



كتاب
الصوم
وفيه مقدمة وفصول :
الصوم لغةً :
الإِمساك ، وشرعاً : الإِمساك عن أشياء مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني الى غروب الشمس .
وينقسم الى واجب
ومندوب ومكروه ومحظور .
أمّا الواجب فستة :
صوم شهر رمضان ، والكفّارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب .
وأمّا المندوب
: فجميع أيام السنة إلّا العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى .
ويتأكّد أربعة عشر :
صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أول خميس من كلّ شهر ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء في العشر الثاني ، وثلاثة أيام البيض ، والغدير ، ومولد النبي عليه السلام ، ومبعثه ، ودَحو الأرض ، وعرفة لمن لا يُضعفه عن الدعاء ، وعاشوراء على جهة الحزن ، ويوم المباهلة ، وكلّ خميس ، وكلّ جمعة ، وأول ذي الحجة ، وشهر رجب وشعبان .
وأمّا المكروه : فصوم
عرفة لمن يضعف عن الدعاء ، أو يشك في الهلال ،
__________________
والنافلة
سفراً عدا ثلاثة أيّام بالمدينة للحاجة ، والضيف ندباً بدون إذن مضيفه ، أو الولد بدون إذن الوالد ، والصوم ندباً للمدعوّ إلى طعام .
وأمّا المحظور فتسعة
: صوم العيدين ، وأيام التشريق لمن كان بمنى ، ويوم الشك بنية الفرض ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الصمت ، وصوم الوصال ، وصوم المرأة والعبد ندباً بدون إذن الزوج والمالك ، وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني .
قيل :
أول ما فرض صوم عاشوراء .
وقيل :
كان تطوعاً لا فرضاً .
وقيل :
لمّا قدم النبي عليه السلام [ المدينة ] أمر بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وهو قوله تعالى : (
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) ثم نسخ بقوله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ )
.
وقيل :
المراد بالأيام المعدودات شهر رمضان ، فلا نسخ .
وقيل :
أول ما فرض صوم رمضان لا عيناً ، بل مخيّراً بينه وبين الفدية ، وكان الصوم أفضل ؛ لقوله : (
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) الآية ، ثم نسخ بقوله : ( فَمَن شَهِدَ
مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .
قيل :
وكان الصوم في بدء الإِسلام أن يمسك بعد صلاة العشاء الآخرة ، أو ينام إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غربت حلَّ الأكل والشرب إلى أن يصلّي العشاء أو ينام .
وصوم شهر رمضان واجب
بالنص والإِجماع .
__________________
الفصل
الأول في النيّة
مسألة ١ :
شرط صحة الصوم : النيّة ، واجباً كان أو ندباً ، رمضان كان أو غيره ، بإجماع علمائنا ـ وبه قال أكثر الفقهاء
ـ لقوله تعالى : (
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ )
.
وقوله عليه السلام :
( إنّما الأعمال بالنّيات ) .
وقوله عليه السلام :
( مَن لم يُبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له )
.
ومن طريق الخاصة :
قول الرضا عليه السلام : « لا عمل إلّا بنيّة »
.
ولافتقار قضائه إلى
النيّة ، فكذا أداؤه كالصلاة .
وحكي عن زفر بن
الهذيل ومجاهد وعطاء : أنّ صوم رمضان إذا تعيّن ، بأن كان مقيماً صحيحاً ، لا يفتقر إلى النيّة ؛ لأنّه فرض مستحق لعينه ، فأشبه
__________________
ردّ
الوديعة .
والفرق : أنّ الوديعة
حقّ الآدمي .
مسألة ٢ :
الصوم إن كان معيّناً بأصل الشرع كرمضان ، كفى فيه نيّة القربة ، وهو : أن ينوي الصوم لوجوبه متقرباً إلى الله تعالى ، لا غير ، ولا
يفتقر إلى التعيين ، وهو : أن ينوي رمضان عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي في أحد قوليه ـ لأنّ القصد من نيّة التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي
الفعل الواحد عن الآخر ، ولا يتحقّق التعدّد هنا ؛ فإنّه لا يقع في رمضان غيره ، فأشبه ردّ الوديعة .
وفي الثاني للشافعي :
أنّه يفتقر ـ وبه قال مالك ـ لأنّه صوم واجب فيشترط فيه التعيين كالقضاء .
وليس بجيّد ؛ لعدم
تعيّن زمان القضاء .
وقال أبو حنيفة
بالاكتفاء إن كان مقيماً .
وإن كان معيَّناً لا
بأصل الشرع ، بل بالنذر وشبهه ، قال السيد المرتضى رحمه الله : تكفي فيه نية القربة كرمضان ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لأنّه زمان
__________________
تعيّن
للصوم بالنذر ، فأشبه رمضان .
وقال الشيخ : لا تكفي
، بل لا بدّ فيه من نيّة التعيين ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ـ لأنّه لم يتعيّن بأصل الشرع ، فأشبه
النذر المطلق . وهو ممنوع .
وإن لم يكن معيَّناً
كالنذور المطلقة وقضاء رمضان وصوم الكفّارات وصوم النافلة ، فلا بدّ فيه من نيّة التعيين عند العلماء كافة ؛ لأنّه زمان لا يتعيّن
الصوم فيه ، ولا يتحقّق وجهه ، فاحتاج الى المخصّص .
فروع :
أ ـ لا بدّ من نية
الفرض وإن كان الصوم معيَّناً كرمضان ، وللشافعي قولان .
ب ـ ليس للمسافر أن
يصوم رمضان بنيّة أنّه منه أو من غيره ؛ لأنّ الصوم في سفر القصر حرام ، ولا يقع في رمضان غيره ؛ للنهي عن الصوم ، المقتضي للفساد ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء .
وقال أبو حنيفة : يقع
عمّا نواه إذا كان واجباً .
وقال أبو يوسف ومحمد
: يقع عن رمضان .
__________________
ج ـ لو نوى الحاضر في
رمضان صوماً مطلقاً ، وقع عن رمضان إجماعاً . ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك ؛ للاكتفاء بنية القربة في رمضان وقد حصلت ، فلا تضرّ الضميمة ، ومع العلم كذلك ؛ لهذا الدليل ، ويحتمل البطلان ؛ لعدم قصد رمضان والمطلق فلا يقعان ؛ لقوله عليه السلام : ( وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى ) والمقصود منهي في رمضان .
د ـ شرط النية الجزم
، فلو قال : أنا صائم غداً إن شاء الله ؛ فإن قصد التبرّك أجزأ ، وإلّا فلا .
ولو نوى قضاء رمضان
أو تطوّعاً ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، فلا جزم في كلٍّ منهما .
وقال أبو يوسف : يقع
عن القضاء ؛ لعدم افتقار التطوّع إلى التعيين ، فكأنّه نوى القضاء وصوماً مطلقاً .
وقال محمد : يقع
تطوّعاً ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ زمان القضاء يصلح للتطوّع ، فإذا سقطت نيّة الفرض بالتشريك ، بقيت نيّة الصوم ، فوقع تطوّعاً .
وكلاهما ضعيف .
مسألة ٣ :
وقت النيّة في المعيَّن كرمضان والنذر المعيَّن : من أول الليل إلى أن يطلع الفجر ، ولا يجوز تأخيرها عن الطلوع مع العلم ، فيفسد صومه إذا أخّر عامداً ؛ لمضيّ جزء من النهار بغير نيّة ، والصوم لا يتبعّض ، ويجب عليه الإِمساك .
ولو تركها ناسياً أو
لعذر ، جاز تجديدها الى الزوال ؛ لأنّ أعرابيّاً جاء الى
__________________
النبي
عليه السلام ، وقد أصبح الناس يوم الشك ، فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبي عليه السلام منادياً ينادي : مَن لم يأكل فليصم ، ومَن
أكل فليمسك ، وإذا جاز مع العذر ـ وهو الجهل ـ جاز مع النسيان .
وقال الشافعي : لا
يجزئ الصيام إلّا بنيّة من الليل في الواجب كلّه ، المعيّن وغيره ؛ وبه قال مالك وأحمد ـ وفي جواز مقارنة النيّة لطلوع الفجر عنده وجهان ـ لقوله عليه السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت
الصيام قبل الفجر ) .
ونقول بموجبه في
العمد .
وقال أبو حنيفة :
يصحّ صوم رمضان بنيّة قبل الزوال ، وكذا كلّ صوم معيَّن بالقياس على التطوّع .
والفرق : المسامحة في
التطوّع تكثيراً له حيث قد يبدو له الصوم في النهار ، ولو شرطت النيّة ليلاً لَمُنع منه .
فروع :
أ ـ لو نوى أيّ وقت كان
من الليل أجزأ ؛ لقوله عليه السلام : ( لا صيام
__________________
لمن
لم يبيّت الصيام من الليل ) وهو عام .
وقال بعض الشافعية :
إنّما تصح النية في النصف الثاني منه دون الأول ؛ لاختصاصه بأذان الصبح والدفع من مزدلفة .
والفرق : جوازهما بعد
الصبح ، فلا يفضي منعهما في الأول إلى فواتهما ، بخلاف النيّة ؛ فإنّ أكثر الناس قد لا ينتبه في النصف الثاني ، ولا يذكر الصوم .
ب ـ تجوز مقارنة
النيّة لطلوع الفجر ؛ لأنّ محلّ الصوم النهار ، والنيّة مقارنة .
وقال بعض الشافعية :
يجب تقديمها على الفجر ؛ لقوله
عليه السلام : ( من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له )
.
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ
المقارنة متعذّرة غالباً ، والتأخير ممنوع منه ، فتعيّن السبق ؛ لإِزالة مشقّة ضبط المقارنة ، ومع فرض وقوعها يجب الإِجزاء .
ج ـ يجوز أن يفعل بعد
النيّة ما ينافي الصوم إلى قبل الفجر ، وأن ينام بعد النيّة ؛ لقوله تعالى : (
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ )
خلافاً لأبي إسحاق من الشافعية .
د ـ لو نوى الصوم في
رمضان ، ثم نوى الخروج منه بعد انعقاده ، لم
__________________
يبطل
عند الشيخ والشافعي في أحد قوليه ؛ لانعقاده أوّلاً ، فلا يبطل بغير المفطر .
وفي الآخر : يبطل ؛
لمضي جزء من النهار بغير نيّة فعلاً وقوّةً ، ولا عمل إلّا بنيّة .
هـ ـ لو شك هل يخرج
أم لا ، لم يخرج ؛ لأنّه لا يخرج مع الجزم ، فمع الشك أولى ، وللشافعية وجهان .
و ـ لو نوى أنّه يصوم
غداً من رمضان لسنة تسعين ، وكانت إحدى وتسعين ، صحّ ـ خلافاً لبعض الشافعية ـ لوجود الشرط ، فلا يؤثّر الغلط ، كما لو نوى الثلاثاء فبان الأربعاء .
ولو كان عليه قضاء
اليوم الأول ، فنوى قضاء الثاني ، أو كان عليه يوم من سنة خمس ، فنواه من سنة ست ، لم يصح ؛ لأنّه صوم لا يتعيّن بزمان ، فلا بدّ فيه من النيّة ، والذي عليه لم يَنْوه .
مسألة ٤ :
الواجب غير المعيَّن كالقضاء والنذر المطلق ، يستمر وقت النيّة فيه إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهاراً ؛ لعدم تعيّن زمانه ، فجاز
تجديد النيّة إلى الزوال ، كالنافلة .
ولأنّ هشام بن سالم
قال للصادق عليه السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يوم ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب له من الوقت الذي نوى » .
__________________
وسأل صالح بن عبدالله
، الكاظم عليه السلام ، عن رجل جعل الله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز »
.
وسأل عبد الرحمن بن
الحجاج ، الكاظم عليه السلام ، عن الرجل يصبح لم يطعم ولم يشرب ولم يَنو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار ؟ فقال : « نعم ، له أن يصوم ويعتدّ له من شهر رمضان » .
وقال أبو حنيفة : لا
يجزئ إلّا من الليل ، وبه قال الفقهاء ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له )
.
والمقصود منه المعيَّن
؛ لأنّه مخصوص بالنافلة ، فكذا غير المعيَّن .
مسألة ٥ :
وقت النيّة لصوم النافلة من الليل ، ويمتدّ الى الزوال .
( وبجواز التجديد
بالنهار قال ) ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي
.
ووافقنا على امتداده
الى الزوال خاصة ، أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، وأحمد في إحدى الروايتين ؛ لأنّ النبي عليه السلام ، دخل على
__________________
عائشة
يوماً ، فقال : ( هل عندكم شيء ؟ ) قلنا : لا ، قال : ( فإنّي إذن صائم ) .
ونحوه من طريق الخاصة
، عن أمير المؤمنين عليه السلام .
وقال مالك : تجب
النيّة من الليل ، بمعنى أنّه لا يصح الصوم إلّا بنيّة من الليل ـ وبه قال داود والمزني ، وهو مروي عن عبدالله بن عمر
ـ لقوله عليه السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )
.
ولتساوي نيّة فرض
الصلاة ونفلها في الوقت ، فكذا الصوم .
والحديث مخصوص
بالناسي والمعذور ، وحديثنا أخصّ .
والفرق : أنّ النيّة
مع أول الصلاة في النفل لا يؤدّي الى تقليلها ، بخلاف الصوم .
وقال السيد المرتضى
وأكثر علمائنا والشافعي في قول
: إنّ النيّة في النفل تمتدّ بامتداد النهار ؛ لتناول الأحاديث السابقة له .
وسأل هشام بن سالم ،
الصادق عليه السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب
__________________
له
من الوقت الذي نوى » ولو صحّ الصوم من أول النهار لَحُسب له
.
مسألة ٦ :
جوّز الشيخ تقديم نيّة رمضان خاصة بيوم أو أيّام ، إن عرض له ليلة الصيام سهوٌ أو نومٌ أو إغماءٌ ، أجزأته النيّة السابقة ، وإلّا فلا بدّ
له من تجديدها ؛ لأنّ اقتران النيّة بالفعل غير شرط إجماعاً ، ولهذا جاز
تجديد الناقض بعدها قبل الفجر ، فجاز تقدّمها قبل الهلال بيوم أو أيّام ؛ لتقارب الزمان .
والوجه : عدم الجواز
؛ لقوله عليه السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل ) وأجزأ من أوله ؛ لعسر ضبط آخره .
مسألة ٧ :
جوّز أصحابنا في رمضان صومه بنيّة واحدة في أوله لصومه أجمع ، ولا يحتاج إلى تجديد النيّة كلّ ليلة ، بخلاف غيره ـ وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق وزفر ـ لأنّه نوى في زمان يصلح جنسه لنيّة الصوم ، لا يتخلّل بينه وبين فعله زمان يصلح جنسه لصوم سواه ، فأجزأه ، كما لو نوى اليوم الأول من ليلته .
وقال أبو حنيفة والشافعي
وأحمد في رواية : إنّه لا بدّ من تجديد النيّة كلّ يوم كغير رمضان .
وهو الوجه ؛ لأنّها
عبادات متعدّدة لا يبطل بعضها بفساد البعض ، بخلاف الصلاة الواحدة واليوم الواحد .
__________________
وادّعى الشيخ والسيد
المرتضى الإِجماع .
مسألة ٨ :
يستحب صوم يوم الشك من شعبان إذا لم يُر الهلال ، ولا يكره صومه ، سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم وشبهه ، أو لم يكن ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك ـ لأنّ عليّاً عليه السلام قال : « لأن
أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان » .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « صُمه فإن يك من شعبان كان تطوّعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وُفّقت له »
.
ولأنّ الاحتياط يقتضي
صومه ، فلا وجه للكراهية .
وقال شيخنا المفيد رحمه
الله : إنّما يستحب مع الشك في الهلال لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ويكره مع الصحو وارتفاع الموانع ، إلّا لمن كان صائماً قبله ـ وبه قال الشافعي والأوزاعي
ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صيام ستة أيام : اليوم الذي يشك فيه من رمضان
.
ويحمل على النهي عن
صومه من رمضان .
وقال أحمد : إن كانت
السماء مصحيةً ، كره صومه ، وإن كانت مغيمةً ، وجب صومه ، ويحكم بأنّه من رمضان ـ وهو مروي عن ابن عمر ـ لأنّ النبي
__________________
عليه
السلام قال : ( إنّما الشهر تسعة وعشرون يوماً ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له )
.
ومعنى الإِقدار :
التضييق ، بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين .
وقد سبق أنّ النهي عن
الصوم من رمضان ، ومعارض بقوله عليه السلام : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإنّ غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) .
وقال الحسن وابن
سيرين : وإن صام الإِمام صاموا ، وإن أفطر أفطروا وهو مروي عن أحمد ؛ لقوله عليه السلام : ( الصوم يوم
تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحّون ) .
فروع :
أ ـ لو نوى أنّه
يصومه من رمضان ، كان حراماً ، ولم يجزئه لو خرج منه ؛ لدلالة النهي على الفساد .
قال مولانا زين
العابدين عليه السلام عن يوم الشك : « اُمرنا بصيامه ، ونُهينا عنه ، اُمرنا أن يصومه الإِنسان على أنّه من شعبان ، ونُهينا عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان » .
__________________
ولو نواه ندباً على
أنّه من شعبان ، أجزأ عنه وإن خرج من رمضان ؛ لأنّه أتى بالمأمور به على وجهه ، فكان مجزئاً عن الواجب ؛ لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره ، ونيّة الوجوب ساقطة ؛ للعذر .
ولو نوى أنّه واجب أو
ندب ولم يعيّن ، لم يصحّ صومه ، ولم يجزئه لو خرج من رمضان ، إلّا أن يجدّد النيّة قبل الزوال .
ولو نوى أنّه من
رمضان ، فثبت الهلال قبل الزوال ، جدّد النيّة ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة .
ولو نوى أنّه إن كان
من رمضان فهو واجب ، وإن كان من شعبان فندب ، لم يصحّ ـ وهو أحد قولي الشيخ رحمه الله ، وبه قال الشافعي
ـ لأنّ شرط النيّة الجزم ولم يحصل .
وللشيخ قول آخر : الإِجزاء
لو بان من رمضان ؛ لأنّه نوى الواقع على التقديرين على وجههما ، ولأنّه نوى القربة وهي كافية
.
ب ـ لو نوى الإِفطار
لاعتقاد أنّه من شعبان ، فبان من رمضان قبل الزوال ولم يتناول ، نوى الصوم الواجب ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة ، والجهل عذر ، فأشبه النسيان .
ولو بان بعد الزوال ،
أمسك بقية نهاره ، ووجب عليه القضاء ، وبه قال أبو حنيفة .
والشافعي أوجب القضاء
في الموضعين .
__________________
وقال عطاء : يأكل
بقية يومه ؛ وهو رواية عن أحمد ، ولم يقل به غيرهما .
ولو أصبح بنيّة صوم
شعبان ، فبان أنّه من رمضان ، نقل النيّة اليه ولو قبل الغروب ، وأجزأه .
ج ـ لو أخبره عدل
واحد برؤية الهلال ، وأوجبنا الشاهدين ، فنوى أنّه من رمضان ، لم يجزئه لو بان منه . ولو كان عارفاً بحساب التسيير ، أو أخبره العارف بالهلال ، لم يصح بنيّة رمضان ؛ لأنّ ذلك ليس طريقاً الى ثبوت الأهلّة في نظر الشرع وإن أفاد الظنّ .
د ـ لو نوى ليلة
الثلاثين من رمضان أنّه إن كان غداً من رمضان فإنّه صائم ، وإن كان من شوّال فهو مفطر ، قال بعض الشافعية : يصحّ ؛ لأصالة بقاء الشهر .
ويبطل ؛ لعدم الجزم .
ولو نوى أنّه يصومه
عن رمضان أو نافلة ، لم يصحّ إجماعاً .
هـ ـ لو نوى يوم الشك
عن فرض عليه ، أجزأه من غير كراهة ، خلافاً لبعض الشافعية .
و ـ صوم الصبي شرعي ،
وينعقد بنيّته ، فإن بلغ قبل الزوال بغير المبطل ، وجب عليه تجديد نيّة الفرض ، وإلّا فلا .
__________________
الفصل
الثاني فيما يمسك عنه الصائم
وهو اُمور :
الأول :
يجب الإِمساك عن الأكل والشرب نهاراً من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) .
ولا فرق بين المعتاد
وغيره عند علمائنا ، سواء يغذّى به أو لا ـ وهو قول عامة أهل العلم ـ للعموم ، ولأنّ حقيقة الصوم الإِمساك
، وهو غير متحقّق مع تناول غير المعتاد .
وقال الحسن بن صالح
بن حي : لا يفطر بما ليس بطعام ولا بشراب .
وكان أبو طلحة
الأنصاري يأكل البَرَد في الصوم ، ويقول : ليس بطعام ولا شراب .
__________________
وقال أبو حنيفة : لو
ابتلع حصاةً أو فستقةً بقشرها ، لم تجب الكفّارة
؛ فاعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغذّى به أو يتداوى به ، وهو مذهب السيد المرتضى .
والكلّ باطل بما
تقدّم .
فروع :
أ ـ بقايا الغذاء
المتخلّفة بين أسنانه إن ابتلعها عامداً نهاراً ، فسد صومه ، سواء أخرجها من فمه أو لا ؛ لأنّه ابتلع طعاماً عامداً فأفطر ، كما لو أكل .
وقال احمد : إن كان
يسيراً لا يمكنه التحرّز منه فابتلعه ، لم يفطر ، وإن كان كثيراً أفطر .
وقال الشافعي : إن
كان ممّا يجري به الريق ، ولا يتميّز عنه ، فبلعه مع ريقه ، لم يفطره ، وإن كان بين أسنانه شيء من لحم أو خُبز حصل في فيه ، متميّزاً عن الريق ، فابتلعه مع ذكره للصوم ، فسد صومه
.
وقال أبو حنيفة : لا
يفطر به ؛ لأنّه لا يمكنه التحرّز منه ، فأشبه ما يجري به الريق .
وهو خلاف الفرض ،
فإنّه مع عدم إمكان التحرّز عنه عفو .
ب ـ الريق إذا جرى
على حلقه على ما جرت العادة به ، لا يفطر ؛ لعدم إمكان التحرّز منه .
وكذا لو جمعه في فيه
ثم ابتلعه ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر :
__________________
يفطر
.
أمّا لو خرج من فيه
بين أصابعه أو ثوبه ، ثم ابتلعه ، فإنّه يفطر .
ولو أخرج حصاةً
وشبهها من فيه وعليها بلّة من الريق ، ثم أعاده وعليه الريق ، وابتلع الريق ، أفطر ، خلافاً لبعض الجمهور
.
ولو ابتلع ريق غيره ،
أفطر .
ولو أبرز لسانه وعليه
ريق ، ثم ابتلعه ، لم يفطر ؛ لعدم انفصاله عن محلّه .
ج ـ لو ابتلع النخامة
المجتلبة من صدره أو رأسه ، لم يفطر ؛ لأنّه معتاد في الفم ، غير واصل من خارج ، فأشبه الريق ، ولعموم البلوى به .
وقول الصادق عليه
السلام : « لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته » .
وقال الشافعي : يفطر
ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّه يمكن الاحتراز منه ، فأشبه القيء .
ونمنع الصغرى .
د ـ حكم الازدراد حكم
الأكل ، فلو ابتلع المعتاد وغيره ، أبطل صومه .
الثاني :
الجماع ، وقد أجمع العلماء كافة على إفساد الصوم بالجماع الموجب للغسل في قُبُل المرأة ؛ للآية ، سواء أنزل أو لم ينزل .
ولو وطأ في الدُّبُر
فأنزل ، فسد صومه إجماعاً ، ولو لم ينزل ، فالمعتمد
__________________
عليه
الإِفساد ؛ لأنّه جماع في محلّ الشهوة ، فأشبه القُبُل .
ولو جامعها في غير
الفرجين ، أفسد مع الإِنزال ، وإلّا فلا .
ولا فرق بين وطء
الحيّة والميتة ، ولا بين الغلام والمرأة ، والموطوء كالواطئ .
ولو وطأ الدابة فأنزل
، أفسد ، وإلّا فلا .
الثالث :
الإِنزال نهاراً عمداً مُفسدٌ ، سواء كان باستمناء أو ملامسة أو ملاعبة أو قُبلة إجماعاً ؛ لأنّ الصادق عليه السلام ، سئل عن الرجل يضع يده على شيء من جسد امرأة فأدفق ، فقال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً أو يعتق رقبة » .
ولو نظر إلى ما لا
يحلّ النظر اليه عامداً بشهوة فأمنى ، قال الشيخ : عليه القضاء .
ولو كان نظره الى ما
يحلّ له النظر إليه فأمنى ، لم يكن عليه شيء .
ولو أصغى أو تسمّع
الى حديث فأمنى ، لم يكن عليه شيء ؛ عملاً بأصالة البراءة .
وقال الشافعي وأبو
حنيفة والثوري : لا يفسد الصوم بالإِنزال عقيب النظر مطلقاً ؛ لأنّه إنزال من غير مباشرة ، فأشبه الإِنزال بالفكر
.
وقال أحمد ومالك والحسن
البصري وعطاء : يفسد به الصوم مطلقاً ؛ لأنّه إنزال بفعل يتلذّذ به ، ويمكن التحرّز عنه ، فأشبه الإِنزال باللمس
.
ولو أنزل من غير شهوة
ـ كالمريض ـ عمداً ، أفسد صومه .
__________________
ولو قلنا بالإِفساد
بالنظر ، فلا فرق بين التكرار وعدمه ، وبه قال مالك
.
وقال أحمد : لا يفسد
إلّا بالتكرار .
ولو فكّر فأمنى لم
يفطر ، وبه قال الشافعي .
وقال أصحاب مالك :
يفطر .
وتكره القُبلة للشاب
الذي تُحرّك القُبلة شهوته ، ولا تكره لمن يملك إربه ؛ لأنّ النبي عليه السلام ، كان يُقبِّل وهو صائم ، وكان أملك
الناس لإِربه .
ولو أمذى بالتقبيل ،
لم يفطر عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وهو مروي عن الحسن والشعبي والأوزاعي .
وقال مالك وأحمد :
يفطر .
الرابع :
إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق اختياراً ، كغبار الدقيق والنفض ، مفسدٌ للصوم ـ خلافاً للجمهور ـ لأنّه أوصل إلى الجوف ما ينافي الصوم .
__________________
ولأنّ سليمان بن جعفر
سمعه يقول : « إذا شمّ رائحة غليظة ، أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ؛ فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب والنكاح » .
ولو كان مضطرّاً أو
لم يشعر به ، لم يفطر إجماعاً .
الخامس :
مَن أجنب ليلاً وتعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من غير ضرورة ولا عذر ، فسد صومه عند علمائنا ، وبه قال أبو هريرة وسالم ابن عبدالله والحسن البصري وطاوس وعروة ، وبه قال الحسن بن صالح بن حي والنخعي في الفرض خاصّة ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن أصبح جُنُباً
فلا صوم له ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً »
.
وقال الجمهور : لا
يفسد الصوم ؛ للآية .
ولقول عائشة : أشهد
على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن كان
__________________
ليُصبح
جُنُباً من جماع غير احتلام ، ثم يصومه .
ولا دلالة في الآية ؛
لعود الغاية الى الجملة القريبة .
والحديث ممنوع ،
ومحمول على القرب من الصباح ؛ لمواظبته عليه السلام ، على أداء الفرائض في أول وقتها .
فروع :
أ ـ لو طلع عليه
الفجر وهو مجامع ، نزع من غير تلوّم ، ووجب القضاء إن لم يُراع الفجر ، ولو نزعه بنيّة الجماع فكالمجامع .
ولو راعى الفجر ، ولم
يظنّ قُربه ، ثم نزع مع أول طلوعه ، لم يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك للجماع ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
.
وقال مالك وأحمد
والمزني وزفر : يبطل صومه .
وأوجب أحمد الكفّارة
.
ب ـ لو طلع الفجر وفي
فمه طعام ، لَفَظَه ، فإن ابتلعه ، فسد صومه .
ج ـ قال ابن أبي عقيل
: إنّ الحائض والنفساء لو طهرتا ليلاً ، وتركتا الغسل حتى يطلع الفجر عمداً ، وجب القضاء خاصة .
السادس :
لو أجنب ليلاً ، ثم نام ناوياً للغسل حتّى أصبح ، صحّ صومه . ولو لم يَنو ، فسد صومه ، وعليه القضاء ـ خلافاً للجمهور
ـ لما تقدّم من اشتراط الطهارة في ابتدائه ، وبنومه قد فرّط في تحصيل الشرط .
ولو أجنب فنام على
عزم ترك الغسل حتى طلع الفجر ، فهو كالتارك
__________________
للغسل
عمداً .
ولو أجنب ثم نام
ناوياً للغسل حتى طلع الفجر ، فلا شيء عليه ، فإن استيقظ ثم نام حتى يطلع الفجر ، وجب القضاء خاصة ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شيء » قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » .
ولو احتلم نهاراً في
رمضان من غير قصد ، لم يفطر ، وجاز له تأخير الغسل إجماعاً .
السابع :
القيء عمداً مبطل للصوم عند أكثر علمائنا ، وهو قول عامة العلماء ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه »
.
وقال السيد المرتضى
وابن إدريس : لا يفسد صومه ـ وبه قال عبدالله ابن عباس وابن مسعود ـ لقوله عليه السلام : ( لا يفطر مَن
قاء ) .
__________________
ونقول بموجبه فيما
إذا ذرعه .
أمّا لو ذرعه القيء
فإنّه لا يفطر بإجماع العلماء .
وحكي عن الحسن البصري
في إحدى الروايتين عنه : أنّه يفطر . وهو غلط .
الثامن :
اختلف علماؤنا في الاحتقان بالمائعات هل هو مفسد أم لا ؟ للشيخ قولان :
أحدهما : الإِفساد
ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ـ لقول الرضا عليه السلام : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن »
.
ولأنّه أوصل إلى جوفه
ما يصلح بدنه وهو ذاكر للصوم ، فأشبه الأكل .
والثاني : لا يفسد
ـ وبه قال الحسن بن صالح بن حي وداود ـ لأنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة ، ولا الى موضع الاغتذاء ، فلا يؤثّر فساداً ، كالاكتحال ، ولا يجري في مجرى الاغتذاء ، فلا يفسد الصوم ، كالاكتحال .
وقال مالك : يفطر
بالكثير منها دون القليل .
__________________
أمّا الاحتقان
بالجامد : فإنّه مكروه لا يفسد به الصوم ، خلافاً للجمهور ؛ فإنّهم لم يفرّقوا بين المائع والجامد ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج .
فروع :
أ ـ لو داوى جرحه
فوصل الدواء إلى جوفه ، أفسد صومه عند الشيخ ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد .
وقال مالك : لا يفطر
، وبه قال أبو يوسف ومحمد ، وهو الوجه .
ب ـ لو جرح نفسه برمح
فوصل إلى جوفه ، أو أمر غيره بذلك ، قال الشيخ : يفسد صومه ، وبه قال الشافعي
.
والوجه : أنّه لا
يفسد ، وبه قال أبو يوسف ومحمد .
ج ـ لو قطّر في اُذنه
دهناً أو غيره ، لم يفطر ؛ للأصل .
ولأنّ ابن أبي يعفور
سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم يصب الدواء
__________________
في
اُذنه ، قال : « نعم » .
وقال بعض علمائنا :
يفطر ؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد إذا وصل إلى الدماغ ؛ لأنّه جوف فالواصل اليه يغذّيه ، فيفطر به ، كجوف البدن .
وهو منقوض :
بالاكتحال .
د ـ لو قطَّر في
إحليله دواءً أو غيره ، لم يفطر ، سواء وصل الى المثانة أو لا ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ لأنّ المثانة ليست محلاً للاغتذاء ،
فلا يفطر بما يصل اليها ؛ ولأنّه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ ، وإنّما يخرج البول رشحاً .
وقال الشافعي : يفطر
؛ وبه قال أبو يوسف ـ واضطرب قول محمد فيه ـ لأنّ المثانة كالدماغ في أنّها من باطن البدن
.
ونمنع المساواة .
التاسع :
قال الشيخان : الكذب على الله تعالى ، وعلى رسوله والأئمّة
__________________
عليهم
السلام ، مفسد للصوم ـ وبه قال الأوزاعي
ـ لقول الصادق عليه السلام : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال أبو بصير : هلكنا ، فقال
عليه السلام : « ليس
حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله
صلّى الله عليه وآله
، وعلى الأئمّة عليهم السلام » .
وهو محمول على
المبالغة .
وقال السيد المرتضى :
لا يفسده ؛ وهو قول الجمهور ، وهو المعتمد ؛ لأصالة البراءة ، ولا خلاف في أنّ الكذب على غير الله تعالى وغير رسوله والأئمّة عليهم السلام ، غير مفسد .
وأمّا المشاتمة
والتلفّظ بالقبيح فكذلك ، إلّا الأوزاعي ، فإنّه أوجب بهما الإِفطار ؛ لقوله عليهم السلام : ( مَن لم يدع قول الزور والعمل به
فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) .
ولا دلالة فيه ، والإِجماع
على خلاف قوله .
العاشر :
الارتماس في الماء ، قال الشيخان : إنّه يفسد الصوم
؛ لقول الباقر عليه السلام : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال :
__________________
الأكل
والشرب والنساء والارتماس في الماء » .
ولا حجّة فيه ؛ لجواز
التضرّر بالتحريم دون الإِفساد ، كما هو القول الآخر للشيخ ؛ لأنّ إسحاق بن عمار قال للصادق عليه
السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً أعليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال : « ليس عليه قضاء ولا يعودنّ » .
قال الشيخ : لست أعرف
حديثاً في إيجاب القضاء والكفّارة ، أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء .
وقال السيد المرتضى :
لا يفسد الصوم ، وهو مكروه ؛ وبه قال مالك وأحمد والحسن والشعبي .
وقال باقي الجمهور :
إنّه غير مكروه أيضاً .
ولا بأس بصبّ الماء
على الرأس للتبرّد والاغتسال من غير كراهة .
ولو ارتمس
فدخل الماء إلى حلقه ، أفسد صومه ، سواء كان دخول الماء اختياراً أو اضطراراً ، إذا كان الارتماس اختياراً .
__________________
ولو صبّ الماء على
رأسه ، فدخل حلقه متعمّداً ، أفسد صومه . وكذا لو كان الصبّ يؤدّي إليه قطعاً مع الاختيار لا الاضطرار ، ولو لم يؤدّ ، لم يفسد .
الحادي عشر :
قال المفيد وأبو الصلاح : السعوط الذي يصل إلى الدماغ من الأنف مفسد للصوم مطلقاً ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ـ لأنّ النبي عليه السلام ، قال للقيط بن صبرة : ( وبالغ في الاستنشاق إلّا أن تكون صائماً ) .
ولأنّ الدماغ جوف ،
فالواصل اليه يُغذّيه ، فيفطر به ، كجوف البدن .
والمنع إنّما كان
للخوف من النزول الى الحلق ؛ لعروضه في الاستنشاق غالباً ، والتغذية لا تحصل من ذلك . واشتراك الدماغ والمعدة في اسم الجوف لا يقتضي اشتراكهما في الحكم .
وقال الشيخ : إنّه
مكروه لا يفسد الصوم ، سواء بلغ الى الدماغ أو لا ، إلّا ما نزل إلى الحلق ؛ فإنّه يفطر ، ويوجب القضاء
؛ وبه قال مالك والأوزاعي وداود ، وهو المعتمد ؛ عملاً بالأصل .
مسألة ٩ :
يكره مضغ العِلك ، وليس محرَّماً ـ وبه قال الشعبي والنخعي
__________________
وقتادة
والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ـ للأصل .
ولأنّ أبا بصير سأل
الصادق عليه السلام ، عن الصائم يمضغ العِلك ، فقال : « نعم » .
ولا فرق بين ذي الطعم
وغيره ، ولا بين القوي الذي لا يتحلّل أجزاؤه والضعيف الذي يتحلّل إذا تحفّظ من ابتلاع المتحلّل من أجزائه وإن وجد طعمه في حلقه .
مسألة ١٠ :
لا بأس بما يُدخله الصائم في فمه إذا لم يتعدّ الحلق ، كمصّ الخاتم ومضغ الطعام وزقّ الطائر وذوق المرق ؛ لقوله عليه السلام
: ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته ) .
وسئل الصادق عليه
السلام ، عن صبّ الدواء في اُذن الصائم ، فقال : « نعم ويذوق المرق ويزقّ الفَرخ » .
فإن أدخل شيئاً في
فمه وابتلعه سهواً ، فإن كان لغرض صحيح ، فلا قضاء عليه ، وإلّا لزمه .
ولو تمضمض فابتلع
الماء سهواً ، فإن كان للتبرّد ، فعليه القضاء ، وإن كان للصلاة ، فلا شيء عليه .
وكذا لو ابتلع ما لا
يقصده كالذباب وقَطر المطر ، فإن فَعَله عمداً أفطر .
__________________
مسألة ١١ :
ولا بأس بالسواك للصائم ، سواء الرطب واليابس ، في أول النهار أو آخره عند علمائنا ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة
ـ لأنّ عامر بن ربيعة قال : رأيت النبي صلّى الله عليه وآله ، ما لا اُحصي يتسوّك وهو صائم
.
ومن طريق الخاصة :
قول الحلبي : سألت الصادق عليه السلام : أيستاك الصائم بالماء والعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : « لا بأس به »
.
وقال أحمد : يكره
بالرطب مطلقاً ، ويكره باليابس بعد الزوال ـ وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد والأوزاعي وإسحاق وقتادة والشعبي والحكم
ـ لقوله عليه السلام : ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلّا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامة )
.
ويحمل على التسوّك
لاستجلاب الريق ؛ لدلالة آخر الحديث عليه .
تذنيب
:
يجوز أن يتسوّك
بالماء وبالمبلول به ، ويتحفّظ من ابتلاع الرطوبة .
مسألة ١٢ :
إنّما يبطل الصوم بالمفطرات لو وقع عمداً ، أمّا لو وقع نسياناً فلا ، على ما يأتي الخلاف فيه .
وكذا ما يحصل من غير
قصد ، كالغبار الداخل من غير قصد ، وماء المضمضة ، وكما لو صُبّ في حلقه شيء كرهاً ، فإنّه لا يفسد صومه إجماعاً .
أمّا لو اُكره على
الإِفطار بأن توعَّده وخوَّفه حتى أكل ، قال الشيخ : إنّه
__________________
يفطر
؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك
ـ وللشافعي قولان ـ لأنّ الصوم الإِمساك ، ولم يتحقّق .
ولأنّه فَعَل ضدّ
الصوم ذاكراً له ، غايته أنّه فعله لدفع الضرر عن نفسه ، لكنه لا أثر له في دفع الفطر ، كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش .
ويحتمل : عدم الإِفطار
ـ وبه قال أحمد والشافعي في الثاني من قوليه ـ لقوله عليه السلام : ( رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه ) .
ولأنّه غير متمكّن ،
فلا يصحّ تكليفه .
ولو فَعَل المُفطِرَ
جاهلاً بالتحريم ، أفسد صومه ؛ لأنّ له طريقاً الى العلم ، فالتفريط من جهته ، فلا يسقط الحكم عنه .
ويحتمل : العدم
كالناسي .
ولأنّ زرارة وأبا
بصير سألا الباقر عليه السلام ، عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، وأتى أهله وهو مُحرِم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ، قال : « ليس عليه شيء » .
ويمكن حمله على
الكفّارة والإِثم .
ولو أكل ناسياً ، فظنّ
إفساد صومه ، فتعمّد الأكل ، قال الشيخ : يفطر ،
__________________
وعليه
القضاء والكفّارة . قال : وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه يقضي ولا يكفّر .
والمعتمد : ما اختاره
الشيخ .
مسألة ١٣ :
قد سبق أنّه لو نوى الإِفطار بعد انعقاد الصوم ، لم يفطر ؛ لانعقاده شرعاً ، فلا يبطل إلّا بوجه شرعي .
هذا إذا عاد إلى نيّة
الصوم ، ولو لم يَعُد ، فالوجه القضاء ـ وبه قال أصحاب الرأي والشافعية في أحد الوجهين ـ لأنّه لم يصم لفوات شرطه ، وهو : النية المستمرة فعلاً أو حكماً ، فلا يعتدّ بإمساكه .
وقال أحمد وأبو ثور
والشافعية في الوجه الثاني : يفطر مطلقاً .
وعلى كلّ تقدير ، فلا
كفّارة ؛ لأصالة البراءة ، السالم عن الهتك .
ولو نوى القطع في
النفل ، لم يصح صومه . وإن عاد فنواه ، صحّ ، كما لو أصبح غير ناو للصوم .
ولو نوى أنّه سيفطر
بعد ساعة اُخرى ، لم يفطر ؛ لأنّه لو نوى الإِفطار في الحال ، لم يفطره ، فالأولى في المستقبل عدمه .
ولو نوى أنّه إن وجد
طعاماً أفطر ، وإن لم يجد لم يفطر ، لم يبطل صومه ؛ لأنّ نيّة الجزم بالإِفطار غير مؤثّرة فيه ، فمع التردّد أولى .
وقد نازع بعض
المشترطين لاستمرار حكم النيّة في الموضعين .
وقال الشيخ : لو نوى
الإِفطار في يوم يعلمه من رمضان ، ثم جدّد نيّة الصوم قبل الزوال ، لم ينعقد .
وهو جيّد وإن كان فيه
كلام .
__________________
الفصل
الثالث فيما يوجب القضاء والكفّارة أو القضاء خاصة
مسألة ١٤ :
الجماع عمداً في فرج المرأة يوجب القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامة العلماء ـ لأنّ رجلاً جاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : هلكت ، فقال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا ، قال : فهل تستطيع إطعام ستين مسكيناً ؟ ) قال : لا أجد ، فقال له النبي
صلّى الله عليه وآله
: ( اجلس ) فجلس ، فبينا هو جالس كذلك ، اُتي بعَرَقٍ
فيه تمر ، فقال له النبي عليه السلام : ( اذهب فتصدّق به ) فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منّا ، فضحك
__________________
النبي
عليه السلام ، حتى بدت أنيابه ، ثم قال : ( اذهب وأطعم عيالك )
.
ونحوه من طريق الخاصة
.
وقال النخعي والشعبي
وسعيد بن جبير وقتادة : لا كفّارة عليه .
وهو خرق الإِجماع ،
فلا يلتفت اليه .
إذا عرفت هذا ، فقد
أجمع العلماء على وجوب القضاء مع الكفّارة ، إلّا الأوزاعي ؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإِطعام ، قضى ، وإن كفّر بالصيام ، لم يقض ؛ لأنّه صام شهرين .
والإِجماع يبطله ،
ولا منافاة .
وللشافعي قول : إنّه
إذا وجبت الكفّارة ، سقط القضاء ؛ لأنّ النبي عليه السلام ، لم يأمر الأعرابي بالقضاء .
وهو خطأ ؛ لأنّه عليه
السلام ، قال : ( وصُم يوماً مكانه ) .
ولا فرق بين وطء
الميتة والحيّة والنائمة والمكرهة والمجنونة والصغيرة والمزني بها .
مسألة ١٥ :
ويفسد صوم المرأة إجماعاً ، وعليها الكفّارة مع المطاوعة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في
__________________
أحد
القولين ـ لأنّها شاركت الرجل في السبب وحكم الإِفطار ، فتشاركه في الحكم الآخر ، وهو وجوب الكفّارة .
ولعموم الروايات ؛
لقول الرضا عليه السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »
.
وفي الآخر للشافعي :
لا كفّارة عليها ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّ النبي
عليه السلام أمر
الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشيء .
ولا دلالة فيه ؛ فإنّ
التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم ، ولجواز أن تكون مكرهةً .
فروع :
أ ـ لو أكره زوجته
على الجماع ، وجب عليه كفّارتان ، ولا شيء عليها ؛ لأنّه هتك يصدر من اثنين ، وقد استقلّ بإيجاده ، فعليه ما يوجبه من العقوبة ، وهي الكفّارتان .
وخالف الجمهور ،
فقالوا : تسقط عنها وعنه ؛ لصحة صومها .
وهو لا ينافي وجوب
الكفّارة ، وللرواية .
__________________
ولا قضاء عليها عندنا
.
وقال أصحاب الرأي :
يجب عليها القضاء . وهو قول الثوري والأوزاعي .
وقال مالك : يجب على
المكرهة القضاء والكفّارة .
وقال الشافعي وأبو
ثور وابن المنذر : إن كان الإِكراه بوعيد حتى فعلت ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن كان إلجاءً ، لم تفطر ، والنائمة كالملجَأة
.
ب ـ لو وطأ المجنون ،
فإن طاوعته ، فعليها كفّارة واحدة عنها ، وإن أكرهها ، فلا كفّارة على أحدهما .
ج ـ لو زنى بامرأة ،
فإن طاوعته ، فكفّارتان عليهما معاً ، وإن أكرهها ، فعليه كفّارة .
قال الشيخ : ولا يجب
عنها شيء ؛ لأنّ حمله على الزوجة قياس .
وهو مشكل ؛ لأنّ
الفاحشة هنا أشدّ .
د ـ لو أكرهته على
الجماع ، فعليها كفّارة عن نفسها ، ولا شيء عليه ولا عليها عنه ؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل .
مسألة ١٦ :
لو وطأ امرأته أو أجنبيةً في دُبرها فأنزل ، وجب عليه القضاء والكفّارة إجماعاً ، وإن لم ينزل فكذلك ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في رواية ـ لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج ، فوجب عليه الكفّارة ، كالقُبُل .
__________________
ولأنّه عليه السلام
أمر مَن قال : واقعت أهلي ، بالقضاء والكفّارة ، ولم يستفصله مع الاحتمال ، فيكون عاماً .
وفي رواية عن أبي
حنيفة : لا كفّارة ؛ لعدم تعلّق الحدّ به .
وهو ممنوع ، وأيضاً
لا ملازمة ، كالأكل .
فروع :
أ ـ لو وطأ غلاماً
فأنزل ، لزمته الكفّارة ، وكذا إذا لم ينزل ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه وطأ عمداً وطءً يصير به جُنباً ، فوجبت الكفّارة .
وقال أبو حنيفة : لا
كفّارة .
ب ـ لو وطأ في فرج
بهيمة فأنزل ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن لم ينزل قال الشيخ : لا نص فيه ، ويجب القول بالقضاء ؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة .
ومنع ابن إدريس القضاء
أيضاً .
وقال بعض العامة :
تجب به الكفّارة ؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل ، مفسد للصوم ، فأشبه وطء الآدمية .
ج ـ إن أوجبنا
الكفّارة على الواطئ دُبُراً ، وجب على المفعول ؛ لاشتراكهما في السبب ، وهو : الهتك .
__________________
مسألة ١٧ :
لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ، لزمه القضاء والكفّارة ، وكذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل ـ وبه قال مالك وأبو ثور ـ لأنّه أجنب مختاراً متعمّداً ، فكان
كالمجامع .
ولأنّ النبي صلّى
الله عليه و آله ، أمر المُفطر بالكفّارة .
ولأنّ الصادق عليه
السلام ، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع »
.
وعن رجل وضع يده على
شيء من جسد امرأته فأدفق ، قال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً أو يُعتق رقبة »
.
وعن الرجل يلاعب أهله
أو جاريته وهو في رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع
» .
وقال الشافعي وأبو
حنيفة : عليه القضاء دون الكفّارة .
وقال أحمد : تجب
الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإِنزال .
وعنه في القُبلة
واللمس روايتان .
__________________
فروع :
أ ـ لو نظر أو تسمّع
لكلام أو حادث فأمنى ، لم يفسد صومه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ـ لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة
الاُولى .
أمّا لو كرّر النظر
حتى أنزل ، فالوجه : الإِفساد .
وقال الشيخ : إن نظر
إلى محلّلة ، لم يلزمه شيء بالإِمناء ، وإن نظر إلى محرَّمة ، لزمه القضاء .
وقال مالك : إن أنزل
من النظرة الاُولى ، أفطر ولا كفّارة ، وإن استدام النظر حتى أنزل ، وجبت عليه الكفّارة . وهو جيّد .
ب ـ قال أبو الصلاح :
لو أصغى فأمنى ، قضاه .
ج ـ لو قبّل أو لمس
فأمذى ، لم يفطر ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه خارج لا يوجب الغسل ، فأشبه البول .
وقال أحمد : يفطر ؛
لأنّه خارج تخلّله الشهوة ، فإذا انضمّ إلى المباشرة أفطر به ، كالمني .
والفرق : أنّ المني
يلتذّ بخروجه ويوجب الغسل ، بخلافه .
د ـ لو تساحقت
امرأتان ، فإن لم تنزلا ، فلا شيء سوى الإِثم ، وإن أنزلتا ، فسد صومهما .
والوجه القضاء
والكفّارة ؛ لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ ، فأشبه الزنا .
__________________
وعن أحمد روايتان
.
ولو ساحق المجبوب
فأنزل ، فكالمجامع في غير الفرج .
هـ ـ لو طلع الفجر
وهو مجامع فاستدامه ، وجب القضاء والكفّارة ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد ـ لصدق المجامع عليه .
وقال أبو حنيفة : يجب
القضاء خاصة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع
.
ونمنع حكم الأصل .
و ـ لو نزع في الحال
مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم ، لم يتعلّق به حكم ، إلّا أن يُفرّط بترك المراعاة ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي
ـ لأنّه ترك للجماع ، فلا يتعلّق به حكم الجماع .
وقال بعض الجمهور :
تجب الكفّارة ، لأنّ النزع جماع يلتذّ به ، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة .
وليس بحثنا فيه ، بل
مع عدم التلذّذ .
وقال مالك : يبطل
صومه ولا كفّارة ؛ لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع ، فأشبه المكره .
ونمنع وجوب القضاء .
مسألة ١٨ :
ويجب بالأكل والشرب عامداً مختاراً في نهار رمضان على
__________________
مَن
يجب عليه الصوم : القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة ومالك
ـ لأنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجب عليه الكفّارة ، كالجماع ؛ لما رواه الجمهور : أنّ رجلاً أفطر ، فأمره النبي صلّى الله عليه وآله ، أن يُعتق رقبةً
أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه عبدالله بن سنان عن الصادق عليه السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق » .
وقال الشافعي : لا
تجب الكفّارة ، بل القضاء خاصة ـ وبه قال سعيد ابن جبير والنخعي ومحمد بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد وداود ـ لأصالة البراءة .
والأصل قد يخالف ؛
للدليل ، وقد بيّناه .
ولا فرق بين الرجل
والمرأة والعبد والخنثى في ذلك ، ولا بين أكل المحلَّل والمحرَّم ، ولا المعتاد وغيره ، خلافاً للسيد المرتضى في الأخير
،
__________________
ولأبي
حنيفة والشافعي .
مسألة ١٩ :
ويجب بإيصال الغبار الغليظ والرقيق إلى الحلق عمداً : القضاء والكفّارة عند علمائنا ؛ لأنّه مفسد واصل الى الجوف ، فأشبه الأكل .
وما رواه سليمان بن
جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب » .
مسألة ٢٠ :
لو أجنب ليلاً ، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن أصبح جنباً في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً » .
وقال ابن أبي عقيل
منّا : عليه القضاء خاصة . وهو ظاهر كلام السيد المرتضى رحمه الله ، وبه قال أبو هريرة والحسن البصري وسالم بن
عبدالله والنخعي وعروة وطاوس .
__________________
وقال الجمهور : لا
قضاء ولا كفّارة ، وصومه صحيح ؛ لقوله تعالى :
(
حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ )
.
وما رووه عن النبي عليه
السلام ، أنّه كان يُصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه .
والجواب : لا يجب
اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الغاية .
والرواية ممنوعة ،
على أنّها محمولة على أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر ، لا أنّه يفعله بعده ، وإلّا لكان مداوماً لترك الأفضل وهو الصلاة في أول وقتها ؛ فإنّ قولنا : كان يفعل ، يدلّ على المداومة .
تذنيب :
لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه مع ترك العزم علىٰ الغسل يسقط اعتبار النوم ،
ويصير كالمتعمّد للبقاء علىٰ الجنابة .
ولو نام على عزم
الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال ، واستمرّ نومه في الثالث حتى أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة أيضاً ؛ لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظم عليه السلام ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه » وهو يتناول صورة النزاع .
مسألة ٢١ :
أوجب الشيخان بالاتماس القضاء والكفّارة .
__________________
واختار السيد المرتضى
ـ رحمه الله ـ الكراهية ، ولا قضاء ولا كفّارة فيه ، وبه قال مالك وأحمد .
وللشيخ قول في
الاستبصار : إنّه محرَّم لا يوجب قضاءً ولا كفّارةً
.
وهو الأقوى ؛ لدلالة
الأحاديث على المنع ، وأصالة البراءة
على سقوط القضاء والكفّارة .
وقال ابن أبي عقيل :
أنّه سائغ مطلقاً . وبه قال الجمهور ، إلّا مَن تقدّم .
مسألة ٢٢ :
أوجب الشيخان القضاء والكفّارة بتعمّد الكذب على الله تعالى ، أو على رسوله ، أو على الأئمّة عليهم السلام
.
وخالف فيه السيد
المرتضى رحمه الله وابن أبي عقيل ، والجمهور كافّة ، وهو المعتمد ؛ لأصالة البراءة .
احتجّ الشيخان :
برواية أبي بصير ، قال : سمعت الصادق عليه السلام ، يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال : قلت : هلكنا ، قال :
__________________
«
ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله ، وعلى الأئمّة عليهم السلام » .
والإِفطار يستلزم
الكفّارة ؛ لقول الصادق عليه السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما يطيق » .
وهي محمولة على
المفطرات الخاصة ، والحديث الأول اشتمل على ما هو ممنوع عندهم ، وهو : نقض الوضوء ، فيحمل على المبالغة .
مسألة ٢٣ :
والقضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء .
وحكي عن ربيعة أنّه
قال : يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوماً .
وقال سعيد بن المسيب
: إنّه يصوم عن كلّ يوم شهراً .
وقال إبراهيم النخعي
ووكيع : يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم .
