( النظر الثاني )

( في المهور )

( وفيه أطراف ) :

( الأول ) : فيما يصحّ الإمهار به.

فنقول : ( كلّ ما ) صحّ أن ( يملكه المسلم ) وإن قلّ بعد أن يكون متموّلاً جاز أن ( يكون مهراً ، عيناً ) مشخّصاً ( كان ، أو ديناً ) في الذمّة ( أو منفعة ) منفعة العقار ، أو الحيوان ، أو العبيد ، أو الأجير ، أجنبيّا كان أو زوجاً ، بلا خلاف ، إلاّ فيما يأتي ( كتعليم الصنعة والسورة ) أو علم غير واجب ، أو شي‌ء من الحكم والآداب ، أو شعر ، أو غيرها من الأعمال المحلّلة المقصودة.

( ويستوي فيه ) أي التعليم ( الزوج والأجنبي ) بلا خلاف في الأخير مطلقاً ، وفي الأول إذا لم يكن مراداً منه بنفسه مقدّراً بمدّة معيّنة ، بل علّق بذمّته ، أعمّ من أن يأتيه بنفسه أو بغيره ، فيصحّ هنا قطعاً ووفاقاً ، وقد‌


حكاه جماعة (١).

( أمّا لو جعلت ) الزوجة ( المهر استئجار ) الزوج لأن يعلّم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليّها ( مدّة ) معيّنة ، كشهر أو شهرين أو سنة ( فـ ) في الصحّة ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما : الصحّة و ( الجواز ) للأصل ، وعموم الآية : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ ) (٢) ، والمعتبرة المستفيضة ب : أنّ المهر ما تراضيا عليه ، منها الصحاح : « الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير » (٣).

خلافاً للنهاية ، فأبطله (٤) ؛ للصحيح : عن الرجل يتزوّج المرأة وشرط لأبيها إجارة شهرين ، فقال : « إنّ موسى 7 علم أنّه سيتمّ له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم بأنّه سيبقى حتى يفي؟! وقد كان الرجل على عهد رسول الله 6 يتزوّج المرأة على السورة ، وعلى الدرهم ، وعلى القبضة من الحنطة » (٥).

وليس نصّاً في البطلان ، فيحتمل الكراهة ، مع عدم مكافأته لما مرّ ، وأداء العمل به إلى فساد الإصداق بنحو تعليم سورة أو إجارة غيره ؛ للاشتراك في العلّة المنصوصة فيه ، مع أنّه تضمّن جواز جعل الأول مهراً ، مع الإجماع عليه ، ودلالة المعتبرة عليه‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٤ ، نهاية المرام ١ : ٣٦٢ ، انظر جامع المقاصد ١٣ : ٣٣٤ ، الشرائع ٢ : ٢٧٢.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) الوسائل ٢١ : ٢٣٩ أبواب المهور ب ١.

(٤) النهاية : ٤٦٩.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٠ أبواب المهور ب ٢٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.


كالصحيح المتضمّن لتزويج النبيّ 6 امرأة من رجل على أن يعلّمها ما يحسن من القرآن (١).

ونحوه المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده ـ : عن رجل تزوّج امرأة على أن يعلّمها سورة من كتاب الله عزّ وجلّ ، فقال : « لا أُحبّ أن يدخل بها حتى يعلّمها السورة » (٢).

وبالجملة : فمثل هذه الرواية كيف يعارض ما مرّ من الأدلّة؟! مع اعتضادها بالأصل ، وعموم الآية الكريمة ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، فقد رجع عنه الشيخ في المبسوط والخلاف مدّعياً فيه على جواز جعل الإجارة مهراً على الإطلاق الوفاق (٣).

( ولا تقدير للمهر في القلّة ) ما لم يقصر عن التقويم كحبّة حنطة بإجماع الطائفة ، وعموم الآية ، والمعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، وخصوص الرواية السابقة المنبئة عن تزويج المرأة في زمنه 6 بالقبضة من الحنطة.

( ولا في الكثرة على الأشبه ، بل يتقدّر بالتراضي ) بينهما ، وهو الأشهر بين الطائفة ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، وربما أشعر بحكايته عبارة العلاّمة (٤) ، وحكي صريحاً عن بعض الأجلّة (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥٤ / ١٤٤٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٢ أبواب المهور ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٦٧ / ١٤٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٤ أبواب المهور ب ٧ ح ٢.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٧٣ ، الخلاف ٤ : ٣٦٦.

(٤) في المختلف (٥٤١). منه ;.

(٥) انظر التنقيح الرائع ٣ : ٢٠٨ ٢٠٩.


للأصل ، وما مضى من الأدلّة ، وخصوص الآية الشريفة : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) (١) ، وهو المال العظيم ، وفي القاموس : القِنطار بالكسر : وزن أربعين أُوقيّة من ذهب أو فضة ، أو ألف [ ومائتا ] دينار ، أو ألف ومائتا أُوقيّة ، أو سبعون ألف دينار ، أو ثمانون ألف درهم ، أو مائة رطل من ذهب أو فضّة ، أو مل‌ء مسْك ثور ذهباً أو فضّة (٢).

والصحيح : « لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ولأبيها عشرة آلاف ، كان المهر جائزاً ، والذي جعله لأبيها فاسداً » (٣).

وحكى الشيخ في المبسوط : أنّ الحسن بن عليّ 8 أصدق امرأة مائة جارية مع كلّ جارية ألف درهم ، وأن عمر أصدق بنت أمير المؤمنين 7 أربعين ألف درهم ، وذكر أنّ جماعة من الصحابة والتابعين أصدقوا نحو ذلك (٤).

ومنع المرتضى 2 الزيادة على مهر السنّة (٥) ، وهو خمسمائة درهم كما في النصوص المستفيضة (٦) ؛ محتجّاً بإجماع الفرقة ، وبه رواية ضعيفة لا تصلح للحجّية (٧) ، سيّما في مقابلة ما مضى من الأدلّة. والإجماع بمصير الأكثر بل الجميع إلى الخلاف موهون ، ومع ذلك معارض بمثله ،

__________________

(١) النساء : ٢٠.

(٢) القاموس ٢ : ١٢٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٣٨٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٤ / ٨١١ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٣ أبواب المهور ب ٩ ح ١.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٧٢.

(٥) الانتصار : ١٢٤.

(٦) الوسائل ٢١ : ٢٤٤ أبواب المهور ب ٤.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٤ / ٨١٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٦١ أبواب المهور ب ٨ ح ١٤.


بل وأقوى كما لا يخفى ، وجميع التفاسير للقنطار ترد عليه ، والخبر الصحيح حجّة بيّنة ، مضافاً إلى عموم الآيات والمعتبرة المستفيضة. ودفعه على أصله (١) من عدم صيغة تخصّه كما في المسالك (٢) غريب ؛ لاختصاصه كما صرّح به بما عدا الشرع ، وإلاّ فقد صرّح بخلافه ووجود صيغة تخصّه فيه (٣).

وبالجملة : فهو ضعيف جدّاً.

نعم ، يستحبّ الاقتصار عليه ؛ لذلك ، ولإصداق النبيّ 6 به لأزواجه جُمع (٤).

ولو احتيط مع إرادة الزيادة بجعل الصداق السنّة وما زاد نحلة كان حسناً ؛ تأسّياً بمولانا الجواد 7 ، حيث فعل ذلك بابنة المأمون ، قال : « وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله 6 لأزواجه ، وهو اثنتا عشرة أُوقيّة ونَشّ ، على تمام الخمسمائة ، وقد نحلتها من مالي مائة ألف » (٥).

( ولا بُدّ من تعيينه ) إذا ذُكِر من متن العقد ؛ ليخرج عن الجهالة الموجبة للغرر والضرر المنهيّ عنهما في الشريعة.

ويتحقّق ( بالوصف ) المعيِّن له ولو في الجملة ، ولا يعتبر فيه استقصاء الأوصاف المعتبرة في السَّلم.

( أو بالإشارة ) ك‍ : هذا الثوب ، وهذه الدابّة ، مثلاً.

__________________

(١) أي المرتضى. منه ;.

(٢) المسالك ١ : ٥٣٥.

(٣) الذريعة إلى أُصول الشريعة ١ : ٢٣٩.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ٢٤٤ أبواب المهور ب ٤.

(٥) مكارم الأخلاق : ٢٠٥ ، البحار ١٠٠ : ٢٧١ / ٢٢ ، المستدرك ١٥ : ٦٣ أبواب المهور ب ٤ ح ٤ ، بتفاوت يسير.


( وتكفي ) فيه ( المشاهدة عن ) اعتبار ( كيله أو وزنه ) أو عدّه ، كقطعة من ذهب مشاهدة لا يعلم وزنها ، وقبّة من طعام لا يعلم كيلها ؛ لارتفاع معظم الغرر بذلك ، واغتفار الباقي في النكاح ؛ لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه ، كما قطع به الأصحاب. وعضده الأصل ، وعموم الكتاب والسنّة المتقدّمة ، سيّما الصحيح المتقدّم ، المتضمّن لتزويجه 6 المرأة من الرجل بما يحسن من القرآن مع جهالته قطعاً (١) ، والمتضمّن لإمهار النسوة في زمانه 6 بقبضة من حنطة مع جهالتها (٢) ؛ مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة بالاكتفاء بمثلها في عقد المتعة (٣) مع اشتراطه في صحّته إجماعاً ، فالاكتفاء بها هنا أولى ؛ لعدم الاشتراط فيه قطعاً ، فتأمّل جدّاً.

ويشكل الحكم لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلّقها قبل الدخول ليرجع بنصفه.

وفي الرجوع إلى الصلح مطلقاً ، أو تضمينه مهر المثل في الأول ، قولان.

الأشهر الأظهر : الأول.

وضُعِّف الثاني بأنّ ضمان المهر عندنا ضمان يد ، لا ضمان معاوضة ، ومن ثم كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع إلى القيمة. نعم ، هو مذهب بعض العامّة (٤).

ويدفعه أيضاً أصالة البراءة لو علم زيادته عن المسمّى ،

__________________

(١ و ٢) راجع ص ٦.

(٣) انظر الوسائل ٢١ : أبواب المتعة ب ٢١ ح ٢ ، ٥.

(٤) انظر المسالك ١ : ٥٣٦ ، نهاية المرام ١ : ٣٦٧.


والاستصحاب لو علم نقصه عنه ، فتأمّل.

( و ) حيث قد عرفت اشتراط صحّة المهر بالتعيين ولو في الجملة ، تعيّن فساده مع عدمه بالمرّة والرجوع إلى مهر المثل ، بلا خلاف فيه كما حكي (١) ، ومقتضاه اطّراد الحكم فيما ( لو تزوّجها على خادم و ) الحال أنّه ( لم يعيّن ) أصلاً ، وعليه فتوى جماعة من المتأخّرين (٢).

عملاً بالأصل. ولا دليل على كلّيته سوى الإجماع وليس في محلّ النزاع والنهي عن الغرر المخصَّص في المقام بالإجماع ، وبالدليل الذي مرّ ، ومقتضاه الاكتفاء بما تراضيا عليه كائناً ما كان ، خرج عنه ما لم يعيَّن أصلاً بالاتّفاق ، وبقي الباقي.

واستضعافاً لأدلّة الخلاف. وسيأتي الجواب عنه.

والأصحّ وفاقاً لأكثر القدماء ، كالمبسوط والخلاف والغنية والمهذّب والجامع (٣) ، وبعض من تأخّر ، كالعلاّمة في الإرشاد (٤) ما اختاره الماتن هنا بقوله :

( فلها الوسط ، وكذا لو قال : دار ، أو : بيت ) للأصل ، وضعف دليل الخلاف ، وخصوص المعتبرة :

منها الخبر المعتبر بوجود ابن أبي عمير في سنده ، فلا يضرّه ضعف‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٣٦ ، وقد حكاه عنه في الحدائق ٢٤ : ٤٣٨.

(٢) كفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٩٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٦٨.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٩٠ ، الخلاف ٤ : ١٩١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، المهذب ٢ : ٢٠٦ ، الجامع للشرائع : ٤٤١.

(٤) الإرشاد ٢ : ١٥.


راويه ـ : رجل تزوّج امرأة على خادم ، قال : فقال لي : « وسط من الخدم » ، قال : قلت : على بيت؟ قال : « وسط من البيوت » (١) ، ونحوه خبر آخر (٢).

والمرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح في الدار خاصّة (٣).

وهي مع اعتبار سند أكثرها معتضدة بالشهرة القديمة المدّعى عليها الإجماع كما عن الخلاف (٤) ، المؤيّدة بما مرّ من الأدلّة ، فلا وجه للقدح فيها من حيث السند.

كما لا وجه له فيها من حيث المتن باعتبار جهالة الوسط من حيث تعدّد أفراده ؛ بناءً على ما عرفت من المنع عن إطلاق ضررها ، مع استفاضة النصوص المعاضدة بعموم الكتاب بعدمه ؛ مع أنّ هذه الجهالة قريبة من الجهالة بمقدار الصبرة المشاهدة ، بل نحوها ، مع اتّفاقهم على عدم ضررها.

والأحوط المصير إلى ما ذكروه إن لم يُعقَد بمثل ذلك بأن يعيّن القيمة ، والرجوع إلى الصلح معه إن لم يحصل التراضي إلاّ به.

( ولو قال : ) أتزوّجك ( على السنّة ) مكتفياً به ( كان ) المهر ( خمسمائة درهم ) قطعاً لو قصداها عالمين بها ، ومطلقاً على الأشهر الأظهر.

للخبر المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده ، فلا يضرّ جهالة راويه ، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٣ أبواب المهور ب ٢٥ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨١ / ٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٣ أبواب المهور ب ٢٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٥ / ١٥٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٤ أبواب المهور ب ٢٥ ح ٣.

(٤) الخلاف ٤ : ٣٧١.


إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كما في الروضة (١) وعن غيره من الأجلّة (٢) ، وفيه : قلت له : رجل يتزوّج امرأة ولم يسمّ لها مهراً ، وكان في الكلام : أتزوّجك على كتاب الله وسنّه نبيّه 6 ، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها ، فمالها من المهر؟ قال : « مهر السنّة » قال : قلت : يقولون أهلها : مهور نسائها؟ قال : فقال : « هو مهر السنّة » وكلّما قلت له شيئاً ، قال : « مهر السنّة » (٣).

وبهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنّة منه ، أو مع علمهما وعدم قصدهما إيّاه ، وبقبوله الغرر في الجملة كما تقرّر ومرّ ، فلا وجه لتوقّف بعض من تأخّر (٤).

ثم مقتضى الحكم والمستند : ثبوت المهر بالعقد ، كالمعيّن بالذكر فيه لا بالدخول كمهر السنّة الثابت به للمفوّضة على بعض الوجوه ؛ ويدلّ عليه إثباته بالموت قبل الدخول ، كما يظهر من الرواية.

( ولو ) تزوّجها و ( سمّى لها مهراً ) معيّناً ( ولأبيها ) أو غيره واسطة أو أجنبيّ ( شيئاً ) خارجاً عنه ، بحيث يكون المجموع في مقابلة البضع ، لا عطيّة في البعض أو جعالة فيه ؛ للّزوم في الثاني دون الأول قطعاً فيهما ، ويعتبر فيه أيضاً الذكر بالتسمية خاصّة لا الاشتراط ، وحينئذٍ لزم مهرها و ( سقط ما سمّى له ) إجماعاً كما عن الخلاف في الأول (٥) ، والغنية‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ٣٤٦.

(٢) انظر الحدائق ٢٤ : ٤٤٢ ، وهو في جامع المقاصد ١٣ : ٣٤٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٦٣ / ١٤٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٠ أبواب المهور ب ١٣ ح ١.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٦ ، ٥٤٢.

(٥) الخلاف ٤ : ٣٨٧ ٣٨٨.


في الثاني (١).

وللصحيح : « لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ، وجعل لأبيها عشرة آلاف ، كان المهر جائزاً ، والذي جعله لأبيها فاسداً » (٢).

ويعضد السقوط : أنّ الساقط ليس من أركان النكاح ولا من العوض المعتبر فيه ، فكان لغواً لا دليل على لزومه ، سوى ذكره في العقد ، وهو غير صالح له.

ونسبة الخلاف إلى الإسكافي هنا (٣) بناءً على حكمه بالاحتياط بالوفاء بالمجعول للمجعول له ليس في محلّه ؛ لظهور الاحتياط في الاستحباب ، مع احتمال إرادته الجعالة بالمعنى المعروف ، وليس من محلّ الفرض في شي‌ء ؛ لتصويره في لزوم المجعول للمجعول له بمجرّد العقد لا بغيره ، والاحتمال ينافيه.

ثم إنّ إطلاق النصّ والفتاوي يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبّب تسمية الشي‌ء للأب لتقليل المهر بزعمها لزومه بذكره في العقد ، أم لا. وربما يستشكل في الأول ، وهو حسن ، لولا النصّ الصحيح المعتضد بما مرّ.

ولو جُعِل المسمّى للأب جزءاً من المهر كأن أمهرها شيئاً ، وشرط أن يعطي أباها منه شيئاً لزم الشرط لو كان على اختيار من دون شائبة إكراه وإجبار ، وفاقاً للإسكافي والإرشاد والشهيد في النكت وشارح الكتاب (٤) ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٤ / ٨١١ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٣ أبواب المهور ب ٩ ح ١.

(٣) حكاه عنه في التنقيح الرائع ٣ : ٢١١.

(٤) حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع ٣ : ٢١١ ، انظر الإرشاد ٢ : ١٥ ، حكاه عن الشهيد في جامع المقاصد ١٣ : ٣٩٧ ، شارح الكتاب في نهاية المرام ١ : ٣٦٩.


فإنّه شرط سائغ في عقد لازم ، فيلزم ؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (١) وبالشرط (٢) مع خروجه عن النصّ.

ويعضده النبويّ (٣) والمرتضويّ (٤) : « أحقّ الشروط ما نكحت به الفروج ». خلافاً للأكثر ، فيصحّ المهر ويفسد الشرط خاصّة أيضاً كالسابق ، ولا دليل عليه ، وعلى تقديره معارَضٌ بما مرّ.

وعلى المختار : ارتجع بنصف المجموع بالطلاق ، حتى نصف مأخوذ الأب.

( ولو عقد الذمّيان ) أو غيرهما من الكفّار وإنّما خصّ بهما تبعاً للنصّ ـ ( على ) ما لا يملك في شرعنا ، كـ ( خمر أو خنزير ، صحّ ) العقد والمهر بلا خلاف ؛ لأنّهما يملكانه في شرعهما.

( ولو أسلما أو أحدهما قبل القبض ، فلها ) على الأشهر الأظهر ( القيمة ) عند مستحلّيه ؛ لخروجه عن ملك المسلم ( عيناً كان أو مضموناً ) لأنّ المسمّى لم يفسد. ولهذا ، لو كان قد أقبضها إيّاه قبل الإسلام برئ ، وإنّما تعذّر الحكم به لمانع الإسلام ، فوجب المصير إلى قيمته ؛ لأنّها أقرب شي‌ء إليه ، كما لو جرى العقد على عين وتعذّر‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٦ أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤.

(٣) مسند أحمد ٤ : ١٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٤٤ / ٢١٣٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٩٨ / ١١٣٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٨ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٢ / ١٢٠١ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٧ أبواب المهور ب ١١ ح ٧ ؛ بتفاوت يسير.


تسليمها ، ومثله : ما لو جعلا ثمناً لمبيع ، أو عوضاً لصلح ، أو غيرهما.

هذا ، مضافاً إلى النصّ : النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دَنّاً من خمر وثلاثين خنزيراً ، ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها ، قال : « ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنزير ، فيرسل بها إليها ، ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول » (١).

وقيل (٢) : يجب مهر المثل ؛ تنزيلاً لتعذّر تسليم العين منزلة الفساد.

وفيه : منع كما مرّ.

ولأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان ، وهو هنا ممكن ، وإنّما عرض عدم صلاحيّته للتملّك لهما.

ويضعّف بأنّ التعذّر الشرعي منزَّل منزلة الحسّي أو أقوى ، هذا ومهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى ، فهي تعترف بعدم استحقاق الزائد ، أو أنقص ، فيعترف هو باستحقاق الزائد ، وحيث لم يقع المسمّى فاسداً فكيف يرجع إلى غيره بعد استقراره؟! وربما يستدلّ له بالخبر : « إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئاً من ذلك » أي الخمر والخنزير الممهورة بهما « ولكن يعطيها صداقاً » (٣).

وليس نصّاً في المطلوب ، فيحتمل القيمة ، وعلى تقديره فلا يعارض ما مرّ ، مع ضعف سنده وعدم مجبوريّته.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٩١ / ١٣٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٣ أبواب المهور ب ٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير. والدَّنّ : كهيئة الحُبّ إلاّ أنّه أطول منه وأوسع رأساً ، والجمع دِنان. المصباح المنير : ٢٠١.

(٢) انظر الروضة البهية ٥ : ٣٤٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٦ / ٥ ، وورد في التهذيب ٧ : ٣٥٥ / ١٤٤٧ ، والوسائل ٢١ : ٢٤٣ أبواب المهور ب ٣ ح ١ ؛ بتفاوت.


ولو كان الإسلام بعد قبض بعضه ، سقط بقدر المقبوض ، ووجب قيمة الباقي. وعلى الثاني (١) : يجب بنسبته من مهر المثل.

وفي ذكر المضمون في العبارة ردّ على بعض العامّة ، حيث فرّق بينهما ، وحكم في العين أنّها لا تستحقّ غيره ، دون المضمون ، فإنّها تستحقّ معه مهر المثل (٢). وهو مقطوع بفساده.

( ولا يجوز عقد المسلم على الخمر ) ونحوها ممّا لا يملك إجماعاً ، ( ولو عقد ) عليها فسد المهر إجماعاً و ( صحّ ) العقد على الأصحّ الأشهر ، كما عن الإسكافي والطوسي والحلّي وابن زهرة العلوي وابن حمزة والعلاّمة وابن المفلح الصيمري والشهيد (٣) وأكثر المتأخّرين (٤) ، بل نفى عنه الخلاف في الغنية إلاّ عن مالك وبعض الأصحاب (٥).

لدخوله في عموم ما دلّ على وجوب الوفاء به (٦).

ولا مخرج عنه سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا ؛ بناءً على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه.

وفيه : أنّ الشرط حصوله ، وقد وُجِد ، فثبت الصحّة المشروطة به ،

__________________

(١) أي القول. منه ;.

(٢) الشرح الكبير ٧ : ٥٩١.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٤١ ، الطوسي في المبسوط ٤ : ٢٧٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٧٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٦ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٣١ ، والقواعد ٢ : ٣٧ ، الشهيد في المسالك ١ : ٥٣٤.

(٤) التنقيح الرائع ٣ : ٢١٣ ، جامع المقاصد ١٣ : ٣٧٣ ، كشف اللثام ٢ : ٨٠.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٦) المائدة : ١.


وبطلان المتعلّق غير ملازم لبطلانه (١) أوّلاً ، فقد يكون الرضاء بالتزويج باقياً بعد المعرفة ببطلان المرضيّ به ، وعلى تقديره فاللاّزم منه ارتفاع الرضاء من حين المعرفة بالبطلان وعدمُ البقاء ، وليس شرطاً في الصحّة ، بل الوجود ، وقد حصل.

ودعوى استلزام بطلان المرضيّ به بطلان أصل الرضاء وعدم حصوله (٢) ، فاسدةٌ بالضرورة.

هذا ، ويدلّ عليه فحوى ما دلّ على صحّة العقد المشتمل على الشروط الفاسدة (٣) ؛ لدلالتها على توقّف حصول الرضاء عليها ، وانتفائه حين العقد عند انتفائها ، فالصحّة فيه مستلزم لثبوتها هنا بطريق أولى كما لا يخفى ؛ لعدم التصريح فيه بعدم الرضاء مع انتفاء المرضيّ به جدّاً.

وممّا ذكر ظهر ضعف القول بالبطلان ودليله كما يأتي ، ولكن الاحتياط لا يترك.

( و ) على المختار ، فهل ( لها مع الدخول ) بها ( مهر المثل ) مطلقاً كان للمسمّى قيمة أم لا؟ كما في الشرائع والإرشاد والتحرير والتلخيص والتبصرة وعن السرائر والجامع والوسيلة وموضع من الخلاف (٤).

أو القيمة كذلك (٥) ، ولكن يقدّر ما لا قيمة له ذا قيمة ، كالحرّ عبداً؟

__________________

(١) أي الرضاء. منه ;.

(٢) انظر نهاية المرام ١ : ٣٧١ ، المهذب البارع ٣ : ٣٩٠.

(٣) انظر الوسائل ٢١ : ٢٧٥ أبواب المهور ب ٢٠.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٢٤ ، الإرشاد ٢ : ١٤ ، التحرير ٢ : ٣١ ، التلخيص ( الينابيع الفقهية ٣٨ ) : ٤٧٩ ، التبصرة : ١٤١ ، السرائر ٢ : ٥٧٧ ، الجامع للشرائع : ٤٤١ ، الوسيلة : ٢٩٦ ، الخلاف ٤ : ٣٦٣.

(٥) أي مطلقاً. منه ;.


كما عن المبسوط (١).

أو فيما له قيمة كالخمر ، وأمّا ما لا قيمة له فالأول (٢)؟ كما عن بعض الأصحاب (٣).

أقوال ، أشهرها وأظهرها : الأول ؛ لبطلان المسمّى بعدم الصلاحيّة للصداق بالضرورة ، فيخلو العقد عنه ، فتلحق بمفوّضة البضع ، ولها مع الدخول مهر المثل ؛ لأنّه عوض البضع حيث لا تسمية.

ولها المتعة لو طُلِّقت قبله ، على قول حكاه في الروضة (٤).

وأطلق العلاّمة في جملة من كتبه ثبوت المثل ولو قبل الدخول (٥) ؛ ووُجِّه بوقوع العقد بالعوض فلا تفويض ، وحيث تعذّر انتقل إلى البدل ، وهو المثل (٦).

ويضعّف بأنّ هذا العوض كالعدم ، مع أنّ المثل إنّما يثبت بدليّته عن الوطء لا عن المهر الفاسد.

وأمّا احتجاج الثاني بأنّ قيمة المسمّى أقرب إليه عند التعذّر ، وأنّهما عقدا على شخص باعتبار ماليّته ، فمع تعذّره يجب المصير إلى الماليّة.

فضعيف ؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة فرع صحّة العقد على ذي القيمة ؛ لأنّ القيمة لم يقع التراضي عليها ، وتقدير الماليّة هنا ممتنع شرعاً ، فيجب أن تُلغى كما الغي التعيين.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٠.

(٢) أي مهر المثل. منه ;.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٥ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧٩.

(٤) الروضة ٥ : ٣٤٧.

(٥) انظر التحرير ٢ : ٣١ ، والقواعد ٢ : ٣٦.

(٦) انظر المهذب البارع ٣ : ٣٩٠.


ولا ثمرة بعد الدخول مع توافق المثل والقيمة ، ومع التخالف يرجع إلى الاحتياط. ولو قيل بالرجوع إلى الأقلّ كان وجهاً إن لم يكن إحداث قول ؛ تمسّكاً بالأصل ، مع عدم الدليل على الزائد ؛ لفقد النصّ ، وانتفاء الإجماع في محلّ النزاع. لكن اشتغال الذمّة بالمهر قطعاً يقتضي المصير إلى مراعاة الأكثر ؛ تحصيلاً للبراءة القطعيّة ، وكيف كان فهو أحوط.

ويأتي على القول بالقيمة مطلقاً أو في الجملة لزوم النصف مع الطلاق قبل الدخول ، ويدفعه الأصل ، لكن اللازم منه ثبوت المتعة ، فليس مثله بحجّة. ولو قيل بأقلّ الأمرين كان وجهاً ، فتأمّل جدّاً.

( وقيل ) ـ كما عن الشيخين والقاضي والتقي (١) ـ : ( يبطل العقد ) من أصله ؛ استناداً إلى ما أجبنا عنه ، والتفاتاً إلى أنّه عقد معاوضة ، فيفسد بفساد العوض ، وهو إعادة للمدّعى يدفعه الإجماع على عدم كونه كعقود المعاوضات المحضة المقصود بها مجرّد المعاوضة ؛ ولذا صحّ مع عدم ذكر المهر في متنه ، بل مع اشتراط عدمه فيه.

ثم إنّ هذا إذا علماه خمراً مثلاً.

وأمّا إذا عقدا عليه ظانّين حلّيته ، صحّ العقد قولاً واحداً ، كما يظهر منهم ، وفيه تأييد لما قلناه ؛ لاتّحاد طريق المسألتين.

وفي ثبوت المثل مطلقاً ، أو مع الدخول ، أو عدمه ولزوم مثل الخمر من الخلّ ، أو القيمة مطلقاً ، أقوال ، والأشهر : الأول ، كما مضى.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٠٨ ، الطوسي في النهاية : ٤٦٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٠ ، التقي في الكافي في الفقه : ٢٩٣.


( الطرف الثاني ) :

في ( التفويض )

وهو لغةً : ردّ الأمر إلى الغير ثم الإهمال.

وشرعاً : ردّ أمر المهر أو البضع إلى أحد الزوجين أو ثالث ، أو إهمال ذكره في العقد. فهو قسمان :

الأول : ما أشار إليه الماتن بقوله :

( ولا يشترط في الصحّة ذكر المهر ، فلو ) عقد و ( أغفله ، أو شرط أن لا مهر ) لها في الحال أو مطلقاً ( فالعقد صحيح ) بلا خلاف ، بل إجماعاً ، حكاه جماعة (١).

ويسمّى بتفويض البضع ، والمرأة مفوّضة البضع ، بكسر الواو وفتحها.

أمّا لو صرّح بنفيه في الحال والمآل على وجه يشمل ما بعد الدخول فسد العقد على الأشهر ؛ لمنافاته مقتضاه ، وهو وجوب المهر في الجملة.

وفيه منافاة لما ذكروه كما يأتي من عدم فساد العقد بفساد الشرط المخالف لمقتضى العقد ، الملازم لعدم فساده بفساده هنا بطريق أولى ؛ لعدم كونه بصورة الشرط قطعاً ، فتأمّل جدّاً.

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٤٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٤١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٣.


نعم ، في المستفيضة منها الصحيحان (١) ـ : « لا تحلّ الهبة إلاّ لرسول الله 6 ، وأمّا غيره فلا يصلح له نكاح إلاّ بمهر » وربما دلّ نفي الصلاح على الفساد.

وأظهر منه الخبر : في امرأة وهبت نفسها لرجل من المسلمين ، قال : « إن عوّضها كان مستقيماً » (٢) ، فتأمّل.

وفيه قول بالصحّة ؛ قياساً له بالنفي المطلق (٣).

وليس في محلّه ؛ لوجود الفارق ، وهو قبول المقيس عليه التخصيص دون المقيس.

وآخر بفساد التفويض دون العقد ، فيجب مهر المثل ، كما لو شرط في المهر ما يفسده ؛ تمسّكاً بلزوم الوفاء بالعقد (٤).

وهو الأوفق بالأُصول إن أُريد بثبوت المثل الثبوت بالدخول لولا ما مرّ من المستفيضة ، إلاّ أنّ المحكيّ عن القائل به الثبوت بنفس العقد (٥) ، ولا ريب في ضعفه إن تمّ.

وبالجملة : المسألة محلّ إشكال.

والمستند في أصل الحكم بعد الإجماع المتقدّم الآية الكريمة : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (٦). والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة ، فدخل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨٤ / ٢ ، ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٥ أبواب عقد النكاح ب ٢ ح ٢ ، ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٥ / ٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٦ أبواب عقد النكاح ب ٢ ح ٥.

(٣) انظر نهاية المرام ١ : ٣٧٥.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٩٤.

(٥) انظر جامع المقاصد ١٣ : ٤١٧.

(٦) البقرة : ٢٣٦.


بها ولم يفرض لها مهراً ، ثم طلّقها ، فقال : « لها مثل مهور نسائها » (١).

ثمّ من أحكامه عندنا : عدم وجوب شي‌ء لها متعةً كان ، أو مهر مثل بمجرّد العقد ؛ للأصل.

خلافاً لبعض الشافعيّة ، فأوجب الثاني (٢).

فلو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض فلا شي‌ء لها بلا خلاف في الظاهر ، وقد حكي (٣) ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى الصحيح : في المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول : « إن كان فرض لها زوجها مهراً فلها.

. وإن لم يكن فرض مهراً فلا مهر » (٤) ونحوه غيره (٥).

( ولو طلّق ) المفوّضة ( فلها المتعة ) خاصّة إن كان الطلاق ( قبل ) الفرض و ( الدخول ) خاصّة ؛ بالإجماع ، ونصّ الآية السابقة ، والمستفيضة : منها الحسن : في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : « عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً ، وإن لم يكن فرض فليمتّعها على نحو ممّا يتمتّع مثلها من النساء » (٦) ونحوه خبران آخران (٧).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢ ح ١.

(٢) انظر الام ٥ : ١٥٩.

(٣) انظر الروضة ٥ : ٣٥٣.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٢.

(٥) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٦ ، ٥٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٦ ، ١٢١٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ذيل حديث ٢٢.

(٦) الكافي ٦ : ١٠٦ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٤٢ / ٤٩٣ ، الوسائل ٢١ : ٣١٤ أبواب المهور ب ٥١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٧) الأول في : الكافي ٦ : ١٠٦ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٢ / ٤٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٣١٣ أبواب المهور ب ٥١ ح ١.

الثاني في : الكافي ٦ : ٨٣ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٣١٤ أبواب المهور ب ٥١ ح ٣.


والرضوي : « كلّ من طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها فلا عدّة عليها منه ، فإن كان سمّى لها صداقاً فلها نصف الصداق ، وإن لم يكن سمّى لها صداقاً يمتّعها بشي‌ء قليل أو كثير على قدر يساره » (١).

وإن كان الطلاق بعد الفرض وقبل الدخول فنصفه ؛ لقوله تعالى : ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٢) مضافاً إلى الحسنة.

ولو لم يطلّق أو طلّق بعد الدخول فجميعه بعد الاتّفاق عليه ، بلا خلاف إلاّ في الأول وهو ما لو لم يطلّق لأنّ الحقّ فيه لهما ، زاد عن مهر المثل أم لا ، ساواه أم قصر ، وربما كان في الآية عليه دلالة كالصحيح السابق في المتوفّى عنها زوجها.

ومع الاختلاف في الفرض ، قيل (٣) : للحاكم فرضه بمهر المثل ، كما يعيّن النفقة للزوجة على الغائب ، ومن جرى مجراه. ويحتمل قويّاً إبقاء الحال إلى حصول أحد الأُمور (٤) الموجبة للقدر أو المسقطة للحقّ ؛ لأنّ ذلك لازم للتفويض الذي قد قدما عليه.

ثم إنّ في ثبوت المتعة بغير الطلاق من أقسام البينونة أقوال ، ثالثها المحكيّ عن المبسوط (٥) ـ : الثبوت بما يقع من قبله أو قبلهما ، دون ما كان من قبلها خاصّة.

والأقوى : العدم مطلقاً ، وفاقاً للأكثر ؛ تمسّكاً بالأصل ، والتفاتاً إلى‌

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٨٩ أبواب المهور ب ٣٣ ح ٥.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) انظر الروضة ٥ : ٣٤٩.

(٤) كالدخول الموجب لمهر المثل والطلاق قبله الموجب للمتعة والموت ونحوه المسقط للحق. منه ;.

(٥) المبسوط ٤ : ٣٢٠.


اختصاص الآية والحسنة بالطلاق ، والتعدية قياس.

نعم ، تستحبّ ؛ خروجاً عن الشبهة ، والتفاتاً إلى فحوى ما دلّ على رجحانها لكلّ مطلّقة وإن لم تكن مفوّضة ، كالصحيح : عن رجل تزوّج امرأة ، فدخل بها ولم يفرض لها مهراً ، ثم طلّقها ، فقال : « لها مثل مهور نسائها ويمتّعها » (١).

ولإضماره مع عدم صراحته في الوجوب حُمِل على الاستحباب ، معتضداً بالأصل ، وظاهر الخبر : في الرجل يطلّق امرأته ، أيمتّعها؟ قال : « نعم ، أما يحبّ أن يكون من المحسنين؟! أما يحبّ أن يكون من المتّقين؟! » (٢). وبهما يُصرَف ما ظاهره الوجوب ، كالصحيح : « متعة النساء واجبة ، دخل بها أو لم يدخل ، ويمتّع قبل أن يطلّق » (٣).

والصحيح والموثّق : في قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٤) ، قال : « متاعها بعد ما تنقضي عدّتها ، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » وفي ذيلها : « أنّ الحسن بن عليّ لم يطلّق امرأة إلاّ متّعها » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٠ / ٤٨٧ ، تفسير العياشي ١ : ١٢٤ / ٣٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٦ أبواب المهور ب ٤٨ ح ٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٢٨ / ١٥٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٣١٢ أبواب المهور ب ٥٠ ح ١.

(٤) البقرة : ٢٤١.

(٥) الصحيح في : الكافي ٦ : ١٠٥ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ / ٤٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣١٢ أبواب المهور ب ٥٠ ح ٢.


وقريب من الصحيح : « إنّ متعة المطلّقة فريضة » (١).

ويمكن حمله على المفوّضة ، وصرف المطلّقة إلى المعهودة المذكورة في الآية ، ولذا أطلق على الوجوب الفريضة.

وربما احتمل الوجوب في المسالك في كلّ مطلّقة (٢) ؛ عملاً بظواهر هذه المعتبرة المخصّص بها الأصل ؛ والرواية المتقدّمة مع قصور سندهما غير صريحة في الاستحباب.

وهو حسن إن وجد به قائل ، ولم أجده ، بل المحتمِل مصرِّح بأنّ المذهب الاستحباب (٣) ، فهو متعيّن ، مع أنّ الرواية ليست بقاصرة ، بل حسنة أو صحيحة ؛ لأنّ حسنها بإبراهيم ، ولا ريب في ظهورها في الاستحباب ، مع اعتضادها بكثير من المعتبرة الواردة في المقام ، الدالّة على اشتراط المتعة بعدم الفرض (٤) ؛ مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على ثبوت نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول وجميعه بعده (٥) ، من دون ذكر للمتعة بالمرّة ، مع ورود أكثرها في مقام الحاجة ، فلا وجه للقول بالوجوب بالمرّة.

هذا ، مع عدم صراحة لفظ الوجوب في الصحيح المتقدّم في المعنى المصطلح ، فيحتمل الاستحباب ، وعلى تقدير الصراحة يحتمل المتعة فيها ما يعمّ مهر المثل والمتعة بالمعنى المتعارف. وأمّا باقي الروايات فليس‌

__________________

الموثق في : الكافي ٦ : ١٠٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ / ٤٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٣١٢ أبواب المهور ب ٥٠ ح ٣.

(١) التهذيب ٨ : ١٤١ / ٤٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٦ أبواب المهور ب ٤٨ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ٥٤٣.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٤٣.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ٣٠٧ ، ٣٠٨ أبواب المهور ب ٤٨ الأحاديث ٧ ، ٨ ، ١٠ ، ١٢.

(٥) الوسائل ٢١ : ٣١٣ ، ٣١٩ أبواب المهور ب ٥١ ، ٥٤.


صريحةً في الوجوب ولا ظاهرة.

وأُلحق بالمفوّضة من فُرِض لها مهر فاسد ، فإنّه في قوّة التفويض ، ومن فسخت في المهر قبل الدخول بوجه مجوّز (١).

ولا بأس به إن أُريد الاستحباب ، وإلاّ فالوجوب مشكل.

( و ) يجب ( بعده ) أي الدخول وقبل الفرض ( لها مهر المثل ) إجماعاً ؛ للمستفيضة ، منها الصحيح المتقدّم (٢) ، ونحوه الموثّقان : في رجل تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ، قال : « لا شي‌ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها » (٣).

وإطلاقها كالعبارة وصريح بعض الأجلّة (٤) ثبوت المثل مطلقاً ولو زاد على السنّة.

خلافاً للأكثر فيه ، فيردّ إليها ، بل عن فخر المحقّقين وابن زهرة عليه الإجماع (٥) ، وهو ظاهر المحكيّ عن المبسوط (٦) ؛ وهو الحجّة فيه كالموثق : عن رجل تزوّج امرأة فوهم أن يسمّي صداقها حتى دخل بها ، قال : « السنّة ، والسنّة خمسمائة درهم » (٧).

__________________

(١) الروضة ٥ : ٣٤٩.

(٢) في ص ٢٥.

