



كتاب
الحجّ والعمرة

وفيه مقدّمة ومقاصد .
أمّا المقدّمة ففيها
مسائل :
مسألة ١ : الحجّ لغةً : القصد ، ولهذا سُمّي الطريق محجّةً ؛ لأنّه يوصل إلى المقصود .
وقال الخليل : الحجّ
: كثرة القصد إلى من تعظّمه .
وسمّي الحجّ حجّاً ؛
لأنّ الحاجّ يأتي قبل الوقوف بعرفة إلى البيت ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلى منى ثم يعود إليه لطواف الوداع .
وفيه لغتان : بفتح
الحاء وكسرها .
وأمّا في عرف الشرع فقال
الشيخ رحمه الله : إنّه كذلك إلّا أنّه اختصّ بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلّقة بزمان مخصوص
.
وقال ابن إدريس :
الحجّ في الشريعة : القصد إلى مواضع مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة عندها متعلّقة بزمان مخصوص ليدخل الوقوف بعرفة
__________________
والمشعر
ومنى .
وهو غير وارد على الشيخ
رحمه الله ؛ لأنّ كلّ واحد من الوقوفين قد يسقط بصاحبه ، وكذا قصد منى مع بقاء حقيقة الحجّ ، بخلاف قصد البيت ؛ فإنّه لا يصدق مسمّى الحجّ إلّا به .
وقال بعض العامّة :
الحجّ في الشرع اسم لأفعال مخصوصة .
وما ذكرناه أولى ؛
لأنّ التخصيص أولى من النقل .
وأمّا العمرة فهي في
اللغة عبارة عن الزيارة ، وفي الشرع عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك عنده ، ولا تختص المبتولة بزمان ، بخلاف المتمتّع بها ؛ فإنّ وقتها وقت الحجّ .
والنسك بإسكان السين
: اسم لكلّ عبادة ، وبضمّها : اسم للذبح ، والمنسك موضع الذبح ، وقد يراد به موضع العبادة .
مسألة ٢ : الحجّ فريضة من فرائض الإِسلام ومن أعظم أركانه بالنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ علىٰ النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
قال ابن عباس : من كفر باعتقاده أنّه غير واجب .
وسأل علي بن جعفر
أخاه الكاظم عليه السلام ، عن قوله تعالى : ( وَمَن كَفَرَ )
قال : قلت : ومن لم يحجّ منّا فقد كفر ؟ قال : « لا ، ولكن من
__________________
قال
ليس هذا هكذا فقد كفر » .
وقال تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )
.
وما رواه العامّة عن
النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( بُني الإِسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت ) ذكر فيها الحجّ .
وعن ابن عباس قال :
خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( يا أيّها الناس إن الله كتب عليكم الحجّ ) فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله ؟ فقال : ( لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ، الحجّ مرّة فمن زاد فتطوّع ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعةً من شرائع الإِسلام » .
وعن ذريح المحاربي ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « من مات ولم يحجّ حجّة الإِسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً »
.
وقد أطبقت الاُمّة
كافّة على وجوب الحجّ على جامع الشرائط في العمر مرّة واحدة .
مسألة ٣ : والحجّ فيه ثواب عظيم وأجر جزيل .
__________________
روى معاوية بن عمّار
ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : « أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لقيه أعرابي ، فقال له : يا رسول الله إنّي خرجت اُريد الحجّ ففاتني ، وإنّي رجل ميِّل
، فمُرْني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج ، قال : فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال له : اُنظر إلى أبي قبيس فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت به مبلغ الحاج » .
ثم قال : « إنّ الحاج
إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلّا كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيّئات ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلّا كتب له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه » .
قال : « فعدّد رسول
الله صلّى الله عليه وآله كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه ، ثم قال : أنّى لك أن تبلغ ما بلغ
الحاج » .
قال أبو عبد الله عليه
السلام : « ولا تُكتب عليه الذنوب أربعة أشهر ، وتُكتب له الحسنات إلّا أن يأتي بكبيرة » .
وفي الصحيح عن معاوية
بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف : فصنف يعتقون من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذاك أدنى ما يرجع به الحاج » .
__________________
وفي الصحيح عن معاوية
بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الحجّ والعمرة تنفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد » قال معاوية : فقلت له : حجّة أفضل أو عتق رقبة ؟
قال : « حجّة أفضل » قلت : فثنتين ؟ قال : « فحجّة أفضل » قال معاوية : فلم أزل أزيده ويقول : « حجّة أفضل » حتى بلغت ثلاثين رقبة ، قال : « حجّة أفضل » .
وعن الصادق عليه
السلام قال : « الحاج والمعتمر وفد الله إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفّعهم ، وإن سكتوا بدأ بهم
، ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم » .
مسألة ٤ : والعمرة واجبة ـ كالحجّ في وجوبه وهيئة وجوبه ـ على من يجب عليه الحجّ عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والثوري وإسحاق والشافعي في الجديد ، وأحمد في إحدى الروايتين ـ لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) والأمر للوجوب ، والعطف بالواو يقتضي
التشريك في الحكم .
وما رواه العامة :
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، جاء إليه رجل فقال :
__________________
أوصني
، قال : ( تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحجّ وتعتمر )
.
وقال عليه السلام : (
الحجّ والعمرة فريضتان ) .
ومن طريق الخاصة : عن
زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ، لأنّ الله تعالى يقول : ( وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) » والأخبار في ذلك متواترة .
وقال الشافعي في
القديم وأحمد في الرواية الثانية : إنّ العمرة ليست واجبةً ـ وهو مروي عن ابن مسعود ، وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي ـ لما رواه جابر : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : ( لا ، وأن تعتمر فهو أفضل ) .
ولأنّه نسك غير مؤقّت
فلم يكن واجباً كالطواف المجرّد .
والحديث نقله الترمذي
عن الشافعي أنّه ضعيف لا تقوم بمثله الحجّة ، وليس في العمرة شيء ثابت بأنّها تطوّع .
وقال ابن عبد البرّ :
روي ذلك بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها الحجة .
__________________
ثم نحمله على المعهود
، وهي العمرة التي قضوها حين اُحصروا في الحديبية ، أو على العمرة التي اعتمروها مع حجّتهم مع النبي صلّى الله عليه وآله ، فإنّها لم تكن واجبةً على من اعتمر ، أو نحمله على من زاد على العمرة الواحدة .
وقياسهم باطل بالفرق ؛
فإنّ الإِحرام شرط في العمرة وليس شرطاً في الطواف .
مسألة ٥ : ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم في وجوبها عليهم بإجماع علمائنا ؛ لعموم الأدلّة ، فالقرآن عمّم الحكم في الحجّ والعمرة على الجمع المعرّف بلام الجنس ، والأخبار دالّة على العموم أيضاً .
وقال أحمد : ليس على أهل
مكة عمرة ، وقال : كان ابن عباس يرى العمرة واجبة ويقول : يا أهل مكة ليس عليكم عمرة ، إنّما عمرتكم طوافكم بالبيت ، وبه قال عطاء وطاوس .
قال عطاء : ليس أحد
من خلق الله إلّا عليه حجّ وعمرة واجبان لا بدّ منهما لمن استطاع إليهما سبيلاً إلّا أهل مكة ؛ فإنّ عليهم حجّة ، وليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت .
ولأنّ ركن العمرة
ومعظمها الطواف بالبيت وهُمْ يفعلونه ، فأجزأ عنهم .
وهو غلط ؛ لأنّه قول
مجتهد مخالف لعموم القرآن ، فلا يكون حجّةً ، وستأتي مباحث العمرة بعد ذلك إن شاء الله تعالى .
__________________

وأمّا المقاصد فيشتمل
الأول منها على فصول
الفصل الأول في كيفية الوجوب
مسألة ٦ : الحجّ يجب بأصل الشرع مرّة واحدة ، وكذا العمرة ، ولا يجب أزيد منها وهو قول عامّة أهل العلم .
وحكي عن بعض الناس
أنّه قال : يجب في كلّ سنة مرّة . وهو خلاف النصّ :
قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ علىٰ النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )
ومقتضى الأمر لا يقتضي التكرار ، فإيجابه مخالفة له .
وما رواه العامّة في
حديث ابن عباس ، وقد سبق .
وعن أبي هريرة قال :
خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( يا أيّها الناس قد فرض الله عليكم الحجّ فحجّوا ) فقال رجل : أكلّ عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لو
__________________
قلت
: نعم ، لوجبت ولما استطعتم ) ثم قال : ( ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة » .
وقال الصادق عليه
السلام ، في رجل أعتق عشيّة عرفة عبداً له ، قال : « يجزئ عن العبد حجّة الإِسلام ، ويكتب للسيد أجران
: ثواب العتق وثواب الحجّ » .
ولا خلاف بين
المسلمين كافّة في ذلك ، ولا عبرة بقول مَنْ شذّ من العامّة .
إذا عرفت هذا ، فما
زاد على ذلك مستحب إلّا ما يجب بسبب ، كالنذر وشبهه ، والإِفساد والقضاء ، وكما يجب الإِحرام بحجّ أو عمرة لدخول مكة على ما يأتي ، والاستئجار ، وسيأتي .
وما ورد في أخبارنا
من وجوبه على أهل الجِدَة في كلّ عام
، فمحمول على وجوبه على البدل ، على معنى أنّه إذا لم يفعله في أول عام تمكّنه ، وجب عليه في ثاني العام والثالث وهكذا ، كما نقول : إنّ خصال الكفّارة كلّها واجبة على هذا المنهاج .
__________________
وأيضاً فإنّ السند لا
يخلو من ضعف ؛ فإنّ الحديث الذي رواه حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام ، قال : « أنزل الله فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام » في طريقه محمد بن سنان وفيه قول .
مسألة ٧ : قد بيّنّا أنّ الواجب بأصل الشرع مرّة واحدة في الحجّ والعمرة ، وما عداها مستحب مندوب إليه إلّا لعارض يقتضي وجوبه ، كالاستئجار وغيره ممّا تقدّم ذكره ، ويتكرّر الوجوب بتكرّر السبب .
وليس من العوارض
الموجبة : الردّة والإِسلام بعدها ، فمن حجّ أو اعتمر ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإِسلام لم يلزمه الحجّ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي
، خلافاً لأبي حنيفة .
ومأخذ الخلاف : أنّ
الردّة عنده مُحبطة للعمل ، وعندنا وعند الشافعي أنّها إنّما تحبطه بشرط أن يموت عليها .
قال الله تعالى : ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ
كَافِرٌ ) الآية .
وأحمد وافق أبا حنيفة
في المسألة لكن لا من جهة هذا المأخذ .
مسألة ٨ : ووجوب الحجّ والعمرة على الفور لا يحلّ للمكلّف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، ومالك وأحمد والمزني وأبو يوسف ، وليس لأبي حنيفة فيه نصٌّ
، ومن أصحابه من قال : هو
__________________
قياس
مذهبه ـ لقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ علىٰ
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ ) الآية ، مقتضاه الأمر ، وهو للفور عند بعضهم .
وما رواه العامّة عن
ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : تعجّلوا الحجّ فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له .
وعن علي عليه السلام
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : من وجد زاداً وراحلةً تبلّغه البيت فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعةً من شرائع الإِسلام » .
ولأنّها عبادة لها
وقت معلوم لا يفعل في السنة إلّا مرّة واحدة ، فيجب على الفور كالصوم .
وقال الشافعي : إنّه
لا يجب على الفور ، بل يجوز له تأخيره إلى أيّ وقت شاء ـ ونقله العامّة عن ابن عباس وجابر وأنس ، ومن التابعين : عطاء وطاوس ، ومن الفقهاء : الأوزاعي والثوري ـ لأنّ فريضة الحجّ نزلت سنة ست من الهجرة ، وقيل : سنة خمس ، وأخّره النبي صلّى الله عليه وآله من غير مانع ، فإنّه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج ، وفَتَح مكة سنة
__________________
ثمان
، وبعث الحاج سنة تسع ، وحَجَّ هو عليه السلام سنة عشر ، وعاش بعدها ثمانين يوماً ، ثم قُبض صلّى الله عليه وآله
.
والجواب : المنع
أوّلاً من تمكّنه من الحجّ ؛ فإنّه عليه السلام أحرم بالعمرة عام الحديبية فاُحصر .
وثانياً بالمنع من
تأخير النبي عليه السلام عن عام الوجوب ؛ فإنّ الآية نزلت ـ وهي قوله تعالى : (
وَلِلَّهِ علىٰ النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) الآية ـ سنة تسع
، وقيل : سنة عشر ، فبادر رسول الله صلّى الله عليه وآله بالحجّ من غير تأخير .
مسألة ٩ : الحجّ واجب على كلّ جامع للشرائط الآتية ، من ذكر واُنثى وخنثى .
وإن كان أعمى فإن
افتقر إلى قائد وتمكّن من تحصيله والاستعانة به على حجّة إمّا بإجارة أو غيرها ، وجب عليه الحجّ بنفسه ، وليس له أن يستأجر من يحجّ عنه ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لعموم الآية
والأخبار .
وقال أبو حنيفة : لا
يلزمه فرض الحجّ بنفسه ، فإن استأجر مَنْ يحجّ عنه ، جاز ـ وروى الكرخي عنه أنّه لا حجّ عليه ـ لأنّ الحجّ عبادة تعلّقت
__________________
بقطع
مسافة ، فوجب أن لا تلزم الأعمى كالجهاد .
وهو خطأ ؛ لأنّ العمى
ليس فيه أكثر من فقد الهداية بالطريق ومواضع النسك ، والجهل بذلك لا يُسقط وجوب القصد ، كالبصير يستوي حكم العالم به والجاهل إذا وجد دليلاً ، فكذا الأعمى .
ولأنّه فقد حاسّة ،
فلم يسقط بها فرض الحجّ بنفسه ، كالأصمّ .
مسألة ١٠ : مقطوع اليدين أو الرِّجْلين إذا استطاع التثبّت على الراحلة من غير مشقّة إمّا مع قائد أو معين إن احتاج إليه ووجده ، أو بدونهما إذا استغنى عنهما ، وجب عليه الحجّ ـ وبه قال الشافعي ـ لعموم قوله تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَىٰ النَّاسِ ) الآية ، وغيرها من الأدلّة .
وقال أبو حنيفة : لا
يلزمه كالأعمى . والخلاف فيهما
واحد .
مسألة ١١ : المحجور عليه للسفه يجب عليه الحجّ كغيره مع الشرائط ، للعموم ، إلّا أنّه لا يدفع المال إليه ؛ لأنّه ممنوع من التصرّف فيه ؛ لتبذيره ، بل يُخرج الولي معه مَنْ ينفق عليه بالمعروف ويكون قيّماً عليه .
ولو احتاج إلى زيادة
نفقة لسفره ، كان الزائد في ماله ينفق القيّم عليه منه ، بخلاف الصبي والمجنون إذا أحرم بهما الولي ؛ فإنّ نفقتهما الزائدة بالسفر في مال الولي ـ خلافاً للشافعي في أحد القولين
ـ لأنّه لا وجوب عليهما ، وإذا زال عذرهما ، لزمهما حجة الإِسلام ، بخلاف المُبذّر .
ولو شرع السفيه في
حجّ الفرض أو في حجّ نذره قبل الحجر بغير إذن
__________________
الولي
، لم يلزمه أن يحلله ، ويلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ ؛ لأنّه شرع في واجب عليه ، فلزمه الإِتمام .
ولو شرع في حجّ تطوّع
ثم حجر الحاكم عليه ، فكذلك ؛ لأنّه بدخوله فيه وجب عليه الإِكمال .
أمّا لو شرع فيه بعد
الحجر ، فإن استوت نفقته سفراً وحضراً ، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته ، لم يكن له أن يحلله ، وإن زادت نفقة السفر ولم يكن له كسب ، كان له إحلاله .
مسألة ١٢ : الحجّ والعمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في حجّة الإِسلام وعمرته : التكليف والحرّية والاستطاعة ومؤونة سفره ومؤونة عياله وإمكان المسير .
وشرائط النذر وشبهه
من اليمين والعهد أربعة : التكليف والحرّية والإِسلام وإذن الزوج والمولى .
وشرائط حجّ النيابة
ثلاثة : الإِسلام ، والتكليف ، وأن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار المضيّق أو الإِفساد .
ولو وجب عليه الحجّ
وجوباً مستقرّاً فعجز عن أدائه ولو مشياً صحّ أن يكون نائباً عن غيره .
وشرط المندوب أن لا
يكون عليه حجّ واجب ، وإذن الولي ـ كالزوج والمولى والأب ـ على من له عليه ولاية ، كالزوجة والعبد والولد ، وسيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء الله تعالى .
* * *

الفصل الثاني في تفصيل هذه الشرائط
وفيه مطلبان :
الأول : في شرائط حجة الإِسلام .
وفيه مباحث :
الأول : البلوغ
والعقل
مسألة ١٣ : لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ؛ لفقد شرط التكليف فيه .
وما رواه العامة عن
علي عليه السلام ، قال : ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت ، وعن المعتوه حتى يعقل ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة
__________________
الإِسلام
» .
وعن شهاب قال : سألته
عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : « عليه حجّة الإِسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت »
فلو كان الصبي من أهل الحج لسقطت الإِعادة عنه بعد بلوغه .
مسألة ١٤ : الصبي إن كان مميّزاً ، صحّ إحرامه وحجّه إذا أذن له الولي .
والأقرب : أنّه ليس
للولي أن يُحْرم عن المميّز . وللشافعية وجهان .
وإن كان غير مميّز ،
جاز لوليّه أن يُحرم عنه ، ويكون إحرامه شرعياً .
وإن فعل ما يوجب الفدية
، كان الفداء على الولي .
وأكثر الفقهاء على صحة
إحرامه وحجّه إن كان مميّزاً ، وإن كان غير مميّز ، أحرم عنه وليّه ، فيصير مُحرماً بذلك ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو مروي عن عطاء والنخعي .
لما رواه العامة عن
النبي صلّى الله عليه وآله أنه مرّ بامرأة وهي في محفّتها ، فقيل لها : هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأخذت بعَضُد صبيّ كان معها وقالت : ألهذا حجٌّ ؟ قال : ( نعم ولكِ أجر )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « مرّ رسول الله برويثة
وهو
__________________
حاج
، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيُحجّ عن مثل هذا ؟ قال : « نعم ولكِ أجره » .
ولأنّ الحجّ عبادة
تجب ابتداءً بالشرع عند وجود مال ، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير ، كصدقة الفطر .
وقال أبو حنيفة :
إحرام الصبي غير منعقد ، ولا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات ، ولا يصير مُحرماً بإحرام وليّه ؛ لقوله عليه السلام : ( رُفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ) .
ولأنّ كلّ من لا
يلزمه الحج بقوله لا يلزمه بفعله ، كالمجنون ، ولأنّها عبادة على البدن ، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير ، كالصوم والصلاة ، ولأنّ الإِحرام سبب يلزم به حكم ، فلم يصح من الصبي ، كالنذر .
والجواب : القول
بموجب الحديث ؛ فإنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ، وهو معنى رفع القلم عنه ، وذلك لا يقتضي نفي صحته منه .
والقياس باطل ، مع
أنّا نقول بموجب العلّة ؛ فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله ، وإنّما يلزمه بإذن وليّه .
والفرق ظاهر ؛ فإنّ
الجنون مرجوّ الزوال عن المجنون في كلّ وقت ، فلم يجز أن يُحرم عنه وليّه ؛ لجواز أن يفيق فيُحْرم بنفسه ، وأمّا البلوغ فغير مرجوّ إلّا في وقته ، فجاز أن يُحرم عنه وليّه ؛ إذ لا يرجى بلوغه في هذا الوقت حتى يحرم بنفسه .
ولأنّ الصبي يقبل منه
الإِذن في دخول الدار وقبول الهدية منه إذا كان
__________________
رسولاً
فيها ، بخلاف المجنون فافترقا .
والفرق : أنّ الصلاة
لا تجوز فيها النيابة عن الحي ، بخلاف الحج .
ووافقنا أبو حنيفة على
أنّه يُجنّب ما يجتنبه المُحرم ، ومن جُنّب ما يجتنبه المُحرم كان إحرامه صحيحاً ، والنذر لا يجب به شيء ، بخلاف مسألتنا .
مسألة ١٥ : الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلّا بإذن وليّه ، فإذا كان
مراهقاً مطيقاً ، أذن له الولي في الإِحرام ، وإن كان طفلاً غير مميّز ، أحرم عنه الولي .
فإن أحرم الصبي
المميّز بغير إذن وليّه ، لم يصحّ إحرامه ؛ لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال ، والإِحرام يتضمّن إنفاق المال والتصرّف فيه ؛ لأنّ الإِحرام عقد يؤدّي إلى لزوم مال ، فجرى مجرى سائر أمواله وسائر عقوده التي لا تصحّ إلّا بإذن وليّه ، وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ إحرامه منعقد ، كإحرامه بالصلاة .
والفرق : أنّ إحرام
الصلاة لا يتضمّن إنفاق المال ، وإحرام الحجّ يتضمّنه ، فعلى الثاني للولي تحليله وليس له الإِحرام عنه ، وعلى الأول للولي أن يُحرم عنه ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأنّه مولّى عليه ، والثاني : المنع ؛
لاستقلاله بعبادته .
مسألة ١٦ : أولياء الأطفال على ثلاثة أقسام : أنساب واُمناء الحُكّام وأوصياء الآباء ، فالأنساب إمّا آباء وأجداد لهم أو اُمّ أو غيرهم .
والآباء والأجداد
للآباء لهم ولاية الإِحرام بإجماع من سوّغ الحجّ
__________________
للصبيان
ـ وهو قول علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي ـ لأنّ للأب والجدّ للأب ولاية المال على الطفل ، فكان له ولاية الإِذن في الحجّ .
ولا يشترط في ولاية
الجدّ عدم الأب ، وهو أحد وجهي الشافعية تخريجاً ممّا إذا أسلم الجدّ ، والأب كافر ، يتبعه الطفل على رأي
.
وأمّا الاُم فقال
الشيخ رحمه الله : إنّ لها ولايةً بغير تولية ، ويصحّ إحرامها عنه ؛ لحديث المرأة التي سألت النبي صلّى الله عليه وآله عن ذلك
.
وهو أحد قولي
الشافعية ، والثاني : المنع ، وهو ظاهر كلام أحمد
.
وأمّا من عدا هؤلاء
من الأنساب الذكور والإِناث فلا يصحّ إذنهم ، ولا ولاية لهم في الحجّ والإِحرام ، كما أنّه لا ولاية لهم في المال ، وليس لاُمناء الحكّام الإِذن .
وقال الشيخ رحمه الله
: الأخ وابن الأخ والعمّ وابن العمّ إن كان وصيّاً أو له ولاية عليه وليها ، فهو بمنزلة الأب ، وإن لم يكن وليّاً ولا وصيّاً ، فلا
ولاية له عليه ، وهو والأجنبي سواء .
وهذا القول يعطي أنّ
لأمين الحاكم الولاية ، كما في الحاكم ؛ لأنّ قوله : أو له ولاية عليه وليها ، لا مصرف له إلّا ذلك .
والشافعية اتّفقوا على
ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب ، وعلى انتفائها عمّن لا ولادة فيه ولا تعصيب ، كالإِخوة للاُم والأعمام للاُم والعمّات من الأب والاُم ، والأخوال والخالات من قِبَل الأب والاُم وإن كانت لهم ولاية في
__________________
الحضانة
.
وأمّا من عدا هذين
القسمين فقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب بناءً على اختلافهم في معنى إذن الأب والجدّ له .
أحدها : أنّ المعنى
في إذن الأب والجدّ له : استحقاق الولاية على ماله ، فعلى هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الاُم ولا إذن الأخ والعمّ ؛ لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله .
وأمّا الاُم والجدّة
فالصحيح من مذهب الشافعي أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها ، فلا يصحّ إذنها له .
وعلى قول بعض
الشافعية : إنّها تلي عليه بنفسها ، فعلى هذا يصحّ إذنها له ؛ لقوله عليه السلام لاُم الصبي : ( ولكِ أجره ) ومعلومٌ أنّ الأجر ثبت لها لإِذنها له ونيابتها عنه .
الثاني : أنّ المعنى
في إذن الأب والجدّ ما فيه من الولادة والعصبة ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر الآباء والاُمّهات ؛ لوجود الولادة فيهم .
الثالث : أنّ المعنى
في إذن الأب والجدّ وجود التعصيب فيهما ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإِخوة والأعمام وأولادهما ، ولا يصحّ إذن الاُم ولا الجدّ لها ؛ لعدم التعصيب .
وأمّا اُمناء الحكّام
فقد اتّفقوا على أنّه لا يصح إذنهم ؛ لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه ، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب .
ولهم وجه آخر بعيد :
الصحة ؛ لأنّهم يتصرّفون في المال .
وأمّا أوصياء الآباء
فلهم وجهان في صحة إذنهم :
أحدهما : الصحة
كالآباء لنيابتهم عنه .
والثاني ـ وهو الأصحّ
عندهم ـ أنّ إذنهم لا يصحّ كاُمناء الحكّام .
__________________
مسألة ١٧ : الصبي إن كان مراهقاً مميّزاً يطيق على الأفعال ، أذن له الولي فيها ، فإذا أذن له ، فَعَل الحجّ بنفسه ، كالبالغ .
وإن كان طفلاً لا
يميّز ، فإن صحّ من الطفل من غير نيابة ، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ، أحضره الولي فيهما ، وإن لم يصحّ من الطفل إلّا بنيابة الولي عنه ، فهو كالإِحرام يفعله الولي عنه .
قال جابر : خرجنا مع
النبي صلّى الله عليه وآله حُجّاجاً ومعنا النساء والصبيان ، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان ورمينا عنهم
.
ويجرّد الصبي من
ثيابه إذا قرب من الحرم ـ وروى علماؤنا من فخ ـ وإن صحّ منه بمعونة الولي ، فإذا أحرم الولي عن الطفل ، جاز .
وهل يجوز أن يكون
الولي مُحْرماً ؟ للشافعية وجهان :
أحدهما : المنع ،
فليس للولي أن يُحرم عن الطفل إلّا أن يكون حلالاً ؛ لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره .
والثاني : يصح إحرام
الولي عنه وإن كان مُحْرماً ـ ولا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإِسلام أو قد حجّ عن غيره ، وغيره ـ لأنّ الولي ليس يتحمّل الإِحرام عنه فيصير به مُحرماً حتى يمتنع من فعله إذا كان مُحْرماً ، وإنّما يعقد الإِحرام عن الصبي ، فيصير الصبي مُحْرماً ، فجاز أن يفعل الولي ذلك وإن كان مُحْرماً .
والأخير أقرب .
فعلى الأول يقول عند الإِحرام
: اللّهم إنّي قد أحرمت عن ابني ، وعلى هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ولا مشاهد له إذا كان الصبي
__________________
حاضراً
في الميقات . وعلى قول آخر : إنّه لا يشترط حضوره .
وعلى الثاني يقول عند
الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت بابني ، وعلى هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ، فإذا فعل ذلك ، صار الصبي مُحْرماً دون الولي ، فيلبسه ثوبين ، ويُجنّبه ما يجتنبه المُحْرم ، وعلى وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين ومنى ليشهدها بنفسه .
وأمّا الرمي فإن أمكن
من وضع الحصى في كفّه ورميها في الجمرة من يده ، فَعَل ، وإن عجز الصبي عن ذلك ، أحضره الجمار ورمى الولي عنه ، ويستحب للولي أن يضع الحصى في كفّ الصبي وأخذها من يده .
قال ابن المنذر : كلّ
من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي ، وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق .
وأمّا الطواف والسعي
فعلى وليّه أن يحمله ويطوف به ويسعى ، وعليه أن يتوضّأ للطواف ويوضّئه .
فإن كانا غير متوضّئَيْن
، لم يجزئه الطواف .
وإن كان الصبي
متطهّراً والولي مُحْدثاً ، لم يجزئه أيضاً ؛ لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ ، والطواف لا يصحّ إلّا بطهارة .
وإن كان الوليّ
متطهّراً والصبي مُحْدثاً ، فللشافعية وجهان :
أحدهما : لا يجزئ ؛
لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي مُحْدثاً فأولى أن لا يكون الصبي مُحْدثاً .
والثاني : أنّه يجزئ ؛
لأنّ الصبي إذا لم يكن مميّزاً ففِعْلُ الطهارة لا يصحّ منه ، فتكون طهارة الولي نائبةً عنه ، كما أنّه لمّا لم يصح منه الإِحرام صحّ إحرام الوليّ عنه .
__________________
ويصلّي الوليّ عنه ركعتي
الطواف إن لم يكن مميّزاً ، وإن كان مميّزاً صلّاهما بنفسه .
ولو أركبه الولي
دابّةً ليطوف به ، وجب أن يكون الوليّ معه سائقاً أو قائداً ؛ لأنّ الصبي غير مميّز ولا قاصد ، والدابّة لا تصحّ منها عبادة .
ويرمل به في موضع
الرمل .
وللشافعية في الرمل
به وجهان .
مسألة ١٨ : لو كان على الولي طواف ، حَمَل الصبي وطاف به ، ونوى بطوافه ما يختص به ، وينوي بطواف الصبي طوافه .
وقال الشافعي : يجب
عليه أن يطوف عن نفسه أوّلاً ثم يطوف بالصبي ثانياً ، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناوياً عنه .
فإن نوى الطواف عن
الصبي دون نفسه فله قولان :
أحدهما : أن يكون على
الولي الحامل دون الصبي المحمول ؛ لأنّ مَنْ وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره ، انصرف إلى واجبة ، كالحجّ عن نفسه .
والثاني : أنّه يكون
عن الصبي المحمول دونه ؛ لأنّ الحامل كالآلة للمحمول ، فكان ذلك واقعاً عن المحمول دون الحامل .
وإن نوى الطواف عن
نفسه وعن الصبي المحمول ، أجزأه عن طوافه .
وهل يجزئ عن الصبي ؟
وجهان مخرَّجان من القولين .
وإن لم تكن له نية ،
انصرف إلى طواف نفسه ؛ لوجوده على الصفة الواجبة عليه ، وعدم القصد المخالف له .
وقد بيّنّا نحن
الصحيح عندنا .
مسألة ١٩ : مؤونة حجّ الصبي ونفقته الزائدة في سفره تلزم الولي ، مثل
__________________
آلة
سفره واُجرة مركبه وجميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنياً عنه في حضره ـ وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد
ـ لأنّ الحجّ غير واجب على الصبي ، فيكون متبرّعاً ، وسببه الولي ، فيكون ضامناً .
وليس للولي صرف مال
الطفل في ما لا يحتاج إليه وهو غير محتاج حال صِغَره إلى فعل الحج ؛ لوجوبه عليه حال كِبَره ، وعدم إجزاء ما فَعَله في صِغَره عمّا يجب عليه في كِبَره .
وله قول آخر : إنّه
في مال الصبي ؛ لأنّ ذلك من مصلحته كاُجرة مُعلّمه ومؤونة تأديبه ، ولأنّ الحجّ يحصل له ، فكان كما لو قَبِل له النكاح يكون المهر عليه .
والفرق ظاهر ؛ فإنّ
التعلّم الذي إن فاته في صِغَره قد لا يدركه في كِبَره ، ويخالف النكاح ؛ فإنّ المنكوحة قد تفوت ، والحج يمكن تأخيره .
مسألة ٢٠ : يُحْرم على الصبي كلّ ما يُحْرم على البالغ من محظورات الإِحرام ؛ لأنّ إحرامه شرعي على ما تقدّم ، فتترتّب عليه أحكامه ، لا بمعنى أنّه مخاطب بالتحريم وأنّ العقاب يترتّب على فعله ، بل بمعنى أنّ الولي يجنّبه جميع ما يجتنبه المُحْرم .
فإن فعل الصبي شيئاً
من المحظورات فإن وجب به الفداء على البالغ في حالتي عمده وخطئه كالصيد ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ عمد الصبي كخطأ البالغ .
ويجب في مال الصبي ؛
لأنّه مال وجب بجنايته ، فوجب أن يجب في
__________________
ماله
، كما لو استهلك مال غيره .
وهو أحد وجهي
الشافعية ، والثاني : أنّه يجب في مال الولي ـ وهو الذي نصّ عليه الشافعي في الإِملاء ـ لأنّ الولي هو الذي ألزمه الحجّ بإذنه ، فكان ذلك من جهته ومنسوباً إلى فعله
وإن اختلف حكم عمده
وسهوه في البالغ ، كالطيب واللبس ، فإن فعله الصبي ناسياً ، فلا فدية فيه ؛ لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولى .
وإن فعله عمداً ، قال
الشيخ رحمه الله : الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة على وليّه .
وإن قلنا : لا يتعلّق
به شيء ؛ لما روي عنهم عليهم السلام من أنّ « عمد الصبي وخطأه واحد » والخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به
كفّارة من البالغين ، كان قويّاً .
وللشافعي قولان
مبنيان على اختلاف قوله في عمد الصبي هل يجري مجرى الخطأ أو مجرى العمد من العاقل ؟ على قولين :
أحدهما : أنّه يجري
مجرى الخطأ ، فلا فدية فيه ، كالبالغ الناسي .
والثاني : أنّه عمد
صحيح ، فالفدية واجبة .
وأين تجب ؟ على الوجهين
:
أحدهما : أنّه على الصبي
؛ لأنّ الوجوب بسبب ما ارتكبه .
وأصحّهما في مال
الولي ـ وبه قال مالك ـ لأنّه الذي أوقعه وغرّر بماله .
__________________
لكن لو طيّبه الولي
كانت الفدية في ماله لا في مال الصبي وجهاً واحداً .
هذا كلّه إذا أحرم
بإذن الولي ، وإن أحرم بغير إذنه ، فلا فدية ، وهو أحد وجهي الشافعية .
ولهم آخر : أنّه يجوز
إحرامه ، فالفدية في ماله .
مسألة ٢١ : إذا وجبت الفدية في مال الصبي ، فإن كانت مترتّبةً ، فحكمها حكم كفّارة القتل ، وإلّا فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصغر ؟ للشافعية وجهان مبنيان على أنّه إذا أفسد الحج هل يجزئه قضاؤه في الصِغَر ؟ وليس للولي والحال هذه أن يُفدي عنه بالمال ؛ لأنّه غير متعيّن .
ولهم وجه آخر : أنّه
إذا أحرم به الأب أو الجدّ ، فالفدية في مال الصبي ، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه .
مسألة ٢٢ : لو وطأ الصبي في الفرج ناسياً ، لم يكن عليه شيء ، ولا يفسد حجّه ، كالبالغ سواء .
وإن كان عمداً ، قال
الشيخ رحمه الله : على ما قلناه من أنّ عمده وخطأه سواء لا يتعلّق به أيضاً فساد الحجّ .
ولو قلنا : إنّ عمده
عمد ؛ لعموم الأخبار في من وطأ عامداً في الفرج من أنّه يفسد حجّه ، فقد فسد حجّه ، وعليه الإِتمام ، ولزمه القضاء .
قال : والأقوى الأول ؛
لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلى المكلّف وهذا
__________________
ليس
بمكلّف .
وقالت الشافعية : إذا
جامع ناسياً أو عامداً وقلنا : إنّ عمده خطأ ، ففي فساد حجّه قولان ، كالبالغ إذا جامع ناسياً .
والأظهر أنّه لا يفسد
.
وإن قلنا : إنّ عمده
عمد ، فسد حجّه .
وإذا فسد فهل عليه
القضاء ؟ فيه قولان :
أحدهما : لا ، لأنّه
ليس أهلاً لوجوب العبادات البدنية .
وأصحّهما : نعم ؛
لأنّه إحرام صحيح ، فيوجب إفساده القضاء ، كحجّ التطوّع .
إذا عرفت هذا ، فإن
أوجبنا القضاء فإنّه لا يجزئه حالة الصبا ، بل يجب عليه بعد بلوغه .
وللشافعي قولان في
إجزاء القضاء قبل البلوغ :
أصحّهما : نعم ؛
اعتباراً بالأداء .
والثاني : لا ـ وبه
قال مالك وأحمد ـ لأنّه فرض والصبي ليس أهلاً لأداء فرض الحج .
وعلى هذا القول لو لم
يقض حتى بلغ ، نظر في ما أفسده ، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإِفساد ، أجزأت عن حجة الإِسلام ، فإن بلغ قبل فوات الوقوف ، أجزأ القضاء عن حجة الإِسلام ، وإن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإِفساد ، لم تجزئ عن حجة الإِسلام ، وعليه أن يبدأ بحجة الإِسلام ثم يقضي .
__________________
فإن نوى القضاء أوّلاً
، قالت الشافعية : انصرف إلى حجة الإِسلام .
وفيه إشكال .
وعلى تقدير تجويز
القضاء في الصِّغَر لو شرع فيه وبلغ قبل الوقوف ، انصرف إلى حجة الإِسلام ، وعليه القضاء .
وإذا فسد حجّه
وأوجبنا القضاء ، وجبت الكفّارة أيضاً ، وإن لم نوجب القضاء ، ففي الكفّارة للشافعية وجهان ، والأصحّ عندهم : الوجوب
.
وإذا وجبت الكفّارة
فهي على الولي أو في مال الصبي ؟ فيه الخلاف .
مسألة ٢٣ : لو فعل الولي في الصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطاً أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي ، كما لو طيّبه تداوياً ، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي ؛ لأنّه وليّه ، وقد فعل شيئاً لمصلحته ، فيكون ما ترتّب عليه لازماً للصبي .
وهو أصحّ وجهي
الشافعية ، والثاني : أنّ الفدية على الولي ؛ لأنّ المباشرة وقعت منه .
والأقرب الأول
مسألة ٢٤ : أجمع علماء الأمصار على أنّ الصبي إذا حجّ في حال صِغَره ، والعبد إذا حجّ في حال رقّه ، ثم بلغ الصبي وعُتق العبد ، وجب عليهما حجة الإِسلام إذا جمعا الشرائط .
قال ابن المنذر :
أجمع أهل العلم على ذلك إلّا مَنْ شذّ عنهم ممّن لا يُعدّ قوله خلافاً .
__________________
وبه قال ابن عباس
وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي .
لما رواه العامة عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إنّي اُريد أن اُجدّد في صدور المؤمنين عهداً : أيّما صبي حُجّ به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أدرك فعليه الحج ، وأيّما مملوك حُجّ به فمات أجزأت عنه ، فإن اُعتق فعليه الحجّ ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم ، كانت عليه فريضة الإِسلام ، ولو أنّ مملوكاً حجّ عشر حجج ثم اُعتق ، كانت عليه فريضة الإِسلام إذا استطاع إليه سبيلاً » .
ولأنّ الحج عبادة
بدنية فعلها قبل وقت وجوبها ، فلا تقع مجزئةً ، كما لو صلّى قبل الوقت .
مسألة ٢٥ : لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو اُعتق في أثناء الحجّ ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإِسلام ـ وهو قول العلماء ـ لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان .
وما رواه معاوية بن
عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : مملوك اُعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج »
دلّ بمفهومه على عدم إدراكه للحج إذا لم يدركهما معتقاً .
ولا فرق بين أن يكون
وقت الوقوف باقياً ولم يقف فيه أو قد فات ، وهو
__________________
قول
أكثر الشافعية .
وقال ابن سريج : إذا
بلغ ووقت الوقوف باقٍ ، يجزئه عن حجة الإِسلام وإن لم يَعُدْ إلى الموقف .
وإن بلغ الصبي أو اُعتق
العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقاً وفَعَل باقي الأركان ، أجزأ عن حجة الإِسلام ، وكذا لو بلغ أو اُعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عباس ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ـ لما قدّمناه في الحديث عن الصادق
عليه السلام .
وقال الحسن البصري في
العبد : يجزئ .
وقال مالك : لا يجزئهما
. وهو قول ابن المنذر .
وقال أصحاب الرأي :
لا يجزئ العبد ، فأمّا الصبي فإن جدّد إحراماً بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه ، وإلّا فلا ؛ لأنّ إحرامهما لم ينعقد واجباً ، فلا يجزئ عن الواجب ، كما لو بقيا على حالهما .
ويعارض : بأنّه أدرك
الوقوف حُرّاً بالغاً ، فأجزأه ، كما لو أحرم تلك الساعة ، ولا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو اُعتق بعرفة وهما غير مُحْرمين فأحرما ووقفا بعرفة وقضيا المناسك ، فإنّه يجزئهما عن حجّة الإِسلام .
ونُقل عن ابن عباس
أنه إذا اُعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ، وإن
__________________
اُعتق
بجَمْع ، لم تجزئ عنه .
وقد تلخّص من هذا أنّ
مالكاً شرط في الصبي والعبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف ، وأبو حنيفة لا يعتدّ بإحرام الصبي
.
ولا يجب عليه إعادة
السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة ـ لأنّه لا بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإِحرام .
وأصحّهما عندهم :
وجوب الإِعادة ؛ لوقوعه في حالة النقص ، ويخالف الإِحرام ؛ فإنّه يستدام بعد البلوغ ، والسعي لا استدامة له
.
والأصل براءة الذمة .
وقد بنى الشافعية
الوجهين على أنّه إذا وقع حجّه عن حجّة الإِسلام فكيف تقدير إحرامه ؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضاً أو نقول بأنّه انعقد نفلاً ثم انقلب فرضاً ؟ فإن قلنا بالأول ، فلا حاجة إلى الإِعادة ، وإن قلنا بالثاني فلا بدّ منها .
مسألة ٢٦ : إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإِسلام بأن يُدركا أحد الموقفين كاملين ، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي .
وللشافعية طريقان ،
أظهرهما : أنّه على قولين :
أحدهما : نعم ؛ لأنّ
إحرامه من الميقات ناقص ؛ لأنّه ليس بفرض .
وأصحّهما : لا ؛
لأنّه أتى بما في وسعه ، ولم تصدر منه إساءة .
__________________
وبنى بعضهم القولين
على أصل التبيّن ، فإن قلنا به ، فلا دم عليه ، وإن قلنا بانعقاد إحرامه نفلاً ثم انقلب فرضاً ، لزم الدم
.
والطريق الثاني :
أنّه لا دم عليه .
وهذا الخلاف عندهم
فيما إذا لم يَعُدْ بعد البلوغ إلى الميقات ، فإن عاد إليه ، لم يلزمه الدم بحال ؛ لأنّه أتى بالممكن أوّلاً وأخيراً ، وبذل ما في وسعه .
وقد بيّنّا مذهبنا في
ذلك .
مسألة ٢٧ : لو بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإِتيان بالحجّ ، وجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الحجّ واجب على الفور ، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحُرّ ، خلافاً للشافعي
.
ومتى لم يفعلا الحجّ
مع إمكانه ، فقد استقرّ الوجوب عليهما ، سواءً كانا موسرين أو معسرين ؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده .
مسألة ٢٨ : المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإِجماع ، لأنّه ليس محلّاً للتكليف ؛ لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت ، وعن المعتوه حتى يعقل ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل
__________________
حفص
الكناسي أبا عبد الله عليه السلام ـ وأنا عنده ـ عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلَّهِ علىٰ
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) ما يعني بذلك ؟ قال
: « من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ » والمجنون غير صحيح ، فلا يندرج تحت
الخطاب .
إذا عرفت هذا ، فلو
حجّ حالة جنونه ، لم يجزئه إجماعاً .
ولو أحرم به الوليّ ،
صحّ إحرامه كالطفل ، فإن عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن كان بعد الوقوف ، لم يجزئه ، ووجب عليه إعادة الحجّ مع إفاقته وكمال الشرائط .
ولو كان المجنون
يعتوره أدواراً ، فإن وسع الوقت في نوبة العقل لأداء الحجّ من بلده وإكماله وعوده ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّه عاقل مكلّف مستطيع ، وإن قصر الوقت عن ذلك ، سقط عنه الوجوب ، وحكم المجنون حكم الصبي غير المميّز في جميع ما تقدّم .
ولو خرج الوليّ
بالمجنون بعد ما استقرّ فرض الحجّ عليه وأنفق عليه من ماله ، فإن لم يُفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر ، وإن أفاق وأحرم وحجّ ، فلا غرم عليه ؛ لأنّه قضى ما وجب عليه .
وشرطت الشافعية
إفاقته عند الإِحرام والوقوف والطواف والسعي ، ولم يتعرّضوا لحالة الحلق ، وقياس كونه منسكاً عندهم اشتراط الإِفاقة كسائر الأركان .
وحكم المغمى عليه حكم
المجنون لا يجب عليه الحجّ ، ولا يُحْرم عنه غيره على إشكال ـ وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد
ـ لأنّه ليس أهلاً
__________________
للخطاب
حالة الإِغماء .
وقال أبو حنيفة : يُحْرم
عنه رفيقه ، فيصير مُحْرماً بإحرامه استحساناً .
وقد علم من ذلك أنّ
التكليف شرط الوجوب دون الصحة ؛ إذ يصح من غير المكلّف .
البحث الثاني : في شرط الحُرّية
مسألة ٢٩ : لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ الحُرّية شرط في وجوب الحجّ والعمرة ، وقد سبق البحث في ذلك .
ويصح من العبد الحجّ
بإذن مولاه ، ولا يجزئه عن حجّة الإِسلام بعد عتقه لو وجبت عليه إلّا أن يُدرك أحد الموقفين معتقاً على ما تقدّم .
وليس له أن يُحرم
بحجّ أو عمرة إلّا بإذن مولاه بلا خلاف ؛ لأنّ منافعه مستحقّة لمولاه ، ويجب عليه صرف زمانه في أشغاله ، فلا يجوز أن يُفوّت حقوقَ مولاه الواجبة عليه بالتزام ما ليس بلازم عليه ، فإن أحرم بغير إذن مولاه ، لم ينعقد إحرامه .
وللسيّد منعه منه .
ولا يلزمه الهدي ولا بدله ؛ لأنّ إحرامه لم ينعقد ، ولأنّه لا يملك أن يُحرم ؛ لقوله تعالى : (
عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ ) .
ولما رواه الشيخ عن
آدم عن أبي الحسن عليه السلام قال : « ليس على المملوك حجّ ولا جهاد ، ولا يسافر إلّا بإذن مالكه »
والنهي في العبادة يدلّ
__________________
على
الفساد .
وقال أحمد : إنّ
إحرامه ينعقد صحيحاً ؛ لأنّه عبادة بدنية يصحّ من العبد الدخول فيها بغير إذن سيّده .
ولسيّده أن يحلّله ـ في
إحدى الروايتين عنه ـ لأنّ في بقائه عليه تفويتاً لحقّه من المنافع بغير إذنه ، فلم يلزم ذلك سيّده كالصوم المضرّ ببدنه ، وإذا حلّله منه ، كان حكمه حكم المحصر .
والثانية : ليس له
تحليله ؛ لأنّه لا يملك التحلّل من تطوّعه فلم يملك تحليل عبده . والأول أصح ؛ لأنّه التزم التطوّع باختيار نفسه ، فنظيره أن يُحْرم عبده بإذنه ، وفي مسألتنا يفوت حقّه الواجب بغير اختياره
.
مسألة ٣٠ : لو أذن السيد في الإِحرام فأحرم ، انعقد إحرامه ، وصحّ إجماعاً ؛ لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام ، قال : سألته عن اُمّ الولد تكون للرجل يكون قد أحجّها أيجوز ذلك عنها من حجّة الإِسلام ؟ قال : « لا » قلت : لها أجر في حجّتها ؟ قال : « نعم »
.
إذا عرفت هذا ، فهل
لسيّده بعد إذنه الرجوع ؟ إن لم يكن قد أحرم كان له الرجوع قطعاً ، وإن كان المملوك قد تلبّس بالإِحرام ، لم يكن للمولى الرجوع فيه ولا تحليله ؛ لأنّه إحرام انعقد صحيحاً فلم يكن له إبطاله كالصلاة ، وبه قال الشافعي وأحمد ؛ لأنّه عقد لازم عَقَده بإذن سيده فلم يكن لسيده منعه ، كالنكاح .
وقال أبو حنيفة : له
تحليله ؛ لأنّه ملك منافع نفسه ، فكان له الرجوع ،
__________________
كالمُعير
يرجع في العارية .
والفرق ظاهر ؛ فإنّ
العارية ليست لازمةً ، ولو أعاره شيئاً ليرهنه فرهنه ، لم يكن له الرجوع فيه .
فروع :
أ ـ لو أذن له سيّده
في الإِحرام ثم رجع وعلم العبد رجوعه قبل الإِحرام ، بطل إحرامه ، وصار كمن لم يؤذن له .
ولو لم يعلم حتى أحرم
فهل للمولى تحليله ؟ قال الشيخ رحمه الله : الأولى أن نقول : ينعقد إحرامه ، غير أنّ للسيّد منعه منه ، وقد قيل : إنّه لا ينعقد إحرامه أصلاً .
وللعامّة في أنّه هل
يكون حكمه حكم من أحرم بإذن سيّده ؟ وجهان .
ب ـ لو باعه سيّده
بعدما أحرم فحُكْم مشتريه في تحليله حُكْم بائعه سواء ؛ لأنّه اشتراه مسلوب المنفعة ، فأشبه بيع الأمة المزوّجة أو المستأجرة ، فإن علم المشتري بذلك ، فلا خيار له ؛ لأنّه دخل على علم ، فأشبه ما لو اشترى معيباً علم بعيبه .
وإن لم يعلم ، فله
فسخ البيع ؛ لأنّه يتضرّر بمضيّ العبد في الحجّ ؛ لفوات منافعه وعجزه عن تحليله ، وهو نقص يوجب الردّ ، إلّا في إحرامٍ
يكون لسيّده تحليله ، فلا يملك الفسخ ؛ لأنّه يمكنه رفع الضرر عنه .
ج ـ إذا باعه مولاه
في إحرام له تحليله فيه ، لم يكن ذلك تحليلاً له ولا مقتضياً لذلك ، ويكون حكم المشتري حكمه في جواز التحليل ، فإن أمره
__________________
البائع
بالمضيّ في إحرامه وإتمام حجّه بعد البيع ، لم يعتدّ بهذا الأمر وإن كان في زمن خياره ، ولو أمره المشتري ، لم يكن له تحليله ولا لبائعه وإن كان في زمن خياره .
مسألة ٣١ : لو أحرم العبد بغير إذن سيّده ثم أعتقه قبل الموقفين ، لم يجزئه إحرامه ، ووجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه إن أمكنه ، وإن لم يمكنه ، أحرم من موضعه ، فإن فاته المشعر الحرام ، فقد فاته الحجّ .
وإن أحرم بإذن سيّده
، لم يلزمه الرجوع إلى الميقات ؛ لأنّ إحرامه صحيح منعقد ، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجّة الإِسلام ، وإن لم يدركه معتقاً ، لم يجزئه ، وكان عليه الحجّ مع الشرائط .
وإذا أحرم بغير إذن
سيّده ثم أفسد الحجّ ، لم يتعلّق به حكم ؛ لأنّ إحرامه غير منعقد .
وإن أحرم بإذن سيّده
ثم أفسده ، لزمه المضيّ في فاسده ، كالحُرّ ، وليس لسيّده إخراجه منه ؛ لأنّه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن له منعه من فاسده .
وقالت العامّة : إن
كان إحرامه بغير إذن سيّده ، كان له تحليله منه ؛ لأنّه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولى .
والحقّ ما قلناه .
مسألة ٣٢ : إذا أفسد العبد حجّه ، فإن كان مأذوناً فيه ، وجب عليه القضاء والمضيّ فيه ، كالحُرّ ؛ لأنّه حجّ صحيح وإحرام معتدّ به ، فيترتّب عليه أحكامه .
ويصحّ القضاء في حال
رقّه ؛ لأنّه وجب في حال الرقّ فيصحّ به ، كالصلاة والصيام ، وليس لسيّده منعه من القضاء ؛ لأنّ إذنه في الحجّ الأول
__________________
إذن
في موجبه ومقتضاه ، ومن مقتضياته القضاء لما أفسده .
وإن لم يكن الأول
مأذوناً فيه ، كان للمولى منعه من القضاء ؛ لأنّه يملك منعه من الحجّ الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك قضاؤه ، وهو قول بعض العامّة .
وقال بعضهم : لا يملك
منعه من قضائه ؛ لأنّه واجب ، وليس للسيّد منعه من الواجبات .
وهو خطأ ؛ لأنّا نمنع
وجوبه ، بل نمنع صحته فضلاً عن وجوبه .
مسألة ٣٣ : إذا أفسد العبدُ الحجَّ ولزمه القضاء ، فأعتقه مولاه ، فإن كان عتقه بعد الوقوف بالمشعر الحرام ، كان عليه أن يُتمّ هذه الحجّة ، ويلزمه حجّة الإِسلام وحجّة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجّة الإِسلام ثم يأتي بحجّة القضاء ، وكذلك إذا بلغ وعليه قضاء ، ولا يقضي قبل حجّة الإِسلام ، فإن فعل حجّة الإِسلام بقي عليه حجّة القضاء ، وإن أحرم بالقضاء ، انعقد بحجّة الإِسلام ؛ لأنّها آكد ، وكان القضاء في ذمّته ، قاله الشيخ
رحمه الله ، وهو مذهب العامة .
ثم قال الشيخ : وإن
قلنا : لا يجزئ عن واحد منهما ، كان قويّاً . وأطلق .
والوجه : ما قوّاه
الشيخ إن كان قد استطاع أو استقرّ الحجّ في ذمّته ، و إلّا فالوجه : الإِجزاء عن القضاء .
__________________
وإن اُعتق قبل الوقوف
بالمشعر ، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبله ، فإنّه يمضي في فاسده ، ولا تجزئه الفاسدة عن حجّة الإِسلام ، ويلزمه القضاء في القابل ، ويجزئه القضاء عن حجّة الاسلام ؛ لأنّ ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه عن حجّة الإِسلام وهذه قضاء عنها .
مسألة ٣٤ : إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظوراً يلزمه به الدم ، كالتطيّب واللبس وحلق الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطء في الفرج أو في ما دونه وقتل الصيد أو أكله ، ففرضه الصوم ، وليس عليه دم ، كالمعسر .
وإن تحلّل بحصر عدوّ
، فعليه الصوم ، ولا يتحلّل قبل فعله ، كالحُرّ .
قال الشيخ رحمه الله
: ولسيّده منعه منه ؛ لأنّه فَعَله بغير إذنه ، وإن ملّكه سيّده هدياً ليخرجه فأخرجه ، جاز ، وإن أذن له فصام ، جاز أيضاً ، وإن مات قبل الصيام ، جاز لسيّده أن يُطعم عنه .
وقالت العامّة : ليس
للسيّد أن يحول بينه وبين الصوم مطلقاً .
والوجه : ذلك إن أذن
له في الإِحرام ؛ لأنّه صوم وجب عليه ، فأشبه صوم رمضان .
وإن ملّكه السيد هدياً
وأذن له في إهدائه وقلنا : إنه يملكه ، فهو كالواجد للهدي لا يتحلّل إلّا به ، وإن قلنا : لا يملكه ، ففرضه الصيام .
وإن أذن له سيّده في
تمتّع أو قران ، فعليه الصيام بدلاً عن الهدي الواجب .
وقال بعض العامّة :
على سيّده تحمّل ذلك عنه ؛ لأنّه بإذنه ، فكان على مَنْ أذن فيه ، كما لو فعله النائب بإذن المستنيب
.
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الحجّ للعبد وهذا من موجباته فيكون عليه ، كالمرأة
__________________
إذا
حجّت بإذن زوجها ، بخلاف النائب فإنّ الحجّ للمنوب ، فموجبه عليه .
وعندنا أنّ للسيّد
الخيار بين أن يأمره بالصوم أو يهدي عنه .
وإن تمتّع أو قرن
بغير إذن سيّده ، لم يعتدّ به .
وقالت العامّة : إنّ
عليه الصوم .
وإن أفسد حجّه ،
فعليه أن يصوم كذلك ، فإنه لا مال له ، فهو كالمعسر من الأحرار .
مسألة ٣٥ : إذا نذر العبدُ الحجَّ ، فلا يخلو إمّا أن يكون مولاه قد أذن له في النذر أو لا ، فإن كان قد أذن له ، فلا يخلو النذر إمّا أن يكون مقيّداً
بوقت أو مطلقاً ، فإن كان مقيّداً بوقت ، وجب عليه الوفاء به مع قدرته ، ولا يجوز لمولاه منعه منه ؛ لأنّه واجب عليه ، وكان كما لو أذن له في الإِحرام وتلبّس به .
وهل يجب على مولاه
دفع ما يحتاج إليه العبد زائداً عن نفقة الحضر ؟ الأقرب : المنع ؛ لأصالة البراءة .
ويحتمل وجوبه ، كالإِذن
في الدَّيْن .
ولو قدر العبد على المشي
، لم يجب على المولى بذل الراحلة .
ولو كان مطلقاً ، أو
مقيّداً وفرّط العبد ، أو المولى يمنعه عن المبادرة حتى صار قضاءً ، فالأقرب : عدم وجوبه على الفور ؛ لأنّ حقّ السيّد مضيّق ، والنذر المطلق وقضاء النذر المقيّد غير مضيّق ؛ لأصالة البراءة .
فلو شرع العبد وبادر
معجّلاً فأحرم بغير إذن مولاه ، فالأقرب أنّه ليس للمولى تحليله ؛ لأنّه إحرام حجّ أذن له فيه مولاه ، فلم يملك تحليله ، كما لو تلبّس بالإِحرام بعد إذن مولاه .
وإن لم يكن مولاه قد
أذن له في النذر ، فالمشهور بين علمائنا : عدم انعقاده ، لأنّ أوقاته مستحقّة للمولى .
__________________
وقال بعض العامة :
يصحّ نذره ؛ لأنّه مكلّف ، فانعقد نذره ، كالحُرّ ، ولسيده منعه من المضيّ فيه ؛ لما فيه من تفويت حقّ سيّده الواجب ، فيُمنع منه ، كما لو لم ينذر .
وروي عن أحمد أنّه لا
يُمنع من الوفاء به ؛ لما فيه من أداء الواجب .
واختلف أصحابه على قولين
:
أحدهما : أنّ ذلك على
الكراهية دون التحريم .
والثاني : التحريم ؛
لأنّه واجب فلم يملك منعه كسائر الواجبات .
وهو غلط ؛ لأنّا نمنع
وجوبه .
فإن اُعتق ، وجب عليه
الوفاء بما نذره بإذن مولاه ، وفي غيره الخلاف .
وتُقَدَّمُ حجّة الإِسلام
مع وجوبها ، وإطلاق النذر أو تقييده بزمان متأخّر عن الاستطاعة .
البحث الثالث : في الاستطاعة
مسألة ٣٦ : الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ والعمرة ، بإجماع العلماء وبالنصّ :
قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ علىٰ النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) دلّ بمفهومه على سقوطه عن غير المستطيع .
ولا نعلم في ذلك
خلافاً ، ولقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر .
إذا عرفت هذا ، فنقول
: الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد والراحلة ، بإجماع علمائنا ، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وأحمد وإسحاق .
__________________
قال الترمذي : والعمل
عليه عند أهل العلم .
لما رواه العامّة أنّ
النبي صلّى الله عليه وآله ، سُئل ما السبيل ؟ قال : ( الزاد والراحلة ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل حفص الكناسي الصادقَ عليه السلام ـ وأنا عنده ـ عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلَّهِ عَلَىٰ النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )
قال : ما يعني بذلك ؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحجّ » .
ولأنّها عبادة تتعلّق
بقطع مسافة بعيدة ، واشترط لوجوبها الزاد والراحلة ، كالجهاد .
وقال عكرمة :
الاستطاعة هي الصحة .
وقال الضحّاك : إن
كان شابّاً فليؤاجر نفسه بأكله وعَقِبَه حتى يقضي نسكه .
وقال مالك : إن كان
يمكنه المشي وعادته سؤال الناس ، لزمه الحجّ ؛ لأنّ هذه الاستطاعةُ في حقّه ، فهو كواجد الزاد والراحلة
.
وليس بجيّد ؛ لأنّ
هذا فعلٌ شاقٌّ ، فليس استطاعةً وإن كان عادةً ،
__________________
والشارع
اعتبر عموم الأحوال دون خصوصها ، كما في مشقّة السفر ، فإنّها غير معتبرة ، بل المظنّة وإن كانت المشقّةُ منتفيةً .
مسألة ٣٧ : الراحلة إنّما هي شرط في حقّ البعيد عن مكة ، وأمّا أهل مكة فلا تشترط الراحلة فيهم ، وكذا من كان بينه وبين مكة [ مكان ]
قريب لا يحتاج إلى الراحلة ، وإنّما تعتبر الراحلة في حقّ من كان على مسافة يحتاج فيها إلى الزاد والراحلة ، سواء قَصُرت المسافة أو بَعُدت .
وشرط العامّة أن يكون
بينه وبين البيت مسافة القصر ، فأمّا القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقّه ؛ لأنّها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه ، كالسعي إلى الجمعة ، ولو لم يتمكّن من المشي ، اشترط في حقّه وجود الحمولة ؛ لأنّه عاجز عن المشي ، فأشبه البعيد .
وأمّا الزاد فلا بدّ
من اشتراطه في حقّ القريب والبعيد ، فإن لم يجد زاداً لم يلزمه الحج ؛ لعجزه .
مسألة ٣٨ : الراحلة شرط في الحجّ للقادر على المشي والعاجز عنه ، وبه قال الشافعي ؛ لقوله عليه السلام لمّا سُئل عن
تفسير السبيل : ( زاد وراحلة ) .
ويعتبر راحلةُ مِثْلِه
، فإن كان يستمسك على الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقّة شديدة ، فلا يعتبر في حقّه إلّا وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها ، وإن كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقّة عظيمة ، اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل ، ولو كان يجد مشقّةً عظيمة
__________________
في
ركوب المحمل ، اعتبر في حقّه الكنيسة .
ولا فرق بين الرجل
والمرأة في ذلك .
وقال بعض الشافعية :
إنّ المحمل معتبر في حقّ المرأة مطلقاً .
وليس بمعتمد ، والستر
يحصل بالملحفة .
فروع :
أ ـ لا يشترط وجود
عين الزاد والراحلة ، بل المعتبر التمكّن منهما تملّكاً أو استئجاراً .
ب ـ إنّما يشترط
الزاد والراحلة في حقّ المحتاج إليهما لبُعد المسافة ، أمّا القريب فيكفيه اليسير من الاُجرة بنسبة حاجته ، والمكّي لا تُعتبر الراحلة في
حقّه ، ويكفيه التمكّن من المشي .
ج ـ إذا وجد شقّ محمل
ووجد شريكاً يجلس في الجانب الآخر ، لزمه الحجّ ، فإن لم يجد الشريك ولم يتمكّن إلّا من مؤونة الشقّ ، سقط عنه الحجّ مع حاجته إلى المحمل ، وإن تمكّن من المحمل بتمامه ، احتمل وجوب الحجّ ؛ لأنّه مستطيع ، وعدمه ؛ لأنّ بذل الزيادة خسران لا مقابل له .
د ـ القريب إلى مكة
إذا شقّ عليه المشي أو الركوب بغير محمل ، اشترطت الراحلة والمحمل في حقّه ، كالبعيد ، ولا يؤمر بالزحف
وإن أمكن .
هـ ـ يجب شراء
الراحلة والمحمل مع الحاجة إليهما أو استئجارهما بثمن المثل واُجرته ، فإن زاد فإن لم يتمكّن من الزيادة ، سقط الحج ، وإن تمكّن منها ، وجب ؛ لأنّه مستطيع .
__________________
وقيل : لا يجب
. وليس بمعتمد .
مسألة ٣٩ : الزاد شرط في وجوب الحجّ ؛ لعدم التمكّن بدونه .
والمراد منه أن يملك
ما يبلغه إلى الحجّ إمّا عين الزاد أو ثمنه مع وجود بائعه بقدر كفايته مدّة سفره وعوده إلى وطنه ، سواء كان له أهل وعشيرة يأوي إليهم أو لم يكن ، وهو أحد وجهي الشافعية .
والثاني لهم : أنّه
لا يشترط في حقّ من لا أهل له ولا عشيرة مؤونة الإِياب ؛ لأنّ البلاد بالنسبة إليه متساوية .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
النفوس تطلب الأوطان .
ولا فرق أيضاً بين أن
يملك في بلدته مسكناً أو لا .
وخصّص الجويني
الوجهين بمن له ملك في البلد .
ويجري الوجهان لهم في
الراحلة .
ولهم وجه آخر ضعيف
عندهم : أنّه لا يعتبر مؤونة الإِياب مطلقاً .
إذا عرفت هذا ،
فالمشترط في الراحلة والزاد راحلةُ مثله وزادُ مثله ؛ لتفاوت الأشخاص في خشونة العيش ونُعومته ، فيعتبر في حقّ الرفيع زيادة على ما يحتاج إليه غيره ممّا يناسبه .
مسألة ٤٠ : يشترط أن يكون الزاد والراحلة فاضلين عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته مدّة ذهابه ورجوعه ودست ثوب يليق به .
وهل يشترط أن يكونا
فاضلين عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إلى خدمته لعجزه أو لمنصبه ؟ الوجه : ذلك ، كما في الكفّارة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة .
__________________
والثاني : لا يشترط ،
بل يباعان في المؤونة ـ وبه قال مالك ـ لأنّ الاستطاعة في الخبر مفسّرة بالزاد والراحلة وهو واجد لهما
.
والوجه : الأول ؛
لحاجته إلى المسكن والعبد ، فأشبها ثياب بدنه .
فعلى هذا إذا كانت
الدار مستغرقة لحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله ، لم يبع شيئاً منهما ، وإن كانت الدار فاضلةً عن حاجته وأمكن بيع بعضها أو كانت نفيسةً أو العبد كذلك وأمكن شراء أدون منه ممّا تندفع به حاجته ، احتمل وجوب البيع والاقتصار على الأدون ، وعدمه ، كما في الكفّارة .
وربما يفرّق بين
الحجّ والكفّارة بأنّ الحجّ لا بدل له والعتق في الكفّارة له بدل .
إذا ثبت هذا ، فالزاد
الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وعوده من مأكول ومشروب وكسوة ، فإن كان يملك ذلك أو وجده يُباع بثمن المثل في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله ، لزمه شراؤه ، وإن كانت تجحف بماله ، لم يلزمه شراؤه وإن تمكّن على إشكال ، كما قلنا في شراء الماء للوضوء ، وإذا كان يجد الزاد في كلّ منزل ، لم يلزمه حمله ، وإن لم يجده كذلك ، لزمه حمله .
وأمّا الماء وعلف
البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة ، فلا كلام ، وإن لم يوجد ، لم يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها ؛ لما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة به ، ولا يتمكّن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق ، والطعام بخلاف ذلك .
مسألة ٤١ : كما تعتبر قدرته على المطعوم والمشروب والتمكّن من
__________________
حمله
من بلده كذا تعتبر قدرته على الآلات والأوعية التي يحتاج إليها كالغرائر
ونحوها ، وأوعية الماء من القِرَب وغيرها ، وجميع ما يحتاج إليه ، كالسُّفرة وشبهها ؛ لأنّه ممّا لا يستغني عنه ، فأشبه علف البهائم .
وكذا يشترط وجود
راحلة تصلح لمثله على ما بيّنّا إمّا بشراء أو باُجرة لذهابه وعوده ، ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله .
فإن كان ممّن يكفيه
الرحل والقتب ولا يخشى السقوط ، أجزأ وجود ذلك ، وإن كان ممّن لم تجر عادته بذلك ويخشى السقوط عنهما ، يعتبر وجود محمل وما أشبهه ممّا لا مشقّة في ركوبه ولا يخشى السقوط عنه ؛ لأنّ الراحلة إنّما اعتبرت في حقّ القادر على المشي لدفع المشقّة عنه ، فيجب أن يعتبر هنا ما تندفع به المشقّة .
وإن كان ممّن لا يقدر
على خدمة نفسه والقيام بأمره ، اعتبرت القدرة على من يخدمه ؛ لأنّه من سبيله .
مسألة ٤٢ : يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلةً عمّا يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في سفره ذاهباً وعائداً ؛ لما رواه العامة
عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيعَ من يقوت ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه أبو الربيع الشامي ، قال : سُئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (
وَلِلَّهِ علىٰ النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) فقال : « ما يقول الناس ؟ » قال : فقيل
له : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : « قد سُئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذن ، لئن كان كلّ من له زاد وراحلة قدر ما يقوت
__________________
عياله
ويستغني به عن الناس ينطلق فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذن » فقيل له : ما السبيل ؟ قال : فقال : « السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعض لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة ، فلم يجعلها إلّا على من ملك مائتي درهم » .
ولأنّ النفقة متعلّقة
بحقوق الآدميّين وهُمْ أحوج وحقّهم آكد .
ويشترط أيضاً أن تكون
فاضلةً عمّا يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم وما لا بدّ منه من ثياب وغيرها ، وأن يكون فاضلاً عن قضاء دينه ؛ لأنّ قضاء الدَّيْن من حوائجه الأصلية ، وتتعلّق به حقوق الآدميّن فهو آكد ، ولهذا منع الخمس مع تعلّق حقوق الفقراء من ذوي القربى به ، وحاجتهم إليها ، فالحجّ الذي هو خالص حقّ الله تعالى أولى .
ولا فرق بين أن يكون الدَّيْن
لآدمي معيّن أو من حقوق الله تعالى ، كزكاة في ذمّته أو كفّارات وشبهها .
ولا فرق أيضاً بين أن
يكون الدَّيْن حالّاً أو مؤجّلاً محلّه قبل عرفة أو بعدها في منع الوجوب ؛ لأنّه غير موصوف بالاستطاعة .
وللشافعية في وجوب
الحجّ على المديون إذا كان الدَّيْن يحلّ بعد عرفة وجهان :
أحدهما كما قلناه .
والثاني : الوجوب ؛
لأنّ الدَّيْن المؤجّل غير مستحقّ عليه قبل حلوله
. وهو ممنوع .
تذنيب :
لو احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العَنَت ، قدّم الحجّ ؛ لأنّه واجب والنكاح تطوّع ، ويلزمه الصبر .
__________________
وقال بعض العامة :
يقدّم النكاح ؛ لأنّه واجب عليه ، ولا غنى به عنه ، فهو كنفقته .
ونمنع الوجوب .
ولو لم يخف العَنَت ،
قدّم الحجّ إجماعاً .
تذنيب آخر : لو حجّ من تلزمه هذه الحقوق وضيّعها ، قال بعض العامة : يصح حجّة ؛ لأنّها متعلّقة بذمّته ، فلا تمنع صحة فعله
.
وفيه نظر ؛ لأنّه
مأمور بصرف المال إلى نفقة العيال مثلاً ، فإذا صرفه في غيره ، كان قد فعل المنهي عنه ، والنهي يدلّ على الفساد في العبادات .
البحث الرابع : المؤونة .
ويشترط أن يكون له
مال يصرفه في مؤونة سفره ذهاباً وعوداً ، ومؤونة عياله الذين تلزمه نفقتهم على الاقتصاد .
وهل يشترط الرجوع إلى
كفايةٍ من مالٍ أو حرفةٍ أو صناعةٍ في وجوب الحجّ بعد وجدان ما ذكر ؟ قال الشيخ : نعم .
فلو كان له زاد
وراحلة ونفقة له ولعياله بقدر ذهابه وعوده وجميع ما تقدّم وليس له ما يرجع إليه من مالٍ أو ملكٍ أو صناعةٍ وحرفةٍ يرجع إليها عند عوده من حجّه ، سقط عنه فرض الحجّ ـ وبه قال أبو العباس بن سريج من الشافعية
ـ خوفاً من فقره وحاجته إلى المسألة ، وفي ذلك أعظم مشقّة .
__________________
ولرواية أبي الربيع
الشامي عن الباقر عليه السلام .
وقال أكثر علمائنا :
لا يشترط الرجوع إلى كفاية ـ وهو قول الشافعي ـ وهو المعتمد ؛ لأنّه مستطيع بوجود الزاد والراحلة ونفقته
ونفقة عياله ذهاباً وعوداً .
ورواية أبي الربيع لا
حجّة فيها على ما قالوه ، والمشقّة ممنوعة ، فإنّ الله هو الرزّاق .
فروع :
أ ـ لو كان له عقار
يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله ، أو يحتاج إلى اُجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله ، أو سائمة يحتاجون إليها ، لم يلزمه الحجّ .
ولو كان له شيء من
ذلك فاضل عن حاجته ، لزمه بيعه وصرفه في الحجّ .
ولو كان مسكنه واسعاً
يكفيه للسكنى بعضه ، وجب بيع الفاضل وصرفه في الحجّ إذا كان بقدر الاستطاعة .
وكذا لو كان له كتب
يحتاج إليها ، لم يلزمه بيعها في الحجّ ، ولو استغنى عنها ، وجب البيع .
ولو كان له بكتاب
نسختان يستغني بإحداهما ، وجب بيع الفاضل .
ولو كان له دار نفيسة
أو عبد نفيس أو كتب نفيسة وأمكنه بيعها وشراء أقلّ من ثمنها وكان مسكن مثله أو عبد مثله والحجّ بالفاضل عن مؤونته من ثمنها ، فالأقرب وجوب البيع وشراء الأدون ممّا تقوم به كفايته .
__________________
ب ـ لو كان له دَيْنٌ
على باذل له يكفيه للحجّ ، لزمه ، لأنّه مستطيع ، ولو كان على معسر أو تعذّر استيفاؤه أو كان مؤجّلاً ، لم يلزمه الحجّ ؛ لعدم الاستطاعة .
ج ـ لو كان له رأس
مال يتّجر به وينفق من ربحه ولو صرفه في الحج لبطلت تجارته ، وجب عليه الحج ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية ، وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه واجد .
والثاني للشافعية :
أنّه لا يكلّف الصرف إليه ـ وبه قال أحمد ـ لئلّا يلتحق بالمساكين ، وكالعبد والمسكن .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
العبد والمسكن يحتاج إليهما في الحال ، وهذا إمساك ذخيرة للمستقبل .
د ـ لو لم يجد الزاد
ووجد الراحلة وكان كسوباً يكتسب ما يكفيه وقد عزل نفقة أهله مدّة ذهابه وعوده ، فإن كان السفر طويلاً ، لم يلزمه الحجّ ؛ لما في الجمع بين السفر والكسب من المشقّة العظيمة ، ولأنّه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدّي إلى هلاك نفسه .
وإن كان السفر قصيراً
، فإن كان تكسّبه في كلّ يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل ، لم يلزمه الحجّ ؛ لأنّه قد ينقطع عن كسبه في أيّام الحجّ فيتضرّر .
وإن كان كسبه في كلّ
يوم يكفيه لأيّامه ، لم يلزمه الحجّ أيضاً ؛ للمشقّة ، ولأنّه غير واجد لشرط الحجّ ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الوجوب ـ وبه قال مالك ـ مطلقاً .
هـ ـ لو كان له مال
فباعه نسيئةً عند قرب وقت الخروج إلى أجل يتأخّر
__________________
عنه
، سقط الفور في تلك السنة عنه ؛ لأنّ المال إنّما يعتبر وقت خروج الناس ، وقد يتوسّل المحتال بهذا إلى دفع الحجّ .
مسألة ٤٣ : لو كان له مال يكفيه لذهابه وعوده دون نفقة عياله ، سقط عنه فرض الحجّ ؛ لما تقدّم من الأمر بالنفقة على العيال ، ولأنّ نفقة العيال تتعلّق بالفاضل عن قوته ، وفرض الحجّ يتعلّق بالفاضل عن كفايته ، فكان الإِنفاق على العيال أولى من الحجّ .
والمراد بالعيال هنا
من تلزمه النفقة عليه دون من تُستحب .
مسألة ٤٤ : لو لم يكن له زاد وراحلة أو كان ولا مؤونة له لسفره أو لعياله ، فبذل له باذل الزاد والراحلة ومؤونته ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله مدّة
غيبته ، وجب عليه الحجّ عند علمائنا ، سواء كان الباذل قريباً أو بعيداً ؛ لأنّه مستطيع للحجّ .
ولأنّ الباقر والصادق
عليهما السلام سُئلا عمّن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك ، أهو ممّن يستطيع إلى ذلك سبيلاً ؟ قال : « نعم »
.
وللشافعي قولان في
وجوب الحجّ إذا كان الباذل ولداً :
أحدهما : الوجوب ؛
لأنّ الابن يخالف غيره في باب المنّة .
والثاني : عدم الوجوب
؛ لأنّه لا يلزمه القبول ؛ لاشتماله على المنّة .
وإن لم يكن ولداً ،
لم يجب القبول .
وقال أحمد : لا يجب
الحجّ مطلقاً ، سواء بُذل له الركوب والزاد أو بُذل له مال ؛ لأنّه غير مالك للزاد والراحلة ولا لثمنهما ، فسقط عنه فرض الحجّ
.
__________________
ونمنع ثبوت المنّة
وعدم الملك المشروط في الاستطاعة .
فروع :
أ ـ لو بُذل له مال
يتمكّن به من الحجّ ويكفيه في مؤونته ومؤونة عياله ، لم يجب عليه القبول ، سواء كان الباذل له ولداً أو أجنبياً ؛ لاشتماله على المنّة في قبول الطاعة .
ولأنّ في قبول المال
وتملّكه إيجاب سببٍ يلزم به الفرض ، وهو : القبول ، وربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة ، فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة وقضاء دين .
ولأنّ تحصيل شرط
الوجوب غير واجب ، كما في تحصيل مال الزكاة .
ب ـ لو وجد بعض ما
يلزمه الحجّ به وعجز عن الباقي فبُذل له ما عجز عنه ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّه ببذل الجميع مع عدم تمكّنه من شيء أصلاً يجب عليه فمع تمكّنه من البعض يكون الوجوب أولى .
ج ـ لو طلب من فاقد
الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة ، لم يجب القبول ؛ لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب .
نعم لو آجر نفسه بمال
تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكاً للباقي ، وجب عليه الحجّ .
وكذا لو قبل مال
الهبة ؛ لأنّه صار الآن مالكاً للاستطاعة .
د ـ قال ابن إدريس من
علمائنا : إنّ من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مؤونة الطريق يجب عليه الحجّ بشرط أن يملّكه ما يبذل له ويعرض عليه ، لا وعداً بالقول دون الفعل ، وكذا فيمن حجّ به بعض إخوانه .
__________________
والتحقيق أن نقول :
البحث هنا في أمرين :
الأول : هل يجب على الباذل
بالبذل الشيء المبذول أم لا ؟
فإن قلنا بالوجوب
أمكن وجوب الحج على المبذول له ، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال أقربه عدم الوجوب .
وإن قلنا بعدم وجوبه
، ففي إيجاب الحجّ إشكال ، أقربه : العدم ؛ لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب .
الثاني : هل بين بذل
المال وبذل الزاد والراحلة ومؤونته ومؤونة عياله فرق أم لا ؟ الأقرب : عدم الفرق ؛ لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد والراحلة والمؤن بغير منّة كالمال .
هـ ـ لو وهب المال ،
فإن قبل ، وجب الحجّ ، وإلّا فلا ، ولا يجب عليه قبول الاتّهاب ، وكذا الزاد والراحلة ؛ لأنّ في قبول عقد الهبة تحصيل شرط الوجوب وليس واجباً .
و ـ لا يجب الاقتراض
للحجّ إلّا أن يحتاج إليه ويكون له مال بقدره يفضل عن الزاد والراحلة ومؤونته ومؤونة عياله ذهاباً وعوداً ، فلو لم يكن له مال ،
أو كان له ما يقصر عن ذلك ، لم يجب عليه الحجّ ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس واجباً .
ز ـ لو كان له ولد له
مال ، لم يجب عليه بذله لأبيه في الحجّ ولا إقراضه له ، سواء كان الولد كبيراً أو صغيراً ، ولا يجب على الأب الحجّ بذلك المال .
وقال الشيخ رحمه الله
: وقد روى أصحابنا أنّه إذا كان له ولد له مال ، وجب أن يأخذ من ماله ما يحجّ به ، ويجب عليه إعطاؤه
.
ونحن نحمل ما رواه
الشيخ على الاستحباب .
ج ـ لو حجّ فاقد
الزاد والراحلة ماشياً أو راكباً ، لم يجزئه عن حجّة
__________________
الإسلام
؛ لأنّ الحج على هذه الحالة غير واجب عليه ، فلم يكن ما أوقعه واجباً عليه ، فإذا حصل شرط الوجوب الذي هو كالوقت له ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّ الفعل أوّلاً كان فعلاً للواجب قبل وقته ، فلم يكن مجزئاً كالصلاة .
مسألة ٤٥ : لا تباع داره التي يسكنها في ثمن الزاد والراحلة ، ولا خادمه ولا ثياب بدنه ولا فرس ركوبه بإجماع العلماء ؛ لأنّ ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه ، ويجب عليه بيع ما زاد على ذلك من ضياع وعقار وغير ذلك من الذخائر والأثاث التي له منها بُدٌّ إذا حصلت الاستطاعة معه .
مسألة ٤٦ : لو فقد الاستطاعة فغصب مالاً فحجّ به ، أو
غصب حمولةً فركبها حتى أوصلته ، أثم بذلك ، وعليه اُجرة الحمولة وضمان المال ، ولم يجزئه عن الحجّ .
أمّا لو كان واجداً
للزاد والراحلة والمؤونة فغصب وحجَّ بالمغصوب ، أجزأه ذلك ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة ، والمال
والحمولة يُرادان للتوصّل إليه ، فإذا فعله لم يقدح فيه ما يوصل به إليه .
نعم لو طاف أو سعى على
الدابة المغصوبة ، لم يصحّا .
ولو وقف عليها فالأقوى
: الصحّة ؛ لأنّ الواجب هو الكون في الموقف وقد حصل .
وقال أحمد : إذا حجّ
بالمال المغصوب ، لم يصح ، وكذا لو غصب حمولةً فركبها حتى أوصلته ؛ لأنّ الزاد والراحلة من شرائط الحجّ
ولم يوجد على الوجه المأمور به ، فلا يخرج به عن العهدة .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الشرط ليس تملّك عين الزاد والراحلة ، بل هما أو
__________________
ثمنهما
، والبحث في القادر .
مسألة ٤٧ : الفقير الزمن لا يجب عليه الحجّ إجماعاً ، فلو بذل له غيره الحجّ عنه بأن ينوبه ، لم يجب عليه أيضاً ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة
ـ لقوله عليه السلام : ( السبيل زاد وراحلة ) .
ولأنّ الحجّ عبادة
بدنيّة فوجب أن لا يجب عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها ، كالصلاة والصوم .
ولأنّ العبادات ضربان
:
منها : ما يتعلّق بالأبدان
، فتجب بالقدرة عليها ، كالصلاة والصيام .
ومنها : ما يتعلّق
بالأموال ، فيعتبر في وجوبها ملك المال ، كالزكاة ، ولم يُعهد في الاُصول وجوب عبادة ببذل الطاعة .
وقال الشافعي : يجب ؛
لما روي أنّ امرأةً من خثعم قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل ترى أن أحجّ عنه ؟ فقال : ( نعم ) فقالت : أو ينفعه ؟ فقال : ( أرأيت لو كان على أبيك دَيْنٌ فقضيِته أكان ينفعه ؟ ) فقالت : نعم ، قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى ) .
وجه الدلالة : أنّها
بذلت الطاعة لأبيها ، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله بالحجّ عنه من غير أن يجري للمال ذكر ، فدلّ على أنّ الفرض وجب ببذل الطاعة .
__________________
ولأنّ المعضوب
الموسر يجب عليه الحجّ بالاستنابة للغير بالمال ، وهذا في حكمه ؛ لأنّه قادر على فعل الحجّ عن نفسه فلزمه ، كالقادر بنفسه .
والحديث لا يدلّ على الوجوب
، ولهذا شبّهه عليه السلام بالدَّيْن مع أنّ الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب على أبيه من الدَّيْن ، بل يستحب له ، فكذا هنا .
ونمنع وجوب الاستنابة
على المعضوب ، وسيأتي إن شاء الله .
تنبيه :
شرط الشافعية في وجوب الحجّ ببذل الطاعة سبعة شرائط ، ثلاثة في الباذل :
أ ـ أن يكون الباذل
من أهل الحجّ ، فيجمع البلوغ والعقل والحرّية والإِسلام ؛ لأنّ من لا يصح منه أداء الحجّ عن نفسه لا تصح منه النيابة فيه عن غيره .
ب ـ أن لا تكون عليه
حجة الإِسلام ليصحّ إحرامه بالحجّ عن غيره .
ج ـ أن يكون واجداً
للزاد والراحلة ؛ لأنّه لمّا كان ذلك معتبراً في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولى ؛ إذ ليس حال الباذل أوكد في إلزام الفرض من المبذول له .
وبعض الشافعية لا
يعتبر هذا الشرط في بذله للطاعة وإن اعتبره في فرض نفسه ؛ لأنّه التزم الطاعة باختياره ، فصار كحجّ النذر المخالف للفرض بالأصالة .
__________________
وأربعة في المبذول له
:
أ ـ أن يكون المبذول
له واثقاً بطاعة الباذل عالماً أنّه متى أمره بالحجّ امتثل أمره ؛ لأنّ قدرة الباذل قد اُقيمت مقام قدرته ، فافتقر إلى الثقة بطاعته .
ب ـ أن يكون الفرض
غير ساقط عنه .
ج ـ أن يكون معضوباً
آيساً من أن يفعل بنفسه .
د ـ أن لا يكون له
مال ؛ لأنّ ذا المال يجب عليه الحجّ بماله .
فإذا اجتمعت الشروط نُظر
في الباذل ؛ فإن كان من غير ولد ولا والد ، ففي لزوم الفرض ببذله وجهان :
أحدهما ـ وهو الصحيح
عندهم ونصّ عليه الشافعي ـ : أنّه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته ؛ لكونه مستطيعاً للحجّ في الحالين .