والكلّ باطل ؛ لقوله عليه
السلام للمجامع : ( وصُم يوماً مكانه ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الكاظم عليه السلام : « ويصوم يوماً بدل يوم » .
__________________
مسألة ٢٤ :
والكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على التخيير عند أكثر علمائنا ، وبه قال مالك
؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً » و « أو » للتخيير .
وقال ابن أبي عقيل :
إنّها على الترتيب ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي ـ لقوله عليه السلام للواقع على أهله :
( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ )
.
ومن طريق الخاصة :
قول الكاظم عليه السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة ، مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »
.
__________________
ولا دلالة ؛ لأنّ
إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها وبين غيرها ، وإيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره .
وقال الحسن البصري :
إنّه مخيّر بين عتق رقبة ونَحر بدنة ؛ لما رواه العامة عن جابر بن عبدالله عن النبي عليه السلام ، أنّه قال : « مَن أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليُهد بدنةً ، فإن لم يجد فليُطعم ثلاثين صاعاً » .
ورواية ضعيف فلا
يعوّل عليه .
وللسيد المرتضى ـ رحمه
الله ـ قولان : أحدهما : أنّها على الترتيب ، والثاني : أنّها على التخيير .
وعن أحمد روايتان
.
والتخيير عندنا أولى ؛
لموافقة براءة الذمّة .
تذنيب
:
الأولى الترتيب ؛
لما فيه من الخلاص عن الخلاف ، ولاشتماله على العتق الذي هو أفضل الخصال .
مسألة ٢٥ :
صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامة أهل العلم ـ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبي عليه السلام ، قال
لِمَنْ واقَعَ أهلَه : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ )
.
__________________
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « أو يصوم شهرين متتابعين » .
ولأنّها كفّارة فيها
صوم شهرين ، فكان متتابعاً ، كالظهار والقتل .
وقال ابن أبي ليلى :
لا يجب التتابع ؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً . ولم يذكر التتابع ، والأصل عدمه .
وحديثنا أولى ؛ لأنّه
لفظ النبي صلّى الله عليه وآله ، وحديثكم لفظ الراوي ، ولأنّ الأخذ بالزيادة أولى .
مسألة ٢٦ :
الواجب في الإِطعام مُدٌّ لكلّ مسكين ، قدره رطلان ورُبع بالعراقي ، والواجب خمسة عشر صاعاً ـ وبه قال الشافعي وعطاء والأوزاعي
ـ لما رواه العامة في حديث المُجامع ، أنّه اُتي النبي صلّى الله عليه وآله ، بمِكتَل
فيه خمسة عشر صاعاً من تَمر ، فقال : ( خُذها وأطعم عيالك )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، قال : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مُدٌّ بمُدِّ النبي صلّى الله عليه وآله »
.
__________________
وقال الشيخ رحمه الله
: لكلّ مسكين مُدّان من طعام .
والأصل براءة الذمة .
وقال أبو حنيفة : من
البُرّ ، لكلّ مسكين نصفُ صاع ، ومن غيره صاع ؛ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، في حديث
سلمة بن صخر : ( وأطعم وَسقاً من تَمر ) .
وهو ضعيف ؛ لأنّه
مختلف فيه .
وقال أحمد : مُدٌّ من
بُرّ و نصف صاع من غيره ؛ لما رواه أبو زيد المدني قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله ، للمُظاهر : ( أطعم هذا فإنّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدّ بُرٍّ .
وليس محلّ النزاع .
مسألة ٢٧ :
قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة ، وعلى القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه ، جاز له المضيّ فيه ، والانتقال الى الرقبة أفضل ، لأنّ فرضه انتقل بعجزه الى الصيام وقد تلبّس به ، فكان الواجب إتمامه ، وسقط وجوب العتق ، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة .
__________________
ولأنّه بعد الرقبة
تعيّن عليه الصوم ، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة ، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم .
وقال أبو حنيفة
والمزني : لا يجزئه الصوم ، ويكفّر بالعتق ـ وللشافعي قولان ـ لأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل ، فيبطل حكم
البدل ، كالمتيمّم يرى الماء .
وليس حجّةً ؛ فإنّ
المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها ، ولا يبطل تيمّمه ، أمّا قبلها فلا ، والفرق : أنّه لم يتلبّس بما فعل
التيمّم له ، فلم يظهر له حكم .
ولأنّ التيمّم لا
يرفع الحدث بل يستره ، فإذا وجد الماء ، ظهر حكمه ، بخلاف الصوم ؛ فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية .
مسألة ٢٨ :
لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما وجد ، أو صام ما استطاع ، فإن لم يتمكّن ، استغفر الله تعالى ولا شيء عليه ، قاله علماؤنا ؛ لما رواه العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه
وآله ، قال للمجامع : ( اذهب فكُله أنت وعيالك )
ولم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال ، ولو كان الوجوب ثابتاً في ذمته ، لأمَره بالخروج عنه عند قدرته .
ومن طريق الخاصة :
قول النبي صلّى الله عليه وآله : ( فخُذه فأطعمه عيالك واستغفر الله عزّ وجل ) .
__________________
ولأنّ الكفّارة حقٌّ
من حقوق الله تعالى على وجه البدل ، فلا يجب مع العجز ، كصدقة الفطر .
وقال الزهري والثوري
وأبو ثور : إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة ، كانت الكفّارة ثابتةً في ذمّته ـ وهو قياس قول أبي حنيفة
ـ لأنّ النبي عليه السلام ، أمَر الأعرابي أن يأخذ التمر ويكفّر عن نفسه ، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة ، وهو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز .
ولأنّه حقٌّ لله
تعالى في المال ، فلا يسقط بالعجز ، كسائر الكفّارات
.
وليس حجّةً ؛ لأنّه عليه
السلام ، دفع ( التمر ) تبرّعاً منه ، لا أنّه واجب على العاجز . وحكم الأصل ممنوع .
وقال الأوزاعي : تسقط
الكفّارة عنه . وللشافعي قولان
. وعن أحمد روايتان .
فروع :
أ ـ حدّ العجز عن
التكفير : أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم .
ب ـ لا يسقط القضاء
بسقوط الكفّارة مع العجز ، بل يجب القضاء مع القدرة عليه ، فإن عجز أيضاً عنه ، سقط ؛ لعدم الشرط ، وهو : القدرة .
ج ـ اختلفت عبارة
الشيخين هنا ، فقال المفيد رحمه الله : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما
__________________
أطاق
، أو فليصُم ما استطاع . فجعل الصدقة مرتّبةً على العجز عن
صوم ثمانية عشر .
والشيخ ـ رحمه الله ـ
عكس ، فقال : إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه ، فإن لم يتمكّن من الصدقة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه .
د ـ أطلق الشيخ ـ رحمه
الله ـ صوم ثمانية عشر يوماً .
والمفيد والمرتضى ـ رحمهما
الله ـ قيّداها بالتتابع .
ورواية سليمان بن
جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام ، من قوله : « إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار وكفّارة الدم وكفّارة اليمين »
يدلّ على قول الشيخ رحمه الله تعالى .
هـ ـ لو عجز عن صيام
شهرين ، وقدر على صوم شهر مثلاً ، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوماً إشكال .
أمّا في الصدقة ، فلو
عجز عن إطعام ستين ، وتمكّن من إطعام ثلاثين ، وجب قطعاً ؛ لقوله عليه السلام : ( فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع )
.
وكذا الإِشكال لو
تمكّن من صيام شهر وإطعام ثلاثين هل يجبان أم لا ؟
مسألة ٢٩ :
وإنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع ، كرمضان ، أو بغيره ، كالنذر المعيّن ، وتجب أيضاً في قضاء رمضان بعد الزوال
__________________
لا
قبله ، وفي الاعتكاف عند علمائنا .
وأطبقت العلماء على
سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان ، إلّا قتادة ؛ فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان .
أمّا قضاء رمضان :
فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها ، فتجب في قضائها كالحجّ .
ولما رواه بريد بن
معاوية العجلي ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شيء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين » .
وأمّا النذر المعيّن
: فلتعيّن زمانه كرمضان .
ولأنّ القاسم الصيقل
كتب اليه عليه السلام : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة ؟ فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة »
.
وأمّا الاعتكاف
الواجب : فلأنّه كرمضان في التعيين .
ولأنّ زرارة سأل
الباقر عليه السلام عن المعتكف يجامع ، فقال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر » .
مسألة ٣٠ :
قد بيّنا أنّه فرقٌ بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده ، فتجب الكفّارة لو أفطر بعده ، ولا تجب لو أفطر قبله .
__________________
والجمهور كافة ـ إلّا
قتادة ـ على سقوط الكفّارة فيهما .
وقتادة أوجبها قبل
الزوال وبعده .
وابن أبي عقيل من
علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضاً .
والمشهور ما بيّناه ؛
لأنّه قبل الزوال مخيَّر بين الإِتمام والإِفطار ، وبعده يتعيّن الصوم ، فلهذا افترق الزمانان في إيجاب الكفّارة وسقوطها ؛ لقول الصادق عليه السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » .
تذنيب :
لو أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ، لم يجب عليه شيء سوى الإِعادة ؛ لأصالة البراءة ، وإن كان في قول الصادق عليه السلام ، دلالة مّا على الوجوب .
مسألة ٣١ :
المشهور في كفّارة قضاء رمضان : إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن ، صام ثلاثة أيام .
وقد روي : أنّه لا شيء
عليه . وروي : أنّ عليه كفّارة رمضان
.
وتأوّلهما الشيخ ـ رحمه
الله ـ بحمل الاُولى على العاجز ، والثانية على المستخفّ بالعبادة ، المتهاون بها .
__________________
وأمّا النذر المعيّن
: فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان ؛ لمساواته إيّاه في تعيين الصوم .
وابن أبي عقيل لم
يوجب في إفطاره الكفّارة ، وهو قول العامّة .
تذنيب :
لو صام يوم الشك بنية قضاء رمضان ، ثمّ أفطر بعد الزوال ، ثمّ ظهر أنّه من رمضان ، احتمل سقوط الكفّارة .
أمّا عن رمضان :
فلأنّه لم يقصد إفطاره ، بل قصد إفطار يوم الشك ، وهو جائز له .
وأمّا عن قضاء رمضان
: فلظهور أنّه زمان لا يصح للقضاء .
ويحتمل : وجوب كفّارة
رمضان ، ويحتمل وجوب كفّارة قضائه .
مسألة ٣٢ :
يشترط في إفساد الصوم بالإِفطار اُمور ثلاثة : وقوعه عنه متعمّداً ، مختاراً ، مع وجوب الصوم عليه .
أمّا شرط العمد :
فإنّه عندنا ثابت إجماعاً منّا ؛ فإنّ المفطر ناسياً لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان ، ولا يجب به قضاء ولا كفّارة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو هريرة وابن عمر وعطاء وطاوس والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامة عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً ، فليتمّ صومه ، فإنّما
أطعمه الله وسقاه ) .
__________________
وعن علي عليه السلام
، قال : « لا شيء على مَن أكل ناسياً » .
ومن طريق الخاصة :
قول الباقر عليه السلام : « كان أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول : مَن صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله فليتمّ صيامه » .
ولأنّ التكليف بالإِمساك
يستدعي الشعور ، وهو منفي في حقّ الناسي ، فكان غير مكلَّف به ؛ لاستحالة تكليف ما لا يطاق .
وقال ربيعة ومالك :
يفطر الناسي كالعامد ؛ لأنّ الأكل ضدّ الصوم ، لأنّ الصوم كفّ ، فلا يجامعه ، وتبطل العبادة به كالناسي في الكلام في الصلاة .
ونمنع كون الأكل
مطلقاً ضدّاً ، بل الضدّ هو : الأكل العمد . ونمنع بطلان الصلاة مع نسيان الكلام .
ولو فعل ذلك حالة
النوم ، لم يفسد صومه ؛ لانتفاء القصد فيه والعلم ، فهو أعذر من الناسي .
أمّا الجاهل بالتحريم
فإنّه غير معذور ، بل يفسد الصوم مع فعل المفطر ويكفّر .
وأمّا المُكرَه
والمتوعَّد بالمؤاخذة ، فالأقرب : فساد صومهما ، لكن لا تجب الكفّارة .
مسألة ٣٣ :
قد بيّنا أنّ القصد لوصول شيء إلى الجوف شرط في الإِفساد ، فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلى حلقه ، لم يفطر بذلك إجماعاً .
__________________
أمّا لو وصل غبار
الطريق أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، فإن كانا غليظين ، وأمكنه التحرّز منه ، فإنّه يفسد صومه ، ولو كانا خفيفين ، لم يفطر .
والعامة لم تفصِّل ،
بل قالوا : لا يفطر .
ولو أمكنه إطباق فيه
أو اجتناب الطريق ، لم يفطر عندهم أيضاً ؛ لأنّ تكليف الصائم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج اليها عسر ، فيكون منفياً ، بل لو فتح فاه عمداً حتى وصل الغبار إلى جوفه ، فأصحّ وجهي الشافعية : أنّه يقع عفواً .
ولو وُطئت المرأة
قهراً ، فلا تأثير له في إفساد صومها ، وكذا لو وُجر في حلق الصائم ماء وشبهه بغير اختياره .
وللشافعي قولان فيما
لو اُغمي عليه فوُجر في حلقه معالجةً وإصلاحاً ، أحدهما : أنّه يفطر ؛ لأنّ هذا الإِيجار لمصلحته ، فكأنّه بإذنه واختياره . وأصحّهما : أنّه لا يفطر ، كإيجار غيره بغير اختياره
.
وهذا الخلاف بينهم
مفرَّع على أنّ الصوم لا يبطل بمطلق الإِغماء ( وإلّا فالإِيجار ) مسبوق بالبطلان
.
وهذا الخلاف كالخلاف
في المغمى عليه المُحرِم إذا عُولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية ؟ .
مسألة ٣٤ :
ابتلاع الريق غير مفطر عند علمائنا ، سواء جمعه في فمه
__________________
ثم
ابتلعه ، أو لم يجمعه ، وبه قال الشافعي ، وهو أصحّ وجهي الحنابلة .
أمّا إذا لم يجمعه :
فلأنّ العادة تقتضي بلعه ، والتحرّز منه غير ممكن ، وبه يحيى الإِنسان ، وعليه حمل بعض المفسّرين قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .
وأمّا إذا جمعه :
فلأنّه يصل إلى جوفه من معدنه ، فأشبه إذا لم يجمعه .
وقال بعض الحنابلة :
إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه التحرّز عنه ، فأشبه ما لو قصد ابتلاع غيره . وهو ممنوع .
وشرط الشافعية في عدم
إفطاره شروطاً :
الأول :
أن يكون الريق صرفاً ، فلو كان ممزوجاً بغيره متغيّراً به ، فإنّه يفطر بابتلاعه ، سواء كان ذلك الغير طاهراً ، كما لو كان يفتل خيطاً مصبوغاً فغيّر ريقه ، أو نجساً ، كما لو دميت لثته وتغيّر ريقه .
فلو ابيضّ الريق وزال
تغيّره ، ففي الإِفطار بابتلاعه للشافعية وجهان : أظهرهما عندهم : الإِفطار ؛ لأنّه لا يجوز له ابتلاعه لنجاسته ، والريق إنّما يجوز ابتلاع الطاهر منه .
والثاني : عدم الإِفطار
؛ لأنّ ابتلاع الريق مباح ، وليس فيه عين آخر وإن كان نجساً حكماً .
وعلى هذا لو تناول
بالليل شيئاً نجساً ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق ، بطل صومه على الأول .
الثاني :
أن يبتلعه من معدنه ، فلو خرج الى الظاهر من فمه ثم ردّه بلسانه
__________________
أو
غير لسانه وابتلعه ، بطل صومه . وهذا عندنا كما ذكروا .
أمّا لو أخرج لسانه
وعليه الريق ثم ردّه وابتلع ما عليه ، لم يبطل صومه عندنا ـ وهو أظهر وجهي الشافعية ـ لأنّ اللسان كيفما يقلب معدود من داخل الفم ، فلم يفارق ما عليه معدنه .
فلو بلّ الخيّاط
الخيط بالريق ، أو الغزّال بريقه ، ثم ردّه إلى الفم على ما يعتاد عند الفتل ، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها ، أفطر عندنا ـ وهو قول أكثر الشافعية ـ لأنّه لا ضرورة اليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن .
والثاني للشافعية :
أنّه لا يفطر ؛ لأنّ ذلك القدر أقلّ ممّا يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة .
وخصّص بعض الشافعية ،
الوجهين بالجاهل بعدم الجواز ، وإذا كان عالماً يبطل صومه إجماعاً .
الثالث :
أن يبتلعه وهو على هيئته المعتادة ، أمّا لو جمعه ثم ابتلعه فعندنا لا يفطر ، كما لو لم يجمعه .
وللشافعية وجهان :
أحدهما : أنّه يبطل صومه ؛ لإِمكان الاحتراز منه .
وأصحّهما : أنّه لا
يبطل ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه ممّا يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه ، فأشبه ما لو ابتلعه متفرّقاً .
فروع :
أ ـ قد بيّنا أنّه لا
يجوز له ابتلاع ريق غيره ولا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه .
وما روي عن عائشة :
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يمصّ لسانها وهو
__________________
صائم
، ضعيف ؛ لأنّ أبا داود قال : إنّ إسناده ليس بصحيح
.
سلّمنا ، لكن يجوز أن
يمصّه بعد إزالة الرطوبة عنه ، فأشبه ما لو تمضمض بماء ثم مجّه .
ب ـ لو ترك في فمه
حصاة وشبهها وأخرجها وعليه بلّة من الريق كغيره ثم أعادها وابتلع الريق ، أفطر .
وإن كان قليلاً
فإشكال ينشأ : من أنّه لا يزيد على رطوبة المضمضة ، ومن أنّه ابتلع ريقاً منفصلاً عن فمه فأفطر به كالكثير .
ج ـ قد بيّنا كراهة
العلك ؛ لما فيه من جمع الريق في الفم وابتلاعه ، فتقلّ مشقّة الصوم ، فيقصر الثواب . ولا فرق بين أن يكون له طعم أم لا .
ولو كان مفتّتاً فوصل
منه شيء إلى الجوف ، بطل صومه ، كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق بعدما ذابت فيه .
د ـ لو ابتلع دماً
خرج من سنّه أو لثته ، أفطر ، بخلاف الريق .
هـ ـ النخامة إذا لم
تحصل في حدّ الظاهر من الفم ، جاز ابتلاعها .
وإن حصلت فيه بعد
انصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، فإن لم يقدر على صرفه ومجّه حتى نزل الى الجوف ، لم يفطر ، وإن ردّه الى فضاء الفم أو ارتدّ اليه ثم ابتلعه ، أفطر عند الشافعية
.
وإن قدر على قطعه من
مجراه ومجّه ، فتركه حتى جرى بنفسه ، لم يفطر . وللشافعية وجهان .
و ـ لو تنخّع
من جوفه ثم ازدرده ، فالأقرب : عدم الإِفطار؛ لأنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج ، فأشبه الريق .
__________________
وقال الشافعي : إنّه
يفطر ؛ لأنّه يمكنه التحرّز منه ، فأشبه الدم ، ولأنّها من غير الفم فأشبه القيء
. وعن احمد روايتان .
مسألة ٣٥ :
لا يفطر بالمضمضة والاستنشاق مع التحفّظ إجماعاً ، سواء كان في الطهارة أو غيرها .
ولأنّ النبي صلّى
الله عليه وآله ، قال للسائل عن القُبلة : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت مفطراً ؟ ) .
ولأنّ الفم في حكم
الظاهر ، فلا يبطل الصوم بالواصل اليه كالأنف والعين .
أمّا لو تمضمض للصلاة
، فسبق الماء الى جوفه ، أو استنشق ، فسبق الى دماغه من غير قصد ، لم يفطر عند علمائنا ـ وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وهو مروي عن ابن عباس
ـ لأنّه وصل الماء الى جوفه من غير قصد ولا إسراف ، فأشبه ما لو طارت الذبابة فدخلت حلقه .
ولأنّه وصل بغير
اختياره ، فلا يفطر به كالغبار .
وللشافعية طريقان :
أصحّهما عندهم : أنّ المسألة على قولين ، أحدهما : أنّه يفطر ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة ـ لأنّه وصل الماء الى جوفه
__________________
بفعله
، فإنّه الذي أدخل الماء في فمه وأنفه . والثاني ـ وبه قال أحمد
ـ أنّه لا يفطر .
والثاني : القطع
بأنّه لا يفطر .
وعلى القول بطريقة
القولين ، فما محلّهما ؟ فيه ثلاث طُرق ، أصحّها عندهم : أنّ القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق ، فأمّا إذا بالغ أفطر بلا خلاف .
وثانيها : أنّ
القولين فيما إذا بالغ ، أمّا إذا لم يبالغ فلا يفطر بلا خلاف .
والفرق على الطريقين
: أنّ المبالغة منهي عنها ، وأصل المضمضة والاستنشاق مرغَّبٌ فيه ، فلا يحسن مؤاخذته بما يتولّد منه بغير اختياره .
والثالث : طرد
القولين في الحالتين ، فإذا تميّزت حالة المبالغة عن حالة الاقتصار على أصل المضمضة والاستنشاق ، حصل عند المبالغة للشافعي قولان مرتّبان ، لكن ظاهر مذهبهم عند المبالغة الإِفطار ، وعند عدمها الصحّة .
هذا إذا كان ذاكراً
للصوم ، أمّا إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر بحال .
وسبق الماء عند غسل
الفم من النجاسة كسبقه في المضمضة ، وكذا عند غسله من أكل الطعام .
ولو تمضمض للتبرّد ،
فدخل الماء حلقه من غير قصد ، أفطر ؛ لأنّه غير مأمور به .
مسألة ٣٦ :
قد بيّنا أنّ الأكل والشرب ناسياً غير مفطر عند علمائنا
سواء قلّ أكله أو كثر .
__________________
وقال مالك : إنّه يفطر
. وللشافعي فيما إذا كثر أكله ناسياً قولان
.
ولو أكل جاهلاً ،
أفسد صومه .
وقال الشافعي : إن
كان قريب العهد بالإِسلام ، أو كان قد نشأ في بادية ، وكان يجهل مثل ذلك ، لم يبطل صومه ، وإلّا بطل .
ولو جامع ناسياً
للصوم ، لم يفطر عندنا . وللشافعية طريقان ، أصحّهما : القطع بأنّه لا يبطل . والثاني : أنّه يخرّج على قولين
.
مسألة ٣٧ :
إذا أجنب الصائم ليلاً في رمضان أو المعيّن ثم نام ، فإن كان على عزم ترك الاغتسال واستمرّ به النوم الى أن أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة .
وإن نام على عزم
الاغتسال ثم استيقظ ثانياً ثم نام ثالثاً بعد انتباهتين ، وجب القضاء والكفّارة أيضاً .
وإن نام من أول مرة
عازماً على الاغتسال فطلع الفجر ، لم يكن عليه شيء .
وإن نام ثانياً ،
واستمرّ به النوم على عزم الاغتسال حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام : الرجل يجنب في رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : « يتمّ يومه
ويقضي يوماً آخر ، فإن لم يستيقظ حتى يُصبح أتمّ يومه وجاز له »
.
ولأنّه فرّط في
الاغتسال ، فوجب عليه القضاء ، ولا تجب الكفّارة ؛ لأنّ المنع من النومة الاُولى تضييق على المكلّف .
مسألة ٣٨ :
لو ظنّ بقاء الليل ، فأكل أو شرب أو جامع ، وبالجملة
__________________
فَعَل
المُفطرَ ، ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار ، وأنّ الفجر قد كان طالعاً ، فإن كان قد رصد الفجر وراعاه فلم يتبيّنه ، أتمّ صومه ، ولا شيء عليه .
وإن لم يرصد الفجر مع
القدرة على المراعاة ثم تبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه إتمام الصوم والقضاء خاصة ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه مُفرِّط بترك المراعاة ،
فوجب القضاء ؛ لإِفساده الصوم بفعل المُفطر ، ولا كفّارة ، لعدم الإِثم ، وأصالة البقاء .
وأمّا مع المراعاة :
فلأنّ الأصل بقاء الليل ، وقد اعتضد بالمراعاة ، فكان التناول جائزاً له مطلقاً ، فلا فساد حينئذٍ ، وجرى مجرى الساهي .
وسُئل الصادق عليه
السلام ، عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : « يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه »
.
وإن تسحّر في غير شهر
رمضان بعد الفجر أفطر .
والعامّة لم يفصّلوا
، بل قال الشافعي : لا كفّارة عليه مطلقاً ، سواء رصد أو لم يرصد مع ظنّ الليل ، وعليه القضاء ، وهو قول عامة الفقهاء
، إلّا إسحاق به راهويه وداود ؛ فإنّهما قالا : لا يجب عليه القضاء
. وهو مذهب الحسن ومجاهد وعطاء وعروة .
وقال أحمد : إذا جامع
بظنّ أنّ الفجر لم يطلع ويبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقاً . ولم يعتبر المراعاة .
واحتجّ مُوجبو القضاء
مطلقاً : بأنّه أكل مختاراً ، ذاكراً للصوم فأفطر ، كما لو أكل يوم الشك ، ولأنّه جهل وقت الصيام ، فلم يعذر به ، كالجهل بأول رمضان .
__________________
واحتجّ الآخرون : بما
رواه زيد بن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في رمضان في زمن عمر ، فاُتينا بعِساسٍ
فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنّه من الليل ، ثم انكشف السحاب ، فإذا الشمس طالعة ، قال : فجعل الناس يقولون : نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانَفْنا
لإِثم .
والجواب : المنع من
الأكل في رمضان عالماً مع المراعاة . وقول عمر ليس حجّةً .
واحتجّ أحمد : بأنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل .
والأمر إنّما كان
للهتك ؛ لأنّ الأعرابي شكي كثرة الذنب وشدّة المؤاخذة ، وذلك إنّما يكون مع قصد الإِفطار .
مسألة ٣٩ :
لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع ، فقلَّده وترك المراعاة مع قدرته عليها ، ثم فعل المفطر وكان الفجر طالعاً ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّه مفرّط بترك المراعاة ، فأفسد صومه ، ووجب القضاء ، والكفّارة ساقطة عنه ؛ لأنّه بناء على أصالة بقاء الليل وعلى صدق المُخبر الذي هو الأصل في المسلم .
وسأل معاوية بن عمّار
، الصادق عليه السلام : آمُر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر فأجده قد طلعِ حين نَظَرَتْ ، قال : « تتمّ يومك وتقضيه ، أمّا انّك لو كنت أنت الذي
نظرت ما كان عليك
__________________
قضاؤه
» .
ولو أخبره غيره بطلوع
الفجر فظنّ كذبه ، فتناول المُفطرَ وكان الفجر طالعاً ، وجب القضاء ؛ للتفريط بترك المراعاة مع القدرة ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم الإِثم ؛ لأصالة بقاء الليل .
وسأل عيص بن القاسم ،
الصادق عليه السلام ، عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر الى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم ، وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي »
.
ولا فرق بين أن يكون
المخبر عدلاً أو فاسقاً ؛ للإِطلاق .
ولو أخبره عدلان
بطلوع الفجر فلم يكفّ ، ثم ظهر أنّه كان طالعاً ، فالأقرب : وجوب القضاء والكفّارة ؛ لأنّ قولهما معتبر في نظر الشرع ، يجب العمل به ، فتترتّب عليه توابعه .
مسألة ٤٠ :
لو أفطر لظلمة عرضت توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار ، وجب القضاء خاصة ؛ لتفريطه حين بنى على وهمه .
ولو ظنّ دخول الليل
لظلمة عرضت إمّا لغيم أو غيره ، فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه ، أتمّ صومه ، ووجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا
ـ وهو قول العامة ـ لأنّه تناول ما يفسد الصوم عامداً ، فوجب عليه القضاء ، ولا كفّارة ؛ لحصول الشبهة .
ولما رواه العامة عن
حنظلة ، قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننّا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر من كان أفطر أن
__________________
يصوم
مكانه .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام ، في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه
، لأنّه أكل متعمّداً » .
وللشيخ ـ رحمه الله ـ
قول آخر : إنّه يمسك ولا قضاء عليه ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام ، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه » .
والحديث ضعيف السند ؛
لأنّ فيه محمد بن الفضيل وهو ضعيف .
واعلم : أنّه فرقٌ
بين بقاء الليل ودخوله ؛ فإنّ الأول اعتضد بأصالة البقاء ، والثاني اعتضد بضدّه ، وهو : أصالة عدم الدخول ، مع أنّه متمكّن من الصبر الى أن يحصل اليقين .
واعلم : أنّ المزني
نقل عن الشافعي : أنّه لو أكل على ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ، أو أنّ الشمس قد غربت وكان غالطاً فيه ، لا يجزئه صومه ، ووافقه أصحابه على روايته في الصورة الثانية .
وأنكر بعضهم الاُولى
، وقال : لا يوجد ذلك في كتب الشافعي ، ومَذهَبُه أنّه لا يبطل الصوم إذا ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ؛ لأصالة بقاء الليل ،
__________________
بخلاف
آخر النهار ؛ فإنّ الأصل بقاء النهار ، فالغلط في الاُولى معذور ، دون الثانية .
ومنهم مَن صحّح
الروايتين ، وقال : لعلّه نقله سماعاً ؛ لأنّه تحقّق خلاف ظنّه ، واليقين مقدّم على الظنّ ، ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه ، كما في الجمعة .
إذا عرفت هذا ،
فالأحوط للصائم الإِمساك عن الإِفطار حتى يتيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب الى أن يتيقّن خلافه .
ولو اجتهد وغلب على
ظنّه دخول الليل ، فالأقرب : جواز الأكل .
وللشافعية وجهان : هذا
أحدهما ، والثاني : لا يجوز ؛ لقدرته على تحصيل اليقين .
وأمّا في أول النهار
فيجوز الأكل بالظنّ والاجتهاد ؛ لأصالة بقاء الليل .
ولو أكل من غير يقين
ولا اجتهاد ، فإن تبيّن له الخطأ ، فالحكم ما تقدّم ، وإن تبيّن الصواب ، فقد استمرّ الصوم على الصحّة .
لا يقال : مقتضى
الدليل عدم صحّة الصوم ، كما لو صلّى في الوقت مع الشك في دخوله ، وكما لو شكّ في القبلة من غير اجتهاد ، وتبيّن له الصواب ، لا تصحّ صلاته .
لأنّا نقول : الفرق :
أنّ ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد ، وهنا انعقدت العبادة على الصحّة وشك في أنّه هل أتى بما يفسدها ثم تبيّن عدمه .
ولو استمرّ الإِشكال
، ولم يتبيّن الخطأ من الصواب ، فالأقرب : وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار ؛ لأصالة البقاء ، ولم يبن الأكل على أمر يعارضه .
__________________
وإن
اتّفق في أوله ، فلا قضاء ؛ لأصالة بقاء الليل .
ونقل عن مالك : وجوب
القضاء في هذه الصورة أيضاً ؛ لأصالة بقاء الصوم في ذمته ، فلا يسقط بالشك .
والأقوى ما قلناه من
جواز الأكل حتى يتبيّن الطلوع أو يظنّه ـ وبه قال ابن عباس وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي
ـ لقوله تعالى : ( وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ )
.
وكان رسول الله صلّى
الله عليه وآله ، يقول : ( فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن اُمّ مكتوم ) وكان أعمى لا يؤذّن حتى يقال له :
أصبحت .
والسقوط إنّما هو بعد
الثبوت ، والصوم مختص بالنهار .
مسألة ٤١ :
القيء عامداً يوجب القضاء خاصة عند أكثر علمائنا
وأكثر العامة ؛ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله : ( مَن ذرعه
القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد
__________________
أفطر
، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه » .
وقال أبو ثور : لو
تعمّد القيء وجب القضاء والكفّارة ؛ لأنّه سلوك في مجرى الطعام ، فكان موجباً للقضاء والكفّارة كالأكل .
وهو معارض بالروايات
وأصالة البراءة .
ولو ذرعه القيء ،
فلا قضاء عليه ولا كفّارة بإجماع علمائنا ـ وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم ـ لأنّه فعل حصل بغير اختياره .
وللروايات .
وروي عن الحسن البصري
: وجوب القضاء خاصة . وهو خارق للإِجماع .
مسألة ٤٢ :
إذا طلع الفجر وهو مُجامعٌ فاستدام الجماع ، وجب عليه القضاء والكفّارة عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد
ـ لأنّه ترك صوم رمضان بجماع أثم به ؛ لحرمة الصوم ، فوجبت به الكفّارة ، كما لو وطأ بعد طلوع الفجر .
وقال أبو حنيفة : يجب
عليه القضاء دون الكفّارة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع
.
والأصل ممنوع ، مع
أنّ تركه للصوم لترك النية ، لا للجماع .
فأمّا لو نزع في
الحال فأقسامه ثلاثة :
__________________
الأول :
أن يحسّ وهو مُجامعٌ بعلامات الصبح ، فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع .
الثاني :
أن يطلع الصبح وهو مُجامعٌ ويعلم بالطلوع كما طلع ، وينزع كما علم .
الثالث :
أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به ، ففي الثالثة الصوم باطل ـ وبه قال الشافعي ـ وإن نزع كما علم ؛ لأنّ بعض النهار
قد مضى وهو مشغول بالجماع .
والوجه : أنّه إن
تمكّن من المراعاة ولم يُراع وصادف الجماعُ النهارَ ، وجب عليه القضاء .
وعلى القول الصحيح
للشافعية : أنّه لو مكث في هذه الصورة ، فلا كفّارة عليه ؛ لأنّ مكثه مسبوق ببطلان الصوم .
وأمّا الصورتان الأُوليان
، فعندنا أنّه إن كان قد راعى ولم يفرط بترك المراعاة ، لا قضاء عليه ، وإلّا وجب القضاء .
وعند الشافعي يصحّ صومه
مطلقاً ، ولم يعتبر المراعاة .
وله قول آخر : إنّ
الصورة الاُولى يصحّ صومه فيها ؛ لأنّ آخر النزع وافق ابتداءَ الطلوع ، فلم يحصل النزع في النهار .
وهذا عندنا باطل ،
لأنّا نوجب الطهارة في ابتداء الصوم .
وأمّا إذا طلع ثم نزع
، فسد صومه عندنا وعند الشافعي ؛ لأنّ الإِخراج يستلزم التلذّذ ، فيكون مُجامعاً .
وقال مالك وأحمد : لا
يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك الجماع ، فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع ، كما لو حلف أن لا يلبس ثوباً هو لابسه فنزعه في الحال ، لا يحنث .
__________________
وهو فاسد عندنا ؛ لما
قدّمناه من وجوب الطهارة .
ولو طلع الفجر وعلم
به كما طلع ، ومكث فلم ينزع ، فسد صومه ، وبه قال الشافعي .
وتجب عليه الكفّارة
عندنا ، خلافاً للشافعي في أحد القولين .
( وذكر فيما )
إذا قال لامرأته : إن وطأتكِ فأنتِ طالق ثلاثاً ، فغيَّب الحشفة ، وطلّقت ، ومكث : أنّه لا يجب المهر .
واختلف أصحابه على
طريقين : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلاً وتخريجاً ، أحدهما : وجوب الكفّارة هنا والمهر ثَمَّ ، كما لو نزع وأولج ثانياً .
والثاني : لا يجب
واحد منهما ؛ لأنّ ابتداء الفعل كان مباحاً .
وأصحّهما : القطع
بوجوب الكفّارة ونفي المهر .
والفرق : أنّ ابتداء
الفعل لم يتعلّق به الكفّارة ، فتتعلّق بانتهائه حتى لا يخلو الجماع في نهار رمضان عمداً عن الكفّارة ، والوطء ثَمَّ غير خالٍ عن المقابلة بالمهر ؛ لأنّ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت
.
وقال أبو حنيفة : لا
تجب الكفّارة بالمكث . واختاره المزني من الشافعية .
ووافقنا مالك وأحمد
على الوجوب .
والخلاف جارٍ فيما
إذا جامع ناسياً ثمّ تذكّر الصوم واستدام .
__________________
تنبيهٌ :
قيل : كيف يعرف طلوع
الفجر المجامع وشبهه ؟ فإنّه متى عرف الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدّماً عليه .
اُجيب بأمرين :
أحدهما : أنّ المسألة
موضوعة على التقدير ، كما هو عادة الفقهاء في أمثالها .
والثاني : إنّا
تعبّدنا بما نطّلع عليه ، ولا معنى للصبح إلّا ظهور الضوء للناظر ، وما قبله لا حكم له .
فإذا كان الشخص عارفاً
بالأوقات ومنازل القمر ، وكان بحيث لا حائل بينه وبين مطلع الفجر ورصد ، فمتى أدرك فهو أول الصبح الذي اعتبره الشارع ، وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله : ( حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) .
مسألة ٤٣ :
قد بيّنا أنّ ماء مضمضة الصلاة والاستنشاق لها لو سبق إلى الحلق من غير قصد ، لم يفسد صومه ، ولا كفّارة فيه ـ ولو كان للتبرّد أو العبث ، وجب عليه القضاء خاصة عند علمائنا ـ لأنّه في الصلاة فَعَل مشروعاً ، فلا تترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعاً ، وفي التبرّد والعبث فرَّط
بتعريض الصوم للإِفساد بإيجاد ضدّه ، وهو : عدم الإِمساك ، فلزمه العقوبة ؛ للتفريط .
ولا كفّارة عليه ؛
لأنّ سماعة سأله عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش ، فدخل حلقه ، قال : « عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوئه فلا
__________________
بأس
» .
ولم يفصّل العامة ،
بل قال الشافعي : إن لم يكن بالغ وإنّما رفق فسبق الماء ، فقولان : أحدهما : يفطر ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني
ـ لأنّه أوصل الماء إلى جوفه ، ذاكراً لصومه ، فأفطر ، كما لو تعمّد شربه .
والفرق ظاهر ؛
للمشروعية في المتنازع ، وعدمها في الأصل .
والثاني : لا يفطر ،
وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره الربيع والحسن البصري .
وإن بالغ بأن زاد على
ثلاث مرّات ، فوصل الماء إلى جوفه ، أفطر قولاً واحداً . وبه قال أحمد .
وروي عن عبدالله بن
عباس : أنّه إن توضّأ لمكتوبة ، لم يفطر ، وإن كان لنافلة ، أفطر ، وبه قال النخعي .
وفي الصحيح عن الحلبي
عن الصادق عليه السلام ، في الصائم يتوضّأ للصلاة ، فيدخل الماء حلقه ، قال : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ، فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة ، فعليه القضاء »
.
ونحن نتوقّف في هذه
الرواية .
__________________
مسألة ٤٤ :
لو ارتدّ عن الإِسلام في أثناء الصوم ، فسد صومه إجماعاً ، وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد الى الإِسلام ، سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه ، وسواء كانت ردّته باعتقاد ما يكفر به ، أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه ، أو بالنطق بكلمة الكفر ، مستهزئاً أو غير مستهزئ .
قال الله تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) .
لأنّ الصوم عبادة من
شرطها النيّة ، فأبطلتها الردّة ، كالصلاة والحجّ ، ولأنّه عبادة محضة ، فنافاها الكفر كالصلاة .
مسألة ٤٥ :
لو نوى الإِفطار بعد عقد نية الصوم ، وقد مضى جزء من النهار ، فالأقوى أنّه يفطر ـ وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في أظهر الروايتين ـ لأنّ الصوم عبادة من شرطها النية ،
ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة .
ولأنّ الأصل اعتبار
النية في جميع أجزاء العبادة ، لكن لمّا شقّ اعتبار حقيقة النية ، اعتبر بقاء حكمها ، وهو : ان لا ينوي قطعها ، فإذا نواه ، زالت حقيقةً وحكماً ، ففسد الصوم ؛ لزوال شرطه ؛ لأنّه نوى الإِفطار في جزء من النهار وقد قال عليه السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )
فيتحقّق الإِفطار في ذلك الجزء ، والصوم لا يقبل التبعيض ، فكان مفطراً .
والرواية الثانية عن
أحمد : أنّه لا يفسد صومه ؛ لأنّه عبادة يلزم المضيّ
__________________
في
فاسدها ، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج .
وهو غير مطّرد في غير
رمضان . والقياس باطل ؛ لأنّ الحجّ يصحّ بالنية المطلقة والمبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حجّ عن نفسه ، فافترقا .
ولو عاد بعد أن نوى
الإِفطار ولم يفطر فنوى الصوم ، فإن كان ذلك بعد الزوال ، لم يصح عوده إجماعاً ؛ لفوات محلّ النية .
وإن كان قبله ، أجزأه
على قول بعض علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لأنّ الصوم يصح بنية من النهار .
وأمّا صوم النافلة ،
فإن نوى الفطر ثم لم يَنو الصوم بعد ذلك ، لم يصح صومه ؛ لأنّ النية انقطعت ولم توجد نية غيرها ، فأشبه مَن لم يَنو أصلاً .
وإن عاد فنوى الصوم ،
صحّ صومه ، كما لو أصبح غير ناوٍ للصوم ؛ لأنّ نية الفطر إنّما أبطلت الفرض ؛ لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكماً ، وخُلوّ بعض أجزاء الزمان عنها ، والنفل بخلاف الفرض في ذلك ، فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه .
ولأنّ نية الفطر لا
تزيد على عدم النية في ذلك الوقت ، وعدمها لا يمنع صحة الصوم بعده ، بخلاف الواجب ، فإنّه لا تصحّ نيته من النهار .
والأصل فيه أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، كان يسأل أهله هل من غذاء ؟ فإن قالوا : لا ، قال : ( إنّي إذن لصائم ) .
تذنيب :
لو نوى أنّه سيفطر ساعة اُخرى ، فالأقرب : أنّه بخلاف نية
__________________
الفطر
في وقته ، خلافاً لبعض العامة .
ولو تردّد في الفطر ،
فإشكال ينشأ من عدم الجزم بالصوم في زمان التردّد . ومن انعقاد الصوم قبله ، والتردّد ليس من المفطرات .
ولو نوى أنّي إن وجدت
طعاماً أفطرت ، وإن لم أجد أتممت صومي ، فوجهان : الفطر ؛ لانتفاء الجزم ، ولهذا لا يصح ابتداء النية بمثل هذا .
والثاني : لا يفطر ؛
لأنّه لم يَنو الفطر بنية صحيحة ، فإنّ النية لا يصحّ تعليقها على شرط ، ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذه النية .
مسألة ٤٦ :
لو جامع أو أكل أو شرب في أول النهار بعد عقد صومه ، ثم تجدّد عذر مسقط للصوم ـ كجنون أو مرض أو حيض أو نفاس ـ في أثناء النهار ، فالوجه عندي : سقوط الكفّارة ـ وهو قول بعض علمائنا
، وقول أصحاب الرأي والثوري والشافعي في أحد القولين ـ لأنّه زمان لا يصحّ الصوم فيه ، فيستحيل من الله تعالى ، العالم به الحكيم ، الأمر بصومه ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، فيكون فعل المفطر قد صادف ما لا يصح صومه ، فأشبه ما لو صادف الليل ، وكما لو قامت البيّنة أنّه من شوّال .
والقول الثاني لعلمائنا
وللشافعي وأحمد في الرواية الاُخرى : إنّه تجب عليه الكفّارة ـ وبه قال مالك وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وداود ـ لأنّ هذه الأعذار معانٍ طرأت بعد وجوب الكفّارة ، فلم تسقطها ، كالسفر .
ولأنّه أفسد صوماً
واجباً في رمضان بجماع وشبهه ، فاستقرّت الكفّارة عليه ، كما لو لم يطرأ عذر .
ونمنع وجوب الكفّارة
، ونمنع وجوب الصوم في نفس الأمر ، ووجوبه في
__________________
اعتقادنا
غير مفيد إذا ظهر بطلان الاعتقاد .
وقال زفر : تسقط
بالحيض والجنون ، دون المرض والسفر .
وقال بعض أصحاب مالك
: تسقط بالسفر ، دون المرض والجنون .
إذا عرفت هذا ، فلو
أفطر ثم سافر سفراً ضروريّاً ، فهو كالعذر المتجدّد من جنون أو حيض .
ولو سافر سفراً
اختياريّاً ، فإن لم يقصد به زوال الكفّارة عنه ، فالأقرب : أنّه كالعذر ، وإن قصد به إسقاط الكفّارة ، لم تسقط ، وإلّا لزم إسقاط الكفّارة عن كلّ مفطر باختياره ، والإِقدام على المحرّمات .
مسألة ٤٧ :
لو أفطر بالمحرَّم ، كما لو زنى في نهار رمضان ، أو شرب خمراً ، أو أكل ( لحم خنزير ) فالأقوى : أنّ الواجب كفّارة واحدة
يتخيّر فيها ، كما لو أفطر بالمحلّل .
وقال بعض علمائنا :
تجب به كفّارة الجمع ؛ وهي : الخصال الثلاث : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً ، وبه رواية عن أهل البيت عليهم السلام .
والمعتمد : الأول ؛
لأصالة براءة الذمة .
مسألة ٤٨ :
لو كرّر السبب الموجب للكفّارة ، بأن وطأ مرتين مثلاً ، فإن
__________________
كان
في رمضانين ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً ـ إلّا رواية عن أبي حنيفة
ـ سواء كفّر عن الأول أو لا .
ولو كرّر في يومين من
رمضان واحد ، وجبت عليه كفّارتان ، سواء كفّر عن الأول أو لم يكفّر عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك والليث وابن المنذر ، وهو قول عطاء ومكحول ـ لأنّ كلّ فعل من هذين الفعلين لو
انفرد ، لاستقلّ بإيجاب الكفّارة ، فكذا حالة الاجتماع ؛ لأصالة بقاء الحقيقة على ما كانت عليه .
ولأنّ كلّ واحد من
الذنبين سبب في إيجاب عقوبة الكفّارة ، فعند الاجتماع يبقى الحكم بطريق الأولى ؛ لزيادة الذنب .
ولأنّ كلّ يوم عبادة
قد هتكت ، وهي منفردة عن العبادة الاُخرى لا تتّحد صحتها مع صحة ما قبلها ولا ما بعدها ، ولا بطلانها مع بطلانها ، فلا يتّحد أثر السببين فيهما .
ولأنّ أحد الأمرين لا
يتّحد مع الآخر ، وهو القضاء ، فكذا الأمر الآخر .
وقال أبو حنيفة : إن
لم يكفّر عن الأول فكفّارة واحدة ، وإن كفّر فروايتان ، إحداهما : أنّها كفّارة واحدة أيضاً ـ وبه قال أحمد والزهري والأوزاعي ـ لأنّ الكفّارة تجب على وجه العقوبة ، ولهذا تسقط بالشبهة ، وهو : إذا ظنّ أنّ الفجر لم يطلع ، وما هذا سبيله تتداخل العقوبة فيه كالحدود
.
والفرق : أنّ الحدود
عقوبة على البدن ، وهذه كفّارة ، فاعتبارها بالكفّارات أولى .
__________________
ولأن الحدود تتداخل
في سببين ، وهي مبنية على التخفيف ، فتنافي التكرار .
ولو كرّر في يوم واحد
، قال الشيخ وبعض علمائنا
: لا تتكرّر الكفّارة ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ـ لأنّ الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح ، فلا يتحقّق الهتك به ، فلا تثبت العقوبة .
ولأنّ أحد الأمرين ـ وهو
القضاء ـ لا يتكرّر ، فلا يتكرّر الآخر .
وقال السيد المرتضى رحمه
الله تتكرّر الكفّارة ؛ لأنّ الجماع سبب تام في وجوب الكفّارة ، فتتكرّر بتكرّره ؛ عملاً بالمقتضي .
ولدلالة الرواية عن
الرضا عليه السلام عليه .
ولأنّ الإِمساك واجب
كرمضان ، والوطء فيه محرَّم كحرمة رمضان ، فأوجب الكفّارة كالأول .
ونمنع السببية بدون
الهتك ، وإلّا لوجب على المسافر .
والفرق بين تحريم
الأول والثاني ظاهر وإن اشتركا في مطلق التحريم ؛ لصدق الهتك في الأول دون الثاني .
وقال ابن الجنيد من
علمائنا : إن كفّر عن الأول كفّر ثانياً ، وإلّا كفّر واحدة عنهما ؛ وبه قال أحمد بن حنبل
، ولا بأس به .
__________________
واعلم : أنّ القضاء
لا يتكرّر مع اتّحاد اليوم إجماعاً .
ولو اختلف السبب في
يوم واحد ، كما لو جامع وأكل ، فيه إشكال ينشأ من تعليق الكفّارة بالجماع والأكل مطلقاً وقد وُجدا ، فتتكرّر الكفّارة ، بخلاف السبب المتّحد ؛ لأنّ التعليق على الماهية المتناولة للواحد والكثير ، ومن كون السبب الهتك وإفساد الصوم الصحيح ، وهو منتفٍ في الثاني .
مسألة ٤٩ :
لو أفطر نهارَ رمضان مَن وجب عليه الصوم مستحلاً ، فهو مرتدّ ، فإن كان عن فطرة ، قُتل من غير أن يستتاب .
ولو نشأ في برّيّة
ولم يعرف قواعد الإِسلام ولا ما يوجب الإِفطار ، عُرِّف وعُومل بعد ذلك بما يعامَلُ به المولود على الفطرة .
ولو لم يولد على
الفطرة ، استتيب ، فإن تاب وإلّا قُتل .
ولو اعتقد التحريم ،
عُزّر ( فإن عاد ، عُزّر ) فإن عاد ، قُتل في الثالثة ؛ لأنّ سماعة قال : سألته عن رجل اُخذ في شهر رمضان ثلاث مرّات وقد رفع الى الإِمام ثلاث مرّات ؛ قال : « فليقتل في الثالثة »
.
وروي : أنّ الباقر عليه
السلام ، سُئل عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام ، قال : « يُسأل هل عليك في إفطارك إثم ؟ فإن قال : لا ، كان على الإِمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، كان على الإِمام أن يؤلمه ضرباً » .
وقال بعض علمائنا : يُقتل
في الرابعة . وهو أحوط ؛ لأنّ التهجّم على الدم خطر .
__________________
إذا ثبت
هذا ، فإنّما يُقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رُفع في كلّ مرّة الى الإِمام وعُزّر ، أمّا لو لم يُرفع فإنّه
يجب عليه التعزير خاصة ولو زاد على الأربع .
مسألة ٥٠ :
لو أكره الصائم زوجته الصائمة على الجماع ، عُزّر بخمسين سوطاً عند علمائنا ، ووجب عليه كفّارتان ، إحداهما عنه ، والثانية عنها ، ولا كفّارة عليها ولا قضاء ؛ لأنّه سبب تام في صدور الفعل .
ولو طاوَعَته ، عُزّر
كلّ واحد منهما بخمسة وعشرين سوطاً ، ووجب على كلّ واحد القضاء والكفّارة ؛ لأنّ المفضّل بن عمر ، سأل الصادق عليه السلام ، في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوَعَته ، فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها ، فعليه ضَربُ خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوَعَته ، ضُرِبَ خمسة وعشرين سوطاً ، وضُرِبَت خمسة وعشرين سوطاً »
.
فروع :
أ ـ قال الشيخ رحمه الله
: لو وطأها نائمةً أو مكرهةً ، لم تفطر ، وعليه كفّارتان .
وفي النائمة إشكال .
ب ـ قال رحمه الله :
لو أكرهها لا جبراً ، بل ضربها حتى مكّنته من نفسها ، أفطرت ، ولزمها القضاء ؛ لأنّها دفعت عن نفسها الضرر بالتمكين كالمريض ، ولا كفّارة .
ج ـ لو زنى بها مُكرِهاً
لها ، تحمّل عنها الكفّارة ؛ لأنّه أغلظ من الوطء
__________________
المباح
.
ويشكل : بأنّه لا
يلزم من كون الكفّارة مُسقطةً لأقلّ الذنبين كونها مُسقطةً لأعلاهما .
د ـ لو أصبح مُفطراً
يعتقد أنّه من شعبان ، فشهدت البيّنة بالرؤية ، لزمه الإِمساك والقضاء في قول عامة الفقهاء ، إلّا عطاء ؛ فإنّه قال : يأكل بقية يومه . وأحمد في رواية .
وهو خلاف الإِجماع ،
مع أنّ أحمد قد نصّ على إيجاب الكفّارة على مَن وطأ ثم كفّر ثم عاد فوطأ في يومه ؛ لأنّ حرمة اليوم لم تذهب ، فإذا أوجب الكفّارة على غير الصائم لحرمة اليوم كيف يبيح الأكل ! ؟
.
لا يقال : إنّ
المسافر إذا قدم وقد أفطر ، جاز له الأكل ، فليكن هنا مثله .
لأنّا نقول : المسافر
كان له الفطر ظاهراً وباطناً ، وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحاً ، فأشبه مَنْ أكل بظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً .
إذا عرفت هذا ، فكلّ
مَن أفطر والصوم لازم له ، كالمُفطر بغير عذر ، والمُفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً ، أو يظنّ الغروب فظهر خلافه ، أو الناسي لنية الصوم ، يلزمهم الإِمساك إجماعاً .
هـ ـ من يباح له
الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً ، كالحائض والنفساء والصبي والمجنون والكافر ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ، يستحب لهم الإِمساك باقي النهار من غير وجوب ـ وبه قال جابر بن زيد وابن مسعود ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ـ للاستصحاب .
__________________
وقال أبو حنيفة
والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والعنبري : يجب الإِمساك ؛ لأنّه معنى لو وُجد قبل الفجر ، لوجب الصيام ، فإذا طرأ بعد الفجر ، وجب الإِمساك ، كقيام البيّنة بالرؤية
. والفرق ظاهر .
أمّا المسافر إذا قدم
والمريض إذا برأ ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناولا شيئاً ، وجب الإِمساك ، ولا قضاء ، وإن كان بعد الزوال ، وجب القضاء .
و ـ المسافر والحائض
والمريض يجب عليهم القضاء إذا أفطروا إجماعاً ؛ لقوله تعالى : (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ ) والتقدير : فأفطر .