(٣) الكافي ٥ : ٣٨١ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٦ ، ١٤٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٢ ، ٨١٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٩ أبواب المهور ب ١٢ ح ٣ ، ٢.

(٤) كصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٧٧.

(٥) حكاه عن فخر الدين في نهاية المرام ١ : ٣٧٧ ، وهو في الإيضاح ٣ : ٢١٧ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٦) المبسوط ٤ : ٢٩٧.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٠ أبواب المهور ب ١٣ ح ٢.


وما ربما يقال على الأول بوجود الخلاف فلا حجّة فيه ، وعلى الثاني بقصور السند أولاً ، وضعف الدلالة ثانياً ، فإنّ النسيان غير التفويض (١).

مدفوع بعدم القدح في الحجّية بخروج معلوم النسب ، بل ومجهوله على الأصحّ. وعدم القصور ؛ لعدم اشتراك الراوي كما توهّم ، ووثاقة باقي سلسلة السند وإن فسد المذهب. والدلالة تامّة ؛ إذ التفويض أعمّ من النسيان وعدمه كما فرضوه ، وساعده إطلاق النصوص.

نعم ، ربما يتوجّه إليها القدح بأعمّيتها من المدّعى ؛ لأنّه ثبوت السنّة مع زيادة مهر المثل عنها ، وإلاّ فهو الثابت دونها ، ساواها أم نقص عنها.

وربما يجبر بالتقييد بالإجماع والجمع بين الروايات.

وربما احتُمِل (٢) العمل بالإطلاق هنا (٣) ؛ التفاتاً إلى موافقة المستفيضة للعامّة.

وهو مع مخالفته الإجماع الصريح مقدوح بأولويّة موافقة الأصحاب من الموافقة للتقيّة ، فيترجّح جانب الرجحان دون المرجوحيّة.

وربما يُستَدلّ للأصحاب في ردّ الزائد إلى السنّة بما مرّ من الخبر المثبت للسنّة فيمن تزوّج على السنّة مكتفياً به عن ذكر المهر بالمرّة (٤).

وليس بمعتمد ؛ لظهوره في ثبوتها بمجرّد العقد دون الدخول ، وليس من حكم المفوّضة ، ولذا فرضه الأصحاب مسألة على حدة ، فليس الاستدلال به إلاّ غفلة واضحة.

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٣٧٧.

(٢) حكاه في المختلف عن بعض علمائنا : ٥٤٩.

(٣) أي في السنّة. منه ;.

(٤) راجع ص ١٢ ، وهو في التهذيب ٧ : ٣٦٣ / ١٤٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٠ أبواب المهور ب ١٣ ح ١.


( ويعتبر في مهر المثل حالها في الشرف والجمال ) والعقل ، والأدب ، والبكارة ، وصراحة النسب ، واليسار ، وحسن التدبير ، وكثرة العشائر ، وعادة نسائها ، وأمثال ذلك.

والمعتبر في أقاربها من الطرفين على الأشهر الأقوى ، بل ظاهر المبسوط أنّ عليه الإجماع (١) ؛ وهو الحجّة فيه ، مع العموم المستفاد من إضافة النساء إليها في النصوص (٢).

خلافاً للمهذّب والجامع (٣) ، فخصّهنّ بالعصبات مع الإمكان ، وإلاّ فأطلق ؛ لعدم اعتبار الامّ ومن انتسب إليها في الفخر. وفيه نظر.

ويعتبر في الأقارب أن يكونوا من أهل بلدها أو بلد لا يخالف عادتها عادة بلدها على الأقوى ؛ لاختلاف البلدان في العادات.

( و ) يعتبر ( حاله ) خاصّة ( في المتعة ) بنصّ الآية (٤) والشهرة العظيمة ، بل عليه الإجماع عن الغنية (٥) ، وهو ظاهر المستفيضة (٦) ، فالقول باعتبار حالها أيضاً ضعيف جدّاً.

ثم إنّ الأصل يقتضي المصير في متعة المتمتّع إلى العرف ، ولا ريب في اقتضائه (٧) انقسامها بالنظر إليه إلى ثلاثة : متعة يسار ، وتوسّط ، وإعسار.

وبه المرسل في الفقيه : أنّ « الغني يمتّع بدار أو خادم ، والوسط‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٩.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢.

(٣) المهذب ٢ : ٢١١ ، الجامع للشرائع : ٤٤٠.

(٤) البقرة : ٢٣٦.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٦) انظر الوسائل ٢١ : ٣٠٥ أبواب المهور ب ٤٨.

(٧) أي العرف. منه ;.


بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم » (١).

ونحوه الرضوي « فالموسع يمتّع بخادم أو دابّة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم وخاتم ، كما قال الله تعالى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ ) » (٢). وعليه الشهرة ، بل الإجماع المحكيّ عن ابن زهرة (٣) ، ولا ينافيه الآية والمعتبرة ؛ لدخول الواسطة بين الأمرين ، ولذا أنّ الرضويّ مع استناده إلى الآية اشتمل على ذكر الثلاثة.

وعيّن الأصحاب لكلّ مرتبة ما يليق بها في العرف والعادة :

( فالغني يمتّع ) بالدابّة ؛ للرضوي ، وهي الفرس ، والمعتبر منه ما يقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة ، بِرذَوناً (٤) كانت أم عتيقاً (٥) ، قاربت قيمته الثوب والعشرة الدنانير أم لا. وفي الخبر المرويّ عن قرب الإسناد : « إنّ عليّ بن الحسين 8 كان يمتّع بالراحلة » (٦).

ورواه العيّاشي أيضاً بزيادة : يعني حملها الذي عليها (٧). وظاهره أنّ المتعة هو الحمل ، إلاّ أنّه يحتمل كونها من الراوي لا الإمام 7.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٢٧ / ١٥٨٢ ، الوسائل ٢١ : ٣١٠ أبواب المهور ب ٤٩ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٩٠ أبواب المهور ب ٣٤ ح ٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٤) البِرذَون : التركي من الخيل ، وخلافها العِراب. المغرب ١ : ٣٦.

(٥) العِتاق من الخيل : النجائب. مجمع البحرين ٥ : ٢١٠.

(٦) قرب الإسناد : ١٧٤ / ٦٣٧ ، الوسائل ٢١ : ٣١٠ أبواب المهور ب ٤٩ ح ٥.

(٧) تفسير العياشي ١ : ١٢٤ / ٤٠٠.


أو ( بالثوب المرتفع ) عادةً ، ناسبت قيمته قسيميه أم لا. ( أو عشرة دنانير فأزيد ) وهي المثاقيل الشرعية ؛ ولم أجد عليها مستنداً سوى إطلاق النصّ ، مع أنّ في المرسل السابق : « الدار والخادم » وفي المعتبرة منها الموثّقان (١) ـ : « العبد والأمة » وليس المذكور منها ، ولعلّه للتمثيل.

( و ) يمتّع ( الفقير بالخاتم ) ذهباً كان ( أو ) فضة معتدّاً به عادةً ، و ( الدرهم ) كما في المرسل.

وفي الصحيح : ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسراً؟ قال : « الخمار وشبهه » (٢).

والموثّق : « المعسر (٣) بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم » (٤).

واختلاف هذه المعتبرة منزل على العرف والعادة ، أو التمثيل.

( و ) يمتّع ( المتوسّط ) بينهما بما ( بينهما ) كخمسة دنانير ، والثوب المتوسّط ، ونحو ذلك.

وبالجملة : المرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه ومكانه وشأنه.

( ولو ) تزوّج بمهر مجهول ، ولكن ( جعل الحكم ) والتعيين ( لأحدهما في تقدير المهر ) المذكور ( صحّ ) العقد والتفويض بإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٥ / ٣ ، ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ / ٤٨٤ ، ٤٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٨ أبواب المهور ب ٤٩ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٥ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٤٠ / ٤٨٦ ، تفسير العياشي ١ : ١٢٩ / ٤٢٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٩ أبواب المهور ب ٤٩ ح ٢.

(٣) في جميع المصادر : المقتر.

(٤) تقدّمت مصادره في الهامش (١) أعلاه.


الطائفة. خلافاً للعامّة ، فجعلوا المهر الواقع على هذا الوجه من قبيل المهر الفاسد ، وأوجبوا به مهر المثل.

وهذا هو القسم الثاني من قسمي التفويض ، ويسمّى ب : مفوّضة المهر ؛ والنصوص بذلك مستفيضة.

ففي الصحيح : في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه ، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : « لها المتعة والميراث ولا مهر لها » قلت : فإن طلّقها وقد تزوّجها على حكمها؟ قال : « إذا طلّقها وقد تزوّجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه خمسمائة درهم » (١).

وظاهره كغيره (٢) كالعبارة وغيرها (٣) هو التفويض إلى أحدهما ، وأمّا غيره فلا ، وصريح جماعة : اختصاص الحكم بالتفويض إلى أحدهما ؛ لمخالفته الأصل قطعاً (٤). وفي جواز ما عداه كالتفويض إلى غيرهما ، أو إليهما معاً وجهان : من الأصل وعدم النصّ ، وأنّه كالنائب عنهما فلا بأس به لو رضياه. والوقوف مع النصّ طريق اليقين.

( ويحكم الزوج ) المفوّض إليه المهر ( بما شاء وإن قلّ ).

( وإن ) عكس الأمر و ( حكمت المرأة ) وفوّض إليها ( لم ) يجز لها أن ( تتجاوز مهر السنّة ) إجماعاً ونصّاً فيهما ..

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٧٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٦٥ / ١٤٨١ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٠ / ٨٣٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٣.

(٣) هو الشهيد في اللمعة ( الروضة ٥ ) : ٣٥٠.

(٤) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٧٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨١ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٤٩١.


ففي الخبر : عن رجل تزوّج امرأة على حكمها ، قال : « لا يتجاوز بحكمها مهر نساء آل محمّد : ، اثنتي عشرة أُوقيّة ونشّ ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضّة » قلت : أرأيت إن تزوّجها على حكمه ورضيت وحكّمته؟ قال : « ما حكم من شي‌ء فهو جائز ، قليلاً كان أو كثيراً » قال : قلت : كيف لم تُجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال : فقال : « لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله 6 وتزوّج عليه نساءه ، فرددتها إلى السنّة ، ولأنّها هي حكّمته وجعلت الأمر في المهر إليه ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً » (١).

وليس في سنده سوى الحسن بن زرارة ، ووصفه كاسمه على الأصحّ وفاقاً لجماعة (٢) ، مع أنّ في السند : الحسن بن محبوب ، وهو ممّن حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهم (٣) ، فالسند معتبر غاية الاعتبار ، مع اعتضاده بالشهرة بين الأخيار ، وهي إجماع كما حكاه جماعة (٤) ، فلا وجه للتأمّل في المسألة ، مع أنّ الدليل غير منحصر فيه ؛ لدلالة الأصل والإطلاقات على الأول ، وخصوص ما مضى من الصحيح على الثاني.

نعم ، ربما يشكل الحكم في الأول ؛ لظاهر الصحيح : عن الرجل يفوَّض إليه صداق امرأته فينقص عن صداق نسائها ، قال : « يلحق بمهر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٧٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦٥ / ١٤٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٠ / ٨٢٩ ، علل الشرائع : ٥١٣ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٨ أبواب المهور ب ٢١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) ملاذ الأخيار ١٢ : ٢٤٧ ، الحدائق ٢٤ : ٤٨٩.

(٣) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٣٨١ ، المجلسي في مرآة العقول ٢٠ : ١٠٦ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٤٩١.


نسائها » (١).

لكنّه شاذّ لا عامل به ، مع عدم مقاومته لما مرّ ، فليُحمَل على الندب ، أو ما حمله الشيخ عليه ، من التفويض إليه على أن يجعله مثل مهر نسائها (٢).

ثم لو طلّق قبل الدخول الزم الحاكم بالحكم ، ولها نصف ما يحكم به ؛ لأنّ ذلك هو الفرض الذي ينتصف بالطلاق (٣) ، سواء وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده. وكذا لو طلّقها بعد الدخول ، لزم الحاكم الفرض واستقرّ في ذمّة الزوج ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( ولو مات الحاكم ) منهما ( قبل الدخول وقبل الحكم ، فالمرويّ ) في الصحيح المشار إليه (٤) : أنّ ( لها المتعة ) دون المهر ، وهو الأشهر الأظهر ، كما عن النهاية وابن البرّاج وابن حمزة والمقنع والعلاّمة وولده ، والشهيد الأول في النكت وظاهر اللمعة ، والثاني في المسالك والروضة (٥) ، وجماعة (٦).

وما استُضعِف به دلالة الخبر ب : ظهور أنّ النشر على ترتيب اللفّ ، فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه خاصّة. واختصاصِ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٠ / ٨٣١ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٤.

(٢) قاله في التهذيب ٧ : ٣٦٦.

(٣) بدله في الأصل : به الطلاق ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في ص ٣٢.

(٥) النهاية : ٤٧٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٦ ، المقنع : ١٠٨ ، العلاّمة في المختلف : ٥٤٥ ، وولده في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٢٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٣٥١ ، المسالك ١ : ٥٤٤ ، الروضة ٥ : ٣٥١.

(٦) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٨١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٥ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٤٩٣.


الجواب فيه بموت الزوج ؛ إذ مع موتها ليس لها ميراث ، ولا يتمّ المقايسة بإيجاب المتعة لها والميراث له (١).

مندفع ، فالأول : بفقد الوجه لثبوت المتعة بموت المحكوم خاصّة مع بقاء الحاكم مع أنّه انعقد النكاح بحكمه ، فله الحكم مع بقائه كما يأتي ، ولا أثر لموت المحكوم عليه ، كيف؟! وقد نصّ في الخبر بعد ما ذكر على أنّ له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجيّة بخلاف الموت ، فثبوت الحكم له هنا ثابت بالأولويّة ، فلا بدّ من الحمل على موت الحاكم ، جمعاً بين طرفيه ، وبينه وبين الأُصول.

والثاني : بعدم الفارق بين الموتين.

ويؤيّد المذهب : أنّ مهر المثل لا يجب إلاّ مع الدخول ولم يحصل ، ولا مسمّى ، ولا يجوز إخلاء النكاح عن مهر ، فيجب المتعة ؛ إذ لا رابع.

وعن الطوسي في الخلاف والإسكافي والحلّي : أنّه لا شي‌ء لها أصلاً ؛ لاشتراط المثل بالدخول ، والمتعة بالطلاق ، ولا شي‌ء منهما هنا ؛ مضافاً إلى الأصل (٢).

والصحيح حجّة على مَن عدا الحلّي ، ومختاره متوجّه على مختاره ، أو ثبوت عدم دلالة الصحيح وظهوره.

وفي القواعد والمختلف : يثبت لها مهر المثل (٣) ؛ لأنّه قيمة المعوَّض حيث لم يتعيّن غيره ؛ ولأنّ المهر مذكور ، غايته أنّه مجهول ، فإذا تعذّرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.

__________________

(١) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٢) الخلاف ٤ : ٣٧٨ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٤٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٩٣.

(٣) القواعد ٢ : ٤١ ، المختلف : ٥٤٥ ، وفيه الحكم بالمتعة دون مهر المثل.


وهو مع أنّه غير مسموع في مقابلة النصّ الصحيح مُجاب ، فالأول : بعدم تحقّق الدخول الموجب للعوض. والثاني : بأنّه عين الدعوى ، فكيف يجعل دليلاً (١)؟! ولا فرق مع موت الحاكم بين موت المحكوم عليه معه وعدمه ؛ عملاً بإطلاق النصّ ، مع عدم القائل بالفرق.

ولو مات المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم ، بلا خلاف أجده ؛ لإطلاق النصّ بثبوت الحكم له ، مع عدم اشتراط حضور المحكوم عنده ، والتفويض إليه قد لزم بالعقد بالضرورة فلا يبطل بموت المحكوم عليه البتّة ؛ ولأصالة بقائه ، والنصّ لا يعارضه.

وأمّا الصحيح : في رجل تزوّج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ، قال : « ليس لها صداق ، وهي ترث » (٢).

فمع قطع النظر عمّا يلحق سنده من النظر ، شاذّ لا يمكن التعويل عليه ولا العمل ، سيّما في مقابلة ما مرّ.

ولو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الدخول ، ثبت مهر المثل ؛ لأنّه الأصل حيث لم يمكن المهر ، وبه صرّح المفلح الصيمري من غير نقل خلاف (٣) ، ولم يتعرّض له الباقون.

ولو مات المحكوم حينئذ ، الزم الحاكم بالحكم ، فإن كانت المرأة لا تتجاوز السنّة ، وإلاّ فللزوج الحكم بما شاء ؛ لما مضى (٤).

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٣٨٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٣.

(٣) تلخيص الخلاف ٢ : ٣٦٠.

(٤) في ص ٣٢.


( الطرف الثالث )

( في الأحكام ) المتعلّقة بالمهر

( وهي عشرة ) : ‌

( الأول : تملك المرأة المهر ) جميعه ( بالعقد ) وإن لم يستقرّ التملّك إلاّ بعد الدخول ، على الأظهر الأشهر ، بل عن الحلّي : نفي الخلاف عنه (١).

لعموم ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ) (٢).

والموثّق : في رجل ساق إلى زوجته غنماً ورقيقاً ، فولدت عندها ، وطلّقها قبل أن يدخل ، فقال : « إن كنّ حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كنّ حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد » (٣).

ولأنّه عوض البضع المملوك بالعقد.

وللنصوص الآتية في استحقاق المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول جميع المهر (٤) ، وهي مستفيضة ، لكنّها معارضة بمثلها.

خلافاً للإسكافي ، فتملك نصفه به والنصف الآخر بالدخول (٥) ؛

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٨٥.

(٢) النساء : ٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٧ / ذيل حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩١ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٣ أبواب المهور ب ٣٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) في ص ٤٠.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٥٤٣.


للموثّق (١) وغيره (٢) : « لا يوجب المهر إلاّ الوقاع في الفرج ».

وحُمِل (٣) على الاستقرار جمعاً وغلبةً في الاستعمال إن تمّ الدلالة ، وإلاّ فالوجوب أعمّ من التملّك ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، وعلى تقدير الصراحة فلا شي‌ء منهما تقاوم ما مرّ من الأدلّة.

وبالأخير يجاب عن الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف وله غلّة كثيرة ، ثم مكث سنين لم يدخل بها ثم طلّقها ، قال : « ينظر إلى ما صار إليه من غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه ، ويعطيها نصف البستان ، إلاّ أن تعفو فتقبل منه ويصطلحا على شي‌ء ترضى منه ، فإنّه أقرب للتقوى » (٤).

ومع ذلك ، فقد أُجيب عنه بجواز كون الغلّة من زرعٍ يزرعه الزوج ، وأن يكون البستان هو الصداق دون أشجاره. وعلى التقديرين ، فليست الغلّة من نماء المهر ، فتختصّ بالرجل ، والأمر بدفع النصف منها إليها محمول على الاستحباب ، كما يرشد إليه قوله : « فإنّه أقرب للتقوى » ولعلّه عوض عن اجرة الأرض (٥).

ولا بأس به ؛ تفادياً عن الطرح.

وعلى المختار ، لها التصرّف قبل القبض ؛ للأصل ، ولعموم ما دلّ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٦٤ / ١٨٥٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٦ / ٨١٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٠ أبواب المهور ب ٥٤ ح ٦.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٢١ أبواب المهور ب ٥٥ ح ١.

(٣) المختلف : ٥٤٧ ، المهذب البارع ٣ : ٣٩٦ ، المسالك ١ : ٥٥٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧٢ / ١٢٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٠ أبواب المهور ب ٣٠ ح ١.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٨٦.


على تسلّط الملاّك على أموالهم (١).

خلافاً للخلاف (٢) ؛ لعدم الدليل عليه ، لعدم النصّ ، واختصاص الإجماع بما بعد القبض ؛ وللنهي عن بيع ما لم يُقبَض (٣).

وضعفه ظاهر ؛ لوجود الدليل ، ولا أقلّ من الأصل كما قيل (٤) ، واختصاص النهي بمن اشترى ثم باع ؛ مع أنّه أخصّ من المدّعى.

( وينتصف بالطلاق ) بالنّص والوفاق ، والأول متواتر (٥) ، معتضد بنصّ الكتاب : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٦).

( ويستقرّ ) الجميع بأحد أُمور أربعة : ( بالدخول ، وهو الوطء قبلاً أو دبراً ) إجماعاً ، كما في الروضة (٧) وكلام جماعة (٨) ، والنصوص به مستفيضة ، مرّ بعضها.

وفي الصحيح : « إذا أدخله وجب الغسل والمهر » (٩) ونحوه في عدّة من المعتبرة (١٠).

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٩.

(٢) الخلاف ٤ : ٣٧٠.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ٦٥ أبواب أحكام العقود ب ١٦.

(٤) نهاية المرام ١ : ٣٨٥.

(٥) الوسائل ٢١ : ٣١٣ أبواب المهور ب ٥١.

(٦) البقرة : ٢٣٧.

(٧) الروضة ٥ : ٣٥٣ ، كشف اللثام ١ : ٨٦.

(٨) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٢٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٦ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨١.

(٩) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٦ ، الوسائل ٢١ : ٣١٩ أبواب المهور ب ٥٤ ح ١.

(١٠) الوسائل ٢١ : ٣١٩ أبواب المهور ب ٥٤.


وبردّة الزوج عن فطرة ، على الأشهر الأقوى ؛ لثبوته بالعقد ، فوجب الحكم باستمراره إلى ظهور المسقط ، وليس. وإلحاقه بالطلاق قياس باطل بالاتّفاق.

وبموت الزوج على الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الناصريّات (١) ؛ للأصل ، ومفهوم الكتاب (٢) ، وعموم : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ) (٣).

والمستفيضة ، منها الصحيح : في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : « إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها ، ولها الميراث » الخبر (٤) ، ونحوه الصحيح الآخر (٥) ، والموثّقان (٦) ، وغيرهما (٧).

خلافاً للمحكيّ عن صريح المقنع ، فكالطلاق (٨) ، وهو ظاهر الكافي والفقيه (٩) ، بل حكى عليه بعض المتأخّرين الشهرة بين قدماء الطائفة (١٠) ،

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٢.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) النساء : ٤.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٢.

(٥) التهذيب ٨ : ١٤٥ / ٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٠ / ١٢١٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢١.

(٦) أحدهما في : التهذيب ٨ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٠ / ١٢١٢ ، الوسائل ٢١ : ٣٣١ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٠.

والآخر في : التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٣ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٤.

(٧) انظر الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨.

(٨) المقنع : ١٠٥.

(٩) الكافي ٦ : ١١٨ ، الفقيه ٣ : ٣٢٦.

(١٠) هو السبزواري في الكفاية : ١٨٣.


واختاره من المتأخّرين جماعة (١) ؛ وعليه تدلّ المستفيضة الأُخر التي كادت تبلغ التواتر ، بل لا يبعد أن تكون متواترة ، وأكثرها معتبرة الأسانيد.

ففي الصحيح : في الرجل يموت وتحته امرأته لم يدخل بها ، قال : « لها نصف المهر » الخبر (٢).

والصحيح : « إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهراً ، فلها نصف ما فرض لها ، ولها الميراث » (٣).

والصحيح : عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها ، أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها ، قال : « أيّهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها » (٤).

وذكرها كملاً لا يناسب هذا المختصر.

فالقول بها لا يخلو عن قوّة ؛ لأنّ المظنّة الحاصلة من هذه الكثرة أقوى من الحاصلة من الشهرة ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة بين القدماء ولو كانت محكيّة ، ومخالفتها التقيّة كما صرّح به جماعة (٥) ، فيُخَصّ بها الأصل ، ويُصَرف النصوص السابقة عن ظواهرها بالحمل على النصف ؛ لأنّه مهرها ولو بَعُدَ في بعضها ، ومنه يظهر وجه رجحان لهذه النصوص ومرجوحيّة‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٨٩ ، العلاّمة المجلسي في مرآة العقول ٢١ : ٢٠٣ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٥٧.

(٢) الكافي ٦ : ١١٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١١٨ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٥٠١ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٦.

(٤) الكافي ٦ : ١١٩ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٧.

(٥) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٨٩ ، والعلاّمة المجلسي في مرآة العقول ٢١ : ٢٠٣ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٥٧.


لتلك ؛ لصراحة هذه دون الأوّلة.

وأمّا العموم ، فبعد تسليمه فشموله لمثل المقام محلّ نظر ، مع أنّه كالمفهوم نقول بهما ، إلاّ أنّ الخطاب فيهما للأحياء لا مطلقاً.

لكن المسألة بَعدُ محلّ إشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال.

وبموت الزوجة على الأشهر أيضاً ؛ لما عدا المستفيضة من الأدلّة المتقدّمة (١).

وفيها مضافاً إلى ما مرّ استفاضة المعتبرة بالتنصيف هنا من دون معارض أصلاً :

منها : الصحيح المتقدّم (٢) ، والموثّق : عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها ، فقال : « إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها نصف المهر ، وعليها العدّة كاملة ، ولها الميراث » (٣).

ونحوه آخر : في امرأة توفّيت قبل أن يدخل بها زوجها ، ما لها من المهر؟ وكيف ميراثها؟ فقال : « إذا كان قد مهرها صداقها فلها نصف المهر وهو يرثها ، وإن لم يكن فرض لها صداقها فهي ترثه ولا صداق لها » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار (٥).

__________________

(١) راجع ص ٤٠.

(٢) آنفا في ص ٤١.

(٣) الكافي ٦ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٥٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢٠٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٧ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٧ / ٥١٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٨ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨.


والعمل بها متعيّن ؛ لخلوّها عن المعارض ، مع اعتضادها بما مرّ ، وعمل جماعة من الأصحاب بها ، كالطوسي والقاضي والكيدري (١) وجماعة من المتأخّرين (٢).

( ولا يسقط ) شي‌ء من المهر عاجلاً كان أم آجلاً ( معه ) أي الدخول ( لو لم تقبض ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن ظاهر الانتصار (٣) ؛ للأصل ، والعمومات ، وخصوص المعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : الرجل يتزوّج المرأة على الصداق المعلوم ، فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً ، فقال : « يقدّم إليها ما قلّ أو كثر ، إلاّ أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادّي عنه ، فلا بأس » (٤).

والموثّق : عن الرجل يتزوّج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها ، قال : « لا بأس ، إنّما هو دين عليه لها » (٥) ونحوه الموثّق الآخر (٦) ، والمرسل كالصحيح (٧) ، وغيرهما (٨).

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٤٧١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٤ ، وحكاه عن قطب الدين في المختلف : ٥٤٤.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٩١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨٣ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٥٣.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٨٦ ، وهو في الانتصار : ١٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١٤٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٢١ / ٨٠١ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٥ أبواب المهور ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٤ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١٤٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٢١ / ٨٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٦ أبواب المهور ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٥ : ٤١٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١٤٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٢١ / ٨٠٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٩ أبواب المهور ب ٨ ح ١٠.

(٧) الكافي ٥ : ٤١٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥٧ / ١٤٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٠ / ٧٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٩ أبواب المهور ب ٨ ح ٩.

(٨) انظر الوسائل ٢١ : ٢٥٥ أبواب المهور ب ٨.


خلافاً للحلبي كما حكي ، فأسقط بالدخول ، سواء قبضت منه شيئاً أم لا ، طالت مدّتها أم قصرت ، طالبت به أم لم تطالب (١) ؛ للصحاح المستفيضة (٢) ، وأُوّلت بتأويلات (٣) غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة :

منها : حملها على ما إذا لم يكن قد سمّى مهراً معيّناً ، وساق إليها شيئاً ، ودخل ولم تعترض ، فيكون ذلك مهرها ، كما يأتي.

ومنها : حملها على قبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا.

وفي المختلف جعل منشأ الحكم العادة بتقديم المهر كما كانت في السالف ، قال : والعادة الآن بخلاف ذلك ، فإن فرض أن كانت العادة في بعض الأزمان والأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدّم ، وإلاّ كان القول قولها (٤).

قيل : ويخطر بالبال أن يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه ، حملاً للمطلق على المقيّد ؛ يدلّ عليه ما في بعضها : « إذا دخل بها فقد هدم العاجل » (٥) ، فإنّهم كانوا يومئذٍ يجعلون بعضه عاجلاً وبعضه آجلاً ، كما يستفاد من بعض الاخبار (٦) ، وكان معنى العاجل : ما كان دخوله مشروطاً على إعطائه إيّاها ، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأنّ المرأة أسقطت حقّها العاجل ورضيت بتركه ، ولا سيّما إذا كان قد أخذت بعضه ، وأمّا‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٤٨ ، وراجع الكافي في الفقه : ٢٩٤.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ٢٥٥ أبواب المهور ب ٨.

(٣) انظر التهذيب ٧ : ٣٦٠.

(٤) المختلف : ٥٤٣.

(٥) الكافي ٥ : ٣٨٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٥٩ / ١٤٦١ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٢ / ٨٠٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٦ أبواب المهور ب ٨ ح ٤.

(٦) انظر الوسائل ٢١ : ٢٦٤ أبواب المهور ب ١٠.


الآجل فلا يسقط إلاّ بالأداء (١).

وفيه نظر ؛ لاشتراط التكافؤ في الحمل ، وليس ؛ لصحّة المطلق ، وقصور المقيّد بحسب السند ؛ مع احتماله التقيّة كما صرّح به جماعة (٢).

ومع ذلك ، الخروج بمثل ذلك عن المستفيضة الأوّلة المعتضدة بالأصل ، والعمومات ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة جرأة عظيمة ، مع كونه إحداث قول ثالث في المسألة البتّة. ومع ذلك ، فلا يقبله بعض المستفيضة المسقطة ، كما يظهر من التدبّر فيه والملاحظة.

وبالجملة : الأخبار المذكورة وإن صحّ أسانيدها شاذّة لا يتأتّى المصير إليها.

( ولا يستقرّ ) المهر بجميعه ( بمجرّد الخلوة ) بالمرأة وإرخاء الستر على وجه ينتفي معه المانع مطلقاً ( على ) الأظهر ( الأشهر ) للأصل ، وقوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) (٣) ، فإنّ المراد بالمسّ هنا : الجماع ؛ للإجماع على أنّ مطلق المسّ غير موجب للجميع ، فينتفي إرادته ، وهو منحصر في الأمرين إجماعاً ؛ والنصوص المعتبرة به مستفيضة :

منها : الموثّقات المستفيضة المصرّحة ب : أنّه لا يوجب المهر إلاّ الوقاع في الفرج ، أصرحها الموثّق : عن رجل تزوّج امرأة ، فأغلق باباً‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٨٠.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٩٣ ، والمحدّث المجلسي في ملاذ الأخيار ١٢ : ٢٣٨ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٠٣.

(٣) البقرة : ٢٣٧.


وأرخى ستراً ولمس وقبّل ، ثم طلّقها ، أيوجب عليه الصداق؟ قال : « لا يوجب الصداق إلاّ الوقاع في الفرج » (١).

ومنها الصحيح : عن رجل تزوّج جارية لم تدرك لا يجامع مثلها ، أو تزوّج رتقاء ، فأُدخلت عليه ، فطلّقها ساعة أُدخلت عليه ، فقال : « هاتان ينظر إليهنّ من يوثق به من النساء ، فإن كنّ كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق الذي فرض لها » الخبر (٢).

ويؤيّدها المعتبرة في العنن ، الدالّة على أنّه ينظر سنة ، فإن وقع بها ، وإلاّ فسخت نكاحه ولها نصف المهر (٣) ، مع تحقق الخلوة في السنة وغيرها من المقدّمات.

خلافاً للصدوق ، فأوجب بها مطلقاً (٤) ؛ للنصوص المستفيضة وكلّها قاصرة الأسانيد أجودها الموثّق : عن المهر متى يجب؟ قال : « إذا أُرخيت الستور وأُجيف الباب » وقال : « إنّي تزوّجت امرأة في حياة أبي عليّ بن الحسين 8 ، وإنّ نفسي تاقت إليها ، فنهاني أبي فقال : لا تفعل يا بنيّ ، لا تأتها في هذه الساعة ، وإنّي أبيت إلاّ أن أفعل ، فلمّا دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان عليّ وكرهتها ، وذهبت لأخرج ، فقامت مولاة لها فأرخت الستر وأجافت الباب ، فقلت : مه ، قد وجب الذي تريدين » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٢١ أبواب المهور ب ٥٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٧ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٤٦٥ / ١٨٦٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٧ / ٨٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٥ أبواب المهور ب ٥٧ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤١١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٢٩ / ١٧٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٥١ / ٨٩٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٣٣ أبواب العيوب والتدليس ب ١٥ ح ١.

(٤) انظر المقنع : ١٠٩.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٦٥ / ١٨٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٨ / ٨٢٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٣ أبواب المهور ب ٥٥ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.


وهو مع قصور سنده ، ومخالفته لأُصول المذهب معارض بمثله ، الصريح في إيجاب أبيه عليه 8 في تلك القضيّة نصف المهر ، وفيه : « فلمّا رجعت إلى أبي وأخبرته كيف كان ، فقال : إنّه ليس عليك إلاّ النصف » يعني نصف المهر (١).

ومع ذلك فليس كالمتقدّمة عليه تعارض ما مرّ ، سيّما مع احتمال الجميع الحمل على التقيّة ، فروى العامّة عن عمر أنّه قال : من أرخى ستراً أو أغلق باباً فقد وجب عليه المهر (٢) ، وقد ذهب إليه أبو حنيفة (٣) وكثير من العامّة (٤) ؛ لهذه الرواية.

ولجماعة من القدماء ، فأوجبوا بها ظاهراً لا باطناً (٥) ؛ جمعاً بين النصوص ، يعنون : إذا كانا متّهمين ، يعني : يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه ، والمرأة تدفع العدّة عن نفسها ، ولكن إذا علمت أنّه لم يمسّها فليس لها فيما بينها وبين الله تعالى إلاّ النصف.

وليس بشي‌ء ؛ لأنّه فرع التكافؤ والشاهِد عليه ، وليسا ؛ مع أنّ الموثّق المتقدّم لا يجري فيه التهمة الموجبة للعمل بالظاهر.

وللإسكافي قول آخر بإلحاق مقدّمات الوطء كإنزال الماء بغير‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٦٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٦٦ / ١٨٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٨ / ٨٢٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٣ أبواب المهور ب ٥٥ ح ٧.

(٢) انظر الموطّأ ٢ : ٥٢٨ / ١٢ بتفاوت.

(٣) حكاه في بدائع الصنائع ٢ : ٢٨٩.

(٤) كابن قدامة في المغني ٨ : ٦٣ ، المحلّى لابن حزم ٩ : ٤٨٥ ، مغني المحتاج ٣ : ٢٢٥.

(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٤٧١ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٠٤ ، وحكاه في المختلف عن قطب الدين الكيدري : ٥٤٣.


جماع ، ولمس العورة ، والنظر إليها ، والقبلة بشهوة به (١) ؛ وربما يستدلّ له بإطلاق المسّ في الآية (٢).

وليس في محلّه ؛ للإجماع حتى منه على عدم اعتبار مطلقه في الاستقرار ، وعلى تقدير التماميّة فلا يعارض شيئاً من الأدلّة الماضية ، سيّما الموثّقة المتقدّمة (٣) ، النافية لما اعتبره صريحاً.

وبالجملة : فهو شاذّ لا وجه له بالمرّة.

( الثاني : قيل ) كما عن المقنعة والنهاية والمراسم والجامع والغنية والسرائر (٤) ، وحكى عليه الشهرة جماعة (٥) ، وفي الأخيرين الإجماع ـ : إنّه ( إذا ) تزوّجها و ( لم يسمّ لها مهراً ، وقدّم ) إليها ( شيئاً قبل الدخول ، كان ذلك مهرها ، ما لم يشترط ) قبل الدخول أنّ المهر ( غيره ) بكونه بعض المهر أو مبايناً له.

وحجّتهم عليه مع مخالفته الأُصول المقرّرة ، وإطلاق المعتبرة المصرّحة بثبوت مهر المثل للمفوِّضة بعد المواقعة (٦) غير واضحة ، سوى حكاية الإجماع السابقة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، وإطلاق النصوص المتقدّمة بسقوط المهر بعد المواقعة (٧) ، خرج عنها غير المرأة المزبورة‌

__________________

(١) كما حكاه عنه في المختلف : ٥٤٣.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) في ص ٤٥.

(٤) المقنعة : ٥٠٩ ، النهاية : ٤٧٠ ، المراسم : ١٥٢ ، الجامع : ٤٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، السرائر ٢ : ٥٨١.

(٥) منهم ابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٤٠٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٩٤ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨١.

(٦) الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢.

(٧) راجع ص ٤٤.


بالأدلّة ، وبقيت هي فيها مندرجة ، فيُخَصّ بذلك ما تقدّم من الأدلّة ؛ مع إمكان التأمّل في شمول إطلاق المعتبرة السابقة لمثل هذه الصورة.

وتوقّف فيه جماعة ، مختلفين في حكمها :

فبين من جمد على الأُصول وأثبت مهر المثل ، كما في المعتبرة (١).

وبين من فصّل بالعادة ، وحكم بالسقوط بدفع الشي‌ء قبل الدخول إن استقرّت على تقديم المهر عليه على ما في سابق الزمان ، وعدمه إن استقرّت على العدم كما استقرّت عليه الآن (٢).

كلّ ذا إذا لم يتّفقا على فرضه (٣) مهراً ، وإلاّ فلا شي‌ء لها قولاً واحداً جدّاً.

( الثالث : إذا طلّق ) الزوجة ( قبل الدخول ) وكان قد سمّى لها مهراً ، برئ ذمّته من نصف المسمّى إن كان ديناً ، و ( رجع بالنصف ) واستقرّ ملكه عليه ، قلنا بتملّكها الجميع بالعقد أم النصف خاصّة ، إجماعاً ونصّاً كما مضى ( إن كان ) عيناً ( دفعه ) إليها ( وطالبت ) مطلقاً ( بالنصف إن لم يكن أقبضها ).

( ولا يستعيد ) منها ( الزوج ما تجدّد من النماء بين العقد والطلاق ، متّصلاً كان كالسمن ) (٤) على الأصحّ الأشهر.

خلافاً للمبسوط ، فيستعيده هنا (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٤٦ ، نهاية المرام ١ : ٣٩٥ ، الكفاية : ١٨١.

(٢) المختلف : ٥٤٣ ، انظر كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٣) أي المدفوع إليها. منه ;.

(٤) في المختصر المطبوع : كاللبن.

(٥) المبسوط ٤ : ٢٧٨.


ويدفعه مضافاً إلى ظاهر الآية ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (١) بناءً على مغايرة العين الزائدة للمفروضة خصوص بعض المعتبرة : في الرجل يتزوّج المرأة على وصيف ، فكبر عندها ، ويريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : « عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها ، لا ينظر إلى زيادة أو نقصان » (٢).

وقصور السند لو كان منجبر بالشهرة بين الأعيان.

( أو منفصلاً ، كالولد ).

كلّ ذا بناءً على ما مرّ من تملّكها الجميع بنفس العقد ، وبخصوصه الموثق المتقدّم ثمّة (٣) ، ولا يعارضه الصحيح المتقدّم (٤) أيضاً ؛ لما عرفت.

وفي الخبر السابق تأييد لما ذكرنا ، فتأمّل جدّاً.

فتوقّف بعض من تأخّر (٥) ليس في محلّه قطعاً.

ثم إنّ ذا إذا وجده باقياً.

وإن وجده تالفاً ، أو منتقلاً عن ملكها ، فله نصف مثله إن كان مثليّا ؛ أو قيمته على الأظهر ، أو نصف قيمة المهر على الأشهر إن كان قيميّاً.

ثم إن اتّفقت القيمة ، وإلاّ فله الأقلّ من حين العقد إلى حين التسليم ؛ لحدوث الزيادة في ملكها ، فلا سبيل له عليها لو اختصّ النقص بحين‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٨ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٩ / ١٤٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٣ أبواب المهور ب ٣٤ ح ٢.

(٣) في ص ٣٧.

(٤) في ص ٣٨.

(٥) هو المحقّق السبزواري في الكفاية : ١٨٢.


العقد ؛ ولضمانه الناقص منه قبل القبض ، فلا يضمّنها ما هو من ضمانة لو انعكس (١).

وإن وجده معيباً ، رجع في نصف العين مع الأرش على الأظهر.

خلافاً للأشهر ، فيتخيّر الزوج بين الرجوع بنصف القيمة ، وبين أخذ نصف العين من غير أرش.

وفيه قول آخر (٢) مشارك له في الضعف ، بل وأمرّ.

