنة؟ قلت : بلى قال : هذا بهذا » وقال الصادق 7 في مرسل صفوان « الحنطة والدقيق لا بأس به رأسا برأس » وسأله أبو بصير أيضا « عن الحنطة
بالشعير والحنطة بالدقيق فقال : إذا كانا سواء فلا بأس ، وإلا فلا » مضافا إلى
أصالة الوزن للكيل وأنه أضبط وأشد رفعا للغرر والجهالة منه ، ولذا لم يتردد المصنف
في الجواز.
أما في الكيل
بمعنى بيع أحدهما بالاخر كيلا مع التساوي فيه وإن تفاوت في الوزن فقال فيه تردد من
إطلاق النصوص السابقة ، ولأن الكيل أصل للحنطة فيستصحب في فروعها ، ومن أن الوزن
أضبط وأنه أصل للكيل ، ولذا المقدر بالوزن لا يباع كيلا ، لعدم ارتفاع جهالته به ،
وللشك في صدق إطلاق المثلين مع تفاوت الوزن ؛ ولأن من أفراد هذه القاعدة ما لا
يمكن فيه القول بالكيل ، كالحنطة بالخبز والسمسم بالشيرج.
فـ ( الأحوط ) حينئذ
تعديلهما بالوزن الذي هو الأصل خروجا عن خلاف المبسوط وابن البراج ، حيث قالا في
مفروض المسألة : لا يباع إلا وزنا ، وإن مثلاه بالحنطة والخبز ، بل ظاهرهما أنه
ليس الحنطة والدقيق منه ، ولذا ذكر أولهما أن الأحوط فيهما بيعهما بالوزن ، ثم
عقبه بحكم ما نحن فيه جازما بما سمعت ، وفي المختلف « أن الحنطة من المكيلات وكذا
الدقيق لأن أصله من الحنطة ، وهي مكيلة فلا يباع أحدهما بالاخر الا بالكيل ولا
يباع بالوزن وإلا جاء الربا ، لا يقال : إذا بيعا بالكيل حصل الربا أيضا ، لأن
الحنطة أثقل من الدقيق ، فيحصل التفاوت في الوزن : وهو عين الربا ، لأنا نقول لا
اعتبار بالتفاوت في الميزان في المكيل.
ثم روى زرارة في
الصحيح إلى آخره ومحمد بن مسلم إلخ وإنما تتحقق
__________________
المتماثلة
بالتساوي في المقدار الذي جعله الشارع معيارا لهما وهو الكيل ، وإن اختلف في غيره
مما لم يجعله معيارا ، وقول الشيخ أن الأحوط الوزن ، لأن الدقيق أخف من الحنطة غير
جيد ، لأنه من هذه الحيثية كان الأحوط الكيل ، إذ تساويهما في الوزن يقتضي التفاضل
بينهما فيما جعله الشارع معيارا لهما وهو الكيل الذي نهى عنه ، وتساويهما في الكيل
يقتضي تماثلهما فيما جعله الشارع معيارا لهما الذي أمر به ، وإن اختلفا فيما سواه.
قلت : لكن هذا كله
خروج عما نحن فيه من بيان حكم ما لو اختلف ما هو كالجنس الواحد في التقدير ودعوى
امتناع ذلك لتبعية الفروع للأصول كما يومي إليه أول كلامه ، واضحة المنع ، وربما
كانت هي منشأ قوله بأن الدقيق مكيل ، وإلا فالمنقول أنه موزون ، وربما كان في صحيح
ابن مسلم إيماء إليه بناء على أن الفضل في الحنطة عليه ، إنما يكون
بالوزن بل في بعض نصوص مقاطعة الطحان التصريح باعتباره بالوزن ، كما أن فيه اعتبار الحنطة به ،
ولا ينافيه معلومية اعتبارها بالكيل ، إذ يمكن أنها كانت تعتبر بهما.
وكيف كان فالظاهر
عدم الخلاف في مفروض المسألة ، لا في مثالها في عدم جواز البيع بالكيل ، وتردد
المصنف والفاضل في التحرير ليس قولا بل لم أجد من احتمله غيرهما ، بل اقتصر الثاني
منهما في القواعد على احتمال تحريم البيع بالكيل والوزن للاختلاف قدرا وتسويغه
بالوزن ، لكن في المسالك عن الفاضل انه اعتبر الكيل فيما هو أصله ، واستحسنه هو ،
وفيه مع انه لا يتم في نحو الحنطة بالخبز ، أنه لا مدخلية لكيل الأصل في ذلك ، وعن
السرائر نفى الخلاف عن عدم جواز بيع الموزون مكيلا.
والتحقيق في
المسألة مبني على تحقيق مسألة أخرى ، وهي جواز بيع الموزون مكيلا وبالعكس وعدمه ،
فعن المبسوط إذا كان عادة الحجاز على عهده 6
__________________
وسلم في شيء
الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد ؛ وما كانت فيه وزنا لم يجز فيه إلا وزنا
بلا خلاف في ذلك كله ، قيل : وظاهره بين المسلمين واحتمل في جامع المقاصد في ذلك
ثلثة احتمالات.
الأول ـ الجواز
مطلقا لاندفاع الغرر والجهالة بذلك ، واعتبار الشارع له بالكيل مثلا لا يقضى بعدم
حصول العلم بدونه ، مضافا إلى أصالة صحة البيع ، ثم أجاب عما لعله يورد هنا من منع
بيعه بجنسه كذلك ، بأن ذلك إنما هو لأجل الحذر من التفاوت ، لا لحصول الجهالة ،
الثاني ـ عدم الجواز مطلقا ، لأن كلا من المعيارين بالإضافة إلى ما علم بالاخر غير
محصل للعلم بالمقدار فلا يندفع به الغرر ، ثم قال : وفيه منع الثالث ـ التفصيل
بجواز بيع المكيل موزونا دون العكس ، قال : ويظهر من التذكرة اختياره ، والمستند
فيه أن الوزن أصل المكيل ، ولم يثبت مرادهم منه ، فإن أرادوا أن الكيل طار على
الوزن فغير واضح ، لأن المفروض أن المكيل لم يكن موزونا ، وإن أرادوا أن الوزن أدل
على المقدار ، فغير ظاهر أيضا ، لأن مقدار معيار الكيل إنما هو باعتبار حجمه لا
باعتبار ثقله وخفته ، وإن أرادوا أغلبيته في أكثر الأشياء ، فيكون الأصل بمعنى
الراجح ، فشرعا غير معلوم ، والعرف لا يرجع إليه فيما ثبت حكمه شرعا ، هذا كله في
غير البيع بالجنس.
أما فيه فقد صرح
غير واحد بوجوب ذلك الاعتبار فيه فلا يباع المكيل بجنسه إلا مكيلا ، وكذا الموزون
، وإن قلنا بالجواز في غيره ، بل قيل إنه مجمع عليه في الظاهر ، قال في التذكرة : «
ما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا ومعجلا ، ولا يجوز بيعه بمثله وزنا ، لأن الفرض
في السلف والمعجل تعيين الجنس ومعرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ، والفرض المساواة
فاختص المنع في بعضه ببعض به.
وفي المختلف « قال
ابن إدريس : يجوز أن يسلف في المكيل من الحبوب والأدهان وزنا وفي الموزون كيلا إذا
كان يمكن كيله ؛ ولا يتجافى في المكيال ، ولا يجوز بيع الجنس الواحد فيما يجري فيه
الربا بعضه ببعض وزنا إذا كان أصله الكيل ، و
لا كيلا إذا كان
أصله الوزن ـ والفرق أن المقصود من السلم معرفة مقدار المسلم فيه ، حتى يزول عنه
الجهالة ، وذلك يحصل بأيهما قدر من كيل أو وزن ، وليس كذلك ما يجري فيه الربا فإن
الشارع أوجب علينا التساوي والتماثل بالكيل في المكيلات وبالوزن في الموزونات ،
فإذا باع المكيل بعضه ببعض وزنا فإذا رد إلى الكيل جاز أن يتفاضل لثقل أحدهما وخفة
الأخر ، فلذلك افترقا ، ويجوز بيع المكيل بالوزن ، ولا يجوز بيع الموزون بالكيل ،
» وعن المبسوط في باب السلم « لا يجوز بيع الجنس الواحد فيما يجري فيه الربا بعضه
ببعض وزنا ، إذا كان أصله الكيل ، ولا كيلا إذا كان أصله الوزن ».
وفي القواعد « هنا
لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ولا مكيلا ولا المكيل جزافا ولا موزونا » وفي باب
السلم تردد في جواز السلف في المكيل موزونا وبالعكس ، وفي المختلف هنا « الأقرب
عندي أن المكيل لا يباع بعضه ببعض بالوزن مع احتمال التفاوت ، وكذا العكس » إلى
غير ذلك من كلماتهم المتفرقة ، لكن في المسالك في شرح قول المصنف فيجوز بيع
المتجانسين وزنا بوزن نقدا « هذا إذا كان أصلهما الوزن ، أما لو كان أصلهما الكيل
ففي الاكتفاء بتساويهما وزنا خاصة نظر من كون الوزن أضبط حتى قيل : إنه أصل للكيل
، ومن ورود الشرع والعرف بالكيل ، فلا يعتبر بغيره ، وظاهر كلام المصنف اختيار
الأول ، وهو متجه ، ونقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا ، مع
الإجماع على كونهما مكيلين في عهده 6. »
قلت وعن التذكرة
أيضا إجماع الأمة على أنهما والملح والتمر كانت مكيلة في عهده 6 ؛ قال : « فلا
تباع بعضها ببعض إلا مكيلة ، ولا يجوز بيع شيء منها بشيء آخر من جنسها وزنا »
ونحوه قال : في الموزون أيضا ، قلت : التحقيق في أطراف المسألة أنه لا ريب في أن
الإطلاقات تقتضي صحة البيع مع تعارف الكيل في الموزون أصلا وبالعكس ، ولا دليل يدل
على وجوب اعتبار أصله صالح لتقييدها ، بل السيرة القاطعة على بيع ما ذكروا أنها مكيلة
في عهده بالوزن ، عاضدة لها ، بل لعل دليل الغرر والجهالة
يقضي بعدم جواز
البيع بالاعتبار الأصلي ، بعد أن كان المتعارف غيره ، ضرورة حصولهما به بعد نسخ
الأصل ورفضه ، وإن كان قد لو حظ في ابتداء التعارف حتى يصح البيع.
ومنه يعلم أنه لا
يجوز بيع ما كان المتعارف كيله بالوزن حال تعارف كيله وبالعكس ضرورة حصول الجهالة
والغرر بذلك ، إذا الوزن لمتعارف الكيل مثلا كالمكيال المجهول وكالوزن بصخرة
مجهولة ودعوى أصالة الوزن للكيل قد عرفت المراد بها ، وعدم ثبوتها على وجه يجدى.
فتحصل أن الأقوى
اعتبار التعارف في ذلك ، وهو مختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، ولا فرق في ذلك بين
البيع بالجنس وغيره ، فالموزون الذي كان يتعارف كيله في السابق يجرى فيه الربا
باعتبار الوزن لعدم صحة بيعه كيلا على ما ذكرنا ، وكذا المكيل ، والتساوي والتفاضل
المذكور في الأدلة ينصرف إلى ما تعارف من الاعتبار لذلك البيع ، كما هو واضح.
اللهم إلا أن يقال
: انه بالنسبة إلى رفع الربا يعتبر التساوي بالمعيار الأصلي ، وإن كان لا يباع إلا
بالوزن فيعتبر مساواته مثلا بالكيل ليسلم من الربا ثم يوزن إذا أريد بيعه ، وإن
حصل التفاضل فيه ، ولكن مقتضى ذلك أن التساوي في الوزن المتعارف لا يكفى ،
والتفاضل فيه بعد التساوي في الكيل لا يقدح ، والتزامه في غاية الصعوبة ، وليس في
الأدلة ما يشهد له ، والإجماع السابق من التنقيح إنما هو في جريان الربا على
المعتبر أصلا وإن تعارف جزافيته ، وعدمه وإن تعارف اعتباره ، فليس حينئذ إلا ما
ذكرناه فتأمل جيدا.
ولو فرض تعارف
الكيل والوزن فيه جاز البيع بكل منهما مع التساوي فيه ، وإن اختلف في التقدير
الأخر ، ومن ذلك يعلم أن الأقوى في موضوع مسألة المتن عدم الجواز بالكيل وبالوزن ،
لاستلزام كل منهما تقدير أحدهما بغير المتعارف في تقديره ، وتعارف كيل الأصل أو
وزنه غير مجد في الفرع بعد فرض حصول التعارف فيه على
خلاف أصله.