والثاني : أنّ الفرض
لا يلزمه ببذل غير ولده ؛ لما يلحقه من المنّة في قبوله ، ولأنّ حكم الولد مخالف لغيره في القصاص وحدّ القذف والرجوع في الهبة ، فخالف غيره في بذل الطاعة .
وإذا كملت الشرائط
التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحجّ عنه ؛ لوجوب الفرض عليه ، وإذا أذن له وقبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحجّ عنه متى شاء ، وليس له الرجوع بعد القبول .
إذا تقرّر هذا فعلى
المبذول له أن يأذن وعلى الباذل أن يحجّ .
فإن امتنع المبذول له
من الإِذن فهل يقوم الحاكم مقامه في الإِذن للباذل ؟ وجهان :
أحدهما : القيام
فيأذن للباذل في الحجّ ؛ لأنّ الإِذن قد لزمه ، ومتى امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه ، كالديون .
والثاني ـ وهو الصحيح
عندهم ـ : أنّ إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه ؛ لأنّ البذل كان لغيره ، فإن أذن المبذول له قبل وفاته ، انتقل الفرض عنه إلى
الباذل
، وإن لم يأذن حتى مات ، لقي الله تعالى وفرض الحجّ واجب عليه .
فلو حجّ الباذل بغير
إذن المبذول له ، كانت الحجّة واقعةً عن نفسه ؛ لأنّ الحجّ عن الحي لا يصحّ بغير إذنه ، وكان فرض الحجّ باقياً على المبذول له .
وهذا كلّه ساقط عندنا
.
البحث الخامس : في إمكان المسير
ويشتمل على اُمور
أربعة : الصحة ، والتثبّت على الراحلة ، وأمن الطريق في النفس والبُضع والمال ، واتّساع الوقت ، فالنظر هنا في أربعة :
النظر الأول : الصحة
مسألة ٤٨ : أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار على أنّ القادر على الحجّ بنفسه الجامع لشرائط وجوب حجّة الإِسلام يجب عليه إيقاعه مباشرةً ، ولا تجوز له الاستنابة فيه ، فإن استناب غيره لم يجزئه ، ووجب عليه أن يحجّ بنفسه .
فإن مات بعد استطاعته
واستنابته واستقرار الحجّ في ذمّته ، وجب أن يُخرج عنه اُجرة المثل من صلب ماله ؛ لأنّ ما فعله أوّلاً لم يُفده براءة ذمّته ، فيكون بمنزلة التارك للحجّ بعد استقراره في الذمّة من غير إجارة .
أمّا المريض مرضاً لا
يتضرّر بالسفر والركوب فإنّه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحجّ بنفسه ، فإن وجد مشقّة أو احتاج إلى ما يزيد على مؤونة سفر الصحيح مع عجزه عنه ، سقط عنه فرض المباشرة ، ولو احتاج إلى الدواء
__________________
فكالزاد
.
مسألة ٤٩ : المريض الذي يتضرّر بالركوب أو بالسفر إن كان مرضه لا يرجى زواله وكان مأيوساً من بُرئه لزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان معضوباً نِضْو الخلقة لا يقدر على التثبّت على الراحلة إلّا بمشقّة غير
محتملة أو كان شيخاً فانياً وما أشبه ذلك إذا كان واجداً لشرائط الحج من الزاد والراحلة وغيرهما ، لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعاً ؛ لما فيه من المشقّة والحرج وقد قال تعالى : (
مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )
.
ولما رواه العامة عن
النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً ) .
ومن طريق الخاصة قول
الصادق عليه السلام : « من مات ولم يحجّ حجّة الإِسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانياً » .
وهل تجب عليه
الاستنابة ؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال في الصحابة : علي عليه السلام ، وفي التابعين : الحسن البصري ، ومن الفقهاء : الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق .
لما رواه العامة عن
علي عليه السلام أنه سُئل عن شيخ يجد الاستطاعة ،
__________________
فقال
: « يجهّز من يحجّ عنه » .
ولحديث الخثعمية
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام قال : « إنّ عليّاً عليه السلام رأى شيخاً لم يحج قطّ ولم يُطق الحجّ من كبره ، فأمر أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه »
.
ولأنّها عبادة تجب
بإفسادها الكفّارة فجاز أن يقوم غير فعله مقام فعله فيها ، كالصوم إذا عجز عنه .
وقال بعض علمائنا :
لا تجب الاستنابة ، وبه قال مالك ؛ لأنّ الاستطاعة غير موجودة ؛ لعدم التمكّن من المباشرة ، والنيابة فرع الوجوب والوجوب ساقط ؛ لعدم شرطه ، فإنّ الله تعالى قال : (
مَنِ اسْتَطَاعَ ) وهذا غير مستطيع .
ولأنّها عبادة لا
تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز ، كالصوم والصلاة .
ونمنع عدم الاستطاعة ؛
لأنّ الصادق عليه السلام فسّرها بالزاد والراحلة ، وهي موجودة ، والقياس ضعيف ، وهذا القول لا بأس به أيضاً .
قال مالك : ولا يجوز
أن يستأجر من يحجّ عنه في حال حياته ، فإن وصّى أن يُحجّ عنه بعد وفاته ، جاز .
__________________
وقال أبو حنيفة : إن
قدر على الحجّ قبل زمانته ، لزمه الحجّ ، وإن لم يقدر عليه ، فلا حجّ عليه .
مسألة ٥٠ : لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجى بُرؤه مالاً يستنيب به ، لم يكن عليه حجّ إجماعاً ؛ لأنّ الصحيح لو لم يجد ما يحجّ به لم يجب عليه فالمريض أولى ، وإن وجد مالاً ولم يجد مَنْ ينوب عنه لم يجب عليه أيضاً ؛ لعدم تمكّنه من الاستئجار .
وعن أحمد روايتان في
إمكان المسير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي ، فإن قلنا : من شرائط لزوم السعي ، ثبت الحجّ في ذمّته يُحجّ عنه بعد موته ، وإن قلنا : من شرائط الوجوب ، لم يجب عليه شيء
.
وهذا ساقط عندنا .
مسألة ٥١ : المريض الذي لا يرجى بُرؤه لو استناب من حجّ عنه ثم عُوفي ، والمعضوب إذا تمكّن من المباشرة بعد أن أحجّ عن نفسه ، وجب عليه أن يحجّ بنفسه مباشرةً .
قال الشيخ رحمه الله
: لأنّ ما فعله كان واجباً في ماله وهذا يلزمه في نفسه .
وبه قال الشافعي
وأصحاب الرأي وابن المنذر ؛ لأنّ هذا بدل اياس فإذا برأ تبيّنّا أنّه لم يكن مأيوساً منه ، فلزمه الأصل كالآيسة إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت لا تجزئها تلك العدّة .
__________________
وقال أحمد وإسحاق :
لا يجب عليه حجٌّ آخر ؛ لأنّه فَعَل المأمور به ، فخرج عن العهدة ، كما لو لم يبرأ ، ولأنّه أدّى حجة الإِسلام بأمر الشارع ، فلم يلزمه حجّ ثانٍ ، كما لو حجّ بنفسه ، ولإِفضائه إلى إيجاب حجّتين وليس عليه إلّا حجّة واحدة .
ونمنع فعله للمأمور
به ، والفرق بينه وبين عدم البرء ظاهر ، ونمنع أداء حجّة الإِسلام بل بدلها المشروط بعدم القدرة على المباشرة ، ونمنع أنّه ليس عليه إلّا حجّة واحدة .
إذا عرفت هذا ، فلو عُوفي
قبل فراق النائب من الحجّ ، قال بعض العامة : لم يجزئه الحجّ ؛ لأنّه قدر على الأصل قبل تمام البدل فلزمه ، كالصغيرة ومن ارتفع حيضها إذا حاضتا قبل تمام عدّتهما بالشهور ، وكالمتيمّم إذا رأى الماء في صلاته .
ويحتمل الاجزاء ،
كالمتمتّع إذا شرع في الصيام ثم قدر على الهدي ، والمكفّر إذا قدر على الأصل بعد الشروع في البدل ، وإن برأ قبل إحرام النائب ، لم يجزئه بحال .
وهذا كلّه ساقط عندنا
.
مسألة ٥٢ : المريض إذا كان مرضه يرجى زواله والبرء منه ، والمحبوس ونحوه إذا وجد الاستطاعة وتعذّر عليه الحجّ ، يستحب أن يستنيب ، قاله الشيخ رحمه الله .
ومنع منه الشافعي
وأحمد ، فإن استناب غيره ، لم يجزئه كالصحيح ، سواء برأ من مرضه أو لم يبرأ ؛ لأنّه يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ، فلم تكن
__________________
له
الاستنابة ، ولا يجزئه إن فعل ، كالفقير .
وقال أبو حنيفة :
يجوز له ان يستنيب ، ويكون ذلك مراعىً ، فإن قدر على الحج بنفسه ، لزمه ، وإلّا أجزأه ذلك ؛ لأنّه عاجز عن الحج بنفسه ، فأشبه المأيوس من برئه .
وفرّق الشافعية بأنّ
المأيوس عاجز على الإِطلاق ، آيس من القدرة على الأصل فأشبه الميت ، ولأنّ النصّ إنّما ورد في الحجّ عن الشيخ الكبير وهو ممّن لا يرجى منه مباشرة الحج ، فلا يقاس عليه إلّا ما يشابهه
.
والمعتمد : ما قاله
الشيخ ؛ لقول الباقر عليه السلام : « كان علي عليه السلام يقول : لو أنّ رجلاً أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهّز رجلاً من ماله ثم ليبعثه مكانه »
وهو عام .
ولأنّه غير قادر على الحجّ
بنفسه ، فجاز له الاستنابة ، كالمعضوب .
إذا ثبت هذا ، فلو
استناب من يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ثم صار مأيوساً من بُرئه ، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة اُخرى ؛ لأنّه استناب في حال لا تجوز الاستنابة فيها ، فأشبه الصحيح .
قال الشيخ : ولأنّ
تلك الحجّة كانت عن ماله وهذه عن بدنه .
ولو مات سقط الحج عنه
مع الاستنابة وبدونها ؛ لأنّه غير مستطيع للحجّ .
وللشافعي وجهان مع
الاستنابة :
__________________
أحدهما : عدم الإِجزاء
؛ لأنّه استناب وهو غير مأيوس منه ، فأشبه ما إذا برأ .
والثاني : الإِجزاء ؛
لأنّا تبيّنّا أنّ المرض كان مأيوساً منه حيث اتّصل الموت به .
مسألة ٥٣ : قد بيّنّا أنّ من بذل طاعة الحج لغيره لا يجب على ذلك الغير القبول ، خلافاً للشافعي حيث أوجب القبول والإِذن للمطيع في الحجّ عنه .
ولو مات المطيع قبل
أن يأذن له ، فإن كان قد أتى من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه ، استقرّ في ذمّته ، وإن كان قبل ذلك ، لم يجب عليه ؛ لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعاً .
وهل يلزم الباذل
ببذله ؟ قال : إن كان قد أحرم لزم المضيّ فيه ، وإلّا فلا ، لأنّه لا يجب عليه البذل ، فلا يلزمه به حكم ؛ لأنّه متبرّع به
.
وهذه كلّها ساقطة
عندنا ؛ لأنّها مبنية على وجوب الحج بالطاعة ، وهو باطل ، لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله سُئل ما يوجب الحجّ ؟ فقال : ( الزاد والراحلة ) .
ولو كان على المعضوب
حجّتان : منذورة وحجة الإِسلام ، جاز له أن يستنيب اثنين في سنة واحدة ؛ لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب بينهما ، ولا يؤدّي ذلك إلى وقوع المنذورة دون حجّة الإِسلام ، بل يقعان معاً ، فأجزأ ذلك ، بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان على واحد .
__________________
وللشافعي وجهان
.
تذنيبان :
الأول : قال الشيخ : المعضوب
إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه ، وجب عليه أن يُحجّ غيره عن نفسه ، وإن برأ فيما بعدُ ، وجب عليه الإِعادة .
وفيه نظر .
الثاني : يجوز
استنابة الصرورة وغير الصرورة على ما يأتي .
مسألة ٥٤ : يجوز للصحيح الذي قضى ما عليه من حجّة الإِسلام أن يستنيب في حجّ التطوّع وإن تمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه ، فجاز أن يستنيب فيها ، كالمعضوب .
وقال الشافعي : لا
يجوز ـ وهو الرواية الثانية عن أحمد ـ لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه قادر عليه ، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض
.
وهو خطأ ؛ للفرق ،
فإنّ الفرض لم يؤدّه مباشرةً وهنا قد أدّاه ، فافترقا .
ولو لم يكن قد حجّ
حجّة الإِسلام ، جاز له أن يستنيب أيضاً في حجّ التطوّع ، سواء وجب عليه الحجّ قبل ذلك أو لا ، وسواء تمكّن من أداء الواجب أو لا ؛ لعدم المنافاة بينهما .
ولو كان قد أدّى حجّة
الإِسلام وعجز عن الحجّ بنفسه ، صحّ أن يستنيب
__________________
في
التطوّع ؛ لأنّ ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله ، كالصدقة .
مسألة ٥٥ : يجوز الاستئجار على الحجّ ، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين ، ومنع في الرواية الاُخرى منه ومن الاستئجار على الأذان وتعليم القرآن والفقه ونحوه ممّا يتعدّى نفعه ويختصّ فاعله أن يكون من أهله القربة .
وجوّز ذلك كلّه
الشافعي ومالك ، لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) .
وأخذ أصحاب النبي صلّى
الله عليه وآله الجعل على الرقية بكتاب الله ، وأخبروا النبي صلّى الله عليه وآله بذلك فصوّبهم .
ولأنّه تجوز النفقة
عليه فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد والقناطر
.
واحتجّ المانعون :
بأنّ عبادة بن الصامت كان يُعلّم رجلاً القرآن ، فأهدى له قوساً ، فسأل النبي صلّى الله عليه وآله عن ذلك ، فقال له : ( إن سرّك أن تتقلّد قوساً من نار فتقلّدها ) .
وقال النبي صلّى الله
عليه وآله لعثمان بن أبي العاص : ( واتّخذ مؤذّناً لا يأخذ على أذانه أجراً ) .
__________________
ولأنّها عبادة يختص
فاعلها أن يكون من أهل القربة ، فلم يجز أخذ الاُجرة عليها ، كالصلاة والصوم .
والرقية قضية في عين
، فتختص بها .
وأمّا بناء المساجد
فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، ويجوز أن يقع قربةً وغير قربة ، فإذا وقع باُجرة لم يكن قربةً ولا عبادةً ، ولا يصح هنا أن يكون غير عبادة ، ولا يجوز الاشتراك في العبادة ، فمتى فعله من أجل الاُجرة خرج عن كونه عبادةً ، فلم يصح .
ولا يلزم من جواز أخذ
النفقة جواز أخذ الاُجرة ، كالقضاء والشهادة والإِمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال ، وهو نفقة في المعنى ، ولا يجوز أخذ الاُجرة عليها .
ونمنع أنّه إذا فعل
من أجل أخذ الاُجرة خرج عن كونه عبادةً ، وإنّما يتحقّق ذلك لو لم يقصد سوى أخذ الاُجرة ، أمّا إذا جعله جزءاً لمقصود فلا .
وفائدة الخلاف : أنّه
متى لم يجز أخذ الاُجرة عليها فلا يكون إلّا نائباً محضاً ، وما يدفع إليه من المال يكون نفقةً لطريقة ، فلو مات أو اُحصر أو مرض أو ضلّ الطريق ، لم يلزمه الضمان لما أنفق ؛ لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال ، قاله أحمد ، فأشبه ما لو أذن له في سدّ بثق
فانفتق ولم ينسد .
وإذا ناب عنه آخر ،
فإنّه يحجّ من حيث بلغ النائب الأول من الطريق ؛ لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه ، فلم يكن عليه الإِنفاق دفعةً اُخرى ، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق ، فإنّه يحجّ عنه من حيث انتهى ، وما فضل معه من المال ردّه إلّا أن يؤذن له في أخذه ، ويُنفق على نفسه
__________________
بقدر
الحاجة من غير إسراف ولا تقتير ، وليس له التبرّع بشيء منه إلّا أن يؤذن له في ذلك .
وعلى القول بجواز
الاستئجار للحجّ يجوز أن يدفع إلى النائب من غير استئجار ، فيكون الحكم فيه على ما مضى .
وإن استأجره ليحجّ
عنه أو عن ميت ، اعتبرت فيه شرائط الإِجارة من معرفة الاُجرة وعقد الإِجارة ، وما يأخذه اُجرةً له يملكه ويباح له التصرّف فيه والتوسّع في النفقة وغيرها ، وما فضل فهو له .
وإن اُحصر أو ضلّ
الطريق أو ضاعت النفقة منه ، فهو في ضمانه ، والحجّ عليه ، وإن مات ، انفسخت الإِجارة ؛ لأنّ المعقود عليه تلف فانفسخ العقد ، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة ، ويكون الحجّ أيضاً من موضع بلغ إليه النائب .
وما يلزمه من الدماء
فعليه ؛ لأنّ الحجّ عليه .
النظر الثاني :
التثبّت على الراحلة
التثبّت على الراحلة
شرط في وجوب الحجّ ، فالشيخ الهِمّ والمعضوب الذي لا يتمكّن من الاستمساك على الراحلة لا يجب عليه الحجّ .
وكذا لو كان يتثبّت
على الراحلة لكن بمشقّة عظيمة ، يسقط عنه فرض عامه ؛ لقوله عليه السلام : ( مَنْ لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً )
.
إذا عرفت هذا ،
فمقطوع اليدين أو الرِّجْلين إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقّة شديدة يجب عليه مباشرة الحجّ ، ولا تجوز الاستنابة .
ولو احتاج المعضوب إلى
حركة عنيفة يعجز عنها ، سقط في عامه ، فإن
__________________
مات
قبل التمكّن ، سقط .
النظر الثالث : أمن
الطريق
وهو شرط في وجوب
الحجّ ، فلو كان الطريق مخوفاً أو كان فيه مانع من عدوّ وشبهه ، سقط فرض الحجّ في ذلك العام وإن حصلت باقي الشرائط ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
ـ لأنّ الله تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع وهذا غير مستطيع .
ولأنّ هذا يتعذّر معه
فعل الحجّ ، فكان شرطاً ، كالزاد والراحلة .
ولأنّ حفص الكناسي
سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلَّهِ علىٰ
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )
ما يعني بذلك ؟ قال : « مَنْ كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحج » .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : إنّه ليس شرطاً للوجوب ، بل هو شرط لزوم السعي ، فلو كملت شرائط الحج ثم مات قبل وجود هذا الشرط ، حُجّ عنه بعد موته ، وإن أعسر قبل وجوده ، بقي في ذمته ؛ لأنّ النبي عليه السلام لمّا سُئل ما يوجب الحج ؟ قال : ( الزاد والراحلة ) وهذا له زاد وراحلة .
ولأنّ هذا عذر يمنع
نفس الأداء ، فلم يمنع الوجوب ، كالعضب .
ولأنّ إمكان الأداء
ليس شرطاً في وجوب العبادات بدليل ما لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن
__________________
أداؤها
فيه .
وليس بجيّد ، لأنّ
تكليف الخائف بالسعي تكليف بالمنهي عنه ، فإنّ الله تعالى قال : (
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلىٰ التَّهْلُكَةِ )
وهو قبيح .
والمراد بقوله عليه
السلام : ( الزاد والراحلة ) ليس على إطلاقه ، بل مع حصول باقي الشرائط قطعاً .
ونمنع الوجوب في حقّ
المعضوب ، وقد تقدّم .
وللفرق : بأنّ
المعضوب يتمكّن من الاستنابة ، بخلاف المتنازع ، فإنّه غير متمكّن من الاستئجار ، فإنّ الأجير لا يتمكّن المضيّ مع الخوف .
مسألة ٥٦ : أمن الطريق على النفس والبُضْع والمال شرط في وجوب الحجّ ، فلو خاف على نفسه من سبع أو عدوّ في الطريق ، لم يلزمه الحجّ ، ولهذا جاز التحلّل عن الإِحرام بمثل ذلك على ما يأتي في باب الإِحصار ، وقد تقدّم الخلاف فيه .
هذا إذا لم يجد طريقاً
سواه ، فإن وجد طريقاً آخر آمناً ، لزمه سلوكه وإن كان أبعد إذا وجد النفقة المحتاج إليها في سلوكه واتّسع الزمان ، وهو قول الشافعية .
ولهم وجه آخر : إنّه
لا يلزمه ، كما لو احتاج إلى بذل مؤونة زائدة في ذلك الطريق .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
مستطيع ، وليس للطريق ضابط .
مسألة ٥٧ : لو كان في الطريق بحر ، وكان له في البرّ طريق آخر ، فإن استويا في الأمن ، تخيّر في سلوك أيّهما شاء ، وإن اختصّ أحدهما بالأمن دون
__________________
الآخر
، تعيّن الآمن ؛ لأنّه مستطيع ، ولو استويا في عدم الأمن ، سقط فرض الحجّ في ذلك العام ؛ لانتفاء شرط الوجوب ، ولا تجب الاستنابة على ما تقدّم .
ولو خاف من ركوب
البحر ولا طريق آمناً سواه ، سقط الفرض في ذلك العام ، ولو لم يخف من ركوبه ، وجب عليه الحجّ .
وللشافعي قولان :
أحدهما قوله في
المختصر : لم يبِنْ لي أن اُوجب ركوب البحر .
ونصّ في الاُم على أنّه
لا يجوز .
وقال في الإِملاء :
إن كان أكثر عيشه في البحر ، وجب ، فانقسم أصحابه قسمين : أحدهما أثبت الخلاف في المسألة ، والثاني نفاه .
وللمثبتين طريقان :
أحدهما : أنّ المسألة
على قولين مطلقاً :
أحدهما : أنّه يلزمه
الركوب ؛ للظواهر المطلقة في الحجّ .
والثاني : لا يلزمه ؛
لما فيه من الخوف والخطر .
وأظهرهما : أنّه إن
كان الغالب منه الهلاك إمّا باعتبار خصوص ذلك البحر ، أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال ، لم يلزم الركوب ، وإن كان الغالب فيه السلامة ، فقولان :
أظهرهما : اللزوم ؛
لسلوك طريق البرّ عند غلبة السلامة .
والثاني : المنع ؛
لأنّ عوارض البحر عسرة الدفع .
وعلى هذا فلو اعتدل
الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك ، تردّد فيه الشافعية .
__________________
وأمّا النافون للخلاف
فلهم طُرُق :
أحدها : القطع بعدم
اللزوم وحُمِل نصّه في الإِملاء على ما إذا ركبه لبعض الأغراض ، فصار أقرب إلى الشط الذي يلي مكة .
والثاني : القطع
باللزوم .
والثالث : أنّه إن
كان الغالب الهلاك ، لم يلزم ، وإن كان الغالب السلامة ، لزم ، واختلاف القولين محمول على حالين ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد .
والرابع : تنزيل
القولين على حالين من وجه آخر : إن كان الرجل ممّن اعتاد ركوب البحر كالملّاحين وأهل الجزائر ، لزمه ، وإلّا فلا ؛ لصعوبته عليه .
ونقل الجويني عن بعض
الشافعية : اللزوم عند جرأة الراكب ، وعدمه عند استشعاره .
ومن الشافعية مَنْ
قال : لا يجب على المستشعر ، وفي غيره قولان .
ومنهم مَنْ قال : يجب
على غير المستشعر ، وفيه قولان .
وعلى القول بعدم وجوب
ركوبه هل يستحب ؟ فيه وجهان لهم :
أحدهما : لا ؛ لما
فيه من التغرير بالنفس .
وأظهرهما : نعم ، كما
يستحب ركوبه للغزو .
والوجهان فيما إذا
كان الغالب السلامة ، أمّا إذا كان الغالب الهلاك ، فيحرم الركوب ، نقله الجويني ، وحكى تردّد الشافعية فيما إذا اعتدل الاحتمال .
وإذا لم نوجب الركوب
، فلو توسّط البحر هل له الانصراف أم عليه التمادي ؟ فيه قولان مبنيان على القولين في المحصر إذا أحاط العدوّ به من
__________________
الجوانب
هل يجوز له التحلّل ؟ إن قلنا : له التحلّل ، فله الانصراف ، وإن قلنا : لا ـ لأنّه لا يستفيد الخلاص ـ فليس له الانصراف .
والوجهان فيما إذا
استوى ما بين يديه وما خلفه في غالب الظنّ ، فإن كان فيما بين يديه أكثر ، لم يلزمه التمادي ، وإن كان أقلّ ، لزم .
قالوا : هذا في حقّ
الرجل ، أمّا المرأة ففيها خلاف بينهم مرتّب على الرجل ، وأولى بعدم الوجوب ؛ لأنّها أشدّ تأثّراً بالأهوال ، ولأنّها عورة وربما تنكشف للرجال ؛ لضيق المكان ، وإذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم الاستحباب أيضاً .
ومنهم من طرّد الخلاف
.
وليست الأنهار
العظيمة ـ كـ « جيحون » ـ في معنى البحر ؛ لأنّ المقام فيها لا يطول ، والخطر فيها لا يعظم .
مسألة ٥٨ : المرأة كالرجل متى خافت على نفسها أو المكابرة على فرجها سقط الفرض عنها ، فإن احتاجت إلى المحرم وتعذّر ، سقط الفرض عنها أيضاً ؛ لعدم استطاعتها بدونه .
وليس المحرم شرطاً في
وجوب الحجّ عليها مع الاستغناء عنه ، عند علمائنا ، وبه قال ابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد في إحدى الروايات .
قال ابن سيرين : تخرج
مع رجل من المسلمين لا بأس به .
وقال مالك : تخرج مع
جماعة النساء .
__________________
وقال الشافعي : تخرج
مع حُرة مسلمة ثقة .
وقال الأوزاعي : تخرج
مع قوم عدول تتّخذ سُلّماً تصعد عليه وتنزل ، ولا يقربها رجل إلّا أنّه يأخذ رأس البعير وتضع رجلها
على ذراعه .
قال ابن المنذر :
تركوا القول بظاهر الحديث ، واشترط كلّ واحد منهم شرطاً لا حجّة معه عليه .
والأصل في ذلك : أنّ
النبي صلّى الله عليه وآله فسّر الإِستطاعة بالزاد والراحة وقال لعدي بن حاتم : ( يوشك أن تخرج الظعينة
من الحيرة يوم تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلّا الله ) رواه العامّة
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « مَنْ كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحج »
.
__________________
وعن أبي بصير عن
الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير وليها ، قال : « نعم إذا كانت امرأةً مأمونةً تحجّ مع أخيها المسلم »
.
وفي الصحيح عن عبد
الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم ، فقال : « إذا كانت مأمونةً ولم تقدر على محرم فلا بأس بذلك » .
ولأنّه سفر واجب ،
فلا يشترط فيه المحرم ، كالمسلمة إذا تخلّصت من أيدي الكفّار .
وقال أحمد في رواية اُخرى
: المحرم من السبيل ، وإنّ المرأة الموسرة إذا لم يكن لها محرم لا يجب عليها الحجّ ـ وبه قال الحسن البصري والنخعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي ـ فلو لم يكن محرم لم يجز لها الخروج إلّا أن يكون بينها وبين مكة مسير ما دون ثلاثة أيام ؛ لما رواه أبو هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن
تسافر مسيرة يوم إلّا ومعها ذو محرم ) .
ولأنّها أنشأت سفراً
في دار الإِسلام ، فلم يجز بغير محرم ، كحجّ التطوّع .
والحديث مخصوص
بالمتخلّصة من أيدي الكفّار ، فيكون مخصوصاً بالحجّ ؛ لاشتراكهما في الوجوب .
ويحمل أيضاً على السفر
في غير الحجّ الواجب .
__________________
ونمنع اشتراط المحرم
في حجّ التطوّع ؛ فإنّ الزوج إذا أذن لزوجته في الحجّ ، جاز لها المضيّ فيه وإن لم يصحبها .
تذنيبات : المحرم عند المشترطين له هو الزوج أو مَنْ تحرم عليه على التأييد إمّا بنسب أو بسبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع ؛ لما رووه عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلّا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها
أو ذو محرم منها ) .
قال أحمد : ويكون زوج
اُمّ المرأة محرماً لها يحجّ بها ، ويسافر الرجل مع اُمّ ولد جدّه ، فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه
.
وقال في اُمّ امرأته
: يكون محرماً لها في حجّ الفرض دون غيره .
وأمّا مَنْ لا تحرم
عليه مؤبّداً فليس بمحرم ، كعبدها وزوج اُختها ؛ لأنّهما غير مأمونين عليها ، ولا تحرم عليهما مؤبّداً ، فهما كالأجنبي ، قاله أحمد
.
وقال الشافعي : عبدها
محرم لها ؛ لأنّه مباح له النظر إليها ، فكان محرماً لها ، كذي رحمها .
وهو غلط ؛ فإنّا نمنع
إباحة نظره إليها ، وسيأتي .
وأمّا اُمّ الموطوءة
بشبهة أو المزني بها أو ابنتها فليس بمحرم لهما ؛ لأنّ تحريمهما بسبب غير مباح ؛ فلم يثبت به حكم المحرمية ، كالتحريم الثابت باللعان ، وليس له الخلوة بهما ولا النظر إليهما كذلك .
__________________
قال أحمد : والكافر
ليس محرماً للمسلمة وإن كانت ابنته .
وقال أبو حنيفة
والشافعي : هو محرم لها ؛ لأنّها محرمة عليه على التأبيد .
وقول أحمد لا بأس به
في كافر يعتقد حلّها ، كالمجوسي .
وقال أحمد : يشترط في
المحرم أن يكون بالغاً عاقلاً ؛ لأنّ الصبي لا يقوم بنفسه قبل الاحتلام فكيف يخرج مع امرأة ، ولأنّ المقصود بالمحرم حفظ المرأة ، ولا يحصل إلّا من البالغ العاقل .
ونفقة المحرم في
الحجّ عليها ؛ لأنّه من سبيلها ، فكان عليها نفقته كالراحلة ، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زاداً وراحلةً لها ولمحرمها ، فإن امتنع محرمها من الحجّ معها مع بذلها له نفقته ، فهي كمن لا محرم لها .
وهل تلزمه إجابتها إلى
ذلك ؟ عن أحمد روايتان .
والصحيح : أنّه لا
يلزمه الحجّ معها ؛ لما في الحجّ من المشقّة الشديدة والكلفة العظيمة ، فلا يلزم أحداً لأجل غيره ، كما لم يلزمه أن يحجّ عنها إذا كانت مريضةً .
ولو مات محرم المرأة
في الطريق ، قال أحمد : إذا تباعدت ، مضت فقضت الحجّ .
مسألة ٥٩ : لا يجوز للرجل منع زوجته الموسرة من حجّة الإِسلام إذا حصلت الشرائط ، عند علمائنا ـ وبه قال النخعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أصحّ قوليه ـ لما رواه العامة عن النبي صلّى
__________________
الله
عليه وآله قال : ( لا تمنعوا إماء الله عن مساجد الله )
.
ومن طريق الخاصة :
رواية محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سألته عن امرأة لم تحجّ ولها زوج وأبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها فهل لها أن تحجّ ؟ قال : « لا طاعة له عليها في حجّة الإِسلام » .
ولأنّه فرض ، فلم يكن
له منعها منه ، كالصوم والصلاة الواجبين .
وقال الشافعي في
الآخر : له منعها منه ؛ لأنّ الحجّ على التراخي
. وهو ممنوع .
إذا عرفت هذا ،
فيستحب أن تستأذنه في ذلك ، فإن أذن وإلّا خرجت بغير إذنه .
وأمّا حجّ التطوّع
فله منعها .
قال ابن المنذر :
أجمع كلّ مَنْ يحفظ عنه من أهل العلم أنّ له منعها من الخروج إلى حجّ التطوّع ، لأنّ حقّ الزوج واجب ، فليس لها تفويته بما ليس بواجب ، كالسيد مع عبده .
ولما رواه إسحاق بن
عمّار عن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة
__________________
الموسرة
قد حجّت حجّة الإسلام تقول لزوجها : حجّني من مالي ، أله أن يمنعها من ذلك ؟ قال : « نعم ويقول لها : حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا » .
وأمّا الحجّة
المنذورة ، فإن كانت قد نذرت الحجّ المعيّن بزمان معيّن حالة خلوّها من الزوج ، أو قيّدت النذر بزمان معيّن بإذنه لو كانت مزوّجةً به ، فإنّه ليس له منعها منه ؛ لأنّه واجب عليها ، فأشبه حجّة الإِسلام .
وإن نذرت حال الزوجية
به ، فإن أذن لها في النذر وكان مطلقاً ، فالوجه : أنّه يجوز له منعها في ذلك العام ؛ لأنّه واجب مطلق .
ويحتمل عدم المنع ؛
لأنّه أداء الواجب .
تذنيب :
حكم العبد حكم المزوّجة ، فإن اُعتق فكالمطلّقة بائناً ، والأمة المزوّجة يشترط في حجّها التطوّع ونذره إذن المولى والزوج .
مسألة ٦٠ : المعتدة عدّة رجعية كالزوجة ؛ لأنّ للزوج الرجوع في طلاقها والاستمتاع بها ، والحجّ يمنعه عن ذلك لو راجع ، فيقف على إذنه .
ولأنّ الصادق عليه السلام
قال : « المطلّقة إن كانت صرورةً ، حجّت في عدّتها ، وإن كانت حجّت ، فلا تحجّ حتى تقضي عدّتها »
.
ولها أن تخرج في حجّة
الإِسلام من غير إذن الزوج ؛ لأنّ الزوجة لها ذلك فالمطلّقة أولى ؛ لقول أحدهما عليهما السلام : « المطلّقة تحجّ في عدّتها » .
أمّا التطوّع فليس
لها ذلك إلّا بإذنه ؛ لما تقدّم .
ولما رواه معاوية بن
عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا تحجّ
__________________
المطلّقة
في عدّتها » وحملناه على التطوّع
؛ جمعاً بين الأدلّة .
أمّا المطلّقة طلاقاً
بائناً فإنّها تخرج في الواجب والتطوّع من غير إذن الزوج ؛ لانقطاع سلطنته عليها وصيرورته أجنبياً لا اعتبار بإذنه .
وأمّا المعتدّة عدّة
الوفاة فإنّها تخرج في حجّ الإِسلام عند علمائنا ؛ لانقطاع العصمة .
ولما رواه زرارة ـ في
الصحيح ـ قال : سألت الصادق عليه السلام عن التي يتوفّى عنها زوجها أتحجّ في عدّتها ؟ قال : « نعم »
.
وقال أحمد : لا يجوز
لها أن تخرج ، وتقدّم ملازمة المنزل على الحجّ ؛ لأنّه يفوت .
والحقّ : اتّباع
النقل .
مسألة ٦١ : لو كان في الطريق عدوّ يخاف منه على ماله ، سقط فرض الحجّ ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
ـ لأنّ بذل المال تحصيل لشرط الوجوب وهو غير واجب ، فلا يجب ما يتوقّف عليه .
وفي الرواية الاُخرى
عن أحمد : أنّه لا يسقط فرض الحجّ ، ويجب أن يستنيب .
وليس بمعتمد .
ولا فرق بين أن يكون
المال قليلاً أو كثيراً .
ويحتمل أن يقال
بالوجوب مع القلّة إذا لم يتضرّر .
__________________
ولو لم يندفع العدوّ
إلّا بمال أو خفارة ، قال الشيخ رحمه الله : لا يجب ؛ لأنّه لم تحصل التخلية .
ولو قيل بالوجوب مع إمكان
الدفع من غير إجحاف ، أمكن ؛ لأنّه كأثمان الآلات .
ولو بذل باذلٌ
المطلوبَ فانكشف العدوّ ، لزمه الحجّ ، وليس له منع الباذل ؛ لتحقّق الاستطاعة .
أمّا لو قال الباذل :
أقبل المال وادفع أنت ، لم يجب .
ولا فرق بين أن يكون
الذي يُخاف منه مسلمين أو كفّاراً .
ولو تمكّن من
محاربتهم بحيث لا يلحقه ضرر ولا خوف فهو مستطيع .
ويحتمل عدم الوجوب ؛
لأنّ تحصيل الشرط ليس بواجب .
أمّا لو خاف على نفسه
أو ماله من قتل أو جرح أو نهب ، لم يجب .
ولو كان العدوّ
كفّاراً وقدر الحاج على محاربتهم من غير ضرر ، استحب قتالهم ؛ لينالوا ثواب الجهاد والحجّ معاً ، أمّا لو كانوا مسلمين ، فإنّه لا يستحب الحجّ ؛ لما فيه من قتل المسلم ، وليس محرّماً .
ولو كان على المراصد
مَنْ يطلب مالاً ، لم يلزمه الحجّ .
وكره الشافعية بذل
المال لهم ؛ لأنّهم يحرضون بذلك على التعرّض للناس .
ولو بعثوا بأمان
الحجيج وكان أمانهم موثوقاً به ، أو ضمن لهم أمير [ ما يطلبونه ] وأمن الحجيج ، لزمهم الخروج .
ولو وجدوا من يُبَذْرقُهم
باُجرة ولو استأجروا لأمنوا غالباً ، احتمل وجوب
__________________
الاستئجار
ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأنّ بذل الاُجرة
بذل مال [ بحقّ ] والمُبَذْرِقُ أهبة الطريق ، كالراحلة وغيرها .
ويحتمل عدم الوجوب ـ وهو
الوجه الثاني للشافعية ـ لأنّه خسران لدفع الظلم ، فأشبه التسليم إلى الظالم .
مسألة ٦٢ : يشترط لوجوب الحجّ وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد والماء منها ، فإن كان العام عام جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه ، لم يلزمه الحجّ ؛ لأنّه إن لم يحمل معه ، خاف على نفسه ، وإن حمله ، لحقته مؤونة عظيمة .
وكذلك الحكم لو كان
يوجد الزاد والماء فيها لكن بأكثر من ثمن المثل وهو القدر اللائق في ذلك المكان والزمان .
وإن وجدهما بثمن
المثل ، لزم التحصيل ، سواء كانت الأسعار رخيصةً أو غاليةً إذا وفي ماله .
ويحمل منها قدر ما
جرت العادة به في طريق مكة كحمل الزاد من الكوفة والماء مرحلتين أو ثلاثاً إذا قدر عليه ووجد آلات الحمل .
وأمّا علف الدواب
فيشترط وجوده في كلّ مرحلة .
ويشترط أيضاً في
الوجوب : وجود الرفقة إن احتاج إليها ، فإن حصلت له الاستطاعة وحصل بينه وبين الرفقة مسافة لا يمكنه اللحاق أو يحتاج أن يتكلّف إمّا بمناقلة أو بجعل منزلين منزلاً ، لم يلزمه الحج
تلك السنة ، فإن بقي حالته في إزاحة العلّة إلى السنة المقبلة ، لزمه ، وإن مات قبل ذلك لا يجب أن يُحجّ عنه ، فإن فاتته السنة المقبلة ولم يحج ، وجب حينئذٍ أن يُحجّ
__________________
عنه
، ولو احتاج إلى حركة عنيفة يعجز عنها ، سقط في عامه ، فإن مات قبل التمكّن ، سقط .
النظر الرابع : في
اتّساع الوقت
مسألة ٦٣ : اتّساع الوقت شرط في الوجوب ، وهو أن يكمل فيه هذه الشرائط والزمان يتّسع للخروج ولحوق المناسك ، فلو حصلت الشرائط وقد ضاق الوقت بحيث لو شرع في السير لم يصل إلى مكة ، لم يجب الحج في ذلك العام عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنّ الله تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع وهذا غير مستطيع ، ولأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحج ، فكان شرطاً ، كالزاد والراحلة .
وقال أحمد في الرواية
الثانية : إنّه ليس شرطاً في الوجوب ، وإنّما هو شرط للزوم الحج ؛ لأنّه عليه السلام فسّر الاستطاعة بالزاد والراحلة
.
وهو ضعيف وقد سلف
.
ولو مات حينئذٍ ، لم
يُقْض عنه ، ولو علم الإِدراك لكن بعد طيّ المنازل وعجزه عن ذلك ، لم يجب ، ولو قدر ، وجب .
تتمّة تشتمل على مسائل
:
الاُولى : هذه
الشرائط التي ذكرناها منها ما هو شرط في الصحة والوجوب ، وهو : العقل ؛ لعدم الوجوب على المجنون وعدم الصحة منه ، ومنها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب ، وهو : الإِسلام ، فإنّ الكافر يجب عليه الحج وغيره من فروع العبادات عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي في
__________________
أحد
الوجهين .
وفي الآخر : إنّه غير
واجب عليه . وجَعَل الإِسلام شرطاً في الوجوب . وبه قال أبو حنيفة .
لنا : عموم قوله تعالى
: ( وَلِلَّهِ علىٰ
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) والعارض ـ وهو الكفر ـ لا يصلح للمانعية ، كما لا يمنع من الخطاب بالإِسلام .
واحتجاج أبي حنيفة :
بأنّ الكافر إمّا أن يجب عليه حال كفره أو بعد إسلامه ، والأول باطل ؛ لأنّه لو وجب عليه ، لصحّ منه ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ، والثاني باطل ؛ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )
.
وهو غلط ؛ لأنّ
الوجوب حالة الكفر يستلزم الصحة العقلية ، أمّا الشرعية فإنّها موقوفة على شرط هو قادر عليه وهو : الإِسلام ، فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة .
إذا عرفت هذا ، فلو
أحرم وهو كافر ، لم يصح إحرامه ، فإذا أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات وإنشاء الإِحرام منه ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولو أسلم بعد فوات الوقوف بالمشعر ، وجب عليه في المُقبل .
مسألة ٦٤ : المرتدّ إذا كان قد حجّ حالة إسلامه ثم حصل الارتداد بعد قضاء مناسكه ، لم يعد الحجّ بعد التوبة ـ وبه قال الشافعي
ـ لما رواه العامّة من قوله صلّى الله عليه وآله ، لمّا سُئل أحجّتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ فقال : ( للأبد ) .
__________________
ومن طريق الخاصة :
قول الباقر عليه السلام : « مَنْ كان مؤمناً فحجّ ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله ولا يبطل منه شيء » .
ولأنّه أوقع الحجّ
بشروطه ، فخرج عن العهدة ؛ لعدم وجوب التكرّر .
وتردّد الشيخ رحمه
الله ، وقوّى الإِعادة وجزم بها أبو حنيفة
؛ لقوله تعالى : ( وَمَن يَكْفُرْ
بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) .
وهو ممنوع ؛ فإنّ الإِحباط
مشروط بالموافاة .
تذنيب :
المخالف إذا حجّ على معتقده ولم يُخلّ بشيء من أركان الحجّ ، لم تجب عليه الإِعادة ؛ لأنّ الصادق عليه السلام سُئل عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به تجب عليه حجّة الإِسلام أو قد قضى فريضة ؟ قال : « قد قضى فريضة ، ولو حجّ كان أحبّ إليّ » . الحديث .
آخر :
لو أحرم ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإِسلام ، كان إحرامه باقياً وبنى عليه .
وللشافعي وجهان :
أحدهما : الإِبطال .
وليس بجيّد ؛ لأنّ الإِحرام
لا يبطل بالموت والجنون ، فلا يبطل بالردّة .
ومنها : ما هو شرط في
الوجوب دون الصحة ، وهو : البلوغ والحرّية والاستطاعة وإمكان المسير ؛ لأنّ الصبي والمملوك ومَنْ ليس معه زاد ولا راحلة
__________________
وليس
بمخلّى السرب ولا يمكنه المسير لو تكلّفوا الحج لصحّ منهم وإن لم يكن واجباً عليهم ولا يجزئهم عن حجّة الإِسلام .
مسألة ٦٥ : جامع الشرائط إذا قدر على المشي ، كان المشي أفضل من الركوب مع عدم الضعف عن أداء الفرائض ، ولو خاف الضعف عن إكمال الفرائض واستيفاء الشرائط والدعاء ، كان الركوب أفضل ، لقول الصادق عليه السلام : « ما عبد الله بشيء أشدّ من المشي ولا أفضل »
.
وسُئل الصادق عليه
السلام عن فضل المشي ، فقال : « الحسن بن علي عليهما السلام قاسَمَ ربّه ثلاث مرّات حتى نعلاً ونعلاً وثوباً وثوباً وديناراً
وديناراً ، وحجّ عشرين حجّة ماشياً على قدمه » .
وقد روي أنّ الصادق عليه
السلام سُئل : الركوب أفضل أم المشي ؟ فقال : « الركوب أفضل من المشي لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ركب » .
وهو محمول على التفصيل
الذي ذكرناه ؛ لما روي عنه عليه السلام أيّ شيء أحبّ إليك نمشي أو نركب ؟ فقال : « تركبون أحبّ إليّ ، فإنّ ذلك أقوى على الدعاء والعبادة » .
تذنيب :
لو نذر أن يحجّ حجّة الإِسلام ماشياً ، وجب عليه الوفاء به مع القدرة ، لأنّه نذر في طاعة ، ولو عجز عن المشي ، وجب الركوب .
ولو نذر أن يحجّ
ماشياً غير حجّة الإِسلام ، فإن قيّده بوقت ، تعيّن مع القدرة ، فإن عجز في تلك السنة ، احتمل وجوب الركوب مع القدرة ، وعدمه ؛ للعجز عن النذر فيسقط ، ولو لم يكن مقيّداً ، توقّع المكنة .
__________________
مسألة ٦٦ : إذا كملت شرائط الحج فأهمل ، أثم ، فإن حجّ في السنة المقبلة ، برئت ذمته ، ويجب عليه المبادرة على الفور ولو مشياً .
وإن مات ، وجب أن
يخرج عنه حجّة الإِسلام وعمرته من صلب المال ، ولا تسقط بالموت عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن وطاوس والشافعي
ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ امرأة سألت النبي صلّى الله عليه وآله عن أبيها مات ولم يحج ، قال : ( حجّي عن أبيك ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه سماعة بن مهران ، قال : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يموت ولم يحج حجّة الإِسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : « يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك »
.
ولأنّه حقّ استقرّ
عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدّيْن .
وقال أبو حنيفة ومالك
: تسقط بالموت ، فإن وصّى بها ، فهي من الثلث ـ وبه قال الشعبي والنخعي ـ لأنّها عبادة بدنية تسقط بالموت ، كالصلاة
.
والفرق : أنّ الصلاة
لا تدخلها النيابة .
مسألة ٦٧ : وفي وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب على الميت الحج فيه إمّا من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه قولان :
أحدهما هذا ، وبه قال
الحسن البصري وإسحاق ومالك في النذر .
والثاني : أنّه يجب
من أقرب الأماكن إلى مكة وهو الميقات ـ وبه قال
__________________
الشافعي
ـ وهو الأقوى عندي ؛ لأنّ الواجب أداء
المناسك في المشاعر المخصوصة ، ولهذا لو خرج بنيّة التجارة ثم جدّد نيّة الحجّ عند المواقيت ، أجزأه فعله ، فعَلِمْنا أنّ قطع المسافة غير مطلوب للشرع .
ولما رواه حريز بن
عبد الله عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أعطى رجلاً حجّةً يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه » .
وسأل علي بن رئاب ،
الصادق عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإِسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً ، قال : « يحجّ عنه من بعض المواقيت الذي وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله من قرب »
ولم يستفصل الإِمام عليه السلام في الجواب هل يمكن أن يحجّ بها من أبعد من الميقات أم لا ؟
احتجّ الآخرون : بأنّ
الحجّ وجب على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه ؛ لأنّ القضاء يكون على وفق الأداء ، كقضاء الصلاة والصيام
.
ونحن نمنع الوجوب من
البلد ، وإنّما ثبت اتّفاقاً ، ولهذا لو اتّفق له اليسار في الميقات ، لم يجب عليه الرجوع إلى بلده لإِنشاء الإِحرام منه ، فدلّ على أنّ قطع المسافة ليس مراداً للشارع .
تذنيبات :
لو كان له موطنان ،
قال الموجبون للاستنابة من بلده : يستناب من أقربهما . فإن وجب عليه الحجّ بخراسان ومات ببغداد ، أو وجب عليه
__________________
ببغداد
فمات بخراسان ، قال أحمد : يحجّ عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته .
ويحتمل أن يحجّ عنه
من أقرب المكانين ؛ لأنّه لو كان حيّاً في أقرب المكانين لم يجب عليه الحجّ من أبعد منه فكذا نائبه .
فإن خرج للحجّ فمات
في الطريق ، حُجّ عنه من حيث مات ؛ لأنّه أسقط بعض ما وجب عليه ، فلم يجب ثانياً ، وكذا إن مات نائبه استنيب من حيث مات كذلك .
قال أحمد : ولو أحرم
بالحج ثم مات ، صحّت النيابة عنه فيما بقي من النسك ، سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره ؛ لأنّها عبادة تدخلها النيابة ، فإذا مات بعد فعل بعضها ، قُضي عنه باقيها ، كالزكاة
.
ولو لم يخلّف تركةً
تفي بالحج من بلده ، حُجّ عنه من حيث تبلغ ، وإن كان عليه دين لآدمي ؛ تحاصّا ، ويؤخذ للحجّ حصّته فيستأجر بها من حيث تبلغ .
ولو أوصى أن يُحجّ
عنه ولم تبلغ النفقة ، قال أحمد : يُحجّ عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته ؛ لقوله عليه السلام : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .
ولأنّه قدر على أداء
بعض الواجب فلزمه ، كالزكاة .
وعنه رواية اُخرى أنّ
الحجّ يسقط عمّن عليه دين ؛ لأنّ حقّ الآدمي المعيّن أولى بالتقديم .
__________________
وهو باطل ؛ لقوله عليه
السلام : ( دين الله أحقّ أن يقضى ) .
ولو أوصى بحجّ تطوّع
بثلث ماله فلم يف الثلث بالحج من بلده ، حجّ به من حيث يبلغ .
ويستناب عن الميت ثقة
بأقلّ ما يوجد إلّا أن يرضى الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشيء فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث .
مسألة ٦٨ : إذا أوصى أن يُحجّ عنه فإمّا أن يكون بحجّ واجب أو مندوب ، أو لا يعلم وجوبه وندبه ، فإن كان بواجب فلا يخلو إمّا أن يعيّن قدراً أو لا ، وإن عيّن فإن كان بقدر اُجرة المثل ، اُخرجت من الأصل ، وإن زادت عن اُجرة المثل ، اُخرجت اُجرة المثل من الأصل والباقي من الثلث ، وإن لم يعيّن ، اُخرجت اُجرة المثل من أصل المال .
وإن كان مندوباً ، اُخرج
ما يعيّنه من الثلث إن عيّن قدراً ، وإلّا اُجرة المثل ، وإن لم يعلم ، اُخرج من الثلث اُجرة المثل أو ما عيّنه ؛ حملاً للإِطلاق على الندب ؛ لأصالة البراءة .
ولو أوصى بالحجّ عنه
دائماً ، حُجّ عنه بقدر ثلث ماله إمّا مرّة واحدة أو أزيد .
ولو أوصى بالحجّ ولم
يبلغ الثلث قدر ما يحجّ عنه من أقرب الأماكن ولم يوجد راغب فيه وكان عليه دين ، صُرف في الدّيْن ، فإن فضل منه فضلة أو لم يكن دين ، فالأولى الصدقة به ؛ لخروجه بالوصية عن ملك الورثة .
ويحتمل صرفه إلى الميراث
؛ لأنّه لمّا تعذّر الوجه الموصى به رجع إلى الورثة كأنّه لا وصية .
مسألة ٦٩ : مَنْ مات قبل الحجّ فإمّا أن يكون قد وجب عليه الحجّ أو
__________________
لا
، فإن كان قد وجب عليه الحجّ فإمّا أن يكون قد استقرّ عليه أو لا ، فإن كان قد استقرّ عليه أوّلاً ثم أهمل وتمكّن من الإِتيان به ولم يفعل ، وجب عليه القضاء ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام قال : « يقضى عن الرجل حجّة الإِسلام من جميع ماله » .
وإن لم يكن قد استقرّ
عليه بل حال ما تحقّق الوجوب أدركته الوفاة ، فإنّه يسقط عنه فرض الحجّ ، ولا يجب الاستئجار ، وكذا لو لم يجب عليه الحج لم يجب الاستئجار ، لكن يستحب فيهما خصوصاً الأبوين ، رواه العامة
؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أمر أبا رزين فقال : ( حجّ عن أبيك واعتمر )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه عمّار بن عمير ، قال : قلت للصادق عليه السلام : بلغني عنك أنّك قلت : لو أنّ رجلاً مات ولم يحج حجة الإِسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه ، فقال : « أشهد على أبي أنّه حدّثني عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله إنّ أبي مات ولم
يحج حجّة الإِسلام ، فقال : حجّ عنه فإنّ ذلك يجزئ عنه »
.
وفي الصحيح عن معاوية
بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات ولم يكن له مال ولم يحج حجة الإِسلام فأحجّ عنه بعض إخوانه هل يجزئ عنه ؟ أو هل هي ناقصة ؟ فقال : « بل هي حجة تامة »
.
ولو أراد أن يحج عن
أبويه ، قال أحمد : ينبغي أن يقدّم الحج عن الاُم ؛ لأنّها مقدّمة في البِرّ .
__________________
قال أبو هريرة : جاء
رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثمّ مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثمّ مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثمّ مَنْ ؟ قال : ( أبوك )
.
ولو كان الحج واجباً
على الأب دونها ، بدأ به ؛ لأنّه واجب فكان أولى من التطوّع .
مسألة ٧٠ : من وجب عليه الحج فخرج لأدائه فمات في الطريق ، فإن لم يفرّط بالتأخير بل خرج حالة وجوب الحج ، لم يجب إخراج شيء من تركته في الحج ، سواء دخل الحرم وأحرم أو لا .
وإن كان الحج قد
استقرّ في ذمّته بأن وجب عليه الحج في سنة فلم يخرج فيها وأخّر إلى سنة أُخرى فخرج فمات في الطريق ، فإن كان قد أحرم ودخل الحرم فقد أجزأه عمّا وجب عليه ، وسقط الحج عنه ، سواء كان وجب عليه الحج عن نفسه أو عن غيره بأن استؤجر للحج فمات بعد الإِحرام ودخول الحرم ، وتبرأ أيضاً ذمّة المنوب ، وإن مات قبل ذلك ، وجب أن يقضى عنه من صلب ماله .
وقال أحمد : يستأجر
عنه عمّا بقي من أفعاله . ولم يفصّل كما فصّلناه .
ونحن اعتمدنا في ذلك
على ما رواه الخاصة عن أهل البيت عليهم السلام :
روى بريد بن معاوية
العجلي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل ونفقة وزاد فمات في الطريق ، فقال : « إن كان صرورةً فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة
__________________
الإِسلام
، وإن مات قبل أن يُحرم وهو صرورة جُعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإِسلام ، فإن فضل من ذلك شيء فهو لورثته » قلت : أرأيت إن كانت الحجة تطوّعاً فمات في الطريق قبل أن يُحرم لمن يكون جمله ونفقته وما تركه ؟ قال : « لورثته إلّا أن يكون عليه دين فيقضى دينه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى ويجعل ذلك من الثلث » .
تذنيب :
استقرار الحج في الذمّة يحصل بالإِهمال بعد حصول الشرائط بأسرها ومضيّ زمان جميع أفعال الحجّ ، ويحتمل مضيّ زمان يتمكّن فيه من الإِحرام ودخول الحرم .
آخر :
الكافر يجب عليه الحج على ما تقدّم ، ولا يصح منه قبل الإِسلام ، فإن وجد الاستطاعة حالة الكفر فلم يحج ومات ، أثم ، ولم يُقض عنه ، ولو أسلم ، وجب عليه الإِتيان به إن استمرّت الاستطاعة ، ولو فقدت بعد إسلامه ، لم يجب عليه بالاستطاعة السابقة حال كفره ، ولو فقد الاستطاعة بعد الإِسلام ومات قبل عودها ، لم يُقض عنه ، ولو أحرم حال كفره ، لم يعتد به ، وأعاده بعد الإِسلام ، ولو استطاع المرتدّ حال ردّته ، وجب عليه وصحّ منه إن تاب ، ولو مات اُخرج من صلب تركته وإن لم يتب على إشكال .
مسألة ٧١ : من وجب عليه حجة الإِسلام فنذر الإِتيان بها صحّ نذره ؛ لأنّ متعلّقه طاعة ، ولا يجب عليه الإِتيان بحجة اُخرى ، وفائدة النذر : وجوب الكفّارة لو أهمل .
ولو نذر حجّة اُخرى
وجب عليه النذر مغايراً لحجة الإِسلام .
ولو أطلق النذر ولم
ينو حجة الإِسلام ولا المغايرة ، وجب عليه حجّ آخر غير حجة الإِسلام ، ولا تجزئ إحداهما عن الاُخرى .
وقال بعض علمائنا :
إن حجّ ونوى النذر أجزأ عن حجة الإِسلام ، وإن
__________________
نوى
حجة الإِسلام ، لم يجزئ عن النذر ، لما رواه رفاعة بن
موسى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله هل يجزئه ذلك عن حجة الإِسلام ؟ قال : « نعم »
.
ولا دلالة فيه ،
لاحتمال أن يقصد بالنذر حجة الإِسلام .
مسألة ٧٢ : لو نذر الحجّ ماشياً ، انعقد نذره ، ووجب المشي إلى بيت الله تعالى ، وأداء المناسك ، فلو احتاج إلى عبور نهر عظيم في سفينة ، قيل : يقوم في السفينة .
والوجه : الاستحباب .
ولو ركب طريقه بأسرها
مختاراً ، قضاه إلّا أن يكون معذوراً بعجز وشبهه ، فيركب ولا شيء عليه .
ولا يسقط عنه الحج ؛ لأنّ
نذر الحج ماشياً نذر للمركّب فيستلزم نذر أجزائه ، وبالعجز عن البعض لا يسقط الباقي ؛ لما رواه رفاعة بن موسى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله ، قال : « فليمش » قلت : فإنّه تعب ، قال : « فإذا تعب ركب »
.
ولو ركب البعض مختاراً
ومشى البعض ، قال بعض علمائنا : يجب القضاء ماشياً ؛ لإِخلاله بالصفة .
وقال بعضهم : يقضي
ويمشي في القضاء ما ركبه ويركب فيه ما مشاه أوّلاً .
__________________
ولو عجز عن المشي ،
قال بعض علمائنا : يركب ويسوق بدنة ؛ لما رواه ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشياً ، فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال : « فليركب وليسق الهدي » .
وقال بعض علمائنا :
يركب ولا هدي عليه .
وقال بعضهم : إن كان
النذر مطلقاً ، توقّع المكنة ، وإن كان مقيّداً ، سقط ؛ للعجز عن فعل ما نذره .
مسألة ٧٣ : لو مات وعليه حجة الإِسلام واُخرى منذورة مستقرّتان ، وجب أن يُخرج عنه من صلب ماله اُجرة الحجّتين ؛ لأنّهما كالدّيْن .
وللشيخ ـ رحمه الله ـ
قول : إنّ حجّة الإِسلام تُخرج من أصل المال ، وما نذره من الثلث ؛ لوجوب تلك بالأصالة ووجوب هذه بالعرض
؛ لأنّها كالمتبرّع بها ، فأشبهت الندب .
ولما رواه ضريس بن
أعين ، أنّه سأل الباقر عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإِسلام ونذر في شكر ليُحجّنّ رجلاً ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإِسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال : « إن كان ترك مالاً ، حجّ عنه حجّة الإِسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثُلْثه ما يحج به عنه للنذر ، وإن لم يكن ترك مالاً إلّا بقدر حجّة الإِسلام ، حجّ عنه حجّة الإِسلام في ما ترك ، وحجّ عنه وليّه النذر ، فإنّما هو دين عليه » .
__________________
قال الشيخ : قوله عليه
السلام : « فليحجّ عنه وليّه ما نذر » على جهة التطوّع والاستحباب دون الفرض والإِيجاب .
والوجه : ما تقدّم .
تذنيب :
لو أوصى بحجّ وغيره من الطاعات ، فإن كان فيها واجب ، قدّم ، ولو كان الجميع واجباً وقصرت التركة ، بسطت على الجميع بالحصص ، فإن لم يمكن الاستئجار بما جعل في نصيب الحج ، صرف في الباقي .
وقال بعض علمائنا :
يقدّم الحجّ ، لأولويته ، وللرواية
.
والوجه : ما قلناه .
آخر :
لو أوصى أن يحجّ عنه عن كلّ سنة بمال معيّن ، فلم يسع ذلك القدر للحجّة ، جعل مال سنتين لسنة ، ولو قصرا ، جعل نصيب ثلاث سنين ، وهكذا ؛ لما رواه إبراهيم بن مهزيار ، قال : كتب إليه علي بن محمد الحصيني أنّ ابن [ عمّي ] أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في
كلّ سنة فليس يكفي ، فما تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام « يجعل حجّتين حجّةً ، فإنّ الله تعالى عالم بذلك » .
مسألة ٧٤ : لو كان عنده وديعة ومات صاحبها وعليه حجّة الإِسلام وعرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه ، فليستأجر من يحجّ عنه ، وليدفع الوديعة في الإِجارة باُجرة المثل ؛ لأنّه مال خارج عن الورثة ، ويجب صرفه في الحجّ ،
__________________
فليصرف
فيه .
ولما رواه بريد
العجلي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل استودعني مالاً فهلك وليس لولده شيء ولم يحجّ حجّة الإِسلام ، قال : « حجّ عنه ، وما فضل فأعطهم »
.
إذا ثبت هذا ، فإنّما
يسوغ له ذلك بشروط :
أ ـ علمه بأنّ الورثة
لا يحجّون عنه إذا دفع المال إليهم .
ب ـ أمن الضرر ، فلو
خاف على نفسه أو ماله ، لم يجز له ذلك .
ج ـ أن لا يتمكّن من
الحاكم ، فإن تمكّن منه بأن يشهد له عدلان عنده بذلك أو بغير ذلك من الأسباب بثبوت الحج في ذمّته وامتناع الورثة من الاستئجار ، لم يجز له الاستقلال به ، ولو عجز عن إثبات ذلك عند الحاكم ، جاز له الاستبداد بالاستئجار .
مسألة ٧٥ : إذا نذر الحجّ مطلقاً ، لم يتعيّن الفور ، بل يجوز التأخير إلى أن يغلب على الظنّ الوفاة لو لم يفعله ، فإن مضى زمان يمكنه فيه فعل الحجّ ولم يفعله حتى مات ، وجب أن يقضى عنه من أصل التركة ؛ لأنّه قد وجب عليه بالنذر ، واستقرّ بمضيّ زمان التمكّن ، ولا يسقط عنه بعدم وجوب الفورية .
أمّا لو منعه مانع عن
الفورية ، فإنّه يصبر حتى يزول المانع فإن مات قبل زوال المانع ، لم يجب القضاء عنه ؛ لفوات شرط الوجوب ، وهو : القدرة .
ولو عيّن الوقت فأخلّ
مع القدرة ، قضي عنه . وإن منعه عارض ـ كمرض أو عدوّ ـ حتى مات ، لم يجب قضاؤه عنه .
ولو نذر الحجّ أو
أفسد حجّاً وهو معضوب ، فالأقرب وجوب الاستنابة ، كحجّة الإِسلام .
__________________
مسألة ٧٦ : لا يجوز لمن وجب عليه الحجّ واستقرّ أن يحجّ تطوّعاً ولا نذراً لم يتضيّق وقته ، فإن أحرم بتطوّع ، قال الشيخ رحمه الله : يقع عن حجّة الإِسلام . وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو قول ابن عمر وأنس ؛ لأنّه أحرم
بالحجّ وعليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق .
وقال مالك والثوري
وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر : يقع ما نواه . وهو رواية أُخرى عن أحمد .
والتحقيق أن نقول :
إن كان قد وجب عليه واستقرّ ، لم يجزئه عن أحدهما .
أمّا عن حجّ الإِسلام
: فلأنّه لم ينوه .
وأمّا عن حجّ التطوّع
: فلأنّه لم يحصل شرطه ، وهو : خلوّ الذمّة عن حجّ واجب .
وإن كان الحجّ لم يجب
عليه ، وقع عن التطوّع .
تذنيب :
لو كان عليه حجّة منذورة فأحرم بتطوّع ، لم يصح .
وهل يقع عن المنذورة ؟
الأقرب : المنع ؛ لأنّ المنذورة واجبة ، فهي كحجّة الإِسلام .
وقال أحمد : يقع عن
المنذورة ؛ لأنّها واجبة ، فهي كحجّة الإِسلام .
آخر :
العمرة كالحجّ فيما ذكرنا ؛ لأنّها أحد النسكين ، فأشبهت الآخر .
مسألة ٧٧ : لو نذر الحجّ فإن أطلق الزمان ، صحّ النذر ، سواء كان قد
__________________
استقرّ
عليه حجّة الإِسلام أو لا ؛ لعدم الفورية فيه على الأقوى .
وإن قيّد النذر بزمان
، فإن لم يكن جامعاً لشرائط حجّة الإِسلام ، انعقد نذره وإن كان صرورةً .
ثمّ إن استطاع بعد
ذلك ففي وجوب تقديم حجّة الإِسلام نظر أقربه : المنع ؛ لأنّ الزمان قد استحق صرفه بالنذر إلى غير حجّة الإِسلام ، فلو قدّم حجّة النذر ، أجزأ إن لم نوجب تقديم حجّة الإِسلام ، وإن أوجبنا التقديم ، احتمل البطلان ووقوع الحجّ عن حجّة الإِسلام على ما تقدّم البحث فيه .
ومع إطلاق الزمان في
النذر لو كان مستطيعاً ، وجب أن يبدأ بحجّة الإِسلام ، وكذا لو تجدّدت الاستطاعة قبل فعل المنذورة .
تذنيب :
لو أحرم بالمنذورة من عليه حجّة الإِسلام فوقعت عن حجة الإِسلام ـ كما اختاره بعض علمائنا ـ لم تسقط المنذورة ـ وهو قول ابن عمر وأنس وعطاء وأحمد ـ لأنّها حجّة واحدة ، فلا تجزئ عن
حجّتين ، كما لو نذر حجّتين فحجّ واحدة .
وقال أحمد في رواية اُخرى
عنه : إنّها تجزئ عن المنذورة ؛ لأنّه قد أتى بالحجّة ناوياً بها نذره ، فأجزأته ، كما لو كان ممّن أسقط فرض الحجّ عن نفسه ، وهذا كما لو نذر صوم يوم قدوم فلان ، فقدم في يوم من رمضان ، فنواه عن فرضه ونذره . وهو قول ابن عباس وعكرمة
.
وروى سعيد بإسناده عن
ابن عباس وعكرمة أنّهما قالا في رجل نذر أن يحجّ ولم يكن حجّ الفريضة ، قال : يجزئ لهما جميعاً
.
وسئل عكرمة عن ذلك ،
فقال : يقضي حجّةً عن نذره وعن حجّة الإِسلام ، أرأيتم لو أنّ رجلاً نذر أن يصلّي أربع ركعات فصلّى العصر أليس
__________________
ذلك
يجزئه من العصر ومن النذر ؟
قال : وذكرت قولي
لابن عباس ، فقال : أصبت وأحسنت .
وقد روى علماؤنا مثل
ذلك عن الصادق عليه السلام ، وقد سلف
.
المطلب
الثاني : في شرائط باقي أقسام الحج .
وفيه بحثان :
الأول : في شرائط حجّ
النذر وشبهه
مسألة ٧٨ : يشترط في انعقاد النذر واليمين والعهد : التكليف والحُرّية والإِسلام وإذن الزوج خاصة ، فلا ينعقد نذر الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون المطبق ، ولا من يأخذه أدواراً إذا وقع حالة جنونه ، ولا السكران ولا المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل ولا النائم ولا العبد إلّا بإذن مولاه ، فإن أذن له في النذر ، لم يكن له منعه ، ولا الزوجة إلّا بإذن الزوج ، ومع إذنه في النذر ليس له منعها منه . وللأب حلّ يمين الولد .
ولو نذر الكافر ، لم
ينعقد نذره وإن أسلم .
ولا يشترط في النذر
شرائط حجّة الإِسلام ؛ لأنّ غير المستطيع بالزاد والراحلة ينعقد نذره ، وكذا المريض ، وإذا صحّ النذر ، وجب الوفاء به إن قيّده بوقت ، وإلّا لم يجب الفور .
نعم لو تمكّن بعد
وجوبه ومات ، لم يأثم ، ويقضى من صلب التركة .
ولو كان عليه حجّة الإِسلام
، قُسّمت التركة بينهما ؛ لتساويهما في الوجوب ، ولو اتّسعت لإِحداهما خاصّة ، قُدّمت حجّة الإِسلام ، لأنّ وجوبها بالأصالة . ولو لم يتمكّن من أدائها ومات ، سقط النذر .
__________________
ولو قيّده بوقت فأخلّ
به مع القدرة ، أثم ، وقُضي عنه ـ لو مات ـ من صلب المال ، ولو أخلّ لا مع القدرة لمرض وعدوّ وشبههما ، سقط .
ولو نذر أو أفسد وهو
معضوب ، قيل : وجبت الاستنابة .
البحث الثاني : في شرائط النيابة
مسألة ٧٩ : يشترط في النائب : كمال العقل وإسلام النائب والمنوب عنه وعدم شغل ذمّته بحجّ واجب ، فلا تصح نيابة المجنون ولا الصبي غير المميّز ؛ لارتفاع تحقّق القصد منهما .
ولو كان الصبي مميّزاً
، قيل : لا يصح أن يكون نائباً ؛ لأنّه ليس بمكلّف ، فلا تصحّ منه العبادة ولا نيّة القربة ، ولأنّه يعلم من نفسه أنّه غير مكلّف ولا مؤاخذ بما يصدر عنه ، فلا تحصل الثقة بأفعاله .
وقيل
: تصحّ ؛ لأنّ حجّه عن نفسه صحيح فكذا عن غيره .
ويحتمل الفرق ؛ لأنّ
الصحة لا تقتضي الإجزاء فجاز أن تكون النيابة غير مجزئة ، كما لا تجزئ المباشرة عن حجّة الإِسلام .
مسألة ٨٠ : الإِسلام شرط في النائب ، فلو حجّ الكافر عن غيره الكافر أو المسلم ، لم يصح ، سواء استؤجر أو استنيب من غير إجارة ، أو تطوّع بالتبرّع ، لأنّه لا تصحّ منه نية القربة التي هي شرط في صحة الفعل .
وكذا هو شرط في
المنوب عنه ، فليس للمسلم أن يحجّ عن الكافر ؛ لقوله تعالى : (
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ ) .
ولأنّ ثواب الحج
مقارن للتعظيم والإِجلال ، وهو ممتنع في حقّ الكافر ؛
__________________
لاستحقاقه
في الآخرة الخزي والعذاب والاستخفاف ، وإذا انتفى استحقاق الثواب ، انتفى ملزومه وهو صحة الفعل عنه .
مسألة ٨١ : قال الشيخ رحمه الله : لا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفاً له في الاعتقاد ، إلّا أن يكون أباه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه
.
ومنع ابن إدريس هذا
الاستثناء ، وقال : لا يجوز أن يحجّ عن المخالف سواء كان أباه أو غيره .
والشيخ ـ رحمه الله ـ
عوّل على ما رواه وهب بن عبد ربه ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : أيحجّ الرجل عن الناصب ؟ قال : « لا » قلت : فإن كان أبي ؟ قال : « إن كان أبوك
فنعم » والاحتجاج بالرواية أولى .
ولاشتمال ذلك على البرّ
بالأبوين .
إذا عرفت هذا ، فالرواية
مخصوصة بالناصب ، وهو الذي يتظاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام ، وقول الأصحاب أعمّ ؛ لأنّ الذي يستحقّ به الثواب الدائم هو الإِيمان ، فغير المؤمن لا يستحقّ ثواباً .
أمّا المخالف فيجوز
أن ينوب عن المؤمن ، ويجزئ عن المنوب إذا لم يخلّ بركن ؛ لأنّها تجزئ عنه ، ولا تجب عليه الإِعادة لو استبصر ، فدلّ ذلك على أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب إذا رجع إلى الإِيمان إلّا الزكاة ؛ لأنّه دفعها إلى غير مستحقّها .
ويدلّ على ذلك كلّه :
ما رواه بريد بن معاوية العجلي عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه
__________________
بمعرفته
والدينونة به ، عليه حجّة الإِسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال : « قد قضى فريضته ، ولو حجّ لكان أحبّ إليّ » .
قال : وسألته عن رجل
وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب منذ برهة منّ الله عليه بمعرفة هذا الأمر يقضي
حجّة الإِسلام ؟ فقال : « يقضي أحبّ إليّ » وقال : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية ، فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، فإنّه يعيدها ،
لأنّه قد وضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء » .
مسألة ٨٢ : يشترط في النائب خلوّ ذمّته عن حجٍّ واجبٍ عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإِفساد ، فلو وجب عليه حجٌّ بسبب أحد هذه ، لم يجز له أن ينوب عن غيره إلّا بعد أداء فرضه ؛ لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سمع رجلاً يقول : لبّيك عن شبرمة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( مَنْ شبرمة ؟ ) قال : قريب لي ، قال : ( حججت قطّ ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه سعد بن أبي خلف ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت ؟ قال : « نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله ، وهي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال » .
__________________
ولأنّ ذمّته مشغولة
بصرف الزمان في الحجّ عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره ، لاستلزامه ترك الواجب ؛ لتضادّهما .
مسألة ٨٣ : لو وجب عليه حجّ الإِسلام واستقرّ بأن مضى زمان يمكنه إيقاعه فيه فأهمل ، أو لم يستقرّ بأن كملت الشرائط في ذلك العام فحجّ عن غيره استئجاراً أو نيابةً ، لم يصح حجّه عن غيره ، ولا تقع النية عن نفسه ، بل يقع باطلاً ، قاله الشيخ رحمه الله ـ وبه قال أبو بكر بن عبد
العزيز ، وهو مروي عن ابن عباس ـ لأنّ الحجّ لا يقع عن نفسه ؛ لعدم
نيّته ، ولا عن غيره ؛ لوجوب صرف هذا الزمان إلى حجّه ، فكان صرفه إلى حجّ غيره منهياً عنه ، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد .
ولأنّه لمّا كان من
شرط طواف الزيارة تعيين النيّة ، فمتى نواه لغيره لم يقع لنفسه ، ولهذا لو طاف حاملاً لغيره ولم ينو لنفسه ، لم يقع عن نفسه .
ولرواية سعد ؛ فإنّ
قول الكاظم عليه السلام : « فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله » .
ولما رواه إبراهيم بن
عقبة ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قطّ حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ أتجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإِسلام أو لا ؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء الله ، فكتب عليه السلام : « لا يجوز ذلك » .
قال الشيخ : إنّه
محمول على أنّه إذا كان للصرورة مال فإنّ تلك الحجّة لا تجزئ عنه .
__________________
وقال الأوزاعي
والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق : يقع إحرامه وحجّه عن نفسه عن حجّة الإِسلام ، لحديث شبرمة ، ولأنّه حجّ عن غيره قبل الحجّ عن نفسه ، فلم يقع عن الغير ، كما لو كان صبيّاً
.
وحديث شبرمة لا دلالة
فيه ؛ لأنّه لم يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع ؛ فأمره النبي صلّى الله عليه وآله بإنشاء الإِحرام عن نفسه ، ورفض ما قاله من التلبية حيث لم يكمل إحرامه ، ولو فرضنا إكمال إحرامه فإنّه أمره بالحجّ عن نفسه ، وهو يكون بتجديد نيّة اُخرى وإبطال الاُولى ، فلا يدلّ على صحته ووقوعه عن نفسه .
إذا عرفت هذا ، فلو
وجب عليه الحجّ ولم يستقرّ فخرج نيابةً عن الغير ، لم يجزئ عن أحدهما ، فلو فقد الاستطاعة بعد ذلك والوقت باقٍ وجب عليه أداء حجّة الإِسلام ، ويجب عليه تجديد الإِحرام ؛ لأنّ الأول وقع باطلاً ، ولو أكمل حجّةً عن الغير لم تقع عن أحدهما على ما تقدّم ، ثم يجب عليه الابتداء في العام المقبل بحجّة الإِسلام عن نفسه إذا تمكّن منه ولو مشياً ، ولا يشترط الزاد والراحلة مع القدرة على التسكّع والحجّ .
ولو وجب عليه حجّة الإِسلام
ولم يفرّط في المضيّ ثم حدث ما يمنعه من المضيّ ولم يتمكّن منه ثم لم يقدر على الحجّ فيما بعد ولا حصلت له شرائطه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عن غيره ؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمّته ، ولو كان الحجّ قد استقرّ في ذمّته بأن فرّط فيه ، لم يجز أن يحجّ عن غيره ، سواء عجز فيما بعد أو لم يعجز ، تمكّن من المضيّ أو لم يتمكّن .
مسألة ٨٤ : الصرورة إذا لم يجب عليه حجّة الإِسلام أو وجب ولم يستقرّ بأن خرج في عام تمكّنه فتجدّد عجزه ، يجوز له أن يحجّ نائباً عن غيره
__________________
عند
علمائنا ـ وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأيوب السجستاني ، ونقله العامّة عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وهو رواية اُخرى عن أحمد ، وهو قول الثوري أيضاً
ـ لأنّ الحجّ ممّا تدخله النيابة ، فجاز أن يؤدّيه عن غيره مَنْ لم يسقط فرضه عن نفسه ، كالزكاة ؛ لما تقدّم في حديث سعد عن
الكاظم عليه السلام .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، في رجل صرورة مات ولم يحج حجّة الإِسلام وله مال : [ قال ] « يحجّ عنه صرورة لا مال له »
وفي الصحيح عن محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، قال : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة » .
وقال الأوزاعي
والشافعي وأحمد في رواية ، وإسحاق : لا يجوز لمن لم يحج حجّة الإِسلام أن يحجّ عن غيره ، فإن فعل ، وقع إحرامه عن حجّة الإِسلام ؛ لحديث شبرمة .
ولا دلالة فيه ، وقد
تقدّم .
مسألة ٨٥ : لو كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه دون الآخر جاز أن ينوب عن غيره في ما أسقط فرضه عنه بأدائه ، فلو كان على إنسان حجٌّ وعمرة فحجّ ، جاز أن يحجّ عن غيره ؛ لسقوط فرض الحجّ عنه ، وليس له أن
__________________
يعتمر
قبل أن تبرأ ذمّته من العمرة .
ولو كان قد اعتمر ولم
يحج جاز أن ينوب عن غيره في الاعتمار دون الحجّ .
مسألة ٨٦ : الأقرب عندي جواز نيابة العبد عن الحُرّ بإذن مولاه ، لأنّه مكلّف مسلم لا حجّ عليه ، فجاز أن ينوب عن غيره كالحُرّ .
ومنع أحمد من نيابة
العبد والصبي في الفرض ؛ لأنّهما لم يسقطا فرض الحجّ عن أنفسهما ، فهُما كالحرّ البالغ في ذلك وأولى منه .
قال : ويحتمل أنّ
لهما النيابة في حجّ التطوّع دون الفرض ؛ لأنّهما من أهل التطوّع دون الفرض ، ولا يمكن أن تقع الحجّة التي نابا فيها عن فرضهما ؛ لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فُعلت عنه ، فلا يلزمهما ردّ ما أخذا لذلك ، كالبالغ الحُرّ الذي قد حجّ عن نفسه
.
وليس بجيّد ؛ فإنّ
الحُرّ البالغ له أهلية استحقاق وجوب الحجّ عليه ، بخلافهما ، بل حملهما على من أسقط فرضه بالحجّ أولى .
مسألة ٨٧ : إذا حجّ الصرورة العاجز عن غيره ، فقد بيّنّا صحته ، وأنّه يجزئ عن المنوب ، أمّا النائب فلا يجزئه ما فعله في النيابة عن حجّة الإِسلام إن كانت قد وجبت عليه أوّلاً ثم عجز عنها ، أو لم يتحقّق بعد وجوبها عليه .
أمّا الإِجزاء عن
الميّت : فلما تقدّم في حديث محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما السلام ، قال : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة » .
وأمّا عدم الإِجزاء
عن النائب : فلأنّه على تقدير عدم وجوب الحج عليه أوّلاً بريء الذمّة من الحجّ ، فلا يتحقّق عليه وجوب ، فلا يتحقّق فيه إجزاء ،
__________________
وأمّا
إذا كان قد وجب عليه أوّلاً : فلأنّه لم يأت بالواجب فيبقى في عهدة التكليف ، لأنّ الحجّ الذي أتى به كان عن المنوب ، فيبقى ما ثبت عليه أوّلاً .
وقد روى معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « حجّ الصرورة يجزئ عنه وعمّن حجّ عنه » .
قال الشيخ رحمه الله
: معنى قوله : « يجزئ عنه » مادام معسراً لا مال له ، فإذا أيسر ، وجب عليه الحجّ .
أقول : ويحتمل أن
يكون المراد : أنّه يجزئ عنه عمّا وجب عليه بالاستئجار .
مسألة ٨٨ : النائب كالمنوب ، قاله أحمد ، فلو أحرم النائب بتطوّع أو نذر عمّن لم يحجّ حجّة الإِسلام ، وقع عن حجّة الإِسلام ؛ لأنّ النائب يجري مجرى المنوب عنه .
والتحقيق أن نقول : إن
كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّ تطوّع أو نذر ، ففعل ما استؤجر له ، أجزأ عنه ، ولا يجزئ عن المنوب إن كان عليه حجّة الإِسلام ؛ لأنّه لم ينوها . وإن تبرّع النائب بالحجّ عنه في أحد النسكين : إمّا النذر أو التطوّع ، لم ينقلب إلى حجّة الإِسلام أيضاً .
وإن كان النائب قد
استؤجر لإِيقاع حجّة الإِسلام ، فنوى التطوّع عنه أو عن المنوب ، أو النذر كذلك ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما وقع عليه عقد الإِجارة .
مسألة ٨٩ : لو استناب رجلين في حجّة الإِسلام ومنذورة أو تطوّع في عام ، فأيّهما سبق بالإِحرام وقعت حجّته عن حجّة الإِسلام ، وتقع الاُخرى تطوّعاً أو عن النذر ـ قاله أحمد ـ لأنّه لا يقع الإِحرام عن غير حجّة الإِسلام
ممّن
__________________
هي
عليه فكذا من نائبه . وفيه إشكال .
والأقرب : أنّه إذا
اتّفق الزمان ، صحّ العقد ، فإذا حجّا في ذلك العام ، أجزأ حجّهما ، ولا اعتبار بتقديم إحرام أحدهما على إحرام الآخر ، بل إن كان السابق احرام الواجب ، فلا بحث ، وإن كان إحرام المنذورة أو التطوّع ، أجزأ أيضاً ؛ لأنّ الحجّتين تقعان في ذلك العام .
ولو صدّ النائب في
حجّة الإِسلام أو أحصر ولم يتمكّن النائب فيها من إتمامها في ذلك العام ، فالأقوى صحة حجّة التطوّع .
ولو تعدّد العام ،
فإن استأجر لحجّ التطوّع أوّلاً ، فإن تمكّن من الاستئجار عن حجّة الإِسلام ، فالوجه : عدم الصحة ، لكن لو حجّ النائب مع جهله ، استحقّ الاُجرة .
ولو لم يكن قد تمكّن
من الاستئجار لحجّة الإِسلام ، فالأقرب : الصحة ، ثم يستأجر في العام المقبل لحجّة الإِسلام .
مسألة ٩٠ : إذا استؤجر ليحجّ عن غيره ، وكان الحجّ لا يقع عن ذلك الغير ، وجب عليه ردّ ما أخذه من مال الإِجارة مع علمه بذلك ؛ لأنّه استؤجر لفعل لا يصح منه إيقاعه ، فوجب عليه ردّ مال الإِجارة .
ولو كان جاهلاً ،
فالأقرب عدم وجوب الردّ ـ ويحتمل وجوب ردّ ما فضل عن اُجرة المثل ـ لتعبه ، فحينئذٍ يحتمل أن يرجع هو بما أعوز .
مسألة ٩١ : يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل وعن المرأة ، وأن تنوب المرأة عن المرأة وعن الرجل في قول عامة أهل العلم
، لا نعلم فيه مخالفاً إلّا الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه كره حجّ المرأة عن الرجل
.
قال ابن المنذر :
وهذه غفلة عن ظاهر السنّة ، فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها .
__________________
وهذا هو الحقّ ؛ لما
رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : أتت امرأة من خثعم رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقالت : يا رسول الله أبي أدركته فريضة الحجّ وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على دابّته ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( فحجّي عن أبيك ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه رفاعة عن الصادق عليه السلام ـ في الصحيح ـ قال : « تحجّ المرأة عن أخيها وعن اُختها » وقال : « تحجّ المرأة عن أبيها » .
وفي الحسن عن معاوية
بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : المرأة تحجّ عن الرجل ؟ قال : « لا بأس » .
إذا عرفت هذا ، فقد
شرط الشيخ ـ رحمه الله ـ في حجّ المرأة عن الرجل شرطين :
أحدهما : أن تكون
عارفةً بمناسك الحج .
والثاني : أن تكون قد
حجّت أوّلاً .
لما رواه مصادف عن
الصادق عليه السلام ، قال : سألته تحجّ المرأة عن الرجل ؟ قال : « نعم إذا كانت فقيهةً مسلمةً وكانت قد حجّت ، ربّ امرأة خير من رجل » .
وعن زيد الشحّام عن
الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحجّ المرأة الصرورة عن
__________________
الرجل
الصرورة » .