ولو نقصت القيمة للسوق ، فله نصف العين خاصّة ، كصورة الزيادة وهي باقية.

ولو زادت زيادة متّصلة عيناً كانت أو صفة تخيّرت بين دفع نصف العين الزائدة ، ونصف قيمتها مجرّدة عن الزيادة ، على أظهر الأقوال وأشهرها في المسألة.

ولو اختارت الأول ، وجب على الزوج القبول في أظهر الوجهين.

وكذا لو تغيّرت في يدها بما أوجب زيادة القيمة ، كصياغة الفضّة وخياطة الثوب ، ويجبر على العين لو بذلتها في الأول ؛ لقبول الفضّة ما يريده منها ، دون الثوب ، إلاّ أن يكون مفصّلاً على ذلك الوجه قبل دفعه إليها ، من دون تصرّفها فيه بما لا يتأتّى معه حصول مقصودة.

( ولو كان النماء موجوداً حال العقد ، رجع بنصفه ) أيضاً ( كالحمل ) مع دخوله في المهر بالشرط أو التبع مطلقاً ، حصل الوضع بعد‌

__________________

(١) أي اختصّ النقص بحين التسليم. منه ;.

(٢) انظر المسالك ١ : ٥٤٧.


الطلاق أم قبله ، على الأصح ؛ لإطلاق الموثّق برجوعه (١) إلى نصف الأولاد بعد حمل الأُمّهات بها عنده (٢).

خلافاً لبعضهم ، فخصّه بالأول على الثاني خاصّة دون الأول (٣).

ولآخر ، فخصّه به عليهما (٤).

وجعله بعضهم احتمالاً (٥).

ولهم على ذلك وجوه اعتباريّة لا تنهض حجّة في مقابلة الرواية.

( ولو كان ) المهر ( تعليم صنعة ، أو علم ) مثلاً ( و ) طلّقها قبل الدخول بعد أن ( علّمها ) إيّاهما كملاً ( رجع ) عليها ( بنصف أُجرته ) المثليّة ؛ لتعذّر الرجوع بعين ما فرض ، فيكون كالتالف في يدها.

ولو كان قبل التعليم ، رجعت هي عليه في نصف الأُجرة في تعليم الصنعة قطعاً ؛ لعدم إمكان تعليمها نصفها ؛ لعدم وقوفه على حدّ ، وهو الواجب لها بالطلاق خاصّة قطعاً.

وكذا في تعليم السورة أيضاً إن استلزم المحرّم شرعاً ، وإلاّ فعليه تعليم نصفها ؛ لإمكان استيفاء عين الحقّ ، مع عدم المانع منه حينئذٍ أصلاً.

( ولو أبرأته من ) جميع ( الصداق ) المسمّى لها ( رجع ) عليها ( بنصفه ) لو طلّقها قبل الدخول ، وكذا لو وهبته إيّاه مطلقاً ، قبضته أم لا ، إجماعاً في الأخير كما عن المبسوط والخلاف (٦).

__________________

(١) في الأصل : برجوعها ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٦ / ٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٣ أبواب المهور ب ٣٤ ح ١.

(٣ و ٤) راجع المسالك ١ : ٥٤٨.

(٥) انظر القواعد ٢ : ٤٢.

(٦) المبسوط ٤ : ٣٠٨ ، الخلاف ٤ : ٣٩١.


وعلى الأظهر الأشهر فيهما ، بل كاد أن يكون إجماعاً ؛ لأنّها حين الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكاً تامّاً ، وما يرجع إليه بالطلاق ملك جديد ، ولهذا كان نماؤه لها ، فإذا طلّقها رجع عليها بنصفه ، كما لو صادفها قد أتلفته ، فإنّ تصرّفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف ، فيرجع بنصفه.

خلافاً للمبسوط والجواهر والقواعد ، فاحتملوا العدم (١) في صورة الإبراء ؛ لأنّها لم تأخذ منه مالاً ؛ ولا نقلت إليه الصداق ، لأنّ الإبراء إسقاطٌ لا تمليك ؛ ولا أتلفت عليه ، كما لو رجع الشاهدان بدين شهدا عليه في ذمّة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء ، وكان قد أبرأ المشهود عليه ، فإنّه لا يرجع على الشاهدين بشي‌ء. ولو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغرما له (٢).

ورُدّ بوضوح الفرق ، فإنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً ، فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق ، بخلاف مسألة الشاهد ، فإنّ الحقّ لم يكن ثابتاً كذلك ، فلم يصادف البراءة حقّا يسقط بالإبراء (٣).

وفيه مع ذلك ـ : أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر.

ففي الموثّق : عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ، ثم جعلته من صداقها في حلّ ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : « نعم ، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه ، وإن خلاّها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق » (٤).

__________________

(١) أي عدم الرجوع. منه ;.

(٢) استظهره من المبسوط والجواهر في كشف اللثام ٢ : ٩١ ؛ وهو في المبسوط ٤ : ٣٠٨ ، وجواهر الفقه : ١٧٧ ، والقواعد ٢ : ٤٣.

(٣) المسالك ١ : ٥٤٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٠١ أبواب المهور ب ٤١ ح ٢.


وفي الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة على ألف درهم ، فبعث بها إليها ، فردّتها عليه وقالت : أنا فيك أرغب منّي في هذه الألف ، هي لك ، فقبلها منها ، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : « لا شي‌ء لها ، وتردّ عليه خمسمائة درهم » (١).

ونحوه الموثّق (٢) والخبر (٣) ، بزيادة قوله : « الباقية ؛ لأنّها إنّما كانت لها خمسمائة فوهبتها له ، وهِبتها إيّاها له ولغيره سواء ». وفيهما الدلالة على الحكم في صورة الهبة ؛ وربما استدلّ بهما له في صورة الإبراء (٤) ، ويحتاج إلى النظر ؛ لأنّهما في الأُولى أظهر.

ولو وهبته النصف مشاعاً ، ثم طلّقها قبل الدخول ، فله الباقي ؛ صرفاً للهبة إلى حقّها منه ، كما لو وهبته لغيره فإنّهما سواء ، كما في الصحيح المتقدّم.

وفيه قول بالرجوع بنصفه وقيمة الربع (٥) ؛ بناءً على شيوع نصفيهما في تمام العين ، وشيوع النصف الموهوب أيضاً ، فتتعلّق الهبة بنصفي النصيبين ، فالنصف الباقي بمنزلة التالف نصفه ، وبقي نصفه.

وعن المبسوط : احتمال الرجوع بنصف الباقي خاصّة (٦) ؛ لأنّه لمّا تعلّقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلّقت بنصفي النصيبين ، فإنّما ملك من نصيبها النصف وهو الربع واستعجل نصف نصيب نفسه ، وإنّما بقي له‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١١ ، الوسائل ٢١ : ٣٠١ أبواب المهور ب ٤١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٤ أبواب المهور ب ٣٥ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٤ أبواب المهور ب ٣٥ ح ١.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٣٩٩.

(٥) حكاه في التنقيح الرائع ٣ : ٢٣٩ ، والمسالك ١ : ٥٥١.

(٦) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٩١ ، وانظر المبسوط ٤ : ٣٠٨.


النصف الآخر من نصيبه ، وهو الربع.

( الرابع : لو أمهرها ) أمة ( مدبّرة ) أو عبداً كذلك ، واقتصر عليها تبعاً للرواية ( ثمّ طلّق ) قبل الدخول ( صارت بينهما نصفين ) فيتناوبان في خدمتها ، فيوم له ويوم لها ، بلا خلاف في ذلك.

ولكن في بطلان التدبير ، فتملك الزوجة رقبتها ولو بعد موت السيّد ؛ أو العدم ، فحرّة بعد السبب (١) ، وإنّما ينصرف الإمهار إلى الخدمة خاصّة ؛ قولان.

فعن النهاية والمهذّب : الثاني (٢) لتوقّف البطلان على صريح الرجوع.

وفيه نظر.

وللخبر : عن رجل تزوّج امرأة على جارية له مدبّرة قد عرفتها المرأة وتقدّمت على ذلك ، وطلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال : فقال : « للمرأة نصف خدمة المدبّرة ، يكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيّدها الذي دبّرها يوم في الخدمة » قيل له : إن ماتت المدبّرة قبل المرأة والسيّد ، لمن يكون الميراث؟ قال : « يكون نصف ما تركته للمرأة ، والنصف الآخر لسيّدها الذي دبّرها » (٣).

وليس مع قصور السند نصّاً ، ولا خلاف فيما تضمّنه من الأحكام.

نعم ، ربما أشعر بعض عباراته ك‍ : تقدّمت على ذلك ، وماتت المدبّرة به.

__________________

(١) وهو موت السيد. منه ;.

(٢) النهاية : ٤٧٣ ، المهذب ٢ : ٢٠٩.

(٣) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٧ / ١٤٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٢ أبواب المهور ب ٢٣ ح ١.


وفي الاستناد إلى مثله نظر ، سيّما في مقابلة ما دلّ على أنّ التدبير وصيّة يبطل بنحو هذا التصرّف ، كما هو الأشهر.

( و ) لذا ( قيل ) كما عن الحلّي (١) ، وتبعه الأكثر ، بل عليه كافّة المتأخّرين ـ : إنّه ( يبطل التدبير بجعلها مهراً ، وهو أشبه ) لما مرّ.

نعم ، يتّجه الأول على القول بعدم تملّكها بالعقد جميع المهر ، وإنّما لها منه النصف. مع احتمال الثاني حينئذٍ أيضاً ؛ بناءً على وجود العقد الدالّ على الرجوع ، كما لو وهب الموصى به قبل الإقباض ، فتأمّل.

( الخامس : لو أعطاها عوض المهر ) المسمّى ( متاعاً أو عبداً آبقاً وشيئاً ، ثم طلّق ) قبل الدخول ( رجع بنصف ) مثل ( المسمّى ) أو قيمته ( دون ) نصف نفس المسمّى و ( العوض ).

أمّا الأول : فلانتقاله إليه بالمعارضة الجديدة ، فيكون بها كالعين التالفة أو الموهوبة له أو لغيره بمعاوضة أو غير معاوضة.

وأمّا الثاني : فلأنّ المستحقّ بالطلاق نصف المفروض ، والعوض غيره ، فليس له الرجوع في نصفه ، أو إجباره عليه.

وللصحيح : عن رجل تزوّج امرأة بألف درهم ، فأعطاها عبداً له آبقاً وبرداً حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : « إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد » قلت : فإن طلّقها قبل‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٨٨.


أن يدخل بها؟ قال : « لا مهر لها ، وتردّ عليه خمسمائة درهم ، ويكون العبد لها » (١).

( السادس : إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع ) ولا يخلّ بمقصود النكاح وإن كان عرضاً مقصوداً في الجملة ( فسد الشرط ) اتّفاقاً ، حكاه جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة فيه كالحسنة : « من اشترط شرطاً سوى كتاب الله تعالى فلا يجوز ذلك له ولا عليه » (٣) ، مضافاً إلى النصوص الآتية.

لا ما قيل من مخالفته المشروع ، واستلزام وجوب الوفاء به حرمة ما أباحه الشرع أو ندب إليه مثلاً (٤).

لمنعها ، بعد دلالة الشريعة بلزوم الوفاء بمطلق الشروط (٥) ، فتكون المخالفة أيضاً شرعيّة ، فلا بأس بها بعد قيام الدلالة عليها.

( دون العقد والمهر ) فيصحّان بلا خلاف يوجد هنا ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا (٦) ، ويظهر من المبسوط أيضاً (٧) ؛ لنسبته صحّة المهر المستلزمة لصحّة العقد بطريق أولى إلينا ، ولا ينافيه تصريحه في الكتاب المذكور بفساد العقد بشرطٍ ينافي المقصود منه (٨) ؛ لمغايرة مفروض كلامه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٢ أبواب المهور ب ٢٤ ح ١.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٨١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٧ أبواب المهور ب ٣٨ ح ٢.

(٤) قال به الشهيد في الروضة ٥ : ٣٦٢.

(٥) عوالي اللئلئ ١ : ٢١٨ / ٨٤.

(٦) انظر المسالك ١ : ٥٤٩ ، كشف اللثام ٢ : ٨١.

(٧) المبسوط ٤ : ٣٠٣.

(٨) المبسوط ٤ : ٣٠٣ ٣٠٤.


ما فرضناه هنا وادّعى هو الوفاق فيه جدّاً ، وإلاّ لكان التناقض منه ظاهراً كما لا يخفى ، فتوهّم الخلاف في المقام فاسد كما ترى ، فالإجماع المحكيّ بل القطعي هو الحجّة في صحّتهما.

( كما لو شرطت أن لا يتزوّج أو لا يتسرّى ، وكذا لو شرطت تسليم المهر في أجل فإن تأخّر عنه فلا عقد ).

مضافاً إلى المعتبرة في المثالين :

منها الصحيح : في رجل تزوّج امرأة ، وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة ، أو هجرها ، أو اتّخذ عليها سريّة ، فهي طالق ، فقضى في ذلك أنّ : « شرط الله تعالى قبل شرطكم ، فإن شاء وفى بما شرط ، وإن شاء أمسك واتّخذها عليها ونكح » (١) ونحوه غيره من المعتبرة (٢).

ومنها الصحيح : « في رجل تزوّج المرأة إلى أجل مسمّى ، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته ، وإن لم يجي‌ء بالصداق فليس له عليها سبيل ، شرطوا بينهم حيث أنكحوا ، فقضى أنّ بيد الرجل بضع امرأته ، وأحبط شرطهم » (٣).

وبهما مع الإجماع المركّب يُخَصّ القاعدة الحاكمة بفساد المشروط بفساد شرطه في المفروض (٤) إن تمّت.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٠ / ١٥٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٣١ / ٨٣٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٦ أبواب المهور ب ٣٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٧ أبواب المهور ب ٣٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٢ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٧٠ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٥ أبواب المهور ب ١٠ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٤) وهو فساد الشرط الغير المنافي لمقتضى العقد. منه ;.


مضافاً إلى النصوص الأُخر الموافقة لما مرّ في نحو مورده ، كالصحيح : « قضى عليّ 7 في رجل تزوّج امرأة وأصدقها واشترطت أنّ بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنّة ، وولّت الحقّ مَن ليس بأهله » قال : « فقضى أنّ على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق ، وذلك هو السنّة » (١).

وبإزاء هذه الأخبار أخبارٌ أُخر شاذّة قاصرة الأسانيد ، ومع ذلك فهي مختلفة ما بين مصرّح بفساد النكاح ، كالخبر : في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : « ولّى الأمر من ليس بأهله ، خالف السنّة ، ولم يجز النكاح » (٢).

ومصحّح للشرط وملزم للوفاء به ، كالموثّق : فيمن تزوّج امرأة ، ثم طلّقها فبانت منه ، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل لله عليه أن لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها ، فأعطاها ذلك ، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك ، كيف يصنع؟ قال : « بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له : فليف للمرأة بشرطها ، فإنّ رسول الله 6 قال : المؤمنون عند شروطهم » (٣).

وحمل الأخيرة في الكتابين تارةً على الندب ، وأُخرى على النذر وينافيهما الاستشهاد بما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط من حيث إنّه شرط وثالثةً على التقيّة ؛ لكونه مذهب العامّة (٤) ، وهو المعيّن ، كما يستفاد من‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٩ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٩ أبواب المهور ب ٢٩ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٨٨ / ٣٠١ ، الإستبصار ٣ : ٣١٣ / ١١١٣ ، الوسائل ٢٢ : ٩٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٤١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٦ أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢.


المعتبرة.

وفي المسألة وجهٌ بفساد المهر خاصّة ؛ لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق ، فهو في حكم المال ، والرجوع إلى قيمته متعذّر ؛ للجهالة ، فيجهل الصداق ، فيرجع إلى مهر المثل ، إلاّ أن يزيد المسمّى والشرط لها ، أو ينقص والشرط عليها ، فيجب المسمّى.

( أمّا لو شرطت أن لا يقتضّها ) أو لا يطأها ( صحّ ) كلّ من العقد والشرط مطلقاً ، وفاقاً للنهاية والإرشاد والمسالك (١) ؛ تمسّكاً بعمومي ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد والشرط ، والتفاتاً إلى خصوص المعتبرة الناصّة في المتعة ، والمطلقة فيها وفي الدائمة.

فالأول : الصحيح : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها متعة ، فقالت : أُزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر والتماس ، وتنال منّي ما ينال الرجل من أهله ، إلاّ أنّك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذّذ بما شئت ، فإنّي أخاف الفضيحة ، قال : « لا بأس ، ليس له إلاّ ما اشترط » (٢).

والثاني : الموثّق : رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضّها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : « إذا أذنت له فلا بأس » (٣).

ونحوه خبر آخر (٤) ، في سنده ابن فضّال ، المجمع على تصحيح‌

__________________

(١) النهاية : ٤٧٤ ، الإرشاد ٢ : ١٧ ، المسالك ١ : ٥٥٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٧٠ / ١١٦٠ ، الوسائل ٢١ : ٧٢ أبواب المتعة ب ٣٦ ح ١ ؛ وليس في الجميع لفظة : « متعة ».

(٣) الفقيه ٣ : ٢٩٧ / ١٤١٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٩ / ١٤٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٥ أبواب المهور ب ٣٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٨ أبواب المهور ب ٣٩ ح ٢.


رواياته ، فلا يضرّ ضعف راويه.

( و ) الأول منهما صريح في أنّه ( لو أذنت له في الوطء جاز ) وهو الأشهر.

وربما قيل بالمنع أو استُشكِل فيه ؛ لعدم حلّ الفرج بالإذن ، بل بالعقد ، ولم يثمر الحلّ هنا ؛ لمكان الشرط (١).

وفيه مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ ـ : أنّ السبب في الحلّ : العقد المتقدّم لا مجرّد الإذن ، غاية الأمر أنّ الشرط مانع من عمل السبب عمله ، وبالإذن يرتفع المانع.

( ومنهم من خصّ الجواز ) في كلّ من العقد والشرط ( بالمتعة ) التفاتاً إلى منافاة الشرط مقتضى العقد ؛ بناءً على أنّ من أهمّ مقتضياته حصول التناسل الموقوف على الوطء ؛ مع منافاته للسنّة ، كما يرشد إليه فحوى الصحيح السابق (٢) ، الدالّ على مخالفة اشتراط جعل أمر الجماع بيد الزوجة لها ، فمخالفة اشتراط عدمه بالمرّة لها بطريق أولى ، ومعها يفسد ، وفساده ملازم لفساد مشروطه بمقتضى القاعدة ، خرج عنها الشرط في المسألة السابقة بالإجماع والنصّ المختصَّين بها ، بقي ما نحن فيه داخلاً فيها ، ولا مخرج له عنها سوى العمومين ، وليس يجريان هنا بعد فساد الشرط كما لا يخفى ؛ لاستلزام العمل بهما الوفاء به ، ولا يجوز ؛ لإطلاق الحسن المتقدّم (٣) بعدمه.

وأمّا الخبران ، فليس فيهما سوى الإطلاق الغير المنصرف إلى المقام ؛

__________________

(١) راجع القواعد ٢ : ٣٨ ، والإيضاح ٣ : ٢٠٨.

(٢) في ص ٥٩.

(٣) في ص ٥٧.


لعدم تبادره منهما ، وغلبة موردهما في المتعة ، مع ظهور الثاني منهما فيها ، فليس اللازم منهما سوى الجواز فيها ، ونحن نقول به ، فهذا القول أقوى ، وفاقاً لكثير من الأصحاب (١).

وهنا قولان آخران : فساد الشرط وصحّة العقد إمّا مطلقاً في الدائم والمنقطع كما عن الحلّي (٢) وجماعة (٣) أو في الأول خاصّة وصحّتهما في الثاني ، كما عن ابن حمزة (٤).

وربما نُسِب إلى العلاّمة في المختلف القول بفسادهما مطلقاً (٥).

وضعف الجميع يظهر ممّا قدّمناه سيّما الأول والأخير لو كان لاتّفاق النصوص المعتبرة بدفعهما.

( السابع : لو شرط أن لا يخرجها من بلدها ، لزم ) على الأصحّ الأشهر.

لأنّه شرط لا يخالف المشروع ، فإنّ خصوصيّات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل والأُنس وغيرها ، فجاز شرطه توصّلاً إلى الغرض المباح.

وللصحيح : في الرجل يتزوّج امرأة ، ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها ، قال : « يفي لهذا بذلك » أو قال : « يلزمه ذلك » (٦).

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ٤ : ٣٠٤ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٤٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٤٥. وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٠٤.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٥٤٥ ، وهو في السرائر ٢ : ٥٨٩.

(٣) منهم القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٦٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٥٤٥ ، وهو في الوسيلة : ٢٩٧.

(٥) المختلف : ٥٤٥.

(٦) الكافي ٥ : ٤٠٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٢ / ١٥٠٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٩ أبواب المهور ب ٤٠ ح ١.


والصحيح لابن أبي عمير : قال : قلت لجميل بن درّاج : رجل تزوّج امرأة ، وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم فقال : قد روى أصحابنا عنهم : : « أنّ ذلك لها ، وأنّه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها » (١).

ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم ».

خلافاً للحلّي (٢) وجماعة (٣) ، فأبطلوا الشرط وصحّحوا العقد ؛ لأنّ الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حقّ الزوج بأصل الشرع ، وكذا السلطنة له عليها ، فإذا شرط ما يخالفه كان باطلاً ، وحملوا الرواية على الاستحباب.

ويشكل أولاً : بورود مثل ذلك في سائر الشروط السائغة ، التي ليست بمقتضى العقد ، كتأجيل المهر ، فإنّ استحقاقها المطالبة به في كلّ زمان ومكان ثابتٌ بأصل الشرع أيضاً ، فالتزام عدم ذلك في مدّة الأجل يكون مخالفاً. وكذا القول في كلّ تأجيل ونحوه من الشروط السائغة. والحقّ : أنّ مثل ذلك لا يمنع ، خصوصاً مع ورود النصّ الصحيح بجوازه بخصوصه ، مع اعتضاده بما دلّ على الجواز بعمومه.

وثانياً : باستلزام فساد الشرط على تقدير تسليمه فساد المشروط بمقتضى القاعدة ، ولا مخرج عنها هنا كما في نظائرها ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود مضى الجواب عنه ، فمقتضاه فساد العقد أيضاً ، ولو قيس بمحلّ الوفاق كان باطلاً.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٠ أبواب المهور ب ٤٠ ح ٣.

(٢) السرائر ٢ : ٥٩٠.

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٣٨٨ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٢٠٩ ، والمحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ١٣ : ٣٩٨.


وأمّا حمل الأمر المستفاد من الخبر الذي بمعناه على الاستحباب ، فلا ريب أنّه خلاف الحقيقة ، فلا يصار إليه ، مع إمكان الحمل عليها ، وهو ممكن.

فالقول بالجواز أوجه في مسألة النصّ المشهور.

وأمّا المنزل ، فكذلك في أظهر الوجهين ؛ لعموم الأدلّة ، واتّحاد طريق المسألتين ؛ مع التصريح فيه في ثاني الصحيحين المتقدّمين ، الظاهر في اشتهار ذلك ومقبوليّته في زمان الصادقين :.

فالقول بالمنع (١) معتذراً بالوقوف فيما خالف الأصل على موضع النصّ ليس في محلّه ؛ لمنع مخالفة الأصل أولاً كما مضى بيانه مفصّلاً ، ثم الجواب بعد تسليمها بوجوده في النصّ أيضاً.

ومتى حكمنا بصحّته صحّ إسقاطه إجماعاً ، حكاه فخر المحقّقين (٢).

وقيل بالمنع ؛ لأنّه حقّ يتجدّد في كلّ آن ، فلا يعقل إسقاطه ما لم يوجد حكمه ، وإن وجد سببه (٣).

وهو مع أنّه استبعاد محض ، ومنقوض بوجود النظير ، كهبة المدّة للمتمتّع بها غير مسموع في مقابلة الإجماع المحكيّ.

( ولو ) تزوّجها بمائة ، ولكن ( شرط لها ) بقاء استحقاقها ال ( مائة ) المزبورة ( إن خرجت معه ) إلى بلاده ( و ) انتقاص ( خمسين ) منها ( إن لم تخرج ) معه إليها ، ( فإن أخرجها إلى ) بلده ، وكان ( بلد الشرك ، فلا شرط له ) عليها ، ولم تجب إطاعته عليها في‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١٣ : ٣٩٩.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٩.

(٣) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٦٦.


الخروج إليه ؛ حذراً من لزوم الضرر عليها في دينها غالباً ، مع لزوم الهجرة عن بلاد الشرك جزماً.

( ولزمته المائة ) التي عقدها عليها ، ولا ينقص منها شي‌ء لفقد شرطه الذي هو الامتناع المستند إلى شهوة نفسها ؛ فإنّ الامتناع هنا شرعيّ لا استناد له إليها قطعاً ، فيكون الأصل بقاء مهرها المضروب لها.

( وإن أرادها إلى بلاد الإسلام ، فله الشرط ) الذي اشترط ، فإن طاوعته لزمته المائة ، وإلاّ فالخمسون ؛ لوجود سبب النقص ، وهو امتناعها بنفسها.

وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب ؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالشروط من حيث عدم منافاته الشرع كما مرّ.

والتفاتاً إلى خصوص الحسن ، بل الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده ، فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون ديناراً ، أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال : فقال : « إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ، ولها مائة دينار التي أصدقها إيّاها ، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها ، والمسلمون عند شروطهم ، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدّي إليها صداقها ، أو ترضى من ذلك بما رضيت ، وهو جائز له » (١).

وليس فيه مخالفة للأُصول ، التي منها : لزوم تعيين المهر ، وقد تضمّن جهالته بالتردّد بين الزائد والناقص.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٧ ، قرب الإسناد : ٣٠٣ / ١١٩١ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٩ أبواب المهور ب ٤٠ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.


ومنها : عدم استحقاقها الزائد بإخلالها بالشرط الذي هو الخروج معه إلى بلاده وقد تضمّن استحقاقها إيّاه لو أراد إخراجها إلى بلده ، الذي هو بلد الشرك.

بناءً على ما قرّرنا من تعلّق الشرط بخصوص النقص ، ووقوع العقد في الأصل على الزائد ، فلا جهالة فيه من حيث التردّد أصلاً ، وإنّما اللاّزم من الشرط سقوط النصف منه على تقدير الامتناع من الخروج معه إلى بلده.

وكان استحقاقها الزائد حينئذٍ في محلّه في الصورة المفروض فيها ذلك ؛ بناءً على عدم وجود ما يوجب النقص ، وهو الامتناع من الخروج معه وإن حصل ؛ لكونه بموافقته الشرع كعدمه ، فكأنّها لم تمتنع ، فلها المهر المضروب لها.

وأمّا إطلاق الحكم فيه بلزوم تسليم جميع المائة لو أراد خروجها إلى بلده ، فمقيّد بصورة إرادة الخروج بها قبل الدخول مع امتناعها منه قبل التسليم ؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على عدم الوجوب بعده إن امتنعت من التسليم قبل الاستيفاء ، ومطلقاً إن لم تمتنع ، كما يأتي.

فاندفع عنه ما يوجب التردّد في العمل به كما في الشرائع (١) أو ردّه ، كما ارتضاه جماعة (٢).

( الثامن : لو اختلف ) الزوجان ( في أصل المهر ) بأن ادّعته المرأة وأنكره الزوج ، ( فالقول قول الزوج بيمينه ) إن كان الاختلاف قبل‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣٢٩.

(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٤٧٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٦٣.


الدخول ، بلا خلاف ولا إشكال ؛ لأنّه منكر لما تدّعيه ، والعقد بمجرّده لا يقتضي اشتغال ذمّة الزوج بالصداق ؛ لاحتمال تجرّده عن ذكر المهر أو تسميته ما لم يثبت في ذمّة الزوج.

( و ) كذا ( لو كان بعد الدخول ) على الأشهر ، وهو الأظهر قطعاً مع ثبوت انتفاء التفويض باتّفاقهما عليه ، أو البيّنة ، أو ما في معناها ؛ لجواز كون المسمّى ديناً في ذمّة الزوج ، أو عيناً في يدها ، فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرّده مقتضياً لاشتغال ذمّة الزوج بشي‌ء من المهر.

وظاهراً مع احتماله (١) أيضاً ؛ لأصالة البراءة المرجّحة على أصالة عدم التسمية ، مع أنّ فرض التساوي لا يوجب الحكم باشتغال الذمّة إلاّ مع رجحان الأصالة الأخيرة ، وليس فليس.

ولو اتّفقا على التفويض ، ترتّب عليه حكمه من ثبوت مهر المثل مع الدخول ، والمتعة مع الطلاق قبله ، من غير إشكال.

ولو ادّعى أحد الزوجين التفويض والآخر التسمية ، فالأظهر أنّ القول قول مدّعي التفويض ؛ لأصالة عدم التسمية. لكن ليس للمرأة المطالبة بزيادةٍ على ما تدّعيه من مهر المثل أو التسمية.

ولو ثبت تسميته قدر معيّن إمّا بإقراره ، أو البيّنة ، أو الشياع ، أو ما في معناه ممّا يفيد العلم ثم ادّعى تسليمه ولا بيّنة ، كان القول قول الزوجة مع يمينها ، على الأشهر الأظهر ؛ لأنّه مدّعي التسليم وهي منكرة ، فيقدّم قولها فيه.

وفي المسألة أقوال منتشرة ، أجودها ما سطرناه تبعاً لبعض الأجلّة (٢).

__________________

(١) اي التفويض.

(٢) نهاية المرام ١ : ٤١٠.


ولو اختلفا في المقدار ، فالمشهور بغير خلاف بل في المسالك دعوى الوفاق عليه (١) أنّ القول قول منكر الزيادة مطلقاً ؛ للأصل ، والصحيح : في رجل تزوّج امرأة ، فلم يدخل بها ، فادّعت أنّ صداقها مائة دينار ، وادّعى الزوج أنّ صداقها خمسون ديناراً ، وليس لها بيّنة على ذلك ، قال : « القول قول الزوج مع يمينه » (٢).

خلافاً للقواعد ، فقال : وليس بعيداً من الصواب تقديم من يدّعي مهر المثل ، فإن ادّعى النقصان وادّعت الزيادة ، تحالفا وردّا إليه. ولو ادّعيا الزيادة المختلفة ، احتمل تقديم قوله ؛ لأنّه أكثر من مهر المثل. ولو ادّعيا النقصان ، احتمل تقديم قولها ومهر المثل (٣).

وفيه خروج عن النصّ الصحيح ، المعتضد بالأصل ، والشهرة ، والإجماع المحكيّ.

( وكذا لو خلا ) بها ( فادّعت المواقعة ) وأنكرها الزوج ، كان القول قوله بيمينه ، على الأشهر الأظهر ؛ عملاً بالأصل.

وقيل بالعكس ؛ ترجيحاً لظاهر الحال (٤). وعليه نزّل ظواهر ما مرّ من الأخبار في استقرار المهر بالخلوة (٥) ، وهو كما ترى ، والتحقيق فيه قد مضى.

( التاسع : يضمن الأب مهر ) زوجة ( ولده الصغير ) الذي زوّجها‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٥٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٦ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٤ / ١٤٧٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٤ أبواب المهور ب ١٨ ح ١.

(٣) القواعد ٢ : ٤٤.

(٤) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٧٨.

(٥) راجع ص ٤٦.


منه ( إن لم يكن له ) أي للولد ( مال وقت العقد ) أو كان ولكن ضمن الأب عنه.

( ولو كان له مال ) ولم يكن ضمن ( كان ) واجباً ( على الولد ) اتّفاقاً منّا ، كما عن الخلاف والمبسوط والسرائر والتذكرة (١) ، والمعتبرة به مستفيضة :

منها الصحيح : عن رجل كان له ولد ، فزوّج منهم اثنين وفرض الصداق ، ثم مات ، من أين يحسب الصداق ، من جملة المال؟ أو من حصّتهما؟ قال : « من المال ، إنّما هو بمنزلة الدين » (٢).

وهو كصحيحين آخرين (٣) وإن شمل بحسب الإطلاق ضمان الأب للمهر في كلّ من صورتي يسار الولد وإعساره ، إلاّ أنّه مقيّد بالثاني ؛ بالإجماع ، والمعتبرة الأُخر :

منها الموثّق : عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ، قال : « إذا كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن للمهر ، ضمن أو لم يضمن » (٤).

والخبر : فيمن زوّج ابنه الصغير ، على من الصداق؟ قال : « على الأب إن كان ضمنه لهم ، فإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام ، إلاّ أن لا يكون‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٧٣ ، المبسوط ٤ : ٢٩٢ ، السرائر ٢ : ٥٦٩ ، التذكرة ٢ : ٦٠٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٨٩ / ١٥٥٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٨ أبواب المهور ب ٢٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ١٦٩ / ٦٨٧ ، و ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٨ أبواب المهور ب ٢٨ ذيل ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٩ / ١٥٥٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٧ أبواب المهور ب ٢٨ ح ١.


للغلام مال فهو ضامن له وإن لم يكن ضمن » (١).

ونحوه الصحيحان ، المرويّ أحدهما عن كتاب عليّ بن جعفر (٢) ، والثاني عن كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى (٣).

ويستفاد منها ما قدّمناه من ضمانه لمهر الولد مع يساره أيضاً إذا ضمنه ، مع أنّي لا أعرف فيه خلافاً هنا.

وإطلاق النصّ والفتوى يشملان ضمان الأب المهر مع إعسار الولد مطلقاً ولو تبرّأ عن ضمانه.

خلافاً للقواعد والتذكرة ، فاستثنى منه صورة التبرّي (٤) ، واختاره بعض المتأخّرين (٥) ؛ تمسّكاً بعموم : « المؤمنون عند شروطهم ». وفيه : أنّ ارتكاب التقييد فيه به ليس بأولى من العكس ؛ لكون التعارض بينهما تعارض العمومين من وجه. بل العكس أولى ؛ لاعتضاد الإطلاق هنا بفتوى الفقهاء ، فيترجّع على العموم المزبور. لكن في شمول مثل هذا الإطلاق لنحو محلّ الفرض إشكال ؛ لعدم التبادر منه ، وانصرافه إلى غيره.

ثم مع ضمانه صريحاً ، لو أدّى فهل يرجع به على الطفل؟ الأصحّ : لا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٩ / ١٥٥٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٧ أبواب المهور ب ٢٨ ح ٢.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٩٧ / ٤١٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٨ أبواب المهور ب ٢٨ ح ٤.

(٣) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٣٥ / ٣٤٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٩ أبواب المهور ب ٢٨ ح ٥.

(٤) القواعد ٢ : ٤٣ ، التذكرة ٢ : ٦٠٩.

(٥) هو صاحب المدارك في نهاية المراد ١ : ٤١٢.


وكذا لو أدّى تبرّعاً عن الموسر كالأجنبي.

ولو دفعه عنه ، ثم بلغ الصبي ، فطلّق قبل الدخول ، استعاد الولد النصف دون الوالد ، بلا خلاف كما حكي (١) ؛ وهو الحجّة فيه لو تمّ ، لا ما قيل من أنّ ذلك يجري مجرى الهبة له (٢) ، فإنّه مجرّد دعوى خالية عن الدليل.

وكذا لو أدّى عن الكبير تبرّعاً.

وربما يستدلّ للحكم بإطلاق النصوص الحاكمة بتنصيف المهر بالطلاق وعوده إلى الزوج (٣) ، وفي شموله للمقام نوع كلام.

ودفعه (٤) بالإجماع على شموله له بالنظر إلى التنصيف ، فيشمل العود أيضاً بقرينة السياق بعد تحقّق هذا الإجماع.

مدفوعٌ بتوقّف صحّته على انعقاد الإجماع على الشمول المذكور ، وليس بمعلوم ، فيحتمل انعقاده على أصل التنصيف لا على استفادته من الإطلاق.

وأصالة عدم الانتقال إلى الأب بعد خروج النصف عن ملك الزوجة بالطلاق بالوفاق لو تمسّك بها لا توجب انتقاله إلى الولد إلاّ بعد خلوّها عن المعارض ، وليس ، فإنّها معارضة بمثلها ، وهو أصالة عدم الانتقال إلى الولد ، فترجيح أحدهما لا بدّ له من مرجّح ، وليس ، فللتوقّف فيه وجه ، كما صرّح به في الشرائع (٥) ، وتبعه قوم كما حكي (٦).

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٨١.

(٢) قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية ٥ : ٣٧٤ ، وصاحب المفاتيح ٢ : ٢٨١.

(٣) قال صاحب الحدائق ٢٤ : ٥٧٦.

(٤) أي الكلام.

(٥) الشرائع ٢ : ٣٣٣.

(٦) انظر مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٨١.


ولو لم يكن دفعه قبل الطلاق ، قيل : يبرأ ذمّة الأب عن النصف ، ولزمه النصف للزوجة (١).

وقيل : بل يلزمه الكلّ مع إعسار الزوج ، فيدفع النصف الآخر إليه ؛ لأنّه ليس بهبة حينئذٍ ليحتاج إلى القبض (٢).

( العاشر : للمرأة أن تمنع ) من تسليم نفسها إلى الزوج قبل الدخول بها ( حتى تقبض مهرها ) إن كان حالاّ ، عيناً كان أم منفعة ، متعيّناً كان أم في الذمّة ، موسراً كان الزوج أم معسراً.

إجماعاً فيما عدا الأخير ، حكاه جماعة ، منهم : شيخنا في المسالك والروضة (٣) ؛ وهو الحجّة فيه ، دون مفهوم بعض المعتبرة :

كالموثّق : عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ، ثم جعلته في حلّ من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : « نعم ، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه » (٤).

إذ اللازم منه بعد تسليم دلالته عدم جواز الدخول مع عدم إعطاء شي‌ء ، وذلك مع مخالفة عمومه الإجماع غير ملازم لجواز امتناعها من التسليم معه ، فقد لا يجوز لها مع حرمة دخول الزوج بها قبل الإعطاء ، فتأمّل.

وعلى الأشهر في الأخير أيضاً ، بل عن الغنية الإجماع ظاهراً (٥) ؛ بناءً على أنّ النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة ، ومن حكمها : أنّ‌

__________________

(١) قال به العلاّمة في القواعد ٢ : ٤٤.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٨١.

(٣) المسالك ٢ : ٥٤٠ ، الروضة البهية ٥ : ٣٧٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٠١ أبواب المهور ب ٤١ ح ٢.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.


لكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلّم إليه الآخر مطلقاً ، وغاية الإعسار المنع من المطالبة ، وهو لا يقتضي وجوب التسليم إليه قبل قبض العوض ، فالقول بأنّ ليس لها الامتناع حينئذٍ لمنع مطالبته كما عن الحلّي (١) ضعيف ، كذا قالوه.

وهو جيّد إن تمّ ما ادّعوه من الدليل على أنّ لها الامتناع ، وهو كون النكاح في معنى المعاوضة ، لكنّه محلّ تأمّل ، كيف لا؟! ولم يقم عليه بحيث يشمل المقام دليل ، بل على تقديم قيام الدلالة عليه ربما منع ممّا ادّعوه من حكمها.

فإذاً المصير إلى ما قاله الحلّي لا يخلو عن قوّة ، وفاقاً لجماعة (٢) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المدلول عليه بالأدلّة القطعيّة الدالّة على وجوب إطاعة الزوج على الزوجة على القدر المتّفق عليه ، وهو ما قدّمناه.

لكن الظاهر انعقاد الإجماع هنا حتى من الحلّي ؛ لاعتذاره في المخالفة بما ينبئ عن الموافقة لهم في الأصل المتقدّم من أنّها معاوضة يترتّب عليها الحكم السالف ، وأنّ الداعي له عليها هو ما ذكره من الدلالة المردودة بما ذكره الجماعة ، فالمصير إلى ما ذكروه أقوى.

واحترزنا بالحالّ عمّا لو كان مؤجّلاً ، فإنّ تمكينها لا يتوقّف على قبضه إجماعاً كما حكاه جماعة (٣) إذ لا يجب لها حينئذٍ شي‌ء ، فيبقى وجوب حقّه عليها بغير معارض.

ولو أقدمت على فعل المحرّم وامتنعت به أو بعذر شرعي كالمرض‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٩١.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤١٤ ، وصاحب الكفاية : ١٨٠.

(٣) المهذب البارع ٣ : ٤١٦ ، انظر الكفاية : ١٨٠.