نعم لو فرض أن
أحدهما مكيل وموزون ؛ والأخر موزون خاصة ، أو مكيل كذلك جاز بيعهما بالتقدير
المشترك بينهما دون المختص بأحدهما وبهذا يظهر لك النظر في جملة مما تقدم وغيره ،
خصوصا مثل عبارة المصنف وغيرها كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم ، لكن بقي شيء ،
وهو أنه وإن قلنا أن التحقيق عدم الجواز في موضوع مسألة المتن ، إلا أن الظاهر عدم
كون الحنطة والدقيق من ذلك ، فإن النصوص والفتاوى اتفقت على الجواز فيها ، بل في
التذكرة الإجماع عليه.
نعم ليس في شيء
من النصوص ما يدل على أن أحدهما لا يباع إلا كيلا والآخر لا يباع إلا وزنا ، كي
يكون ذلك مثالا لموضوع المسألة ، فيمكن كونهما معا مكيلين ويمكن كونهما معا
موزونين ويمكن كونهما يباعان بهما ، أو أن أحدهما كذلك دون الأخر وقد وقع البيع
بالاعتبار المشترك ، فلا منافاة حينئذ بين ما ذكرناه وبين هذه النصوص ، ومقعد
إجماع التذكرة ومن الغريب احتمال الحرمة في القواعد في خصوص ذلك والله أعلم.
الفرع الثاني بيع
العنب بالزبيب جائز عند المصنف ومن عرفت سابقا ممن لا يعدى العلة وقيل لا ، اطرادا
العلة الرطب بالتمر وهو لا الأول أشبه عندنا كما عرفت الحال فيه ، وكذا البحث في
كل رطب مع يابسه الفرع الثالث يجوز بيع الأدقة بعضها ببعض مثلا بمثل مع اتحاد الجنس ،
ومتفاضلا مع اختلافه ، من غير فرق بين الناعمين والخشنين ، والناعم والخشن ، بلا
خلاف أجده في شيء من ذلك بيننا ، للإطلاقات ، وعن الشافعي في القديم والجديد أنه
لا يجوز بيع الدقيق بالدقيق مع اتحاد الجنس ، وعن أبي حنيفة عدم جواز بيع الناعم
بالخشن ، ولا ريب في فسادهما ، وكذا يجوز بيع الأخباز بعضها ببعض متساويا مع اتحاد
الجنس ، ومتفاضلا مع اختلافه ، نعم يعتبر في الأول الاتحاد أيضا في الرطوبة
واليبوسة وإلا جاء البحث السابق بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بيننا ، لإطلاق
الأدلة ، وعن
الشافعي أنه لا
يجوز بيع أحدهما بالآخر إذا كانا رطبين ، بل عنه في كتاب الصرف أنه لا يجوز أيضا
إذا كانا يابسين مدقوقين يمكن كيلهما ، ولا ريب في فساده.
وكذا يجوز بيع
الخلول بعضها ببعض متساويا مع اتحاد الجنس ، ومتفاضلا مع اختلافه ، بلا خلاف أجده
بيننا من غير فرق في أفراد الخل بين المعتصر وبين الممزوج بالماء ، فيجوز حينئذ
عندنا كما في التذكرة بيع خل العنب بالزبيب لاتحاد أصلهما ، خلافا للشافعي فلا
يجوز ، لأن في خل الزبيب ماء ، وفيه أنه غير مانع إذ هو إن أفاد اختلاف الحقيقة
جاز متفاضلا ، وإلا متساويا ، وكذا حل الزبيب بخل الزبيب عندنا ، كما عن التذكرة
أيضا خلافا له أيضا ، لأن في كل منهما ماء قال : وإن قلنا في الماء ربا لم يجز ،
بمعنى جواز تفاضل الزبيب والماء ، وهو كما ترى ، وكذا خل التمر بخل التمر عندنا ،
كما في التذكرة خلافا له أيضا.
أما خل التمر
بالزبيب فلا إشكال فيه عندنا أيضا لاختلاف الجنس ، وعن الشافعي انه ان قلنا في
الماء ربا لم يجز وان قلنا لا ربا فيه جاز ، وفساده واضح عندنا ، واما بيع الدبس
بالدبس فيجوز عندنا متساويا كما في التذكرة مع اتحاد أصله ومتفاضلا مع اختلافه وعن
الشافعي المنع للاشتمال على الماء ويجوز عندنا أيضا بيع الدبس بالتمر مع اتحاد
الأصل متساويا ومنعه الشافعي أيضا ، ويجوز بيع خل العنب بعصيره متساويا عندنا كما
في التذكرة وبالجملة لا ريب في الجواز عندنا في هذه كلها وغيرها وان جهل مقدار ما
في كل واحد من الرطوبة في بعضها اعتمادا على تناول الاسم وقد تقدم لك تمام البحث
في ذلك.
ومنه يعلم ما في
المسالك هنا « قال لا بد في الجواز من اشتراكهما في أصل الرطوبة أي الأخباز في
الرطوبة فلو كان أحد الخبزين رطبا والأخر يابسا لم يصح ، بناء على ما سلف من
القاعدة » وفي العبارة إشارة إليه حيث اثبت لكل واحدة رطوبة جهل مقدارها ، ولو علم
أن رطوبة أحدهما أكثر من رطوبة الأخر مع اشتراكهما في الأصل ، ففي الجواز
نظر ، من صدق
الاسم في المثلين ، ومن العلم بزيادة حقيقة أحدهما على الأخر ، ولعل الأقرب الجواز
، لأن الرطوبة غير مقصودة ، والحقيقة مطلقة عليهما ، وكذا لو علمت الرطوبة في
أحدهما ، وانتفت من الأخر ؛ كخل الزبيب وخل العنب الخالص.
قلت : عرفت أنه لا
يكفى الاتحاد في الحقيقة والمساواة عند الابتياع ، بل لا بد من مراعاة عدم النقصان
في أحدهما عن الأخر بعد ذلك ، للأخبار السابقة ، فإذا فرض عدمه صح ؛ وإن كانت
الرطوبة في أحدهما عارضيه كخل الزبيب إلا أنها صارت من أجزاء الحقيقة ، فلاحظ ما
تقدم سابقا وتأمل. والله أعلم.
( تتمة
فيها مسائل )
الأولى : لا ربا
بين الوالد وولده إجماعا محكيا مستفيضا ، إن لم يكن متواترا ، صريحا وظاهرا ، بل
يمكن تحصيله ، إذ لا خلاف فيه إلا من المرتضى في الموصليات ، لكن في الانتصار بعد
أن ذكر مما انفردت به الإمامية القول بأنه لا ربا بين الولد ووالده ، ولا بين
الزوج وزوجته ، ولا بين الذمي والمسلم ، ولا بين العبد ومولاه ، وخالف باقي
الفقهاء ، قال : « وقد كتبت قديما في جواب مسائل وردت علي من الموصل وتأولت
الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه ، على أن المراد ـ
بذلك وإن كان بلفظ الخبر ـ معنى الأمر ، كأنه قال : يجب أن يقع بين من ذكرناه ربا
، كما قال تعالى ( مَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً ) وكقوله تعالى ( فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) وقوله 6 « العارية مردودة ، والزعيم غارم » ومعنى ذلك كله الأمر »
إلى أن قال :
__________________
« واعتمدنا في
نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن ، ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب ،
لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفى الربا بين من ذكرنا ، وغير مختلفين فيه في وقت
من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة ، ويخص به ظاهر القرآن ».
وهو كما ترى بعد
اعترافه بالخطإ وأنه مخالف للإجماع في فتواه السابقة ، لا يقدح في تحصيل الإجماع ،
بل هو مؤكد له ، مضافا إلى خبر عمرو بن جميع الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله 7 قال : « قال :
أمير المؤمنين 7 ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيد وعبده ربا ، » وصحيحي
زرارة ومحمد بن مسلم الذي رواه الكليني والشيخ عن أبى جعفر « ليس بين الرجل
وولده ، وبينه وبين عبده ، ولا بينه وبين أهله ربا ، إنما الربا فيما بينك وبين ما
لا تملك ، قلت : فالمشركون بينى وبينهم ربا قال : نعم ، قلت : فإنهم مماليك ، فقال
: إنك لست تملكهم ، إنما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، فالذي بينك
وبينهم ليس من ذلك ، لأن عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك. » فمن الغريب دغدغة بعض
المتأخرين في الحكم المزبور ؛ وكأنه ناشئ من اختلال الطريقة ، وإطلاق الخبرين
ومعاقد الإجماعات يقضي بأنه يجوز لكل منهما أخذ الفضل من صاحبه كما صرح به الحلي
والفاضلان والشهيدان وغيرهم ، بل لعله لا خلاف فيه إلا من الإسكافي ، فقال كما في
المختلف لا ربا بين الوالد وولده إذا أخذ الوالد الفضل ، إلا أن يكون له وارث أو
عليه دين وهو اجتهاد في مقابلة النص والفتوى.
وكيف كان فلا
يتعدى الحكم إلى الأم لحرمة القياس بعد اختصاص الدليل بغيرها ، كما أن الظاهر من
النص والفتوى إرادة الولد النسبي دون الرضاعي ، وإن احتمله بعضهم ؛ ولا إطلاق
للمنزلة بحيث يشمل المقام ، ضرورة انصرافها للنكاح ونحوه ، نعم
__________________
قد يتوقف في ولد
الزنا من صدق الولد لغة ، ومن انصرافه إلى غيره ، وعموم التحريم قوي ، ولذا صرح جماعة
منهم الفاضل وثاني المحققين والشهيدين بعدم تعدي الحكم إلى ولد الولد ، لكن توقف
فيه بعضهم ، بل في الدروس الجزم بالإلحاق ، وهو لا يخلو من قوة ، وإن كان الأحوط
خلافه ، كما أن الأحوط الاقتصار على الذكر ، لأنه المنساق عرفا ، لكن في التذكرة
وجامع المقاصد أنه لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى ، لشمول الاسم ، وحينئذ لا
إشكال في الخنثى ؛ وإن كانت مشكلا.
نعم قد يتوقف في
المشكل منها بناء على اختصاص الحكم بالذكر ، فيحتمل التحريم للعموم ، والحل للأصل
و، كذا لا ربا بين المولى ومملوكه إجماعا بقسيمه وللخبرين السابقين وصحيح علي بن
جعفر « سأل أخاه موسى بن جعفر 7 عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدي العبد كل شهر
عشرة دراهم ، أيحل ذلك؟ قال : لا بأس » بل لا يتصور وقوع الربا بينهما بناء على
عدم ملكية العبد ، ولذا قيل أنه كان ينبغي ترك ذكره ممن كان يرى ذلك.
نعم يتجه ذكره
بناء على الملكية ومستنده حينئذ ما عرفت ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد هنا
بالمملوك ما يشمل المكاتب ، والقائل بعدم ملكية العبد يقول بها فيه ، لكن ذلك مبني
على إرادة الأعم منه من النص ومعقد الإجماع ، وربما نوقش فيه بأن المنساق غيره.
نعم لا فرق بين القن
والمدبر وأم الولد ، لا أقل من الشك فتبقى حرمة الربا على عمومها ، كما أن مقتضاها
بل هو الظاهر من النص والفتوى ، بل هو كصريح صحيح زرارة قصر الحكم على
غير المشترك ، كما صرح به جماعة ، بل في المختلف أطلق أصحابنا ، ومقصودهم إذا لم
يكن مشتركا ، وهو كذلك ، ضرورة ظهور النص والفتوى في اتحاد المولى ، وكون المملوك
جميعه لا بعضه.
__________________
لكن قد يقال : إن
مثل هذا الظهور لا يرفع حكم البعض ، كما في زكاة الفطرة وغيرها مما كان العنوان
فيه نحو ما هنا ، بل يظهر من النص والفتوى اتحاد قاعدة في المبعض الذي بعضه حر
بالنسبة إلى جريان حكم الملك والحرية على كل من الجزئين ، فضلا عن العبد المشترك
بين المالكين الذي يمكن القول فيه بحلية الربا فيه بالنسبة إلى كل من مولييه ،
كإمكان القول في المبعض الحر أنه يصح العقد الربوي فيما قابل الجزء الملك ، ويبطل
فيما قابل الجزء الحر ، نحو ما يقال : في المال المشترك بين الوالد وغيره مثلا ،
فباعاه من الولد لأحدهما ، فإنه يصح العقد بالنسبة إلى نصيب الوالد مع زيادته ،
ويبطل في غيره.
على أن الخبر
المزبور ـ مع احتمال العلة فيه ، إقناعية ، لما تسمع في المشترك
الجزئي ـ ظاهر في نحو المشترك الجنسي الذي هو بين المسلمين ، لا مثل المشترك بين
شخصين مثلا ، أو مثل الذي بعضه حر وبعضه رق وكذا لا ربا بين الرجل وزوجته إجماعا
أيضا بقسميه ، ولصحيح زرارة المتقدم سابقا مضافا إلى مرسل الصدوق عن الصادق 7 « ليس بين المسلم
وبين الذمي ربا ، ولا بين المرأة وزوجها ربا » وهو مضافا إلى الفتاوى ومعاقد
الإجماعات ، قرينة على إرادة الزوجة من الأهل ، في صحيح زرارة لا غيرها ، ممن هو
أهل عرفا ، والأكثر ، كما في الرياض ، والمشهور كما عن الكفاية أنه لا فرق بين
الدائمة والمتمتع بها ؛ وبه صرح الشهيدان والعليان.