وابن إدريس أنكر ذلك
إنكاراً عظيماً ، ونحن نحمل هذه الروايات على الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطاً ، ولهذا قال عليه السلام : « ربّ امرأة خير من رجل » ولا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من المرأة .
مسألة ٩٢ : يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب ميّتاً من غير إذن ، سواءً كان واجباً أو تطوّعاً ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله
عليه وآله أمر بالحجّ عن الميّت ، ومعلوم استحالة الإِذن في حقّه ، وما
جاز فرضه جاز نفله ، كالصدقة .
وأمّا الحيّ : فمنع
بعض العامّة من الحجّ عنه إلّا بإذنه ، فرضاً كان أو تطوّعاً ؛ لأنّها عبادة تدخلها النيابة ، فلم تجز عن البالغ العاقل إلّا بإذنه ، كالزكاة .
وعلّيّة المشترك
وثبوت الحكم في الأصل ممنوعان .
مسألة ٩٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في ذمّته أن يحجّ
تطوّعاً ولا نذراً ولا نيابةً حتى يؤدّي حجّة الإِسلام ، ويحصل الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإِهمال واجتماع الشرائط .
ولو حصلت الشرائط
فتخلّف عن الرفقة ثم مات قبل حجّ الناس ، تبيّن عدم الاستقرار ؛ لظهور عدم الاستطاعة وانتفاء الإِمكان ، وهو مذهب أكثر الشافعية .
وقال بعضهم : يستقرّ
الحجّ عليه .
__________________
ولو مات بعدما حجّ
الناس ، استقرّ الوجوب عليه ، ووجب الاستئجار عنه من صلب تركته ، وليس رجوع القافلة شرطاً حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضيّ زمان يمكنه المسير إلى منى والرمي بها وإلى مكة والطواف للنساء ، استقرّ الفرض عليه . ويحتمل مضيّ زمان يمكنه فيه الإِحرام ودخول الحرم .
ولو ذهب ماله بعد
رجوع الحاج أو مضيّ إمكان الرجوع ، استقرّ الحجّ .
ولو تلف المال بعد
الحجّ قبل عودهم وقبل مضيّ إمكان عودهم ، لم يستقرّ الحجّ أيضاً ؛ لأنّ نفقة الرجوع لا بدّ منها في الشرائط .
وللشافعية وجهان :
هذا أحدهما ، والثاني : الاستقرار ، كما في الموت .
وليس بجيّد ؛ لما
بيّنّا من اشتراط نفقة الرجوع هنا ، بخلاف الميّت ؛ فإنّه لا رجوع في طرفه ؛ إذ بموته استغني عن المال للرجوع ، وهنا نفقة الرجوع لا بدّ منها .
ولو اُحصر الذين
يمكنه الخروج معهم فتحلّلوا ، لم يستقرّ الفرض عليه ، ولو سلكوا طريقاً آخر فحجّوا ، استقرّ ، وكذا إذا حجّوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله .
وإذا دامت الاستطاعة
وتحقّق الإِمكان ولم يحج حتى مات ، عصى عندنا ، ووجب القضاء من صلب ماله ، لأنّ الحج مضيّق ، خلافاً للشافعي حيث لم يوجب الفورية عليه .
ولأصحابه وجهان :
أحدهما : أنّه يعصي ،
وإلّا لارتفع الحكم بالوجوب ، والمجوّز إنّما هو
__________________
التأخير
دون التفويت .
والثاني : لا يعصي ؛
لأنّا جوّزنا له التأخير .
قالوا : والأظهر أنّه
لو مات في وسط وقت الصلاة قبل أدائها ، لم يعص .
والفرق : أنّ وقت
الصلاة معلوم ، فلا ينسب إليه التقصير ما لم يؤخّر عنه ، وفي الحج اُبيح له التأخير بشرط أن لا يبادر الموت ، فإذا مات قبل الفعل ، أشعر الحال بالتواني والتقصير .
ويجري الوجهان فيما
إذا كان صحيح البدن ولم يحجّ حتى طرأ العضب .
والأظهر : المعصية ،
ولا نظر إلى إمكان الاستنابة ؛ فإنّها في حكم بدل ، والأصل المباشرة ، فلا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه .
وقال بعض الشافعية :
إن كان من وجب عليه الحجّ شيخاً ، مات عاصياً ، وإن كان شاباً فلا .
وهل تتضيّق الاستنابة
عليه لو صار معضوباً ؟ الوجه عندنا : ذلك ؛ لوجوب الفورية في الأصل ، فكذا في بدله .
وللشافعي وجهان :
هذا أحدهما ؛ لخروجه
بتقصيره عن استحقاق الترفّه .
والثاني : له التأخير
، كما لو بلغ معضوباً عليه الاستنابة على التراخي .
وفي قضاء الصوم إذا
تعدّى بتفويته هذان الوجهان هل هو على الفور أو لا ؟ .
__________________
وعلى ما اخترناه من
وجوب الفورية لو امتنع ، أجبره القاضي على الاستنابة ، كما لو امتنع من أداء الزكاة ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : لا يجبره ؛ لأنّ الأمر في ذلك موكول إلى دين الرجل
.
وعلى ما اخترناه من
وجوب الفورية يحكم بعصيانه من أول سنة الإِمكان ؛ لاستقرار الفرض عليه يومئذٍ .
وللشافعية وجهان :
هذا أحدهما ،
وأظهرهما : من آخر سنة الإِمكان ؛ لجواز التأخير إليها .
وفيه وجه ثالث لهم :
الحكم بكونه عاصياً من غير أن يسند إلى وقت معيّن .
وتظهر الفائدة بكونه
عاصياً : أنّه لو كان قد شهد عند الحاكم ولم يقض بشهادته حتى مات لا يقضي ، كما لو بان فسقه .
ولو قضى بشهادته بين
الاُولى من سني الإِمكان وآخرها ، نقض الحكم عندنا .
وللشافعي قولان :
فإن حكم بعصيانه من
آخرها ، لم ينقض ذلك الحكم بحال ، وإن حكم بعصيانه من أولها ، ففي نقضه قولان مبنيّان على ما إذا بان فسق الشهود
.
مسألة ٩٤ : يجب الترتيب في الحج ، فيبدأ بحجّة الإِسلام ثم بالقضاء ثم بالنذر ثم بالتطوّع ، فلو غيّر الترتيب ، وقع على هذا الترتيب ، ولغت نيّته عند الشافعي .
والوجه : البطلان على
ما سبق .
__________________
وصورة اجتماع حجّة الإِسلام
والقضاء عند الشافعية أن يفسد الرقيق حجّه ثم يعتق ، فعليه القضاء ، ولا يجزئه عن حجّة الإِسلام
، وكذا عندنا ، وأيضاً لو استؤجر الصرورة أو حجّ تطوّعاً فأفسد .
وكذا تقدّم حجّة الإِسلام
على حجّة النذر ؛ لأنّ حجّة الإِسلام واجبة بالأصالة الشرعية ، بخلاف حجّة النذر الواجبة تبرّعاً من المكلّف .
ولو اجتمع القضاء
والنذر والتطوّع وحجّة الإِسلام ، قدّمت حجّة الإِسلام ثم القضاء الواجب بأصل الشرع .
ومن عليه حجّة الإِسلام
أو النذر أو القضاء لا يجوز أن يحجّ عن غيره مع تمكّنه عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي .
وأبو حنيفة ومالك
وافقا على ما قلناه .
ولو استؤجر الصرورة
فنوى الحجّ عن المنوب ، فإن كان النائب قد وجب عليه الحجّ وتمكّن من فعله ، بطلت حجّته عن نفسه وعن المنوب .
وعند الشافعية تقع عن
المنوب ، وتلغو نيّته عن نفسه .
ولو نذر الصرورة أن
يحجّ في هذه السنة ففعل ، فإن كان قد تمكّن ، بطل حجّه ، ولم يجزئه عن حجّة الإِسلام ؛ لعدم نيّتها ، ولا عن النذر ؛ لوجوب صرف الزمان إلى حجّة الإِسلام .
وقال الشافعي : يقع
عن حجّة الإِسلام ، وخرج عن نذره ؛ لأنّه ليس في نذره إلّا تعجيل ما كان له أن يؤخّره .
ولو استؤجر الصرورة
للحج في الذمّة ، جاز ، ثم يجب أن يبدأ بالحجّ عن نفسه إن تمكّن وحصلت الاستطاعة ، ثم يحجّ عن المنوب في السنة
__________________
الاُخرى
.
أمّا لو استؤجر
معيّناً لهذه السنة وهو مستطيع ، لم يصح ؛ لأنّ هذه السنة يجب صرفها في حجّة الإِسلام .
ولو استؤجر للسنة
الثانية ، جاز عندنا ، خلافاً للشافعي حيث يشترط اتّصال مدّة الإِجارة بمدّة العقد ، وسيأتي البحث معه .
وإذا فسدت الإِجارة ،
فإن كان المستأجر ظنّ أنّه قد حجّ فبان صرورة ، لم يستحقّ الأجير اُجرةً ؛ لتغريره .
وإن علم أنّه صرورة
وقال : يجوز في اعتقادي أن يحجّ الصرورة عن غيره ، قال الشافعي : صحّ حجّ الأجير ، ويقع لنفسه ، ولكن في استحقاقه اُجرة المثل قولان .
مسألة ٩٥ : القران عندنا أن يُقرن إلى إحرامه سياق الهدي ، ولا يجوز أن يُقرن في إحرامه بين حجّتين ولا بين عمرتين ولا بين حجّة وعمرة ، خلافاً للعامّة ، فلو استؤجر مَنْ حجّ ولم يعتمر للحجّ ، أو للعمرة من اعتمر
ولم يحجّ ، فقرن الأجير وأحرم بالنسكين جميعاً عن المستأجر ، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه ، لم يصح عندنا ، ولا يستحقّ أجراً ؛ لفساد الفعل .
وللشافعي قولان :
الجديد : أنّهما
يقعان عن الأجير ؛ لأنّ نسكي القران لا يفترقان ، ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه .
والثاني : أنّ ما
استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الأجير .
__________________
وعلى القولين لو
استأجر رجلان مَنْ حجّ واعتمر ، أحدهما ليحجّ عنه والآخر ليعتمر عنه ، فقرن عنهما ، فعلى الأول يقعان عن الأجير ، وعلى الثاني يقع عن كلّ واحد منهما ما استأجره له .
ولو استأجر المعضوب
رجلين ليحجّا عنه في سنة واحدة أحدهما حجّة الإِسلام والآخر حجّة القضاء أو النذر ، صحّ عندنا .
وللشافعية وجهان :
أحدهما : لا يجوز ؛
لأنّ حجّة الإِسلام لم تتقدّم على غيرها .
والأظهر : الجواز ؛
لأنّ غيرها لم يتقدّم عليها ، وهذا القدر كافٍ في الترتيب .
فعلى أول الوجهين لو
اتّفق إحرام الأجيرين في الزمان ، انصرف إحرامهما إلى نفسهما ، وإن سبق إحرام أحدهما ، وقع ذلك عن حجّة الإِسلام عن المستأجر ، وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه
.
ولو أحرم الأجير عن
المستأجر ثم نذر حجّاً ، نُظر إن نذر بعد الوقوف ، لم ينصرف حجّه إليه ، ووقع عن المستأجر ، وإن نذر قبله ، فوجهان : أظهرهما : انصرافه إلى الأجير .
والحقّ عندنا وقوعه
عن المستأجر .
ولو أحرم الرجل بحجّ
تطوّعاً ثم نذر حجّاً بعد الوقوف ، لم ينصرف إلى النذر ، وإن كان قبله فعلى الوجهين .
مسألة ٩٦ : العبادات قد تقبل النيابة على بُعدٍ ، لكن جازت في الحجّ عند العجز عن المباشرة إمّا بموتٍ أو كِبَرٍ لا يتمكن معه من الركوب والتثبّت على
__________________
الدابّة
، أو زمانةٍ أو عضبٍ كذلك ، أو مرضٍ لا يرجى زواله .
أمّا الموت : فلما
روي أنّ امرأةً أتت النبي صلّى الله عليه وآله ، فقالت : إنّ أُمّي ماتت ولم تحجّ ، فقال : ( حجّي عن اُمّك )
.
وروى ابن عباس أنّ
رجلاً قال : يا رسول الله إنّ اُختي نذرت أن تحجّ وماتت قبل أن تحجّ ، أفأحجّ عنها ؟ فقال عليه السلام : ( لو كان على اُختك دَينٌ أكنت قاضيه ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فاقضوا حقّ الله فهو أحقّ بالقضاء ) .
وقال أبو حنيفة ومالك
: إن لم يوص ، لا يحجّ عنه ، ويسقط فرضه بالموت .
ونحن نقول : إن كان
الميت قد وجب عليه الحج واستقرّ وفرّط في أدائه ، وجب أن يستأجر عنه ، سواء أوصى به أو لم يوص ، ويستوي فيه الوارث والأجنبي ، كقضاء الدين ، وهو قول الشافعي
.
وأمّا الكِبَر : فلما
رواه ابن عباس أنّ امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فأحجّ عنه ؟ قال : ( نعم )
.
والمعتبر أن لا يثبت
على الراحلة أصلاً ، أو لا يثبت إلّا بمشقّة شديدة .
ومقطوع اليدين أو
الرجلين إذا أمكنه التثبّت على الراحلة من غير مشقّة
__________________
شديدة
لا تجوز النيابة عنه ؛ لأنّه ربما يفيق فيحجّ بنفسه .
وهذا كلّه في حجّة الإِسلام
، وفي معناها حجّة النذر والقضاء .
مسألة ٩٧ : تجوز استنابة المعضوب في التطوّع .
وللشافعي قولان
.
وكذا تجوز استنابة
الوارث للميّت فيه .
وللشافعي قولان :
أصحّهما : الجواز ـ وبه
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد ـ لأنّ النيابة تدخل في فرضه فتدخل في نفله ، كأداء الزكاة .
والثاني : المنع ؛ لبُعد
العبادات البدنية عن قبول النيابة ، وإنّما جوّز في الفرض ؛ للضرورة .
ولو لم يكن الميّت قد
حجّ ولا وجب عليه ؛ لعدم الاستطاعة ، ففي جواز الاستنابة عنه للشافعية طريقان :
أحدهما : طرد القولين
؛ لأنّه لا ضرورة إليه .
والثاني : القطع
بالجواز ؛ لوقوعه عن حجّة الإِسلام .
فإن جوّزنا الاستئجار
للتطوّع ، فللأجير الأُجرة المسمّاة ، ويجوز أن يكون الأجير عبداً أو صبيّاً ، بخلاف حجّة الإِسلام ، فإنّه لا يجوز استئجارهما عندهم ، ووقع الحجّ عن الأجير ، ولا يستحقّ المسمّى .
وعلى هذا فالأصح أنّ
الأجير يستحقّ اُجرة المثل ؛ لأنّ الأجير دخل في العقد طامعاً في الأُجرة ، وتلفت منفعته عليه وإن لم ينتفع منها المستأجر ، فصار كما لو استأجره لحمل طعام مغصوب فحَمَل ، يستحقّ الأُجرة .
والثاني : لا يستحق ؛
لوقوع الحجّ عنه .
__________________
إذا عرفت هذا ، فإنّ
الاستنابة في التطوّع لا تختص بالعاجز ، بل للصحيح أيضا الاستنابة في حجّ التطوّع ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد
.
وقال الشافعي
بالاختصاص .
ومنع مالك من النيابة
عن الحيّ في الفرض والتطوّع ، وخصّها بالميّت .
مسألة ٩٨ : قد بيّنّا أنّ المريض الذي يرجى زوال علّته ليس له أن يحجّ عنه نائباً ، فإن أحجّ غيره ثم زالت علّته ، لم يجزئه قولاً واحداً ، وإن مات
أجزأه ذلك ، لأنّا تبيّنّا أنّها لم تكن مرجوّة الزوال ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، والثاني : لا يجزئه ؛ لأنّ الاستنابة لم تكن جائزةً
.
وعلى عكس ذلك لو كانت
علّته غير مرجوّة الزوال ، فأحجّ عن نفسه ثم عوفي ، فللشافعية طريقان :
أظهرهما : طرد القولين
.
والثاني : القطع بعدم
الأداء ، وبه قال أبو حنيفة .
والفرق : أنّ الخطأ
في الصورة الاُولى غير مستيقن ؛ لجواز أن لا يكون المرض بحيث لا يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل ، وهنا الخطأ متيقّن ؛ إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلاً ثم يزول .
والطاردون للقولين في
الصورتين قالوا : مأخذهما أنّ النظر إلى الحال أو إلى المآل ، إن نظرنا إلى الحال ، لم يجزئه في الصورة الاُولى ، وأجزأ في
__________________
الثانية
، وإن نظرنا إلى المآل ، عكسنا الحكم فيهما .
وقد شبّهوا القولين
هنا بالقولين فيما إذا رأوا سواداً فظنّوه عدوّاً فصلّوا صلاة الخوف ثم تبيّن خلافه ، هل تجزئهم الصلاة ؟ والأظهر عندهم : عدم الإِجزاء .
والمعتمد عندنا : الإِجزاء
.
إذا عرفت هذا ، فإن
قلنا : إنّ الحجّة المأتي بها تجزئه ، استحقّ الأجير الأُجرة المسمّاة لا محالة .
وإن قلنا : لا تجزئه
، فهل تقع عن تطوّعه أو لا تقع أصلاً ؟ فيه وجهان للشافعية :
أحدهما : أنّها تقع
عن تطوّعه ، وتكون العلّة الناجزة عذراً لتقديم التطوّع على حجّة الإِسلام .
والثاني : أنّها لا
تقع عنه أصلاً ، كما لو استأجر صرورة ليحجّ عنه
.
وعلى هذا فهل يستحقّ
الأجير الأُجرة ؟ فيه للشافعية قولان :
أصحهما : عدم
الاستحقاق ؛ لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله .
والثاني : نعم ،
لأنّه عمل له في اعتقاده .
فعلى هذا الوجه فماذا
يستحقّ ؟ الأُجرة المسمّاة أم اُجرة المثل ؟ للشافعية وجهان ، مأخذهما : إنّا هل نتبيّن فساد الاستئجار أم لا ؟
وإن قلنا : إنّه يقع
عن تطوّعه ، فالأجير يستحقّ الأُجرة .
وماذا يستحقّ ؟
المسمّى أو اُجرة المثل ؟ وجهان مخرّجان عن الوجهين ؛ لأنّ الحاصل غير ما طلبه .
وقد منع الشافعية من
جواز الحجّ عن المعضوب بغير إذنه ، بخلاف
__________________
قضاء
الدَّيْن عن الغير ؛ لأنّ الحجّ يفتقر إلى النيّة ، بخلاف قضاء الدَّيْن وهو من أهل الإِذن والنيّة وإن لم يكن أهل المباشرة
.
وروي عن بعضهم جواز
الحجّ بغير إذنه .
مسألة ٩٩ : الاستنابة في الحجّ واجبة عن ميّت استقرّ الحجّ في ذمّته وفرّط في أدائه .
وهل تجب عن المعضوب
أو عن ميّت وجب عليه الحجّ ولم يستقر ؟ مضى الكلام فيهما .
وأوجبه الشافعي على المعضوب
في الجملة ، ولا فرق عنده بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب وبين ان يبلغ واجداً للمال ، وبه قال أحمد
.
وقال مالك : لا
استنابة على المعضوب بحال ؛ لأنّه لا نيابة عن الحي عنده ، ولا حجّ على من لا يستطيع بنفسه . وهو حسن .
وعند أبي حنيفة لا
حجّ على المعضوب ابتداءً ولكن لو طرأ العضب بعد الوجوب ، لم يسقط عنه ، وعليه أن ينفق على من يحجّ عنه
.
وأخبارنا دلّت على وجوب
الاستئجار على المعضوب ، وقد سلفت .
وشرطه أن يكون
للمعضوب مال يستأجر به من يحجّ عنه ، وأن يكون ذلك المال فاضلاً عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحجّ بنفسه ، إلّا أنّا اعتبرنا هناك أن يكون الصرف إلى الزاد والراحلة فاضلاً عن نفقة عياله إلى الإِياب ؛ وهنا نعتبر أن يكون فاضلاً عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ، ولا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحجّ مدّة إيابه .
وهل تُعتبر مدّة
الذهاب ؟ الأقرب : أنّه لا تُعتبر ـ وهو أصحّ وجهي
__________________
الشافعية
ـ بخلاف ما إذا كان يحجّ عن نفسه ،
فإنّه إذا لم يفارق أهله ، يمكنه تحصيل نفقتهم ، كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلّا نفقة اليوم .
وكذا في الكفّارات
المرتّبة إذا لم نشترط تخلّف رأس المال .
ثم ما في يده إن وفى
باُجرة راكب ، فلا يجب ، وإن لم يف إلّا باُجرة ماشٍ ، فالأقرب في صورة وجوب الاستئجار وجوبه هنا ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية أيضاً ـ بخلاف ما كان يحجّ بنفسه ، لا يكلّف المشي ؛ لما فيه
من المشقّة ، ولا مشقّة عليه في المشي الذي تحمّله الأجير .
والثاني : أنّه لا
يلزم استئجار الماشي ، لأنّ الماشي على خطر ، وفي بذل المال في اُجرته تغرير به .
ولو طلب الأجير أكثر
من اُجرة المثل ، لم يلزم الاستئجار ، وإن رضي بأقلّ منها ، لزمه ، ولو امتنع من الاستئجار ، فالأقرب : إلزام الحاكم له .
وللشافعية وجهان ،
أشبههما عندهم : أنّه لا يستأجر عليه .
مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ شرط الاستئجار عن المعضوب وجود المال للمعضوب ، فلو لم يكن له مال ولكن بذل له الأجنبي مالاً ليستأجر به ، لم يلزمه القبول ، كالصحيح .
وللشافعية في لزوم
قبوله وجهان :
أحدهما : يلزم ،
لحصول الاستطاعة بالبذل .
وأصحّهما : أنّه لا
يلزم ؛ لما فيه من المنّة الثقيلة .
ولو كان الباذل واحداً
من بنيه وبناته و أولادهم للطاعة في الحجّ ، فالأقرب : عدم وجوب القبول ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد
ـ لأنّه غير
__________________
مستطيع
.
وقال الشافعي : يجب ؛
لأنّ وجوب الحجّ معلّق بوجود الاستطاعة وقد حصلت ؛ لأنّ الاستطاعة تارة تكون بالنفس ، وتارة تكون بالأنصار والأعوان ، ولهذا يصدق ممّن لا يُحسن البناء أن يقول : أنا مستطيع للبناء إذا تمكّن منه بالأسباب والأعوان .
ثم شرط في باذل
الطاعة أن لا يكون صرورةً ولا معضوباً ، وأن يكون موثوقاً بصدقه .
وإذا ظنّ تحقّق
الطاعة ، فهل يلزمه الأمر ؟ وجهان للشافعية :
أحدهما : لا ؛ لأنّ
الظنّ قد يخطئ .
وأظهرهما عندهم : نعم
إذا وثق بالإِجابة ، لحصول الاستطاعة .
ولو بذل المطيع
الطاعة فلم يأذن المطاع ؛ فهل ينوب الحاكم عنه ؟ فيه وجهان : أحدهما : لا ؛ لأنّ الحجّ على التراخي عندهم
.
وإذا اجتمعت الشرائط
ومات المطيع قبل أن يأذن ، فإن مضى وقت إمكان الحجّ ، استقرّ في ذمّته ، وإلّا فلا .
ولو كان له مَنْ يطيع
ولم يعلم بطاعته ، فهو كمن له مال موروث ولم يعلم به .
ولو بذل الولد الطاعة
ثم أراد الرجوع ، فإن كان بعد الإِحرام ، لم يكن له ذلك ، وإن كان قبله ، جاز له الرجوع ، وهو أظهر وجهي الشافعية
.
مسألة ١٠١ : لو بذل الأجنبي الطاعة ، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان :
أصحّهما : أنّه يلزم ؛
لحصول الاستطاعة ، كما لو كان الباذلُ الولدَ .
__________________
والثاني : لا يلزم ؛
لأنّه يثقل استخدامه ، بخلاف الولد ؛ لأنّه [ بضعة منه ] .
والأخ والأب في بذل
الطاعة كالأجنبي ؛ لأنّ استخدامهما ثقيل .
ولهم قول آخر : إنّ
الأب كالابن ؛ لاستوائهما في وجوب النفقة .
ولو بذل الولد المال
، فالأقوى عدم وجوب القبول .
وللشافعي وجهان :
أحدهما : يلزم ، كما
لو بذل الطاعة .
وأصحّهما : عدمه ؛
لأنّ قبول المال يستلزم منّةً عظيمة ؛ فإنّ الإِنسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير ، ولا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الأشغال .
وبذل المال للابن
كبذل الابن للأب ، أو كبذل الأجنبي ؟ للشافعية وجهان .
وكلّ ما قلنا في بذل
الطاعة فإنّه مفروض فيما إذا كان راكباً ، أمّا إذا بذل الابن الطاعة على أن يحجّ ماشياً ، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان :
أحدهما : لا يلزم ،
كما لا يلزم الحجّ ماشياً .
والثاني : يلزم إذا
كان قويّاً ، فإنّ المشقّة لا تناله .
هذا إذا كان الباذل
للطاعة مالكاً للزاد ، فإن عوّل على التكسّب في الطريق ، ففي وجوب القبول وجهان ، وهُنا عدمه أولى ؛ لأنّ المكاسب قد تنقطع في الأسفار .
__________________
وإن لم يكن كسوباً
وعوّل على السؤال فأولى بالمنع ؛ لأنّ السائل قد يُردّ .
ولو كان يركب مفازة
لا يجدي فيها كسب ولا سؤال ، لم يجب القبول إجماعاً ؛ لأنّ التغرير بالنفس حرام .
مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز الاستئجار في الحجّ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي ومالك .
وقال أبو حنيفة وأحمد
: لا يجوز الاستئجار على الحجّ ، كما في سائر العبادات ، ولكن يرزق عليه ، ولو استأجر لكان ثواب النفقة للآمر ، ويسقط عنه الخطاب بالحجّ ، ويقع الحجّ عن الحاجّ . وقد تقدّم
القول فيه .
وعندنا وعند الشافعي
يجوز الحجّ بالرزق ، كما يجوز الإِجارة ، بأن يقول : حجّ عنّي واُعطيك نفقتك أو كذا . ولو استأجره بالنفقة ، لم يصحّ ؛ للجهالة .
ثم الاستئجار ضربان :
استئجار عين الشخص ، بأن يقول المؤجر : آجرتك نفسي لأحجّ عنك أو عن ميّتك بنفسي بكذا ، وإلزام ذمّته العمل ، بأن يستأجره ليُحصّل له الحجّ إمّا بنفسه أو بغيره ، ويلزم المستأجر إيجاب ذلك في ذمّته ، ويفترقان في ما يأتي .
وكلّ واحد من ضربي
الإِجارة إمّا أن يعيّن زمان العمل فيها أو لا يعيّن ، وإن عيّن فأمّا السنة الاُولى أو غيرها ، فإن عيّن السنة الاُولى ، جاز بشرط أن
__________________
يكون
الخروج والحجّ فيما بقي منها مقدوراً للأجير ، فلو كان الأجير مريضاً لا يمكنه الخروج ، أو كان الطريق مخوفاً ، أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة ، لم يصح العقد ؛ لأنّ المنفعة غير مقدورة .
وإن عيّنا غير السنة
الاُولى ، صحّ عندنا وعند أبي حنيفة ؛ للأصل والعمومات ، وسيأتي بيانه .
وقال الشافعي : لا
يجوز ، كاستئجار الدار الشهر المقبل ، إلّا إذا كانت المسافة لا تقطع في سنة .
وأمّا في الإِجارة
الواردة على الذمّة فيجوز تعيين السنة الاُولى وغيرها ، وهو بمثابة الدَّيْن في الذمّة قد يكون حالّاً وقد يكون مؤجّلاً .
وإن أطلقا ، فهو كما
لو عيّنا السنة الاُولى ، إلّا في شيء سيأتي بيانه .
ولا يقدح في الإِجارة
في الذمّة كونه مريضاً ؛ لإِمكان الاستنابة ، ولا خَوف الطريق وضيق الوقت إن عيّنا غير السنة الاُولى .
مسألة ١٠٣ : إذا استؤجر المعيّن للحجّ في تلك السنة ، لم يجز له التأخير .
وهل تجب عليه
المبادرة مع أول رفقة ؟ الأقرب : عدم الوجوب . ويجوز وقوع عقد الإِجارة قبل خروج الناس ، وله انتظار الرفقة ، ولا يلزمه المبادرة وحده ، بل ولا مع أول قافلة ، وهو اختيار جماعة من الشافعية
.
وقال أكثرهم : يشترط
وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى لا يصح استئجار المعيّن إلّا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شراء الزاد ونحوه ، فإن كان قبله ، لم يصح ؛ لأنّ إجارة الزمان المستقبل عندهم لا يجوز ، وبنوا على ذلك أنّه لو كان
__________________
الاستئجار
بمكة لم يجز إلّا في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد .
ولو وقع العقد في وقت
تراكم الثلوج والانداء ، فوجهان للشافعية : أحدهما : الجواز ، لأنّ توقّع زوالها مضبوط ، وعدمه ؛ لتعذّر الاشتغال بالعمل في الحال ، بخلاف انتظار الرفقة ؛ فإنّ خروجها في الحال غير متعذّر
.
هذا كلّه في إجارة
العين ، أمّا الإِجارة الواردة على الذمّة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة عندنا وعندهم .
تذنيب :
ليس للأجير في إجارة العين أن يستنيب غيره ؛ لأنّ الفعل مضاف إليه ، والأغراض تختلف باختلاف الاُجراء ، ولو قال : لتحجّ عنّي بنفسك ، فهو أوضح في المنع من الاستنابة .
وأمّا في الإِجارة على
الذمّة ، فإذا قال : ألزمت ذمّتك لتحصّل لي حجّةً ، جاز أن يستنيب غيره ، ولو قال : لتحجّ بنفسك ، لم تجز الاستنابة .
وقال بعض الشافعية .
تبطل لو قال : لتحجّ بنفسك ؛ لأنّ الذمّيّة مع اشتراط معين يتناقضان ، فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه
. وليس بجيّد .
ولو أمره بالاستئجار
، لم يجز له المباشرة .
مسألة ١٠٤ : يجب أن تكون أعمال الحج معلومةً عند المتعاقدين وقت العقد ؛ لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد ، فلا بحث ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بدّ من الإِعلام .
وهل يشترط تعيين
الميقات الذي يحرم منه الأجير ؟ الأقرب : عدمه ؛ عملاً بالأصل .
وللشافعي قولان : هذا
أحدهما ، والثاني : يشترط ؛ لاختلاف
__________________
الأغراض
باختلاف المواقيت .
لكن علماؤنا رووا أنه
إذا أمره بالحجّ على طريق معيّن ، جاز له العدول عنه .
ولأصحابه طريقان ،
أظهرهما : أنّ المسألة على قولين : أحدهما : الاشتراط ؛ لاختلاف الأغراض باختلافها ، وعدمه ـ وهو الأظهر عندهم ـ لأنّ الحمل على ميقات البلدة على العادة الغالبة .
والطريق الثاني :
تنزيل القولين على حالين ، ولمن قال به طريقان :
أظهرهما : حمل القول
الأول على ما إذا كان لبلدة طريق واحد وله ميقات واحد ، وحمل الثاني على ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات ، أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين ، كالعقيق وذات عرق .
والثاني : حمل الأول
على ما إذا كان الاستئجار لميّت ، والثاني على ما إذا استأجر الحيّ .
والفرق : أنّ الحيّ
له غرض واختيار ، والميّت لا غرض له ولا اختيار ، والمقصود براءة ذمّته ، وهي تحصل بالإِحرام من أيّ ميقات كان ، فإن شرطنا تعيّن الميقات ، فسدت الإِجارة بإهماله ، لكن يقع الحجّ عن المستأجر ؛ لوجود الإِذن ، وتلزم اُجرة المثل .
وإذا وقعت الإِجارة
للحجّ والعمرة ، فلا بدّ من بيان أنّه يُفرد أو يُقرن أو يتمتّع ؛ لاختلاف الأغراض بها .
مسألة ١٠٥ : يشترط في لزوم الإِجارة وصحتها : الإِتيان بالصيغة على الوجه المعتبر شرعاً ، فلو قال : من حجّ عنّي فله مائة ، صحّ جعالةً ، ولا تكون
__________________
إجارةً
، ولا تلزم المائة إلّا بالعمل .
وللشافعي قولان :
أحدهما : البطلان ؛
لأنّ العامل غير معيّن ، وإنّما يحتمل ذلك عند تعذّر الإِجارة ، للضرورة .
والثاني : الصحة ـ كما
قلناه ـ لأنّ الجعالة تصح على كلّ عمل يصح إيراد الإِجارة عليه ؛ لأنّ الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولاً فمع العلم به تكون أولى بالجواز .
وعلى القول بفساد
الجعالة لو حجّ عنه إنسان ، فالمسمّى ساقط ؛ لفساد العقد ، لكن الحج يقع عن المستأجر ، وللعامل اُجرة المثل ؛ لوجود الإِذن وإن فسد العقد .
وكذا الحكم عندهم لو
قال : مَنْ خاط ثوبي فله كذا ، فخاطه إنسان .
ولهم وجه : أنّه يفسد
الْإِذن ؛ لعدم تعيين المأذون له ، كما لو قال : وكّلت مَنْ أراد بيع داري ، لا يصحّ التوكيل ؛ لأنّه ليس موجّهاً نحو معيّن
.
مسألة ١٠٦ : إذا أعطى الإِنسان غيره حجّةً ليحجّ عنه من بلد ، فحجّ عنه من بلد آخر ، فإن لم يتعلّق غرض المستأجر بذلك ، أجزاً ؛ لأنّ سلوك الطريق غير مقصود لذاته ، وإنّما المقصود بالذات الحجّ وقد حصل .
ولما رواه حريز بن
عبد الله ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أعطى رجلاً حجّةً يحجّ عنه من الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه »
.
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجب على الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان . ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه ؛ لأنّ العادة قاضية بنقصان اُجرة الأسهل عن
__________________
اُجرة
الأصعب ، وقد استؤجر للأصعب ولم يأت به ، فيتعيّن عليه ردّ التفاوت .
ولو استؤجر للسلوك
بالأسهل فسلك الأصعب ، لم يكن له شيء .
هذا إذا لم يتعلّق
غرض المستأجر بتعيين الطريق ، وإن تعلّق غرض المستأجر بطريق معيّن ، فاستأجر على أن يسلكه الأجير ، فسلك غيره ، فالأقرب فساد المسمّى ، والرجوع إلى اُجرة المثل ، ويجزئ الحجّ عن المستأجر ، سواء سلك الأصعب أو الأسهل ؛ لأنّه استؤجر على فعل وأتى ببعضه .
إذا ثبت هذا ،
فالأقرب أنّ الرواية تضمّنت مساواة الطريقين إذا كان الإِحرام من ميقات واحد ، أمّا مع اختلاف الميقاتين ، فالأقرب المنع ؛ لاختلافهما قُرْباً وبُعْداً ، واختلاف الأغراض ، وتفاوت الأجر بسبب تفاوتهما ، وإطلاق الأصحاب ينبغي أن يقيّد بما دلّ مفهوم الرواية عليه .
إذا عرفت هذا ، فلو
خالف في سلوك ما شرطه [ المستأجر ] من الطرق فاُحصر ، لم يستحق الأجير شيئاً في الموضعين .
مسألة ١٠٧ : إذا استأجره ليحجّ عنه بنفسه ، فإمّا أن يعيّن الزمان أو لا ، فإن عيّنه ، وجب أن يكون الأجير على صفة يمكنه التلبّس بالإِحرام في أشهر الحجّ ، فإن لم يمكنه ذلك إمّا لضيق الوقت أو لمرض أو لغير ذلك ، بطل القيد ؛ لأنّه عقد على ما لا يصح .
وإذا كان الأجير ممّن
يصح منه الحجّ فأخّر حتى فات الوقت ، وخالف إمّا لعذر أو لغير عذر ، بطل العقد ؛ لأنّ الوقت الذي عيّنه قد فات ، وكان للمستأجر الخيار بين استئجاره في السنة الاُخرى وبين استئجار غيره .
ولو ضمن الأجير الحجّ
في السنة الاُخرى ، لم تجب إجابته ، بل لو اُجيب لافتقر إلى عقد آخر .
__________________
وللشافعية طريقان :
أظهرهما : أنّه على قولين كالقولين فيما لو حلّ السلم والمسلم فيه منقطع :
أحدهما : ينفسخ ؛
لفوات مقصود العقد .
وأصحّهما : لا ينفسخ
، كما لو أخّر أداء الدَّيْن عن محلّه لا ينقطع .
والثاني : القطع
بالقول الثاني .
وعلى القول بعدم
الانفساخ يُنظر إن صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه ، فله الخيار ؛ لتفويت المقصود ، كما لو أفلس المشتري بالثمن ، فإن شاء أخّر ليحجّ في السنة الاُخرى ، وإن شاء فسخ ، واستردّ الأُجرة ، وارتفق بها إلى أن يستأجر غيره .
وإن كان الاستئجار
لميّت من ماله ، فقد قال بعضهم : لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد ؛ لأنّ الأُجرة معيّنة لتحصيل الحجّ ، فلا انتفاع باستردادها .
وقال آخرون : له
الخيار ؛ لأنّ الورثة يقصدون باسترداد الأُجرة صرفها إلى مَنْ هُو أحرى بتحصيل المقصود ، ولأنّهم إذا استردّوها تمكّنوا من إبدالها بغيرها .
وقال بعضهم : إنّ على
الولي مراعاة النظر للميّت ، فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل ، ضمن
.
أمّا لو كان الميّت
قد أوصى بأن يحجّ عنه إنسان بمائة مثلاً ، لم يجز الفسخ ؛ لأنّ الوصية مستحقّة الصرف إلى المعيّن .
ولو استأجر إنسان
للميّت من مال نفسه تطوّعاً عليه ، فهو كاستئجار المعضوب لنفسه ، فله الخيار .
__________________
ولو قدّم الأجير الحجّ
على السنة المعيّنة ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه قد زاد خيراً ، وبه قال الشافعي .
وأمّا إن لم يعيّن
الزمان بل أطلق ، صحّ العقد ، واقتضى الإِطلاق التعجيل .
ولو شرط التأخير عاماً
أو عامين ، جاز ، ومع الإِطلاق إذا لم يحجّ في السنة الاُولى ، لم تبطل الإِجارة ؛ لأنّ الإِجارة في الذمّة لا تبطل بالتأخير ، وليس للمستأجر فسخ هذه الإِجارة لأجل التأخير ، فإذا أحرم في السنة الثانية ، كان إحرامه صحيحاً عمّن استأجره .
وقال بعض الشافعية :
إذا أطلقا العقد ، لم يقتض التعجيل ، وجاز للمستأجر التأخير مع القدرة ، ويثبت للمستأجر الخيار ؛ لتأخير المقصود
.
مسألة ١٠٨ : إنّه سيأتي أنّ المواقيت المؤقّتة للإِحرام مواضع معيّنة وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله لكلّ إقليم ميقات معيّن
، لا يجوز الإِحرام قبلها عند علمائنا إلّا لناذر على خلاف بين علمائنا فيه . وكذا للمعتمر في شهر رجب إذا خاف تقضيه يجوز له الإِحرام للعمرة قبل الميقات .
وأجمعت العامة على جواز
الإِحرام قبل الميقات .
إذا عرفت هذا ، فنقول
: إذا استأجره للحج فانتهى الأجير إلى الميقات المتعيّن شرعاً أو بتعيينهما إن اعتبرناه فلم يُحرم بالحج عن المستأجر ولكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم عن المستأجر بعد فراغه من عمرته ، فإمّا أن لا يعود
__________________
إلى
الميقات بأن أحرم من جوف مكة ، وقع الحجّ عن المستأجر بحكم الإِذن ، فكان يجوز أن يقال : المأذون فيه الحجّ من الميقات ، وهذا الخصوص متعلّق الغرض ، فلا يتناول الإِذن غيره ، فيحطّ شيء من الاُجرة المسمّاة وإن وقع الحجّ عن المستأجر ؛ لمجاوزته الميقات وكان الواجب عليه أن يُحرم منه .
وقال أبو حنيفة : إذا
أحرم عن نفسه ثم حجّ عن المستأجر بإحرام من مكة من غير أن يرجع إلى الميقات ، لم يقع فعله عن الآمر ، ويردّ جميع النفقة إليه ؛ لأنّه أتى بغير ما اُمر به .
والأول مذهب الشافعي ؛
لأنّه ما أخلّ إلّا بما يجبره الدم ، فلم تسقط اُجرته .
وفي قدر المحطوط
اختلاف مبني على أنّ الاُجرة تقع في مقابلة أعمال الحجّ وحدها ، أو يتوزّع على المسير من بلد الإِجارة والأعمال ، فإن قلنا بالثاني ـ وهو الأظهر عند الشافعية ـ فقولان : أحدهما : أنّ المسافة لا تُحتسب له هاهنا ؛ لأنّه صرفه إلى غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة من الميقات ، فعلى هذا توزّع الاُجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإِجارة وإحرامها من الميقات ، وعلى حجّة منشأة من جوف مكة ، فإذا كانت اُجرة الحجّة المنشأة من بلد الإِجارة مائة ، واُجرة الحجّة المنشأة من مكة عشرة ، حطّ من الاُجرة المسمّاة تسعة أعشارها .
وأصحّهما عندهم :
أنّها تحسب له ؛ لأنّ الظاهر أنّه يقصد بها تحصيل الحجّ الملتزم ، إلّا أنّه أراد أن يربح في سفره عمرة ، فعلى هذا تتوزّع الاُجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإِجارة إحرامها من الميقات وعلى حجّة منشأه منها أيضاً إحرامها من مكة ، فإذا كانت اُجرة الاُولى مائة واُجرة الثانية
__________________
تسعين
، حطّ من الاُجرة المسمّاة عُشرها .
وإن قلنا : إنّ الاُجرة
تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها ، فتوزّع الاُجرة المسمّاة على حجّة من الميقات ، وهي التي قوبلت بها ، وعلى حجّة من جوف مكة ، فإذا كانت اُجرة الاُولى خمسة واُجرة الثانية درهمين ، حططنا من الاُجرة ثلاثة أخماسها .
ولو جاوز الميقات
بغير إحرام ثم أحرم بالحج عن المستأجر ، يلزمه دم الإِساءة ، وسيأتي الخلاف في أنّ الاساءة هل تنجبر بالدم حتى لا يحطّ شيء من الاُجرة أم لا ؟ قال بعض الشافعية : إنّ ذلك الخلاف عائد هنا ، وإنّ الخلاف في قدر المحطوط مفرَّع على القول في قدر الحط ، ويجوز أن يقطع هنا بأنّه لا تنجبر الإِساءة ، ويفرّق بأنّه ارتفق هاهنا بالمجاوزة حيث أحرم
بالعمرة لنفسه .
القسم الثاني
: أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة وأحرم بالحج ، فإن قلنا : الاُجرة في مقابلة الأعمال وحدها أو وزّعناها عليها وعلى السير واحتسبنا المسافة هنا ، وجبت الاُجرة بتمامها ، وهو الأظهر عندهم
، وإن وزّعناها عليها ولم تحسب المسافة هاهنا ، فتوزّع الاُجرة على حجة منشأة من بلد الإِجارة إحرامها من الميقات وعلى حجّة من الميقات من غير قطع مسافة .
ولو جاوز الميقات بلا
اعتمار ثم أحرم بالحج عن المستأجر ، فإن عاد إلى الميقات وأحرم منه عن المستأجر ، فلا شيء عليه ولا حطّ من الاُجرة ، وإن لم يَعُدْ ، فعليه دم الإِساءة بالمجاوزة .
وهل ينجبر به الخلل
حتى لا يحطّ شيء من الاُجرة ؟ فيه قولان
__________________
للشافعية
:
أحدهما : نعم ؛ لأنّ
الدم شُرّع للجبر .
وأظهرهما : المنع ؛
لأنّه نقص من العمل الذي استأجره له ، والدم يجب لحقّ الله تعالى ، فلا ينجبر به حقّ الآدمي ، كما لو جنى المُحْرم على صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء .
ومنهم من قطع بالقول
الثاني .
وعلى القول بعدم
الانجبار فقد المحطوط يبنى على أنّ الاُجرة في مقابلة العمل وحده أو توزّع على السير والعمل جميعاً ؟ إن قلنا بالأول ، وزّعت الاُجرة المسمّاة على حجة من الميقات وحجّة من حيث أحرم ، وإن قلنا بالثاني واعتبرنا المسافة ، وزّعت على حجّة من بلدة الإِجارة وإحرامها من الميقات وعلى حجّة منها إحرامها من حيث أحرم .
والخلاف في اعتبار
المسافة هاهنا إذا رتّب على الخلاف فيما إذا أحرم بعمرة عن نفسه ، كانت هذه الصورة أولى بالاعتبار ؛ لأنّه لم يصرفها إلى غرض نفسه .
ثم لهم وجهان في أنّ
النظر إلى الفراسخ وحدها أم يعتبر ذلك مع ذكر السهولة والحزونة ؟ والأصحّ عندهم : الثاني .
ولو عدل الأجير عن
طريق الميقات المتعيّن إلى طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد ، فلا شيء عليه ، وهو المذهب عند الشافعية
.
هذا كلّه في الميقات
الشرعي ، أمّا إذا عيّنا موضعاً آخر ، فإن كان أقرب إلى مكة من الميقات الشرعي ، فهذا الشرط فاسد مفسد للإِجارة ، فإنّه لا
__________________
يجوز
لمريد النسك أن يمرّ على الميقات غير مُحْرم ، وإن كان أبعد ، قال الشيخ في المبسوط : لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه باطل .
والتحقيق أن نقول :
إن كان المستأجر قد نذر الإِحرام قبل الميقات ، لزمه الوفاء به عنده ، فإذا استأجره لذلك ، وجب على الأجير الوفاء به ، وإن لم يكن قد نذر ، لم يلزم الأجير فعله .
إذا عرفت هذا ، فإن
استأجره للإِحرام من قبل الميقات الشرعي وسوّغناه فتجاوزه غير مُحْرم ، فهل يجب على الأجير الدم في مجاوزته غير مُحْرم ؟ للشافعية وجهان :
أحدهما : عدم الوجوب ؛
لأنّ الدم منوط بالميقات الواجب شرعاً ، فلا يلحق به غيره ، ولأنّ الدم يجب حقّاً لله تعالى ، والميقات المشروط إنّما يتعيّن حقّاً للمستأجر ، والدم لا يُجبر حقّ الآدمي .
وأظهرهما عندهم :
أنّه يلزم ؛ لأنّ تعيّنه وإن كان لحقّ الآدمي فالشارع هو الذي يحكم به ويتعلّق به حقّه ، فإن قلنا بالأول ، حطّ قسط من الاُجرة قطعاً ، وإن قلنا بالثاني ، ففي حصول الانجبار الوجهان
.
وكذلك لزوم الدم بسبب
ترك المأمور به كالرمي والمبيت .
وإن لزمه بسبب ارتكاب
محظور كاللُّبْس والقَلْم ، لم يحط شيء من الاُجرة ؛ لأنّه لم ينقص شيء من العمل .
ولو شرط على الأجير
أن يُحرم في أول شوّال فأخّره ، لزم الدم ، وفي الانجبار الخلاف ، وكذا لو شرط عليه أن يحجّ ماشياً
فحجّ راكباً ؛ لأنّه ترك شيئاً مقصوداً .
مسألة ١٠٩ : أنواع الحجّ ثلاثة على ما يأتي
: تمتّع وهو أفضلها ،
__________________
وقران
وإفراد ، فعندنا إنّ التمتّع فرض من نأى عن مكة لا يجوز له غيره إلّا مع الضرورة ، والقران والإِفراد فرض أهل مكة وحاضريها لا يجوز له غيرهما إلّا مع الاضطرار .
إذا ثبت هذا ، فإذا
استأجره ليحجّ عنه ، وجب تعيين أحد الأنواع ، فإذا أمره بالحجّ متمتّعاً فامتثل ، أجزأه إجماعاً ، ودم المتعة لازم للأجير ؛ لأنّه من
مقتضيات العقد ، كفعل من الأفعال ، إلّا أن يشترطه على المستأجر فيلزمه ، وإن خالفه إلى القران ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه .
وإن استأجره ليُفْرد
فتمتّع أو قرن ، أجزأه ، قاله الشيخ رحمه الله ؛ لأنّه عدل إلى الأفضل وأتى بما استؤجر فيه وزيادة .
وإن استأجره للقران
فقرن ، صحّ ؛ لأنّه استأجره له ، والهدي الذي به يكون قارناً لازم للأجير ؛ لأنّ إجارته تتضمّنه ، فإن شرطه على المستأجر ، جاز .
وإن خالفه وتمتّع ، قال
الشيخ رحمه الله : جاز ؛ لأنّه عدل إلى ما هو الأفضل ، ويقع النسكان معاً عن المستأجر ، وإن أفرد ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه .
وقال الشافعي : إذا
أمره بالقران فامتثل ، وجب دم القران على المستأجر في أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مقتضى الإِحرام الذي أمره ، وكأنّه القارن بنفسه .
والثاني : على الأجير
؛ لأنّه قد اُلزم القران ، والدم من تتمتّه .
فعلى الأول لو شرطا
أن يكون على الأجير ، فسدت الإِجارة ؛ لأنّه جمع بين الإِجارة وبيع المجهول ، كأنّه يشتري الشاة منه وهي غير معيّنة ولا موصوفة ، والجمع بين الإِجارة وبيع المجهول فاسد .
ولو كان المستأجر
معسراً ، فالصوم يكون على الأجير ؛ لأنّ بعض الصوم
__________________
ينبغي
أن يكون في الحج ، والذي في الحج منهما هو الأجير
.
وقال بعضهم : هو كما
لو عجز عن الهدي والصوم جميعاً . وعلى الوجهين يستحقّ الاُجرة بتمامها .
وإن عدل إلى الإِفراد
فحجّ ثم اعتمر ، قال الشافعي : يلزمه أن يردّ من الاُجرة ما يخصّ العمرة .
وهو محمول عند أصحابه
على ما إذا كانت الإِجارة على العين ، فإنّه لا يجوز له تأخير العمل فيها عن الوقت المعيّن .
وإن كانت في الذمّة ،
فإن عاد إلى الميقات للعمرة ، فلا شيء عليه ، وقد زاد خيراً ، ولا شيء على المستأجر أيضاً ؛ لأنّه لم يُقْرنْ ، وإن لم يَعُدْ
، فعلى الأجير دم ؛ لمجاوزته الميقات للعمرة .
وهل يحطّ شيء من الاُجرة
أم تنجبر الإِساءة بالدم ؟ فيه الخلاف السابق .
وإن عدل إلى التمتّع
، فقد قال بعضهم : إن كانت الإِجارةُ إجارةَ عين ، لم يقع الحج عن المستأجر ؛ لوقوعه في غير الوقت المعيّن ، وإن كانت الإِجارة على الذمّة ، نُظر إن عاد إلى الميقات للحج ، فلا دم عليه ولا على المستأجر ، وإن لم يَعُدْ ، فوجهان : أحدهما : لا يُجعل مخالفاً ؛ لتقارب
الجهتين ، فإنّ في القران نقصاناً في الأفعال وإحراماً من الميقات ، وفي التمتّع كمالاً في الأفعال ونقصاناً في الإِحرام ؛ لوقوعه بعد مجاوزة الميقات ، فعلى هذا : الحكمُ كما لو امتثل .
وفي كون الدم على الأجير
أو المستأجر للشافعية وجهان .
__________________
وقال بعضهم : يجب على
الأجير دم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات ، وعلى المستأجر دم آخر ؛ لأنّ القران الذي اُمر به يتضمّنه
.
ولو أمره بالتمتّع
فأفرد ، فالأقرب أنّه لا يستحقّ أجراً ؛ لأنّه لم يفعل ما استؤجر له .
وقال الشافعي : يُنظر
إن قدّم العمرة وعاد للحجّ إلى الميقات ، فقد زاد خيراً ، وإن أخّر العمرة فإن كانت الإِجارةُ إجارةَ عين ، انفسخت فيها ؛ لفوات الوقت المعيّن للعمرة ، فيردّ حصتها من المسمّى ، وإن كانت الإِجارة على الذمّة وعاد للعمرة إلى الميقات ، لم يلزمه شيء ، وإن لم يَعُدْ ، فعليه دم ؛ لترك الإِحرام بالعمرة من الميقات ، وفي حطّ شيء من الاُجرة الخلافُ السابق .
وإن قرن فقد زاد خيراً
؛ لأنّه أحرم بالنسكين من الميقات وكان مأموراً بأن يحرم بالعمرة منه وبالحجّ من مكة .
ثم إن عدّد الأفعال ،
فلا شيء عليه ، وإلّا فوجهان في أنّه هل يحطّ شيء من الاُجرة ؛ للاختصار في الأفعال وفي أنّ الدم على المستأجر ؛ لأمره بما يتضمّن الدم ، أو على الأجير ؛ لنقصان الأفعال ؟ وكلّ ذلك مخرَّجٌ على الخلاف المقدّم في عكسه ، وهو ما إذا تمتّع المأمور بالقران
.
ولو أمره بالإِفراد
فقرن ، فالأقرب : الإِجزاء ، وهدي القران على الأجير ؛ لتبرّعه .
وأمّا الشافعية
فقالوا : إن كانت الإِجارة على العين ، فالعمرة واقعة لا في وقتها ، فهو كما لو استأجره للحجّ وحده فقرن ، وإن كانت في الذمّة وقعا عن المستأجر ؛ لأنّ القران كالإِفراد شرعاً في إخراج الذمّة عن العهدة ، وعلى الأجير الدم .
وهل يحطّ شيء من الاُجرة
أو ينجبر الخلل بالدم ؟ فيه الخلاف
__________________
المتقدّم
.
وإن تمتّع ، فإن كانت
الإِجارة على العين وقد أمره بتأخير العمرة ، فقد وقعت في غير وقتها ، فيردّ ما يخصّها من الاُجرة .
وإن أمره بتقديمها أو
كانت الإِجارة على الذمّة ، وقعا عن المستأجر ، وعلى الأجير دم إن لم يَعُدْ للحجّ إلى الميقات ، وفي حطّ شيء من الاُجرة الخلافُ السابق .
واعلم أنّ بعض
الشافعية استشكل هذه المسائل ، فإنّها قد اشتركت في العدول عن الجهة المأمور بها إلى غيرها ، وهو [ غير ]
قادح في وقوع النسكين عن المستأجر .
وفيه إشكال ؛ لأنّ ما
يراعى الإِذن في أصله يراعى في تفاصيله المقصودة ، فإذا خالف ، كان المأتي به غير المأذون فيه
.
مسألة ١١٠ : إذا جامع الأجير قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، وانقلبت الحجّة إلى الأجير ، فتلزمه الكفّارة ، والمضيّ في الفاسد ، والقضاء للفاسد عنه ؛ لأنّه استؤجر للحجّ الصحيح ولم يأت به بل بحجّ فاسد ، فليصرف إليه ، كما لو أمره بشراء شيء بصفة فاشترى على غير تلك الصفة ، يقع عن المأمور ، والحجّ قابل للنقل عن الحالة التي انعقد عليها ؛ فإنّ حجّ الصبي ينعقد نفلاً ، فإذا بلغ قبل الوقوف ، انقلب فرضاً ، وهو أحد قولي الشافعي .
والثاني : أنّه لا
ينقلب الحجّ إلى الأجير ولا يجب القضاء ؛ لأنّ الإِحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلى غيره ، ولا قضاء ؛ لأنّ مَنْ له الحجّ لم
__________________
يفسده
، فلا يؤثّر فعل غيره فيه .
وفي رواية إسحاق بن
عمّار عن الصادق عليه السلام في رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة ، قال : « هي للأول تامّة ، وعلى هذا ما اجترح » .
إذا عرفت هذا ، فعلى
ما اخترناه إن كانت السنة معيّنةً ، انفسخت الإِجارة ، ولزم المستأجر أن يستأجر مَنْ ينوب عنه فيها ، وإن لم تكن معيّنةً ، بل كانت في الذمة ، لم تنفسخ ، وعليه أن يأتي بحجّة اُخرى في المستقبل عمّن استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه ، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإِجارة عليه ، والحجّة الاُولى فاسدة لا تجزئ عنه ، والثانية قضاء عنها عن نفسه ، ثم يقضي بعد ذلك الحجّ الذي استؤجر له .
وقال الشافعي : إن
كانت الإِجارة على العين ، انفسخت ، والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه ، وإن كانت في الذمّة ، لم تنفسخ .
وعمّن يقع القضاء
قولان :
أحدهما : عن المستأجر
؛ لأنّه قضاء للأول ، ولولا فساده لوقع عنه .
وأصحهما : عن الأجير ؛
لأنّ القضاء بحكم الأداء ، والأداء وقع عن الأجير ، فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجّة اُخرى للمستأجر ، فيقضي عن نفسه ثم يحجّ عن المستأجر في سنة اُخرى ، أو يستنيب مَنْ يحجّ عنه في تلك السنة . وحيث لا تنفسخ الإِجارة فللمستأجر خيار الفسخ عند الشافعي ؛ لتأخّر المقصود .
مسألة ١١١ : إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإِحرام إلى نفسه ظنّاً منه بأنّه ينصرف ، فأتمّ الحجّ على هذا الظنّ ، فالوجه عندي : فساد
__________________
الحجّ
.
أمّا بالنسبة إليه :
فلعدم انصرافه إليه .
وأمّا بالنسبة إلى المستأجر
: فلأنّه لم يَنْو بباقي الأفعال النيابة ، بل نوى وقوعها لنفسه ولم يقع ؛ لبطلان الإِحرام لنفسه ، ولاستحقاق المستأجر ذلك الزمان ، ولا يستحق الأجير الاُجرة ، لأنّه لم يأت بالمقصود عليه .
وقال الشافعي : يقع
الحجّ للمستأجر ، وفي استحقاق الأجير الاُجرة قولان :
أحدهما : لا يستحقّ ؛
لأنّه أعرض عنها حيث قصد بالحجّ نفسه .
وأصحّهما عنده :
الاستحقاق ؛ لانعقاد الحجّ للمستأجر ، وحصول غرضه .
وهذا الخلاف جارٍ
فيما إذا دفع ثوباً إلى صبّاغ ليصبغه ، فأمسكه لنفسه وجحده وصبغه لنفسه ثمّ ردّه ، هل يستحقّ الاُجرة ؟
وعلى القول
بالاستحقاق فالمستحقّ المسمّى أو اُجرة المثل ؟ وجهان : أصحهما عندهم : الأول .
مسألة ١١٢ : إذا مات الحاجّ عن نفسه فلا يخلو إمّا أن يكون الحجّ قد وجب عليه أوّلاً واستقرّ أو لا ، فإن كان الحجّ لم يجب عليه قبل هذه السنة ، سقط الحج عنه مطلقاً .
وإن كان الحجّ قد وجب
عليه أوّلاً واستقرّ وفرّط بالتأخير ثم خرج لأدائه فمات قبل فعله ، فالأقرب ـ على ما يقتضيه مذهبنا ـ التفصيل ، وهو أنّه إن مات بعد الإِحرام ودخول الحرم ، أجزأه عن الحجّ ، وبرئت ذمّته ؛ لأنّ ذمّة الأجير تبرأ بذلك على ما يأتي ، فكذا الأصل ، وإن مات قبل الإِحرام ودخول الحرم ، وجب أن يقضى عنه ، ولم يعتدّ بما فعله .
__________________
وإن كان الميّت
الأجير ، فإن كان بعد الإِحرام ودخول الحرم ، أجزأه ما فعله عن نفسه وعن المنوب عنه ، وسقط الحجّ عن المنوب عند علمائنا ، وقد تقدّم .
وإن كان قبل ذلك ، لم
تبرأ ذمّة المنوب ، ويجب على الأجير ردّ باقي مال الإِجارة بعد إسقاط ما قابل فعله إن كان قد استؤجر لقطع المسافة والحجّ ، وإن كان قد استؤجر لفعل الحجّ خاصّة ، لم يستحقّ شيئاً في مقابلة قطع المسافة .
وقال الشافعي : إذا
حجّ عن نفسه ثم مات في أثنائه ، هل يجوز البناء على حجّه ؟ فيه قولان ، وشبّهوهما بالقولين في جواز البناء على الأذان والخطبة .
فالجديد ـ وهو الصحيح
عندهم ـ : أنّه لا يجوز البناء على الحجّ ؛ لأنّه عبادة يفسد أوّلها بفساد آخرها ، فأشبهت الصوم والصلاة .
ولأنّه لو اُحصر
فتحلّل ثم زال الحصر فأراد البناء عليه ، لا يجوز ، فإذا لم يجز له البناء على فعل نفسه فأولى أن لا يجوز لغيره البناء على فعله .
والقديم : الجواز ؛
لأنّ النيابة جارية في جميع أفعال الحج فتجري في بعضها ، كتفرقة الزكاة .
فعلى القديم لو مات
وقد بقي وقت الإِحرام بالحجّ ، أحرم الثاني بالحجّ ، ووقف بعرفة إن لم يقف الأصل ، ولا يقف إن وقف ، ويأتي ببقيّة الأعمال .
ولا بأس بوقوع إحرام
النائب وراء الميقات ، فإنّه مبني على إحرام اُنشئ منه .
وإن لم يبق وقت الإِحرام
بالحجّ ، فبِمَ يُحْرم ؟ وجهان :
__________________
أحدهما : أنّه يُحرم بعمرة
؛ لفوات وقت الإِحرام بالحجّ ، ثم يطوف ويسعى ، فيقعان عن الحجّ ولا يبيت ولا يرمي ؛ فإنّهما ليسا من أعمال العمرة ، لكنهما يجبران بالدم .
والأصح عندهم : أن يُحرم
بالحجّ أيضاً ، ويأتي ببقية الأعمال ؛ لأنّه لو أحرم بالعمرة ، للزمه أفعال العمرة ، ولما انصرفت إلى الحجّ ، والإِحرام المبتدأ هو الذي يمنع تأخيره عن أشهر الحجّ ، وهذا ليس إحراماً مبتدأً ، وإنّما هو مبني على إحرام اُنشئ في وقته .
وعلى هذا فلو مات بين
التحليلين ، أحرم النائب إحراماً لا يحرّم اللبس والقلم ، وإنّما يحرّم النساء ؛ لأنّ إحرام الأصل لو بقي لكان بهذه الصفة .
هذا كلّه فيما إذا
مات قبل حصول التحليلين ، فأمّا إذا مات بعد حصولهما ، فقد قال بعضهم : لا يجوز البناء والحال هذه ؛ إذ لا ضرورة إليه ، لإِمكان جبر ما بقي من الأعمال بالدم .
مسألة ١١٣ : لو مات الأجير ، فعندنا قد تقدّم حكمه .
وأمّا الشافعي فقد
قال : إن كان قد مات بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها فهل يستحقّ شيئاً من الاُجرة ؟ فيه قولان :
أحدهما : لا يستحق ؛
لأنّه لم يسقط الفرض عن المستأجر ، وهو المقصود ، فأشبه ما لو التزم له مالاً ليردّ عبده الآبق فردّه بعض الطريق ثم هرب .
والثاني : نعم ؛
لأنّه عمل بعض ما استؤجر له ، فاستحقّ بقسطه من الاُجرة ، كما لو استؤجر لخياطة ثوب فخاط بعضه .
ثم اختلفوا فبعضهم بنى
القولين هنا على القولين في أنّه هل يجوز البناء على الحجّ ؟ إن قلنا : لا ، فلا شيء له ؛ لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله ، وإن
__________________
قلنا
: نعم ، فله القسط .
وبعضهم نازع في هذا
البناء ، وقالوا : الجديد هنا : أنّه يستحقّ القسط ، والجديد من القولين في أنّه هل يبنى على الحجّ ؟ : المنع .
وأيضاً فقد رجّح كثير
من الشافعية الاستحقاق هنا ، وفي خلاف البناء الراجح المنع بالاتّفاق .
وتوسّط الجويني فقال
: إن جوّزنا البناء ، استحقّ الأجير قسطاً من الْأُجرة ، وإلّا ففيه الخلاف .
ووجه الاستحقاق :
أنّه لا تقصير من الأجير ، والمأتي به ينفع المستأجر في الثواب .
ووجه المنع : أنّ ما
كان على المستأجر قد بقي بحاله ، فكأنّ الأجير لم يعمل له شيئاً .
وإذا قلنا : يستحقّ
قسطاً ، فالْأُجرة تقسّط على الأعمال وحدها أو عليها مع السير ؟ فيه قولان .
وجه الأول : أنّ
المقصود الأعمال ، والسير وسيلة إليها ، والْأُجرة تقابل المقصود .
والثاني ـ وهو الأظهر
عندهم ـ : أنّ الوسائل تأخذ حكم المقاصد ، والتعب في السير أكثر منه في الأعمال ، فيبعد أن لا يقابل بشيء
.
ومنهم من قال : لا
خلاف في المسألة ، ولكن إن قال : استأجرتك لتحجّ عنّي ، فالتقسيط على الأعمال خاصة ، ولو قال : لتحجّ عنّي من بلد كذا ، فالتقسيط عليهما معاً .
__________________
ثم إن كانت الإِجارة
على العين انفسخت ولا بناء لورثة الأجير ، كما لم يكن له أن يبني بنفسه .
وهل للمستأجر أن
يستأجر من يتمّه ؟ فيه قولان مبنيّان على القولين في جواز البناء ، إن جوّزناه فله ذلك ، وإلّا فلا .
وإن كانت الإِجارة على
الذمّة ، فإن لم نجوّز البناء ، فلورثة الأجير أن يستأجروا من يحجّ عمّن استؤجر له مورّثهم ، فإن تمكّنوا منه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك ، وإلّا فللمستأجر الخيار ، وإن جوّزنا البناء ، فلهم أن يتمّوا الحجّ .
وإن مات الأجير بعدما
أخذ في السير وقبل أن يُحرم ، فالمنقول عن نصّ الشافعي في عامّة كتبه أنّه لا يستحقّ شيئاً من الْأُجرة ؛ لأنّه بسبب لم يتّصل بالمقصود ، فأشبه ما لو قرّب الأجير على البناء آلات البناء من موضع الى موضع البناء ولم يبن شيئاً .
وفيه وجه لأصحابه :
أنّه يستحقّ قسطاً من الْأُجرة ؛ لأنّ الْأُجرة في مقابلة السير والعمل جميعاً ، فإنّها تختلف باختلاف المسافة طولاً وقصراً
.
ولو مات بعد إتمام
الأركان وقبل الفراغ من سائر الأعمال ، فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوّز البناء ، فيجبر بالدم من مال الأجير . وفي ردّ شيء من الْأُجرة الخلافُ السابق .
وإن جوّزنا البناء
فإن كانت الإِجارة على المعيّن انفسخت ، ووجب ردّ قسطها من الْأُجرة ، ويستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ، ولا دم على الأجير ، وإن كانت على الذمّة ، استأجر وارث الأجير من يرمي ويبيت ، ولا حاجة إلى الإِحرام ؛ لأنّهما عملان يفعلان بعد التحلّلين ولا يلزم الدم ولا ردّ شيء من
__________________
الْأُجرة
.
مسألة ١١٤ : لو صدّ الأجير عن بعض الطريق ، قال الشيخ رحمهما الله : كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق الذي يؤدّي فيه الحجّ إلّا أن يضمن العود لأداء ما وجب .
ونحن نقول : إن كانت
الإِجارة في الذمّة ، وجب على الأجير الإِتيان بها مرّة ثانية ، ولم يكن للمستأجر فسخ الإِجارة ، وكانت الاُجرة بكمالها للأجير ، وإن كانت معيّنةً ، فله أن يرجع عليه بالمتخلّف ، ولا يجب على المستأجر الإِجابة في قضاء الحج ثانياً ، بل له فسخ العقد واستئجار غيره ، وله أن يجيبه إلى ذلك .
مسألة ١١٥ : لو اُحصر الأجير ، جاز له أن يتحلّل بالهدي ؛ لعموم الآية .
ويقع ما فعله عن
المستأجر ؛ لأنّه قصد الفعل له .
وقال بعض الشافعية :
يقع عن المحصر .
إذا عرفت هذا ، فالدم
على الأجير .
ولم لم يتحلّل وأقام
على إحرامه حتى فات الحج ، تحلّل بعمرة ، ولا يستحقّ الْأُجرة على ما فعله من وقت الوقوف إلى التحلّل ؛ لأنّ تلك الأفعال لم يفعلها للمستأجر ، بل ليتحلّل من إحرامه ، وأمّا ما فعله قبل ذلك فإنّه يستحقّ به الْأُجرة عندنا .
وقال الشافعي : لو اُحصر
الأجير ، فله التحلّل ، كما لو اُحصر الحاج لنفسه ، فإن تحلّل فعمّن يقع ما أتى به ؟ وجهان : أصحّهما : عن المستأجر ،
__________________
كما
لو مات ؛ إذ لم يوجد من الأجير تقصير . والثاني : عن الأجير ، كما لو أفسده ؛ لأنّه لم يحصّل غرضه ، فعلى هذا دم الإِحصار على الأجير ، وعلى الأول هو على المستأجر ، وفي استحقاقه شيئاً من الْأُجرة الخلاف المذكور في الموت .
وإن لم يتحلّل وأقام
على الإِحرام حتى فاته الحج ، انقلب الحجّ إليه ، كما في صورة الإِفساد ، ثم يتحلّل بعمرة ، وعليه دم الفوات .
ولو فرض الفوات بنوم
أو تأخّرٍ عن القافلة وغيرهما من غير إحصار ، انقلب المأتي به إلى الأجير أيضاً ، كما في الإِفساد ؛ لاشتراكهما في إيجاب القضاء ، ولا شيء للأجير .
مسألة ١١٦ : يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب بالقلب ، ويستحب ضمّ اللسان ، ولا يجزئ لو تجرّد عن القلب ؛ لأنّ الحجّ فعل يحتمل وجوهاً ، وصرفه إلى الفاعل أقرب ، فلا بدّ من تخصيص الفعل بالمنوب ليقع له .
ويستحب له أن يذكره في
المواقف كلّها ؛ لما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : قلت له : ما يجب على الذي يحجّ عن الرجل ؟ قال : « يسمّيه في المواطن والمواقف »
.
وأمّا عدم وجوب
التلفّظ بذلك : فللأصل .
ولما رواه مثنى بن
عبد السلام عن الصادق عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإِنسان يذكره في جميع المواطن كلّها ؟ قال : « إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، الله يعلم أنّه قد حجّ عنه ، ولكن يذكره عند الْأُضحية إذا ذبحها »
.
ويستحب للنائب عند
عقد الإِحرام أن يقول ما رواه الحلبي عن الصادق
__________________
عليه
السلام ، قال : قلت : الرجل يحجّ عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس ، هل ينبغي له أن يتكلّم بشيء ؟ قال : « نعم يقول بعدما يُحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو سغب فأجُر فلاناً فيه وأجُرني في قضائي عنه » .
مسألة ١١٧ : إذا فعل الأجير شيئاً تلزمه الكفّارة به من محظورات الإِحرام ، كانت الكفّارة عليه في ماله من الصيد واللباس والطيب وغير ذلك ؛ لأنّها عقوبة على جناية صدرت عنه ، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه ، فاختصّت بالجاني ، وجرى مجرى الأجير إذا جنى على إنسان ، فخرق ثوبه أو جرحه ، يجب الأرش عليه لا على المستأجر ، كذلك هاهنا .
مسألة ١١٨ : قال الشيخ رحمه الله : إذا أخذ الأجير حجّةً من غيره ، لم يكن له أن يأخذ حجّة اُخرى حتى يقضي التي أخذها
.
والتحقيق أن نقول :
إن كانت الإِجارة الْأُولى وقعت على تلك السنة ، لم يكن له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها ؛ لأنّ فعله صار مستحقاً للأول ، فلا يجوز صرفه إلى غيره .
وإن استأجره الأول
مطلقاً ، فإن استأجره الثاني للسنة الْأُولى ، فإن قلنا باقتضاء الإِطلاق التعجيل ، لم يصح العقد الثاني ؛ لأنّ الإِجارة الْأُولى وإن كانت غير معيّنة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الْأُولى ، فلا يجوز حينئذٍ صرف العمل فيها إلى غيره ، وإن استأجر للسنة الثانية ، جاز .
ولو استأجره مطلقاً ،
فالأقرب الجواز ؛ للأصل ، واقتضاء التعجيل هنا مندفع بسبب استحقاق الأول .
ولو استأجره الأول
للسنة الثانية ، جاز للثاني أن يستأجره مطلقاً وأن
__________________
يستأجره
للسنة الْأُولى .
مسألة ١١٩ : لا يجوز لحاضر مكة المتمكّن من الطواف الاستنابة فيه ؛ لأنّه عبادة بدنية يمكن الإِتيان بها مباشرة ، فلا تجوز الاستنابة فيها كالحجّ .
ولو كان غائباً ، جاز
له أن يستنيب فيه مع وجوبه عليه وعدم تمكّنه منه ، أو مع ندبيته ؛ لأنّه بغيبته عاجز عن المباشرة ، فجاز له الاستنابة .
ولما رواه عبد الرحمن
بن أبي نجران عمّن حدّثه عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكّة ، قال : « لا ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب » قلت : وكم قدر الغيبة ؟ قال : « عشرة أميال » .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز للحاضر غير المتمكّن من الطواف ؛ لعدم تمكّنه من الطهارة ، بأن يكون مريضاً لا يستمسك الطهارة ، فإنّه يُطاف عنه ، ولو استمسك ، طيف به .
والمغمى عليه والكسير
يُطاف به ويُرمى عنه ؛ لما رواه حريز عن الصادق عليه السلام ، قال : « المريض والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه »
.
وفي رواية معاوية بن
عمار عن الصادق عليه السلام قال : « الكسير يُحمل ويُطاف به ، والمبطون يُرمى عنه ويطاف عنه »
.
مسألة ١٢٠ : الأجير يملك الاُجرة بالعقد ، فإذا حجّ فإن فضل له شيء من الاُجرة عن نفقة الحج ، استحبّ له ردّه إلى المستأجر ليكون قصده بالحج القربة لا العوض ، وليس ذلك بلازم ؛ لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : أعطيت الرجل دراهم ليحجّ بها عنّي ، ففضل
__________________
منها
شيء فلم يردّه عليّ ، قال : « هو له ، ولعلّه ضيّق على نفسه »
.
ولأنّ عقد الإِجارة
سبب لتملّك الاُجرة مع الإِتيان بما وقع عليه الإِجارة وقد وجد السبب فيوجد المسبّب .
ولو قصرت الاُجرة عن
النفقة ، لم يجب على المستأجر الإِتمام ، بل يستحب ، لاشتماله على المساعدة للمؤمن وإعانته على طاعته والإِنفاق على أفضل العبادات ، وليس واجباً ؛ عملاً بالأصل .
وأبو حنيفة منع من
الإِجارة ، فيكون الأجير نائباً محضاً ، وما يدفع إليه من المال يكون رزقاً لطريقة .
فلو مات أو اُحصر أو
ضلّ الطريق أو صُدّ ، لم يلزمه الضمان لما أنفق عليه ؛ لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال .
فإذا ناب عنه آخر ،
فإنّه يحج من حين بلغ النائب الأول ؛ لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه ، فلم يكن عليه الإِنفاق دفعة اُخرى ، ويردّ النائب ما فضل معه من المال ، ولا يُسرف ولا يقتر على نفسه ولا يمشي ولا يدعو إلى طعامه ولا يتفضّل ، أمّا لو أعطاه ألفاً وقال : حجّ بهذه ، كان له أن يتوسّع فيها ، وإن فضل شيء فهو له .
ولو سلك النائب طريقاً
يمكنه سلوك أقرب منه ، كان الفاضل من النفقة في ماله . وإن تعجّل عجلة يمكنه تركها فكذلك .
وإن أقام بمكة أكثر
من مدّة القصر بعد إمكان السفر للرجوع ، أنفق من ماله ، لأنّه غير مأذون فيه ، فأمّا من لا يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة ؛
لأنّه مأذون فيه ، وله نفقة الرجوع .
وإن مرض في الطريق
فعاد ، فله نفقة رجوعه ؛ لأنّه لا بدّ له منه حصل
__________________
بغير
تفريطه ، فأشبه ما لو قطع عليه الطريق أو صدّ .
وإن قال : خفت أن
أمرض فرجعتُ ، فعليه الضمان ؛ لأنّه مجرّد وهم .
مسألة ١٢١ : يشترط في الاستئجار على الحج : العلم بالعوض كغيره ، فلو قال : استأجرتك للحج بنفقتك لم يصح ـ وبه قال الشافعي
ـ لفوات شرط صحة العقد ، وهو العلم بمال الإِجارة .
وقال أبو حنيفة : يصح
. وليس بمعتمد .
وكذا البحث لو قال :
حجّ عنّي بما شئت .
وإذا فسدت الإِجارة
فإن حجّ عنه ، وجب له اُجرة المثل ، وصحّت الحجّة عن المستأجر .
ولو قال : أول من
يحجّ عنّي فله مائة ، صحّ جعالة .
وقال المزني : الإِجارة
فاسدة ، وله اُجرة المثل .
واحتجّ الشيخ ـ رحمه
الله ـ بقوله : [ صلّى الله عليه وآله ] : ( المؤمنون عند شروطهم ) .
ولو قال : حجّ عنّي
أو اعتمر بمائة ، قال الشيخ : يكون صحيحاً ، فمتى حجّ أو اعتمر ، استحقّ المائة ؛ لأنّه خيّره بين الحجّ والعمرة باُجرة معيّنة ، وليس بمجهول ، ولا مانع يمنع منه .
وقال الشافعي : تبطل
الإِجارة ، لجهالة العمل ، فإن حجّ أو اعتمر ،
__________________
استحقّ
اُجرة المثل .
والتحقيق : أنّه إن
كان إجارةً ، فالوجه ما قاله الشافعي ، وإن كان جعالةً ، فالوجه ما قاله الشيخ .
وكذا لو قال : مَنْ
حجّ عنّي فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم إن كان عقد إجارة ، بطل ؛ لجهالة العوض ، وإن كان جعالةً ، صحّ ، ويتخيّر المستأجر في دفع أيّها شاء .
وقال الشافعي : يبطل
العقد ، فإن حجّ ، استحقّ اُجرة المثل .
مسألة ١٢٢ : لو استأجره اثنان ليحجّ عنهما حجّة واحدة ، فأحرم عنهما ، قال الشيخ رحمه الله : لا يصح إحرامه عنهما ولا عن واحد منهما ؛ لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن شخصين ، وليس أحدهما أولى بها من صاحبه ، ولا ينعقد عن نفسه ؛ لأنّه لم يَنْوها عنه بل عنهما ، فانقلابها اليه يحتاج الى دليل ، وعدم صحتها عنهما وعن واحد منهما بلا خلاف ، ولا يصح عندنا إحرامه عن نفسه ولا ينقلب اليه .
وقال الشافعي : ينقلب
الإِحرام اليه .
وليس بجيّد ، لأنّه
لم يقصد الإِيقاع لنفسه ، فلا يقع عنها ؛ لقوله عليه السلام : ( لا عمل إلّا بنيّة ) ( وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )
.
والوجه أن يقال : إن
كانت الحجّة مندوبةً ، صحّ أن تقع عن واحد وأكثر ؛ لأنّها طاعة تصح النيابة فيها عن واحد ، فتصح عن أكثر .
__________________
ولما رواه علي بن أبي
حمزة عن الكاظم عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يُشرك في حجّةٍ الأربعة والخمسة من مواليه ، فقال : « إن كانوا صرورةً جميعاً فلهم أجر ، ولا تجزئ عنهم من حجّة الإِسلام ، والحجّة للذي حجّ » .
مسألة ١٢٣ : إذا أحرم الأجير عن نفسه وعمّن استأجره ، قال الشيخ رحمه الله : لا ينعقد الإِحرام عنهما ولا عن واحد منهما ؛ لأنّ شرط الإِحرام النيّة ، فإذا لم يَنْو عن نفسه بالاستقلال ، لم يصح عنه ، كما لا يصح عن المستأجر .
وقال الشافعي : ينعقد
عن نفسه ولا يصح عن غيره ؛ لأنّ الإِحرام قد انعقد ولا يصح عن غيره ، فيقع عن نفسه ، كالصرورة
.
وليس بجيّد ؛ لأنّ
مجامعة غيره في النية إن كان مبطلاً ، لم يتخصّص الوقوع بالأجير ، ونمنع من انعقاد الإِحرام .
ولو أحرم عن المستأجر
ثم نقل الحجّ إلى نفسه ، لم يصح ، فإذا أتمّ الحجّ ، استحقّ الاُجرة ؛ لامتثال الشرط على إشكال .
وللشافعي قولان : هذا
أحدهما ، والثاني : صحة النقل ؛ لقوله عليه السلام لمّا سمع مُلبّياً عن شبرمة ، قال : ( حجّ عن نفسك ثم عن شبرمة ) .
ولو استأجره ليحجّ
عنه فاعتمر ، أو ليعتمر عنه فحجّ ، قال الشيخ رحمه الله : لا يقع عن المستأجر سواء كان حيّاً أو ميّتاً ، ولا يستحقّ شيئاً من الاُجرة
؛
__________________
لأنّه
لم يفعل ما اسئوجر له .
وقال الشافعي : إن
كان المنوب حيّاً ، وقعت عن الأجير ، وإن كان ميّتاً ، وقعت عن المنوب ، ولا يستحق شيئاً من الاُجرة على كلّ حال
.
والوجه : أنّه يقع عن
المستأجر ؛ لأنّه نسك نوى به صرفه الى غيره فيصرف اليه .
نعم لا يستحقّ شيئاً
من الاُجرة ؛ لتبرّعه بفعله ، والاُجرة وقعت في مقابلة ما لم يفعله فيرجع إلى المستأجر .
مسألة ١٢٤ : لو اُحصر الأجير ، تحلّل بالهدي على ما تقدّم ، ولا قضاء عليه ؛ إذ ليس في ذمّته حجّ يأتي به ، ويبقى المستأجر على ما كان عليه ، فإن كان الحجّ واجباً عليه ، وجب عليه أن يستأجر مَنْ يأتي به ، وإلّا كان مستحبّاً .
ولو فاته الموقفان
بتفريط منه ، لزمه التحلّل بعمرة لنفسه ، ويعيد الاُجرة إن كان الزمان معيّناً .
وإن لم يكن بتفريط ، قال
الشيخ : يستحق اُجرة المثل الى حين الفوات .
ولو قيل : له من الاُجرة
بنسبة ما فعله من أفعال الحج ويستعاد الباقي ، كان وجهاً .
ولو أفسد الحج ، وجب
عليه القضاء على ما تقدّم ، ولو أفسد القضاء ، وجب عليه أن يأتي بقضاء آخر ، كما يجب على المنوب لو فعل ذلك .
__________________

الفصل الثالث في أنواع الحج وما يتبعها
الأول : في الأنواع
مسألة ١٢٥ : أنواع الحجّ ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، بلا خلاف بين العلماء وإن اختلفوا في تفسير بعضها .
ونحن نقول : العمرة
إن تقدّمت على الحجّ ، كان تمتّعاً ، وإن تأخّرت فإن انضمّ اليه سياق هدي ، فهو قران ، وإلّا فإفراد ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « الحجّ ثلاثة أصناف : حجّ مفرد وقران وتمتّع بالعمرة الى الحج ، وبها أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والفضل فيها ، ولا نأمر الناس إلّا بها »
.
وفي الصحيح عن منصور
الصيقل عن الصادق عليه السلام ، قال : « الحج عندنا على ثلاثة أوجه : حاج متمتّع وحاج مفرد ساق الهدي وحاج مفرد للحج » .
مسألة ١٢٦ : صورة التمتّع : أن يُحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها
__________________
الى
الحج ثم يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت ويصلّي ركعتيه بالمقام ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم يقصّر وقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد ؛ لكونه في الحرم ، فإن خرج منه ، جاز له الصيد أيضاً .
فإذا كان يوم التروية
، أحرم للحجّ ، ولا يتعيّن هذا اليوم ، بل يستحب ، والواجب ما يعلم أنّه يدرك الوقوف معه ، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها الى الغروب من يوم عرفة ثم يفيض الى المشعر فيقف به بعد طلوع فجر العيد ثم يفيض الى منى فيحلق بها يوم النحر ويذبح هديه ويرمي جمرة العقبة ثم يأتي مكة ليومه إن شاء ، وإلّا فمن غده ، فيطوف طواف الحج ويصلّي ركعتيه ويسعى سعي الحج ويطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه ثم يعود الى منى فيرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، وإن شاء أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر .
ثم إن اتّقى جاز له
أن ينفر بعد الزوال الى مكة للطوافين والسعي ، وإلّا أقام الى الثالث عشر .
وصورة الإِفراد : أن يُحرم
من الميقات أو من حيث يصح له الإِحرام منه بالحجّ ثم يمضي الى عرفات فيقف بها ثم يمضي الى المشعر فيقف به ثم يأتي منى فيقضي مناسكه بها ثم يطوف بالبيت ويصلّي ركعتيه ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج والإِحلال منه يأتي بها من أدنى الحلّ .
وصورة القران كالإِفراد
، إلّا أنّه يضيف الى إحرامه سياق الهدي .
هذا مذهب علماء أهل
البيت عليهم السلام .
وقالت العامّة :
التمتّع : أن يُهلّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ ، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه . والإِفراد : أن يُهلّ بالحج مفرداً . والقران : أن يجمع بينهما في الإِحرام بهما ، أو يُحرم بالعمرة ثم يدخل عليها
الحج
قبل الطواف .