ونحوه عن التسليم إلى أن حلّ الأجل ، ففي جواز امتناعها إلى أن تقبضه تنزيلاً له منزلة الحالّ ابتداءً وعدمه بناءً على وجوب تمكينها قبل الحلول فيستصحب ؛ ولأنّها لمّا رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حقّ لها في الامتناع ، فلا يثبت بعد ذلك لانتفاء المقتضي وجهان ، أجودهما : الثاني ، سيّما على المختار من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل المتقدّم على ما انعقد عليه الإجماع ، وليس المقام منه ؛ لتحقّق الخلاف.

ولو كان بعضه حالاّ وبعضها مؤجّلاً ، كان لكلّ واحد منهما حكم مماثله.

ثم على المشهور ، إنّما يجب على الزوج تسليم المهر إذا كانت مهيّاة للاستمتاع ، فلو كانت ممنوعة بعذر وإن كان شرعيّاً كالإحرام لم يلزم ؛ لأنّ الواجب التسليم من الجانبين ، فإذا تعذّر من أحدهما لم يجب من الآخر.

نعم ، لو كانت صغيرة يحرم وطؤها ، فالأقوى تبعاً لجماعة من أصحابنا (١) ، سيّما على ما اخترنا وجوب دفع مهرها إذا طلبه الوليّ ؛ لأنّه حقّ ثابت حالّ ، طلبه من له حقّ الطلب ، فيجب دفعه كغيره من الحقوق.

وعدم قبض العوض الآخر غير مانع ؛ أمّا على المختار فواضح ؛ وأمّا على غيره فلمجيئه من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجباً على نفسه عوضاً حالاً ، ورضي بتأخير قبض العوض إلى محلّه ، وهذا بخلاف النفقة ؛ لأنّ سبب وجوبها التمكين التامّ دون العقد. ووجه عدم الوجوب قد علم ممّا سلف مع جوابه.

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٧١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤١٤ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ١٨٠.


( وهل لها ذلك ) أي الامتناع ـ ( بعد الدخول ) بها؟

( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما بل عن السرائر والغنية الإجماع عليه (١) ـ : ( أنّه ليس لها ذلك ).

لاستقرار المهر بالوطء ، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها ، فانحصر حقّها في المطالبة دون الامتناع.

ولأنّ النكاح معاوضة ، ومتى سلّم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ليتسلّم العوض الآخر.

ولأنّ منعها قبل الدخول ثابت بالإجماع ، ولا دليل عليه بعده ، فينتفي بالأصل السالف ، فإنّ التسليم حقّ عليها ، والمهر حقّ عليه ، والأصل عدم تعلّق أحدهما بالآخر ، فيتمسّك به إلى أن يثبت الناقل.

خلافاً للمفيد والمبسوط ، فلها الامتناع (٢) ؛ لأنّ المقصود بعقد النكاح منافع البضع ، فيكون المهر في مقابلها ، ويكون تعلّق الوطء الأوّل به كتعلّق غيره.

وهو قويّ ؛ للاستصحاب الذي لا يعارضه شي‌ء ممّا ذكره الأصحاب. إلاّ أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ربما أشكلت المصير إليه ، سيّما مع دعوى الحلّي والعلوي على خلافه الإجماع كما حكي ؛ فهو الحجّة فيه ، مع الشهرة العظيمة الدافعة للقول المزبور ، وللقول بتخصيص عدم جواز الامتناع بما إذا سلّمت نفسها اختياراً ، وأمّا لو دخل بها مكرهاً فحقّ الامتناع بحاله ؛ لأنّه قبض فاسد ، فلا يترتّب عليه أثر الصحيح ، كما عن ابن حمزة (٣).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٩١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥١٠ ، المبسوط ٤ : ٣١٣.

(٣) الوسيلة : ٢٩٩.


( النظر الثالث )

( في القَسم والنشوز والشقاق )

( أمّا القَسم ) وهو بفتح القاف ، مصدر : قسمت الشي‌ء ، والمراد به : قسمة الليالي بين الأزواج. أمّا بالكسر فهو : الحظّ والنصيب.

ولا ريب ولا خلاف في وجوبه في الجملة ؛ لما فيه من العدل بينهنّ ، وتحصينهنّ ، والمعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية (١).

قيل : وللتأسّي (٢). وفيه نظر ؛ لمنع وجوبه أوّلاً ، ثم على تقدير تسليمه منعه هنا ؛ لعدم وجوبه عليه في المشهور بين الخاصّة والعامّة ، ولا يجب التأسّي إلاّ فيما يفعله 6 وجوباً ، أو ما لم يعلم عدم وجوبه.

وفيما مرّ كفاية لإثبات الوجوب ؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة :

منها : « من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه (٣) مائل ، أو ساقط » (٤).

وهل يجب بنفس العقد والتمكين ، ( فـ ) يجب ( للزوجة الواحدة ليلة ) من أربع ( وللاثنتين ليلتان ، وللثلاث ثلاث ، والفاضل من ) تمام‌

__________________

(١) النساء : ١٩.

(٢) انظر الروضة البهية ٥ : ٤١١ ، والحدائق ٢٤ : ٥٨٨.

(٣) الشقّ : من كلّ شي‌ء نصفه القاموس المحيط ٣ : ٢٥٨.

(٤) عقاب الأعمال : ٣٣١ ، الوسائل ٢١ : ٣٤١ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٣ ح ١ ؛ وانظر عوالي اللئلئ ١ : ٢٧٢ / ٩٠ ، المستدرك ١٥ : ١٠٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٢ ح ١ ؛ بتفاوت ، ورواه البيهقي في سننه ٧ : ٢٩٧ بتفاوت.


( الأربع ) ليالي ( يضعه حيث يشاء ) في الزوجات كما في المعتبرة (١) ، وعليه الإجماع عن الخلاف والغنية (٢) أو غيرهنّ ، ( ولو كُنّ أربعاً فلكلّ واحدة ليلة )؟

أم يتوقّف على الشروع في القسمة ، فلا تجب إلاّ للمتعدّدة خاصّة إلى أن ينقضي الدور فحلّ تركه؟ قولان.

قيل : يبنيان على أنّ القسمة هل هي حقّ لهما ابتداءً؟ أو للزوج خاصّة؟ والمشهور : الأول ؛ لاشتراك ثمرته وهي الاستئناس ، وللصحيح (٣) وغيره (٤) : في الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحبّ إليه من الأُخرى ، قال : « له أن يأتيها ثلاث ليال وللأُخرى ليلة ، فإن شاء أن يتزوّج أربع نسوة كان لكلّ امرأة ليلة ، فلذلك كان له أن يفضّل بعضهنّ على بعض ما لم يكنّ أربعاً ».

والمحقّق والشهيد الثاني (٥) على الثاني ؛ لأنّه المتيقّن ، والأصل براءة الذمّة ؛ ولأنّ حقّ الاستمتاع ليس للزوجات ، ومن ثمّة لم يجب على الزوج بذله إذا طلبته ، والجماع لا يجب إلاّ في كلّ أربعة أشهر ، وإنّما وجبت القسمة للمتعدّدة مع الشروع مراعاةً للعدل ، ولظاهر ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٦) ؛ دلّت على أنّ الواحدة كالأمة ـ

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٣٣٧ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١.

(٢) الخلاف ٤ : ٤١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٠ / ١٢٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٨ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٩ / ١٦٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٢ / ٨٦٦ ، علل الشرائع : ٥٠٣ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٧ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١ ح ٢.

(٥) المحقق في الشرائع ٢ : ٣٣٥ ، الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤١١.

(٦) النساء : ٣.


لا حقّ لها في القسمة المعتبر فيها العدل ، فلو وجبت لها ليلة من الأربع لساوت غيرها ، وكلّ من قال بعدم الوجوب للواحدة قال بعدمه للأزيد أيضاً ، إلاّ مع الابتداء بواحدة فيجب التسوية (١). انتهى.

وفي كلّ من البناء ودعوى تلازم القول بنفي الوجوب للواحدة ونفيه للأزيد نظر :

أمّا الأول : فلتصريح العلاّمة في التحرير باشتراك الحقّ بينهما مع اختياره القول الثاني (٢) ، ونحوه الماتن في الشرائع والشهيد الثاني في الروضة (٣) ، وليس في مختارَيهم مناقضة ، فقد يكون مرادهم من شركة الزوجة في القسمة استحقاقها لها بعد الشروع فيها لا مطلقاً.

وأمّا الثاني : فلتصريح ابن حمزة باشتراط وجوب القسمة بزيادة الزوجة على واحدة (٤) ، الظاهر في وجوبها للمتعدّدة دون الواحدة ، وحكي أيضاً عن ظاهر جماعة ، كالمقنعة والنهاية والمهذّب والجامع (٥).

فليس في الآية دلالة على نفي الوجوب للمتعدّدة.

وأصالة البراءة وغيرها ممّا ذكر لنفيه فيها أيضاً مدفوعة بإطلاق الصحيح وغيره بأنّ « لكلّ امرأة ليلة » الشامل لصورتي الشروع في القسمة وعدمه. والتقييد بالأُولى يحتاج إلى دليل ، وليس.

فالقول بوجوب القسمة للمتعدّدة غير بعيد.

__________________

(١) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٩١.

(٢) التحرير ٢ : ٤٠.

(٣) الشرائع ٢ : ٣٣٥ ، الروضة ٥ : ٤٠٤ ، ٤١١.

(٤) الوسيلة : ٣١٢.

(٥) المقنعة : ٥١٧ ، النهاية : ٤٨٣ ، المهذب ٢ : ٢٢٥ ، الجامع للشرائع : ٤٥٦ ، حكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٩٤.


لكن يمكن المناقشة في الإطلاق باختصاصه بحكم التبادر والسياق ، بل والغلبة بما قُيِّد به من الصورة الأُولى دون الثانية ، فلا يخصَّص بمثله أصالة البراءة.

وأمّا إطلاق الأمر بالقسمة في بعض المعتبرة (١) ، فمع ما فيه من المناقشة المزبورة ، قرائن الاستحباب فيه موجودة.

فالقول بمقالة الجماعة المتأخّرة في غاية القوّة.

كلّ ذا في المتعدّدة.

وأمّا الزوجة الواحدة ، فينبغي القطع بعدم استحقاقها القسمة بالمرّة ؛ لأصالة البراءة السالمة عن المعارض ولو نحو الإطلاقات السابقة ، ودعوى.

الإجماع المركّب قد عرفت أنّها ممنوعة ، مضافاً إلى ظاهر الآية السابقة.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : وجوب القسمة للواحدة والمتعدّدة مطلقاً شرع فيها أم لا ، واختصاصه بالمتعدّدة مطلقاً ، وعدمه إلاّ مع الشروع فيها.

ثم إن تعدّدن ، ابتدأ بالقرعة ، فإن كانتا اثنتين ، وإلاّ افتقر إلى قرعة أُخرى للثانية ، وهكذا ؛ لئلاّ يرجّح بغير مرجّح.

وقيل : يتخيّر (٢). قيل : وعلى قول الشيخ يتخيّر من غير قرعة (٣).

ولعلّه لأنّه حقّه ، فله التخيير في وضعه في أيّهنّ شاء. ولكنّه في المبسوط صرّح بلزوم القرعة (٤).

ولا تجوز الزيادة في القسمة على ليلة بدون رضاهن ، وهو أحد‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٤.

(٢) المسالك ١ : ٥٦٣ ، كفاية الأحكام : ١٨٦.

(٣) انظر الروضة البهية ٥ : ٤١١.

(٤) المبسوط ٤ : ٣٢٦.


القولين وأشهرهما في المسألة ؛ لأنّه الأصل المحقّق المعلوم من النصوص (١) ولئلاّ يلحق بعضهنّ ضرر بذلك ، فقد يعرض ما يقطعه عن القسم للمتأخّرة.

والآخر : جوازها مطلقاً (٢) ؛ للأصل. ويدفع بما مرّ.

وربما قيل به مقيّداً بالضرر ، كما لو كنّ في أماكن متباعدة يشقّ عليه الكون كلّ ليلة مع واحدة ، وحينئذٍ يتقيّد بما يندفع به الضرر ، ويتوقّف ما زاد على رضاهن (٣).

وهو حسن إن لم يمكن دفع الضرر بنحو آخر ، كرفع التباعد ، وتقريب أماكنهن ؛ ويشكل مع الإمكان.

( ولا يجوز الإخلال ) بالمبيت الواجب ( إلاّ مع العذر ) كنشوزها إلى أن ترجع إلى الطاعة ، والسفر مطلقاً ( أو الإذن ) منهنّ أو من بعضهنّ فيما يختصّ الإذن به.

( والواجب ) في البيتوتة هو ( المضاجعة ) خاصّة ، وهي : أن ينام معها قريباً منها عادةً ، معطياً لها وجهه دائماً أو أكثريّاً ، بحيث لا يعدّ هاجراً ، وإن لم يتلاصق الجسمان.

ولا يعتبر فيها حصولها في جميع الليل ، بل يكفي فيه ما يتحقّق معه المعاشرة بالمعروف.

و ( لا ) يجب فيها ( المواقعة ) لأنّها لا تجب إلاّ في كلّ أربعة أشهر ، كما مضى إليه الإشارة (٤) ؛ وبعدم وجوبها فيها صرّحت معتبرة إبراهيم الكرخي الآتية.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢١ : ٣٤٣ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٥ ح ٢ و ٣.

(٢) مع رضاهنّ أم لا. منه ;.

(٣) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤١١.

(٤) في ص ٧٧.


ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( ويختصّ الوجوب بالليل ) على الأشهر الأظهر ، فلا يجب النهار ؛ تمسّكاً بالأصل ، وظواهر المعتبرة المصرّحة بالليلة (١) ، الظاهرة في اختصاص الواجب بها ؛ مع أنّ النهار وقت التردّد والانتشار في الحوائج ، قال الله تعالى ( وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ) (٢) ، فلا تجب القسمة فيه.

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي ، فأوجب القيلولة في صبيحة تلك الليلة عند صاحبتها (٣).

وللمبسوط ، فأوجب الكون مع صاحبة الليلة نهاراً (٤) ، ووافقه في التحرير ، لكنّه جعل النهار تابعاً للّيلة الماضية (٥).

ولا دليل على شي‌ء من ذلك ، مع مخالفته لما قدّمناه من الأدلّة.

نعم ، يمكن الاستدلال للمبسوط بالأخبار الآتية الدالّة على أنّ للحرّة يومين وللأمة يوم (٦) ، والدالّة على تخصيص البكر والثيّب بالأيّام (٧) ؛ بناءً على كون اليوم اسماً لمجموع الليلة والنهار.

لكنّها مع معارضتها بما مرّ معارضة بالمعتبرة الأُخر في المقامين ، المصرّحة بدل اليوم بالليلة ، فلا بدّ من التجوّز في أحد الطرفين ، إمّا بأن‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١ ، ٥ ، ٩.

(٢) النبإ : ١١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٨٠.

(٤) المبسوط ٤ : ٣٢٧.

(٥) التحرير ٢ : ٤٠.

(٦) انظر الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ ٥١٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ الأحاديث ٢ ، ٣ ، ٤.

(٧) الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢.


يراد من اليوم الليلة خاصّة تسميةً للجزء باسم كلّه ، أو يراد من الليلة مجموع اليوم المشتمل على النهار تسميةً للكلّ باسم جزئه. والترجيح للأول ؛ لكثرة الأخبار الدالّة على الليلة ، المعتضدة بما قدّمناه من الأدلّة ؛ ومع ذلك فهي بحسب الأسانيد معتبرة ، دون الأخبار المعارضة ؛ لقصور سند ما يتعلّق بالقسم الأول طرّاً.

فالمصير إلى ما هو المشهور متعيّن جدّاً ، ولكن الاحتياط معه ، سيّما مع ما فيه من العدالة وحسن الإنصاف المرغب إليهما شرعاً.

( و ) أمّا ما ( في رواية ) إبراهيم ( الكرخي ) الصحيحة إليه ، المتضمّن لمن أجمع على تصحيح رواياته العصابة ، فلا تضرّ الجهالة من أنّه : ( « إنّما عليه أن يكون عندها في ليلتها ، ويظلّ عندها في صبيحتها ) وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك » (١).

فليس فيه دلالة على شي‌ء من الأقوال المتقدّمة حتى الأول ؛ لتصريحه بالقيلولة الغير الملازم للكون معها في صبيحة الليلة بالمرّة ، فالاستدلال له به لا وجه له بالمرّة ؛ ومع ذلك فلا تقاوم شيئاً ممّا قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، فحمله على الاستحباب متعيّن.

ثمّ ليس المراد من البيتوتة معها في الليلة القيام معها في جميعها ، بل ما يعتاد منها ، وهو بعد قضاء الوطر من الصلاة في المسجد ، ومجالسة الضيف ، ونحو ذلك ؛ حملاً للإطلاق على المتعارف ، مع عدم منافاته للمعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية.

نعم ، ليس له الدخول في تلك الليلة على الضرّة إلاّ للضرورة فيما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٤ / ٣٤ ، الفقيه ٣ : ٢٧٠ / ١٢٨٢ ، التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٢ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٥ ح ١.


قطع به الأصحاب ؛ لمنافاته المعاشرة المزبورة ، ومن الضرورة : عيادتها إذا كانت مريضة ، وقيّده في المبسوط بثقل المرض وإلاّ لم يجز ، فإن مكث وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعدّ إقامة عرفاً ، فيأثم خاصّة (١).

ثم إطلاق النصّ والفتاوي بوجوب الليلة وارد مورد الغلبة ، وهي ما يكون معاشه نهاراً ، فلو انعكس كالوقّاد ، والحارس ، والبزّار فعماد قسمته النهار خاصّة بلا خلاف ؛ جمعاً بين الحقّين ، ودفعاً للضرر ، والتفاتاً إلى قوله تعالى ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) (٢) ، فتأمّل.

ولو كان مسافراً معه زوجاته ، فعماد القسمة في حقّه وقت النزول ، قليلاً كان أم كثيراً ، ليلاً أم نهاراً ؛ لبعض ما مرّ.

( وإذا اجتمع مع ) الزوجة ( الحرّة أمة بالعقد ) الدائم حيث جوّزناه ( فللحرّة ليلتان ، وللأمة ليلة ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٣) وغيره (٤) ، والنصوص به مستفيضة.

ففي الصحيح : « إذا كانت تحته أمة مملوكة ، فتزوّج عليها حرّة ، قسم للحرّة مثلي ما يقسم للملوكة » (٥) ونحوه الموثّق (٦) وغيره (٧).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٢٧ ٣٢٨.

(٢) الفرقان : ٦٢.

(٣) الخلاف ٤ : ٤١٢.

(٤) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، وإيضاح الفوائد ٣ : ٢٤٨ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ٢.

(٧) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١١٧ / ٢٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٧ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ٤.


وخلاف المفيد حيث نفى القسمة للأمة (١) مع خلّوه عن المستند ، شاذٌّ لا يلتفت إليه ، سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

ثم إنّ التثليث وإن كان يتحقّق بتنصيف الليلة للأمة وتتميمها للحرّة فلهما ليلة ونصف من أربع ليال ، وليلتان ونصف له يضعها حيث يشاء إلاّ أنّ المشهور تخصيصه بتثليث الليالي ، فللأمة ليلة ، وضِعفها للحرّة ، ويكون ذلك من ثمان ؛ جمعاً بين حقّهما وحقّ الزوج ، فيكون الذي له منها خمس يضعها حيث يشاء ، ولهما ثلاث ، وأكثر النصوص وإن خلت عن ذلك إلاّ أنّ الباقي مصرّح به.

ففي القويّ : « فإن تزوّج الحرّة على الأمة فللحرّة يومان وللأمة يوم » (٢) ونحوه خبران آخران (٣).

وفي الموثّق : « للحرّة ليلتان ، وللأمة ليلة » (٤) ونحوه غيره (٥).

مضافاً إلى الإجماع عليه عن الخلاف وغيره.

والتأيّد بما ذكره جماعة من أنّ في تنصيف الليلة تنغيصاً (٦) للعيش‌

__________________

(١) المقنعة : ٥١٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٠ / ٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ٣.

(٣) أحدهما في : الكافي ٥ : ٣٥٩ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ٢.

والآخر في : التهذيب ٧ : ٣٤٤ / ١٤٠٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧٠ / ١٢٨٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ٣.

(٥) دعائم الإسلام ٢ : ٢٤٥ / ٩٢٤ ، المستدرك ١٥ : ١٠٤ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٦ ح ١.

(٦) نَغَّصَ الله عليه العيش تنغيصاً ، أي كدّره الصحاح ٣ : ١٠٥٩.


ودفعاً للاستئناس ، وأنّ أجزاء الليل يعسر ضبطها غالباً ، فلا يكون مناطاً للأحكام الشرعيّة (١).

فتنظّر بعض الأصحاب فيما ذكروه من التثليث بحسب الليالي (٢) بناءً على أنّ الأصل في دور القسمة أربع ليال ، فالعدول إلى جعله من ثمان ، كما هو اللازم عليه بمجرّد عدم صحّة القسمة ، من دون ليلة كاملة ، مشكل ، سيّما مع إمكانها بالعوارضات الخارجة ليس في محلّه.

ثمّ إنّ إطلاق النصّ والفتوى يقتضي جواز الجمع بين ليلتي الحرّة والتفريق بينهما. ولكن أوجب بعض الثاني مع عدم رضائها بالأول ، ليقع لها من كلّ أربع واحدة (٣) ؛ ولعلّه ناظر إلى ثبوت الحقّ لها في كلّ أربع ليال واحدة ، ولا يسقط ذلك باجتماعها مع الأمّة ، وليس في الإطلاقات ما ينافيه بوجهٍ بالمرّة.

وهو حسن ، لكنّه على إطلاقه مشكل ؛ لتوقّف ثبوت الحقّ المزبور على المشهور من ثبوت القسمة أول مرّة ولو لم يكن هناك زوجات متعدّدة ، وأمّا على غيره فلا ، إلاّ مع التعدّد والشروع في القسمة الموجبين لثبوت الحقّ المزبور لها ، وهو اجتماعها مع الحرّة ، وليس اجتماعها مع الأمة بعد الشروع في القسمة لهما منه قطعاً ، كيف لا؟! وثبوته لها إلى هذا الحدّ يحتاج إلى دليل ، وليس ؛ لعدم النصّ والإجماع ؛ لإطلاقهما بحقّها (٤) من دون تصريح بالتفريق أو الجمع ، وهو يقتضي جواز كلّ من الأمرين.

__________________

(١) انظر نهاية المرام ١ : ٤٢١ ، والحدائق ٢٤ : ٦٠٠ ، وكشف اللثام ٢ : ٩٦.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦٤.

(٣) حكاه في نهاية المرام ١ : ٤٢١.

(٤) أي الحرّة. منه ;.


هذا ، مع أنّ إطلاق الحكم بوجوب التفريق لتحصيل الحقّ ليس في محلّه ، فقد يحصل مع الجمع ، كما إذا شرع في قسمتها في الليلة الرابعة من ليالي القسمة ثم تلاها بالليلة الخامسة ، فيحصل حينئذٍ من كلّ أربع واحدة.

( والكتابيّة ) الحرّة ( كالأمة ) المسلمة ، فللحرّة المسلمة ليلتان ولها ليلة ، بلا خلاف يُعبأ به بين الطائفة ، بل عن الخلاف الإجماع (١) ؛ ويدلّ عليه بعده عموم : أنّها بمنزلة الإماء ، المستفاد من المعتبرة (٢) ، وخصوص الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة مع أنّه عدّ مثله في الصحيح جماعة (٣) ـ : « للمسلمة الثلثان ، وللأمة والنصرانيّة الثلث » (٤).

فتوقّف بعض من تأخّر (٥) ليس في محلّه.

والكتابيّة الأمة لها ربع القسمة ؛ لئلاّ تساوي الأمة المسلمة ، وللأصل مع عدم المخرج عنه ، سوى إطلاق الخبر المتقدّم بالتنصيف للنصرانيّة ، وليس فيه حجّة لتخصيص الأصالة المزبورة ؛ بناءً على أنّ المتبادر منها بحكم سياق العبارة ، حيث جعلت في مقابلة الأمة كونها حرّة.

ومن هنا يظهر دليل آخر للحكم في المسألة السابقة ؛ بناءً على مخالفة وجوب القسمة لأصالة البراءة ، فيكتفى في الخروج عنها بالإضافة إلى الكتابيّة الحرّة على ما هو المتيقّن من الأدلّة ، وليس إلاّ كونها كالأمة ؛ إذ‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٤١١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ١١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٥ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ٨ ح ١.

(٣) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٣٥٩ / ٥ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١١٨ / ٣٠٠ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٤ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ٧ ح ٣.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦٤.


مساواتها للحرّة المسلمة لا دليل عليها ، سوى إطلاق الأدلّة بأنّ للحرّة من أربع ليال ليلة ، وليس ينصرف إلى مثلها بالضرورة.

( و ) من هنا ينقدح الوجه فيما قاله الماتن من أنّه ( لا قسمة للموطوءة بالملك ) مضافاً إلى الإجماع عليه. وفي حكمها الموطوءة بالعقد المنقطع والتحليل ؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.

( وتختصّ البكر عند ) حدثان عرسها و ( الدخول ) عليها استحباباً لا وجوباً للأصل ، مع انتفاء الصارف عنه من النصّ وكلام أكثر الأصحاب ، من حيث عدم تضمّنهما ما يدلّ على الوجوب ، سوى الأمر في بعض النصوص (١) ، ولوروده في مقام جواب السؤال عن جواز التفضل لا دلالة له على الوجوب ؛ لوروده في مقام توهّم الحظر ـ ( بثلاث ) ليال ( إلى سبع ) وفاقاً للشيخ في كتابي الأخبار (٢).

جمعاً بين الأخبار المختلفة المصرحة بالأول ، كالصحيح (٣) وغيره (٤) : « إذا تزوّج الرجل بكراً وعنده ثيّب فله أن يفضّل البكر ثلاثة أيّام ». وبالثاني ، كالصحيح (٥) وغيره (٦) : الرجل يكون عنده المرأة يتزوّج‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٨.

(٢) الاستبصار ٣ : ٢٤١ ، التهذيب ٧ : ٤٢٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٢٠ / ١٦٨١ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٢ / ٨٦٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٩ / ١٦٧٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٢ / ٨٦٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٧.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٦٩ / ١٢٨١ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٢٠ / ١٦٨٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٤١ / ٨٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٥.


أُخرى ، إله أن يفضّلها؟ قال : « نعم ، إن كانت بكراً فسبع ، وإن كانت ثيّباً فثلاثة أيّام ». وصريح الشيخ في الكتابين أفضليّة الأول.

خلافاً للأكثر ، فالثاني ، وهو أظهر ؛ لرجحان أخباره بالشهرة العظيمة ، بل وإجماع الطائفة كما حكاه عن خلافه بعض الأجلّة (١). ومن هنا يظهر عدم الخلاف في جواز التخصيص بالسبع ، وحكى عليه الإجماع جماعة (٢).

وهل هو على سبيل الاستحقاق خاصّة ، فلا يقضي منها شيئاً لغيرها ، كما هو ظاهر إطلاق النصّ والفتوى؟ أم لا تستحقّ منها سوى الثلاث ، وأمّا البواقي فلا ، بل غاية الأمر جواز تقديمها ، ومعه فيقضيها للباقيات؟ قولان.

ولم يُنقَل الأخير إلاّ عن الإسكافي (٣) ؛ ولا دليل عليه سوى ما قيل عنه من الجمع بين الروايات (٤) ، وهو جيّد مع وضوح الشاهد عليه ، وليس ، فليس ؛ مع أنّه قريب ممّا ذكرته العامّة وما أوردوا فيه من الرواية.

كلّ ذا في البكر.

( و ) أمّا ( الثيّب ) المضاهية لها في حدثان العرس فتختصّ عنده ( بثلاث ) بلا خلاف في أكثر النصوص والفتاوي.

وربما يوجد في بعض الأخبار والفتاوي (٥) التفضيل بالسبع ، ففي العلل : إنّ رسول الله 6 تزوّج زينب بنت جحش ، فأولم وأطعم الناس‌

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٩٧ ، وهو في الخلاف ٤ : ٤١٤.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤١٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩٧.

(٣ و ٤) المسالك ١ : ٥٦٥ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٢.

(٥) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٩٧ عن الخلاف.


إلى أنّ قال : ولبث سبعة أيّام بلياليهنّ عند زينب ، ثم تحوّل إلى بيت أُمّ سلمة ، وكان ليلتها وصبيحة يومها من رسول الله 6 (١).

وهو مع قصور سنده ، وشذوذه ، وعدم مكافأته لما مرّ. من الأخبار يحتمل الحمل على اختصاصه به صلوات الله عليه وآله.

وعن الخلاف : أنّ للثيّب حقّ التخصيص بثلاثة خاصّة لها ، أو بسبعة يقضيها للباقيات ؛ مدّعياً عليه الإجماع وهو موهون بمصير الكلّ إلى الخلاف والأخبار (٢) ، ولم نجدها ، وما تقدّم ليس منها كما لا يخفى.

نعم ، في النبويّ كما حكي ـ : قال لأُمّ سلمة حين بنى بها : « ما بك على أهلك من هوان ، إن شئتِ سَبَّعتُ عندك وسَبَّعتُ عندهن ، وإن شئتِ ثلّثتُ عندك ودُرتُ » (٣).

وليس فيه مع قصور سنده ، وعدم مكافأته لما مرّ حجّة ؛ لاحتمال الاختصاص به 6.

ثم المتبادر من إطلاق النصّ والفتوى توالي الليالي وحرّية المرأتين ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على الشمول للأمة ، ولكن اختلفوا في المساواة في التقدير أو التنصيف لها كما هو القاعدة المطّردة على قولين ، والأشهر : الأول ، والأظهر : الثاني ، وفاقاً للتحرير (٤) ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، وليس إلاّ المجمع عليه ، وهو ما ذكروا ؛ التفاتاً‌

__________________

(١) علل الشرائع ٦٤ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق باب ٢ ج ٢.

(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٩٧ ، وهو في الخلاف ٤ : ٤١٣.

(٣) الموطّأ ٢ : ٥٢٩ / ١٤ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٠٠.

(٤) التحرير ٢ : ٤١.


إلى ثبوته في أكثر الموارد ، والظنّ يلحق الشي‌ء بالأعمّ الأغلب.

ولا فرق في الثيّب بين الزائل بكارتها بالجماع وغيره ، لا لشمول الإطلاق لهما ، لانصرافه إلى الأُولى منهما قطعاً ؛ بل للأصل ، وعدم المخرج عنه ، سوى إطلاق أخبار البكر الغير الصالح للشمول للثانية بمقتضى عدم تبادرها منه ، كما لا تتبادر من الإطلاق الأول لندرتها ، ولو لا الإجماع على ثبوت الثلاث لها مع فحوى ثبوته للأُولى لأمكن انتفاؤه عنها أيضاً ؛ لما مضى.

( ويستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق ، وإطلاق الوجه ، والجماع ) استحباباً مؤكّداً ؛ لما فيه من رعاية العدل وتمام الإنصاف.

وليس بواجب بلا خلاف في الظاهر ؛ للأصل ، وقوله تعالى ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) (١) ، ومثل هذا مَيلٌ وليس كلّ المَيل. وفي الخبر : « يعني في المودّة » وقوله سبحانه ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (٢) ، « في النفقة » (٣) وفيه قصور بحسب السند.

وللصحيح : عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة والعطيّة ، أيصلح ذلك؟ قال : « لا بأس ، وأجهد في العدل » (٤).

__________________

(١) النساء : ١٢٩.

(٢) النساء : ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٢ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٢٠ / ١٦٨٣ ، تفسير القمي ١ : ١٥٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٥ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٧ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٨٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٤١ / ٨٦١ ، الوسائل ٢١ : ٣٤١ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٣ ح ١.


والنهي عن التفضيل في الحرائر في الخبر (١) إمّا محمول على التفضيل في الواجب ، أو الكراهة.

( وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ) لما مرّ من الخبر المعتبر (٢). والأحوط الكون عندها في نهار الليلة ؛ للشبهة الناشئة عمّا ذكرناه من الأدلّة ومخالفة العلاّمة (٣).

( وأمّا النشوز ) واصلة الارتفاع ( فهو ) هنا بل وربما مطلق عليه في اللغة أيضاً ـ : ( ارتفاع أحد الزوجين ) وخروجه ( عن طاعة صاحبه فيما يجب له ) عليه ؛ لأنّه بالخروج يتعالى عما أوجب الله تعالى عليه من الطاعة.

( فمتى ظهر من المرأة أمارة العصيان ) بتقطيبها في وجهه والضجر والسأم بحوائجه التي يجب عليها فعلها من مقدّمات الاستمتاع ، بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إليه ، لا مطلق حوائجه ؛ إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلّق بالاستمتاع. أو تغيّر عادتها في أدبها معه قولاً كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين ، أو غير مُقبِلة بوجهها بعد أن كانت تُقبل أو فعلاً ، كأن يجد إعراضاً أو عبوساً بعد لطف وطلاقة ونحو ذلك.

( وعظها ) أوّلا بلا هجر ولا ضرب ، فلعلّها تبدي عذراً أو تتوب عمّا جرى منها من غير عذر.

والوعظ كأن يقول : اتّقي الله تعالى في الحقّ الواجب لي عليك‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٤١ / ٨٦٢ ، الوسائل ٢١ : ٣٤١ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٣ ح ٢.

(٢) راجع ص ٨٢.

(٣) راجع ص ٨١.


واحذري العقوبة. ويبيّن لها ما يترتّب على ذلك من عذاب الله تعالى في الآخرة ، وسقوط النفقة والقسم في الدنيا.

( فإن لم ينجع ، هجرها في المضجِع ) بكسر الجيم ، ( وصورته ) كما في القواعد وعن الصدوقين (١) : ( أن يولّيها ظهره في الفراش ) ونسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا (٢) ، ورواه في مجمع البيان عن مولانا الباقر 7 (٣) ، وصرّح به في الرضوي : « والهجران : هو أن يحوّل إليها ظهره في المضجِع » (٤).

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط والسرائر ، فأن يعتزل فراشها (٥).

وللمفيد (٦) وجماعة (٧) ، فخيّروا بينهما. وهو أقوى ؛ لاندراجهما في الهجر عرفاً ، فله الإتيان بأيّهما. إلاّ أنّ الأول أحوط وأولى.

ولعليّ بن إبراهيم في تفسيره ، فيسبّها (٨). ولا دليل عليه أصلاً.

( فإن لم ينجع ، ضرَبَها ، مقتصراً ) في الضرب ( على ما يؤمّل معه طاعتها ) فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلاّ تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ( ما لم يكن ) مدمياً ولا ( مبرِّحاً ) أي شديداً كثيراً.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٤٨ ، الصدوق في المقنع : ١١٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٩٦.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٣٨.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٤.

(٤) فقه الرضا 7 : ٢٤٥.

(٥) المبسوط ٤ : ٣٣٨ ، السرائر ٢ : ٧٢٩.

(٦) المقنعة : ٥١٨.

(٧) منهم يحيى بن سعيد في الجامع : ٤٧٨ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ٤٢ ، والمحقق الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٠١.

(٨) تفسير القمي ١ : ١٣٧.


وتفسير الضرب مشهور بين الأصحاب. إلاّ أنّه روى في المجمع عن مولانا الباقر 7 : « أنّه الضرب بالسواك » (١) وبه صرّح في الرضوي : « والضرب بالسواك ونحوه ضرباً رقيقاً » (٢) وهو أحوط وإن كان الأول أقوى ؛ عملاً بظاهر اللفظ في الآية ، المعتضد بعمل أصحابنا ، المؤيّد بالاعتبار جدّاً.

والأصل في المسألة : قوله سبحانه ( وَاللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) (٣).

وهل الأُمور الثلاثة على التخيير؟ أو الجمع؟ أو الترتيب بالتدرّج من الأخفّ إلى الأثقل كمراتب النهي عن المنكر؟ وعلى التقادير ، هل هي مع تحقّق النشوز؟ أو ظهور أماراته قبل وقوعه؟ أو معهما ، بمعنى : أنّ الوعظ والهجر مع الثاني ، والضرب مع الأول؟ أقوال.

أقواها : الثالث في المقامين ، وهو الترتيب بين الأُمور الثلاثة مع اختصاص أوّلَيها مرتّباً بينهما بظهور أمارة النشوز ، وثالثها بتحقّق النشوز ، وفاقاً للمبسوط وللماتن في الشرائع والعلاّمة في القواعد (٤).

عملاً في جواز الأمرين الأولين مع ظهور أمارة النشوز بظاهر الآية ، حيث عُلِّقا فيها على خوف النشوز الملازم لظهور أماراته. وحمله على العلم مجازٌ لا يصار إليه إلاّ مع القرينة المفقودة في المقام ، واستعماله فيه في بعض المواضع غير صالح للقرينة بالبديهة.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٤.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٤٥.

(٣) النساء : ٣٤.

(٤) المبسوط ٤ : ٣٣٧ ، الشرائع ٢ : ٣٣٨ ، القواعد ٢ : ٤٨.


وفي الترتيب بينهما بتقديم الوعظ وتأخير الهجر عنه بما ورد في الصحاح من الأمر بالبدأة بما بدأ الله تعالى (١) ، ومعه لا يمكن الجمع ؛ إذ مع الوعظ إمّا تنجع وتطيع ، فليس له عليها بعد ذلك سبيل بنصّ ذيل الآية والإجماع والاعتبار ؛ وإمّا أن لا ينجع ، فيجوز حينئذٍ الهجر ، وهو عين الترتيب المتقدّم.

وفي عدم الضرب إلاّ مع تحقّق النشوز الإجماع (٢) المحكيّ عن المبسوط والخلاف (٣) ؛ وعُلِّل أيضاً بعدم جواز العقوبة إلاّ على فعل محرّم ، وليس بدون تحقّق النشوز (٤). وبهما ولا سيّما الأول يصرف الآية الظاهرة في ترتّب الضرب على ظهور أمارة النشوز عن ظاهرها.

ولا دليل يعتدّ به على شي‌ء ممّا تقدّم من الأقوال ، والأصحّ ما قلناه ، وفاقاً لمن ذكرنا.

لكن المحكيّ عنهم جواز الضرب ابتداءً بتحقّق النشوز من دون سبق الوعظ والهجر (٥) ؛ ووُجِّه بدلالة ظاهر الآية على التخيير بينه وبينهما ، أو الجمع من غير تقييد (٦). وفيه نظر ، والأحوط مراعاة الترتيب هنا أيضاً.

وهنا قول آخر اختاره بعض الأفاضل تبعاً للتحرير (٧) ، وهو ما قاله‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥٢ ، الإستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٤ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ١.

(٢) كذا في الأصل ، وفي « ح » : بالإجماع ، ولعلّه الأنسب.

(٣) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ١٠٠ ، وهو في المبسوط ٤ : ٣٣٧ ، الخلاف ٤ : ٤١٦.

(٤) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٠.

(٥) حكاه عنهم الشهيد في المسالك ١ : ٥٧١.

(٦) المسالك ١ : ٥٧١.

(٧) التحرير ٢ : ٤٢ ، واختاره صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٢٦ ٤٢٧ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٠١.


بعض العلماء في تفسير الآية ( وَاللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ) ، فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن (١). وهو أحوط وأولى ، وإن كان ما قدّمناه أقوى.

( ولو كان النشوز منه ) أي الزوج بأن يتعدّى عليها بمنع بعض حقوقها الواجبة عليه ، من نفقة وقسمة ، أو إساءة خلق معها ، أو أذيّة وضرب لها بغير سبب ( فلها المطالبة بحقوقها ) التي أخلّ بها.

ولها وعظه ، لا هجره وضربه ، فإن أصرّ على الامتناع رفعت أمرها إلى الحاكم.

ولو امتنع من الإنفاق ، جاز للحاكم الإنفاق عليها من ماله ولو ببيع شي‌ء من عقاره إذا توقّف الأمر عليه.

ولو لم يمنعها شيئاً من حقوقها الواجبة ، ولا يؤذيها بضرب ولا بسبّ ، ولكنّه يكره صحبتها لمرض أو كبر ، فلا يدعوها إلى فراشه ، أو يهمّ بطلاقها ، فلا شي‌ء عليه.

( ولو تركت ) حينئذٍ ( بعض ما يجب ) لها عليه ( أو كلّه استمالةً له ، جاز ) لها ، و ( له القبول ) للأصل ، والكتاب ، والسنّة ، والإجماع.

قال الله تعالى ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) (٢).

وفي الحسن في تفسيرها ـ : « هي المرأة التي تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إنّي أُريد أن أُطلّقك ، فتقول له : لا تفعل ، إنّي أكره أن يشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من شي‌ء فهو لك ، فدعني على حالي ، فهو قوله ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ

__________________

(١) قاله الشيخ أبو الفتوح الرازي في روح الجنان ١ : ٧٦١.