وقالت عائشة : كنّا
نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم .
وإن أفاق المجنون أو
بلغ الصبي أو أسلم الكافر في أثناء النهار ، فلا قضاء .
وعن أحمد روايتان
.
__________________
الفصل
الرابع فيما يستحب للصائم اجتنابه
مسألة ٥١ :
تكره مباشرة النساء للصائم تقبيلاً ولمساً وملاعبةً حذراً من الوقوع في الوطء ، وأجمع العلماء على كراهة التقبيل لذي الشهوة ؛ لما رواه العامة عن عمر بن الخطاب ، قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في المنام ، فأعرض عنّي ، فقلت له : ما لي ؟ فقال : ( إنّك تقبّل وأنت صائم ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين اُقبّل وأنا صائم ؟ فقال له : « عفّ صومك ، فإنّ بَدء القتال اللطام » .
إذا ثبت هذا ، فإنّها
تكره لذي الشهوة إذا لم يغلب على ظنّه الإِنزال ، فإن غلب ، فالأقرب أنّها كذلك .
وقال بعض الشافعية :
إنّها محرّمة حينئذٍ ؛ لأنّه لا يجوز أن يُعرّض
__________________
الصوم
للإِفساد .
والجواب : التعريض
للإِفساد مشكوك فيه ، ولا يثبت التحريم بالشك .
أمّا مَن يملك إربه
كالشيخ الكبير ، فالأقرب انتفاء الكراهة في حقّه ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي ـ لما رواه العامة أنّ رجلاً قبّل
امرأته ، فاُرسلت فسألت النبي صلّى الله عليه وآله ، فأخبرها النبي عليه السلام ، أنّه يقبّل وهو صائم ، فقال الرجل : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ليس مثلنا وقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فغضب النبي صلّى الله عليه وآله وقال : (
إنّي أخشاكم لله وأعلمكم بما أتّقي ) .
ومن طريق الخاصة :
أنّ الباقر عليه السلام سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان ؟ فقال : « إنّي أخاف عليه ، فليتنزّه عن ذلك ، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه » .
وظاهر كلام الشيخ في
التهذيب الكراهة مطلقاً ، وبه قال مالك
ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ،
أعرض عن عمر بمجرّد القُبلة مطلقاً .
وهو استناد الى منام
أو لوجود الشهوة عند عمر .
إذا عرفت هذا ، فلو
قبّل ، لم يفطر إجماعاً ، فإن أنزل ، وجب عليه
__________________
القضاء
والكفّارة عند علمائنا ، وبه قال أحمد ومالك ، خلافاً للشافعي
، وقد سلف .
مسألة ٥٢ :
يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صَبِر أو طعم يصل الى الحلق ، وليس بمفطر ولا محظور عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ـ لما رواه العامة عن أبي رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه
وآله ، قال : نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، خيبر ونزلت معه ، فدعا بكحل إثمد ، فاكتحل به في رمضان وهو صائم
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ، في الصائم يكتحل ، قال : « لا بأس به ، ليس بطعام ولا شراب »
.
وقال أحمد : إن وجد
طعمه في حلقه ، أفطر ، وإلّا فلا . ومثله قال أصحاب مالك .
وعن ابن أبي ليلى
وابن شبرمة : أنّ الكحل يفطر الصائم ؛ لأنّه أوصل
__________________
الى
حلقه ما هو ممنوع من تناوله ، فأفطر به ، كما لو أوصله من أنفه
.
وهو غير مفيد ؛ لأنّ
الإِيصال الى الحلق غير مفطر ما لم يبتلعه ، ولأنّ الوصول من المسام غير مفطر ، كما لو دلك رجله بالحنظل ، فإنّه يجد طعمه مع عدم الإِفطار .
وإنّما كره ما فيه صَبِرٌ
أو مسك أو شبهه ؛ لأنّ سماعة سأله عن الكحل للصائم ، فقال : « إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق ، فليس به بأس » .
مسألة ٥٣ :
يكره إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة ؛ لئلّا يتضرّر بالضعف ، أو ربما أفطر .
وكذا يكره دخول
الحمام إن خاف الضعف أو العطش ، وإلّا فلا ؛ لما لا يؤمن معه من الضرر أو الإِفطار .
وروى أبو بصير أنّه
سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « ليس به بأس » .
وسئل الباقر عليه
السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « لا بأس ما لم يخش ضعفاً » .
ويكره شمّ الرياحين ،
ويتأكّد في النرجس ؛ لأنّ للأنف اتّصالاً بجوف الدماغ ، ويكره الإِيصال اليه .
وسئل الصادق عليه
السلام : الصائم يشمّ الريحان ، قال : « لا ، لأنّه
__________________
لذّة
، ويكره أن يتلذّذ » .
وقال محمّد بن العيص
: سمعت الصادق عليه السلام ينهى عن النرجس ، فقلت : جعلت فداك لم ذاك ؟ قال : « لأنّه ريحان الأعاجم » .
وكره علي عليه السلام
أن يتطيّب الصائم بالمسك .
مسألة ٥٤ :
الحجامة مكروهة ؛ لخوف الضعف ، فإن أمن ، فلا بأس .
وعلى التقديرين فلا
يفطر بها الصائم عند علمائنا أجمع ـ وبه قال في الصحابة : الحسين بن علي عليهما السلام ، وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم واُمّ سلمة ، وفي التابعين : سعيد بن المسيّب والباقر والصادق عليهما السلام ، وسعيد بن جبير وطاوس والقاسم بن محمد وسالم وعروة والشعبي والنخعي وأبو العالية ، وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأبو ثور وداود وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، احتجم وهو صائم مُحرم
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحسين بن أبي العلاء ـ في الصحيح ـ قال : سألت الصادق عليه السلام ، عن الحجامة للصائم ، قال : « نعم إذا لم
__________________
يخف
ضعفاً » .
وفي الصحيح عن عبدالله
بن ميمون عن الصادق عليه السلام ، قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء والاحتلام والحجامة ، وقد احتجم النبي صلّى الله عليه وآله ، وهو صائم ، وكان لا يرى بأساً بالكحل للصائم »
.
ولأنّه خارج من ظاهر
البدن ، فلم يكن مُفطراً ، كالفصد .
وقال أحمد وإسحاق :
يفطر الحاجم والمحجوم ـ وفي الكفّارة عن أحمد روايتان ـ واختاره ابن المنذر ومحمد بن إسحاق
وابن خزيمة ، وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم
ـ لما رواه أحد عشر نفساً عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم )
.
وهو محمول على
مقاربتهما من الإِفطار ؛ للضعف .
ولأنّه منسوخ بما قدّمناه
عنه صلّى الله عليه وآله .
مسألة ٥٥ :
يكره الاحتقان بالجامد على أشهر القولين ـ خلافاً للعامة ؛ فإنّهم قالوا : إنّه مُفطر ـ لأنّ ابن يقطين سأل الكاظم عليه
السلام ، ما تقول
__________________
في
التلطّف يستدخله الإِنسان وهو صائم ؟ فكتب : « لا بأس بالجامد » .
وفي المائع قولان
تقدّما .
ويكره بلّ الثوب على
الجسد ؛ لاقتضائه اكتناز مسام البدن ، فيمنع خروج الأبخرة ، ويوجب احتقان الحرارة باطن البدن ، فيحتاج معه الى التبريد .
وسأل الحسن الصيقل ،
الصادق عليه السلام ، عن الصائم يلبس الثوب المبلول ، فقال : « لا » .
ولا بأس أن يستنقع
الرجل بالماء ؛ للأصل ؛ لأنّ الحسن بن راشد سأل الصادق عليه السلام عن الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم ؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : « إنّ أول مَن قاس إبليس » قلت : فالصائم يستنقع في الماء ؟ قال : « نعم » قلت : فيبلّ ثوباً على جسده ؟ قال : « لا » قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : « من ذاك » .
وأمّا المرأة فيكره
لها الجلوس في الماء ، ولا يبطل صومها ؛ للأصل .
وقال أبو الصلاح من
علمائنا : يلزمها القضاء ؛ لأنّ حنان بن سدير سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس
__________________
ولكن
لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمله بقُبُلها »
.
والرواية ضعيفة السند
.
__________________
الفصل
الخامس فيمن يصحّ منه الصوم
مسألة ٥٦ :
العقل شرط في صحة الصوم ووجوبه إجماعاً ؛ لأنّ التكليف يستدعي العقل ؛ لقبح تكليف غير العاقل .
ولقوله عليه السلام :
( رُفع القلم عن ثلاثة ـ وعدّ ـ المجنون حتى يُفيق ) .
ولا يؤمر بالصوم
للتمرين ـ بخلاف الصبي ـ إجماعاً ؛ لانتفاء التمييز في حقّه .
هذا إذا كان جنونه مُطبقاً
، أمّا لو كان يُفيق وقتاً يصحّ صومه ، ووافق جميعَ نهار رمضان ، وجب عليه صوم ذلك اليوم ؛ لوجود الشرط فيه ، ولأنّ صوم كلّ يوم عبادة بنفسها ، فلا يؤثّر فيه زوال الحكم عن غيره .
ولو جنّ في أثناء
النهار ولو لحظة ، بطل صوم ذلك اليوم ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، والثاني وهو القديم للشافعي : عدم البطلان
.
وأمّا المُغمى عليه ،
فإنّه كالمجنون إن استوعب الإِغماء النهار ،
__________________
وسيأتي
.
والنائم لا يسقط عنه
الصوم ، فلو نوى من الليل ونام جميع النهار ، صحّ صومه .
وقال بعض الشافعية :
لا يصح ، كما لو اُغمي عليه جميع النهار .
والفرق : أنّ الإِغماء
مُخرج عن التكليف .
مسألة ٥٧ :
البلوغ شرط في وجوب الصوم بإجماع العلماء ، فلا يجب على الصبي ، سواء كان مميّزاً أم لا ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه .
ويبطل بالإِجماع
والنص :
قال رسول الله صلّى
الله عليه وآله : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يُفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) رواه العامة .
ومن طريق الخاصة :
رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام ، في كم يؤخذ الصبي بالصيام ؟ فقال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة وإن هو صام قبل ذلك فدعه » .
وقال الصادق عليه
السلام : « على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار » .
__________________
احتجّ أحمد : بقوله عليه
السلام : ( إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام ، وجب عليه صيام شهر رمضان ) .
والحديث مرسل ، وحمل
الوجوب على تأكّد الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة .
تنبيهٌ
:
يستحب تمرين الصبي
بالصوم إذا أطاقه ، وحدّه الشيخ ـ رحمه الله ـ ببلوغ تسع سنين . وتختلف حاله بحسب المكنة والطاقة .
ولا خلاف بين العلماء
في مشروعية ذلك ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أمر ولي الصبي بذلك ، رواه العامة .
ومن طريق الخاصة : قول
الصادق عليه السلام : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » .
ولاشتماله على
التمرين على الطاعات والمنع من الفساد .
تذنيب
:
الأقرب : أنّ صومه
صحيح شرعي ، ونيته صحيحة ، وينوي الندب لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله ، فلا ينوي غيره .
وقال أبو حنيفة :
إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات تأديباً . ولا بأس به .
وقد ظهر بما قلناه
أنّ البلوغ شرط في الوجوب لا في الصحة ، وأنّ العقل
__________________
شرط
فيهما معاً .
مسألة ٥٨ :
الإِسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا ؛ لما عرف في اُصول الفقه : أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات ، والكافر لا يصح منه الصوم ، سواء كان كافراً أصلياً ، أو مرتدّاً عن الإِسلام ، كما لا يصحّ منه سائر العبادات .
وهو شرط معتبر في
جميع النهار حتى لو طرأت ردّة في أثناء النهار ، بطل الصوم ؛ لأنّه لا يعرف الله تعالى ، فلا يصحّ أن يتقرّب اليه .
ولأنّ شرط صحة الصوم
النية ، ولا يصحّ وقوعها منه ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط .
مسألة ٥٩ :
الطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار شرط في صحة صوم المرأة بإجماع العلماء .
روى العامة عن عائشة
قالت : كنّا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
.
ومن طريق الخاصة :
رواية أبي بصير ، قال : سألت الصادق عليه السلام ، عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان ، فلمّا ارتفع النهار ، حاضت ، قال : « تفطر » .
ولو وجد الحيض في آخر
جزء من النهار ، فسد صوم ذلك اليوم إجماعاً .
ولو أمسكت الحائض
ونوت الصوم مع علمها بالتحريم ، لم ينعقد صومها ، وكانت مأثومةً عليه ، ويجب عليها القضاء إجماعاً .
مسألة ٦٠ :
لعلمائنا في المغمى عليه قولان : أحدهما : أنّه يفسد
__________________
صومه
بزوال عقله ، وهو قول الشيخ أبي جعفر رحمه الله ، وأكثر علمائنا
، وأحد أقوال الشافعي ، وهو المعتمد ؛ لأنّه بزوال عقله سقط
التكليف عنه وجوباً وندباً ، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه .
ولأنّ كلّ ما يفسد
الصوم إذا وجد في جميعه ، أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض .
ولقول الصادق عليه
السلام : « كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء » .
والقول الثاني
لعلمائنا : إنّه إن سبقت منه النية ، صحّ صومه ، وكان باقياً عليه ، اختاره المفيد رحمه الله ، وهو ثاني أقوال الشافعي
.
وثالث الأقوال : إنّه
إن أفاق في أوله أو وسطه أو آخره ، صحّ صومه ، وإلّا فلا .
وقال مالك : إن أفاق
قبل الفجر واستدام حتى يطلع الفجر ،صحّ صومه ، وإلّا فلا .
وقال أحمد : إذا أفاق
في جزء من النهار ، صحّ صومه .
وقال أبو حنيفة
والمزني : يصحّ صومه وإن لم يفق في شيء منه ؛ لأنّ
__________________
النية
قد صحّت ، وزوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم
.
والفرق : أنّ النوم
جبلّة وعادة ، ولا يزيل العقل ، والإِغماء عارض يزيل العقل ، فأشبه الجنون ، فكان حكمه حكمه .
وأمّا السكران وشارب المُرِقد
فلا يسقط عنه الفرض ؛ لأنّ الجناية من نفسه ، فلا يسقط الفرض بفعله ، وكذا النائم .
مسألة ٦١ :
الاستحاضة ليست مانعةً من فعل الصوم وغيره من العبادات ، كالصلاة وشبهها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة .
ويجب عليها الصوم ،
ويصحّ منها مع فعل الأغسال إن وجبت عليها ؛ لقول الصادق عليه السلام في المستحاضة : « تصوم شهر رمضان إلّا الأيام التي كانت تحيض فيهن ثم تقضيها بعد » .
ولو أخلّت المستحاضة
بالأغسال مع وجوبها عليها ، لم ينعقد صومها ، وتقضيه ؛ لفوات شرطه ، ولا تجب عليها الكفّارة ؛ لأصالة البراءة .
وإنّما يعتبر الغسل
في صحة الصوم في حقّ مَن يجب عليها الغسل ، كالمستحاضة الكثيرة الدم ، أمّا التي لا يظهر دمها على الكرسف ، فإنّه لا يعتبر في صومها غسل ولا وضوء .
وأمّا كثير الدم التي
يجب عليها غسل واحد ، فإذا أخلّت به ، بطل صومها .
والتي يجب عليها
الأغسال الثلاثة لو أخلّت بغُسلَي النهار أو بأحدهما ، بطل صومها .
ولو أخلّت بالغسل الذي
للعشاءين ، فالأقرب صحة صومها ؛ لأنّ هذا
__________________
الغسل
إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم .
مسألة ٦٢ :
شرط صحة الصوم الواجب : الحضر أو حكمه ، فلا يصحّ الصوم الواجب في السفر إلّا ما نستثنيه ، عند علمائنا ـ وبه قال أهل الظاهر وأبو هريرة ـ لقوله تعالى : (
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أوجب عوض رمضان عدّة أيام غيره للمسافر ، وإيجابها يستلزم تحريم صوم رمضان ؛ لأنّه لا يصحّ صومه ، ويجب قضاؤه إجماعاً .
وما رواه العامة عن النبي
صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( ليس من البِرّ الصيام في السفر ) .
وقال عليه السلام . (
الصائم في السفر كالمُفطر في الحضر ) .
ومن طريق الخاصة :
قول معاوية بن عمّار : سمعته يقول : « إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه ، وعليه الإِعادة »
.
وقال الصادق عليه
السلام : « لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره » .
أمّا الندب ففي صحته
في السفر قولان : أشهرهما : الكراهة ؛ لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسن عليه السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : « فريضة ؟ » فقلت : لا ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ؛
__________________
فقال
: « تقول اليوم وغداً ؟ » قلت : نعم ؛ فقال : « لا تصم »
وأقلّ مراتب النهي الكراهة .
مسألة ٦٣ :
يصحّ الصوم الواجب في السفر في مواضع :
أ ـ مَن نذر صوم زمان
معيَّن ، وشرط في نذره صومه سفراً وحضراً ، فإنّه يجب صومه وإن كان مسافراً ؛ لقوله تعالى : (
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) وللرواية
.
ب ـ صوم ثلاثة أيام
لبدل دم المتعة ؛ لقوله تعالى : (
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ )
.
ج ـ صوم ثمانية عشر
يوماً لمن أفاض من عرفات عامداً عالماً قبل الغروب وعجز عن البدنة .
د ـ مَن كان سفره
أكثر من حضره ، كالمُكاري والملّاح والبدوي وباقي الأصناف السابقة ، ومَنْ عزم على مُقام عشرة أيام ، أو كان سفره معصيةً . وقد تقدّم ذلك كلّه في كتاب الصلاة .
وأمّا ما عدا ذلك
فيحرم صومه في السفر ؛ لأنّ عمّار الساباطي سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل يقول : لله علَيَّ أن أصوم شهراً أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر ؟ قال : « إذا سافر فلْيفطرْ ، لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » .
وهو نص في الباب ،
وعمّار وإن كان فطحياً إلّا أنّه ثقة اعتمد الشيخ ـ رحمه الله ـ على روايته في مواضع .
__________________
مسألة ٦٤ :
يستحب صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة ندباً وإن كان مسافراً، وهو مستثنى من كراهة صوم النافلة سفراً ؛ لضرورة السفر والمحافظة على الصوم في ذلك الموضع .
روى معاوية بن عمار ـ
في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام ، صُمْتَ أول [ يوم ]
يوم الأربعاء وتصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة ـ وهي الاسطوانة التي كان يربط اليها نفسه حتى ينزل عذره من السماء ـ وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس [ الاسطوانة ] التي تليها ممّا يلي مقام النبي صلّى
الله عليه وآله ، ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبي
صلّى الله عليه وآله
ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلّم بشيء في هذه الأيّام إلّا ما لا بدّ لك منه ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل » الحديث .
مسألة ٦٥ :
المريض الذي يضرّه الصوم إمّا بزيادة أو استمرار أو منع برئه لا يجوز له الصوم ، فإن تكلّفه وصام ، لم يصح ؛ لأنّه منهي عنه بقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم
مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )
والنهي في العبادات يدلّ على الفساد .
ولو قدر على الصوم
ولا ضرر عليه بسببه البتة ، وجب عليه الصوم .
مسألة ٦٦ :
قد بيّنّا أنّ المغمى عليه يسقط عنه الصوم ، وقد اضطرب
__________________
قول
الشافعي فيه ، وأثبت الأصحاب في المسألة له طريقين : إثبات الخلاف ونفيه .
أمّا المثبتون للخلاف
فلهم طُرُق ، أظهرها : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال ، أصحّها : أنّه إذا كان مُفيقاً في أول النهار ، صحّ صومه ـ وبه قال أحمد ـ لاقتضاء الدليل اشتراط النية مقرونةً بجميع أجزاء العبادة ، إلّا أنّ الشرع لم يشترط ذلك ، واكتفى بتقديم العزم ، دفعاً للعسر ، فلابدّ وأن يقع المعزوم عليه بحيث يتصوّر القصد ، وإمساك المغمى عليه لم يقع مقصوداً ، فإذا استغرق الإِغماء ، امتنع التصحيح ، وإذا وجدت الإِفاقة في لحظة ، أتبعنا زمان الإِغماء زمان الإِفاقة .
والثاني : اشتراط الإِفاقة
في أول النهار ـ وبه قال مالك ـ لأنّها حالة الشروع في الصوم ، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ، ولهذا خصّ أول الصلاة باشتراط النية فيه .
والطريق الثاني :
أنّه ليس في المسألة إلّا قولان : الأول والثاني .
والثالث
: أنّ المسألة على خمسة أقوال : هذه الثلاثة وقولان آخران :
أحدهما ما ذكره
المزني ، وهو : أنّه إذا نوى من الليل ، صحّ صومه وإن استغرق الإِغماء جميع النهار كالنوم . وخرَّجه من النوم . وبه قال أبو حنيفة .
والثاني : أنّه تشترط
الإِفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الشمس وغروب الشمس ؛ لأنّ الصلاة لمّا اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في
__________________
طرفيها
، كذلك حكم الإِفاقة في الصوم .
وأمّا النافون للخلاف
، فلهم طريقان :
أحدهما : أنّ المسألة
على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في أول النهار .
وأظهرهما : أنّ
المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في جزء من النهار .
ولو نوى من الليل ثم
شرب مُرقداً فزال عقله نهاراً ، فالأقرب : وجوب القضاء .
ورتّب الشافعية ذلك
على الإِغماء ، فإن قالوا : لا يصحّ الصوم في الإِغماء ، فهنا أولى ، وإن قالوا : يصحّ ، فوجهان ، والأصحّ عندهم : وجوب القضاء ؛ لأنّه بفعله .
ولو شرب المسكر ليلاً
وبقي سُكره في جميع النهار ، فعليه القضاء ، وإن بقي بعض النهار ثم صحا ، فهو كالإِغماء في بعض النهار عند الشافعية .
وقد رتّب الجويني
للاختلال مراتب :
أ ـ الجنون ، وهو
يسلب خواص الإِنسان ويكاد يلحقه بالبهائم .
ب ـ الإِغماء ، وهو
يغشى العقل ويغلب عليه حتى لا يبقى في دفعه اختيار .
ج ـ النوم ، وهو مزيل
للتميز لكنه سهل الإِزالة ، والعقل معه كالشيء المستور الذي يسهل الكشف عنه .
د ـ الغفلة ، ولا أثر
لها في الصوم إجماعاً .
__________________

الفصل
السادس في الزمان الذي يصحّ صومه
مسألة ٦٧ :
محلّ الصوم إنّما هو النهار دون الليل ؛ للنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ
لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .
وأجمع المسلمون كافة
على ذلك .
ولو نذر صوم الليل ،
لم ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر الصوم في الليل وليس محلاً له ، فلم يكن الإِمساك فيه عبادة شرعية ، فلا ينعقد .
ولا فرق بين أن يُفرده
عن النهار في الصوم أو يضمّه إليه ؛ لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده ، فلا يصح منضمّاً الى غيره ، ولا ينعقد صوم النهار حينئذٍ ؛ لأنّ المجموع لا يصحّ صومه ، ولا ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر معصية ، فلا ينعقد نذر صوم النهار .
مسألة ٦٨ :
ويحرم صوم يومي العيدين في فرض أو نفل ، فإن صام واحداً منهما أو صامهما ، فعل مُحرّماً ، ولم يجزئه عن الفرض بإجماع علماء
__________________
الأمصار
؛ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صيام يومين : يوم فطر ويوم أضحى ، والنهي يدلّ على التحريم .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الزهري عن سيد العابدين عليه السلام ، قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام : « وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى » الحديث .
مسألة ٦٩ :
لو نذر صوم يومي العيدين ، لم ينعقد نذره ولم يصر العيد قابلاً لإِيقاع الصوم فيه باعتبار النذر ـ وبه قال الشافعي
ـ لأنّه محرَّم شرعاً إجماعاً ، فلا يصح نذره .
ولأنّه معصية ؛ لأنّه
منهي عنه ؛ لقوله عليه السلام : ( ألا لا تصوموا هذه الأيام ) فلا يتقرّب بالنذر فيه الى الله تعالى ؛ لتضادّ الوجهين .
ولقوله عليه السلام :
( لا نذر في معصية ) .
ولأنّه نذر صوماً
محرَّماً فلم ينعقد ، كما لو نذرت صوم أيام حيضها .
ولأنّ ما لا يصحّ
صومه عن النذر المطلق والكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه كأيّام الحيض والنفاس .
وقال أبو حنيفة :
صومه محرَّم ، ولو نذره انعقد ، ولزمه أن يصوم غيره ، وإن صام فيه أجزأه ـ ولو صام فيه عن نذر مطلق ، لم يجزئه ـ لأنّه نذر صوم يوم مع أهليته للصوم فيه ، فانعقد نذره كسائر الأيام
.
__________________
ونمنع أهليته للصوم ؛
لورود النهي عنه .
مسألة ٧٠ :
ويحرم صوم أيام التشريق ـ وهي الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر ـ لمن كان بمنى خاصة في الفرض والنفل عند علمائنا .
وقد قال أكثر أهل
العلم بأنّه لا يحلّ صيامها تطوّعاً ؛ لأنّ العامة روت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجل ) .
وعن عبدالله بن حذافة
قال : بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أيام منى اُنادي : أيّها الناس إنّها أيام أكل وشرب وبعال
؛ يعني أيام التشريق .
ومن طريق الخاصة :
رواية الزهري عن زين العابدين عليه السلام : « وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق »
.
وأمّا صومها في الفرض
: فعندنا أنّه لا يجوز ؛ لما تقدّم من الأخبار من طريق العامة والخاصة ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال مالك : يجوز
.
__________________
وللشافعي قولان :
القديم : الجواز ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهَدي ولم يَصُم الثلاثة في العَشر أن يصوم أيام التشريق . والجديد : التحريم .
واعلم : أنّ بعض
الشافعية خصّ جواز صومها بالمتمتّع في بدل الهدي ، ومنع غيره ؛ لأنّ النهي عام ، والرخصة وردت في حقّ المتمتّع خاصة ، وهو قول أكثرهم .
وقال بعضهم : إنّه
يجوز صومها لغيره ؛ لأنّ تجويز صومها للمتمتّع إنّما كان لأنّه صوم له سبب ، فيجوز مثل هذا الصوم لكلّ أحد ، دون التطوّعات المحضة .
فروع :
أ ـ قيّد أصحابنا
التحريم لمن كان بمنى ، فلو كان في غيرها من الأمصار ، لم يحرم صوم أيام التشريق عليه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم أيام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار
فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا » .
ب ـ هل التحريم مطلق
على من كان بمنى ، أو بشرط أن يكون ناسكاً ؟ فيه إشكال .
ج ـ لو نذر صوم أيام
التشريق ، فإن كان بمنى ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه صوم محرَّم ، وان كان بغيرها ، صحّ .
د ـ قال الشيخ في
النهاية : صوم ثلاثة أيام : يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فإن فاته صوم هذه ، فليصم يوم الحصبة ـ وهو يوم النفر ـ ويومان
__________________
بعده
متواليات .
ويشكل : بأنّ يوم
الحصبة من جملة أيام التشريق .
مسألة ٧١ :
لو نذر صوم يوم معيّن كالسبت مثلاً ، فاتّفق أنّه أحد العيدين ، أو أيام التشريق ، لم يجز صومه .
والأقوى : بطلان
النذر ؛ لأنّه لم يصادف محلاً .
ويحرم صوم يوم الشك
بنية أنّه من رمضان أو أنّه إن كان من رمضان ، كان واجباً ، وإن كان من غير رمضان ، كان ندباً ، وقد سبق
ذلك كله .
* * *
__________________

الفصل
السابع في أقسام الصوم
أقسام الصوم أربعة : واجب ومندوب ومكروه ومحظور
فالواجب من الصوم ستة
: شهر رمضان والكفّارات ودم المتعة والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب ، فهنا مطالب :
الأول :
في شهر رمضان ، وفيه مباحث :
البحث الأول : في علامته .
يعلم دخول شهر رمضان
وغيره من الشهور بأحد اُمور ثلاثة : إمّا رؤية الهلال أو الإِخبار أو الحساب .
النظر الأول :
في رؤية الهلال
مسألة ٧٢ :
أجمع العلماء كافة على أنّ رؤية الهلال للزائد على الواحد سبب في وجوب الصوم في شهر رمضان ، وعلامة على دخوله .
قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) دلّ على أنّه تعالى اعتبر الأهلّة في
تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا
__________________
يعتبر
فيه الوقت .
وأجمع المسلمون من
عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، الى زماننا هذا على اعتبار الهلال والترائي له ، والتصدّي لإِبصاره ، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتصدّى لرؤيته ويتولّاها .
وشرّع عليه السلام
قبول الشهادة عليه ، والحكم في مَن شهد بذلك في مصر من الأمصار ، ومن جاء بالخبر من خارج المصر ، وحكم المخبر به في الصحو ، وخبر مَن شهد برؤيته مع العوارض ؛ وذلك يدلّ على أنّ رؤية الهلال أصل من اُصول الدين معلوم ضرورة من شرع الرسول عليه السلام ، والأخبار متواترة بذلك ، ولا نعلم فيه خلافاً .
وقد سئل الصادق عليه
السلام عن الأهلّة ، فقال : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر » .
مسألة ٧٣ :
ويلزم صوم رمضان مَن رأى الهلال وإن كان واحداً انفرد برؤيته ، سواء كان عدلاً أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قُبلت شهادته أو ردّت ، ذهب اليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله
عليه وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وتكليف الرسول صلّى الله عليه
__________________
وآله
كما يتناول الواحد يتناول الجميع وبالعكس .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الأهلّة : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »
.
ولأنّه يتيقّن أنّه
من رمضان ، فلزمه صومه ، كما لو حكم به الحاكم .
ولأنّ الرؤية أبلغ في
باب العلم من الشاهدَين ، بل الشاهدان يفيدان الظنّ ، والرؤية تفيد القطع ، فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين فبالأقوى أولى .
وقال عطاء والحسن
وابن سيرين وإسحاق : إذا انفرد الواحد برؤية الهلال ، لا يصوم ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّه يوم محكوم به من شعبان ، فأشبه
التاسع والعشرين .
ونمنع الحكم بكونه من
شعبان في حق الرائي ؛ لأنّه يتيقّن أنّه من شهر رمضان ، فلزمه صيامه كالعدل .
إذا ثبت هذا ، فإن
أفطر هذا المنفرد ، وجب عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أفطر يوماً من رمضان ، فوجب عليه الكفّارة ، كما لو قُبلت شهادته .
وقال أبو حنيفة : لا
تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّها عقوبة ، فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحد .
__________________
ونمنع كون الكفّارة
عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه .
مسألة ٧٤ :
يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف .
وقد روى العامّة أنّ
النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( احصوا هلال شعبان لرمضان ) .
ومن طريق الخاصة : ما
روي عن الباقر عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي » . .
ولأنّ الصوم واجب في
أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب .
مسألة ٧٥ :
يستحب لرائي الهلال الدعاء ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه .
روى العامّة أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : (الله اكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ،
والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الباقر عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة
،
__________________
والرزق
الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »
.
وكان أمير المؤمنين عليه
السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه » .
وكان عليه السلام
أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى » .
وكان من قول أمير المؤمنين
عليه السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في فلك التدوير
، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البُهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ،
والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن
__________________
ما
دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ]
شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن
من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين » .
مسألة ٧٦ :
إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ رحمه الله وهو المعتمد ، وبه قال أبو
حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق
؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته الى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبدالله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : ليلة الجمعة ؛ فقال : أنت رأيته ؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله
.
__________________
ولأنّ البُلدان
المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة
الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس .
وقال بعض الشافعية :
حكم البلاد كلّها واحد ، متى رؤي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا ـ وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد ، وبعض علمائنا ـ لأنّه يوم من شهر
رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .
وقوله عليه السلام :
( فرض الله صوم شهر رمضان ) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه .
ولأنّ الدَّين يحلّ
به ، ويقع به النذر المعلّق عليه .
ولقول الصادق عليه
السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه » .
وقال عليه السلام ،
في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً »
.
ولأنّ الأرض مسطّحة ،
فإذا رؤي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في
__________________
غيره
شيء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية .
ونمنع كونه يوماً من
رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة .
وقول الصادق عليه
السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة .
ونمنع تسطيح الأرض ،
بل المشهور : كرؤيتها .
فروع :
أ ـ اختلفت الشافعية
في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر .
وقال بعضهم :
الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به
.
وبعضهم اعتبر ما
قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة .
ومنهم مَن اعتبر
اتّحاد الإِقليم واختلافه .
ب ـ لو شرع في الصوم
في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم
يفطر ؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم ـ وهو قول بعض الشافعية
ـ لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم .
والثاني : أنّه يفطر
؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه
__________________
ذلك
بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه .
وإن عمّمنا الحكم سائر
البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول .
ج ـ لو سافر من
البلدة التي يُرى فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ،
فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً .
وعلى قياس الوجه
الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل .
وعلى عكسه لو سافر من
حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد
المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر .
د ـ لو رؤي الهلال في
بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بَعيدٌ .
ولو انعكس الحال ،
فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا .
وإذا أفطر ، قضى يوماً
؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً .
__________________
مسألة ٧٧ :
إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة ، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة
ـ لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين :
أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا
حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة .
ومن طريق الخاصة : ما
روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليه عليه السلام : جعلت فداك ربما غُمّ علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا ؟ وكيف تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال » .
__________________
وقال الباقر عليه
السلام : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا » .
وقال الثوري : إن رؤي
قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة . وبه قال أبو يوسف
.
وقال أحمد : إن كان
في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ؛ لقوله عليه السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر .
ولأنّ ما قبل الزوال
أقرب الى الماضية .
والمراد في الخبر :
إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال .
وعلى الرواية التي
لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ؛ يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة
.
وهو غلط ؛ لأنّ ما
كان للّيلة المُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر .
__________________
النظر
الثاني : في الإِخبار
مسألة ٧٨ :
لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة بإجماع علماء الأمصار .
على أنّ للشهادة
اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود .
والمشهور عند علمائنا
: أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه ـ وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين ـ لما رواه العامة عن رسول الله صلّى
الله عليه وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا ) .
وقال عليه السلام : (
صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان )
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إنّ علياً عليه السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين »
.
__________________
ولأنّها عبادة فاعتبر
عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب .
وقال سلّار من
علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين ـ وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية
الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك ـ لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال :
جاء أعرابي الى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين » .
ولأنّ الاحتياط
للعبادة يقتضي قبول الواحد .
ولأنّه خبر عن وقت
الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة .
ولأنّه خبر ديني
يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية .
ورواية ابن عباس
حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبي صلّى الله عليه وآله شاهد آخر .
__________________
ويحتمل أن يكون قد
حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبي صلّى الله عليه وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار
شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار .
وقول أمير المؤمنين عليه
السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل . ورجلان عدل . ورجال عدل . ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة . والرواية قُبِل فيها الواحد ؛ للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها .
وللشيخ ـ رحمه الله تعالى
ـ قولان :
قال في المبسوط : إن
كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه .
وقال في النهاية : إن
كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شيء .
ومتى كان في السماء
علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون
خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج
__________________
المصر
، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية » .
وسأل إبراهيم بن
عثمان الخزاز ، الصادق عليه السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال ؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر »
.
ولأنّه مع انتفاء
العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً .
ونمنع صحة سند
الخبرين . وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين .
وقال أبو حنيفة : لا
يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةٌ ، فيختص واحد برؤيته .
ونحن نقول بموجبه من
أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه .
__________________
ولأنّه ينتقض : بما
لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع ـ كما قالوه ـ لم ينفذ فيه حكم الحاكم .
مسألة ٧٩ :
لا تقبل شهادة النساء في ذلك ؛ لقول علي عليه السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال » .
وقال الشافعي : إن
قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه . ولا عبرة بقول العبد . ولا بدّ من لفظ الشهادة . وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي .
وإن قبلنا قول الواحد
، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية ؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب .
والثاني : أنّه رواية
؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المُخبر وغير المُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبي صلّى الله عليه وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل .
وهل يشترط لفظ
الشهادة ؟ وجهان عنده .
وقال أبو حنيفة :
يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد
.
ولا تقبل شهادة الصبي
المميّز الموثوق به .
وقال الجويني : فيه
وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان .
وقال بعض الشافعية :
إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم .
__________________
وقالت طائفة : يجب
الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق .
ولا خلاف أنّه لا
يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ؛ فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه .
وهو غلط ؛ لما تقدّم
من الأحاديث .
احتجّ : بأنّه خبر
يستوي فيه المُخبِر والمُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كاللإِخبار عن دخول وقتها .
ونمنع كونه خبراً ،
ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان .
فروع :
أ ـ لا تقبل شهادة
الفاسق ؛ لقوله تعالى : (
إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) .
ولا بدّ من اعتبار
العدالة الباطنة التي يرجع فيها الى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين ـ وهو أحد قولي الشافعية ـ لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما
يعرف بالاتّصاف بالضدّ .
ب ـ لو صاموا بشهادة
الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين
ـ
__________________
لأنّ
الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة .
والثاني للشافعي : لا
يفطرون ـ وبه قال محمد بن الحسن ـ لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد .
وقد تقدّم جوابه من
جواز إثبات الشيء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً .
وما موضع القولين ؟
للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار . والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد
.
ج ـ لو صاموا بشهادة عدلين
ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على
هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى .
وقال مالك : لا
يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظن
. وقد بيّنا خلافه .
وعلى هذا القول لو
شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة .
د ـ إذا قلنا بقبول
الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي .
وقال بعض الشافعية
القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق
__________________
المعلّقين
بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به
.
هـ ـ لا يثبت الهلال
بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين .
وللشافعية طريقان :
أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة ؟
وأصحّهما عندهم :
القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء .
وعلى هذا ، فعدد
الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع هاهنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد .
وإن لم نعتبر العدد ،
فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار . والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ؛ لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال .
وعلى هذا ، فهل يشترط
إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان ؟ وجهان .
وإن قلنا : إنّ طريقه
طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين ؟ وجهان عندهم .
و ـ لو رأى اثنان
هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار مع معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا
برمضان ؛ لقوله
__________________
عليه
السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا ) .
ولو شهدا ، فردّ
الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان .
ويجوز لكلٍّ منهما أن
يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه ، وليس شيئاً .
ز ـ إنّما يقبل في
الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر .
مسألة ٨٠ :
لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم .
ولو لم يحصل العلم ،
بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع .
النظر الثالث :
في الحساب
مسألة ٨١ :
إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد ، أكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام
.
__________________
ومن طريق الخاصة :
قول أمير المؤمنين عليه السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا » .
مسألة ٨٢ :
ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه ـ وهو قول أكثر العامة ـ لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول
المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنه عليه السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز له عليه السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة .
وحكي عن قوم من
العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين . وهو باطل ؛ لما تقدّم .
ولقول الصادق عليه
السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية » .
والأحاديث متواترة
على أنّ الطريق إمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبي صلّى الله عليه وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقال عليه السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد )
.
احتجّوا : بقوله
تعالى : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ
هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
__________________
ولأنّ النبي عليه
السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له ) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة .
والجواب : الاهتداء
بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا .
وأمّا الحديث : ( فَاقدروا
له ثلاثين ) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين .
وأمّا القبلة والوقت
فالطريق هو المشاهدة .
وللشافعية وجهان في مَن
عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به ؟
وأصحّهما عندهم :
المنع . والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه .
ولو عرفه بالنجوم ،
لم يَجُز أن يصوم به عندهم قولاً واحداً .
مسألة ٨٣ :
لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام
، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادق عليه السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، صام تسعة
__________________
وعشرين
يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول الله صلّى الله عليه وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة »
.
قال الشيخ رحمه الله
: هذا الخبر لا يعوّل عليه .
أمّا أولاً : فلأنّه
لم يوجد في شيء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار .
وأيضاً ، كتاب حذيفة
بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه .
وأيضاً ، فإنّه مختلف
الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادق عليه السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة :
قال الصادق عليه
السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة » .
وقال عليه السلام في
شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان » .
وقال الباقر عليه
السلام : « حدّثني أبي عليه السلام أنّ علياً عليه السلام قال : صُمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لمّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة
__________________
والمحرّم
ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين ، [ و ]
صوموا الواحد وثلاثين » .
مسألة ٨٤ :
ولا اعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق ؛ لقوله عليه السلام : ( الصوم للرؤية والفطر للرؤية ) .
ولأصالة براءة الذمة
.
وقال بعض مَن لا يعتد
به : إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية ، وإن غاب قبله فهو لليلته ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إذا غاب
الهلال قبل الشفق فهو لليلته ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين »
.
ونمنع صحة سنده .
ونعارضه بالأحاديث الدالّة على حصر الطريق في الرؤية والشهادة ومضيّ الثلاثين .
قال الشيخ رحمه الله
: هذا إنّما يكون أمارةً على اعتبار دخول الشهر إذا كانت السماء مغيّمةً ، فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق وبتطوّق الهلال ، فأمّا مع زوال العلّة فلا .
إذا ثبت هذا ، فلا
يجوز التعويل أيضاً على تطوّق الهلال .
وفي رواية عن الصادق عليه
السلام : « إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين » .
__________________
ونمنع صحة سندها .
مسألة ٨٥ :
لا اعتبار بعدِّ خمسة أيام من الماضية ؛ عملاً بالأصل ، وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين ، فعلى هذا لو غُمّ هلال الشهور كلّها ، عدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً .
وقد روى عمران
الزعفراني عن الصادق عليه السلام : قلت له : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى
السماء ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : « اُنظر اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وصُم
يوم الخامس » .
وسأل عمران أيضاً ،
الصادق عليه السلام : قلت : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى سماءً ولا نجماً ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : « اُنظر
اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيام ، وصُم يوم الخامس » .
والأول مرسل . وفي
طريق الثاني : سهل بن زياد ، وهو ضعيف مع أنّ عمران الزعفراني مجهول .
ولو قيل بذلك بناءً
على العادة القاضية بعدم تمامية شهور السنة بأسرها ، كان وجهاً .
ولو غُمّ هلال رمضان
وشعبان ، عدّدنا رجب ثلاثين ، وكذا شعبان ، فإن غُمّت الأهلّة بأسرها ، فالأقرب : الاعتبار برواية الخمسة بناءً على العادة ، وهو
__________________
اختيار
الشيخ في المبسوط .
وأكثر علمائنا قالوا
: تعدّ الشهور ثلاثين ثلاثين .
مسألة ٨٦ :
لو كان بحيث لا يعلم الأهلّة ، كالمحبوس ، أو اشتبهت عليه الشهور ، كالأسير مع الكفّار إذا لم يعلم الشهر ، وجب عليه أن يجتهد ويُغلّب على ظنّه شهراً أنّه من رمضان ، فإن حصل الظنّ بنى عليه .
ثم إن استمرّ
الاشتباه ، أجزأه إجماعاً ـ إلّا من الحسن بن صالح بن حي ـ لأنّه أدّى فرضه باجتهاده ، فأجزأه ، كما لو ضاق الوقت
واشتبهت القبلة .
وإن لم يستمرّ ، فان
اتّفق وقوع الصوم في رمضان ، أجزأه إجماعاً ، إلّا من الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه قال : لا يجزئه
.
وهو غلط ؛ لأنّه أدّى
العبادة باجتهاده ، فإذا وافق الإِصابة أجزأه ، كالقبلة إذا اشتبهت عليه .
ولأنّه مكلّف بالصوم
إجماعاً ، والعلم غير ممكن ، فتعيّن الظنّ .
احتجّ : بأنّه صامه
على الشك ، فلا يجزئه ، كما إذا صام يوم الشك ثم بان أنّه من رمضان .
والفرق : أنّ يوم
الشك لم يضع الشارع الاجتهاد طريقاً اليه .
وإن وافق صومه بعد
رمضان ، أجزأه أيضاً عند عامّة العلماء ، إلّا الحسن بن صالح بن حي ، فإنّه قال : لا يجزئه .
__________________
وليس بجيّد ؛ لأنّه
أدّى العبادة في أحد وقتيها ـ أعني وقت القضاء ـ فأجزأه ، كما لو فعلها في الوقت الآخر ، وهو وقت الأداء ، وكما لو دخل الوقت وهو متلبّس بالصلاة .
ولأنّ عبد الرحمن بن
أبي عبدالله سأل الصادق عليه السلام : الرجل أسرته الروم ، ولم يَصُم شهر رمضان ، ولم يَدر أيّ شهر هو ، قال : « يصوم شهراً يتوخّاه ، ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعده أجزأه » .
وإن وافق صومه قبل
رمضان ، لم يجزئه عند علمائنا ـ وبه قال أبو ثور ومالك وأحمد والشافعي في أحد القولين ـ لأنّه فعل العبادة قبل وقتها ، فلا يقع أداءً ولا قضاءً ، فلم يجزئه ، كالصلاة يوم الغيم .
ولرواية عبد الرحمن ،
وقد تقدّمت .
والثاني للشافعي :
الإِجزاء ؛ لأنّه فعل العبادة قبل وقتها مع الاشتباه فأجزأه ، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقف قبله .
ونمنع حكم الأصل .
مسألة ٨٧ :
لو لم يغلب على ظنّ الأسير شهر رمضان ، لزمه أن يتوخّى شهراً ويصومه ويتخيّر فيه ـ وبه قال بعض الشافعية
ـ لأنّه مكلّف بالصوم ، وقد فقد العلم بتعيّن الوقت ، فسقط عنه التعيين ، ووجب عليه الصوم في شهر
__________________
يتوخّاه
، كما لو فاته الشهر مع علمه ولم يصمه ، فإنّه يسقط عنه التعيين ، ويتوخّى شهراً يصومه للقضاء ، وكما لو اشتبهت القبلة وضاق الوقت .
ولرواية عبد الرحمن
.
وقال بعض الشافعية :
لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان ولا ظنّه ، فلا يلزمه الصيام ، كما لو شك في دخول وقت الصلاة ، فإنّه لا يلزمه الصلاة .
والفرق ظاهر ؛
لتمكّنه من العلم بوقت الصلاة بالصبر .
ولو وافق بعضه الشهر
دون بعض ، صحّ ما وافق الشهر وما بعده دون ما قبله .
ولو وافق صومه شوّال
، لم يصحّ صوم يوم العيد ، وقضاه ، وكذا ذو الحجّة .
وإذا توخّى شهراً ،
فالأولى وجوب التتابع فيه وإن كان له أن يصوم قبله وبعده .
وإذا وافق صومه بعد
الشهر ، فالمعتبر صوم أيام بعدّة ما فاته ، سواء وافق ما بين هلالين أم لا ، وسواء كان الشهران تامّين أو أحدهما أو ناقصين .
نعم لو كان رمضان
تاماً ، فتوخّى شهراً ناقصاً ، وجب عليه إكمال يوم .
وقال بعض الشافعية :
إذا وافق شهراً بين هلالين ، أجزأه مطلقاً ، وإن لم يوافق ، لزمه صوم ثلاثين وإن كان رمضان ناقصاً ؛ لأنّه لو نذر صيام شهر أجزأه عدّه بين هلالين وإن كان ناقصاً .
وهو خطأ ؛ لأنّه يلزم
قضاء ما ترك ، والاعتبار بالأيام ؛ لقوله تعالى :
__________________
(
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
والإِجزاء في النذر ؛
لأنّ اسم الشهر يتناوله ، أمّا هنا فالواجب عدد ما فات من الأيام .
ولو صام شوّالاً وكان
ناقصاً ورمضان ناقص أيضاً ، لزمه يوم عوض العيد .
وقال بعض الشافعية :
يلزمه يومان . وليس بجيّد .
وإذا صام على سبيل
التخمين من غير أمارة ، لم يجب القضاء ، إلّا أن يوافق قبل رمضان .
ولو صام تطوّعاً ،
فبان أنّه رمضان ، فالأقرب : الإِجزاء ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ نية التعيين ليست شرطاً ، وكما لو صام يوم الشك بنيّة
التطوّع وثبت أنّه من رمضان .
وقال الشافعي : لا
يجزئه . وبه قال أحمد .
مسألة ٨٨ :
وقت وجوب الإِمساك هو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء .
قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) .
ويجوز له الأكل
والشرب الى أن يطلع الفجر .
وأمّا الجماع فيجوز
الى أن يبقى للطلوع مقدار الغسل .
ويجب الاستمرار على
الإِمساك الى غروب الشمس الذي تجب به صلاة المغرب .
ولو اشتبه عليه
الغيبوبة ، وجب عليه الإِمساك ، ويستظهر حتى يتيقّن ؛
__________________
لأصالة
البقاء .
ويستحب له تقديم
الصلاة على الإِفطار ، إلّا أن يكون هناك مَن ينتظره للإِفطار ، فيقدِّم الإِفطارَ معهم على الصلاة .
سئل الصادق عليه
السلام عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها ؟ قال : « إن كان معه قوم يخشى أن يحسبهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر » .
البحث الثاني : في
شرائطه .
وهي قسمان :
الأول : شرائط الوجوب
مسألة ٨٩ :
يشترط في وجوب الصوم : البلوغ وكمال العقل ، فلا يجب على الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه إجماعاً ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب على الصبي الصوم إذا أطاقه ، وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي .
وقال الأوزاعي : إذا
أطاق صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يخور منهن ولا يضعف ، حُمّل صوم رمضان
.
__________________
وقد تقدّم
بطلانه .
فلو بلغ الصبي قبل
الفجر ، وجب عليه الصوم إجماعاً ، ولو كان بعد الفجر ، لم يجب ، واستحبّ له الإِمساك ، سواء كان مفطراً أو صائماً بلغ بغير المفطر ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لقوله عليه السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه )
.
وقال
: يجب عليه الامساك ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لأنّ نية صوم رمضان حصلت ليلاً ، فيجزئه كالبالغ .
ولا يمتنع أن يكون
أول الصوم نفلاً وباقية فرضاً ، كما لو شرع في صوم يوم تطوّعاً ثم نذر إتمامه .
وقال بعض الحنابلة :
يلزمه القضاء ؛ لأنّه عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضيّ بعض أركانها ، فلزمه إعادتها ، كالصلاة والحجّ إذا بلغ بعد الوقوف .
وهذا لأنّه ببلوغه
يلزمه صوم جميعه ، والماضي قبل بلوغه نفل ، فلم يجزئ عن الفرض ، ولهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم ، لزمه القضاء .
وأمّا ما مضى من
الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه ، وسواء كان قد صامه أو أفطره في قول عامة أهل العلم .
__________________
وقال الأوزاعي :
يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه .
وهو غلط ؛ لأنّه زمن
مضى في حال صباه ، فلم يلزمه قضاء الصوم فيه ، كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان .
وإن بلغ الصبي وهو
مفطر ، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم ولا قضاؤه .
وعن أحمد روايتان في
وجوب الإِمساك والقضاء .
وقال الشافعي : إن
كان أفطر ، استحبّ له الإِمساك ، وفي القضاء قولان .
وإن كان صائماً
فوجهان : أحدهما : يتمّه استحباباً ، ويقضيه وجوباً ؛ لفوات نية التعيين . والثاني : يتمّه وجوباً ، ويقضيه استحباباً
.
مسألة ٩٠ :
العقل شرط في الصوم ، فلا يجب على المجنون بالإِجماع ، وللحديث .
ولو أفاق في أثناء
الشهر ، وجب عليه صيام ما بقي إجماعاً ، ولا يجب عليه قضاء ما فات حال جنونه ـ وبه قال أبو ثور والشافعي في الجديد ، وأحمد ـ لأنّه معنى يزيل التكليف ، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر
.
وقال مالك والشافعي
في القديم ، وأحمد في رواية : يجب قضاء ما فات وإن مضى عليه سنون ؛ لأنّه معنى يزيل العقل ، فلم يمنع وجوب الصوم كالإِغماء .
والأصل ممنوع .
وقال أبو حنيفة : إن
جُنّ جميع الشهر ، فلا قضاء عليه ، وإن أفاق في
__________________
أثنائه
، قضى ما مضى .
ولو تجدّد الجنون في
أثناء النهار ، بطل صوم ذلك اليوم .
ولو أفاق قبل طلوع
الفجر ، وجب عليه صيامه إجماعاً ، وإن أفاق في أثنائه ، أمسك بقية النهار استحباباً لا وجوباً ، وحكم المغمى عليه حكم المجنون .
مسألة ٩١ :
الإِسلام شرط في صحة الصوم لا في وجوبه .
ولو أسلم في أثناء
الشهر ، وجب عليه صيام الباقي دون الماضي ـ وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي
ـ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )
.
وقال عطاء : يجب عليه
قضاؤه . وعن الحسن كالمذهبين .
وهو غلط ، إلّا أن
يكون مرتدّاً ، فيجب عليه القضاء إجماعاً .
واليوم الذي يُسْلم
فيه إن كان إسلامه قبل طلوع فجره ، وجب عليه صيامه ، وإن كان بعده ، أمسك استحباباً ؛ لأنّ عيص بن القاسم روى ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا
قبل طلوع الفجر » .
__________________
وقال أحمد : يجب عليه
إمساكه ـ وبه قال إسحاق ـ لأنّه أدرك جزءاً من وقت العبادة فلزمته ، كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة
.
والأصل ممنوع .
ووافقنا مالك وأبو ثور وابن المنذر .
ولو طرأ الكفر في آخر
النهار ، بطل الصوم .
مسألة ٩٢ :
السلامة من المرض شرط في الصحة ، فلو كان المريض يتضرّر بالصوم ، لم يصح منه .