مسألة ١٢٧ : أجمع علماؤنا كافة على أنّ فرض من نأى عن مكة التمتّع لا يجوز لهم غيره إلّا مع الضرورة ، وأمّا النوعان الآخران فهما فرض أهل مكة وحاضريها .
وعندنا أنّه لا يجوز
لهم غير هذين النوعين ، وهو اختيار أكثر علمائنا
؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن الحج ، فقال : « تمتّع » ثم قال : « إنّا إذا وقفنا بين يدي الله تعالى قلنا : يا ربّنا أخذنا بكتابك وقال الناس : برأينا ورأينا
، ويفعل الله بنا وبهم ما أراد » .
وأمّا أهل مكة
وحاضريها ـ وهو مَنْ كان بينه وبين مكة دون ثمانية وأربعين ميلاً ـ فإنّ فرضهم القران أو الإِفراد دون التمتّع ؛ لما رواه الحلبي وسليمان ابن خالد وأبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة ، وذلك لقول الله عزّ وجلّ : ( ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
» .
وفي الصحيح عن زرارة
عن الباقر عليه السلام ، قال : قلت له : قول الله عزّ وجلّ في كتابه : (
ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
قال : « يعني أهل مكة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين
__________________
ميلاً
ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكلّ مَنْ كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة » .
وأطبقت العامة على جواز
الإِحرام بأيّ الأنساك الثلاثة شاء ؛ لقول عائشة : خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فمنّا مَنْ أهلّ بعمرة ، ومنّا مَنْ أهلّ بحج وعمرة ، ومنّا مَنْ أهلّ بحج .
ولا حجّة فيه ؛
لاختلافهم في الفرض لا التخيير بين الأنواع .
مسألة ١٢٨ : قال علماؤنا : التمتّع أفضل الأنواع ـ وبه قال الحسن وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعطاء وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة ، وهو أحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ، وهو قول أصحاب الحديث ـ لقوله تعالى : ( ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) وهو يدلّ على أنّه فرضهم ، فلا يجزئهم
غيره .
ولما رواه العامة عن
ابن عباس وجابر وأبي موسى وعائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن يحلّوا ويجعلوها عمرة
، فنقلهم من الإِفراد والقران الى المتعة ، ولا ينقلهم إلّا الى الأفضل .
ولم يختلف عندهم
الرواية عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه لمّا قدم مكة أمر أصحابه أن يحلّوا إلّا مَنْ ساق هدياً ، وثبت على إحرامه ، وقال : ( لو
__________________
استقبلت
من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة )
.
قال جابر : حججنا مع
النبي صلّى الله عليه وآله يوم ساق البدن معه وقد أهلّوا بالحج مفرداً ، فقال لهم : ( حلّوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحج واجعلوا التي قدّمتم بها متعةً ) فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحج ؟ فقال : ( افعلوا ما أمرتكم به ، ولولا إنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به )
.
وفي لفظ : فقام رسول
الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت كما تحلّون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ) فحللنا وسمعنا وأطعنا
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام ، قال : « لمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله من سعيه بين الصفا والمروة أتاه جبرئيل عليه السلام عند فراغه من السعي وهو على المروة فقال : إنّ الله يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلّا من ساق الهدي ، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله على الناس بوجهه ، فقال : يا أيّها الناس هذا جبرئيل ـ وأشار بيده الى خلفه ـ يأمرني عن الله أن آمر الناس أن يحلّوا إلّا مَنْ ساق الهدي ، فأمرهم بما أمر الله به ، فقام اليه رجل ، فقال : يا رسول الله نخرج الى منى ورؤوسنا تقطر من النساء ، وقال آخرون : يأمرنا بشيء ويصنع هو غيره ، فقال : يا أيّها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما
__________________
صنع
الناس ، ولكنّي سُقْتُ الهدي ، فلا يحلّ مَنْ ساق الهدي حتى يبلغ الهدي محلّه ، فقصّر الناس وأحلّوا وجعلوها عمرةً ، فقام اليه سراقة بن مالك ابن جُشْعم المدلجي ، فقال : يا رسول الله هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال : لا ، للأبد الى يوم
القيامة ، وشبّك أصابعه ، وأنزل الله في ذلك قرآناً (
فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلىٰ الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ )
» .
وفي الصحيح عن أبي
أيّوب إبراهيم بن عيسى عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته أيّ الأنواع أفضل ؟ فقال : « المتعة ، وكيف يكون شيء أفضل منها ورسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت فعلت كما فعل الناس ! » .
ولأنّ التمتّع منصوص
عليه في كتاب الله تعالى ؛ لقوله : (
فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلىٰ الْحَجِّ ) دون سائر الأنساك .
ولأنّ المتمتّع يجتمع
له الحج والعمرة في أشهر الحج مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة .
وذهب الثوري وأصحاب
الرأي الى أنّ القران أفضل ؛ لما رواه أنس قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله أهلّ بهما جميعاً يصرخ بهما صُراخاً يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً ، لبّيك عمرةً وحجّاً )
.
__________________
وقال أحمد : إن ساق
الهدي ، فالقران أفضل ، وإن لم يسقه ، فالتمتّع أفضل ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قرن حين ساق الهدي ، ومنع كلّ مَنْ ساق الهدي من الحلّ حتى ينحر هديه .
وذهب مالك وأبو ثور الى
اختيار الإِفراد ـ وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر وعائشة ـ لما روت عائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله أفرد بالحج .
ونمنع كون النبي صلّى
الله عليه وآله أفرد ؛ فإنّه قد روى ابن عمر وجابر وعائشة من طرق صحاح عندهم أنّ النبي صلّى الله عليه وآله تمتّع بالعمرة الى الحج .
ولأنّ روايتهم اختلفت
، فرووا مرّةً أنّه أفرد ، ومرّةً أنّه تمتّع ، ومرّةً أنّه قرن مع وحدة القضية ، ولا يمكن الجمع بينها ، فيجب إطراحها كلّها
.
مع أنّ عمر قال :
إنّي لأنهاكم عن المتعة ، وإنّها لفي كتاب الله ، ولقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه وآله .
ولأنّ النبي صلّى
الله عليه وآله أمر أصحابه بالانتقال الى المتعة عن الإِفراد والقران ، ولا يأمرهم إلّا بالانتقال الى الأفضل ، ويستحيل أن ينقلهم
__________________
من
الأفضل الى الأدنى وهو الداعي الى الخير الدالّ عليه .
ثم أكّد ذلك بتأسّفه
على فوات ذلك في حقّه ، وأنّه لا يقدر على انتقاله وحلّه ؛ لسياقه الهدي .
لا يقال : قد نهى
عنها عمر وعثمان ومعاوية .
لأنّا نقول : قد أنكر
عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها ، وخالفوهم في فعلها .
قالت الحنابلة : والحقّ
مع المنكرين عليهم دونهم ؛ لما رواه العامّة أنّ عليّاً عليه السلام اختلف هو وعثمان في المتعة بعُسْفان ، فقال علي عليه السلام : « ما تريد الى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله تنهى عنه ؟ »
.
وقال علي عليه السلام
لعثمان : « ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله تمتّع ؟ » قال : بلى .
وعن ابن عمر قال :
تمتّع رسول الله صلّى الله عليه وآله في حجة الوداع بالعمرة الى الحج .
وقال سعد : صنعها
رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وصنعناها معه .
فلا نقبل نهي عمر
عنها خصوصاً مع قول عمر : والله إنّي لأنهاكم عنها ، وإنّها لفي كتاب الله ، وقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه وآله
. فهل يحلّ
__________________
تقليد
مَنْ يُخالف رسول الله صلّى الله عليه وآله في ضدّ ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟
قال صاحب المغني من
الحنابلة : قيل لابن عباس : إنّ فلاناً ينهى عن المتعة ، قال : اُنظروا في كتاب الله ، فإن وجدتموها ، فقد كذب على الله وعلى رسوله ، وإن لم تجدوها ، فقد صدق ، فأيّ الفريقين أحقّ بالاتّباع وأولى بالصواب ؟ الذين معهم كتاب الله وسنّة رسوله ، أم الذين خالفوهما ؟
ثم قد ثبت عن النبي صلّى
الله عليه وآله ، الذي قوله حجّة على الخلق أجمعين ، فكيف يعارض بقول غيره ! ؟ .
قالوا : قال سعيد بن
جبير عن ابن عباس ، قال : تمتّع النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال عروة : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي صلّى الله عليه وآله ، ويقول : نهى عنها أبو بكر وعمر .
قالوا : وسئل ابن عمر
عن متعة الحج فأمر بها ، فقال : إنّك تخالف أباك ، فقال : عمر لم يقل الذي تقولون ، فلمّا أكثروا عليه قال : أفكتاب الله أحقّ أن تتّبعوا أم عمر ؟ .
مسألة ١٢٩ : قد بيّنّا أنّ فرض أهل مكة وحاضريها القران أو الإِفراد ، فلو عدلوا الى التمتّع ، فللشيخ قولان :
أحدهما : الإِجزاء ،
ولا دم عليهم ـ وبه قال الشافعي ومالك ـ لأنّ المتمتّع آتٍ بصورة الإِفراد وزيادة غير منافية
.
__________________
والثاني : العدم
ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه قال : ليس لأهل مكة تمتّع ولا قران .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليه السلام ، قال : « لا يصلح لأهل مكة أن يتمتّعوا ؛ لقول الله عزّ وجلّ ( ذَٰلِكَ لِمَن
لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
» .
وهذا الأخير هو
المعتمد ، ونمنع إتيانه بصورة الإِفراد ؛ لأنّه أخلّ بالإِحرام من ميقاته ، وأوقع مكانه العمرة مع أنّه غير مأمور بها ، فلا يكون ما أتاه مجزئاً .
وقول الشافعي : إنّ
قوله تعالى : (
ذَٰلِكَ ) راجع الى الهدي
، ممنوع ؛ لعدم التخصيص ، ولمعارضة الروايات المنقولة عن أهل البيت
عليهم السلام .
مسألة ١٣٠ : اختلف علماؤنا في حدّ حاضري المسجد الحرام ، فقال الشيخ في بعض كتبه : مَنْ كان بين منزله وبين المسجد الحرام اثنا عشر ميلاً من كلّ جانب .
ونحوه قال ابن عباس ؛
لأنّه قال : حاضري أهل الحرم خاصة . وبه قال مجاهد والثوري .
__________________
وقال الشيخ في بعض
كتبه : حدّ حاضري المسجد الحرام مَنْ كان من أهل مكة أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب
. وبه قال الشافعي وأحمد ؛ لأنّه مسافة القصر ، ولأنّ ما دون
مسافة القصر يكون قريباً من المسجد ؛ لأنّه بمنزلة الحاضر ، وقد سلف في حديث الباقر عليه السلام التحديد بثمانية وأربعين ميلاً .
ولما رواه الحلبي عن
الصادق عليه السلام في حاضري المسجد الحرام : قال : « ما دون المواقيت الى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام وليس لهم متعة » ومعلومٌ أنّ هذه المواضع أكثر من اثني
عشر ميلاً .
وقال أبو حنيفة :
حاضر والمسجد الحرام اهل المواقيت والحرم وما بينهما .
وقال مالك : هُمْ أهل
مكة وذي طوى . ورُوي عنه أنّهم أهل الحرم .
ومسافة القصر تعتبر
من نفس مكة أو الحرم ؟ للشافعية وجهان .
__________________
مسألة ١٣١ : قد بيّنّا أنّ القارن هو الذي يسوق عند إحرامه بالحج هدياً عند علمائنا أجمع ، إلّا ابن أبي عقيل ؛ فإنّه جعله عبارةً عمّن قرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد ، وهو مذهب العامّة بأسرهم
.
لنا : ما رواه العامة
عن أبي شيخ قال : كنت في ملأ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله عند معاوية بن أبي سفيان ، فناشدهم معاوية الله في أشياء ، وكلّما قالوا : نعم يقول : وأنا أشهد ، ثم قال : أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن جمع بين حجّ وعمرة ؟ قالوا : أمّا هذه فلا ، فقال : أمّا إنّها معهنّ ـ يعني مع المنهيات ـ ولكنكم نسيتم
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه معاوية بن وهب ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال في القارن : « لا يكون قران إلّا بسياق الهدي » الحديث .
احتجّوا بما رواه ابن
عباس عن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( أتاني آتٍ من ربّي ، فقال : صلّ في هذا الوادي المبارك ركعتين ، وقُلْ : لبّيك بعمرة في حجّة ) .
ولقوله عليه السلام :
( أهلّوا يا آل محمد بعمرة في حج ) .
ونحن نقول بموجبه ؛
فإنّ عمرة التمتّع داخلة في الحج ، قال الصادق عليه السلام : « دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة »
الى غير ذلك من
__________________
الأحاديث
.
مسألة ١٣٢ : لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا بالعكس ، مثل أن يكون مُحْرماً بعمرة مفردة فيُحرم بالحج قبل قضاء مناسكها ، أو يُحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة . ولأنّها عبادة شرعية ، فتقف على مورد النقل .
وأطبق العامّة على الأول
، واختلفوا في إدخال العمرة على الحج بعد عقد نيّة الإِفراد ، فجوّزه أبو حنيفة ، وللشافعي قولان
.
إذا عرفت هذا ، فلو
كان مُحْرماً بعمرة التمتّع ، فمنعه مانع من مرض أو حيض عن إتمامها ، جاز نقلها إلى الإِفراد إجماعاً ، كما فعلت عائشة
.
وكذا مَنْ كان مُحْرماً
بحجّ مفرد فدخل مكة ، جاز أن ينقل إحرامه الى التمتّع ؛ لقوله عليه السلام : ( من لم يسق الهدي فليحل وليجعلها عمرة ) .
مسألة ١٣٣ : لا يجوز القران بين الحجّ والعمرة في إحرامه بنيّة واحدة على ما بيّنّاه .
قال الشيخ في الخلاف
: لو فعل ، لم ينعقد إحرامه إلّا بالحج ، فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم ، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويجعلها متعة ، جاز ذلك ، ولزمه الدم .
__________________
وقال الشافعي ومالك
والأوزاعي : إذا أتى بأفعال الحجّ ، لزمه دم .
وقال الشعبي وطاوس
وداود : لا يلزمه شيء .
لنا : أصالة عدم وجوب
الدم فلا يثبت منافيه إلّا بدليل .
وأمّا إذا نوى
التمتّع ، فلزوم الدم ثابت بالإِجماع .
والمتمتّع إذا أحرم
من مكة ، لزمه الدم ، ولو أحرم من الميقات ، لم يسقط الدم .
وقالت العامة : يسقط
الدم .
لنا : أنّ الدم
استقرّ بإحرام الحج ، فلا يسقط بعد استقراره ، وكذا لو أحرم المتمتّع من مكة ومضى الى الميقات ثم منه الى عرفات .
وقال الشيخ : يسقط
.
إذا عرفت هذا ، فلا
يجوز نيّة حجّتين ولا عمرتين ، ولو فعل ، قيل : تنعقد إحداهما ، وتلغو الاُخرى ، وبه قال مالك والشافعي
.
وقال أبو حنيفة : ينعقد
بهما ، وعليه قضاء إحداهما ؛ لأنّه أحرم بهما ولم يتمّهما .
__________________
وليس بجيّد ؛ لأنّهما
عبادتان لا يلزمه المضيّ فيهما ، فلا يصحّ الإِحرام بهما ، كالصلاتين .
وعلى هذا لو أفسد
حجّه أو عمرته ، لم يلزمه إلّا قضاؤها إن قلنا بانعقاد إحداهما .
وعند أبي حنيفة يلزمه
قضاؤهما معاً ، بناءً على صحة إحرامه بهما .
مسألة ١٣٤ : المكّي إذا خرج عن مكة ثم عاد وحجّ على ميقات ، أحرم منه ، وجاز له التمتّع ، لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام مَهْيَعَةَ
، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، وهي لهم ولكلّ آتٍ من غيرهم ممّن أراد الحج والعمرة .
ومن طريق الخاصة :
قول الكاظم عليه السلام : « مَنْ دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة » .
وأمّا جواز التمتع :
فلأنّه إذا خرج عن مكة إلى مصر من الأمصار ، ومرّ على ميقات من المواقيت ، صار ميقاتاً له ، ولحقه أحكام ذلك الميقات .
ولما رواه الكاظم عليه
السلام : عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، هل له أن يتمتّع ؟ قال : « ما أزعم أنّ ذلك ليس له ، والإِهلال بالحجّ أحبّ اليّ ، ورأيت مَنْ سأل أبا جعفر عليه السلام ، قال : نويت الحج من المدينة كيف أصنع ؟ قال : تمتّع ، قال : إنّي مقيم بمكة وأهلي فيها ، فيقول : تمتّع »
في
__________________
حديث
طويل .
مسألة ١٣٥ : ومن كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثم أراد حجّة الإِسلام ، خرج الى ميقات أهله ، فأحرم منه ، فإن تعذّر ، خرج الى أدنى الحلّ ؛ ولو تعذّر ، أحرم من مكة .
هذا إذا لم يجاور
مدّة سنتين ، فإن مضى عليه سنتان وهو مقيم بمكة ، صار من أهل مكة وحاضريها ليس له أن يتمتّع ، وبه قال الشيخ في كتابي الأخبار .
وقال في النهاية : لا
ينتقل فرضه عن التمتّع حتى يقيم ثلاث سنين .
وقد روى زرارة ـ في
الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : « مَنْ أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له » فقلت لأبي جعفر : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة ؟ قال : « فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله » .
إذا عرفت هذا ، فذو
المنزلين بمكة وناءٍ يعتبر في حقّه أغلبهما إقامةً ، فيُحْرم بفرض أهله ، فإن تساويا ، تخيّر في التمتّع وغيره .
إذا ثبت هذا ، فلو لم
تمض هذه المدّة ، ففرضه التمتّع يخرج الى الميقات ، ويُحْرم منه مع المكنة ، وإلّا فمن حيث أمكن ؛ لأنّه لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه ، فيلزمه الإِحرام من ميقاتهم ، أمّا لو تعذّر فإنّه يخرج الى خارج الحرم فيُحرم منه ؛ للضرورة ، ولأنّ ميقاته قد تعذّر عليه ، فيسقط اعتباره ، كما لو تعذّر عليه التمتّع ، وذلك كقضية عائشة ، ولو كان الإِحرام من مكة جائزاً ، لما كلّفها النبي صلّى الله عليه وآله تحمّل المشقّة .
وروى الحلبي عن
الصادق عليه السلام ، قال : قلت : رجل ترك
__________________
الإِحرام
حتى دخل مكة ، قال : « يرجع الى ميقات أهل بلاده ، الذي يُحرمون منه فيُحْرم ، وإن خشي أن يفوته الحج ، فليُحْرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » .
وقال الشافعي : يجوز
أن يُحرم من مكة مع المكنة من الخروج الى الميقات ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر أصحابه بالإِحرام من
مكة للتمتّع .
وليس حجّةً ؛ لجواز
أمرهم بإحرام الحج لا بإحرام العمرة ، أو أنّ ذلك كان للضرورة .
البحث الثاني : في وقت أداء النسكين
مسألة ١٣٦ : أشهر الحج شوّال وذو القعدة وذو الحجة عند أكثر علمائنا ، وبه قال مالك ، وهو مروي عن ابن عباس وعمر وابن عمر
؛ لقوله تعالى : (
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) وأقلّ الجمع ثلاثة .
وما رواه زرارة عن
الباقر عليه السلام ، قال : « (
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، ليس
لأحد أن يُحرم بالحج في سواهنّ ، وليس لأحد أن يُحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول الله صلّى الله عليه
__________________
وآله
، وإنّما مثل ذلك مثل مَنْ صلّى أربعاً في السفر وترك الثنتين »
.
ولأنّه يصح أن يقع في
باقي ذي الحجة شيء من أفعال الحج ، كالطواف والسعي وذبح الهدي .
وقال بعض علمائنا هي
: شوّال وذو القعدة والى قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة ؛ لقوله تعالى : (
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ )
ولا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر .
ولقوله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ )
وهو سائغ يوم النحر ؛ لأنّه يمكنه التحلّل في أوّله .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ
المراد : فمن فرض في أكثرهن ، وبه يتمّ المطلوب .
وقال بعض علمائنا :
هي شوّال وذو القعدة والى طلوع الفجر من ليلة النحر . وبه قال الشافعي .
وقال بعضهم : وتسعة
من ذي الحجة .
وقال أبو حنيفة
وأصحابه : الى آخر العاشر من ذي الحجة ـ وبه قال ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وعطاء ومجاهد والحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأحمد ـ لقول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير : شهران وعشر ليال . وإذا اُطلق ذلك ، اقتضى تعدّده من الأيّام .
__________________
ولأنّ يوم النحر يدخل
به وقت ركن من أركان الحج ، وهو : طواف الزيارة ، ويقع فيه كثير من أفعال الحجّ ، كالرمي والنحر والحلق والطواف والسعي والرجوع الى منى ، فكان من أشهره ، كيوم عرفة .
واعلم : أنّه لا
فائدة كثيرة في هذا النزاع ؛ للإِجماع على أنّه لو فاته الموقفان فقد فاته الحجّ ، وأنّه يصح كثير من أفعال الحج يوم العاشر وما بعده .
مسألة ١٣٧ : لو أحرم بالحجّ قبل أشهره ، لم ينعقد إحرامه للحجّ ، وينعقد للعمرة ـ وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشافعي
ـ لقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَّعْلُومَاتٌ ) تقديره : وقت الحجّ أشْهُر ، أو أشهر
الحجّ أشْهُر ، فحُذف المضاف ، واُقيم المضاف اليه مقامه ، وإذا ثبت أنّه وقته ، لم يجز تقديم إحرامه عليه ، كأوقات الصلوات .
ولقول الصادق عليه
السلام : « مَنْ أحرم بالحجّ في غير أشهُر الحجّ فلا حجّ له » .
وأمّا انعقاده للعمرة
: فلقول الصادق عليه السلام في رجل فرض الحجّ من غير أشهر الحجّ ، قال : « يجعلها عمرة » .
وقال مالك والثوري
والنخعي وأبو حنيفة وأحمد واسحاق : ينعقد
إحرامه ، واذا بقي على احرامه الى وقت الحجّ ، جاز ؛ لقوله تعالى :
__________________
(
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) فدلّ على أنّ جميع الأشهر ميقات .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ
الأزمنة أوقات للحوادث التي من جملتها الحجّ .
مسألة ١٣٨ : لا ينعقد الاحرام بالعمرة المتمتّع بها قبل أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، انعقد للعمرة المبتولة ـ وهو أحد قولي الشافعي وأحمد ـ لأنّ الإِحرام بالعمرة نسك وركن من أركانها ، فيعتبر وقوعه
في أشهر الحجّ ، كما يعتبر وقوع باقيها .
ولأنّ المتمتّع بها
داخَلَه في الحجّ ؛ لقوله عليه السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه ، والحجّ لا يصح إحرامه قبل أشهره ، فكذا ما دخل فيه .
ولقول الصادق عليه
السلام : « لا تكون عمرة إلّا في أشهر الحجّ » .
ولأنّه أتى بنسك لا
تتم العمرة إلّا به في غير أشهر الحج ، فلا يكون متمتّعاً كما لو طاف .
وقال الشافعي في ثاني
قوليه : إنّه إذا أحرم بالعمرة في رمضان وأتى بالطواف والسعي والحلق في شوّال وحجّ من سنته فإنّه يكون متمتّعاً
.
وقال مالك : إذا أحرم
بها في غير أشهر الحجّ ولم يتحلّل من إحرام
__________________
العمرة
حتى دخلت أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً .
وقال أبو حنيفة : إذا
أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً إذا دخلت عليه أشهر الحجّ .
وكلّ هذه الأقوال لا
حجّة عليها ، فلا يلتفت اليها .
مسألة ١٣٩ : العمرة المبتولة تجوز في جميع أيّام السنة بغير خلاف بين علماء الأمصار ؛ لما رواه العامة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( عمرة في رمضان تعدل حجّةً ) .
واعتمر عليه السلام في
شوّال وفي ذي القعدة .
واعتمرت عائشة من
التنعيم ليلة المحصب ، وهي الليلة التي يرجعون فيها من منى الى مكة .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « السنة اثنا عشر شهراً ، يعتمر لكلّ شهر عمرة » .
ولأنّها عبادة لها
تحريم وتحليل فكان من جنسها عبادة غير مؤقّتة ، كالصلاة .
مسألة ١٤٠ : المتمتّع إذا دخل مكة وخاف فوات الوقت لو أكملها ، جاز له أن ينقل نيته الى الإِفراد ليدرك أحد الموقفين ثم يعتمر عمرة مفردة بعد إتمام الحج .
__________________
وكذا الحائض والنفساء
لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء إحرام الحجّ ، نقلتا حجّتهما الى الإِفراد ، واعتمرتا بعده ؛ لأنّ التكليف منوط بالقدرة .
ولما رواه جميل عن
الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : « تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجّةً مفردة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم وتجعلها عمرة » .
إذا عرفت هذا ، فلو
غلب على ظنّها أنّها تطهر وتدرك الموقف ، صبرت على إحرام المتعة الى أن تطهر ثم تطوف وتتمّ متعتها ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن المرأة تجيء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة ، فقال : « إن كانت تعلم أنّها تطهر وتطوف بالبيت وتحلّ من إحرامها وتلحق الناس فلتفعل » .
البحث الثالث : في المواقيت
والنظر في أمرين :
الأول : تعيينها
مسألة ١٤١ : المواقيت ستّة ، فقد أجمع العلماء كافّة على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نصّ على أربعة مواقيت ، وهي : ذو الحليفة والجحفة وقرن المنازل ويَلَمْلَمْ .
وروى العامة عن ابن
عباس ، قال : وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ،
__________________
ولأهل
اليمن يَلَمْلَمْ ، قال : فهي لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ، فمن كان يريد الحجّ والعمرة فمن كان دونهن فمهلَّه من أهله ، وكذلك أهل
مكة يهلّون منها .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولا تجاوزها إلّا وأنت محرم ، فإنّه وقّت لأهل العراق ـ ولم يكن يومئذٍ عراق ـ بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي : مَهْيَعَة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله » .
وأمّا ميقات أهل
العراق : فقد اتّفقوا على أنّه لو أحرم من ذات عرق أحرم من الميقات ، وكان أنس يحرم من العقيق ، واستحسنه الشافعي وابن المنذر وابن عبد البرّ ، واختلفوا في ثبوته .
قال العلماء : إنّه
يثبت بالنصّ من النبي صلّى الله عليه وآله ، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال أحمد وأصحاب أبي حنيفة
؛ لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل العراق ذات عرق .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام وقد سأله أبو أيّوب الخزّاز
__________________
ـ
في الصحيح ـ : حدّثني عن العقيق أوقت وقّته رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أو شيء صنعه الناس ؟ فقال عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي عندنا مكتوبة مَهْيَعَة ، ووقّت لأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل نجد العقيق وما أنجدت » .
وقال قوم : إنّه يثبت
قياساً ؛ لأنّ أهل العراق كانوا مشركين .
ولا حجّة فيه ؛ لعلمه
عليه السلام بأنّهم يُسلمون ، أو يمرّ على هذا الميقات مسلمون .
مسألة ١٤٢ : مَنْ كان منزله دون الميقات فميقاته منزله بإجماع العلماء ـ خلافاً لمجاهد ؛ فإنّه قال : يُهلّ بمكة . وهو خطأ ـ لما رواه العامّة عن علي عليه السلام وابن مسعود وعمر في قوله تعالى : (
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) قالوا : إتمامهما أن تحرم بهما من
دويرة أهلك .
وعن النبي عليه
السلام في قوله : ( فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله » .
__________________
مسألة ١٤٣ : ميقات أهل المدينة ذو الحليفة ـ وهو مسجد الشجرة ـ اختياراً ، وهو على عشرة مراحل من مكة ، وعن المدينة ميل ، وعند الضرورة الجحفة .
روى العامّة عن جابر
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله يقول : ( مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « الإِحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يُحْرم قبلها ولا بعدها ، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، وهو مسجد الشجرة » الحديث .
وفي الصحيح عن الحلبي
، قال : سألته من أين يُحْرم الرجل إذا جاوز الشجرة ؟ فقال : « من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلّا محرماً »
.
وكان الصادق عليه
السلام عليلاً فأحرم من الجحفة .
مسألة ١٤٤ : العقيق ميقات أهل العراق ، وكلّ جهاته ميقات من أين أحرم جاز ، لكن الأفضل الإِحرام من المسلخ ، وتليه غمرة ، وآخره ذات عرق .
وروى العامّة عن ابن
عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وقّت لأهل المشرق العقيق .
قال ابن عبد البرّ :
العقيق أولى وأحوط من ذات عرق ، وذات عرق
__________________
ميقاتهم
بإجماع .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام ، قال : « وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق أوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، وأوّله أفضل » .
واعلم أنّ أبعد
المواقيت ذو الحليفة على عشرة مراحل من مكة ، وتليه في البُعْد : الجحفة ، والمواقيت الثلاثة على مسافة واحدة بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان .
مسألة ١٤٥ : المواقيت المذكورة مواقيت لأهلها ولمن مرّ بها ممّن يُريد الحجّ أو العمرة ، فإذا حجّ الشامي من المدينة فجاز على ذي الحليفة ، أحرم منها ، وإن حجّ من اليمن ، فميقاته يَلَمْلَمْ ، وإن حجّ من العراق ، فميقاته العقيق ، وكذا غيرها ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لما روى العامّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( هُنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن أراد الحجّ والعمرة ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الكاظم عليه السلام : « مَنْ دخل المدينة فليس له أن يُحْرم إلّا من المدينة » .
ولأنّ التكليف
بالمضيّ إلى ميقات بلده ضرر ، فيكون منفيّاً .
مسألة ١٤٦ : الصبي ميقاته هذه المواقيت ، ويجوز أن يجرّد من فخّ ، وأن يؤخّر إحرامه إليه ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ، قال
: سمعت الصادق عليه السلام يقول : « قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن
__________________
مَرٍّ
ثم يصنع بهم ما يصنع بالمُحْرم ويطاف بهم ويسعى بهم ، ومَنْ لم يجد منهم هدياً صام عنه وليّه » .
وسأل أيّوب
الصادق عليه السلام عن الصبيان أين نجرّدهم للإِحرام ؟ فقال : « كان أبي يجرّدهم من فخّ » .
مسألة ١٤٧ : ميقات عمرة التمتّع هذه المواقيت ، وميقات حجّه مكة لا غير ، فإن أحرم من غير مكة اختياراً ، لم يجزئه ، وكان عليه العود إلى مكة لإِنشاء الإِحرام ، ذهب إليه علماؤنا .
وقال أحمد : يخرج إلى
الميقات فيُحْرم منه للحجّ .
وليس بصحيح ، لما
رواه العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل على عائشة وهي تبكي ، قال لها : ( أهلّي بالحجّ ) وكانت بمكة .
وأمر أصحابه بالإِحرام
من مكة لمّا فسخوا الحجّ .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا كان يوم التروية ـ إلى أن قال ـ وادخل المسجد ـ إلى أن قال ـ فأحرم بالحجّ »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
أحرم من غير مكة اختياراً ، لم يجزئه ، وكان عليه العود إلى مكة لإِنشاء الإِحرام ، لأنّ النبي عليه السلام أمر أصحابه بالإِحرام من مكة .
وقال الشافعي : يجوز
أن يخرج إلى أحد المواقيت فيُحْرم بالحجّ
__________________
منه
.
ويجوز أن يُحرم من
أيّ موضع كان من مكة ؛ لأنّها كلّها ميقات ، لكن الأفضل الإِحرام من المسجد ، وأفضله تحت الميزاب أو في مقام إبراهيم عليه السلام .
ولو خرج من مكة بغير
إحرام ناسياً أو جاهلاً ، رجع إليها أو أحرم منها ، فإن عرض له مانع ، أحرم من موضعه ولو بعرفات ، وكذا في الخائف من الرجوع .
مسألة ١٤٨ : هذه المواقيت المذكورة مواقيت للحجّ على ضروبه وللعمرة المفردة إجماعاً إذا قدم مكة حاجّاً أو معتمراً .
أمّا المفرد والقارن
إذا قضيا مناسك الحج وأرادا الاعتمار ، أو غيرهما ممّن يريد الاعتمار ، فإنّه يلزمه أن يخرج إلى أدنى الحلّ ، فيُحْرم بالعمرة المفردة ثم يعود إلى مكة للطواف والسعي ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله لمّا أرادت عائشة أن تعتمر بعد التحلّل من الحجّ أمر عبد الرحمن أن يُعْمرها من التنعيم ، وهو من الحلّ .
ولو خرج إلى أحد
المواقيت فأحرم منه ، جاز لكن خفّف عنه بالإِحرام من أدنى الحلّ .
وينبغي أن يُحْرم من
الجعرانة ؛ فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله اعتمر منها ، فإن فاتته فمن التنعيم ؛ لأنّ النبي عليه السلام أمر عائشة
بالإِحرام منها ، فإن فاتته فمن الحديبية ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله لمّا
قفل من
__________________
حنين
أحرم بالجعرانة .
النظر الثاني : في أحكام المواقيت
مسألة ١٤٩ : لا يجوز الإِحرام قبل الميقات عند علمائنا إلّا لناذر على خلاف ، ولمُريد العمرة في رجب إذا خاف فواته .
وأطبق العامّة على جوازه
، واختلفوا في الأفضل .
فقال مالك : الأفضل الإِحرام
من الميقات ، ويكره قبله . وبه قال عمر وعثمان والحسن وعطاء ومالك وأحمد وإسحاق .
وقال أبو حنيفة :
الأفضل الإِحرام من بلده .
وعن الشافعي
كالمذهبين .
وكان علقمة والأسود
وعبد الرحمن وأبو إسحاق يُحرمون من بيوتهم .
لنا : ما رواه
العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله أحرم من الميقات
، ولا يفعل إلّا الراجح ، وقال عليه السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )
فوجب
__________________
اتّباعه
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا إحرام له »
.
ولأنّه أحرم قبل
الميقات ، فكان حراماً ، كالإِحرام قبل أشهر الحجّ .
ولما فيه من التغرير
بالإِحرام والتعرّض لفعل محظوراته ، وفيه مشقّة على النفس ، فمُنع ، كالوصال في الصوم .
احتجّوا : بما رواه
العامّة عن اُمّ سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر )
.
وفي الطريق ضعف عند
العامّة .
مسألة ١٥٠ : سوّغ أكثر أصحابنا الإِحرام قبل المواقيت في موضعين :
الأول : إذا نذر أن يُحرم
قبل الميقات ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يُحرم من الكوفة ، قال : « فليُحْرم من الكوفة وليف لله بما قال »
.
الثاني : مَنْ يريد الإِحرام
بالعمرة المفردة في رجب ، فإنّه إذا خشي تقضّيه قبل الوصول إلى الميقات ، جاز له أن يُحْرم قبل الميقات ليدرك التلبّس بالعمرة في رجب ؛ لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام عن
__________________
الرجل
يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب ، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيُحْرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخّر الإِحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان ؟ قال : « يُحْرم قبل الوقت لرجب ، فإنّ لرجب فضلاً وهو الذي نوى » .
مسألة ١٥١ : وكما لا يجوز الإِحرام قبل الميقات كذا لا يجوز مجاوزته بغير إحرام لمن يريد النسك ، فإن جاوزه فعليه أن يرجع ليُحْرم منه إن أمكنه ، سواء تجاوزه عالماً أو جاهلاً ، وسواء علم تحريم ذلك أو جهله ، فإن رجع إليه فأحرم منه ، فلا شيء عليه ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ فائدة توقيت رسول الله صلّى الله عليه وآله لهذه المواقيت : الإِلزام بالمناسك منها لا يتقدّم عنها ولا يتأخّر .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « من تمام الحجّ والعمرة أن تُحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولا تجاوزها إلّا وأنت مُحْرم »
.
مسألة ١٥٢ : لو أحرم غير الناذر وغير مريد الاعتمار في رجب قبل الميقات ، لم ينعقد إحرامه ، ولم يعتدّ به ، ولو فعل ما هو محظور على المُحْرم ، لم يكن عليه شيء ، وإذا بلغ الميقات ، وجب عليه تجديد الإِحرام من رأس ؛ لأنّ ما فَعَله كان منهيّاً عنه ، فلا يكون مجزئاً .
ولأنّ الباقر عليه
السلام شبّه ذلك بمن صلّى في السفر أربعاً ، والصادق عليه السلام شبّهه بمن صلّى العصر ستّاً
، والمعنى واحد ، وهو
__________________
الزيادة
في الفريضة ، كزيادة المُحْرم قبل الميقات على المقدار المعتبر في نظر الشرع .
وقال الباقر عليه
السلام : « من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأصاب شيئاً من النساء والصيد فلا شيء عليه »
.
وأطبق الجمهور كافّة
على صحة هذا الإِحرام .
مسألة ١٥٣ : لو ترك الإِحرام من الميقات عامداً مع إرادة النسك ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله جعل المواقيت مواطن الإِحرام ، ومنع من الجواز بها إلّا لمُحْرم إذا كان مُريداً للنسك
.
ولما روى العامّة أنّ
أبا الشعثاء جابر بن زيد رأى ابن عباس يردّ مَنْ جاوز الميقات غير مُحْرم .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل ترك الإِحرام حتى دخل الحرم ، فقال : « يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يُحْرمون منه ، فيُحرم ، وإن خشي أن يفوته الحجّ فليُحْرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وكان قد ترك الإِحرام من الميقات عامداً متمكّناً منه مع إرادة النسك ، بطل حجّة ـ وبه قال سعيد بن جبير ـ لأنّه ترك الإِحرام من الميقات عامداً
متمكّناً ، فبطل حجّه ،
__________________
كما
لو ترك الوقوف بعرفة .
وقالت العامّة :
يجبره بدم ، ويُحْرم من موضعه ؛ لما رواه ابن عباس : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( من ترك نسكاً فعليه دم )
.
ونحن إنّما نثبت
العموم لو قلنا بصحة الحج ، وهو ممنوع .
ولو أحرم من موضعه مع
تركه عامداً قادراً ، لم يجزئه على ما بيّنّاه ، ولو عاد إلى الميقات فكذلك ما لم يجدّد الإِحرام ؛ لأنّ الأول لم ينعقد ، فجرى مجرى الإِخلال بالإِحرام .
ولا فرق في بطلان
الحج بين أن يكون عدم التمكّن من الرجوع لمرض أو خوف أو ضيق الوقت .
مسألة ١٥٤ : لو ترك الإِحرام عامداً فقد قلنا بوجوب الرجوع ، فإن رجع إلى الميقات وأحرم منه ، فلا دم عليه ، سواء رجع بعد التلبّس بشيء من أفعال الحج ، كطواف القدوم مثلاً ، أو الوقوف ، أو لم يتلبّس ـ وبه قال عطاء والحسن والنخعي ـ لأنّ إحرامه من موضعه لا اعتداد به ،
وكذا ما فعله ، ومع الرجوع إلى الميقات يصح إحرامه ، والأصل براءة الذمّة من الدم .
ولأنّه رجع إلى الميقات
وأحرم منه ، فلا شيء عليه ، كما لو لم يفعل شيئاً من مناسك الحج .
وقال الشافعي : إن
رجع قبل التلبّس ، فلا شيء عليه ، وإن رجع بعد التلبّس ، وجب عليه دم ؛ لأنّه أحرم من دون الميقات فوجب الدم
، لكن برجوعه سقط ؛ لأنّه حصل في الميقات مُحْرماً قبل التلبّس بشيء من أفعال
__________________
العبادة
، فلا يجب عليه الدم ، كما لو أحرم منه ، أمّا إذا عاد بعد فعل شيء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه ؛ لأنّ الإِحرام يتقدّم أفعال الحج .
وقد بيّنّا أنّ فعله
لا اعتداد به ، فلا فرق بينهما .
وقال أبو حنيفة : إن
رجع إلى الميقات ، سقط عنه الدم ، وإن لم يلبّ لم يسقط .
وقال مالك : يجب الدم
مطلقاً ـ وبه قال أحمد وزفر وابن المبارك ـ لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم .
ونمنع كون قوله حجةً
أو العموم .
إذا عرفت هذا ، فلو
لم يرجع مع قدرته ، بطل إحرامه وحجّه .
وقال الشافعي : إن لم
يتمكّن من الرجوع ، جاز أن يُحْرم من مكانه ، ويجب الدم ، وإن لم يكن له عذر ، وجب الرجوع ، فإن لم يرجع أثم ، ووجب الدم ، وصحّ إحرامه .
وقد بيّنّا بطلانه .
مسألة ١٥٥ : لو تجاوز الميقات ناسياً أو جاهلاً ، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات ، وإنشاء الاحرام منه مع القدرة ، ولا يكفيه المرور بالميقات ، فإن لم يتمكن ، أحرم من موضعه ، ولو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع ، لم يجزئه .
__________________
وقد وافقنا العامّة
على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي والجاهل .
أمّا غير مُريد النسك
فقد وافقنا أحمد أيضاً في إحدى الروايتين على وجوب الرجوع ؛ لأنّه متمكّن من الإِتيان بالنسك على الوجه المأمور به ، فيكون واجباً عليه .
ولما رواه الحلبي ـ في
الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يُحْرم حتى دخل الحرم ، قال : « عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم » .
وسأل أبو الصباح
الكناني الصادق عليه السلام عن رجل جهل أن يُحْرم حتى دخل الحرم كيف يصنع ؟ قال : « يخرج من الحرم يهلّ بالحج »
.
وقال مالك والثوري
والشافعي وأبو يوسف ومحمد : يُحْرم من موضعه ؛ لأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإِحرام منه كأهل ذلك المكان .
والفرق ظاهر ؛ لقوله عليه
السلام : ( ومَنْ كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله ) .
إذا عرفت هذا ، فلو
لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وتمكّن من
__________________
الخروج
إلى خارج الحرم ، وجب عليه ؛ لما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يُحْرم منه الناس ، فنسي أو جهل فلم يُحْرمْ حتى أتى مكة فخاف إن يرجع إلى الوقت فيفوته الحج ، قال : « يخرج من الحرم فيُحْرم منه ويجزئه ذلك » .
ولأنّه بخروجه إلى خارج
الحرم يكون جامعاً بين الحِلّ والحرم ، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج .
ولو لم يتمكّن من
الخروج ، أحرم من موضعه ، وأجزأه إجماعاً ، ولا يجب عليه دم ، خلافاً للشافعي .
ولو أسلم بعد مجاوزة
الميقات ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولا دم عليه ـ وبه قال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي
ـ لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإِحرام منه ، فأشبه المكّي ومَنْ كان منزله دون الميقات .
وقال الشافعي : يجب
الدم .
وعن أحمد روايتان
.
والصبي والعبد إذا
تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر وتمكّنا من الحجّ ، وجب عليهما الرجوع إلى الميقات ، والإِحرام منه ، وإن لم
__________________
يتمكّنا
، أحرما من موضعهما ، ولا دم عليهما ، خلافاً للشافعي
.
ولو منعه مرض من الإِحرام
عند الميقات ، قال الشيخ رحمه الله : جاز له أن يؤخّره عن الميقات ، فإذا زال المنع ، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه .
والظاهر أنّ مقصوده
تأخير نزع الثياب وكشف الرأس وشبهه ، فأمّا النية والتلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه .
ولو زال عقله بإغماء
وشبهه ، سقط عنه الحج ، فلو أحرم عنه رجل ، جاز ؛ لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في مريض أُغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف ، قال : « يحرم عنه رجل »
.
إذا عرفت هذا ، فإنّ الإِحرام
يجزئ عنه بمعنى لو أفاق ، كان مُحْرماً ، ويجب عليه إتمام الحج ، فإن زال قبل الموقفين ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن زال بعده ، لم يجزئه عن حجّة الإِسلام .
مسألة ١٥٦ : المواقيت التي يجب الاحرام منها هي التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلو كان الميقات قرية فخربت ونقلت عمارتها إلى موضع آخر ، كان الميقات موضع الاُولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية ؛ لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع ، فلا يزول عنه بخرابه .
وقد روي أنّ سعيد بن
جبير رأى رجلاً يريد أن يُحْرم من ذات عِرْقٍ ، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ، ثم قال : هذه ذاتُ عِرْق الاُولى .
مسألة ١٥٧ : لو سلك طريقاً لا يؤدّي إلى شيء من المواقيت ، روى
__________________
العامّة
عن عمر لمّا قالوا له : وقِّتْ لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم ؟ قالوا : قرن المنازل ، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم : بطن العقيق ، وقال قوم : ذات عِرْق ، فوقَّت عمر ذات عِرْقٍ .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « مَنْ أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهراً أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها » .
ولو لم يعرف محاذاة
الميقات المقارب لطريقة ، احتاط وأحرم من بُعْدٍ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ، ولا يلزمه الإِحرام حتى يعلم
أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك .
ولو أحرم بغلبة الظنّ
بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير مُحْرم ، الأقرب : عدم وجوب الرجوع ؛ لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن ، فكان مجزئاً .
ولو مرّ على طريق لم
يحاذ ميقاتاً ولا جاز به ، قال بعض الجمهور : يُحْرم من مرحلتين ، فإنّه أقلّ المواقيت وهو ذات عِرْق
.
ويحتمل أنّه يُحْرم
من أدنى الحِلّ .
مسألة ١٥٨ : أهل مكة يُحرمون للحجّ من مكة ، وللعمرة من أدنى الحلّ ، سواء كان مقيماً بمكة أو غير مقيم ؛ لأنّ كلّ مَنْ أتى على ميقات كان ميقاتاً له ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولهذا أمر النبي صلّى الله عليه وآله ،
__________________
عبد
الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم ، وكانت بمكة
.
وإنّما لزم الإِحرام
من الحِلّ ؛ ليجمع في النسك بين الحِلّ والحرم ، فإنّه لو أحرم من الحرم ، لما جمع بينهما فيه ؛ لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم ، بخلاف الحجّ ؛ فإنّه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحِلّ والحرم ، والعمرة بخلاف ذلك .
ومن أيّ الحِلّ أحرم
جاز ، كما أنّ المُحْرم من مكة يُحْرم من أيّ موضع شاء منها ؛ لأنّ المقصود من الإِحرام الجمع في النسك بين الحِلّ والحرم .
وعن أحمد رواية : أنّ
من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يُهلّ بالحجّ من الميقات ، فإن لم يفعل ، فعليه دم .
ولو أحرم بالعمرة من
الحرم ، لم يُجْزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم جوّزوه ، وأوجبوا عليه الدم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات
.
ثم إن خرج إلى الحِلّ
قبل الطواف ثم عاد ، أجزأه ؛ لأنّه قد جمع بين الحِلّ والحرم .
وإن لم يخرج حتى قضى
عمرته صحّ أيضاً عندهم ؛ لأنّه قد أتى بأركانها ، وإنّما أخلّ بالإِحرام من ميقاتها وقد جبره ، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي ، والقول الثاني : لا تصح عمرته ؛ لأنّه نسك ، فكان من شرطه الجمع بين الحِلّ والحرم ، كالحجّ ، فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه ، وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحِلّ ، ثم يطوف بعد ذلك ويسعى ، وإن حلق قبل ذلك فعليه دم
.
__________________
مسألة ١٥٩ : مَنْ لا يريد النسك لو تجاوز الميقات ، فإن لم يُرِدْ دخول الحرم ، بل أراد حاجةً في ما سواه ، فهذا لا يلزمه الإِحرام إجماعاً ، ولا شيء عليه في ترك الإِحرام ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أتى هو وأصحابه بَدْراً مرّتين ، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره ، فيمرّون بذي الحليفة فلا يُحْرمون ، ولا يرون بذلك بأساً .
ثم لو تجدّد له عزم الإِحرام
، احتمل الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه ، وهو قول إسحاق وإحدى الروايتين عن أحمد .
وفي الاُخرى : يُحْرم
من موضعه ولا شيء عليه ، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد .
وأمّا إن أراد دخول
الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها ، فأقسامه ثلاثة :
الأول : مَنْ يدخلها
لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكرّرة ، كالحشّاش والحطّاب وناقل المِيرَة ، ومَنْ كانت له ضيعة يتكرّر دخوله وخروجه إليها ، فهؤلاء لا إحرام عليهم ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل يوم الفتح مكة حلالاً وعلى رأسه المِغْفَر ، وكذا أصحابه
.
ولأنّ في إيجاب الإِحرام
على مَنْ يتكرّر دخوله مشقّةً عظيمةً ؛ لاستلزامه
__________________
أن
يكون مُحْرماً في جميع زمانه . وبهذا قال الشافعي وأحمد
.
وقال أبو حنيفة : لا
يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلّا مَنْ كان دون الميقات ؛ لأنّه يجاوز الميقات مُريداً للحرم ، فلم يجز بغير إحرام ، كغيره
.
والشافعي استدلّ :
بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء .
إذا عرفت هذا ، فلو
أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات ، رجع وأحرم منه ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه .
وقالت العامّة : يُحْرم
من موضعه مطلقاً .
الثاني : مَنْ لا
يكلّف بالحجّ ـ كالصبي والعبد والكافر ـ إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات ، أو بلغ الصبي ، أو عُتق العبد ، وأراد الإِحرام ، فإنّهم يخرجون إلى الميقات ، ويُحْرمون منه ، فإن لم يتمكّنوا ، أحرموا من موضعهم .
وقالت العامّة : يُحْرمون
من موضعهم ثم اختلفوا :
فقال الشافعي : على كلّ
واحد منهم دم .
وقال عطاء ومالك
والثوري والأوزاعي وإسحاق وأحمد : لا دم عليهم .
__________________
وقال أصحاب الرأي :
لا دم في الكافر يسلم والصبي يبلغ ، وأمّا العبد فعليه دم .
الثالث : المكلّف
الداخل لغير قتال ولا حاجة متكررة ، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير مُحْرم ، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي
.
وقال بعضهم : لا يجب الإِحرام
عليه ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام ، ولأنّه أحد الحرمين ، فلا يجب الإِحرام لدخوله ، كحرم المدينة .
والحقّ خلافه ؛ لأنّه
لو نذر دخولها ، لزمه الإِحرام ، ولو لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول ، كسائر البلدان .
إذا ثبت هذا ، فمتى
أراد هذا الإِحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه ، فإن أحرم من دونه مع القدرة ، لم يجزئه ، ولو لم يتمكّن ، أحرم من موضعه .
مسألة ١٦٠ : لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإِحرام ، وجب عليه الخروج والإِحرام من الميقات ، فإن حجّ والحال هذه ، بطل حجّه ، ووجب عليه القضاء ـ والشافعي [ ما ] أوجب القضاء
ـ ؛ لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ ، فوجب عليه الإِعادة .
وقال أبو حنيفة : يجب
عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإن أتى بحجّة الإِسلام في سنته أو منذورة أو عمرة ، أجزأته عن عمرة الدخول استحساناً ؛ لأنّ مروره على الميقات مريداً للحرم موجب للإِحرام ، فإذا لم يأت به ، وجب قضاؤه ، كالنذر .
__________________
وقال أحمد : لا قضاء
عليه ؛ لأنّ الإِحرام شُرّع لتحية البقعة ؛ فإذا لم يأت به ، سقط ، كتحية المسجد .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
تحية المسجد غير واجبة .
ولو تجاوز الميقات
ورجع ولم يدخل الحرم ، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده .
ومَنْ كان منزله دون
الميقات خارجاً من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة ؛ لأنّ موضعه ميقاته ، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي .
مسألة ١٦١ : إذا ترك الإِحرام من الميقات عامداً ، أثم ، ووجب عليه الرجوع إليه والإِحرام منه ، فإن لم يتمكّن من الرجوع ، بطل حجّه .
ولو تركه ناسياً أو
جاهلاً ، وجب عليه الرجوع مع القدرة ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم ، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلى الميقات أم لا ـ وقالت العامّة : يُحْرم من موضعه . وابن جبير وافقنا ـ لأنّه ترك ركناً من أركان
الحج .
واحتجاج العامّة على أنّه
ليس بركن : بإختلاف الناس والأماكن ، ولو كان ركناً لم يختلف ، كالوقوف والطواف .
والملازمة ممنوعة .
ويستحب لمن يُحْرم من
ميقات أن يُحْرم من أول جزء ينتهي إليه منه ، ويجوز أن يُحْرم من آخره ؛ لوقوع الاسم عليه .
ومَنْ سلك طريقاً لا
يُفضي إلى هذه المواقيت في برٍّ أو بحرٍ ، فقد قلنا :
__________________
إنّ
ميقاته حيث يُحاذي واحداً منها .
ولو حاذى ميقاتين ،
فأظهر وجهي الشافعية : أنّه يُحْرم من الموضع المحاذي لأبعدهما ، والثاني : يتخيّر .
مسألة ١٦٢ : قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ ، وأنّها ثلاثة : تمتّع
وقران وإفراد ، وأنّ الإِفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته وبالعمرة مفردةً من ميقاتها
في حقّ الحاضر بمكة ، ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده عند الشافعي
.
وعن أبي حنيفة أنّ
عليه أن يعود ، وعليه دم الإِساءة لو لم يَعُدْ
.
والقران عند الشافعي
: أن يُحْرم بالحجّ والعمرة معاً ، ويأتي بأعمال الحجّ ، فتحصل العمرة أيضاً ، ويتّحد الميقات والفعل
.
وعند أبي حنيفة :
يأتي بطوافين وسَعْيَيْن .
ولو أحرم بالعمرة
أوّلاً ثم أدخل عليها الحج ، لم يجز عندنا .
وقال الشافعي : إن
أدخله في غير أشهر الحج ، فهو لغو و [ إحرام ] العمرة بحاله ، وإن أدخله عليها في أشهر الحجّ ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارناً ، فوجهان :
أحدهما : يجوز ؛
لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به ، ووقت إحرامه به صالح للحج ، فعلى هذا له أن يجعله حجّاً بعد دخول الأشهر ، وأن يجعله قراناً .
__________________
والثاني : لا يجوز ؛
لأنّ ابتداء الإِحرام متلبّس بإحرامٍ ، ولذلك لو ارتكب محظوراً ، لم يلزمه إلّا فدية واحدة ، فلو انعقد الحجّ وابتداء الإِحرام سابق على الأشهر ، لانعقد الإِحرام بالحجّ قبل أشهره ، فعلى هذا لا يجوز أن يجعله حجّاً .
وإن كان إحرامه في
أشهر الحجّ ، فإن لم يشرع بَعْدُ في الطواف ، جاز ، وصار قارناً ؛ لقضية عائشة لمّا حاضت وخافت فوت الحجّ ، فأمرها النبي عليه السلام بإدخال الحجّ على العمرة لتصير قارنةً لتأتي بأعمال الحجّ ، وتؤخّر الطواف إلى أن تطهر .
وإن شرع فيه أو أتمّه
، لم يجز إدخال العمرة عليه ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال العمرة ، فيقع ذلك العمل عن العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها .
ولأنّه أخذ في
التحلّل من العمرة ، فلا يليق به إدخال إحرام عليه ، والمتحلّل جارٍ إلى نقصان .
وشبّهوه بما لو
ارتدّت الرجعية ، فراجعها الزوج في العدّة ، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّ الرجعة استباحة ، فلا يليق بحال التي تجري إلى تحريم .
ولو أحرم بالحجّ ثم
أدخل عليه العمرة ، فقولان :
القديم ـ وبه قال أبو
حنيفة ـ إنّه يجوز كإدخال الحجّ على العمرة .
والجديد ـ وبه قال
أحمد ـ المنع ؛ لأنّ الحجّ أقوى من العمرة ؛ لاختصاصه بالوقوف والرمي والمبيت ، والضعيف لا يدخل على القويّ وإن كان القويّ قد يدخل على الضعيف ، كما أنّ فراش النكاح يدخل على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اُخت أمةٍ حلّ له وطؤها ، وفراش ملك اليمين لا
يدخل على فراش النكاح حتى لو اشترى اُخت منكوحةٍ لم يجز له وطؤها .
__________________
فإن جوّزنا إدخال
العمرة على الحجّ فإلى متى يجوز ؟ فيه لهم وجوه :
أحدها : يجوز ما لم
يطف للقدوم ، ولا يجوز بعده ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال الحجّ .
والثاني : يجوز وإن
طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي ولا غيره من فروض الحجّ .
والثالث : يجوز ما لم
يقف بعرفة ، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ .
والرابع : يجوز وإن
وقف ما لم يشتغل بشيء من أسباب التحلّل من الرمي وغيره .
قالوا : ويجب على القارن
دم ؛ لأنّ النبي عليه السلام أهدى عن أزواجه بقرةً وكنّ قارنات ، ودم القارن كدم المتمتّع ؛ لأنّه أكثر ترفّهاً ؛ لاستمتاعه بمحظورات الإِحرام بين النسكين ، فما يكفي المتمتّع أولى أن يكفي القارن .
وقال مالك : على القارن
بدنة . وهو القول القديم للشافعي .
وأمّا التمتّع : فأن يُحْرم
بالعمرة من ميقات بلده ، ويأتي بأعمالها ، ثم ينشئ الحج من مكة ، سُمّي متمتّعاً ؛ لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإِحرام بينهما ، لحصول التحلّل . وهذا كمذهبنا .
وعند أبي حنيفة إن
كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة ، بل يُحْرم بالحجّ ، فإذا فرغ منه ، حلّ منهما .
وإنّما يجب دم
التمتّع عند الشافعي بشروط :
الأول : أن لا يكون
من حاضري المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى :
__________________
(
ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) والمعنى فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة ، فلا يكون بالتمتّع رابحاً ميقاتاً .
الثاني : أن يُحْرم
بالعمرة في أشهر الحج ، فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ ، لم يلزمه الدم ؛ لأنّه لم يجمع بين الحجّ والعمرة في وقت الحجّ ، فأشبه المفرد لمّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم ؛ لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعنى بأمرين :
أحدهما : ربح ميقات ،
كما سبق .
والثاني : وقوع
العمرة في أشهر الحجّ ، وكانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه ، ويستنكرون ذلك ، فورد التمتّع رخصةً وتخفيفاً ؛ إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام ، ويشقّ عليه استدامة الإِحرام لو أحرم من الميقات ، ولا سبيل إلى مجاوزته ، فجُوّز أن يعتمر ويتحلّل .
ولو أحرم بها قبل
أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحجّ ، فللشافعي قولان :
أحدهما : يلزمه الدم
ـ قاله في القديم ـ لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال وهي المقصودة ، والإِحرام كالتمهيد لها .
وأصحّهما : لا يلزم ـ
وبه قال أحمد ـ لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ ؛ لتقدّم أحد أركان العمرة عليها .
وقال مالك : مهما حصل
التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم .
وقال أبو حنيفة : إذا
أتى بأكثر أفعال العمرة في الأشهر ، كان متمتّعاً
.
وإذا لم نوجب دم
التمتّع في هذه الصورة ، ففي وجوب دم الإِساءة
__________________
للشافعية
وجهان :
أحدهما : يجب ؛ لأنّه
أحرم بالحج من مكة دون الميقات .
وأصحّهما : لا يجب ؛
لأنّ المسيء مَنْ ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويتجاوزه غير مُحْرم ، وهنا قد أحرم بنسك ، وحافَظَ على حرمة البقعة .
الثالث : أن يقع
الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة ، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حجّ ، أو رجع وعاد ؛ لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّةً في وقتها ، وترك الإِحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإِمكان ولم يوجد .
وهذه الشرائط الثلاثة
عندنا شرائط في التمتّع .
الرابع : أن لا يعود
إلى الميقات ، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمرّ عليه ، فإن عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه وأحرم بالحجّ ، فلا دم عليه ؛ لأنّه لم يربح ميقاتاً .
ولو رجع إلى مثل
مسافة ذلك الميقات وأحرم منه ، فكذلك لا دم عليه ؛ لأنّ المقصود قطع تلك المسافة مُحْرماً .
ولو أحرم من جوف مكة
ثم عاد إلى الميقات مُحْرماً ، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير مُحْرم وعاد إليه مُحْرماً .
ولو عاد إلى ميقات
أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى ذات عرق ، فهو كالعود إلى ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان :
أحدهما : لا ، وعليه
الدم إذا لم يَعُدْ إلى ميقاته ولا إلى مثل مسافته .
والثاني : نعم ؛
لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام .
الخامس : اختلفت
الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا ؟
فقال بعضهم : يشترط
كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة .
وقال الأكثر : لا
يشترط ؛ لأنّ زحمة الحجّ وترك الميقات لا يختلف .
وهذا يفرض في ثلاث صُور
:
إحداها : أن يكون
أجيراً من شخصين استأجره أحدهما للحج والآخر للعمرة .
والثانية : أن يكون
أجيراً للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه .
والثالثة : أن يكون
أجيراً للحجّ ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر .
فعلى قول الأكثر يكون
نصف دم التمتّع على مَنْ يقع له الحجّ ونصفه على مَنْ تقع له العمرة .
وفصّل بعضهم ، فقال
في الصورة الاُولى : إن أذنا في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإن لم يأذنا ، فهو على الأجير ، وإن أذن أحدهما دون الآخر ، فالنصف على الآذن ، والنصف الآخر على الأجير .
وأمّا في الصورتين
الأخيرتين : فإن أذن له المستأجر في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإلّا فالكلّ على الأجير .
السادس : في اشتراط
نيّة التمتّع للشافعي وجهان :
أصحّهما عنده : أنّه
لا يُشترط ، كما لا تُشترط نيّة القران ، وهذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ وربح أحد الميقاتين ، وذلك لا يختلف بالنيّة وعدمها .
والثاني : يشترط ؛
لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما ، فأشبه الجمع بين الصلاتين .
وهذه الشروط الستّة
معتبرة عنده في لزوم الدم ، وهل تعتبر في نفس التمتّع ؟
قال بعض الشافعية :
نعم ، فإذا تخلّف شرط ، كانت الصورة من صُور الإِفراد .
وقال بعضهم : لا .
وهو الأشهر عندهم ، ولهذا اختلفوا في أنّه يصحّ
التمتّع
والقران من المكّي .
فقال بعضهم : نعم .
وبه قال مالك .
وقال بعضهم : لا يصح
. وبه قال أبو حنيفة .
وعندنا يصحّ القران
من المكّي دون التمتّع .
مسألة ١٦٣ : دم التمتّع نسك ـ وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
ـ لقوله تعالى : ( وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) .
فأخبر أنّها من
الشعائر ، فأمر بالأكل ، فلو كان جبراناً لما أمر بالأكل منها .
وقال الشافعي : إنّه
دم جبران . وقد ظهر بطلانه .
إذا عرفت هذا ،
فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة ، لزمه الدم إجماعاً ، فإن أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا ؛ لأنّه متمتّع .
وقال جميع العامّة :
يسقط عنه الدم .
مسألة ١٦٤ : من حضر الميقات ولم يتمكّن من الإِحرام لمرض أو غيره ، أحرم عنه وليّه وجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وقد تمّ إحرامه .
والحائض والنفساء إذا
جاءتا إلى الميقات اغتسلتا وأحرمتا منه وتركتا صلاة الإِحرام .
__________________
ويجرّد الصبيان من
فخّ إذا أُريد الحجّ بهم ، ويجنّبون ما يجتنبه المحرم ، ويفعل بهم جميع ما يفعل به ، وإذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة ، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم .
ولو كان الصبي لا
يحسن التلبية أو لا يتأتّى له ، لبّى عنه وليّه ، وكذا يطوف به ، ويصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك .
وإن حجّ بهم متمتّعين
، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغاراً ، وإن كانوا كباراً ، جاز أن يؤمروا بالصيام .
وينبغي أن يوقفوا
الموقفين معاً ويحضروا المشاهد كلّها ويرمي عنهم ، ويناب عنهم في جميع ما يتولّاه البالغ بنفسه .
وإذا لم يوجد لهم هدي
ولا يقدرون على الصوم ، كان على وليّهم أن يصوم عنهم .

المقصد الثاني في أعمال العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ
وفيه فصول :

الأول
في الإِحرام
وفيه مطالب :
الأول : في مقدّماته
مقدّمات الإِحرام
كلّها مستحبّة ، وأمّا الإِحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمداً بطل حجّه .
وتشتمل المقدّمات
المستحبّة على مسائل :
مسألة ١٦٥ : يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة ولا يمسّ منهما شيئاً بحلقٍ أو نَتْفٍ أو جزٍّ ، ويتأكّد عند هلال
ذي الحجة ، فإن مسّ منهما شيئاً ، يكون قد ترك الأفضل ، ولا شيء عليه ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه .
وقال في بعضٍ :
التوفير واجب ، فإن مسّ منهما شيئاً ، وجب عليه دم يهريقه .
أمّا التوفير : فلما
رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « الحجّ أشهرٌ معلومات : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمَنْ أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفّر
__________________
شعره
شهراً » .
والأصل عدم الوجوب .
احتجّ الشيخ : بما
رواه جميل عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة ، قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شيء ، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء ، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً
يهريقه » .
وهو محمول على ما إذا
حلق بعد التلبّس بالإِحرام ، ويدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة ، وهو إنّما يكون بها بعد الإِحرام .
ولا بأس بحلق الرأس
وقصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة .
مسألة ١٦٦ : يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف بإزالة الشَعَث وقطع الرائحة ونَتْف الإِبط وقصّ الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ؛ لأنّ الإِحرام يُسنُّ له الاغتسال ، فتُسَنُّ هذه الأشياء له ، كالجمعة .
ولأنّ الإِحرام يمنع
حلق الشعر وتقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلّا يحتاج إليه في إحرامه ، فلا يتمكّن منه .
قال الصادق عليه
السلام : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فانتف إبطك واحلق عانتك وقلّم أظفارك وقصّ شاربك ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت » .
ولو كان قد أطلى قبل الإِحرام
، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوماً ، فإن مضت ، استحب له الإِطلاء .
__________________
والإِطلاء أفضل ؛
للرواية .
مسألة ١٦٧ : يستحب له إذا وصل إلى الميقات وأراد الإِحرام أن يغتسل إجماعاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله تجرّد لإِهلاله واغتسل
، وأمر أسماء بنت عميس ـ وهي نفساء ـ أن تغتسل عند الإِحرام
، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإِهلال بالحج وهي حائض ، رواه العامّة .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا انتهيت إلى العقيق ـ إلى أن قال ـ ثم استك واغتسل » .
وهذا الغسل ليس واجباً
في قول أكثر أهل العلم .
قال ابن المنذر :
أجمع أهل العلم على أنّ الإِحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب .
وحكي عن الحسن أنّه
قال : إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر .
وليس دالاً على الوجوب
.
ويستوي في استحبابه
الرجل والمرأة والصبيّ .
ولا فرق بين الحائض
والنفساء وغيرهما ؛ لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم .
ولو كان على الحائض
أو النفساء مقام بالميقات حتى تطهر ، فالأولى أن تؤخّر الإِحرام حتى تطهر وتغتسل ؛ ليقع إحرامها في أكمل أحوالها .
__________________
ولو تعذّر الماء أو
استعماله ، تيمّم بدلاً من غسله ، قاله الشيخ رحمه الله ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه غسل مشروع ، فناب عنه التيمّم
كالواجب .
وقال أحمد : لا يستحب
؛ قياساً على غسل الجمعة .
مسألة ١٦٨ : لو خاف عوز الماء في الميقات ، جاز له تقديم الغسل على الميقات ، ويكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات ، ثم يُحْرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم وليلة ؛ لقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإِحرامه أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة ؟ قال : « نعم » .
وأرسل هشام بن سالم
إلى الصادق عليه السلام ، قال : نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك ، فأرسل إلينا أن « اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني » .
إذا عرفت هذا ، فلو
قدّم الغسل خوفاً من عوز الماء ثم وجده في الميقات ، استحب له إعادته .
وغسل اليوم يجزئ عن
ذلك اليوم ، وغسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم .
قال الصادق عليه
السلام : « من اغتسل منذ طلوع الفجر [ كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً ]
كفاه غسله إلى
__________________
طلوع
الفجر » .
ولو اغتسل ثم نام قبل
أن يعقد الإِحرام ، أعاد الغسل ؛ لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظم عليه السلام عن الرجل يغتسل للإِحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل » .
وكذا لو لبس قميصاً
مخيطاً ، أعاد الغسل استحباباً ؛ لأنّه منافٍ للإِحرام ، لقول الباقر عليه السلام : « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يُحرم فلبس قميصاً قبل أن يلبّي فعليه الغسل » .
وكذا لو أكل ما لا
يحل للمُحرم أكله بعد الغسل ، فإنّه يعيد الغسل استحباباً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إذا لبست ثوباً لا ينبغي [ لك ]
لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل »
.
ولو قلّم أظفاره بعد
الغسل قبل الإِحرام ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّه محلّ ، ولا يعيد الغسل ؛ لقول الصادق عليه السلام في رجل اغتسل للإِحرام ثم قلّم أظفاره ، قال : « يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل »
.
ولو أحرم بغير غسل ،
استحب إعادته ؛ لأنّه تقدمة مندوبة ، فاستحب إعادة الفعل مع الإِخلال بها ، كالأذان .
وكتب الحسن بن سعيد
إلى الكاظم عليه السلام : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ما عليه في ذلك ؟ وكيف ينبغي أن يصنع ؟
__________________
فكتب
: « يعيده » .
ويجوز الادّهان بعد
الغسل قبل الإِحرام ؛ لأنّه محلٌّ .
ولأنّ ابن أبي يعفور
سأل الصادق عليه السلام : ما تقول في دهنة بعد الغسل للإِحرام ؟ فقال : « قبل وبعد ومع ليس به بأس »
.
هذا إذا لم يكن الدهن
فيه طيب ، ولو كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإِحرام ، لم يجز ؛ لقول الصادق عليه السلام : « الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل »
.
مسألة ١٦٩ : يكره أن يتطيّب للإِحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقى إلى بعد الإِحرام ، ولو كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، كان محرّماً ، ووجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر بن الخطّاب ومالك ومحمد بن الحسن ـ لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة
، قال : كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بالجعرانة ، فأتاه رجل عليه مقطّعة ـ يعني جبّة ـ وهو مضمّخ بالخلوق في بعضها ، وعليه ردعٌ
من زعفران ، فقال : يا رسول الله إنّي أحرمت بالعمرة وهذه عليّ ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك ؟ ) قال : كنت أنزع هذه المقطّعة وأغسل
__________________
هذا
الخلوق ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك فاصنعه في عمرتك ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الكاظم عليه السلام : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر ، فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به »
.
وسأل إسماعيل بن
الفضل الصادق عليه السلام : عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب ، قال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »
.
وقال الشافعي : يستحب
له أن يتطيّب قبل الإِحرام للإِحرام ، سواء كان طيباً يبقى عينه ، كالغالية والمسك ، أو تبقى رائحته ، كالبخور والعود والنّدّ
ـ وبه قال عبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقّاص واُمّ حبيبة وعائشة ومعاوية وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد ، ورواه العامّة عن ابن عباس وابن الحنفية وأبي سعيد الخدري وعروة والشعبي ـ لأنّ عائشة قالت : كنت اُطيّب رسول
الله صلّى الله عليه وآله لإِحرامه قبل أن يُحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف
.
ونمنع الرواية ،
ونحمله على ما لا تبقى رائحته إلى بعد الإِحرام .
إذا ثبت هذا ، فلو
لبس ثوباً مطيّباً ثم أحرم ، وكانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، وجب عليه نزعه ، أو إزالة الطيب عنه ، فإن لم يفعل وجب الفداء .
ويجئ على مذهب
الشافعي : أنّه لا يجب الفداء إلّا إذا نزعه ثم لبسه ؛
__________________
لأنّه
لبس ثوباً مطيّباً بعد إحرامه .
ولو نقل الطيب من
موضع من الثوب إليه ، [ لزمته الفدية ] .
ولو تطيّب فسال الطيب
من موضعه إلى موضع آخر ، ففيه للشافعي وجهان :
أحدهما : لا يجب
الفداء ؛ لأنّه يجري مجرى الناسي .
والثاني : يجب ؛
لأنّه حصل بسببه . واعتماده على الأول .
مسألة ١٧٠ : لا يجوز تطيّب إزار الإِحرام وردائه حالة الإِحرام ولا قبله إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام .
وللشافعي قولان :
أحدهما : المنع ؛
لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه ، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب .
وأصحّهما عندهم :
الجواز ، كتطيّب البدن .
ولو طيّب بدنه فتعطّر
ثوبه تبعاً ، فلا بأس به عنده .
والخلاف من العامّة
فيما إذا قصد تطييب الثوب ، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإِحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإِحرام ، كما في البدن
.
لكن لو نزعه ثم لبسه
ففي الفدية لهم وجهان :
أحدهما : لا تلزم ؛
لأنّ العادة في الثوب أن ينزع ويعاد .
__________________
وأصحّهما : اللزوم
كما لو أخذ القمل من بدنه ثمّ ردّه
.
وللشافعي ثلاثة أوجه
:
فقال في وجه باستحباب
التطييب للإِحرام .
وفي آخر : إنّه مباح
ليس بمسنون .
وفي آخر : إنّه لا
يجوز للنساء التطييب .
وله آخر : إنّه لا
يستحب لهنّ .
ولا فرق بين التطييب
الذي يبقى له أثر وجرم وبين غيره .
ومنع أبو حنيفة ممّا
يبقى جرمه ولا يثبت .
وعند مالك يكره
التطيّب بما تبقى رائحته بعد الإِحرام .
وإذا تطيّب للإِحرام
فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به ، ولا يجيء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها
إزالة الطيب ؛ لأنّ هذا محقّق حقّ لله تعالى ، والمساهلة فيه أكثر
.
والحقّ : أنّ
الاستدامة كالابتداء في التحريم ؛ للإِجماع على تحريم الطيب على المحرم ، ولم يفصّلوا بين استئنافه واستدامته .
مسألة ١٧١ : لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإِحرام بل يكره للزينة ، وسيأتي .
وقال الشافعي : يستحب
للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلى الكوعين قبل الإِحرام ، وتمسح وجهها أيضاً بشيء من الحناء يسيراً ، ولا
__________________
يختص
أصل الاستحباب بالإِحرام ، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال ، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده .
ولا فرق في حالة الإِحرام
بين الخليّة وذات الزوج ، وإنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش ، والتطريف ، وهو : خضب أطراف الأصابع ، ووافقنا على كراهية الخضاب بعد الإِحرام
.
مسألة ١٧٢ : أفضل أوقات الإِحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر ، فيبدأ أوّلاً بعد الزوال بركعتي الإِحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإِحرام عقيب صلاة الظهر ، وإن اتّفق أن يكون الإِحرام في غير هذا الوقت ، كان جائزاً ، لكن الأفضل أن يكون الإِحرام بعد صلاة فريضة ، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر ، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة ، صلّى ست ركعات ، وينوي بها صلاة الإِحرام ، ويُحرم في دبرها ، وإن لم يتمكّن من ذلك ، أجزأه ركعتان .
وينبغي أن يقرأ في الاُولى
منهما بعد التوجّه : الحمد والإِخلاص ، وفي الثانية : الحمد والجحد ، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما ؛ لما روى العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، صلّى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار ، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس »
.
وسأل الحلبي الصادقَ عليه
السلام عن إحرام النبي صلّى الله عليه وآله أيّة ساعة ؟ قال : « صلاة الظهر » .
__________________
وقال الصادق عليه
السلام : « لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة » .
وقال عليه السلام : «
تصلّي للإِحرام ست ركعات تحرم في دبرها » .
إذا ثبت هذا ، فإنّ
صلاة الإِحرام تفعل في جميع الأوقات وإن كان أحد الأوقات المكروهة .
وأصحّ الوجهين عند
الشافعية : الكراهة في الأوقات المكروهة .
وهل تكفي الفريضة عن
ركعتي الاحرام ؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي .
لكن المشهور تقديم
نافلة الإِحرام على الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة ، وذلك يدلّ على عدم الاكتفاء في الاستحباب .
المطلب الثاني : في كيفيته
مسألة ١٧٣ : الإِحرام يشتمل على واجب وندب ، ونحن نذكر المندوب في أثناء المسائل .
وواجبات الإِحرام
ثلاثة : النيّة والتلبيات الأربع ولُبس ثوبي الإِحرام .
وينبغي للحاج إذا وصل
إلى الميقات أن يقلّم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وينتف إبطيه أو يطلي بالنورة ، ويحلق عانته أو يطلي ، ويغتسل ، ويدعو عند الاغتسال بالمنقول ، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشّح
__________________
بالآخر
، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ست ركعات الإِحرام أو ركعتيه ، فإذا فرغ من صلاته ، حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلّى الله عليه وآله ، ويدعو بالمنقول ، فإذا فرغ من الدعاء ، لبّى فيقول : لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
وقال الشيخ في كتبه :
لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك .
ثم لا يزال مكرّراً
للتلبية مستحبّاً إلى أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصّر وقد أحلّ ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك ، ثم يمضي إلى عرفات على ما سبق ذكره .
والنظر في الواجبات يتعلّق
بأُمور ثلاثة :
الأول : النية
مسألة ١٧٤ : النيّة واجبة في الإِحرام وشرطٌ فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه ؛ لقوله تعالى : (
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ )
والإِخلاص النيّة ، والإِحرام عبادة .
ولقوله عليه السلام :
( إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ) .
وللشافعي قولان : هذا
أحدهما ، والآخر : إنّ الإِحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة ، ويلزمه ما لبّى به .
وليس بجيّد ؛ لما
تقدّم .
__________________
والواجب في النيّة أن
يقصد بقلبه إلى اُمور أربعة : ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّباً به إلى الله تعالى ، ويذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد
، ويذكر الوجوب أو الندب وما يحرم له من حجّة الاسلام أو غيرها .
ولو نوى الإِحرام
مطلقاً ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرةً ، انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ ؛ لأنّها عبادة منويّة .
ولما رواه العامّة
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، خرج من المدينة لا يسمّي حجّاً ولا عمرةً ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه مَن كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرةً
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : لمّا رجع من اليمن وجد فاطمة عليها السلام قد أحلّت ، فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله مستنبئاً ومُحرشاً
على فاطمة عليها السلام ، فقال : « أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي ؟ » فقال : « إهلالاً كإهلال النبي صلّى الله عليه وآله » فقال النبي صلّى الله عليه وآله : « كُن على إحرامك مثلي ، فأنت شريكي في هديي » وكان النبي صلّى الله عليه وآله ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعلي عليه السلام منها أربعاً وثلاثين ، ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده
، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً ، ثم طبخها في قدر ، وأكلا منها
وتحسّيا من المرق ، فقال : « قد أكلنا الآن منها جميعاً » ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا
__________________
جلالها
ولا قلائدها ولكن تصدّق
بها ، وكان علي عليه السلام يفتخر على الصحابة ويقول : « مَن فيكم مثلي وأنا شريك رسول الله صلّى الله عليه وآله في هديه ، مَن فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلّى الله عليه وآله هديي بيده » .
ولأنّ الإِحرام
بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات ؛ لأنّه لا يخرج منه بالفساد .
وإذا عقد عن غيره ،
أو تطوّعاً وعليه فرضه ، وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقاً .
وإذا ثبت أنّه ينعقد
مطلقاً ، فإن صرفه إلى الحجّ ، صار حجّاً ، وإن صرفه إلى العمرة ، صار عمرةً ، وإلى أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد ، انصرف إليه .
ولو صرفه إلى الحجّ
والعمرة معاً ، لم يصح عندنا ، خلافاً للعامّة .
فروع :
أ ـ
لو عقده مطلقاً قبل أشهر الحجّ ، انعقد للعمرة ؛ لأنّه إحرام لا يصح لغيرها ، فانصرف إليها .
ب ـ
لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة وأطلق الإِحرام ، فالأقرب انصراف المطلق إلى ما وجب عليه .
ج ـ
يصح إبهام الإِحرام ، وهو : أن يُحرم بما أحرم به فلان ، فإن علم ما أحرم به فلان ، انعقد إحرامه مثله .
__________________
ولو لم يعلم وتعذّر
علمه بموت أو غيبة ، قال الشيخ : يتمتّع احتياطاً للحجّ والعمرة .
ولو بان أنّ فلاناً
لم يُحْرم ، انعقد مطلقاً ، وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء ، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلانٌ أم لا ؛ لأصالة عدم إحرامه .
د ـ
لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين ، قال بعض العامّة
: ينعقد حجّاً ، وينوي الحجّ ، ويقع هذا الطواف طواف القدوم ، ولا يصير معتمراً ؛ لأنّ الطواف ركن في العمرة ، فلا يقع بغير نيّة ، وطواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة ، فيصير حاجّاً .
ويحتمل عدم اعتداده
بطوافه ؛ لأنّه لم يطف في حجّ ولا عمرة .
هـ ـ
تعيين الإِحرام أولى من إطلاقه ـ وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه ـ لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به ، فيكون أولى من عدم العلم
.
وقال الشافعي في
الآخر : الإِطلاق أولى ؛ لأنّ النبي عليه السلام أطلق الإِحرام .
والرواية مرسلة ،
والشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة على أنّه عليه السلام عيّن ما أحرم به .
مسألة ١٧٥ : لو أحرم بنسك ثم نسيه ، تخيّر بين الحجّ والعمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما ، قاله الشيخ في المبسوط ؛ لأنّه قبل الإِحرام يجوز ابتداءً أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز ؛ عملاً
__________________
باستصحاب
الحال .
ولأنّه لو أحرم
بالحجّ ، جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم .
وقال الشيخ في الخلاف
: يجعله عمرةً ـ وبه قال أحمد ـ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة ، فإن كان بالحجّ ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلى عمرته يتمتّع بها ، وإن كان بالعمرة ، صحّ لها ، فقد صحّت للعمرة على الوجهين ، وإذا أحرم بالعمرة ، لم يمكنه جعلها حجّةً مع القدرة على إتيان أفعال العمرة ، فلهذا قلنا : يجعلها عمرة
.
وقال أبو حنيفة : يجب
عليه أن ينوي القران ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة ، فلم يكن له الاجتهاد ، وإنّما يرجع إلى اليقين ، كما لو شكّ في عدد الركعات ، بخلاف الإِناءين والقبلة ؛ لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه ، وأمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه ولا أمارة على ذلك إلّا ذكره ، فلم يرجع إلّا إليه
.
وهو معارض ببراءة
الذمّة من المعيّن .
أمّا لو تعيّن أحدهما
عليه ، فالوجه : انصرافه إليه .
وقال الشافعي في
القديم : يتحرّى ويبني على ما يغلب على ظنّه ؛ لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة ، وكان له الاجتهاد فيه ، كالإِناءين والقبلة .
ونمنع حكم الأصل .
__________________
إذا ثبت هذا ، فلو
أحرم بهما معاً ، لم يصح ، قال الشيخ : ويتخيّر
.
وكذا لو شكّ هل أحرم
بهما أو بأحدهما ، فعل أيّهما شاء .
ولو تجدّد الشك بعد
الطواف ، جعلها عمرةً متمتّعاً بها إلى الحجّ .
مسألة ١٧٦ : لو نوى الإِحرام بنسك ولبّى بغيره ، انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به ؛ لأنّ الاعتبار بالنيّة ، والتلفّظ ليس واجباً ، فلا اعتبار به .
ولأنّ أحمد بن محمد
سأل الرضا عليه السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع ؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصلّيت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة [ وقصرت ]
وفسختها وجعلتها متعة » .
ولا بدّ من تعيين
النوع من تمتّع أو قران أو إفراد .
وقال الشافعي في أحد
وجهيه : لا يفتقر المتمتّع إلى النيّة .
وليس بجيّد ؛ لقوله
تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ) والتمتّع عبادة .
ولأنّها أفعال مختلفة
، فلا بدّ من النيّة ، ليتميّز بعضها عن الآخر .
ويستحب أن يذكر في
لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ ـ وبه قال أحمد ـ لما رواه العامّة عن أنس ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله
عليه وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً ) .
__________________
وقال أبو سعيد :
خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله نصرخ بالحجّ .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إنّ عليّاً عليه السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ وعمرة » .
ولو اتّقى ، كان
الأفضل الإِضمار .
النظر الثاني : في لُبس الثوبين
مسألة ١٧٧ : إذا أراد الإِحرام ، وجب عليه نزع ثيابه ، ولُبس ثوبي الإِحرام يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( وتلبس إزاراً ومُلاءة ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « والبس ثوبيك » .
ويجب أن يكون الثوبان
ممّا تصح فيهما الصلاة ؛ لقول الصادق عليه السلام : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تُحرم فيه »
.
فلا يجوز الإِحرام في
الابريسم المحض للرجال ؛ لأنّ لُبسه محرّم ، فلا يكون عبادةً .
والأقرب : جواز لُبس
النساء الحرير المحض حالة الإِحرام ، اختاره
__________________
المفيد
ـ خلافاً للشيخ
ـ لما رواه يعقوب بن شعيب ـ في الصحيح ـ قال : قلت للصادق عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الخزّ والحرير والديباج فقال : « نعم لا بأس به » .
احتجّ الشيخ ـ رحمه
الله ـ بما رواه عيص ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « المرأة المُحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين » .
وهو محمول على الكراهة
.
مسألة ١٧٨ : يستحب الإِحرام في الثياب القطن ، وأفضلها البيض ؛ لما رواه العامّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( خير ثيابكم البيض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفّنوا بها موتاكم )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « كان ثوبا رسول الله صلّى الله عليه وآله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عَبْريّ وأظفار
، وفيهما كفّن » .
ولا بأس بالثوب
الأخضر والمعصفر وغيرهما ؛ لأنّ أبا العلاء الخفاف رأى الباقر عليه السلام وعليه بُرد أخضر وهو مُحرم
.