(٢) النساء : ١٢٨.


يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) وهو هذا الصلح » (١) ونحوه أخبار مستفيضة (٢).

وليس فيها كالآية المفسَّرة بها دلالة على عموم الحكم من جواز الصلح ببذل حقّها لما لو أخلّ الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلّها ؛ لظهور سياقها فيما قدّمناه (٣).

نعم ، جاز له القبول هنا لو بذلته بطيب نفسها لا مطلقاً ؛ للأصل ، وفقد الصارف عنه ، وهذا هو ظاهر العبارة والأكثر.

وربما مُنِع من جوازه هنا ؛ لما قدّمناه من اختصاص الآية والنصّ بالأول ، ولقبح تركها الحقّ من دون عوض ، بناءً على لزومه عليه من دونه (٤).

وفيهما نظر ؛ إذ اختصاص الكتاب والسنّة بما ذُكِر لا يوجب المنع عن جريان الحكم الذي فيه في غيره بعد قضاء الأصل به (٥).

والقبح ممنوع حيث يرجى حصول الحقوق الواجبة التي أخلّ بها بالبذل ، فتكون هي العوض الحاصل بالبذل ، ولزومه عليه غير ملازم للزوم صدورها عنه حتى ينتفي العوض حين البذل. ثم على تقديره ، يصحّ منع القبح أيضاً ، كيف لا؟! ويجوز لها إبراء ذمّة زوجها عن حقوقها بعضاً أو كلاًّ ابتداءً مطلقاً جدّاً.

وبالجملة : لا وجه لتعليل المنع من الجواز بنحو هذا بعد طيبة نفسها في بذلها.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٣ / ٣٤٨ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٩ / ٢٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الوسائل ٢١ : ٣٤٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١.

(٣) وهو بذلها لأجل كراهته لها مع عدم إخلال بشي‌ء من حقها. منه ;.

(٤) نهاية المرام ١ : ٤٢٩.

(٥) أي الجريان. منه ;.


ومنه يظهر الجواز فيما لو بذلته بطيبة نفسها بعد إكراهها عليه ، وإن أطلق الأصحاب المنع حينئذ ، ويمكن حمل إطلاقهم على ما لو لم تطب نفسها بالبذل كما هو الغالب ؛ مع أنّ فرض طيبة النفس حينئذٍ (١) لا يجامع الإكراه ، فتأمّل جدّاً.

( وأمّا الشقاق : فهو أن يكره كلّ منهما صاحبه ) سمّي به لكون كلّ منهما في شقّ غير شقّ الآخر.

( فإذا خُشي الاستمرار ) على الشقاق.

وإنّما قُدر الاستمرار في الآية (٢) مع خلّوها عنه لما قيل من أنّ ظهور النشوز منهما موجب لحصول الشقاق ، فالمراد حينئذٍ : خوف استمراره (٣).

وفيه نظر ؛ لتوقفه على كون مطلق الكراهة بينهما شقاقاً ، وليس ؛ لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما ، فيكون المراد : أنّه إذا حصلت كراهة كلّ منهما لصاحبه ، وخفتم حصول الشقاق بينهما ، فابعثوا ؛ مع أنّه (٤) هو المتبادر منه (٥) عند الإطلاق ، والأولى من الإضمار على تقدير مجازيّته.

نعم ، على هذا التقدير يتردّد الأمر بين المجاز المزبور (٦) وبين التجوّز‌

__________________

(١) أي مع الإكراه. منه ;.

(٢) النساء : ٣٥.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٧٢ ، والحدائق ٢٤ : ٦٢٦.

(٤) أي تمام الكراهة. منه ;.

(٥) أي من لفظ الشقاق. منه ;.

(٦) أي التجوّز في لفظ الشقاق. منه ;.


في الخشية بحملها على العلم والمعرفة وإبقاء الشقاق على حقيقته ، التي هي مطلق الكراهة.

وكيف كان ، مع خشية ذلك ( بعث ) وجوباً ، وفاقاً للسرائر (١) ؛ عملاً بظاهر الأمر.

خلافاً للتحرير ، فاستحباباً (٢) ؛ للأصل ، والتأمّل في دلالة الأمر على الوجوب ؛ لكونه في الأُمور الدنيويّة.

وفيه نظر ؛ لمنع كلّية السند (٣) ، سيّما فيما إذا توقّف الإصلاح عليه.

والمخاطب بالبعث ( كلّ منهما ) وفاقاً للصدوقين (٤) ؛ التفاتاً إلى ظواهر النصوص المستفيضة الدالّة على استئمار الحكمين الزوجين واشتراطهما عليهما قبول ما يحكمان به.

ففي الموثق : أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق (٥)؟ ولو كان البعث من غيرهما لما كان لذلك وجه.

مضافاً إلى صريح الرضوي : « يختار الرجل رجلاً ، وتختار المرأة رجلاً ، ويجتمعان على فرقة » (٦).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٧٣٠.

(٢) التحرير ٢ : ٤٢.

(٣) وهو أنّ كلّ أمر يكون في الأُمور الدينية. منه ;.

(٤) الصدوق في المقنع : ١١٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٩٦.

(٥) الكافي ٦ : ١٤٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥١ ، مستطرفات السرائر : ٨٣ / ٢٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٥٣ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٣ ح ١.

(٦) فقه الرضا 7 : ٢٤٥ ، المستدرك ١٥ : ١٠٥ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ١.


خلافاً للماتن في الشرائع والفاضل في القواعد ، بل الأكثر كما في المسالك ، فالحاكم (١).

عملاً بظاهر الآية ؛ بناءً على اختلاف ضميري المخاطب والزوجين بالحضور والغيبة فيها ، وعلى الأول كان اللازم المساواة في الحضور وأن يقال : فابعثوا حكماً من أهلكما.

وللمرسل المحكيّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم : « أتى عليّ بن أبي طالب 7 رجل وامرأة على هذه الحال ، فبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها » (٢) ونحوه عن مجمع البيان (٣).

وهو أظهر إن صحّت الشهرة ، وإلاّ فالأول ؛ لضعف المرسلَين ، وعدم مكافأتهما لما مرّ. واحتمال الالتفات في الآية ومثله شائع ، وتخرج النصوص شاهدة عليه.

ولمن شذّ ، فأهلهما (٤).

وفيه بعد اندفاعه بما مضى ظهور الآية في خلافه قطعاً ، فلا يلتفت إليه ، وإن أشعر بعض الأخبار (٥) به.

ويجب أن يكون المبعوث ( حَكَماً من أهله ) وأهلها ، وفاقاً للسرائر (٦) ؛ عملاً بظاهر الآية ، وليس على حملها على الإرشاد أو الغالب‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣٣٩ ، القواعد ٢ : ٤٨ ، المسالك ١ : ٥٧٢.

(٢) تفسير القمي ١ : ١٣٨ ، المستدرك ١٥ : ١٠٨ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١ ح ٢.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٤.

(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠١.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ٣٥٤ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٣ ح ٦.

(٦) السرائر ٢ : ٧٣٠.


دلالة ولا قرينة. وعلى تقديرها ، فجواز البعث من غير الأهل ومضيّ أحكام المبعوث منه عليهما يحتاج إلى دلالة ، وهي مفقودة ، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد الآية.

فالقول بجواز الحَكَم من غير الأهل كما يأتي هنا ، وفي الشرائع وعن المبسوط والوسيلة (١) ضعيف.

( ولو امتنع الزوجان ، بَعَثهما الحاكم ) ولا دليل عليه سوى الجمع بين الروايات المتضمنة لبعثه وبعثهما كما مضى ، بحمل الأولة على صورة الامتناع ، والثانية على العدم. ولا شاهد عليه.

وربما عُلِّل الحكم هنا (٢) بأنّ للحاكم الولاية العامّة ، فله البعث.

والأولى إجباره إيّاهما عليه حينئذ ، وفاقاً للإسكافي ، إلاّ أنّه لم يقيّده بصورة الامتناع ، بل قال : يأمرهما الحاكم بالبعث (٣) ، وأطلق.

( ويجوز أن يكونا ) أي الحكمان ـ ( أجنبيّين ) إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن ، وفاقاً منه لمن مضى أو مقيّداً بعدم الأهل ، كما هو الأقوى.

لكن مع ذلك ، ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حكما عليهما ؛ لمخالفته الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، ويكون حكمهما حينئذٍ الاقتصار على ما أذن به الزوجان وفيه وكّلا.

وليس لهما من التحكيم الذي هو حكم الحكمين كما يأتي شي‌ء جدّاً.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣٣٩ ، المبسوط ٤ : ٣٤٠ ، الوسيلة : ٣٣٣.

(٢) أي مع الامتناع. منه ;.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٩٧.


وفي حكم فقد الأهل توقّف الإصلاح على الأجنبيّين.

( وبَعثهما تحكيمٌ لا توكيل ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن ظاهر المبسوط وصريح السرائر وفقه القرآن (١) ؛ لظاهر الآية المشتملة على لفظ الحَكَم ونسبة الإصلاح إليهما ، وللنصوص الظاهرة في أنّ لهما الإصلاح بما يريانه من غير استئذان ، وأنّ ليس لهما التفريق إلاّ بالإذن.

ففي الرضوي : « إن اجتمعا إلى إصلاح لم يحتج إلى مراجعة ، وإن اجتمعا على الفرقة فلا بدّ لهما أن يستأمرا الزوج والزوجة » (٢) وقريب منه المعتبرة الأُخر الدالّة على اعتبار استئمارهما في الفراق لا مطلقاً (٣).

خلافاً لمن شذّ ، فتوكيل (٤) ؛ التفاتاً إلى بلوغ الزوجين ورشدهما ، فلا ولاية لغيرهما عليهما ؛ مع عدم اشتراط الفقه فيهما إجماعاً ، فلا حكم لهما ؛ إذ لا حكم لغير الفقيه اتّفاقاً.

وليس في شي‌ء ممّا ذكر حجّة في مقابلة ما مضى من الأدلّة كما ترى ؛ مع أنّ المحكي عن القائل به الرجوع عنه معلّلاً بما ذكرنا (٥) ، فلا خلاف فيما ذكرنا.

( فيصلحان ) أي الحكمان ـ ( إن اتّفقا ) من غير معاودة إلى الباعث مطلقاً (٦) ، ويمضي عليهما ما حكما ، من غير خلاف يظهر حتى من‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٤٠ ، السرائر ٢ : ٧٣٠ ، فقه القرآن ٢ : ١٩٣.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٤٥.

(٣) انظر الوسائل ٢١ : أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١ ، ١٢ ، ١٣.

(٤) قال به ابن البرّاج على ما نقله هو عن كتابه ( الكامل في الفقه ) في المهذب ٢ : ٢٦٦.

(٥) المهذب ٢ : ٢٦٦.

(٦) أي حاكماً كان أو غيرهما. منه ;.


القائل بالتوكيل ؛ ولعلّه لرجوعه عنه ، وإلاّ فيأتي عليه لزوم الاستئذان ولو ابتداءً على جهة العموم.

( ولا يفرّقان إلاّ مع إذن الزوج في الطلاق والمرأة في البذل ) في المشهور ، بل قيل : بلا خلاف (١).

للأصل ، مع اختصاص الأدلّة من الكتاب والسنّة بغير الطلاق.

والنبويّ : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢).

والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا » (٣) ونحوه الحسن (٤) ، والرضوي المتقدّم ، وغيره (٥).

( ولو اختلف الحَكَمان ، لم يمض لهما ) عليهما ( حكم ) بلا إشكال ؛ للأصل ، واختصاص الأدلّة باتّفاقهما ، مع استحالة الترجيح من غير مرجّح ، وهو واضح والحمد لله.

__________________

(١) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ / ٢٠٨١ بتفاوت يسير.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٣٧ / ١٦٢٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٨ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٦ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٣ / ٣٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٨ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٠ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ٣٥٢ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٢ ح ١ ، والباب ١٣ ح ٢ ، ٣.


( النظر الرابع )

( في حكم الأولاد )

( ولد الزوجة الدائمة ) التامّ خلقةً ( يُلحَق به ) أي الزوج الذي يمكن التولّد منه عادةً ولو احتمالاً ـ ( مع ) شروط ثلاثة :

أحدها : ( الدخول ) منه بها دخولاً يمكن فيه ذلك ولو احتمالاً بعيداً ، قبلاً كان أم دبراً ، إجماعاً ، وفي غيره إشكال ، وإن حكي الإطلاق عن الأصحاب واحتمل الإجماع (١).

مع أنّ المحكيّ عن السرائر والتحرير عدم العبرة بالوطء دبراً (٢) ، واستوجهه من المتأخّرين جماعة (٣). وهو حسن ، إلاّ مع الإمناء واحتمال السبق وعدم الشعور به ، لا مطلقاً.

( و ) ثانيها : ( مضيّ ستّة أشهر ) هلاليّة أو عدديّة ( من حين الوطء ) فلا عبرة بالأقلّ في الولد الكامل ، إجماعاً من المسلمين كافّة ؛ لنصّ الآية ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٤) ، مع قوله ( وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) (٥) ، وهو أقل مدّة الحمل ؛ للإجماع على عدم كونه أقصاه ؛ وللنصوص الآتية.

__________________

(١) انظر الروضة البهيّة ٥ : ٤٣٢.

(٢) السرائر ٢ : ٦٥٨ ، التحرير ١ : ٤٥.

(٣) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٣٢ ، انظر كفاية الأحكام : ١٩٠.

(٤) الأحقاف : ١٥.

(٥) لقمان : ١٤.


وفي غير الكامل ممّا تسقطه المرأة يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه ليجب عليه التكفين ، ومئونة التجهيز ، ونحو ذلك من الأحكام الغير المترتّبة على حياته إلى المعتاد لمثله من الأيّام والأشهر وإن نقصت عن الستّة الأشهر ، فإن أمكن عادة كونه منه لحقه حكمه وإن علم عادةً انتفاؤه عنه لغيبته عنه (١) مدّة تزيد عن تخلّقه عادةً انتفى عنه.

( و ) ثالثها : ( وضعه لمدّة الحمل أو أقلّ ) منها ، إجماعاً من المسلمين كافّة ( وهي تسعة أشهر ) في الأشهر ، كما عن النهاية والمقنعة والإسكافي والديلمي والقاضي والمرتضى في أحد قوليه (٢) وغيرهم (٣) ، بل ظاهر الإسكافي والطوسي في المبسوط والخلاف إجماعنا عليه (٤) ، وهو الأصحّ ؛ للمعتبرة المستفيضة بعد الإجماعات المنقولة المترجّحة على معارضها الآتي ولو صحّ بالكثرة والشهرة :

منها الخبر : عن غاية الحمل بالولد في بطن امّه ، كم هو؟ فإنّ الناس يقولون : ربّما بقي في بطنها سنتين ، فقال : « كذبوا ، أقصى الحمل تسعة أشهر ، لا يزيد لحظة ، ولو زاد ساعة لقتل امّه قبل أن يخرج » (٥).

__________________

(١) كذا ، ولعلّ الأنسب : عنها.

(٢) النهاية : ٥٠٥ ، المقنعة : ٥٣٩ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٧٩ ، الديلمي في المراسم : ١٥٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٣٤١ ، المرتضى في رسالة الموصليات الثانية ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ١٩٢.

(٣) انظر الشرائع ٢ : ٣٤ ، والمسالك ١ : ٥٧٤ ، وكشف اللثام ١ : ١٠٣.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٧٩ ، المبسوط ٥ : ٢٠٤ ، الخلاف ٥ : ٨٨ ، المبسوط ٨ : ٣٠٥.

(٥) الكافي ٦ : ٥٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٦٦ / ٥٧٨ ، الوسائل ٢١ ٣٨٠ أبواب أحكام الأولاد ١٧ ح ٣.


وفي آخر : « يعيش الولد لستّة أشهر ، ولسبعة أشهر ، ولتسعة أشهر ، ولا يعيش لثمانية أشهر » (١).

وقصور سندهما كما يأتي منجبر بالشهرة.

والدلالة في الأوّل صريحة ، وفي الثاني ظاهرة من حيث مفهوم العدد ، الذي هو حجّة.

وليس في الأوّل من حيث تضمّنه قتل الولد امّه بزيادة مكثه على التسعة أشهر بساعة ما ينافي حجيّته ، إلاّ دعوى الوجدان بعدم ذلك والبقاء إلى العشر بل وأزيد إلى سنة ، وهي ممنوعة ، فقد يكون وضع الحمل إلى ذينك الأجلين ابتداء الحمل فيه من التسعة ، ويكون حبس الطمث قبله لريبة ، كفساد الطمث ، كما يستفاد من المعتبرة (٢) وصرّح به المفيد في المقنعة (٣) وجماعة (٤). وليس الوضع إلى ذينك الأجلين مع انسداد باب الاحتمال المتقدّم ظاهراً لنا بالوجدان وإنكاره مكابرة بالعيان.

( و ) منه يظهر ضعف ما ( قيل ) من أنّ الأقصى ( عشرة ) كما عن المبسوط (٥) ، واختاره المصنّف أيضاً بقوله : ( وهو حسن ) مع عدم الدليل من الأخبار عليه ، وانتقاض تعليله المتقدّم لو صحّ بوجدان الوضع‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٢ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١١٥ / ٣٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٠ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٢ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٥.

(٣) المقنعة : ٥٣٩.

(٤) منهم الحلبي في الكافي في الفقه : ٣١٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٧٩.

(٥) حكاه عنه الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٢٦٣ ، وكذا الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٧٤ ، ولكنه لم نعثر عليه في المبسوط.


إلى السنة كما حكاه في المسالك وسبطه في الشرح (١) ووقع في زماننا أيضاً ، فقصره عليه دونه ليس في محلّه ، ولا وجه لاختياره على الخصوص بالمرّة.

ويدلّ على المختار أيضاً مضافاً إلى ما سيأتي من الأخبار المعتبر المحتمل للصحّة ، المروي في الكافي ، في باب مبدأ النشوء ، وفيه : « وللرحم ثلاثة أقفال : قفل في أعلاها ممّا يلي أعلى الصرة من الجانب الأيمن ، والقفل الآخر وسطها ، والقفل الآخر أسفل من الرحم ، فيوضع بعد تسعة أيّام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر ، فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوّع ، ثم ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر » إلى أن قال : « ثم ينزل الى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر ، فذلك تسعة أشهر ، ثم تطلق المرأة » الحديث (٢).

إلاّ أنّ ظاهره زيادة تسعة أيّام على تسعة أشهر ، لكن يمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من التأويل ، بحمل قوله في القفل الأوّل : « فيمكث ثلاثة أشهر » على ثلاثة أشهر التي التسعة الأيام منها ؛ والشاهد عليه ذيل الرواية وباقي المعتبرة الماضية والآتية ، مع أنّ إبقاءه على ظاهره مخالف للإجماع بالضرورة ، فهو أقوى شاهد على صحّة الحمل الذي ذكرناه.

ومنه يظهر فساد حمل ما ضاهاه على الغالب ، مع ما في الخبر الأوّل ممّا هو ظاهر في نفيه من أنّ لو زاد ساعة لقتل امّه ، ولا ريب أنّ الغالب ليس منحصراً في التسعة الحقيقيّة التي لا يزاد عليها ولو بساعة.

وبالجملة : أبواب المناقشات في أدلّة المشهور بما ذكرناه مسدودة ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٧٤ ، وسبطه في نهاية المرام ١ : ٤٣٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٥ / ٥.


( و ) الأقوال المقابلة له ضعيفة ، حتى ما ( قيل ) من أن أقصاه ( سنة ) كما عن الانتصار والجامع والمفيد في إعلام (١) الورى (٢) ، واختاره من المتأخرين جماعة (٣) ؛ ولا دليل عليه سوى الإجماع المحكيّ عن الأوّل ، والنصوص المتوهّم منها ذلك :

منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً ، انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت ، وإلاّ اعتدّت ثلاثة أشهر ، ثم قد بانت منه » (٤).

والخبر : « إنّما الحمل تسعة أشهر » قال : قلت فتتزوّج؟ قال : « تحتاط ثلاثة أشهر » قال : قلت : فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : « ليس عليها ريبة ، تزوّج » (٥) ونحو غيره (٦).

وفي الجميع نظر ، أمّا الأوّل : فلمعارضته لأكثر منه وأشهر ، مع احتماله الإجماع على النفي عن الأزيد لا أنّه الأقصى ، ردّاً على العامّة القائلين بالزيادة إلى سنتين ، كما أفصح عنه الخبر الذي مرّ (٧) ، وحكايته عنهم بين الأصحاب قد اشتهر.

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : الإعلام ، كما ذكره النجاشي في رجاله : ٤٠٠ ، وصاحب الذريعة ٢ : ٢٣٧.

(٢) الانتصار : ١٥٤ ، الجامع للشرائع : ٤٦١ ، الإعلام ( مصنفات المفيد ٩ ) : ٤١.

(٣) المسالك ١ : ٥٧٤ ، نهاية المرام ١ : ٤٣٣ ، كفاية الأحكام : ١٩١ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٥٩.

(٤) الكافي ٦ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٩ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٤.

(٦) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٢.

(٧) في ص ١٠٤.


وأمّا الثاني : فهو بالدلالة على المختار أوضح وأظهر ، ولا سيّما الخبر الأوّل ؛ لنصّ الجميع على أنّ الثلاثة أشهر للريبة ، وبه صرّح من الأصحاب جماعة ، كالحلبي وابني شهرآشوب وزهرة (١).

نعم ، في المرسل : « أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر ، وأكثر ما تحمل لسنة » (٢).

وقريب منه مرسل آخر : في قول الله عزّ وجلّ ( يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ) (٣) قال : « الغيض : كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد : كلّ شي‌ء يزداد على تسعة أشهر ، فكلّما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم » (٤).

ونحو الأول في الصراحة في الجملة ، المرفوع المرويّ عن نوادر المعجزات للقطب الراوندي ، عن سيّدة النساء فاطمة الزهراء 3 : أنّها ولدت الحسين 7 عند تمام سنة من حملها به.

وهذه الروايات مع قصور أسانيدها بالإرسال لا تعارض شيئاً ممّا قدّمناه من الأخبار المعتضدة بالإجماعات المحكيّة والاشتهار العظيم بين الأخيار ؛ مضافاً إلى اختلاف نسخة الرواية الاولى في لفظة « السنة » فيوجد في بعضها : « سنتين » بدلها ، وهو موجب لوهن الاستدلال بها ، واحتمالها به‌

__________________

(١) الحلبي في الكافي : ٣١٤ ، ابن شهرآشوب لم نظفر على كتاب له في الفقه ، ولم نعثر عليه في المناقب ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٦٠٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٤ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ١٥.

(٣) الرعد : ٨.

(٤) الكافي ٦ : ١٢ / ٢ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٨١ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ٦.


الحمل على التقيّة جدّاً ، فلا دليل يعتدّ به لهذا القول ؛ مع إشعار قول المصنّف : ( وهو متروك ) بانعقاد الإجماع على خلافه.

وكيف كان ( فـ ) يتفرّع على الخلاف في المسألة : ما ( لو اعتزلها ، أو غاب عنها عشرة أشهر ، فولدت بعدها ، لم يلحق به ) على الأظهر ، وكذا على القول بالعشر ، ويلحق به على القول الآخر.

ومظهر ثمرة الخلاف بين القولين الأولين ما لو ولدته لعشر ، فيلحق به على القول به ، ولا على الأظهر.

( ولو أنكر ) الزوج ( الدخول ) بها بعد احتماله ، وادّعته الزوجة ( فالقول قوله مع يمينه ) لإنكاره ، مضافاً إلى الأصل ، فتأمّل.

( ولو اعترف به ) أي الدخول ( ثم أنكر الولد ، لم ينتف عنه إلاّ باللعان ) إجماعاً ؛ للأصل ، وعموم : « الولد للفراش ، وللعاهر الحجر » (١).

( ولو اتّهمها بالفجور ، أو شاهد زناها ، لم يجز له نفيه ) مع احتمال اللحوق به ( ولحق به ) إجماعاً ؛ لما مضى ( ولو نفاه لم ينتف ) عنه ( إلاّ باللعان ) بلا خلاف. ولا فرق في ذلك بين كون الولد يشبه الزاني وعدمه ؛ عملاً بالعموم.

ولو وُطِئَت الزوجة شبهة ، وأمكن تولّد الولد من الزوج وذلك الواطئ ، أُقرع بينهما ؛ لأنّها فراش لهما ، سواء وقع الوطئان في طهر واحد أو في طهرين ولو انتفى عن أحدهما بالآخر من غير قرعة.

( وكذا ) يلحق به الولد ولا ينتفي عنه إلاّ باللعان ( لو اختلفا في مدّة الولادة ) فادّعى ولادته لدون ستّة أشهر ، أو لأزيد من أقصى الحمل ؛ تغليباً‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٦٣ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٤٦ / ١٢٤٢ ، الإستبصار ٤ : ١٨٥ / ٦٩٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ١.


للفراش ، والتفاتاً إلى أصالة عدم زيادة المدّة وتأخّر الدخول في الثاني. أمّا الأوّل فالأصل معه ، فيحتمل قبول قوله ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ عملاً بالأصل ، والتفاتاً إلى أنّ مآله إلى النزاع في الدخول ، فإنّه إذا قال : لم تنقض ستّة أشهر من حين الوطء ، كان معناه : عدم وطئه لها منذ ستّة أشهر ، ووقوعه فيما دونها.

وربما فسّر بعضهم النزاع في المدّة الذي يترتّب عليه الحكم المزبور في العبارة بالمعنى الثاني خاصّة (٢) ليوافق الأصل ، وليس ببعيد إن تحقّق في ذلك خلاف ، إلاّ أنّ كلام الأصحاب مطلق ، لكن في الاكتفاء بمثله في الخروج عن مقتضى الأصل إشكال ، إلاّ أن يعتضد بعموم : « الولد للفراش » ولا ينتقض بصورة وقوع النزاع في الدخول ؛ لعدم الفراش فيها بدون ثبوته ، بخلاف المقام ؛ لثبوته بثبوته باتّفاقهما عليه.

هذا ، مع إمكان المناقشة في الأصل الذي ادّعي كونه مع الزوج ، كيف لا؟! وهو معارض بأصالة عدم موجب للحمل لها غير دخوله ، وبعد التعارض لا بدّ من المصير إلى الترجيح ، وهو معها ؛ للعموم المتقدّم ، ولا ينقض بالصورة المتقدّم ذكرها ؛ لانتفاء المرجّح المزبور فيها كما مضى ، فهذا أقوى.

وحيث قدّمنا قولها ، فالمتّجه عند جماعة منهم : شيخنا الشهيد في اللمعة (٣) توجّه اليمين عليها ؛ وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب كما‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية ٥ : ٤٣٧ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٣٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ١٦.

(٢) حكاه الشهيد الثاني في الروضة البهية ٥ : ٤٣٧.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٤٣٦.


حكي (١) عدمه ، ولا بأس به ؛ نظراً إلى الأصل وانتفاء المخرج عنه ؛ بناءً على أنّ تقديم قولها ليس لإنكارها حتى يتوجّه اليمين عليها ، بل لتغليب جانب الفراش المستدلّ عليه بالعموم المتقدّم ، وليس فيه اعتبار اليمين ، ولكن الأحوط اعتباره.

( ولو زنى بامرأة ، فأحبلها ، لم يجز إلحاقه ) بنفسه ( وإن تزوّج بها ) بعد ذلك.

( وكذا لو أحبل أمة غيره زناءً ثم ملكها ) أو بعضها ، وألحقنا الولد به مع الشرط أو مطلقاً.

إجماعاً في المقامين على الظاهر ، والتفاتاً إلى عدم ثبوت النسب بالزناء ، وعدم اقتضاء الفراش إلحاق ما حكم بانتفائه عنه قطعاً.

وللصحيحين ، في أحدهما : في رجل فجر بامرأة ، ثم تزوّجها بعد الحمل ، فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله تعالى به ، فكتب بخطّه وخاتمه : « الولد لغَيّة لا يورث » (٢).

وفي الثاني : « أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ثم اشتراها فادّعى ولدها ، فإنّه لا يورث منه شي‌ء (٣) فإنّ رسول الله 6 قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٤).

__________________

(١) حكاه في نهاية المرام ١ : ٤٣٦.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٤ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٣١ / ٧٣٨ ، التهذيب ٨ : ١٨٢ / ٦٣٧ ، الإستبصار ٤ : ١٨٢ / ٦٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٩٨ أبواب أحكام الأولاد ب ١٠١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) كذا في الأصل والكافي ، وفي غيره من المصادر لا يوجد ، ولعلّ الأنسب : شيئاً.

(٤) الكافي ٧ : ١٦٣ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ / ٧٣٤ ، الوسائل ٢١ : ١٩٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٤ ح ١.


( ولو طلّق زوجته ) المدخول بها ( فاعتدّت وتزوّجت ) أو وُطئت لشبهة ( وأتت بولد ) فإن لم يمكن لحوقه بالثاني ، وأمكن لحوقه بالأوّل ، كما لو ولدته ( لدون ستّة أشهر ) من وطء الثاني ، ولتمامها من غير أن يتجاوز أقصى الحمل من وطء الأوّل ( فهو للأوّل ) وتبيّن بطلان نكاح الثاني ؛ لوقوعه في العدّة ، وحرمت عليه مؤبداً ؛ لوطئه لها فيها.

ولو انعكس الأمر ، بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطء الأوّل ، ولأقل الحمل إلى الأقصى من وطء الثاني ، لحق الثاني.

وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما ، بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطء الأوّل ، ولدون ستّة أشهر من وطء الثاني ، انتفى عنهما قطعاً.

( و ) إن أمكن إلحاقه بهما ، كما ( لو كان ) ولادتها ( لستّة ) أشهر من وطء الثاني ، ولسبعة ( فصاعداً ) إلى أقصى الحمل من وطء الأوّل ( فهو للأخير ) وفاقاً للنهاية (١) وجماعة (٢) ؛ لأصالة التأخّر ، والمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : في المرأة تزوّج في عدّتها ، قال : « يفرّق بينهما ، وتعتدّ عدّة واحدة منهما ، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر « فهو للأخير ، وإن جاءت بولد في أقلّ من ستة أشهر فهو للأوّل » (٣).

والصحيح : « إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدّت ونكحت ، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه من مولاها الذي أعتقها ، وإن‌

__________________

(١) النهاية : ٥٠٥.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٣٤١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٧٥ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٣٨.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠١ / ١٤٤١ ، التهذيب ٨ : ١٦٨ / ٥٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٣ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ١٣.


وضعت بعد ما تزوّجت لستّة أشهر فإنّه لزوجها الأخير » (١) ، وفي معناهما خبران آخران (٢).

خلافاً للمبسوط ، فالقرعة (٣) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.

وهو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف كما حكي ؛ ومع ذا فغايته أنّه خبر واحد صحيح ، ولا يعارض المستفيض الذي فيه الصحيحان ؛ ومع ذلك معتضد بالأصل المتقدّم ذكره.

والتعليل بثبوت الفراش لهما حين الوطء وإمكان الكون منهما مع غلبة الولادة للأقصى ، في مقابل النصّ المستفيض المعتضد بالشهرة ، عليل.

( ولو لم تتزوّج ) ولم توطأ لشبهة بعد الطلاق ، ومع ذلك ولدت ( فهو للأوّل ، ما لم يتجاوز أقصى الحمل ) ولم ينقص عن أدناه ، بلا خلاف ؛ لأنّها بعد فراشه ، ولم يلحقها فراش آخر يشاركه.

( وكذا الحكم في الأمة لو باعها ) سيّدها ( بعد الوطء ) في جميع الصور المفروضة. لكن على تقدير ولادتها لدون ستّة أشهر من وطء الثاني والحكم بلحوق الولد للبائع ، يتبيّن فساد البيع ؛ لأنّها أُمّ ولد.

( وولد الموطوءة بالملك يلحق بالمولى ) الواطئ لها إذا أتت به لستّة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٩١ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٦٨ / ٥٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٠ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ١.

(٢) أحدهما في : التهذيب ٨ : ١٦٧ / ٥٨١ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٣ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ١١. والآخر في : التهذيب ٨ : ١٦٧ / ٥٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٣ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧ ح ١٢.

(٣) المبسوط ٥ : ٢٠٥.


أشهر فصاعداً إلى الأقصى ، اتّفاقاً فتوًى ونصّاً.

ففي الصحيح : الجارية تكون للرجل يُطيف بها (١) ، وهي تخرج في حوائجه فتعلق ، قال : « يتّهمها الرجل أو يتّهمها أهله؟ » قلت : أمّا ظاهرة فلا ، قال : « إذن لزمه الولد » (٢).

وفيه : كتبت إليه في هذا العصر : رجل وقع على جارية ثم شكّ في ولده ، فكتب : « إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده » (٣) ونحوهما غيرهما (٤).

( و ) حينئذٍ ( يلزمه الإقرار به ) إذا لم يُعلم انتفاؤه عنه ، ولم يكن هناك أمارة يغلب معها الظنّ بخلافه عند المصنّف وغيره كما يأتي.

( لكن لو نفاه انتفى ظاهراً ) إجماعاً ، كما في الإيضاح والروضة والمسالك (٥) وغيره (٦) ؛ وهو الحجّة فيه ، لا الأصل كما قيل (٧) ؛ لاقتضاء الفراش الثابت هنا بالنصّ خلافه.

وربما عُلّل بأنّ ذلك لا يعرف إلاّ من قبله ، فلو لم ينتف بنفيه ـ ( و ) الحال أنّه ( لا يثبت بينهما لعان ) كما يأتي في بحثه فينتفي به لزم كون ولد الأمة أقوى من ولد الحرّة ؛ لانتفائه باللعان دونه (٨).

__________________

(١) أطاف به : ألَمَّ به وقارَبَه القاموس المحيط ٣ : ١٧٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٨٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٨١ / ٦٣٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٦ / ١٣١١ ، الوسائل ٢١ : ١٦٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٦ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٨ : ١٨١ / ٦٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٧ / ١٣١٤ ، الوسائل ٢١ : ١٦٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ٨ : ١٨٠ / ٦٣١ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٧ / ١٣١٣ ، الوسائل ٢١ : ١٦٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٥ ح ٤.

(٥) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٦١ ، إلاّ أنّه لم نعثر على إجماع فيه ، الروضة ٥ : ٤٣٨ ، المسالك ١ : ٥٧٧.

(٦ و ٧) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠٤.

(٨) نهاية المرام ١ : ٤٣٩ ، الحدائق ٢٥ : ٢٠.


( ولو اعترف به بعد النفي الحقَ به ) لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) وفحوى ما دلّ على ثبوت الحكم في ولد الملاعنة (٢).

ومقتضى الأمرين أنّه يترتّب عليه من أحكام النسب ما عليه ، دون ما له. فإن أُريد بإطلاق العبارة ذا ، وإلاّ فلا يصلحان لإثبات ما يستفاد من إطلاقها من تمام المدّعى ، فإن كان إجماع ، وإلاّ فهو محلّ إشكال جدّاً.

( وفي حكمه ) أي ولد الأمة ـ ( ولد المتعة ) في الأحكام المذكورة من اللحوق به ولزوم الاعتراف به مع عدم العلم بانتفائه عنه ، وانتفائه ظاهراً إذا نفاه من غير لعان ، واللحوق به بالاعتراف به بعد الإنكار.

ولا إشكال فيما عدا الثاني ولا خلاف ؛ لعموم : « الولد للفراش » مضافاً إلى الإجماع وخصوص المعتبرة في الأوّل ، وما قدّمناه من عموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » والفحوى المتقدّمة في الثالث.

وأمّا الثاني : فعليه الإجماع في المسالك وموضع من الروضة (٣) ؛ وهو الحجّة فيه. ولا ينافيه دعوى الشهرة مع ذكر خلاف المرتضى في موضع آخر منها (٤) ؛ لإمكان أن يراد من الشهرة المعنى الأعم الشامل للمجمع عليه بالمعنى المصطلح ، وذكر الخلاف لا ينافيه ؛ لمعلوميّة نسب المخالف.

نعم ، ربما نافاه دعوى الوفاق في ولد الأمة قبله (٥).

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب كتاب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٩ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٢ أبواب ميراث الملاعنة ب ٢ ح ١.

(٣) المسالك ١ : ٥٠٥ ، الروضة ٥ : ٢٩٦.

(٤) الروضة ٥ : ٤٣٨ ، ٤٣٩.

(٥) الروضة ٥ : ٤٣٨.


ويمكن دفعه بإرادته من الوفاق : اتفاق الكلّ الذي لم يقع فيه خلاف من أحد ، وذلك لا ينافي أن يراد من الشهرة : الإجماع بالمعنى المصطلح.

وبالجملة : فالأصل في حكاية الإجماع : الحجّية ، إلى ظهور ما ينافيها ، وليس ، فهي الحجّة ، مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة في ولد الأمة (١) ، النافعة في المسألة ، بعد ملاحظة عموم المعتبرة الدالّة على انّ المتعة بمنزلة الأمة (٢).

هذا ، مضافاً إلى الإجماع القطعيّ بعد ثبوت انتفاء اللعان في المتعة ، كما يستفاد من المعتبرة ، منها الصحيح : « لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع بها » (٣) ونحوه الآخر (٤) بزيادة : « الأمة والذمّية » الشاهدة على اتّحاد المتعة معهما من حيث السياق بأقوى شهادة.

ولا يعارضها من الأدلّة سوى إطلاق الآية (٥) وغيرها بجريان اللعان في الزوجة ، وليست شاملة للمتعة ؛ لمجازيّتها بالإضافة إلى إطلاق الزوجة أو لكونها من الأفراد الغير المتبادرة ، بل النادرة ، الغير المنصرف إليها إطلاقها بالضرورة.

ولعلّ النكتة في الإجماع على انتفاء الولد فيها بعد ثبوت انتفاء اللعان‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١١٤.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ٧٩ أبواب المتعة ب ٤٦ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٠ أبواب اللعان ب ١٠ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٤٧ / ١٦٦٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٠ أبواب اللعان ب ١٠ ح ٢.

(٥) النور : ٦.


عنها : ما تقدّم (١) في التعليل عليه في ولد الأمة من استلزام عدم الانتفاء كونه أقوى من ولد [ الحرّة (٢) ] وذلك فاسد البتّة.

( وكلّ من أقرّ بولد ثم نفاه لم يُقبل نفيه ) إجماعاً ؛ للأصل والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ، في أحدها : « إذا أقرّ الرجل بولد ثم نفاه لزمه » (٣) ونحوه الآخران (٤) ، وروايات أُخر (٥).

( ولو وطئها المولى ) وطئاً يمكن لحوق الولد به ( وأجنبيّ ) آخر معه فجوراً لا شبهةً يمكن اللحوق في حقّه أيضاً ( حكم به للمولى ) مع عدم الأمارة التي يغلب معها الظنّ بالعدم إجماعاً حكاه جماعة (٦) لعموم حكم الفراش المستفيض في المعتبرة (٧) ، وخصوص معتبرة أُخر :

كالصحيح : عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد ، لمن يكون الولد؟ قال : « للذي يكون عنده ؛ لقول رسول الله 6 : الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٨).

__________________

(١) راجع ص ١١٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : الأمة ، إلاّ أنه قد أُشير في هامش الأصل إلى نسخة بدل : الحرّة ، وعلى كل ما أثبتناه هو الأنسب.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٤٦ / ١٢٤٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧١ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٦ ح ٢.

(٤) أحدهما في : الكافي ٧ : ١٦٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٣١ / ٧٣٧ ، التهذيب ٩ : ٣٤٦ / ١٢٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٠ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٦ ح ١.

والآخر في : التهذيب ٩ : ٣٤٦ / ١٢٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧١ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٦ ذيل الحديث ١.

(٥) انظر الوسائل ٢٦ : ٢٧١ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٦ ح ٣ ، ٤.

(٦) المسالك ١ : ٥٧٧ ، نهاية المرام ١ : ٤٤٢ ، انظر الحدائق ٢٥ : ٣٠.

(٧) الوسائل ٢١ : ١٧٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٨.

(٨) الكافي ٥ : ٤٩١ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٦٩ / ٥٨٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٨ / ١٣١٧ ، الوسائل ٢١ : ١٧٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٨ ح ٤.


والموثّق : عن رجل له جارية ، فوثب عليها ابن له ففجر بها ، قال : قد كان رجل عنده جارية وله زوجة ، فأمرت ولدها أن يثب على جارية أبيه ، ففجر بها ، فسُئل أبو عبد الله 7 عن ذلك ، فقال : « لا يحرّم ذلك على أبيه ، إلاّ أنّه لا ينبغي له أن يأتيها حتى يستبرئها للولد ، فإن وقع بينهما ولد فالولد للأب إذا كانا جامعاها في يوم واحد وشهر واحد » (١).