وحدّ المرض الذي يجب
معه الإِفطار : ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يتباطأ البُرء معه لو صام عند أكثر العلماء .
وحكي عن قوم لا عبرة
بهم : إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ؛ لعموم قوله تعالى : (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا ) .
وهو مخصوص ، كتخصيص
السفر بالطاعة ، وقد سئل الصادق عليه السلام عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة ، فقال : (
بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )
وقال : « ذلك اليه هو أعلم بنفسه » .
وكلّ الأمراض مساوية
في هذا الحكم ، سواء كان وجع الرأس أو حُمى ولو حُمّى يوم ، أو رمد العين وغير ذلك ، فإن صامه مع حصول الضرر به ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ؛ لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادة
يدلّ على الفساد ؛ لقوله تعالى : (
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ
__________________
عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )
والتفصيل قاطع للشركة .
وقال بعض العامة :
إذا تكلّف ، صحّ صومه وإن زاد في مرضه وتضرّر به . وليس بجيّد .
أمّا الصحيح الذي
يخشى المرض بالصوم ، فإنّه لا يباح له الإِفطار . وكذا لو كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشقّ اُنثياه .
ولو خافت المستحاضة
من الصوم التضرّر ، أفطرت ؛ لأنّ الاستحاضة مرض .
ولو جوّزنا لصاحب
الشبق المضرّ به ، الإِفطار ، وأمكنه استدفاع ذلك بما لا يبطل منه الصوم ، وجب عليه ذلك .
فإن لم يمكنه إلّا
بإفساد الصوم ، فإشكال ينشأ : من تحريم الإِفطار لغير سبب ، ومن مراعاة مصلحة بقاء النفس على السلامة ، كالحامل والمرضع ، فإنّهما يفطران خوفاً على الولد ، فمراعاة النفس أولى .
ولو كان له امرأتان :
حائض وطاهر ، واضطرّ الى وطء إحداهما ، وجوّزنا له ذلك ، فالوجه وطء الطاهر ؛ لأنّ الله تعالى حرّم وطء الحائض
.
وقال بعض العامة :
يتخيّر . وليس شيئاً .
وكذا لو أمكنه
استدفاع الأذى بفعل محرَّم كالاستمناء باليد ، لم يجز ، خلافاً لبعضهم .
مسألة ٩٣ :
الإِقامة أو حكمها شرط في الصوم الواجب عدا ما استثني ، فلا يجب الصوم على المسافر سفراً مخصوصاً بإجماع العلماء .
__________________
قال الله تعالى : ( وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) والتفصيل قاطع للشركة ، فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضاً لازماً ، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيّقاً ، وإذا وجب عليه القضاء مطلقاً ، سقط عنه فرض الصوم .
وروى العامة أنّ
النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( إنّ الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ
مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) قال : « ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه » .
إذا عرفت هذا ، فلو
صام المسافر في سفره المبيح للقصر ، لم يجزئه إن كان عالماً عند علمائنا أجمع ، وكان مأثوماً ـ وبه قال أبو هريرة وستّة من الصحابة ، وأهل الظاهر . قال أحمد : كان عمر وأبو هريرة
يأمران المسافر بإعادة ما صامه في السفر . وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد
الرحمن بن عوف ، أنّه قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر
ـ لقوله تعالى : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ ) أوجب عدّةً من أيام اُخر ، فلم يجز صوم
__________________
رمضان
في السفر .
وما رواه العامة عن النبي
صلّى الله عليه وآله قال : ( ليس من البر الصيام في السفر ) .
وقال عليه السلام : (
الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ) .
وأفطر صلّى الله عليه
وآله في السفر ، فلمّا بلغه أنّ قوماً صاموا ، قال : ( اُولئك العصاة ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صلّيت عليه » .
وقال عليه السلام : «
الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر » .
وقال باقي العامة :
إنّ صومه جائز . واختلفوا في الأفضل .
فقال أبو حنيفة ومالك
والشافعي والثوري وأبو ثور : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإِفطار .
__________________
وقال أحمد والأوزاعي
وإسحاق : الإِفطار أفضل ـ وبه قال عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر ـ لما روت عائشة أنّ النبي صلّى الله
عليه وآله قال لحمزة الأسلمي وقد سأله عن الصوم في السفر : ( إن شئت فصُم وإن شئت فأفطر ) .
وقال أنس : سافرنا مع
رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فصام بعضنا وأفطر بعضنا ، فلم يَعِبِ الصائمُ على المُفطر ولا المُفطرُ على الصائم
.
ولأنّ الإِفطار في
السفر رخصة ، ومن رخص له الفطر جاز له أن يتحمّل المشقة بالصوم كالمريض .
والحديثان لو صحّا ،
حملا على صوم النافلة ؛ جمعاً بين الأدلّة .
والتخيير ينافي
الأفضلية وقد اتّفقوا على أفضلية أحدهما وإن اختلفوا في تعيينه .
ونمنع الحكم في
المريض فيبطل القياس .
تذنيب :
لو صام مع علمه بوجوب القصر ، كان عاصياً ؛ لما تقدّم ، وتجب عليه الإِعادة ؛ لأنّه منهي عن الصوم ، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد .
أمّا لو صام رمضان في
السفر جاهلاً بالتحريم ، فإنّه يجزئه الصوم ؛ لأنّه معذور .
ولأنّ الحلبي سأل الصادق
عليه السلام : قلت له : رجل صام في السفر ،
__________________
فقال
: « إن كان بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن ذلك ، فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه ، فلا شيء عليه » وغير ذلك من الأخبار .
مسألة ٩٤ :
وإنّما يترخّص المسافر إذا كان سفره سفر طاعة ، أو مباحاً ، فإن كان سفر معصية أو لصيد لهو وبطر ، لم يجز له
الإِفطار عند علمائنا أجمع ؛ لأنّ في رخصة الإِفطار إعانةً له على المعصية وتقويةً له عليها .
ولقول الصادق عليه
السلام : « من سافر قصَّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره في الصيد أو في معصية الله ، أو رسولاً لمن يعصي الله ، أو في طلب شحناء ، أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين »
.
وجاء رجلان الى الرضا
عليه السلام بخراسان ، فسألاه عن التقصير ، فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان » .
إذا ثبت هذا فإنّما
يجوز التقصير في مسافة القصر ، وهي : بريدان : ثمانية فراسخ ؛ لقول الصادق عليه السلام في التقصير : « حدّه أربعة وعشرون ميلاً » .
وسئل الصادق عليه
السلام في كم يقصّر الرجل ؟ فقال : « في بياض يوم أو بريدين » وقد تقدّم ذلك في كتاب الصلاة
.
__________________
وإنّما يجوز التقصير
إذا قصد المسافة ، فالهائم لا يترخّص وإن سار أكثر من المسافة ، وقد تقدّم .
ولو نوى المسافر الإِقامة
في بلدة عشرة أيام ، وجب عليه التمام ، وانقطع سفره .
ومن كان سفره أكثر من
حضره لا يجوز له الإِفطار ؛ لأنّ وقته مشغول بالسفر ، فلا مشقة له فيه .
ولقول الصادق عليه
السلام : « المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام ، يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان » .
ولو أقام أحدهم في
بلده عشرة أيام ، أو أقام العشرة في غير بلده مع العزم على إقامتها ، وجب عليهم التقصير إذا خرجوا بعد العشرة ؛ لأنّ بعض رجال يونس سأل الصادق عليه السلام عن حدّ المكاري الذي يصوم ويُتمّ ، قال : « أيّما مُكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإِفطار » .
ولو تردّد في السفر
ولم يَنو المقام عشرة أيام ، وكان ممّن يجب عليه التقصير في السفر ، وجب عليه التقصير الى شهر ثم يتمّ بعد ذلك .
مسألة ٩٥ :
شرائط قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم ؛ لقول الصادق عليه السلام : « ليس يفترق التقصير والإِفطار ، فمن قصّر فليفطر » .
__________________
وهل يشترط تبييت
النية من الليل ؟ قال الشيخ رحمه الله : نعم ، فلو بيّت نيته على السفر من الليل ثم خرج أيّ وقت كان من النهار ، وجب عليه التقصير والقضاء . ولو خرج بعد الزوال ، أمسك وعليه القضاء .
وإن لم يبيّت نيته من
الليل ، لم يجز له التقصير ، وكان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج ، إلّا أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر ، فإنّه يجب عليه الإِفطار على كلّ حال .
ولو قصّر ، وجب عليه
القضاء والكفّارة .
وقال المفيد رحمه الله
: المعتبر خروجه قبل الزوال ، فإن خرج قبله ، لزمه الإِفطار ، فإن صامه ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، ولو خرج بعد الزوال ، أتمّ ، ولا اعتبار بالنية . وبه قال أبو الصلاح
.
وقال السيد المرتضى
رحمه الله : يفطر ولو خرج قبل الغروب ـ وهو قول علي بن بابويه رحمه الله ـ ولم يعتبر التبييت .
والمعتمد : قول
المفيد رحمه الله ؛ لقوله تعالى : (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )
وهو يتناول بعمومه من خرج قبل الزوال بغير نية .
ومن طريق العامة :
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله خرج من المدينة عام
__________________
الفتح
، فلمّا بلغ الى كُراع الغَمِيمِ أفطر
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام ، أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : « إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه » .
ولأنّه إذا خرج قبل
الزوال ، صار مسافراً في معظم ذلك النهار ، فاُلحق بالمسافر في جميعه ، ولهذا اعتبرت النية فيه لناسيها ، وأمّا بعد الزوال فإنّ معظم النهار قد انقضى على الصوم ، فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب ، كما لم يعتدّ بالنية فيه .
احتجّ الشيخ رحمه الله
: بقول الكاظم عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله ؟ قال : « إذا حدّث نفسه بالليل في السفر ، أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه » .
وفي الطريق ضعف ، مع
احتمال أن يكون عزم السفر تجدّد بعد الزوال .
احتجّ السيد : بقوله
تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم
مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ
)
وهو عام في صورة النزاع .
__________________
وبما رواه عبد الأعلى
في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » .
والآية مخصوصة بالخبر
الذي رويناه . والحديث ضعيف السند ومقطوع .
وأمّا العامة فنقول :
المسافر عندهم لا يخلو من أقسام ثلاثة :
أحدها : أن يدخل عليه
شهر رمضان وهو في السفر ، فلا خلاف بينهم في إباحة الفطر له .
الثاني : أن يسافر في
أثناء الشهر ليلاً ، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم .
وقال عبيدة السلماني
وأبو مجلز وسويد بن غفلة : لا يفطر مَن سافر بعد دخول الشهر ؛ لقوله تعالى : (
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )
وهذا قد شهده .
ولا حجّة فيها ؛
لأنّها متناولة لمن شهد الشهر كلّه ، وهذا لم يشهده كلّه .
ويعارض بما روى ابن
عباس ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس
.
الثالث : أن يسافر في
أثناء اليوم من رمضان ، فحكمه في اليوم الثاني حكم مَن سافر ليلاً .
وفي إباحة فطر اليوم
الذي سافر فيه قولان :
أحدهما : أنّه لا
يجوز له فطر ذلك اليوم ـ وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في
__________________
إحدى
الروايتين ـ لأنّ الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر ، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة .
والفرق : أنّ الصلاة
يلزمه إتمامها بنيته ، بخلاف الصوم .
والثاني : أنّه يفطر
ـ وهو قول الشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر وأحمد في الرواية الثانية ـ للرواية
.
ولأنّ السفر معنى لو
وجد ليلاً واستمرّ في النهار ، لأباح الفطر ، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض .
مسألة ٩٦ :
ولا يجوز له الفطر حتى يتوارى عنه جدران بلده ويخفى عنه أذان مصره ؛ لأنّه إنّما يصير ضارباً في الأرض
بذلك ، وهو قول أكثر العامة .
وقال الحسن البصري :
يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج . وروي نحوه عن عطاء .
روى محمد بن كعب قال
: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رُحِلَت له راحلته ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنّة ؟ فقال : سنّة ؛ وركب .
مسألة ٩٧ :
لو نوى المسافر الصوم في سفره ، لم يجز عندنا ؛ لأنّه محرّم ، وعند العامة يجوز .
__________________
وعندنا إنّما يجوز
إذا نوى المقام عشرة أيام ، فلو نوى المقام ، لزمه الصوم .
فإن نوى المقام قبل
الزوال ولم يكن قد تناول المفطر ، وجب عليه تجديد نية الصوم وإتمامه ، وأجزأ عنه .
ولو نوى بعد الزوال
أو كان قد تناول ، أمسك مستحباً ، وكان عليه القضاء .
ومن سوّغ الصوم في
السفر ـ وهم العامّة ـ لو نوى الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر ، فله ذلك عند أحمد .
وللشافعي قولان ،
فقال مرة : لا يجوز له الفطر . وقال اُخرى : إن صحّ حديث الكديد ، لم أر به بأساً أن يفطر .
وعنى بحديث الكديد ،
الحديث الذي رواه ابن عباس ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس .
وقال مالك : إن أفطر
، فعليه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه أفطر في صوم رمضان فلزمه ذلك ، كما لو كان حاضراً .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
له أن يفطر عندهم بالأكل والشرب وغيرهما ، إلّا الجماع ففيه قولان : أحدهما : ليس له ذلك . والثاني : الجواز .
وعلى القول الأول هل
تجب الكفّارة ؟ عن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه لا كفّارة عليه ـ وهو مذهب الشافعي ـ لأنّه صوم لا يجب المضيّ فيه ، فلم
__________________
تجب
الكفّارة بالجماع فيه ، كالتطوّع .
والثانية : أنّه تجب
عليه الكفّارة ؛ لأنّه أفطر بجماع ، فلزمته الكفّارة ، كالحاضر .
والفرق : أنّ الحاضر
يجب عليه المضيّ في الصوم ، ولأنّ حرمة الجماع وغيره بالصوم ، فتزول بزواله ، كما لو زالت بمجيء الليل
.
مسألة ٩٨ :
وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء ؛ لأنّ الفطر اُبيح رخصةً وتخفيفاً عنه ، فلا يجوز له الإِتيان بما خُفّف
عنه ، كالتمام والقصر في الصلاة .
وكذا ليس للحاضر أن
يصوم غير رمضان فيه ؛ لأنّه زمان لا يقع فيه غيره .
فإذا نوى المسافر
الصوم في شهر رمضان للنذر أو القضاء ، لم يصح صومه عن رمضان ولا عمّا نواه ؛ لأنّه اُبيح له الفطر للعذر ، فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض ، وهذا قول أكثر العلماء
.
وقال أبو حنيفة : يقع
ما نواه إذا كان واجباً ؛ لأنّه زمن اُبيح له الفطر فيه ، فكان له صومه عن واجب عليه كغير رمضان .
وينتقض : بصوم
التطوّع .
مسألة ٩٩ :
لو قدم المسافر أو برئ المريض وكانا قد أفطرا ، استحب لهما الإِمساك بقية النهار ، وليس واجباً عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود ـ لأنّه اُبيح له الإِفطار باطناً
وظاهراً في أول النهار ، فإذا أفطر ، كان له أن يستديمه الى آخر النهار ، كما لو بقي العذر .
__________________
ولأنّ الصوم غير قابل
للتبعيض وقد أفطر في أول النهار فلا يصح صوم الباقي .
وإنّما استحب الإِمساك
تشبّهاً بالصائمين ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيُواقعها ؟ قال : « لا بأس به »
.
وأمّا استحباب الإِمساك
: فلأنّ سماعة سأله عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً ، ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل » .
وقال أبو حنيفة والثوري
والأوزاعي : لا يجوز لهم أن يأكلوا في بقية النهار ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّه معنى لو طرأ قبل طلوع الفجر
لوجب الصوم ، فإذا طرأ بعد الفجر وجب الإِمساك كقيام البيّنة أنّه من رمضان
.
والفرق : جواز الإِفطار
باطناً وظاهراً هنا ، فإذا أفطر كان له استدامته ، بخلاف البيّنة ؛ لأنّه لم يكن له الفطر باطناً ، فلمّا انكشف له خطأه حرم عليه الإِفطار .
وكذا البحث في كلّ
مفطر كالحائض إذا طهرت ، والطاهر إذا حاضت ، والصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم .
مسألة ١٠٠ :
لو قدم المسافر قبل الزوال أو برئ المريض كذلك ولم يكونا قد تناولا شيئاً ، وجب عليهما الإِمساك بقية اليوم ، وأجزأهما عن
__________________
رمضان
، ولو كان بعد الزوال أمسكا استحباباً ، وقضيا عند علمائنا ؛ لأنّه قبل الزوال يتمكّن من أداء الواجب على وجه يؤثّر النية في ابتدائه فوجب الصوم ، والإِجزاء مُخرج عن العهدة ، وأمّا بعد الزوال : فلفوات محل النية ، فلا يجب بالصوم ؛ لعدم شرطه ؛ واستحباب الإِمساك لحرمة الزمان .
ولأنّ أحمد بن محمد
سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان ولم يطعم شيئاً قبل الزوال ، قال : « يصوم »
.
وسأله أبو بصير عن
الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان ، فقال : « إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صوم ذلك اليوم ويعتدّ به »
.
مسألة ١٠١ :
لو علم المسافر أنّه يصل الى بلده أو موضع إقامته قبل الزوال ، جاز له الإِفطار ـ ولو أمسك حتى يدخل ويتم صومه كان أفضل ، وأجزأه ـ لأنّ السفر المبيح للإِفطار موجود ، والمانع مفقود بالأصل .
ولما رواه رفاعة ـ في
الحسن ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » .
وأما أولوية الصوم :
فلحرمة الوقت ، ولاشتماله على المسارعة الى فعل الواجب .
مسألة ١٠٢ :
الخلوّ من الحيض والنفاس شرط في الصوم بإجماع العلماء .
ولو زال عذرهما في
أثناء النهار ، لم يصح لهما صوم وإن كان بعد الفجر
__________________
بزمان
يسير جدّاً ، لكن يستحب لهما الإِمساك ويجب عليهما القضاء ـ وهو قول عامة أهل العلم ـ لأنّ الوجوب سقط عنهما ظاهراً وباطناً
، فلا يجب الإِمساك .
وقال أبو حنيفة : يجب
كما لو قامت البيّنة ؛ وقد سلف
.
ولو تجدّد عذرهما بعد
طلوع الفجر وإن كان قبل الغروب بزمان يسير جدّاً وجب عليهما الإِفطار والقضاء بالإِجماع .
تنبيهٌ
:
قيل : الصوم يجب على
الحائض والنفساء ، ولهذا وجب القضاء عليهما مع أنّه محرَّم .
وهو خطأ ؛ للتنافي
بين الحكمين ، نعم سبب الوجوب قائم في حقهما ولم يثبت الوجوب لمانع ، والقضاء بأمر جديد .
القسم الثاني : في
شرائط وجوب القضاء .
مسألة ١٠٣ :
يشترط في وجوب القضاء : الفوات حالة البلوغ ، فلو فات الصبي الذي لم يبلغ في شهر رمضان ، لم يجب عليه القضاء بعد بلوغه ، سواء كان مميّزاً أو غير مميّز ، بإجماع العلماء ؛ لأنّ الصبي ليس محلّ الخطاب بالأداء ، فلا يجب عليه القضاء ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من الأوزاعي ؛ فإنّه
__________________
قال
: يقضيه إن كان قد أفطر وهو قادر على الصوم .
وكذا اليوم الذي بلغ
فيه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لمضيّ جزء منه لا يصح تكليفه بالصوم فيه ، فيكون الباقي كذلك ؛ لعدم قبوله للتجزّي ، ولا فرق بين أن يصوم اليوم الذي بلغ فيه أو لا ، وبه قال أبو حنيفة
.
وللشافعي قولان ،
أحدهما : أنّه يجب قضاؤه وإن كان صائماً . والثاني : لا يجب قضاؤه إذا كان مفطراً ؛ لأنّه يجب عليه صوم باقيه
لبلوغه ، وتعذّر عليه صومه ؛ للإِفطار ، وقضاؤه منفرداً ، فوجب أن يكمل صوم يوم ليتوصّل إلى صوم ما وجب عليه ، كما إذا عدل الصوم بالإِطعام ، فبقي نصف مُدّ ، فإنّه يصوم يوماً كاملاً .
وهو غلط ؛ لأنّا نمنع
وجوب صوم باقية .
مسألة ١٠٤ :
كمال العقل شرط في القضاء ، فلو فات المجنون شهر رمضان ثم أفاق ، لم يجب عليه قضاؤه عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ـ لأنّه ليس محلّاً للتكليف ، فلا يجب عليه الأداء ، فلا يجب
عليه تابعه ، وهو : القضاء .
وقال مالك : يجب عليه
القضاء . وبه قال بعض الشافعية ـ وعن أحمد
__________________
روايتان
ـ لأنّ الجنون معنى يزيل العقل ، فلا ينافي وجوب الصوم ، كالإِغماء .
ونمنع حكم الأصل ،
والفرق : أنّ الإِغماء مرض قد يلحق الأنبياء ، بخلاف الجنون المزيل للتكليف لنقص فيه .
فإن أفاق في أثناء
الشهر ، لم يقض ما فاته حال جنونه ولا اليوم الذي يفيق فيه ، إلّا أن يكون أفاق قبل الفجر ـ وبه قال الشافعي في أحد الوجهين
ـ لأنّ الجنون مزيل للخطاب والتكليف ، فسقط قضاء ما فات من بعض الشهر ، كما لو فات جميعه .
وقال أبو حنيفة : يجب
قضاء ما فات ؛ لأنّ الجنون لا ينافي الصوم .
وهو ممنوع بخلاف الإِغماء
.
وقال محمد بن الحسن :
إذا بلغ مجنوناً ثم أفاق في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه ، أمّا إذا كان عاقلاً بالغاً ثم جُنّ ، قضى ما فاته حالة الجنون ؛ لأنّ
بلوغه في الأول لم يتعلّق به التكليف . ونمنع الأصل .
مسألة ١٠٥ :
اختلف علماؤنا في المغمى عليه هل يجب عليه القضاء ؟ فالذي نصّ عليه الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّه لا قضاء عليه ، سواء كان مفيقاً في أول الشهر ناوياً للصوم ثم اُغمي عليه ، أو لم يكن مفيقاً ، بل اُغمي
__________________
عليه
من أول الشهر .
وهو المعتمد ؛ لأنّ
مناط التكليف العقل ، والتقدير زواله ، فيسقط التكليف .
ولأنّ أيوب بن نوح
كتب إلى الرضا عليه السلام ، يسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا ؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » .
وللشيخ قول آخر :
إنّه إن سبقت منه النيّة ، صحّ صومه ، ولا قضاء عليه ، وإن لم تسبق ، بأن كان مغمى عليه من أول الشهر ، وجب القضاء
ـ وبه قال المفيد والسيد المرتضى ـ لأنّه مريض ، فوجب عليه القضاء كغيره
من المرضى ؛ لأنّ مدّته لا تتطاول غالباً .
ولقول الصادق عليه
السلام : « يقضي المغمى عليه ما فاته » .
ونمنع مساواته للمرض
الذي يبقى فيه العقل .
والرواية محمولة على
الاستحباب .
وقال الشافعي وأبو
حنيفة : يقضي زمان إغمائه مطلقاً . واختلفا في يوم إغمائه ، فقال أبو حنيفة : لا يقضيه ؛ لحصول النية فيه . وقال الشافعي : يقضيه .
__________________
مسألة ١٠٦ :
الإِسلام شرط في وجوب القضاء ، فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم ، لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء ؛ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله ) .
ولو أسلم في أثناء
الشهر ، فلا قضاء عليه لما فات ، عند علمائنا أجمع ، وهو قول عامة العلماء ؛ لما تقدّم .
ولقوله تعالى : ( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا
قَدْ سَلَفَ ) .
وقال أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام ، في رجل أسلم في نصف شهر رمضان : « ليس عليه قضاء إلّا ما يستقبل »
.
ولأنّ ما مضى عبادة
خرجت في حال كفره ، فلا يجب قضاؤها ، كالرمضان الماضي .
وقال عطاء : عليه
القضاء . وعن الحسن كالمذهبين .
وأمّا اليوم الذي
أسلم فيه ، فإن كان قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه ، ولو أفطر ، قضاه وكفّر ، وإن كان بعد الفجر ، أمسك استحباباً ، ولا قضاء عليه ، ولا يجب عليه صيامه ؛ لما تقدّم من أنّ الصوم لا يتبعّض . وكذا كلّ ذي عذر .
وللشافعي وجهان
. وبقولنا أفتى مالك وأبو ثور وابن المنذر .
__________________
وقال أحمد : يجب عليه
الإِمساك ويقضيه .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
عيص بن القاسم روى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » .
مسألة ١٠٧ :
يجب القضاء على المرتدّ ما فاته زمان ردّته ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه ترك فعلاً وجب عليه مع علمه بذلك ، فوجب عليه قضاؤه ،
كالمسلم .
وقال أبو حنيفة : لا
يجب قضاؤه ؛ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله ) .
والمراد به الأصلي ؛
لأنّه لا يؤخذ بالعبادات حال كفره .
ولا فرق بين أن تكون
الردّة باعتقاد ما يوجب الكفر أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه .
ولو ارتدّ بعد عقد
الصوم صحيحاً ثم عاد ، قال الشافعي : يفسد صومه . وهو جيد .
ولو غلب على عقله بشيء
من قِبَله ، كشُرْب المسكر والمرقد ، لزمه
__________________
القضاء
ولو كان بشيء من قِبَله تعالى ، لم يلزمه .
ولو طرح في حلق
المغمى عليه أو مَنْ زال عقله دواء ، لم يجب عليه القضاء إذا أفاق ، خلافاً للشيخ .
ويستحب للمغمى عليه
وللكافر القضاء .
البحث الثالث : في
الأحكام
مسألة ١٠٨ :
مَنْ وجب عليه قضاء ما فاته من أيام رمضان يجب عليه القضاء في السنة التي فاته الصوم فيها ما بينه وبين الرمضان الثاني ، فلا يجوز له تأخيره إلى دخول الرمضان الثاني ، فإذا فاته شيء من رمضان أو جميعه بمرض ، وجب عليه القضاء عند البُرْء وجوباً موسّعاً إلى أن يبقى إلى الرمضان الثاني عدد ما فاته من الأيام .
فإن أخّر القضاء بعد
بُرئه وتمكّنه من القضاء حتى دخل الرمضان الثاني ، فإمّا أن يكون تأخيره على وجه التواني أو لا .
فإن كان على وجه
التواني ، صام الرمضان الحاضر ، وقضى الأول بالإِجماع ، وكفّر عن كلّ يوم من الفائت بمُدَّين ، وأقلّه مُدٌّ ، قاله شيخنا المفيد ـ رحمه الله ـ وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي ، وهو قول ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة ، ومجاهد وسعيد بن جبير ـ لما رواه العامة عن أبي هريرة ، أنّ النبي صلّى الله عليه
وآله ، أوجب
__________________
عليه
إطعام مسكين عن كلّ يوم .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر ، فقال : « إن كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الصوم الآخر ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يتمكّن من قضائه حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه » .
وقال ابن إدريس منّا
: لا كفّارة عليه ـ وبه قال أبو حنيفة والحسن البصري والنخعي ـ لأصالة براءة الذمة ، ولأنّه تأخير صوم واجب ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو أخّر القضاء والنذر .
وأصالة البراءة حجّة
إذا لم يقم دليل على شغلها ، والأخبار به كثيرة . والقياس باطل عندنا ، خصوصاً إذا عارض النصّ .
مسألة ١٠٩ :
ولو ترك القضاء بعد بُرئه غير متهاون به ، بل كان عازماً كلّ وقت على القضاء ويؤخّره لعذر من سفر وشبهه ، وعلى كلّ حال لم يتهاون به ، بل تركه لاُمور عرضت ، ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه من القضاء ، كان معذوراً يلزمه القضاء إجماعاً ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم التفريط منه .
ولو استمرّ به المرض
من الرمضان الأول إلى الرمضان الثاني ولم يصحّ فيما بينهما ، صام الحاضر ، وسقط عنه قضاء الأول ، وتصدّق عن كلّ يوم
__________________
بمُدَّيْن
أو بمُدّ ، عند أكثر علمائنا ؛ لقول الصادق عليه السلام : « فإن كان
لم يزل مريضاً حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مُدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه » .
ونحوه روى زرارة ـ في
الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام .
وقال الصدوق : يقضي
الأول ولا كفّارة ـ وهو قول العامة ـ لعموم قوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم
مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )
.
إذا عرفت هذا ، فحكم
ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين سواء ، ولو أخّره سنين ، تعدّدت الكفّارة بتعدّد السنين . وللشافعي وجهان
.
ولو استمرّ به المرض
إلى أن مات ، سقط القضاء وجوباً لا استحباباً ، ولا كفّارة عند جمهور العلماء ؛ لأصالة البراءة .
ولأنّ سماعة سأل الصادق
عليه السلام ، عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال ، قال : « لا صيام عليه ولا يقضى عنه » .
__________________
وقال قتادة وطاوس :
يجب أن يكفّر عنه عن كلّ يوم إطعام مسكين ؛ لأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه ، فوجب الإِطعام عنه ، كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه .
والفرق ظاهر ؛ فإنّ
الشيخ يجوز ابتداءً الوجوب عليه ، بخلاف الميت ، وقولهما مخالف للإِجماع ، فلا عبرة به .
ثم إذا عرفت هذا ،
فإنّه يستحب القضاء عنه .
مسألة ١١٠ :
لو برأ من مرضه زماناً يتمكّن فيه من القضاء ولم يقض حتى مات ، قُضي عنه عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور
ـ لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله إنّ اُمّي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال : ( لو كان على اُمّك دَيْنٌ كنت قاضيه ؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام ، في الرجل يموت في شهر رمضان ، قال : « ليس على وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر ، وإن مرض فلم يصم رمضان ثم لم يزل مريضاً حتى مضى رمضان وهو مريض ثم مات في مرضه ذلك ، فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام ، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب » .
__________________
ولأنّ الصوم يدخل في
جبرانه المال ، فتدخل النيابة فيه ، كالحج .
وقال الشافعي في
الجديد : يطعم عنه كلّ يوم مدّاً ؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري ـ إلّا أنّ مالكاً يقول : لا يلزم الولي أن يطعم عنه حتى يوصي بذلك ـ وهو مروي عن ابن عباس وعائشة ؛ لما رواه ابن عمر : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكيناً ) .
ولأنّ الصوم لا تدخله
النيابة في حال الحياة ، فكذا بعد الموت ، كالصلاة .
وحديثه موقوف ، ونقول
بموجبه ؛ لأنّ الصدقة تجب إذا لم يكن ولي ، وقياسه ممنوع الأصل .
وقال أحمد : إن كان
صوم نذر ، صام عنه الولي ، وإن كان صوم رمضان ، أطعم عنه ؛ لأنّ ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر ، أو عليه صوم رمضان ، قال : أمّا رمضان فليطعم عنه ، وأمّا النذر فيصام عنه .
وقول ابن عباس ليس
حجّةً ، أو قاله في شخصين لأحدهما وليّ دون الآخر .
مسألة ١١١ :
الذي يقضي عن الميت هو أكبر أولاده الذكور ، ويقضي ما فاته من صيام بمرض وغيره إذا تمكّن من قضائه ولم يقضه ، وإن لم يكن له
__________________
ولد
ذكر وكان له إناث ، تصدّق عنه من ماله عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، قاله الشيخ
رحمه الله .
وقال المفيد رحمه الله
: إذا لم يكن إلّا اُنثى ، قضت عنه .
والوجه : قول الشيخ ؛
لأصالة البراءة .
ولما رواه حمّاد بن
عثمان عمّن ذكره عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه دَيْن [ من ] شهر رمضان مَنْ يقضي عنه ؟ قال : « أولى الناس به » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة ؟ قال : « لا إلّا الرجال » .
إذا عرفت هذا ، فلو
لم يكن له ولي من الذكور ، قال الشيخ رحمه الله : يتصدّق عنه عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، وأقلّه مُد .
والسيد المرتضى ـ رحمه
الله ـ عكس ، فأوجب الصدقة أوّلاً ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه ؛ لقول الصادق عليه السلام : « فإن صحّ
ثم مرض حتى يموت وكان له مال ، تصدّق عنه ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه » .
والمعتمد : قول الشيخ
؛ لأنّ الواجب في الأصل الصوم .
فروع :
أ ـ لو لم يكن له إلّا
ولد واحد ذكر ، وجب عليه القضاء ؛ لأنّه ولي له .
__________________
ب ـ لو كان له أولاد
ذكور في سنّ واحد ، قضوا بالحِصَص ، فإن قام بالجميع بعضهم ، سقط عن الباقين .
ج ـ لو لم يكن له ولد
ذكر وكان له إناث ، سقط القضاء ، ووجب الصدقة ، وكذا لو لم يكن له ولي . ولو كان له أولاد ذكور وإناث ، وكان الأكبر اُنثى ، وجب القضاء على أكبر الذكور .
د ـ لو تعدّد الولي ،
قضوا بالحصص ، فإن انكسر العدد ، فاليوم المنكسر واجب عليهم على الكفاية ، كما لو كانوا ثلاثة في سنّ واحد وعليه أربعة .
هـ ـ يجوز اتّحادهم
في الزمان ، فلو فاته يومان مثلاً وله ولدان فصاما معاً يوماً واحداً ، كفاهما عن اليومين .
و ـ لو صام أجنبي عن
الميت بغير قول الولي ، سقط الصوم عن الميت والولي معاً ، وإن صام بأمر الولي ، فالأقرب : الإِجزاء .
وللشافعي فيه وجهان
.
وكذا يجوز للولي أن
يستأجر عنه مَنْ يصوم .
ز ـ قال الشيخ رحمه الله
: كلّ صوم واجب على المريض بأحد الأسباب الموجبة ، كاليمين والنذر والعهد ، إذا مات مَنْ وجب عليه مع إمكان القضاء ولم يقضه ، وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة
.
وكذا يجب عليه قضاء
ما فاته من صلاة .
ح ـ قال الشيخ رحمه الله
: لو وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات ، تصدّق عنه من مال الميت عن شهر ، وقضى وليّه شهراً آخر
؛ تخفيفاً
__________________
عن
الوليّ .
ولو وجب عليه شهران
على التعيين فكذلك ، خلافاً لبعض علمائنا .
ولو كان على التخيير
، مثل كفّارة رمضان ، تخيّر الوليّ بين الصوم والصدقة من مال الميت من الأصل أو بعض من الأصل ؛ لأنّ الصوم وجب على التخيير ، وخرج الميت عن أهلية التخيير ، فيكون للولي .
ولا فرق بين أنواع
المرض في ذلك .
مسألة ١١٢ :
قال الشيخ رحمه الله : حكم المرأة حكم الرجل في أنّ ما يفوتها في زمن الحيض أو السفر أو المرض لا يجب على أحد القضاء عنها ولا الصدقة ، إلّا إذا تمكّنت من قضائه وأهملته ؛ فإنّه يجب على وليّها القضاء أو الصدقة ، على ما مرّ في الرجل سواء . وهو قول أكثر العامّة
.
وأنكر ابن إدريس ذلك
.
وليس بشيء ؛ لما
رواه أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن امرأة [ مرضت في رمضان ] وماتت في شوّال ، فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها ؟ » قلت : لا ، ماتت ؛ قال : « لا تقض عنها ؛ فإنّ الله لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ؛ قال : « وكيف تقضي شيئاً لم يجعله الله عليها !؟ فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصُمْ » استفسره عليه السلام عن حصول البرء أوّلاً ، ولو لم يجب القضاء مع البُرْء ، لم يكن للسؤال معنى .
لا يقال : إنّه قد
حصلت الوصية ، فجاز أن يكون الوجوب بسببها .
__________________
لأنّا نقول : الوصية
لا تقتضي الوجوب ، أمّا مع عدم القبول : فظاهر ، وأمّا معه : فلأنّه راجع إلى الوعد .
مسألة ١١٣ :
قد بيّنّا أنّ المسافر لا يجوز له صوم رمضان في السفر ولا غيره من الواجبات إلّا ما استثني ، بل يجب عليه الإِفطار والقضاء مع حضور البلد ، أو نيّة الإِقامة عشرة أيام في غيره ، أو إقامة ثلاثين يوماً ، فإن مات المسافر بعد تمكّنه من القضاء ، وجب أن يقضى عنه ، كما تقدّم .
ولو مات في سفره ولم
يتمكّن من القضاء ، فللشيخ في وجوب القضاء عنه قولان :
أحدهما : عدم الوجوب
؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمته الأداء ولا القضاء ؛ لأنّ معنى الاستقرار فيه أن يمضي زمان يتمكّن فيه من القضاء ويُهْمِل
.
والثاني : وجوب القضاء
؛ لقول الصادق عليه السلام ، في الرجل يسافر في رمضان فيموت ، قال : « يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت ، لم يُقْض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه » .
ولا بأس به . والفرق
: أنّ المرض حصل العذر فيه من قِبَل الله تعالى ، وكذا الحيض ، أمّا السفر فمن المكلّف .
مسألة ١١٤ :
يجوز الإِفطار قبل الزوال في قضاء رمضان ؛ لعدم تعيين زمانه .
ولأنّه محلّ تجديد
النيّة ، وكلّ وقت يجوز فيه تجديد نيّة الصوم يجوز فيه الإِفطار .
ولا يجوز بعد الزوال
؛ لأنّه قد استقرّ له الوجوب بمضيّ أكثر الزمان في
__________________
الصوم
، وفات محلّ تجديد النيّة .
ولقول الصادق عليه
السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل ومتى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس ، فليس لك أن تفطر » .
إذا ثبت هذا ، فإن
أفطر بعد الزوال لعذر ، لم يكن عليه شيء ، وإن كان لغير عذر ، وجب عليه القضاء وإطعام عشرة مساكين ، فإن عجز ، صام ثلاثة أيّام ـ وبه قال قتادة ، خلافاً لباقي العامة
ـ لأنّه بعد الزوال يحرم عليه الإِفطار على ما تقدّم ، والكفّارة تتعلّق بارتكاب الإِثم بالإِفطار في الزمان المتعيّن للصوم ، وهو متحقّق هنا .
ولأنّ بريد العجلي
سأل الباقر عليه السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شيء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال ، كان عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين » .
وقد روي : « أنّ عليه
كفّارة رمضان » .
وحملها الشيخ ـ رحمه الله
ـ على مَنْ أفطر متهاوناً بالفرض ومستخفّاً به .
__________________
وروي أيضاً : « أنّه
لا شيء » .
وحملها الشيخ ـ رحمه الله
ـ على العاجز .
مسألة ١١٥ :
مَنْ أجنب في شهر رمضان ، وترك الاغتسال ساهياً من أول الشهر إلى آخره ، قال الشيخ رحمه الله : عليه قضاء الصلاة والصوم معاً .
ومنع ابن إدريس قضاء
الصوم .
والوجه : ما قاله
الشيخ ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق
عليه السلام ، أنّه
سئل عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان ، قال : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام »
.
ولأنّه مفرّط بتركه
الغسل .
مسألة ١١٦ :
يستحب التتابع في قضاء شهر رمضان وليس واجباً عند أكثر علمائنا ـ وبه قال ابن عباس وأنس بن مالك وأبو
هريرة ومجاهد وأبو قلابة وأهل المدينة والحسن البصري وسعيد بن المسيّب ومالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلّى
الله عليه وآله ، قال في قضاء رمضان : ( إن شاء فرّق وإن شاء تابع )
.
__________________
وسئل رسول الله صلّى
الله عليه وآله ، عن تقطيع قضاء رمضان ، فقال
عليه السلام : ( لو
كان على أحدكم دَيْنٌ فقضاه من الدرهم والدرهمين حتى يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضياً دَيْنَه ؟ ) قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : ( فالله أحقّ بالعفو والتجاوز منكم ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا كان على الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء أيّاماً متتابعة ، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء ، ولْيُحْص الأيّام ، فإن فرّق فحسن ، وإن تابع فحسن » .
وقال عليه السلام : «
مَنْ أفطر شيئاً من رمضان في عذر ، فإن قضاه متتابعاً أفضل ، وإن قضاه متفرّقاً فحسن » .
ولأنّ التتابع يشبه
الأصل ، وينبغي المشابهة بين القضاء والأداء .
وقال بعض علمائنا :
الأفضل التفريق ؛ للفرق ؛ لأنّ الصادق عليه السلام ، سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها ؟ فقال : « إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوماً ، وإن كان عليه خمسة فليفطر بينها أيّاماً » .
والطريق ضعيف ، ويحمل
على التخيير .
وقال بعض علمائنا :
إن كان الذي فاته عشرة أيام أو ثمانية ، فليتابع بين ثمانية أو بين ستة ، ويفرّق الباقي .
__________________
وقال داود والنخعي
والشعبي : إنّه يجب التتابع ـ ونقله العامّة عن علي عليه السلام ، وابن عمر ـ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : ( مَنْ كان عليه صوم شهر رمضان فليسرده ولا يقطعه ) .
ويحمل على الاستحباب
، مع ضعفه ؛ فإنّه لم يذكره أهل السير ، وقد بيّنّا أنّ الأفضل التتابع .
وقال الطحاوي :
التفريق والتتابع سواء ؛ لأنّه لو أفطر يوماً من شهر رمضان لم يستحب له إعادة جميعه ؛ لزوال التفريق ، فكذا إذا أفطر جميعه .
وهو خطأ ؛ لأنّ فعله
في وقته يقع أداءً ، فإذا صامه ، لم يكن صوم الفرض ، فلم تستحب إعادته .
مسألة ١١٧ :
لا يجوز لمن عليه صيام من شهر رمضان أو غيره من الواجبات أن يصوم تطوّعاً حتى يأتي به ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد
ـ لما رواه العامة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ صام تطوّعاً
وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنّه لا يقبل منه حتى يصومه )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الحسن ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع ؟ فقال : « لا ، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » .
ولأنّه عبادة يدخل في
جبرانها المال ، فلم يصح التطوّع بها قبل أداء
__________________
فرضها
، كالحجّ .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى بالجواز ؛ لأنّها عبادة تتعلّق بوقت موسّع ، فجاز التطوّع في وقتها قبل فعلها ، كالصلاة .
والأصل ممنوع .
مسألة ١١٨ :
يجوز القضاء في جميع أيّام السنة ، إلّا العيدين مطلقاً ، وأيّام التشريق لمن كان بمنى ناسكاً ، وأيام الحيض والنفاس والسفر الذي يجب فيه القصر .
وقد أجمع العلماء
كافة على العيدين ، لنهي النبي صلّى الله عليه وآله ، عن صومهما .
وأمّا أيام التشريق :
فعلماؤنا عليه ، وكذا أكثر أهل العلم ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّ صومها منهي عنه ، فأشبهت العيدين .
واحتجّ أحمد : بجواز
صومها لمن لا يجد الهدي ، فيقاس كلّ فرض عليه ، والقضاء مشابه له .
ونمنع حكم الأصل ،
والفرق : أنّه في محلّ الضرورة للفاقد .
وأيّام الحيض والنفاس
إجماع .
وأيام السفر ؛ لقول الصادق
عليه السلام ، في رجل مرض في شهر
__________________
رمضان
، فلمّا برئ أراد الحجّ ، كيف يصنع بقضاء الصوم ؟ قال : « إذا رجع فليقضه » .
مسألة ١١٩ :
لا يكره القضاء في عشر ذي الحجة عند علمائنا ـ وبه قال سعيد بن المسيّب والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين
ـ لعموم قوله تعالى : (
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
وما رواه العامة :
أنّ عمر كان يستحب قضاء رمضان في العشر .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق
عليه السلام : أرأيت
إن بقي عليّ شيء من صوم شهر رمضان أقضيه في ذي الحجة ؟ قال : « نعم » .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : إنّه مكروه . ورواه العامة عن علي عليه السلام ، والزهري والحسن البصري ؛ لقول علي عليه السلام : « لا يقضى صوم رمضان في عشر ذي الحجة » . والطريق ضعيف .
مسألة ١٢٠ :
لو أصبح جنباً في يوم يقضيه من شهر رمضان ، أفطر ذلك اليوم ، ولم يجز له صومه ؛ لما رواه ابن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه سأله عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : « لا يصوم ذلك اليوم ويصوم
__________________
غيره
» .
قال الشيخ رحمه الله
: وكذا كلّ ما لا يتعيّن صومه وكذا صوم النافلة
.
أمّا لو أكل أو شرب
ناسياً في قضاء رمضان ، فالوجه : أنّه يُتمّ على صومه ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر ، قال : « لا يفطر ، إنّما هو شيء رزقه الله ، فليتم صومه » وهو يتناول صورة النزاع .
وسأل أبو بصير ، الصادق
عليه السلام ، عن رجل صام يوماً نافلة ، فأكل وشرب ناسياً ، قال : « يُتمّ يومه ذلك ، وليس عليه شيء »
.
وللشيخ رحمه الله قول
آخر .
المطلب الثاني : في
باقي أقسام الواجب
مسألة ١٢١ :
صوم كفّارة قتل الخطأ واجب بالإِجماع والنصّ :
قال الله تعالى : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
تَوْبَةً مِّنَ اللَّـهِ ) .
وإنّما يجب بعد العجز
عن العتق . وهو : شهران متتابعان .
ويجب صوم كفّارة
الظهار بالإِجماع والنصّ :
قال الله تعالى : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ )
.
وهو يجب مرتّباً على
العتق ، مثل كفّارة قتل الخطأ صفةً وقدراً .
__________________
وأمّا كفّارة قتل
العمد : فهي كفّارة الجمع يجب فيه العتق وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً .
مسألة ١٢٢ :
وصوم كفّارة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان واجب على التخيير بينه وبين العتق والصدقة ، وقدره شهران متتابعان ، ولا خلاف في قدره وإن وقع الخلاف في صفته .
وصوم كفّارة مَنْ
أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان : إطعام عشرة مساكين على ما تقدّم .
وقال بعض أصحابنا :
يجب فيه كفّارة يمين . وليس بجيّد .
ويجب صوم بدل الهدي
للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه بالنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي
الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) .
فإن أقام بمكّة ،
انتظر وصول أهل بلده أو شهراً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إنّه إن كان له مقام بمكّة فأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر سيره إلى أهله أو شهراً ثم صام » .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
لا يكفي مقام عشرة أيام وإن نواها .
وصوم كفّارة اليمين
وباقي الكفّارات كالنذر والعهد . وكفّارات الإِحرام واجب إجماعاً .
مسألة ١٢٣ :
وصوم الاعتكاف الواجب واجب عندنا ؛ لما يأتي من
__________________
اشتراط
الصوم في الاعتكاف ، فإذا نذر اعتكافاً وجب عليه صوم أيامه ؛ لأنّ شرط الواجب واجب ، ولو كان الاعتكاف مندوباً ، كان الصوم كذلك .
وصوم كفّارة مَنْ
أفاض من عرفات قبل مغيب الشمس عامداً واجب مرتّب على مقدار الجزور ، وقدره ثمانية عشر يوماً .
وكذا يجب صوم اليمين
والنذر والعهد ، وسيأتي بيانه في مواضعه إن شاء الله تعالى .
المطلب الثالث : في
الصوم المندوب
مسألة ١٢٤ :
الصوم المندوب قد لا يختصّ وقتاً بعينه ، وهو جميع أيام السنة ، إلّا الأيام التي نهي عن الصوم فيها .
قال رسول الله صلّى
الله عليه وآله : ( الصوم جُنّة من النار ) .
وقال عليه السلام : (
الصائم في عبادة وإن كان نائماً على فراشه ما لم يغتب مسلماً ) .
وعنه صلّى الله عليه
وآله ، أنّه قال : ( قال الله تعالى : الصوم لي وأنا اُجزي به ، وللصائم فرحتان : حين يفطر وحين يلقى ربّه عزّ وجلّ ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك )
.
وقال الصادق عليه
السلام : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب » .
ومنه ما يختصّ وقتاً
بعينه نحن نذكره إن شاء الله تعالى ، في المسائل
__________________
الآتية
.
مسألة ١٢٥ :
يستحب صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر ـ وهي أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء في العشر الثاني ، وآخر خميس من الشهر ـ لقول الصادق عليه السلام : « صام رسول الله صلّى الله عليه وآله ، حتى قيل : ما يفطر ؛ ثم أفطر حتى قيل : ما يصوم ؛ ثم صام صوم داود عليه السلام ، يوماً ويوماً لا ، ثم قبض عليه السلام ، على صيام ثلاثة أيام في الشهر . وقال : يعدلن صوم الشهر ويذهبن بوحر الصدر ـ وهو الوسوسة ـ وإنّما خصّت هذه الأيام ؛ لأنّ من قبلنا من الاُمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب ، نزل في هذه الأيام المخوفة » .
ويجوز تأخيرها من
الصيف إلى الشتاء للمشقّة ؛ لأنّ أبا حمزة الثمالي سأل الباقر عليه السلام ، عن صوم ثلاثة أيام في كلّ شهر اُؤخّرها إلى الشتاء ثم أصومها ؟ فقال : « لا بأس » .
وإذا أخّرها إلى
الشتاء ، قضاها متواليةً ومتفرّقةً وكيف شاء ؛ لقول الصادق عليه السلام ، وقد سئل عن قضائها متواليةً أو متفرّقةً ، قال : « ما أحبَّ ، إن شاء متواليةً وإن شاء فرّق بينها » .
ولو عجز عن
صيامها ، تصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام ؛ لأنّه فداء يوم من رمضان .
ولأنّ عيص بن القاسم
سأل الصادق عليه السلام ، عمّن لم يصم الثلاثة الأيام وهو يشتدّ عليه الصيام هل من فداء ؟ قال : « مُدٌّ من طعام في كلّ
__________________
يوم
» .
مسألة ١٢٦ :
يستحب صوم أيام البيض ـ وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر ـ بإجماع العلماء .
روى العامة عن أبي ذر
، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( يا أباذر إذا صُمْت من الشهر ثلاثة فصُمْ ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الزهري عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ، في حديث طويل : « وصوم أيّام البيض »
.
وسُميّت أيّام البيض
؛ لابيضاض ليلها كلّه بضوء القمر . والتقدير : أيّام الليالي البيض .
ونقل الجمهور : أنّ الله
تعالى تاب على آدم فيها ، وبيّض صحيفته .
مسألة ١٢٧ :
يستحب صوم أربعة أيام في السنة : يوم مبعث النبي صلّى الله عليه وآله ـ وهو السابع والعشرون من رجب ـ ويوم مولد النبي صلّى الله عليه وآله ـ وهو السابع عشر من ربيع الأول ـ ويوم دحو الأرض ـ وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ـ ويوم الغدير ـ وهو الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو اليوم الذي نصب رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام خليفةً وإماماً للناس ـ لأنّها أيام شريفة أنعم الله تعالى بأعظم البركات ، فاستحب شكره بالصوم فيها .
__________________
روى محمد بن عبدالله
الصيقل ، قال : خرج علينا أبو الحسن الرضا عليه السلام بمَرْو في خمسة وعشرين من ذي القعدة ، فقال : « صوموا فإنّي أصبحت صائماً » قلنا : جعلنا الله فداك أيّ يوم هو ؟ قال : « يوم نُشرت فيه الرحمة ودُحيت فيه الأرض ونُصبت فيه الكعبة » .
وسأل الحسن بن راشد ،
الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : « نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما » قلت : فأيّ يوم هو ؟ قال : « يوم نُصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه علماً للناس ـ إلى أن قال ـ ولا تدع صوم سبعة وعشرين من رجب ، فإنّه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد صلّى الله عليه وآله »
.
قال إسحاق
بن عبدالله العريضي العلوي : وجل في صدري ما الأيام التي تُصام ، فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام ، وهو بـ « صريا » ولم اُبْد ذلك لأحد من خلق الله ،
فدخلت عليه ، فلمّا بَصُر بي قال عليه السلام : « يا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهنّ وهي أربعة : أوّلهنّ يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله تعالى محمداً صلّى الله عليه وآله إلى خلقه رحمةً للعالمين ، ويوم مولده صلّى الله عليه وآله ، وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، فيه دُحيت الكعبة ، ويوم الغدير ، فيه أقام رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أخاه عليّاً عليه السلام ، علماً للناس وإماماً من بعده » قلت : صدقت
__________________
جُعلت
فداك لذلك قصدت ، أشهد أنك حجّة الله على خلقه .
مسألة ١٢٨ :
يستحب صوم يوم عرفة باتّفاق العلماء .
روى العامة أنّ رسول الله
صلّى الله عليه وآله ، قال : ( صيام يوم عرفة كفّارة سنة والسنة التي تليها ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « صوم يوم التروية كفّارة سنة ويوم عرفة كفّارة سنتين » .
ولا يكره صومه للحاج
، إلّا أن يضعفهم عن الدعاء ، ويقطعهم عنه ـ وبه قال أبو حنيفة وابن الزبير وإسحاق وعطاء ـ لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السلام ، عن صوم يوم عرفة ، قال : « مَنْ قوي عليه فحسن إن لم يمنعك عن الدعاء فإنّه يوم دعاء ومسألة فصُمْه ، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصُمْه » .
وقال باقي العامة :
إنّه مكروه ؛ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لم يصمه .
وهو ممنوع ، ولو سلّم
فللضعف ، أو لكونه مسافراً ، أو أصابه عطش .
ولو شكّ في هلال ذي
الحجة ، كره صومه ؛ لجواز أن يكون العيد .
مسألة ١٢٩ :
يستحب صوم يوم عاشوراء حزناً لا تبرّكاً ؛ لأنّه يوم قُتِل
__________________
أحد
سيدي شباب أهل الجنة الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، وهُتِك حريمه وجرت فيه أعظم المصائب على أهل البيت عليهم السلام ، فينبغي الحزن فيه بترك الأكل والملاذ .
قال أمير المؤمنين
عليه السلام : « صُوموا العاشوراء التاسع والعاشر ، فإنّه يكفّر ذنوب سنة » .