__________________
وسأل علي بن جعفر
أخاه الكاظم عليه السلام : يلبس المُحرم الثوب المشبع بالعُصفر ؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس »
.
ويكره الثياب السود ؛
لقول الصادق عليه السلام : « لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميّت » .
مسألة ١٧٩ : يكره المعصفر إذا كان مشبعاً ، ولا يكره إذا لم يكن مشبعاً عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ ) .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن الثوب يكون مصبوغاً بالعُصفر ثم يغسل ألبسه وأنا مُحرم ؟ قال : « نعم ليس العُصفر من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس » .
وقال أبو حنيفة : العُصفر
طيب تجب به الفدية على المُحرم ، كالورس والزعفران .
وهو ممنوع ، وقد نصّ
الصادق عليه السلام على أنّه ليس بطيب .
__________________
مسألة ١٨٠ : يجوز الإِحرام في الممتزج من الحرير وغيره ؛ لخروجه عن اسم الابريسم بالمزج .
ولأنّ الصادق عليه
السلام سُئل عن الخميصة سُداها إبريسم ولُحمتها من غَزل ، قال : « لا بأس بأن يحرم فيها ، إنّما يكره الخالص منه
» .
وكذا يجوز الإِحرام
في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل وذهبت رائحته ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت
بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه .
ولأنّ الكاظم عليه
السلام سُئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله واُحرم فيه ؟ قال : « لا بأس به » .
وسأل إسماعيل بن
الفضل الصادقَ عليه السلام عن المُحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب ، فقال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »
.
ولو أصاب ثوبه شيء
من خلوق الكعبة وزعفرانها ، لم يكن به بأس وإن لم يغسله ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المُحرم ، قال : « لا بأس به ولا يغسله فإنّه طهور »
.
ويكره النوم على الفُرش
المصبوغة ؛ لقول الباقر عليه السلام : « يكره
__________________
للمُحرم
أن ينام على الفراش الأصفر والمِرفقة الصفراء »
.
ويكره الإِحرام في
الثياب الوسخة قبل الغسل ؛ لاستحباب التنظيف ، وقد تقدّم .
وسئل أحدهما عليهما
السلام عن الثوب الوسخ يُحرم فيه المُحرم ، فقال : « لا ، ولا أقول : إنّه حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ ، وطهره غسله » .
مسألة ١٨١ : ولا يلبس ثوباً يزرّه ولا مدرعة ولا خُفّين ولا سراويل ، كما يحرم عليه لُبس المخيط ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا مدرعة ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان » .
ولا بأس بلُبس
الطيلسان ، ولا يزرّه على نفسه ؛ لأنّه بمنزلة الرداء ، وإنّما لا يزرّه ؛ لأنّه حينئذٍ يتنزّل منزلة المخيط ؛ لقول الصادق عليه السلام في
المُحرم يلبس الطيلسان المزرور ، قال : « نعم في كتاب علي عليه السلام : ولا تلبس طيلساناً حتى تحلّ أزراره » وقال : « إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه ، فأمّا الفقيه فلا بأس بلُبسه » .
وأمّا السراويل فهي
مخيطة يحرم لُبسها على المُحرم إلّا أن لا يجد إزاراً ، فيجوز له لُبسها ، ولا فدية عليه ـ وبه قال الشافعي وأحمد
ـ لما رواه العامة
__________________
عن
النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( إذا لم يجد المُحرم نعلين لبس خُفّين ، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار » .
وقال أبو حنيفة ومالك
: إذا لبس السراويل ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّ ما وجب بلُبسه الفدية مع وجود الإِزار وجب للُبسه الفدية مع عدمه كالقميص
.
والفرق : أنّ القميص
يمكنه أن يستر به عورته ولا يلبسه وإنّما يأتزر به ، وهذا يجب عليه لُبسه ليستر عورته ، ولا يمكنه ستر عورته إلّا بلُبسه على صفته .
مسألة ١٨٢ : ويحرم عليه لُبس القباء بالإِجماع ؛ لأنّه مخيط ، فإن لم يجد ثوباً ، جاز له أن يلبس القباء مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء ، ولا فدية عليه حينئذٍ ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب
الفدية فكذا القباء .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إذا اضطرّ المُحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء »
.
وقال الشافعي ومالك
وأحمد : يجب الفداء ؛ لأنّه مُحرم لبس مخيطاً على العادة في لُبسه ، فوجبت عليه الفدية .
__________________
ونمنع لُبسه على العادة
.
ولو أدخل كتفيه في
القباء ولم يُدخل يديه في كُمّيه ولم يلبسه مقلوباً ، كان عليه الفداء ـ وبه قال الشافعي ـ لعموم ما روي عن النبي صلّى الله
عليه وآله من قوله عليه السلام : ( لا يلبس المُحرم القميص ولا الأقبية )
خرج منه ما لو لبسه مقلوباً ؛ للضرورة ، وعملاً بما تقدّم ، فيبقى الباقي على المنع .
وقال أبو حنيفة : لا
شيء عليه .
قال الشيخ رحمه الله
: متى توشّح به كالرداء لا شيء عليه بلا خلاف .
قال ابن إدريس : ليس
المراد من القلب جعل ظاهره إلى باطنه وبالعكس ، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه
.
وهو حسن ؛ لما روي عن
الصادق عليه السلام : « من اضطرّ إلى ثوب وهو مُحْرم وليس معه إلّا قباء فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه »
.
مسألة ١٨٣ : يجوز للمُحْرم أن يلبس النعلين ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للضرورة الداعية إليه .
ولو لم يجد النعلين ،
لبس الخُفّين ، ويقطعهما إلى ظاهر القدم ، كالشمشكين ، ولا يجوز له لُبْسهما قبل القطع ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو
__________________
حنيفة
ـ لما رواه العامّة عن النبي عليه
السلام : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين ، وليقطعهما حتى يكونا إلى الكعبين ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليه السلام في المُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم »
.
وقال بعض أصحابنا :
يلبسهما صحيحين ـ وبه قال أحمد وعطاء بن أبي رباح ـ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : ( السراويل لمن لا يجد إزاراً ، والخُفّ لمن لا يجد نعلين ) .
ولأنّ فاقد الإِزار
يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخُفّ .
ولا منافاة في الحديث
لقولنا ، واللُّبْس مع الفتق غير ممكن في السراويل .
ويجوز أيضاً أن يلبس
الجُرْمُوقين إذا لم يجد النعلين ؛ لقول الصادق عليه السلام وقد سأله رفاعة عن المُحْرم يلبس الجوربين ، قال : « نعم والخُفّين إذا اضطرّ إليهما » .
ولو وجد النعلين ، لم
يجز له لُبس الخُفّين المقطوعين ولا الجُرْمُوقين ولا الشمشكين ؛ لأنّه عليه السلام شرط في لُبْسهما عدم وجدان النعلين .
__________________
وقال بعض الشافعية :
يجوز . وهو غلط .
وكذا لا يجوز له لُبْس
القباء مقلوباً مع وجود الإِزار .
ولو لم يجد رداءً ،
لم يجز له لُبْس القميص .
ولو عدم الإِزار ،
جاز له التوشّح بالقميص وبالقباء المقلوب ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه » .
مسألة ١٨٤ : يجوز أن يلبس المُحْرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحَرّ أو البرد ، وأن يُغيّرهما ، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السلام عن الثوبين يرتدي بهما ، قال : « نعم والثلاثة يتّقي بها الحَرَّ والبرد » وسأله عن المُحْرم يُحوّل ثيابه ، قال : « نعم » وسأله : يغسلها إن أصابها شيء ، قال : « نعم إذا احتلم فيها فليغسلها » .
ويكره للمُحْرم أن
يغسل ثوبي إحرامه إلّا إذا أصابهما نجاسة ؛ لقول أحدهما عليهما السلام : « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يُحْرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شيء فيغسله » .
إذا ثبت هذا ، فقد
بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه ، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ؛ لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما .
ولقول الصادق عليه
السلام : « لا بأس بأن يُغيّر المُحْرم ثيابه ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما ، وكره أن يبيعهما »
.
__________________
مسألة ١٨٥ : يجوز الإِحرام في الثياب المعلمة ، واجتنابه أفضل ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يُحْرم الرجل في الثوب المعلم ، ويدعه أحبّ إليَّ إذا قدر على غيره » .
ويكره بيع الثوب الذي
أحرم فيه ؛ لقول معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ : كان الصادق عليه السلام يكره للمُحْرم أن يبيع ثوباً أحرم فيه
.
ولو أحرم وعليه قميص
، نزعه ولا يشقّه ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لما روى العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جُبّة بعدما تضمّخ بطيب ؟ فنظر إليه النبي صلّى الله عليه وآله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : ( أمّا الطيب الذي بك فاغسله ، وأمّا الجبّة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال : « ينزعه ولا يشقّه ، وإن كان لبسه بعدما أحرم
شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه » .
قال الشيخ رحمه الله
: إذا لبسه بعدما أحرم ، وجب عليه أن يشقّه ، ويُخْرجه من قدميه ؛ للرواية السابقة وغيرها .
__________________
النظر الثالث : في التلبيات
مسألة ١٨٦ : التلبيات الأربع واجبة وشرط في إحرام المتمتّع والمُفْرِد ، فلا ينعقد إحرامهما إلّا بها ، والأخرس يُشير بها ويعقد قلبه بها ، وأمّا القارن :
فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإِشعار أو التقليد لما يسوقه ، ذهب اليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة والثوري ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) .
قال ابن عباس : الإِهلال
.
وعن عطاء وطاوس
وعكرمة : هو التلبية .
وما رواه العامّة أنّ
النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو مَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإِهلال )
وظاهر الأمر الوجوب .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كُنْتَ أو راكباً فلَبِّ » الحديث .
وقال أصحاب مالك :
إنّها واجبة يجب بتركها الدم .
__________________
وقال الشافعي : إنّها
مستحبّة ليست واجبةً ، وينعقد الإِحرام بالنيّة ، ولا حاجة الى التلبية ـ وبه قال أحمد والحسن بن صالح بن حي ـ لأنّ التلبية ذكر ، فلا يجب في الحجّ ، كسائر الأذكار .
وليس بجيّد ، لما
يأتي من بيان الوجوب .
مسألة ١٨٧ : والتلبيات الأربع هي الواجبة ؛ للإِجماع على عدم وجوب الزائد عليها ؛ لما رواه الشافعي عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن جابر ، قال : تلبية رسول الله صلّى الله عليه وآله : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
وقال عليه السلام : (
خُذُوا عنّي مناسككم ) .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « فإذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة فاذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلَبِّ ، والتلبية أن تقول : لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعياً الى دار السلام ، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب ، لبّيك لبّيك أهل التلبية ، لبّيك لبّيك ذا الجلال والإِكرام ، لبّيك لبّيك تبدئ والمعاد إليك ، لبّيك لبّيك تستغني ويُفتقر إليك ، لبّيك لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك ، لبّيك لبّيك إله الخلق ، لبّيك لبّيك ذا
النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب ، لبّيك لبّيك عبدك وابن عبديك ، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك » .
__________________
« تقول هذا في دبر
كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل » .
« واعلم أنّه لا بدّ
لك من التلبيات الأربع التي كُنّ في اول الكلام هي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يكثر منها ، وأوّل مَنْ لبّى إبراهيم عليه السلام ، قال : إن الله يدعوكم الى أن تحجّوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلّا أجاب بالتلبية »
.
ولأنّها عبادة لها
تحليل وتحريم ، فكان فيها نطق واجب ، كالصلاة .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
الزائد على الأربع مستحب ـ وبه قال أصحاب أبي حنيفة ـ لما تقدّم .
وقال الشافعي : إنّه
غير مستحب . وبه قال أحمد ـ وقال بعضهم : إنّ الزائد مكروه ـ لما رواه الشافعي عن الصادق عن
الباقر عليهما السلام عن جابر ـ وقد تقدّم ـ وما داوم عليه النبي عليه السلام أولى
.
ونحن نقول : إنّما فَعَله
عليه السلام بياناً للواجب ، فلهذا لم يزد .
ويستحب الإِكثار من
ذكر « ذي المعارج » .
مسألة ١٨٨ : يستحب رفع الصوت بالتلبية ـ وهو قول العلماء ـ لأنّ « جبرئيل قال للنبي صلّى الله عليه وآله : مُرْ أصحابك بالعجّ والثجّ ، والعجّ :
__________________
رفع
الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البُدْن » والأمر هنا ليس
للوجوب ؛ لأصالة براءة الذمّة .
ويستحب الجهر بها
كلّما ركب أو هبط وادياً أو علا أكمةً ، وبالأسحار ؛ لقول الصادق عليه السلام : « واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمةً أو لقيت راكباً ، وبالأسحار »
.
وقال الباقر والصادق عليهما
السلام : « قال جابر بن عبد الله : ما مشى النبي صلّى الله عليه وآله الروحاء حتى بُحّت أصواتنا »
.
ولأنّه من شعائر
العبادة ، فأشبه الأذان ، ولاشتمال الإِجهار على تنبيه الغافلين .
وليس على النساء
إجهار بالتلبية ؛ لقول الصادق عليه السلام : « ليس على النساء جهر بالتلبية » .
والأخرس يُشير إلى التلبية
بإصبعه وتحريك لسانه وعقد قلبه بها ؛ لقول علي عليه السلام : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » .
ولا يجوز التلبية
إلّا بالعربية مع القدرة ـ خلافاً لأبي حنيفة ـ لأنّه المأمور به ، ولأنّه ذكر مشروع ، فلا يجوز بغير العربية ، كالأذان .
__________________
احتجّ : بالقياس على التكبير
.
ونمنع الأصل .
مسألة ١٨٩ : لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعاً ؛ لأنّ النبي عليه السلام قال لعائشة حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهور وعلى كلّ حال » .
وقال الباقر عليه
السلام : « لا بأس أن يلبّي الجنب » .
مسألة ١٩٠ : يستحب أن يذكر في تلبيته ما يُحْرم به من حجّ أو عمرة
ـ وبه قال أحمد ـ لما رواه العامة في حديث أنس ، قال :
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )
.
وقال ابن عباس : قدم
رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه وهُمْ يُلبّون بالحجّ .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام في التلبية : « لبّيك
__________________
بحجّة
تمامها عليك » .
وقال الشافعي : لا
يستحب ؛ لما رواه جابر قال : ما سمّى النبي صلّى الله عليه وآله في تلبيته حجّاً ولا عمرةً
.
وسمع ابن عمر رجلاً
يقول : لبّيك بعمرة ، فضرب صدره وقال : تعلمه ما في نفسك .
وحديث جابر معارض بما
رواه العامّة عنه قال : كنّا مع النبي صلّى الله عليه وآله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ . وبغيره من الروايات .
وقول ابن عمر ليس
حجّةً ، خصوصاً مع معارضته لأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله .
إذا عرفت هذا ،
فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ والعمرة معاً ، فإن لم يمكنه ؛ للتقية أو غيرها ، اقتصر على ذكر الحجّ ، فإذا دخل مكة ، طاف وسعى وقصّر ، وجعلها عمرةً ؛ لقول الصادق عليه السلام عن رجل لبّى بالحجّ مُفرداً ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ ، وليجعلها متعةً ، إلّا أن يكون ساق الهدي ، فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه » .
مسألة ١٩١ : يستحب تكرار التلبية والإِكثار منها على كلّ حال عند الإِشراف والهبوط وأدبار الصلوات وتجدّد الأحوال واصطدام الرفاق والأسحار
__________________
بإجماع
العلماء ، إلّا مالكاً ، فإنّه قال : لا يلبّي عند اصطدام الرفاق
.
والحقّ ما قلناه ؛
لما روى العامة عن جابر : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكباً أو علا أكَمَةً أو هبط وادياً وفي أدبار
الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام وقد ذكر التلبيات : « تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك وبالأسحار »
.
مسألة ١٩٢ : يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة ؛ لما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « المتمتّع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية » .
وأمّا المُفْرد
والقارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال ؛ لرواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا دخلت مكة
وأنت متمتّع فنظرت الى بيوت مكة [ فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة ]
التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والثناء على الله ما استطعت ، وإن كنت قارناً بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة الى زوال الشمس ، وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم »
.
__________________
قال الشيخ رحمه الله
: المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة ، قَطَع التلبية إذا دخل الحرم ، وإن كان ممّن خرج من مكة للإِحرام ، قَطَعها إذا شاهد الكعبة .
وقيل بالتخيير بينها
من غير تفصيل .
قال الصادق عليه
السلام : « مَنْ دَخَل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإِبل أخفافها في الحرم » .
وسأل يونس بن يعقوب
الصادق عليه السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية ؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية »
.
وروى عمر بن يزيد عن
الصادق عليه السلام ، قال : « ومَنْ خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر الى الكعبة »
.
مسألة ١٩٣ : يستحب لمن حجّ على طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية إذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، وإن كان ماشياً فحيث يُحْرم ، وإن كان على غير طريق المدينة ، لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى خطوات ثم لبّى ، كان أفضل ، وبه قال مالك .
وللشافعي قولان :
قال في القديم :
يستحب أن يُهلّ خلف الصلاة نافلةً كانت أو فريضةً . وبه قال أبو حنيفة وأحمد .
__________________
والجديد : أن يلبّي
إذا انبعثت به راحلته إن كان راكباً ، وإذا أخذ في السير إن كان راجلاً .
لنا : ما رواه
العامّة عن ابن عباس ، قال : اغتسل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثم لبس ثيابه ، فلمّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثم قعد على بعيره ، فلمّا استوى به على البيداء أحرم بالحجّ
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء »
.
وأما التفصيل : فيدلّ
عليه قول الصادق عليه السلام : « إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء » .
إذا عرفت هذا ،
فالمراد استحباب الإِجهار بالتلبية عند البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، ولا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وإنّما ينعقد الإِحرام بالتلبية ، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة ، ويستحب الإِجهار بها بالبيداء .
مسألة ١٩٤ : لا يلبّى في مسجد عرفة ـ وبه قال مالك
ـ لما بيّنّاه من أنّ التلبية تُقطع يوم عرفة قبل الزوال .
__________________
وقال الشافعي : إنّه
مستحب .
وليس بمعتمد .
وكذا لا يلبّي في حال
الطواف ـ وبه قال الشافعي وسالم بن عبد الله وابن عيينة ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر قال : لا يلبّي الطائف
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليه السلام : « إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلّوا ، وإذا لبّوا أحرموا ، فلا يزال يحلّ ويعقد حتى يخرج الى منى بلا حجّ ولا عمرة » .
ولأنّا بيّنّا أنّ
المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة .
مسألة ١٩٥ : قد بيّنّا أنّ الإِحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع والمُفْرد ، وأمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات
الأربع أو بالإِشعار أو التقليد أيّها فَعَل انعقد إحرامه به ، وكان الباقي مستحباً .
والإِشعار : أن يشقّ
سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة ، وهو مختص بالإِبل .
والتقليد : أن يجعل
في رقبة الهدي نعلاً قد صلّى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطاً أو سيراً وما أشبههما ليعلم أنّه صدقة ، وهو مشترك بين الأنعام الثلاثة .
وهذا هو المشهور ،
ذهب اليه الشيخ ـ رحمه الله ـ وأتباعه
.
__________________
وقال السيد المرتضى
وابن إدريس من علمائنا : لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلّا بالتلبية .
والوجه : ما قاله
الشيخ ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « يوجب الإِحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإِشعار والتقليد ، فإذا فَعَل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم »
.
إذا عرفت هذا ،
فينبغي أن تُشعر البُدْن وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر ـ وهي قائمة ـ من قِبَل الأيمن ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام عن البُدن كيف تُشعر ؟ فقال : « تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر ـ وهي قائمة ـ من قِبَل الأيمن »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
كانت البُدْن كثيرةً وأراد إشعارها ، دخل بين كلّ بدنتين ، وأشعر إحداهما من الجانب الأيمن والاُخرى من الأيسر ؛ للرواية عن الصادق عليه السلام ، وللتخفيف .
مسألة ١٩٦ : إذا عقد نيّة الإِحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ ولم يشعر ولم يقلّد ، جاز له أن يفعل ما يحرم على المُحْرم فعله ، ولا كفّارة عليه ، فإن لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارناً ، حرم عليه ذلك ، ووجبت عليه الكفّارة بفعله ؛ لأنّ الإِحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة ، فإذا لم يفعلها لم يكن مُحْرماً ؛ لأنّ حفص بن البختري سأل الصادق عليه السلام عمّن عقد الإِحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي ، قال : « ليس عليه شيء »
.
مسألة ١٩٧ : يستحب لمن أراد الإِحرام أن يشترط على ربّه عند عقد
__________________
الإِحرام
: إن لم تكن حجّةً فعمرة ، وأن يُحلّه حيث حبسه ، سواء كان حجّه تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وكذا في إحرام العمرة ـ وبه قال علي عليه السلام ،
وعمر بن الخطّاب وابن مسعود وعمّار وعلقمة وشريح وسعيد بن المسيّب وعكرمة والشافعي وأبو حنيفة وأحمد ـ لما رواه العامّة
عن ابن عباس أنّ ضُباعة أتت النبي صلّى الله عليه وآله ، فقالت : يا رسول الله إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول ؟ قال : ( قُولي : لبّيك اللّهم لبّيك ومحلّي من الأرض حيث تحبسني ، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا أردت الإِحرام والتمتّع فقُلْ : اللّهم إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة الى الحجّ ،
فيسِّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ، وإن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة »
.
وعن الفضيل بن يسار
عن الصادق عليه السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يُحلّه حيث حبسه ، ومُفرد الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّةً فعمرة » .
وأنكره [ ابن ]
عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك ؛ لأنّ ابن
__________________
عمر
كان يُنكر الاشتراط ويقول : حَسْبُكم سنّة نبيّكم
.
ولأنّها عبادة تجب
بأصل الشرع ، فلم يفد الاشتراط فيها ، كالصوم والصلاة .
وقول ابن عمر ليس
بحجّة ، خصوصاً مع معارضته لقول النبي وأهل بيته عليهم السلام .
والقياس ممنوع ؛
للفرق .
إذا عرفت هذا ،
فالاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحجّ في القابل لو فاته الحجّ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن حلّني حيث حبستني ، أعليه الحجّ من قابل ؟ قال : « نعم » .
ولو كان الحجّ تطوّعاً
، سقط عنه الحجّ من قابل .
وإنّما يفيد الاشتراط
جواز التحلّل عند الإِحصار .
وقيل : يتحلّل من غير
اشتراط ـ وهو اختيار أبي حنيفة في المريض . وقال الزهري ومالك وابن عمر : الشرط لا يفيد شيئاً ، ولا يتعلّق به التحليل
ـ لأنّ حمزة بن حمران سأل الصادق عليه السلام عن الذي يقول : حلّني حيث حبستني ، فقال : « هو حلّ حيث حبسه الله تعالى ، قال أو لم يقل ، ولا يُسقط
__________________
الاشتراط
عنه الحجَّ من قابل » .
والوجه : الأول ؛
تحصيلاً لفائدة الاشتراط الثابت بالشرع .
فروع :
أ ـ
لو اشترط في إحرامه أن يُحلّه حيث حبسه ، قال السيد المرتضى : يسقط دم الإِحصار عند التحلّل ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : ( حجّي واشترطي وقولي : اللّهم محلّي حيث حبستني ) ولا فائدة لهذا الشرط إلّا التأثير
فيما قلناه .
وقال الشيخ رحمه الله
: لا يسقط ـ وللشافعي قولان ـ لعموم قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) وفيه قوّة .
ب ـ
لا بُدّ أن يكون للشرط فائدة ـ قاله الشيخ ـ مثل أن يقول : إن مرضتُ أو فنيت نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق عليّ أو منعني عدوّ أو غيره ، فأمّا أن يقول : أن تُحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك .
ج ـ
قال الشيخ رحمه الله : لا يجوز للمشترط أن يتحلّل إلّا مع نيّة التحلّل والهدي معاً ـ وللشافعي فيهما قولان ـ لعموم الأمر بالهدي
،
__________________
وللاحتياط
.
مسألة ١٩٨ : يستحب أن يأتي بالتلبية نسقاً لا يتخلّلها كلام ، فإن سُلّم عليه ردّ في أثنائها ؛ لأنّ ردّ السلام واجب .
ويستحب إذا فرغ من
التلبية أن يصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وآله ؛ لقوله تعالى : (
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) .
قيل في التفسير : لا
اُذكر إلّا وتُذكر معي .
ولأنّ كلّ موضع شُرّع
فيه ذكر الله تعالى شُرّع فيه ذكر نبيه عليه السلام ، كالصلاة والأذان .
ويجزئ من التلبية في
دبر كلّ صلاة مرّة واحدة ؛ لإِطلاق الأمر بها ، وبالواحدة يحصل الامتثال ، ولو زاد ، كان فيه فضل كثير ؛ لقولهم عليهم السلام : « وأكثر من ذكر ذي المعارج » .
ولا أعرف لأصحابنا
قولاً في أنّ الحلال يلبّي في غير دعاء الصلاة ، لكن تلك التلبية غير هذه .
واستحسن الحسن البصري
هذه التلبيات للحلال ، وكذا النخعي وعطاء ابن السائب والشافعي وأبو ثور وأحمد وابن المنذر وأصحاب الرأي
. وكرهه مالك . والأصل عدم مشروعيته .
ويكره للمُحْرم إجابة
مَنْ يناديه بالتلبية ، بل يقول له : يا سعد ؛ للرواية .
__________________
وإذا قال : لبّيك إنّ
الحمد ، كَسَر الألف ، ويجوز فتحها .
قال ثعلب : مَنْ فَتَحها
فقد خصّ ومَنْ كَسَرها فقد عمّ ، ومعناه أنّ مَن كَسَر جَعَل الحمد لله على كلّ حال ، ومَنْ فَتَح فمعناه السببية ، أي : لبّيك لهذا السبب ، أي : للحمد .
المطلب الثالث : في تروك الإِحرام
وهي قسمان : محرمّات
ومكروهات ، فالمحرمات عشرون شيئاً ، والمكروهات عشرة يأتي تفاصيلها في مباحث :
البحث
الأول : يحرم صيد البرّ في الحِلّ والحرم
وكذا يحرم على المُحلّ
صيد الحرم بالنصّ والإجماع .
قال الله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )
.
وقال تعالى : ( لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ )
.
وروى العامّة عن ابن
عباس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكة : ( إنّ هذا البلد حرام حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة ، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يُختلى خلاها
ولا يُعضد شوكها ولا يُنفَّر صيدها ولا تُلتقط لُقطتها إلّا مَنْ عرَّفها
) فقال العباس : يا رسول الله إلّا الإِذخر فإنّه لِقَيْنِهم
وبيوتهم ، فقال رسول الله
__________________
صلّى
الله عليه وآله : ( إلّا الإِذخر ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تُشر اليه فيصيده »
.
وقد أجمع المسلمون
كافّة على تحريم صيد الحرم على الحلال والمُحْرم .
إذا عرفت هذا ،
فالمراد بالصيد الحيوان الممتنع . وقيل : ما جمع ثلاثة أشياء : أن يكون مباحاً وحشيّاً ممتنعاً .
مسألة ١٩٩ : وصيد البرّ حرام على المُحرم اصطياداً وأكلاً وقتلاً وإشارةً ودلالةً وإغلاقاً ، وكذا فرخه وبيضه ، بإجماع العلماء ؛ للنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )
وتحريم العين يستلزم تحريم جميع المنافع المتعلّقة بها .
وما رواه العامّة في
حديث أبي قتادة لمّا صاد الحمار الوحشي وأصحابه مُحْرمون ، قال النبي صلّى الله عليه وآله لأصحابه : ( هل فيكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ ) وهو يدلّ على تعلّق التحريم بالحمل والإِشارة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ، ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تُشر اليه فيصيده »
.
__________________
وقال عليه السلام : «
المُحْرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ عليه فعليه الفداء » .
ولأنّه تسبّب الى مُحرم
عليه فحرم ، كنصبه الاُحبولة .
إذا عرفت هذا ، فلا
فرق بين أن تكون الإِشارة والدلالة صادرةً من المُحْرم الى المُحْرم والى المُحلّ .
مسألة ٢٠٠ : لا يحلّ مشاركة المُحْرم للمُحلّ ولا للمُحْرم في الصيد ، فإن شاركه ، ضمن كلٌّ منهما فداءً كاملاً . وكذا لو اشترك جماعة في قتل صيد ، ضمن كلٌّ منهم فداءً كاملاً ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك
ـ لأنّه قتل الصيد .
ولأنّ عبد الرحمن بن
الحجّاج سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيداً [ وهما مُحرمان ] الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما
جزاء ؟ قال : « لا ، بل عليهما جميعاً ، يجزئ كلّ واحد منهما الصيد »
.
ولأنّه اشترك في محرَّم
مضمون ، فكان على كلّ واحد منهم جزاء كامل ، كما لو اشترك جماعة في قتل مسلم ، وجب على كلّ واحد منهم كفّارة كاملة .
وقال الشافعي وأحمد :
يجب فداء واحد على الجميع ؛ لأنّ المقتول
__________________
واحد
فيتّحد جزاؤه ، كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمي
.
والأصل ممنوع .
ولا يحلّ للمُحْرم
الإِعانة على الصيد بشيء ، فإنّ في حديث أبي قتادة : ثم ركبتُ ونسيتُ السوط والرمح ، فقلت لهم : ناولوني السوط والرمح ، قالوا : والله لا نُعينك عليه . وهو يدلّ على أنّهم اعتقدوا تحريم
الإِعانة ، والنبي صلّى الله عليه وآله أقرّهم على ذلك .
ولأنّه إعانة على محرَّم
فحرم ، كالإِعانة على قتل المسلم .
ولو اشترك مُحلّ ومُحْرم
في قتل صيد ، فإن كان في الحِلّ ، فلا شيء على المُحلّ ، وعلى المُحْرم فداء كامل ، خلافاً للشافعي ، فإنّه قال : يجب عليه نصف الفداء ، ولا شيء على المُحلّ .
وإن كان في الحرم ،
فعلى المُحلّ نصف القيمة ، وعلى المُحرم جزاء كامل ونصف القيمة على الأقوى .
مسألة ٢٠١ : قد بيّنّا أنّه يحرم على المُحْرم الدلالة على الصيد سواء كان المدلول مُحلاً أو مُحْرماً ، وكذا يحرم على الحلال الدلالة لهما في الحرم ، فلو دلّ الحلال مُحرماً على صيد فَقَتَله ، وجب الجزاء على المُحْرم .
وأمّا الدالّ : فإن
كان الصيد في الحِلّ ، فالأقرب أنّه لا شيء عليه ، سواء كان الصيد في يده أو لم يكن ؛ لأنّه لو قَتَله لم يكن عليه شيء فكيف الدلالة ! وإن كان في الحرم ، تعلّق عليه الضمان أيضاً ؛ لأنّه أعانه على
__________________
المُحرَّم
.
ولو دلّ المُحْرم
حلالاً على صيد ، فقَتَله الحلال ، فإن كان الصيد في يد المُحْرم ، وجب عليه الجزاء ، لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المودع السارق على الوديعة .
وإن لم يكن في يده ،
فإن كان الصيد في الحرم ، تعلّق الضمان على كلٍّ منهما ، وإن كان في الحِلّ ، وجب الضمان على الدالّ ، سواء كانت الدلالةُ خفيّةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، أو ظاهرةً ، ولا شيء على القاتل ؛ لأنّه حلال ، وبه قال علي عليه السلام ، وابن عباس وعطاء ومجاهد وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي .
وقال الشافعي : لا شيء
على الدالّ ، كما لو دلّ رجل رجلاً على قتل إنسان ، لا كفّارة على الدالّ ، ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال . وبه قال مالك
.
وقال أبو حنيفة : إن
كانت الدالة ظاهرةً ، فلا جزاء على الدالّ ، وإن كانت خفيفةً وجب الجزاء عليه . وسلَّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ .
وقال أحمد : إنّ
الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما .
مسألة ٢٠٢ : لو دلّ مُحْرم مُحْرماً على صيد فقَتَله ، وجب على كلّ واحد منهما فداء كامل عند علمائنا ـ وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير وأصحاب
__________________
الرأي
ـ لأنّ كلّ واحد منهما فَعَل في الصيد
فِعْلاً مُحرّماً لا يشاركه الآخر فيه ، فالدالُّ فَعَل الدلالةَ ، والقاتلُ القَتْلَ ، فوجب على كلٍّ منهما عقوبة كاملة .
ولأنّ كلّ واحد منهما
فَعَل فِعْلاً يستحقّ به العقوبة الكاملة لو انفرد ، فكذا لو انضمّ ؛ لأنّ المقتضي لا يخرج بالانضمام عن مقتضاه .
وقال أحمد وعطاء
وحمّاد بن أبي سليمان : الجزاء بينهما ؛ لأنّ الواجب جزاء المتلف ، وهو واحد ، فيكون الجزاء واحداً .
ونمنع الملازمة .
وقال الشافعي : لا جزاء
على الدال .
ولو كان المدلول قد
رأى الصيد قبل الدلالة أو الإِشارة ، فلا جزاء عليه ؛ لأنّه لم يكن سبباً في قتله .
ولو فَعَل المُحْرم فِعْلاً
عند رؤية الصيد ، كما لو ضحك أو تشرف على الصيد فرآه غيره وفطن للصيد فصاده ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يدلّ عليه .
مسألة ٢٠٣ : قد بيّنّا تحريم إعانة المُحْرم على الصيد ، فلو أعار المُحْرم قاتل الصيد سلاحاً فقتله به ، قال الشيخ رحمه الله : إنّه ليس لأصحابنا فيه نصٌّ .
وقال بعض العامّة :
عليه الجزاء ؛ لأنّه كالدالّ عليه . ولا بأس به ، سواء كان المستعار ممّا لا يتمّ قتله إلّا به ، أو أعاره شيئاً هو مستغنٍ عنه ،
كأن يُعيره سيفاً ومعه سيف .
وقال أبو حنيفة : إن
أعاره ما هو مستغنٍ عنه ، لم يضمن المعير .
__________________
أمّا لو أعاره آلة
ليستعملها في غير الصيد فصاد بها ، فلا ضمان على المعير قولاً واحداً ؛ لأنّ الإِعارة لا للصيد غير محرَّمة عليه ، فكان كما لو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له القاتل .
ولو أمسك مُحْرم صيداً
حتى قتله غيره ، فإن كان القاتل حلالاً ، وجب الجزاء على المُحْرم ؛ لتعدّيه بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد . وهو قول بعض الشافعية
.
وقال بعضهم : يرجع ،
كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتْلف من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المُتْلف .
وإن كان مُحْرماً ،
ضمن كلٌّ منهما فداءً كاملاً .
وللشافعية وجهان :
أظهرهما : أنّ الجزاء
كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة .
والثاني : أنّ لكلّ
واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين .
وقال بعضهم : إنّ
الممسك يضمنه باليد ، والقاتل بالإِتلاف ، فإن أخرج الممسك الضمان ، رجع به على المُتْلف ، وإن أخرج المُتْلف ، لم يرجع على المُمْسك .
مسألة ٢٠٤ : يحرم على المُحْرم أكل الصيد ، سواء ذبحه المُحلّ أو المُحْرم ، في الحِلّ ذَبحَا أو الحرم ، وسواء كان الذابح هو المُحْرم لنفسه أو ذُبِح له أو ذُبح لا لَه .
وبالجملة لحم الصيد يحرم
على المُحْرم بكلّ حال عند علمائنا أجمع ،
__________________
وبه
قال علي عليه السلام ، وابن عمر وعائشة وابن عباس وطاوس
ـ وكرهه الثوري وإسحاق ـ لعموم قوله تعالى :
( وَحُرِّمَ
عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )
.
وما رواه العامّة عن
ابن عباس عن الصعب بن جثّامة الليثي أنّه أهدى الى النبي صلّى الله عليه وآله حماراً وحشيّاً وهو بالأبواء ، فردّه عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله ما في وجهه قال : ( إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حُرُم ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول علي عليه السلام : « إذا ذبح المُحْرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلالٌ ذَبَحه أو حرام » .
وسأل يوسف
الطاطري الصادقَ عليه السلام عن صيد أكله قوم مُحْرمون ، قال : « عليهم شاة شاة ، وليس على الذي ذبحه إلّا شاة »
.
وسأل علي بن جعفر
أخاه موسى الكاظم عليه السلام عن قوم اشتروا ظبْياً فأكلوا منه جميعاً وهُمْ حُرُمٌ ما عليهم ؟ فقال : « على كلّ مَنْ أكل منه فداء صيد ، على كلّ إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً »
.
__________________
وقال الشافعي : إذا
ذبح المُحْرم صيداً ، لم يحلّ له الأكل منه ، وهل يحلّ الأكل منه لغيره أو يكون ميتة ؟ قولان :
الجديد : أنّه يكون
ميتة ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد ـ لأنّه ممنوع من الذبح لمعنى فيه ، فصار كذبيحة المجوسي ، فعلى هذا لو كان مملوكاً وجب مع الجزاء القيمةُ للمالك .
والقديم : أنّه لا
يكون ميتةً ، ويحلّ لغيره الأكل منه ، لأنّ مَنْ حلّ بذبحه الحيوان الإِنسي يحلّ بذبحه الصيد ، كالحلال ، فعلى هذا لو كان الصيد مملوكاً فعليه مع الجزاء أرش ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك
.
وهل يحلّ له بعد زوال
الإِحرام ؟ فيه للشافعية وجهان : أظهرهما : لا .
وفي صيد الحرم إذا
ذبح طريقان :
أحدهما : طرد القولين
.
والآخر : القطع
بالمنع .
والفرق : أنّ صيد
الحرم مُنع منه جميع الناس وفي جميع الأحوال ، فكان آكد تحريماً .
إذا عرفت هذا ،
فالاصطياد عند الشافعي يحرم على المُحْرم ، وكذا يحرم عليه الأَكل من صيد ذَبَحه ، ويحرم عليه الأكل أيضاً ممّا اصطاد له حلال أو بإعانته أو بدلالته ، فأمّا ما ذَبَحه حلال من غير إعانته ولا دلالته فلا يحرم الأكل منه .
__________________
وقال أبو حنيفة : إذا
لم يُعِنْ ولم يأمر به ، لم يحرم عليه ( ولا عبرة )
بالاصطياد له من غير أمره .
مسألة ٢٠٥ : لو ذبِح المُحْرم الصيد ، كان حراماً لا يحلّ أكله للمُحلّ ولا للمُحرم ، ويصير ميتةً يحرم أكله على جميع الناس ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري وسالم ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ـ لأنّه حيوان حرم عليه ذبحه لحرمة الإِحرام
وحقّ الله تعالى ، فلا يحلّ بذبحه ، كالمجوسي .
ولقول علي عليه
السلام : « إذا ذبح المُحْرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا مُحْرم ، وإذا ذبح المُحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا مُحْرم » .
فعلى هذا لو كان
مملوكاً ، وجب عليه مع الجزاء القيمة للمالك .
وقال الحكم والثوري
وأبو ثور : لا بأس بأكله . وبه قال ابن المنذر .
وقال عمرو بن دينار
وأيّوب السختياني : يأكله الحلال .
وللشافعي قول قديم :
إنّه يحلّ لغيره الأكل منه .
قال ابن المنذر :
الذبح حرام ، أمّا الأكل فلا ؛ لأنّه بمنزلة السارق إذا
__________________
ذبح
.
وليس بجيّد ؛ لأنّ
التحريم هنا لحقّ الله تعالى ، فكان كالميتة ، بخلاف السارق .
فعلى هذا لو كان
مملوكاً فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك .
وهل يحلّ له بعد زوال
الإِحرام ؟ فيه للشافعية وجهان ، أظهرهما : لا .
فروع :
أ ـ
لو ذبحه المُحلّ في الحرم ، كان حكمه حكم المُحْرم إذا ذبحه يكون حراماً ؛ لما تقدّم في حديث علي عليه السلام .
ولقول الصادق عليه
السلام في حمام ذُبح في الحلّ ، قال : « لا يأكله مُحْرم ، وإذا أدخل مكة أكله المحلّ بمكة ، وإن اُدخل الحرم حيّاً ثم ذُبح في الحرم فلا يأكله لأنّه ذُبح بعد ما بلغ مأمنه »
.
ب ـ
لو صاده مُحلٌّ وذَبَحه في الحِلّ ، كان حلالاً على المُحلّ في الحِلّ والحرم ، سواء كان للمُحْرم فيه إعانة بإشارة أو دلالة أو إعارة سلاح أو لا ، لا بمشاركة في الذبح .
ج ـ
لو صاده المُحْرم من أجل المُحلّ ، لم يُبحْ أكله ، وليس بحرام .
ولو صاده المُحلّ من
أجل المُحرم ، كان حراماً على المُحرم وبه قال علي عليه السلام ، وابن عباس وابن عمر وعائشة وعثمان ومالك والشافعي
.
__________________
وقال أبو حنيفة : ليس
بحرام .
د ـ
لو صاده المُحلّ في الحِلّ وذَبَحه في الحِلّ لأجل المُحرم ، لم يحلّ على المُحْرم ، ويحلّ على المُحلّ في الحِلّ والحرم ؛ لأنّ الحكم بن عتيبة سأل الباقر عليه السلام : ما تقول في حمام أهلي ذُبح في الحِلّ واُدخل الحرم ؟ فقال : « لا بأس بأكله إن كان مُحلاً ، وإن كان مُحْرماً فلا »
.
هـ ـ
لو صاد المُحْرم صيداً في الحِلّ وذَبَحه المُحلّ ، حلَّ للمُحلّ لا للمُحْرم .
مسألة ٢٠٦ : لو قتل المُحْرم صيداً ثم أكله ، وجب عليه فداءان ، أحدهما للقتل ، والآخر للأكل ، قاله بعض علمائنا
ـ وبه قال عطاء وأبو حنيفة ـ لأنّه مُحْرم أكل صيداً مُحرّماً عليه ، فضمنه ، كما لو أكل
صيداً ذبحه غيره .
ولقول الصادق عليه
السلام : « وأيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة ، وإن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك »
.
ولأنّ الفعلين لو
صدرا عن اثنين كان على كلٍّ منهما فداء كامل ، فكذا لو اجتمعا لواحد .
__________________
والوجه : وجوب الجزاء
بالقتل ، وقيمة المأكول بالأكل .
وقال الشافعي : يضمن
القتل دون الأكل ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لأنّه صيد مضمون بالجزاء ، فلا يضمن ثانياً ، كما لو أتلفه بغير الأكل . ولأنّ تحريمه لكونه ميتة ، والميتة لا تُضمن بالجزاء .
والفرق ثابت بين
الأكل والإِتلاف بغيره ، ونمنع تعليل التحريم بذلك ، ويعارض بما لو صيد لأجله فأكله ، فإنّه يضمنه عند أحمد والشافعي في القديم
.
مسألة ٢٠٧ : لو رمى اثنان صيداً فأصابه أحدهما وأخطأ الآخر ، فعلى كلّ واحد منهما فداء كامل ، أمّا المصيب : فلإِصابته ، وأمّا المخطئ : فلإِعانته .
وما رواه إدريس بن
عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام : عن مُحْرمين يرميان صيداً فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما ؟ قال : « عليهما جميعاً يفدي كلّ واحد منهما على حدته »
.
وسأل ضريسُ بن أعين
الباقرَ عليه السلام : عن رجلين مُحْرمين رميا صيداً فأصابه أحدهما ، قال : « على كلّ واحد منهما الفداء »
.
مسألة ٢٠٨ : لو أوقد جماعة مُحْرمون ناراً فاحترق فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، كان على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، كان عليهم بأسرهم فداء واحد ؛ لما رواه أبو ولّاد الحنّاط ، قال : خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة ، فأوقدنا ناراً عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نُكبّبه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بها طير صافّ مثل حمامة
__________________
أو
شبهها ، فاحترقت جناحاه فسقطت في النار فماتت ، فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام بمكة ، وأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، وتشتركون فيه جميعاً ، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ، ألزمت كُلّ واحد منكم دم شاة » قال أبو ولّاد : كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم
.
مسألة ٢٠٩ : المُحْرم يضمن الصيد ، في الحِلّ كان أو في الحرم ، وأمّا المُحلّ فإن كان في الحرم ، ضمنه فيه ، وإلّا فلا ، عند علمائنا ، وبه قال أكثر العامة ، خلافاً لداود ، فإنّه حكي عنه أنّه
قال : لا ضمان على المُحلّ إذا قتل الصيد في الحرم .
وهو غلط ؛ لما رواه
العامّة عن علي عليه السلام ، وابن عباس وعمر وعثمان وابن عمر أنّهم قضوا في حمام الحرم بشاة شاة
، ولم ينقل خلاف لغيرهم .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « وإن أصبته وأنت حرام في الحِلّ فعليك القيمة » .
إذا عرفت هذا ، فكلّ
صيد يحرم ويُضمن في الإِحرام يحرم ويُضمن في حرم مكة للمُحلّ ، إلّا القمل والبراغيث ، فإنّه لا يجوز قتلها حالة الإِحرام ، ويجوز للمُحلّ في الحرم ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس بقتل القمل
__________________
والبق
في الحرم ، ولا بأس بقتل النملة في الحرم » وبه قال الشافعي
.
وقال مالك : يحرم قتل
الديدان ، وإن قَتَلها فَداها .
مسألة ٢١٠ : لا يؤثّر الإِحرام ولا الحرم تحريم شيء من الحيوان الأهلي وإن توحّش كالإِبل والبقر والغنم ، بإجماع العلماء .
وما رواه العامة عن
النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( أفضل الحجّ العجّ والثجّ ) يعني إسالة الدماء بالذبح والنحر .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « يذبح في الحرم الإِبل والبقر والغنم والدجاج »
إذا عرفت هذا ،
فالدجاج الأهلي يجوز ذبحه للمُحلّ والمُحْرم ، وأكله لهما في الحِلّ والحرم إجماعاً .
وأمّا الدجاج الحبشي
: فعندنا أنّه كالأهلي يجوز للمُحْرم ذبحه وأكله في الحلّ والحرم ، ولا جزاء فيه ؛ لقول الصادق عليه السلام وقد سأله معاوية بن عمّار عن دجاج الحبش ، فقال : « ليس من الصيد ، إنّما الصيد ما كان بين السماء والأرض » .
وقال الشافعي : فيه
الجزاء .
وليس بشيء ؛ لأصالة
البراءة .
__________________
مسألة ٢١١ : لا كفّارة في قتل السباع ، سواء كانت طائرةً أو ماشيةً ، كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحوها ، والنمر والفهد وغيرهما ، ذهب اليه علماؤنا ـ وبه قال أحمد ومالك والشافعي ـ لما رواه العامة عن عائشة قالت : أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بقتل خمس فواسق في الحرم : الحِدَأَة والغُراب والفأرة والعقرب والكلب العقور ، نصّ من كلّ جنس على صنف من أدناه تنبيهاً على الأعلى ، فنبّه بالحِدَأة والغُراب على البازي والعقاب وشبههما ، وبالفأرة على الحشرات ، وبالعقرب على الحيّة ، وبالكلب العقور على السباع .
قال مالك : الكلب
العقور ما عقر الناس وعدا عليهم كالأسد والنمر والفهد والذئب .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « كلّ ما يخاف المُحْرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله وإن لم يردّك فلا تردّه » .
وقال أبو حنيفة : تُقتل
الحيّة والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والذئب والحدأة لا غير ؛ لأنّ الحديث خصّص الفواسق الخمس
.
__________________
والتخصيص بالذكر لا
يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه .
إذا عرفت هذا ، فقد
روى أصحابنا أنّ مَنْ قتل أسداً لم يردّه ، كان عليه كبش :
روى أبو سعيد المكاري
عن الصادق عليه السلام رجل قتل أسداً في الحرم ، فقال : « عليه كبش يذبحه » .
وأمّا الغُراب والحِدَأَة
: فقد روى معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « وارم الغُراب والحِدَأَة عن ظهر بعيرك »
.
وأمّا الذئب وغيره من
أنواع السباع : فلا جزاء عليه ، سواء صال أو لم يَصُلْ ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ حفظ النفس واجب ، ولا يتمّ إلّا
بقتلها .
وقال أبو حنيفة : إن
صال ، لم يكن عليه شيء ، وإن لم يَصُلْ ، وجب عليه الجزاء .
وأمّا الضبع : فقال
الشيخ رحمه الله : لا كفّارة فيه وكذا السِّمْع المتولّد بين الذئب والضبع .
وقال الشافعي : فيهما
الجزاء .
والأصل براءة الذمّة
.
قال الشيخ رحمه الله
: الحيوان إمّا مأكول إنسي ، كبهيمة الأنعام ، ولا
__________________
يجب
بقتلها فدية ، أو وحشي ، كالغزلان وحمر الوحش وبقرة ، ويجب الجزاء بقتله إجماعاً .
وما ليس بمأكول
أقسامه ثلاثة :
ما لا جزاء فيه
إجماعاً ، كالحيّة والعقرب وشبههما .
وما يجب فيه الجزاء
عند العامّة ولا نصّ لأصحابنا فيه .
والأولى فيه عدم الجزاء
؛ لأصالة البراءة ، كالمتولّد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب كالسِّمْع المتولّد بين الضبع والذئب ، والمتولّد بين الحمار الوحشي والأهلي .
ومختلف فيه ، كجوارح
الطير وسباع البهائم ، ولا يجب فيه الجزاء عندنا .
ويجوز قتل صغار
السباع وإن لم تكن محذورة ، وقتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنّه إذا قتل القمل على بدنه ، لا شيء عليه ، وإن أزاله عن جسمه ، فعليه الفداء . هذا آخر كلامه .
لكن روى أصحابنا أنّ
الزنبور إن قتله خطأ ، لا شيء عليه ، وإن قتله عمداً ، كان عليه أن يتصدّق بشيء من الطعام ؛ لأنّ معاوية بن عمار روى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام وسأله عن مُحْرم قتل زنبوراً ، فقال : « إن كان خطأ فلا شيء » قلت : بل عمداً ، قال : « يطعم شيئاً من الطعام »
.
إذا ثبت هذا فكلّ ما
أدخله الإِنسان إلى الحرم من السباع أسيراً فإنّه يجوز له إخراجه منه ؛ لأنّ قتله مباح ، فإخراجه أولى .
وسُئل الصادق عليه
السلام عن رجل أدخل فهداً الى الحرم أَلَهُ أن يُخرجه ؟ فقال : « هو سبع ، وكلّ ما أدخلت من السبع الحرم أسيراً فلك أن
__________________
تخرجه
» .
مسألة ٢١٢ : الجراد عندنا من صيد البرّ يحرم قتله ، ويضمنه المُحْرم في الحِلّ ، والمُحلّ في الحرم ، عند علمائنا ـ وبه قال علي عليه السلام وابن عباس وعمر ، وأكثر أهل العلم ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه قال
لكعب في جرادتين : ما فعلت في تينك ؟ قال : بَخٍ درهمان خير من مائة جرادة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليه السلام : « المُحْرم لا يأكل الجراد » .
وقال أبو سعيد الخدري
: هو من صيد البحر . وللشافعي قول غريب إنّه من صيد البحر ؛ لأنّه يتولّد من روث السمك
ـ وعن أحمد روايتان ـ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : أنّه من صيد البحر
.
قال أبو داود :
الظاهر أنّه عليه السلام قال : ( إنّه من صيد البرّ ) فوَهَم الراوي .
__________________
مسألة ٢١٣ : المُحرَّم على المُحْرم مطلقاً وعلى المُحلّ في الحرم إنّما هو صيد البرّ ، أمّا صيد البحر فإنّه سائغ لكلّ أحد ، ولا فدية فيه ، بالنصّ والإِجماع :
قال الله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا
لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ) .
وقال الصادق عليه
السلام : « لا بأس أن يصيد المُحْرم السمك ويأكله طريّه ومالحه ويتزوّد » .
وأجمع أهل العلم
كافّة على أنّ صيد البحر مباح للمُحْرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه .
إذا ثبت هذا ، فإنّ
صيد البحر هو ما يعيش في الماء ويبيض ويفرخ فيه ، كالسمك وأشباهه ممّا يحل ، وكالسلحفاة والسرطان ونحوهما .
فإن كان ممّا يعيش في
البرّ والبحر معاً ، اعتبر بالبيض والفرخ ، فإن كان ممّا يبيض ويفرخ في البحر ، فهو صيد البحر ، وإن كان يبيض ويفرخ في البرّ ، فهو صيد البرّ ، لا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من عطاء ؛ فإنّه حُكي عنه أنّ
ما يعيش في البرّ ـ كالسلحفاة والسرطان ـ فيه الجزاء ؛ لأنّه يعيش في البرّ ، فأشبه طير الماء .
وهو ممنوع ؛ لأنّه
يبيض ويفرخ في الماء ، فأشبه السمك .
وأمّا طير الماء
كالبطّ ونحوه ، فإنّه صيد البرّ في قول عامّة أهل العلم
، وفيه الجزاء ؛ لأنّه يبيض ويفرخ في البرّ ، فكان من صيده ، كسائر طيوره .
__________________
و [ عن ]
عطاء : أنّه قال : حيث يكون أكثر فهو صيده .
وليس بجيّد ؛ لما
تقدّم ، وإقامته في البحر ؛ لطلب الرزق والمعيشة منه ، كالصيّاد .
ولو كان لجنس من
الحيوان نوعان : بحري وبرّي ، كالسلحفاة ، فلكلّ نوعٍ حكمُ نفسه ، كالبقر منه الوحشي محرّم ومنه الإِنسي محلّل .
مسألة ٢١٣ : لو صاد المُحْرم صيداً ، لم يملكه ، سواء كان في الحِلّ أو في الحرم إجماعاً ؛ لعموم : (
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )
.
وسأل محمدُ بن مسلم
الصادقَ عليه السلام عن ظبي دَخَل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يمسّ ، إنّ الله تعالى يقول : (
وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) » .
إذا ثبت هذا ، فلو
تلف في يده ، كان ضمانه عليه ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف .
وقال الصادق عليه
السلام : « لا يحرم أحد ومعه شيء من الصيد حتى يُخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء » .
وسأل بكيرُ بن أعين
الباقرَ عليه السلام : عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا
__________________
شيء
عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء » .
أمّا لو كان الصيد في
منزله ، لم يجب عليه إرساله ، ولا يزول ملكه عنه ؛ لأصالة بقاء الملك على مالكه .
وروى صفوان ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « لا بأس لا يضرّه » .
مسألة ٢١٤ : إذا اضطرّ المُحْرم الى أكل الصيد ، أكل منه ـ كما يأكل من الميتة ـ قدر ما يمسك به الرمق ، ولا يجوز له الشبع ولا التجاوز عن ذلك إجماعاً .
ولو وجد المضطرّ الى أكله
ميتةً ، فلعلمائنا قولان :
قال بعضهم : يأكل
الميتة ـ وبه قال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن ـ لأنّ الصيد إذا ذبح صار ميتة فساواها
في التحريم ، وامتاز بإيجاب الجزاء وما يتعلّق به من هتك حرمة الإِحرام ، فكان أكل الميتة أولى .
ولقول علي عليه
السلام : « إذا اضطرّ المُحْرمَ إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحلّ الله له » .
وقال بعضهم : يأكل
الصيد ويُفديه ـ وبه قال الشافعي وإسحاق وابن
__________________
المنذر
وأبو يوسف ـ لأنّه مع الضرورة والفدية يخرج من
الإِثم ، فيكون واجداً للمذبوح حلالاً ، فلا تحلّ له الميتة .
ولأنّ تحريم الصيد
عارض وتحريم الميتة ذاتي ، فيكون الأول أولى بالتناول .
ولقول الصادق عليه
السلام وقد سأله عن المُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل ؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟ » قلت : بلى ، قال : « إنما عليه الفداء فليأكل وليفده »
.
وقال بعض علمائنا :
إن كان الصيد حيّاً ، لم يجز له ذبحه ؛ لأنّه يصير ميتة إجماعاً ، فليأكل الميتة ، وإن كان مذبوحاً فإن كان الذابح مُحْرماً فهو كالميتة ؛ لأنّه لا فرق بينهما ، وإن كان مُحلًا فإن كان في الحرم ، فهو ميتة أيضاً ، وإن كان في الحِلّ فإن كان المُحْرم المضطر قادراً على الفداء ، أكل الصيد ولم يأكل الميتة ، وإن لم يكن قادراً ، أكل الميتة
.
مسألة ٢١٥ : قد بيّنّا تحريم إمساك الصيد على المُحْرم ، فيضمنه لو فعل ، فلو أمسكه حتى حلّ ، لزمه إرساله ، وليس له ذبحه ، فإن ذبحه ، ضمن وحرم أكله ؛ لأنّه صيد ضمنه بحرمة الإِحرام ، فلم يبح أكله ، كما لو ذبحه حال إحرامه .
هذا إذا كان في الحرم
، أمّا لو كان الصيد في الحِلّ فأمسكه وهو مُحْرم ، ضمنه ، لأنّ الصيد حرام على المُحْرم وإن كان في الحِلّ ، فإن أمسكه حتى حلّ ، جاز له ذبحه ، وفي الضمان إشكال من حيث تعلّقه به بسبب الإِمساك .
مسألة ٢١٦ : مَنْ ملك صيداً في الحِلّ وأدخله الحرم ، وجب عليه
__________________
إرساله
، وزال ملكه عنه ، ولو تلف في يده أو أتلفه ، كان عليه ضمانه ـ وبه قال ابن عباس وعائشة وابن عمر وعطاء وطاوس وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي ـ لأنّ الحرم سبب مُحرِّم للصيد ،
ويوجب ضمانه ، فيحرم استدامة إمساكه ، كالإِحرام .
ولأنّ محمد بن مسلم
روى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن ظبي دخل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يُمسّ ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَمَن دَخَلَهُ
كَانَ آمِنًا ) » .
وسأل بكيرُ بن أعين
الباقرَ عليه السلام عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شيء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء »
.
وقال الشافعي : لو
أدخل الحرم صيداً مملوكاً له ، كان له أن يمسكه ، ويذبحه كيف شاء ، كالنعم ؛ لأنّه صيد الحِلّ دون الحرم
.
وليس بجيّد .
ولو كان مقصوص الجناح
، أمسكه حتى ينبت ريشه ويُخلّي سبيله ، أو يودعه من ثقة حتى ينبت ريشه ؛ لأنّ حفظه واجب وإنّما يتمّ بذلك .
ولما رواه الحكم بن
عتيبة ، قال : سألت الباقر عليه السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي ـ وهو في الحرم ـ [ من غير الحرم ]
؟ فقال :
__________________
«
أمّا إن كان مستوياً خلّيت سبيله ، وإن كان غير ذلك أحسنت اليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله » .
ولأنّ تخليته تتضمّن
إتلافه ؛ لأنّه لا يتمكّن من الامتناع عن صغار الحيوان .
مسألة ٢١٧ : حمام الحرم لا يحلّ صيده وإن كان في الحِلّ ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه صيد الحرم ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : ( لا يُنفَّر صيدها ) .
وما رواه علي بن جعفر
ـ في الصحيح ـ قال : سألت الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم » .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
صيد الحرم يضمنه المسلم والكافر والحُرّ والعبد والكبير والصغير والرجل والمرأة إجماعاً ؛ لأنّ الحرمة تعلّقت بمحلّه بالنسبة الى الجميع ، فوجب على الجميع ضمانه كالآدمي ، وللعمومات الدالّة عليه .
مسألة ٢١٨ : لو رمى المُحلّ من الحِلّ صيداً في الحرم فقتله ، أو أرسل كلبه عليه فقتله ، أو قتل صيداً على فرع شجرة في الحرم أصلها في الحِلّ ، ضمنه في جميع هذه الصُور عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين
ـ
__________________
لقوله
عليه السلام : ( لا يُنفَّر صيدها ) ولم يفرّق بين أن
يكون المنفّر في الحِلّ أو في الحرم .
ولأنّه أصاب الصيد في
موضع أمنه .
وقال أحمد في الرواية
الثانية : لا ضمان عليه في ذلك كلّه .
ولو رمى من الحرم
صيداً في الحلّ ، أو أرسل كلبه عليه ، ضمنه ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنّ الصيد مُحرَّم على مَنْ في الحرم .
ولما رواه مسمع عن
الصادق عليه السلام في رجلٍ حَلٍّ في الحرم رمى صيداً خارجاً من الحرم فقتله ، فقال : « عليه الجزاء لأنّ الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم » .
ولقول علي عليه
السلام وقد سُئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحِلّ على غصن منها طير رماه فصرعه ، قال : « عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم » .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : لا ضمان عليه .
فروع :
أ ـ
لو رمى من الحِلّ الى صيد في الحِلّ ، أو أرسل كلباً في الحِلّ الى صيد في الحِلّ لكن قطع السهمُ في مروره بهذا الحرمَ ، أو تخطّى الكلب طرف
__________________
الحرم
، قال الشيخ رحمه الله : لا يضمنه ـ وبه قال أصحاب الرأي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر والشافعية في أحد الوجهين ـ لأصالة البراءة
.
وفي الوجه الثاني :
عليه الضمان .
ب ـ
لو رمى من الحِلّ صيداً في الحِلّ فقتل صيداً في الحرم ، ضمنه ، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ، خلافاً لأبي ثور ؛ فإنّه قال : لا جزاء فيه .
وهو خطأ ؛ لأنّه قتل
صيداً في الحرم .
ج ـ
لو أرسل كلبه على صيد في الحِلّ فدخل الكلب الحرم فقتل صيداً آخر غيره فيه ، فلا ضمان ـ وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي ـ لأنّ الكلب دخل باختيار نفسه لا بإرساله ، فكان كما لو
استرسل .
د ـ
لو أرسل كلبه على صيد فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، فالأقوى الضمان ـ وبه قال عطاء وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد
ـ لأنّه قتل صيداً حرمياً بإرسال كلبه عليه فضمنه ، كما لو قتله بسهمه .
وقال الشافعي : لا
ضمان . وبه قال أبو ثور وابن المنذر وأحمد في
__________________
إحدى
الروايتين .
وفي الاُخرى : إن كان
الصيد قريباً من الحرم ، ضمنه ، وإن كان بعيداً ، لم يضمنه . وبه قال مالك .
هـ ـ
لا يجوز له أكل الصيد في هذه المواضع أجمع ، سواء ضمنه أو لا ؛ لأنّه صيد حرمي قُتل في الحرم ، فكان ميتةً .
ولو رمى المُحلّ صيداً
في الحِلّ فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه ، قال بعض العامّة : يحلّ أكله ولا جزاء فيه ؛ لأنّ الذكاة حصلت في الحِلّ .
و ـ
لو رمى الى صيد في الحِلّ فمضى الصيد ودخل في الحرم فأصابه السهم ، وجب عليه الضمان .
ز ـ
لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم فقتله قاتل ، ضمنه ، سواء أصاب ما هو في الحِلّ أو الحرم ؛ تغليباً للحرمة ، وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد .
ح ـ
لو نفّر صيداً من الحرم فأصابه شيء حال نفوره ، ضمنه ؛ لأنّه تسبّب الى إتلافه ، فكان كما لو أتلفه بشَركه .
ولو سكن من نفوره ثم
أصابه شيء ، فلا ضمان ، وهو قول الثوري .
مسألة ٢١٩ : لو رمى صيداً فجرحه ومضى لوجهه ولم يعلم حياته ولا
__________________
موته
، كان عليه الفداء عند علمائنا ؛ تغليباً للإِتلاف عملاً بالسبب ، واحتياطاً للبراءة .
ولأنّ علي بن جعفر
سأل أخاه الكاظم عليه السلام : عن رجل رمى صيداً وهو مُحْرم ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع الصيد »
.
قال الشيخ رحمه الله
: لو رآه بعد كسر يده أو رجله قد رعى وصلح ، وجب عليه ربع الفداء ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم عليه
السلام عن رجل رمى صيداً فكسر يده أو رجله وتركه فرعى الصيد ، قال : « عليه ربع الفداء » .
مسألة ٢٢٠ : لو كان الصيد يؤمّ الحرم وهو في الحِلّ ، لم يجز للمُحلّ قتله ، قاله الشيخ رحمه الله ؛ لما رواه عقبة بن خالد عن
الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قضى حجّه ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريباً من الحرم والصيد متوجّه نحو الحرم فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك شيء ؟ قال : « يفديه على نحوه » .
وقال بعض علمائنا :
إنّه مكروه لا محرَّم ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام ، في الرجل يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه ، قال : « ليس عليه شيء ، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحِلّ فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل
__________________
الحرم
فمات فيه » قلت : هذا عندهم من القياس ، قال : « لا ، إنّما شبّهتُ لك شيئاً بشيء » .
وأمّا الكراهة : فلما
رواه ابن أبي عمير ـ في الصحيح ـ عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام ، قال : [ كان ]
يكره أن يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم .
مسألة ٢٢١ : يكره الصيد فيما بين البريد والحرم ، وليس محرّماً ؛ للأصل .
وقال الشيخ رحمه الله
: يحرم ويفديه ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا كنت مُحلاً في الحِلّ فقتلت صيداً فيما بينك وبين البريد الى الحرم ، فإنّ عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه ، تصدّقت بصدقة » .
والوجه : حمل الرواية
على الاستحباب .
مسألة ٢٢٢ : لو نزع عن جسده قملة فقتلها ، أو رمى بها ، فليطعم مكانها كفّاً من طعام ؛ لأنّ حمّاد بن عيسى سأل الصادق عليه السلام عن المُحْرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يُطعم مكانها طعاماً »
.
وروى حسين بن أبي
العلاء عن الصادق عليه السلام ، قال : « المُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً ، فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » .
__________________
ويجوز أن يأخذ ما عدا
القملة من جسده ، وإن أراد أن يحوّل القملة من مكان الى مكان ، فعل ، وليس عليه شيء ؛ لقول الصادق عليه السلام : « المُحْرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل
قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه » .
ويجوز أن يرمي القُراد
والحَلَم عن بدنه لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه السلام : إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمةً أطرحهما ؟ قال : « نعم وصغار لهما إنّهما رقيا في غير مرقاهما » .
ويجوز أن يرمي القراد
عن بعيره دون الحلم ؛ لأنّ معاوية بن عمّار قال : « وإن ألقى المُحْرم ـ يعني القُراد ـ عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقي الحَلَمة »
.
مسألة ٢٢٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز إخراج شيء من الصيد من الحرم .
وقال الشيخ رحمه الله
: يكره شراء القماري وما أشبهها وإخراجها من مكة .
ومنعه ابن إدريس
، وهو المعتمد ؛ لأنّ عيص بن القاسم سأل الصادق عليه السلام : عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة ، فقال : « ما اُحبّ أن يخرج منها شيء » .
واعلم أنّ الشيخ ـ
رحمه الله ـ منع من صيد حمام الحرم حيث كان
__________________
للمُحلّ
والمُحرم ، وجوّزه ابن إدريس
.
والحقّ ما قاله الشيخ
؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يُصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم » .
إذا ثبت هذا ، فإنّ
صيد الحرم يضمن بالدلالة والإِشارة كصيد الإِحرام ، والواجب عليهما جزاء واحد ، وبه قال أحمد .
ولا فرق بين كون
الدالّ في الحِلّ أو الحرم .
وقال بعض العامّة :
لا جزاء على الدالّ إذا كان في الحِلّ ، والجزاء على المدلول وحده ، كالحلال إذا دلّ مُحرماً على صيد
.
والحقّ ما قلناه ؛
لأنّ قتل الصيد الحرمي حرام على الدالّ ، فيضمنه بالدلالة ، كما لو كان في الحرم ؛ لحقّية أنّ صيد الحرم محرّم على كل واحد ؛ لقوله عليه السلام : ( لا يُنفَّر صيدها ) وهو عامّ في حقّ كلّ واحد .
ولأنّ صيد الحرم
معصوم بمحلّه ، فحرم قتله عليهما ، كالملتجئ الى الحرم ، وإذا ثبت تحريمه عليهما ، فيُضمن بالدلالة ممّن يحرم عليه قتله ، كما يُضمن بدلالة المُحْرم عليه .
مسألة ٢٢٤ : لا فرق في تحريم الصيد بين الوحشي في أصله إذا استأنس أو بقي على توحّشه ، كما أنّه لا فرق في إباحة الأهلي بين أن يتوحّش أو لا .
__________________
ويجب الجزاء في الأول
بقسميه عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الوحشي وإن استأنس لا يخرج عنه حكم توحّشه الأصلي ، كما أنّه لو توحّش إنسي لا يحرم التعرّض له ؛ إبقاءً لحكمه الأصلي .
وقال مالك : لا جزاء
في المستأنس . وليس بجيّد .
ولا فرق في وجوب
الجزاء بين أن يكون الصيد مملوكاً لإِنسان أو مباحاً . ـ إلّا أنّه يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك ـ لظاهر
القرآن .
وقال المزني من
الشافعية : لا جزاء في الصيد المملوك . وليس بمعتمد .
إذا ثبت هذا ، فكما يحرم
التعرّض للصيد يحرم التعرّض لأجزائه بالجرح والقطع ؛ لأنّ النبي عليه السلام قال في الحرم : ( لا يُنفّر صيدها )
ومعلوم أنّ الجرح والقطع أعظم من التنفير .
وكذا يحرم بيض الصيد
وفرخه ولبنه على ما سيأتي .
البحث الثاني : لبس الثياب المخيطة
مسألة ٢٢٥ : يحرم على المُحْرم الرجل لُبْس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار .
قال ابن المنذر :
أجمع أهل العلم على أنّ المُحْرم ممنوع من لُبْس
__________________
القميص
والعمامة والسراويل والخُفّ والبُرْنُس
.
لما روى العامّة :
أنّ رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يلبس المُحْرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البَرانس ولا الخِفاف إلّا أحداً لا يجد نعلين فليلبس الخُفّين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسّه الزعفران ولا الورس » .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان » .
وقد ألحق أهل العلم
بما نصّ النبي عليه السلام عليه ما في معناه ، فالجُبّة والدراعة وشبههما ملحق بالقميص ، والتُبّان
والران وشبههما ملحق بالسراويل ، والقلنسوة وشبهها مُساوٍ للبُرْنس ، والساعدان والقُفّازان
وشبههما مساوية للخُفّين .
__________________
إذا عرفت هذا ، فيحرم
لُبْس الثياب المخيطة وغيرها إذا شابهها ، كالدرع المنسوج والمعقود ، كجبة اللّبد والملصق بعضه ببعض ، حملاً على المخيط ؛ لمشابهته إيّاه في المعنى من الترفّه والتنعّم .
مسألة ٢٢٦ : لو لم يجد الإِزار ، لبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : سمعت النبي صلّى الله عليه وآله يخطب بعرفات ، يقول : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمُحْرم )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار » .
وعن الباقر عليه
السلام في المُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ، ولكن يشقّ ظهر القدم » .
إذا عرفت هذا ، فإذا
لبس السراويل أو الخُفّ للضرورة ، لم يكن عليه فدية عند علمائنا ـ وبه قال عطاء وعكرمة والثوري والشافعي وإسحاق
ـ لأصالة البراءة ، ولتسويغ النبي صلّى الله عليه وآله اللُّبس لهما ؛ لأنّه أمر بلُبْسه
ولم يذكر فدية .
وقال أبو حنيفة ومالك
: على مَنْ لبس السراويل فدية ؛ لورود النهي عن لبسه ، ولأنّ ما وجبت الفدية بلُبْسه مع وجود الإِزار وجبت مع عدمه
__________________
كالقميص
.
والنهي مخصوص بحديث
ابن عباس ، والقميص يمكنه أن يتّزر به من غير لُبْس ويستتر به ، بخلاف السراويل .
مسألة ٢٢٧ : يحرم عليه لُبْس الخُفّين وما يستر ظهر القدم اختياراً ، ويجوز في حال الضرورة ؛ لما تقدّم من الأحاديث .
وهل يجب عليه شقّهما
؟ قال الشيخ رحمه
الله : نعم . وبه قال عروة ابن الزبير ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي
؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليه السلام في المُحْرم يلبس الخُفّ ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم » .
وقال بعض علمائنا :
لا يجب شقّهما . ورواه العامّة عن علي عليه السلام ، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم
ـ وعن أحمد روايتان
__________________
كالقولين
ـ لما رواه العامّة عن علي عليه السلام
: « قطع الخفّين فساد يلبسهما كما هُما » .
ولأنّه ملبوس اُبيح
لعدم غيره ، فلا يجب قطعه كالسراويل .
ولأنّ قطعه لا يُخرجه
عن حالة الحظر ، فإنّ المقطوع يحرم لُبْسه مع وجود النعل كلُبْس الصحيح .
ولاشتماله على إتلاف
ماليّته .
فروع :
أ ـ
لا يجوز له لُبْس المقطوع من الخُفّين مع وجود النعلين ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله شرط في لُبْسهما عدم النعل ، فلو لبسه وجبت الفدية ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لأنّه مخيط بعضو على قدره ، فوجب على المُحْرم الفدية بلُبْسه كالقُفّازين .
وقال أبو حنيفة : لا
فدية عليه ـ وللشافعي قولان كالمذهبين ـ لأنّه لو كان لُبْسهما محرّماً تجب به الفدية لما أمر النبي صلّى الله عليه وآله بقطعهما ؛ لعدم
[ الفائدة فيه ] .
والجواب : القطع
واللُّبس بعده إنّما يجوز مع عدم النعلين ، فالفائدة سقوط الدم والعقاب مع القطع وعدم النعل .
__________________
ب ـ
يجوز لُبْس النعل مطلقاً ، ولا يجب قطع شيء منها ، ولا فدية حينئذٍ ؛ لورود الأمر بلُبْسهما مطلقاً ، والأصل عدم التخصيص .
وقال أحمد : يجب قطع
القيد في النعل والعقب ، وتجب به الفدية لو لم يقطعهما . وبه قال عطاء .
ج ـ
لو وجد نعلاً لا يتمكّن من لُبسه ، لبس الخُفّ ، ولا فدية ؛ لأنّه بتعذّر استعماله أشبه المعدوم ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تجب الفدية ؛ لأنّ النبي عليه السلام قال : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين ) وهذا واجد .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
المراد الوجدان مع التمكّن من الاستعمال .
د ـ
الجَوْربان كالخُفّين في المنع من لُبْسهما مع التمكّن من النعلين ، وجوازه مع عدمه ؛ لأنّه بمعناه .
وروى الحلبي ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخُفّين إن اضطرّ الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما »
.
هـ ـ
ليس للمُحْرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره إلّا الإِزار والهميان ، وليس له أن يجعل لذلك زرّاً ولا عروة ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يشدّ الهميان وسطه ، فقال : « نعم ، وما خيره بعد نفقته » .
__________________
ويجوز له أن يعقد
إزاره عليه ؛ لأنّه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح ، كاللباس للمرأة ، ويعقد الهميان .
و ـ
تجب الفدية بالُّلبْس طال الزمان أو قصر ـ وبه قال الشافعي
ـ لأنّه باشر محظور الإِحرام ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق .
وقال أبو حنيفة :
إنّما تلزم الفدية التامّة إذا استدام الُّلبْس يوماً كاملاً ، فإن كان أقلّ ، فعليه صدقة .
ز ـ
تجب الفدية بلُبْس القباء وإن لم يدخل يديه في كُمّيه ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد .
وقال أبو حنيفة : لا
تجب لو أخرج يديه من كُمّيه .
ولو ألقى على نفسه
قباءً أو فرجياً وهو مضطجع ، قال بعض الشافعية : إن أخذ من بدنه ما إذا قام عُدّ لابسه ، فعليه الفدية ، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلّا بمزيد أمر فلا .
مسألة ٢٢٨ : يجوز للمرأة لُبْس المخيط إجماعاً ؛ لأنّها عورة ، وليست كالرجال .
وكذا يجوز لها أن
تلبس الغِلالة إذا كانت حائضاً إجماعاً ، لتقي ثيابها
__________________
من
الدم ، لقول الصادق عليه السلام : « تلبس المرأة المُحْرمة الحائض تحت ثيابها غِلالة » .
ولا يجوز للمرأة لُبْس
القُفّازين ، ولا لُبْس شيء من الحُليّ ما لم تجر عادتها بلُبْسه قبل الإِحرام .
ولا يجوز لها لبس البُرْقَع
؛ لأنّ الباقر عليه السلام كره للمُحْرمة البُرْقع والقُفّازين .
والمراد بالقُفّازين
شيء تتّخذه المرأة لليدين يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار تُزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة .
وبه قال علي عليه
السلام ، وعائشة وابن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق .
وللشافعي قولان :
أحدهما : الجواز ، وبه قال أبو حنيفة والثوري وسعد بن أبي وقّاص ؛ فإنّه أمر بناته أن يلبسن القُفّازين
.
لما رواه العامّة عن
علي عليه السلام ، قال : « لا تتنقب المرأةُ الحرامُ ولا تلبس القُفّازين » .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
ما تقدم .
ويجوز للمرأة أن تلبس
الخلخال والمَسَك بفتح الميم ؛ وهو سِوار من ذَبْلٍ أو عاجٍ .
فرع :
الخنثى المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط ؛ لأصالة البراءة .
مسألة ٢٢٩ : يحرم لُبْس السلاح لغير ضرورة ؛ لما فيه من منافاته للخضوع والتذلّل .
وقيل : يكره
؛ للأصل .
البحث الثالث : الطيب
مسألة ٢٣٠ : يحرم على المُحْرم الرجل والمرأة الطيب أكلاً وشمّاً وإطلاءً بإجماع علماء الأمصار ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال في المُحْرم الذي وقصت به ناقته : ( لا تمسّوه بطيب )
ومنع الحيّ لأجل الإِحرام المتحقّق عيناً أولى من الميّت المُحْرم وَهْماً .
وما رواه الخاصّة ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا يمسّ المُحْرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذّذ به ، فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع بقدر شبعه » يعني من الطعام
.
__________________
إذا عرفت هذا ، فالمُحْرم
إذا مات وهو مُحْرم ، لا يجوز تغسيله بالكافور ، ولا يحنّط به ولا بغيره من أنواع الطيب .
مسألة ٢٣١ : الطيب ما تطيب رائحته ، ويتّخذ للشمّ ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيّبة ، كدهن البنفسج والورس ، والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيّب ، أو يظهر فيه هذا الغرض .
وقد اختلف علماؤنا في
تعميم التحريم وعدمه ، فالمشهور : التعميم ؛ لما تقدّم .
وللشيخ ـ رحمه الله ـ
قول آخر : إنّ المُحرّم إنّما هو المسك والعنبر والعود والكافور والزعفران والوَرْس ، بفتح الواو وسكون الراء ، وهو نبت
أحمر قاني يوجد على قشور شجرة يُنحت منها ويُجمع ، وهو يشبه الزعفران المسحوق ، يُجلب من اليمن ، طيّب الريح .
لما روي عن الصادق عليه
السلام أنّه قال : « إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والوَرْس والزعفران غير أنّه يكره للمُحْرم الأدهان الطيّبة الريح » .
وتُحمل على شدّة
التحريم .
إذا عرفت هذا ، فالنبات
الطيب أقسامه ثلاثة :
الأول :
ما لا ينبت للطيب ولا يُتّخذ منه ، كنبات الصحراء من الشِّيْح والقَيْصُوم والخُزامي والإِذخر والدارصيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحَبَق الماء ـ بالحاء المفتوحة غير المعجمة ، والباء المنقطة تحتها نقطة المفتوحة ، والقاف ـ وهو الحَنْدَقُوقى ، وقيل : الفُوذَنْج
، والفواكه ، كالتفّاح والسفرجل
__________________
والنارنج
والاُتْرُج ، وهذا كلّه ليس بمحرَّم ، ولا تتعلّق به كفّارة إجماعاً .
وكذا ما ينبته
الآدميون لغير قصد الطيب ، كالحِنّاء والعُصْفر ؛ لما روي : أنّ أزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله كُنّ يُحْرمن في المُعَصْفرات
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن تشمّ الإِذخر والقَيْصوم والخزامي والشِّيح وأشباهه وأنت مُحْرم »
.
وسأل عمّار الساباطي
الصادقَ عليه السلام : عن المُحْرم أيأكل الاُتْرُج ؟ قال : « نعم » قلت : فإنّ له رائحة طيبة ، فقال : « إنّ الاُتْرُج طعام ليس هو من الطيب » .
وسأل عبد الله بن
سنان الصادقَ عليه السلام : عن الحِنّاء ، فقال : « إنّ المُحْرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس »
.
الثاني :
ما ينبته الآدميون للطيب ولا يُتّخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزجوش والنرجس والبَرَم ، قال الشيخ رحمه الله : فهذا لا تتعلّق به كفّارة ، ويكره استعماله . وبه قال ابن عباس وعثمان بن عفان
والحسن ومجاهد وإسحاق ومالك وأبو حنيفة ؛ لأنّه لا يُتّخذ للطيب ، فأشبه العُصْفر
.
وقال الشافعي في
الجديد : تجب به الفدية ، ويكون محرّماً . وبه قال جابر وابن عمر وأبو ثور ـ وفي القديم : لا تتعلّق به الفدية ؛ لأنّها لا تبقى لها
__________________
رائحة
إذا جفّت ، وعن أحمد روايتان
ـ لأنّه يُتّخذ للطيب ، فأشبه الورد .
الثالث :
ما يقصد شمّه ويُتّخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر .
والظاهر أنّ هذا يحرم
شمّه ، وتجب منه الفدية ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الفدية تجب فيما يُتّخذ منه ، فكذا في أصله .
وقال مالك وأبو حنيفة
: لا تجب .
مسألة ٢٣٢ : ما يُطلب للتطيّب واتّخاذ الطيب منه حرام ، كالزعفران وإن كان يُقصد للصبغ والتداوي ، وكذا الوَرْس .
وما يُطلب للأكل أو
التداوي غالباً لا يحرم ، كالقَرَنْفُل والسنبل والدارصيني وسائر الأبازير الطيّبة .
وفي البنفسج للشافعي
قولان :
أحدهما : أنّه ليس
بطيب ؛ لأنّ الغرض منه التداوي .
والثاني : أنّه طيب
.
وقيل في الجمع : إنّه
أراد بالأول الجافّ ، فإنّه حينئذٍ لا يصلح إلّا للتداوي .
وقيل : أراد بنفسج
الشام والعراق ؛ فإنّه لا يتطيّب به .
__________________
وقيل : أراد المربي
بالسكر .
وفي النيلوفر له
قولان .
والريحان طيب عند بعض
الشافعية .
والحِنّاء ليس بطيب ،
ولا يجب على المُحْرم باستعماله فدية ، ولا يحرم استعماله بل يكره للزينة ـ وبه قال الشافعي ـ لما رواه العامّة : أنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وآله كُنّ يختضبن بالحِنّاء .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إنّه ليس بطيب ، وإنّ المُحْرم ليمسّه ويداوي به بعيره » .
وقال أبو حنيفة : يحرم
وتجب به الفدية ؛ لقول النبي عليه السلام لاُمّ سلمة : ( لا تطيبي وأنت مُحْرمة ، ولا تمسّي الحِنّاء فإنّه طيب )
.
ولأنّ له رائحة
مستلذّة ، فأشبه الوَرْس .
والرواية ضعيفة رواها
ابن لهيعة وهو ضعيف ، وروى غيره : ( لا تمسّي
__________________
الحِنّاء
فإنّه خضاب ) .
وينتقض القياس
بالفواكه .
والعُصْفر ليس بطيب ،
ويجوز للمُحْرم لُبْس المُعَصْفر ، ولا فدية فيه ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ النبي عليه السلام سوّغ لبس المُعَصْفر
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليه السلام ، قال : سألته يلبس المُحْرم الثوب المشبع بالعُصْفر ؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به » .
وقال أبو حنيفة : العُصْفر
طيب تجب به الفدية ، قياساً على الوَرْس .
ونمنع الإِلحاق .
ولا بأس بخَلُوق
الكعبة وشمّ رائحته ، سواء كان عالماً أو جاهلاً ، عامداً أو ناسياً ؛ لأصالة البراءة .
ولما رواه حمّاد بن
عثمان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه سأله عن خَلُوق الكعبة وخَلُوق القبر يكون في ثوب الإِحرام ، فقال : « لا بأس به هُما طهوران » .
وقال الشافعي : إن
جهل أنّه طيب فبان طيباً رطباً ، فإن غسله في الحال ، وإلّا وجبت الفدية ، وإن علمه طيباً فوضع يده عليه يعتقده يابساً فبان رطباً ،
__________________
فقولان
؛ لأنّه مسّ طيباً ، فوجبت الفدية .
والملازمة ممنوعة ؛
لأنّ هذا الموضع ممّا تمسّ الحاجة إلىٰ الدخول إليه ، وربما حصل زحام .
مسألة ٢٣٣ : يحرم لُبْس الثوب مسّه طيب ، ذهب اليه علماء الأمصار ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( لا تلبسوا
شيئاً من الثياب مسّه الزعفران ولا الوَرْس ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا تمسّ الريحان وأنت مُحْرم ولا تمسّ شيئاً فيه زعفران ، ولا تأكل طعاماً فيه زعفران ، ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك » .
إذا ثبت هذا ، فلا
فرق بين صبغ الثوب بالطيب وغمسه فيه وتبخيره به .
وكذا لا يجوز افتراشه
والنوم عليه والجلوس ، فمتى لبسه أو نام عليه ، وجبت الفدية ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله نهى عن لُبْس ما مسّه الزعفران ، ولم يُفرّق بين الرطب واليابس ، ولا
بين ما ينفض وما لا ينفض .