( فإن حصل فيه أمارة يغلب معها الظنّ أنّه ليس منه ، لم يجز له إلحاقه به ولا نفيه ) عنه ، ( بل يستحبّ له أن يوصي له بشي‌ء ولا يورثه ميراث الأولاد ) وفاقاً للنهاية وابن البرّاج وابن حمزة (٢) وجماعة (٣) ، بل ربّما ادّعى عليه الأكثريّة جماعة (٤).

قالوا : للمستفيضة :

منها الصحيح : « إنّ رجلاً من الأنصار أتى أبي فقال : إنّي ابتليت بأمر عظيم ، إنّ لي جارية كنت أطؤها ، فوطئتها يوماً فخرجت في حاجة لي بعد ما اغتسلت منها ، ونسيت نفقة لي فرجعت إلى المنزل لآخذها فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية ، قال : فقال له أبي 7 : لا ينبغي لك أن تقربها ولا تبيعها ، ولكن أنفق عليها من مالك ما دمت حيّاً ، ثم أوص عند موتك أن ينفق عليها من مالك حتى‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٩ / ٦٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٤ / ١٣٠٦ ، الوسائل ٢١ : ١٦٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٥ ح ٣.

(٢) النهاية : ٥٠٦ ، ابن البراج في المهذّب ٢ : ٣٤٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣١٧.

(٣) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٦١ ، والمحدث المجلسي في ملاذ الأخبار ١٣ : ٣٥٠.

(٤) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٥٧٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٦٤.


يجعل الله تعالى لها مخرجاً » (١) ، ونحوه بعينه الخبر (٢).

وفي آخر : في رجل كان يطأ جارية له ، وأنّه كان يبعثها في حوائجه ، وأنّها حبلت ، وأنّه بلغه عنها فساد ، فقال أبو عبد الله 7 « أذن أمسك الولد ولا يبيعه ولا (٣) يجعل له نصيباً في داره قال : فقيل له الرجل يطأ جارية له وأنّه لم يكن يبعثها في حوائجه ، وأنّه اتّهمها وحبلت ، فقال : « إذا هي ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ويجعل له نصيباً في داره وماله ، وليس هذه مثل تلك » (٤).

وفي آخر عن رجل كانت له جارية يطؤها وهي تخرج ، فحبلت ، فخشي أن لا يكون منه ، كيف يصنع؟ أيبيع الجارية والولد؟ قال : « يبيع الجارية ولا يبيع الولد ولا يورثه من ميراثه شيئاً » (٥).

وفي الجميع نظر ، أمّا إجمالاً : فلقصورها مع قصور سند أكثرها عن إفادة المدّعى ، وهو ترتّب الحكم المذكور في العبارة على مظنّة انتفائه عنه ؛ لظهورها في الترتّب على مجرّد التهمة بالزناء أو خشية انتفاء الولد عنه وإن لم تبلغ المظنّة ، بل كانت في أدنى درجة الوهم ، ولم يقولوا بذلك ، فما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٣٠ / ٧٣٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٩ / ٦٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٤ / ١٣٠٧ ، الوسائل ٢١ : ١٦٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٥ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٨٨ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٨٠ / ٦٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٥ / ١٣٠٨ ، الوسائل ٢١ : ١٦٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٥ ح ٢.

(٣) في جميع المصادر لا توجد : لا.

(٤) الكافي ٥ : ٤٨٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٣١ / ٧٣٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٢ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٥ / ١٣١٠ ، الوسائل ٢١ : ١٦٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٦ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٥ : ٤٨٩ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٨٠ / ٦٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٥ / ١٣٠٩ ، الوسائل ٢١ : ١٧٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٦ ح ٤.


دلّت عليه لم يقولوا به ، وما قالوا به لم تدلّ عليه.

وبمثله يجاب عمّا تقدّم من مفهوم الصحيحين (١) النافي للّحوق بالتهمة.

فتكون حينئذٍ مخالفة للإجماع والمعتبرة المستفيضة العامّة والخاصّة ، المصرّحة باللحوق ولو مع تحقق الزناء مشاهدة (٢).

وأمّا مفصّلاً : فلإجمال الروايتين الأوّلتين ؛ بناءً على إجمال مرجع الضمير فيهما ، واحتماله الجارية المولودة وأُمّها ، ولا يتمّ الاستدلال بهما إلاّ بتقدير تعيين المرجع في الأُولى دون الثانية ، ولا معيِّن صريحاً ، فيحتمل الثانية ، ومعه فينعكس الدلالة ، وقد صرّح بهما (٣) في الاستبصار شيخ الطائفة (٤).

وأمّا الروايتان الأخيرتان فلمنعهما عن أن يجعل له نصيباً في الدار كما في الأُولى ، وعن إيراثه من الميراث شيئاً الشامل للقليل والكثير ، بوصيّة أو غيرها كما في الثانية ، وهو ضدّ ما حكموا به من استحباب الإيصاء له بشي‌ء.

نعم ، الاولى تضمّنت ذلك في صورة خاصّة لم يخصّوه بها ، بل عمّموه لها ولما نفته الرواية عنه من الصورة الأُخرى التي تضمّنتها صدرها.

وبالجملة : الاستدلال بأمثال هذه الروايات ليس في محلّه كما لا يخفى.

__________________

(١) راجع ص ١١٤.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ١٧٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٨.

(٣) أي بالاحتمال والدلالة. منه ;.

(٤) الاستبصار ٣ : ٣٦٥.


نعم ، ربما يتوهّم الاستدلال عليه بمفهوم الصحيح المتقدّم في صدر البحث ، الدالّ على اشتراط مشابهة الولد له في اللحوق به (١).

ونحوه الخبر : عن ابن عمّ له كانت له جارية تخدمه وكان يطؤها ، فدخل يوماً منزله فأصاب معها رجلاً تحدّثه ، فاستراب بها فهدّد الجارية ، فأقرّت أنّ الرجل فجر بها ، ثم إنّها حبلت بولد ، فكتب : « إنّ كان الولد لك أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما ، فإنّ ذلك لا يحلّ لك ، وإن كان الابن ليس منك ولا فيه مشابهة منك فبعه وبع امّه » (٢).

وفساد التوهّم أوضح من أن يخفى ؛ لظهور الأول وصراحة الثاني في انتفاء الولد مع التهمة بمجرّد عدم الشباهة ، وفيه مضافاً إلى المناقشات السابقة المخالفة للإجماع من وجه آخر ، وهو اشتراط الشباهة في اللحوق ، ولم يعتبره أحد بالمرّة ، ومع ذلك في ردّه المعتبرة صريحة.

ففي الخبر : « إنّ رجلاً أتى بامرأته إلى عمر فقال : إنّ امرأتي هذه سوداء وأنا أسود ، وإنّها ولدت غلاماً أبيض ، فقال لمن بحضرته : ما ترون؟

فقالوا : نرى أن ترجمها : فإنّها سوداء وزوجها أسود ، وولدها أبيض » قال : « فجاء أمير المؤمنين 7 وقد وُجِّه بها لتُرجَم فقال : ما حالكما؟ فحدّثاه ، فقال للأسود : أتتّهم امرأتك؟ فقال : لا ، قال : فأتيتها وهي طامث؟ قال : قد قالت لي في ليلة من الليالي : إنّي طامث ، فظننت أنّها تتّقي البرد ، فوقعت عليها ، فقال للمرأة : هل أتاك وأنت طامث؟ قالت : نعم ، سله قد حرّجت عليه وأبيت ، قال : فانطلقا فإنّه ابنكما ؛ إنّما غلب الدم النطفة فابيضّ ، ولو‌

__________________

(١) راجع ص ١١٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٨٠ / ٦٣١ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٧ / ١٣١٣ ، الوسائل ٢١ : ١٦٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٥ ح ٤.


قد تحرّك اسودّ ، فلمّا أيفع اسودّ » (١) ونحوه خبران آخران (٢).

ولا يبعد حمل الخبرين الأوّلين على التقيّة ، كما يظهر من الرواية الأُولى ؛ ومع ذلك فليس فيهما شي‌ء من الأحكام التي ذكروها ، بل فيهما مخالفة لما ذكروه من عدم جواز النفي عنه ؛ لظهورهما فيه مع عدم الشباهة.

ولعلّه لما ذكرنا تردّد الماتن في الشرائع وتبعه الفاضل (٣) ، ولكن الأوجه عدم التردّد ، بل المصير إلى ثبوت الفراش لها مطلقاً ، تبعاً لجماعة (٤) ؛ أخذاً بالنصوص الصحيحة العامّة والخاصّة الواضحة الدلالة.

( ولو وطئها البائع والمشتري ) فأتت بولد يمكن لحوقه بهما ( فالولد للمشتري ) بلا خلاف هنا في الظاهر ؛ للصحيحين :

في أحدهما : عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها ، قال : « بئس ما صنع ، يستغفر الله تعالى ولا يعود » قلت : فإنّه باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ، ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها ، فاستبان حملها عند الثالث ، فقال أبو عبد الله 7 : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٦ / ٤٦ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٤ أبواب أحكام الأولاد ب ١٠٥ ح ٢. أيفع الغلام : شبّ. المصباح المنير : ٦٨١.

(٢) أحدهما في : الكافي ٥ : ٥٦١ / ٢٣ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٣ أبواب أحكام الأولاد ب ١٠٥ ح ١.

والآخر في : الجعفريات ( قرب الإسناد ) : ٢٦٨ ، المستدرك ١٥ : ١٩٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ١.

(٣) الشرائع ٢ : ٣٤٢ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٤٥.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٧٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩١.

(٥) الكافي ٥ : ٤٩١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٥ / ١٣٥٨ ، التهذيب ٨ : ١٦٨ / ٥٨٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٧ / ١٣١٥ ، الوسائل ٢١ : ١٧٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٨ ح ٢.


ونحوه الثاني ، إلاّ أنّ فيه : « الولد للّذي عنده الجارية ، وليصبر ؛ لقول رسول الله 6 : الولد للفراش وللعاهر الحجر » (١) ونحوه بعينه الرضوي (٢).

ويستفاد منها ثبوت الفراش للأمة ، وهو مؤيّد للمختار في المسألة السابقة.

وهذه الأخبار وإن أطلقت الحكم باللحوق بالثاني ( إلاّ ) أنّ اللازم ( أن ) يستثني منه ما إذا كان ( يقصر الزمان ) زمان مدّة الحمل ـ ( عن ستّة أشهر ) من وطئه فيلحق بالسابق إن لم يقصر ولم يتجاوز أقصى الحمل. وإن قصر فيه أيضاً أو تجاوز ، انتفى عنه أيضاً بلا خلاف ؛ عملاً بما دلّ على اعتبار الزمان (٣) ، المجمع عليه بين الأعيان ؛ مع أنّ ظاهر الأسئلة في هذه المعتبرة إمكان اللحوق بالكلّ ، فتأمّل جدّاً.

( ولو وطئها المشتركون ) فعلوا حراماً قطعاً ، ولو حبلت حينئذٍ ( فولدت وتداعوه ) فقال كلّ منهم : هو ولدي ( أُقرع بينهم ، وأُلحق بمن يخرج اسمه ) للصحاح المستفيضة :

منها : « إذا وطئ رجلان أو ثلاثةُ جاريةً في طهر واحد فولدت وادّعوه جميعاً ، أقرع الوالي بينهم ، فمن خرج كان الولد ولده ، ويردّ الولد على صاحب الجارية » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٦٩ / ٥٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٨ / ١٣١٦ ، الوسائل ٢١ : ١٧٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٨ ح ٣.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٦٢.

(٣) انظر الوسائل ٢١ : ٣٨٠ أبواب أحكام الأولاد ب ١٧.

(٤) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٦ ، التهذيب ٨ : ١٦٩ / ٥٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٨ / ١٣١٨ ، الوسائل ٢١ : ١٧١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٧ ح ١.


ومنها : « قضى عليّ 7 في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد ، وذلك في الجاهليّة قبل أن يظهر الإسلام ، فأقرع بينهم ، فجعل الولد لمن قرع ، وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين ، فضحك رسول الله 6 حتى بدت نواجذه ، قال : ما أعلم فيها شيئاً إلاّ ما قضى عليّ 7 » (١) ونحوهما غيرهما من الصّحاح وغيرها (٢).

( ويغرم ) الملحق به ( حصص الباقين من قيمته ) أي الولد يوم سقط حيّاً للصحيحين المتقدّمين ، وعليه يحمل تضمين النصيب كما في الحسن بل الصحيح (٣) ويحتمل الحمل على الأعمّ الشامل للنصيب منه ومن الامّ.

وأمّا ارتكاب التخصيص فيه بتخصيص النصيب بنصيب الامّ لئلاّ ينافي القاعدة من حيث إنّ كلاًّ منهم بدعواه الولد معترف بعدم استحقاقه القيمة من نصيبه منه فحسن ، لولا الصحيح الأول المعرب عن المراد بالنصيب فيه ، أو المثبت للحكم المخالف للقاعدة ، المعتضد مع الصحّة بإجماع الطائفة.

( و ) يغرم أيضاً ( قيمة امّه ) لصيرورتها بالقرعة بظاهر الشريعة أُمّ ولده ، وللرضوي : « ولو أنّ رجلين اشتريا جارية وواقعاها جميعاً فأتت بولد ، لكان الحكم فيه أن يقرع بينهما ، فمن أصابته القرعة الحق به الولد ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٦٩ / ٥٩١ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٨ / ١٣١٩ ، الوسائل ٢١ : ١٧١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٧ ح ٢.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ١٧١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٧ ، وج ٢٧ : ٢٥٧ أبواب كيفية الحكم ب ١٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٣ ، التهذيب ٨ : ١٧٠ / ٥٩٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٩ / ١٣٢٠ ، الوسائل ٢١ : ١٧٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٧ ح ٤.


ويغرم نصف قيمة الجارية لصاحبه ، وعلى كلّ واحد منهما نصف الحدّ » (١).

ويظهر ممّا مرّ الحكم فيما لو لم يتداعوه أيضاً ، وأنّه ليس لهم التداعي إلاّ بالقرعة ، فمن خرجت باسمه صحّت له الدعوى ، وإلاّ فلا.

( ولا يجوز نفي الولد لمكان العزل ) (٢) عن امّه مطلقاً ، دائمة كانت الأُمّ أو متعة أو أمة ، حصل العلم بعدم سبق المني فرجها أم لا.

قيل : لإطلاق النصّ والفتوى بلحوق الولد لفراش الواطئ ؛ لصدقه مع العزل ، ويمكن سبق الماء قبله (٣).

وهو حسن مع الإمكان ، ويستشكل مع العدم ، وهو في محلّه ؛ لعدم تبادر مثله من الإطلاق ، وقد مرّ الإشارة إليه في أوّل النظر (٤).

( والموطؤة بالشبهة يلحق ولدها بالواطئ ) بالشروط الثلاثة المتقدّمة ، وعدم الزوج الحاضر الداخل بها بحيث يمكن إلحاقه به.

والمولى بحكم الزوج ، لكن لو انتفى عن المولى ولحق الواطئ أُغرم قيمة الولد يوم سقط حيّاً لمولاها كما في الأخبار (٥) لأنّه نماء مملوكته ، فجمع بين الحقّين : حقّ تبعيّة الولد ، وحق المولى مطلقاً من منفعة أمته التي فاتته بسبب تصرّف الغير فيها.

والمستند في أصل الحكم بعد الإجماع ـ : المعتبرة التي مضى بعضها ، ومنها الصحيح : قلت : فإن تزوّج امرأة ثم تزوّج أُمّها وهو لا يعلم‌

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٢٦٢.

(٢) في المطبوع زيادة : ولا مع التهمة بالزناء.

(٣) قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية ٥ : ٤٣٩ ٤٤٠.

(٤) راجع ص ١٠٣.

(٥) الوسائل ٢١ : ١٨٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧.


أنّها أُمّها؟ قال : « قد وضع الله تعالى عنه بجهالته بذلك » ثم قال : « فإذا علم أنّها أُمّها فلا يقربها ولا يقرب الابنة حتى تنقضي عدّة الامّ منه ، فإذا انقضت عدّة الامّ جاز له نكاح الابنة » قلت : فإن جاءت الامّ بولد؟ قال : « هو ولده ، ويكون ابنه وأخا امرأته » (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٢).

وأمّا مع حضور الزوج المتقدّم وإمكان اللحوق بهما ، فهو للأخير ؛ لما مرّ (٣).

( ولو تزوّج امرأة لظنّه خلوّها ) من الزوج والمولى ( فبانت محصنة ) ذات زوج أو مولى ( رُدَّت على الأول بعد الاعتداد من الثاني ) ولا رجوع عليها بمهر أو نفقة إن اشتركت معه في الظنّ.

( والأولاد للواطي ) الثاني ( مع الشرائط ) شرائط الإلحاق ، من الولادة بعد مضيّ أقلّ المدّة إلى الأقصى ، وعدم التجاوز عنها.

وينبغي تقييد الحكم باعتقاد الزوج جواز التعويل على ذلك الظنّ ليصير الوطء شبهة ، فلو كان الظنّ ممّا لا يجوز التعويل عليه وعلم بذلك ، فإنّ الوطء يكون زناءً وينتفي الولد عن الواطئ قطعاً ، وعن الموطوءة أيضاً إذا اشتركت معه في العلم بعدم جواز التعويل على مثل الظنّ ، وإلاّ فليلحق بها ، كما يلحق بالواطي أيضاً إن اختصّ باعتقاد جواز التعويل.

والمستند في الأحكام المذكورة بعد عدم الخلاف في الظاهر النصوص في أكثرها.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٤ / ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ / ١٢٠٤ ، الإستبصار ٣ : ١٦٩ / ٦١٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٧٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٠ : ٤٧٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٦ ، وراجع الحديث ٦ من الباب ٨ ، وكذا الباب ٢٤.

(٣) في ص ١١٢.


ففي الخبر : « إذا نعي الرجل إلى أهله ، أو خبّروها أنّه طلّقها ، فاعتدّت ، ثم تزوّجت ، فجاء زوجها الأول بعد ، فإنّ الأول أحقّ بها من هذا الآخر ، دخل بها الأول أو لم يدخل ، ولها المهر من الأخير بما استحلّ من فرجها » (١).

( ويلحق بذلك ) أي بحكم الأولاد ـ ( أحكام الولادة ، وسننها ) المراد بها الآداب العامّة للواجب والمندوب :

فالأول : ( استبداد النساء ) وانفرادهنّ ( بالمرأة ) للإعانة لها عند المخاص ( وجوباً ) كفائيّاً ، بلا خلاف فيه وفي عدم جواز الرجال من عدا الزوج مطلقاً ( إلاّ مع عدمهنّ ) فجاز إعانتهم ، بل وجب ؛ للضرورة.

وربما يناقش في عدم جواز الرجال مطلقاً ، ويقيّد بما يستلزم اطّلاعه على العورة ، أمّا ما لا يستلزمه من مساعدتها فتحريمه على الرجال غير واضح (٢).

وهو حسن إن أُريد من العورة ما يعمّ صوتها أو لم يعدّ منها ، أمّا مع جعله منها وعدم إرادته منها فيشكل ، بل وربما يستشكل مع الأول (٣) ؛ لاستحيائها عن الصياح ، فربما أضرّ بها وبالولد ، وربما تسبّب لهلاكها أو هلاكه.

ويرشد إليه ما أُطبق عليه من قبول شهادة النساء منفردات ، فتأمّل.

( و ) كيف كان ( لا بأس بالزوج ) مطلقاً ( وإن وجدن ) أي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٩ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٥٥ / ١٦٩٨ ، التهذيب ٧ : ٤٨٨ / ١٩٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٩٠ / ٦٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٢ أبواب العدد ب ٣٧ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) انظر الروضة ٥ : ٤٤١.

(٣) وهو إرادة الصوت من العورة. منه ;.


النسوة ويتعيّن لو فقدت إن حصلت به المساعدة ، وإلاّ تعيّن الرجال المحارم ، فإن تعذّروا فغيرهم.

وقدّم في القواعد الرجال الأقارب غير المحارم على الأجانب (١).

ومستنده غير واضح ، بل قيل : لا أصل له في قواعد الشرع (٢).

والثاني : ما أشار إليه بقوله : ( ويستحبّ غُسل المولود ) بضمّ الغين ، كما فهمه الأصحاب ، حيث ذكروه في بحث الأغسال ، وهو الظاهر من الأخبار (٣) ؛ لذلك (٤).

وربما احتُمل الفتح (٥). ولا ريب في ضعفه.

وعلى الأول ، ففي اعتبار الترتيب فيه وجهان.

ثم المتبادر من النصّ وكلام الأصحاب والمعمول عليه بين الناس : كون وقته حين الولادة.

وأمّا الاستحباب فهو الأشهر الأظهر.

وقيل بالوجوب (٦) ؛ تمسّكاً بظاهر اللفظ في النصّ (٧). وهو ضعيف ، كما مضى تحقيقه في كتاب الطهارة (٨).

( والأذان في اذنه اليمنى ، والإقامة في اليسرى ).

__________________

(١) القواعد ٢ : ٤٩.

(٢) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٤١.

(٣) انظر الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣ ، وص ٣٣٧ ب ٢٧ منها.

(٤) أي لذكره فيها في بحث الأغسال. منه ;.

(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٦) الوسيلة : ٥٤.

(٧) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٨) راجع ج ١ : ٤٩٨.


قيل : وليكن ذلك قبل قطع سرّته (١). وربما أشعر بعدم الاستحباب بعده.

وفيه نظر ؛ لإطلاق أكثر النصوص (٢) ككلام أكثر الأصحاب ، والتقييد وإن وقع في بعضها (٣) ، إلاّ أنّه ليس بالإضافة إلى الأذان والإقامة خاصّة ، بل مع دواءٍ وُصِف فيه ، ثم ذكر الأمر بهما بعده ؛ لأن لا يفزع أبداً ولا تصيبه أُمّ الصبيان (٤).

والتقييد بالنسبة إلى جميع ذلك لا ينافي إطلاق استحبابهما منفرداً ، حتى بعد قطع السرّة أيضاً ، لا لما ذكر ؛ بل لأمر آخر غيره ، بل ربّما يستفاد من بعض الأخبار : أنّهم : أذّنوا وأقاموا في الأُذنين حين الولادة بعد قطع السرّة (٥).

قيل : وقد ورد (٦) فعلهما في السابع أيضاً ، وقد ورد (٧) : أنّ القابلة أو من يليه يقيم في يمناه الصلاة فلا يصيبه لمم ولا تابعة أبداً (٨).

( وتحنيكه بتربة الحسين 7 ، وبماء الفرات ) وهو النهر المعروف ؛ للنصوص (٩).

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٤١.

(٢) الوسائل ٢١ : ٤٠٥ ، ٤٠٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٥ ، ٣٦.

(٣) الوسائل ٢١ : ٤٠٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٥.

(٤) أُمّ الصبيان : ريح تعرض لهم مجمع البحرين ١ : ٢٦٠.

(٥) الوسائل ٢١ : ٤٠٧ ٤١٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٦ الأحاديث ٤ ، ٥ ، ٧ ، ١٠ ، ١٥.

(٦) مكارم الأخلاق ١ : ٤٨٧ / ١٦٨٦.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٠٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٥ ح ٣.

(٨) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٩) الوسائل ٢١ : ٤٠٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٦.


قالوا : والمراد بالتحنيك : إدخال ذلك إلى حنكه ، وهو أعلى داخل الفم.

قيل : ويكفي دلك بكلّ من الحنكين ؛ للعموم ، وإن كان المتبادر دلك الأعلى ، ولذا اقتصر عليه جماعة من العامّة والخاصّة (١).

( ومع عدمه ) أي ماء الفرات ـ ( بماء فرات ) ، أي عذب.

والأولى التحنيك بماء السماء مع تعذّر ماء الفرات ، كما في النصّ (٢).

وما ذكروه من مطلق الماء الفرات بعد تعذّر ماء الفرات لم نقف لهم على نصّ ، ولا بأس بمتابعتهم حيث يتعذّر ماء السماء فيحنّك به مسامحةً في أدلّة السنن.

قيل : ويمكن فهمه من بعض نصوص ماء الفرات ؛ بناءً على احتمال إضافة العامّ إلى الخاصّ (٣). وفيه نظر.

( وإن لم يوجد ) الماء الفرات ولا غيره ( إلاّ ماء ملح ، خلط بالعسل أو التمر ) لورود الأمر بالتحنيك بكلّ منهما.

ففي الخبر : « حنّكوا أولادكم بالتمر ، هكذا فعل النبيّ 6 بالحسن والحسين 8 » (٤).

وأمّا العسل فمحكيّ عن الرضوي (٥) ، مع أنّ فيه شفاء من كلّ داء.

__________________

(١) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٦ / ١٧٤٠ ، مكارم الأخلاق : ٤٨٩ / ١٦٩٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٠٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٦ ح ٣.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٧٤١ ، مكارم الأخلاق : ٢٢٩ ، الخصال : ٦١٠ / ١٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٠٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٦ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) فقه الرضا 7 : ٢٣٩ ، المستدرك ١٥ : ١٣٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٧ ح ١.


لكن شي‌ء من ذلك لا يفيد استحباب التخليط بالماء المالح ، إلاّ أنّ الخطب سهل ؛ حيث إنّ المقام مقام الاستحباب.

( وتسمية الأسماء المستحسنة ) في الشريعة ؛ ففي الخبر : « أول ما يبرّ الرجل ولده أن يسمّيه باسمٍ حسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده » (١).

وفي آخر : « استحسنوا أسماءكم ، فإنّكم تدعون بها يوم القيامة : قم يا فلان بن فلانة إلى نورك » (٢).

وفي ثالث : « أصدق الأسماء ما يسمّى بالعبوديّة لله سبحانه ، وأفضلها أسماء الأنبياء » (٣).

وفي رابع : « لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء » (٤).

وجعل الفاضلان أفضل الأسماء ما تضمّن العبوديّة لله ، ويليها في الفضل أسماء الأنبياء : (٥). ولم نقف على مستنده ، بل الموجود في بعض ما مرّ أفضليّة أسماء الأنبياء. وبمضمونه عبّر الشهيد ; في اللمعة (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٣٧ / ١٧٤٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٩ / ١٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٨٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٢ ح ٢ ، وفيهما : يا فلان بن فلان.

(٣) الكافي ٦ : ١٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٣٨ / ١٧٤٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٩١ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٣ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ١٩ / ٨ ، التهذيب ٨ : ٤٣٨ / ١٧٤٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٩٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٦ ح ١.

(٥) المحقق في الشرائع ٢ : ٣٤٣ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٤٢.

(٦) اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٤٤٣.


والحلّي صرّح بأنّ الأفضل أسماء النبيّ 6 والأئمة : ، وبعد ذلك العبوديّة لله تعالى دون خلقه (١).

( وأن يكنّيه ) مخافة النبز ، كما في الخبر (٢).

( ويكره أن يكنّي محمّداً بأبي القاسم ) للنصّ : « نهى عن أربع كنى : عن أبي عيسى ، وعن أبي الحكم ، وعن أبي المالك ، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمّداً » (٣).

( وأن يسمّي حَكَماً أو حكيماً أو خالداً أو حارثاً أو مالكاً أو ضراراً ) للخبرين فيما عدا الأخير (٤) ، وللمرويّ في الخصال فيه ، وفيه : « إنّ شرّ الأسماء : ضرار ومرار وحرب وظالم » (٥) مع أنّه اسم الشيطان كما قيل (٦).

( ويستحبّ حلق رأسه يوم السابع ) من يوم ولد ، ولو في آخر جزء من النهار ؛ للنصوص (٧) ، وهي كثيرة ، وإطلاقها كعبارات الأصحاب يشمل الذكر والأُنثى ؛ مع تأيّده بالمرويّ في العلل : « إنّ العلّة في الحلق :‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٤٦.

(٢) الكافي ٦ : ١٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٤٣٨ / ١٧٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٩٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٧ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢١ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ٤٣٩ / ١٧٥٢ ، الخصال : ٢٥٠ / ١١٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٠٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٩ ح ٢.

(٤) أحدهما في : الكافي ٦ : ٢٠ / ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٩ / ١٧٥١ ، الوسائل ٢١ : ٣٩٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٨ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ٢١ / ١٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٩ / ١٧٥٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٩٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٨ ح ٢.

(٥) الخصال : ٢٥٠ / ١١٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٩٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٢٨ ح ٥ ، وفيهما : مرّة ، بدل : مرار.

(٦) حكاه في المسالك ١ : ٥٧٨.

(٧) الوسائل ٢١ : ٤٢٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤.


التطهير من شعر الرحم » (١).

وفي قرب الإسناد في الصحيح : عن العقيقة عن الغلام والجارية ، قال : « سواء ، كبش بكبش ، ويحلق رأسه ، ويتصدّق بوزن شعره ذهباً أو ورقاً ، فإن لم يجد رفع الشعر وعرف وزنه ، فإذا أيسر تصدّق به » (٢).

قالوا : وينبغي أن يكون ( مقدّماً على العقيقة ) قيل (٣) : لظاهر الحسن : عن العقيقة والحلق والتسمية بأيّها نبدأ؟ فقال : « يصنع ذلك كلّه في ساعة واحدة ، يحلق ويذبح ويسمّى » الخبر (٤). وفيه نظر.

نعم ، في الروضة (٥) : قال إسحاق بن عمّار للصادق 7 : بأيّها نبدأ؟

قال : « تحلق رأسه ، وتعقّ عنه ، وتصدّق بوزن شعره فضّة ، يكون ذلك في مكان واحد » (٦).

( و ) يستفاد منه كغيره ( التصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة ) ثم إنّ ظاهر بعض النصوص عدم استحباب الحلق بمضيّ السابع ، ففي الصحيح : عن مولود لم يحلق رأسه يوم السابع ، فقال : « إذا مضى سبعة أيّام فليس عليه حلق » (٧).

( ويكره القنازع ) للمستفيضة ، وهو أن يحلق من الرأس موضعاً‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٥٠٥ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٢١.

(٢) قرب الإسناد : ٢٩٧ / ١١٧٠ ، الوسائل ٢١ : ٤١١ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٦ ح ١٦ ، كذا في الأصل ، وفي المصدر : كبش كبش.

(٣) هو صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٥٠.

(٤) الكافي ٦ : ٣٣ / ٤ ، الوسائل ٢١ / ٤٢٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٢.

(٥) الروضة ٥ : ٤٤٦.

(٦) الكافي ٦ : ٢٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٤٢ / ١٧٦٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٩.

(٧) الكافي ٦ : ٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣١٦ / ١٥٣٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤٦ / ١٧٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٠ ح ١.


ويترك موضعاً في أيّ جانب كان ، روي ذلك عن مولانا أمير المؤمنين 7 (١).

وفي خبر آخر عن مولانا الصادق 7 : إنّه كره القنزع في رؤوس الصبيان ، وذكر أنّ القنزع : أن يحلق الرأس إلاّ قليلاً وسط الرأس يسمّى القنزعة (٢).

( ويستحبّ ثقب اذنيه ) بإجماعنا ، وبه استفاض أخبارنا ، ففي الصحيح : « ثقب اذن الغلام من السنّة » (٣) ونحوه غيره (٤).

وإطلاق أكثرها يقتضي الاكتفاء بالأُذن الواحدة ، لكن في بعض المعتبرة الأمر بثقب الأُذنين ، كما ورد في الخبرين الواردين في ثقب اذني الحسنين 8 (٥) ، فلعلّه آكد ، أو يحمل المطلق على المقيّد ، والأول أنسب بمقام الاستحباب.

ويستفاد من أحد الخبرين في كيفيّة ثقب اذنيهما : ثقب الاذن اليمنى في شحمتها ، واليسرى في أعلاها.

وكيف كان ، فأخبارنا بأصل الاستحباب في الجملة مستفيضة ، وسند‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٦ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٠ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٦ ح ٣ ؛ وفيهما : القزع والقزعة ، بدل : القنزع والقنزعة.

(٣) الكافي ٦ : ٣٦ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٣٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٥١ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٣٤ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٤٣٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٥١ ح ١.

(٥) أحدهما في : الكافي ٦ : ٣٣ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٤٤ / ١٧٧٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٣٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٥١ ح ٢.

والآخر في : الفقيه ٣ : ٣١٦ / ١٥٣٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٣٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٥١ ح ٤.


بعضها معتبر ، والباقي منجبر بإجماع الطائفة ، كما حكاه جماعة (١).

خلافاً لبعض العامّة ، فاختار الحرمة ؛ لاشتماله على أذية لم يرد فيها رخصة (٢).

والمناقشة فيه بعد ما عرفت من أخبارنا المرخّصة واضحة ؛ مع إطباق الناس عليه عصراً بعد عصر من غير نكير ومضايقة.

( و ) يستحبّ أيضاً ( ختانه فيه ) أي اليوم السابع بلا خلاف ؛ للمستفيضة (٣) ، ( ولو أخّره ) عنه ( جاز ) في الجملة إجماعاً ؛ للصحيح : عن ختان الصبيّ لسبعة أيّام ، هو من السنّة أو يؤخّر ، فأيّهما أفضل؟ قال : « لسبعة أيّام من السنّة ، وإن أُخّر فلا بأس » (٤).

وفي الصحيح : « السنّة » أي في الختان « يوم السابع ، فلا تخالفوا السنن إن شاء الله تعالى » (٥).

( ولو بلغ ) غير مختون ( وجب عليه ) بنفسه ( الاختتان ) بإجماع علماء الإسلام ، كما حكاه جماعة من الأعيان (٦).

وفي وجوبه على الوليّ قبل البلوغ ، قولان ، أشهرهما وأظهرهما :‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٧٨ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٢) حاشية ردّ المختار لابن عابدين ٦ : ٧٤١.

(٣) الوسائل ٢١ : ٤٣٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٢.

(٤) الكافي ٦ : ٣٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٤٥ / ١٧٨٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٣٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٤ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٣٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣١٤ / ١٥٢٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٣٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٢ ح ١.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٧٨ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٥٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٤٩.


العدم ؛ للأصل ، وإطلاق الصحيح المتقدّم بجواز التأخير عن السابع.

خلافاً للتحرير ، فيجب (١). وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح.

وأمّا الصحيح السابق الناهي عن التأخير عن السابع ، فمع أنّه معارض بالصحيح الأول المعتضد بالأصل والشهرة والصراحة ، مخالف للإجماع لو حمل على ظاهره بالضرورة ، فليحمل على تأكّد السابع البتّة.

ويدخل فيمن بلغ غير مختون : الكافر إذا أسلم ، بلا خلاف في الظاهر ، وإن طعن في السنّ ؛ للخبر : « إذا أسلم الكافر اختتن ولو بلغ ثمانين سنة » (٢).

( وخفض الجواري ) وختانهنّ ( مستحبّ ) شرعاً بلا خلاف ؛ وهو الحجّة ، مع المسامحة في أدلّة السنن ، دون النصوص ؛ لتصريحها بأنّه ليس من السنّة ، ففي الصحيح : « ختان الغلام من السنّة ، وخفض الجارية ليس من السنّة » (٣).

وهو وإن احتمل نفي الوجوب ، إلاّ أنّ بعضها ظاهر في نفي السنّة بالمعنى المصطلح ، ففي الخبر : « خفض النساء مكرمة ليست من السنّة ، ولا شيئاً واجباً ، وأيّ شي‌ء أفضل من المكرمة؟! » (٤) إلاّ أنّ ذيله مشعر بالاستحباب في الجملة. وكيف كان ، لا ريب في الاستحباب ؛ لما مضى.

( وأن يُعَقّ عنه أيضاً ) بِذَكَر إن كان ذَكَراً ، وإلاّ فأُنثى ؛ للخبر (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٤٣.

(٢) الكافي ٦ : ٣٧ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٤٤٥ / ١٧٨١ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٣٧ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٤١ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٣٧ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٤١ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٧ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٤٢ / ١٧٦٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ١١.


وليس المماثلة واجبة إجماعاً كما حكي (١) ، وللنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « العقيقة في الغلام والجارية سواء » (٢) فتأمّل.

ولا خلاف في رجحانه في الجملة ، والنصوص به مستفيضة كاستفاضتها في توقيتها باليوم السابع فضلاً (٣) ، وإنّما الخلاف في الوجوب ، والأظهر الأشهر : العدم ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل حكي صريحاً في الخلاف (٤) ؛ وهو الحجّة فيه بعد الأصل ، مع فقد المعارض ؛ إذ ليس إلاّ الأوامر في النصوص (٥) ، وهي مع قصور أسانيدها متضمّنة لكثير من الأوامر المستحبّة الموهنة لدلالة الأوامر المزبورة على الوجوب.

وأمّا النصوص المتضمّنة لإطلاق ألفاظ الوجوب عليها (٦) ، فمع تضمّن أكثرها ما ذُكِر مع قصور السند ، يزيد ضعف الاستناد عليها على ما تقدّم بضعف دلالة الوجوب على المعنى المصطلح ، فلعلّ المراد به مطلق الثبوت المجامع للاستحباب.

ويقوى إرادته هنا بالشهرة وبالصحيح : « كلّ امرئ مرتهن يوم القيامة بعقيقة ، والعقيقة أوجب من الأُضحيّة » (٧) والحال إنّ الأُضحيّة مستحبّة عند أكثر علمائنا ، بل ربما ادّعي عليه الاتّفاق (٨) ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الخلاف ٦ : ٦٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٦ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ٤١٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٢١ : ٤١٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٨.

(٤) الخلاف ٦ : ٧٠.

(٥) الوسائل ٢١ : ٤٢٢ ٤٢٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ الأحاديث ٧ ، ٨ ، ١١ ، ١٢.

(٦) الوسائل ٢١ : ٤١٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٨ ح ٣ ، ٤ ، ٥.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤١ / ١٧٦٣ ، الوسائل ٢١ : ٤١٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٨ ح ١ ؛ وفي الجميع : بعقيقته.

(٨) كما في الحدائق ٢٥ : ٥٩.


وكيف كان ، فخلاف المرتضى والإسكافي الموجبين لها (١) ضعيف جدّاً ، والإجماع الذي ادّعاه الأول مع وهنه باشتهار خلافه معارض بإجماع الشيخ ، الذي منه أقوى كما لا يخفى.

وأمّا الاستدلال (٢) على الاستحباب بالموثّقين الدالّين على إجزاء الأُضحيّة عن العقيقة إذا لم يُعَقّ عنه (٣) ، فليس في محلّه ؛ لاحتمال التداخل وإجزاء المستحبّ عن الواجب ، كما وُجِد نظيره في كثير من الأحكام الشرعيّة ، مثل :

ما قاله الصدوق من إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة للصائم الناسي لها (٤) ، مع استحباب الأول عنده ، كما يظهر من كلامه في الفقيه (٥) ، واعترف به المستدلّ هنا في جملة تحقيقاته ثمّة ، حيث زيّف نسبة القول بالوجوب إليه هناك (٦).

وما قال به جماعة من إجزاء الغسل المستحبّ عن الأغسال الواجبة وإن لم يكن نواها (٧) ، ووردت به النصوص (٨) أيضاً كالأول.

__________________

(١) المرتضى في الانتصار : ١٩١ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٧٧.

(٢) الحدائق ٢٥ : ٦٠.

(٣) أحدهما في : الكافي ٦ : ٣٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ١.

والآخر في : الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤.

(٥) الفقيه ١ : ٦٢.

(٦) انظر الحدائق ٤ : ٢٢٣.

(٧) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٧٣ ، والكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٥٥.

(٨) انظر الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣.


وما قاله أكثر الأصحاب من إجزاء صلاة الجمعة في زمان الغيبة عن الظهر ، مع استحبابها ووجوب الثاني عندهم. ولا ينافي ذلك تسميتهم الأول بالواجب المخيّر ، فإنّما هي مجاز بلا خلاف بينهم.

نعم ، هما صالحان للتأييد ، سيّما وإذا لم يقل بهما الموجبون ، فتأمّل.

( ولا تجزئ الصدقة بثمنها ) مطلقاً ؛ للأصل ، مع خروجه عن مسمّاها ، وللخبرين :

أحدهما الحسن : ولد لأبي جعفر 7 غلامان ، فأمر زيد بن عليّ أن يشتري له جزورين ، فاشترى له واحدة وعسرت عليه الأُخرى ، فقال لأبي جعفر 7 : قد عسرت عليّ الأُخرى ، فيصدّق بثمنها؟ فقال : « لا ، اطلبها حتى تقدر عليها ، فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّ إهراق الدماء وإطعام الطعام » (١).