وقول الباقر والصادق عليهما
السلام : « لا تصُمْ يوم عاشوراء » محمول على التبرّك به .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
ينبغي أن لا يُتمّ صوم ذلك اليوم ، بل يفطر بعد العصر ؛ لما روي عن الصادق عليه السلام : « إنّ صومه متروك بنزول شهر رمضان ، والمتروك بدعة » .
والمراد بيوم عاشوراء
هو اليوم العاشر من المحرّم ، وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن البصري .
وروي عن ابن عباس :
أنّه التاسع من المحرّم . وليس بمعتمد .
وقد اختلف في صوم
عاشوراء ـ ولنا روايتان ـ هل كان واجباً أم لا ؟ قال بعضهم : إنّه كان واجباً . وبه قال أبو حنيفة
.
وقال آخرون : إنّه لم
يكن واجباً . وللشافعي قولان . وعن أحمد
__________________
روايتان
.
مسألة ١٣٠ :
يستحب صوم يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة ـ أمر الله تعالى رسوله بأن يباهل بأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، نصارى نجران . وفيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه في ركوعه ، ونزلت فيه الآية ، وهي : قوله تعالى :
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ـ لأنّه يوم شريف أظهر الله تعالى فيه نبيّنا
عليه السلام على خصومه ، وحصل فيه التنبيه على قُرْب أمير المؤمنين عليه السلام من ربّه واختصاصه وعظم منزلته وثبوت ولايته واستجابة الدعاء به ، وذلك نعمة عظيمة يستحب مقابلتها بالشكر بالصوم .
مسألة ١٣١ :
يستحب صوم أول يوم من ذي الحجة ، وهو يوم ولد فيه إبراهيم خليل الله تعالى ، لعظم النعمة فيه بولادته عليه السلام
.
قال الكاظم عليه
السلام : « مَنْ صام أول يوم من ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهراً ، فإن صام التسعة كتب الله له صوم الدهر »
.
وقيل : إنّ فاطمة عليها
السلام تزوّجت في ذلك اليوم .
وقيل : في السادس من
ذي الحجّة .
ويستحب صوم عشر ذي
الحجة إلّا يوم العيد بالإِجماع ؛ لما روى العامة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( ما من أيّامٍ العملُ الصالح
فيهنّ
__________________
أحبّ
إلى الله من هذه الأيام العشر ) .
ومن طريق الخاصة : ما
تقدّم في حديث الكاظم عليه السلام .
ويستحب صوم يوم
الخامس والعشرين من ذي الحجة ، وهو يوم نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (
هَلْ أَتَىٰ ) .
وفي السادس والعشرين
منه طُعن عمر بن الخطاب سنة ثلاث وعشرين من الهجرة . وفي التاسع والعشرين منه قُبض عمر بن الخطاب
.
ويوم الثامن عشر منه
هو يوم الغدير ، وهو يوم قتل عثمان بن عفّان ، وبايع المهاجرون والأنصار عليّاً عليه السلام ، طائعين مختارين عدا أربعة أنفس منهم : عبدالله بن عمر ومحمد بن مَسْلَمَة
وسعد بن أبي وقاص واُسامة ابن زيد .
مسألة ١٣٢ :
يستحب صوم رجب بأسره عند علمائنا ؛ لأنّه شهر شريف معظّم في الجاهلية والإِسلام ، وهو أحد الأشهر الحُرُم .
قال رسول الله صلّى
الله عليه وآله : ( مَنْ صام شهر رجب كلّه كتب الله تعالى له رضاه ، ومن كتب له رضاه لم يعذّبه ) .
وكان أمير المؤمنين عليه
السلام يصومه ويقول : « رجب شهري ، وشعبان شهر رسول الله ، ورمضان شهر الله » .
__________________
وقال أحمد : يكره
صومه كلّه ، إلّا لصائم السنة فيدخل ضمناً ؛ لأنّ خرشة بن الحرّ قال : رأيت عمر يضرب أكف المترجّبين حتى يضعوها في الطعام ، ويقول : كُلُوا فإنّما هو شهر كان تعظّمه الجاهلية
.
وفعله ليس حجّةً .
ويتأكّد استحباب
أوّله وثانية وثالثة .
وفي اليوم الأول منه
وُلد مولانا الباقر عليه السلام يوم الجمعة سنة سبع وخمسين .
وفي الثاني منه كان
مولد أبي الحسن الثالث عليه السلام . قيل : الخامس منه .
ويوم العاشر وُلد أبو
جعفر الثاني عليه السلام .
ويوم الثالث عشر منه
وُلد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة ، ذكره الشيخ ـ رحمه الله ـ عن ابن عيّاش من علمائنا .
وفي اليوم الخامس عشر
خرج فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، من الشعب .
وفي هذا اليوم لخمسة
أشهر من الهجرة عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لأمير المؤمنين عليه السلام ، على ابنته فاطمة عليها السلام ، عقدة النكاح .
وفيه حُوّلت القبلة
من بيت المقدس وكان الناس في صلاة العصر .
مسألة ١٣٣ :
ويستحب صوم شعبان بأسره .
__________________
قال الصادق عليه
السلام : « صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله » .
وقال رسول الله صلّى
الله عليه وآله : ( ألا إنّ شعبان شهري ، فرحم الله مَنْ أعانني على شهري ) .
ويتأكّد صوم أول يوم
منه .
قال الصادق عليه
السلام : « مَنْ صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنّة البتة ، ومَنْ صام يومين نظر الله إليه في كلّ يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره
إليه في الجنّة ، ومَنْ صام ثلاثة أيام زار الله في عرشه في جنته في كلّ يوم »
.
وفي الثالث منه وُلد
الحسين عليه السلام . وليلة النصف منه ولد القائم عليه السلام . وهي إحدى الليالي الأربعة : ليلة
الفطر وليلة الأضحى وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من رجب .
مسألة ١٣٤ :
يستحب صوم التاسع والعشرين من ذي القعدة .
روى ابن بابويه : إن الله
أنزل فيه الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة .
وفي أول يوم من
المحرّم دعا زكريا ربّه عزّ وجلّ ، فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام . ونحوه قال الشيخ
__________________
رحمه
الله .
قال : وفي اليوم
الثالث من المحرّم كان عبور موسى بن عمران عليه السلام ، على جبل طور سيناء . وفي اليوم السابع منه أخرج الله سبحانه ، يونس عليه السلام ، من بطن الحوت . وفي اليوم العاشر كان مقتل سيّدنا الحسين عليه السلام . ويستحب في هذا اليوم زيارته . ويستحب صوم هذا العشر ، فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر ثم تناول شيئاً من التربة .
قال الشيخ رحمه الله
: وفي اليوم السابع عشر من المحرّم انصرف أصحاب الفيل عن مكّة وقد نزل عليهم العذاب . وفي اليوم الخامس والعشرين منه سنة أربع وتسعين كانت وفاة زين العابدين عليه السلام
.
قال الشيخ رحمه الله
: يستحب صوم النصف من جمادى الاُولى ، ففي ذلك اليوم من سنة ست وثلاثين كان فتح البصرة لأمير المؤمنين عليه السلام . وفي ليلته من هذه السنة بعينها كان مولد مولانا أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام .
مسألة ١٣٥ :
يستحب صوم ستة أيّام من شوّال بعد يوم الفطر ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر العلماء ـ لما رواه العامة عن رسول الله صلّى
الله عليه وآله أنّه قال : ( مَنْ صام رمضان وأتبعه بستٍّ من شوّال فكأنّما صام الدهر )
.
__________________
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الزهري عن زين العابدين عليه السلام « وصوم ستة أيّام من شوّال » .
وقال أبو يوسف :
كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياماً خوفاً أن يلحق ذلك بالفريضة . وحكي مثل ذلك عن محمد بن الحسن
.
وقال مالك : يكره ذلك
. قال : وما رأيت أحداً من أهل المدينة يصومها ، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، وأنّ أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته ، وأن يُلحق الجُهّال برمضان ما ليس منه
.
مسألة ١٣٦ :
يستحب صوم كلّ خميس وكلّ اثنين ؛ لأنّ أعمال الخلائق ترفع فيهما ، فيستحب رفع هذه العبادة الشريفة .
روى العامّة أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، كان يصوم يوم الاثنين والخميس ، فسئل عن ذلك ، فقال : ( إنّ أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الزهري عن زين العابدين عليه السلام : « والخميس » .
__________________
وكذا يستحب صوم كلّ
جمعة ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمد ـ لأنّ الصوم في نفسه طاعة ، وهذا يوم شريف تُضاعف فيه الحسنات .
ولما رواه الزهري عن
زين العابدين عليه السلام : « فأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس » .
وقال ابن سنان عن الصادق
عليه السلام : رأيته صائماً يوم جمعة ، فقلت له : جُعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ؛ فقال : « كلّا إنّه يوم خفض ودعة » .
وقال أحمد وإسحاق
وأبو يوسف : يكره إفراده بالصوم ، إلّا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه ، مثل : مَنْ يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، فيوافق صومه يوم الجمعة . وكذا مَنْ عادته صيام أول الشهر أو آخره فيوافقه ؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم
.
وسأل رجلٌ جابرَ بن
عبدالله وهو يطوف ، فقال : أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صيام يوم الجمعة ؟ قال : نعم وربّ هذا البيت .
فإن صحّت هاتان
الروايتان ، حُملتا على مَنْ يضعف عن الفرائض
__________________
ونوافل
الجمعة والأدعية وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها ؛ جمعاً بين الأدلّة .
وقد روى علماؤنا أنّ
صوم داود على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فَعَله رسول الله صلّى الله عليه وآله .
قال رسول الله عليه
وآله السلام : ( أحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام أخي داود عليه السلام ، كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة أخي داود ، كان يرقد شطر الليل ويقوم ثُلْثه ثم يرقد آخره )
.
المطلب الرابع : في صوم
الإِذن والتأديب
مسألة ١٣٧ :
لا ينعقد للعبد الصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ؛ لأنّه مملوك ليس له التصرّف في نفسه ، ومنافعه مستحقّة لغيره ، وربما تضرّر السيد بضعفه بالصوم ، فإن أذن له مولاه ، صحّ . هذا في صيام التطوّع .
ولقول زين العابدين عليه
السلام : « وأمّا صوم الإِذن فالمرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، والضيف لا
يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَنْ نزل على قوم فلا يصوم تطوّعاً إلّا بإذنهم » .
أمّا الفرض فلا ،
وكذا ليس له أن ينذر الصوم إلّا بإذن مولاه . وهذا كلّه
__________________
لا
خلاف فيه . ولا فرق بين أن يكون المولى حاضراً أو غائباً .
مسألة ١٣٨ :
ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، سواء كان الزوج حرّاً أو عبداً ؛ لأنّه مالك لبُضْعها ، وله حقّ الاستمتاع ، وربما يمنعه الصوم عنه ، فلم يكن سائغاً لها إلّا برضاه .
ولا فرق بين أن يكون
زوجها حاضراً أو غائباً .
واشترط الشافعي حضوره
.
وليس بجيّد ؛ لما
اشتمل عليه حديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام .
ولو كان عليها صوم
واجب ، لم يعتبر إذنه ، بل يجب عليها فعله ، ولا يحلّ له منعها عنه .
ولو كان الواجب
موسّعاً ، ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال .
مسألة ١٣٩ :
الضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مضيفه ؛ لما تقدّم في حديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام .
ولما فيه من جبر قلب
المؤمن ومراعاته ، فكان مستحبّاً .
ومَنْ صام ندباً ودُعي
إلى طعام ، استحبّ إجابة الداعي إذا كان مؤمناً ، والإِفطار عنده ؛ لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم .
ولما رواه داود
الرقّي عن الصادق عليه السلام ، قال : « لإِفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضِعْفاً أو تسعين ضِعْفاً »
.
ولا ينبغي للمضيف أن
يصوم إلّا بإذن الضيف ؛ لئلّا يلحقه الحياء ، رواه
__________________
الصدوق
عن الصادق عليه السلام .
وكذا لا ينبغي للولد
أن يتطوّع بالصوم إلّا بإذن والده ؛ لأنّ امتثال أمر الوالد وطاعته أولى ؛ لما رواه الصدوق ـ رحمه الله ـ عن الصادق عليه السلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، ومن بِرّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلّا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصيةً ، وكان العبد فاسداً ، وكان الولد عاقّاً )
.
مسألة ١٤٠ :
صوم التأديب عبارة عن إمساك خمسة عن المفطرات : المسافر والحائض والنفساء والمريض والكافر والصبي ، وليس ذلك صوماً حقيقيّاً ؛ لأنّ هؤلاء قد كانوا مفطرين في أول النهار ، والصوم غير قابل للتجزّي ، لكن يستحب الإِمساك لهم ؛ تشبّهاً بالصائمين .
فإذا قدم المسافر إلى
أهله وقد أفطر في سفره ، أمسك بقية النهار تأديباً ، وكذا لو أفطر مسافراً ثم قدم بلداً عزم على الإِقامة فيه عشرة أيام فزائداً ، سواء
كان قدومه قبل الزوال أو بعده ، استحباباً وليس بفرض ، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود .
وقال أبو حنيفة
والثوري والأوزاعي : لا يجوز له الأكل بقية النهار
.
__________________
وعن
أحمد روايتان ، وقد تقدّم
ذلك .
ويجوز له أن يدخل
مفطراً .
وينبغي للمسافر الذي
يجب عليه التقصير أن لا يتملّأ من الطعام ولا يتروّى من الماء ، بل يتناول منهما قدر الحاجة والضرورة ؛ لحرمة الشهر .
ولما رواه ابن سنان ـ
في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل القوت وما أشرب كلّ الري » .
ويشتدّ استحباب
اجتناب النساء ، فلا يواقع في نهار رمضان ، ويكره له ذلك كراهة شديدة ، وبه قال الشافعي .
وليس محرّماً ؛ لأنّ الصوم
ساقط عنه ، فلا مانع له من الجماع المباح بالأصل .
وروى عمر بن يزيد ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه سأله عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، أله أن يصيب من النساء ؟ قال : « نعم » .
وقال الشيخ رحمه الله
: لا يجوز له مواقعة النساء ـ وبه قال أحمد ، حتى أنّ أحمد قال : تجب به الكفّارة كما يجب به القضاء
ـ لقول الصادق
__________________
عليه
السلام : « إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار فإنّ ذلك محرّم عليه » .
وهو محمول على شدّة
الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار .
ولو قدم من سفره
مفطراً ، جاز له ترك الإِمساك ، وأن يأكل ويشرب ويجامع .
مسألة ١٤١ :
يستحب للحائض والنفساء الإِمساك إذا طهرتا بعد الفجر ، وليس واجباً عليهما ؛ لأنّهما مفطرتان برؤية الدم ، وقد قلنا : إنّ الصوم
لا يتجزّى ، لكن يستحب لهما الإِمساك ؛ تشبّهاً بالصائمين ؛ لحرمة الزمان ؛ لقول الصادق عليه السلام ، وقد سأله أبو الصباح الكناني ، في امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم ؟ قال : « إنّما فطرها من الدم » .
وكذا الطاهر إذا
تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار ، فإنّها تفطر ذلك اليوم ، ويستحب لها الإِمساك تأديباً ؛ لما روى أبو الصباح عن الصادق عليه السلام ، في امرأة أصبحت صائمةً ، فلمّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر ؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل الغروب فلتفطر »
.
وأمّا المستحاضة :
فإنّها بحكم الطاهر يجب عليها الصيام ، ويشترط في صحّته أن تفعل ما تفعله المستحاضة من الأغسال إن وجبت عليها ، فإن أخلّت بالأغسال أو ببعضها الواجب عليها ، وجب عليها قضاء الصوم ؛ لانتفاء الغسل الذي هو شرط الصوم .
ولما رواه علي بن
مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر
__________________
رمضان
كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب عليه السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان يأمر المؤمنات بذلك » .
قال الشيخ رحمه الله
: إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك والترك له على التعمّد فإنّه يلزمها القضاء .
إذا عرفت هذا ، فلو
كان الدم كثيراً وأخلّت بغسل الغداة ، وجب عليها القضاء . وكذا لو أخلّت بغسل الظهرين .
أمّا لو أخلّت بغسل
العشاءين ، فالأقرب عدم وجوب القضاء ؛ إذ غسل الليل لا يؤثّر في صوم النهار ، ولم يذكره علماؤنا .
مسألة ١٤٢ :
المريض إذا برئ وكان قد تناول المفطر ، أمسك بقية النهار تأديباً لا واجباً ؛ لقول زين العابدين عليه السلام ، في حديث الزهري : « وكذلك مَنْ أفطر لعلّة في أول النهار ثم قوي بقية يومه اُمر بالإِمساك عن الطعام
بقية يومه تأديباً وليس بفرض » .
هذا إذا كان قد تناول
شيئاً يفسد الصوم ، فإن كان بُرؤه قبل الزوال ، أمسك وجوباً ، واحتسب به من رمضان ، وإن كان بُرؤه بعد الزوال ، أمسك استحباباً ، وقضاه على ما تقدّم .
مسألة ١٤٣ :
الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ في أثناء النهار ، أمسكا استحباباً لا وجوباً ، سواء تناولا شيئاً أو لم يتناولا ، وسواء زال عذرهما قبل
__________________
الزوال
أو بعده ، وهو أحد قولي الشيخ رحمه الله .
وفي الآخر : يجدّدان
نية الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، ولا يجب عليهما القضاء .
والمعتمد : الأول ؛
لأنّ المتقدّم من الزمان على الإِسلام والبلوغ لا يصح صومه ، والصوم لا يقبل التجزّي .
واحتجاج الشيخ ـ رحمه
الله ـ بأنّ الصوم ممكن في حقّهما ، ووقت النية باقٍ ، وقد صار الصبي مخاطباً ببلوغه .
وبعض اليوم إنّما لا
يصح صومه إذا لم تكن النية يسري حكمها إلى أوّله ، أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلى أول الصوم ، فإنّه يصح ، وهو هنا كذلك .
وهو ممنوع ، لأنّ
النية هنا لا يسري حكمها إلى أول الصوم ؛ لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف ، والنية إنّما يصح فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات ، أمّا غيره فممنوع .
المطلب الخامس : في
الصوم المحظور
مسألة ١٤٤ :
يحرم صوم العيدين بإجماع علماء الإِسلام .
روى العامة : أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صوم هذين اليومين ، أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم .
ومن طريق الخاصة :
قول زين العابدين عليه السلام : « وأمّا صوم
__________________
الحرام
فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى » .
قال الشيخ رحمه الله
: القاتل في أحد الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين متتابعين وإن دخل فيهما العيدان وأيام التشريق
؛ لأنّ زرارة سأل الباقر عليه السلام عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام ، قال : « يغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم » قلت : فإنّه يدخل في هذا شيء ؛ قال : « وما هو ؟ » قلت : يوم العيد وأيام التشريق ؛ قال : « يصوم فإنّه حقّ لزمه » .
وفي طريقه سهل بن
زياد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهو مخالف للإِجماع .
مسألة ١٤٥ :
لو نذر صوم العيدين لم ينعقد نذره عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك ـ لأنّ صومه حرام ، فلا ينعقد النذر
عليه ، كالليل .
ولأنّه نذر في معصية
فلا يصح ؛ لقوله عليه السلام : ( لا نذر في معصية الله ) .
وقال عليه السلام : (
لا نذر إلّا ما ابتغي به وجه الله ) .
__________________
وقال عليه السلام : (
مَنْ نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِه ) .
وقال أبو حنيفة :
ينعقد ، وعليه قضاؤه ، ولو صامه أجزأ عن النذر ، وسقط القضاء .
أمّا لو نذر صوم يوم
، فظهر أنّه العيد ، فإنّه يفطره إجماعاً .
والأقرب : أنّه لا
يجب عليه قضاؤه ؛ لأنّه نذر صوم زمان لا يصح الصوم فيه ، فلم ينعقد ، كما لو علم .
مسألة ١٤٦ :
صوم أيّام التشريق حرام لمن كان بمنى عند علمائنا وأكثر العلماء ؛ لما رواه العامة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال
: ( أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجلّ ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن صوم ستة أيّام » وذَكَرها .
ولأنّ معاوية بن
عمّار سأل الصادق عليه السلام ، عن صيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »
.
وللشافعي قولان ،
أحدهما : الجواز للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ؛ لأنّ [ ابن ] عمر وعائشة قالا : لم يرخص في صوم أيّام التشريق إلّا لمتمتّعٍ
إذا
__________________
لم
يجد الهدي .
وقولهما ليس حجّةً .
مسألة ١٤٧ :
يحرم صوم يوم الشك على أنّه من شهر رمضان ، وصوم نذر المعصية ، وهو : أن ينذر إن تمكّن من زنا أو قتل مؤمن وشبهه من المحارم صام ( أو صلّى ) وقصد بذلك الشكر لا الزجر ؛ لقوله عليه
السلام : ( لا نذر إلّا ما اُريد به وجه الله تعالى ) .
ويحرم أيضاً صوم
الصمت ـ قاله علماؤنا ـ لأنّه غير مشروع عندنا ، فيكون بدعةً .
ولحديث الزهري عن زين
العابدين عليه السلام .
ويحرم صوم الوصال عند
علمائنا ـ وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ـ لما رواه العامة عن ابن عمر قال : واصَلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في رمضان فواصَلَ الناس ، فنهى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، عن الوصال ، فقالوا : إنّك تواصل ؛ فقال : ( إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربي يطعمني ويسقيني ) .
ومن طريق الخاصة :
قول زين العابدين عليه السلام : « وصوم الوصال
__________________
حرام
، وصوم الصمت حرام » .
والثاني للشافعي :
إنّه مكروه غير محرّم ـ وهو قول أكثر العامة
، وكان عبدالله بن الزبير يواصل ـ لأنّه ترك الأكل والشرب المباح ، فلم
يكن محرّماً ، كما لو تركه حال الفطر .
ويبطل بما لو ترك
الأكل والشرب يوم العيد .
واختلف قول الشيخ ـ رحمه
الله ـ في حقيقة الوصال ، فقال في النهاية والمبسوط : هو أن يجعل عشاءه سحوره ؛ لقول الصادق عليه السلام : « الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره » .
وقال في الاقتصاد :
هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً ـ وهو قول العامة ـ لما روي عن الصادق عليه السلام ،
أنّه قال : « إنّما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا وصال في صيام ؛ يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار » .
مسألة ١٤٨ :
صوم الدهر حرام ؛ لدخول العيدين وأيّام التشريق فيه ، ولا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام .
__________________
روى العامة عن النبي
صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( مَنْ صام الدهر ضُيّقت عليه جهنم ) .
ومن طريق الخاصة :
قول زين العابدين عليه السلام : « وصوم الدهر حرام » .
إذا ثبت هذا ، فلو
أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي ؟ .
قال الشافعي وأكثر
الفقهاء : ليس بمكروه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صيام ستّة أيام من السنة ؛ فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز .
وقال أبو يوسف : إنّه
مكروه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله نهى عنه ؛ ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالذكر دون صوم الدهر
.
ويحرم صوم الواجب
سفراً ـ عدا ما استثني ـ ولا يجزئ . ويحرم صوم المرأة ندباً مع منع الزوج ، والعبد مع منع المولى .
__________________
الفصل
الثامن في اللواحق
مسألة ١٤٩ : الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصوم وجَهَدهما الجُهْد الشديد ، جاز لهما الإِفطار إجماعاً .
وهل تجب الفدية ؟ قال
الشيخ : نعم فيصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام .
وبوجوب الكفّارة قال
أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد ، إلّا أنّ أبا حنيفة قال : يُطعم عن
كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعاً من تمر .
__________________
وقال أحمد : يُطعم مُدّاً
من بُرّ أو نصف صاع من تمر أو شعير .
لما رواه العامة عن
ابن عباس ، قال : الشيخ الكبير يُطعم عن كلّ يوم مسكيناً .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : « يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم » .
وقال المفيد
ـ رحمه الله ـ والسيد المرتضى وأكثر علمائنا
: لا تجب الكفّارة مع العجز ـ وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول
، وللشافعي قولان ، كالمذهبين ـ لأنّه ترك الصوم لعجزه ،
فلا يجب به الإِطعام ، كما لو ترك لمرضه .
والفرق ظاهر .
أمّا لو لم يتمكّن من
الصوم البتة ، فإنّه يسقط عنه ولا كفّارة . ولو عجز عن الكفّارة ، سقطت أيضاً .
إذا عرفت هذا ، فقد
اختلف قول الشيخ ـ رحمه الله ـ في قدر الكفارة ،
__________________
فقال
تارةً : مُدّان ، فإن عجز فمُدٌّ ؛ لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ، قال : « ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدّين من طعام » .
وتارة قال : مُدٌّ
. وهو أقوى ؛ عملاً بالأصل .
وبما رواه محمد بن
مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ولا قضاء عليهما » .
مسألة ١٥٠ :
ذو العُطاش الذي لا يرجى بُرؤه يفطر ويتصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، كما تقدّم . وهو أحد قولي الشيخ
رحمه الله .
والثاني : أنّه
يتصدّق بمُدَّيْن ، فإن عجز فبمُدٍّ ؛ للضرر المبيح للإِفطار ، كما اُبيح للمريض .
ولما رواه المفضّل بن
عمر عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا فتياناً وبناتٍ لا يقدرون على الصيام من شدّة
ما يصيبهم من العطش ؛ قال : « فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون »
.
وأمّا الصدقة :
فلعجزه عن الصيام .
__________________
ولقول الصادق عليه
السلام فيمن ترك الصيام ، قال : « إن كان من مرض فإذا برئ فليصمه ، وإن كان من كِبَر أو لعطش فبدل كلّ يوم مُدٌّ »
.
وأمّا سقوط القضاء :
فلأنّه أفطر لعجزه عن الصيام والتقدير دوامه ، فيدوم المسبّب .
ولتفصيل الصادق عليه
السلام ، والتفصيل قاطع للشركة .
وأمّا العطّاش الذي
يرجى برؤه : فإنّه يفطر إجماعاً ؛ لعجزه عن الصيام ، وعليه القضاء مع البُرء ؛ لأنّه مرض وقد زال ، فيقضي ، كغيره من الأمراض .
وهل تجب الكفّارة ؟
قال الشيخ رحمه الله : نعم ، كما تجب في العطاش الذي لا يرجى زواله .
ومنع المفيد والسيد
المرتضى .
إذا ثبت هذا ، فلا
ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا من الطعام ولا من الشراب ولا يقربوا النساء في النهار .
مسألة ١٥١ :
الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما ، أفطرتا ، وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإِسلام ، ولا كفّارة عليهما ؛ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم )
.
ومن طريق الخاصة : ما
رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ قال : سمعت الباقر عليه السلام ، يقول : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن
__________________
لا
حرج عليهما أن تُفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تُفطر بمُدٍّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بَعْدُ » .
إذا عرفت هذا ،
فالصدقة بما تضمّنته الرواية واجبة .
ولو خافتا على الولد
من الصوم ، أفطرتا إجماعاً ؛ لأنّه ضرر على ذي نفس آدمي محترم ، فأشبه الصائم نفسه . ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر ، وعليهما الصدقة عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا والشافعي وأحمد ـ إلّا أنّه يقول : مُدٌّ من بُرٍّ أو
نصف صاع من تمر أو شعير ـ وبه قال مجاهد ؛ لقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) .
قال ابن عباس : كانت
رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يُفطرا ويُطعما لكلّ يوم مسكيناً ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . رواه العامة .
ومن طريق الخاصة : ما
تقدّم من حديث محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ؛ فإنّه عليه السلام سوّغ لهما الإِفطار مطلقاً ، وأوجب
عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على
__________________
أنفسهما
.
وتتصدّقان بما تقدّم
في الشيخ والشيخة ؛ لأنّه جبر لإِخلالهما بالصوم مع القدرة عليه .
والقول الثاني
للشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل ـ وهو رواية عن أحمد ، وبه قال الليث بن سعد ـ لأنّ المرضع
يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل .
ولأنّ الحمل متّصل
بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها .
والفرق لا يقتضي سقوط
القضاء مع ورود النصّ به ، وهو : الآية والأحاديث .
وقال أبو حنيفة : لا
تجب عليهما كفّارة ـ وهو مذهب الحسن البصري وعطاء والزهري وربيعة والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأبي عبيد بن داود والمزني وابن المنذر ـ لأنّ أنس بن مالك روى عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم )
.
ولأنّه فطر اُبيح
لعذر ، فلم تجب به كفّارة كالمريض .
__________________
ولا دلالة في الحديث
على سقوط الكفّارة . والمريض أحسن حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه .
وللشافعي قول ثالث :
إنّ الكفّارة استحباب .
وقال ابن عباس وابن
عمر : إنّ الكفّارة تجب عليهما دون القضاء ـ وهو قول سلّار من علمائنا ـ لأنّ الآية تتناولهما ، وليس فيها إلّا الإِطعام .
ولقول النبي صلّى
الله عليه وآله : ( إنّ الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم ) .
والجواب : أنّهما
تطيقان القضاء فلزمهما ، كالحائض والنفساء . والآية أوجبت الإِطعام ولا إشعار لها بسقوط القضاء .
والمراد بوضع الصوم
وضعه عنهما في حال عذرهما ، كما في قوله عليه السلام : ( إنّ الله وضع عن المسافر الصوم ) .
مسألة ١٥٢ :
لا يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعاً ـ وعن أحمد روايتان ـ لما رواه العامة : أنّ النبي صلّى
الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ صام تطوّعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه ، فإنّه لا يتقبّل منه حتى يصومه ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه الحلبي ـ في الحسن ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع ؟ فقال : « لا ،
__________________
حتى
يقضي ما عليه من شهر رمضان » .
ولأنّ الصوم عبادة
يدخل في جبرانها المال فلم يصحّ التطوّع بها قبل أدائها فرضاً كالحج .
احتجّ أحمد
: بأنّها عبادة متعلّقة بوقت موسّع ، فجاز التّطوّع في وقتها كالصلاة .
وهو قياس في مقابلة
النص فلا يُسمع .
وأيضاً فإنّ أداء
الصلاة لا يمنع من فعل النافلة ؛ لأنّه لا يفوت وقتها ، أمّا قضاء الصلاة فإنّه لا يجوز التطوّع لمن عليه القضاء .
مسألة ١٥٣ :
صوم النافلة لا يجب بالشروع فيه ، ويجوز إبطاله قبل الغروب ، ولا يجب قضاؤه ، سواء أفطر لعذر أو لغيره ـ وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق ـ لما رواه العامة عن عائشة قالت : دخل
عليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( هل عندكم شيء ؟ ) فقلت : لا ؛ قال : ( فإنّي صائم ) ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم وقد اُهدي إليَّ حَيْس
، فخَبَأْتُ له منه وكان يُحبّ الَحيْس ، قلت : يا رسول الله اُهدي لنا حَيْس
فخَبَأْتُ لك منه ؛ قال : ( أدنيه أما إنّي قد أصبحت وأنا صائم ) فأكل منه ، ثم قال : ( إنّما مَثَلُ صوم التطوّع مَثَلُ الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء
__________________
أمضاها
وإن شاء حبسها ) .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه جميل بن درّاج ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : « إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار »
.
وقال أبو حنيفة : يجب
المضيّ فيه ، ولا يجوز الإِفطار إلّا لعذر ، فإن أفطر قضاه .
وروي عن محمد أنّه
إذا دخل على أخ فحلف عليه ، أفطر وعليه القضاء .
وقال مالك : يجب
بالدخول فيه ، ولا يجوز له الخروج عنه إلّا لعذر ، وإذا خرج منه لعذر لا يجب القضاء ـ وبه قال أبو ثور
ـ لأنّ عائشة قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوّعتين فاُهدي لنا حَيْس ، فأفطرنا ، ثم سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( اقضيا يوماً مكانه )
.
ولأنّها عبادة تلزم
بالنذر ، فلزمت بالشروع فيها كالحج والعمرة .
والخبر ضعيف عند
المحدّثين ، ومحمول على الاستحباب .
__________________
وإحرام الحجّ آكد من
الشروع هنا ، ولهذا لا يخرج منه باختياره ولا بإفساده .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
جميع النوافل من سائر العبادات لا تجب بالشروع فيها إلّا الحج والعمرة ؛ فإنّهما يجبان بالشروع فيهما ؛ لتأكّد إحرامهما .
ولعموم قوله : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ )
.
وعن أحمد رواية :
أنّه لا يجوز قطع الصلاة المندوبة ، فإن قطعها قضاها .
وليس بجيّد ؛ لأنّ ما
جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة .
أمّا لو دخل في واجب
، فإن كان معيّناً ـ كنذر معيّن ـ لم يجز له الخروج منه ، وإن كان مطلقاً ـ كقضاء رمضان أو النذر المطلق ـ فإنّه يجوز الخروج منه ، إلّا قضاء رمضان بعد الزوال .
مسألة ١٥٤ :
كلّ صوم يلزم فيه التتابع إلّا أربعة : صوم النذر المجرّد عن التتابع وما في معناه من يمين أو عهد ؛ لأصالة البراءة . وصوم قضاء رمضان ، وصوم جزاء الصيد ، وصوم السبعة في بدل الهدي .
أمّا ما عدا هذه
الأربعة ، كصوم كفّارة الظهار والقتل والإِفطار وكفّارة اليمين وأذى حلق الرأس وثلاثة أيام الهدي ؛ فإنّه يجب فيها التتابع .
قال الصادق عليه
السلام : « صيام ثلاثة أيام في كفّارة اليمين متتابعاً لا يفصل بينهن » .
مسألة ١٥٥ :
مَنْ وجب عليه صوم شهرين متتابعين إمّا في كفّارة أو نذر أو شبهه إذا أفطر في الشهر الأول أو بعد انتهائه قبل أن يصوم من الشهر الثاني
__________________
شيئاً
، استأنف .
وإن كان أفطر لعذر من
مرض أو حيض وشبهه ، لم ينقطع تتابعه ، بل ينتظر زوال العذر ثم يتمّ صومه ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي في الحيض ، أمّا المرض فله قولان ـ لمساواة المرض الحيض في كونه عذراً ،
فتساويا في سقوط التتابع .
ولاشتماله على الضرر
وربما تجدّد عذر آخر فيستمرّ التكليف ، وهو مشقة عظيمة .
ولأنّ رفاعة سأل الصادق
عليه السلام ـ في الصحيح ـ عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً ومرض ، قال : « يبني عليه ، الله حبسه » قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها ؛ قال : « تقضيها » قلت : فإنّها قضتها ثم يئست من الحيض ؛ قال : « لا تعيدها أجزأها » .
ولو أفطر في الشهر
الأول أو بعد إكماله قبل أن يصوم من الثاني شيئاً لغير عذر ، استأنف ، بإجماع فقهاء الإِسلام ؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف .
ولو صام من الشهر
الثاني شيئاً بعد الشهر الأول ولو يوماً ثم أفطر ، جاز له البناء ، سواء كان لعذر أو لغير عذر ، عند علمائنا كافة ـ خلافاً للعامة كافّة ـ لأنّه بصوم بعض الشهر الثاني عقيب الأول تصدق المتابعة ؛
لأنّها أعمّ من المتابعة بالكلّ أو بالبعض ، والأعم من الشيئين صادق عليهما ، فيخرج عن العهدة بكلّ واحد منهما .
__________________
ولرواية الحلبي ـ الصحيحة
ـ عن الصادق عليه السلام : « في كفّارة الظهار صيام شهرين متتابعين ، والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أيّاماً أو شيئاً منه » .
فروع :
أ ـ لا يجوز لمن عليه
صوم شهرين متتابعين أن يصوم ما لا يسلم له الشهر الأول ومن الثاني شيئاً ، فليس له أن يصوم شعبان منفرداً إلّا إذا صام قبله ولو يوماً من آخر رجب .
ولا تكفي متابعة شهر
رمضان ؛ لأنّه صوم استحقّ بأصل التكليف ، والتتابع وصف لصوم الكفّارة ، وأحدهما غير الآخر ، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر .
ب ـ لا شك في أنّه
إذا صام من الثاني شيئاً ثم أفطر ، يحصل به التتابع ، لكن هل يكون الإِفطار له سائغاً أو حراماً ؟ قولان لعلمائنا .
والمعتمد : الأول ؛
لأنّ الصادق عليه السلام حدَّ التتابعَ « بأن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أياماً أو شيئاً منه » .
نعم الأولى تركه ؛
لاشتماله على الخلاف وترك المسارعة إلى فعل الطاعة .
ج ـ لو سافر قبل أن
يصوم من الثاني شيئاً ، فإن تمكّن من ترك السفر ، انقطع تتابعه ووجب عليه الاستئناف ، وإن كان مضطرّاً ، لم ينقطع ويُتمّ بعد رجوعه .
د ـ المرض والحيض
والنفاس أعذار يصحّ معها التتابع والبناء مطلقاً .
مسألة ١٥٦ :
العبد إذا وجب عليه صوم شهر متتابع في كفّارة وشبهها ،
__________________
والحُرّ
إذا وجب عليه شهر متتابع بنذر وشبهه ، فصام خمسة عشر يوماً ثم أفطر لعذر أو غيره ، جاز له البناء ، وإن أفطر قبل ذلك لغير عذر ، استأنف ، ولعذر يبني ؛ لما روي عن الصادق عليه السلام ، في رجل جعل عليه صيام شهر فصام منه خمسة عشر يوماً ثم عرض له أمر ، قال : « إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً لم يجزئه حتى يصوم شهراً تامّاً » .
مسألة ١٥٧ :
صوم ثلاثة أيام بدل الهدي في الحج متتابعة إجماعاً ، فلو صام يوماً ثم أفطر ، استأنف مطلقاً .
وإن صام يومين ثم
أفطر فكذلك ، إلّا أن يصوم يوم التروية وعرفة ، فإنّه يفطر العيد ، ويأتي بثالث بعد انقضاء أيام التشريق ؛ لأنّ يحيى الأزرق سأل أبا الحسن عليه السلام ، عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق »
.
أمّا لو كان الثالث
غير العيد ، بأن صام يومين غير يوم التروية وعرفة ثم أفطر الثالث ، استأنف .
واعلم أنّ كلّ صوم
يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر ، بنى ، وإن كان لغير عذر ، استأنف ، إلّا في المواضع الثلاثة ، وهي : تتابع الشهرين ، أو الشهر ، أو ثلاثة أيام بدل الهدي بالعيد .
مسألة ١٥٨ :
يكره للمسافر النكاح في نهار رمضان مع وجوب القصر ، وليس محرَّماً ، فإن كانت مسافرةً معه ، جاز لهما معاً الجماع .
وكذا لو قدم من سفره
ووجدها مفطرةً لمرض أو حيض طهرت منه
__________________
حينئذٍ
؛ لسقوط فرض الصوم عنهما .
ولو غرّته فقالت :
إنّي مفطرة ؛ فوطأها ، أفطرت ولا كفّارة عليه عن نفسه ؛ لإِباحة الفطر له ، ولا عَنْها ؛ لغروره ، ولا صنع له فيه ، ويجب عليها كفّارة عن نفسها .
ولو علم بصومها ، فإن
طاوعته ، وجب عليها الكفّارة عن نفسها ، ولا يجب عليه شيء .
وإن أكرهها ، فلا
كفّارة عليه عن نفسه ، وتجب عليه كفّارة عنها .
ولا فرق في الإِكراه
بين أن يغلبها على نفسها ، أو يتهدّدها بضرب وشبهه فتُطاوعه ، ولا تفطر في الحالين .
وقال الشافعي : لا
تفطر في الاُولى ، وفي التهدد قولان .
مسألة ١٥٩ :
يكره السفر في رمضان إلّا لضرورة ـ إلّا إذا مضت ثلاثة وعشرون يوماً من الشهر فتزول الكراهة ـ لما فيه من التعريض لإِبطال الصوم ، ولمنعه عن ابتداء العبادة وإحراز فضيلته في شهر رمضان ، وبعد ثلاثة وعشرين مضى أكثر وقت العبادة مشغولاً بها .
وكذا تنتفي الكراهة
مع الضرورة ، كالخوف على فوات مال أو هلاك أخ أو المضيّ في حجّ أو زيارة ؛ لأنّ الصادق عليه السلام قال : « إذا دخل شهر رمضان فليس للرجل أن يخرج إلّا في حج أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء » .
وروى أبو بصير سأل
الصادق عليه السلام : جُعلت فداك يدخل علَيَّ
__________________
شهر
رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبدالله عليه السلام ، فأزوره واُفطر ذاهباً وجائياً أو اُقيم حتى اُفطر وأزوره بعدما اُفطر
بيوم أو يومين ؟ فقال : « أقم حتى تفطر » قلت له : جُعلت فداك فهو أفضل ؟ قال : « نعم أما تقرأ في كتاب الله (
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )
» .
وروى ابن بابويه أنّ
تشييع المؤمن أفضل من المقام عن الصادق عليه السلام ، عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة ، فقال : « إن كان في شهر رمضان فليفطر » فسُئل أيّهما أفضل يصوم أو يخرج يشيّع أخاه ؟ فقال : « يشيّعه إنّ الله عزّ وجلّ وضع الصوم عنه إذا شيّعه »
.
مسألة ١٦٠ :
لو وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن ذلك ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة ، قال : « فلْيصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام » .
إذا عرفت هذا ، فلو
قدر على صيام شهر لا غير ، ففي وجوبه إشكال ، وكذا لو تمكّن من صيام شهرين لكن متفرّقة ، ففي وجوبه إشكال .
والأقرب : أنّ
الثمانية عشر متتابعة ، مع احتمال عدمه .
مسألة ١٦١ :
لو نذر صوم يوم بعينه فوافق ذلك أن يكون مسافراً ، أفطر وقضاه ، إلّا أن يقيّد نذره بالسفر والحضر فيصومه مسافراً .
ويصح نذر صوم يوم من
شهر رمضان ـ خلافاً لبعض علمائنا ـ وإن
__________________
كان
الصوم واجباً بغير النذر ؛ لما فيه من التشديد في فعل الواجب .
ولو أفطره ، فإن قلنا
بعدم انعقاده ، فلا بحث ، وإن قلنا بانعقاده ، ففي تعدّد الكفّارة إشكال .
أمّا لو نذر صومه في
السفر عن رمضان أو غيره لم يصحّ .
ولو نذر صوم الدهر
واستثنى الأيام المحرَّم صومها ، انعقد .
فلو كان عليه قضاء من
رمضان أو وجب عليه بغير ذلك ، لزمه أن يصوم القضاء مقدّماً على صوم النذر ؛ لأنّه واجب ابتداءً بأصل الشرع .
فإذا صامه فالزمان
الذي قضى فيه هل يدخل تحت النذر ؟ إشكال ينشأ : من ظهور استحقاقه للقضاء ، فلم يدخل في النذر ، كشهر رمضان ، ومن دخوله في النذر ؛ لأنّه لو صامه عن النذر وقع عنه ، وبقي القضاء في ذمته .
إذا ثبت هذا ، فلا
كفّارة عليه في هذه الأيام التي فاتته من نذره ؛ لأنّه لا يمكنه فعلها ، كالمريض إذا أفطر ثم اتّصل مرضه بموته .
وقال بعض الشافعية :
تلزمه الكفّارة ؛ لأنّه عجز عن صوم الواجب عجزاً مؤبّداً فلزمته الكفّارة ، كالشيخ الهم .
وهو معارض ببراءة
الذمة .
وإذا وجب على صائم
الدهر واجباً ، كفّارة مخيّرة أو مرتّبة ، صام عن الكفّارة ؛ لأنّه كالمستثنى .
وإذا نذر صوم قدوم
زيد ، لم ينعقد ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يجب صومه ؛ لعدم الشرط ، وإن قدم نهاراً ؛ فلعدم التمكّن من صيام اليوم المنذور .
وقال الشيخ رحمه الله
: إن وافق قدومه قبل الزوال ولم يكن تناول شيئاً مُفطراً ، جدّد النيّة ، وصام ذلك اليوم ، وإن كان بعد الزوال ، أفطر ، ولا قضاء عليه فيما بَعْد .
__________________
ولو نذر يوم قدومه
دائماً ، سقط وجوب اليوم الذي قدم فيه ، ووجب صومه فيما بَعْدُ .
ولو اتّفق في رمضان ،
صامه عن رمضان خاصة ، وسقط المنذور ؛ لأنّه كالمستثنى ، ولا قضاء عليه .
ولو صامه عن النذر ،
وقع عن رمضان ولا قضاء عليه . وفيه إشكال .
وإذا نذر صوم يوم
بعينه ، فقدَّم صومه ، لم يجزئه ؛ لأنّه قدَّم الواجب على وقته ، فلا يحصل به الامتثال ، كما لو قدّم رمضان .
مسألة ١٦٢ :
لو نذر صوم يوم بعينه دائماً ، فوجب عليه صوم شهرين متتابعين لإِحدى الكفّارات ، قال الشيخ : يصوم في الشهر الأول عن الكفّارة ؛ تحصيلاً للتتابع ، وإذا صام من الثاني شيئاً ، صام ما بقي عن النذر ؛ لسقوط التتابع .
وقال بعض علمائنا :
يسقط التكليف بالصوم ؛ لعدم إمكان التتابع ، وينتقل الفرض إلى الإِطعام . وليس بجيّد .
ويحتمل صوم ذلك اليوم
عن النذر ، ثم لا يسقط التتابع لا في الأول ولا في الأخير ؛ لأنّه عذر لا يمكنه الاحتراز عنه .
ولا فرق بين تقدّم
وجوب الكفّارة عن النذر وتأخّره . وقول الشيخ فيه بعض القوة .
وإذا نذر أن يصوم في
بلد معيّن ، للشيخ قولان ، أحدهما : يتعيّن البلد . والثاني : أنّه يصوم أين شاء
.
__________________
والوجه أن يقال : إن
كان الصوم في بعض البلاد يتميّز عن الصوم في الآخر ، تعيّن ما نَذَره ، وإلّا فلا . والأقرب : عدم تميّز البلاد في ذلك .
مسألة ١٦٣ :
إذا نذر صوم سنة معيّنة ، وجب عليه صومها ، إلّا العيدين وأيّام التشريق لمَنْ كان بمنى ، فإن لم يشترط التتابع حتى أفطر في أثنائها ، قضى ما أفطره ، وصام الباقي ، ووجب عليه الكفّارة في كلّ يوم يُفطره ؛ لتعيّنه للصوم بالنذر على ما تقدّم .
وإن شرط التتابع ،
استأنف .
وقيل : إن جاز النصف
، بنى ولو فرّق .
هذا إذا كان إفطاره
لغير عذر ، وإن كان لعذر بنى ويقضي ولا كفّارة عليه .
ولو نذر صيام سنة غير
معيّنة ، تخيّر في التتالي والتفريق إن لم يشترط التتابع .
ولو نذر صوم شهر ،
تخيّر بين ثلاثين يوماً وبين صوم شهر هلالي من أول الهلال إلى آخره ، ويجزئه ولو كان ناقصاً .
وإذا صام في أثناء
الشهر ، أتمّ عدّة ثلاثين ، سواء كان تامّاً أو ناقصاً .
ولو نذره متتابعاً ،
وجب عليه أن يتوخّى ما يصحّ فيه ذلك ، ويجتزئ بالنصف . ولو شرع في أول ذي الحجة ، لم يجزئ ؛ لانقطاع التتابع بالعيد .
ولو نذر أن يصوم يوماً
ويُفطر يوماً ، فوالى الصوم ، قال ابن إدريس : وجب عليه كفّارة خُلْف النذر . وفيه نظر .
ويشترط في نذر الصوم
التقرّب ، فلو نذر صومه لا على وجه التقرّب ، بل لمنع النفس أو على جهة اليمين ، لم ينعقد .
__________________
ولو نذر صوماً ولم
يعيّن ، أجزأه صوم يوم .
ولو نذر أن يصوم
زماناً ، وجب عليه صوم خمسة أشهر .
ولو نذر أن يصوم حيناً
، كان عليه أن يصوم ستة أشهر ؛ لقوله تعالى : ( تُؤْتِي أُكُلَهَا
كُلَّ حِينٍ ) .
روى السكوني عن الباقر
عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال في رجل نذر أن يصوم زماناً ، قال : « الزمان خمسة أشهر ، والحين ستة أشهر ؛ لأنّ الله تعالى يقول : (
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) » .
ولا ينعقد نذر العبد
إلّا بإذن مولاه . وكذا الزوجة لا ينعقد إلّا بإذن الزوج .
مسألة ١٦٤ :
يستحب السحور إجماعاً .
روى العامة : أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، قال : ( تسحّروا فإنّ في السحور بركةً ) .
ومن طريق الخاصة : ما
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام « أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : إنّ الله تعالى وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين بالأسحار ، فليتسحّر أحدكم ولو بشربة من ماء »
.
ويستحب تأخيره ؛ لما
رواه العامة عن زيد بن ثابت قال : تسحّرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثم قُمْنا إلى الصلاة ، قلت : كم كان قدر
__________________
ذلك
؟ قال : خمسين آيةً .
ومن طريق الخاصة :
أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام ، فقال : آكل وأنا أشكّ في الفجر ، فقال : « كُلْ حتى لا تشك »
.
ولأنّ القصد القوّة
على الطاعة .
قال أحمد بن حنبل :
إذا شكّ في الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه . وهو قول ابن عباس والأوزاعي ، وهو الذي نقلناه عن الصادق عليه
السلام .
ويستحب تعجيل الإِفطار
بعد صلاة المغرب إن لم يكن هناك مَنْ ينتظره للإِفطار ، ولو كان ، استحبّ تقديمه على الصلاة .
روى العامة عن رسول الله
صلّى الله عليه وآله قال : ( يقول الله تعالى : أحب عبادي إليَّ أسرعهم فطراً ) .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها ، فقال : « إن كان قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم ، فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك ، فليصلّ وليفطر »
.
مسألة ١٦٥ :
يستحب الإِفطار على التمر أو الزبيب أو الماء أو اللبن ؛ لأنّ الباقر عليه السلام قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يفطر على
__________________
الأسودين
» قلت : رحمك الله وما الأسودان ؟ قال : « التمر والماء أو الزبيب والماء » .
وأنّ علياً عليه
السلام ، كان يستحب أن يُفطر على اللبن .
ويستحب للصائم الدعاء
عند إفطاره ؛ فإنّ له دعوةً مستجابةً ؛ لما رواه الباقر عليه السلام : « أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان إذا أفطر قال : اللهم لك صُمْنا وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ، ذهب الظمأ وابتلّت العروق وبقي الأجر » .
وكان الباقر عليه
السلام ، يقول في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإِفطار إلى آخره : « الحمد لله الذي أعاننا فصُمْنا ورزقنا فأفطرنا ، اللهم تقبّل منّا
وأعنّا عليه ، وسلّمنا فيه ، وتسلّمه منّا في يُسْر منك وعافية ، الحمد لله الذي قضى عنّا يوماً من شهر رمضان » .
مسألة ١٦٦ :
يستحب تفطير الصائم .
قال الصادق عليه
السلام : « مَنْ فطّر صائماً فله مثل أجره » .
ورواه العامة عن
النبي صلّى الله عليه وآله .
__________________
وعن الباقر عليه
السلام قال : « خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله في آخر جمعة من شعبان ، فحمد الله وأثنى عليه وتكلّم بكلام ، ثم قال : قد أظلّكم شهر رمضان ، مَنْ فطّر فيه صائماً كان له بذلك عند الله عزّ وجلّ عتق رقبة ومغفرة ذنوبه فيما مضى ، قيل له : يا رسول الله ليس كلّنا يقدر أن يُفطّر صائماً ، قال : إنّ الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لا يقدر إلّا على مَذْقَةٍ
من لبن يفطّر بها صائماً أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك » .
قال ابن عباس : إنّ رسول
الله صلّى الله عليه وآله ، كان أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ، وكان أجود من الريح المرسلة .
مسألة ١٦٧ :
ليلة القدر ليلة شريفة نطق بفضلها القرآن العزيز ، وهي أفضل ليالي السنة ، خصّ الله تعالى بها هذه الاُمّة . ومعنى القدر الحُكْم .
قال ابن عباس : سُمّيت
ليلة القدر ، لأنّ الله تعالى يُقدّر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة ورزق وغير ذلك .
روى العامة أنّ رسول الله
صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ صام رمضان وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه )
.
__________________
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها » .
و « اُري رسول الله
صلّى الله عليه وآله ، في منامه بني اُميّة يصعدون منبره من بعده يُضلّون الناس عن الصراط القهقرى ، فأصبح كئيباً حزيناً ، فهبط عليه جبرئيل فقال : يا رسول الله ما لي أراك كئيباً حزيناً ؟ قال : ( يا جبرئيل
إنّي رأيت بني اُميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يُضلّون الناس عن الصراط القهقرى ) فقال : والذي بعثك بالحقّ إنّ هذا لشيء ما اطّلعت عليه ؛ ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآيٍ من القرآن يؤنسه بها ، منها : ( أَفَرَأَيْتَ إِن
مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) وأنزل عليه : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ )
جعل ليلة القدر لنبيّه صلّى الله عليه وآله ، خيراً من ألف شهر من ملك بني اُميّة » .
إذا عرفت هذا ،
فإنّها باقية لم ترتفع إجماعاً ؛ لما رواه العامة عن أبي ذر ، قال ، قلت : يا رسول الله ليلة القدر رُفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة ؟ فقال : ( باقية إلى يوم القيامة ) قلت : في رمضان أو غيره ؟ فقال ( في رمضان ) فقلت : في العشر الأول أو الثاني أو الأخير ؟ فقال : ( في العشر الأخير ) .
ومن طريق الخاصة قول الصادق
عليه السلام : « ليلة القدر تكون في
__________________
كلّ
عام ، لو رُفعت ليلة القدر لرُفع القرآن » .
إذا عرفت هذا ، فأكثر
العلماء على أنّها في شهر رمضان .
وكان ابن مسعود يقول
: مَنْ يُقم الحول يُصِبْها ؛ يشير بذلك إلى أنّها في السنة كلِّها .
ويستحب طلبها في جميع
ليالي رمضان ، وفي العشر الآخر آكد ، وفي ليالي الوتر منه آكد .