وقال أبو حنيفة : إن
كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ، وإلّا فلا ؛ لأنّه غير مستعمل لجرم الطيب في بدنه ، فلا فدية عليه ، كما لو
__________________
جلس
عند العطّارين .
والفرق : أنّ الجلوس
ليس بتطيّب .
فروع :
أ ـ
لو غسل الثوب حتى ذهب الطيب ، جاز لُبْسه إجماعاً .
ولأنّ الصادق عليه
السلام سُئل عن الثوب للمُحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل ، فقال : « لا بأس به إذا ذهب » .
ب ـ
لو انقطعت رائحة الطيب لطول الزمان عليه ، أو صُبغ بغيره بحيث لا تظهر له رائحة إذا رشّ بالماء ، جاز استعماله ـ وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن البصري والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي
ـ لزوال الرائحة المقتضية للتحريم .
وكرهه مالك
.
ج ـ
لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوباً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم .
ولو كان الحائل ثياب
نومه ، فالوجه : المنع ؛ لأنّه كما مُنع من استعمال الطيب في بدنه مُنع من استعماله في ثوبه .
د ـ
لو أصاب ثوبه طيب ، وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ؛ لأنّ للوضوء بدلاً .
هـ ـ
لو جعل الطيب في خرقة وشمّها ، وجب عليه الفداء ؛ للعمومات .
وقال الشافعي : لا
فدية عليه .
__________________
مسألة ٢٣٤ : يكره له الجلوس عند العطّارين ، ويُمسك على أنفه لو جاز في زُقاق العطّارين ، ولا يقبض على أنفه من الرائحة الكريهة ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وأمسك على أنفك من الريح الطيّبة ولا تُمسك من الريح النتنة » .
ويجوز الجلوس عند
الكعبة وهي تُجمّر ، وبه قال الشافعي .
ولا يجوز الجلوس عند
رجل متطيّب ولا في سوق العطّارين ؛ لأنّه يشمّ الطيب حينئذٍ .
وقال الشافعي : إن
جلس لحاجة أو غرض غير الطيب ، كره ، وإن جلس لشمّ الطيب ، فقولان :
أحدهما : الجواز من
غير كراهة ، كالجلوس الى الكعبة .
والثاني : الكراهة
.
قال الشيخ رحمه الله
: لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق ببدنه منه شيء ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، وإن كان يابساً غير مسحوق ، فإن علق ببدنه رائحته ، فعليه الفدية .
وقال الشافعي : إن
علق به رائحة ، فقولان .
قال الشيخ رحمه الله
: لو مسّ طيباً ذاكراً لإِحرامه ، عالماً بالتحريم ، رطباً ، كالمسك والغالية والكافور المبلول بماء ورد وشبهه ، فعليه الفدية في أيّ موضع كان من بدنه ، وكذا لو تسعّطه أو حقن . وبه قال الشافعي .
__________________
وقال أبو حنيفة : لو
ابتلع الطيب فلا فدية عليه .
وكذا لو حشا جرحه
بطيب .
ولو داس بنعله طيباً
فعلق بنعله ، فإن تعمّد ذلك ، وجبت الفدية ، لأنّه مُسْتعمِل للطيب ، كما لو علق بثوبه ، وإن لم يتعمّد ، لم يكن عليه شيء .
ولو اضطرّ المُحْرم الى
سعوط فيه مسك ، جاز له التسعّط به ؛ للرواية .
ولو لم تكن ضرورة ،
فالوجه : المنع ، ووجوب الفدية ، وبه قال الشافعي . وكذا لو احتقن به ، خلافاً لأبي حنيفة
.
مسألة ٢٣٥ : يحرم على المُحْرم أكل ما فيه طيب عمداً ، وتجب به الفدية على جميع الأحوال عند علمائنا أجمع ؛ لعموم الأخبار الدالّة على المنع من أكل طعام فيه طيب أو شربه واستعمال الطيب مطلقاً .
وقول الصادق عليه
السلام : « واتّق الطيب في زادك » .
وقول الباقر عليه
السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه »
.
وقال مالك : إن مسّته
النار ، فلا فدية ـ وهو قول أصحاب الرأي ـ لأنّه استحال بالطبخ عن كونه طيباً ، فيكون سائغاً ، سواء بقيت أوصافه أو لم تبق .
__________________
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الترفّه والاستمتاع حاصل من حيث المباشرة ، فأشبه ما لو كان نيئاً .
مسألة ٢٣٦ : لو طيّب بعض العضو كان كما لو طيّب كلّه ، ويجب الفداء عند علمائنا ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة : إن
طيّب جميع العضو كالرأس واليد ، وجبت الفدية التامّة ، وإلّا فلا ، بل يجب صدقة لو طيّب بعض العضو
.
لنا :
أنّه مُسْتعمِل للطيب ، فدخل تحت عموم النهي .
وكذا البحث في اللُّبْس
لو لبس بعض العضو أو غطّى بعض رأسه كان كما لو ستر الجميع .
ولو اضطرّ الى أكل
طعام فيه طيب أو مسّه ، أكل أو لَمَس وقَبَض على أنفه ، للضرورة ، ولا شيء عليه .
ويجوز له شراء الطيب
إجماعاً ؛ لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإِباحة الأصلية .
وكذا يشتري المخيط
والجواري ؛ لأنّه غير الاستمتاع بهما ، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلّا الاستمتاع ، فلهذا مُنع منه .
وكما يُمنع المُحْرم
من ابتداء الطيب كذا يُمنع من استدامته ، سواء صبغ ثوبه به ، كالمُمْسَك والمُزعفَر والمُعنبَر ، أو غمسه فيه ، كما لو غمسه في ماء الورد وماء الكافور ، أو بجرّه به ، كالندّ والعود .
__________________
ولو غمس ثوبه في ماء
الفواكه الطيّبة ، كالاُتْرُج والتفّاح وشبهه ، لم يكن به بأس .
قال الشيخ رحمه الله
: يستحب للمُحْرم إذا نسي وتطيّب أن يكلّف مُحلًا غسْله ، ولا يباشره بنفسه ، فإن باشره بنفسه ، فلا شيء عليه
. وهو جيّد .
مسألة ٢٣٧ : لو أكل طعاماً فيه زعفران أو طيب آخر ، أو استعمل مخلوطاً بالطيب في غير الأكل ، فإن استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون ، فالأقرب أنّه لا فدية فيه ، وبه قال الشافعي
.
وإن ظهرت هذه الأوصاف
فيه ، وجبت الفدية قطعاً .
وإن بقيت الرائحة
وحدها ، فكذلك ؛ لأنّها الغرض الأعظم من الطيب .
وإن بقي اللون وحده ،
فطريقان للشافعية ، أحدهما : أنّ المسألة على قولين : أظهرهما : أنّه لا تجب فدية ؛ لأنّ اللون ليس بمقصود أصلي .
الطريق الثاني :
القطع بعدم وجوب الفدية .
ولو بقي الطعم وحده ،
فطريقان : أظهرهما : أنّه كالريح ، والثاني : أنّه كاللون .
ولو أكل الجلنجبين
، نُظر في استهلاك الورد فيه وعدمه .
ولو خفيت رائحة الطيب
أو الثوب المطيّب بمرور الزمان عليه أو بغبار وغيره ، قال الشافعي : إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه ، لم يجز استعماله ، فان بقي اللون ، فوجهان مبنيّان على الخلاف المذكور في أنّ اللون هل يعتبر ؟ والصحيح عندهم : أنّه لا يعتبر
.
__________________
ولو مزج ماء ورد بماء
مطلق فذهبت رائحته ، فقولان :
أحدهما : تجب الفدية
باستعماله ؛ للعلم بوصول الطيب اليه .
والثاني ـ وهو الأصحّ
عندهم ـ : لا تجب الفدية ؛ لفوات مقصود الطيب .
مسألة ٢٣٨ : استعمال الطيب عبارة عن شمّه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو نشبت الرائحة بإحداهما قصداً للعرف ، فلو
تحقّق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطّار أو في بيت يجمّره ساكنوه ، وجبت الفدية إن قصد تعلّق الرائحة به ، وإلّا فلا .
والشافعي أطلق القول
بعدم وجوب الفدية .
ولو احتوى على مجمرة
، لزمت الفدية عندنا وعنده أيضاً .
وقال أبو حنيفة : لا
تجب الفدية .
ولو مسّ جرم العود
فلم تعبق به رائحته ، فلا فدية .
وللشافعي قولان
.
ولو حمل مسكاً في
فأرة مصمومة الرأس ، فلا فدية إذا لم يشمّها ، وبه قال الشافعي .
ولو كانت غير مصمومة
، فللشافعية وجهان .
__________________
وقال بعضهم : إنّ حمل
الفأرة تطيّب .
ولو جعل الطيب
المسحوق في خرقة وشمّها ، فعليه الفداء .
وقال الشافعي : لا
فدية عليه ، ولا يكون محرّماً .
ولو طيّب فراشه ونام
عليه ، حرم ، ولزمه الفداء .
ولا فرق بين أن يتّفق
الإِلصاق بظاهر البدن أو داخله ، كما لو أكله أو احتقن به أو تسعّط .
وللشافعية قول آخر :
إنّه لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط .
ولو مسّ طيباً فلم
يعبق ببدنه شيء من جرمه ولكن عبقت به الرائحة ، لزمه الفداء ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ المقصود الرائحة وقد حصلت .
والثاني : لا تجب ؛
لأنّ الرائحة قد تحصل بالمجاورة .
ولو لم تعبق به
الرائحة ، فلا شيء عليه .
ولو شدّ المسك أو
العنبر أو الكافور في طرف ثوبه ، أو وضعته المرأة في جيبها ، أو لبست الحليّ المحشوّ به ، وجبت الفدية .
ولو شمّ الورد فقد
تطيّب به ، وكذا لو شمّ ماء الورد .
وقال الشافعي : لا
يجب بشمّ ماء الورد شيء إلّا أن يصبّه على بدنه أو ثوبه ؛ لأنّ الطريق فيه الصبّ على الثوب أو البدن
.
ولو داس بنعله طيباً
، لزمته الفدية ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّها ملبوسة له بحال .
__________________
ولو نام أو جلس على أرض
أو فراش مطيّبين ، فإن فرش فوقهما ثوباً وإن كان رقيقاً ، فلا بأس إذا لم يشمّ طيبهما وإلّا فلا .
مسألة ٢٣٩ : إنّما يحرم استعمال الطيب مع القصد ، فلو تطيّب ناسياً أو جاهلاً بكونه طيباً أو بكون الطيب محرّماً ، فلا فدية ـ وبه قال الشافعي
ـ كما لو تكلّم في الصلاة ناسياً أو أكل في رمضان .
وقال أبو حنيفة ومالك
والمزني : تجب الفدية على الناسي والجاهل .
وعن أحمد روايتان
.
ولو علم أنّه طيب ولم
يعلم أنّه يعبق ، لزمته الفدية .
ولو علم تحريم
الاستعمال وجهل وجوب الفدية ، وجبت الفدية ؛ لأنّه إذا علم التحريم ، كان حقّه الامتناع .
ولو علم تحريم الطيب
وجهل كون الممسوس طيباً ، لم تجب الفدية ـ وهو قول أكثر الشافعية ـ لأنّه إذا جهل كون الشيء طيباً فقد
جهل تحريم استعماله .
وحكى الجويني وجهاً
آخر : أنّه تجب الفدية .
ولو مسّ طيباً رطباً
وهو يظنّ أنّه يابس لا يعلق شيء منه به ، فالأقرب عدم الفدية ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ جهله برطوبته كجهله بكونه طيباً
.
__________________
والثاني : تجب الفدية
؛ لأنّه قصد الطيب مع العلم بكونه طيباً .
وقال الشيخ رحمه الله
: لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق بيده شيء منه ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، ولو كان يابساً غير مسحوق ، كالعود والعنبر والكافور ، فإن علق بيده رائحته ، فعليه الفدية ؛ للاحتياط وعموم الأخبار . وهو جيّد .
مسألة ٢٤٠ : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه علىٰ وجه لا يوجب الفدية بأن
كان يابساً أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته ، ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه .
ولو باشره بنفسه ، فالأقرب
أنّه لا يضرّه ؛ لأنّه قصد الإِزالة .
فإن أخّره قادراً ولم
يُزله مع الإِمكان ، وجب الفداء .
ولو كان زمناً لا
يقدر على إزالته أو مكتوفاً لا يتمكّن ، فلا فدية .
ولو اُكره على التطيّب
، فلا فدية .
ولا خلاف بين أهل
العلم في تحريم لُبْس ثوب فيه طيب من وَرْس ، أو زعفران وغيرهما مع رطوبته أو تبخيره به ، فكلّ ما صُبغ بزعفران أو وَرْس ، أو غُمس في ماء ورد أو بُخّر بعود ، فليس للمُحْرم لُبْسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه ؛ لأنّه استعمال له ، فأشبه لُبْسه ، ومتى لبسه أو استعمله ، فعليه الفداء ، وبه قال الشافعي وأحمد .
وقال أبو حنيفة : إن
كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ،
__________________
وإلّا
فلا ؛ لأنّه ليس بمتطيّب .
وهو خطأ ؛ لأنّه مُحْرم
استعمل ثوباً مطيّباً ، فلزمته الفدية ، كالرطب .
فإن غسله حتى ذهب ما
فيه من الطيب ، فلا بأس به بإجماع العلماء .
ولو انقطعت رائحة
الثوب لطول الزمن عليه ، أو لكونه صُبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا تفوح له رائحة إذا رشّ فيه الماء ، فلا بأس باستعماله ؛ لزوال الطيب منه ، وبه قال سعيد بن المسيّب والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وهو مروي عن عطاء وطاووس .
وكره ذلك مالك إلّا أن
يغسل ويذهب لونه ؛ لأنّ عين الزعفران ونحوه موجودة فيه .
وليس بجيّد ، لأنّه
إنّما نهي عنه لأجل رائحته والتلذّذ به وقد ذهبت بالكلّية .
ولو لم تكن له رائحة
في الحال لكن كان بحيث لو رشّ فيه ماء فاح ريحه ، ففيه الفدية ؛ لأنّه متطيّب ؛ لأنّ رائحته تظهر عند رشّ الماء فيه ، والماء لا رائحة له ، وإنّما هي من الصبغ الذي فيه .
ولو فرش فوق الثوب
ثوباً صفيقاً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية عليه بالجلوس والنوم عليه .
ولو كان الحائل
بينهما ثياب بدنه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ممنوع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه ، كما مُنع من استعماله في بدنه .
ولا بأس بالثوب المُعَصْفر
ـ وهو المصبوغ بالعُصْفُر ـ للرواية ، خلافاً
__________________
للثوري
وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن .
وكذا لا بأس بالممشق
وهو المصبوغ بالمشق وهو المصبوغ بالمغرة ؛ لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب ، وكذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا وإن كان السواد مكروهاً ؛ لأصالة الإِباحة إلّا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه .
وأمّا المصبوغ
بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها ، فما مُنع المُحْرم من استعماله مُنع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته ، وإلّا فلا .
مسألة ٢٤١ : لو مات المُحْرم ، لم يجز تغسيله بالكافور ـ وهو إجماع ـ للأحاديث الدالّة عليه من طُرق العامّة والخاصّة :
روىٰ محمّد بن
مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام : عن المُحْرم إذا مات كيف يصنع به ؟ قال : « يغطّىٰ وجهه ، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيباً » .
البحث الرابع : الادّهان
مسألة ٢٤٢ : الدهن ضربان : طيب وغير طيب .
فالطيب : البنفسج
والورد والنيلوفر والبان وما في معناه ، ولا خلاف أنّ فيه الفدية علىٰ أيّ وجه استعمله .
__________________
وأمّا غير الطيب مثل
الشيرج والزبد والسمن فيجوز أكله إجماعاً .
قال الشيخ رحمه الله
: ولا يجوز الادّهان به علىٰ وجه ، وأمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلَسْتُ أعرف به نصّاً ، والأصل براءة الذمّة .
ثم قال : وقد اختلف
الناس علىٰ أربعة مذاهب :
فقال : أبو حنيفة :
فيه الفدية علىٰ كلّ حال إلّا أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه .
وقال الحسن بن صالح
بن حي : لا فدية فيه بحال .
وقال الشافعي : فيه
الفدية في الرأس واللحية ، ولا فدية فيما عداهما ؛ ( لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه ، والمُحْرم منعوت بالشَّعَث المعتاد له .
ولو كان أقرع أو أصلع
فدهن رأسه ، أو أمرد فدهن ذقنه ، فلا فدية عليه عنده ؛ إذ ليس فيه تزيين شعر .
ولو كان محلوق الرأس
، فوجهان .
ولو كان في رأسه شجّه
فجعل الدهن في داخلها ، فلا شيء عليه ) .
وقال مالك : إن دهن
به ظاهر بدنه ، ففيه الفدية ، وإن كان في بواطن بدنه ، فلا فدية .
واستدلّ ـ رحمه الله
ـ علىٰ مذهبه : بأصالة براءة الذمّة .
وبما رواه العامّة عن
ابن عمر : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ادّهن ـ وهو مُحْرم ـ بزيت .
__________________
إذا عرفت هذا ، فنقول
: الدهن الطيب كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر يحرم الادّهان به ، وبه قال الأوزاعي وأحمد .
وكره مالك وأبو ثور
وأصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج .
وقال الشافعي : ليس
بطيب .
وهو غلط ؛ لأنّه
يتّخذ للطيب ، وتُقصد رائحته ، فكان طيباً ، كماء الورد .
وأمّا ما لا طيب فيه
كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج : فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإِحرام اختياراً ، وذهب العامّة إلىٰ جوازه .
قال ابن المنذر :
أجمع عوام أهل العلم علىٰ أنّ للمُحْرم أن يدّهن بدنه بالشحم والزيت والسمن .
ونقل بعض العامّة
جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحّاك وغيرهم .
وقال عطاء ومالك
والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : لا يدّهن المُحْرم رأسه بالزيت الذي يؤكل ؛ لأنّه يُزيل الشَّعَث ويُرجّل الشعر ويُحسّنه .
__________________
وأجمعوا على إباحة
استعماله في اليدين ، وإنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة ؛ لأنّه محلّ الشعر .
لنا : ما رواه
العامّة عن ابن عمر أنّه صدع وهو مُحْرم ، فقالوا : ألا ندّهنك بالسمن ؟ فقال : لا ، قالوا : أليس تأكله ؟ قال : ليس أكله كالادّهان به .
وعن مجاهد : إن تداوىٰ
به ، فعليه الكفّارة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « ولا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك » .
وقال عليه السلام : «
وادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن » .
ولو ادّهن بالدهن
الطيب قبل الإِحرام ، فإن كانت رائحته تبقىٰ إلىٰ بعد الإِحرام ، فَعَل حراماً ، ولو ذهبت رائحته بعد الإِحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب ، فإنّه جائز إجماعاً .
مسألة ٢٤٣ : لو اضطرّ إلىٰ استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإِحرام ،
جاز له استعماله ، وتجب الفدية ؛ لما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن معاوية ابن عمّار : في مُحْرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه »
.
ويجوز استعمال ما ليس
بطيب بعد الإِحرام اضطراراً إجماعاً ، ولا فدية ؛ لأصالة البراءة .
__________________
ولما رواه هشام بن
سالم ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا خرج بالمُحْرم الخراج أو الدمل فليُبطّه
وليداوه بسمن أو زيت » .
البحث الخامس : الاكتحال بما فيه طيب
مسألة ٢٤٤ : أجمع علماؤنا علىٰ أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بكُحْل فيه طيب ، سواء كان رجلاً أو امرأة ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله حرّم استعمال الطيب ، وهو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب ،
وتجب به الفدية كما قلنا في الطيب ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا يكحل المُحْرم عينيه بكُحْل فيه زعفران ، وليكحلها بكُحْل فارسي » .
إذا عرفت هذا ، فلا
يجوز أن يكتحل للزينة ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا بأس بأن تكتحل وأنت مُحْرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا »
.
مسألة ٢٤٥ : لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بالسواد ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، إلّا عند الضرورة ، ويجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلّا إذا
__________________
كان
فيه طيب ، فإنّه لا يجوز علىٰ حال ، وبه قال الشافعي
.
وقال أبو حنيفة :
يجوز الاكتحال بما فيه طيب .
وكره عطاء والحسن البصري
ومجاهد الاكتحال بالإِثْمد .
وروي عن ابن عمر أنّه
قال : يكتحل المُحْرم بكلّ كُحْل ليس فيه طيب .
قال مالك : لا بأس أن
يكتحل المُحْرم من حَرٍّ يجده في عينيه بالإِثمد وغيره .
وعن أحمد أنّه قال :
يكتحل المُحْرم ما لم يُردْ به الزينة ، قيل له : الرجال والنساء ، قال : نعم .
لنا علىٰ المنع
من الأسود كالإِثْمد وشبهه : ما رواه العامّة : أنّ عليّاً عليه السلام قدم من اليمن فوجد فاطمة عليها السلام ممّن حلّ ، فلبست ثياباً صبيغاً واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : ( أبي أمرني بهذا ) فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( صَدَقَتْ صَدَقَتْ ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا يكتحل الرجل والمرأة المُحْرمان بالكُحْل الأسود إلّا من علّة »
.
__________________
ولقول النبي صلّى
الله عليه وآله : ( الحاج أشعث أغبر ) وهو ينافي الاكتحال .
مسألة ٢٤٦ : لو اكتحل الرجل والمرأة بالإِثْمد أو الأسود ، فَعَلا محرّماً
عند أكثر علمائنا ، ولا تجب به الفدية ، عملاً بأصالة
البراءة السالم عن معارض من نصٍّ أو غيره .
قال الشافعي : إن فَعَلا
، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشيء .
ولا خلاف في زوال
التحريم مع الضرورة .
ولا يجوز الاكتحال
بما فيه زينة ؛ لقول الصادق عليه السلام : « تكتحل المرأة [ المُحْرمة ] بالكُحْل كلّه إلّا كحلاً أسود للزينة
» .
وقال الصادق عليه
السلام : « لا تكتحل المرأة المُحْرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة » . وهو يدلّ علىٰ التعليل ،
فيطّرد الحكم باطّرادها .
وقال الشافعي : يحرم
الاكتحال بما فيه طيب ـ خلافاً لأبي حنيفة ـ وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به . نَقَله المزني .
وله قول آخر : إنّه
يكره .
__________________
وتوسّط آخرون من
أصحابه : إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض ، لم يكره ، وإن كان فيه زينة كالإِثْمد ، كره ، إلّا لحاجة الرَّمَد
.
البحث السادس : النظر في المرآة
مسألة ٢٤٧ : اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة علىٰ المُحرم ، فقال بعضهم بالتحريم ، وبعضهم بالكراهة
.
واحتجّ الأوّل : بما
رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( المُحْرم الأشعث الأغبر ) .
وفي آخر : ( إنّ الله
يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول : يا ملائكتي انظروا إلىٰ عبادي قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين )
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه حمّاد ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة للزينة » .
واحتجّ الآخرون :
بأصالة الإِباحة .
وقال أحمد : لا ينظر
في المرآة لإِزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من
__________________
الزينة
، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه وغير ذلك ممّا أباح الشرع له فِعْلَه ، فلا بأس ، وعلىٰ كلّ حال لا فدية فيه
.
البحث السابع : لُبْس الحُليّ للزينة
مسألة ٢٤٨ : لا يجوز للمرأة في حال الإِحرام لُبْس الحُليّ للزينة وما لم تعتد لُبْسه في حال الإِحرام ؛ لقول الصادق عليه السلام في المُحْرمة : « إنّها تلبس الحُليّ كلّه إلّا حُليّاً مشهوراً للزينة »
.
وسأل يعقوبُ بن شعيب
الصادقَ عليه السلام عن المرأة تلبس الحُليّ ، قال : « تلبس المَسَك والخلخالين » .
ومنع أحمد بن حنبل من
الخلخال وما أشبهه من الحُليّ ، مثل : السوار والدُّمْلج .
وروي عن عطاء أنّه
كان يكره للمُحْرمة الحرير والحُليّ .
وكرهه الثوري وأبو
ثور .
وعن قتادة أنّه كان
لا يرىٰ بأساً أن تلبس المرأة الخاتم والقُرْط
وهي مُحْرمة ، وكره السوارين والدُّمْلجين والخلخالين
.
وظاهر مذهب أحمد :
الجواز ، وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الرأي ؛ لأنّ عائشة قالت : تلبس المُحْرمة ما تلبس وهي حلال من خزّها وقزّها وحُليّها ، وعلىٰ كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد
.
__________________
وأمّا لُبْس القُفّازين
ففيه الفدية عنده ، وكذا عندنا ، لأنّها لبست ما نُهيت عن لُبْسه في الإِحرام ، فلزمتها الفدية ، كالنقاب ، وقد قال الصادق عليه السلام : « تلبس المرأة المُحْرمة الحُليّ كلّه إلّا القُرْط المشهور والقلادة المشهورة » .
مسألة ٢٤٩ : الحُليّ الذي تعتاد المرأة لُبْسه في الإِحلال يجوز لها لُبْسه
في الإِحرام إذا لم تُظهره للزوج ؛ لما فيه من جذب الشهوة إلىٰ إيقاع
المنهيّ عنه .
ولما رواه عبد الرحمن
بن الحجّاج ـ في الصحيح ـ أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام : عن المرأة يكون عليها الحُليّ والخلخال والمسكة والقُرْطان من الذهب والورق تُحْرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه علىٰ حاله ؟ قال : « تُحْرم فيه وتلبسه من غير أن تُظهره
للرجال في مركبها ومسيرها » .
مسألة ٢٥٠ : لا يجوز للمُحْرم أن يلبس الخاتم للزينة ، ويستحب للسنّة ؛ لأنّ الروايات الدالّة علىٰ تحريم لُبْس الحُليّ للزينة والاكتحال
بالسواد للزينة والنظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها علىٰ تعليل الحرمة بالزينة ،
فتثبت في لُبْس الخاتم ؛ لوجود العلّة .
ولأنّ مسمعاً سأل
الصادق عليه السلام : أيلبس المُحْرم الخاتم ؟ قال : « لا يلبسه للزينة » .
وأمّا استحبابه
للسنّة : فلأنّ محمد بن إسماعيل قال : رأيت العبد
__________________
الصالح
عليه السلام وهو مُحْرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة
.
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز للمرأة لُبْس الخاتم من الذهب ؛ للأصل .
ولأنّه يجوز لها لُبْسه
حالة الإِحلال ، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة .
ولما رواه عمّار عن
الصادق عليه السلام ، قال : « تلبس المُحْرمة الخاتم من الذهب » .
إذا عرفت هذا ، فيجوز
أن تلبس المرأة الحرير حالة الإِحرام علىٰ كراهية ، ولا يكره الذهب والخزّ ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن تُحْرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض »
.
البحث الثامن : تغطية الرأس
مسألة ٢٥١ : يحرم على الرجل حالة الإِحرام تغطية رأسه اختياراًً بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه نهىٰ
عن العمائم والبرانس .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل المُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه » .
__________________
إذا عرفت هذا ، فإنّه
لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو بغير مخيط ، كالعمامة والإِزار والخرقة وكلّ ما يعدّ ساتراً ، وإذا ستر ، لزمه الفداء ؛ لأنّه باشر محظوراً ، كما لو حلق ، وإذا غطّىٰ رأسه ، ألقى الغطاء واجباً ، وجدّد التلبية مستحبّاً .
ولو توسّد بوسادة فلا
بأس ، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة ؛ لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً أنّه مكشوف الرأس .
ولا فرق في التحريم
بين تغطية الرأس بالمعتاد ، كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره ، كالزنبيل والقرطاس ، أو خضب رأسه بحنّاء ، أو طيّنه بطين ، أو حمل علىٰ رأسه متاعاً أو مكتلاً أو طبقاً ونحوه عند علمائنا .
وذكر الشافعي عن عطاء
أنّه لا بأس به ، ولم يعترض عليه .
وهو يُشعر بموافقته ؛
إذ من عادته الردّ علىٰ المذهب الذي لا يرتضيه .
وقال ابن المنذر
وجماعة من الشافعية : إنّه نصّ في بعض كتبه علىٰ وجوب الفدية ، فبعض الشافعية قطع بالأول ولم يُثبت
الثاني ، وبعضهم قال : إنّ في المسألة قولين .
ووافقنا أبو حنيفة
على التحريم ووجوب الفدية ؛ لأنّه غطّىٰ رأسه بما يستره ، فوجبت الفدية ، كغيره .
احتجّ الآخرون :
بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس .
ولو ستر رأسه بيديه ،
فلا شيء عليه ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر . وكذا لو وضع يديه علىٰ فرجه ، لم يجزئه في الستر .
__________________
ولأنّ المُحْرم مأمور
بمسح رأسه ، وذلك يكون بوضع يده عليه .
وجوّز الحنابلة للمُحْرم
أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ ؛ ليجتمع الشعر ويتلبّد ، فلا يتخلّله الغبار ، ولا يصيبه الشَّعَث ، ولا يقع فيه الدبيب ؛ لما رواه ابن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يُهلّ ملبّداً
.
مسألة ٢٥٢ : يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء علىٰ رأسه ـ وبه قال مالك ـ لأنّه مشتمل علىٰ تغطية الرأس
.
ولما رواه عبد الله بن
سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك » .
وفي الصحيح عن حريز
عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا يرتمس المُحْرم في الماء » .
ويجوز أن يغسل رأسه
ويفيض عليه الماء إجماعاً ؛ لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية ، وليس هو في معناها ، كالارتماس .
ولما رواه حريز ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا اغتسل المُحْرم من الجنابة صبّ علىٰ رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من
بعض » .
وكذا يجوز للمُحْرم
أن يدلك رأسه ويحكّه بيده ؛ لأنّ زرارة سأله عن المُحْرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء ؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة » .
__________________
ولا يحلّ للمُحْرم أن
يضع الطيب في رأسه بحيث يبقىٰ إلىٰ بعد الإِحرام ؛ لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب .
وخالف فيه الجمهور
.
ولو خضب رأسه ، وجبت
الفدية ، سواء كان الخضاب ثخيناً أو رقيقاً ؛ لأنّه ساتر ، وبه قال الشافعي .
وفصّل أصحابه بين
الثخين والرقيق ، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني .
وليس بمعتمد .
وكذا لو وضع عليه
مرهماً له جرم يستر رأسه .
ولو طلىٰ رأسه
بعسل أو لبن ثخين فكذلك ، خلافاً للشافعي .
ولو طيّن رأسه ، وجبت
الفدية عندنا .
وللشافعية وجهان
كالوجهين فيما إذا طلىٰ بالطين عورته وصلّىٰ هل تجزئه ؟ .
مسألة ٢٥٣ : لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر ، بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه ؛ لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( لا تخمّروا رأسه ) والنهي عنه يُحرّم فِعْلَ بعضه .
__________________
وكذلك لمّا قال تعالىٰ
: ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ ) حرم حلق بعضه .
ولا فرق بين أن يكون
ذلك لعذر أو لغير عذر ، فإنّ العذر لا يُسقط الفدية ، كما قال تعالىٰ : (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًىٰ مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ ) .
ولو افتقر إلى تعصيب
الرأس بعصابة ، جاز عند الحاجة ـ وبه قال عطاء ـ لأنّه في محلّ الحاجة والضرورة ، وقد قال تعالى : ( مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) .
وقال الصادق عليه
السلام : « لا بأس أن يعصب المُحْرم رأسه من الصداع » .
وسأل محمّدُ بن مسلم
الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يضع عصام القِرْبة علىٰ رأسه إذا استقىٰ ، فقال : « نعم »
.
واختلفت العامّة في
الاُذنين هل يحرم سترهما ؟ فنصّ الشافعي علىٰ تسويغه .
ومنع أحمد منه
؛ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( الاُذنان من الرأس ) .
__________________
ولو ستر بعض رأسه
بيده ففي التحريم إشكال .
وجوّزه العامّة ؛
لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر
.
وسأل سعيدُ الأعرج
الصادقَ عليه السلام عن المُحْرم يستتر من الشمس بعود أو بيده ، فقال : « لا ، إلّا من علّة » .
مسألة ٢٥٤ : لو غطّىٰ رأسه ناسياً ، ألقىٰ الغطاء وجوباً ، وجدّد
التلبية استحباباً ، ولا شيء عليه .
أمّا وجوب الإِلقاء :
فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها ؛ لما فيه من الترفّه ، بل هو في الاستدامة أقوىٰ منه في الابتداء ، فإيجاب الفدية فيه
أولىٰ .
وأمّا استحباب
التلبية : فلأنّ حريز بن عبد الله سأل الصادق عليه السلام ـ في الصحيح ـ عن مُحْرم غطّىٰ رأسه ناسياً ، قال : « يُلقي القناع عن رأسه
، ويلبّي ، ولا شيء عليه » .
وكذا لو غطّاه حال
نومه ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً ، قال : « يلبّي إذا ذكر » .
ولأنّ التغطية تنافي الإِحرام
، لأنّها مُحرَّمة فيه ، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به ، وهو التلبية .
مسألة ٢٥٥ : يجوز للمُحْرم تغطية وجهه عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص
__________________
وابن عباس وابن الزبير وزيد بن ثابت وجابر ومروان بن الحكم والقاسم وطاوس والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها ) والتفصيل قاطع للشركة .
وعن ابن عباس : أنّ مُحْرماً
وقصت به ناقته غداة عرفات ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( خمّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّياً ) .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ قال : قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : الرجل المُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه » .
وقال الصادق عليه
السلام : « المُحْرمة لا تتنقّب ، لأنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه » .
وقال أبو حنيفة ومالك
وأحمد في الرواية الاُخرىٰ : يحرم عليه تغطية وجهه ، كالمرأة ؛ لتساويهما في تحريم الطيب ، فكذا التغطية .
ولأنّه قد روي عن
النبي صلّى الله عليه وآله في المُحْرم الذي وقصت به
__________________
ناقته
: ( ولا تخمّروا وجهه ولا رأسه )
.
ويبطل القياس بلُبْس
القُفّازين ، والحديث ممنوع ، فإنّ المشهور فيه : ( ولا تخمّروا رأسه ) .
مسألة ٢٥٦ : وإحرام المرأة في وجهها ، فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها ، كما يحرم علىٰ الرجل تغطية رأسه ، ولا نعلم فيه خلافاً ـ إلّا
ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها وهي مُحْرمة
، ويحتمل أنّها كانت تُغطّيه بالسدل عند الحاجة ، فلا يكون اختلافاً ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها » .
إذا عرفت هذا ، فقد
اجتمع في حقّ المُحْرمة فِعْلان لا يمكن فعل أحدهما إلّا بفعل ما ينافي الآخر : ستر الرأس وكشف الوجه ، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره ؛ إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلّا بستر ذلك الجزء ، وهذا أولىٰ من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعاً لكشف
__________________
جميع
الوجه ، لأنّ الستر أحوط من الكشف .
ولأنّ المقصود إظهار
شعار الإِحرام بالاحتراز عن التنقّب ، وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه ، والرأس عورة كلّه ، فيُستر .
إذا ثبت هذا ، فإنّه
يجوز لها أن تسدل ثوباً علىٰ وجهها فوق رأسها إلىٰ طرف أنفها متجافياً عنه بخشبة وشبهها ، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلاً ، عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامّة أهل العلم ـ لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كان الرُكْبان يمرّون بنا ونحن مُحْرمات مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جِلْبابها من رأسها علىٰ وجهها ، فإذا
جاوزونا كشفناه .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه حريز ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام قال : « المُحْرمة تسدل الثوب علىٰ وجهها إلىٰ الذقن »
.
ولأنّ بالمرأة حاجة
إلىٰ ستر وجهها ، فلا يحرم عليها علىٰ الإِطلاق ، كالعورة .
ولا فرق بين أن تفعل
ذلك لحاجة من دفع حَرٍّ أو بَرْدٍ أو فتنةٍ أو لغير حاجة .
قال الشيخ رحمه الله :
ينبغي أن يكون الثوب متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة ، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة ، فلا شيء عليها ، وإلّا وجب الدم .
__________________
ويشكل بأنّ السدل لا
يكاد يسلم من إصابة البشرة ، ولو كان شرطاً ، لبيّن ؛ لأنّه موضع الحاجة .
مسألة ٢٥٧ : يحرم علىٰ المرأة النقاب حالة الإِحرام ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( ولا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين )
.
ولقول الصادق عليه
السلام : « إحرام المرأة في وجهها » .
ورواه العامّة أيضاً
عن النبي عليه السلام .
وكذا يحرم عليها لُبْس
البُرْقع ؛ لاشتماله علىٰ ستر الوجه .
ويجوز لها بعد الإِحلال
أن تطوف متنقّبةً من غير كراهة له ؛ فإنّ المقتضي للمنع هو الإِحرام .
وكرهه عطاء ثم رجع
عنه . وطافت عائشة متنقّبة .
مسألة ٢٥٨ : قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه .
وضبطه الشافعي بأن
يكون المستور قدراً يقصد ستره لغرض من الأغراض ، كشدّ عصابة وإلصاق لصوقٍ لشجّةٍ ونحوها .
ثم قال : لو شدّ خيطاً
علىٰ رأسه ، لم يضرّ ، ولا تجب الفدية ؛ لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس .
وهو ينقض الضابط
المذكور ؛ فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط
__________________
قد
يقصد أيضاً لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره ، فإذاً الأولىٰ النظر إلىٰ
تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه .
وعند أبي حنيفة لا
تكمل الفدية إلّا إذا ستر ربع الرأس فصاعداً ، فإن ستر أقلّ من ذلك ، فعليه صدقة .
البحث التاسع : التظليل
مسألة ٢٥٩
: يحرم علىٰ المُحْرم
الاستظلال حالة السير ، فلا يجوز له الركوب في المحمل وما في معناه ، كالهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عمر ومالك وسفيان بن عيينة وأهل المدينة وأبو حنيفة وأحمد ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه رأىٰ
علىٰ رحل عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة عوداً يستره من الشمس ، فنهاه .
ورأىٰ رجلاً مُحْرماً
علىٰ رحل قد رفع ثوباً علىٰ عود يستتر به من الشمس ، فقال : اضحَ لمن أحرمت له . أي : أبرز للشمس .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه جعفر بن المثنىٰ الخطيب عن محمّد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل ، قال : قال لي محمّد : ألا أُبشّرك يابن مثنىٰ ؟ فقلت : بلىٰ ، فقمت إليه ، فقال : دخل هذا الفاسق آنفاً ، فجلس قبالة أبي الحسن عليه السلام ، ثم أقبل عليه ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المُحْرم أيستظلّ علىٰ المحمل ؟ فقال [ له ]
: « لا » قال : فيستظلّ في
__________________
الخباء
؟ فقال له : « نعم » فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا ؟ فقال . « يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون ، إنّا صنعنا كما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقُلْنا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكان رسول الله صلّى الله
عليه وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، فإذا نزل استظلّ بالخباء وفيء البيت والجدار » .
ولأنّه ستر بما يقصد
به الترفّه ، فأشبه ما لو غطّاه .
ورخّص فيه ربيعة
والثوري والشافعي ، وهو مروي عن عثمان وعطاء ؛ لما روت اُمّ الحُصين قالت : حججت مع النبي صلّى الله عليه وآله حجّة الوداع ، فرأيت اُسامة وبلالاً أحدهما أخذ بخِطام
ناقة النبي صلّى الله عليه وآله ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحَرّ حتىٰ رمىٰ جمرة العقبة
.
ولأنّه يُباح له
التظليل في البيت والخباء ، فجاز له [ في حال ]
الركوب .
والحديث ممنوع ، وجاز
أن يكون عليه السلام مضطرّاً إلىٰ التظليل .
ولأنّ رفع الثوب الساتر
جاز أن يكون حالة النزول ؛ لأنّه ليس في الحديث أنّه كان حالة الركوب ، والفرق ظاهر ؛ فإنّ التظليل حالة النزول دافع
__________________
للأذىٰ
، بخلاف حالة الركوب ؛ فإنّ الفعل حالة النزول أكثر ؛ لدوامه ، بخلاف حالة الركوب .
مسألة ٢٦٠ : يجوز للمُحْرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة والخباء والخيمة لضرورة وغير ضرورة ، عند العلماء كافّة .
روىٰ العامّة
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر بقبّة من شعر ، فضُربت له بـ « نَمِرة » فأتىٰ « عرفة » فوجد القبّة قد ضُربت له بـ « نمرة » فنزل بها
حتىٰ إذا زاغت الشمس .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه جعفر بن المثنىٰ عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس ، فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظلّ بالخباء وفيء البيت وبالجدار »
.
مسألة ٢٦١ : لو افتقر حالة السير إلى الاستظلال لعلّة ومرض وشدّة حَرٍّ أو بردٍ أو مطر ، جاز له الاستظلال ، وتجب الفدية ؛ لما رواه سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن المُحْرم يظلّل علىٰ نفسه ، فقال : « أمن علّة ؟ » فقلت : تؤذيه الشمس وهو مُحْرم ، فقال : « هي علّة يظلّل ويفدي » .
وسأل إبراهيمُ بن أبي
محمود ، الرضا عليه السلام : عن المُحْرم يظلّل علىٰ محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّ به ، قال : « نعم » قلت : كم الفداء ؟ قال : « شاة » .
__________________
ولأنّه في محلّ
الحاجة ، فكان سائغاً .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
لا يجوز للمُحْرم إذا لم يكن مضطرّاً إلىٰ التظليل أن يظلّل علىٰ نفسه وإن التزم الكفّارة ، وإنّما يسوغ التظليل للمُحْرم
بشرطين : العلّة والتزام الكفّارة .
روىٰ عبد الله بن
المغيرة ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليه السلام : اُظلّل وأنا مُحْرم ؟ قال : « لا » قلت : أفاُظلّل واُكفّر ؟ قال : « لا » قلت :
فإن مرضت ؟ قال : « ظلّل وكفّر » .
مسألة ٢٦٢ : يجوز للمرأة التظليل علىٰ نفسها حالة السير ، كما جاز للعليل ؛ لضعف مزاجها ، وقبوله للانفعال بسرعة ، فساغ لها التظليل ؛ دفعاً للحرج الحاصل من تركه ، فأشبهت العليل والنازل .
وروىٰ محمّد بن
مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما السلام ، قال : سألته عن المُحْرم يركب القبّة ، فقال : « لا » قلت : فالمرأة المُحْرمة ، قال : « نعم » .
وكذا الصبي يجوز له
التظليل ؛ لما قلناه في المرأة .
ولما رواه حريز ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا بأس بالقبّة علىٰ النساء والصبيان وهم مُحْرمون ، ولا يرتمس المحرم في الماء
ولا الصائم » .
قال الشيخ رحمه الله
: قد رخص للنساء في التظليل ، وتركه أفضل علىٰ كلّ حال .
__________________
مسألة ٢٦٣ : لو زامل المريضَ أو المرأةَ أو الصبيَّ رجلٌ صحيح ، اختصّ المريض والمرأة والصبي بالتظليل علىٰ المحمل ، وكشف الصحيح محمله ؛ لقيام المانع من التظليل في حقّه ، وهو الإِحرام السالم عن أحد الأعذار المُسوّغة له .
ولما رواه بكر بن
صالح ، قال : كتبت إلىٰ أبي جعفر الثاني عليه السلام : إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحَرّ إذا أحرمَتْ ، فترىٰ
[ أن ] اُظلّل عليَّ وعليها ؟ فكتب : « ظلِّل عليها وحدها »
.
مسألة ٢٦٤ : إذا استظلّ حالة الاختيار ، وجب عليه الفداء ـ وهو رواية عن أحمد ، وقول أهل المدينة ـ لأنّه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه
غالباً ، فأشبه ما لو ستره بشيء يُلاقيه .
ولأنّ الفداء يجب
للضرورة فبدونها أولىٰ .
ولأنّ محمد بن
إسماعيل بن بزيع ، قال : سأله رجل عن الظلال للمُحْرم من أذىٰ مطر أو شمس وأنا أسمعه ، فأمره أن يفدي
شاة يذبحها بمنىٰ .
وأحمد وإن منع
التظليل إلّا أنّه لم يوجب الفدية ، فقيل له : إنّ أهل المدينة يقولون : عليه دم ، قال : نعم أهل المدينة يغلطون
.
إذا عرفت هذا ، فلا
فرق بين أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتَّع بها وإحرام الحج .
وقال الشيخ في بعض
كتبه : لو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتَّع
__________________
بها
، لزمه كفّارتان ؛ لما رواه أبو علي بن راشد ، قال : قلت له عليه السلام : جعلت فداك إنّه يشتدّ عليّ كشف الظلال ، لأنّي محرور تشتدّ الشمس عليّ ، فقال : « ظلّل وأرق دماً » فقلت له : دماً أو دمين ، قال : « للعمرة ؟ » قلت : إنّا نُحرم بالعمرة وندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحجّ ، قال : « فأرق دمين »
.
ومع صحة السند نحمله علىٰ
الاستحباب .
وقال بعض الشافعية :
إذا لم تمسّ المظلّة رأسه ، فلا فدية ، وإن مسّته ، وجبت الفدية
البحث العاشر : إزالة الشعر
مسألة ٢٦٥ : يُحْرم علىٰ المُحْرم إزالة شيء من شعره ، قليلاً كان
أو كثيراً ، علىٰ رأسه أو علىٰ بدنه أو لحيته بإجماع العلماء .
قال الله تعالىٰ
: ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )
.
وما رواه العامّة عن
النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك تؤذيك هوامّ رأسك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو أنسك شاة ) وهو يدلّ علىٰ المنع من الحلق
قبل ذلك .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « مرَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله علىٰ كعب بن عُجْرَة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ،
__________________
فقال
: أتؤذيك هوامّك ؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًىٰ مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ
أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )
فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه صيام ثلاثة أيام والصدقة علىٰ ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة »
.
وقال ابن عباس ( مَّرِيضًا ) أي : برأسه قروح ( أَوْ بِهِ أَذًىٰ )
، أي : قمل .
وسواء حلق لعذر أو
لغير عذر ، فإنّ الفدية واجبة عليه ؛ للآية ، وإذا وجبت مع العذر فمع عدمه أولىٰ .
مسألة ٢٦٦ : ولا فرق بين شعر الرأس في ذلك وبين شعر البدن في قول أهل العلم ؛ لما تقدّم في قول الصادق عليه السلام : « ولا يحلق الشعر » وهو يتناول شعر الرأس وغيره .
ولاشتماله علىٰ
التنظيف والترفّه ، فلزمته الفدية ، كشعر الرأس ، بل الحاصل من الترفّه والتنظيف فيه أكثر من الرأس .
وقال أهل الظاهر : لا
يجب في شعر غير الرأس ، لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ ) .
وهو استدلال بمفهوم
اللقب ، وليس حجّةً إجماعاً من المحقّقين .
ولا فرق بين أن يزيل
الشعر بالإِطلاء أو الحلق أو النتف عن الرأس أو
__________________
البدن
.
ولو قطع يده وعليها
شعرات ، فلا فدية ؛ لأنّ الشعر غير مقصود بالإِبانة ، وكذا لو كشط جلدة الرأس ، كما لو قتل الصغيرة لا يجب المهر ؛ لأنّ البُضْع تابع عند القتل .
ولو أرضعت الكبيرةُ
الصغيرة ، بطل النكاح ، ووجب المهر .
ولو مشط لحيته أو
رأسه ، فانتفت شعرات ، فعليه الفدية .
ولو شكّ هل كانت
الشعرات منسلّةً فانفصلت وانتتفت بالمشط ، فالأقرب : وجوب الفدية ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : لا تجب
.
مسألة ٢٦٧ : الكفّارة تجب بحلق جميع الرأس وبعضه ، قليلاً كان أو كثيراً ، لكن تختلف ، ففي حلق جميع الرأس : دم ، وكذا فيما يسمّىٰ حلق الرأس وإن كان بعضه .
وفي حلق ثلاث شعرات
صدقة بمهما كان ؛ لأنّ الدم معلّق علىٰ حلق الرأس ، وهو إنّما يصدق حقيقة في الجميع ، فيبقىٰ الباقي علىٰ أصل
البراءة .
وأمّا وجوب الفدية في
القليل : فلما ورد عنهم عليهم السلام : « أنّ مَنْ مسَّ شعر رأسه ولحيته فسقط شيء من شعره يتصدّق بشيء »
.
وقال الشافعي : يجب
بحلق ثلاث شعرات دم ؛ لأنّه شعر آدمي يصدق عليه اسم الجمع المطلق .
والفرق بين الكثير
والقليل ظاهر .
وقال أبو حنيفة : لا
يجب الدم إلّا بحلق ربع الرأس ؛ لأنّ الربع يقوم
__________________
مقام
الكلّ ، فإنّه يصدق : رأيت رجلاً ، وإن كان لم يشاهد سوىٰ جانب منه .
ونمنع حقيقة الإِطلاق
، ولهذا يصحّ نفيه .
ورؤية الرجل مجاز
إمّا لأنّه ليس هو الهيكل المحسوس ، بل شيء مجرّد ، وإمّا لأنّه أجزاء أصلية .
ولأنّ الإِنسان ليس
مربّعاً ، بل إذا رأىٰ ما يعرفونه قال : رأيته ، ولو رأىٰ صفحة وجهه .
وقال مالك : إذا حلق
من رأسه ما أماط عنه الأذىٰ ، وجب الدم ، قلّ أو كثر .
وعن أحمد روايتان :
إحداهما : أنّه يجب بثلاث شعرات ، كقول الشافعي ، والثانية : بأربع شعرات .
ولو نتف شعرة أو
شعرتين ، فعندنا تجب صدقة ، وللشافعي أقوال :
أحدها : يجب في
الشعرة الواحدة مُدٌّ من طعام ، وفي الشعرتين مُدّان ، وفي الثلاث دم شاة ؛ لأنّ تبعيض الدم عسر ، والشرع
قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره ، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلّة ، والمدّ أقلّ ما وجب في الكفّارات ، فقُوبلت به .
الثاني : أنّه يجب في
الشعرة الواحدة درهم ، وفي الشعرتين درهمان ؛ لأنّ
__________________
تبعيض
الدم عسر ، وكانت الشاة تُقوّم في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله بثلاثة دراهم تقريباً ، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلىٰ التوزيع .
الثالث : أنّ في
الشعرة ثُلثَ دم ، وفي الشعرتين ثُلثي الدم ، تقسيطاً للواجب في الشعرات الثلاث علىٰ الآحاد .
الرابع : أنّ الدم
الكامل يجب بالشعرة الواحدة ؛ لأنّ محظورات الإِحرام لا تختلف بالقلّة والكثرة ، كالطيب واللُّبْس .
مسألة ٢٦٨ : لو حلق رأسه لأذىٰ ، لم يكن مُحرَّماً ، ولا تسقط
الفدية ؛ لنصّ القرآن .
ولو كثرت الهوامّ في
رأسه ، أو كانت به جراحة ، وأحوجه أذاها إلىٰ الحلق ، جاز له ذلك ، ويجب الفداء ، كما في حديث كعب بن عُجْرَة ، وقد تقدّم .
وكذا لو كان كثير
الشعر يؤذيه الحَرّ ، جاز له الحلق مع الفداء .
ولو كان الضرر اللاحق
من نفس الشعر ، مثل أن ينبت في عينه أو طال حاجباه فغطيا عينيه ، فله قلع ما في العين ، وقطع ما استرسل علىٰ عينيه ،
ولا فدية عليه ؛ لأنّ الشعر آذاه ، فكان له دفع أذيّته بغير فدية ، كالصيد إذا صال عليه .
ولو كان الأذىٰ
من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذىٰ إلّا بإزالة الشعر ، كالقمَّل والقروح برأسه ، أو صُداع برأسه ، أو شدّة الحَرّ عليه لكثرة شعره ، فعليه الفدية ؛ لأنّه قطع الشعر لإِزالة ضرر غيره ، فأشبه أكل الصيد للمخمصة .
__________________
لا يقال : القُمَّل
من ضرر الشعر والحَرّ سببه كثرة الشعر فتساويا .
لأنّا نقول : ليس القُمَّل
من الشعر وإنّما لا يتمكّن من المقام في الرأس إلّا به ، فهو محلّ له لا سبب فيه .
وكذا الحَرّ من
الزمان بدليل أنّ الشعر يوجد في زمن البرد ، فلا يتأذّىٰ به .
وهذا تفصيل حسن لا
بأس به ، ذكره بعض الشافعية .
تنبيه :
لو نتف إبطه ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّه أزال الشعر للترفّه ، فكان عليه الفداء ، كغيره .
ولما رواه حريز ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا نتف الرجل إبطه بعد الإِحرام فعليه دم » .
إذا عرفت هذا ، فليس
الحكم منوطاً بالحلق بل بالإِزالة والإِبانة إمّا بنتف أو إحراق أو غيره .
مسألة ٢٦٩ : النسيان مُسقط للفدية في الطيب واللباس وما عدا الوطء من الاستمتاعات ، كالقُبْلة واللمس بشهوة ، وسيأتي .
وهل يُسقط الفديةَ في
الحلق والقلم ؟ فيه للشافعية وجهان :
أحدهما : لا تجب ،
كما في الاستمتاعات .
والثاني : الوجوب
.
وهو المعتمد ؛ لأنّ
الإِتلافات يتساوىٰ عمدها وخطؤها ، كما في ضمان الأموال .
وأمّا المجنون والمغمىٰ
عليه والصبي غير المميّز : فالأقرب عدم الضمان
__________________
في
حقّهم ؛ لعدم التكليف عليهم ، بخلاف الناسي ، فإنّه يفعل ما يتعاطاه ، والنسيان عذر في سقوط الإِثم لا في إزالة الفداء .
مسألة ٢٧٠ : يجوز للمُحْرم أن يحلق شعر المُحلّ ، ولا شيء عليه ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو محكي عن مجاهد
ـ لأنّ المُحلّ يسوغ له حلق رأسه ، فجاز للمُحْرم فعله به ، كما لو فَعَله المُحلّ ؛ لأنّ المُحرَّم
إنّما هو إزالة شعر المُحْرم عن نفسه .
ولأنّه لم يتعلّق
بمنبته حرمه الإِحرام ، فجاز للمُحْرِم حلقه ، كشعر البهيمة .
ولأنّه يجوز له أن
يطيبه ويلبسه ، فأشبه المُحلّ إذا حلقه .
ولأصالة براءة الذمّة
.
وقال أبو حنيفة : لا
يجوز له ، فإن فَعَل ، فعليه صدقة ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ ) معناه لا يحلق بعضٌ رؤوسَ بعض .
ولأنّ المُحْرم ممنوع
منه بكلّ حال ، وما كان كذلك مُنع منه في حقّ غيره ، كقتل الصيد ، بخلاف اللباس ، فإنّه ليس بممنوع منه بكلّ حال
.
والآية خطاب للمُحْرِمين
؛ لقوله تعالىٰ : (
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) .
ولأنّ المُحِلّ غير
ممنوع من حلق الرأس إجماعاً ، والصيد إذا أتلفه المُحْرم بكلّ حال ضمنه ، وهنا مُنع من شعر المُحْرم ؛ لما فيه من الترفّه وزوال الشعث في الإِحرام ، وهو غير موجود في شعر المُحلّ .
__________________
مسألة ٢٧١ : لا يجوز للمُحْرم ولا للمُحلّ أن يحلقا رأس المُحْرم مع علمهما بحاله إجماعاً ؛ لقوله تعالىٰ : (
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ ) .
والمراد : أن لا
يحلقه بنفسه ولا بغيره ، بل انصراف ذلك إلىٰ الغير أولىٰ ، فإنّ الإِنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلّا نادراً .
ولا فدية علىٰ واحد
منهما عَلِما أو جَهِلا ، أذن لهما أو لا ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والتحريم لا يستلزم الفدية ، كما في كثيرٍ من المحرّمات .
وقال أبو حنيفة : إذا
كان الحالق مُحلاً ، وجب عليه صدقة نصف صاع ، وعلىٰ المُحْرم فدية ، وإن كان مُحْرماً ، فإن كان بإذنه ، فعلىٰ
الآذن الفدية ، وعلىٰ الحالق صدقة .
وقال الشافعي : إذا
حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام ، فقد أساء .
ثم إن حلق بأمره ،
فالفدية علىٰ المحلوق ؛ لأنّ فعل الحالق بأمره يضاف إليه ، ألا ترىٰ أنّه لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره ،
فحَلَق ، يحنث في يمينه .
ولأنّ يده ثابتة علىٰ
الشعر ، وهو مأمور بحفظه إمّا علىٰ سبيل الوديعة أو العارية ، وكلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن .
وإن حلق لا بأمره يُنظر
إن كان نائماً أو مكرهاً أو مغمىٰ عليه ، فقولان :
أصحّهما : أنّ الفدية
علىٰ الحالق ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لأنّه المقصّر ولا تقصير من المحلوق .
والثاني ـ وبه قال
أبو حنيفة ـ أنّها علىٰ المحلوق ؛ لأنّه المرتفق به
.
__________________
وأصحاب الشافعي بنوا
القولين علىٰ أنّ استحفاظ الشعر في يد المُحْرم جارٍ مجرىٰ الوديعة أو مجرىٰ العارية .
وفيه جوابان :
إن قلنا بالأول ،
فالفدية علىٰ الحالق ، كما أنّ ضمان الوديعة علىٰ المُتْلف دون المُودع ، وإن قلنا بالثاني ، وجبت علىٰ المحلوق وجوبَ الضمان علىٰ المستعير .
قالوا : والأول أظهر ؛
لأنّ العارية هي التي يمسكها لمنفعة نفسه ، وقد يريد المُحْرم الإِزالة دون الإِمساك .
وأيضاً فإنّه لو
احترق شعره بتطاير الشرر ولم يقدر علىٰ التطفئة ، فلا فدية عليه ، ولو كان كالمستعير ، لوجبت عليه الفدية .
قالوا : فإن قلنا :
الفدية علىٰ الحالق ، فإن فدىٰ ، فلا بحث ، وإن امتنع مع القدرة ، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها ؟ فيه وجهان : فالأكثر علىٰ
أنّ له ذلك ، بناءً علىٰ أنّ المُحْرم كالمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف في يده .
وإذا أخرج المحلوق [
الفدية ] بإذن الحالق ، جاز ، وبغير إذنه لا يجوز في أصحّ الوجهين ، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه .
وإن قلنا : الفدية علىٰ
المحلوق ، فإن فدىٰ بالهدي أو الطعام ، رجع بأقلّ الأمرين من الطعام أو قيمة الشاة علىٰ الحالق ، ولا يرجع بما زاد ؛
لأنّ الفدية علىٰ التخيير ، وهو متطوّع بالزيادة .
وإن فدىٰ
بالصوم ، فوجهان : أظهرهما : لا ، وعلىٰ الثاني بِمَ يرجع ؟ وجهان :
__________________
أظهرهما : بثلاثة
أمداد من طعام ؛ لأنّ صوم كلّ يوم مقابل مُدٍّ .
والثاني بما يرجع به لو
فدىٰ بالهدي أو الإِطعام .
ثم إذا رجع فإنّما
يرجع بعد الإِخراج في أصحّ الوجهين .
والثاني : أنّ له أن
يأخذ منه ثم يخرج .
وهل للحالق أن يفدي
علىٰ هذا القول ؟
أمّا بالصوم فلا ؛
لأنّه متحمّل ، والصوم لا يتحمّل .
وأمّا بغيره فنعم ،
ولكن بإذن المحلوق ؛ لأنّ في الفدية معنىٰ التقرّب ، فلا بدّ من نيّة مَنْ وَجَبَتْ عليه .
وإن لم يكن نائماً
ولا مغمىٰ عليه ولا مُكرهاً ، لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع منه ، فقولان :
أحدهما : أنّ الحكم
كما لو كان نائماً ؛ لأنّ السكوت ليس بأمر ، فإنّ السكوت علىٰ إتلاف المال لا يكون أمراً بالإِتلاف .
وأصحّهما : أنّه كما
لو حلق بأمره ؛ لأنّ الشعر إمّا كالوديعة عنده أو كالعارية ، وعلىٰ التقديرين يجب الدفع عنه
.
ولو أمر حلال حلالاً
بحلق شعر حرام وهو نائم ، فالفدية علىٰ الآمر عند الشافعي إن لم يعرف الحالق الحال ، وإن عرف ، فعليه في أصحّ الوجهين
.
وهذه الفروع كلّها
ساقطة عندنا ؛ لأنّ الحالق لا كفّارة عليه عندنا ، وأمّا المحلوق فإن كان الحلق بإذنه ضمن ، و إلّا فلا .
البحث الحادي عشر : القَلْم
مسألة ٢٧٢ : أجمع فقهاء الأمصار كافّة علىٰ أنّ المُحْرم ممنوع من
__________________
قصّ
أظفاره مع الاختيار ؛ لأنّه إزالة جزء يترفّه به فحرم ، كإزالة الشعر .
ولما رواه الشيخ عن
إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلّم أظفاره ، قال : فقال : « يدعها » قال : قلت : إنّها طوال ، قال : « وإن كانت » قلت : إنّ رجلاً أفتاه بأن يقلّمها وأن يغتسل ويُعيد إحرامه ، ففَعَل ، قال : « عليه دم »
.
واعلم أنّ علماءنا
نصّوا علىٰ أنّ مَنْ قلّم ظُفْره بإفتاء غيره ، فأدمىٰ إصبعه ، كان علىٰ المُفتي دم شاة ؛ لهذه الرواية .
إذا ثبت هذا ، فليس
الحكم مخصوصاً بالقَلْم ، بل بمطلق الإِزالة ، فإنّها تزال للتنظيف والترفّه ، فيلحق بالقَلْمِ الكسْرُ والقطْعُ .
ولو قطع يده أو إصبعه
وعليها الظفر ، فلا فدية عليه ؛ لأنّ الظفر تابع غير مقصود بالإِبانة .
مسألة ٢٧٣ : لو احتاج إلىٰ مداواة قرحة ولا يمكنه إلّا بقصّ أظفاره
، جاز له ذلك ، ووجبت الفدية ـ خلافاً لبعض العامّة
ـ لأنّه أزال ما مُنع من إزالته لضرر في غيره ، فكان كما لو حلق رأسه لضرر القمل .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل المُحْرم تطول أظفاره ، قال : « لا يقصّ شيئاً منها إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظُفْر قبضةً من طعام »
.
مسألة ٢٧٤ : لو أزال بعض الظُفْر تعلّق به ما يتعلّق بالظُفْر جميعه ؛ لأنّه
بعض من جملة مضمونة .
وكذا لو أخذ بعض شعره
، فإنّه يكون كأخذ الشعرة بأجمعها .
ولو أخذ من بعض جوانب
الظُفْر ولم يأت علىٰ رأسه كلّه ، ففيه ما في
__________________
الظُفْر
.
وقالت الشافعية : إن
قلنا : يجب في الظُفْر الواحد ثُلث دم أو درهم ، فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب ، وإن قلنا : يجب مُدٌّ ، فلا سبيل إلىٰ تبعيضه .
مسألة ٢٧٥ : لو انكسر ظُفْره ، كان له إزالته بلا خلاف بين العلماء ؛ لأنّه يؤذيه ويؤلمه ، فكان له إزالته ، كالشعر النابت في عينه والصيد الصائل عليه .
وهل تجب فيه الفدية ؟
إشكال ينشأ : من أصالة براءة الذمّة ومشابهته للصيد الصائل ، ومن الرواية الصحيحة عن الصادق عليه السلام وقد سأله معاوية بن عمّار : عن المُحْرم تطول أظفاره إلىٰ أن ينكسر بعضها فيؤذيه : « فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظفر قبضةً من طعام »
لأنّ العمل بالرواية متعيّن .
ولو قصّ المكسور
خاصّةً ، لم يكن عليه شيء عند قوم علىٰ ما تقدّم من الإِشكال .
ولو أزال منه ما بقي
ممّا لم ينكسر ، ضمنه بما يضمن به الظُفْر ؛ لأنّه أزال بعض الظُفْر ابتداءً من غير علّة ، فوجب ضمانه ، وكذا لو أزاله تبعاً .
البحث الثاني عشر : إخراج الدم
مسألة ٢٧٦ : اختلف علماؤنا في جواز الحجامة للمُحْرم اختياراً ، فمنع منه المفيد وابن إدريس ، وبه قال مالك
، وكان الحسن البصري يرىٰ
__________________
في
الحجامة دماً .
واختار ابن بابويه
الجواز ، وهو قول أكثر العامّة .
وللشيخ قولان
.
احتجّ المفيد : بما
رواه الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يحتجم ، قال : « لا ، إلّا أن يخاف علىٰ نفسه التلف ولا يستطيع الصلاة » وقال : « إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر »
.
واحتجّ المجوّزون :
بما رواه العامّة عن ابن عباس : انّ النبي صلّى الله عليه وآله احتجم ـ وهو مُحْرم ـ في رأسه .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يحتجم المُحْرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر » .
وهما محمولان علىٰ
الاحتياج إليه ؛ جمعاً بين الأدلّة .
مسألة ٢٧٧ : يجوز الحجامة مع الضرورة ودعوىٰ الحاجة ، وكذا الفصد بلا خلاف ؛ دفعاً للضرر ، وكذا يجوز قطع العضو عند الحاجة ، والختان من غير فدية ؛ للأصل .
ولو احتاج في الحجامة
إلىٰ قطع شعر ، قَطَعَه ؛ لما رواه العامّة عن النبي
__________________
صلّى
الله عليه وآله : أنّه احتجم في طريق مكّة وهو مُحْرم وسط
رأسه ، ومن ضرورة ذلك قطع الشعر .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه مهران بن أبي نصر وعلي بن إسماعيل بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام ، قالا : سألناه ، فقال في حلق القفا للمُحْرم : « إن كان أحد منكم يحتاج إلىٰ الحجامة فلا بأس به ، وإلّا فيلزم ما جرىٰ عليه الموسى إذا حلق » .
ولأنّه يباح إزالة
الشعر أجمع لضرر القمل ، فكذا هنا .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
الفدية واجبة عليه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ
نُسُكٍ ) .
ولأنّ حلقه لإِزالة
ضرر عنه ، فلزمته الكفّارة ، كما لو حلقه لإِزالة قمله .
وقال أبو يوسف ومحمد
: يتصدّق بشيء .
مسألة ٢٧٨ : يجوز للمُحْرم أن يبطّ خُراجه ويشقّ الدمل إذا احتاج إلى
__________________
ذلك
، ولا فدية عليه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه احتجم وهو مُحْرم .
ومن طريق الخاصّة :
رواية معاوية بن عمّار ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن المُحْرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة ، فقال : « لا بأس » .
وروىٰ هشام بن
سالم ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا خرج بالمُحْرم الخُراج والدمل فليبطّه وليداوه بزيت أو بسمن »
.
ولأنّه في محلّ
الحاجة ولا يستتبع ترفّهاً ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء .
ويجوز أن يقلع ضرسه
مع الحاجة إليه ؛ لأنّه تداوٍ ، وليس بترفّهٍ ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء .
ولما رواه الحسن
الصيقل أنّه سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يؤذيه ضرسه أيقلعه ؟ قال : « نعم لا بأس به » .
ولو لم يحتج إلىٰ
قلعه ، كان عليه دم .
مسألة ٢٧٩ : لا يدلك المُحْرم جسده بعنف لئلّا يدميه أو يقلع شعره ، وكذا لا يستقصي في سواكه لئلّا يُدْمي فاه ، ولا يدلك وجهه في غسل الوضوء وغيره لئلّا يسقط من شعر لحيته شيء ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام : عن المُحْرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال : « بأظافيره ما لم يُدْم أو يقطع الشعر » .
__________________
وعن الحلبي ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن المُحْرم يستاك ، قال : « نعم ولا يُدْمي » .
وعن معاوية بن عمّار
ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا بأس أن يدخل المُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك »
.
وعن عمر بن يزيد عن
الصادق عليه السلام ، قال : « لا بأس بحكّ الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحكّ الجسد ما لم يُدْمه »
.
وسأل يعقوبُ بن شعيب
ـ في الصحيح ـ الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يغتسل ، فقال : « نعم يفيض الماء علىٰ رأسه ولا يدلكه »
.
مسألة ٢٨٠ : ينبغي للمُحْرم أن يغسل رأسه وبدنه برفق بحيث لا يسقط منه شيء من شعر رأسه ولحيته إجماعاً ، وفَعَله
علي عليه السلام ، وعمر ، وابنه ، وبه قال جابر وسعيد بن جبير والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي
، إلّا أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه ، عند علمائنا ، وبه قال مالك ـ خلافاً لباقي العامّة ـ لما فيه من تغطية الرأس .
احتجّوا : بما رواه
ابن عباس ، قال : ربما قال لي عمر ونحن مُحْرمون
__________________
بالجحفة
: تعال أباقيك أيّنا أطول نفساً في
الماء .
ولأنّه ليس بستر
معتاد ، فأشبه صبّ الماء عليه .
وحديث عمر لا حجّة
فيه ، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإِحرام ؛ لأنّه في الميقات الذي يحرم منه ، فالظاهر أنّ غسله للإِحرام ، والفرق : أنّ في الارتماس تغطيةَ الرأس دون الصبّ .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما ـ وبه قال جابر بن عبد الله والشافعي وأصحاب الرأي ـ ولا فدية عليه .
وعن أحمد رواية : أنّ
عليه الفدية ، وبه قال مالك وأبو حنيفة .
وقال أبو يوسف ومحمّد
: عليه صدقة .
لنا : ما رواه
العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال في المُحْرم الذي أوقصه بعيره : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تحنّطوه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يُحشر يوم القيامة ملبّياً )
أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإِحرام عليه ، ولهذا منعه من الطيب وتخمير رأسه .
احتجّوا : بأنّه
تستطاب رائحته ، ويزيل الشعث ، ويقتل الهوامّ .
__________________
ونمنع التلذّذ
بالرائحة ، وينتقض بالفاكهة ، وإزالة الشعث تحصل بالتراب والماء مع موافقته علىٰ تسويغه .
مسألة ٢٨١ : يجوز للمُحْرم دخول الحمّام إجماعاً ، ولا يدلك جسده فيه بقوّة لئلّا يدميه أو يزيل شعره ؛ للأصل .
ولما رواه العامّة عن
ابن عباس : أنّه دخل حمّام الجحفة ، وقال : ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يدخل المُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك » .
إذا ثبت هذا ،
فالأفضل تركه ؛ لاشتماله علىٰ الترفّه ( وإزالة الشعث ) .
ولما رواه عقبة أنّه
سأل الصادق عليه السلام عن المُحْرم يدخل الحمّام ، قال : « لا يدخل » وإنّما حملناه علىٰ الكراهة ؛ جمعاً
بين الأخبار .
البحث الثالث عشر : قتل هوامّ الجسد
مسألة ٢٨٢ : لا يجوز للمُحْرم قتل القمل والصئبان
والبراغيث وغير ذلك من هوامّ الجسد ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد
ـ لاشتماله علىٰ الترفّه وإزالة الشعث ، فكان حراماً ، كالطيب .
__________________
ولقول الصادق عليه
السلام : « المُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » .
ولا فرق بين أن يقتله
أو يلقيه عن بدنه إلىٰ الأرض أو يقتله بالزئبق وشبهه ؛ لأنّ تحريم قتله ليس معلّلاً بحرمته ، بل للترفّه بفقده ، فعمّ المنعُ إزالته كيف كان .
ولأنّ حماد بن عيسىٰ
سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يبين القملة من جسده فيلقيها ، فقال : « يطعم مكانها طعاماً »
.
وفي الرواية الاُخرىٰ
عن أحمد : يُباح قتله .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلىٰ مكان آخر منه ؛ لاشتمال دوامها في موضع واحد علىٰ أذىٰ كثير .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلىٰ مكان فلا يضرّه » .
مسألة ٢٨٣ : لو قتل قملةً ، فَعَل حراماً ، ووجب عليه فدية كف من طعام ـ وبه قال عطاء ـ لأنّه فعل إزهاق نفس محرَّمة ، فكان
عليه صدقة ، كالصيد .
ولقول الصادق عليه
السلام : « يُطعم مكانها طعاماً » بمجرد الإِلقاء ؛ لأنّه مظنّة القتل لها ، فأشبه رمي الصيد وجهل حاله .
__________________
وقال مالك : يفدي
بحفنة من طعام . وهو مروي عن ابن عمر .
وقال إسحاق : يتصدّق
بتمرة فما فوقها .
وقال أحمد في إحدىٰ
الروايتين : يتصدّق بمهما كان من قليل وكثير ، وهو قول أصحاب الرأي .
وفي الرواية الاُخرىٰ
: لا شيء عليه ، وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وابن المنذر .
مسألة ٢٨٤ : يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد والحَلَمَة ، ويلقي القراد عنه وعن بعيره ، لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « والمُحْرم يلقي عنه القِرْدان كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ،
وإن أراد أن يحوّل قملة من مكان إلىٰ مكان فلا يضرّه »
.
وقال الشيخ رحمه الله
: يجوز للمُحْرم أن يلقي القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلَمَة ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إنّ
القراد ليس من البعير ، والحَلَمة من البعير » .
البحث الرابع عشر : قطع شجر الحرم
مسألة ٢٨٥ : أجمع علماء الأمصار علىٰ تحريم قطع شجر الحرم غير الإِذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين .
وبالجملة فالتحريم
متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت .
__________________
لما رواه العامّة عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله من قوله عليه السلام : ( لا يُختلىٰ شوكها ولا يُعضد شجرها ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام علىٰ الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »
.
واعلم أنّ النابت
إمّا شجر أو غيره .
أمّا الشجر : فيحرم
قطع كلّ شجر رطب حرمي وقلعه ، فخرج بالرطب : الشجر اليابس ، فإنّه لا شيء في قطعه ، كما لو قطع صيداً ميّتاً .
وخرج بالحرمي أشجار
الحِلّ ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلىٰ الحِلّ محافظةً علىٰ حرمتها ، فإن فَعَل ، فعليه
الردّ .
أمّا لو نقل من بقعة
من الحرم إلىٰ بقعة اُخرىٰ منه ، فإنّه لا يؤمر بالردّ ، ويضمن لو تلفت بالنقل .
ولا فرق في التحريم
بين أن ينقله إلىٰ الحِلّ أو الحرم .
ولو نبتت في الموضع
المنقول إليه ، فإن كان في الحرم ، فلا جزاء فيه ؛ لأنّه لم يُتلفها ولم يُزِلْ حرمتها .
ولو كان في الحِلّ ،
فكذلك عند الشافعي ؛ لأنّه لم يتحقّق منه الإِتلاف .
ومقتضىٰ مذهبنا
: وجوب الردّ ، فإن تلفت ضمن ، وإلّا فلا ؛ لأنّه أزال حرمتها بالنقل ، فوجب الردّ .
وأمّا غير الشجر
كالحشيش ، فلا يجوز قطعه ؛ للخبر ، ولو قَطَعه ضمنه .
__________________
مسألة ٢٨٦ : يحرم قطع الشوك والعوسج وشبهه من الأشجار المؤذية ـ وبه قال أحمد ـ لعموم قوله عليه السلام : ( لا يُعضد
شجرها ) .
وقال الشافعي : لا يحرم
ـ وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار ـ لأنّه مُؤذٍ ، فأشبه السباع من الحيوان .
ونمنع المساواة ،
والفرق : إمكان الاحتراز غالباً عن الشوك ، وقلّة ضرره ، بخلاف السباع ، ولأنّها تقصد الأذىٰ .
وليس له أخذ ورق
الشجر ـ وبه قال أحمد ـ لقوله عليه السلام : ( لا يُخبط شوكها ولا يُعضد شجرها ) .
ولأنّ ما حرم أخذه
حرم كلّ شيء منه ، كريش الطائر .
وقال الشافعي : له
أخذه ؛ لأنّه لا يضرّ به . وكان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا للإِسهال ، ولا ينزع من أصله
، ورخص فيه عمرو بن دينار .
ونمنع عدم تضرّر
الشجرة به ، فإنّه يضعفها ، وربما أدّىٰ إلىٰ تلفها .
وكذا يحرم أغصان
الشجرة ؛ لأنّ منفعتها به أقوىٰ من منفعة الورق .
__________________
مسألة ٢٨٧ : تجب في قطع الشجر الفدية عند أكثر علمائنا
ـ وبه قال ابن عباس وعطاء وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أصحّ قوليه
ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة
. والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة .
ومن طريق الخاصّة :
قول أحدهما عليهما السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تُنزع فأراد نَزْعَها ، نَزَعَها وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها علىٰ المساكين » .
ولأنّه ممنوع من
إتلافه ؛ لحرمة الحرم ، فكان مضموناً عليه ، كالصيد .
وقال بعض علمائنا :
لا ضمان فيه وإن حرم ـ وبه قال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر والشافعي في القديم ـ لأصالة البراءة .
[ و ]
لأنّ الإِحرام لا يوجب ضمان الشجر ، فكذلك الحرم .
مسألة ٢٨٨ : يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطباً ؛ للخبر ، إلّا ما استثني من الإِذخر وما أنبته الآدميون ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه
وآله ، أنّه قال : ( لا يُحْتش حشيشها ) .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان يتّقي الطاقة من العُشْب ينتفها من الحرم » قال : « وقد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها في مكانها » .
ورأىٰ زين
العابدين عليه السلام شخصاً يقلع العُشْب من حول الفسطاط ، فقال عليه السلام : « إنّ هذا لا يقلع »
.
وقال الشافعي : لا
يجوز قطعه مطلقاً ؛ للخبر ، فإن قَطَعه ، فعليه قيمته إن لم يخلف ، وإن أخلف فلا ، بخلاف الشجر ؛ فإنّ الغالب فيه الإِخلاف ، فأشبه سنّ الصبي .
إذا عرفت هذا ، فلو
كان يابساً ، لم يكن في قطعه شيء ، كما في الشجر .
نعم لا يجوز قلعه ،
فإن قَلَعه ، فعليه الضمان ؛ لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانياً ، ذكره بعض الشافعية ، ولا بأس به .
مسألة ٢٨٩ : يجوز للمُحْرم أن يترك إبله لترعىٰ في حشيش الحرم ، وتسريح البهائم فيه لترعىٰ وإن حرم عليه قلعه عند علمائنا ـ وبه قال عطاء والشافعي ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال
: ( إلّا علف الدوابّ ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « يُخلّىٰ البعير في
__________________
الحرم
يأكل ما شاء » .
ولأنّ الهدايا في زمن
النبي صلّى الله عليه وآله كانت تدخل الحرم وتكثر فيه ، ولم ينقل أنّه [ كانت ] تُشدّ
أفواهها .
ولأنّ الحاجة ماسّة
إلىٰ ذلك ، فكان سائغاً ، كالإِذخر .
وقال أحمد وأبو حنيفة
: لا يجوز ؛ لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه ، كالصيد .
والفرق :
الحاجة ، ولأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرةً وتولّداً ، بخلاف الحشيش .
ولو اختلىٰ
الحشيش ليعلفه البهائم ، فللشافعية وجهان :
أحدهما : الجواز ،
كما لو سرحها فيه .
والثاني : المنع ؛
لقوله عليه السلام : ( لا يختلىٰ خلاها )
.
مسألة ٢٩٠ : شجر الفواكه والنخل يجوز قلعه ، سواء أنبته الله تعالىٰ
أو الآدميون ، وسواء كانت مُثمرةً ، كالنخل والكرم ، أو غير مثمرة ، كالصنوبر والخلاف ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشياً
من
__________________
الصيد
، فكذا من الشجر .
وقول الصادق عليه
السلام : « لا ينزع من شجر مكة إلّا النخل وشجر الفواكه » .
وكذا يجوز قلع ما
أنبته الإنسان من شجر الفواكه كلّها ؛ لقول الصادق عليه السلام : « كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام علىٰ الناس أجمعين إلّا ما
أنبتّه أنت وغرسته » .
وبه قال أبو حنيفة ؛
تشبيهاً للمستنبتات بالحيوان الإِنسي وبالزرع .
قال الشيخ رحمه الله
: وما أنبته الله تعالىٰ في الحِلّ إذا قلعه المُحلّ ونَقَله إلىٰ الحرم ثم قَطَعه ، فلا ضمان عليه ، وما أنبته الله إذا نبت في ملك الإِنسان ، جاز له قلعه ، وإنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح
.
وقال الشافعي : كلّ
ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته الله تعالىٰ أو الآدميّون ، لعموم قوله عليه السلام : ( لا يُعضد شجرها )
.
ولأنّها شجرة تنبت في
الحرم ، فأشبه ما لم ينبته الآدميون .
والحديث قد استثني
فيه في بعض الروايات ( إلّا ما أنبته الآدمي ) .
ولأنّ أدلّتنا أخصّ .
وللفرق بين الأهلي من
الشجر ، كالنخل والجواز واللوز ، والوحشي ،
__________________
كالدَّوْح
والسَّلَم
، كالصيد .
إذا عرفت هذا ، فسواء
كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن يُنبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقاً ـ خلافاً للشافعي
ـ لعموم قول الصادق عليه السلام : « إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »
.
ولا بأس بقطع شجر الإِذخر
إجماعاً .
وكذا لا بأس بعودي
المحالة للحاجة إلىٰ ذلك .
ولقول الباقر عليه
السلام : « رخص رسول الله صلّى الله عليه وآله في قطع عودي المَحالَة ـ وهي البكرة التي يُستقىٰ بها
ـ من شجر الحرم والإِذخر » .
وكذلك لا بأس بأن
يقلع الإِنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه ، لم يجز له قلعها ؛ لقول الصادق عليه السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنىٰ المنزل والشجرة فيه فليس
له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله فله قلعها
» .
ويجوز أن يقلع اليابس
من الشجر والحشيش ؛ لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة ، وكذا قطع ما انكسر ولم يبن ؛ لأنّه قد تلف ، فهو بمنزلة الميّت والظفر المنكسر .
__________________
ويجوز أخذ الكَمْأَة
والفقْع من الحرم ، لأنّه لا أصل له ، فهو كالثمرة الموضوعة علىٰ الأرض .
ولو انكسر غصن شجرة
أو سقط ورقها ، فإن كان بغير فعل الآدمي ، جاز الانتفاع به إجماعاً ؛ لتناول النهي القطع وهذا لم يقطع ، وإن كان بفعل آدمي ، فالأقرب جوازه ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس ،
وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله .
ومنعه بعض العامّة ؛
قياساً علىٰ الصيد يذبحه المُحْرم .
وقال آخرون : يباح
لغير القاطع ، والفرق : أنّ الصيد يُعتبر في ذبحه الأهليةُ ، وهي منفية عن المُحْرم ، بخلاف قطع الشجرة ؛ فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به .
مسألة ٢٩١ : الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، حرم قطعها وقطع غصنها ؛ لأنّها في الحرم .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال : قلت : فإنّ أصلها في الحِلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أصلها لمكان فرعها » والغصن تابع .
وإن كان بالعكس ،
فكذلك .
وسوّغ بعض العامّة
قطع الغصن في الأخير ؛ لأنّه تابع لأصله ، كالتي
__________________
قبلها
.
وليس بجيّد ؛ لأنّه
في الحرم .
وإذا كان الأصل في
الحِلّ والغصن في الحرم فقَطَع واحدٌ الغصنَ ، ضمنه .
ولو قطع آخرٌ الأصلَ
بعد قطع الغصن ، فالأقرب عدم التحريم ؛ لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه وقد زال بقطع الغصن .
ولو كان بعض الأصل في
الحِلّ وبعضه في الحرم ، ضمن الغصن ، سواء كان في الحِلّ أو الحرم ؛ تغليباً لحرمة الحرم ، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم .
مسألة ٢٩٢ : لو قلع شجرةً من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت ، ضمنها ؛ لإِتلافه .
ولو غرسها في مكان
آخر من الحرم فنبتت ، لم يكن عليه ضمان ؛ لعدم الإِتلاف ولم تزل حرمتها .
ولو غرسها في الحِلّ فنبتت
، وجب عليه ردّها ؛ لأنّه أزال حرمتها ، فإن تعذّر ردّها ، أو ردّها ويبست ، ضمنها .
ولو غرسها في الحِلّ فقلعها
غيره منه ، قال بعض العامّة : يضمن الثاني ؛ لأنّه المتلف لها ، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحِلّ ، فإنّ الضمان علىٰ المنفّر ؛ لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه ، ولا
تزول حرمته بإخراجه ، ولهذا يجب علىٰ قالعه ردّه ، وأمّا الصيد فإنّه يكون تارة
في الحِلّ واُخرىٰ في الحرم ، فمن نفّره فقد أذهب حرمته ، فوجب عليه جزاؤه ، والشجر لا تفوت حرمته بالإِخراج ، فكان الضمان علىٰ المُتْلف ؛ لأنّه أتلف
__________________
شجراً
من الحرم .
مسألة ٢٩٣ : يضمن المُحْرم الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والحشيش بقيمته ، والغصن بأرشه ـ وبه قال الشافعي وأحمد
ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة
. والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة .
ومن طريق الخاصّة :
قول أحدهما عليهما السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة ، وتصدَّق بلحمها علىٰ المساكين » .
وقال أصحاب الرأي :
يضمن الجميع بالقمية ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
أحد نوعي ما يحرم إتلافه ، فكان فيه مقدّر ، كالصيد .
ولو قطع غصناً أو قلع
حشيشاً فعاد عوضه ، فالوجه : بقاء الضمان ؛ لأنّ الثاني غير الأول .
إذا عرفت هذا ،
فالمرجع في الصغر والكبر إلىٰ العرف .
وقال بعض الشافعية :
ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبةً من
__________________
سُبْع
الكبيرة ، فإنّ الشاة من البقرة سُبْعُها .