( و ) يستفاد منه أنّه ( لو عجز ) عنها ( توقّع المكنة ) وإطلاقه يشمل استحبابها وعدم سقوط استحبابه ولو إلى ما بعد البلوغ.

مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار : فقال عمر بن يزيد لمولانا الصادق 7 : إنّي والله ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا ، فأمره فعقّ عن نفسه وهو شيخ ، وقال : « كلّ امرئ مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الأُضحيّة » (٢).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥ / ٨ ، الوسائل ٢١ : ٤١٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٠ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

والآخر في : الكافي ٦ : ٢٥ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٤١ / ١٧٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٤١٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤١ / ١٧٦٣ ، الوسائل ٢١ : ٤١٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.


وفي المضمر : « إذا ضُحّي عنه أو قد ضحّى الولد عن نفسه أجزأه عن عقيقته » (١).

وأمّا الخبر : « إذا جازت سبعة أيّام فلا عقيقة له » (٢) فمحمول على انتفاء الفضل الزماني دون الفعلي جمعاً.

( ويستحبّ فيها شروط الأُضحيّة ) من كونها سليمة من العيوب سمينة ؛ للخبر : « يذبح عنه كبش ، فإن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزئ في الأُضحيّة ، وإلاّ فحَمَل أعظم ما يكون من حُملان السنة » (٣).

وأمّا النصوص بأنّها ليست كالأُضحيّة وفيها الصحيح وغيره من المعتبرة (٤) فمحمولة على حال الضرورة ، أو نفي الوجوب والشرطيّة ، كما في الأُضحيّة ، فليست لما مضى بمنافية. فمناقشة بعض الأجلّة في استحباب الشروط هنا كما في الأُضحيّة للأخبار المذكورة (٥) ، واهية.

( وأن يخصّ القابلة بالرجل والورك ) ، كما في النصوص (٦) ، وفي بعضها : « تعطى الربع » (٧) قيل : هو يوافق الرجل والورك غالباً (٨) ، وفي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٣٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٤٦ / ١٧٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٠ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٧ ، الوسائل ٢١ : ٤١٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٤١ ح ١. الحَمَل : ولد الضائنة في السنة الأُولى ، والجمع : حُملان. المصباح المنير : ١٥٢.

(٤) الوسائل ٢١ : ٤٢٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٥.

(٥) انظر الحدائق ٢٥ : ٦٣.

(٦) الوسائل ٢١ : ٤٢٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤.

(٧) الفقيه ٣ : ٣١٣ / ١٥٢٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ١٥.

(٨) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٢.


آخر : « الثلث » (١) والجمع بتفاوت مراتب الفضل ممكن ، وإن كان الأخذ بما اشتهر بين الأصحاب وهو الأول أجود.

( ولو كانت ) القابلة ( ذمّية ) لا تأكل ذبيحة المسلم ( أعطيت ثمن الربع ) للموثّق : « وإن كانت القابلة يهوديّة لا تأكل من ذبيحة المسلمين ، أُعطيت قيمة ربع الكبش » (٢) وخُصّت اليهوديّة بالذكر لأكل النصارى وكذا المجوس ذبائحنا.

( ولو لم تكن ) ثمّة ( قابلة ، تصدّقت به ) أي بالربع ـ ( الأُمّ ) إلى من شاءت من فقير أو غني ؛ لعموم الموثّق : « وإن لم تكن قابلة فلأُمّه تعطيها من شاءت » (٣).

( وإذا لم يَعِقّ الوالد ) عنه ( استحبّ للولد ) أن يعقّ عن نفسه ( إذا بلغ ) وإن شاب ، بلا خلاف ؛ لمفهوم الموثّقين :

في أحدهما : « وإن لم يعقّ عنه حتى ضحّى فقد أجزأته الأُضحيّة » (٤) ونحوه الثاني (٥) ، فتأمّل.

والأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الدالّ على استحبابها للولد مع الشكّ في عقيقة الوالد عنه ، وفيه : ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٤٤ / ١٧٧٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٨ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٤٣ / ١٧٧١ ، الوسائل ٢١ : ٤٢١ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٤.

(٣) الفقيه ٣ : ٣١٣ / ١٥٢٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ١٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٣٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ١.


فأمرني فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير (١) ، مضافاً إلى النصوص الدالّة بأنّ المرء مرتهن بعقيقته (٢).

( ولو مات الصبيّ ) ذكراً كان أو أُنثى ( في ) اليوم ( السابع قبل الزوال ، سقط ) استحبابها ( ولو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب ) بلا خلاف في الظاهر ؛ للصحيح : عن مولود يولد فيموت يوم السابع ، هل يعقَّ عنه؟ فقال : « إن مات قبل الظهر لم يعقَّ عنه ، وإن مات بعد الظهر عقَّ عنه » (٣).

( ويكره ) بل حكي قول بعدم الجواز (٤) ـ ( أن يأكل منها الوالدان ) بل ومن في عيالهما ، والكراهة في الأُمّ أشدّ ؛ للنصوص :

منها : « لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة » (٥).

وفي الرضوي : « ولا يأكل منه الأبوان » (٦).

وفي ذيل الأول ما يدلّ على جواز أكل من عدا الامّ وشدّة كراهته فيها ، ونحوه في الأول (٧) نصوص كثيرة :

منها الخبر : « إذا ولد لك غلام أو جارية فعقَّ عنه يوم السابع شاة أو‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٥ ، التهذيب ٧ : ٤٤١ / ١٧٦٣ ، الوسائل ٢١ : ٤١٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٢١ : ٤١٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٨.

(٣) الكافي ٦ : ٣٩ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣١٤ / ١٥٢٥ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٦١ ح ١.

(٤) نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٥) الكافي ٦ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٤٤ / ١٧٧٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ١.

(٦) فقه الرضا 7 : ٢٣٩ ، المستدرك ١٥ : ١٤٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٤ ح ١.

(٧) أي في جواز أكل من عدا الامّ.


جزوراً ، وكل منها وأطعم » (١).

وفي آخر في عقيقة الرسول 6 عن الحسنين 8 قال : « وعقّ عنهما شاةً شاة ، وبعثوا برجل إلى القابلة ، ونظروا ما غيره فأكلوا منه » (٢) وقريب منهما آخر (٣). وبهما مع الأصل ، وضعف النصوص المانعة يدفع القول بالحرمة.

ونحوه في الثاني (٤) الحسن : « لا تطعم الامّ منها شيئاً » (٥).

والمرسل : « لا تأكل المرأة من عقيقة ولدها » (٦).

وفي الرضويّ « ولا يأكل منها الأبوان ، وإن أكلت منه الامّ فلا ترضعه » (٧) ويستفاد منه كراهة الإرضاع مع أكلها منها ، وبه صرّح الصدوق في الفقيه (٨) ، ولا بأس بها وإن لم يذكره غيره.

( وأن يُكسَر شي‌ء من عظامها ، بل يفصل مفاصل ) (٩) بلا خلاف ؛ للنصوص :

منها : « ولا تكسر العظم » (١٠).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٨ / ٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٣٣ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٣١ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٨ / ٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٧.

(٤) أي في شدّة كراهة الأكل في الأُمّ.

(٥) الكافي ٦ : ٣٢ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٣٢ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ٣.

(٧) فقه الرضا 7 : ٢٣٩ ، المستدرك ١٥ : ١٤٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٤ ح ١.

(٨) الفقيه ٣ : ٣١٣.

(٩) في المطبوع زيادة : الأعضاء.

(١٠) الكافي ٦ : ٢٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٣ / ١٧٧٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٢١ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٥.


ومنها : « واقطع العقيقة جداول ، وادع عليها رهطاً من المسلمين » (١).

وليس بمحظور إجماعاً ؛ للأصل ، وضعف النصوص المانعة ، وصريح الموثّق بالجواز : عن العقيقة إذا ذبحت ، هل يكسر عظمها؟ قال : « نعم » (٢).

ثم إنّ ما اشتهر في أمثال زماننا بين الناس من استحباب دفن العظام ، بل ولفّها في خرقة ، فلم نقف في النصوص على كثرتها وكذا أقوال الفقهاء على ما يدلّ عليه ، ولا بأس به ما لم يقصد الشرعيّة ، ومعه فيمكن التحريم والإباحة ؛ بناءً على احتمال دخوله في المعتبرة الدالّة على : أنّ من بلغه شي‌ء من الثواب ، إلى آخره (٣) ؛ ولكن المتّجه حينئذٍ الاستحباب ، لكنّه مشكل ، والله العالم.

( ومن التوابع ) :

( الرضاع ) بكسر الراء وفتحها ، مصدر : رضع ، كسمع وضرب ، كالرضاعة بالكسر والفتح أيضاً ، وهو امتصاص الثدي.

( والحضانة ) بالفتح ، وهي ولاية عن الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلّق بها من مصلحته : من حفظه ، وجعله في سريره ورفعه ، وكَحله ، ودهنه ، وتنظيفه ، وغسل خرقه وثيابه ، ونحوه.

( و ) لا ريب ولا خلاف في أنّ ( أفضل ما يرضع ) به الولد ( لبن

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٢ / ١٧٦٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٨. الجُدول جمع جدل ، بالكسر والفتح ، وهو العضو. النهاية ١ : ٢٤٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٣١٤ / ١٥٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ١٧.

(٣) الوسائل ١ : ٨٠ أبواب مقدمة العبادات ب ١٨.


امّه ) لأوفقيّته بمزاجه ، وأنسبيّته بطبيعته لتغذيته منه في بطن امّه ، وللنّص : « ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (١).

( و ) المعروف من مذهب الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعاً بينهم أنّه ( لا تُجبَر ) الأُمّ ( الحرّة ) وكذا الأمة مملوكة الغير ( على إرضاع ولدها ) إلاّ إذا لم يكن للولد مرضعة أُخرى سواها ، أو كانت ولم يمكن ؛ لعدم وجود الأب ، أو إعساره وعدم تمكّنه منه ، مع عدم مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها ، فيجب عليها بلا خلاف ، كوجوب إنفاقها عليه في هاتين الصورتين.

وأمّا عدم الوجوب في غيرهما فللأصل ، والخبر : « لا تُجبَر الحرّة على إرضاع الولد ، وتُجبَر أُمّ الولد » (٢).

مع التأيد بظاهر عموم ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) (٣) الشامل لمثل الإضرار بها فيه بالإجبار على إرضاعه.

وظاهر قوله سبحانه ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٤).

وقوله ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (٥).

وفي الاستدلال بهما نظر.

وبما مرّ يُصرَف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى الوجوب في الظاهر على الأشهر الأظهر المستفاد من قوله سبحانه : ( وَالْوالِداتُ

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٨ / ٣٦٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٠٨ / ١٤٨٦ ، التهذيب ٨ : ١٠٧ / ٣٦٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٨ ح ١.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤ و ٥) الطلاق : ٦.


يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) الآية (١) إلى الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ويمكن الجمع ، بحمله إمّا على الصورتين الأُوليين ، أو على أُمّ ولد المولى ؛ ( و ) ذلك لعدم الخلاف في أنّه ( يجبر الأمة مولاها ) على إرضاع ولدها ، بل مطلقاً ؛ لما مضى من صريح الخبر ، ولأنّها بجميع منافعها ملك له ، فتُجبَر.

وبالجملة : لا إشكال في أصل الحكم مع استثناء الصورتين الماضيتين ، وإنّما الإشكال في استثناء صورة ثالثة ، وهي وجوب إرضاعها اللِّبَأ ، وهو أوّل اللبن ، فقيل : نعم ، كما في القواعد واللمعة ؛ لأنّ الولد لا يعيش بدونه (٢).

خلافاً للأكثر ، فالعدم ؛ لمخالفة التعليل الوجدان.

وهو أظهر ، إلاّ مع ثبوت الضرر ، فيجب بلا إشكال ولا نظر. ويتقدّر المدّة حينئذٍ بمقدار اندفاعه ، وربما قُيّد بثلاثة أيّام (٣) ، والمحكيّ عن أهل اللغة أنّه أوّل الحلبة (٤).

وعليه ففي لزوم الأجر قولان ، وبه صرّح الأكثر ، وهو أظهر ؛ لإطلاق ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ولا قائل بالفرق بين المطلّقات وغيرهن ؛ مع التأيّد بما قيل من أنّه في الحقيقة عوض عن اللبن ، فيكون كمن عنده طعام اضطرّ إليه ذو نفس محترمة (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

(٢) القواعد ٢ : ٥١ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٤٥٢.

(٣) حكاه في الروضة ٥ : ٤٥٢.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٤٦٠.

(٥) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٥.


وقيل : لا ؛ لأنّها كالعبادة الواجبة ، لا يجوز أن يؤخذ عليها اجرة (١).

والمناقشة فيه واضحة ، مع أنّه اجتهاد صرف في مقابلة إطلاق الآية المعتضدة بالشهرة.

( وللحرّة ) المستأجرة للإرضاع بنفسها ، أو بغيرها ، أو على الإطلاق ولو أرضعته من الغير على الأشهر كما في المسالك (٢) ، وعلى إشكال لو تبادر من الإطلاق الإرضاع بنفسها وإلاّ فحسن ( الأُجرة ) المضروبة ( على الأب ) الحيّ الموسر مطلقاً و ( إن ) كانت الحرّة امّاً و ( اختارت إرضاعه ) بعد استئجارها لذلك.

( وكذا لو أرضعته خادمتها ) المملوكة لها ، بلا إشكال ولا خلاف ؛ لأنّها من جملة نفقته الواجبة له عليه ، ولقوله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) الآية (٣) ، فتأمّل.

وهل يجوز استئجار الامّ لذلك وهي في حبالته؟

المشهور : نعم ؛ للأصل ، والعمومات ، ولقوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) الآية (٤).

خلافاً للشيخ في موضع من المبسوط (٥) ، فقوّى المنع ؛ لأنّه مالك للاستمتاع بها في كلّ وقت إلاّ ما استثني من أوقات العبادات ، فلا تقدر هي على إيفاء المانع المستأجرة.

وأمّا الآية فمسوقة للمطلّقات ، ولا نزاع فيهن.

__________________

(١) قال به الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٢٦٧.

(٢) المسالك ١ : ٥٨٠.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الطلاق : ٦.

(٥) المبسوط ٦ : ٣٦ ٣٧.


وفيه نظر ؛ لمجي‌ء المانع من قبله ، فإذا أسقطه سقط ، ولمّا استأجرها فقد أسقط حقّه من الاستمتاع في الأوقات التي لا يمكنه مع الإرضاع ، وهو أولى بالصحّة من أجير أذن له المؤجر في الإجارة من غيره في مدّة إجارته ، كذا قيل (١).

وإنّما يتمّ إذا كان الأب هو المستأجر ، ولا أظنّ الشيخ يمنع حينئذ ، وأمّا إذا كان غيره فلا يجري فيه الجواب ، فقوله لا يخلو عن قوّة ، إلاّ أنّ المحكيّ عنه هو الصورة الأُولى (٢) ، وهو عن مثله غريب.

( ولو كان الأب ميّتاً ) أو معسراً ( فمن مال الرضيع ) بلا خلاف ولا إشكال في الأول ؛ للنصوص :

منها المرسل كالصحيح : « إنّ أمير المؤمنين 7 قضى في رجل توفّى وترك صبيّاً فاسترضع له : أنّ أجر رضاع الصبيّ ممّا يرث من أبيه وأُمّه » (٣).

وقريب منه الصحيح : في رجل مات وترك امرأته ومعها منه ولد ، فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ ، فقال : « لها أجر مثلها ، وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله » (٤).

وربما ظهر من إطلاق العبارة وجوب الأُجرة على الأب ولو مع إعساره.

واستشكله جماعة ؛ للأصل ، مع عدم كون الولد حينئذٍ ممّن يجب‌

__________________

(١) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

(٢) انظر الحدائق ٢٥ : ٧٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ٤١ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٥٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧١ ح ١.


عليه إنفاقه عليه (١).

وهو في محلّه ، إلاّ أنّ إطلاق الآيتين الموجبتين للأُجرة عليه ربما ينافي ذلك.

وكيف كان ، فلا ريب أنّه أحوط إن أمكن باقتراض ونحوه ، وإلاّ فلا ريب في سقوطه ، بل ولعلّه لا خلاف فيه حينئذ.

( و ) نهاية ( مدّة الرضاع ) في الأصل ( حولان ) كاملان بلا خلاف ؛ بنصّ الآية (٢) والرواية (٣).

( ويجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً ) عندنا (٤) ، كما حكاه جماعة من أصحابنا (٥) ؛ لظاهر ( حَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٦) فإنّ الغالب في الحمل تسعة أشهر ؛ وللنصوص :

أحدها الموثّق : « الرضاع أحد وعشرون شهراً ، فما نقص فهو جور على الصبيّ » (٧).

والثاني الخبر : « الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهراً ، فما نقص عن أحد وعشرين شهراً فقد نقص الموضع ، فإن أراد أن يتمّ الرضاعة له‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٢ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٧٤.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ / ١٣١٣ ، الإستبصار ٣ : ١٩٨ / ٧١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٥.

(٤) في حاشية « ص » : خ ل : باتّفاقنا.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

(٦) الأحقاف : ١٥.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٥.


فحولين كاملين » (١).

ونحوهما الثالث المرويّ هو والأول في الفقيه (٢) ، مع احتمال صحّة الأخير.

ومقتضاها أنّه ( لا ) يجوز ( أقلّ ) من ذلك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل حكي صريحاً (٣) ؛ وهو حجّة أُخرى في المسألة بعد هذه النصوص المعتبرة ، المنجبر قصور أسانيدها على تقديره بالإجماع ، ولا أقلّ من الشهرة العظيمة.

فمناقشة بعض الأجلّة في المسألة (٤) وتجويزه النقص عن المدّة المزبورة أيضاً من غير ضرورة ؛ للأصل ، وظاهر الآية ( فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ) (٥) واهية ؛ لتخصيصهما بما مرّ من الأدلّة ، مع إجمال الثانية ، فتأمّل.

وبنحو ذلك يجاب عن الصحيح : « ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين ، فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما فحسن » (٦).

( و ) يجوز ( الزيادة ) عن الحولين ( بشهر أو شهرين ) لظاهر الصحيحين ، الماضي أحدهما الآن ، وأظهر منه الثاني : عن الصبيّ ، هل يرضع أكثر من سنتين؟ فقال : « عامين » قلت : فإن زاد على سنتين ، هل‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٥٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٢.

(٢) لم نعثر عليه في الفقيه.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

(٤) كصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٣.

(٥) البقرة : ٢٣٣.

(٦) التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ١.


على أبويه من ذلك شي‌ء؟ قال : « لا » (١).

ولكن ليس فيهما التقييد بالشهرين ، بل إطلاقهما يشمل الزائد ، وهو مقتضى الأصل ، وإليه مال جماعة (٢).

ولكن المشهور أنّه ( لا ) يجوز ( أكثر ) من المدّة المزبورة ؛ ومستنده غير واضح ، إلاّ ما يقال من أنّ به رواية (٣). وفي الاعتماد على مثلها في تقييد ما مرّ من الأدلّة مناقشة ، وإن كان ربما يتوهّم كونها مرسلة مجبوراً ضعفها بالشهرة ، وأنّ مثلها ترجّح على الأدلّة الماضية ؛ وذلك لأنّ الرجحان بعد وضوح الدلالة ، وليس ؛ إذ يحتمل التوهّم ، لكن مراعاة الاحتياط مطلوبة بالبديهة.

( ولا يلزم الوالد اجرة ما زاد على الحولين ) من رضاع الولد ، مع عدم الضرورة إليه قطعاً ووفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، ومنه الصحيح الماضي قريباً (٤) : « ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها » إلى آخره ، ونحوهما الخبران (٥) ، أحدهما الصحيح أيضاً.

وربما يستفاد من إطلاق هذه النصوص كالعبارة وكلام الجماعة عموم الحكم لصورة الضرورة.

وتأمَّل فيه جماعة ؛ بناءً على أنّ ذلك للولد بمنزلة النفقة الضروريّة ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٤.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٦.

(٣) السرائر ٢ : ٦٤٨.

(٤) في ص ١٥٠.

(٥) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٣ ، تفسير العياشي ١ : ١٢١ / ٣٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٣.

والآخر في : الفقيه ٣ : ٣٢٩ / ١٥٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٧.


فيجب على والده الأُجرة (١).

وفيه : أنّه اجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المعتبرة ، المعتضدة بالأصل والشهرة ، بل والاتّفاق ، كما يظهر من عبارة بعض الأجلّة (٢).

لكن ربما يجاب عن النصوص وعبارات الأصحاب بالورود مورد الغالب (٣). وربما لا يخلو عن مناقشة ، إلاّ أنّ الأحوط مراعاة الأُجرة.

( والأُمّ أحقّ بإرضاعه إذا تبرّعت أو قنعت بما تطلب غيرها ) إجماعاً ، حكاه جماعة (٤) ؛ قيل (٥) : لظاهر الآية ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٦).

والأجود الاستدلال عليه بالرواية : « المطلّقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أُخرى ؛ يقول الله عزّ وجلّ ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (٧) لا يضارّ الصبي ولا يضار به في رضاعه » الحديث (٨) ؛ مع التأيّد بالإشفاق وموافقة اللبن ، كما يشعر بها ذيلها.

( و ) ربما ظهر منها أنّها ( لو طلبت زيادة عمّا تقنع غيرها ، فللأب

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٤ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٨٢ ٨٣.

(٢) في المسالك ( ١ : ٥٨١ ) منه ;.

(٣) انظر الحدائق ٢٥ : ٨٢.

(٤) انظر الحدائق ٢٥ : ٧٥.

(٥) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨١ ، انظر مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٧٠.

(٦) الطلاق : ٦.

(٧) البقرة : ٢٣٣.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٢٩ / ١٥٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٧ ؛ بتفاوت.


نزعه ) منها ( واسترضاع غيرها ) مطلقاً وإن لم تطالب أزيد من اجرة المثل ، كما هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب ؛ لذلك ، ولإطلاق قوله سبحانه ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (١) والخبرين :

في أحدهما ويستفاد منه الحكم الأول أيضاً ـ : « إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعته أعطاها أجرها ، ولا يضارّها إلاّ أن يجد من هو أرخص منها ، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتى تفطمه » (٢).

وفي الثاني : « فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها : أنا أرضع ابني بما تجد من يرضعه ، فهي أحقّ به » (٣).

وقيل : بل هي أحقّ مطلقاً إذا لم تطلب أكثر من اجرة المثل (٤).

ولا ريب في ضعفه ، فإن هو إلاّ اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة بالشهرة ، والموافقة لإطلاق ظاهر الآية ، السالمة عمّا يصلح للمعارضة من الأدلّة ؛ مضافاً إلى أصالة عدم الأحقّية إلاّ ما ساعدت بإخراجه الأدلّة.

( وأمّا الحضانة ) :

( فالأُم أحقّ بالولد ) وتربيته ( مدّة الرضاع ) مطلقاً ، ذكراً كان أُم أُنثى أم غيرهما ، إجماعاً فتوًى ونصّاً (٥) فيما إذا أرضعته ، وإلاّ فقولان :

من الأصل ، وظاهر النصوص ، أظهرها الموثّق : « فإن وجد الأب من‌

__________________

(١) الطلاق : ٦.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٦٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٤٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٣.

(٤) انظر السرائر ٢ : ٦٥٠ ٦٥١.

(٥) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٥.


يرضعه بأربعة دراهم ، وقالت الامّ : لا أرضعه إلاّ بخمسة دراهم ، فإنّ له أن ينتزعه منها » (١).

وقريب منه ما مضى قُبَيل المقام من النصوص ؛ لدلالتها بالمفهوم على عدم أحقّيتها مع عدم رضاها بإرضاعه. وليست في الظهور كالأول ؛ لاحتمالها سلب الأحقيّة من جهة الإرضاع الغير الملازم لسلبها من جهة الحضانة.

ومن أنّ كلاًّ من الحضانة والرضاعة حقّان متغايران ، فلا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر.

وهو جيّد إن قام دليل على استحقاقها الحضانة على الإطلاق ، وليس ، إلاّ ما سيأتي من أحقّيتها بالولد على الإطلاق (٢) ، وهو مع قصور سنده معارض بما دلّ على أحقّية الأب كذلك (٣) ، وليس بعد التعارض سوى التساقط إن لم نقل برجحان الأخير ، ومعه فلا دلالة على إطلاق أحقّيتها بالحضانة.

فإذاً الأول أقوى ؛ للأصل ، مع النصوص الماضية ، التي هي حجّة أُخرى في ردّ ما ذكر للثاني من الحجّة ، وإلى ما صرنا إليه صار جماعة (٤) ؛ لما ذكر من الأدلّة ، مضافاً إلى استلزام بقاء حقّ الحضانة مع انتفاء حقّ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٧٤ / ١٣٠٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ١.

(٢) انظر ص ١٥٦.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٤٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٣.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٤٥ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٨٧.


الرضاعة العسر والحرج والضرر بتردّد المرضعة إلى الأُمّ في كلّ وقت يحتاج إلى الإرضاع ، وهما منفيّان آيةً ورواية.

هذا ، وأمّا القول باشتراك الحضانة بين الأبوين كما عن المهذّب مدّعياً عليه الإجماع (١) فضعيفٌ وإن دلّ عليه صدر الموثّق السابق : « ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة » لوهن الإجماع بمصير الأكثر بل الكلّ إلى الخلاف ، ومعارضة صدر الرواية بذيلها ، وقد مضى ، وفيه تصريح بجواز اختصاص الأب بالحضانة مع عدم إقدام الأُمّ على الرضاعة ؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة ، وعدم وضوح المراد بالسويّة ، فقد يراد بها : التسوية من جهة أنّ على الأُمّ الرضاعة وعلى الأب الأُجرة ، كما ذكره بعض الأجلّة (٢).

ثم حضانة الأُمّ حيثما ثبتت لها مشروطة بما ( إذا كانت حرّة مسلمة ) عاقلة غير مزوّجة ، بلا خلاف في الأربعة.

فلا حضانة للأمة ؛ لفحوى النصوص النافية للحضانة عن الأب العبد ما دام العبوديّة ، ففي الصحيح : « أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار ، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها ؛ لموضع الأب » (٣) مع أنّ منافعها مملوكة لسيّدها ، فهي مشغولة بخدمته عن الحضانة ؛ ولأنّ الحضانة ولاية ، والأمة ليس لها أهليّة.

ولا للكافرة إذا كان الولد مسلماً ؛ لأنّ الحضانة ولاية ، ولا ولاية لها على المسلم ، فتأمّل.

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ٤٢٦.

(٢) انظر التنقيح الرائع ٣ : ٢٧٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٣ ح ١.


ولا للمجنونة ؛ لاحتياجها إلى الحضانة ، فكيف يعقل حضانتها لغيرها؟! وفي إلحاق المرض المزمن الذي لا يرجى زواله كالسلّ والفالج بحيث تشغل بالألم عن كفالته وتدبير أمره ، وجهان ، ونحوه المرض المعدِّي. وإطلاق الأدلّة مع أصالة بقاء الولاية إذا كانت الأمراض حادثة بعدها يقتضي الإلحاق ، والضرر مندفع بالاستنابة ، إلاّ أنّ في شمول الإطلاق لمثلها نوع مناقشة.

ولا للمزوّجة ؛ لإجماع الطائفة كما في الروضة (١) وللخبرين ، أحدهما : عن الرجل يطلّق امرأته وبينهما ولد ، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال : « المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج » (٢) ونحوه الثاني (٣).

ولو طلّقت بائناً أو رجعيّاً انقضت عدّتها ، ففي عود ولايتها وجهان ، بل قولان ، والأصل يقتضي الثاني ، كما عن الحلّي (٤) ، والخبران العاميّان يقتضيان الأول (٥).

وزيد هنا شرطان آخران (٦) لا دليل عليهما.

ولا اختصاص للشروط بالأُمّ ، فإنّ الأب شريك لها فيها حيث ثبتت‌

__________________

(١) الروضة البهية ٥ : ٤٦٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٣ ، التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٤.

(٣) درر اللئالي ١ : ٤٥٧ ، المستدرك ١٥ : ١٦٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٨ ح ٥.

(٤) السرائر ٢ : ٦٥١.

(٥) أحدهما في : سنن أبي داود ٢ : ٢٨٣ / ٢٢٧٦ ، سنن البيهقي ٨ : ٤.

والآخر في : مسند أحمد ٢ : ٢٠٣.

(٦) انظر نهاية المرام ١ : ٤٦٩.


له الحضانة إجماعاً ، إلاّ الشرط الرابع ، فلا ينافيها في حقّه تزويجه بامرأة اخرى.

( وإذا فصل ) الولد عن الرضاع ( فالحرّة أحقّ بالبنت إلى سبع سنين ) من حين الولادة ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن السرائر والغنية (١) ؛ وهو الحجة فيه ، مضافاً إلى إطلاق المعتبرة :

منها الصحيح : « المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين ، إلاّ أن تشاء المرأة » (٢).

ونحوه الخبر المرويّ في مستطرفات السرائر : رجل تزوّج امرأة فولدت منه ثم فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : « إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله ، وإن تركه فله » (٣).

( وقيل ) كما عن المقنعة والمراسم والمهذّب (٤) ـ : أنّها أحقّ بها ( إلى تسع سنين ) ومستنده غير واضح ، إلاّ بعض الوجوه الاعتباريّة التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعيّة.

( والأب أحقّ بالابن ) بعد الفطام ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية (٥) ؛ وهو الحجّة فيه كإطلاق بعض المعتبرة ، مثل الموثّقة السابقة (٦) : « إذا فطم فالأب أحقّ به من الامّ » وهي وإن شملت الأُنثى ، إلاّ أنّها خُصَّت بالذكَر جمعاً بينها وبين ما مرّ ممّا أُطلق فيه السبع بحمله على‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٥٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٦.

(٣) مستطرفات السرائر : ٦٥ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٧.

(٤) المقنعة : ٥٣١ ، المراسم : ١٦٤ ، المهذب ٢ : ٣٥٢.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦.

(٦) في ص ١٥٣.


الأُنثى جمعاً أيضاً.

ومستند الجمع هو الإجماع المحكيّ في المقامين ، مع التأيّد بما ذكروه من المناسبة ، فإنّ الذَّكَر أولى بالزوج من الزوجة ، كأولويّتها منه بالأُنثى في الحضانة. ولولاهما (١) لكان القول بالتفصيل وإن اشتهر مشكلاً ، وكان القول بإطلاق السبع مطلقاً متّجهاً.

وهنا قولان آخران :

أحدهما : إطلاق الحضانة للأُمّ ما لم تتزوّج ، كما عن المقنع (٢) ؛ للخبرين اللذين مضيا في الشرائط ، وفيهما : « المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج » (٣).

وقصور سندهما مع عدم جابر لهما هنا مضافاً إلى عدم مكافأتهما لما مضى من النصّ والفتوى الذي عليه الإجماع قد ادُّعي يمنع من العمل بهما ؛ مع معارضتهما بما دلّ على أولويّة الأب بالحضانة مطلقاً (٤) ، وفيه ما هو بحسب السند أقوى.

وثانيهما : كالأول منهما (٥) بالإضافة إلى البنت ، وأولويّتها بالصبيّ إلى السبع ، كما عن الإسكافي والخلاف مدّعياً عليه فيه الوفاق والأخبار (٦).

والأول موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، مع معارضته بما هو أقوى عدداً واعتباراً (٧). والثاني لم نقف عليه.

__________________

(١) أي الإجماع المحكيّ والمؤيّد المزبور. منه ;.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٥٧٧.

(٣) راجع ص ١٥٦.

(٤) المتقدم في ص ١٥٣.

(٥) وهو أنّها أحقّ بالبنت ما لم تتزوّج. منه ;.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٧٧ ، الخلاف ٥ : ١٣١.

(٧) من حيث الاعتضاد بالشهرة. منه ;.


فإذاً القول الأول من الأقوال في أصل المسألة أظهر وأقوى ، كما مضى.

( ولو مات الأب ، فالأُمّ أحقّ به ) أي الولد مطلقاً ، ذكراً كان أو أُنثى ـ ( من الوصيّ ) للأب أو الجدّ له أو غيره مطلقاً ، انقطعت حضانتها عنه قبل موت الأب أم لا ، إلى أن يبلغا ؛ لأنّها أشفق وأرفق ، وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله تعالى.

وللمرسل كالصحيح على الصحيح : عن رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد ، فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ ، فقال : « لها أجر مثلها ، وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله » (١).

وقريب منه فحوى الموثّق : « فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة » (٢).

وإطلاقهما كالعبارة والآية الشريفة يقتضي إطلاق الأحقيّة ولو كانت مزوّجة ، وبه صرّح جماعة ، ومنهم العلاّمة (٣) ، والخبران بالسقوط في المزوّجة (٤) ظاهران في حياة الأب جدّاً ، والاشتغال بحقوق الزوج غير كافٍ للإسقاط قطعاً.

( ولو كان الأب مملوكاً أو كافراً ، كانت الأُمّ الحرّة ) المسلمة ( أحقّ )

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٥٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧١ ذيل الحديث ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٧٤ / ١٣٠٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٠٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ١.

(٣) انظر القواعد ٢ : ٥١.

(٤) المتقدمان في ص ١٥٦.


به ) حضانةً ( ولو تزوّجت ) أو لم يكن لها ولاية مع حرّية الأب وإسلامه ؛ لانتفاء الأهليّة عنهما ، ولمنطوق الخبرين في الأول وفحواهما في الثاني :

في أحدهما الصحيح : « أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً ، فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار ، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها ؛ لموضع الأب » (١).

وفي الثاني : « ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوّجت حتى يعتق ، هي أحقّ بولدها منه ما دام مملوكاً ، فإذا أُعتق فهو أحقّ بهم منها » (٢).

( و ) يستفاد منهما أيضاً أنّه ( لو أُعتق الأب فالحضانة له ) وينبغي تقييدهما بما إذا كانت له الحضانة بأن كان العتق بعد الفطام في الذكر وبعد السبع في الأُنثى ؛ والوجه ظاهر.

فإنّ فُقِد الأبوان ، فقيل : إنّ الحضانة لأب الأب ؛ لأنّه أب في الجملة ، فيكون أولى من غيره من الأقارب ، ولأنّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة ؛ وبهذا جزم في القواعد ، فقدّم الجدّ للأب على غيره من الأقارب.

ويشكل بأنّ ذلك (٣) لو كان موجباً لتقديمه لاقتضى تقديم أُمّ الأُمّ عليه ؛ لأنّها بمنزلة الأُمّ ، وهي مقدّمة على الأب على ما فُصِّل. وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة ، وإلاّ لكان الأب أولى من الامّ ، وكذا الجدّ له ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٣ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٧ / ٣٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٢١ / ١١٤٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٩ أبواب أحكام الأولاد ٧٣ ح ٢.

(٣) أي كونه أباً في الجملة. منه ;.


وليس كذلك إجماعاً ، والنصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب ، وإنما استفيد حكمهم من آية اولي الأرحام (١) ، وهي لا تدلّ على تقديمه على غيره من درجته ، وبهذا جزم في المختلف ، وهو أجود (٢).

فإن فُقِد أبو الأب ، أو لم نرجّحه ، فللأقارب منهم إلى الولد فالأقرب منهم ، على الأظهر الأشهر ؛ لآية اولي الأرحام ، فالجدّة لُامّ كانت أم لأب وإن علت أولى من العمّة والخالة ، كما أنّهما أولى من بنات العمومة والخؤولة ، وكذلك الجدّة الدنيا والخالة والعمّة أولى من العليا منهن ، وكذا ذكور كلّ مرتبة.

ثم إن اتّحد الأقرب ، فالحضانة مختصّة به ، وإن تعدّد أُقرع بينهم ؛ لما في اشتراكها من الإضرار بالولد.

ولو اجتمع ذكر وأُنثى ، ففي تقديم الأُنثى قولٌ في التحرير مأخذه تقديم الامّ على الأب ، وكون الأُنثى أوفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه ، سيّما الصغير والأُنثى (٣).

وإطلاق الدليل المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما ، كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب وقليله ، ومن يمتّ بالأبوين وبالأُمّ خاصّة ؛ لاشتراك الجميع في الإرث.

وقيل : أنّ الأُخت من الأبوين أو الأب أولى من الأُخت للأُمّ ، وكذا أُمّ الأب أولى من أُمّ الأُمّ ، والجدّة أولى من الأخوات ، والعمّة أولى من الخالة ؛ نظراً إلى زيادة القرب ، أو كثرة النصيب (٤).

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٥.

(٢) الروضة ٥ : ٤٥٩.

(٣) التحرير ٢ : ٤٤.

(٤) انظر الروضة ٥ : ٤٦٢.


وفيه نظر بيّن ؛ لأنّ المستند وهو الآية مشترك ، ومجرّد ما ذكر لا يصلح دليلاً.

وقيل : لا حضانة لغير الأبوين ؛ اقتصاراً على موضع النصّ (١). وعموم الآية يدفعه ، والمناقشة فيه لا وجه لها بالمرّة.

ثم إذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه بلا خلاف ؛ لأنّها ولاية ، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد ، سواء في ذلك الذكر والأُنثى ، البكر والثيّب ؛ لكن قيل : يستحبّ له أن لا يفارق امّه خصوصاً الأُنثى إلى أن تتزوّج (٢).

واعلم أنّه لا شبهة في كون الحضانة حقّا لمن ذكر ، ولكن هل تجب عليه مع ذلك ، أم له إسقاط حقّه منها؟

الأصل يقتضي ذلك ، وهو الذي صرّح به الشهيد ; في قواعده ، فقال : لو امتنعت الامّ من الحضانة صار الأب أولى به ، ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب (٣).

ونُقِل عن بعض الأصحاب وجوبها (٤).

وهو حسن ، حيث يستلزم تركها تضييع الولد ، إلاّ أنّ حضانته حينئذٍ تجب كفايةً كغيره من المضطرّين ؛ وفي اختصاص الوجوب بذي الحقّ نظر. وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق ، وهو لا يستلزم الوجوب.

__________________

(١) انظر الروضة ٥ : ٤٦٤.

(٢) الروضة ٥ : ٤٦٤.

(٣) القواعد والفوائد ١ : ٣٩٦.

(٤) انظر الروضة ٥ : ٤٦٤.


( النظر الخامس )

( في النفقات )

( وأسبابها ) الموجبة لها ( ثلاثة : الزوجيّة ، والقرابة ، والملك ) بإجماع الأُمّة كما حكاه جماعة (١).

والأصل في الأول بعد ما مرّ الكتاب والسنّة المستفيضان :

قال عزّ من قائل ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ ) (٢).

وقال ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٣).

وقال ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (٤).

وفي الصحيح في تفسير الآية الاولى ـ : « إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلاّ فرّق بينهما » (٥) والمعتبرة من الصحيح وغيره بمعناه مستفيضة (٦).

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٩٧.

(٢) الطلاق : ٧.

(٣) النساء : ١٩.

(٤) النساء : ٣٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ١٣٣١ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١ ح ١.

(٦) الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١.


( أمّا الزوجة ، فيشترط في وجوب نفقتها شرطان ) :

( العقد الدائم ) بلا خلاف ، بل إجماعاً كما حكاه جماعة (١) ، ( فلا نفقة لمستمتع بها ) لما مرّ من الأصل ، والمعتبرة الدالّة على أنّها مستأجرة ، ولا خلاف في عدم استحقاق الأجير النفقة ، ففي الخبر : « تزوّج منهنّ ألفاً ، فإنّهنّ مستأجرات » (٢).

( والتمكين الكامل ) المعرّف في الشرائع (٣) وغيره (٤) بالتخلية بينها وبينه بحيث لا يختصّ موضعاً ولا زماناً ، والظاهر تحقّقه ببذلها نفسها في كلّ زمان ومكان يريد فيه الاستمتاع وحلّ له مع عدم مانع شرعي له أو لها ، فلا يحتاج إلى اللفظ الدالّ عليه من قبلها. خلافاً للتحرير ، فأوجب (٥).

ولا دليل عليه ، إلاّ إذا توقّف معرفته عليه.

واشتراط هذا الشرط مشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً ؛ مع أنّا لم نقف على مخالف فيه صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، إلاّ ما ربما يستفاد من تردّد المصنّف في الشرائع واستشكال الفاضل في القواعد (٦) ، وهو بمجرّده لا يوجب المخالفة مع تصريح الأول بأنّ اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المعرّف ، المفيد للعموم ، الظاهر في الإجماع ؛

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٧ ، وانظر الحدائق ٢٥ : ٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١٢٠ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٨ ، الوسائل ٢١ : ١٨ أبواب المتعة ب ٤ ح ٢.