لكن قد يناقش بعد
تسليم صدق اسم الزوجة بل والأهل عليها ، بأن المنساق إلى الذهن الدائمة ، خصوصا
إذا كان المتمتع بها إلى أجل قصير ، ولم يكن متخذا لها اتخاذ الزوجة ، بل اتخذها
اتخاذ المستأجرة ، على أن الدائمة هي التي ثبت لها التفويض في مال الرجل في الجملة
، كأخذ المأدوم ونحوه ، كما أنها هي التي يتسلط الزوج على مالها بحيث
__________________
لا يجوز لها العتق
إلا بإذنه ، على ما في بعض النصوص بل هما المتحدان في المال عرفا ؛ مضافا إلى عموم حرمة
الربا التي ينبغي الاقتصار في خلافها على المتيقن.
ولعله لذا تردد
المقداد والصيمري كما قيل بل عن التذكرة وإيضاح النافع ومجمع البرهان ثبوت الربا
بينها وبينه ؛ ووجهه ما عرفت ؛ إلا أنه قد يقوى التفصيل بين المتخذة أهلا وغيرها ،
فلا ربا في الأولى ويثبت في الثانية ، ومنه يظهر وجه التوقف في المطلقة رجعية إذ
هي وإن كانت زوجة إلا أنه قد يمنع صدق الأهل عليها ، والاحتياط لا ينبغي تركه ،
وذلك لأن الجمع بين خبري الزوجة والأهل يقتضي اعتبار كل منهما ، فإنهما شبه
العامين من وجه.
وكذا لا ربا بين
المسلم وأهل الحرب إجماعا بقسميه أيضا إذا أخذ المسلم الفضل ، ولمرسل الصدوق والمروي مسندا في
الكافي قال : « قال : رسول الله 6 ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم ألف درهم بدرهم
؛ ولا نعطيهم » والضعف غير قادح بعد الانجبار ، كما أن خبر زرارة يمكن ارادة غير
أهل الحرب من المشركين كأهل الذمة ، بناء على جريان الربا فيهم أو غير ذلك ، ولا
فرق في الحربي بين المعاهد وغيره ، ولا في كونه بين دار الإسلام أو الحرب ، كما
صرح به بعضهم بل عن ظاهر الخلاف ، الإجماع على الأخير.
لكن قد يناقش في
الأول ، بظهور المرسل في غيره ممن هو محارب حال المعاملة ، إذ هو كالذمي الذي
ستعرف البحث فيه ، مضافا إلى وجوب الاقتصار فيما خالف العموم على المتيقن ،
والأحوط اجتنابه.
وعلى كل حال فصريح
المرسل المزبور أن المراد من نفي الربا بيننا وبينهم أخذه منهم ، لا إعطاؤهم كما
هو صريح جماعة وظاهر آخرين ، بل لا أجد فيه خلافا
__________________
صريحا ، وإن كان
قد أطلق بعضهم إلا من القاضي فيما حكي عنه ، فجوز أخذ كل منهما من الآخر ، لكن لا
ريب في ضعفه ، لعدم ما يصلح للخروج به عن عموم التحريم.
ويثبت الربا بين
المسلم والذمي قطعا إذا كان الآخذ الذمي وبالعكس على الأشهر بل المشهور نقلا
وتحصيلا بل عليه عامة المتأخرين إلا النادر ، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما سمعته من
المرتضى وحكي عن ابني بابويه والمفيد والقطيفي ، مع أنه قال بعض مشايخنا أني لم
أجد له ذكرا في المقنعة.
ومن ذلك يعلم ما
في دعوى المرتضى من الإجماع عليه الذي هو دليل القول به ، والمرسل في الفقيه « ليس بين المسلم
والذمي ربا » الذي لا جابر له ، ويمكن حمله على إرادة الحرمة منه ، نحو ما سمعته
من المرتضى في نظائره ؛ قبل أن يرجع إلى المشهور ، أو علي أنهم حربيون في زمن
الغيبة كما ستسمع ، على أنه أرسل في النافع رواية معارضة للمرسل ، وإن لم أجدها
إلا أن يريد قوله في صحيح زرارة « المشركون بينهم وبين المسلمين ربا » المؤيد للعمومات في
الجملة ، وحمله على إرادة ثبوته حيث يكون الأخذ من المسلم ، ينفيه ظهوره أو صراحته
في الأعم من ذلك ، فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى جريان الربا بينهم ، إلا
إذا خلعوا شرائط الذمة ، فإنهم يكونون حينئذ حربيين ، بل يظهر من بعضهم أنه كذلك
في زمن الغيبة وما شابهها من قصور اليد ، وإن كانوا لا يغتالون ، لشبهة الأمان ،
ولعله لعدم من يعقد معهم ، عقد الذمة وشرائطه ، ولم يثبت ولاية حاكم الجور في ذلك
، هذا.
وقد يقال في أصل
المسألة أن المراد بنفي الربا بين المسلم والحربي ، يأخذ منه ولا يعطيه عدم حرمة
ذلك على خصوص المسلم الذي له التوصل بكل طريق إلى أخذ مال الحربي ، لأنه هو وماله
فيء للمسلم ، فله السرقة ونحوها ، لا أن المراد نفيه على نحو نفيه بين الولد
والوالد ، وحينئذ فالمعاملة بينهما باطلة توجب حرمة الثمن على الكافر
__________________
ويحرم عليه دفع
الربا ، وللمسلم أخذه منه بتوسط هذه المعاملة التي هي فاسدة في الواقع ، وصحيحة
بزعم الحربي ، نحو شراء ولده منه ، فإنه شراء صوري مقدمة للاستيلاء على الولد ،
ليملكه به ، لا بالشراء ، كذا ما نحن فيه فإن ملكه لما يأخذه منه بالاستيلاء لا
بالبيع الربوي ، وربما يؤيد ذلك ما سمعته في صحيح زرارة من ثبوت الربا بيننا
وبينهم مطلقا ، ولكن في خصوص الحربي لنا استنقاذ ماله منه بالمعاملة المزبورة على
حسب ما عرفت.
ومنه يعلم جريان
الربا بيننا وبين سائر فرق الكفار المحترم ما لهم بذمة ، أو صلح ، أو أمان أو عهد
، أو غير ذلك ، بخلاف غير محترمي المال ، فإن له التوصل إلى الاستيلاء على مالهم
بالمعاملة المزبورة ، ليملكه به ، لا بها ؛ بل الظاهر جواز كل معاملة فاسدة معهم
بهذا القصد ، لا بقصد ترتب الأثر على المعاملة ، وإلا فمن البعيد اختصاص الكافر
هنا بحلية دفع الربا للمسلم دون أخذه منه ، ودون أخذه من غيره من قومه فتأمل جيدا
فإنه دقيق نافع ، ومنشأ الوهم الاشتراك مع غيره ، بنفي الربا لما عرفت والمراد
بهما متغاير والله أعلم.
المسألة الثانية
المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه كلحم الغنم
بالشاة بل في المختلف لم نقف فيه على مخالف منا غير ابن إدريس فجوز ، وقوله محدث
لا يعول عليه ؛ ولا يثلم في الإجماع ، وفي الدروس نسبته إلى الشذوذ بل عن الخلاف
والغنية الإجماع عليه وهو الحجة بعد
النبوي وإن كان عاميا على الظاهر « نهى النبي 6 عن بيع اللحم
بالحيوان » وموثق غياث على ما قيل عن الصادق 7 : « أن أمير المؤمنين كره بيع اللحم بالحيوان » بناء على
إرادة الحرمة منها في خصوص المقام ولو لما في المعتبرة من أنه 7 « لا يكره الحلال
» كما
__________________
في بعض وإلا
الحرام في آخر ، وللإجماعين المعتضدين بالشهرة.
لا أن الحجة فيه
تحقق الربا ، كي يرد عليه أن الحيوان غير موزون ، إذ الظاهر إرادة الحي في محل
النزاع ، كما اعترف به في المسالك ؛ بل هو ظاهر التذكرة أو صريحها ، كالمحكي عن
السرائر بل عن نهاية الأحكام وفخر المحققين وغيرهما جعل النزاع فيه ، فما عساه
يظهر من المختلف من كون النزاع في الأعم ، ومن المحكي من مجمع البرهان في خصوص
المذبوح في غير محله ، كما أن الاستدلال عليه في المحكي عن إيضاح النافع بأن القوم
أجروا ما يجرى عليه الوزن عادة ، مجرى الموزون وإن كان في الحال غير موزون ؛ ولهذا
لا يجوز بيع الرطب بالتمر على النخل كذلك أيضا ، ضرورة عدم الدليل على ذلك ، بل
ظاهر الأدلة خلافه ، خصوصا ما دل منها على جواز بيع الثوب بالثوب وبالغزل ، لخروجه بالصفة
عن كونه موزونا الذي أفتى به الفاضل والشهيد والمحقق الثاني ، بل ربما ظهر منهم أو
بعضهم تعدية الحكم إلى الآنية من الحديد والصفر ، إذا لم تجري العادة بوزنها ؛ بل
والمصنوع من النقدين كالخاتم والظروف والمراكب المحلاة ، فما حكاه عن القوم لم
نتحققه.
نعم قال في
القواعد والتذكرة والتحرير : « إن المراد أي في باب الربا جنس المكيل والموزون ،
وان لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين ، أو لكثرته كالزبرة ؛ أي القطعة من الحديد »
، وظاهره كما اعترف به في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد وجامع المقاصد أنه يجب
الكيل والوزن في البيع إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا بالفعل ، فلو بيع ما لا
يوزن عادة لقلته أو كثرته وجنسه مكيل كفى في صحة بيعه المشاهدة ، إذا بيع بغير
جنسه ، وأما إذا بيع بجنسه لم يجز كما في الأول ولا بد من المساواة كيلا إن كان
مكيلا وإلا فوزنا ، كما في الثاني ، ويمكن أن يكون ذلك في خصوص ما كان المانع من
كيله أو وزنه القلة أو الكثرة ، لا غيرهما من الأحوال ، ككون الثمرة على الشجرة
ونحوها ، مع أنه لا يخلو من نظر.
__________________
وبالجملة لا ريب
في أنه ليس المنع في كلام الأصحاب هنا ملاحظة الربا ، وإلا لما صح إطلاقهم المنع
الشامل لصورة المساواة وزيادة اللحم على الحيوان وبالعكس ، ولا اتجه لهم المنع حتى
في بيع الحيوان بالحيوان الذي من الواضح فساد القول به ، وكان منشأ الوهم ذكرهم
هذه المسألة في باب الربا ، وزاده إيها ما تقييد غير واحد من الأصحاب المنع بما
إذا كان من الجنس وأنه يجوز البيع بغير جنسه كلحم البقر بالشاة بل هو المشهور بين
المتأخرين بل في الغنية والتنقيح الإجماع عليه ، بل قيل إن إجماع الخلاف منطبق
عليه أيضا ، وكأنهم فهموا من إطلاق المقنعة والنهاية والمراسم والقاضي على ما حكي
عن بعضهم عدم جواز بيع الغنم باللحم وإرادة اللحم من الغنم ، بل لعلهم فهموا ذلك
أيضا من خبر غياث .
نعم قيده المصنف
بقوله لكن بشرط ان يكون اللحم حاضرا ولعله لعدم جواز بيع اللحم نسيئة ، كما نص
عليه ابن إدريس في المحكي عنه هنا ، قال كما في المختلف : « يجوز ذلك أي بيع اللحم
بالحيوان إذا كان موزونا سواء اتفق الجنس أو لا يدا بيد ، وسلفا أيضا إن كان اللحم
معجلا دون العكس إذ لا يجوز السلف في اللحم ، ويجوز في الحيوان ، ويأتي تمام الكلام
في السلم إنشاء الله تعالى.
وكيف كان فذلك كما
ترى لا دلالة فيه على أن المنع فيه للربا ، إذ ليس في النهاية إلا « لا يجوز بيع
الغنم باللحم لا جزافا ولا وزنا » ومثلها المقنعة بزيادة لأنه مجهول ، ونحو هما
غيرهما في عدم الإشارة إلى كون المنع للربا ، فلا ريب في بطلان الاستدلال به لهم ،
بل منه يعلم فساد ما ذكره ابن إدريس حيث احتج على مطلوبه بأن المقتضي للجواز ـ وهو
قوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ ) ، ـ موجود ، والمانع وهو الربا منفي إذ الربا إنما يثبت في
الموزون ، والحيوان الحي ليس بموزون ، إذ فيه ما عرفت من عدم كون المانع الربا ،
وأجاب
__________________
عنه في المختلف
بالمنع من نفى المانع ؛ ومن كون المانع هو الربا خاصة ، ثم قال : ولو قيل بالجواز
في الحيوان الحي دون المذبوح جمعا بين الأدلة كان قويا.