روى العامّة أنّ رسول
الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( اُطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين )
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرّغ للعبادة » .
وقد اختلف العلماء ،
فقال اُبيّ بن كعب وعبدالله بن عباس : هي ليلة سبع وعشرين .
وقال مالك : هي في
العشر الأواخر ، وليس فيها تعيين .
__________________
وقال ابن عمر : إنّها
ليلة ثلاث وعشرين .
وقال أبو حنيفة وأحمد
: إنّها ليلة السابع والعشرين .
ومَيْلُ الشافعي إلى
أنّها ليلة الحادي والعشرين .
وأمّا علماؤنا ، فنقل
الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : « في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير ، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء ، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها ، ولله عزّ وجلّ أن يفعل ما يشاء في خلقه » .
مسألة ١٦٨ :
شهر رمضان شهر شريف تُضاعف فيه الحسنات ، وتُمحى فيه السيّئات .
« قال رسول الله صلّى
الله عليه وآله ، لمّا حضر شهر رمضان ، وذلك في ثلاث بقين من شعبان ، قال لبلال : نادِ في الناس ، فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به ، وهو سيد الشهور ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، تُغلق فيه أبواب النار ، وتُفتح فيه أبواب الجنان ، فمَنْ أدركه ولم يُغْفر له فأبعده الله ، وَمْن أدرك
والديه ولم يُغْفر له فأبعده الله ، ومَنْ ذُكِرْتُ عنده ولم يُصلّ عليَّ فأبعده الله »
.
وكان رسول الله صلّى
الله عليه وآله ، إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير وأعطى كلّ سائل .
__________________
وينبغي ترك المماراة
في الصوم والتنازع والتحاسد .
قال الصادق عليه
السلام : « إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده » ثم قال : « قالت مريم : (
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا )
أي : صمتاً ، فإذا صُمْتم فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا » قال : « وسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، امرأةً تسابَّ جاريةً لها وهي صائمة ، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله بطعام ، فقال لها : كُلي ؛ فقالت : إنّي صائمة ؛ فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك !؟ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب » .
ويكره إنشاد الشعر ؛
لما فيه من المنع للاشتغال عن الذكر .
قال الصادق عليه
السلام : « لا يُنشد الشعر بليل ولا يُنشد في شهر رمضان بليل ولا نهار » قال له إسماعيل : يا أبتاه فإنّه
فينا ؛ قال : « وان كان فينا » .
وروى حمّاد بن عثمان
ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « تكره رواية الشعر للصائم والمُحْرم في الحرم وفي يوم الجمعة ، وأن يُروى بالليل » قلت : وإن كان شعر حقّ ؟ قال : « وإن كان شعر حقّ » .
__________________
الفصل
التاسع في الاعتكاف
ومطالبه
ستة :
الأول : الماهية .
الاعتكاف لغةً :
اللبث الطويل .
قال الله تعالى : ( مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا
عَاكِفُونَ ) .
وأمّا في الشرع :
فإنّه عبارة عن لبث مخصوص للعبادة .
وهو مشروع في شريعتنا
والشرائع السابقة ، مستحب بإجماع العلماء .
قال الله تعالى : ( أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ )
.
وقال تعالى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
) .
وروى العامة أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف في العشر الأواخر .
__________________
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضُربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه » .
مسألة ١٦٩ :
وقد أجمع أهل العلم كافة على أنّه ليس بفرض في ابتداء الشرع ، وإنّما يجب بالنذر وشبهه .
روى العامة أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر ) علّقه بالإِرادة ، ولو كان واجباً لما
كان كذلك .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يك اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يك اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »
.
وقد أجمع المسلمون
على استحبابه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف في كلّ سنة ويُداوم عليه .
وأفضل أوقاته العشر
الأواخر من شهر رمضان .
قال رسول الله صلّى
الله عليه وآله : ( اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعُمرتين ) وداوَمَ على اعتكافها حتى قبضه الله
تعالى .
فمَنْ رغب إلى
المحافظة على هذه السنّة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شيء من ليلة الحادي والعشرين ،
__________________
ويخرج
بعد غروب الشمس ليلة العيد ، وإن بات ليلة العيد فيه إلى أن يصلّي فيه العيد أو يخرج منه إلى المصلّى كان أولى .
المطلب الثاني : في
شرائطه
مسألة ١٧٠ :
إنّما يصح الاعتكاف من مكلّف مسلم ؛ لأنّه عبادة وشرطه الصوم على ما يأتي ، وإنّما يصحّ الصوم بالشرطين .
ويصحّ اعتكاف الصبي
المميّز ، كما يصحّ صومه .
وهل هو مشروع أو
تأديب ؟ إشكال .
ولا يصحّ من المجنون
المُطبق ولا مَنْ يعتوره وقت جنونه ؛ لانتفاء التكليف عنه .
ولا ينعقد من الكافر
الأصلي ؛ لفقدان الشرط ، وهو : النيّة المشروطة بالتقرّب .
مسألة ١٧١ :
يشترط في الاعتكاف النية ، فلو اعتكف من غير نية ، لم يعتدّ به ؛ لأنّه فعل يقع على وجوه مختلفة ، فلا يختص بأحدها إلّا بواسطة النية التي تخلص بعض الأفعال أو الوجوه والاعتبارات عن بعض .
ولأنّ الاعتكاف عبادة
، فلا يصحّ من دون النية ؛ لقوله تعالى : (
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
ولا معنى للإِخلاص إلّا النية .
ولأنّه عمل وقد قال عليه
السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات ) .
وتشترط نية الفعل ،
والوجه من الوجوب أو الندب ، والتقرّب إلى الله تعالى ؛ لأنّ الفعل صالح للوجوب والندب والتقرّب واليمين أو منع النفس أو
__________________
الغضب
، فلا بدّ من التقرّب والوجه .
وإذا نوى الاعتكاف
مدّةً لم تلزمه إجماعاً .
نعم يشترط استمرار
النية حكماً ، فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيره ، استأنف النية عند الرجوع إن بطل الاعتكاف بالخروج ، وإلّا فلا .
مسألة ١٧٢ :
يشترط في الاعتكاف اللبث عند علمائنا أجمع ، وهو قول أهل العلم ؛ لأنّ الاعتكاف في اللغة عبارة عن المقام ، يقال : عكف واعتكف ؛ أي : أقام .
وللشافعي وجهان : هذا
أحدهما ، والثاني : أنّه لا يشترط اللبث ، بل يكفي مجرّد الحضور ، كما يكفي الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحج .
ثم فرّع على الوجهين ،
فقال : إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى ، فقد اعتكف ، وإن اعتبرنا اللبث ، لم يكف ما يكفي في الطمأنينة في أركان الصلاة ، بل لا بدّ وأن يزيد عليه بما يسمّى إقامة وعكوفاً ، ولا يعتبر السكون ، بل يصح اعتكافه قائماً وقاعداً
ومتردّداً في أرجاء المسجد .
وهذا القول لا عبرة
به عند المحصّلين .
مسألة ١٧٣ :
لا يجوز الاعتكاف عند علمائنا أقلّ من ثلاثة أيام بليلتين متواليات ، خلافاً للعامة كافة ؛ فإنّ الشافعي لم يقدّره بحدّ ، بل جوّز اعتكاف ساعة واحدة فأقلّ ، وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة
.
ورواية أخرى عن أبي
حنيفة أنّه لا يجوز أقلّ من يوم واحد ، وهو رواية عن مالك .
__________________
وعن مالك رواية اُخرى
أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيام .
لنا : ما رواه العامة
عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( لا اعتكاف إلّا بصوم ) والصوم لا يقع في أقلّ من يوم ، فبطل
قول الشافعي ومَنْ وافقه .
وأمّا التقدير
بالثلاثة : فلأنّ الاعتكاف في اللغة هو اللبث المتطاول وفي الشرع قيّد بالعبادة ، ولا يصدق ذلك بيوم واحد ؛ لأنّ التقدير بيوم لا مُماثل له في الشرع ، والتقدير بعشرة سيأتي إبطاله ، فتتعيّن الثلاثة ، كصوم كفّارة اليمين وكفّارة بدل الهدي وغير ذلك من النظائر .
ولقول الصادق عليه
السلام : « لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام ومن اعتكف صام » .
واحتجاج الشافعي :
بأنّ الاعتكاف لبث ، وهو يصدق في القليل والكثير . وأبو حنيفة : بأنّ من شرطه الصوم ، وأقلّه يوم
. ومالك : بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف العشر الأواخر
؛ باطل : بأنّ الاعتكاف في اللغة هو اللبث الطويل ، والأصل بقاء الوضع ، وقد بيّنّا أنّه لا
__________________
يكون
أقلّ من ثلاثة أيام عن أهل البيت عليهم السلام . وفعل الرسول صلّى الله عليه وآله ، لا يدلّ على تحديد الأقلّ .
مسألة ١٧٤ :
ويشترط في الاعتكاف أن يكون في مكان خاص ، وقد أجمع علماء الأمصار على اشتراط المسجد في الجملة ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ )
ولو صحّ الاعتكاف في غير المسجد ، لم يكن للتقييد فائدة ؛ لأنّ الجماع في الاعتكاف مطلقاً حرام .
ولأنّ الاعتكاف لبث
هو قربة ، فاختصّ بمكان كالوقوف .
ثم اختلف العلماء بعد
ذلك في أنّه هل يشترط مسجد معيّن أم لا ؟ فالذي عليه أكثر علمائنا أنّه يشترط أن يكون في مسجد جمّع فيه
نبي أو وصي نبي ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ومسجد النبي عليه السلام ، جمّع فيهما رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة جمّع فيهما علي عليه السلام .
وقد روي في بعض
الأخبار بدل « مسجد البصرة » : « مسجد المدائن » رواه الصدوق .
وقال ابن أبي عقيل
منّا : إنّه يصح الاعتكاف في كلّ مسجد .
قال : وأفضل الاعتكاف
في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلّى الله عليه وآله ، ومسجد الكوفة ، وسائر الأمصار مساجد الجماعات
. وبه قال الشافعي ومالك .
__________________
وللشافعي قول قديم ـ كقول
الزهري ـ إنّه يصحّ في كلّ جامع وغير جامع .
وقال المفيد رحمه الله
: لا يكون الاعتكاف إلّا في المسجد الأعظم ، وقد روي : أنّه لا يكون إلّا في مسجد جمّع فيه نبي أو وصي ، والمساجد التي جمّع فيها نبي أو وصي هي أربعة مساجد . وعدَّ ما اخترناه .
وقال أبو حنيفة وأحمد
: لا يجوز إلّا في مسجد يجمّع فيه .
وعن حذيفة : أنّه لا
يصحّ الاعتكاف إلّا في أحد المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الرسول عليه السلام
.
لنا : أنّ الاعتكاف عبادة
شرعية ، فيقف على مورد النصّ ، والذي وقع عليه الاتّفاق ما قلناه .
ولأنّ عمر بن يزيد
سأل الصادق عليه السلام : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها ؟ فقال : « لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة ، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة
__________________
ومسجد
المدينة ومسجد مكّة ومسجد البصرة » .
ولأنّ الاعتكاف
يتعلّق به أحكام شرعية من أفعال وتروك ، والأصل عدم تعلّقها بالمكلّف إلّا مع ثبوت المقتضي ولم يُوجد .
احتجّ المفيد : بقول
أمير المؤمنين عليه السلام : « لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله ، أو في مسجد جامع » .
واحتجّ ابن أبي عقيل
: بقوله تعالى : (
وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) .
ولقول الصادق عليه
السلام : « لا اعتكاف إلّا بصوم وفي المصر الذي أنت فيه » .
واحتجّ أبو حنيفة : بقوله
عليه السلام : ( كلّ مسجد له إمام ومؤذّن يعتكف فيه ) .
ولأنّه قد يأتي عليه
الجمعة ، فإن خرج ، أبطل اعتكافه ، وربما كان واجباً ، وإن لم يخرج ، أبطل جمعته ، فحينئذٍ يجب المسجد الذي يصلّي فيه جمعة .
والجواب : أنّ قول
أمير المؤمنين عليه السلام : « أو في مسجد جامع » مطلق ، وما قلناه مقيّد ، فيحمل عليه ؛ جمعاً بين الأدلّة .
__________________
ولا دلالة في الآية ؛
لأنّ اللام قد تقع للعهد .
وقول الصادق عليه
السلام ، محمول على المسجد الذي هو أحد الأربعة . ولا بدّ من التأويل ؛ لأنّه يقتضي تحريم الاعتكاف إلّا في مصره ، وهو خلاف الإِجماع .
وحجّة أبي حنيفة لنا
.
تذنيب :
ليس للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها ـ وهو الذي عزلته وهيّأته للصلاة فيه ـ لأنّه ليس له حرمة المساجد ، وليس مسجداً حقيقةً ، ولهذا يجوز تبديله وتوسيعه وتضييقه ، فلم يكن مسجداً حقيقةً ، فأشبه سائر المواضع ، وهو الجديد للشافعي ، وبه قال مالك وأحمد .
وقال في القديم :
يجوز لها ذلك ـ وهذا التفريع على رأي مَنْ يعمّم الأماكن . وأبو حنيفة قال بالجواز أيضاً ـ لأنّه مكان صلاتها ، كما أنّ المسجد مكان صلاة الرجل .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
نساء النبي صلّى الله عليه وآله ، كُنّ يعتكفن في المسجد ، ولو جاز اعتكافهنّ في البيوت ، لأشبه أن يلازمنها .
__________________
وعلى الجواز ففي جواز
الاعتكاف للرجل وجهان للشافعية ؛ لأنّ تنفّل الرجل في البيت أفضل ، والاعتكاف ملحق بالنوافل
.
وكلّ امرأة يكره لها
حضور الجماعات يكره لها الاعتكاف في المساجد .
مسألة ١٧٥ :
يشترط في الاعتكاف الصوم عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عمر ، وابن عباس وعائشة والزهري وأبو حنيفة ومالك والليث والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي وأحمد في إحدى الروايتين ـ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( لا اعتكاف إلّا بصوم )
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « لا اعتكاف إلّا بصوم » .
ولأنّه لبث في مكان
مخصوص ، فلم يكن بمجرّده قربةً ، كالوقوف بعرفة .
وقال الشافعي : لا
يشترط الصوم ، بل يجوز من غير صوم ـ وبه قال ابن مسعود وسعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق وأحمد في الرواية الاُخرى ـ لأنّ عمر سأل النبي صلّى الله عليه وآله ، إنّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام ، فقال النبي صلّى الله
__________________
عليه
وآله : ( أوْف بنذرك ) ولو كان الصوم شرطاً لم يصح اعتكاف
الليل .
ولقول ابن عباس : (
ليس على معتكف صوم ) .
ولأنّه عبادة تصح في
الليل ، فلا يشترط لها الصيام ، كالصلاة .
والجواب : الليلة قد
تطلق مع إرادة النهار معها ، كما يقال : أقَمْنا ليلتين أو ثلاثاً ؛ والمراد : الليل والنهار
ونمنع صحة الاعتكاف
ليلاً خاصة . والفرق بينه وبين الصلاة ظاهر ؛ لأنّه بمجرّده لا يكون عبادةً ، فاشترط فيه الصوم .
وقول ابن عباس لا
يكون حجّةً .
مسألة ١٧٦ :
لا يشترط صوم معيّن ، بل أيّ صوم اتّفق صحّ الاعتكاف معه ، سواء كان الصوم واجباً أو ندباً ، وسواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، فلو
نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلاً ، وجب الصوم بالنذر ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به
يكون واجباً .
فلو اعتكف في شهر
رمضان ، صحّ اعتكافه ، وكان الصوم واقعاً عن رمضان ، وأجزأ عن صوم اعتكافه الواجب .
وكذا لو نذر صوم شهر
ونذر اعتكاف شهر ، وأطلق النذرين ، أو جعل زمانهما واحداً ، صحّ أن يعتكف في شهر صومه المنذور ، وتقع نية الصوم عن النذر المعيّن أو غير المعيّن .
وكذا لو نذر اعتكافاً
وأطلق ، فاعتكف في أيّام أراد صومها مستحبّاً ،
__________________
جاز
.
والقائلون بعدم
اشتراط الصوم من العامة حكموا باستحبابه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف وهو صائم . ولا خلاف فيه ، وجوّزوا اعتكاف بعض يوم أو بعض ليلة .
ومن اشترطه منهم لم
يسوّغوا اعتكاف بعض يوم ولا اعتكاف ليلة منفردة ولا بعضها ؛ لأنّ الصوم المشترط لا يصح في أقلّ من يوم
.
ويحتمل عندهم صحة
اعتكاف بعض يوم إذا صام اليوم بأسره ؛ لأنّ الصوم المشروط وُجد في زمن الاعتكاف ، ولا يعتبر وجود المشروط في زمن كلّ زمان الشرط .
وعلى مذهبنا من
اشتراط الصوم لا يصح اعتكاف زمان لا يصح فيه الصوم ، كيومي العيدين وأيام التشريق والمرض المضر والسفر الذي يجب فيه القصر ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّز الاعتكاف في يومي العيدين وأيام التشريق .
مسألة ١٧٧ :
يشترط في صحة اعتكاف الزوجة المندوب : إذن زوجها ، وكذا السيد في حق عبده ؛ لأنّ منافع الاستمتاع والخدمة مملوكة للزوج والسيد ، فلا يجوز صرفهما إلى غيرهما إلّا بإذنهما ، وكذا المدبَّر واُمّ الولد ومن انعتق بعضه إلّا مع المهاياة وإيقاع الاعتكاف في أيام نفسه .
__________________
أمّا المكاتب فإنّه
كالعبد إذا كان مشروطاً ؛ لأنّه لم يخرج عن الرقّ بالكتابة ، فتوابع الرقّ لا حقة به .
وقال الشافعي : يجوز
؛ لأنّ منافعه لا حقّ للمولى فيها .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الرقّ لم يزل عنه ، وإطلاق الإِذن منصرف إلى الاكتساب دون غيره .
مسألة ١٧٨ :
لو أذن لعبده في الاعتكاف أو لزوجته ، جاز له الرجوع ومنعهما ما لم يجب ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه فعل مندوب يجوز الرجوع فيه ؛ لأنّ التقدير أنّه لم يجب ؛ لأنّ الشروع غير ملزم عندنا على ما يأتي
، كما لو اعتكف بنفسه ثم بدا له في الرجوع .
ولأنّ مَنْ مَنَع
غيره من الاعتكاف إذا أذن فيه وكان تطوّعاً ، كان له إخراجه منه ، كالسيد مع عبده .
وقال أبو حنيفة : له
منع العبد وليس له منع الزوجة ـ وقال مالك : ليس له منعهما ـ لأنّ المرأة تملك بالتمليك ، فإذا أذن لها ، أسقط حقّه عن منافعها ، وأذن لها في استيفائها ، فصار كما لو ملّكها عيناً ، بخلاف العبد الذي لا يملك البتة ، وإنّما يتلف منافعه على ملك السيد ، فإذا أذن له في إتلافها ، صار كالمُعير .
__________________
قال مالك : إنّ
السيّد قد عقد على نفسه تمليك منافع كان يملكها لحقّ الله تعالى ، فلم يكن له الرجوع فيه ، كصلاة الجمعة
.
والجواب : أنّ منافع
المرأة لزوجها ، ولهذا يجب عليها بذلها ، فإذا أذن لها في إتلافها ، جرى مجرى المُعير .
والجمعة تجب بالدخول
فيها ، بخلاف الاعتكاف .
مسألة ١٧٩ :
لا ينعقد نذر المرأة للاعتكاف إلّا بإذن زوجها ، وكذا العبد إلّا بإذن مولاه ، فإذا أذنا فإن كان النذر لأيّام معيّنة ، لم يجز للمولى
ولا للزوج المنع ولا الرجوع ، وإن كان لأيّام غير معيّنة ، جاز المنع ما لم يجب بأن يمضي يومان ؛ لأنّه ليس على الفور .
ولو دخلا في المندوب
بإذنه ، جاز الرجوع أيضاً .
وقال الشيخ الله : يجب
عليه الصبر ثلاثة أيّام هي أقلّ الاعتكاف .
وليس بجيّد ؛ لأنّا
لا نوجب المندوب بالشروع .
ولو نذرا نذراً غير
معيّن بإذن الزوج والمولى ، لم يجز لهما الدخول فيه إلّا بإذنهما ؛ لأنّ منافعهما حقّ مضيّق يفوت بالتأخير ، بخلاف الاعتكاف .
وإذا أذن لعبده في
الاعتكاف فاعتكف ثم اُعتق ، وجب عليه إتمام الواجب ، واستحبّ إتمام المندوب .
ولو دخل في الاعتكاف
بغير نذر فاُعتق في الحال ، قال الشيخ رحمه
__________________
الله
: يلزمه .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الدخول منهي عنه ، فلا ينعقد به الاعتكاف ، فلا يجب إتمامه .
تذنيب :
لا يجوز للأجير أن يعتكف زمان إجارته إلّا بإذن المستأجر ؛ لأنّ منافعه مملوكة له . وكذا ينبغي في الضيف ؛ لافتقار صومه تطوّعاً إلى الإِذن .
المطلب الثالث : في
تروك الاعتكاف
مسألة ١٨٠ :
يحرم على المعتكف الجماع بالنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ) .
وأجمع العلماء كافّة
على تحريم الوطء للمعتكف ، فإن اعتكف وجامع فيه متعمّداً ، فسد اعتكافه إجماعاً ؛ لأنّ الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها ، كالحجّ والصوم .
وإن كان ناسياً ، لم
يبطل ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله عليه السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان ) .
ولأنّها مباشرة لا تُفسد
الصوم فلا تُفسد الاعتكاف ، كالمباشرة فيما دون
__________________
الفرج
.
وقال أبو حنيفة ومالك
وأحمد : يبطل الاعتكاف ؛ لأنّ ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه ، كالخروج من المسجد
.
ونمنع الأصل . والفرق
: أنّ الخروج ترك المأمور به ، وهو مخالف لفعل المحظور فيه ؛ فإنّ مَنْ ترك النية في الصوم لا يصح صومه وإن كان ناسياً ، بخلاف ما لو جامع سهواً .
ولا فرق في التحريم
بين الوطء في القُبُل والدُّبُر ، ولا بين الإِنزال وعدمه ، وكما يحرم الوطء نهاراً يحرم ليلاً ؛ لأنّ المقتضي للتحريم الاعتكاف فيهما ، ولا نعلم فيه خلافاً .
ويجوز أن يلامس بغير
شهوة بالإِجماع ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف .
مسألة ١٨١ :
القُبْلة حرام يبطل بها الاعتكاف ، وكذا اللمس بشهوة والجماع في غير الفرجين ؛ لقوله تعالى : (
وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ ) وهو عام في كلّ مباشرة ، وبه قال مالك .
وقال أبو حنيفة : إن
أنزل ، أفسد اعتكافه ، وإن لم ينزل ، لم يفسد
__________________
ـ
وللشافعي كالقولين ـ لأنّه لا يفسد الصوم فلا يفسد
الاعتكاف ، كما لو كان بغير شهوة .
والفرق : أنّ هذه
المباشرة لم تحرم في الصوم لعينها ، بل إذا خاف الإِنزال ، وأمّا في الاعتكاف فإنّها محرّمة لعينها ـ كما ذهب إليه أبو حنيفة في وطء الساهي ـ فلا يفسد الصوم ويفسد الاعتكاف .
فروع :
أ ـ لا فرق في تحريم
الجماع بين أن يجامع في المسجد أو خارجه ؛ لعموم الآية .
والتقييد بالفيئية
في المساجد راجع إلى الاعتكاف لا المباشرة .
ب ـ لا فرق بين جماع
وجماع .
وروى المزني عن
الشافعي أنّه لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلّا ما يوجب الحد .
قال الجويني : قضية
هذا أنّه لا يفسد بإتيان البهيمة إذا لم يوجب به الحد .
__________________
ج ـ قد بيّنّا
أنّ القُبْلة بشهوة واللمس كذلك متعمّداً مُفْسدان للاعتكاف ـ خلافاً لأحد قولي الشافعي ـ لأنّها مباشرة محرّمة في الاعتكاف ، فأشبهت الجماع .
والثاني
: لأنّها مباشرة لا تبطل الحج فلا تبطل الاعتكاف ، كالقبلة بغير شهوة .
وما موضع القولين ؟
للشافعية ثلاث طرق :
أحدها : أنّ القولين
فيما إذا أنزل ، فأمّا إذا لم ينزل لم يبطل الاعتكاف بلا خلاف ، كالصوم .
وثانيها : أنّ
القولين فيما إذا لم ينزل ، أمّا إذا أنزل بطل اعتكافه بلا خلاف ؛ لخروجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة .
وثالثها ـ وهو الأظهر
عندهم ـ : طرد القولين في الحالين .
والفرق على أحد القولين
فيما إذا لم ينزل بين الاعتكاف والصوم : أنّ هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرّمة لعينها ، وفي الصوم ليست محرّمةً لعينها ، بل لخوف الإِنزال ، ولهذا يترخّص فيها إذا أمن أن لا تُحرّك القُبْلة شهوَته .
فحصل من هذا للشافعي
ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّها لا تفسد
الاعتكاف ، أنزل أو لم ينزل .
__________________
والثاني : تفسده ،
أنزل أو لم ينزل ، وبه قال مالك .
والثالث ـ وبه قال
أبو حنيفة ـ أنّ ما أنزل منها أفسد الاعتكاف ، وما لا فلا .
د ـ الاستمناء باليد
حرام مُبْطل للاعتكاف إذا وقع نهاراً قطعاً ؛ لإِفساده الصوم .
وبالجملة استدعاء
المني مطلقاً نهاراً وليلاً حرام .
وعند أكثر
الشافعية أنّ الاستمناء باليد مرتّب على ما إذا لمس فأنزل ، إن قلنا : إنّه لا يبطل الاعتكاف فهذا أولى ، وإن قلنا : إنّه يبطله فوجهان . والفرق : كمال الاستمتاع والالتذاذ ثَمَّ باصطكاك السوأتين
.
هـ ـ يجوز للمعتكف أن
يُقبِّل على سبيل الشفقة والإِكرام ، ولا بأس أن يلمس بغير شهوة .
مسألة ١٨٢ :
يحرم على المعتكف البيع والشراء ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لما رواه العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، نهى عن
البيع والشراء في المسجد .
ومن طريق الخاصة :
قول الباقر عليه السلام : « المعتكف لا يشمّ
__________________
الطيب
، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع »
.
ولأنّ الاعتكاف لبث
للعبادة ، فينافي ما غايرها .
وللشافعي قولان :
أحدهما : الجواز ـ وبه قال أبو حنيفة ـ للأصل ، والثاني : الكراهة .
والأصل يُعْدَلُ عنه
؛ للدليل ، وقد بيّنّاه .
إذا عرفت هذا ، فلو
باع أو اشترى فَعَل مُحرَّماً ، ولم يبطل البيع ؛ للأصل .
وقال الشيخ : يبطل ؛
للنهي .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
في المعاملات لا يدلّ على الفساد .
وينبغي المنع من كلّ
ما يساوي البيع ممّا يقتضي الاشتغال ، كالإِجارة وشبهها .
قال السيد المرتضى
رحمه الله : تحرم التجارة والبيع والشراء . والتجارة أعمّ .
ولا بأس بشراء ما
يحتاج إليه ، كشراء غذائه ومائه وقميصه الذي يستتر به ويبيع شيئاً يشتري به قوته ؛ للضرورة .
وكذا الأقرب : تحريم
الصنائع المُشْغلة عن العبادة ، كالحياكة والخياطة وأشباهها ، إلّا ما لا بدّ له منه ؛ لأنّه يجري مجرى الاشتغال بلبس
__________________
قميصه
وعمامته .
نعم يجوز له النظر في
أمر معاشه وصنعته ، ويتحدّث ما شاء من المباح ، ويأكل الطيّبات .
مسألة ١٨٣ :
يحرم على المعتكف المماراة ؛ لقول الباقر عليه السلام : « ولا يماري » .
وكذا يحرم عليه
الكلام الفحش . ولا بأس بالحديث حالة الاعتكاف بإجماع العلماء ؛ لما في منعه من الضرر .
ويحرم الصمت ؛ لما
تقدّم من أنّ صوم الصمت حرام في شرعنا .
وقد روى العامّة عن
أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه قال : « حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : لا صُمات يومٍ إلى الليل »
.
ونهى [ النبي صلّى
الله عليه وآله ] عن صوم الصمت
.
فإن نذر الصمت في
اعتكافه ، لم ينعقد بالإِجماع .
قال ابن عباس : بينا
رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يخطب إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم ؛ فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( مُرْه فليتكلّم
وليستظلّ ويقعد وليتمّ صومه ) .
ولأنّه نذر في معصية
فلا ينعقد . وانضمامه إلى الاعتكاف لا يخرج به عن كونه بدعةً .
__________________
قيل : لا يجوز أن
يجعل القرآن بدلاً من كلامه ، وقد جاء : ( لا يُناظر
بكلام الله ) وهو أن لا يتكلّم عند الشيء بالقرآن ، كما يقال لمن جاء في وقته : ( جِئْتَ عَلَىٰ
قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ ) وما شابهه ؛ لأنّ احترام القرآن ينافي
ذلك وقد استعمله في غير ما هو له ، فأشبه استعمال المصحف في التوسّد
.
ويستحب دراسة القرآن
والبحث في العلم والمجادلة فيه ودراسته وتعليمه وتعلّمه في الاعتكاف ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة ـ وبه قال الشافعي ـ لما فيه من القربة والطاعة .
وقال أحمد : لا يستحب
له إقراء القرآن ولا دراسة العلم ، بل التشاغل بذكر الله والتسبيح والصلاة أفضل ؛ لأنّ الاعتكاف عبادة شُرّع لها المسجد ، فلا يستحب فيها إقراء القرآن وتدريس العلم ، كالصلاة والطواف
.
والفرق : أنّ الصلاة
شرّع [ لها ] أذكار مخصوصة وخشوع ، واشتغاله بالعلم يقطعه عنها ، والطواف لا يكره فيه إقراء القرآن ولا تدريس العلم .
ولأنّ العلم أفضل
العبادات ، ونفعه متعدٍّ ، فكان أولى من الصلاة .
مسألة ١٨٤ :
وفي تحريم شم الطيب لعلمائنا قولان :
أحدهما : التحريم ،
وهو الأقوى ؛ لقول الباقر عليه السلام :
__________________
«
المعتكف لا يشمّ الطيب ولا يتلذّذ بالريحان » .
ولأنّ الاعتكاف عبادة
تختص مكاناً ، فكان ترك الطيب فيها مشروعاً ، كالحجّ .
والثاني : الكراهة ـ وبه
قال أحمد ـ عملاً بأصالة الإِباحة .
والشافعي
نفى الكراهة والتحريم معاً ؛ للأصل .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الاعتماد على الرواية .
مسألة ١٨٥ :
كلّ ما يبطل الصوم يبطل الاعتكاف ، وهو ظاهر عندنا ؛ لأنّ الاعتكاف مشروط بالصوم ، فإذا بطل الشرط بطل المشروط .
وكلّ ما ذكرنا أنّه مُحرَّم
على المعتكف نهاراً ، فإنّه يحرم ليلاً ، عدا الأكل والشرب ؛ فإنّهما يحرمان نهاراً لا ليلاً .
قال الشيخ رحمه الله
: السكر يفسد الاعتكاف ، والارتداد لا يفسده ، فإذا عاد بنى .
والوجه : الإِفساد
بالارتداد .
وقال الشيخ أيضاً :
لا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا خصومة .
ولا بأس به ؛ لأنّها
غير مفسدة للصوم ، فلا تفسد الاعتكاف .
وهل يبطل الاعتكاف
بالبيع والشراء ؟ قيل : نعم ؛ لأنّه منهي عنهما في
__________________
هذه
العبادة .
وقيل : يأثم ولا يبطل
الاعتكاف بهما .
مسألة ١٨٦ :
قال بعض علمائنا : يحرم على المعتكف ما يحرم على المحرم .
وليس المراد بذلك
العموم ؛ لأنّه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعاً ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح ، فله أن يتزوّج في المسجد ويشهد على العقد ؛ لأنّ النكاح طاعة ، وحضوره مندوب ، ومدّته لا تتطاول ، فيتشاغل به عن الاعتكاف ، فلم يكن مكروهاً ، كتسميت العاطس وردّ السلام . ويجوز له قصّ الشارب وحلق الرأس والأخذ من الأظفار ، ولا نعلم فيه خلافاً .
مسألة ١٨٧ :
يجوز للمعتكف أن يتزيّن برفيع الثياب ـ وبه قال الشافعي ـ عملاً بالأصل .
ولقوله تعالى :
( قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللَّـهِ ) .
وقال أحمد : يستحب
ترك التزيّن برفيع الثياب . وليس بجيّد .
ويجوز له أن يأمر
بإصلاح معاشه وبتعهّد متاعه ، وأن يخيط ويكتب وما أشبه ذلك إذا اضطرّ إليه .
أمّا إذا لم يضطرّ
فإنّه لا يجوز ، خلافاً للشافعية .
__________________
وقال مالك : إذا قعد
في المسجد واشتغل بحرفته ، بطل اعتكافه . وهو كما قلناه .
ونُقل عن الشافعي في
القديم مثله في الاعتكاف المنذور . ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف .
والمشهور عند
الشافعية : الجواز مطلقاً ؛ لأنّ ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطل كثيره ، كسائر الأفعال . وهو ممنوع .
مسألة ١٨٨ :
يجوز له الأكل في المسجد ؛ للحاجة إليه ، وللأصل ، ولأنّه مأمور باللبث فيه ، والأكل بدون الاعتكاف جائز في المسجد ، فمعه أولى ، لكن ينبغي أن يبسط سفرة وشبهها ؛ لأنّه أبلغ في تنظيف المسجد .
وله غسل يده فيه ،
لكن ينبغي أن يكون ماء الغسالة في طست وشبهه ؛ حذراً من ابتلال المسجد فيمنع غيره من الصلاة فيه والجلوس .
ولأنّه قد يستقذر ،
فينبغي صيانة المسجد عنه .
وله أن يرشّ المسجد
بالماء المطلق لا المستعمل إذا استقذرته النفس وإن كان طاهراً ؛ لأنّ النفس قد تَعافُهُ .
وكذا يجوز الفصد
والحجامة في المسجد إذا لم يتلوّث ، والأولى الاحتراز عنه .
ولا يجوز أن يبول في
المسجد في آنية ـ خلافاً للشافعية في بعض أقوالهم ـ لما فيه من القبح والاستهانة بالمسجد ، واللائق تعظيم
المساجد وتنزيهها ، بخلاف الفصد والحجامة ، ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة واستدبارها حالة الفصد والحجامة ، ويمنع منه حالة البول .
__________________
ولأنّ المساجد لم تُبْنَ
لهذا ، وهو ممّا يستخفى به ، فوجب صيانة المسجد عنه ، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله .
وقال بعض الحنابلة :
يُمنع من الفصد والحجامة فيه ؛ لأنّه إراقة نجاسة في المسجد ، فلم يجز ، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله .
ولو دعت الحاجة
الشديدة إليه ، خرج من المسجد وفَعَله ، وإن استغنى عنه ، لم يكن له الخروج الذي يمكن احتماله .
والوجه : جوازه ؛
لأنّ المستحاضة يجوز لها الاعتكاف ، ويكون تحتها شيء يقع فيه الدم .
قالت عائشة : اعتكفَتْ
مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وَضَعْنا الطست تحتها وهي تصلّي .
مسألة ١٨٩ :
السكر والردّة إن قارنا ابتداء الاعتكاف ، منعا صحّته ؛ إذ لا نيّة لهما . وكذا الإِغماء والجنون .
ولو ارتدّ في أثناء
الاعتكاف ، فالوجه عندي بطلان الاعتكاف ؛ خلافاً للشيخ .
وقال الشافعي في الاُمّ
: إنّه لا يبطل اعتكافه ، بل يبني إذا عاد إلى الإِسلام .
__________________
وقال : لو سكر في
اعتكافه ثم أفاق ، استأنف . وهذا حكم ببطلان الاعتكاف .
ولأصحابه طريقان :
أحدهما : تقرير
القولين .
والفرق : أنّ السكران
ممنوع من المسجد ؛ لقوله تعالى : (
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ) أي موضع الصلاة ، فإذا شرب المسكر وسكر
، فقد أخرج نفسه عن أهلية اللبث في المسجد ، فينزّل ذلك منزلة خروجه منه ، والمرتدّ غير ممنوع من المسجد ، بل يجوز استدامته
فيه ، وتمكينه من الدخول لاستماع القرآن ونحوه ، فلم يجعل الارتداد متضمّناً بطلان الاعتكاف .
والثاني : التسوية
بين الردّة والسكر ، وفي كيفيتها طريقان :
أحدهما : أنّهما على
قولين :
أحدهما : أنّهما لا
يبطلان الاعتكاف .
أمّا الردّة : فلما
سبق .
وأمّا السكر : فلأنّه
ليس فيه إلّا تناول محرَّم ؛ وذلك لا ينافي الاعتكاف .
والثاني : أنّهما
يبطلان .
أمّا السكر : فلما
سبق .
وأمّا الردّة :
فلخروج المرتدّ عن أهلية العبادة .
والأصحّ عندهم :
الجزم في الصورتين ، وفي كيفيته طُرق :
أحدها : أنّه لا يبطل
الاعتكاف بواحد منهما . وكلام الشافعي في
__________________
السكر
محمول على ما إذا خرج من المسجد أو اُخرج لإِقامة الحدّ عليه .
وثانيها : أنّ السكر
يبطله ؛ لامتداد زمانه ، والردّة كذلك إن طال زمانها .
وثالثها : أنّ الردّة
تُبطل ؛ لأنّها تفوّت شرط العبادة ، والسكر لا يُبطله ، كالنوم والإِغماء .
ورابعها : أنّهما
جميعاً مُبطلان ؛ فإنّ كلّ واحد منهما أشدّ من الخروج من المسجد ، فإذا كان ذلك مُبطلاً للاعتكاف ففيهما أولى .
وقوله
في الردّة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعاً ، فإذا عاد إلى الإِسلام بنى على ما مضى ؛ لأنّ الردّة لا تُحبط العبادات السابقة .
وقوله
في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع .
وهذا كلّه عندنا باطل
؛ لأنّ المرتدّ لا يُمكَّن من الدخول إلى المسجد ، وأنه مُنافٍ للعبادة ، وكذا السكر .
إذا عرفت هذا ،
فالمفهوم من كلام الشافعي أنّ زمان الردّة والسكر لا اعتكاف فيه ؛ فإنّ الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنّما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال . والمشهور عند أصحابنا
أنّ زمان الردّة غير محسوب من الاعتكاف ؛ إذ ليس للمرتدّ أهلية العبادة ، وأمّا زمان السكر ففي احتسابه لهم وجهان .
مسألة ١٩٠ :
إذا عرض الجنون أو الإِغماء في أثناء الاعتكاف ، بطل اعتكافه ؛ لفساد الشرط ، وخروجه عن أهلية العبادة ، سواء اُخرجا من
__________________
المسجد
أو لا .
وقال الشافعي : إن لم
يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه ؛ لأنّه معذور فيما عرض ، وإن اُخرج نظر ، فإن لم يمكن حفظه في المسجد ، فكذلك ؛ لأنّه لم يحصل الخروج باختياره ، فأشبه ما لو حُمل العاقل واُخرج مُكرَهاً ، وإن أمكن ذلك ، ففيه خلاف مخرَّج ممّا لو اُغمي على الصائم
.
ولا تُحسب أيّام
الجنون من الاعتكاف ؛ لأنّ العبادات البدنية لا تصحّ من المجنون .
وفي زمان الإِغماء
للشافعية خلاف . وعندنا أنّه لا يحسب .
مسألة ١٩١ :
الجنابة والحيض مانعان من الاعتكاف ابتداءً ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّهما ممنوعان من اللبث في المساجد . قال الله تعالى : ( وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) وإذا مُنعا من اللبث مُنعا من الاعتكاف
؛ لأنّه أخصّ منه .
وإذا طرأ الحيض على
المعتكفة ، وجب عليها الخروج من المسجد ، فإن لبثت فيه لم يُحسب من الاعتكاف ؛ لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد .
ولأنّ الصوم شرط في
الاعتكاف عندنا والحيض لا يجامعه ، ومنافي الشرط منافٍ للمشروط .
ولو طرأت الجنابة ،
فإن كان ممّا يُبطل الاعتكاف أو الصوم ، بطل الاعتكاف قطعاً ، وإن طرأت بما لا يُبطله ، كالاحتلام والجماع ناسياً ، وجب عليه أن يبادر إلى الغسل ؛ لئلّا يبطل اعتكافه ، فإن لم يمكنه الغسل ، فهو
__________________
مضطر
إلى الخروج ، وإن أمكنه ، عُذر في الخروج أيضاً ، ولا يكلّف الغسل في المسجد ؛ لأنّ الخروج أولى ، لما فيه من صيانة حرمة المسجد .
واعلم أنّ الجنابة
الطارئة إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف ، وبادَرَ إلى الاغتسال ، احتسب زمانها من الاعتكاف ، كما في وقت الخروج لقضاء الحاجة ، وإن أهمل ، بطل الاعتكاف من حين الإِهمال ، وقبله يُحسب من زمان الاعتكاف .
وللشافعية في احتساب
زمان الجنابة من الاعتكاف مطلقاً وجهان .
المطلب الرابع : في نذر
الاعتكاف
مسألة ١٩٢ :
قد بيّنّا أنّ الاعتكاف عبادة مستحبة في أصلها غير واجبة وإنّما يجب بالنذر أو شبهه ، كاليمين والعهد ، فإذا نذر الاعتكاف ، وجب عليه .
ثمّ إمّا أن يُطلق أو
يُعيّن ، والتعيين إمّا أن يحصل بوصف الفعل أو بخارج عنه ، كالمكان أو الزمان .
فإن أطلق ، وجب عليه
اعتكاف ثلاثة أيام ؛ إذ لا يصحّ الاعتكاف أقلّ منها عند علمائنا أجمع ، ويتخيّر في أيّ وقت شاء ـ ممّا يصحّ صومه ـ أوقعه فيه .
ويجب أن يكون صائماً
هذه الأيام الثلاثة ؛ لأنّ الاعتكاف عندنا لا يصحّ إلّا بالصوم ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون واجباً . ويتخيّر أيضاً في أحد المساجد الأربعة أيّها شاء اعتكف فيه .
مسألة ١٩٣ :
قد بيّنّا أنّ الصوم شرط في الاعتكاف ، فلو نذر اعتكاف أيام لا يجب فيها الصوم ، وجب صومها عندنا وإن لم ينذر الصوم .
__________________
ولو نذر اعتكاف أيام
يجب فيها الصوم ، كرمضان والنذر المعيّن ، أجزأ .
ومَنْ لم يشترط الصوم
فيه من العامة إذا نذر الاعتكاف ، لم يجب الصوم .
ولو نذر أن يعتكف
أياماً هو فيها صائم ، لزم الاعتكاف في أيام الصوم ، ووجب عليه الصوم إجماعاً ؛ لأنّ الاعتكاف بالصوم أفضل وإن لم يكن مشروطاً به ، فإذا التزمهم بالشرط ، لزم ، كما لو التزم التتابع فيه ، وليس له في هذه الصورة إفراد أحدهما عن الآخر إجماعاً .
ولو اعتكف في رمضان ،
أجزأه ؛ لأنّه لم يلتزم بهذا النذر صوماً ، وإنّما نذر الاعتكاف على صفة وقد وُجِدَتْ .
ولو نذر أن يعتكف
صائماً أو يعتكف بصوم ، لزمه الاعتكاف والصوم جميعاً بهذا النذر ، ولزمه الجمع بينهما عندنا .
وللشافعية وجهان :
أحدهما : أنّه لا يجب
الجمع ؛ لأنّهما عبادتان مختلفتان ، فأشبه ما إذا نذر أن يصلّي صائماً .
وأصحّهما ـ وهو قول
الشافعي في الاُم ـ : أنّه يجب ؛ لما تقدم من أنّ الاعتكاف بالصوم أفضل .
ولو شرع في الاعتكاف
صائماً ثم أفطر ، لزمه استئناف الصوم والاعتكاف عند الشافعية على الوجه الثاني ، ويكفيه استئناف الصوم على الأول .
__________________
ولو نذر اعتكاف أيام
وليال متتابعة صائماً وجامع ليلاً ، ففيه للشافعية هذان الوجهان .
ولو اعتكف عن نذره في
رمضان ، أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول ، وعليه الصوم ، وعلى الثاني لا يجوز الاعتكاف أيضاً
.
ولو نذر أن يصوم معتكفاً
، انعقد نذره عندنا ؛ لأنّها عبادة منذورة فلزمته .
وللشافعية طريقان ،
أظهرهما : طرد الوجهين . والثاني : القطع بأنّه لا يجب الجمع .
والفرق : أنّ
الاعتكاف لا يصلح وصفاً للصوم والصوم يصلح وصفاً للاعتكاف ، فإنّه من مندوباته .
ولو نذر أن يعتكف
مصلّياً أو يصلّي معتكفاً ، لزمه الصلاة والاعتكاف ، ويلزمه الجمع عندنا .
وللشافعية طريقان :
أحدهما : طرد الوجهين
في لزوم الجمع .
وأصحّهما عندهم :
القطع بأنّه لا يجب .
والفرق : أنّ الصوم
والاعتكاف متقاربان ، فإنّ كلّ واحد منهما كفٌّ وإمساك ، والصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف
.
ويُخرَّج على هذين
الطريقين : ما لو نذر أن يعتكف مُحْرماً ، فإن لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة ، فالقدر الذي يلزمه من الصلاة هو القدر الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر ، وإن أوجبنا الجمع ، لزمه ذلك القدر في يوم
__________________
اعتكافه
، ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة .
وإن كان نذر اعتكاف أيام
مصلّياً ، لزمه ذلك القدر كلّ يوم .
وقال بعضهم : ظاهر
اللفظ يقتضي الاستيعاب ، فإنّه جعل كونه مصلّياً صفةً لاعتكافه .
وهذا هو الوجه عندي ؛
لأنّا لو تركنا هذا الظاهر ولم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كلّ يوم وليلة ، اكتفي به في جميع المدّة
.
ولو نذر أن يصلّي
صلاة يقرأ فيها سورة كذا ، لزم الجمع عندنا .
وللشافعية قولان ،
أحدهما : أنّه على الخلاف .
مسألة ١٩٤ :
كما أنّه ليس للعبد ولا للزوجة الابتداء بالاعتكاف المندوب إلّا بإذن السيد والزوج ، كذلك ليس لهما نذر الاعتكاف إلّا بإذن المولى والزوج ، فإن نذر أحدهما ، لم ينعقد نذره .
وهل يقع باطلاً أو
موقوفاً على الإِذن ؟ إشكال ، أقربه : الثاني .
فإن أجازا نذرهما
وأذنا في الشروع في الاعتكاف وكان الزمان معيّناً أو غير معيّن لكن شرطا التتابع ، لم يجز لهما الرجوع ، وإن لم يشترطا التتابع ، فالأقرب أنّ لهما الرجوع ، وهو أظهر وجهي الشافعية
.
ولو نذرا بالإِذن ،
فإن تعلّق بزمان معيّن ، فلهما الشروع فيه بغير إذن ، وإلّا لم يشرعا فيه إلّا بالإِذن ، وإذا شرعا بالإِذن ، لم يكن لهما المنع من
__________________
الإِتمام
. وهو مبني على أنّ النذر المطلق إذا شرع فيه ، لزم إتمامه .
وفيه إشكال .
وللشافعية خلاف .
مسألة ١٩٥ :
لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ، تعيّن بالنذر ، سواء عقد عليهما في نذر واحد أو أطلق نَذْرَ الاعتكاف ثم نذر تعيين المطلق فيه .
ولا خلاف في تعيين
المسجد الحرام لو عيّنه بالنذر ؛ لما فيه من زيادة الفضل على غيره ، وتعلّق النُّسُك به .
وإن عيّن مسجد النبي
صلّى الله عليه وآله ، بالمدينة ، أو المسجد الأقصى ، تعيّن أيضاً عندنا ـ وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه
ـ لأنّه نذر في طاعة ، فينعقد ولا يجوز له حلّه .
ولقول النبي صلّى
الله عليه وآله : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا )
فأشبها المسجد الحرام .
والثاني للشافعي :
أنّه لا يتعيّن بالنذر ؛ لأنّه لا يتعلّق بهما نُسُك ، فأشبها سائر المساجد .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
لا يلزم من انتفاء تعلّق النُّسُك بهما مساواتهما لغيرهما من المساجد .
__________________
ولو عيّن غير هذه
المساجد بالنذر ، تعيّن عندنا ؛ لاشتماله على عبادة ، فانعقد نذره ، كغيره من العبادات .
وقال أحمد : لا
يتعيّن بالنذر غير هذه المساجد الثلاثة ؛ لقوله عليه السلام : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد )
.
ولو تعيّن غيرها
بتعيينه ، لزمه المضيّ إليه ، واحتاج إلى شدّ الرحل لقضاء نذره فيه .
ولأنّ الله تعالى ،
لم يعيّن لعبادته مكاناً فلم يتعيّن بتعيين غيره ، وإنّما تعيّنت هذه المساجد الثلاثة ؛ للخبر الوارد فيها .
ولأنّ العبادة فيها
أفضل ، فإذا عيّن ما فيه فضيلة ، لزمه ، كأنواع العبادة . وهو أحد قولي الشافعي أيضاً .
وله قول آخر : إنّه
لا يتعيّن المسجد الأقصى ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام ) .
وهذا يدلّ على التسوية
فيما عدا هذين المسجدين ؛ لأنّ المسجد الأقصى لو فُضّلت الصلاة فيه على غيره ، للزم أحد أمرين : إمّا خروجه من عموم هذا الحديث ، وإمّا كون فضيلته بألف مختصّاً بالمسجد الأقصى .
وليس بلازم ؛ فإنّه
إذا فُضّل الفاضل بألف فقد فُضّل المفضول بها أيضاً .
وقد بيّنّا أنّ النذر
عندنا يتعيّن به ما يعيّنه الناذر من المكان كالزمان ، والتعيين وإن كان بالنذر لكن لمّا أوجب الله تعالى ، الوفاء بالنذر ، كان التعيين
__________________
مستنداً
إليه تعالى .
مسألة ١٩٦ :
إذا نذر الاعتكاف في مسجد ، تعيّن ، وليس له العدول إلى مسجد أدون شرفاً .
وهل له العدول إلى
مسجد أشرف ؟ إشكال ، أقربه : الجواز .
فلو نذر أن يعتكف في
المسجد الحرام ، لم يجز له أن يعتكف في غيره ؛ لأنّه أشرفها .
ولو نذر أن يعتكف في مسجد
النبي صلّى الله عليه وآله ، جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام ؛ لأنّه أفضل منه ، ولم يجز أن يعتكف في المسجد الأقصى ؛ لأنّ مسجد النبي صلّى الله عليه وآله ، أفضل منه .
وقال قوم : إنّ مسجد النبي
صلّى الله عليه وآله ، أفضل من المسجد الحرام ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، إنّما دُفن في خير البقاع ، وقد نقله الله تعالى من مكّة إلى المدينة ، فدلّ على أنّها أفضل
.
والمشهور : أنّ
المسجد الحرام أفضل ؛ لقوله عليه السلام : ( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام )
.
وفي خبر آخر أنّه قال
عليه السلام : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ) فيدخل في عمومه مسجد النبي صلّى الله عليه
وآله ، فتكون الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سوى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله .
ولو نذر الاعتكاف في
المسجد الأقصى ، جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين ؛ لأنّهما أفضل منه .
وقد روى العامّة أنّ
رجلاً جاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، يوم الفتح
__________________
والنبي
عليه السلام في مجلس قريباً من المقام ، فسلّم على النبي صلّى الله عليه وآله ، ثم قال : يا نبي الله إنّي نذرت لئن فتح الله للنبي والمؤمنين مكّة لاُصلّينّ في بيت المقدس ، وإنّي وجدت رجلاً من أهل الشام هاهنا في قريش مُقبلاً معي ومُدبراً ؛ فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( هاهنا فصلّ ) فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول النبي صلّى الله عليه وآله : ( هاهنا فصلّ ) ثم قال الرابعة مقالته هذه ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( اذهب فصلّ فيه ، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ لو صلّيت هاهنا لقضي عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس ) .
مسألة ١٩٧ :
قد بيّنّا أنّ الأقوى أنّ الاعتكاف إنّما يجوز في المسجد الحرام ومسجد النبي صلّى الله عليه وآله ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة ، فلو نذر أن يعتكف في غير هذه الأربعة لم يجز .
وعلى القول الآخر
لعلمائنا بجواز الاعتكاف في غيرها لو نذر أن يعتكف في غيرها ، انعقد نذره ، وتعيّن ما عيّنه ، وهو أحد قولي الشافعي
.
وعلى القول الآخر بعدم
التعيين لو شرع في الاعتكاف في مسجد لم يكن له الخروج منه ، ولا الانتقال إلى مسجد آخر ، لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر على مثل تلك المسافة أو أقرب ، كان له ذلك في أصحّ وجهي الشافعية .
ولو أوجب على نفسه
اعتكافاً في مسجد فانهدم ، اعتكف في موضع منه ، فإن لم يتمكّن ، خرج ، فإذا بُني المسجد ، رجع وبنى على اعتكافه .
ومَنْ لم يوجب
التعيين بالنذر ، له أن يخرج إلى أين شاء من المساجد ليعتكف فيه .
__________________
مسألة ١٩٨ :
لو نذر أن يعتكف في زمان معيّن ، تعيّن عليه حتى أنّه لا يجوز له التقديم عليه ولا التأخير عنه
، فإن أخّر ، كان قضاءً ، وهو أصحّ وجهي الشافعية .
والثاني : لا يتعيّن
الزمان بالتعيين ، كما لا يتعيّن في نذر الصلاة والصدقة .
والحكم في الأصل
ممنوع .
والوجهان عندهم
جاريان فيما إذا عيّن الزمان للصوم .