والمتوسّطة صغيرة ؛
لأصالة البراءة ، ولأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة .
مسألة ٢٩٤ : حدّ الحرم ـ الذي لا يحلّ الصيد فيه ولا قطع شجره ـ بريد في بريد ؛ لما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويُعضد شجره إلّا الإِذخر أو يصاد طيره ، وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلى خلاها ويعضد شجرها إلّا عودي الناضح » .
مسألة ٢٩٥ : قال الشيخ رحمه الله : واعلم أنّ للمدينة حرماً مثل حرم مكّة ، وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظلّ عائر إلىٰ ظلّ وُعير لا يُعْضد
شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين
.
واللابة : الحرّة ،
والحرّة : الحجارة السوداء .
وفي هذا الكلام
اضطراب ، وينبغي أن يقال : وحدّه من ظلّ عائر إلىٰ ظلّ وُعير ، لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين ؛ لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر وظلّ وُعير ، والحرّتان بين الظلّين ؛
لأنّه قال : لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين ، ولا بأس أن يؤكل الصيد إلّا ما صيد بين الحرّتين ، فدلّ علىٰ دخول الحرّتين في الظلّين ، وإلّا تناقض الكلام ،
ولو كانت الحرّتان هُما حدّ حرم المدينة الأول ، لما حلّ الصيد في شيء من حرم المدينة .
__________________
والشيخ ـ رحمه الله ـ
عوّل في التحريم علىٰ رواية زرارة عن الباقر عليه السلام ، السابقة .
والشافعي ألحق حرم
المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده ، وبه قال مالك وأحمد ـ وهو المشهور عندنا ـ لما روىٰ
العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إنّ إبراهيم حرّم مكة وإنّي حرّمت المدينة مثل
ما حرّم إبراهيم مكة ، لا يُنفّر صيدها ولا يُعْضد شجرها ولا يُخْتلىٰ خلاها ) .
وروي أنّه قال : (
إنّي اُحرّم ما بين لابتي المدينة أن يُقْطع عضاهها
أو يُقْتل صيدها ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يُعْضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلىٰ ظلّ وُعير [ و
] ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد »
.
__________________
وقال أبو حنيفة : لا يحرم
. وهو الوجه الثاني للشافعي
.
وعلىٰ قول
التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها وشجرها قولان :
الجديد ـ وبه قال
مالك ـ لا يضمن ؛ لأنّه ليس بمحلّ النسك ، فأشبه مواضع الحمىٰ ، وإنّما أثبتنا التحريم ؛ للنصوص .
والقديم ـ وبه قال
أحمد ـ أنّه يضمن .
وعلىٰ هذا فما
جزاؤه ؟ وجهان :
أحدهما : أنّ جزاءه
كجزاء حرم مكة ؛ لاستوائهما في التحريم .
والثاني ـ وبه قال
أحمد ـ أنّ جزاءه أخذ سَلَب الصائد وقاطع الشجر ؛ لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سَلَب رجل قتلَ صيداً في المدينة ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( من رأىٰ رجلاً يصطاد بالمدينة فليسلبه ) .
وهذا ليس بشيء علىٰ
مذهبنا .
وعلىٰ هذا
ففيما يُسلب للشافعي وجهان :
الذي أورده أكثر
أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار .
والثاني : لا ينحىٰ
بهذا نحو سَلَب القتيل في الجهاد ، وإنّما المراد من السَّلَب هاهنا الثياب فحسب .
وعلىٰ الوجهين
ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم :
أظهرهما : انّه
للسالب كسَلَب القتيل ، وقد روي أنّهم كلّموا سعداً في هذا السَّلَب ، فقال : ما كنت لأردّ طعمة أطعمنيها رسول الله صلّى الله عليه
__________________
وآله
.
والثاني : أنّه
لمحاويج المدينة وفقرائها ، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها .
ولهم وجه ثالث : أنّه
يوضع في بيت المال ، وسبيله سبيل السهم المُرْصَد للمصالح .
مسألة ٢٩٦ : صيدُ وَجٍّ وشجرهُ مباح ـ ووجّ : وادٍ بالطائف ، وليس المراد منه نفس البلد ـ قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد
؛ لأصالة الإِباحة ، وعدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة .
وقال الشافعي : إنّه محرَّم
؛ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( صيدُ وَجّ وعضاهها محرَّم ) والعضاة كلّ شجر عظيم له شوك .
ونمنع صحة الحديث ؛
فإنّ أحمد طعن فيه .
وللشافعي قول آخر :
إنّه مكروه .
وعلىٰ الأول هل
يتعلّق به ضمان ؟ بعض الشافعية مَنَع منه ؛ إذ لم يرد في الضمان نقل ، لكن يؤدّب ، وبعضهم قال : نعم ، وحكمه حكم حرم المدينة .
وأمّا النقيع
فليس بحرم ، لكن حماه رسول الله صلّى الله عليه وآله لإِبل
__________________
الصدقة
ونَعَم الجزية ، فلا تُملك أشجاره
وحشيشه .
وفي وجوب الضمان علىٰ
مَنْ أتلفها للشافعية وجهان :
أحدهما : لا يجب ،
كما لا يجب في صيده شيء .
وأظهرهما عندهم :
الوجوب ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكانت مضمونةً عليه ، بخلاف الصيد ؛ فإنّ الاصطياد فيه جائز ، وعلىٰ هذا فضمانها القيمة ، ومصرفه مصرف نَعَم الصدقة والجزية .
مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم إذا كان نابتاً بنفسه دون ما يستنبت .
وللشافعي في الثاني
قولان : أحدهما : التحريم . والثاني : الكراهة ، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء والأراك والعضاة وغيرها من أشجار الفواكه ؛ لأنّها تنبت بنفسها . وكذا العوسج عند الشافعية
.
لكن سوّغ أصحابنا قطع
شجر الأراك وذي الشوك ، كالعوسج وشبهه .
ثم فرّع الشافعية على
إباحة ما يستنبت : أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب ، أو نبت بعض ما يستنبت ، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين :
حكى الجويني عن
الأصحاب : النظر إلى الجنس والأصل ، فأوجب الضمان في الصورة الاُولى دون الثانية .
وحكى غيره : أنّ
النظر إلى القصد والحال ، فيعكس الحكم فيهما .
__________________
مسألة ٢٩٨ : لا أعرف لأصحابنا نصّاً في كراهة نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البلاد .
وقال بعض الشافعية :
يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع ، والبرام يجلب من الحِلّ .
ولا يكره نقل ماء
زمزم ـ وبه قال الشافعية ـ لأنّ عائشة كانت تنقله
.
قال بعض الشافعية :
لا يجوز قطع شيء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما تفعله العامّة ، فإنّهم يشترونه من بني شيبة ، وربما وضعوه في أوراق المصاحف ، ومَنْ حَمَل منه شيئاً فعليه ردّه
. وهو الوجه عندي ، وكذا البحث في المشاهد المقدسة .
مسألة ٢٩٩ : حرم المدينة يفارق حرم مكة في اُمور :
أ ـ
أنّه لا كفّارة فيما يفعل فيه من صيد أو قطع شجر على ما اخترناه .
ب ـ
أنّه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للمعلف .
روىٰ العامّة
عن علي عليه السلام ، قال : « المدينة حرام ما بين عائر إلىٰ ثور ، لا يختلى خلاها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلّا أن يعلف رجل بعيره » .
ولأنّ المدينة يقرب
منها شجر كثير وزروع ، فلو منع من احتشاشها مع الحاجة ، لزم الضرر ، بخلاف مكة .
__________________
ج ـ
لا يجب دخولها بإحرام ، بخلاف حرم مكة .
د ـ
مَنْ أدخل صيداً إلى المدينة لا يجب عليه إرساله ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يقول : ( يا أبا عمير ما فعل النُّغَيْر
؟ ) وهو طائر صغير ، رواه العامّة ، وظاهره إباحة إمساكه ، وإلّا لأنكر
عليه .
البحث الخامس عشر : الاستمتاع بالنساء
مسألة ٣٠٠ : يحرم على المُحْرم الاستمتاع بالنساء بالوطء والتقبيل والنظر بشهوة والعقد له ولغيره والشهادة على العقد وإقامة الشهادة به وإن تحمّلها مُحِلاً ، وكذا الاستمناء .
وقد أجمع علماء
الأمصار على تحريم الوطء .
قال الله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ ) .
وروى العامّة عن ابن
عمر : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحرمان ، فقال : أفسدت حجّك انطلق أنت وأهلك فاقض ما يقضون وحَلّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً ، فإن لم تجدا فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم
.
[ وفي حديث ابن عباس
] : ويتفرّقان من حيث يُحرمان حتى يقضيا
__________________
حجّهما
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « والرفث الجماع » .
إذا عرفت هذا ، فقوله
تعالى : ( فَلَا رَفَثَ )
نفي يريد به النهي ، أي : لا ترفثوا ، كقوله تعالى : (
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) .
مسألة ٣٠١ : ولا فرق في التحريم بين الوطء في القُبُل أو الدُّبُر ، ولا بين دُبُر المرأة أو الغلام .
وكذا يحرم التقبيل
للنساء وملاعبتهنّ بشهوة ، والنظر إليهنّ بشهوة ، والملامسة بشهوة من غير جماع ؛ لما روى العامّة : أنّ عمر بن عبد الله
قبّل عائشة بنت طلحة مُحْرماً ، فسأل ، فاُجمع له على أن يهريق دماً
. والظاهر أنّه لم يكن أنزل .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « يا أبا سيّار إنّ حال المُحْرم ضيّقة ، إن قبَّل امرأته علىٰ غير شهوة وهو مُحْرم ، فعليه دم شاة
، ومَنْ قبَّل امرأته على شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، ويستغفر الله ، ومَنْ مسّ امرأته وهو مُحرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومَنْ نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة ، فلا شيء عليه »
.
مسألة ٣٠٢ : يحرم على المُحْرم أن يتزوّج أو يُزوّج ، فيكون وكيلاً لغيره
__________________
فيه
أو وليّاً ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت ، ومن التابعين : سعيد ابن المسيّب وسليمان بن يسار والزهري ، وبه قال في الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل ـ لما رواه العامّة
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( لا يَنْكح المُحْرم ولا يُنْكح ولا يخطب )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « ليس للمُحْرم أن يتزوّج ولا يُزوّج ، فإن تزوّج أو زوّج فتزويجه باطل »
.
وروى العامّة عن ابن
عباس جواز ذلك كلّه ، وبه قال أبو حنيفة والحكم ؛ لما رواه ابن عباس : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله تزوّج ميمونة وهو مُحْرم
.
ولأنّه عقد يملك به
الاستمتاع ، فلا يحرّمه الإِحرام ، كشراء الإِماء
.
والرواية ممنوعة ؛
فإنّ أبا رافع قال : تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكُنْتُ أنا الرسول بينهما
.
وروى يزيد [ بن ]
الأصم عن ميمونة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله
__________________
تزوّجها
حلالاً ، وبنى بها حلالاً ، وماتت بـ « سرف » في الظلّة التي بنى فيها ، وميمونة صاحبة القصة ، وأبو رافع كان
السفير .
ولأنّ ابن عباس كان
صغيراً لا يعرف حقائق الأشياء ، ولا يقف عليها ، فربما توهّم الإِحرام وليس موجوداً ، بخلاف أبي رافع .
ولأنّ سعيد بن
المسيّب قال : وَهِمَ ابن عباس ، ما تزوّجها النبي صلّى الله عليه وآله إلّا حلالاً .
وأيضاً يحتمل أنّه
أطلق المُحْرم على النبي صلّى الله عليه وآله بمجرّد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام في البلد الحرام ، كما قيل :
قتلوا ابن عفّان
الخليفةَ مُحرماً
|
|
. . . . . . . . .
|
أو أنّه تزوّجها وهو
حلال ثم ظهر أمر التزويج وهو مُحْرم .
وشراء الأمة قد يكون
للخدمة وهو الغالب ، بخلاف عقد النكاح الذي لا يكون إلّا مقدّمةً للاستمتاع ، فلمّا كان مقدّمةً للمُحَرَّم كان حراماً .
ولأنّ النكاح يُحْرم
بالعدّة واختلاف الدين والردّة وكون المنكوحة اُختاً من الرضاع ، وتُعتبر له شرائط غير ثابتة في شراء الإِماء ، فافترقا .
إذا عرفت هذا ، فلو
أفسد إحرامه ، لم يجز له أن يتزوّج فيه أيضاً ؛ لأنّ حكم الفاسد فيما يمنع حكم الصحيح .
مسألة ٣٠٣ : لو تزوّج المُحْرم أو زوّج غيره وإن كان مُحلاً أو زوّجت المُحْرمة ، فالنكاح باطل ، ولا فرق بين أن يكون المزوّجان مُحْرمين أو
__________________
أحدهما
، عند علمائنا ؛ لأنّه منهي عنه ، وكان باطلاً ، كنكاح المرضعة .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إنّ رجلاً من الأنصار تزوّج وهو مُحْرم ، فأبطل رسول الله صلّى الله عليه وآله نكاحه » .
وقال أحمد : إن زوّج
المُحْرم لم أفسخ النكاح .
وهو يدلّ على أنّه
إذا كان الوليّ بمفرده أو الوكيل مُحْرماً ، لم يفسد النكاح ، هذا عند بعض أصحابه ، والمشهور عندهم : الأول
.
إذا عرفت هذا ، فلو
عقد المُحْرم لغيره ، فإنّ العقد يكون باطلاً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « المُحْرم لا يَنْكح ولا يُنْكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه باطل » .
وأمّا الخطبة فإنّه تُكره
الخطبة للمُحرم وخطبة المُحْرمة ، ويكره للمُحْرم أن يخطب للمحلّين ؛ لأنّه تسبّب إلى الحرام ، فكان مكروهاً ، كالصرف ، بخلاف الخطبة في العدّة ، فإنّها مُحرَّمة ؛ لأنّها تكون داعيةً للمرأة إلىٰ
أن تُخبر بانقضاء العدّة قبل انقضائها رغبةً في النكاح ، فكان حراماً .
ولا فرق بين الإِمام
وغيره في تحريم الوكالة والولاية في النكاح المُحرَّم .
وقال الشافعي في أحد
الوجهين : يجوز للإِمام أن يعقد للمُحْرم في حال إحرامه ؛ لأنّه يجوز له التزويج للمُحْرمين بولايته العامّة ، لأنّه موضع الحاجة .
ونمنع من الحاجة
الزائدة على عقد الولي الولايةَ الخاصّة .
__________________
مسألة ٣٠٤ : لا يجوز للمُحْرم أن يشهد بالعقد بين المُحلّين ـ ولو شهد ، انعقد النكاح عندنا ؛ لأنّ النكاح لا يعتبر فيه الشهادة ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ( لا يَنْكح المُحْرم ولا يُنْكح ولا يشهد )
.
ولقول الصادق عليه
السلام وقد سُئل عن المُحْرم يشهد على نكاح المُحلّين ، قال : « لا يشهد » .
وقال الشافعي : يجوز
له أن يشهد ؛ لأنّه لا مدخل للشاهد في العقد ، فأشبه الخطيب .
والفرق : أنّ الخطبة
لإِيقاع العقد في حال الإِحلال وصْلةٌ إلى الحلال ، أمّا الشهادة على عقد المُحْرم فإنّه معونة على فعل الحرام ، فكان حراماً .
مسألة ٣٠٥ : لو عقد المُحْرم حال الإِحرام ، فإن كان عالماً بتحريم ذلك عليه ، فُرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، وإن لم يكن عالماً ، فُرّق بينهما ، فإذا أحلّا أو أحلّ الزوج إن لم تكن المرأة مُحْرمةً ، جاز له العقد عليها ، ذهب إليه علماؤنا ـ خلافاً للعامّة ـ لأنّ الاحتياط يقتضي التحريم المؤبّد .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إنّ المُحْرم إذا تزوّج وهو مُحْرمٌ فُرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً » .
وأمّا جواز المراجعة
مع الجهل وعدم الدخول : فلقول الباقر عليه السلام : « قضىٰ أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام في رجل ملك بُضْع امرأة وهو مُحْرمٌ
قبل أن يحلّ ، فقضى أن يخلّي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئاً حتى يحلّ ، فإذا أحلّ خطبها ، إن شاء أهلها زوّجوه ، وإن شاءوا لم يزوّجوه »
.
__________________
فروع :
أ ـ
لو وكّل مُحلٌّ مُحلاً في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل ، لم يصح النكاح ، سواء حضره الموكّل أو لا ، وسواء علم الوكيل أو لا ؛ لأنّ الوكيل نائب عن الموكّل ، ففعله مسند إليه في الحقيقة وهو مُحْرم .
ب ـ
لو وكّل مُحْرمٌ مُحلاً في التزويج ، فعقد الوكيل والموكّل مُحْرمٌ ، بطل العقد ، وإن كان بعد إحلاله ، صحّ ، ولا يبطل ببطلان التوكيل ؛ لأنّ الإِذن في النكاح وقع مطلقاً ، لكن ما تناول حالة الإِحرام يكون باطلاً ، وما تناول حالة الإِحلال يكون صحيحاً ، والوكالة إذا اشتملت على شرط فاسد ، بطل ذلك ، وبقي مجرّد الإِذن يوجب صحة التصرف ، وكذا فساده في بعضه لا يمنع نفوذ التصرّف فيما يتناوله الإِذن على وجه الصحة ، بخلاف الصبي إذا وكّل في التزويج ، فأوقعه الوكيل بعد بلوغه ؛ لأنّ الوكالة هنا لا اعتبار بها في تلك الحال ولا في ثانيه ، ولم يوجد منه الإِذن في ثاني الحال ولا في أوّله على وجه الصحة ، فافترقا .
ج ـ
لو شهد وهو مُحْرم ، صحَّ العقد وفَعَل حراماً . ولو أقام الشهادة بذلك لم يثبت بشهادته النكاح إذا كان تحمّلها وهو مُحْرم ، قاله الشيخ
رحمه الله .
والأقوى ثبوته إذا
أقامها حالة الإِحلال .
ويشكل : باستلزامه
إباحة البُضْع المُحرَّم ، كما لو عرف العقد ، فتزوّجت بغيره .
وكما تحرم عليه
الشهادة بالعقد حال إحرامه تحرم عليه إقامتها في تلك الحال ولو تحمّلها مُحلاً .
ولو قيل : إنّ
التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المُحْرم ، كان وجهاً .
__________________
مسألة ٣٠٦ : إذا اتّفق الزوجان على وقوع العقد حالة الإِحرام ، بطل ، وسقط المهر إن كانا عالمين أو جاهلين ولم يدخل بها ؛ لفساد أصل العقد .
ولو دخل وهي جاهلة ،
ثبت المهر بما استحلّ من فرجها ، وفُرّق بينهما .
ولو اختلفا فادّعى
أحدهما وقوعه حالة الإِحلال وادّعى الآخر وقوعه حالة الإِحرام ، فإن كان هناك بيّنة ، حُكم بها .
ولو انتفت البيّنة ،
فإن كانت الزوجةُ مُدّعيةً لوقوعه في الإِحرام وأنكر الرجل ، فالقول قوله مع اليمين ؛ عملاً بأصالة الصحّة ، فإذا حلف ، ثبت النكاح ، وليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول ، ولو كانت قَبَضَتْه ، لم يكن للزوج استعادته .
ولو كان الزوج هو
المدّعي لوقوعه حالة الإِحرام ، فالقول قول المرأة مع اليمين ، ويُحكم بفساد العقد في حقّ الزوج ؛ لأنّه ادّعى فساده ، ويُحكم عليه بأحكام النكاح الصحيح .
ثم إن كان قد دخل بها
، وجب عليه المهر كملاً ؛ للرواية ، وإن لم يكن دخل بها ، قال الشيخ : يجب نصف المهر .
والوجه : الجميع .
ولو أشكل الأمر فلم يُعلم
هل وقع العقد في الإِحرام أو الإِحلال ، صحّ العقد ـ وبه قال الشافعي ـ لأصالة الصحة .
قال الشيخ رحمه الله
: والأحوط تجديده ؛ لأنّ الأول إن وقع في الإِحلال ، لم يضرّ الثاني ، وإلّا كان مبيحاً .
وإذا وطأ العاقد في الإِحرام
، لزمه المهر : إمّا المسمّى إن كان قد
__________________
سمّاه
، وإلّا مهر المثل ، ويلحق به الولد ، ويفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، ويلزمها العدّة ، وإن لم يكن دخل ، فلا يلزمه شيء من ذلك .
ولو عقد المُحْرم
لغيره ، كان العقد فاسداً ، ثم يُنظر فإن كان المعقود له مُحْرماً ودخل بها ، لزم العاقد بدنة .
مسألة ٣٠٧ : لا بأس للمُحْرم أن يراجع امرأته عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ـ لقوله تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ ) .
وقوله تعالى : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )
والإِمساك هو المراجعة ولم يُفصّل .
ولأنّه ليس باستئناف
عقد ، بل إزالة مانع عن الوطء ، فأشبه التكفير عن الظهار .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : لا يجوز ؛ لأنّه استباحة فرج مقصود بعقد ، فلا يجوز في الإِحرام ، كعقد النكاح .
والفرق : أنّ عقد
النكاح يملك به الاستمتاع ، بخلاف الرجعة ، فإنّ الاستمتاع مملوك له قبلها ؛ إذ لا تخرج بالطلاق الرجعي عن حكم الزوجة ، فإنّهما يتوارثان .
على أن المشهور من
مذهب أحمد : أنّ الرجعية مباحة ، فلا يصح
__________________
قوله
: الرجعة استباحة .
مسألة ٣٠٨ : يجوز شراء الإِماء في حالة الإِحرام ، لكن لا يقربهنّ إجماعاً ؛ لأنّ الشراء لفائدة الاستخدام غالباً ، فكان سائغاً ، وسواء قصد به التسرّي أو لا ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّه ليس بموضوع للاستباحة في البُضْع ، فأشبه شراء العبيد ، ولذلك اُبيح شراء مَنْ لا يحلّ وطؤها ، ولم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطء .
ويؤيّده : ما رواه
سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام ـ في الصحيح ـ قال : سألته عن المُحْرم يشتري الجواري ويبيع ، قال : « نعم »
.
إذا ثبت هذا ، فلو
اشترى حالة الإِحرام أمةً للتسرّي بها حالة الإِحرام ، احتمل فساد العقد ؛ لأنّ الغرض الذي وقع لأجله مُحرَّم ، ويحتمل الصحة ؛ لأنّ الغرض عارض ، فلا يؤثّر في الصحة الأصلية .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز له مفارقة النساء حالة الإِحرام بكلّ حال من طلاق أو خُلْع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة إجماعاً .
ورواه أبو بصير ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « المُحْرم يطلّق ولا يتزوّج » .
مسألة ٣٠٩ : كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد من المُحْرم يُفرّق بينهما بغير طلاق ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الطلاق إنّما يقع في صلب نكاح صحيح ، وهذا النكاح باطل .
وقال مالك : يُفرّق
بينهما بطلقة . وكذا كلّ نكاح وقع فاسداً عنده يُفرّق بينهما بطلقة .
__________________
مسألة ٣١٠ : لو نظر إلى امرأته بشهوة ، فَعَل حراماً ، ولو أمنى حينئذٍ ، كان عليه جزور إن كان موسراً .
ولو نظر بغير شهوة ،
لم يكن عليه شيء وإن أمنى ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام : أنّه سأله عن رجل مُحْرم نظر إلى ساق امرأته
فأمنى ، فقال : « إن كان موسراً فعليه بدنة ، وإن كان وسطاً فعليه بقرة ، وإن كان فقيراً فعليه شاة » .
ولو نظر إلى غير أهله
فأمنى ، كان عليه بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ؛ لما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مُحْرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة » .
ولو حملها بشهوة فأمنى
أو لم يُمْن ، وجب عليه دم شاة ، ولو لم يكن بشهوة ، لم يكن عليه شيء ولو أمنىٰ ؛ لما رواه الحلبي عن الصادق عليه
السلام ، قال : قلت له : المُحْرم يضع يده على امرأته ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل ويضمّها إليه ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة ، قال : « ليس عليه شيء إلّا أن يكون طلب ذلك » .
وسأل محمّد بن مسلم
الصادقَ عليه السلام : عن رجل مُحْرم حمل امرأته وهو مُحْرم فأمنى أو أمذى ، قال : « إن كان حملها ومسّها بشيء من الشهوة وأمنى أو لم يُمْن أمذى أو لم يُمْذ فعليه دم يهريقه ، وإن حملها أو مسّها
__________________
بغير
شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شيء » .
ويجوز للمُحْرم أن يُقبّل
اُمّه ؛ لأنّه ليس محلّ الشهوة ، ولا داعياً إلى الجماع ، فكان سائغاً ؛ لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يُقبِّل اُمَّه ، قال : « لا بأس به هذه قُبْلة رحمة ، إنّما تكره قُبْلة
الشهوة » .
إذا ثبت هذا ، فلا
فرق بين الاُمّ والاُخت وغيرهما من المُحرَّمات المؤبَّدة .
البحث السادس عشر : في الفسوق والجدال
مسألة ٣١١ : يحرم على المُحْرم الفسوقُ ، وهو : الكذب ، وهو حرام على غيره إلّا أنّه يتأكّد في حقّه .
قال الله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )
.
قال الصادق عليه
السلام : « والفسوق : الكذب والسباب » .
وروىٰ العامّة
قول النبي صلّىٰ الله عليه وآله : ( سباب المسلم فسوق ) فجعلوا الفسوق هو السباب ؛ لهذا الخبر .
وهو غير دالّ ، وسبب
الغلط إيهام العكس .
__________________
وقال ابن عباس : الفسوق
: المعاصي . وهو قول ابن عمر وعطاء وإبراهيم .
وقال الكاظم عليه
السلام : « والفسوق : الكذب » .
مسألة ٣١٢ : ويحرم على المُحْرم الجدال ، وفسّره الصادق عليه السلام بقول الرجل لغيره : لا والله وبلى والله
. وكذا قال الكاظم عليه السلام .
وقال ابن عباس :
الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه . وهو قريب ممّا فسّره الإِمامان عليهما السلام .
وقال مجاهد : ( وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )
أي : لا مجادلة ، ولا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة . وما قلناه أولى .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يستحب للمُحْرم قلّة الكلام إلّا بخير .
وروى العامة عن
الحسين بن علي عليهما السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه »
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلّة الكلام إلّا بخير ، فإنّ تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ
__________________
المرء
لسانه إلّا من خير كما قال تعالى ، فإنّ الله يقول : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله »
.
ولأنّ ترك الكلام
فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحلّ ، فإنّ مَنْ كثر كلامه كثر سقطه وقد قال صلّىٰ الله
عليه وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )
فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر والبحث في العلوم مطلقاً ، إلّا أنّه في حال الإِحرام
أشدّ استحباباً ؛ لأنّه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف .
ولا يعارض ذلك ما
رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته وهو مُحرمٌ يقول :
كأنّ راكبها غصن
بمروحة
|
|
إذا تدلّت به أو
شارب ثمل
|
وفِعْلُ عمر لا حجّة
فيه ، خصوصاً مع معارضة فعل النبي صلّى الله عليه وآله .
مسألة ٣١٣ : لو ارتدّ في أثناء الحجّ والعمرة ، لم تُفسدهما ، ولا يعتدّ بما فَعَله في زمان الردّة ـ وهو قول بعض الشافعية
ـ لأصالة الصحّة ، وبراءة الذمّة ، والخروج عن العهدة بامتثال الأمر .
وقال بعض الشافعية :
إنّها تُفسدهما ، سواء طال زمانها أو قصر .
__________________
وعلى القول بالفساد
لهُمْ وجهان :
أظهرهما : أنّه يبطل
النسك بالكلية حتى لا يمضي فيه لا في الردّة ولا إذا عاد إلى الإِسلام ؛ لأنّ الردّة تُحْبط العبادة .
[ والثاني : أنّ سبيل
الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع ، فيمضي فيه لو عاد إلى الإِسلام ] لكن لا تجب الكفّارة ، كما أنّ إفساد
الصوم بالردّة لا يتعلّق به الكفّارة .
وعلى القول بالصحة لهُمْ
ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه ينعقد
على الصحة ، فإن رجع في الحال فذاك ، وإلّا فسد نسكه ، وعليه الفدية والقضاء والمضيّ في الفاسد .
والثاني : أنّه ينعقد
فاسداً ، وعليه القضاء والمضيّ فيه ، سواء مكث أو رجع في الحال ، وإن مكث ، وجبت الفدية ، وهل هي بدنة أو شاة ؟ خلاف .
والثالث : لا ينعقد
أصلاً ، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث .
القسم الثاني : في مكروهات الإِحرام
أ :
يكره للمُحْرم النوم على الفراش المصبوغة ، وليس بحرام ؛ لما رواه أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : « يكره للمُحْرم أن ينام على الفراش الأصفر أو المرفقة الصفراء » .
ب :
يكره الإِحرام في الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر ، ويتأكّد في السواد والنوم عليه .
__________________
ج :
يكره الإِحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرةً .
د :
لُبْس الثياب المعلمة .
هـ :
استعمال الحِنّاء للزينة .
و :
النقاب للمرأة على إشكال .
ز :
دخول الحمّام وتدليك الجسد فيه .
ح :
تلبية المنادي ، بل يقول : يا سعد ؛ لأنّه في مقام التلبية لله تعالى ، فكره لغيره .
ولقول الصادق عليه
السلام : « ليس للمُحْرم أن يلبّي مَنْ دعاه حتى ينقضي إحرامه » قلت : كيف يقول ؟ قال : « يقول : يا سعد »
.
ط :
استعمال الرياحين .
مسألة ٣١٤ : يجوز للمُحْرم أن يلبس الهميان ، وهو قول جمهور العلماء .
قال ابن عبد البرّ :
أجمع فقهاء الأمصار متقدّموهم ومتأخّروهم على جواز ذلك .
وكرهه ابن عمر ومولاه
نافع .
لما رواه العامّة عن
ابن عباس قال : رخص رسول الله صلّى الله عليه وآله للمُحْرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « كان أبي عليه السلام يشدّ على بطنه نفقته يستوثق ، فإنّها تمام حجّه »
.
__________________
ولشدّة الحاجة إلى ذلك
.
وقول ابن عمر لا حجّة
له فيه .
مسألة ٣١٥ : يجوز للمُحْرم أن يلبس السلاح عند الحاجة إجماعاً ، إلّا من الحسن البصري ، فإنّه كرهه .
والحقُّ الأول ؛ لما
رواه العامّة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله صالح أهل الحديبية على أن لا يدخلوها إلّا بجُلْبان السلاح
، يعني القراب بما فيه .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « إنّ المُحْرم إذا خاف العدوّ فلبس السلاح ، فلا كفّارة عليه » .
وللحاجة إليه .
وقد دلّ هذا الحديث
من حيث المفهوم على التحريم مع عدم الخوف ، وهو أحد قولي علمائنا .
مسألة ٣١٦ : يجوز أن يؤدّب الرجل عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يؤدّب المُحْرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط » .
وإذا قتل المُحْرم
حيواناً وشكّ في أنّه صيد ، لم يكن عليه شيء ؛ لأصالة البراءة .
ولو علم أنّه صيد
وشكّ في أيّ صيد هو ، لزمه دم شاة ؛ لأنّه أقلّ مراتب
__________________
الصيد
.
ولقول الصادق عليه
السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو وهو مُحْرمٌ ، قال : « عليه شاة » .
ويجوز أن يكون مع المُحْرم
لحم الصيد إذا لم يأكله ، وتركه إلى وقت إحلاله ثم يأكله إذا لم يكن صاده هو ؛ لأنّ علي بن مهزيار سأله عن المُحْرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده ، هل يجوز أن يكون معه ولا يأكله ويُدخله مكة وهو مُحْرم فإذا أحلّ أكله ؟ فقال : « نعم إذا لم يكن صاده »
.
ويجوز إخراج الفهد من
الحرم ؛ لأنّ إسماعيل بن الفضل الهاشمي سأل الصادق عليه السلام ، فقال له : فهود تُباع على باب المسجد ينبغي لأحد أن يشتريها ويخرج بها ؟ قال : « لا بأس » .
وفي الصحيح عن محمد
بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام ، أنّه سُئل عن رجل أدخل فهداً إلى الحرم ، له أن يخرجه ؟ فقال : « هو سبُع ، وكلّما أدخلت من السباع الحرم أسيراً فلك أن تخرجه » .
__________________
المطلب الرابع : في كفّارات الإِحرام
وفيه بابان :
الأول
: في كفّارات الصيد .
وفيه مباحث :
الأوّل : فيما لكفّارته بدل على الخصوص
وهو خمسة :
الأوّل :
قتل النعامة .
مقدّمة :
دابّة الصيد تضمن بمثلها من النَّعَم عند أكثر العلماء
؛ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) .
وما رواه العامّة :
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله جعل في الضبع كبشاً
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه أبو الصباح ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ في الصيد : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )
قال : « في الظبي شاة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي النعامة جزور » .
وقال أبو حنيفة :
الواجب القيمة ؛ لأنّ الصيد ليس بمثلي ، فتجب القيمة ، ويجوز صرفها في المثل .
__________________
والمماثلة الحقيقية
ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة .
وحَكَم الصحابة في
الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم علي عليه السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة . وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة . وحَكَم عمر فيه ببقرة . وحَكَم علي عليه السلام في الضبع بشاة ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ،
ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شيء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة
ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة .
وما ثبت فيه نصّ
مقدّر اتُّبع إمّا من النبي صلّى الله عليه وآله ، أو من أحد الأئمة عليهم السلام ، ولا يجب استئناف الحكم ـ وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد ـ لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان
قولهم حجّةً .
وقال مالك : يستأنف
الحكم ؛ لقوله تعالىٰ : (
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ ) .
والجواب : التقدير
ثبوت الحكم .
مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور ـ وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم ـ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ
__________________
النَّعَمِ )
.
وروى العامّة : أنّ
علياً عليه السلام حَكَم فيها ببدنة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « وفي النعامة جزور » .
وفي حديث آخر : «
بدنة » .
وقال أبو حنيفة : تجب
القيمة . وقد تقدّم .
ولو لم يجد البدنة ،
قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها علىٰ البُرّ ، وأطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين نصف صاع ـ وبه قال الشافعي وأحمد
ـ لقوله تعالىٰ : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ
مَا قَتَلَ ) بقراءة الخفض
، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلاً عن المثل من النَّعَم ؛ لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إذا أصاب المُحْرم الصيد ولم يجد ما يُكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » .
وقال مالك : يقوّم
الصيد لا المثل ؛ لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإِتلاف
__________________
قوّم
المتلف كالذي لا مثل له .
وقال أبو حنيفة : لا
يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً
.
ولو لم يجد الإِطعام
، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً ـ وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر ـ لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإن لم يقدر علىٰ الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » .
وقال عطاء : يصوم عن
كلّ مُدٍّ يوماً ـ وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان ـ لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا .
ويبطل بتقديم النصّ
على القياس .
مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :
__________________
فقال بعضهم : إنّها
على الترتيب ـ وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم ـ لقول الصادق عليه السلام : « فإن لم يقدر على ذلك ـ يعني الذبح ـ قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً »
وهو يدلّ على الترتيب .
ولأنّ هدي المتعة على
الترتيب ، وهذا آكد منه ؛ لأنّه فعل محظور .
وقال بعضهم : إنّها
على التخيير ـ وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان ـ وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ
صِيَامًا ) و « أو » للتخيير .
قال ابن عباس : كلّ
شيء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ . رواه العامّة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « كلّ شيء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شيء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار » .
ولأنّها فدية تجب
بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذىٰ .
__________________
وقال الشافعي قولاً
آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد أيضاً .
وهو خطأ لأنّ الله
تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم .
ولأنّه عطف الطعام علىٰ
الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدىٰ الخصال لم يجز ذلك فيه .
ونمنع أنّ مَنْ قَدَر
على الطعام قَدَر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما .
مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكيناً لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإِكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً .
وكذا لو زاد ثمن
الطعام على صيام ستّين يوماً لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم .
والعامّة لم يعتبروا
ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات .
وقول الصادق عليه
السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة » .
__________________
إذا عرفت هذا ، فلو
بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي
، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم .
مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا .
ولقول الصادق عليه
السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام » .
مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :
أحدهما : من صغار الإِبل
، وبه قال الشافعي وأحمد .
والثاني : فيه مثل ما
في النعامة سواء ، وبه قال مالك
.
احتجّ الأوّلون :
بقوله تعالى : (
فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )
ومثل الصغير صغير .
__________________
ولأنّ فرخ الحمام
يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة .
واحتجّ الآخرون :
بقوله تعالى : (
هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) ولا يجزئ في الهدي صغير .
ولقول الصادق عليه
السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال » .
الثاني :
كفّارة قتل حمارِ الوحش وبقرته .
مسألة ٣٢٢ : لو قتل المُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا ـ وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
ـ للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية .
ولأنّ أبا بصير سأل
الصادق عليه السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال : « عليه بقرة » .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : عليه بدنة . وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي .
وقال أبو حنيفة : تجب
القيمة . وقد سلف .
إذا ثبت هذا ، ففي
بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي
__________________
عن
ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي ، ولا نعلم فيه
خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة ، لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك
. وللمشابهة في الصورة . ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت .
مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا .
وقال مالك : إنّما
يقوّم الصيد . وقد سلف البحث معه .
وقد روى أبو عبيدة عن
الصادق عليه السلام ، قال : « إذا أصاب المُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قُوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » .
وعن أبي بصير عن
الصادق عليه السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة ؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً » .
مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوماً كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإِطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،
__________________
لم
تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم في النعامة .
ولقول الباقر عليه
السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً » .
والخلاف في الترتيب
والتخيير هنا كما تقدّم .
ولو لم يتمكّن من هذه
الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام » .
الثالث :
في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب .
مسألة ٣٢٥ : لو قتل المُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال علي عليه السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ،
فكان حجّةً .
وما رواه العامّة عن
جابر عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « وفي الظبي شاة » .
__________________
وقال أبو حنيفة :
الواجب القيمة . وقد تقدّم البحث معه .
مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إذا أصاب المُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ] قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » .
وسأل أبو بصير الصادقَ
عليه السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه ؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً ؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين » .
مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » .
__________________
واعلم أنّ الخلاف هنا
في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم .
ولو عجز عن الشاة
وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليه
السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ
» .
مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليه السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً ؟ قال : « مثل ما في الثعلب » .
قال الشيخان رحمهما
الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي . ولم يثبت .
ويمكن الاحتجاج بقول
الصادق عليه السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »
.
إذا عرفت هذا ، ففي
الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال عطاء ـ لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه .
ولقول الكاظم عليه
السلام : « في الأرنب شاة » .
__________________
وقال ابن عباس : فيه
حمل .
وقال الشافعي : فيه
عناق . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي .
إذا عرفت هذا ، فقال
بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي ؛ لما تقدّم في الثعلب .
الرابع :
كسر بيض النعام .
مسألة ٣٢٩ : إذا كسر المُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا .
لنا :
أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة .
ولما رواه علي بن
جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر » .
وسأل رجلٌ أميرَ
المؤمنين عليه السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ
__________________
ناقتي
بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « فاسأل ابني الحسن ـ عليه السلام ـ عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق ؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق
» فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
.
وقال الشافعي : يجب
عليه قيمة البيض ـ وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي ـ لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة .
ولما روي عن النبي صلّى
الله عليه وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه المُحْرم : ثمنه ) .
ونمنع عدم المثل ؛
لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي .
والحديث مرسل لا
اعتداد به .
وقال مالك : يجب في
البيضة عُشْر قيمة الصيد .
__________________
وقال داود وأهل الظاهر
: لا شيء في البيض .
مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادق عليه السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه » .
والاعتبار في العدد
بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث .
ولقول الصادق عليه
السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »
.
مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ،
فكذا هنا .
ولرواية علي بن أبي
حمزة عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شيء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام » .
إذا عرفت هذا ، فلو
كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن
__________________
عليه
شيء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام .
ولو باض الطير على فراش
مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء . وللشافعي قولان .
ولو كسر بيضةً فيها
فرخ ميّت ، لم يكن عليه شيء ، وكذا لو كان البيض فاسداً .
وقال الشافعي : إن
كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً .
وليس بمعتمد ؛ لأنّه
بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شيء .
ولقول الكاظم عليه
السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شيء » .
الخامس :
كسر بيض القطا والقبج .
مسألة ٣٣٢ : لو كسر المُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى .
وقالت العامّة : إنّ
عليه القيمة . وقد تقدّم
.
ولأنّ الصادق عليه
السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل
__________________
عدد
البيض من الإِبل » .
وأمّا وجوب المخاض
للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام .
ولقول الصادق عليه
السلام : « في كتاب علي عليه السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل » .
مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخ رحمه الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء
.
قال ابن إدريس : يريد
أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، وجب عليه عن كلّ بيضة شاةً ، كما إنّ مَنْ عجز عن إرسال فحولة الإِبل في إناثها وجب عليه عن كلّ بيضة شاة ، ولا استبعاد فيه إذا قام الدليل عليه .
ونَقَل عن المفيد
أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام .
والأقرب : أنّ مقصود
الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه ! ؟
تنبيه :
يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق
__________________
به
على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً .
وإذا قوّم المثل
دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها .
ولو صام عن نصف الصاع
بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض .
البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص
مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور .
وقال الكسائي : إنّه
كلّ مطوّق فالحجل حمام ؛ لأنّه مطوَّق .
ويدخل في الأول :
الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا .
إذا عرفت هذا ، ففي
كلّ حمامة شاة ، ذهب اليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق
ـ لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع .
ولما رواه العامّة عن
ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام
__________________
بالشاة
، ولم يخالفه أحد من الصحابة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « المُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة » .
ولأنّها حمامة [
مضمونة ] لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم .
ولأنّ الشاة مِثْلٌ
لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) .
وقال أبو حنيفة ومالك
: فيه القيمة ـ إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام ـ لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة .
ولأنّ القياس يقتضي
القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل .
وقد بيّنّا أنّ
المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما
. وهو الجواب عن الثاني .
مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل المُحْرم للحمامة ، أمّا المُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ؛ لقول الصادق
__________________
عليه
السلام : « في الحمامة درهم » .
وسأل عبدُ الرحمن بن
الحجّاج الصادقَ عليه السلام : عن فرخين مسرولين ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما ؟ »
قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما ؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما » .
ولو كانت القيمة أزيد
من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة .
مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما .
ولأنّ الشاة تجب على المُحْرم
في الحِلّ ، والدرهم يجب على المُحِلّ في الحرم ، فالمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :
ولأنّ أبا بصير سأل
الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن
قتلها في جوف الحرم ؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن
قتلها في الحرم وهو حلال ؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »
.
مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل
__________________
الصغير
صغير .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن » .
ولو كان القاتل للفرخ
مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادق عليه السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم » .
مسألة ٣٣٨ : لو كسر المُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحِلّ ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وإن وطأ المُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى : (
تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ) » .
ولو كان الكاسر مُحلاً
في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقوله عليه السلام : « وفي البيض رُبْع درهم » .
ولو كان مُحْرماً في
الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ .
مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم ؛ لأصالة البراءة .
__________________
وهو غلط ؛ لما بيّنّا
من أنّ جماعةً من الصحابة حكموا في حمام الحرم بشاة .
ولأنّه صيد ممنوع منه
لحقّ الله تعالى ، فأشبه الصيد في الحرم .
ولأنّ حمّاد بن عثمان
سأل الصادقَ عليه السلام : عن رجل أصاب طيرين : واحداً من حمام الحرم ، والآخر من حمام غير الحرم ، قال : « يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحاً ، فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدّق بجزاء الآخر » .
مسألة ٣٤٠ : في كلّ واحد من القطا والحجل والدراج حَمْل قد فُطم ورعى الشجر ، وحدّه ما كمل أربعة أشهر لغةً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام : في القطاة إذا أصابها المُحْرم حَمْل قد فُطم من اللبن وأكل من الشجر » .
وقال الباقر عليه
السلام : « في كتاب عليّ عليه السلام : مَنْ أصاب قطاةً أو حجلةً أو دراجةً أو نظيرهنّ فعليه دم » .
وأوجب ابن عباس وعطاء
وجابر شاة شاة .
مسألة ٣٤١ : في العصفور والصعوة والقبرة وما أشبهها مُدُّ من طعام عند أكثر علمائنا ؛ لقول الصادق عليه السلام : « القبرة
والصعوة والعصفور إذا قتله المُحْرم فعليه مُدُّ من طعام عن كلّ واحد منهم »
.
وقال داود : لا يضمن
ما كان أصغر من الحمام ، لقوله تعالى : (
فَجَزَاءٌ
__________________
مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) وهذا لا مِثْل له
.
وليس بجيّد ؛ لعموم
قوله تعالى : (
تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ) يعني الفرخ والبيض ما يعجز عن الفرار من صغار الصيد ، ورماحكم ، يعني الكبار .
وروى العامّة عن ابن
عباس : أنّه حَكَم في الجراد بجزاء .
ومن طريق الخاصّة :
ما تقدّم .
مسألة ٣٤٢ : الزنبور إن قتله المُحْرم خطأً ، لم يكن عليه شيء فيه ، وإن قتله عمداً ، كان عليه كفُّ من طعام ـ وبه قال مالك
ـ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل زنبوراً ، فقال : « إن كان خطأً فلا شيء » قلت : بل عمداً ، قال : « يُطعم شيئاً من الطعام »
.
وقال الشافعي وأحمد :
لا شيء فيه .
أمّا الهوامّ من
الحيّات والعقارب وغير ذلك فلا يلزمه شيء بقتله ، ولا يقتله إذا لم يرده ؛ لقول الصادق عليه السلام : « كلّ ما يخاف المُحْرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يرده فلا يرده »
.
وأمّا القمل والبقّ
وأشباههما فلا بأس بقتلها للمُحلّ في الحرم ؛ لقول
__________________
الصادق
عليه السلام : « لا بأس بقتل القمل والبق في الحرم »
.
قال الشيخ : ولو كان مُحْرماً
، لزمته الكفّارة . وهو جيّد ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وإن قتل شيئاً من ذلك ـ يعني القمل ـ خطأً ، فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » .
وكذا إذا ألقاها عن
جسده ، وقد تقدّم .
مسألة ٣٤٣ : مَنْ قتل جرادةً وهو مُحْرم كان عليه كفُّ من طعام أو تمرة ، ولو كان كثيراً ، كان عليه دم شاة ؛ لقول الصادق عليه السلام : في مُحْرم قتل جرادةً ، قال : « يُطعم تمرةً ، وتمرةٌ خير من جرادة »
.
وسأل محمّدُ بن مسلم
الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل جراداً ، قال : « كفُّ من طعام ، وإن كان أكثر فعليه دم شاة »
.
ولو عمّ الجرادُ
المسالكَ ولم يتمكّن من الاحتراز عن قتله ، لم يكن عليه شيء ، وبه قال عطاء والشافعي في أحد القولين ، وفي الآخر : عليه الضمان .
لنا :
أصالة البراءة .
ولقول الصادق عليه
السلام : « على المُحْرم أن يتنكّب عن الجراد إذا
__________________
كان
على طريقه ، وإن لم يجد بُدّاً فقتل فلا بأس » .
مسألة ٣٤٤ : في كلّ واحد من الضبّ والقنفذ واليربوع جدي ؛ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) .
ولما تقدّم
من أنّ الصحابة قضوا فيما ذكرنا بمثله من النعم : قضى عمر وابن مسعود في اليربوع بجفرة . وقضى عمر وأربد
في الضبّ بجدي . وقضى جابر بن عبد الله فيه بشاة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « في اليربوع والقنفذ والضبّ إذا أصابه المُحْرم جدي ، والجدي خيرٌ منه ، وإنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد » .
البحث الثالث : فيما لا نصّ فيه
مسألة ٣٤٥ : ما لا مِثْلَ له من الصيد ولا تقدير شرعي فيه يرجع إلى قول عدلين يقوّمانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدّرانها فيه .
ويشترط في الحَكَمين
العدالةُ إجماعاً ؛ للآية . ولا بدّ وأن يكونا اثنين فما زاد ؛ للآية .
__________________
ولو كان القاتل
أحدهما ، جاز ـ وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر ـ لقوله تعالى : (
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) والقاتل مع غيره ذوا عدل منّا ، فيكون مقبولاً .
ولأنّه مال يخرج في
حقّ الله تعالى ، فجاز أن يكون مَنْ وجب عليه أميناً فيه ، كالزكاة .
وقال النخعي : لا
يجوز ؛ لأنّ الإِنسان لا يحكم لنفسه .
وهو ممنوع كما في
الزكاة .
ولو قيل : إن كان
القتل عمداً عدواناً ، لم يجز حكمه ؛ لفسقه ، وإلّا جاز ، كان وجهاً .
ولو حَكَم اثنان بأنّ
له مِثْلاً وآخران بانتفاء المثل ، قال بعض العامّة : الأخذ بالأول أولى .
مسألة ٣٤٦ : قال الشيخ رحمه الله : في البطّ والأوز والكركي شاة ، وهو الأحوط .
قال : وإن قلنا : فيه
القيمة ؛ لأنّه لا نصّ فيه ، كان جائزاً .
وهو الظاهر من قول
ابن بابويه ؛ لأنّه أوجب شاةً في كلّ طائر عدا النعامة .
ويؤيّده : قول الصادق
عليه السلام : في مُحْرم ذبح طيراً : « إنّ عليه دم
__________________
شاة
يهريقه ، فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »
وهو عامّ .
قال الشيخ رحمه الله
: مَنْ قتل عظايةً كان عليه كفٌّ من طعام ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل عظايةً ، قال : « كفٌّ من طعام » .
إذا ثبت هذا :
فالقيمة واجبة في قتل كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ، وكذا البيوض التي لا نصّ في تقديرها .
مسألة ٣٤٧ : يضمن الكبير من ذوات الأمثال بكبير ، والصغير بصغير ، وإن ضمنه بكبير ، كان أولى ، ويضمن الذكر بمثله والاُنثى بمثلها ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله تعالى : (
فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ ) .
وقال مالك : يضمن
الأصغر بكبير ؛ لقوله تعالى : (
هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) والصغير لا يُهدى . وهو ممنوع .
وكذا يضمن الصحيح
بصحيح إجماعاً ، والمعيب بمثله ، وإن ضمنه بصحيح ، كان أحوط ، وبه قال الشافعي وأحمد .
وقال مالك : يضمن
المعيب بصحيح . وقد تقدّم .
__________________
ولو اختلف العيب
بالجنس ، فإن فدى الأعرج بأعور أو بالعكس ، لم يجز ، أمّا لو اختلف بالمحلّ بأن فدى الأعور من اليمنى بالأعور من اليسرى أو الأعرج من إحدى الرِّجْلين بأعرج الاُخرى ، جاز ؛ لعدم الخروج به عن المماثلة .
ويُفدى الذكر بمثله
أو بالاُنثى ؛ لأنّها أطيب لحماً وأرطب .
وللشافعي قولان
.
وتُفدى الاُنثى
بمثلها .
وهل يجزئ الذكر ؟
قيل : نعم ؛ لأنّ
لحمه أوفر ، فتساويا .
وقيل بالمنع ؛ لأنّ
زيادته ليست من جنس زيادتها ، فأشبه اختلاف العيب جنساً ، ولاختلافهما خلقةً ، فيقدح في المثلية .
وللشافعي قولان
.
والشيخ ـ رحمه الله ـ
جوّز الجميع ؛ لقوله تعالىٰ : (
فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ ) ومعلوم أنّ المراد المثل في الخلقة ؛
لعدم اعتبار الصفات الاُخرى ، كاللون .
ولو قتل ماخضاً ،
ضمنها بماخض مثلها ؛ للآية ، ولأنّ الحمل فضيلة مقصودة ، فلا سبيل إلى إهمالها ، وبه قال الشافعي ، إلّا أنّه قال : لا تذبح الحامل ؛ لأنّ فضيلة الحامل بالقيمة ، لتوقّع الولد
.
__________________
وقال الشافعي [ أيضاً
] : يضمنها بقيمة مثلها ؛ لأنّ قيمته أكثر من قيمة لحمه .
وهو عدول عن المثل مع
إمكانه ، ولا عبرة بالزيادة والنقصان في القيمة مع إمكان المثل .
ولو فداها بغير ماخض
، ففي الإِجزاء نظر : من حيث عدم المماثلة ، ومن حيث إنّ هذه الصفة لا تزيد في لحمها ، بل قد تنقصه غالباً ، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء ، كالعيب واللون .
ولو أصاب صيداً حاملاً
فألقت جنيناً ، فإن خرج حيّاً وماتا معاً ، لزمه فداؤهما معاً ، فيفدي الاُم بمثلها ، والصغير بصغير .
وإن عاشا ، فإن لم
يحصل عيب ، فلا شيء ؛ عملاً بالأصل ، وإن حصل ، ضمنه بأرشه .
ولو مات أحدهما دون
الآخر ، ضمن التالف خاصّةً .
وإن خرج ميّتاً ، ضمن
الأرش ، وهو : ما بين قيمتها حاملاً ومُجْهِضاً
.
البحث الرابع : في أسباب الضمان
وهو أمران :
الأول
: المباشرة
مسألة ٣٤٨ : قد بيّنّا أنّ مَنْ قتل صيداً وجب عليه فداؤه ، فإن أكله ، لزمه فداء آخر ـ وبه قال عطاء وأبو حنيفة ـ لأنّه أكل من صيد مُحرَّم عليه ،
__________________
فوجب
عليه فداؤه ، كما لو صيد لأجله .
وقال بعض علمائنا :
يجب عليه بالقتل فداء وبالأكل قيمة ما أكل .
وقال مالك والشافعي :
لا يضمن الأكل . وقد تقدّم
بطلانه .
ولا فرق بين أن يُفدي
القتيل قبل الأكل أو لا في وجوب الفداءين معاً أو الفداء والقيمة ؛ لأنّه تناول محظور إحرامه ، فلزمه الجزاء .
وقال أبو حنيفة : إذا
ذبحه وأكله قبل أن يؤدّي الجزاء ، دخل ضمان الأكل في ضمان الجزاء ، وإن أكل بعدما أدّى قيمته ، فعليه قيمة ما أكل
.
وقال أبو يوسف ومحمد
: لا يضمن عن الأكل شيئاً ، وعليه الاستغفار ؛ لأنّ حرمته لكونه ميتةً ، لا أنّه جناية على الإِحرام ، وذلك لا يوجب إلّا الاستغفار .
ونمنع عدم الإِيجاب
بما تقدّم .
مسألة ٣٤٩ : حكم البيض حكم الصيد في تحريم أكله إجماعاً ، وسواء كسره هو أو مُحْرمٌ آخر .
ولو كسره حلال ، كان
على المُحْرم إذا أكله قيمته ، سواء اُخذ لأجله أو لغيره ، خلافاً لبعض العامّة ، كما خالف في أكل اللحم ، فجوَّزه إذا ذُبح لا
__________________
لأجله
، وَمَنعه إذا ذُبح لأجله .
وقد بيّنّا عدم الفرق
.
ولو كسر المُحْرم بيض
الصيد ، لم يحرم على المُحِلّ أكله وإن وجب على المُحْرم فداء الكسر ؛ لأنّ حلّه لا يقف على كسره ، ولا يعتبر له أهل يصدر عنه ، بل لو انكسر من نفسه أو كَسَره مجوسي ، لم يحرم ، فأشبه قطع اللحم وطبخه .
وقال بعض العامّة : يحرم
على المُحِلّ أكله ـ وهو قول الشيخ رحمه الله ـ كذبح المُحْرم الصيد . وليس بجيّد .
مسألة ٣٥٠ : لو اشترى مُحلُّ لمُحرم بيضَ نعام فأكله المُحْرم ، كان على المُحْرم عن كلّ بيضة شاة ، وعلى المُحِلّ عن كلّ بيضة درهم .
أمّا وجوب الشاة على المُحْرم
: فلأنّه جزاء البيضة على ما قلناه ، وقد بيّنّا وجوب الجزاء على المُحْرم بالأكل ، كما يجب بالصيد والكسر .
وأمّا وجوب الدرهم على
المُحِلّ : فلإِعانته ، وهي تستلزم الضمان .
ولأنّ أبا عبيدة سأل
الباقرَ عليه السلام : عن رجل مُحِلٍّ اشترى لرجلٍ مُحْرمٍ بيضَ نعام ، فأكله المُحْرم ، فما على الذي أكله ؟ فقال : « على الذي اشتراه فداء لكلّ بيضة درهم ، وعلى المُحْرم لكلّ بيضة شاة »
.
إذا عرفت هذا ،
فالمضمون من البيوض ، إنّما هو بيض الصيد الحرام ، أمّا بيض ما يباح أكله للمُحْرم ، كبيض الدجاج الحبشي ، فإنّه حلال لا يجب بكسره شيء ؛ لأنّ أصله غير مضمون ، ففرعه أولى .
مسألة ٣٥١ : لو أتلف جزءاً من الصيد ، ضمنه بإجماع العلماء ـ إلّا
__________________
داود
وأهل الظاهر ؛ فإنّهم قالوا : لا شيء في أبعاض الصيد
ـ لأنّ الجملة مضمونة ، فأبعاضها كذلك ، كالآدمي .
ولأنّ النبي عليه
السلام نهى عن التنفير ، فعن الجرح أولى ، وما كان محرّماً من الصيد كان مضموناً .
قال الشيخ رحمه الله
: في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كلّ واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في كسر إحدى رجليه ، ولو كسر يديه معاً ، وجب عليه كمال القيمة ، وكذا لو كسر رجليه معاً ، ولو قَتَله ، كان عليه فداء واحد
.
وقال بعض العامّة :
يضمن بمثله من مثله ؛ لأنّ ما وجب جملته بالمثل وجب في بعضه مثله ، كالمثليات .
وقال آخرون : يجب
قيمة مقداره من مثله ؛ لمشقّة إخراج الجزاء ، فيمتنع إيجابه ، ولهذا لم يوجب الشارع جزءاً من بعير في خمس من الإِبل ، وعَدَل إلى إيجاب شاة ، وليست من الجنس ؛ طلباً للتخفيف
.
وليس بجيّد ؛ لما
بيّنّا من أنّ الكفّارة مخيّرة هنا ، وهذا القائل يوافقنا عليه ، فتنتفي المشقّة ؛ لوجود الخيرة في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام .
والشيخ ـ رحمه الله ـ
استدلّ برواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : ما تقول في مُحْرم كسر أحد قرني غزال في الحِلّ ؟ قال : « عليه
__________________
ربع
قيمة الغزال » قلت : فإن هو كسر قرنيه ؟ قال : « عليه نصف قيمته يتصدّق به » قلت : فإن هو فقأ عينيه ؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو كسر إحدى يديه ؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن كسر إحدى رجليه ؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن هو قتله ؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو فعل وهو مُحْرم في الحرم ؟ قال : « عليه دم
يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان مُحْرماً في الحرم » .
مسألة ٣٥٢ : لو نتف ريشةً من حمام الحرم ، وجب عليه أن يتصدّق بشيء باليد التي نتف بها ؛ لأنّها آلة الجناية .
ولأنّ إبراهيم بن
ميمون قال للصادق عليه السلام : رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم ، قال : « يتصدّق بصدقة على مسكين ، ويطعم باليد التي نتفها فإنّه قد أوجعها » .
إذا عرفت هذا ، فلو
تعدّد الريش ، فإن كان بالتفريق ، فالوجه : تكرّر الفدية ، وإلّا فالأرش ، وبه قال الشافعي وأبو ثور
.
وقال مالك وأبو حنيفة
: قيمة الجزاء جميعه .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
نقصه نقصاً يمكنه إزالته ، فلا يضمنه بأسره ، كما لو جرحه .
ولو حفظه حتى نبت
ريشه ، كان عليه صدقة ؛ لحصول السبب .
وقال بعض العامّة :
لا ضمان عليه ؛ لزوال النقص .
__________________
وهو خطأ ؛ لأنّ
المتجدّد غير الزائل .
مسألة ٣٥٣ : لو جرح الصيد ، ضمن الجرح على قدره ، وهو قول العلماء ، إلّا داود وأهل الظاهر ؛ فإنّهم لم يوجبوا شيئاً
. وهو غلط .
ثم يعتبر حاله ، فإن
رآه سويّاً بعد ذلك ، وجب عليه الأرش ؛ لوجود سبب الضمان ، والاندمال غير مسقط للفدية ، كالآدمي .
ولو أصابه ولم يؤثّر
فيه ، فلا شيء ؛ للأصل .
ولقول الصادق عليه
السلام لمّا سأله أبو بصير عن مُحْرم رمى صيداً فأصاب يده فعرج ، فقال : « إن كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شيء عليه ، وإن كان الظبي ذهب لوجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنّه لا يدري لعلّه قد هلك » .
ولو كسر يده أو رجله
ثم رآه وقد صلح ورعى ، وجب عليه ربع الفداء ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : رجل رمى ظبياً وهو مُحْرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع ، فقال : « عليه فداؤه » قلت : فإنّه رآه بعد ذلك مشى ، قال : « عليه ربع ثمنه » .
ولو جرح الصيد فاندمل
وصار غير ممتنع ، فالوجه : الأرش .
وقال الشيخ رحمه الله
: يضمن الجميع ـ وهو قول أبي حنيفة
ـ لأنّه مُفضٍ إلى تلفه . وهو ممنوع .
__________________
ولو جرحه فغاب عن
عينيه ولم يعلم حاله ، وجب عليه ضمانه أجمع ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظمَ عليه السلام : عن رجل رمى صيداً وهو مُحْرمٌ ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع الصيد »
.
وقال بعض العامّة :
إن كان الجرح موجباً ـ وهو الذي لا يعيش معها غالباً ـ ضمنه بأسره ، وإلّا ضمن النقص لا الجميع ؛ لعدم العلم بحصول التلف .
وليس بجيّد ؛ لأنّه فَعَلَ
ما يحصل معه التلف ، فكان ضامناً .
ولو رآه ميّتاً ولم
يعلم أمات من الجناية أو غيرها ، ضمنه .
وقال بعض العامّة :
لا يضمنه ؛ لعدم العلم بالإِتلاف .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
وجد سبب إتلافه منه ولم يعلم له سبب آخر ، فوجب إحالته عليه ؛ لأنّه السبب المعلوم .
ولو صيّرته الجناية
غير ممتنع ، فلم يعلم أصار ممتنعاً أم لا ، ضمنه عندنا بأعلى الأرشين ؛ لأنّ الأصل عدم الامتناع .
ولو رماه ولم يعلم هل
أثّر فيه أم لا ، لزمه الفداء ؛ عملاً بأغلب الأحوال من الإِصابة عند القصد بالرمي .
إذا عرفت هذا ، فلو
جرح الظبي فنقص عُشْر قيمته ، لزمه عُشْر شاة ، وبه قال المزني ؛ للآية
.
__________________
وقال الشافعي : يلزمه
عُشْر قيمة المثل ، وهو عُشْر قيمة الشاة ؛ لأنّ إيجاب عشر الشاة يُفضي إلى التجزئة والتقسيط ، وهو حرج
.
وعلى ما اخترناه من
التخيير يتخيّر بين إخراج عُشْر الشاة أو عُشْرٍ من ثمن الشاة ويفضّ على الطعام ، وبين الصيام .
مسألة ٣٥٤ : لو جرح الصيد ثم اندمل جرحه وبقي ممتنعاً إمّا بعَدْوه ، كالغزال ، أو بطيرانه ، كالحمام ، وجب عليه الأرش على ما قلناه .
ولو صار الصيد بعد
اندمال جرحه زمناً ، احتمل الجزاء الكامل ؛ لأنّه بالإِزمان صار كالمتلف ، ولهذا لو أزمن عبداً ، لزمه تمام قيمته ، وهو أحد وجهي الشافعية ـ وبه قال أبو حنيفة ـ والثاني : أنّه يجب عليه قدر النقص ؛
لأنّه لم يهلك بالكلّية ، ولهذا يكون الباقي مضموناً لو قتله مُحْرمٌ آخر
.
ولو جاء مُحْرم آخر
وقَتَله إمّا بعد الاندمال أو قبله ، فعليه جزاؤه مزمناً ؛ لما تقدّم أنّ المعيب يقابل بمثله ، ويبقى الجزاء على الأول بحاله .
وقال الشيخ : يجب على
كلّ واحد منهما الفداء .
وقال بعض الشافعية :
إن أوجبنا جزاءً كاملاً ، عاد هاهنا إلى قدر النقصان ؛ لبُعْد إيجاب جزاءين لمتلف واحد .
ولو عاد المزمن وقَتَله
، فإن قَتَله قبل الاندمال ، فليس عليه إلّا جزاء واحد ، كما لو قطع يدي رجل ثم قَتَله قبل الاندمال لا يلزمه إلّا دية واحدة ، وإن قَتَله بعد الاندمال ، أفرد كلّ واحد منهما بحكمه ، ففي القتل جزاؤه
__________________
مزمناً
.
ولو أوجبنا بالإِزمان
جزاءً كاملاً ، فلو كان للصيد امتناعان ، كالنعامة ، فأبطل أحدهما ، فللشافعية وجهان :
أحدهما : أنّه يتعدّد
الجزاء ؛ لتعدّد الامتناع .
وأصحّهما عندهم :
أنّه لا يتعدّد ؛ لاتّحاد الممتنع .
وعلى هذا فما الذي
يجب ؟
قال الجويني : الغالب
على الظنّ أنّه يعتبر ما نقص ؛ لأنّ امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلّا أنّه يتعلّق بالرِّجْل والجناح ، فالزائل بعض الامتناع
.
مسألة ٣٥٥ : لو اشترك مُحْرمان أو أكثر في قتل صيد ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري ، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي من التابعين ـ لأنّ كلّ واحد منهم فَعَل ما حصل بسببه الموت ، فكان كما لو جرحه جرحاً متلفاً .
ولأنّها كفّارة قتل
يدخلها الصوم ، فأشبهت كفّارة الآدمي .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إن اجتمع قوم على صيد وهم مُحْرمون فعلى كلّ واحد منهم قيمة » .
وقال الشافعي : يجب
جزاء واحد على الجميع ـ وبه قال عمر بن الخطّاب وابن عباس وابن عمر وعطاء والزهري ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين ـ لأنّ المقتول واحد ، فالمثل واحد
.
__________________
وعنه رواية ثالثة :
إن كان صوماً ، صام كلّ واحد صوماً تامّاً ، وإن كان غير صوم ، فجزاء واحد ، وإن كان أحدهما يهدي والآخر يصوم ، فعلى المُهدي بحصته ، وعلى الآخر صوم تام ؛ لأنّ الجزاء ليس بكفّارة ، وإنّما هو بدل ؛ لأنّه تعالى عطف بها ، فقال : (
أَوْ كَفَّارَةٌ ) والصوم كفّارة ، فيكمل ، ككفّارة قتل الآدمي .
والمماثلة ليست
حقيقيّة ، وإذا ثبت اتّحاد الجزاء في الهدي ، وجب اتّحاده في الصوم ؛ لقوله تعالى : (
أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا )
فروع :
أ ـ
لو اشترك مُحلٌّ ومُحْرمٌ وكان القتل في الحِلّ ، فلا شيء على المُحِلّ ، وعلى المُحْرم جزاء كامل .
وقال الشافعي : على المُحْرم
نصف الجزاء ، ولا شيء على المُحلّ . وقد بيّنّا بطلانه .
ب ـ
لو قتل القارن صيداً ، لم يلزمه إلّا جزاء واحد ، وكذا لو باشر غيره من المحظورات ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
.
وقال أبو حنيفة :
يلزمه جزاءان .
ج ـ
لو قتل المُحْرم صيداً في الحرم ، لزمه الجزاء والقيمة .
وقال الشافعي : يلزمه
جزاء واحد ؛ لاتّحاد المتلف ، وهذا كما أنّ الدية
__________________
لا
تتغلّظ باجتماع أسباب التغليظ .
د ـ
لو أصابه الحلال أوّلاً ثم أصابه الحرام ، فلا شيء على المُحِلّ ، والواجب على المُحْرم جزاء مجروح .
ولو كان السابقُ المُحْرمَ
، فعليه جزاؤه سليماً .
ولو اتّفقا في حالة
واحدة ، وجب على المُحْرم جزاء كامل ، ولا شيء على المُحِلّ .
وعند الشافعية يجب على
المُحْرم بقسطه ، لأنّه أتلف بعض الجملة .
وهو غلط ؛ لأنّ المُحلّ
لا جزاء عليه ، فتعذّر الجزاء منه ، فيجب الجزاء بكماله على الآخر .
هـ ـ
لو اشترك الحرام والحلال في قتل صيد حرمي ، وجب على المُحِلّ القيمة كملاً ، وعلى المُحْرم الجزاء والقيمة معاً .
وقال بعض العامّة :
يجب جزاء واحد عليهما .
و ـ
لو رمى الصيد اثنان فقَتَله أحدهما وأخطأَ الآخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، أمّا القاتل : فلجنايته ، وأمّا الآخر : فلإِعانته ؛ لأنّ ضريساً
سأل الباقرَ عليه السلام : عن رجلين مُحْرمين رميا صيداً فأصابه أحدهما ، قال : « على كلّ واحد منهما الفداء » .
ز ـ
لو قتله واحد وأكله جماعة ، كان على كلّ واحد فداء كامل ؛ لأنّ الأكل مُحرَّم كالقتل ؛ لقول الصادق عليه السلام في صيد أكله قوم مُحْرمون ، قال : « عليهم شاة شاة ، وليس على الذي ذبحه إلّا شاة »
.
__________________
مسألة ٣٥٦ : لو ضرب المُحْرم بطيرٍ على الأرض فقَتَله ، كان عليه دم وقيمتان : قيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه ، ويُعزَّر ؛ لما فيه من زيادة الجُرْم .
ولقول الصادق عليه
السلام : في مُحْرم اصطاد طيراً في الحرم فضرب به الأرض فقَتَله ، قال : « عليه ثلاث قيمات : قيمة لإِحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه » .
مسألة ٣٥٧ : لو شرب لبن ظبية ، كان عليه الجزاء وقيمة اللبن ؛ لقول الصادق عليه السلام : في رجل مرَّ وهو مُحْرم في الحرم ، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب لبنها ، قال : « عليه دم وجزاء الحرم عن اللبن »
.
ولأنّه شرب ما لا
يحلّ له شربه ، فيكون عليه ما على مَنْ أكل ما لا يحلّ له أكله ؛ لاستوائهما في التعدية .
تذنيب :
لو رمى الصيد وهو حلال فأصابه السهم وهو مُحْرم فقَتَله ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ الجناية وقعت غير مضمونة ، فأشبه ما لو أصابه قبل الإِحرام ، وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقَتَله ، لم يكن عليه شيء .
الأمر
الثاني : التسبيب .
وهو كلّ فعل يحصل
التلف بسببه ، كحفر البئر ، ونصب الشباك ، والدلالة على الصيد ، وتنفير الطير عن بيضه ، وأشباه ذلك ، ويظهر بمسائل :
مسألة ٣٥٨ : لو كان معه صيد فأحرم ، وجب عليه إرساله ، وزال ملكه عنه إذا كان حاضراً معه ، فإن أمسكه ، ضمنه إذا تلف ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أحد القولين ـ لأنّه فعل في الصيد استدامة
__________________
الإِمساك
، وهو ممنوع منه ، كابتداء الإِمساك ، فكان ضامناً ، كابتداء الإِمساك .
ولقول الصادق عليه
السلام : « لا يُحْرم واحد ومعه شيء من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء » .
وقال الشافعي : في
الآخر ، وأبو ثور : ليس عليه إرسال ما في يده ؛ لأنّه في يده ، فأشبه ما لو كان نائياً عن الحرم في بيته
.
والفرق : أنّ إمساكه
في الحرم هتك له ، وهو منهي عنه ، بخلاف البلاد المتباعدة .
إذا ثبت هذا ، فإنّ
ملكه عندنا يزول . وقال بعض العامّة بعدم زواله وإن وجب إرساله ، فإذا أحلّ ، جاز له إمساكه ، ولو أخذه غيره ، ردّه عليه بعد الإِحلال ، ومَنْ قَتَله ضمنه له .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
حينئذٍ من صيد الحرم غير مملوك .
ولأنّ معاوية بن
عمّار سأل الصادقَ عليه السلام : عن طائر أهلي ادخل الحرم حيّاً ، قال : « لا يُمسّ لأنّ الله تعالى يقول : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) » .
احتجّوا : بأنّ ملكه
كان عليه وإزالة اليد لا تزيل الملك ، كالغصب والعارية .
__________________
والفرق : أنّ زوال
يده لمعنى شرعي ، بخلاف الغصب والعارية في حكم يده .
ولو تلف قبل تمكّنه
من إرساله ، فلا ضمان ؛ لعدم العدوان .
ولو أرسله إنسان من
يده ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّه فَعَل ما يلزمه فِعْله ، فكان كما لو دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب .
وقال أبو حنيفة :
يضمن ؛ لأنّه أتلف ملك الغير . ونمنع الملكية .
ولو كان الصيد في
منزله نائياً عنه ، لم يزل ملكه عنه ، وله نقله عنه ببيع أو هبة وغيرهما ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي
ـ لأنّه قبل الإِحرام مالك له ، فيدوم ملكه ؛ للاستصحاب .
ولأنّ جميلاً سأل
الصادقَ عليه السلام : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « وما بأس لا يضرّه » .
مسألة ٣٥٩ : لا ينتقل الصيد إلى المُحْرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما ؛ لما رواه العامّة : أنّ الصَّعْب بن جَثّامة أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه
وآله حماراً وحشياً ، فردّه عليه ، وقال : ( إنّا لم نردّه عليه
إلّا أنّا حُرُمٌ ) .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه معاوية بن عمّار ، قال : سأل الحكم بن عتيبة الباقر عليه السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في
__________________
الحرم
؟ فقال : « أما إن كان مستوياً خلّيت سبيله » .
إذا ثبت هذا ، فلو
أخذه بأحد هذه الأسباب ، ضمنه ، فإن انتقل إليه بالبيع ، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه ؛ لأنّ ملكه لم يزل عنه ، ولو لم يتلف ، لم يكن له ردّه على مالكه ؛ لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم ، فإن ردّه ، سقطت عنه القيمة .
ولا يسقط الجزاء إلّا
بالإِرسال ، وإذا أرسل ، كان كما إذا اشترى عبداً مرتدّاً فقُتِل في يده ، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي
.
وكذا لا يجوز للمُحْرم
استرداد الصيد الذي باعه بخيار له وهو حلال ، ولا لوجود عيب في الثمن المعيّن ، ولو ردّه المشتري بعيب أو خيار ، فله ذلك ، لأنّ سبب الردّ متحقّق ، ومنعه إضرار بالمشتري ، فإذا ردّه عليه ، لم يدخل في ملكه ، ويجب عليه إرساله .
هذا إذا كان الصيد في
الحرم ، ولو كان في الحِلّ ، جاز له ذلك ؛ لأنّ له استدامة الملك فيه ، فله ابتداؤه .
ولو ورث صيداً ، لم
يملكه في الحرم ، ووجب عليه إرساله ، خلافاً لبعض العامّة .
قال الشيخ ـ رحمه
الله ـ في جميع ذلك : يقوى عندي أنّه إن كان حاضراً معه ، انتقل إليه ، ويزول ملكه عنه .
قال : ولو باع المُحِلّ
صيداً لمُحِلٍّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع ، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد ؛ لأنّه لا يملكه
.
__________________
مسألة ٣٦٠ : لو أمسك مُحْرمٌ صيداً فذبحه مُحْرمٌ آخر ، كان علىٰ كلّ
واحد منهما فداء كامل ؛ لأنّه بالإِمساك أعانه حقيقةً أكثر من إعانة الدالّ ، ولو كانا في الحرم ، تضاعف الفداء ، ولو كان أحدهما مُحِلاً والآخر مُحْرِماً ، تضاعف الفداء علىٰ المُحْرم خاصّةً .
ولو أمسكه المُحْرم
في الحِلّ فذبحه المُحِلّ ، ضمنه المُحْرم خاصّةً ، ولا شيء على المُحِلّ ؛ لأنّه لم يهتك حرمة الإِحرام ولا الحرم .
وقال الشافعي : إذا
أمسكه مُحْرمٌ وقَتَله مُحْرمٌ آخر ، وجب جزاء واحد ، وعلىٰ مَنْ يجب ؟ وجهان ، أحدهما : علىٰ الذابح ، والآخر : عليهما
.
ولو نقل بيض صيد ففسد
، ضمنه .
ولو أحضنه فخرج الفرخ
سليماً ، لم يضمنه .
ولو نفّر طائراً عن
بيضة احتضنها ففسدت ، فعليه القيمة .
ولو أخذ بيضة دجاجة
فأحضنها صيداً ففسد بيضه ، أو لم يحضنه ، ضمنه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلى بيضه .
ولو أخذ بيض صيد
وأحضنها دجاجة ، فهي في ضمانه إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعاً ، حتى لو خرج ومات قبل الامتناع ، لزمه مثله من النَّعَم .
ولو حلب لبن صيد ،
ضمنه ـ وبه قال بعض الشافعية ـ لأنّه مأكول انفصل من الصيد ، فأشبه البيض .
وقال بعض الشافعية :
اللبن غير مضمون ، بخلاف البيض ؛ لأنّه يخلق منه مثله .
مسألة ٣٦١ : لو أغلق باباً على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فإن هلكت وكان الإِغلاق قبل الإِحرام ، ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ
__________________
بنصف
درهم ، والبيض بربع درهم ، وإن كان بعد الإِحرام ، ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ؛ لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادقَ عليه السلام : رجل أغلق بابه على طائر ، فقال : « إن كان أغلق [ الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب ] قبل أن يُحرم فعليه
ثمنه » .
وسأل يونس بن يعقوب
الصادقَ عليه السلام : عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فقال : « إن كان أغلق عليها قبل أن يُحرم ، فإنّ عليه لكلّ طير درهماً ، ولكلّ فرخ نصفَ درهم ، ولكلّ بيضة ربع درهم ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإنّ عليه لكلّ طائر شاةً
، ولكلّ فرخ حملاً ، وإن لم يكن تحرّك ، فدرهم ، وللبيض نصف درهم »
.
ولو أرسلها بعد الإِغلاق
سليمةً ، فلا ضمان .
وقال بعض علمائنا :
يضمن بنفس الإِغلاق ؛ للرواية . وليس بجيّد .
ولو كان الإِغلاق من
المُحْرم في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة .
ولو أغلق على غير
الحمام من الصيود ، ضمن إذا تلف بالإِغلاق .
مسألة ٣٦٢ : لو نفّر حمام الحرم ، فإن رجع ، كان عليه دم شاة ، وإن لم يرجع ، وجب عليه لكلّ طير شاة .
قال الشيخ رحمه الله
: هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثاً مسنداً .
وأقول : إنّ التنفير
حرام ؛ لأنّه سبب الإِتلاف غالباً ، ولعدم العود ، فكان
__________________
عليه
مع الرجوع دم ؛ لفعل المُحَرَّم ، ومع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة ؛ لما تقدّم أنّ مَنْ أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فإن لم يفعل ، ضمنه .
ولو نفّر صيداً
فتعثّر وهلك ، أو أخذه سبع ، أو انصدم بشجر أو جبل ، وجب عليه ضمانه ، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد ، ويكون في عُهْدة المُنفِّر إلى أن يعود الصيد إلى طبيعة الاستقرار ، ولو هلك بعد ذلك ، فلا شيء عليه .
ولو هلك قبل سكون
النفار ولكن بآفة سماوية ، ففي الضمان وجهان :
أحدهما : الوجوب ؛
لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة .
والثاني : العدم ؛
لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المُحْرم ولا تحت يده .
مسألة ٣٦٣ : لو أوقد جماعة ناراً فوقع فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، وجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فَعَل جنايةً استند الموت إليها وإلى مُشاركة ، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد وأمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد ، فوجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّ أبا ولّاد الحنّاط قال : خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا ناراً عظيمةً في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نكببه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام بمكة ، فأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة » .
مسألة ٣٦٤ : إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيداً فقتله ، ضمنه ؛ لأنّه سبب الإِتلاف .
__________________
ولأنّ أبا الصباح
الكناني سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم وطأ بيض نعام فشدخها ، قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة » قال : وقال الصادق عليه السلام : « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه » .
وإذا كان راكباً على الدابّة
سائراً ، ضمن ما تجنيه بيديها وفمها ، ولا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها ؛ لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها ، وقال عليه السلام : ( الرِّجْلُ جُبار ) .
أمّا لو كان واقفاً
أو سائقاً لها غير راكب ، ضمن جميع جنايتها ؛ لأنّه يمكنه حفظها ويده عليها ويُشاهد رجليها .
ولو شردت الدابّة من
يده فأتلفت صيداً ، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه ؛ لأنّه لا يدَ له عليها وقد قال النبي عليه السلام : ( جُرْح العَجْماء
جُبار ) .
مسألة ٣٦٥ : لو نصب المحرم شبكةً في الحِلّ أو في الحرم ، أو نصب المُحِلّ شبكةً في الحرم ، فتعقّل بها صيد وهلك ، ضمن ، لأنّه تلف بسببه ،
__________________
فكان
عليه ضمانه ، كما يضمن الآدمي .
ولا فرق بين أن ينصب
في ملكه أو ملك غيره ؛ لأنّه نصب الشبكة يقصد بها الاصطياد ، فهو بمنزلة الأخذ باليد .
ولو نصب شبكةً قبل
إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ، لم يضمنه ؛ لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإِتلاف ، فكان كما لو صاده قبل الإِحرام وتَرَكه في منزله ، فتلف بعد إحرامه ، أو باعه وهو حلال ، فذبحه المشتري .
ولو جرح صيداً فتحامل
فوقع في شيء تلف به ، ضمنه ؛ لأنّ الإِتلاف بسببه ، وكذا لو نفّره فتلف في حال نفوره .
ولو سكن في مكان وأمن
من نفوره ثم تلف فهل يضمنه ؟ قال بعض العامّة : لا يضمنه ؛ لأنّ التلف ليس منه ولا بسببه
.
وقال بعضهم : يضمنه
.
ولو أمسك صيداً له
طفل فتلف بإمساكه ، ضمن .
وكذا لو أمسك المُحِلّ
صيداً له طفل في الحرم فهلك الطفل ، ضمن ؛ لأنّه سبب في إتلافه ، ولا ضمان عليه في الاُم لو تلفت .
أمّا لو أمسكها المُحِلّ
في الحرم فتلفت وتلف فرخها في الحِلّ ، قال الشيخ رحمه الله : يضمن الجميع .
مسألة ٣٦٦ : لو أرسل كلباً فأتلف صيداً ، وجب عليه الضمان ؛ لأنّ إرسال الكلب يُسبّب إلى الهلاك .
ولو كان الكلب مربوطاً
، فحلّ رباطه ، فكذلك ؛ لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد ، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط وإن كان الاصطياد لا يتمّ إلّا بالإِغراء .
__________________
ولو انحلّ الرباط
لتقصيره في الربط ، ضمن ، كالحَلّ .
ولو لم يكن هناك صيد
فأرسل الكلب أو حلّ رباطه ، فظهر الصيد ، احتمل عدم الضمان ؛ لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد ، والضمان ؛ لحصول التلف بسبب فعله ، وجهله لا يقدح فيه .
ولو ضرب صيداً بسهم
فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، فإنّه يضمنه ؛ لما تقدّم .
وكذا لو وقع الصيد في
شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف والأرش مع العيب .
وللشافعي قولان :
أحدهما : لا جزاء عليه .
ولو دلّ المُحْرم على
صيد فقَتَله المُحْرِم ، ضمن كلٌّ منهما جزاءً كاملاً ، ولو قَتَله المُحِلّ في الحِلّ ، ضمنه الدالّ .
ولو كان الدالّ محلاً
والقاتل مُحْرِماً ، وجب الجزاء على المُحْرم ، ولا شيء على المُحِلّ في الحِلّ ، ولو كان في الحرم ، ضمنه أيضاً ، خلافاً للشافعي .
ولو دلّ المُحْرم
حلالاً على صيد فقَتَله ، فإن كان الصيد في يد المُحْرم ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المستودع السارق على الوديعة .
وإن لم يكن في يده ،
فلا جزاء على الدالّ عند الشافعي ، كما لو دلّ رجلاً على قتل إنسان لا كفّارة على الدالّ ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال
، وبه
__________________
قال
مالك .
وقال أبو حنيفة : إن
كانت الدلالة ظاهرةً ، فلا جزاء عليه ، وإن كانت خفيةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، يجب الجزاء . وسلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ .
وعن أحمد : أنّ
الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما .
وما صيد للمُحْرم أو
بدلالته أو إعانته لو أكل منه ، للشافعي قولان :
القديم ـ وبه قال
مالك وأحمد ـ أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل ؛ لأنّ الأكل فعل مُحرَّم في الصيد ، فيتعلّق به الجزاء ، كالقتل ، ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده ؛ لأنّ وجوبه بالذبح أغنى عن جزاء آخر .
والجديد : أنه لا
تلزمه ، لأنّه ليس بنامٍ بعد الذبح ، ولا يؤول إلى النماء ، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء ، كما لو أتلف بيضةً مذرةً
.
مسألة ٣٦٧ : لو أمسك مُحْرم صيداً حتى قَتَله غيره ، فإن كان حلالاً ، وجب الجزاء على المُحْرم ؛ لأنّه متعدٍّ بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال عندنا ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد ، وهو قول بعض الشافعية .