وفيه أنه لا وجه
للمنع من نفى المانع إذ احتمال أنه من الربا بتخصيص ما دل على اشتراطه بالكيل في
غير المقام كما ترى ، وإن جزم به في الرياض على أنه ينبغي جوازه مع المساواة ، مع
أن المعظم والجميع أطلقوا المنع.
نعم قيده بعض
المتأخرين بغير المساواة بناء منه على أن المنع من جهة الربا مضافا إلى أنه ليس في
خبر غياث دلالة على كون المنع من جهة الربا ، كي يقيد به تلك الأدلة
، وأما ما ذكره من التفصيل فإنه وإن استجوده الشهيد في حواشيه ، وقال به المحقق
الثاني في جامع المقاصد وتعليق الإرشاد ، وقواه الشهيد الثاني في المسالك والروضة
، لكن منشأه على الظاهر ما أومأ إليه في المختلف من الجمع بين ما دل على الحرمة
كالرواية ، والإجماع المحكي وإطلاقات الحل والجواز ، فيحمل الأول على ما إذا كان
مذبوحا ، لتحقق شرط الربا فيه ، والثاني على الحي لفقد شرط الربا فيه.
ومن هنا صرح بعضهم
بالكراهة في الحي للشبهة الناشئة من إطلاق القول ، والرواية بالحرمة ، وقد ظهر لك
مما ذكرنا ما فيه ، إذ لا حاجة لحمل المنع على كونه من جهة الربا ، كي يحتاج إلى
ذلك ، وإلى حمل النص ومعقد الإجماع والفتاوى المتضمنة للفظ الحيوان والشاة أو
الغنم على خلاف ظاهره ، ضرورة ظهورها جميعا في الحي ؛ على أن تنزيل ما دل على
الربا على المذبوح قد يناقش فيه ، بأنه غير مكيل ولا موزون قبل السلخ ، بل تعارف
في زماننا بيعه جزافا بعد السلخ إذا كان جملة ، بل من المعلوم أن الرأس لا يباع
إلا جزافا ، والإكتفاء بموزونية جنسه أي اللحم قد عرفت ما فيه ؛ بل قد يمنع كون
جنس الحيوان المذبوح اللحم.
وكذا يظهر لك ما
في التذكرة ، فإنه بعد أن ذكر أن المشهور على المنع قال :
__________________
« والأقرب عندي
الجواز على كراهية ، للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا لفقد شرطه ، وهو التقدير
بالكيل أو الوزن ، المنفي في الحيوان الحي ، واما الكراهية فللاختلاف ، بل صرح بعد
في كلامه بأن المنع على تقديره إنما هو من جهة الربا » وفيه ما عرفت ولعل ما في
النافع والتحرير والإرشاد من الحكم بالجواز مبنيا على أن كون المنع للربا ، وهو
منتف لفقد شرطه ، كالمحكي عن الابى والخراساني والكاشاني ؛ أو لأن غياثا تبري لا
يعمل بخبره.
وفي الأول ما عرفت
، وفي الثاني مع ان غير واحد وصف الخبر بكونه موثقا ، بل في المختلف أن أصحابنا
وثقوه وهو منجبر بما عرفت ، ومعتضد بالإجماعين السابقين ، ومنه يعلم الحال في
المناقشة في متنه للتعبير فيه بلفظ الكراهة.
ونحوها المناقشة
بأن مقتضاه مطلق المعاوضة ، وأن المنع ولو بغير الجنس والأصحاب لا يقولون به ، إذ
يدفعهما انصراف البيع والجنس منه ، أو إرادة ذلك منه ولو بمعونة كلام الأصحاب ، واحتمل
في الرياض إرادة المثال بذكر البيع في الفتاوى وهو بعيد ، مناف لقاعدة الاقتصار
فيما خالف الأصل على المتيقن منعه من النص والفتوى ، فظهر لك من ذلك كله أن قول
ابن إدريس ضعيف ، وإن وافقه عليه جماعة ممن تأخر عنه ، كالمصنف في النافع والفاضل
والمحقق الثاني والشهيدان في الحواشي والمسالك والروضة وغيرهم ، إلا أن منشأ
الجميع ما عرفت مما هو واضح البطلان ، فالقول حينئذ بما عليه المشهور لا يخلو من
قوة.
لكن قد ظهر لك من
كلام هؤلاء المتأخرين أنه لا إشكال في المنع في المذبوح لوجود شرط الربا فيه ، وقد
عرفت المناقشة فيه ، فبناء على ظهور الخبر ومعاقد الإجماعات في الحي ، يتجه الجواز
حينئذ في المذبوح لعدم شرط الربا فيه ، اللهم إلا أن يدعى الإجماع عليه من الجميع
، ودونه خرط القتاد ، بعد أن علمت أن البحث في تلك العبارات في الحي لا في المذبوح
، كما عن الأردبيلي الجزم به ، ولا في الأعم منه ومن
الحي ، كما عساه
يظهر من المختلف ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، ثم إن الظاهر عدم الفرق في
الحكم المزبور بين كون اللحم ثمنا ومثمنا ، وإن اختص أكثر العبارات بالثاني ، لكن
المحكي عن جملة من القدماء التعبير بالأول.
نعم ينبغي
الاقتصار بناء على ما ذكرنا على ما يسمى لحما ، فالكرش والكبد ونحو هما لا يدخل في
المنع ، بل قد يتوقف في اندراج بيع لحم السمك بالسمك الحي ، لعدم انصراف لفظ اللحم
اليه ، هذا وربما يقال في أصل المسألة ـ خصوصا بملاحظة ما سمعته من المعتبرة من
التعليل بالجهالة ـ إن المراد من إطلاق الفتوى من قدماء الأصحاب عدم جواز ما
يستعمل من دفع رؤس من الغنم إلى القصاب بمقدار من اللحم يؤخذ منه تدريجا ، أو يبيع
القصاب مقدارا من اللحم في ذمته لصاحبها بها.
وعلى كل حال فهو
باطل لعدم إمكان ضبط اللحم المختلف باختلاف الحيوان زمانا ومكانا وأكلا وسمنا وغير
ذلك ، فالمراد حينئذ عدم جواز بيع اللحم سلفا ولا كونه ثمنا نسيئة بالحيوان ، ولعل
تخصيص ذلك ؛ بالحيوان تنبيها على ما كان يستعملونه بل ربما استعملوه على نحو
العرية من بيعه بمقدار من اللحم منه الذي لا إشكال في بطلانه ، لاتحاد الثمن
والمثمن فيه ، كما أن الوجه في ذكر الأصحاب ذلك ، ذكره فيما سمعته من النص وبذلك
ينطبق ما سمعته من التعليل بالجهالة ، ضرورة عدمها في الحيوان ، وفي اللحم المشاهد
، وكان التفصيل بالجنس وغيره من المتأخرين الذين توهموا كون موضوعه من الربا ،
والا فالقدماء لا تفصيل في كلامهم ، فتأمل جيدا ولاحظ ، فإنه نافع إنشاء الله.
المسألة الثالثة
لا خلاف بيننا في أنه يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية أو فيها بيضة أو
ببيضة ، لوجود المقتضي من الأصل وغيره ، وعدم المانع ، إذ ليس إلا الربا ، وهو
منفي بانتفاء شرطه ، إذ الدجاجة غير مقدرة بالكيل والوزن ، وما في بطنها ما دام
كذلك كالثمرة على الشجرة ، ولأنه تابع غير مقصود ، والمخالف الشافعي ، ولا ريب في
ضعفه ، وكذلك لا خلاف عندنا في جواز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة
في ضرعها لبن أو
خالية : أو بلبن ولو كان من لبن جنسها ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا لعين ما
ذكرنا ، وكذا بيع شاة عليها صوف ، بصوف وشاة ليس عليها صوف ، ونخلة ليس عليها تمر
بأخرى خالية أو ذات تمر.
المسئلة الرابعة :
القسمة تميز أحد الحقين أو الحقوق عن الأخر وليست بيعا عندنا ولا معاوضة ، فتصح
فيما فيه الربا ولو أخذ أحدهما الفضل للأصل والإطلاقات وفي المسالك دعوى الوفاق
عليه ، ومن جعلها بيعا مطلقا ، أو مع اشتمالها على الرد يثبت فيها الربا ، وتجوز
القسمة كيلا وخرصا للأصل ولو كانت الشركة في رطب وتمر متساويين فأخذ أحدهما الرطب
جاز وإن كان ينقص إذا جف بعد ذلك ، لما عرفت من عدم جريان الربا فعلا فيها ، فضلا
عن مثل ذلك.
ولكن تفصيل الأمر
فيها محرر في كتاب القسمة من القضاء بل والشركة ، فإنه قد ذكرنا بعض الكلام فيه ،
والعمدة تحرير كون حصة الشريك كليا في المال الخارجي مشاعا ، على معنى صدقه على
أفراد متعددة ؛ وبالقسمة مع القرعة ليتميز ويتشخص ، أو أنها حصة شائعة في الاجزاء
على وجه يكون لكل منهما نصيب في كل جزء جزء فبالقسمة لا بد أن تكون من كل منهما
أجزاء من ملكه عند الأخر ، ومقتضى ذلك كونها حينئذ معاوضة ، بل مقتضاه فيما لو
كانت الشركة بين الوقف والملك ، تبديل أجزاء الوقف بالملك وبالعكس ، بل مقتضاه
اجتماع مالكين على مملوك واحد إذا قلنا بالجزء الذي لا يتجزى ، فإنه لا يكون قابلا
للقسمة ، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في محله ، ولعل إجماعهم على الظاهر هنا بعدم
جريان الربا حتى من القائل بعمومه لكل معاوضة مما يؤيد الأول فلاحظ وتأمل.
المسألة الخامسة
يجوز بيع مكوك من الحنطة بمكوك وفي أحدهما عقد التبن ودقاقه دون الأخر وكذا لو كان
في أحدهما زوان أو يسير من تراب ، لأنه مما جرت العادة بكونه فيه فيصدق المساواة
معه بلا خلاف أجده فيه بيننا ، لكن عن
المبسوط « وقال
قوم : لا يجوز وهو الأحوط » ولعله يريد من العامة إلا أنه لا ينبغي الأمر بالاحتياط
لخلافهم.
نعم لو كان ذلك
مما لا يتسامح به في العادة لم يجز لصدق التفاضل ، بل ولأنه إذا كان الخليط مما له
قيمة ، كالشيلم ونحوه ، جاز بصرف زيادة الخالص حينئذ إلى مخالف الجنس ، كما أنه
يجوز بحنطة مشتملة على ذلك ، صرفا لكل جنس إلى ما يخالفه ، أما إذا لم يكن له قيمة
لم يجز بالخالص ولا بغيره ، إذا لم يعرف قدر التفاوت ، وإلا جاز على الظاهر ،
وليست الحنطتان ذات الترابين كالجنسين الرطبين التي لا يعلم تساويها بعد الجفاف ،
ضرورة كون الرطوبة حينئذ من اجزاء الجنس ، وليست هي مستقلة بنفسها ، بخلاف التراب
كما هو واضح ، والمكوك : كثبور : مكيال يسع صاعا ونصفا ونصف رطل ، أو ثلاث كيلجات
، والكيلجة : من وسبعة أثمان المن ، والمن : رطلان : والله أعلم.
المسألة السادسة
لا خلاف بيننا أيضا في أنه يجوز بيع درهم ودينار ، بدينارين ودرهمين ويكون في
الصحة بمنزلة أن يصرف كل واحد منهما إلى غير جنسه وإن لم يقصدا ذلك وكذا لو جعل
بدل الدينار أو الدرهم شيء من المتاع ، وكذا مد من تمر ودرهم ، بمدين أو أمداد
ودرهمين أو دراهم إذ هو وإن لم يكن في كل منهما جنس يخالف الأخر ، إلا أن الزيادة
تكون في مقابل الجنس المخالف في أحدهما ، فهو في الصحة حينئذ كذي الجنسين ، ولا
خلاف بيننا في الجميع ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض جدا إن لم
يكن متواترا.
مضافا إلى الأصل
والعمومات ، واختصاص أدلة التحريم بحكم التبادر والسياق بغير مفروض المسألة ،
والنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره ، منها ـ ما عن البجلي قال : « سألته عن
الصرف فقلت إن الرفقة ربما خرجت عجلا فلم أقدر على الدمشقية والبصرية ،
__________________
وإنما يجوز « بسائر »
الدمشقية والبصرية ، فقال : وما الرفقة؟ فقلت : القوم يترافقون ويجتمعون للخروج
فإذا عجلوا فربما لم نقدر على الدمشقية والبصرية ، فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا
وخمسمائة درهم منها بألف من الدمشقية والبصرية ، فقال : لا خير في هذا ، فلا
يجعلون معها ذهبا لمكان زيادتها؟ فقلت له : أشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم
فقال لا بأس بذلك ، إن أبى كان أجرأ على أهل المدينة مني ، وكان يقول : هذا ،
فيقولون : إنما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ؛ ولو جاء بألف
درهم لم يعط ألف دينار ، وكان يقول لهم : نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال
».