والحقّ عندنا أنّه
يتعيّن أيضاً .
مسألة ١٩٩ :
إذا نذر اعتكافاً مطلقاً ، وجب عليه أن يعتكف ثلاثة أيام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يصح في أقلّ من ثلاثة ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّزه لحظةً ، ويبرأ بها من عُهدة النذر عنده ، لكن يستحب أن يعتكف يوماً
.
وإن نذر الاعتكاف
مدّةً من الزمان ، فإمّا أن يُطلق تلك المدّة أو يُعيّنها ، فإن أطلق تلك المدّة ، فإمّا أن يشترط فيها التتابع ، كأن يقول : لله عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيام متتابعات ؛ أو لا يشترطه .
فإن شرطه ، لزم ؛
لأنه نذر في طاعة هي المسارعة إلى فعل الخير ، كما لو شرط التتابع في الصوم .
وإن لم يشترط التتابع
، لم يلزمه إلّا في ثلاثة ثلاثة ، فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيام ، وجب عليه اعتكاف شهر بأن يعتكفه متتابعاً أو متفرّقاً ثلاثة ثلاثة ، ولا يجب عليه تتابع الشهر بأسره ، كما في الصوم ؛ لأنّه معنى يصح
__________________
فيه
التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر ، كالصيام ، وهو أحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد .
والثاني : أنّه يلزمه
التتابع ـ وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى ـ لأنّه معنى يحصل في الليل والنهار ، فإذا أطلقه ، اقتضى التتابع ، كما لو حلف : لا يكلّم زيداً شهراً ، وكمدّة الإِيلاء والعدّة
.
والوجه : الأول ؛
لأصالة براءة الذمة .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
التتابع وإن لم يلزمه إلّا في كلّ ثلاثة عندنا ، ولا يلزمه مطلقاً عند العامة ، فإنّ الأفضل التتابع ؛ لما فيه من المسابقة إلى فعل ما يوجب المغفرة .
ولو لم يتلفّظ
بالتتابع في نذره ، لكن نواه في ضميره ، فإن قلنا : النذر ينعقد بالضمير ؛ لزمه ، وإلّا فلا .
ولو شرط في نذره
التفريق ، لم يلزمه ، وخرج عن العهدة بالتتابع ؛ لأنّ الأولى التتابع ، فلا ينعقد نذر خلافه عندنا ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة
ـ كما لو عيّن غير المسجد الحرام ، يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام .
مسألة ٢٠٠ :
لو لم يقيّد بالتتابع ، جاز له التفريق عندنا ثلاثة ثلاثة .
وهل يجوز التفريق
يوماً يوماً ، بأن يعتكف يوماً عن نذره ثم يضمّ إليه يومين مندوباً ؟ الأقرب : الجواز ، كما لو نذر أن يعتكف يوماً وسكت عن الزيادة وعدمها ، فإنّه يجب عليه الإِتيان بذلك اليوم ، ويضمّ إليه يومين
__________________
آخرَيْن
، فحينئذٍ إذا نذر أن يعتكف ثلاثة أيام ، فاعتكف يوماً عن النذر ، وضمّ إليه آخرَيْن لا عَنْه ، بل تبرّع بهما ، ثم اعتكف يوماً آخر عن النذر ، وضمّ إليه
آخرَيْن ثم اعتكف ثالثاً عن النذر وضمّ إليه آخرَيْن ، جاز ، سواء تابع التسعة أو فرّقها .
ولو نذر اعتكاف يوم ،
لم يجز تفريق الساعات على الأيام ؛ لأنّ الاعتكاف يجب فيه الصوم ولا يصح صوم الساعة بمفردها ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية ـ لأنّ المفهوم من لفظ « اليوم » المتصل .
قال الخليل بن أحمد :
إنّ اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس .
والثاني للشافعية :
أنّه يجوز التفريق ؛ تنزيلاً للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر .
ولو دخل المسجد في
أثناء النهار ، وخرج بعد الغروب ثم عاد قبل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت ، فهو على هذين الوجهين
.
ولو لم يخرج بالليل
فعند أكثر الشافعية أنّه يجزئه ، سواء جوّزوا التفريق أو منعوه ؛ لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد .
وقال بعضهم : لا
يجزئه ؛ تفريعاً على الوجه الأول ؛ لأنّه لم يأت بيوم متواصل الساعات ، والليلة ليست من اليوم ، فلا فرق بين أن يخرج فيها من المسجد أو لا يخرج .
__________________
ولو قال في أثناء
النهار : لله عليَّ أن أعتكف يوماً من هذا الوقت؛ لم يصحّ عندنا إذا لم يكن صائماً من أوله ، وإن كان فإشكال .
وقالت الشافعية :
إنّه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ، ولا يجوز أن يخرج بالليل ؛ ليتحقّق التتابع .
وقال بعضهم : إنّ
الناذر التزم يوماً والبعضان يوم ، والليلة المتخلّلة ليست من اليوم ، فلا يمنع التتابع بينهما ، كما أنّه لا يمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع .
ومَنْ جوّز تفريق
الساعات من الشافعية في اليوم اكتفى بساعات أقصر الأيام ؛ لأنّه لو اعتكف أقصر الأيام ، أجزأه . وكذا لو فرّق على ساعات أقصر الأيام في سنين .
ولو اعتكف في أيام
متباينة الطول والقصر ، فينبغي أن ينسب اعتكافه في كلّ يوم بالجزئية إليه إن كان ثُلْثاً فقد خرج عن ثُلْث ما عليه ؛ نظراً إلى اليوم
الذي يوقع فيه الاعتكاف ، ولهذا لو اعتكف بقدر ساعات أقصر الأيام من يوم طويل ، لم يكفه .
مسألة ٢٠١ :
إذا نذر أن يعتكف مدّة معيّنة مقدّرة ، كما لو نذر أن يعتكف عشرة أيام من الآن ، أو نذر أن يعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر ، وجب عليه الوفاء به .
فإن أفسد آخره إمّا
بأن خرج لغير عذر أو بسبب غير ذلك ، فإمّا أن يقيّد بالتتابع أو لا ، فإنّ قيّد نذره بالتتابع بأن قال : أعتكف هذه العشرة أو هذا
الشهر متتابعاً ، وجب عليه الاستئناف ؛ لأنّه لم يأت بما نذره فيجب القضاء ، ويكفّر
__________________
لمخالفته
النذر .
ولو فاته الجميع لغير
عذر ، وجب عليه القضاء متتابعاً ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية ـ لأنّه صرّح في نذره بالتتابع ، فيكون مقصوداً له بالذات .
والثاني للشافعية :
أنّه لا يلزمه الاستئناف لو أفسد آخره ، ولا تتابع القضاء لو أهمل الجميع ؛ لأنّ التتابع واقع من ضروراته ، فلا أثر للفظه وتصريحه . وهو ممنوع .
وإن لم يقيّد
بالتتابع ، لم يجب الاستئناف لو أفسد آخره ولا تتابع القضاء لو أهمله ، بل يجب القضاء مطلقاً ؛ لأنّ التتابع فيه كان من حقّ الوقت وضروراته ، لا أنّه وقع مقصوداً ، فأشبه التتابع في صوم رمضان .
مسألة ٢٠٢ :
لو نذر اعتكاف شهر ، لزمه شهر بالأهلّة أو ثلاثون يوماً . وهل يلزمه التتابع ؟ الأقرب : العدم ، بل له أن يفرّقه ثلاثة ثلاثة ، أو يوماً ويضيف إليه آخرَيْن مندوبين على الإِشكال السابق .
وقال الشافعي : لا
يلزمه التتابع ؛ لأنّه معنى يصحّ فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام . وهو إحدى الروايتين عن أحمد . والثانية : يلزمه التتابع . وبه قال أبو حنيفة ومالك
.
فإن اعتكف شهراً بين
هلالين ، أجزأه وإن كان ناقصاً . وإن اعتكف ثلاثين يوماً من شهرين ، جاز .
ويدخل فيه الليالي ؛
لأنّ الشهر عبارة عنهما ، ولا يجزئه أقلّ من ذلك ـ وبه قال الشافعي ـ إلّا أن يقول : أيّام شهر أو نهار
هذا الشهر ؛ فلا يلزمه
__________________
الليالي
.
ولو قال : ليالي هذا
الشهر ؛ لم ينعقد عندنا ؛ لأنّ من شرط الاعتكاف الصوم ، والليل ليس محلاً للصوم .
وقال الشافعي : ينعقد
ويلزم الاعتكاف ليلاً ، ولا يلزمه الأيّام .
ولو نذر اعتكاف يوم ،
قال الشافعي : لا يلزم ضمّ الليلة إلّا أن ينوي ، فحينئذٍ يلزم ؛ لأنّ اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته
.
وللشافعي قول آخر :
إنّه تدخل الليلة إلّا أن ينوي يوماً بلا ليلة .
ولو نذر اعتكاف يومين
، وجب عليه ضمّ ثالث إليهما عندنا ، وعند العامّة لا يلزم .
فعلى قولهم هل تلزمه
الليلة بينهما ؟ للشافعية ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تلزم إلّا
إذا نواها ؛ لما سبق من أنّ اليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر وغروب الشمس .
والثاني : تلزم إلّا
أن يريد بياض النهار ؛ لأنّها ليلة تتخلّل نهار الاعتكاف ، فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر .
والثالث : إن نوى
التتابع أو قيّد به لفظاً ، لزمت ليحصل التواصل ، وإلّا فلا .
ولو نذر اعتكاف
ليلتين ففي النهار المتخلّل بينهما هذا الخلاف .
ولو نذر ثلاثة أيام
أو عشرة أيام أو ثلاثين يوماً ، ففي لزوم الليالي المتخلّلة ، الوجوه الثلاثة .
__________________
وقال بعض الشافعية :
إن نذر اليومين لا يستتبع شيئاً من الليالي ، والخلاف في الثلاثة فصاعداً ؛ لأنّ العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرّد النهار ، وإذا أطلقت الأيّام عنت بلياليها .
مسألة ٢٠٣ :
لا خلاف بين الشافعية في أنّ الليالي لا تلزم بعدد الأيّام ، فإذا نذر يومين لم تلزم ليلتان بحال ، وبه قال مالك وأحمد
.
وقال أبو حنيفة : تلزم
ليلتان .
ولو نذر اعتكاف يوم ،
لم يجز تفريقه ، ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس .
وقال مالك : يدخل
معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم ، كما لو نذر اعتكاف شهر ؛ لأنّ الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعاً
.
والوجه : ما قلناه من
أنّ الليلة ليست من اليوم ، وهي من الشهر .
ولو نذر اعتكاف ليلة
، لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر عند العامة . وليس له تفريق الاعتكاف عند أحمد
.
وقال الشافعي : له
التفريق .
مسألة ٢٠٤ :
لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور ، دخل فيه الأيّام والليالي ، وتكون الليالي هنا بعدد الأيّام ، كما في نذر الشهر ، وقد تقدّم .
__________________
ويخرج عن العهدة إذا
استهلّ الهلال ، كان الشهر كاملاً أو ناقصاً ؛ لأنّ الاسم يقع على ما بين العشرين إلى آخر الشهر .
ولو نذر أن يعتكف
عشرة أيّام من آخر الشهر ودخل المسجد اليوم العشرين ، أو قُبَيْل الحادي والعشرين فنقص الشهر ، لزمه قضاء يوم ؛ لأنّه حدّد القصد إلى العشرة .
تذنيب :
إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد فيه ، لم ينعقد ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يلزمه شيء ، وإن قدم نهاراً ، لم ينعقد ؛ لمضيّ بعض اليوم غير صائم للاعتكاف .
ومَنْ لا شَرَط
الصوم أوجب عليه اعتكاف بقية النهار .
وللشافعي في قضاء ما
مضى من النهار قولان :
أصحّهما عندهم :
العدم ؛ لأنّ الوجوب ثبت من حين القدوم .
والثاني : الوجوب ؛
لأنّا نتبيّن بقدومه أنّ ذلك يوم القدوم ، فيجب أن يعتكف بقية اليوم ، ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر
.
وقال بعضهم : يستأنف
اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولاً .
ولو كان الناذر وقت
القدوم ممنوعاً من الاعتكاف بمرض أو حبس ، قضاه عند زوال العذر .
وقال بعضهم : لا شيء
عليه ؛ لعجزه وقت الوجوب ، كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه .
__________________
المطلب
الخامس :
في الرجوع من الاعتكاف
، وأحكام الخروج من المسجد
مسألة ٢٠٥ :
قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب إليه غير واجب بدون النذر وشبهه ، فإذا تبرّع به كان ندباً إجماعاً ، فإذا شرع في الاعتكاف ، فلعلمائنا في صيرورته واجباً حينئذٍ أقوال ثلاثة :
أحدها : قال الشيخ ـ رحمه
الله ـ في بعض مصنّفاته : إنّه يصير واجباً بالنيّة والدخول فيه ـ وبه قال أبو الصلاح
من علمائنا ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ـ لأنّ الأخبار دلّت على وجوب الكفّارة بإفساد الاعتكاف بجماع
وغيره على الإِطلاق ، ولو لم ينقلب واجباً لم تجب الكفّارة ، وبالقياس على الحج والعمرة .
والأخبار محمولة على
الاعتكاف الواجب . وأيضاً لا استبعاد في وجوب الكفّارة في هتك الاعتكاف المستحب . والفرق : احتياج الحجّ والعمرة إلى إنفاق مال كثير ففي إبطلاهما تضييع للمال وهو منهي عنه .
الثاني : أنّه إن
اعتكف يومين وجب الثالث ، وإن اعتكف أقلّ لم يجب الإِكمال ـ وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية ومذهب ابن الجنيد
وابن البرّاج ـ لقول الباقر عليه السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط
فله أن
__________________
يخرج
ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام » .
وفي طريقها علي بن
فضّال ، وفيه ضعف .
الثالث : أنّ له
إبطالَه مطلقاً ، وفسخه متى شاء ، سواء في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث ، اختاره السيد المرتضى رضي الله عنه ، وابن إدريس ، وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو الأقوى ؛ لأصالة بقاء ما كان على ما كان ، وبراءة الذمة .
مسألة ٢٠٦ :
لا يجب الاعتكاف بمجرّد النيّة ـ وهو قول عامّة أهل العلم ـ للأصل .
وقال مَنْ لا يُعتدّ
به : إنّه يجب الاعتكاف بمجرّد العزم عليه ؛ لأنّ عائشة رَوَتْ أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة فأذن لها فأمَرَتْ ببنائها فضُرب ، وسألت حفصة أن تستأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ففعلَتْ فأمرَتْ ببنائها فضُرب ، فلمّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمَرَتْ ببنائها فضُرب .
قالت : وكان رسول الله
صلّى الله عليه وآله ، إذا صلّى الصبح دخل معتكفه ، فلمّا صلّى الصبح انصرف فبصر بالأبنية ، فقال : ( ما هذا ؟ ) فقالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله :
__________________
(
ألبرَّ أردتنّ ؟ ما أنا بمعتكف ) فرجع ، فلمّا أفطر اعتكف عشراً من شوّال
.
ولأنّها عبادة تتعلّق
بالمسجد فلزمت بالدخول فيها ، كالحج .
والرواية تدلّ على
النقيض ؛ لأنّ تركه دليل على عدم الوجوب بالعزم .
والفرق بينه وبين
الحجّ قد سبق .
مسألة ٢٠٧ :
لو اعتكف ثلاثة أيّام ، كان بالخيار إن شاء زاد عليها وإن شاء لم يزد ، وإن زاد يوماً جاز له عدم الزيادة على الأربعة .
فإن زاد على الثلاثة
يومين ، قال الشيخ رحمه الله : يجب الإِكمال ستة ؛ فأوجب السادس ـ وبه قال ابن الجنيد
وأبو الصلاح ـ لقول الباقر عليه السلام : « من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أيّاماً
اُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل ثلاثة اُخر » .
وفي طريقها علي بن
فضّال ، والأصل براءة الذمة .
مسألة ٢٠٨ :
لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلّا لضرورة بإجماع العلماء كافة ؛ لما رواه العامة عن عائشة أنّها قالت : السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لا بدّ له منه
.
وعنها : أنّ رسول الله
صلّى الله عليه وآله ، كان إذا اعتكف يُدني إليَّ
__________________
رأسه
فاُرجّله ، وكان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة » .
ولأنّ الاعتكاف هو
اللبث ، فإذا خرج بطل الاسم .
والممنوع إنّما هو
الخروج بجميع بدنه ، فلو أخرج يده أو رأسه ، لم يبطل اعتكافه ؛ لما تقدّم في رواية عائشة .
ولو أخرج إحدى رجليه
أو كلتيهما وهو قاعد مادٌّ لهما ، فكذلك ، وإن اعتمد عليهما فهو خارج .
والممنوع منه الخروج
عن كلّ المسجد .
فلو صعد على المنارة
، فإن كانت في وسط المسجد أو بابها فيه أو في رحبته وهي تُعدّ من المسجد ، جاز سواء كان الصعود للأذان أو لغيره ، كما يصعد على سطح المسجد ودخول بيت منه .
وإن كان الباب خارج
المسجد ، لم يجز ؛ لأنّها لا تُعدّ حينئذٍ من المسجد ، ولا يصح الاعتكاف فيها .
وهل للمؤذّن صعودها
للأذان ؟ الأقرب : المنع ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأنّه لا ضرورة إليه ، لإِمكان الأذان على سطح المسجد ،
فصار كما لو صعدها لغير الأذان ، أو خرج لغير ضرورة ، أو خرج إلى الأمير ليُعْلمه الصلاة .
والثاني : الجواز ؛
لأنّها مبنيّة للمسجد معدودة من توابعه .
ولأنّه قد اعتاد
صعودها للأذان وقد استأنس الناس بصوته ، فيعذر فيه .
__________________
ويجعل
زمان الأذان مستثنى عن اعتكافه .
مسألة ٢٠٩ :
يجوز للمعتكف الخروج عن المسجد لقضاء الحاجة بإجماع العلماء .
قال ابن المنذر :
أجمع أهل العلم على أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول .
ولأنّ هذا ممّا لا
بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه ، لم يصح لأحد أن يعتكف .
ولأنّ النبي صلّى
الله عليه وآله ، كان يعتكف ، ومن المعلوم أنّه كان يخرج لقضاء الحاجة .
ولما رواه العامة عن
عائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان .
ومن طريق الخاصة : ما
رواه داود بن سرحان ، قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت للصادق عليه السلام : إنّي اُريد أن أعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي ؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك » .
وفي معناه الخروج
للاغتسال من الاحتلام .
ولو كان إلى جانب
المسجد سقاية خرج إليها ولا يجوز التجاوز ، إلّا أن يجد غضاضةً بأن يكون من أهل الاحتشام ، فيحصل له مشقّة بدخولها ، فيجوز له العدول إلى منزله وإن كان أبعد .
__________________
ولو بذل له صديق
منزله ـ وهو قريب من المسجد ـ لقضاء الحاجة ، لم تلزمه الإِجابة ؛ لما فيه من المشقّة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزل نفسه ، سواء كان منزله قريباً أو بعيداً بُعْداً متفاحشاً أو غير متفاحش ، إلّا أن يخرج بالبُعْد عن مسمّى الاعتكاف .
ولو كان له منزلان
أحدهما أقرب ، تعيّن عليه القصد إليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث سوّغ له المضيّ إلى الأبعد .
ولو احتلم ، وجب عليه
المبادرة بالخروج عن المسجد للغسل ؛ لأنّ الاستيطان حرام .
مسألة ٢١٠ :
يجوز للمعتكف الخروج لشراء المأكول والمشروب إذا لم يكن له مَنْ يأتيه به بالإِجماع ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه ، والضرورة ثابتة فيه
، فجاز كغيره من الضروريات .
وهل يجوز الخروج
للأكل خارج المسجد ؟ إشكال ، أقربه ذلك إن كان فيه غضاضة ويكون من أهل الاحتشام ، وإلّا فلا .
وللشافعية وجهان :
هذا أحدهما ؛ لأنّه قد يستحيي منه ويشقّ عليه .
والثاني : أنّه لا
يجوز ـ وهو قول الشافعي في الاُمّ ـ لأنّ الأكل في المسجد ممكن .
ولو عطش ولم يجد
الماء في المسجد ، فهو معذور في الخروج .
ولو وجده فالأقرب
منعه من الخروج للشرب ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية ـ لأنّ فعله في المسجد ممكن ، ولا يستحي منه ، ولا يُعدّ تركه من المروة ،
__________________
بخلاف
الأكل فيه .
ولو فجأه القيء خرج
من المسجد ليتقيّأ خارجه صيانةً للمسجد وأهله عن الاستقذار .
وكلّ ما لا بدّ منه
ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ، ولا يفسد اعتكافه ، وهو على اعتكافه ما لم يطل المكت ويخرج به عن اسم المعتكف .
مسألة ٢١١ :
لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة واُقيمت الجمعة في غيره لضرورة ، أو اعتكف في غيرها عند مَنْ سوَّغه ، خرج لأدائها ، ولم يبطل اعتكافه عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد
ـ لأنّه خرج لأداء واجب عليه ، فلا يبطل به اعتكافه ، كما لو خرج لأداء الشهادة ، أو لإِنقاذ غريق ، أو إطفاء حريق .
وقال الشافعي : يجب
أن يخرج لصلاة الجمعة .
وفي بطلان اعتكافه
قولان ، أحدهما : لا يبطل ، كما اخترناه . والثاني : أنّه يبطل ـ وبه قال مالك ـ لسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع .
وعلى هذا لو كان
اعتكافه المنذور أقلّ من اُسبوع ، ابتدأ من أول الاُسبوع أين شاء من المساجد وفي الجامع متى شاء ، وإن كان أكثر من اُسبوع ، فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتى لا يحتاج إلى الخروج للجمعة .
فإن كان قد عيّن غير
الجامع وقلنا بالتعيين ، فلا يخرج عن نذره إلّا بأن
__________________
يمرض
فتسقط عنه الجمعة ، أو بأن يتركها عاصياً ويدوم على اعتكافه
.
وهذا يستلزم الجمع
بين الضدّين في الحكمين .
واحتجّ على بطلان
الاعتكاف : بأنّه أمكنه أداء فرضه بحيث لا يخرج منه ، فبطل بالخروج ، كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة .
وليس بجيّد ؛ لأنّه
إذا نذر أيّاماً معيّنة فيها جمعة ، فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه .
ويبطل ما ذكره بما لو
نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها .
مسألة ٢١٢ :
يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المرضى وشهادة الجنائز عند علمائنا أجمع ، سواء اشترط ذلك في اعتكافه أو لا ـ وبه قال علي عليه السلام ، وسعيد بن جبير والنخعي والحسن ـ لما رواه العامّة عن علي عليه السلام ، أنّه قال : « إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم »
.
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق عليه السلام : « ولا يخرج في شيء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »
.
ولأنّه مؤكّد
الاستحباب ، والاعتكاف للعبادة ، فلا يناسب منعها من مؤكّداتها .
وقال عطاء وعروة
ومجاهد والزهري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي :
__________________
ليس
له الخروج في ذلك ـ وعن أحمد روايتان ـ لما روته عائشة ، قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان .
وعنها : أنّها قالت :
السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازةً ولا يمسّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلّا لما لا بدّ منه
.
ولأنّه ليس بواجب ،
فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله .
والحديث نقول بموجبه
، ولا دلالة فيه على موضع النزاع .
والحديث الثاني ليس
مسنداً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله ، فلا يكون حجّةً .
وكونه ليس بواجب لا
يمنع الاعتكاف من فعله ، كقضاء الحاجة .
مسألة ٢١٣ :
لو تعيّنت عليه صلاة الجنازة وأمكنه فعلها في المسجد ، لم يجز له الخروج إليها ، فإن لم يمكنه ذلك ، فله الخروج إليها .
وإن تعيّن عليه دفن
الميت أو تغسيله ، جاز له الخروج لأجله ؛ لأنّه واجب متعيّن ، فيقدّم على الاعتكاف ، كصلاة الجمعة .
والشافعي لمّا منع من
عيادة المريض وصلاة الجنازة قال : لو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضاً ، فإن لم يقف ولا ازْوَرَّ
عن الطريق ، بل اقتصر على السلام والسؤال ، فلا بأس ، وإن وقف وأطال ، بطل اعتكافه ، وإن لم يُطل فوجهان ، والأصحّ : أنّه لا بأس به .
__________________
ولو ازْوَرَّ عن
الطريق قليلاً فعاده ، فقد جعلوه على هذين الوجهين . والأصحّ عندهم : المنع ؛ لما فيه من إنشاء سير لغير قضاء حاجة .
وقد روي أنّ النبي
صلّى الله عليه وآله ، كان لا يسأل عن المريض إلّا مارّاً في اعتكافه ولا يعرّج عليه .
ولو كان المريض في
بيت الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة ، فالعدول لعيادته قليل ، وإن كان في دار اُخرى فكثير .
ولو خرج لقضاء حاجة
فعثر في الطريق على جنازة ، فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا يزْوَرّ عن الطريق .
وفيه وجه آخر : أنّه
لا يجوز ؛ لأنّ في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة
.
مسألة ٢١٤ :
يجوز الخروج للمعتكف لإِقامة الشهادة عند الحاكم ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وسواء كان متتابعاً أو غير متتابع ، تعيّن
عليه التحمّل والأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما إذا دُعي إليها ؛ لأنّ إقامة الشهادة
أمر واجب لا بدّ منه ، فصار ضرورةً ، كقضاء الحاجة ، فلا يكون مُبطلاً ، وإذا دُعي إليها مع عدم التعيين ، تجب الإِجابة ، فلا يمنع منه الاعتكاف .
وقال الشافعي : إن
تعيّن عليه التحمّل والأداء ، خرج ، ولا يبطل اعتكافه المتتابع بخروجه ، ويستأنف إذا عاد ، وإن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء ، فكما لو لم يتعيّنا عليه ، وإن كان بالعكس فقولان ؛ لأنّه خرج لغير حاجة ، فأبطل التتابع .
والمقدّمة الاُولى
ممنوعة .
__________________
مسألة ٢١٥ :
يجوز للمعتكف أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن ؛ لأنّه طاعة فلا يمنع الاعتكاف منه .
ولما رواه الصدوق ـ رحمه
الله ـ عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالساً عند الحسن بن علي عليهما السلام ، فأتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله إنّ فلاناً له عليَّ مال ويريد أن يحبسني ؛ فقال : « والله ما عندي مال فأقضي عنك » قال : فكلّمه فلبس عليه السلام نعله ، فقلت له : يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك ؟ فقال : « لم أنس ولكني سمعت أبي يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : مَنْ سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عَبَدَ الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله »
.
مسألة ٢١٦ :
قال الشيخ رحمه الله : يجوز أن يخرج ليؤذّن في منارة خارجة عن المسجد وإن كان بينه وبين المسجد فضاء
؛ ولا يكون مبطلاً لاعتكافه ؛ لأنّ هذه المنارة بُنيت للمسجد وأذانه ، فصارت كالمتّصلة به .
ولأنّ الحاجة قد تدعو
إلى ذلك بأن يكون مؤذّن المسجد وقد عرف الجيران صوته ووثقوا بمعرفته بالأوقات ، فجاز ذلك .
وقال الشافعي : إن لم
يكن بابها في المسجد ولا في رحبته المتّصلة به ، ففي بطلان اعتكاف المؤذّن الراتب بصعودها للأذان وجهان .
ولو خرج إليها غير
المؤذّن الراتب للأذان ، فإن أبطلنا اعتكاف الراتب فإبطال هذا أولى ، وإلّا فقولان مبنيّان على أنّها مبنيّة للمسجد ، فتكون معدودةً من توابعه ، فلا يبطل اعتكافه ، أو أنّ الراتب قد اعتاد صعودها للأذان ، واستأنس الناس بصوته ، فيبطل هذا ؛ لفقد هذا المعنى فيه
.
__________________
قال الشيخ رحمه الله
: لو خرج المؤذّن إلى دار الوالي وقال : حيَّ على الصلاة أيّها الأمير ، أو قال : الصلاة أيّها الأمير ، بطل اعتكافه
.
وهو حسن ؛ لأنّه خرج
من معتكفة لغير ضرورة .
وللشافعي قول بالجواز
؛ لأنّ بلالاً جاء فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمه الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله .
ونمنع كون بلال قاله
حال اعتكافه ، أو أنّه خرج من المسجد فجاز أن يكون وقف على بابه .
سلّمنا ، لكن فعله
ليس حجّةً .
ويجوز للمعتكف الصعود
على سطح المسجد ؛ لأنّه من جملته ، وبه قال الفقهاء الأربعة . وكذا يجوز أن يبيت فيه .
ولو كان إلى جنب
المسجد رحبة وليست منه ، لم يجز الخروج إليها إلّا لضرورة ؛ لأنّها خارجة عن المسجد فكانت كغيرها ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد . والثانية : الجواز ؛ لأنّها تابعة له ومعه ، فكانت بمنزلته
.
والمقدّمتان ممنوعتان
. ولا فرق بين أن يكون عليها حائط وباب أو لم يكن .
مسألة ٢١٧ :
إذا خرج المعتكف لضرورة ، حرم عليه المشي تحت الظلال والوقوف فيه ـ إلّا لضرورة ـ إلى أن يعود إلى المسجد . وكذا لا يقف تحت غير الظلال ؛ لأنّه مُنافٍ للاعتكاف الذي هو اللبث في المسجد خاصة ، ولأنّ في المشي تحت الظلال نوعَ ترفّه .
قال الصادق عليه
السلام : « ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى
__________________
مجلسك
» .
وقال الصادق عليه
السلام : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شيء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع » .
وبه قال الثوري
.
وحكى عنه الطحاوي في
كتاب الاختلاف أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلّا أن يكون ممرّه فيه ، فإن دخل فسد اعتكافه
. وباقي العامّة يجيزون له الاستظلال بالسقف .
و [ السيد المرتضى ]
رحمه الله ، احتجّ عليهم : بإجماع الطائفة والاحتياط .
مسألة ٢١٨ :
إذا خرج المعتكف لضرورة ، لم يجز له أن يصلّي إلّا في المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة خاصة ، فإنه يصلّي في أيّ بيوتها شاء ؛ لأنّها حرم ، فلها حرمة ليست لغيرها .
ولقول الصادق عليه
السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها » ثم قال عليه السلام بعد كلام . « ولا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة »
.
وقال الصادق عليه
السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها
__________________
شاء
، والمعتكف في غيرها لا يصلّي إلّا في المسجد الذي سمّاه »
.
ولو اعتكف في غير
مكّة فخرج لضرورة فضاق وقت الصلاة عن عوده ، صلّى أين شاء ، ولا يبطل اعتكافه ؛ لأنّه صار ضرورياً ، فيكون معذوراً ، كالمضيّ إلى الجمعة .
مسألة ٢١٩ :
أوقات الخروج للضرورة لا يجب تداركها ، ولا يخرج المعتكف فيها عن اعتكافه إذا لم يَطُل الزمان ، بل يكون الاعتكاف مستمرّاً في أوقات الخروج لقضاء الحاجة وشبهها ، ولهذا لو جامع في هذا الوقت ، بطل اعتكافه . وهو أحد وجهي الشافعيّة .
والثاني : أنّه لا
يستمرّ ، بل يكون زمان الخروج لقضاء الحاجة كالمستثنى لفظاً عن المدّة المنذورة ؛ لأنّه لا بدّ منه ، فإن جعلناه كقضاء الحاجة ، لم يحتج إلى تجديد النيّة ، وإن جعلناه كالمستثنى ، فلأنّ اشتراط التتابع في الابتداء رابطة لجميع ما سوى تلك الأوقات
.
وقال بعض الشافعية :
إن طال الزمان ، ففي لزوم التجديد وجهان .
والحقّ : أنّ مع طول
الزمان بحيث يخرج عن الاسم يبطل الاعتكاف .
وإذا خرج لقضاء
الحاجة ، لم يكلّف الإِسراع ، بل يمشي على سجيّته المعهودة ؛ لأنّ عليه مشقّةً في إلزامه غير ذلك .
وإذا خرج لقضاء
الحاجة ، لم يجز له أن يجامع في مروره بأن يكون في هودج ، أو فُرض ذلك في وقفة يسيرة ، فإن فعل بطل الاعتكاف .
وللشافعية في إبطال
الاعتكاف وجهان : أصحهما : البطلان .
أمّا على تقدير القول
باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء
__________________
الحاجة
: فظاهر ؛ لأنّ الجماع يكون قد صادف الاعتكاف .
وأمّا على تقدير
القول بعدم استمراره : فلأنّ الجماع عظيم الوقع ، فالاشتغال به أشدّ إعراضاً عن العبادة .
والثاني : أنّه لا
يبطل ؛ لأنّه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زماناً .
وإذا فرغ من قضاء
الحاجة واستنجى ، لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد ، بل يقع ذلك تابعاً ، بخلاف ما إذا احتاج إلى الوضوء بمعنى غير قضاء الحاجة ، كما لو قام من النوم ، فإنّه لا يجوز له الخروج ليتوضّأ في أظهر وجهي الشافعية إذا أمكن الوضوء في المسجد .
وإذا منعنا من الأكل
خارج المسجد أو مشى إلى منزله لقضاء الحاجة ، جاز له أن يأكل لقمة أو لقمتين ، وليس له أن يأكل جميع أكله ؛ لأنّ القليل لا اعتداد به .
مسألة ٢٢٠ :
إذا حاضت المرأة أو نفست وهي معتكفة ، لزمها الخروج من المسجد بلا خلاف ؛ لأنّ الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد ، فهو كالجنابة وآكد منه وقد قال عليه السلام : ( لا اُحلّ المسجد لحائض ولا جنب ) .
وإذا خرجت لعذر الحيض
، مضت إلى بيتها . وبه قال الشافعي ومالك وربيعة والزهري وعمرو بن دينار .
أمّا خروجها من
المسجد : فلما تقدّم من الإِجماع والحديث .
وأمّا رجوعها إلى
منزلها : فلأنّه وجب عليها الخروج من المسجد وبطل
__________________
اعتكافها
.
ولقول الصادق عليه
السلام : « إنّها ترجع إلى بيتها » .
وقال أحمد : إن لم
يكن في المسجد رحبة ، رجعت إلى منزلها ، وإن كان له رحبة خارجه يمكن أن تضرب فيها خباءها ، ضربت خباءها فيها مدّة حيضها .
وقال النخعي : تضرب
فسطاطها في دارها ، فإذا طهرت ، قضت تلك الأيّام ، وإن دخلت بيتاً أو سقفاً استأنفت .
لأنّ عائشة قالت : كنّ
المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بإخراجهنّ من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن .
ولا حجّة فيه ؛ لجواز
أن يكون عليه السلام أمر بذلك ليعرف الناس أنّ رحبة المسجد ليست منه ، أو لأنّ الاعتكاف قد كان واجباً عليهنّ وعلم عليه السلام من حالهنّ توهّم سقوطه بخروجهنّ من المسجد .
إذا عرفت هذا ، فإن
كان اعتكافها ثلاثة أيّام لا غير ، فإذا حاضت في أثنائه بطل ، ولم يجز لها البناء على ما فعلته ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام عندنا .
ثم إن كان واجباً ،
وجب عليها بعد الطهر الاستئناف ، وإلّا فلا .
وإن كان أكثر ، فإن
حاضت بعد الثلاثة ، جاز لها البناء على ما فعلته بعد الطهر ؛ لأنّه عذر كقضاء الحاجة .
ولا يُعدّ أيّام
الحيض من الاعتكاف إجماعاً . ومَنْ لا يشترط الصوم من
__________________
العامّة
يجوّز البناء على ما تقدّم مطلقاً .
إذا ثبت هذا ،
فالنفساء بحكم الحائض ؛ لأنّ النفاس في الحقيقة حيض ، وأمّا المستحاضة فإنّها بمنزلة الطاهر يجوز لها الاعتكاف مع الأغسال .
قالت عائشة : اعتكفَتْ
مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلّي .
فإن لم يمكن صيانة
المسجد عن التلويث ، خرجت ؛ لأنّه عذر ، فإن كان الزمان يسيراً جدّاً كقضاء الحاجة ، بَنَتْ على ما فَعَلَتْ وحسبت زمان الخروج من الاعتكاف ، كزمان قضاء الحاجة .
وقال الشافعي : إن
كانت المدّة المنذورة طويلةً لا تخلو عن الحيض غالباً ، لم ينقطع التتابع ، بل تبني إذا طهرت ، كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفّارة .
وإن كانت بحيث تخلو
عن الحيض ، فقولان : أحدهما : أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لأنّ جنس الحيض متكرّر بالجبلة ، فلا يؤثّر في التتابع ، كقضاء الحاجة . وأظهرهما : ينقطع ؛ لأنّها بسبيل أن تشرع كما لو طهرت
.
مسألة ٢٢١ :
إذا طلّقت المعتكفة رجعيّاً ، خرجت من اعتكافها إلى منزلها عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد
ـ لقوله تعالى : (
لَا
__________________
تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ )
.
ولأنّ الاعتداد في
بيتها واجب فلزمها الخروج إليه ، كالجمعة في حقّ الرجل .
وقال ربيعة ومالك
وابن المنذر : تمضي في اعتكافها حتى تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها فتعتدّ فيه ؛ لأنّ الاعتكاف المنذور واجب ، والاعتداد في بيت الزوج واجب ، وقد تعارضا ، فيقدّم الأسبق
.
وينتقض : بالخروج إلى
الجمعة وسائر الواجبات .
أمّا استئناف
الاعتكاف فإنّه يصحّ على تقدير أن يكون الاعتكاف واجباً ولم يشترط الرجوع .
مسألة ٢٢٢ :
إذا مرض المعتكف مرضاً يخاف منه تلويث المسجد ، كإدرار البول وانطلاق البطن والجرح السائل ، فإنّه يخرج منه إجماعاً صيانةً للمسجد عن النجاسة ، وإذا برئ بنى على اعتكافه ، ولا يبطل ما تقدّم إلّا أن يكون أقلّ من ثلاثة أيام عندنا . وينقطع به التتابع .
والمشهور عند الشافعية
أنّه لا ينقطع التتابع ؛ لاضطراره إليه ، كالخروج للحيض .
وللشافعي قول آخر :
إنّه ينقطع .
فإن كان المرض خفيفاً
يمكنه معه المقام في المسجد ، ولا يتضرّر بالصوم ، وجب عليه إكمال اعتكافه الواجب ، ويستحب إتمام المندوب ، فإن خرج فيهما ، بطل اعتكافه ، وذلك كوجع ضرس وصداع يسير وما أشبهه ممّا لا يوجب الإِفطار .
__________________
وإن كان المرض ثقيلاً
يفتقر معه إلى الإِفطار ، ويحتاج إلى الفراش والطبيب والمعالجة ، خرج إجماعاً فإذا برئ أتمّ اعتكافه إن كان قد اعتكف أوّلاً ثلاثة أيّام فما زاد ، وإلّا وجب عليه الاستئناف .
وللشافعي قولان : أحدهما
: أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لدعاء الحاجة إليه ، فصار كالخروج لقضاء الحاجة .
والثاني : أنّه ينقطع
؛ لأنّ المرض لا يغلب عروضه ، بخلاف قضاء الحاجة والحيض ، فإنّه يتكرّر غالباً ، فيجعل كالمستثنى لفظاً
.
إذا عرفت هذا ،
فالاعتكاف إن كان مندوباً ، خرج المريض إلى بيته ، ولا يجب قضاؤه ، وإن كان واجباً ، فإن كان ثلاثة لا غير ، استأنف الاعتكاف ؛ لأنّ ما بقي أقلّ من ثلاثة وكذا ما مضى ، فالماضي لا يجزئه عنه وكذا الباقي .
ولقول الصادق عليه
السلام : « إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة ، فإنّه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم »
.
وإن كان أكثر من
ثلاثة ، فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة خرج ، فإذا عاد بنى ، فإن كان الباقي ثلاثة أيضاً فما زاد ، أتى به ، وإن كان أقلّ ، ضمّ
إليه ما يكمله ثلاثة .
وإن حصل العارض قبل
انقضاء الثلاثة ، فالأقرب الاستئناف .
مسألة ٢٢٣ :
إذا اعتكف في المسجد الحرام فأحرم بحجّ أو عمرة حالة اعتكافه ، لزمه الإِحرام ، ويقيم في معتكفة إلى أن يتمّ ثم يمضي في إحرامه ؛ لأنّها عبادة تبطل بالخروج لغير ضرورة ولا ضرورة هنا .
ولو خاف فوت الحجّ ،
ترك الاعتكاف ، ومضى في الحج ، فإذا فرغ
__________________
استأنف
واجباً إن كان الاعتكاف واجباً ولم تمض ثلاثة ، وإلّا ندباً ؛ لأنّ الخروج حصل باختياره ؛ لأنّه كان يسعه أن يؤخّر الاعتكاف .
ولو نذر أن يعتكف في
المسجد الحرام ، فإن كان فيه ، اعتكف ، وإن كان بعيداً عنه ، دخل إليه ولم يدخله إلّا بنسك إمّا حجّ أو عمرة .
ولو اُغمي على
المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، قال الشيخ رحمه الله : لم يلزمه قضاؤه ؛ لعدم الدليل عليه .
ولو وقعت فتنة خاف
منها على نفسه أو ماله نهباً أو حريقاً إن قعد في المسجد ، فله ترك الاعتكاف ؛ لأنّ الله تعالى أباح ترك الجمعة الواجبة وطهارة الماء بذلك فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه .
وقد روي عن الصادق عليه
السلام : « إن واقعة بدر كانت في شهر رمضان ، فلم يعتكف رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين يوماً ، عشرة لعامه وعشرة قضاءً لما فاته »
وإذا جاز ترك الاعتكاف من أصله فكذا في أثنائه .
مسألة ٢٢٤ :
لو خرج المعتكف من المسجد سهواً ، لم يبطل اعتكافه ولا تتابعه ـ وهو أحد قولي الشافعية ـ لقوله عليه السلام : ( رُفع عن اُمّتي
الخطأ والنسيان ) .
ولأنّه فعل المنهي
عنه ناسياً ، فلا يقتضي فساد العبادة كالأكل في الصوم وغيره من المفطرات .
والثاني للشافعية :
أنّه يبطل التتابع ؛ لأنّ اللبث مأمور به ، والنسيان
__________________
ليس
بمعذّر في ترك المأمورات .
وهو ممنوع ، وللحنابلة
قولان كهذين .
مسألة ٢٢٥ :
لو اُكره على الخروج ، فإن طال زمانه ، بطل اعتكافه ؛ لانتفاء المسمّى ، ولو لم يَطُلْ لم يبطل بل يبني مع العود ؛ لقوله عليه السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
.
وللشافعي قولان ،
أحدهما : بطلان الاعتكاف وانقطاع التتابع بالإِكراه على الخروج . والثاني : عدم البطلان .
ولو أخرجه السلطان ،
فإن كان ظلماً ، مثل أن يطالبه بما ليس عليه أو بما لَهُ عليه وهو معسر ، لم يبطل اعتكافه إلّا مع طول الزمان ، وإن أخرجه بحقّ ، مثل إقامة حدّ أو استيفاء دَيْن يتمكّن من أدائه ، بطل اعتكافه واستأنف .
وبه قال الشافعي في
المال خاصّة دون الحدّ ؛ لأنّ التقصير منه في المال ، وأحوج نفسه إلى الإِخراج مع تمكّنه من تركه ، فكان كمن يخرج مختاراً .
أمّا في الحدّ :
فلأنّه مكره على الخروج إن ثبت بالبيّنة ، وإن ثبت بإقراره انقطع تتابعه ، ونصّ في الثابت بالبيّنة أنّه لا ينقطع تتابعه
.
وفرّق بينه وبين
إقامة الشهادة : أنّ الشهادة إنّما تتحمّل لتؤدّي ، فاختياره للتحمّل اختيار للأداء ، والجريمة الموجبة للحدّ لا يرتكبها المُجْرم ليُقام عليه
__________________
الحدّ
، فلم تحصل باختياره ولا اعتبار باختيار السبب .
وينتقض : بأداء
الشهادة إذا كان مختاراً في تحمّلها ، فإنّه يبطل اعتكافه عنده لو خرج لأدائها مضطرّاً .
ولو حُمل فاُخرج
فكالمضطرّ .
وقال الشافعي : لا
يبطل ، كما أنّه لو وُجر الصائم الطعام لا يبطل صومه .
مسألة ٢٢٦ :
الأعذار المبيحة للخروج إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف لا يجب قضاء أوقاتها على الأقوى ؛ لأنّه كالمستثنى .
وقال الشافعي : يجب
قضاؤها إلّا وقت قضاء الحاجة .
وهل يجب تجديد النيّة
عند العود ؟ أمّا إذا خرج لقضاء الحاجة فلا ، وكذا ما لا بدّ منه ، كالخروج للاغتسال والأذان إذا جوّزنا الخروج إليه .
أمّا ما منه بُدٌّ
فوجهان ، أحدهما : أنّه يجب ؛ لأنّه خرج عن العبادة بما عرض . والأظهر : عدم الوجوب ؛ لشمول النيّة جميع المدّة
.
مسألة ٢٢٧ :
يستحب للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ، بإجماع العلماء ـ إلّا ما حكي عن مالك أنّه قال : لا يصح الاشتراط ـ لأنّه عبادة في إنشائها الخيرة ، فله
اشتراط الرجوع مع العارض كالحجّ . ولأنّه عبادة يجب بعقده ، فكان الشرط إليه فيه كالوقف . ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه .
__________________
وقد قال الصادق عليه
السلام : « واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ( إنّ ذلك في ) اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله » .
وقال الصادق عليه
السلام : « وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يُحْرم » .
واحتجّ مالك : بأنّه
شرط في العبادة ما ينافيها ، فلا يصح ، كما لو شرط الجماع أو الأكل في الصلاة .
ونمنع شرط المنافي ،
بل هو بمنزلة مَنْ شرط الاعتكاف في زمان دون زمان ، وهو صحيح ، بخلاف أصله ؛ لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز .
مسألة ٢٢٨ :
قال الشيخ رحمه الله : إذا اشترط المعتكف على ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه ، فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان ، فإن مضى له يومان ، وجب الثالث ، وإن لم يشترط ، وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام
.
وقال في النهاية :
متى شرط جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء ، وإن لم يشترط ، لم يكن له الرجوع فيه إلّا أن يكون أقلّ من يومين ، فإن مضى عليه يومان ، وجب عليه ثلاثة أيّام ؛ لقول الباقر عليه السلام : « إذا
اعتكف يوماً
__________________
ولم
يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط ، فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »
.
ويجيء على قول الشيخ
ـ رحمه الله ـ تفصيل ، وهو : أنّ الاعتكاف إن كان متبرّعاً به ، جاز له أن يرجع متى شاء ، سواء شرط أو لا ؛ لأنّه عبادة مندوبة لا تجب بالدخول فيها ، وإن كان منذوراً فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا ، وعلى التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط
على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا ، فالأقسام ثمانية :
أ ـ أن يعيّن زماناً
ويشترط التتابع والرجوع مع العارض ، فله الرجوع عند العارض ، ولا يجب عليه إتمامه ؛ عملاً بالشرط ، ولا قضاؤه ؛ لأصالة البراءة السليمة عن المعارض .
ب ـ عيّن النذر ولم
يشترط التتابع ، لكن شرط الرجوع ثم عرض العارض ، فله الخروج ؛ عملاً بالشرط ، ولا يجب عليه الإِتمام ولا القضاء .
ج ـ عيّن النذر وشرط
التتابع ولم يشترط على ربه ، فإنّه يخرج مع العارض ، ويقضي مع الزوال متتابعاً .
د ـ عيّن النذر ولم
يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ثم حصل العارض ، فإنّه يخرج ويقضي الفائت .
هـ ـ لم يعيّن زماناً
لكن شرط التتابع واشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج ثم يأتي بما بقي عليه متتابعاً عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة ، وإن كان أقلّ استأنف .
و ـ لم يعيّن واشترط
التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ثم يستأنف اعتكافاً متتابعاً ؛ لأنّه وجب عليه متتابعاً ، ولا يتعيّن بفعله إذا لم
يعيّنه بنذره ، فيجب عليه الإِتيان به على وصفه الذي شرط في نذره . وفيه
__________________
إشكال
.
ز ـ لم يعيّن واشترط
على ربّه ولم يشترط التتابع ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة ، وإلّا بنى إن كان الواجب أزيد ، وأتى بالباقي إن كان ثلاثةً فما زاد ، وإلّا فثلاثة .
ح ـ لم يعيّن ولم
يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ويستأنف إن لم تحصل ثلاثة ، وإلّا أتمّ .
مسألة ٢٢٩ :
الاشتراط إنّما يصح في عقد النذر ، أمّا إذا أطلقه من الاشتراط ، فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف ، فإذا لم يشترط ثم عرض ما يمنع الصوم أو الكون في المسجد ، فإنّه يخرج ويقضي الاعتكاف إن كان واجباً فواجباً ، وإن كان ندباً فندباً .
وإنّما يصح اشتراط
الرجوع مع العارض ، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة والتنزّه أو البيع والشراء للتجارة أو التكسّب بالصناعة في المسجد ، لم يجز ؛ لأنّه منافٍ للاعتكاف .
مسألة ٢٣٠ :
قد بيّنّا أنّه يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة ولنفع المؤمن والصلاة على الجنازة وعيادة المريض وشراء مأكوله ومشروبه .
وأكثر العامّة منع من
الخروج إلّا لقضاء الحاجة ولما لا بُدّ له منه ، فإن خرج لما لَهُ منه بُدٌّ ، بطل اعتكافه وإن قلّ ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي
وأحمد .
وقال أبو يوسف ومحمد
: لا يفسد حتى يكون أكثر من نصف يوم ؛ لأنّ اليسير معفوّ عنه ، كما لو تأنّى في مشيه .
ولأنّ صفيّة أتت النبي
صلّى الله عليه وآله ، تزوره في معتكفه ، فلمّا
__________________
قامت
لتَنْقَلِبَ خرج معها ليَقْلِبَها .
ويحتمل أن لا يكون له
عليه السلام منه بُدٌّ ؛ لأنّه كان ليلاً فلم يأمن عليها .
مسألة ٢٣١ :
منع العامّة من الخروج لعيادة المريض وشهادة الجنازة إلّا أن يشترط فعل ذلك في اعتكافه ، فيكون له فعله ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وكذا ما كان قربةً ، كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم ، أو كان مباحاً ممّا يحتاج إليه ، كالأكل في منزله والمبيت فيه ، فله فعله
. وفي المبيت إشكال .
وقد أجاز اشتراط
الأكل في منزله الحسن والعلاء بن زياد والنخعي وقتادة .
ومنع منه مالك
والأوزاعي .
قال مالك : لا يكون
في الاعتكاف شرط .
وليس بجيّد ؛ إذ لا
يجب بعقده ، فكان الشرط فيه إليه كالوقف . ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه . وإن قال : متى مرضت أو عرض لي عارض خَرَجْتُ ، جاز شرطه .
مسألة ٢٣٢ :
إذا نذر اعتكافاً بصفة التتابع ، وشرط الخروج منه إن عرض عارض ، صحّ شرطه على ما تقدّم ؛ لأنّ الاعتكاف إنّما يلزم بالتزامه ، فيجب بحسب الالتزام ، وهو أظهر قولي الشافعي .
__________________
وله قول آخر : إنّه
لا يصح ـ كما هو مذهب مالك ـ لأنّه شرط المنافي فيلغو ، كما لو شرط أن يخرج للجماع .
والمشهور عند
الشافعية : الصحة ، وبه قال أبو حنيفة
. وبالثاني قال مالك . وعن أحمد روايتان .
فعلى القول بالصحة إن
عيّن نوعاً ، مثل أن قال : لا أخرج إلّا لعيادة المريض ، أو عيّن ما هو أخصّ ، فقال : لا أخرج إلّا لعيادة زيد ، خرج فيما عيّنه خاصة دون غيره وإن كان أهمّ منه عند الشافعي
. وعندنا يجوز فيما عداه من القُرَب على ما سبق ، إلّا أن يطول الزمان .
وإن أطلق وقال : لا
أخرج إلّا لشغل يعتري أو لعارض يعرض ، كان له أن يخرج لكلّ شغل ديني ، كحضور الجمعة وعيادة المرضى ، أو دنيوي ، كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ، ولا يبطل التتابع بشيء من ذلك عنده
.
وشَرَط في الشغل
الدنيوي الإِباحة .
وللشافعيّة وجه آخر :
أنّه لا يشترط .
ولا عبرة بالنزهة ؛
لأنّه لا يُعدّ من الأشغال ، ولا يعتنى به .
ولو قال : إن عرض لي
عارض قَطَعْتُ الاعتكاف ، فالحكم كما لو شرط ، إلّا أنّه في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء الحاجة ، وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك .
وكذا لو قال : عليَّ
أن أعتكف رمضان إلّا أن أمرض أو اُسافر ، فإذا مرض أو سافر فلا شيء عليه .
ولو نذر صلاةً وشرط
الخروج إن عرض عارض ، أو صوماً وشرط الخروج إن جاع أو اُضيف فيه ، فلهم وجهان :
__________________
أحدهما ـ وهو قول
أكثر الشافعيّة ـ أنّه يصحّ هذا الشرط ، كما في الاعتكاف .
والثاني : لا يصحّ ولا
ينعقد النذر ، بخلاف الاعتكاف ؛ لأنّ ما يتقدّم منه على الخروج عبادة ، وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة
.
ولو فرض ذلك في الحج
، انعقد النذر عندهم ، كما ينعقد الإِحرام المشروط ، ولكن في جواز الخروج للشافعي قولان . والصوم والصلاة أولى لجواز الخروج منهما عند أكثرهم ؛ لأنّهما لا يلزمان بالشروع ، والالتزام مشروط ، فإذا وجد العارض فلا يلزم ، والحج يلزم بالشروع
.