وقال بعضهم بالرجوع ،
كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتلفٌ من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المُتلف .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
المُتلف في الغصب ممنوع منه ، بخلاف قتل المُحِلّ
__________________
الصيدَ
.
وإن كان القاتل مُحْرماً
، فعلى كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا ؛ لصدور ما يوجب الجزاء كملاً من كلّ واحد منهما .
وللشافعية وجهان :
أحدهما : أنّ الجزاء
كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة .
والثاني : أنّ لكلّ
واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين .
وقال بعضهم : إنّ المُمْسك
يضمنه باليد ، والقاتل يضمنه بالإِتلاف ، فإن أخرج المُمْسك الضمان ، رجع به على المُتْلف ، وإن أخرج المُتْلف ، لم يرجع على المُمْسك .
مسألة ٣٦٨ : لو نفّر صيداً فهلك بمصادمة شيء ، أو أخذه جارح ، ضمنه .
وكذا لو ضرب صيداً
بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، ضمنه .
ولو وقع الصيد في
شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف ، والأرش مع العيب .
وللشافعي قولان :
أحدهما : لا جزاء عليه ، وقد تقدّم .
ولو أمر المُحْرم
عبده المُحِلّ بقتل الصيد فقَتَله ، فعلى السيّد الفداء ؛ لأنّ العبد كالآلة .
ولأنّ الضمان يجب
بالدلالة والإِعانة وغيرهما ، فبالأمر أولى .
__________________
ولأنّ عبد الله بن
سنان سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم معه غلام ليس بمُحْرم أصاب صيداً ولم يأمره سيّده ، قال : « ليس على سيّده شيء »
وهو يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان بأمره ، لزمه الفداء .
ولو كان الغلام مُحْرماً
بإذن سيّده وقتل صيداً بغير إذن مالكه ، وجب على السيّد الفداء ؛ لأنّ الإِذن في الإِحرام يستلزم تحمّل جناياته .
ولقول الصادق عليه
السلام : « كلّ ما أصاب العبد وهو مُحْرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإِحرام » .
ولو لم يأذن المولى
في الإِحرام ولا في الصيد ، لم يكن على السيّد شيء ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظمَ عليه السلام : عن عبد أصاب صيداً وهو مُحْرم هل على مولاه شيء من الفداء ؟ فقال : « لا شيء على مولاه » .
مسألة ٣٦٩ : قد بيّنّا أنّ إثبات يد المُحْرم على الصيد يوجب عليه الضمان ، فإن وقع ابتداء الإِثبات في حال الإِحرام فهو حرام غير مفيد للملك ، ويضمنه ، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده ، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده ، لزمه الضمان ، كما لو كان راكباً فأتلفت الدابّة صيداً بعضها ، أو رفسها ، أو بالت في الطريق ، فزلق به صيد وهلك ، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة ، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيداً ، فلا ضمان .
ولو تقدّم ابتداء
اليد على الإِحرام ، فإن كان حاضراً معه ، وجب عليه إرساله ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ الصيد لا يراد للدوام ، فتحرم
__________________
استدامته
، كالطيب واللبس .
والثاني : لا يجب ،
كما لا يلزم تسريح زوجته وإن حرم ابتداء النكاح عليه .
وهو غلط ؛ لأنّ
النكاح يقصد به الدوام .
وقال أبو حنيفة ومالك
وأحمد : يجب رفع اليد المشاهدة عنه ، ولا يجب رفع اليد الحكمية .
وعلى قول الشافعي
بعدم وجوب الإِرسال ، فهو على ملكه له بيعه وهبته ولكن يحرم عليه قتله ، ولو قَتَله ، لزمه الجزاء ، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة . ولو أرسله غيره ، لزمه قيمته للمالك ، وكذا لو قَتَله وإن كان مُحْرماً
، لزمه الجزاء أيضاً ، ولا شيء على المالك ، كما لو مات
.
وعلى قوله بإيجاب الإِرسال
هل يزول ملكه عنه ؟ عنده قولان :
أحدهما ـ وبه قال
مالك وأبو حنيفة وأحمد ـ : لا يزول ، كما لا تبين زوجته .
والثاني : نعم ، كما
يزول حلّ الطيب واللباس .
فعلى القول بزوال
الملك لو أرسله غيره أو قَتَله فلا شيء عليه ، ولو أرسله المُحْرم فأخذه غيره ، ملكه .
ولو لم يرسله حتى
تحلّل ، فهل عليه إرساله ؟ وجهان :
__________________
أحدهما : نعم ؛ لأنّه
كان مستحقّاً للإِرسال ، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإِمساك .
والثاني : لا يجب ،
ويعود ملكاً له ، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل .
وعلى هذا القول وجهان
في أنّه يزول بنفس الإِحرام ، أو الإِحرام يوجب عليه الإِرسال ؟ فإذا أرسل حينئذٍ يزول ، وعلى القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه ، ولو أخذه ، لم يملكه ، ولو قَتَله ، ضمنه بمثابة المنفلت من يده .
ولو مات الصيد في يده
بعد إمكان الإِرسال ، لزمه الجزاء ؛ لأنّ التقدير وجوب الإِرسال ، وهو مقصّر بالإِمساك .
ولو مات الصيد قبل
إمكان الإِرسال ، فوجهان ، والمذهب عندهم وجوب الضمان ، ولا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإِرسال على الإِحرام
.
مسألة ٣٧٠ : قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المُحْرم ببيع ولا هبة ولا غير ذلك من الأسباب .
وهل ينتقل بالميراث ؟
الاقرب ذلك ، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضراً معه ، ويجب عليه إرساله .
ولو باعه ، ففي الصحة
إشكال .
فإن قلنا بالصحة ، لم
يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري ، وجب الجزاء على البائع ، وإنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري .
ولو قلنا بأنّه لا يرث
، فالملك في الصيد لباقي الورثة وإن كانوا أبعد .
وإحرامه بالإِضافة إلى
الصيد مانع من موانع الميراث ، فحينئذٍ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولى ، وينتقل الصيد إلى الأبعد .
فلو فرضنا أنّه أحلّ
قبل قسمة التركة بينه وبين شركائه في الميراث ، أخذ
__________________
نصيبه
، منه ، وإن أحلّ بعدها ، فلا نصيب له . ولو كان هو أولى من باقي الورثة ، لم يكن له شيء وإن أحلّ قبل القسمة .
ولو استعار المُحْرم
صيداً أو أودع عنده ، كان مضموناً عليه بالجزاء ، وليس له التعرّض له ، فإن أرسله ، سقط عنه الجزاء ، وضمن القيمة للمالك ، وإن ردّ [ ﻩ ] إلى المالك ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك .
وإذا صار الصيد
مضموناً على المُحْرم بالجزاء ، فإن قَتَله مُحِلٌّ في يده ، فالجزاء على المُحْرم ، وإن قَتَله مُحْرمٌ آخر ، فالجزاء عليهما أو على القاتل ومَنْ في يده ، طريق للشافعية وجهان .
وعندنا يجب على كلّ
واحد منهما فداء كامل .
مسألة ٣٧١ : المُحْرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقاً ، سواء قصد التخليص أو لا ، فلو خلّص صيداً من فم هرّةٍ أو سبُعٍ أو من شقّ جدار ، و أخذه ليداويه ويتعهّده فمات في يده ، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلى المالك فهلك في يده ، احتمل الضمان ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لأنّ المستحق لم يرض بيده ، فتكون يدُه يدَ ضمان ، وعدمه ؛ لأنّه قصد المصلحة ، فتكون يدُه يدَ وديعة .
وللشافعي قولان
، كالاحتمالين .
ولو صال صيد على مُحْرم
أو في الحرم فقتله دفعاً ، فلا ضمان ؛ لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات ، وبه قال الشافعي .
__________________
وقال أبو حنيفة : يجب
عليه الضمان .
ولو ركب إنسان صيداً
وصال على مُحْرم ولم يمكن دفعه إلّا بقتل الصيد فقَتَله ، فالوجه : وجوب فداء كامل علىٰ كلّ واحد منهما .
وللشافعي قولان :
أحدهما : أنّ الضمان
على القاتل ؛ لأنّ الأذى هنا ليس من الصيد ، فحينئذٍ يرجع القاتل على الراكب .
والثاني : أنّ الضمان
على الراكب ، ولا يطالب به المُحْرم .
ولو ذبح صيداً في
مخمصة وأكله ، ضمن ؛ لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد .
ولو اُكره مُحْرمٌ أو
مُحِلٌّ في الحرم على قتل صيد فقَتَله ، ضمنه المُكرِه ؛ لأنّ المباشرة ضعفت بالإِكراه .
وللشافعي وجهان : هذا
أحدهما ، والثاني : أنّه على المُكرَه ثم يرجع به على المُكرِه .
وعن أبي حنيفة : أنّ
الجزاء في صيد الحرم على المكره وفي الإِحرام على المكره .
مسألة ٣٧٢ : الجزاء يجب على المُحْرم إذا قتل الصيد عمداً وسهواً أو خطأ ، بإجماع العلماء .
قال الله تعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا
قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) .
__________________
ولا نعلم فيه خلافا
إلّا من الحسن البصري ومجاهد ، فإنّهما قالا : إن قتله متعمّداً ذاكراً لإِحرامه لا جزاء عليه ، وإن كان مخطئاً أو ناسياً لإِحرامه
، فعليه الجزاء .
وهو مخالف للقرآن ؛
فإنّه تعالى علّق الكفّارة على القتل عمداً والذاكر لإِحرامه متعمّداً ، ثم قال في سياق الآية : (
لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) والساهي والمخطئ لا عقاب عليه ولا ذمّ ، ولا نعرف لهما دليلاً على مخالفتهما لنصّ القرآن والإِجماع ، فلا اعتداد بقولهما .
مسألة ٣٧٣ : لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد على القاتل ناسياً ، والعامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضاً .
وأمّا الخاطئ ، فإنّ
الكفّارة تجب عليه كذلك أيضاً عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك والثوري وأصحاب الرأي والزهري ـ لما رواه العامّة عن جابر ، قال : جعل رسول الله صلّى الله
عليه وآله في الضبع يصيده المُحْرم كبشاً .
وقال عليه السلام : (
في بيض النعام يصيبه المُحْرم ثمنه ) ولم يفرّق عليه السلام بين العامد والخاطئ .
ومن طريق الخاصّة :
قول أبي الحسن عليه السلام : « وعليه الكفّارة » .
ولأنّه إتلاف مال ،
فاستوى عمده وخطؤه .
__________________
وروي عن ابن عباس
أنّه قال : لا كفّارة على الخاطئ في قتل الصيد ـ وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر . وعن أحمد روايتان ـ لقوله تعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ
مِنكُم مُّتَعَمِّدًا ) .
ولأصالة البراءة ،
ولأنّه محظور الإِحرام لا يفسده ، فيجب التفرقة بين الخطأ والعمد ، كاللبس والطيب ، ولأنّه يدلّ بدليل الخطاب
.
وليس حجّةً ، والأصل
تُرك ؛ للدليل ، والقتل إتلاف ، واللبس ترفّه ، فافترقا .
مسألة ٣٧٤ : لو كرّر المُحْرم الصيد ناسياً ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً . وإن تعمّد فللشيخ قولان :
أحدهما : يجب الجزاء
في الأول دون الثاني ، وبه قال ابن بابويه
، وهو مروي عن ابن عباس ، وهو قول شريح والحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة وأحمد في إحدى الروايات .
والثاني : تتكرر
الكفّارة بتكرّر السبب ، وهو قول العلماء ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر ، وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ
مِنكُم مُّتَعَمِّدًا ) وهو يتناول العامد .
__________________
ولما رواه العامّة عن
النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه جَعَل في الضبع يصيده المُحْرم كبشاً ، ولم يفرّق .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليه السلام : « عليه كلّما عاد كفّارة » .
ولأنّها كفّارة عن
قتل ، فاستوى فيها المبتدئ والعائد ، كقتل الآدمي .
احتجّ الشيخ : بقوله
تعالى : ( وَمَنْ عَادَ
فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ) جعل جزاء العود الانتقام ، وهو يدلّ على سقوط الكفّارة ؛ لأنّه لم يوجب جزاءً .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه » والنقمة في الآخرة .
والانتقام لا ينافي
وجوب الجزاء ؛ لعدم دلالته على أنّه كلّ الجزاء ، ونفي الجزاء محمول على أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّةً ؛ جمعاً بين الأدلّة .
مسألة ٣٧٥ : ويجب الجزاء على القاتل للضرورة ، كالمضطرّ إلى أكله ؛ لعموم قوله : (
وَمَن قَتَلَهُ ) وهو يتناول المضطرّ وغيره .
ولأنّه قَتَله من غير
معنى يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله ، فيضمنه ، كغيره .
ولأنّه أتلفه لنفعه
ودفع الأذى عنه ، فكان عليه الكفّارة ، كحلق الرأس .
ولقول الصادق عليه
السلام وقد سُئل عن المُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل ؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟ » قلت : بلى ، قال : « إنّما عليه الفداء ، فليأكل وليفده »
.
__________________
وقال الأوزاعي : لا
يضمنه ؛ لأنّه مباح له ، فأشبه صيد البحر .
والإِباحة لا تستلزم
عدم الكفّارة ، كما في حلق الرأس .
والفرق : أنّ صيد
البحر لا يتناوله حرم الإِحرام ولا الحرم ، فلا تجب الكفّارة به ، بخلاف الصيد .
ويجب الضمان على مَنْ
أتلف الصيد بتخليصه من سبُع أو شبكة ، أو بتخليصه من خيط في رجله ونحوه ـ وبه قال قتادة ـ لعموم الأدلّة .
ولأنّ غاية ذلك عدم
القصد إلىٰ قتله ، وهو لا يُسقط الضمان ، كقتل الخطأ .
وقال عطاء : لا ضمان
عليه ـ وللشافعي قولان ـ لأنّه فعل اُبيح لحاجة الحيوان ، فلا يضمن ما يتلف به ، كما لو داوى وليُّ الصبيِّ الصبيَّ ، فمات به .
والجواب : أنّه مشروط
بالسلامة .
والجزاء يجب على المُحْرم
، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة ، وسواء كان الحجّ تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وسواء كانا واجبين أو مندوبين ، صحيحين أو عرض لهما الفساد ، للعمومات ، ولا نعرف فيه خلافاً .
وإذا قتل المُحْرم
صيداً مملوكاً لغيره ، لزمه الجزاء لله تعالىٰ ، والقيمة لمالكه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ـ للعموم .
وقال مالك : لا يجب
الجزاء بقتل المملوك .
__________________
وإذا كان الصيد في
الحرم وتجرّد عن الإِحرام ، ضمن ، ولو كان مُحْرماً ، تضاعف الجزاء .
وقال الشافعي : صيد
الحرم مِثْلُ صيد الإِحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء : المثل والإِطعام والصوم ، وفيما لا مِثْلَ له يتخيّر بين الصيام والطعام .
وقال أبو حنيفة : لا
مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم .
مسألة ٣٧٦ : الصيد إذا كان مثليّاً ، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النَّعَم وبين أن يقوّم المثل دراهم ويشتري به طعاماً ويتصدّق به على المساكين ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً ، ولو لم يكن له مِثْلٌ ، تخيَّر
بين أن يقوّم الصيد ويشتري بثمنه طعاماً ويتصدّق به ، أو يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً .
قال الشيخ رحمه الله
: ولا يجوز إخراج القيمة بحال ، ووافقنا الشافعي في ذلك كلّه ومالك ، إلّا أنّ مالكاً قال : يقوّم الصيد ، وعندنا يقوّم المثل .
وقال بعض أصحابنا :
إنّها على الترتيب .
وقال أبو حنيفة :
الصيد مضمون بالقيمة ، سواء كان له مثل من النَّعَم أو لا ، إلّا أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النَّعَم ويخرجه ، وبين
أن يشتري بالقيمة طعاماً ويتصدّق به ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً ، إلّا أنّه
إذا اشترى النَّعَم لم يجزئه إلّا ما يجوز في الضحايا ، وهو : الجذع من الضأن ، والثني من كلّ شيء .
وقال أبو يوسف : يجوز
أن يشتري بالقيمة شيئاً من النَّعَم ما لا يجوز
__________________
في
الضحايا وما يجوز .
وإذا اختار المِثْلَ
أو قلنا بوجوبه ، ذَبَحه وتصدَّق به على مساكين الحرم ؛ لقوله تعالى : (
هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) .
ولا يجوز أن يتصدّق
به حيّاً ؛ لأنّه تعالى سمّاه هدياً والهدي يجب ذبحه .
وله أن يذبحه أيّ وقت
شاء لا يختصّ ذلك بأيّام النحر ؛ لأنّه كفّارة ، فيجب إخراجها متى شاء ، كغيرها من الكفّارات .
وأمّا المكان : فإن
كان إحرامه للحجّ ، وجب عليه أن ينحر فداء الصيد أو يذبحه بمنى ، وإن كان بالعمرة ، ذبحه أو نحره بمكة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّه هدي ، فكان كغيره من الهدايا .
ولقول الصادق عليه
السلام : « مَنْ وجب عليه فداء أصابه مُحْرماً ، فإن كان حاجّاً ، نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمراً ، نحره بمكة قبالة الكعبة » .
ولو أخرج الطعام
أخرجه إمّا بمكة أو بمنى على التفصيل في الجزاء ؛ لأنّه عوض عمّا يجب دفعه إلى مساكين ذلك المكان ، فيجب دفعه إليهم .
ويعتبر قيمة المثل في
الحرم ؛ لأنّه محلّ إخراجه .
والطعام المخرج :
الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب .
ولو قيل : يجزئ كلّ
ما يسمّى طعاماً ، كان حسناً ؛ لأنّه تعالى أوجب الطعام .
ويتصدّق على كلّ
مسكين بنصف صاع ، وبه قال أحمد في التمر ، وقال
__________________
في
البُرّ بمُدٍّ .
ويقوّم المثل يوم
يريد تقويمه ، ولا يلزمه أن يقوّمه وقت إتلاف الصيد ؛ لأنّ القيمة ليست واجبةً في تلك الحال ، وإنّما تجب إذا اختارها القاتل .
وما لا مِثْل له إن
قدّر الشارع قيمته ، اُخرجت ، وإلّا قوّم الصيد وقت الإِتلاف ؛ لأنّه وقت الوجوب .
ولو لم يجد ماخضاً في
جزاء الماخض قوّم الجزاء ماخضاً .
ولو صام عن كلّ نصف
صاع يوماً فبقي ربع صاع ، صام عنه يوماً كاملاً .
ولا يجوز أن يصوم عن
بعض الجزاء ويُطعم عن البعض ـ وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر
ـ لأنّها كفّارة ، فلا يتبعّض جنسها ، كسائر الكفّارات .
ولا يتعيّن الصوم
بمكان كغيره من أنواع الصيام .
وما لا مِثْل له من
الصيد يتخيّر قاتله بين شراء طعام بقيمته ، فيطعمه المساكين ، وبين الصوم .
ولا يجوز له إخراج
القيمة ـ وبه قال ابن عباس وأحمد في رواية عنه ـ لأنّه جزاء صيد ، فلا يجوز إخراج القيمة فيه ، كالذي له مثل .
ولأنّه تعالى خيّر
بين ثلاثة ليس القيمة أحدها ، وقد تعذّر واحد ، فيبقى التخيير بين اثنين .
وعن أحمد رواية :
أنّه يجوز إخراج القيمة .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يقوّم في محل الإِتلاف ، بخلاف المثلي ، فإنّ
__________________
المعتبر
في قيمة النَّعَم بمكة ؛ لأنّه محلّ ذبحه .
مسألة ٣٧٧ : المُحْرم في الحرم يتضاعف عليه الجزاء ـ خلافاً للعامةً ـ لأنّه جمع بين الإِحرام والحرم وقد هتكهما .
ولأنّ كلّ واحد منهما
يوجب الجزاء فيكون كذلك حال الاجتماع .
ولقول الصادق عليه
السلام : « وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفاً » .
إذا عرفت هذا ، فإنّما
يتضاعف من الجزاء ما كان دون البدنة ، أمّا ما تجب فيه بدنة فإنّه لا يتضاعف وإن كان القاتل مُحْرماً في الحرم ؛ لأصالة البراءة ، لأنّ البدنة أعلى ما يجب في الكفّارات .
ولقول الصادق عليه
السلام : « يضاعفه ما بينه وبين البدنة ، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف »
.
وابن إدريس أوجب
التضاعف مطلقاً .
ولو كان الصيد لا دم
فيه وقَتَله مُحِلٌّ في الحرم أو مُحْرم في الحِلّ ، كان عليه القيمة ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، كان عليه قيمتان ، لقول الصادق عليه السلام : « فإن أصابه المُحْرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم » لمّا سأله سليمان بن خالد : عن القمري والسمان والعصفور والبلبل
.
مسألة ٣٧٨ : كلّ مَنْ وجب عليه بدنة في كفّارة الصيد ولم يجد أطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، صام ثمانية عشر يوماً . ولو كان عليه بقرة ولم
__________________
يجد
أطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يجد ، صام تسعة أيام . وإن كان عليه شاة ولم يجد ، أطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد ، صام ثلاثة أيام ؛ لقول الصادق عليه السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يُطعم ستّين مسكيناً كلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام ، ومَنْ كان عليه فداء شيء من الصيد فداؤه بقرة [ فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً ] فإن لم يجد فليصم
تسعة أيّام ، ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج
» .
ومَنَع الشيخ صيد
حمام الحرم حيث كان للمُحِلّ والمُحْرم ؛ لأنّ علي ابن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام : عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم »
.
وجوّزه ابن إدريس
. وليس بجيّد .
ولو قتل المُحْرم
حيواناً وشكّ في أنّه صيد ، لم يضمنه ؛ لأصالة البراءة .
ولو أكل المُحْرم لحم
صيد ولم يعلم ما هو ، لزم دم شاة ؛ لقول الصادق عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو وهو مُحْرم : « عليه [ دم ] شاة » .
ولو اقتتل اثنان في
الحرم ، كان على كلّ واحد منهما دم ؛ لأنّه هتك
__________________
حرمة
الحرم ، فتكون عليه عقوبة .
ولقول الصادق عليه
السلام : « على كلّ واحد منهما دم » .
ويجوز أن يكون مع المُحْرم
لحم صيد إذا لم يأكله ويتركه إلى وقت إحلاله إذا كان قد صاده مُحِلٌّ .
ولو اشترك مُحلّون في
قتل صيد في الحرم ، قال الشيخ رحمه الله : لزم كلّ واحد منهم القيمة .
ثم قال : وإن قلنا :
يلزمهم جزاء واحد ، كان قويّاً ؛ لأصالة البراءة
.
ولو اشترك مُحلّون ومُحْرمون
في قتل صيد في الحِلّ ، لزم المُحْرمين الجزاء ، ولم يلزم المُحِلّين . ولو كان في الحرم ، لزم المُحْرمين الجزاء والقيمة ، والمحلّين جزاء واحد .
مسألة ٣٧٩ : الخيار في الكفّارة بين الإِطعام والذبح والصيام إلى القاتل لا إلى العدلين المقوّمين ؛ لأنّ الواجب عليه ، فكان الاختيار في التعيين إليه ، كما في كفّارة اليمين ، وحكم العدلين إنّما هو لبيان قدر الواجب بالتقويم ، وبه قال أبو يوسف وأبو حنيفة .
وقال محمد : الخيار
في التعيين إلى الحَكَمين : إن شاءا حَكَما عليه بالهدي ، وإن شاءا حَكَما عليه بالإِطعام ، وإن شاءا حَكَما عليه بالصيام ـ وبه قال الشافعي ومالك ـ لقوله تعالى : (
فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ )
نُصب (
هَدْيًا ) لوقوع الحكم عليه
.
__________________
وهو ممنوع ؛ بل نصب
على الحال ، والتقدير : فجزاءٌ من النَّعَم هدياً ، أو كفّارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً مِثْلٌ يحكم به ذوا عدل ، مقصوراً على بيان المثل ، ونصب (
هَدْيًا ) على الحال ، أي في الإِهداء ، ليبقى ما
قبله إيجاباً على العبد من غير حكم أحد بكلمة « أو » فيكون الخيار إليه .
إذا عرفت هذا ،
فالاعتبار في المثل بما نصّ الشارع على مثله ، وما لا نصّ فيه الاعتبار بالقيمة ؛ لأنّ الشاة تجب في الحمام ، ولا مماثلة بينهما صورةً وقيمةً .
وقال أبو حنيفة وأبو
يوسف : الاعتبار بالقيمة ؛ لأنّه حيوان مضمون بالمثل ، فيكون مضموناً بالقيمة ، كالمملوك .
وقال محمد : الاعتبار
بالصورة ؛ لقوله تعالى : (
فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) .
وقد أوجب الشارع
البدنة والبقرة والشاة فيما ذكرنا وهي أمثالها .
والجواب : المراد من
النَّعَم المقتول من النَّعَم ، لا أن يكون المِثْلُ من النَّعَم .
مسألة ٣٨٠ : يجوز في إطعام الفدية التمليك والإِباحة ـ وبه قال أبو يوسف ـ لأنّه كفّارة ، فيجوز فيها الأمران ، ككفّارة اليمين .
وقال محمد : لا يجوز
إلّا التمليك ؛ لأنّ الواجب في الزكاة التمليك ، واسم الصدقة لا يقتضي التمليك ، قال عليه السلام : ( نفقة الرجل على أهله صدقة ) وذلك إنّما هو بالإِباحة لا التمليك .
__________________
مسألة ٣٨١ : لو قتل مُحْرمٌ صيداً فأخذه مُحْرمٌ آخر ، فعلى كلٍّ منهما جزاء ؛ لتعرّض كلٍّ منهما له ، ولا يرجع القاتل على الثاني ولا بالعكس بما ضمن من الجزاء ـ وبه قال زفر ـ لأنّ الآخذ لم يملكه ، فلا يرجع
بالضمان على غيره .
وقال أبو حنيفة
وصاحباه : يرجع الأول على الثاني .
ولو أصاب المُحْرمُ
صيوداً كثيرة على وجه الإِحلال ورفض الإِحرام متأوّلاً ، لا يعتبر تأويله ، ويلزمه بكلّ محظور كفّارة على حدة ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة : لا
يلزمه إلّا جزاء واحد ؛ لأنّ التأويل الفاسد معتبر في دفع الضمانات الدنيوية ، كالباغي إذا أتلف مالَ العادل وأراق دَمَه لا يضمن ؛ لأنّه أتلف عن تأويل .
ونمنع الحكم في الأصل
، ووجود التأويل وعدمه بمثابة واحدة ؛ لأنّ الإِحرام لا يرتفع به فتعدّدت الجناية .
ولو قتل حمامةً
مسرولةً ، وجب عليه الضمان ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لأنّه صيد حقيقةً ؛ لامتناعه .
وقال مالك : لا ضمان
عليه ؛ لأنّه لا يمتنع لبُطء طيرانه .
والتفاوت اليسير لا
يعتبر في كونه صيداً .
__________________
فهرس الموضوعات
كتاب
الحج والعمرة
تعريف الحج لغةً
وشرعاً ٧
تعريف العمرة لغةً
وشرعاً ٨
الحج إحدى فرائض
الإسلام ومن أعظم أركانه ٨
ثواب الحج وأجره ٩
هل العمرة واجبة علىٰ
من يجب عليه الحج ؟ ١١
هل تجب العمرة علىٰ
أهل مكة ؟ ١٣
وجوب الحج والعمرة مرّة واحدة
فيما يتعلق بوجوب
الحج علىٰ أهل الجِدَة في كلّ عام ١٦
هل تكون الردة
والإسلام بعدها من العوارض الموجبة لوجوب الحج ؟ ١٧
هل يجب الحج والعمرة
علىٰ الفور أم لا ؟ ١٧
فيما يتعلق بحجّ
الأعمىٰ ١٩
حج مقطوع اليدين أو
الرِّجْلين ٢٠
فيما يتعلّق بحجّ
المحجور عليه للسفه ٢٠
شرائط وجوب الحج
والعمرة ٢١
شرائط حجّ النذر ٢١
شرائط حج النيابة ٢١
شرائط الحج المندوب ٢١
تفصيل الشرائط
شرائط حجة الإسلام
١ و ٢ ـ البلوغ والعقل
عدم وجوب الحج علىٰ
الصبي ٢٣
صحة إحرام الصبي
المميّز وحجّه ٢٤
إحرام الولي عن الصبي
غير المميّز ٢٤
حكم حج الصبي غير
المميّز بغير إذن وليّه ٢٦
تفصيل أولياء الأطفال
٢٦
فيما يتعلّق بمناسك
حج الصبي غير المميّز ٢٩
فيما لو كان علىٰ
الولي طاف وحَمَل الصبي وطاف به ٣١
مؤونة حج الصبي علىٰ
الولي ٣١
حرمة محظورات الإحرام
علىٰ الصبي ٣٢
فيما يتعلّق بوجوب
الفدية في مال الصبي ٣٤
فيما لو وطأ الصبي في
الفرج عامداً ٣٤
فيما لو فعل الولي في
الصبي ما يحرم علىٰ الصبي مباشرته ٣٦
وجوب الحج علىٰ
الصبي والعبد بعد البلوغ والعتق فيما إذا حجّا في حال الصغر والرقّية ٣٦
فيما إذا حج الصبي أو
العبد فبلغ أو اُعتق في أثناء الحج ٣٧
فيما إذا أجزأ حج
الصبي أو العبد عن حجة الإسلام فهل يكون عليها دم مغاير لدم الهدي ؟ ٣٩
فيما لو بلغ الصبي أو
اُعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإتيان بالحج ٤٠
عدم وجوب الحج علىٰ
المجنون ٤٠
فيما يتعلّق بحج
المجنون الأدواري ٤١
٣ ـ الحُرّيّة
اشتراط الحرية في
وجوب الحج والعمرة ٤٢
فيما يتعلّق بإذن
السيّد لعبده في الإحرام ٤٣
فروع ٤٤
فيما لو أحرم العبد
بغير إذن سيّده أو بإذنه ثم اُعتق قبل الموقفين ٤٥
فيما إذا أفسد العبد
حجّه ٤٥
فيما إذا افسد العبد
الحجَّ ولزمه القضاء فأعتقه مولاه ٤٦
فيما إذا أحرم العبد
بإذن مولاه فارتكب محظوراً يلزم به الدم ٤٧
فيما يتعلّق بنذر
العبد للحج ٤٨
٤ ـ الاستطاعة
اشتراط الاستطاعة في
وجوب الحج والعمرة وتفسيرها ٤٩
فيمن لا تشترط في حقه
الراحلة ٥١
اشتراط الراحلة في
الحج للقادر علىٰ المشي والعاجز عنه ٥١
فروع ٥٢
اشتراط الزاد والمراد
منه ٥٣
هل يشترط أن يكون
الزاد والراحلة فاضلين عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إلىٰ خدمته ؟ ٥٣
اعتبار القدرة علىٰ
الآلالت والأوعية التي يحتاج إليها ٥٥
اعتبار كون ما يحتاج
إليه في الحج فضلاً عما يحتاج هو وأهله إليه وكذا فاضلاً عن قضاء دينه ٥٥
٥ ـ المؤونة
اشتراط أن يكون له
مال يصرفه في مؤونة سفره ذهاباً وعوداً ومؤونة عياله ٥٧
هل يشترط الرجوع إلىٰ
كفايةٍ من مالٍ أو حرفة أو صناعةٍ ؟ ٥٧
فروع ٥٨
فيما لو كان مال
يكفيه لذهابه وعوده دون نفقة عياله ٦٠
هل يجب الحج علىٰ
من بُذل له الزاد والراحلة والمؤونة ذهاباً وعوداً ؟ ٦٠
فروع ٦١
لا تباع داره التي
يسكنها ولا خادمه ولا ثياب بدنه ولا فرس ركوبه في ثمن الزاد والراحلة ٦٣
فيما يتعلّق بالحج
بالمال المغصوب أو الحمولة المغصوبة ٦٣
عدم وجوب الحج علىٰ
الفقير الزمن ٦٤
فيما إذا بذل للفقير
الزمن غيره الحج عنه فهل يجب عليه ؟ ٦٤
ما شرطه الشفاعية في
وجوب الحج ببذل الطاعة ٦٥
٦ ـ إمكان المسير
عدم جواز الاستنابة
للحج لمن يقدر عليه مباشرةً ٦٧
المريض الذي يتضرّر
بالركوب أو بالسفر إن كان مرضه لا يرجىٰ زواله فهل تجب عليه الاستنابة ؟ ٦٨
عدم وجوب الحج علىٰ
المريض الذي لا يرجىٰ برؤه إن لم يجد مالاً يستنيب به أو من ينوب عنه ٧٠
فيما لو استناب
المريض مَنْ حجَّ عنه ثم عُوفي وكذا المعضوب فهل يجب عليهما حج آخر ؟ ٧٠
المريض الذي يرجىٰ
زوال مرضه وكذا المحبوس ونحوه إذا وجد الاستطاعة وتعذّر عليه الحج فهل يستحب أن يستنيب ؟ ٧١
أيضاً فيما يتعلّق
ببذل طاعة الحج للغير ٧٣
الصحيح الذي قضىٰ
ما عليه من حجة الإسلام هل يجوز أن يستنيب في حج التطوّع ؟ ٧٤
حكم الاستئجار علىٰ
الحج والأذان وتعليم القرآن ٧٥
اشتراط التثبّت علىٰ
الراحلة في وجوب الحج ٧٧
اشتراط أمن الطريق في
وجوب الحج ٧٨
أمن الطريق هل هو شرط
في وجوب الحج أم لا ؟ ٧٨
فيما إذا وجد طريقاً
آمناً ابعد من الطريق المخوف فهل يلزمه سلوكه ؟ ٧٩
فيما لو كان في
الطريق بحر وكان له في البرّ طريق آخر ٧٩
سقوط فرض الحج عن
المرأة التي خافت علىٰ نفسها وتعذّر المحرم ٨٢
هل المحرم شرط في
وجوب الحج علىٰ المرأة ؟ ٨٢
عدم جواز منع الرجل
زوجته المؤسرة من حجّة الإسلام إذا حصلت الشرائط ٨٦
المعتدّة عدّة رجعية
حكمها حكم الزوجة ٨٨
فيما لو كان في
الطريق عدوّ يخاف منه علىٰ ماله فهل يسقط فرض الحج ؟ ٨٩
يشترط في وجوب الحج
وجود الزاد والراحلة في المواضع التي جرت العادة يحملها منها ٩١
اشتراط وجود الرفقة ـ
إن احتاج اليها ـ في وجوب الحج ٩١
اشتراط اتّساع الوقت في
وجوب الحج ٩٢
تقسيم شرائط الحج إلىٰ
ما هو شرط في الصحة والوجوب أو الصحة دون الوجوب أو الوجوب دون الصحة ٩٢
المرتد إذا حجّ حالة
إسلامه ثم حصل الارتداد بعد قضاء المناسك فهل يعيد الحج بعد التوبة ؟ ٩٣
عدم وجوب إعادة الحج
علىٰ المخالف إذا حجّ علىٰ معتقده ولم يخلّ بشيء من أركان الحج ٩٤
فيما لو أحرم ثم
ارتدّ ثم عاد إلىٰ الإسلام فهل يكون باقياً علىٰ إحرامه ؟ ٩٤
مشي جامع الشرائط إلىٰ
الحج وركوبه ٩٥
فيما لو نذر أن يحج
ماشياً حجة الإسلام ٩٥
فيما لو نذر أن يحج
ماشياً غير حجة الإسلام ٩٥
فيما إذا مات ولم يحج
حجة الإسلام فهل يجب إخراجها من صلب المال ؟ ٩٦
هل موضع الاستئجار
للحج : البلد الذي وجب الحج علىٰ الميّت أو الموضع الذي أيسر أو اقرب الأماكن إلىٰ مكة ؟ ٩٦
فيما لو كان له
موطنان فمن أيّهما يستناب ؟ ٩٧
فيما إذا أوصىٰ
أن يُحجّ عنه وكان واجباً أو مندوباً أو لا يُعلم وجوبه وندبه ٩٩
فيما لو أوصىٰ
بالحج عنه دائماً ٩٩
فيما لو أوصىٰ
بالحج ولم يبلغ الثلث قدر ما يحج عنه من أقرب الأماكن وكان عليه دين ٩٩
فيمن مات قبل الحج ٩٩
فيمن وجب عليه الحج
فخرج لأدائه فمات في الطريق ١٠١
فيما يحصل استقرار
الحج في الذمّة ؟ ١٠٢
وجوب الحج علىٰ
الكافر وعدم صحته منه قبل الإسلام ١٠٢
فيمن وجب عليه حجة
الإسلام فنذر الإتيان بها ١٠٢
فيما لو أطلق النذر
ولم ينو حجة الإسلام ولا المغايرة ١٠٢
فيما لو نذر الحج
ماشياً فاحتاج إلىٰ عبور نهر عظيم في سفينة ١٠٣
أيضاً فيما لو نذر الحج
ماشياً فركب الطريق بأسرها ، أو ركب البعض مختاراً ، أو عجز عن المشي ١٠٣
فيما لو مات وعليه
حجة الإسلام واُخرىٰ منذورة ١٠٤
فيما لو أوصىٰ
بحج وغيره من الطاعات ١٠٥
فيما لو أوصىٰ
أن يحج عنه عن كلّ سنة بمال معيّن فلم يسع ذلك القدر للحجّة ١٠٥
فيما لو كان عنده
وديعة ومات صاحبها وعليه حجة الإسلام وعرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه ١٠٥
فيما إذا نذر الحج
مطلقاً ١٠٦
فيما إذا وجب عليه
الحج واستقرّ فأحرم بتطوّع ١٠٧
فيما لو كان عليه حجة
منذورة فأحرم بتطوّع فهل يقع عن المنذورة ؟ ١٠٧
فيما لو نذر الحج وأطلق
الزمان أو قيّده ١٠٧
فيما لو أحرم
بالمنذورة من عليه حجة الإسلام فهل تسقط المنذورة ؟ ١٠٨
شرائط باقي أقسام الحج
شرائط حج النذر وشبهه
١٠٩
شرائط النيابة
بيان ما يشترط في
النائب ١١٠
حكم الحج عن الأب
المخالف في الاعتقاد ١١١
اشتراط خلوّ ذمّة
النائب عن حجٍّ واجب عليه بالأصالة أو بالنذر أو غيرهما ١١٢
فيما لو استقر عليه
حجة الإسلام واستقرّ فأهمل فحج عن غيره فهل يصح حجّة عن نفسه ؟ ١١٣
حكم حج الصرورة نيابةً
١١٤
جواز نيابة الرجل عن
غيره فيما أسقط فرضه عنه بأدائه ١١٥
حكم نيابة العبد عن
الحرّ بإذن مولاه ١١٦
عدم إجزاء حج النائب
الصرورة عن نفسه ١١٦
النائب كالمنوب في
وقوع إحرامه بالتطوّع عن حجة الإسلام ١١٧
فيما لو استناب رجلين
في حجة الاسلام ومنذورة أو تطوّع في عام ١١٧
فيما إذا استؤجر
ليحجّ عن غيره وكان الحج لا يقع عن ذلك الغير ١١٨
جواز نيابة الرجل عن
الرجل والمرأة ونيابة المرأة عن المرأة والرجل ١١٨
جواز حج النائب عن
المنوب بغير الإذن ١٢٠
بيان مواضع استقرار
الحج ١٢٠
وجوب الترتيب في الحج
١٢٣
عدم جواز القران في
الإحرام بين حجّتين ولا بين عمرتين ولا بين حجة وعمرة ١٢٥
قبول الحج للنيابة في
حالتي الموت والحياة لعذرٍ ١٢٦
حكم استنابة المعضوب
في التطوّع ١٢٨
حكم استنابة الوارث
للميت في التطوع ١٢٨
فيما إذا كانت علّة
المريض مرجوّة الزوال فأحجّ غيره ثم زالت علّته ومات ١٢٩
فيما إذا كانت علّة
المريض غير مرجوّة الزوال فأحجّ عن نفسه ثم عُوفي ١٢٩
وجوب الاستنابة في
الحج عن ميّت استقرّ الحج في ذمّته وفرّط في أدائة ١٣١
هل تجب الاستنابة عن
المعضوب أو عن ميّت وجب عليه الحج ولم يستقر ؟ ١٣١
فيما لو لم يكن
للمعضوب مال وبذل له الأجنبي مالاً ليستأجر به فهل يلزمه القبول ؟ ١٣٢
فيما لو كان الباذل
للطاعة في الحج واحداً من بينه وبناته فهل يلزمه القبول ؟ ١٣٢
فيما لو بذل له
الأجنبي الطاعة فهل يلزمه القبول ؟ ١٣٣
حكم الاستئجار في
الحج وبيان أنواعه ١٣٥
فيما إذا استؤجر
المعيّن للحج في سنة معيّنة فهل تجب عليه المبادرة مع أول رفقة ؟ ١٣٦
هل يشترط تعيين
الميقات الذي يحرم منه الأجير ؟ ١٣٧
اشتراط الإتيان بالصيغة
علىٰ الوجه المعتبر شرعاً في لزوم الإجارة وصحّتها ١٣٨
فيما إذا أعطىٰ
لغيره حجّةً ليحجّ عنه من يلد فحجّ من بلد آخر ١٣٩
فيما إذا استأجره
ليحجّ عنه ويعيّن الزمان أو لا يعيّنه ١٤٠
فيما إذا استأجره
للحج فانتهىٰ الأجير إلىٰ الميقات فلم يحرم بالحج عن المستأجر وأحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم عن المستأجر بعد الفراغ من العمرة ١٤٢
فيما إذا استأجره
للقران فتمتّع ١٤٧
فيما إذا أمره
بالتمتّع فأفرد ١٤٩
فيما إذا جامع الأجير
قبل الوقوف بالموقفين ١٥٠
فيما إذا أحرم الأجير
عن المستأجر ثم صرف الإحرام إلىٰ نفسه ١٥١
فيما إذا مات الحاجّ
عن نفسه ١٥٢
فيما إذا مات الأجير
للحج ١٥٤
فيما لو صُدّ الأجير
عن بعض الطريق ١٥٧
فيما لو اُحصر الأجير
١٥٧
اشتراط نية النائب عن
المنوب بالقلب ١٥٨
فيما إذا فعل الأجير
شيئاً تلزمه الكفّارة به من محظورات الإحرام ١٥٩
حكم الاستنابة في
الطواف لحاضر مكة والغائب عنها ١٦٠
فيما إذا فضل شيء من الأجرة
عن نفقة الحج ١٦٠
اشتراط العلم بالعوض
في الاستئجار علىٰ الحج ١٦٢
فيما لو استأجره
اثنان ليحجّ عنهما حجّة واحدة فأحرم عنهما ١٦٣
فيما إذا أحرم الأجير
عن نفسه وعمّن استاجره ١٦٤
فيما إذا أحرم الأجير
عن المستأجر ثم نقل الحج إلىٰ نفسه ١٦٤
فيما لو فات الأجير
المحصور الموقفان ١٦٥
أنواع الحج وما يتبعها
انواع الحج ١٦٧
بيان صور الأنواع ١٦٧
بيان فرض أهل مكة
وحاضريها وفرض من نأىٰ عن مكة ١٦٩
بيان ما هو الأفضل من
أنواع الحج ١٧٠
فيما إذا عدل أهل مكة
وحاضروها إلىٰ التمتّع ١٧٥
بيان حدّ حاضري
المسجد الحرام ١٧٦
تعريف القارن ١٧٨
حكم إدخال الحج علىٰ
العمرة أو العكس ١٧٩
حكم القران بين الحج
والعمرة في إحرام بنيّة واحد ١٧٩
فيما إذا خرج المكّي
عن مكة ثم عاد وحجّ علىٰ ميقات ١٨١
حجّ المجاور لمكة ١٨٢
وقت أداء النسكين
بيان أشهر الحج ١٨٣
فيما لو أحرم بالحج
قبل أشهره ١٨٥
حكم الإحرام بالعمرة
المتمتع بها قبل أشهر الحج ١٨٦
جواز العمرة المبتولة
في جميع أيّام السنة ١٨٧
فيما إذا دخل المتمتّع
مكّة وخاف فوات الوقت لو أكملها ١٨٧
حكم الحائض والنفساء
لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء إرحام الحج ١٨٨
المواقيت
عدد المواقيت ١٨٨
ميقات من كان منزله
دون الميقات ١٩٠
ميقات أهل المدينة ١٩١
ميقات أهل العراق ١٩١
المواقيت مواقيت لأهلها
ولمن مرّ بها ١٩٢
ميقات الصبي ١٩٢
ميقات عمرة التمتع
وحجّه ١٩٣
ميقات المفرد والقارن
إذا أرادا الاعتمار ١٩٤
أحكام المواقيت
حكم جواز الإحرام قبل
المواقيت ١٩٥
حكم الإحرام للناذر
له قبل الميقات ولمن يريد العمرة المفردة في رجب ١٩٦
عدم جواز مجازوة الميقات
بغير إحرام ١٩٧
فيما لو أحرم غير
الناذر وغير مريد الاعتمار في رجب قبل الميقات ١٩٧
فيما لو ترك الإحرام
من الميقات عامداً مع إرادة النسك ١٩٨
فيما لو ترك الإحرام
عامداً ورجع إلىٰ الميقات وأحرم منه ١٩٩
فيما لو تجاوز
الميقات ناسياً أو جاهلاً أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم ٢٠٠
فيما لو أسلم بعد
مجاوزة الميقات ٢٠٢
فيما لو تجاوز الصبي
والعبد الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر ٢٠٢
المواقيت التي يجب
الإحرام منها هي التي وقّتها رسول الله صلىاللهعليهوآله ٢٠٣
فيما لو سلك طريقاً
لا يؤدّي إلىٰ شيء من المواقيت ٢٠٣
أهل مكة يحرمون للحج
من مكة وللعمرة من أدنىٰ الحِلّ ٢٠٤
فيما لو تجاوز
الميقات من لا يريد النسك ٢٠٦
فيما لو دخل الحرم من
غير إحرام ممّن يجب عليه الإحرام ٢٠٨
أحكام ترك الإحرام من
الميقات عمداً أو نسياناً أو جهلاً ٢٠٩
بعض أحكام أنواع الحج
٢١٠
هل دم التمتع نسك أو
جبران ٢١٦
فيما لو حضر الميقات
ولم يتمكن من الإحرام لمرض أو غيره ٢١٦
أعمال العمرة المتمتع بها إلىٰ الحج
الإحرام
استحباب مقدمات
الإحرام ٢٢١
استحباب توفير شعر
الرأس واللحية من أول ذي القعدة ٢٢١
استحباب التنظيف عند بلوغ
الميقات ٢٢٢
استحباب الغسل
للإحرام ٢٢٣
جواز تقديم الغسل عند
خوف عوز الماء ٢٢٤
إجزاء غسل اليوم عن
ذلك اليوم وكذا غسل الليلة عن ليلته ٢٢٤
مواضع إعادة الغسل
استحباباً ٢٢٥
جواز الادّهان بعد
الغسل قبل الإحرام ٢٢٦
حكم التطيّب للإحرام
قبله ٢٢٦
حكم تطيّب إزار
الإحرام وردائه حالة الإحرام وقبله ٢٢٨
حكم الخضاب للمرأة
قبل الإحرام ٢٢٩
بيان أفضل أوقات
الإحرام ٢٣٠
حكم إتيان صلاة
الإحرام في الأوقات المكروهة ٢٣١
هل تكفي الفريضة عن
ركعتي الإحرام ؟ ٢٣١
كيفية الإحرام
واجبات الإحرام ٢٣١
١ ـ النية ٢٣٢
عدم انعقاد الإحرام
بالتلبية ٢٣٢
بيان ما يجب في النية
٢٣٢
فيما لو نوىٰ
الإحرام مطلقاً ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرةً ٢٣٣
فروع ٢٣٤
فيما لو أحرم بنسك ثم
نسيه ٢٣٥
فيما لو نوىٰ
الإحرام ينسك ولبّىٰ بغيره ٢٣٦
هل يفتقر المتمتّع إلىٰ
نيّة التمتّع ؟ ٢٣٧
استحباب ذكر ما يقصده
من أنواع الحج لفظاً ٢٣٧
٢ ـ لُبْس الثوبين ٢٣٨
وجوب لبس ثوبي
الإحرام ٢٣٨
عدم جواز الإحرام في
الابريسم المحض للرجال ٢٣٨
حكم لُبْس النساء
للحرير المحض حالة الإحرام ٢٣٨
استحباب الإحرام في
الثياب القطن ٢٣٩
كراهة الإحرام في
الثياب السود ٢٤٠
كراهة الإحرام في
المعصفر إذا كان مشبعاً ٢٤٠
جواز الإحرام في
الممتزج من الحرير وغيره ٢٤١
جواز الإحرام في ثوب
قد أصابه طيب إذا غسل وذهبت رائحته ٢٤١
عدم البأس فيما لو
أصاب ثوبه شيء من خلوق الكعبة ٢٤١
كراهة النوم علىٰ
الفرش المصبوغة ٢٤١
كراهة الإحرام في
الثياب الوسخة ٢٤٢
عدم جواز لُبْس ثوب
يزرّ ولا مدرعة ولا خفّين ولا سراويل ٢٤٢
عدم البأس بلُبْس
الطيلسان ٢٤٢
فيما إذا لم يجد
ثوباً ولبس القباء مقلوباً فهل يجب عليه الفداء ؟ ٢٤٣
فيما لو أدخل كتفيه
في القباء ولم يدخل يديه في كمّيه ولم يلبسه مقلوباً فهل عليه الفداء ؟ ٢٤٤
جواز لُبْس النعلين ٢٤٤
فيما إذا لم يجد
النعلين فهل يجوز لُبْس الخفَين قبل قطعهما إلىٰ ظاهر القدم ؟ ٢٤٤
جواز لُبْس الجرموقين
فيما إذا لم يجد النعلين ٢٤٥
جواز لُبْس المحرم
لأكثر من ثوبين عند الحاجة ٢٤٦
كراهة غسل ثوبي
الإحرام لغير النجاسة ٢٤٦
جواز الإحرام في
الثياب المعلمة ٢٤٧
كراهة بيع الثوب الذي
احرم فيه ٢٤٧
فيما إذا أحرم وعليه
قميص نزعه ولا يشقّه ٢٤٧
٣ ـ التلبيات
وجوب التلبيات الأربع
واشتراطها في إحرام المتمتّع والمفرد ٢٤٨
التلبيات الأربع هي
الواجبة دون الزائد عليها ٢٤٩
كم الزائد علىٰ
التلبيات الأربع ٢٥٠
استحباب رفع الصوت
بالتلبية ٢٥٠
استحباب الجهر
بالتلبية كلّما ركب او هبط وادياً أو علا أكمةً وبالأسحار ٢٥١
ليس علىٰ النساء
إجهار بالتلبية ٢٥١
كيفية تلبية الأخرس ٢٥١
عدم جواز التلبية
بغير العربية مع القدرة عليها ٢٥١
عدم اشتراط الطهارة
من الحدثين في التلبية ٢٥٢
حكم ذكر ما يحرم به
في التلبية ٢٥٢
استحباب تكرار
التلبية والإكثار منها علىٰ كلّ حال ٢٥٣
قطع المتمتّع للتلبية
عند مشاهدة بيوت مكة ٢٥٤
قطع المفرد والقارن
للتلبية يوم عرفة عند الزوال ٢٥٤
مواضع استحباب رفع
الصوت بالتلبية للحاج علىٰ طريق المدينة أو غيرها ٢٥٥
حكم التلبية في مسجد
عرفة ٢٥٦
لا يلبّىٰ حال
الطواف ٢٥٧
هل ينعقد إحرام
القارن بغير التلبية ؟ ٢٥٧
فيما يتعلّق بإشعار
البُدْن ٢٥٨
جواز فعل ما يحرم علىٰ
المحرم فعله فيما إذا عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ
ولم يشعر ولم يقلّد ٢٥٨
استحباب اشتراط
المريد للإحرام علىٰ ربّه ان يحلّه حيث حبسه ٢٥٨
فروع ٢٦١
استحباب الإتيان
بالتليبة نسقاً ٢٦٢
استحباب الصلاة علىٰ
رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد الفراغ من التلبية ٢٦٢
كراهة إجابة المحرم
لمن يناديه بالتلبية ٢٦٢
في قراءة « انّ الحمد
» بكسر الهمزة وفتحها ٢٦٣
تروك الإحرام
١ ـ الصيد
تحريم صيد البرّ في
الحلّ والحرم علىٰ المحرم ٢٦٣
تحريم صيد الحرم علىٰ
المحلّ ٢٦٣
بيان المراد من الصيد
٢٦٣
تحريم صيد البرّ على المحرم
اصطياداً وأكلاً وقتلاً وإشارةً ودلالة ٢٦٤
تحريم فرخ الصيد
وبيضه ٢٦٤
عدم جواز مشاركة
المحرم للمحل ولا للمحرم في الصيد ٢٦٥
فيما لو اشترك جماعة
في قتل صيد فهل يضمن كلٌّ منهم فداءً كاملاً ؟ ٢٦٥
فيما لو اشترك محلٌّ
ومحرمٌ في قتل صيد في الحلّ أو الحرم ٢٦٦
فيما لو دلّ الحلالُ
مُحرماً علىٰ صيد فقتله ٢٦٦
فيما لو دلّ المحرم
حلالاً علىٰ صيد فقتله الحلال ٢٦٧
فيما لو دلّ مُحرمٌ مُحرماً
علىٰ صيد فقتله ٢٦٧
فيما لو فَعَل المحرم
فعلاً عند رؤية الصيد فرآه غيره وفطن للصيد فصاده ٢٦٨
فيما لو أعار المحرم
قاتل الصيد سلاحاً فقتله به ٢٦٨
فيما لو أعاره آلةً
ليستعملها في غير الصيد فصاد بها ٢٦٩
فيما لو أمسك مُحرم
صيداً حتىٰ قتله غيره ٢٦٩
تحريم لحم الصيد علىٰ
المحرم بكلّ حال ٢٦٩
فيما لو ذبح المحرم
الصيد ٢٧٢
فروع ٢٧٣
فيما لو قتل المحرم
صيداً ثم أكله ٢٧٤
فيما لو رمىٰ اثنان
صيداً فأصابه أحدهما وأخطأ الآخر ٢٧٥
فيما لو أوقد جماعة مُحرمون
ناراً فاحترق فيما طائر ٢٧٥
ضمان المُحرم للصيد
في الحلّ كان أو في الحرم ٢٧٦
ضمان المُحلّ لصيد
الحرم ٢٧٦
عدم تحريم شيء من
الحيوان الأهلي وإن توحّش ٢٧٧
جواز قتل السباع ولا
كفّارة ٢٧٨
هل الجراد من صيد
البرّ أو البحر ؟ ٢٨١
جواز صيد البحر
مطلقاً ٢٨٢
بيان المراد من صيد
البحر ٢٨٢
فيما إذا كان الصيد
ممّا يعيش في البرّ والبحر معاً ٢٨٢
طير الماء من صيد
البرّ ٢٨٢
فيما لو كان لجنس من
الحيوان نوعان : بحري وبرّي ٢٨٣
عدم تملّك المُحرم
للصيد ٢٨٣
فيما لو اضطرّ المحرم
إلىٰ أكل الصيد ٢٨٤
فيما لو وجد المضطرّ
إلىٰ أكل الصيد ميتةً ٢٨٤
فيما يتعلّق بإمساك
المحرم للصيد ٢٨٥
فيما لو ملك صيداً في
الحلّ وأدخله الحرم ٢٨٥
عدم حلّية صيد حمام
الحرم وإن كان في الحلّ ٢٨٧
فيما لو رمىٰ
المحلّ من الحلّ صيداً في الحرم أو أرسل كلبه عليه فقتله أو قتل صيداً علىٰ فرع شجرة في الحرم أصلها في الحل ٢٨٧
فروع ٢٨٨
فيما لو رمىٰ
صيداً فجرحه ومضىٰ لوجهه ولم يعلم حياته ولا موته ٢٩٠
فيما لو كان الصيد
يؤمّ الحرم وهو في الحلّ فهل يجوز للمحلّ قتله ؟ ٢٩١
حكم الصيد فيما بين
البريد والحرم ٢٩٢
فيما لو نزع عن جسده
قملة فقتلها أو رمىٰ بها ٢٩٢
جواز أخذ ما عدا
القملة من الجسد ٢٩٣
جواز رمي القراد والحَلَم
عن البدن ٢٩٣
جواز رمي القراد عن
بعيره دون الحلم ٢٩٣
حكم شراء القماري وما
أشبهها وإخراجها من مكة ٢٩٣
حكم صيد حمام الحرم
حيث كان للمحل والمحرم ٢٩٣
صيد الحرم يضمن
بالدلالة والإشارة ٢٩٤
عدم الفرق في تحريم
الصيد بين الوحشي في أصله إذا استأنس أو بقي علىٰ توحّشه ٢٩٤
وجوب الجزاء في صيد
المستأنس من الوحشي ٢٩٥
وجوب الجزاء في الصيد
المملوك ٢٩٥
٢ ـ لُبْس الثياب المخيطة
حرمة لُبس الثياب
المخيطة علىٰ الرجل المحرم ٢٩٥
فيما إذا لم يجد الإزار
والنعلين ٢٩٧
فيما إذا لبس
السراويل للضرورة فهل عليه فدية ؟ ٢٩٧
حرمة لُبْس الخفّين
وما يستر ظهر القدم اختياراً ٢٩٨
فيما إذا لبس الخفّين
للضرورة فهل يجب عليه شقّهما ؟ ٢٩٨
فروع ٢٩٩
جواز لُبْس المخيط
للمرأة ٣٠١
جواز لُبْس الغِلالة
للمرأة ٣٠١
حكم لُبْس المرأة
للقفّازين ٣٠٢
جاز لُبس المرأة
للخلخال والمَسَك ٣٠٢
جواز لُبْس المخيط
للخنثىٰ المشكل ٣٠٢
حرمة لُبْس السلاح
لغير ضرورة ٣٠٢
٣ ـ الطيب
حرمة الطيب أكلاً
وشمّاً وإطلاءً ٣٠٣
ما هو الطيب ؟ ٣٠٤
هل يشمل التحريم لكلّ
ما هو طيب ؟ ٣٠٤
أقسام النبات الطيب
وأحكامها ٣٠٤
حرمة ما يُطلب للتطيّب
واتّخاذ الطيب منه ٣٠٦
عدم حرمة ما يُطلب للأكل
أو التداوي غالباً ٣٠٦
هل البنفسج طيب ؟ ٣٠٦
حكم النيلوفر
والريحان ٣٠٧
هل يحرم الحنّاء وتجب
به الفدية ؟ ٣٠٧
هل العُصْفُر طيب
وتجب به الفدية ؟ ٣٠٨
حكم خلوق الكعبة وشمّ
رائحته ٣٠٨
حرمة لُبْس الثوب
المطيّب ٣٠٩
حكم افتراش الثوب
المطيّب والنوم عليه والجلوس ٣٠٩
فروع ٣١٠
حكم جلوس المحرم عند
العطّارين وعند مجاوزة زقاقهم ٣١١
جواز الجلوس عند
الكعبة وهي تجمّر ٣١١
حكم الجلوس عند رجل
متطيّب وفي سوق العطّارين ٣١١
فيما إذا كان الطيب
يابساً مسحوقاً أو غير مسحوق وعلق ببدنه منه شيء أو لم يعلق ٣١١
فيما لو مس طيباً
رطباً ذاكراً لإحرامه عالماً بالتحريم ٣١١
فيما لو داس بنعله
طيباً فعلق بنعله ٣١٢
فيما لو تسعّط المحرم
بسعوط فيه مسك من غير ضرورة ٣١٢
حرمة أكل ما فيه طيب
ووجوب الفدية به ٣١٢
حكم تطييب بعض العضو ٣١٣
حكم لبس بعض العضو
وتغطية بعض الرأس ٣١٣
فيما لو اضطرّ إلىٰ
أكل طعام فيه طيب أو مسّه ٣١٣
جواز شراء الطيب ٣١٣
جواز شراء المخيط
والجواري ٣١٣
حرمة استدامة الطيب ٣١٣
فيما لو أكل طعاماً
فيه زعفران أو طيب آخر أو استعمل مخلوطاً بالطيب في غير الأكل ٣١٤
بيان المراد من
استعمال الطيب وموارده وأحكامه ٣١٥
فيما لو تطيّب ناسياً
أو جاهلاً ٣١٧
فيما لو لصق الطيب
ببدنه أو ثوبه علىٰ وجه لا يوجب الفدية ٣١٨
حكم لُبْس واستعمال
ثوب فيه طيب من وَرْس أو زعفران وغيرهما ٣١٨
فيما لو انقطعت رائحة
الثوب فهل يجوز لُبْسه بغير الغسل ؟ ٣١٩
عدم جواز تغسيل الميّت
المحرم بالكافور ٣٢٠
٤ ـ الادهان
الدهن طيب وغير طيب
وأحكامهما ٣٢٠
فيما لو اضطرّ إلىٰ
استعمال الأدهان الطيبة حالة الإحرام ٣٢٣
جواز استعمال ما ليس
بطيب بعد الإحرام اضطراراً ٣٢٣
٥ ـ الاكتحال بما فيه طيب
عدم جواز الاكتحال
بكحل فيه طيب ٣٢٤
عدم جواز الاكتحال
بالسواد ٣٢٤
جواز الاكتحال بما
عدا السواد إذا لم يكن فيه طيب ٣٢٤
فيما لو اكتحل المحرم
بالإثمد أو الأسود ٣٢٦
عدم جواز الاكتحال
بما فيه زينة ٣٢٦
٦ ـ النظر في المرآة
هل يحرم النظر في
المرآة علىٰ المحرم ؟ ٣٢٧
٧ ـ لُبْس الحُليّ للزينة
عدم جواز لُبْس المرأة
الحليّ للزينة ٣٢٨
جواز لُبْس المرأة
للحلي الذي تعتاد لُبْسه في الاحلال حال الإحرام ٣٢٩
عدم جواز لُبْس
المحرم الخاتم للزينة ٣٢٩
جواز لُبْس المرأة
الخاتم من الذهب ، والحرير ٣٣٠
٨ ـ تغطية الرأس
حرمة تغطية الرأس علىٰ
الرجل حالة الإحرام اختياراً ٣٣٠
حرمة الارتماس في
الماء علىٰ المحرم ٣٣٢
وجوب الفدية بستر
الرأس كلّه أو بعضه ، لعذر كان أو غيره ٣٣٣
حكم ستر الاُذنين ٣٣٤
حكم ستر بعض الرأس
باليد ٣٣٥
فيما لو غطّىٰ
رأسه ناسياً ٣٣٥
جواز تغطية الوجه ٣٣٥
حرمة تغطية الوجه علىٰ
المرأة المحرمة ٣٣٧
حرمة النقاب علىٰ
المرأة حالة الإحرام ٣٣٩
فيما ضبطه الشافعي
للمستور ٣٣٩
٩ ـ التظليل
حرمة الاستظلال حالة
السير ٣٤٠
جواز الاستظلال حالة
النزول ٣٤٢
فيما لو افتقر حالة
السير إلىٰ الاستظلال ٣٤٢
جواز التظليل للمرأة
والصبي حالة السير ٣٤٣
فيما لو زامل رجل
صحيح المريض أو المرأة أو الصبي واحتاج أحدهم إلىٰ التظليل ٣٤٤
فيما إذا استظل حالة
الاختيار ٣٤٤
١٠ ـ إزالة الشعر
حرمة إزالة الشعر
قليلاً كان أو كثيراً ٣٤٥
عدم الفرق في حرمة
الإزالة بين شعر الرأس وشعر البدن ٣٤٦
فيما لو قطع يده
وعليها شعرات ٣٤٧
فيما لو مشط رأسه أو
لحيته ٣٤٧
فيما لو شك هل كان
الشعرات منسلّةً فانفصلت بالمشط ٣٤٧
كفارة حلق الرأس
جميعاً أو بعضاً ٣٤٧
فيما لو حلق رأسه لأذىٰ
٣٤٩
فيما لو كان الأذىٰ
من غير الشعر ٣٤٩
وجوب الفدية بنتف
الإبط ٣٥٠
النسيان مسقط للفدية
في الطيب واللباس وما عدا الوطء من الاستمتاعات ٣٥٠
هي يُسقط النسيان
الفدية في الحلق والقلم ؟ ٣٥٠
هل يجوز للمحرم أن
يحلق شعر المُحلّ ؟ ٣٥١
فيما إذا حلق الحلال
أو الحرام شعر الحرام ٣٥٢
١١ ـ الَقلْم
حرمة قلم الأظفار
اختياراً ٣٥٤
فيما لو قطع يده أو
إصبعه وعليها الظفر ٣٥٥
فيما لو احتاج إلىٰ
مداواة قرحة ولا يمكن إلّا بقصّ الأظفار ٣٥٥
فيما يتعلّق من الكفّارة
بإزالة بعض الظفر ٣٥٥
فيما لو انكسر ظفره
فهل تجب الفدية لإزالته ؟ ٣٥٦
فيما لو قصّ المكسور
أو أزال منه ما بقي ممّا لم ينكسر ٣٥٦
١٢ ـ إخراج الدم
هل يجوز للمحرم
الحجامة اختياراً ؟ ٣٥٦
جواز الحجامة مع
الضرورة ٣٥٧
فيما لو أحتاج في
الحجامة إلىٰ قطع شعر ٣٥٧
جواز بطّ الخُراج وشقّ
الدمل اذا احتاج إلى ذلك ٣٥٨
جواز قلع الضرس مع
الحاجة إليه ٣٥٩
عدم جواز دلك المحرم
جسده بعنف ٣٥٩
غسل المحرم رأسه
وبدنه برفق ٣٦٠
عدم جواز الارتماس في
الماء للمحرم ٣٦٠
جواز غسل المحرم رأسه
بالسدر والخطمي ونحوهما وحكم الفدية ٣٦١
جواز دخول المحرم في
الحمّام ٣٦٢
١٣ ـ قتل هوامّ الجسد
عدم جواز قتل القمل
والبراغيث وغيرهما من هوامّ الجسد ٣٦٢
جواز تحويل الهوامّ
من مكان من جسده إلىٰ مكان آخر منه ٣٦٣
كفّارة قتل القملة ٣٦٣
جواز إلقاء المحرم
القراد والحلمة عن نفسه وعن بعيره ٣٦٤
١٤ ـ قطع شجر الحرم
تحريم قطع شجر الحرم
غير الإذخر وما أنبته الآدمي ٣٦٤
حكم قطع الشوك والعوسج
وشبهه من الأشجار المؤذية ٣٦٦
حكم أخذ ورق الشجر ٣٦٦
حرمة قطع غصن الشجرة ٣٦٦
هل تجب في قطع الشجرة
الفدية ؟ ٣٦٧
حكم قطع حشيش الحرم
إذا كان رطباً ٣٦٧
حكم ترك المحرم إبله
لترعىٰ في حشيش الحرم ٣٦٨
جواز قلع شجر الفواكه
والنخل ٣٦٩
جواز قلع ما أنبته الإنسان
من شجر الفواكه ٣٧٠
عدم البأس بقطع شجر
الإذخر ٣٧١
عدم البأس بقطع عودي
المحالة ٣٧١
عدم البأس بقطع
الإنسان الشجرة التي تنبت في منزله بعد بنائه له ٣٧١
جواز قلع اليابس من
الشجر والحشيش ٣٧١
جواز قطع ما انكسر
ولم يبن ٣٧١
جواز أخذ الكمأة
والفقع من الحرم ٣٧٢
فيما لو انكسر غص
شجرة أو سقط ورقها فهل يجوز الانتفاع به ؟ ٣٧٢
حرمة قطع الشجرة التي
أصلها في الحرم وفرعها في الحلّ وكذا غصنها ٣٧٢
فيما يتعلّق بقلع
شجرة من الحرم وغرسها فيه أو في غيره ٣٧٣
كفّارة قطع الشجرة
الكبيرة والصغيرة والحشيش والغصن ٣٧٤
حدّ حرم مكّة ٣٧٥
حدّ حرم المدينة وما
يتعلّق به من الأحكام ٣٧٥
حكم صيد وجٍّ وشجره ٣٧٨
النقيع ليس بحرم ٣٧٨
عدم حرمة قطع شجرة
الحرم الذي يستنبت ٣٧٩
حكم نقل تراب الحرم
وأحجاره إلىٰ سائر البلاد ٣٨٠
عدم كراهة نقل ماء
زمزم ٣٨٠
عدم جواز قطع شيء من
ستر الكعبة نقله وبيعه وشرائه ٣٨٠
فيما يفارق حرم
المدينة عن حرم مكة ٣٨٠
١٥ ـ الاستمتاع بالنساء
حرمة الوطء علىٰ
المحرم ٣٨١
عدم الفرق في تحريم
الوطء بين القبل أو الدبر ٣٨٢
حرمة التقبيل للنساء
وملاعبتهنّ بشهوة والنظر إليهن كذلك والملامسة بشهوة من غير جماع ٣٨٢
حرمة التزوّج
والتزويج علىٰ المحرم ٣٨٢
فيما لو تزوّج المحرم
أو زوّج غيره وإن كان محلّاً أو زوّجت المحرمة ٣٨٤
عدم جواز الشهادة
بالعقد علىٰ المحرم ٣٨٦
فيما لو عقد المحرم
حال الإحرام عالماً بالتحريم أو غير عالم ٣٨٦
فروع ٣٨٧
فيما إذا اتّفق
الزوجان علىٰ وقوع العقد حالة الإحرام أو اختلفا أو اُشكل الأمر ٣٨٨
حكم مراجعة المحرم
لامرأته ٣٨٩
جواز شراء الإماء
حالة الإحرام ٣٩٠
جواز مفارقة النساء
حالة الإحرام بكلّ حال من طلاق أو خلع وغيرهما ٣٩٠
فيما إذا كان العقد
من المحرم باطلاً فهل يفرّق بينهما بغير طلاق ؟ ٣٩٠
فيما إذا نظر إلىٰ
امرأته او غيرها بشهرة فأمنىٰ ٣٩١
جواز تقبيل المحرم لاُمّه
واُخته وغيرهما من المحرّمات المؤبّدة ٣٩٢
١٦ ـ الفسوق والجدال
حرمة الفسوق وتفسيره ٣٩٢
حرمة الجدال وتفسيره ٣٩٣
استحباب قلّة الكلام
إلّا بخير ٣٩٣
فيما لو ارتدّ في أثناء
الحج والعمرة ٣٩٤
مكروهات الإحرام
١ ـ كراهة النوم علىٰ
الفراش المصبوغة ٣٩٥
٢ ـ كراهة الإحرام في
الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر ٣٩٥
٣ ـ كراهة الإحرام في
الثياب الوسخة ٣٩٦
٤ ـ لُبْس الثياب
المعلمة ٣٩٦
٥ ـ استعمال الحِنّاء
للزينة ٣٩٦
٦ ـ النقاب للمرأة ٣٩٦
٧ ـ دخول الحمام
وتدليك الجسد فيه ٣٩٦
٨ ـ تلبية المنادي ٣٩٦
٩ ـ استعمال الرياحين
٣٩٦
جواز لُبْس الهميان ٣٩٦
جواز لُبْس السلاح
عند الحاجة ٣٩٧
جواز تأديب الرجل
عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه ٣٩٧
فيما إذا قتل المحرم
حيواناً وشكّ في أنّه صيد ٣٩٧
فيما لو علم أنّه صيد
وشكّ في أيّ صيد هو ٣٩٧
جواز كون لحم الصيد
مع المحرم ٣٩٨
جواز إخراج الفهد من
الحرم ٣٩٨
كفّارات الإحرام
كفّارات الصيد
فيما لكفّارته بدل علىٰ الخصوص
١ ـ كفّارة قتل النعامة ٣٩٩
دابّة الصيد تضمن
بمثلها من النَّعم ٣٩٩
المراد من المماثلة ٤٠٠
فيما حكم الصحابة في
الحيوانات بأمثالها ٤٠٠
فيما يجب في قتل
النعامة ٤٠٠
هل كفّارة جزاء الصيد
علىٰ الترتيب أو علىٰ التخيير ؟ ٤٠٢
فيما لو زادت قيمة
الفداء علىٰ إطعام ستّين مسكيناً لكلّ مسكين نصف صاع ٤٠٤
فيما لو زاد ثمن
الطعام علىٰ صيام ستّين يوماً لكلّ يوم نصف صاع ٤٠٤
فيما لو عجز عن
البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ٤٠٥
كفّارة فراخ النعامة ٤٠٥
٢ ـ كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته
كفّارة قتل حمار
الوحش ٤٠٦
فيما لو لم يجد
البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ٤٠٧
فيما لو لم يتمكّن من
الإطعام ٤٠٧
٣ ـ كفّارة الظبي والثعلب والأرنب
كفارة قتل الظبي شاة ٤٠٨
فيما لو عجز عن الشاة ٤٠٩
فيما لو عجز عن الإطعام ٤٠٩
فيما لو عجز عن الشاة
والإطعام وصوم عشرة أيام ٤١٠
كفّارة قتل الثعلب
والأرنب شاة ٤١٠
٤ ـ كسر بيض النعام
فيما إذا كسر المحرم
بيض نعامة وتحرك فيه الفرخ أو لم يتحرّك ٤١١
عدم الفرق في وجوب
الكفارة بين أن يكسره بنفسه أو بدابّته ٤١٣
فيما إذا لم يتمكن من
الإبل ٤١٣
فيما غذا كسر بيضةً
فخرج منها فرخ حيّ وعاش ٤١٣
فيما لو باض الطير علىٰ
فراش مُحرمٍ فنقله إلىٰ موضعه فنفر الطير ٤١٤
فيما لو كسر بيضةً
فيها فرخ ميّت ٤١٤
فيما لو كسر المحرم
بيضةً من بيض القطا أو القبج ٤١٤
فيما لو لم يتمكّن من
إرسال فحولة الغنم في إنائها ٤١٥
وجوب ذبح الجزاء في
الموضع الذي تجب تفرقته فيه ٤١٥
فيما ليس لكفّارته بدل بالخصوص
تعريف الحمام ٤١٦
وجوب الشاة بقتل
الحمامة ٤١٦
فيما يجب بقتل المحلّ
للحمام في الحرم ٤١٧
فيما لو كان القاتل
للحمام مُحرماً في الحرم ٤١٨
فيما لو قتل فرخاً من
فراخ الحمام ٤١٨
فيما لو كان القاتل
للفرخ مُحلاً أو مُحرماً في الحرم ٤١٩
فيما لو كسر المُحرم
بيض الحمام قد تحرّك فيه الفرخ أو لم يتحرّك ٤١٩
فيما لو كان الكاسر
محلاً أو مُحرماً في الحرم ٤١٩
عدم الفرق في وجوب
الكفّارة بين حمام الحرم والأهلي ٤١٩
فيما يجب بقتل القطا
والحجل والدراج ٤٢٠
فيما يجب بقتل
العصفور والصعوة والقبرة وما أشبهها ٤٢٠
فيما يجب بقتل
الزنبور عمداً ٤٢١
عدم وجوب شيء بقتل
الهوامّ من الحيّات والعقارب وغير ذلك ٤٢١
عدم البأس بقتل القمل
والبق وأشباههما للمحلّ في الحرم ٤٢١
فيما يجب بقتل جرادة ٤٢٢
فيما لو كان الجراد
كثيراً ٤٢٢
فيما إذا عمّ الجراد
المسالك ولم يتمكّن من الاحتراز عن قتله ٤٢٢
وجوب الجدي بقتل الضبّ
والقنفذ واليربوع ٤٢٣
فيما لا نصّ فيه من الكفّارة
فيما لا مثل له من
الصيد ولا تقدير شرعي فيه ٤٢٣
وجوب الشاة في البطّ
والإوزّ والكركي ٤٢٤
ضمان الكبير من ذوات
الأمثال بكبير والسغير بصغير ٤٢٥
ضمان الصحيح بالصحيح
والمعيب بمثله ٤٢٥
فيما لو اختلف العيب
بالجنس أو المحلّ ٤٢٦
فداء الذكر بمثله أو
بالاُنثىٰ ٤٢٦
فداء الماخض بمثلها ٤٢٦
فيما لو اصاب صيداً
حاملاً فألقت جنيناً ٤٢٧
أسباب الضمان
١ ـ المباشرة
فيما يجب بقتل الصيد
وأكله ٤٢٧
حكم البيض حكم الصيد
في تحريم أكله ٤٢٨
فيما لو كسر البيض
حلال وأكله محرم ٤٢٨
فيما لو كسر المحرم
بيض الصيد وأكله المحلّ ٤٢٩
فيما لو اشترىٰ
محلٌّ لمُحْرمٍ بيض نعام فأكله المحرم ٤٢٩
المضمون من البيض بيض
الصيد الحرام ٤٢٩
فيما يجب بإتلاف جزء
من الصيد ٤٢٩
فيما يجب بنتف ريشة
من حمام الحرام ٤٣١
فيما لو تعدّد الريش
وكان النتف متعدّداً ٤٣١
فيما لو حفظ الحمام
حتىٰ نبت ريشه فهل عليه ضمان ؟ ٤٣١
فيما لو جرح الصيد
فهل يضمن الجرح علىٰ قدره ؟ ٤٣٢
فيما لو كسر يده أو
رجله ثم رآه وقد صلح ورعىٰ ٤٣٢
فيما لو جرح الصيد
فاندمل وصار غير ممتنع ٤٣٢
فيما لو جرحه فغاب عن
عينيه ولم يعلم حاله ٤٣٣
فيما لو رآه ميتاً
ولم يعلم أمات من الجناية أو غيرها ٤٣٣
فيما لو صيّرته
الجناية غير ممتنع فلم يعلم أصار ممتنعاً أم لا ٤٣٣
فيما لو رماه ولم
يعلم هل أثّر فيه أم لا ٤٣٣
فيما لو جرح الصيد ثم
اندمل وبقي ممتنعاً ٤٣٤
فيما لو صار الصيد
بعد اندمال جرحه زمناً ٤٣٤
فيما لو جاء محرمٌ
آخر وقتله ٤٣٤
فيما لو عاد المزمن وقتله
٤٣٤
فيما لو كان للصيد
امتناعان فابطل أحدهما ٤٣٥
فيما لو اشترك محرمان
أو أكثر في قتل صيد ٤٣٥
فروع ٤٣٦
فيما لو ضرب محرمٌ
بطير علىٰ الأرض فقتله ٤٣٨
فيما لو شرب لبن ظبية
٤٣٨
فيما لو رمىٰ
الصيد وهو حلال فأصابه السهم وهو محرم فقتله ٤٣٨
٢ ـ التسبيب
فيما لو كان معه صيد
فأحرم فهل يجب عليه إرساله ؟ ٤٣٨
فيما لو كان معه صيد
فأحرم فهل يزول ملكه عنه ؟ ٤٣٩
فيما لو تلف الصيد
قبل التمكّن من إرساله ٤٤٠
فيما لو أرسله إنسان
من يده ٤٤٠
فيما لو كان الصيد في
منزله نائياً عنه ٤٤٠
عدم انتقال الصيد إلىٰ
المحرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما ٤٤٠
ضمان المحرم للصيد
بأخذه بأحد الأسباب المملّكة ٤٤١
عدم جواز استرداد
المحرم للصيد الذي باعه بخيار له وهو حلال ولا لوجود عيب في الثمن المعيّن ٤٤١
فيما لو ورث صيداً
فهل يملكه وهو في الحرم ؟ ٤٤١
فيما لو أمسك محرمٌ
صيداً فذبحه محرم آخر ٤٤٢
فيما لو امسك الصيد
محرمٌ في الحلّ فذبحه المحلّ ٤٤٢
فيما لو نقل بيض صيد
ففسد ٤٤٢
فيما لو أحضن البيض
فخرج الفرخ سليماً ٤٤٢
فيما لو نفّر طائراً
عن بيضة احتضنها ففسدت ٤٤٢
فيما لو أخذ بيضة
دجاجة فأحضنها صيداً ففسد بيضه أو لم يحضنه ٤٤٢
فيما لو حلب لبن صيد
فهل يضمن اللبن ؟ ٤٤٢
فيما وأغلق باباً علىٰ
حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ٤٤٢
فيما لو أرسل الحمام
بغد الإغلاق سليمةً فهل يضمنها ؟ ٤٤٣
فيما لو كان الإغلاق
من المحرم في الحرم ٤٤٣
فيما لو أغلق علىٰ
غير الحمام من الصيود ٤٤٣
فيما لو نفّر حمام
الحرم ورجع أو لم يرجع ٤٤٣
فيما لو نفّر صيداً
فتعثّر وهلك أو أخذه سبع أو انصدم بشجر أو جبل ٤٤٤
فيما لو هلك الصيد
قبل سكون النفار بآفة سماوية ٤٤٤
فيما لو أوقد جماعة
ناراً فوقع فيها طائر ٤٤٤
فيما إذا وطأ ببعيره
أو دابّته صيداً فقتله ٤٤٤
فيما لو شردت الدابّة
من يده فاتلفت صيداً ٤٤٥
فيما لو نصب المحرم شبكةً
في الحل ّأو الحرم أو نصب المحلّ شبكةً في الحرم فتعقّل بها صيد وهلك ٤٤٥
فيما لو نصب شبكةً
قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ٤٤٦
فيما لو جرح صيداً
فتحامل فوقع في شيء تلف به ٤٤٦
فيما لو سكن الصيد في
مكان وأمن من نفوره ثم تلف ٤٤٦
فيما لو أمسك صيداً
له طفل فتلف بإمساكه ٤٤٦
أيضاً لو أمسك المحلّ
صيداً له طفل في الحرم فهلك الطفل ٤٤٦
فيما لو أمسك المحلّ
الصيد في الحرم فتلف وتلف فرخها في الحلّ ٤٤٦
فيما لو أرسل كلباً فأتلف
صيداً ٤٤٦
فيما لو كان الكلب
مربوطاً فحلّ رباطه وأتلف صيداً ٤٤٦
فيما لو انحلّ الرباط
لتقصيره في الربط ٤٤٧
فيما لو لم يكن هناك
صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه فظهر الصيد ٤٤٧
فيما لو ضرب صيداً
بسهم فمرق السهم فقُتل آخر أو رمىٰ غرضاً فأصاب صيداً ٤٤٧
فيما لو وقع الصيد في
شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ٤٤٧
فيما لو دلّ المحرم
علىٰ صيد فقتله المحرم ٤٤٧
فيما لو كان الدالّ
محلّاً والقاتل محرماً ٤٤٧
فيما لو دلّ المحرم
حلالاً علىٰ صيد فقلته ٤٤٧
فيما لو امسك محرم
صيداً حتى قتله غيره ٤٤٨
فيما لو أمر المحرم
عبده المحلّ بقتل الصيد فقتله ٤٤٩
فيما لو كان العبد
محرماً بإذن سيّده وقتل صيداً بغير إذن مالكه ٤٥٠
فيما لو لم يأذن
المولىٰ في الإحرام ولا في الصيد ٤٥٠
فيما لو تقدّم اثبات
يد المحرم علىٰ الصيد علىٰ الإحرام ٤٥٠
فيما لو مات الصيد في
يده قبل إمكان الإرسال أو بعده ٤٥٢
هل ينتقل الصيد إلىٰ
ملك المحرم بالميراث ؟ ٤٥٢
فيما لو استعار
المحرم صيداً أو اُودع عنده ٤٥٣
ضمان المحرم للصيد بإتلافه
مطلقاً ٤٥٣
فيما لو صال صيد علىٰ
محرم أو في الحرم فقتله دفعاً ٤٥٣
فيما لو ركب إنسان
صيداً وصال علىٰ محرم ولم يمكن دفعه إلّا بقتل الصيد قتله ٤٥٤
فيما لو ذبح صيداً في
مخمصة وأكله ٤٥٤
فيما لو اُكره محرمٌ
أو محلّ في الحرم علىٰ قتل صيد فقتله ٤٥٤
وجوب الجزاء علىٰ
المحرم بقتل الصيد عمداً وسهواً وخطأً ٤٥٤
وجوب كفّارة الصيد علىٰ
الخاطئ ٤٥٥
فيما لو كرّر المحرم
الصيد ناسياً ٤٥٦
وجوب الجزاء علىٰ
القاتل للضرورة ٤٥٧
هل يجب الضمان علىٰ
من أتلف الصيد بتخليصه من سبع أو شبكة ؟ ٤٥٨
فيما إذا قتل المحرم
صيداً مملوكاً لغيره ٤٥٨
فيما إذا كان الصيد
مثليّاً وكفّارته ٤٥٩
تضاعف الجزاء علىٰ
المحرم في الحرم ٤٦٢
فيما إذا وجب عليه
بدنة في كفّارة الصيد ولم يجدها ، أو بقرة ولم يجدها أو شاة ولم يجدها ٤٦٢
حكم صيد حمام الحرم
حيث كان للمحلّ والمحرم ٤٦٣
فيما لو قتل المحرم حيواناً
وشك في أنّه صيد ٤٦٣
فيما لو أكل المحرم
لحم صيد ولم يعلم ما هو ٤٦٣
فيما يجب باقتتال
اثنين في الحرم ٤٦٣
فيما لو اشترك محلّون
في قتل صيد في الحلّ ٤٦٤
هل الخيار في الكفّارة
إلىٰ قاتل أو إلىٰ الحَكَمين ؟ ٤٦٤
هل يجوز في إطعام الفدية
التمليك والإباحة ؟ ٤٦٥
فيما لو قتل محرمٌ
صيداً فأخذه محرمٌ آخر ٤٦٦
فيما لو أصاب المحرم
صيوداً كثيرة علىٰ وجه الإحلال ورفض الإحرام ٤٦٦
فيما لو قتل حمامةً
مسرولة ٤٦٦
فهرس الموضوعات ٤٦٧
|