وفي صحيحه الآخر عن أبى عبد الله 7 « قال : كان محمد
بن المنكدر يقول لأبي جعفر 7 : يا أبا جعفر رحمك الله والله إنا لنعلم أنك لو أخذت
دينارا والصرف ثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته ، وما
هذا إلا فرار ، وكان أبى 7 يقول : صدقت والله ولكنه فرار من باطل إلى حق » وفي الصحيح
الآخر عن أبى عبد الله 7 « لا بأس بألف درهم ودرهم ، بألف درهم ودينارين إذا دخل
فيها دينار ان أو أقل أو أكثر فلا بأس » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على
المطلوب.
وربما ظهر منها ما
ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل نسبه إليهم غير واحد ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه ،
من صرف كل من الجنس إلى المخالف ، كما أن الزيادة تنصرف إليه إذا كانت في أحدهما ،
ومقتضاه حينئذ الصحة فيما لو باع مد تمر ودرهما بمدين ، أو بدرهمين ، أو بمدين
ودرهمين ثم تلف الدرهم أو المد قبل قبضه ، فيصح البيع في الأول بمد أو درهم ، وفي
الأخير بمدين أو درهمين ، لانفساخ البيع شرعا فيما يقابل الزيادة أو الجنس المخالف
، وإن لم يكن هو مقتضى المقابلة عرفا ، وهو الذي مال إليه المحقق الثاني ، والشهيد
الثاني إذا كان كل من العوضين مشتملا على جنسين.
__________________
وفيه أن دعوى ظهور
الأدلة في الانصراف على الوجه المزبور محل نظر أو منع ، إنما المسلم منها بالنسبة
إلى حكم الربا ، بمعنى أنه لا يتحقق ويكون كما لو خصت الزيادة أو الجنس المخالف في
عدم جريان الربا ، لا ان المراد جريان سائر الأحكام على ذلك ، حتى لو كانا مثلا
لمالكين اختص كل واحد منهما بما يخالفه ، وإن لم يكن مقابلا لما له وكذا بالنسبة
إلى حكم الصرف فلو بيع مثلا فضة ونحاسا بفضة ونحاس لم يجب التقابض في المجلس
للانصراف المزبور إلى غير ذلك من الاحكام التي يصعب التزامها مع عدم ظهور الأدلة
فيها ، بل في نصوص الصرف الآتية ما يشهد بخلافها ، مضافا إلى مخالفتها
القواعد المحكمة ، خصوصا الالتزام بثمن لم يكن مقصودا أنها ثمن على كل حال ، بل
لعل المقصود خلافه ، بل ظاهر النصوص السابقة كبعض العبارات أن الضميمة على الوجه المزبور من الجانبين
أو من جانب واحد ؛ من الحيل الشرعية للتخلص من الربا ، جارية على مقتضى الضوابط
ليس فيها أثر للتعبد أصلا ، وإنما نبه الشارع عليها تنبيها ، وإلا فمبناها أنه
بذلك يخرج عن صدق بيع المتجانسين متفاضلا ، وذلك لأن أجزاء الثمن مقابلة بأجزاء
المثمن على الإشاعة ، فلا تفاضل حينئذ في الجنس الواحد في عقد البيع ، لانضمام جنس
آخر معه ، فقول الأصحاب بانصراف كل جنس إلى مخالفه أو الزيادة إليه ، يراد به ما
ذكرنا ، لا أن ذلك حكم شرعي تعبدي ، إذ عليه لا تكون حيلة كما هو واضح ، فلا ريب
حينئذ في بطلان القول بالصحة في الفرض على هذا الوجه.
ومن هنا احتمل غير
واحد البطلان في مفروض المسألة ، إذا حصل الربا بعد إسقاط ما يقابل التلف بالنسبة
، كما لو باع مد أو درهما بمدين ودرهمين مثلا ، وتلف الدرهم لمفروض أنه نصف المبيع
، لكون قيمة المد درهما بطل البيع في نصف الثمن ، ويبقى لنصف الآخر ، وحيث كان
منزلا على الإشاعة ، كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين
في مقابل المد ، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان ، بل
__________________
جزم به المحقق
الثاني إذا كان المشتمل على الجنسين أحد العوضين ، والمقابل له في الأخر الزيادة ،
وكان التالف المخالف ، وكان التقسيط في الباقي يقتضي الزيادة.
وفيه منع تحقق
الربا لهذه الزيادة التي لم يبن العقد عليها ، وإنما حصلت بالتقسيط ، وإلا لاتجه
البطلان من أول الأمر ، مع أن الإمامية على خلافه ، في مقابل ما حكي عن الشافعي من
البطلان في كل ما اقتضى التقسيط فيه الزيادة ، ورد بأن المعلوم من أدلة الربا حرمة
الزيادة في نفس العقد ، لا ما إذا كانت بمقتضى التقسيط في العقد الذي قد وقع
المقابلة فيه بالمجموع ، وهو بعينه جار فيما نحن فيه ، ضرورة أن الزيادة المفروضة
إنما كانت بحسب التقسيط الذي احتيج إليه لمكان التلف ، وإلا فالعقد لا زيادة فيه ،
فصحته مستصحبة ، وتبعض الصفقة لو سلم عدم خروج الباقي بها عن كونه معاوضة ، وعن
كونه بيعا ؛ إلا أن المتيقن من أدلة الربا الزيادة في نفس العقد الأول لا المتجدد.
نعم قد يقال فيما
لو انكشف استحقاق بعض الثمن مثلا باعتبار تحقق الزيادة حينئذ من أول الأمر وإن
كانت مجهولة ، مع أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين صورتي التلف قبل القبض والخروج
مستحقا ، وهو محتاج إلى التأمل.
وكيف كان فالأجود
فيما نحن فيه الصحة وإن حصلت الزيادة ، كما عن السيد عميد الدين الجزم به ، مع أنه
يمكن فرض التقسيط على وجه لا يستلزم الربا ، بأن يجعل نصف الدرهم التالف مثلا ، في
مقابل مثله من الشيء ، ونصفه الأخر في مقابل مد ونصف من الثمن ، فيكون نصف المد
في مقابل نصف مد والنصف الأخر في مقابل درهم ونصف وحينئذ ، فكل من نصفي المبيع في
مقابل ما يساوى درهمين من الجنسين معا ، فلا زيادة في الجنس الواحد.
ولعل وجهه أن
أجزاء المبيع لما قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع ، لم يجب أن يقع التقسيط على
وجه يلزم معه المحذور ، فإن صيانة العقد عن الفساد مع إمكان السبيل إليه متعين ،
وهو جيد بعد وجود مرجح له على غيره ، ضرورة عدم انحصار التقسيط
الذي يتلخص به من
الربا فيه ، إذ يمكن جعل ثلث الدرهم مثلا في مقابل ثلث درهم من الثمن ، وثلثاه في
مقابل مد وثلثين من المثمن ، ويجعل ثلث المد من المبيع في مقابل مثله من الثمن ،
وثلثاه في مقابل الباقي من الدرهمين ، وهو درهم وثلثان ، أو يجعل الربع أو ما دونه
، أو ما فوق النصف ، أو غير ذلك من الطرق التي لا ترجيح لواحد منها على الأخر.
بل قيل وعلى
التقسيط يصرف كل جنس إلى ما يخالفه بل ربما ، رجح عليها بنص الأصحاب إلا انك قد
عرفت ما فيه ، مضافا إلى أن التحقيق مقابلة أجزاء الثمن باجزاء المثمن على الإشاعة
ـ لا أن المنزل عليه البيع قبل التلف مقابله المجموع بالمجموع من دون تعيين كونه
على الإشاعة أو غيره ، فإذا تلف احتجنا إلى التعيين فنحتاج إلى مرجح ، ضرورة ظهور
قصد المتعاملين بمقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن على الإشاعة ، وكان الرجوع إليه
في التلف وفي العيب وفي ظهور الاستحقاق وغير ذلك من المقامات ، لابتناء العقد عليه
، فظهر حينئذ أن المصحح للبيع هو المنزل عليه عند التلف ، فحينئذ يبطل منه فيما
نحن فيه على الإشاعة ، إلا أنه إذا تراضيا على ما يتحقق به الزيادة في هذا الحال
لم يتحقق الربا ، لما عرفت من ظهور أدلته في الزيادة في نفس العقد.
ومن هنا كان لا
فرق عندنا في ذلك بين اشتمال كل من العوضين على جنسين مختلفين ، وبين اشتمال
أحدهما على ذلك ومقابلته بالزيادة ، وإن كان يمكن منع فرض تحقق الزيادة في الأول
على الجنس الواحد بعد فرض الإشاعة في الاجزاء ، إلا بالتراضي منهما على ما يحصل به
ذلك ، وقد عرفت عدم البأس فيه عندنا ، فلا يجب عليهما اختيار مالا يتحقق به ذلك
تخلصا من الربا.
ـ أنه وإن تعاسرا
في أفراده رجعا إلى القرعة أو الحاكم أو أن التخيير للبائع ، لأن الثمن قد انتقل
إليه بالعقد ، والمستحق عليه إرجاع أمر كلي فيخير في أفراده أو للمشتري إذا لم يكن
قد دفعه إلى البائع ، أو غير ذلك مما لا يحتاج إليه بعد ما ذكرنا ،
ومنه يعلم ما في
خيرة السيد في الرياض من وجوب التقسيط بما لا يحصل معه الربا والله اعلم.
وكيف كان فقد عرفت
مشروعية الاحتيال في التخلص من الربا ، نصا وفتوى إذ هو فرار من الباطل إلى الحق ،
وقد يتخلص من الربا أيضا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غير جنسها ،
ثم يشتري من الآخر سلعته بالثمن الذي باع به سلعته ، وحينئذ يسقط اعتبار المساواة
، ضرورة عدم بيع كل منهما بالاخر حتى يشترط ذلك تخلصا من الربا ، فلو باع مثلا
وزنة من الحنطة بعشرة دراهم ، ثم اشترى منه وزنتين بذلك صح.
وكذا لو وهبه
أحدهما سلعته ثم وهبه الأخر الأخرى من غير معاوضة وإلا بنى الحال على اختصاص الربا
بالبيع وعدمه ، أو أقرض سلعته صاحبه ، ثم أقرضه هو وتبارعا ، وكذا لو تبايعا
متساويا ووهبه الزيادة إلى غير ذلك مما يخرج عن بيع المجانس بمثله متفاضلا لكن قال
المصنف هنا كل ذلك من غير شرط وهو متجه في الأخير ، ضرورة حصول الزيادة باشتراط
هبة الزيادة ، لما عرفت سابقا من تحقق الربا بالزيادة في العقد ولو حكما كاشتراط
الأجل ونحوه ، وفي سابقه على إرادة القرض بشرط قرض الجنس الأخر ، والتباري بعد ذلك
، فإن الظاهر تحقق ربا القرض بمثل ذلك ، بل في الهبة بشرط الهبة ، بناء على عموم
الربا للمعاوضات ، إذ الظاهر كون ذلك من الهبة المعوضة ، أما الأول وهو البيع بثمن
مخصوص مشترطا عليه بيع الجنس الأخر بذلك الثمن ، فلا أرى به بأسا ، لوجود مقتضى
الصحة ، وعدم المانع ، فإن أراد المصنف ما يشمل ذلك ، كان محلا للنظر ، فتأمل.
وكيف كان فلا
يناقش في هذه الحيل ـ بعدم قصد هذه الأمور أولا وبالذات ، ومن المعلوم تبعية
العقود للقصود ـ لاندفاعها بالمنع من عدم القصد ، بل قصد التخلص من الربا المتوقف
على قصد الصحيح من البيع والقرض والهبة وغيرها من العقود كاف في حصول
ما يحتاج إليه
البيع من القصد ، إذ لا يشترط في القصد الى عقد قصد جميع الغايات المترتبة عليه ،
بل يكفى قصد غاية من غاياته ، والله أعلم.
المسألة السابعة
لا ريب في أن مقتضى ما دل على حرمة الربا وفساد المعاملة المشتملة عليه ، وجوب رد
الزيادة خاصة ، المأخوذة بالقرض ونحوه ، ضرورة بقاؤها على ملك المالك ، معينة أو
مشاعة ، فحكمها حكم غيرها من الأمور التي للغير ، في الرد والصدقة ونحوهما من
مسائل الاشتباه للمال والصاحب أولهما ، مما هو مقرر في كتاب الخمس وغيره من محاله
، من غير فرق في ذلك بين العلم والجهل.