ولو نذر التصدّق
بعشرة دراهم أو بهذه الدراهم إلّا أن تعرض حاجة ونحوها ، فلهُمْ وجهان ، والأظهر عندهم : صحة الشرط ، فإذا احتاج فلا شيء عليه .
ولو قال : في هذه القُرُبات
إلّا أن يبدو لي ، فوجهان :
أحدهما : أنّه يصح
الشرط ، فلا شيء عليه إذا بدا له ، كشرط سائر العوارض .
وأظهرهما عندهم :
البطلان ؛ لأنّه تعليق للأمر بمجرّد الخيرة ، وذلك يناقض صيغة الالتزام .
ثم هل يبطل النذر من
أصله أو يصحّ ويلغو الشرط ؟ للشافعيّة قولان .
وإذا شرط الخروج لغرض
وقالوا بصحته ، فخرج لذلك الغرض ، هل يجب تدارك الزمان المصروف إليه ؟ يُنظر إن نذر مدّةً غير معيّنة ، كشهر مطلق أو عشرة مطلقة ، فيجب التدارك ليُتمّ المدّة المنذورة ، وتكون فائدة الشرط : تنزيل الغرض منزلة قضاء الحاجة في أنّ التتابع لا ينقطع به .
__________________
وإن عيّن المدّة فنذر
اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان ، لم يجب التدارك ؛ لأنّه لم ينذر إلّا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة
.
مسألة ٢٣٣ :
إذا نذر أن يعتكف شهراً بعينه ، دخل المسجد قبل غروب الشمس ، وخرج منه يوم الثلاثين بعد غروب الشمس ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنّه نذر الشهر ، وأوّله غروب الشمس ، ولهذا تحلّ الديون المعلّقة به ، ويقع الطلاق والعتاق المعلّقان به ، ووجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر ، فإنّه لا يمكن إلّا بذلك فيجب ، كما يجب إمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم .
وقال أحمد في الرواية
الثانية : إنّه يدخل قبل طلوع الفجر ـ وبه قال الليث وزفر ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان إذا أراد أن يعتكف صلّى الصبح ثم دخل معتكفه .
ولأنّ الله تعالى قال
: ( فَمَن شَهِدَ
مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ولا يلزم الصوم إلّا من قبل طلوع الفجر .
ولأنّ الصوم شرط في
الاعتكاف فلم يجز ابتداؤه قبل شرطه .
ولا حجّة في الخبر ؛
لأنّه يدخل في التطوّع متى شاء .
قال ابن عبد البرّ :
لا أعلم أنّ أحداً من الفقهاء قال به .
والصوم محلّه النهار
، فلا يدخل فيه شيء من الليل في أثنائه ولا ابتدائه
__________________
إلّا
ما حصل ضرورة ، بخلاف الاعتكاف .
ولو أحبّ اعتكاف
العشر الأواخر تطوّعاً ، ففيه روايتان عن أحمد :
إحداهما : يدخل فيه
قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ؛ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه ، قال : ( من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ) .
ولأنّ العشر بغير «
هاء » عدد الليالي . وهو إحدى الروايتين عن أحمد .
وفي الثانية : يدخل
بعد صلاة الصبح ـ وبه قال الأوزاعي وإسحاق ـ لما روت عائشة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان إذا صلّى الصبح دخل معتكفه .
واستحبّ أحمد لمن
اعتكف العشر الأخير من رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفه .
ويستحبّ للمرأة إذا
أرادت الاعتكاف أن تستتر بشيء ؛ لأنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وآله ، لمّا أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهنّ فضُرِبْنَ في المسجد .
وإذا ضربت بناءً ، جَعَلَتْه
في مكان لا يصلّي فيه الرجال ، لئلّا تقطع صفوفَهم وتُضيّق عليهم .
ولا بأس للرجل أن
يستتر أيضاً ؛ فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أمر
__________________
ببنائه
فضُرب . ولأنّه أستر له وأخلى .
المطلب السادس : في
الكفّارة
مسألة ٢٣٤ :
إذا جامع المعتكف في حال اعتكافه ليلاً أو نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري والزهري وبعض الحنابلة وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنّه عبادة يفسدها الوطء بعينه ، فوجبت الكفّارة بالوطء فيها ، كالحجّ وصوم رمضان .
ولأنّه زمان تعيّن
للصوم ، وتعلّق الإِثم بإفساده ، فوجبت الكفّارة فيه بالجماع كرمضان .
ولأنّ سماعة سأل الصادق
عليه السلام ، عن معتكف واقع أهله ، فقال : « هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان »
.
وسأله أبو ولّاد
الحنّاط عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت ـ حين بلغها قدومه ـ من المسجد إلى بيتها وتهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها كان عليها ما على المُظاهر »
.
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : لا كفّارة عليه ـ وهو قول عطاء والنخعي
__________________
وأهل
المدينة ومالك وأهل العراق والثوري وأهل الشام والأوزاعي ـ لأنّها عبادة لا تجب بأصل الشرع ، فلا تجب بإفسادها كفّارة ، كالنوافل .
ولأنّها عبادة لا
يدخل المال في جبرانها ، فلم تجب الكفّارة بإفسادها ، كالصلاة .
ولأنّ الكفّارة إنّما
تثبت بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابها ، فتبقى على الأصل .
والفرق : أنّ النوافل
لا يتعلّق بإفسادها إثم فلا كفّارة ؛ لأنّ الكفّارة تتبع الإِثم .
والقياس على الصلاة
ممنوع ، ومعارض بما قلناه ، وبأنّه في مقابلة النصّ .
وقد بيّنّا ورود
الشرع بالوجوب ، وهي الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام ، وهُمْ أعرف بالأحكام من غيرهم ؛ فإنّ الوحي في بيتهم نزل .
مسألة ٢٣٥ :
كفّارة الاعتكاف عند علمائنا هي كفّارة رمضان : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ـ وبه قال الحسن والزهري إلّا أنّهما قالا بالترتيب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد
ـ لأنّها كفّارة في صوم واجب ، فكانت مثل كفّارة رمضان .
ولما تقدّم من
الروايتين عن الصادق عليه السلام .
ولأنّ سماعة قال :
سألت الصادق عليه السلام ، عن معتكف واقع أهله ، قال : « عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة
__________________
أو
صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً » .
وقال بعض الحنابلة :
تجب كفّارة يمين .
والمشهور عن أحمد
أنّه قال : مَنْ أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المُظاهر ، نقله عن الزهري . ثم قال : إذا كان نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة
.
مسألة ٢٣٦ :
الذي عليه فتوى علمائنا أنّها كفّارة مخيّرة مثل كفّارة رمضان ؛ لما تقدّم من الروايات . وللأصل .
وفي رواية عن الباقر عليه
السلام ، واُخرى عن الصادق عليه السلام أنّ « عليه ما على المُظاهر » .
وهي محمولة على المساواة
في المقدار دون الترتيب ؛ جمعاً بين الروايات .
مسألة ٢٣٧ :
الجماع إن وقع في نهار رمضان ، وجب عليه كفّارتان : إحداهما عن الاعتكاف ، والاُخرى عن رمضان ، وإن وقع ليلاً ، وجبت كفّارة واحدة وإن كان في غير رمضان ، وكذا إن وقع في نهار غير رمضان ؛ لأنّ كلّ واحد من عبادتي الاعتكاف ورمضان يوجب الكفّارة ، والأصل عدم التداخل عند تغاير السبب .
وقد سأل عبد الأعلى
بن أعين ، الصادق عليه السلام ، عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفّارة » قال : قتلت : فإن وطأها نهاراً ؟ قال : « عليه كفّارتان » .
__________________
والسيد المرتضى ـ رحمه
الله ـ أطلق ، فقال : المعتكف إذا جامع نهاراً ، كان عليه كفّارتان ، وإن جامع ليلاً ، كان عليه كفّارة واحدة
. والظاهر أنّ مراده رمضان .
مسألة ٢٣٨ :
لو كانت المرأة معتكفةً ووطأها مختارة ، وجب عليها مثل ما يجب على الرجل ، فإن أكرهها ، تضاعفت الكفّارة عليه ، فإن كان الإِكراه في نهار رمضان ، وجب عليه أربع كفّارات ، ولا يبطل اعتكافها ولا صومها للإِكراه ، وإن كان في ليل غير رمضان ، كان عليه كفّارتان لا غير ، ولا يفسد اعتكافها أيضاً ، ومع المطاوعة يفسد اعتكافها كالرجل .
وقال بعض
علمائنا : لا يجب تضاعف الكفّارة بالإِكراه ؛ لأنّ الكفّارة تتبع إفساد الاعتكاف وهو غير متحقّق في طرف المرأة ؛ لأنّ اعتكافها صحيح .
ولا بأس به ، مع أنّ
رواية التضعيف ضعيفة ؛ لأنّ في طريقها المفضّل ابن عمر ، وفيه قول .
مسألة ٢٣٩ :
المباشرة دون الفرج إن كانت بغير شهوة ، فلا بأس بها ، مثل أن تغسل رأسه أو تفليه أو تناوله شيئاً ؛ لأنّ النبي صلّى
الله عليه وآله ، كان يُدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجّله .
وإن كانت عن شهوة ،
فهي محرّمة ؛ لقوله تعالى : (
وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) .
ولأنّه لا يأمن من
إفضائها إلى إفساد الاعتكاف ، وما أفضى إلى الحرام
__________________
يكون
حراماً .
فإن فعل ما ينزل ،
فسد اعتكافه ، وإن لم ينزل ، لم يفسد ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ـ لأنّها مباشرة لا تُفسد صوماً ولا
حجّاً فلم تُفسد الاعتكاف ، كالمباشرة بغير شهوة .
والقول الثاني
للشافعي : إنّها تُفسد في الحالين ـ وبه قال مالك ـ لأنّها مباشرة محرّمة ، فأفسدت الاعتكاف ، كما لو أنزل
.
والفرق : أنّها مع الإِنزال
تُفسد الصوم .
قال الشيخ رحمه الله
: ويجب القضاء والكفّارة بالجماع ، وكذا كلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمداً .
مسألة ٢٤٠ :
إعلم أنّ الكفّارة تجب بإفساد الاعتكاف الواجب بالجماع إجماعاً ، وكذا بالإِنزال بالمباشرة وشبهها عند علمائنا وأكثر العامّة
.
وهل تجب بالأكل
والشرب ؟ خلاف عند علمائنا ، المشهور : أنّها تجب .
وقال بعض علمائنا :
لا تجب ؛ للأصل ، والنصّ إنّما ورد في الجماع ، ولا يجب سوى القضاء إن كان الصوم واجباً أو كان في ثالث
__________________
المندوب
، وإلّا لم يجب القضاء أيضاً .
قال المفيد رحمه الله
، والسيد المرتضى رضي الله عنه : تجب الكفّارة بكلّ مُفطرٍ في شهر رمضان .
وقال بعض
علمائنا : إن كان الاعتكاف في نهار شهر رمضان ، وجبت الكفّارة بكلّ مفطر ، وكذا إن كان منذوراً معيّناً ؛ لأنّه بحكم رمضان ، ولو كان الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير معيّن بزمان ، لم تجب الكفّارة إلّا بالجماع خاصة .
مسألة ٢٤١ :
لو مات المعتكف قبل انقضاء مدّة اعتكافه ، قال الشيخ رحمه الله : في أصحابنا مَنْ قال : يقضي عنه وليّه أو يخرج من ماله مَنْ ينوب عنه ؛ لعموم ما روي أنّ مَنْ مات وعليه صوم واجب وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة .
والأقرب أن يقال : إن
كان واجباً فكذلك على إشكال ، وإن كان ندباً فلا .
قال الشيخ رحمه الله
: قضاء الاعتكاف الفائت ينبغي أن يكون على الفور .
فإن قصد الوجوب فهو
ممنوع ؛ لأصالة البراءة ، وإن أراد الاستحباب فهو جيّد ؛ لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة وإخلاء الذمّة عن الواجب .
ثم قال رحمه الله :
إذا اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، لم يلزمه
__________________
قضاؤه
؛ لأنّه لا دليل عليه .
والوجه : الوجوب إن
كان واجباً غير معيّن ، وإن كان معيّناً واُغمي عليه في تلك الأيام ، فالأولى السقوط ؛ لأصالة البراءة .
ثم قال رحمه الله : متى
كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر ، كان دخوله في قضائه قبل الفجر ، ويصوم يومه ، ولا يعيد الاعتكاف ليله ، وإن كان خروجه ليلاً ، كان قضاؤه من مثل ذلك الوقت إلى آخر مدّة الاعتكاف المضروبة ، فإن كان خرج وقته من مدّة الاعتكاف بما فسخه به ثم عاد إليه وقد بقيت مدّة من التي عقدها ، تمّم باقي المدّة وزاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت .
مسألة ٢٤٢ :
قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب ، ولا يجب بالدخول فيه ، ولا بمضيّ يومين على أقوى القولين ، فينوي الندب إن لم ينذره .
وعند الشيخ ـ رحمه الله
ـ ينوي الندب في اليومين الأوّلين ، وفي الثالث ينوي الوجوب .
وعلى قوله الآخر من
أنّه يجب بالدخول فيه ينوي الوجوب في اليوم الثاني والثالث .
وإذا وجب عليه قضاء
يوم من اعتكاف ، اعتكف ثلاثة ليصحّ ذلك اليوم ، وينوي الوجوب في الجميع ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب .
وكذا لو نذر أن يعتكف
أول الشهر ، أو قال : قدوم زيد ؛ وجب أن يضمّ إليه آخَرَيْن ، وينوي الوجوب في الجميع .
__________________
ولو نذر أن يعتكف
يوماً لا أزيد ، أو نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد ، لم ينعقد نذره .
ولو نذر أن يعتكف
ثلاثة أيام دون لياليها ، قيل : يصحّ .
وقيل : لا ؛ لأنّه
بخروجه عن الاعتكاف يبطل اعتكافه . وهو المعتمد .
وإذا اعتكف العبد
بإذن مولاه ندباً ، لم يجب بالدخول فيه ، فإذا اُعتق ، لم يصر واجباً ولا اليوم الثالث على الأقوى .
ويجيء على قول الشيخ
: الوجوب وإن لم يعتق .
ولو نذر اعتكاف شهر
بعينه ولم يعلم به حتى خرج ، كالمحبوس والناسي ، قضاه .
وإذا اعتكف ثلاثة
متفرّقة ، قيل : يصح ؛ لأنّ التتابع لا يجب إلّا بالاشتراط .
وقيل : لا يصحّ ؛
لأنّ شرط الاعتكاف التتابع . وهو الحقّ .
تمّ الجزء الرابع
من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله ومنّه ، في رابع عشر المحرّم سنة ست عشرة وسبعمائة . فرغت من تصنيفه وتصفيفه في هذا التاريخ ، ويتلوه في الجزء الخامس كتاب الحج .
وكتب حسن بن يوسف بن
علي بن المطهّر الحلّي مصنّف الكتاب بالحلّة ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على سيّد المرسلين محمّد النبي وآله الطيّبين الطاهرين .
__________________

فهرس الموضوعات
كتاب
الصوم
تعريف الصوم لغةً
وشرعاً ٥
تقسيمات
الصوم ٧
النيّة
اشتراط
النية في صحة الصوم ٧
هل
تشترط نية التعيين في صوم رمضان ؟ ٧
هل
تشترط نية التعيين في الصوم المعيّن الواجب بالنذر وشبهه ؟ ٨
اشتراط
نية التعيين في قضاء رمضان وصوم الكفّارات وصوم النافلة والنذور المطلقة ٩
فروع ٩
وقت
النية في الصوم المعيّن ١٠
فروع ١١
وقت
النية في الصوم الواجب غير المعين ١٣
وقت
النية لصوم النافلة ١٤
هل
يجوز تقديم نية صوم رمضان بيوم أو أيام ؟ ١٦
هل
تكفي نية واحدة لصوم رمضان في أوّله ؟ ١٦
استحباب
صوم يوم الشك ١٧
فروع ١٨
ما يمسك عنه الصائم ٢١
١ ـ
الإِمساك عن الأكل والشرب ٢١
هل
يفسد الصوم بأكل غير المعتاد ؟ ٢١
فروع ٢٢
٢ ـ
الجماع ٢٣
هل
يفسد الصوم بالوطء في الدبر بغير إنزال ؟ ٢٣
٣ ـ
إنزال المني نهاراً عمداً ٢٤
هل
يفسد الصوم بالإنزال عقيب النظر الى الأجنبية وغيرها ؟ ٢٤
هل
يفطر بالإِمناء عقيب التفكير ؟ ٢٥
هل
يفطر بالإِمذاء عقيب التقبيل ؟ ٢٥
٤ ـ
إيصال الغبار الغليظ الى الحلق اختياراً ٢٥
٥ ـ
تعمّد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر من غير ضرورة ولا عذر ٢٦
فروع ٢٧
٦ ـ
نوم الجنب غير ناوٍ للغسل حتى يصبح ٢٧
وجوب
قضاء الصوم على من أجنب ثم نام ناوياً للغسل ثم استيقظ ثم نام حتى طلع الفجر ٢٨
٧ ـ
تعمّد القيء ٢٨
هل
يفسد الصوم بالقيء ؟ ٢٨
٨ ـ
الاحتقان بالمائعات ٢٩
الاحتقان
بالمائعات هل هو مفسد للصوم أم لا ؟ ٢٩
فروع ٣٠
٩ ـ
الكذب على الله وعلى رسوله والأئمة عليهم السلام ٣١
هل
الكذب على الله وعلى رسوله والأئمة
عليهم السلام مفسد للصوم ؟ ٣١
١٠
ـ الارتماس في الماء ٣٢
هل
الارتماس مفسد للصوم ؟ ٣٢
١١
ـ السعوط ٣٤
هل
يفسد الصوم بالسعوط الذي يصل الى الدماغ من الأنف ؟ ٣٤
كراهة
مضغ العِلْك للصائم ٣٤
عدم
البأس بما يُدخله الصائم في فمه إذا لم يتعدّ الحلق ٣٥
حكم
السواك للصائم ٣٦
عدم
بطلان الصوم بالمفطرات لو وقعت نسياناً أو عن غير قصد ٣٦
حكم
صوم المفطر عن إكراه ٣٦
حكم
صوم من فَعَل المفطر جاهلاً بالتحريم ٣٧
حكم
صوم من أكل ناسياً فظن إفساد صومه فتعمّد الأكل ٣٧
هل
يجب قضاء الصوم على من نوى الإِفطار ثم عاد الى نية الصوم ؟ ٣٨
فروع حول نية الإِفطار
٣٨
ما يوجب القضاء
والكفّارة أو القضاء خاصة
وجوب
القضاء والكفّارة بالجماع عمداً في فرج المرأة ٣٩
فساد
صوم المرأة ووجوب الكّفارة عليها بالجماع مع المطاوعة ٤٠
فروع ٤١
وجوب
القضاء والكفّارة بالوطء في دبر المرأة وإن لم يكن إنزال ٤٢
فروع ٤٣
وجوب
القضاء والكفّارة على من أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ٤٤
فروع ٤٥
وجوب
القضاء والكفّارة بالأكل والشرب عامداً مختاراً ٤٦
هل
يجب القضاء والكفّارة بأكل غير المعتاد ؟ ٤٧
وجوب
القضاء والكفّارة بإيصال الغبار الغليظ والرقيق الى الحلق عمداً ٤٨
حكم
من أجنب ليلاً وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ٤٨
فيما
لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ٤٩
فيما
لو نام على عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال واستمر النوم الثالث الى الصبح ٤٩
هل
يوجب الارتماس القضاء والكفّارة ؟ ٤٩
الكذب
على الله تعالى أو على رسوله أو على الأئمة عليهم السلام هل يوجب القضاء والكفّارة ؟ ٥٠
القضاء
الواجب هل يكون اكثر من يوم مكان يوم ؟ ٥١
كفّارة
الإِفطار ٥٢
الكفّارة
هل تكون مخيّرةً أو مرتّبةً ؟ ٥٢
تتابع
صوم الشهرين ٥٣
مقدار
الواجب في الإِطعام ٥٤
فيما
لو كانت الكفّارة مرتّبةً وفقدت الرقبة فصام ثم وجدها في أثنائه ٥٥
فيما
لو عجز عن الأصناف الثلاثة في الكفّارة ٥٦
فروع ٥٧
هل
تجب الكفّارة في إفطار صوم معيّن غير رمضان ؟ ٥٨
هل
تجب الكفّارة على من أفطر في قضاء رمضان بعد الزوال ؟ ٥٩
عدم
وجوب الكفّارة على من أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ٦٠
كفّارة
إفطار قضاء رمضان ٦٠
كفّارة
إفطار صوم النذر المعيّن ٦١
حكم
من صام يوم الشك بنية قضاء رمضان ثم أفطر بعد الزوال ثم ظهر أنّه من رمضان ٦١
ما
يشترط في إفساد الصوم بالإِفطار ٦١
عدم
إفساد الصوم بما وصل الى جوف الصائم من غير قصد ٦٢
ابتلاع
الريق ليس بمفطر ٦٣
بيان
ما ذكره الشافعية من الشروط لعدم مفطرية الريق ٦٤
فروع ٦٥
عدم
بطلان الصوم بالمضمضة والاستنشاق مع التحفّظ ٦٧
فيما
لو تمضمض للصلاة فسبق الماء الى جوفه أو استنشق فسبق الى دماغه من غير قصد ٦٧
عدم
الفرق في بطلان الصوم بالأكل والشرب بين القليل والكثير ٦٨
فيما
إذا أجنب الصائم ليلاً في رمضان أو المعيّن ثم نام ٦٩
فيما
لو فَعَل المفطر ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار ٦٩
فيما
لو أخبر غيره بعدم طلوع الفجر ففعل المفطر وكان الفجر طالعاً ٧١
فيما
لو أفطر لظلمة توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار ٧٢
وجوب
القضاء بالقيء عامداً ٧٥
وجوب
القضاء والكفّارة فيما إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع ٧٦
فيما
اذا طلع الفجر وهو مجامع فنزع في الحال ٧٦
فيما
إذا تمضمض أو استنشق للتبرّد أو البعث فسبق الماء الى جوفه أو الى دماغه من غير قصد ٧٩
بطلان
الصوم بالارتداد عن الإِسلام في أثناء الصوم ٨١
فيما
لو نوى الإِفطار بعد عقد نية الصوم وقد مضى جزء من النهار ٨١
فيما
لو نوى أنّه سيفطر ساعة اُخرى ٨٢
فيما
لو تردّد في الفطر ٨٣
فيما
لو نوى إذا وجد الطعام أفطر وإن لم يجد أتمم الصوم ٨٣
فيما
لو فَعَل المفطر في اول النهار بعد عقد صومه ثم تجدّد عذر مسقط للصوم ٨٣
فيما
لو أفطر ثم سافر سفراً ضرورياً أو اختياراً ٨٤
هل
تجب كفّارة الجمع بالإِفطار بالمحرَّم ؟ ٨٤
فيما
لو كرّر السبب الموجب للكفّارة في رمضانين ٨٤
فيما
لو كرّر السبب الموجب للكفّارة في يومين من رمضان واحد ٨٥
فيما
لو كرّر السبب الموجب للكفّارة في يوم واحد ٨٦
فيما
لو اختلف السبب الموجب للكفّارة في يوم واحد ٨٧
فيما
لو أفطر من وجب عليه الصوم في نهار رمضان مستحلاً ٨٧
فيما لو أكره الصائم
زوجته الصائمة على الجماع أو طاوَعَتْه ٨٨
فروع ٨٨
ما يستحب للصائم
اجتنابه
حکم
مباشرة النساء للصائم تقبيلاً ولمساً وملاعبة ٩١
حكم
الاكتحال بما فيه مسك أو صَبِر أو طعم يصل الى الحلق ٩٣
كراهة
إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة ٩٤
كراهة
دخول الحمام لمن يخاف الضعف أو العطش ٩٤
كراهة
شمّ الرياحين ٩٤
كراهة
الحجامة لمن خاف الضعف ٩٥
هل
يفطر الصائم بالحجامة ؟ ٩٥
حكم
الاحتقان بالجامد أو المائع ٩٦
كراهة
بلّ الثوب على الجسد ٩٧
عدم
البأس باستنقاع الرجل في الماء ٩٧
كراهة
جلوس المرأة في الماء ٩٧
هل
يبطل صوم المرأة بجلوسها في الماء ؟ ٩٧
من يصحّ منه الصوم
اشتراط
العقل في صحة الصوم ٩٩
صحة
صوم من كان يفيق في وقت يصح صومه ٩٩
حکم
صوم من جُنّ في أثناء النهار ولو لحظةً ٩٩
حكم
صوم النائم جميع النهار ١٠٠
اشتراط
البلوغ في وجوب الصوم ١٠٠
استحباب
تمرين الصبي بالصوم ١٠١
صوم
الصبي صحيح شرعي ١٠١
اشتراط
الإِسلام في صحة الصوم ١٠٢
اشتراط
الطهارة من الحيض والنفاس في صحة صوم المرأة ١٠٢
حكم
صوم المغمى عليه ١٠٢
صحة
صوم المستحاضة إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ١٠٤
اشتراط
الحضر وما بحكمه في صحة الصوم الواجب ١٠٥
حكم
الصوم المندوب في السفر ١٠٥
المواضع
التي يصح الصوم الواجب في السفر ١٠٦
استحباب
صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة المنوّرة ١٠٧
عدم
جواز الصوم للمريض الذي يضرّه الصوم ١٠٧
بيان
أقوال الشافعية حول صوم المغمى عليه ١٠٧
الزمان الذي يصح صومه
١١١
محل
الصوم النهار دون الليل ١١١
حرمة
صوم يومي العيدين فرضاً أو نفلاً ١١١
عدم
انعقاد نذر صوم يومي العيدين ١١٢
حرمة
صوم أيام التشريق لمن كان بمنى فرضاً ونفلاً ١١٣
فروع ١١٤
أقسام الصوم ١١٧
علامة شهر رمضان
١ ـ رؤية الهلال ١١٧
رؤية
الهلال للزائد عن الواحد سبب لوجوب الصوم ١١٧
وجوب
صوم رمضان على من رأى الهلال وإن كان واحداً ١١٨
وجوب
الكفّارة على المنفرد برؤية الهلال إذا أفطر ١١٩
استحباب
الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان ١٢٠
استحباب
الدعاء لرائي الهلال ١٢٠
فيما
إذا رأى الهلال أهلُ بلد ولم يره أهل بلد آخر ١٢٢
فروع ١٢٤
فيما
إذا رؤي الهلال في النهار فهل هو للّيلة المستقبلة أم للماضية ؟ ١٢٦
٢ ـ الإِخبار ١٢٨
اعتبار
الهلال بالشهادة ١٢٨
هل
يقبل في رؤية هلال رمضان شهادة رجلين عدلين أم يكفي شهادة العدل الواحد ؟ ١٢٨
عدم
قبول شهادة النساء برؤية الهلال ١٣٢
هل
تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به ؟ ١٣٢
عدم
قبول شهادة عدل واحد برؤية هلال شوّال ١٣٣
فروع ١٣٣
٣ ـ الحساب ١٣٦
إكمال
عدّة شعبان ثلاثين يوماً إذا لم يُر الهلال ١٣٦
عدم
جواز التعويل على الجدول ولا على كلام المنجمين ١٣٧
عدم
الاعتبار بالعدد لأيام الشهور ١٣٨
عدم
الاعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق ١٤٠
عدم
جواز التعويل على تطوّق الهلال ١٤٠
عدم
الاعتبار بعدّ خمسة أيّام من السنة الماضية ١٤١
فيما
إذا غُمّت أهلّة رجب وشعبان ورمضان هل الاعتبار برواية الخمسة أم بعدّ الشهور ثلاثين ثلاثين ؟ ١٤١
حكم
الأسير أو المحبوس الذي لا يعلم الأهلّة او اشتبهت عليه الشهور ١٤٢
فيما
إذا لم يغلب ظنّ الأسير شهر رمضان ١٤٣
وقت
وجوب الإِمساك طلوع الفجر الثاني ١٤٥
شرائط وجوب الصوم
اشتراط
البلوغ وكمال العقل في وجوب الصوم ١٤٦
وجوب
الصوم على الصبي إذا بلغ قبل الفجر ١٤٧
هل
يجب القضاء على الصبي إذا بلغ بعد الفجر ؟ ١٤٧
فيما
إذا بلغ الصبي وهو مفطر فهل يلزمه إمساك ذلك اليوم ؟ ١٤٨
فيما
إذا أفاق المجنون أثناء الشهر فهل يجب عليه قضاء ما فاته حال جنونه ؟ ١٤٨
اشتراط
الإِسلام في صحة الصوم لا في وجوبه ١٤٩
فيما
إذا أسلم في أثناء الشهر فهل يجب عليه قضاء الماضي من الشهر ؟ ١٤٩
في
صيام اليوم الذي يسلم فيه ١٤٩
بطلان
الصوم بطروّ الكفر آخر النهار ١٥٠
اشتراط
السلامة من المرض في صحة الصوم ١٥٠
حدّ
المرض الذي يجب معه الإِفطار ١٥٠
تساوي
الأمراض في إباحة الفطر إن حصل الضرر بالصوم ١٥٠
عدم
جواز الإِفطار للصحيح الذي يخشي المرض بالصوم ١٥١
عدم
جواز الإِفطار لمن كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف انشقاق انثييه ١٥١
جواز
الإِفطار للمستحاضة إذا خافت من الصوم التضرر ١٥١
اشتراط
الإِقامة أو ما بحكمها في الصوم الواجب ١٥١
عدم
صحة صوم المسافر سفراً مبيحاً للقصر ١٥٢
الاختلاف
في الأفضل من الصوم أو الفطر في السفر عند بعض العامة ١٥٣
وجوب
قضاء الصوم على من صام في السفر مع العلم بوجوب القصر ١٥٤
صحة
صوم المسافر إن كان جاهلاً بالتحريم ١٥٤
عدم
جواز الإِفطار لمن كان سفره سفر معصية أو لصيد لهو وبطر ١٥٥
جواز
التقصير في مسافة القصر وقصدها ١٥٥
وجوب
الصيام على المسافر إذا نوى الإِقامة في بلدة عشرة أيام ١٥٦
عدم
جواز الإِفطار لمن كان سفره أكثر من حضره ١٥٦
وجوب
التقصير على كثير السفر بعد خروجه من بلده إذا أقام به عشرة أيام ١٥٦
وجوب
التقصير الى شهر على من تردّد في السفر ولم ينو المقام عشرة أيام ١٥٦
شرائط
قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم ١٥٦
هل
يشترط تبييت نية السفر من الليل ؟ ١٥٧
أقسام
المسافر عند العامة ١٥٩
عدم
جواز الإِفطار إلّا بعد تواري جدران البلد وخفاء أذانه ١٦٠
فيما
إذا نوى المسافر الصوم في سفره ١٦٠
ليس
للمسافر الصوم في رمضان للنذر أو القضاء ١٦٢
فيما
إذا قدم المسافر أو برئ المريض وكانا قد أفطرا ١٦٢
فيما
إذا قدم المسافر أو برئ المريض قبل الزوال أو بعده ولم يكونا قد أفطرا ١٦٣
جواز
الإِفطار للمسافر فيما إذا علم وصوله الى بلده أو موضع إقامته قبل الزوال ١٦٤
اشتراط
الخلوّ من الحيض والنفاس في صحة الصوم ١٦٤
شرائط وجوب القضاء
الفوات
حالة البلوغ شرط في وجوب القضاء ١٦٥
عدم
وجوب قضاء اليوم الذي بلغ فيه الصبي ١٦٦
كمال
العقل شرط في القضاء ١٦٦
عدم
وجوب قضاء اليوم الذي أفاق فيه المجنون ١٦٧
حكم
المغمى عليه في القضاء ١٦٧
اشتراط
الإِسلام في وجوب القضاء ١٦٩
عدم
وجوب القضاء لما فات على من أسلم في أثناء شهر رمضان ١٦٩
حكم
اليوم الذي أسلم فيه ١٦٩
وجوب
قضاء ما فات المرتدّ زمان ردّته ١٧٠
فيما
لو ارتدّ بعد عقد الصوم صحيحاً ثم عاد ١٧٠
حكم
المغلوب على عقله بشيء من قِبَله أو من قِبَل الله تعالى ١٧٠
فيما
لو طرح في حلق المغمى عليه أو من زال عقله دواء ١٧١
أحكام القضاء ١٧١
عدم
جواز تأخير القضاء الى دخول الرمضان الثاني ١٧١
فيما
لو أخّر القضاء على وجه التواني فهل تجب عليه الكفّارة ؟ ١٧١
فيما
لو ترك القضاء بعد البُرء من المرض وأخّره من غير تهاون ١٧٢
فيما
لو استمر به المرض من الرمضان الأول الى الثاني ١٧٢
فيما
لو استمرّ به المرض الى أن مات ١٧٣
فيما
لو برأ من مرضه زمانا يتمكّن فيه من القضاء ولم يقض حتى مات ١٧٤
القاضي
عن الميت هو أكبر أولاده الذكور ١٧٥
فيما
إذا لم يكن للميت ولد ذكر وكان له إناث ١٧٦
فروع ١٧٧
حكم
المرأة حكم الرجل في وجوب قضاء الصوم عنها ١٧٨
فيما
إذا مات المسافر في سفره ولم يتمكن من القضاء ١٧٩
جواز
الإِفطار في قضاء رمضان قبل الزوال لا بعده ١٧٩
فيما
إذا أفطر في قضاء رمضان بعد الزوال لعذر أو لغير عذر ١٨٠
فيما
إذا أجنب في شهر رمضان وترك الاغتسال ساهياً من أول الشهر الى آخره ١٨١
حكم
التتابع في قضاء شهر رمضان ١٨١
عدم
جواز التطوّع بالصوم لمن عليه صيام من شهر رمضان أو غيره من الواجبات ١٨٣
جواز
قضاء الصوم في جميع أيام السنة ما عدا العيدين ١٨٤
حكم
قضاء الصوم في أيام التشريق ١٨٤
حكم
القضاء في عشر ذي الحجة ١٨٥
فيما
لو أصبح جنباً في يوم يقضيه من شهر رمضان ١٨٥
فيما
لو أكل أو شرب ناسياً في قضاء رمضان ١٨٦
باقي أقسام الصوم
الواجب
وجوب
صوم كفّارة قتل الخطأ ١٨٦
وجوب
صوم كفّارة الظهار ١٨٦
كفّارة
قتل العمد هي كفّارة الجمع ١٨٧
وجوب
صوم بدل الهدي للمتمتّع ١٨٧
وجوب
صوم كفّارة اليمين والنذر والعهد وكفّارات الإِحرام ١٨٧
وجوب
صوم الاعتكاف الواجب ١٨٧
وجوب
صوم كفّارة من أفاض من عرفات عمداً قبل مغيب الشمس ١٨٨
وجوب
صوم اليمين والنذر والعهد ١٨٨
الصوم المندوب
عدم
اختصاص الصوم المندوب بوقت خاص ١٨٨
استحباب
صيام ثلاثة أيام من كل شهر ١٨٩
جواز
تأخير صيام الثلاثة أيام من الصيف الى الشتاء ١٨٩
استحباب
التصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام فيما لو عجز عن صيام الثلاثة أيام ١٨٩
استحباب
صوم أيام البيض ١٩٠
استحباب
صوم أربعة أيام في السنة ١٩٠
استحباب
صوم يوم عرفة ١٩٢
حكم
صوم يوم عرفة للحاج ١٩٢
استحباب
صوم يوم عاشوراء حُزناً لا تبرّكاً ١٩٢
استحباب
صوم يوم المباهلة ١٩٤
استحباب
صوم أول يوم من ذي الحجّة ١٩٤
استحباب
صوم عشر ذي الحجّة ما عدا العيد ١٩٤
استحباب
صوم يوم الخامس والعشرين من ذي الحجّة ١٩٥
استحباب
صوم شهر رجب بأسره ١٩٥
استحباب
صوم أول رجب وثانيه وثالثه مؤكّداً ١٩٦
استحباب
صوم شهر شعبان بأسره ١٩٦
استحباب
صوم أول يوم من شعبان مؤكّداً ١٩٧
استحباب
صوم التاسع والعشرين من ذي القعدة ١٩٧
استحباب
صوم النصف من جُمادي الاُولى ١٩٨
استحباب
صوم ستة أيام من شوّال بعد يوم الفطر ١٩٨
استحباب
صوم كلّ خميس وكلّ اثنين ١٩٩
استحباب
صوم كل جمعة ٢٠٠
صوم الإِذن والتأديب
عدم
انعقاد صوم العبد تطوّعاً بدون إذن المولى ٢٠١
ليس
للعبد نذر الصوم بدون إذن مولاه ٢٠١
ليس
للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذن الزوج ٢٠٢
الضيف
لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مضيفه ٢٠٢
لا
ينبغي للمضيف أن يصوم إلّا بإذن الضيف ٢٠٢
لا
ينبغي للولد التطوّع بالصوم إلّا بإذن والده ٢٠٣
بيان
صوم التأديب ٢٠٣
استحباب
الإِمساك للحائض والنفساء إذا طهرتا بعد الفجر ٢٠٥
استحباب
الإِمساك للطاهر إذا تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار ٢٠٥
إمساك
المريض المريض المفطر إذا برئ تأديباً ٢٠٦
استحباب
الإِمساك للكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ في أثناء النهار ٢٠٦
الصوم المحظور
حرمة
صوم العيدين ٢٠٧
عدم
انعقاد نذر صوم العيدين ٢٠٨
حرمة
صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ٢٠٩
حرمة
صوم يوم الشك على أنه من رمضان ٢١٠
حرمة
صوم الصمت ٢١٠
حرمة
صوم الوصال ٢١٠
بيان
حقيقة الوصال ٢١١
حرمة
صوم الدهر ٢١١
حرمة
صوم الواجب في السفر ٢١٢
اللواحق ٢١٣
جواز
الإِفطار للشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام ٢١٣
هل
تجب الكفّارة على الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام ؟ ٢١٣
ذو
العطاش الذي لا يرجى برؤه يفطر ويتصدّق ٢١٥
ذو
العطاش الذي يرجى برؤه يفطر وهل تجب عليه الكفّارة ؟ ٢١٦
الحامل
المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما تفطران وعليهما القضاء ولا كفّارة ٢١٦
عدم
جواز صوم التطوّع لمن عليه صوم واجب ٢١٩
عدم
وجوب صوم النافلة بالشروع فيه ٢٢٠
لزوم
التتابع في كلّ صوم ما عدا أربعة ٢٢٢
فيمن
وجب عليه صوم شهرين متتابعين وأفطر في الشهر الأول ٢٢٢
فروع ٢٢٤
لزوم
التتابع خمسة عشر يوماً فيما إذا وجب صوم شهر متتابع ٢٢٤
صوم
ثلاثة أيام بدل الهدي في الحج متتابعة ٢٢٥
كراهة
النكاح للمسافر في نهار رمضان ٢٢٥
فروع
حول نكاح المسافر فيما إذا قدم الى بلده ٢٢٥
كراهة
السفر في رمضان ٢٢٦
فيما
إذا وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن ذلك ٢٢٧
فيما
لو نذر صوم يوم بعينه فوافق ذلك أن يكون مسافراً ٢٢٧
هل
يصح نذر صوم يوم من رمضان ؟ ٢٢٧
فروع
حول نذر الصوم ٢٢٨
فيما
لو نذر صوم يوم بعينه دائماً فوجب عليه صوم شهرين متتابعين ٢٢٩
فيما
إذا نذر الصوم في بلد معيّن ٢٢٩
فيما
إذا نذر صيام سنة معيّنة ٢٣٠
فيما
إذا نذر صيام سنة غير معيّنة ٢٣٠
فيما
إذا نذر صوم شهر ٢٣٠
فيما
إذا نذر أن يصوم يوماً ويُفطر يوماً فوالى الصوم ٢٣٠
اشتراط
التقرّب في نذر الصوم ٢٣٠
فيما
لو نذر صوماً ولم يعيّن ٢٣١
فيما
لو نذر أن يصوم زماناً ٢٣١
فيما
لو نذر أن يصوم حيناً ٢٣١
استحباب
السحور ٢٣١
استحباب
تأخير السحور ٢٣١
استحباب
تعجيل الإِفطار بعد الصلاة ٢٣٢
استحباب
تعجيل الإِفطار قبل الصلاة إذا كان هناك من ينتظره ٢٣٢
استحباب
الإِفطار على التمر أو الزبيب أو الماء أو اللبن ٢٣٢
استحباب
الدعاء عند الإِفطار ٢٣٣
استحباب
تفطير الصائم ٢٣٣
فضل
ليلة القدر ٢٣٤
ليلة
القدر في شهر رمضان ٢٣٦
استحباب
طلب ليلة القدر في جميع ليالي رمضان ٢٣٦
اختلاف
العلماء في تعيين ليلة القدر ٢٣٦
فضل
شهر رمضان ٢٣٧
ما
ينبغي تركه للصائم في شهر رمضان ٢٣٨
الاعتكاف ٢٣٩
تعريف
الاعتكاف لغةً وشرعاً ٢٣٩
شرعية
الاعتكاف واستحبابه ٢٣٩
عدم
وجوب الاعتكاف ٢٤٠
أفضل
أوقات الاعتكاف ٢٤٠
شرائط الاعتکاف ٢٤١
البلوغ
والإِسلام والصوم شرط في صحة الاعتكاف ٢٤١
صحة
اعتكاف الصبي ٢٤١
هل
اعتكاف الصبي مشروع أو تأديب ؟ ٢٤١
اشتراط
النية في الاعتكاف ٢٤١
اشتراط
نية الفعل والوجه والتقرّب الى الله تعالى ٢٤١
عدم
وجوب الاعتكاف فيما اذا نواه مدّةً ٢٤٢
اشتراط
استمرار النية حكماً ٢٤٢
اشتراط
اللبث في الاعتكاف ٢٤٢
أقلّ
زمان يصح اعتكافه ٢٤٢
اشتراط
المسجدية في مكان الاعتكاف ٢٤٤
هل
يشترط مسجد معيّن ؟ ٢٤٤
هل
يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها ؟ ٢٤٧
هل
يشترط الصوم في الاعتكاف ؟ ٢٤٨
عدم
اشتراط صوم معيّن في الاعتكاف ٢٤٩
صحة
الاعتكاف في شهر رمضان ٢٤٩
جواز
الإِتيان بالاعتكاف المنذور شهراً في شهر نذر صومه ٢٤٩
جواز
الإِتيان بالاعتكاف المنذور في أيام أراد صومها مستحبّاً ٢٤٩
اشتراط
إذن الزوج في صحة اعتكاف الزوجة المندوب ٢٥٠
اشتراط
إذن السيد في صحة اعتكاف العبد ٢٥٠
جواز
الرجوع للسيد والزوج في إذنهما للاعتكاف ما لم يجب ٢٥١
عدم
انعقاد نذر المرأة والعبد للاعتكاف إلّا باذن الزوج والسيد ٢٥٢
عدم
جواز رجوع الزوج والسيد في إذنهما للاعتكاف إذا كان النذر لأيام غير معينة ٢٥٢
عدم
جواز اعتكاف المرأة والعبد فيما إذا نذرا نذراً غير معيّن ٢٥٢
فيما
إذا أذن لعبده في الاعتكاف فاعتكف ثم اُعتق ٢٥٢
فيما
لو دخل العبد في الاعتكاف فاُعتق في الحال ٢٥٢
عدم
جواز الاعتكاف للأجير في زمان إجارته ٢٥٣
تروك الاعتكاف ٢٥٣
حرمة
الجماع على المعتكف ٢٥٣
فساد
الاعتكاف بالجماع متعمّداً ٢٥٣
حكم
الاعتكاف مع الجماع ناسياً ٢٥٣
عدم
الفرق في تحريم الجماع بين الوطء في القُبُل والدُّبُر ولا بين الإِنزال وعدمه ٢٥٤
جواز
الملامسة بغير شهوة ٢٥٤
حُرمة
القُبْلة وبطلان الاعتكاف بها ٢٥٤
حرمة
اللمس بشهوة والجماع في غير الفرجين وبطلان الاعتكاف بهما ٢٥٤
فروع ٢٥٥
حرمة
البيع والشراء على المعتكف ٢٥٧
هل
يبطل البيع فيما لو فعله المعتكف ؟ ٢٥٨
عدم
البأس بشراء ما يحتاج اليه ٢٥٨
حرمة
الصنائع المشغلة عن العبادة ٢٥٨
حرمة
المماراة ٢٥٩
حرمة
الكلام الفحش ٢٥٩
حرمة
الصمت ٢٥٩
عدم
انعقاد نذر الصمت في الاعتكاف ٢٥٩
استحباب
دراسة القرآن والبحث في العلم . . . حال الاعتكاف ٢٦٠
حكم
شمّ الطيب حال الاعتكاف ٢٦٠
بطلان
الاعتكاف بكلّ ما يبطل الصوم ٢٦١
هل
الارتداد يفسد الاعتكاف ؟ ٢٦١
عدم
بطلان الاعتكاف بالسباب والجدال والخصومة ٢٦١
هل
يبطل الاعتكاف بالبيع والشراء ؟ ٢٦١
هل يحرم
على المعتكف ما يحرم على المحرم ؟ ٢٦٢
جواز
التزيّن برفيع الثياب ٢٦٢
جواز
الأكل في المسجد ٢٦٣
جواز
غسل اليد في المسجد ٢٦٣
جواز
رشّ المسجد بالماء المطلق ٢٦٣
جواز
الفصد والحجامة في المسجد إذا لم يتلوّث ٢٦٣
عدم
جواز البول في المسجد في آنية ٢٦٣
السكر
والردّة والإِغماء والجنون إن قارنت ابتداء الاعتكاف منعت صحته ٢٦٤
هل
يبطل الاعتكاف بالارتداد في أثناء الاعتكاف ؟ ٢٦٤
بطلان
الاعتكاف بعروض الجنون أو الإِغماء في أثنائه ٢٦٦
الجنابة
والحيض مانعان من الاعتكاف ابتداءً ٢٦٧
وجوب
خروج المعتكفة من المسجد إذا طرأ الحيض عليها ٢٦٧
وجوب
المبادرة الى الغسل فيما إذا حصلت الجنابة بالاحتلام أو الجماع ناسياً ٢٦٧
احتساب
زمان الجنابة من الاعتكاف إذا بادر الى الاغتسال ٢٦٨
نذر الاعتكاف ٢٦٨
إطلاق
النذر وتعيينه بوصف الفعل أو المكان أو الزمان ٢٦٨
وجوب
صوم الأيام المنذور اعتكافها ٢٦٨
عدم
انعقاد نذر العبد والزوجة للاعتكاف بدون إذن المولى والزوج ٢٧١
هل
يقع الاعتكاف باطلاً أو موقوفاً على الإِذن فيما لو لم يكن النذر عن إذن ؟ ٢٧١
فروع
حول نذر المرأة والعبد مع إذن الزوج والمولى ٢٧١
فيما
لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) أو المسجد الأقصى ٢٧٢
فيما
لو عين مسجداً للاعتكاف غير المساجد الثلاثة ٢٧٣
فيما
لو نذر الاعتكاف في مسجد ، تعيّن وليس له العدول الى مسجد أدون شرفاً ٢٧٤
هل
للمعتكف العدول الى مسجد أشرف ؟ ٢٧٤
أفضلية
المسجد الحرام للاعتكاف ٢٧٤
هل
يجوز نذر الاعتكاف في غير المساجد الأربعة ؟ ٢٧٥
وجوب
الاعتكاف في زمان عُيّن له ٢٧٦
فيما
لو نذر اعتكافاً مطلقاً من غير تعيين زمان ٢٧٦
فيما
لو نذر الاعتكاف مدّةً من الزمان ٢٧٦
جواز
التفريق ثلاثة ثلاثة فيما لو لم يقيّد النذر بالتتابع ٢٧٧
هل
يجوز أن يعتكف يوماً عن نذره ثم يضمّ اليه يومين مندوباً ؟ ٢٧٧
عدم
جواز تفريق الساعات على الأيام فيما لو نذر اعتكاف يوم ٢٧٨
وجوب
الوفاء بما نذره من المدّة المعيّنة للاعتكاف ٢٧٩
لزوم
اعتكاف شهر بالأهلّة أو ثلاثين يوماً فيما لو نذر اعتكاف شهر ٢٨٠
عدم
انعقاد نذر الاعتكاف فيما لو قال : أعتكف ليالي هذا الشهر ٢٨١
وجوب
ضمّ اليوم الثالث فيما لو نذر اعتكاف يومين ٢٨١
الليلة
ليست من اليوم ٢٨٢
فيما
لو نذر اعتكاف العشر الأخير من بعض الشهور يدخل فيه الأيام والليالي ٢٨٢
فيما
لو نذر اعتكاف عشرة أيام من آخر الشهر فنقص ٢٨٣
فيما
لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد ٢٨٣
الرجوع عن الاعتكاف
وأحكام الخروج من المسجد
الاعتكاف
المندوب هل يجب بالشروع فيه ؟ ٢٨٤
عدم
وجوب الاعتكاف بمجرّد النية ٢٨٥
فيما
لو زاد على اعتكافه ثلاثة أيام بيومين ٢٨٦
عدم
جواز الخروج من المسجد حال الاعتكاف ٢٨٦
الممنوع
هو الخروج بجميع البدن ٢٨٧
فيما
لو صعد المعتكف على منارة المسجد ٢٨٧
هل
للمؤذن المعتكف الصعود على المنارة للأذان ؟ ٢٨٧
جواز
الخروج من المسجد لقضاء الحاجة ٢٨٨
جواز
الخروج لشراء المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به ٢٨٩
هل
يجوز الخروج للأكل خارج المسجد ؟ ٢٨٩
جواز
الخروج لكلّ ما لا بدّ منه ولا يمكن فعله في المسجد ٢٩٠
فيما
لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة واُقيمت الجمعة في غيره ٢٩٠
عدم
بطلان الاعتكاف بالخروج لأداء الجمعة ٢٩٠
جواز
الخروج لعيادة المرضى وشهادة الجنائز ٢٩١
فيما
لو تعيّنت عليه صلاة الجنازة وأمكنة فعلها في المسجد أو لم يمكن ٢٩٢
جواز
الخروج لدفن الميت أو تغسيله إن تعيّنا عليه ٢٩٢
جواز
الخروج لإِقامة الشهادة عند الحاكم ٢٩٣
جواز
الخروج في حاجة المؤمنين ٢٩٤
هل
يجوز الخروج للأذان في منارة خارجة عن المسجد ؟ ٢٩٤
جواز
الصعود على سطح المسجد ٢٩٥
هل
يجوز الخروج الى رحبة المسجد الخارجة عنه ؟ ٢٩٥
حرمة
المشي تحت الظلال والوقوف فيه فيما إذا خرج المعتكف لضرورة ٢٩٥
عدم
جواز الصلاة خارج المسجد إلّا بمكة ٢٩٦
جواز
الصلاة خارج المسجد لضيق وقتها ٢٩٧
عدم
وجوب تدارك أوقات الخروج ٢٩٧
فيما
إذا طال زمان الخروج فهل يبطل الاعتكاف ؟ ٢٩٧
عدم
وجوب الإِسراع فيما إذا خرج لقضاء الحاجة ٢٩٧
بطلان
الاعتكاف بالجماع حال مروره خارج المسجد ٢٩٧
أحكام
المعتكفة التي حاضت أو نفست ٢٩٨
لزوم
خروج المعتكفة المطلّقة رجعيّاً من الاعتكاف الى منزلها ٣٠٠
فيما
إذا مرض المعتكف مرضاً يخاف منه تلويث المسجد ٣٠١
فيما
إذا اعتكف في المسجد الحرام فأحرم بحج أو عمرة حال اعتكافه ٣٠٢
عدم
بطلان الاعتكاف بالخروج عن المسجد سهواً ٣٠٣
فيما
لو اُكره على الخروج من المسجد ٣٠٤
الأعذار
المبيحة للخروج إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف لا يجب قضاء أوقاتها ٣٠٥
فيما
إذا اشترط المعتكف على ربّه أنه إن عرض عارض رجع فيه ٣٠٦
صحة
الاشتراط في عقد النذر لا فيما إذا أطلقه من الاشتراط ٣٠٨
منع
العامة من خروج المعتكف إلّا لقضاء الحاجة ولما لا بُدّ منه ٣٠٨
منع
العامة من الخروج لعيادة المريض وشهادة الجنازة إلّا في صورة الاشتراط ٣٠٩
فيما
إذا نذر الاعتكاف بصفة التتابع وشرط الخروج منه إن عرض عارض ٣٠٩
لزوم
دخول المسجد قبل الغروب والخروج منه يوم الثلاثين بعد الغروب فيما إذا نذر اعتكاف شهر بعينه ٣١٢
استحباب
الاستتار بشيء للمرأة حال الاعتكاف ٣١٣
الكفّارة ٣١٤
وجوب
الكفّارة على من اعتكف وجامع حال اعتكافه ٣١٤
كفّارة
الاعتكاف هي كفّارة رمضان ٣١٥
كفّارة
الاعتكاف مخيّرة ٣١٦
وجوب
كفّارتين فيما إذا وقع الجماع في نهار رمضان ٣١٦
فيما
إذا كانت معتكفةً ووطأها مختارة ، أو أكرهها ٣١٧
حكم
المباشرة دون الفرج بغير شهوة أو معها ٣١٧
هل
تجب الكفّارة بالأكل والشرب في الاعتكاف الواجب ؟ ٣١٨
فيما
لو مات المعتكف قبل انقضاء مدّة اعتكافه فهل يقضى عنه ؟ ٣١٩
قضاء
الاعتكاف الفائت هل يكون على الفور ؟ ٣١٩
فيما
إذا اُغمي على المعتكف أياماً ثم أفاق فهل يلزمه قضاؤه ؟ ٣١٩
هل
يجب في الاعتكاف المستحب نية الوجوب في اليوم الثاني والثالث ؟ ٣٢٠
هل
يصح نذر اعتكاف ثلاثة أيام دون لياليها ؟ ٣٢١
فيما
لو نذر اعتكاف شهر بعينه ولم يعلم به حتى خرج ٣٢١
فهرس
الموضوعات ٣٢٣
* * *