وأما لو كان الربا
في عقد المعاوضة ، فالمتجه حينئذ فساد المعاملة فيبقى كل من العوضين على ملك صاحبه
لا الزيادة خاصة ، إذ الفرق بينه وبين القرض واضح ، وحينئذ يجري فيه ما يجري في
باقي المعاملات الفاسدة ، من غير فرق أيضا بين العالم والجاهل إلا في الإثم وعدمه
، إذا كان غير مقصر في البحث والتفحص ، ولو لأنه غير متنبه ، إلا أن الأصحاب هنا
لم يفرقوا بين الموضوعين ، فأطلقوا وجوب رد الزيادة إذا كان حال تناولها عالما
بالتحريم ، بل نفى بعضهم عنه الخلاف فيه ، بل عن المقداد والكركي الإجماع عليه ،
وهو الحجة مضافا إلى ما سمعت ، قيل : وإلى قوله تعالى ( وَإِنْ
تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) وغيرها من الآيات الأخر الناصة هي كالروايات بحرمة الربا
الذي هو الزيادة لغة ، الموجبة لعدم الملكية ، فيلزم الرد مع معرفتها قدر أو معرفة
الصاحب بالضرورة ،
قلت قد عرفت أن
مقتضاها ذلك في الربا في نحو القرض : أما البيع فالفساد ، وعلى كل حال فالمتجه
حينئذ كونه كغيره من الأموال المحترمة ، في التصدق به عن المالك إذا لم يتمكن من
معرفته ، وغير ذلك مما هو مقرر في محله ، نعم خلت نصوص المقام التي ستسمعها مع
أنها في مقام البيان ، عن ذكر الحكم بإخراج الخمس لو كان مختلطا بالحلال ، ولم
يعرف المقدار ولا الصاحب ، بل ظاهر بعضها حل الجميع ، ولكن لم يعمل بها الا نادر
من الطائفة ، ومع ذلك فظاهر سياقها الجهل بالحرمة خاصة ،
__________________
فالعمل بالنصوص المتقدمة في مبحث
الخمس العامة لما نحن فيه المفتي بها في المقام أيضا أقوى منها ، وإن كانت خاصة ،
وإن كان جاهلا بالتحريم لخطأ في التقليد أو الاجتهاد أو غيرهما ، فالمعروف بين
المتأخرين بل في الدروس نسبته إليهم ، أنه كالعالم في وجوب الرد من غير فرق بين
تلف العين وبقائها ، لإطلاق ما دل على حرمة الربا مما هو صريح في عدم انتقاله عن
المالك ، والعذر في الحكم التكليفي لا ينافي الفساد الذي هو الحكم الوضعي ، وحينئذ
فيجري فيه ما قلناه في العالم ، في ربا القرض وربا البيع ، وقوله تعالى ( وَإِنْ
تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) خلافا للنهاية والنافع والدروس والحدائق والرياض ومحكي
الصدوق والراوندي والآبي والقطيفي والأردبيلي ؛ فلم يوجبوا الرد ؛ بل عن التنقيح
نسبته إلى الشيخ وأتباعه ، بل قيل أنه ظاهر الطبرسي أو صريحه وكأنه مال إليه في
التحرير وحواشي الشهيد ، ولا فرق في ذلك بين وجود المال وتلفه ، كما عن نهاية
الاحكام التصريح به.
نعم ظاهر هم
اشتراط ذلك بالانتهاء عما مضى ، بأن يتوب عما سلف ، وصرح في الحدائق بصحة المعاملة
في هذا الحال ، ولعله مراد الباقين ، إذ الحكم بعدم وجوب الرد مع القول بفساد
المعاملة في غاية البعد. نعم قد يقال أن محل كلامهم في ربا القرض ونحوه مما تخص
الحرمة الزيادة لا مطلق العوض ، إلا أن إطلاقهم مناف له.
وكيف كان فالعمدة
في ذلك بعد الأصل قيل واستصحاب الحكم حال الجهل إلى ما بعد المعرفة ، واختصاص أدلة
حرمة الربا كتابا وسنة ـ للتبادر من السياق وقاعدة التكليف ـ بصورة العلم ، خصوصا
الآية المزبورة التي هي ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ
وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) مؤيدا بما حكي من
سبب النزول ، أن
__________________
الوليد بن المغيرة
كان يربى في الجاهلية ، وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد المطالبة بها بعد ما
أسلم ، فنزلت الآية قوله تعالى ( فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) المفسر في ظاهر
المحكي عن الطبرسي بأن له ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي ، ولا يلزمه رده كالمحكي
عن الراوندي في تفسيرها بأن له ما أكل وليس عليه رد ما سلف ، إذا لم يكن علم أنه حرام
، مستدلا عليه بقول أبى جعفر 7 « من أدرك الإسلام وتاب عما كان عمله في الجاهلية وضع الله
عنه ما سلف » فمن ارتكب ربا بجهالة. ولم يعلم أن ذلك محظور ، فليستغفر الله في
المستقبل ، وليس عليه فيما مضى شيء ، ومتى علم أن ذلك حرام أو تمكن من علمه فكلما
يحصل له من ذلك محرم عليه ويجب عليه رده إلى صاحبه.
ثم قال : قال
السدي : له ما سلف له ما أكل ، وليس عليه رد ما سلف ، فأما من لم يقبض بعد فليس له
أخذه ، وله رأس المال ، لكن عن الطبرسي أنه روى الخبر المزبور إلى قوله تعالى ( فَلَهُ ما
سَلَفَ ) فيحتمل أن يكون ما بعده من كلام الراوندي ، وفي الصحيح
« دخل رجل على أبي جعفر 7 من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل
الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شيء إلا أن ترده إلى أصحابه ، فجاء إلى أبي جعفر 7 ، فقص عليه قصته
، فقال له أبو جعفر 7 : مخرجك من كتاب الله عز وجل » ( فَمَنْ
جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى
اللهِ ) والموعظة التوبة.
وقد فسرت الموعظة
بالتوبة ؛ في صحيح ابن مسلم الآخر أيضا عن أحدهما 7 وفي المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن
عيسى عن أبيه « قال إن رجلا أربى دهرا من الدهر ؛ فخرج قاصدا إلى أبي جعفر 7 يعنى الجواد فقال
له : مخرجك
__________________
من كتاب الله ( فَمَنْ
جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى
اللهِ ) والموعظة هي التوبة ، لجهله بتحريمه ثم معرفته به ، فما
مضى فحلال ، وما بقي فليتحفظ » ونحوه ما عن فقه الرضا 7 راويا له عن أبى
جعفر 7 وفي صحيح هشام « سألت أبا عبد الله 7 عن رجل يأكل الربا وهو يرى أنه حلال ، قال : لا يضره حتى
يصيبه متعمدا فإذا أصابه متعمدا فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل » كقوله ، 7 في صحيح الحلبي « كل ربا أكله
الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة.
وقال : لو أن رجلا
ورث من أبيه ما لا وقد عرف أن في ذلك المال ربا ، ولكن قد اختلط في التجارة بغيره
حلالا ، كان حلالا طيبا ، فليأكله ، وإن عرفت منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس
ماله ويرد الربا ، وأيما رجل أفاد مالا كثيرا فيه الربا فجهل ذلك ، ثم عرفه فأراد
أن ينزعه ، فما مضى فله ، ويدعه فيما يستأنف » وقال أيضا في صحيح الحلبي الآخر : « أتى رجل أبي
فقال : إني ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى وقد اعترف به
واستيقن ذلك ، وليس يطيب لي حلاله ؛ لحال علمي به ، وقد سألت الفقهاء من أهل
العراق وأهل الحجاز فقالوا : لا يحل أكله من أجل ما فيه ، فقال أبو جعفر 7 : إن كنت تعلم
بأن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله ؛ فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك ؛ وإن كان
مختلطا ، فكله هنيئا فإن المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإن رسول الله 6 قد وضع ما مضى من
الربا وحرم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم
عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه ، كما يجب على من يأكل الربا.
وسأل الصادق 7 أيضا أبوا الربيع
الشامي « عن رجل أربى بجهالة ثم أراد أن يتركه فقال أما ما مضى فله وليتركه فيما
يستقبل ، ثم قال : إن رجلا أتى أبا جعفر 7 فقال :
__________________
إنى ورثت مالا ،
وقد علمت أن صاحبه كان يربى وقد سألت فقهاء أهل العراق وفقهاء أهل الحجاز فذكروا
أنه لا يحل أكله ، فقال أبو جعفر 7 : إن كنت تعرف منه شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنه ربا
فخذ رأس مالك ودع ما سواه وإن كان المال مختلطا فكله هنيئا مريئا ، فإن المال مالك
، واجتنب ما كان يصنع صاحبك ، فإن رسول الله 6 قد وضع ما مضى من الربا ، فمن جهله وسعه أكله ، فإذا عرفه
حرم أكله ، فإن أكله بعد المعرفة وجب عليه ما وجب على آكل الربا » لكن لا يخفى
عليك أن ما في جملة من هذه النصوص لا يطابق القول بالعفو مع الجهل مطلقا.
نعم ظاهرها منطبق
على المحكي عن ابن الجنيد قال « من اشتبه عليه من الربا لم يكن له أن يقوم عليه
إلا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه حلال ، فإن قلد فيه غيره ، أو استدل فأخطأ ، ثم تبين
له أن ذلك ربا لا تحل له ، فإن كان معروفا رده على صاحبه ، وتاب إلى الله ، وإن
اختلط بماله حتى لا يعرفه ، أو ورث مالا يعلم أن صاحبه كان يربى ، ولا يعلم الربا
بعينه فيعزله ، جاز له أكله والتصرف فيه ، إذا لم يعلم فيه الربا.
اللهم إلا أن يدعى
ظهور صحيح الحلبي منها المشتمل على تعليل حل أكل الربا المختلط بوضع الرسول 6 ما مضى منه ، في
أن المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل مطلقا ؛ ومنه حينئذ يظهر صحة تفسير
الآية بما عرفت ، كما هو أيضا ظاهرها.
وبالجملة فيحمل
الأمر بالرد حينئذ مع التميز والعزل لذلك على الاستحباب ، وأما الجمع ـ بحمل الأمر
على ظاهره ، وتقييد الأدلة المتقدمة الدالة على إطلاق الإباحة بصورة الخلط ـ فيدفعه
عدم التكافؤ بسبب الكثرة والاعتضاد بفتوى من عرفت ، مضافا إلى ظهور سياق المعتبرة
في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز والمعرفة ، فلا ريب حينئذ في أولوية صرف الأمر
عن ظاهره إلى الاستحباب من ذلك هذا.
ولكن لا يخفى أنه
لا يصلح للفقيه الجرية بمثل هذه النصوص التي لا يخفى عليك اضطرابها في الجملة ،
وترك الاستفصال فيها عن الربا أن صاحبه كان جاهلا بحرمته أو عالما ،
والأمر فيها
بالتوبة مع عدم الذنب حال الجهل الذي يعذر فيه ، بل قد اشترط في الآية الحل بها
وحمله على الجهل الذي لا يعذر فيه ، ينافيه ما في خبر الباقر 7 السابق من إلحاق
مثله بالعالم وترك الاستفصال فيها عن الربا في القرض والبيع ، وقد عرفت الفرق
بينهما ، وغير ذلك على مخالفته الضوابط السابقة ، والاقدام على حل الربا الذي قد
ورد فيه من التشديد ما ورد.
وقد نزه ابن إدريس
حمل كلام الشيخ على ذلك ، فضلا عن النصوص ، فإنه بعد أن حكى عن الشيخ في النهاية
قوله « فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله ، وليس عليه
فيما مضى شيء ؛ ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه
، ويجب رده على صاحبه ، قال : « المراد بذلك ليس عليه شيء من العقاب بعد استغفاره
، لا أن المراد بذا أنه ليس عليه شيء من رد المال الحرام ، بل يجب عليه رده إلى
صاحبه بقوله تعالى ( وَإِنْ تُبْتُمْ
فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) فأما قوله ( فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ ) إلى آخره فالمراد والله أعلم فله ما سلف من الوزر وغفران
الذنب ، وحق القديم سبحانه بعد انتهائه وتوبته ، لأن إسقاط الذنب عند التوبة تفضل
عندنا ، بخلاف ما يذهب إليه المعتزلة.
وقيل في التفسير
ذكره شيخنا في التبيان ، وغيره من المفسرين ، أن المراد بذلك ما كان في الجاهلية من
الربا بينهم فقال ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ
فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) فأما ما يجرى من المسلم فيجب رده على صاحبه ، سواء كان
جاهلا بحاله ؛ غير عالم بأنه محرم ، أو كان عالم بذلك ، فإنه يجب رد الربا على من
أربى عليه من المسلمين جميعا ، فلا يظن ظان ولا يتوهم متوهم على شيخنا فيما قال :
غير ما حررناه ، وتبعه في حمل الآية وبعض النصوص على أحد الأمرين العلامة في
المختلف.
__________________
يمكن وحمل بعض
النصوص على العلم بأن الميت كان يربى وإن لم يعلم في خصوص المال منه شيئا ، وعلى
أنه مجهول المالك ، وقد أباحه الإمام 7 له أو على أنه من الشبهة الغير المحصورة أو غير ذلك ، بل
في المحكي عن كشف الرموز أنه يمكن أن يقال أن من ادعى اليوم في الإسلام جهالة
تحريم الربا لا يسمع منه ، فيحمل النص والفتوى على أول الإسلام ، وقد حكاه هو أيضا
عن صاحب الشرائع.
قلت : لا يخفى قوة
كون المراد بالآية العفو عما سلف في حال الجاهلية ، نحو قوله تعالى ( وَلا
تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ ) وغيره مما هو
وارد مورده ، ومن هنا ادعى الفاضل المقداد في المحكي عن كنزه صراحة الآيتين في أنه
لا يجب رد الربا مع الجهل السابق على نزول التحريم ، ثم قال : « إنه قرار يجب الرد
مع الجهل والعلم ، ثم إنه جمع بين الكلامين بأنه لا يجب على الكافر رد ما أخذ حال
كفره ، إلا أن يكون عينه موجودة ، وأما المسلم فيجب عليه الرد مطلقا ، سواء علم
بالتحريم أو لم يعلم ، وإن كان قد يناقش فيه بأن الظاهر عدم وجوب الرد على الكافر
وإن كانت العين موجودة. نعم ليس له قبضه كما أنه قد يناقش في وجوب الرد على المسلم
بعد تلف العين ، لإمكان القول بأنه قد سلطه المالك عليها ، بل قال بعض مشايخنا في
تأييد القول بالعفو مع الجهل ، إن الدافع قد أباح للقابض هذه الزيادة ، لأنه إن
كان عالما فظاهر ، وإن كان جاهلا فكذلك ، لأنه دفعها على التراضي مبيحا لها ، غاية
ما في الباب أنها لو بقيت وأراد الرجوع بها رجع ، وليس هذا التراضي منوطا بوجه
مخصوص ، حتى يكون كالتراضي في العقد الفاسد ، فتكون الإباحة مشروطة بصحة العقد ،
في الواقع وسلامة المقابل ، وصريحه أن القائل بالعفو معترف بالفساد في هذا الحال ،
خلاف ما سمعته سابقا من صاحب الحدائق.
لكن فيه أن القول
بالعفو عنه أشد مخالفة للقواعد والضوابط خصوصا في ربا البيع
ومن الغريب دعوى
عدم تقييد الإباحة بذلك ، والفرض أنه ما دفعه إليه إلا بعنوان الاستحقاق بالمعاملة
الربوية ، ومنه ينقدح دفع المناقشة الأخيرة ، وأن المتجه الضمان مطلقا مع وجود
العين وتلفها ، كما حكاه في الدروس عن المتأخرين وهو كذلك ، وقد بان لك من ذلك كله
أنه لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اجتناب ذلك كله ، على أن النصوص المزبورة
ظاهرة في معذورية من تناول الربا جهلا ، وهو شامل لما إذا كان الطرف الأخر عالما
مع أن المعاملة حينئذ فاسدة قطعا ، لحرمة الربا وفساد المعاملة بالنسبة إلى العالم
، وذلك يقتضي فسادها بالنسبة إلى الجاهل ، فلا بد من التزام أمور عظيمة حينئذ
بالنسبة إلى حل مال الغير في يد الأخر وعدم جواز أخذه لمالكه مع وجود عينه ، وغير
ذلك مما يصعب التزامه ، وأيضا الجاهل الغير المعذور الذي قد تاب ، مندرج في قوله
تعالي ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ
) ومنه ينقدح الإشكال في النصوص المزبورة المشتملة على تفسير الموعظة بالتوبة
مضافا إلى ظهور الآية وغيرها أن المراد ( فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى ) أي امتثل ما جاء من ربه من النهي فهو ظاهر في أول النزول
والله العالم.
__________________
إلى هنا تم الجزء
الثالث والعشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله
والمنة وقد بذلنا
غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة
المصححة على
النسخة الأصلية المخطوطة المصححة
بقلم المصنف طاب
ثراه ويتلوه الجزء الرابع
والعشرون إن شاء
الله تعالى
في بيع الصرف
وأحكامه.
على
الآخوندى
فهرس
الجزء الثالث والعشرون
من كتاب جواهر الكلام
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٣
|
الفصل
الثالث في الخيار
|
|
٢٠
|
لو
كان العاقد واحدا عن اثنين كان الخيار باقيا
|
٣
|
الأول
خيار المجلس
|
|
٢٣
|
القسم
الثاني خيار الحيوان
|
٤
|
لكل
من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس
|
|
٢٤
|
خيار
الحيوان ثلاثة أيام
|
٥
|
ثبوت
الخيار للوكيلين لصدق البيعان عليهما
|
|
٢٤
|
خيار
الحيوان للمشتري خاصة
|
٨
|
المدار
في التفرق هو التفرق عن مجلس العقد
|
|
٢٨
|
ابتداء
الخيار من حين العقد
|
٩
|
عدم
بطلان خيار المجلس لو أكرها على التفرق
|
|
٢٩
|
الخيار
يسقط باشتراط سقوطه وبالتزامه
|
١١
|
سقوط
الخيار باشتراط سقوطه
|
|
٣٠
|
يسقط
الخيار بانقضاء المدة
|
١٣
|
سقوط
الخيار بمفارقة كل من المتبايعين ولو بخطوة
|
|
٣٢
|
القسم
الثالث خيار الشرط
|
١٥
|
سقوط
الخيار بالتخاير
|
|
٣٢
|
لا
بد ان يكون مدة خيار الشرط مظبوطة
|
١٦
|
لو
التزم أحدهما به سقط خياره دون صاحبه
|
|
٣٤
|
لكل
منهما ان يشترط الخيار لنفسه أو لغيره
|
١٦
|
ولو
خير أحدهما فسكت فخياره باق
|
|
٣٥
|
يجوز
لهما اشتراط خيار المؤامرة
|
١٩
|
سقوط
الخيار بالشراء من ينعتق على المشترى
|
|
٣٦
|
للبايع
اشتراط الخيار مدة معينة برد الثمن وارتجاع المبيع انشاء
|
|
|
|
٣٩
|
النماء
من حين العقد إلى حين الفسخ للمشترى كما ان التلف منه
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٤٠
|
المعتبر
في رد المبيع رد العين
|
|
٦١
|
خيار
المجلس مختص بالبيع
|
٤١
|
القسم
الرابع خيار الغبن
|
|
٦١
|
خيار
الشرط يثبت في كل بيع لا يستعقبه العتق
|
٤٣
|
الزيادة
والنقيضة لا بد أن يكون بمقدار لا يتسامح فيها عادة
|
|
٦٢
|
خيار
الشرط يثبت في كل عقد عدا النكاح والوقف
|
٤٤
|
لا
يسقط الخيار بالتصرف قبل ظهور الغبن
|
|
٦٤
|
خيار
الشرط لا يثبت في الابراء والطلاق والعتق
|
٥٠
|
لا
يثبت بالغبن أرش
|
|
٦٥
|
التصرف
من المشترى يسقط خيار الشرط
|
٥١
|
القسم
الخامس خيار التأخير
|
|
٦٩
|
لو
كان الخيار لهما وتصرف أحدهما سقط خياره
|
٥٢
|
المدة
في تأخير الثمن ثلاثة أيام وإن تأخر أزيد فللبايع الخيار
|
|
٧٢
|
لو
أذن أحدهما بالتصرف فيما انتقل إليه وتصرف الآخر فيما انتقل إليه أيضا سقط
خيارهما
|
٥٦
|
لا
فرق في اعتبار الثلاثة بين الحيوان وغيره
|
|
٧٤
|
إذا
مات من له الخيار انتقل إلى الوارث
|
٥٦
|
لا
فرق في المدة بين افراد المبيع
|
|
٧٥
|
امتداد
الخيار ما دام الميت والاخر في المجلس
|
٥٦
|
مبدء
المدة من حين التفرق
|
|
٧٦
|
لا
فرق في ارث الخيار بين حصوله فعلا للميت وبين حصول سببه
|
٥٧
|
لو
تلف المبيع في الثلاثة كان من مال البايع
|
|
٧٧
|
لو
جن ذو الخيار قام وليه مقامه
|
٥٨
|
قاعدة
التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له لا تشمل المقام
|
|
|
|
٥٩
|
من
اشترى ما يفسد ليومه إن جاء بالثمن قبل الليل والا فلا بيع له
|
|
|
|
٦١
|
احكام
الخيارات
|
|
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٧٧
|
لو
كان الميت مملوكا مأذونا ثبت الخيار لمولاه
|
|
٩٤
|
فان
كان المبيع على ما وصفه فالبيع لازم والا كان المشترى بالخيار
|
٧٨
|
المبيع
يملكه المشترى بالعقد
|
|
٩٥
|
لو
اشترى صيغة بالوصف ثبت له الخيار إذا لم يكن على الوصف
|
٨٢
|
نماء
المبيع بين العقد وانقضاء الخيار للمشترى
|
|
٩٥
|
في
فورية هذا الخيار وتراخيه
|
٨٣
|
إذا
تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بايعه
|
|
٩٦
|
صحة
اسقاط هذا الخيار بعد تحققه
|
٨٥
|
إذا
تلف المبيع بعد قبضه فهو من مال المشترى وإن كان الخيار للمشترى خاصة فالتلف من
مال البايع
|
|
٩٧
|
الفصل
الرابع في احكام العقود في النقد والنسيئة
|
٩١
|
خيار
الشرط يثبت من حين العقد
|
|
٩٨
|
من
ابتاع شيئا مطلقا أو اشترط التعجيل كان الثمن حالا
|
٩٢
|
إذا
اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما على التعيين صح
|
|
٩٩
|
في
صحة اشتراط تأجيل الثمن
|
٩٢
|
خيار
الرؤية وهو لا يثبت إلا في بيع الأعيان من غير مشاهدة
|
|
١٠٠
|
في
لزوم تعيين مدة الاجل
|
٩٢
|
ويفتقر
ذلك إلى ذكر النوع وذكر الوصف
|
|
١٠٠
|
لو
اشترط التأجيل ولم يعين أجلا كان البيع باطلا
|
٩٣
|
يبطل
العقد مع الاخلال بذكر الوصف والنوع ويصح مع ذكرهما
|
|
١٠٢
|
في
حكم ما لو باع بثمن حال أو بأزيد منه إلى أجل
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
١٠٧
|
بطلان
البيع إلى وقتين متأخرين
|
|
١٢٠
|
جواز
بيع المتاع حالا ومؤجلا بزيادة عن ثمنه إذا كان المشترى عارفا بقيمته
|
١٠٨
|
جواز
ابتياع البايع المتاع قبل حلول أجل الثمن إذا لم يكن قد اشترط ذلك حين العقد
|
|
١٢١
|
جواز
تعجيل الثمن بنقصان منها
|
١١٢
|
جواز
ابتياع البايع المتاع بعد حلول الاجل بمثل ثمنه حالا أو مؤجلا
|
|
١٢٢
|
وجوب
ذكر الاجل على من ابتاع شيئا مؤجلا وأراد بيعه مرابحة
|
١١٤
|
عدم
وجوب دفع الثمن على المشترى قبل حلول الاجل وإن طولب
|
|
١٢٣
|
فإن
باع مرابحة ولم يذكر الاجل كان للمشتري الخيار
|
١١٤
|
عدم
وجوب أخذ الثمن على البايع إن دفعه تبرعا قبل حلول الاجل
|
|
١٢٦
|
النظر
الثاني فيما يدخل في المبيع
|
١١٥
|
وجوب
أخذ الثمن على البايع بعد حلول الاجل وتمكنه منه
|
|
١٢٩
|
فيما
يدخل في المبيع إذا باع بستانا
|
١١٦
|
إن
امتنع البايع من أخذ الثمن وتلف كان من ماله
|
|
١٣٠
|
فيما
يدخل في المبيع إذا باع دارا
|
١١٩
|
وجوب
أخذ المتاع على من اشترى سلمأ إن تمكنه البايع منه
|
|
١٣٤
|
فيما
يدخل في المبيع إذا باع أرضا
|
|
|
|
١٣٦
|
لو
باع نخلا قد أبر ثمرها فهو للبايع ويجب على المشترى تبقيته
|
|
|
|
١٣٧
|
لو
انتقل النخل بغير البيع فالثمرة للناقل
|
|
|
|
١٣٩
|
لو
كان المقصود من الشجر ورده فهو للبالغ
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
١٤١
|
استحقاق
المالك تبقية الثمرة على الأصول
|
|
١٦٢
|
وجوب
تسليم المبيع مفرغا
|
١٤٢
|
جواز
سقى الثمرة والأصول لصاحبها
|
|
١٦٢
|
لو
باع شيئا فغصب من يد البايع فللمشتري الفسخ
|
١٤٣
|
الاحجار
المخلوقة في الأرض تدخل في بيع الأرض
|
|
١٦٤
|
لو
منعه البايع عن التسليم ثم سلم بعد مدة كان له الأجرة
|
١٤٤
|
النظر
الثالث في التسليم
|
|
١٦٤
|
جواز
بيع المتاع الذي لم يقبضه
|
١٤٤
|
إطلاق
العقد يقتضى وجوب تسليم المبيع والثمن
|
|
١٦٩
|
كراهة
بيع المتاع الذي لم يقبضه
|
١٤٧
|
جواز
اشتراط البايع تأخير التسليم إلى مدة معينة
|
|
١٧٠
|
جواز
بيع ما ملكه بغير ابتياع وان لم يقبضه
|
١٤٨
|
الكلام
فيما يتحقق به القبض
|
|
١٧٣
|
صحة
الشراء لو دفع إليه مالا وقال اشتر به طعاما لى
|
١٥٧
|
إذا
تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بايعه
|
|
١٧٥
|
إذا
قبض المشتري المبيع وادعى نقصانه فالقول قوله إن لم يحضر كيله ولا وزنه
|
١٥٨
|
إذا
أنقصت قيمته قبل قبضه كان للمشترى رده
|
|
١٧٧
|
إذا
ادعى المشتري نقصان المبيع وقد حضر الكيل والوزن فالقول قول البايع
|
١٦٠
|
إذا
حصل للمبيع نماء كان للمشترى
|
|
١٧٨
|
إذا
اسلفه في طعام ببلده لم يجب عليه دفعه في غيره
|
١٦٠
|
إذا
اختلط المبيع بغيره في يد البايع فللمشتري الخيار
|
|
١٧٩
|
جواز
المطالبة بالقيمة إذا أسلفه في طعام ولم يكن عنده حين الاجل
|
١٦١
|
لو
باع جملة فتلف بعضها فللمشتري فسخ العقد
|
|
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
١٨٠
|
لو
كان مقروضا بالطعام في بلد يجوز أخذ القيمة بسعر ذاك البلد
|
|
١٩٨
|
النظر
الخامس في الشروط
|
١٨١
|
جواز
مطالبة الغاصب بالمثل أو القيمة حيث كان
|
|
١٩٩
|
كل
شرط لم يكن مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن ولا مخالفا للكتاب والسنة فهو جائز
|
١٨٣
|
إذا
أطلقا المتبايعان نقدا انصراف إلى نقد البلد
|
|
٢٠٣
|
عدم
جواز اشتراط مالا يدخل في مقدوره
|
١٨٤
|
إذا
اختلف المتبايعان في قدر الثمن فالقول قول البايع إن كان المبيع باقيا
|
|
٢٠٥
|
جواز
ابتياع المملوك بشرط ان يعتقه
|
١٨٧
|
إذا
اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله فالقول قول البايع
|
|
٢٠٧
|
لو
باع العبد المشروط عليه عتقه فلبايع الخيار بين الفسخ والامضاء
|
١٨٩
|
إذا
اختلفا في قدر المبيع فالقول قول البايع أيضا
|
|
٢٠٩
|
العبد
المشروط عتقه يجوز اعتاقه عن كفارته
|
١٨٩
|
إذا
اختلفا في تعيين ما هو المبيع فهنا دعويان فيتحالفان
|
|
٢١١
|
الكلام
في صحة البيع المشتمل على الشرط الفاسد وبطلانه
|
١٩٣
|
لو
تحالفا بعد هلاك العين ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك
|
|
٢١٦
|
جواز
شرط الضمان في البيع للثمن كله أو بعضه
|
١٩٤
|
لو
اختلف ورثة البايع وورثة المشتري في القدر فالقول قول ورثة البايع في المبيع
وورثة المشترى في الثمن
|
|
٢١٨
|
إذا
اشترط العتق فاعتقه فقد لزم البيع
|
١٩٤
|
إذا
اختلفا في صحة العقد وبطلانه فالقول قول من يدعي صحته
|
|
٢٢١
|
عدم
جواز بيع الصبرة المجهولة
|
|
|
|
٢٢٤
|
جواز
بيع ما تكفي فيه المشاهدة بالمشاهدة من غير مسح
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٢٢٨
|
لو
باع أرضا على انها جريان معينة فكانت أقل فللمشتري الخيار
|
|
٢٤٦
|
لو
أراد بيع المعيب فالأولى الاعلام أو التبري من العيوب
|
٢٣٣
|
صحة
المعاملة لو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد
|
|
٢٤٧
|
إذا
ابتاع شيئين صفقة ثم علم بعيب في أحدهما لم يجز رد المعيب منفردا
|
٢٣٤
|
جواز
بيع السمن بظروفه
|
|
٢٤٩
|
لو
اشترى اثنان بالشركة شيئا كان لهما معا الخيار لا منفردا
|
٢٣٥
|
الفصل
الخامس في احكام العيوب
|
|
٢٥١
|
جواز
رد الأمة بعد الوطئ إذا علم بأنها حبلى
|
٢٣٥
|
من
اشترى مطلقا اقتضى سلامة المبيع من العيوب
|
|
٢٥٢
|
إذا
أراد ردها يرد معها نصف عشر ثمنها
|
٢٣٦
|
لو
ظهر في المبيع عيب سابق على العقد فالمشتري بالخيار
|
|
٢٥٥
|
لا
ترد الأمة مع الوطي بغير عيب الحمل
|
٢٣٧
|
سقوط
الرد بالتبري من العيوب
|
|
٢٥٧
|
القول
في أقسام العيوب
|
٢٣٨
|
سقوط
الخيار بالعلم بالعيب قبل العقد
|
|
٢٥٨
|
في
بيان ما هو الضابط في العيوب
|
٢٣٩
|
في
سقوط الخيار باسقاطه وعدم جواز الرد بإحداثه فيه حدثا
|
|
٢٦٢
|
لو
أخل البايع بما اشترط عليه المشترى فله الخيار
|
٢٤٠
|
في
عدم جواز الرد بحدوث عيب بعد القبض
|
|
٢٦٢
|
التصرية
تدليس
|
٢٤١
|
جواز
الرد لو كان العيب الحادث قبل القبض
|
|
٢٦٤
|
الكلام
في احكام التصرية
|
٢٤٤
|
الكلام
فيما يسقط به الأرش خاصة دون الرد
|
|
٢٧٣
|
الكلام
في ثبوت التصرية في الشاة
|
|
|
|
٢٧٤
|
لو
زالت التصرية قبل ثلاثة أيام سقط الخيار
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٢٧٦
|
الثيبوبة
ليست عيبا
|
|
٢٨٩
|
كيفية
طريق معرفة مقدار الأرش
|
٢٧٨
|
لو
شرط البكارة فكانت ثيبا كان له الرد
|
|
٢٩٥
|
إذا
علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ولو تطاول
|
٢٧٩
|
الاباق
الحادث عند المشترى لا مرد به العبد
|
|
٢٩٦
|
إذا
حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشترى رده
|
٢٨٠
|
لو
أبق العبد عند البايع كان للمشترى رده
|
|
٢٩٦
|
ما
يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة
|
٢٨١
|
ثبوت
الخيار العيب للمشتري إذا لم تحض الأمة في ستة أشهر وكانت مثلها ممن تحيض
|
|
٢٩٧
|
يرد
المملوك من أحداث السنة
|
٢٨٢
|
الدردي
في الزيت عيب موجب للرد
|
|
٣٠٣
|
الفصل
السادس في المرابحة والمواضعة والتولية
|
٢٨٣
|
تحمير
الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس
|
|
٣٠٥
|
الكلام
في المرابحة وتوابعها
|
٢٨٥
|
إذا
قال البايع بعتك بالبراءة وأنكر المبتاع فالقول قوله
|
|
٣٠٦
|
في
شرائط بيع المرابحة
|
٢٨٧
|
إذا
ادعى المشتري سبق العيب على القبض وأنكره البايع فالقول قوله
|
|
٣٠٨
|
لابد
من ذكر الصرف والوزن ان اختلفا
|
٢٨٨
|
بيان
طريق معرفة الأرش
|
|
٣١١
|
إن
عمل فيه غيره بأجرة مسماة صح أن يضمها إلى الثمن
|
|
|
|
٣١٢
|
لو
اشترى بثمن معيبا ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش وأخبر بالباقي
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٣١٢
|
لو
جنى العبد ففداه السيد لم يجز له أن يضم الفدية إلى ثمنه
|
|
٣٤١
|
لو
اختلف الجنسان جاز التماثل والتفاضل
|
٣١٣
|
كراهة
نسبة الربح إلى المال
|
|
٣٤٥
|
الحنطة
والشعير جنس واحد في الربا
|
٣١٥
|
لو
شرط البايع في حال البيع ان يبيعه المتاع لم يجز
|
|
٣٤٧
|
ثمرة
النخل جنس واحد وان اختلفت أنواعه
|
٣١٧
|
لو
باع مرابحة فبان رأس ماله أقل فللمشتري الخيار
|
|
٣٤٨
|
كل
ما يعمل من جنس واحد يحرم التفاضل فيه
|
٣٢٠
|
إذا
حط البايع بعض الثمن للمشترى أن يخبر بالأصل
|
|
٣٥٤
|
ما
يعمل من جنسين يجوز بيعه بهما بشرط أن يكون في الثمن زيادة عن مجاقسه
|
٣٢١
|
من
اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة
|
|
٣٥٥
|
اختلاف
اللحوم بحسب اختلاف أسماء الحيوان
|
٣٢٣
|
إذا
قوم على الدلال متاع لم يجز بيعه مرابحة
|
|
٣٥٦
|
الطيور
أجناس مختلفة
|
٣٢٥
|
إذا
قوم التاجر على الدلال متاعا لم
|
|
٣٥٧
|
الألبان
تتبع اللحم في التجانس والتخالف
|
٣٢٧
|
يجب
عليه الوفاء
|
|
٣٥٨
|
تبعية
الادهان لما تستخرج منه
|
٣٢٩
|
الكلام
في التولية
|
|
٣٥٨
|
لا
ربا الا في مكيل أو موزون
|
٣٣٠
|
كلام
في المواضعة
|
|
٣٦٢
|
ثبوت
الربا في الطين الموزون كالأرمني
|
٣٣٢
|
في
حرمة الربا
|
|
٣٦٣
|
الاعتبار
في المكيل والموزون بعادة الشرع
|
٣٣٥
|
فساد
المعاملة الربوية
|
|
|
|
٣٣٧
|
ثبوت
الربا في كل معاوضة
|
|
|
|
٣٣٨
|
بيان
الجنس الذي اعتبر اتحاده في الربا
|
|
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
|
الصحيفة
|
العنوان
|
٣٦٥
|
إذا
اختلف البلدان في المكيل والموزون كان لكل بلد حكمه
|
|
٣٨٢
|
لا
ربا بين المسلم واهل الحرب
|
٣٦٦
|
في
اعتبار المساواة وقت الابتياع
|
|
٣٨٣
|
ثبوت
الربا بين المسلم والذمي
|
٣٦٧
|
جواز
بيع اللحم نيا بمقدد متساويا
|
|
٣٨٤
|
عدم
جواز بيع لحم الحيوان من جنسه جواز بيع لحم بحيوان
|
٣٦٩
|
جواز
بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل
|
|
٣٨٦
|
غير
جنسه إذا كان حاضرا
|
٣٧٠
|
جواز
بيع الحنطة بالدقيق وزنا متساويا
|
|
٣٨٩
|
جواز
بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية
|
٣٧٢
|
جواز
بيع المكيل وزنا وبالعكس وعدمه إذا كان غير متعارف
|
|
٣٩٠
|
القسمة
تميز أحد الحقين وليست بيعا
|
٣٧٦
|
جواز
بيع الأدقة بعضها ببعض مثلا بمثل
|
|
٣٩١
|
جواز
بيع درهم ودينار بدينار ودرهمين
|
٣٧٧
|
جواز
بيع الخلول بعضها ببعض
|
|
٣٩٦
|
طريقة
التخلص من الربا
|
٣٧٨
|
لا
ربا بين الوالد وولده
|
|
٣٩٧
|
في
وجوب رد الزيادة المأخوذة بالربا
|
٣٨٠
|
لا
ربا بين المولى ومملوكه
|
|
٣٩٧
|
وجوب
رد العوضين في المعاملة الربوية
|
٣٨١
|
لا
ربا بين الزوج وزوجته
|
|
٣٩٩
|
حكم
من أبي بجهالة ثم تاب
|
|