(٣) الشرائع ٢ : ٣٤٧.

(٤) انظر الروضة ٥ : ٤٦٥ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٥.

(٥) التحرير ٢ : ٤٥.

(٦) الشرائع ٢ : ٣٤٧ ، القواعد ٢ : ٥٢.


ونحوه شيخنا الشهيد في المسالك (١).

وأظهر من كلامه ثمّة كلامه في الروضة ، فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله ، معتذراً بعدم ظهور مخالف فيه ، وجعله وسيلة لاختياره (٢).

وهو ينادي بإجماعيّته ، فإنّ دأبه عدم جعل الشهرة بل ولا عدم ظهور الخلاف بمجرّده دليلاً وإن وجد له من الأخبار الغير الصحيحة شاهداً ، فحكمه بتحتم المصير إليه لأجله قرينةٌ واضحة على بلوغه حدّ الإجماع ودرجته.

وهو الحجّة فيه بعد الأصل المؤيّد بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف ، الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما يقتضيه العادة ، وليس من مقتضياته الوجوب إلاّ بعد التمكين ، كما هو المشاهد من أهلها ، فإنّهم ينكحون ويتزوّجون من دون إنفاق ، إلى الزفاف ، مع عدم اختلاف من الزوجات وأهلهنّ فيه مع الأزواج المستمرّين على ذلك ولا نفاق ، وربما يتّخذ ذلك من المسلمين إجماعاً ويجعل مثله وفاقاً ، بل وربما يلحق بالضرورة قطعاً. وقد جعل الأصحاب هذا من فروع التمكين ، ومع ثبوت حكمه فيه يثبت في غيره من الفروع جدّاً ؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً ، فتأمّل جدّاً.

وممّا يؤيّد اعتباره أيضاً بل ولا يبعد جعله دليلاً ما روي عن النبيّ 6 : أنّه تزوّج ودخل بعد سنين ولم ينفق (٣).

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٨٥.

(٢) الروضة ٥ : ٤٦٧ ٤٦٨.

(٣) المغني لابن قدامة ٩ : ٢٨٣ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٣٥ ، انظر سنن النسائي ٦ : ١٣١.


وأمّا ما ربما يصير منشأً للتردّد والإشكال في هذا المجال من إطلاق النصوص بالإنفاق من دون تقييد بالتمكين ، فيمكن الجواب عنه أولاً بما مضى من الإجماع المحكيّ في الظاهر بل المقطوع به جدّاً وغيره.

وثانياً بعدم عموم فيه يشمل المتنازع جدّاً ؛ لعدم تبادره من الإطلاق ظاهراً ، وغايته الإجمال. ولعلّه إلى ما ذكر نظر بعض الأبدال فادّعى عدم النصّ الظاهر في العموم في هذا المجال (١).

وبالجملة : فالقول بعدم اعتباره لو كان ولزوم النفقة بمجرّد العقد لا ريب في ضعفه.

وكيف كان ( فلا ) خلاف في أنّه لا ( نفقة لناشزة ) خارجة عن طاعة الزوج ، ولو بالخروج من بيته بلا إذن ، ومنع لمس بلا عذر.

أمّا على اعتبار التمكين فواضح.

وأمّا على غيره فلأنّ النشوز مانع ، وهو إجماع حكاه جماعة (٢) ، فيعود الخلاف المتوهّم أو الإشكال الواقع حينئذٍ إلى أنّ التمكين هل هو شرط ، أو النشوز مانع؟ ويختلف الأصل في وجوب الإنفاق فيهما ، فيكون العدم في الأول وإن لم يكن نشوزٌ إلى التمكين ، والثبوت في الثاني إلى المانع الذي هو النشوز.

ويتفرّع عليهما فروع ، منها : ما مرّ.

ومنها : ما إذا اختلفا في التمكين وفي وجوب النفقة الماضية ، فعلى المشهور : القول قوله ؛ عملاً بالأصل فيهما ، وعلى الاحتمال : قولها ؛ لأصالة‌

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٤٧٤.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٦٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٦٧ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ١١١.


بقاء ما وجب ، كما يقدّم قولها لو اختلفا في دفعها مع اتّفاقهما على الوجوب.

ومنها : الإنفاق على الصغيرة التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع ، فلا يجب على المشهور في أشهر القولين ؛ لفقد الشرط ، وهو التمكين من الاستمتاع.

خلافاً للحلّي ، فيجب (١) ؛ لعموم وجوبها على الزوجة ، فتخصيصه بالكبيرة الممكّنة يحتاج إلى دليل.

وهو حسن إن قلنا بعدم اشتراط التمكين ، وإلاّ كما اختاره فلا ؛ لعدم الشرط.

إلاّ أن يقول باختصاص اشتراطه بصورة إمكان حصوله ، وليس الصورة المفروضة منها :

لكنّه ربما يطالب بدليل العموم ، فقد يمنع بما مرّ من فقد عموم وعدم انصراف الإطلاق إليها ، فينحصر الموجب للإنفاق في الوفاق ، وليس ، كيف؟! وقد اشتهر الخلاف. وهو أظهر وإن كان مختاره أحوط.

ولو انعكس الفرض ، بأن كانت كبيرة ممكّنة والزوج صغيراً ، وجبت النفقة على الأشهر ؛ لوجود المقتضي ، وعدم المانع ؛ لأنّ الصغر لا يصلح مانعاً ، كما في نفقة الأقارب ، فإنّها تجب على الصغير والكبير.

خلافاً للشيخ (٢) ; وجماعة (٣) ؛ محتجّاً بأصالة البراءة.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٥٥.

(٢) الخلاف ٥ : ١١٣ ، المبسوط ٦ : ١٣.

(٣) منهم ابن البرّاج في المهذب ٢ : ٣٤٧ ، وابن سعيد في الجامع : ٤٨٩ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٥.


قيل : وهي مندفعة بما دلّ على نفقة الزوجة الممكّنة أو مطلقاً (١).

والمناقشة فيه بعد ما ذكرناه واضحة ، بل وأعلامها هنا لائحة ؛ لكون الدالّة عليها خطابات وتكاليف لا يمكن صرفها إلى الصغير ، وصرفها إلى الوليّ مدفوع بالأصل ، مع استلزامه إمّا حصرها فيه ، أو استعمالها في متغايرين ، فتأمّل.

فما ذكره الشيخ ; أجود ، وإن كان ما ذكروه أحوط ، إلاّ إذا كان ذلك دون غيره معاشرة بالمعروف ، فيتعيّن ، فتأمّل.

( ولو امتنعت ) عن الاستمتاع بها ( لعذر شرعيّ ) أو عقليّ ثابت بينهما بإقراره أو بيّنتها ( لا تسقط ) النفقة بلا خلاف ؛ للأصل ، وإطلاق النصوص ، والأمر بالمعاشرة بالمعروف ، مع عدم صلاحيّة العذر للمنع ؛ إذ لشرعيّته ليس بنشوز.

وهو ( كالمرض ) الغير المجامع لما تمتنع عنه.

( والحيض ) إذا أراد وطأها قبلاً ، وكذا دبراً إن منعنا عنه في الحيض أو مطلقاً.

( و ) نحوهما ( فعل الواجب ) المضيّق أو الموسّع إجماعاً ولو في الأخير إذا فعلته في آخر أوقاته.

ومطلقاً على الأشهر ؛ لأصالتي عدم النشوز وتسلّط الزوج عليها هنا.

وتندفعان بإطلاق الأدلّة الموجبة عليها إطاعته ، فيترجّح على إطلاق أدلّة الواجب هنا ، كيف لا؟! وقد أجمعوا على ترجيح المضيّق على الموسّع إذا تعارضا ، وعليه نهض الاعتبار شاهداً.

__________________

(١) الروضة ٥ : ٤٦٦.


فإذاً القول باعتبار الضيق وتحقّق النشوز بدونه كما عن الشيخ والعلاّمة (١) أقوى جدّاً ، ومقتضى ذلك عدم الفرق بالصلاة وغيرها ، إلاّ أنّه ادّعي الإجماع على عدم اعتبار الضيق في الأول (٢) ؛ وهو الحجّة فيه ، لا ما قيل من الفروق (٣).

( أمّا ) الفعل ( المندوب ) فإن كان ممّا يتوقّف على إذن الزوج كالصوم والحجّ ـ ( فإن ) فعلته بدون إذنه ، فسد ولا تسقط النفقة ؛ لأنّه بمجرّده غير مانع ، إلاّ إذا فرض ( منعها منه ) فيسقط ؛ لذلك ، لا لأجل التلبّس به ، وفاقاً للأشهر.

خلافاً للشيخ ، فأطلق السقوط بالتلبّس (٤) ؛ ومستنده غير واضح ، إلاّ ما ربما يتوهّم من تضمّن فعله في نحو الصوم القصد إلى منعه عن الاستمتاع (٥).

وفيه نظر ، فقد يكون ذلك في موضع تقطع بعدم إرادته الاستمتاع ؛ مع أنّ حصول النشوز بمجرّد القصد غير معلوم ، والأصل العدم.

وإن كان ممّا لا يتوقّف عليه جاز لها فعله بغير إذنه ، وليس له منعها منه ، إلاّ أن يطلب منها الاستمتاع في ذلك الوقت ، فيجب إطاعته عليها ؛ لعدم معارضة المندوب للواجب.

( و ) لو ( استمرّت ) والحال هذه ، قيل : ( سقطت نفقتها ) لتحقّق‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ٦ : ١٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٥٤.

(٢) انظر نهاية المرام ١ : ٤٧٧.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٨٦.

(٤) المبسوط ٦ : ١٤.

(٥) انظر نهاية المرام ١ : ٤٧٧.


النشوز (١).

وقيل : بطل ؛ للنهي عنه (٢). وهو كذلك إن قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضدّ الخاصّ ، بل ربما يمكن القول بالبطلان مطلقاً ؛ لا لذلك ، بل لعدم اجتماع مقتضي الصحّة مع الأمر بإطاعة الزوج المضيّق. وللفقير تحقيق في المقام بيّنته في شرح المفاتيح.

( وتستحقّ الزوجة النفقة ) مطلقاً ( ولو كانت ذمّية ، أو أمة ) أرسلها إليه مولاها ليلاً ونهاراً ؛ لعموم الأدلّة.

بخلاف ما إذا لم يرسل إلاّ في أحد الزمانين ، فلا تستحقّ ؛ لعدم التمكين التامّ المشترط في الاستحقاق ؛ لأنّها لكونها أمة ليست أهلاً للاستقلال في التمكين ؛ لملك المولى منافعها ، إلاّ ما ملكه منها الزوج ، وهو الاستمتاع ، فلا عبرة إلاّ بتمكين المولى.

بخلاف ما إذا منع الأب أو غيره الحرّة البالغة عن زوجها ، فإنّه لا عبرة به ، ولا تسقط نفقتها إذا كانت ممكّنة ؛ لأنّها مالكة لنفسها ، فهي مستقلّة بالتمكين.

ويؤكّد ذلك أنّه لا نفقة للأمة إلاّ من مال المولى ، فإن أراد إسقاطها عن نفسه لزمه التسليم الكامل ، فإذا لم يفعل لزمته النفقة. بخلاف الحرّة ، فربما تنفق على نفسها من مالها.

وجواز منع المولى للأمة نهاراً لما تقدّم من حقّ الخدمة له لا يستلزم أن يكون التمكين التامّ بالنسبة إليها هو التمكين ليلاً ليلزم به النفقة ، فإنّ الإجماع منعقد على أنّه لا نفقة لها بانتفاء التمكين التامّ ، مع‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ١٤ ، المفاتيح ٢ : ٢٩٦.

(٢) الحدائق ٢٥ : ١٠٦.


تفسيره بالتمكين كلّ حين في كلّ مكان.

ولكن قد يقال : إنّما انعقد الإجماع على سقوط النفقة بالنشوز ، ولا نشوز هنا ؛ لوجوب إطاعة المولى ، كما لا نشوز بالامتناع للحيض ونحوه.

ويدفع بأصالة البراءة ، إلاّ فيما أجمع فيه على الوجوب ، ولا إجماع هنا ، بخلاف الحائض ونحوها.

( وكذا تستحقّها ) الزوجة ( المطلّقة الرجعيّة ) ما دامت هي في عدّتها إجماعاً ، حكاه جماعة (١) ؛ وللنصوص الآتية ، مضافاً إلى الاستصحاب وبقاء حبس الزوج وسلطنته ، وهما كعبارات الأصحاب مطلقان.

وربما استثني آلة التنظيف ؛ لأنّها لفائدة الاستمتاع ، وقد انتفت بالطلاق (٢).

ويدفعه بعد الإطلاقات ظاهر ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (٣) المفسّر في المعتبرة بتزيّن الزوجة رجاء الرجعة.

ففي الموثّق : في المطلّقة : « تعتدّ في بيتها ، وتظهر له زينتها ، لعلّ الله يحدث أمراً » (٤).

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٤٧٨ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٢ ، الحدائق ٢٥ : ١٠٨ ١٠٩.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٦.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) الكافي ٦ : ٩١ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٧ أبواب العدد ب ٢١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.


وفي الخبر : « المطلّقة تشوّفت (١) لزوجها ما كان له عليها رجعة ، ولا يستأذن عليها » (٢) والمراد : تتزيّن بحيث يشتاق إليها.

وفي آخر : « المطلّقة تكتحل ، وتختضب ، وتلبس ما شاءت من الثياب ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) لعلّها أن تقع في نفسه فيراجعها » (٣) فتأمّل.

ثم إنّه لا تسقط نفقة المعتدّة إلاّ بمسقطات نفقة الزوجيّة ، وتستمرّ إلى انقضاء العدّة.

ولو ظهر حملٌ بعد الطلاق بالمرأة ، فعليه الإنفاق عليها إلى الوضع ولو تجاوز العدّة ؛ لما سيذكر.

ولو بان فقدُ الحمل بعد الإنفاق ، ففي ارتجاع المدفوع إليها تردّد أظهره العدم ؛ للأصل. إلاّ إذا دلّست عليه الحمل ، فيرتجع ؛ للغرور.

وفي التقييد بالرجعيّة إظهار اختصاص وجوب الإنفاق بها ( دون البائن ، والمتوفّى عنها زوجها ) فإنّه لا يجب الإنفاق عليهما مع عدم الحمل ، إجماعاً ، حكاه جماعة (٤) ؛ وهو الحجّة في المقامين ، كالمعتبرة المستفيضة في الأوّل :

منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة ،

__________________

(١) في الأصل ما يقرأ : تشوق ، وما أثبتناه من المصدر هو الأنسب ، فقد ورد في لسان العرب ٩ : ١٨٥ : تشوّفت المرأة أي تزيّنت وأظهرت زينتها.

(٢) الكافي ٦ : ٩١ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٨ أبواب العدد ب ٢١ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٩٢ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٥١ / ١٢٥٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٧ أبواب العدد ب ٢١ ح ٢.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ١١٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٢.


فقد بانت منه ساعة طلّقها ، وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتدّ حيث شاءت ، ولا نفقة لها » (١).

والصحيح : عن المطلّقة ثلاثاً ، إلها النفقة والسكنى؟ فقال : « أحبلى هي؟ » قلت : لا ، قال :« لا » (٢).

ونحوهما الموثّقان (٣) وغيرهما (٤) ، وفي بعضها : « إنّما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة ». وأمّا الصحيح المثبت للنفقة للمطلّقة ثلاثاً (٥) ، فمحمول على الحامل أو الاستحباب.

وعليهما يحمل المرويّ عن قرب الإسناد : عن المطلّقة ، إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : « نعم » (٦) مع احتماله التقييد بالرجعيّة ، بخلاف الصحيحة ؛ لتصريحها بالبائنة.

وفي حصر النفقة في الرواية السابقة للرجعيّة دلالة واضحة على سلبها عن المتوفّى عنها زوجها ، مضافاً إلى فحوى النصوص النافية لها في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٠ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٣٢ / ٤٥٨ ، الوسائل ٢١ : ٥١٩ أبواب النفقات ب ٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٤ / ١١٩١ ، الوسائل ٢١ : ٥٢١ أبواب النفقات ب ٨ ح ٧.

(٣) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٠٤ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٠ أبواب النفقات ب ٨ ح ٣.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٤ / ١١٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٠ أبواب النفقات ب ٨ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢١ : ٥١٩ أبواب النفقات ب ٨ ح ٢ ، ٤ ، ٦.

(٥) التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٤ / ١١٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٥٢١ أبواب النفقات ب ٨ ح ٨.

(٦) قرب الإسناد : ٢٥٤ / ١٠٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٨ ح ١١.


حقّه عنها مع حملها (١) ، فانتفاؤها عنها مع عدمه بطريق أولى.

هذا ، مضافاً إلى الصحيح : عن المتوفّى عنها زوجها ، إلها نفقة؟ قال : « لا ، ينفق عليها من مالها » (٢).

وأمّا الصحيح : « المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من ماله » (٣) فمع شذوذه إن حُمِل على ظاهره وعدم مكافأته لما مرّ ، فمحمول على خلاف ظاهره بإرجاع الضمير المضاف إليه المال إلى الولد لا إلى الزوج ، ولذا جعله الشيخ ; دليلاً فيما سيأتي (٤).

وبالجملة : لا ريب ولا خلاف في الصورتين ( إلاّ أن تكون ) كلّ منهما ( حاملاً ، فيثبت نفقتها في ) الأُولى وهي المطلّقة بـ ( الطلاق ) البائن ـ ( على الزوج ) خاصّة دون الولد مطلقاً (٥) ؛ للإجماع المحكيّ في كلام جماعة (٦) ، وإطلاق الآية ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٧) الشامل للرجعيّة والبائنة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى ، قال : « أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٩.

(٢) التهذيب ٨ : ١٥٢ / ٥٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٦ / ١٢٣٤ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٣ أبواب النفقات ب ٩ ح ٦.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٠ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٥١ / ٥٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٥ / ١٢٣٢ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٣ أبواب النفقات ب ٩ ح ٤.

(٤) انظر ص ١٧٦.

(٥) كان له مال أم لا. منه ;.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٩.

(٧) الطلاق : ٦.


( حتى تضع ) حملها » (١).

وغاية ما يستفاد منها : الإنفاق عليها الأعمّ من كونه لها أو لولدها ، وليس في شي‌ء منها تعيين أحدهما ، ولذا اختلف فيه كلام أصحابنا ، فبين معيِّن للأول ، كما عن ابن حمزة (٢) وجماعة (٣) ، ومعيِّن للثاني ، كما عن المبسوط (٤) وآخرين (٥) ؛ واستند الجانبان إلى اعتبارات هيّنة ربما أشكل التمسّك بها في إثبات الأحكام الشرعيّة ، لكن بعضها المتعلّق بالثاني قويّة معتضدة بالشهرة المحكيّة ، فالمصير إليه لا يخلو عن قوّة.

ويتفرّع عليه فروع جليلة :

منها : ما إذا تزوّج الحرّ أمة مشترطاً مولاها في الولد الرقّية وقلنا بجواز هذا الشرط في الشريعة ، أو تزوّج العبد إيّاها أو أمة مشترطاً في الولد الانفراد بالرقّية ، فلا نفقة فيهما على الزوج على الأشهر ؛ لأنّه (٦) ملك لغيره في الأول ، ولأنّ العبد لا تجب عليه نفقة أقاربه في الثاني. وعلى غيره (٧) تجب ؛ لفقد المانع ، وتكون في الثاني في ذمّة المولى أو كسب العبد.

ومنها : ما لو لم ينفق عليها حتى مضت المدّة أو بعضها ، فلا يجب القضاء على الأشهر ، ويجب على القول الآخر.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ / ٤٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٥١٨ أبواب النفقات ب ٧ ح ١.

(٢) الوسيلة : ٣٢٨.

(٣) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٩.

(٤) المبسوط ٦ : ٢٨.

(٥) منهم القاضي في المهذب ٢ : ٣٤٨ ، والعلاّمة في المختلف : ٦١٣.

(٦) أي الولد. منه ;.

(٧) أي الأشهر. منه ;.


ومنها : ما لو أتلفها متلف بعد القبض من دون تفريط ، فتسقط النفقة على الثاني دون الأول ، وكذا لو ارتدّت بعد الطلاق.

( و ) يثبت النفقة ( في الوفاة في ) (١) ( نصيب الحمل على إحدى الروايتين ) المعمول عليهما ، عمل بها الصدوق والشيخ (٢) وجماعة (٣) ، وفيها : « المرأة المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من نصيب ولدها » (٤).

وفي سنده اشتراك ، ففي وصفها بالصحّة مناقشة ، ولذا مع مخالفتها الأصل أعرض عنها المتأخّرون ، بل حكى عليه الشهرة المطلقة (٥) جماعة (٦) ؛ ويشهد لهم المعتبرة المستفيضة ، ومنها الصحيح : قال في الحبلى المتوفّى عنها زوجها : « إنّها لا نفقة لها » (٧).

وربما جمع بينها وبين السابقة ، بحمل هذه على النفي عن مال الميّت المجامع للثبوت في نصيب الولد.

وهو حسن مع التكافؤ ، وليس ؛ لكثرة الأخيرة ، واعتضادها بالشهرة العظيمة الوجدانيّة والمحكيّة حكاية بالغة حدّ الاستفاضة ؛ مع أنّ بعضها‌

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعل الأنسب : مِن ، كما في المطبوع.

(٢) الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٣٠ ، الشيخ في النهاية : ٥٣٧.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩ ، وابن البراج في المهذّب ٢ : ٣١٩ ، والحلبي في الكافي : ٣١٣.

(٤) الكافي ٦ : ١١٥ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٥ ، التهذيب ٨ : ١٥٢ / ٥٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٥ / ١٢٣٣ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٤ أبواب النفقات ب ١٠ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) أي بين القدماء والمتأخرين. منه ;.

(٦) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٣٤٩ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٥٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٨٠.

(٧) الكافي ٦ : ١١٤ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٥١ / ٥٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٥ / ١٢٢٩ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٩ ح ١.


ربما لا يقبله ، وهو الصحيح المتقدّم (١) ، وفيه : « ينفق عليها من مالها » للتصريح فيه بالإنفاق عليها من مالها الغير المجامع للإنفاق عليها من نصيب ولدها ، إلاّ أنّه ليس فيه كونها حبلى ، فيحتمل حملها على كونها حائلاً.

وكيف كان ، فمذهب المتأخّرين أقوى.

وأمّا ما في الخبر من أنّ : « نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع » (٢) فمع ضعفه وشذوذه وعدم مكافأته لما مرّ ، يحتمل الحمل على ما ينطبق على القولين ، وربما يحمل على الاستحباب ، ولا بأس به مع عدم المانع ، كوجود صغير في الورثة ونحوه.

وفي المسألة قولان آخران مفصّلان ، تارةً بتوجّه الإنفاق من نصيب الوالد ، إن قلنا بكونه له ، ولا ، إن قلنا بالعدم ، ذكره في المختلف (٣).

وأُخرى كما عن بعض متأخّري المتأخّرين (٤) بتوجّهه مع إعسار الامّ ، ولا ، مع يسارها ؛ ومستنده الجمع بين الأخبار ، وربما ساعده الاعتبار ، إلاّ أنّه لا شاهد عليه من الآثار ، مع كونه خارقاً للمتّفق عليه بين الأخيار.

( ونفقة ) الإنسان على نفسه مقدّمة على نفقة ( الزوجة ) ونفقتها ( مقدّمة على نفقة الأقارب ) الواجبي النفقة ( وتُقضى ) نفقتها ( لو فاتت ) دون نفقتهم ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل حكى جماعة الإجماع عليه (٥) ؛ وهو الحجّة فيه مع النصّ الآتي في الأول (٦) ، مع تأمّل‌

__________________

(١) في ص ١٧٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٦ ، التهذيب ٨ : ١٥٢ / ٥٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٦ / ١٢٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٤ أبواب النفقات ب ١٠ ح ٢.

(٣) المختلف : ٦١٣.

(٤) قاله المجلسي في مرآة العقول ٢١ : ١٩٥.

(٥) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٣.

(٦) وهو الإنفاق على نفسه. منه ;.


يظهر وجهه.

وعلّلوا الثاني : بأنّ وجوب النفقة فيه على وجه المعاوضة في مقابل الاستمتاع ، بخلاف نفقة القريب ، فإنّها إنّما وجبت للمواساة ودفع الخَلّة ، وما كان وجوبه على وجه المعاوضة أقوى ممّا وجب على وجه المواساة ، ولهذا لم تسقط نفقة الزوجة بغناها ولا بإعساره ولا بمضيّ الزمان ، بخلاف نفقة القريب.

والثالث : بأنّ نفقة الزوجة في مقابلة الاستمتاع كما مرّ ، فكانت كالعوض اللازم في المعاوضة ، فلا تحصل منه البراءة إلاّ بإيصالها إلى المستحقّ. بخلاف نفقة الأقارب ؛ لما عرفت من أنّ وجوبها إنّما هو للمواساة ورفع الخَلّة ، فلا يستقرّ في الذمّة ، ولا يجب قضاؤها ، كما لو أخلّ بقضاء حاجة المحتاج الواجب الإعانة.

وفي النبويّ : إنّ رجلاً جاء إليه 6 فقال : معي دينار ، فقال : « أنفقه على نفسك » فقال : معي آخر ، فقال : « أنفقه على ولدك » فقال : معي آخر ، فقال : « أنفقه على أهلك » (١).

وفيه دلالة على تقديم نفقة الولد على نفقة الزوجة ، لكن بعد تسليم صحّته يحتمل الحمل على غير النفقة الواجبة ؛ مع أنّ الرجل كان موسراً ، كما يظهر من الكلمات المذكورة فيه أخيراً ، والتقدّم المفروض في كلمة الأصحاب إنّما هو في شأن المعسر خاصّة لا مطلقاً.

هذا ، وبعد تسليم ظهور دلالته صريحاً ، فهو غير مكافئ لما قدّمناه من الدليل بل الأدلّة جدّاً.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ٤٦٦.


( وأمّا القرابة : فالنفقة على الأبوين والأولاد لازمة ) بالشروط الآتية بإجماع الأُمّة ، حكاه جماعة (١) ، والنصوص بها مستفيضة ، بل كادت تكون متواترة.

ففي الصحيح : مَن الذي أُجبر على نفقته؟ قال : « الوالدان والولد والزوجة والوارث الفقير » (٢) وليس في باقي النصوص مع صحّة كثير منها واعتبار باقيها ذكر الأخير ، ويأتي الكلام فيه (٣).

( وفي ) دخول ( مَن علا من الآباء والأُمّهات ) في الآباء ( تردّد ) من الأصل والشكّ في صدق الإطلاق عليه ، ومن الإطلاق عليه كثيراً وإطباق الفقهاء عليه هنا ظاهراً ، فإنّه لم يناقش فيه أحد سوى الماتن هنا وفي الشرائع (٤) مع تصريحه بمختارهم أخيراً ونحوه غيره ممّن شاركه في تردّده (٥).

هذا ، مع إشعار بعض العبارات بالإجماع عليه ظاهراً (٦) ، وكفى هو حجّة ؛ ولذا قال : ( أشبهه اللزوم ).

هذا ، وفي الخبر : في الزكاة : « يُعطى منها الأخ والأُخت والعمّ والعمّة والخال والخالة ، ولا يعطى الجدّ والجدّة » (٧) وقد استفاض النصوص وانعقد‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٤ ، والمحقّق الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٧٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٩ / ٢٠٩ ، الوسائل ٢١ : ٥١١ أبواب النفقات ب ١ ح ٩ ؛ وفيهما : والوارث الصغير.

(٣) في ص ١٨٠.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٥٢.

(٥) انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٥.

(٦) كالمسالك ١ : ٥٩٣ ، والكفاية : ١٩٦.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥١ ، الوسائل ٩ : ٢٤١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٣.


الإجماع على حرمتها على واجبي النفقة ، فالمنع عن إعطاء الجدّ والجدّة ليس إلاّ لكونهما من واجبي النفقة ، ففي الصحيح : « خمسة لا يُعطَون من الزكاة شيئاً : الأب والأُمّ والولد والمملوك والمرأة ؛ وذلك أنّهم عياله لازمون له » (١).

وسند الخبر وإن قصر إلاّ أنّه بالشهرة من جميع الوجوه منجبر.

فالقول بمقالة الأصحاب أقوى وأظهر.

( و ) يستفاد منه بمعونة ما ذكر ، مضافاً إلى الأصل وظواهر النصوص السابقة الواردة في بيان واجبي النفقة ، الظاهرة لذلك في الحصر في المذكورين فيها أنّه ( لا يجب ) النفقة ( على غيرهم من الأقارب ) مضافاً إلى الإجماع عليه في الظاهر ، واستفاضة النصوص بجواز إعطاء الزكاة للأقارب (٢) ، المنافي لوجوب الإنفاق عليهم كما مرّ.

( بل يستحبّ ) بلا خلاف ؛ لصلة الرحم.

( ويتأكّد في الوارث ) لأنّه أقرب ، ولقوله سبحانه ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (٣) والنبويّ : « لا صدقة وذو رحم محتاج » (٤) وللصحيح المتقدّم (٥) ، وظاهره الوجوب كالمرتضوي : « اتي بيتيم ، فقال : خذوا بنفقته أقرب الناس منه في العشيرة كما يأكل ميراثه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٨ / ١٦٦ ، الوسائل ٩ : ٤١٢ أبواب الصدقة ب ٢٠ ح ٤.

(٥) في ص ١٧٨.

(٦) الكافي ٤ : ١٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٩٣ / ٨١٤ ، الإستبصار ٣ : ٤٤ / ١٤٧ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٦ أبواب النفقات ب ١١ ح ٤.


وعن الشيخ في الخلاف احتماله للآية والخبر الأول (١) ، لكنّه قوّى المشهور وقال : إنّه الذي يقتضيه مذهبنا (٢). وظاهره الإجماع عليه ، وحكي صريحاً عنه في المبسوط (٣) ؛ وهو الحجّة فيه ، مضافاً إلى ما مرّ من الأصل والنصوص الحاصرة لواجبي النفقة في أُولئك الخمسة المذكورين في الصحيحة المتقدّمة ، أو الثلاثة المنضمّ إليها باقي الخمسة لغيرها من الأدلّة ، وليس شي‌ء ممّا ذكر بمكافئ لها البتّة.

فاحتمال الوجوب فاسد بالبديهة وإن صار إليه بعض متأخّري الطائفة (٤) ؛ جموداً على ظاهر الصحيحة ، وليت شعري كيف ألغى القواعد الممهّدة والأُصول المقرّرة من لزوم مراعاة التكافؤ بين الأدلّة ، وأنّه لا ينفع مع عدمه صحّة السند ولا وضوح الدلالة؟! مع أنّها باعترافه شاذّة لا قائل بها بالمرّة ، وقد ورد النصوص المعتبرة بطرح مثلها ، وتلقّاها بالقبول هو وسائر علماء الطائفة ، وهي ليست من الشواذّ الخلافيّة ، بل من الشواذّ الوفاقيّة ، حيث أطبق الأصحاب بالفتوى على خلافها من دون تزلزل ولا ريبة.

( ويشترط في الوجوب ) أي وجوب الإنفاق على القرابة دون الإنفاق على الزوجة ـ ( الفقر ) في المنفق عليه وعدم شي‌ء يتقوّت به ، أو عدم وفاء ماله بقوته ، واشتراطه كاشتراط اليسار في المنفق موضع وفاق ، كما يظهر من كلام الجماعة ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٥) ؛ وهو‌

__________________

(١) حكاه عنه في الإيضاح ٣ : ٢٨٣.

(٢) الخلاف ٥ : ١٢٨.

(٣) المبسوط ٦ : ٣٥.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٥.

(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ١١٥.


الحجّة فيه بعد الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ؛ لعدم انصراف إطلاق أدلّة الوجوب إلى الصورتين بالضرورة.

قالوا : والمراد باليسار : هو أن يفضل عن قوته وقوت زوجته وخادمها ليوم وليلة شي‌ء. وفي حكم القوت ما يحتاج إليه من الكسوة في ذلك الفضل ، وغيرها.

ولو فضل عن قوته أو قوت زوجته شي‌ء ، ففي وجوب الإنفاق ، أو جواز التزويج المانع عنه ، وجهان ، بل قولان ، والأشهر : الثاني ، ولا ريب فيه إن اضطرّ إليه.

( و ) في اشتراط ( العجز عن الاكتساب ) في المنفق عليه قولان ، أشهرهما : ذلك ؛ لأنّه معونة على سدّ الخَلّة ، والمكتسب قادر ، فهو كالغني ، ولذا يمنع من الزكاة والكفّارة المشروطة بالفقر ، وحصول الحاجة بالفعل لا يوجب الاستحقاق. نعم ، يعتبر لياقة الكسب بحاله.

ولا يشترط نقصان الخلقة بنحو الزمانة ، ولا الحكم بنحو الصغر والجنون ، على الأشهر الأقوى ، بل عن الخلاف : أنّه ادّعى في الظاهر عليه إجماعنا (١) ؛ وهو الحجة فيه بعد إطلاق النصوص. وخلاف المبسوط باعتبارهما (٢) شاذّ.

ولو بلغ الصغير حدّا يمكن أن يتعلّم حرفة أو يحمل على الاكتساب ، قيل : للولي حمله عليه والإنفاق عليه من كسبه ، لكن لو هرب وترك الاكتساب في بعض الأيّام فعلى الأب الإنفاق عليه ، بخلاف المكلّف (٣).

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ١١٥ ، وهو في الخلاف ٥ : ١٢٤ ١٢٥.

(٢) المبسوط ٦ : ٣٣.

(٣) قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٧٩.


ولا يشترط عدالته ولا إسلامه ، بل يجب وإن كان فاسقاً ؛ للعموم.

قيل : يجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم ، فلو كان حربيّا لم يجب ؛ لجواز إتلافه ، فترك الإنفاق عليه لا يزيد عليه (١). والمستند في أصل عدم اشتراط الأمرين هو اتّفاقهم عليه ظاهراً ، مع نقل بعضهم الإجماع صريحاً (٢) ، وإلاّ فإثباته بالعموم في نحو الكافر مشكل جدّاً ، كيف لا؟! وهو معارض بعموم النهي عن الموادّة إلى من نصب مع الله سبحانه المحادّة (٣) ، ومقتضى تعارض العمومين التساقط ، ومعه يرجع إلى الأصل النافي للوجوب ، لكن اعتضاد العموم هنا بالعمل مع عدم خلاف فيه يظهر ، بل ودعوى بعضهم بل جماعة الإجماع عليه كما مرّ أوجب ترجيحه وتخصيص ما خالفه.

وأمّا الحرّية ، فهي شرط بالإجماع ؛ للأصل ، وفقد ما يدلّ على وجوب الإنفاق على القريب المملوك للغير ؛ لعدم انصراف الإطلاقات إليه. وعلى تقديره ، فمعارض فيه بما دلّ (٤) على وجوب إنفاقه على غيره (٥) ، وليس بعد التعارض سوى التساقط الموجب لتخليص الأصل عن المعارض.

وعلى تقدير عدم التساقط ، فلا ريب أنّ الرجحان مع الأخير ؛ إذ وجوب الإنفاق عليه على من يستوفي منافعه في عوضه أولى ممّن لا يستوفي ، ويكون الإنفاق منه عليه لرفع حاجته وسدّ خلّته.

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٧٤.

(٢) القائل هو الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجادلة : ٢٢.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ٥٢٨ أبواب النفقات ب ١٣.

(٥) وهو المولى. منه ;.


نعم ، لو امتنع المولى عن الإنفاق عليه ، أو كان معسراً ، أمكن وجوبه على القريب ؛ عملاً بالعموم.

وقيل (١) : لا تجب مطلقاً ، بل يُلزَم ببيعه أو الإنفاق عليه ، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وهو حسن.

( ولا تقدير للنفقة ) الواجبة ( بل يجب بذل الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن ) لإطلاق الأدلّة اللازم في مثله الرجوع إلى العرف والعادة ، مع ما في الآية الكريمة ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (٢) ونحوه بعض المعتبرة (٣) من الإشارة إلى الرجوع إليها بالضرورة ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه هنا (٤) بين الطائفة ، بل وصرّح بالإجماع عليه جماعة (٥) ؛ وهو الحجّة فيه ، مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلّة.

ومقتضاها انسحاب الحكم في نفقة الزوجة ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل ربما أشعر عبارة الحلّي بالإجماع عليه (٦).

خلافاً للخلاف ، فقدّر الطعام بمدّ مطلقاً ، مدّعياً فيه الوفاق (٧).

وهو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، مع معارضته بالإجماع المتقدّم ، الراجح عليه هنا بلا ارتياب ، فهو ضعيف.

وأضعف منه المحكيّ عنه في المبسوط من التفصيل : بمدّين‌

__________________

(١) حكاه في الروضة البهية ٥ : ٤٧٤ ، وهو في التحرير ٢ : ٥٠.

(٢) لقمان : ١٥.

(٣) الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١.

(٤) أي نفقة الأقارب. منه ;.

(٥) انظر السرائر ٢ : ٦٥٥ ، والحدائق ٢٥ : ١٢٠.

(٦) السرائر ٢ : ٦٥٥.

(٧) الخلاف ٥ : ١١٢.


للموسر ، ومدّ ونصف للمتوسّط ، ومدّ للمعسر (١) وذلك لعدم الدليل عليه بالمرّة.

ثم إنّ المعتبر من المسكن : الإمتاع ، اتّفاقاً.

ومن المئونة : التمليك في صبيحة كل يوم لا أزيد ، اتّفاقاً ، بشرط بقائها ممكّنة إلى آخره ، فلو نشزت في الأثناء استحقّت بالنسبة.

وفي الكسوة قولان ، أشهرهما وأجودهما : أنّها كالأول ؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ؛ لضعف دليل الملحق بالثاني ، وهو الآية الكريمة ( عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) (٢) المعطوف فيها الكسوة على الرزق ، المقتضي ذلك اشتراكها معه في الأحكام له ، التي منها التمليك إجماعاً.

ووجه الضعف : اقتضاء العطف المشاركة في الحكم المثبت للمعطوف عليه في العبارة ، لا الأحكام الخارجة عنها الثابتة له بغيرها من الأدلّة ، وغاية ما يستفاد من الآية للمعطوف عليه : الوجوب ، الأعمّ من التمليك والإمتاع ، وتعيّن الأول فيه من الخارج غير ملازم لتعيّنه في المعطوف بالبديهة ، ولا دليل على كون التعيين مراداً من لفظ الآية ، وإنّما غايته القيام بإثباته في الجملة ، لا إثبات إرادته من نفس العبارة.

وأمّا الاستدلال بالنبويّ : « ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف » (٣) فمجاب بضعف السند ، وبما مضى إن جُعل العطف فيها مستنداً ، وبعدم كون اللام حقيقةً في الملكيّة خاصّة إن جُعل المستند إفادتها‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٦.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) تحف العقول : ٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٥١٧ أبواب النفقات ب ٦ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.


الملكيّة ، بل نقول : لها معانٍ أُخر كثيرة لا تلازم الملكيّة ، تتوقّف إرادة كلّ منها على قرينة هي في المقام مفقودة ، ومجرّد ثبوت الملكيّة في الرزق غير ملازم لثبوتها في الكسوة ، إلاّ على تقدير قيام الدلالة على إرادتها بالنسبة إليه من اللام المذكورة في الرواية ، وهو محلّ مناقشة ، كيف لا؟! وليست إلاّ الإجماع الذي حكاه جماعة (١) ، ولا يستفاد منها سوى ثبوت الملكيّة له في الجملة المجامع لثبوتها له من غير الرواية.

وعلى المختار : ليس لها بيعها ، ولا التصرّف فيها بغير اللبس من أنواع التصرّفات الخارجة عن العادة ، ولا لبسها زيادةً على المعتاد كيفيّةً وكمّيةً ، فإن فعلت فأبلَتها قبل المدّة التي تبلى فيها عادةً لم يجب عليه إبدالها ؛ وكذا لو أبقتها زيادةً على المدّة. وله إبدالها بغيرها مطلقاً ، وتحصيلها بالاستئجار والإعارة وغيرهما من الوجوه التي هي للمنافع مبيحة.

ولو طلّقها ، أو ماتت ، أو مات ، أو نشزت ، استحقّ ما يجده منها مطلقاً.

وأمّا ما تحتاج إليه من الفرش والآلات فهو في حكم الكسوة.

( ونفقة الولد على الأب ) مع وجوده ويساره دون الامّ وإن شاركته في الوصفين إجماعاً ، حكاه جماعةً (٢) ؛ لظاهر قوله سبحانه ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) الآية (٣) ، مع ضميمة عدم القائل بالفرق ، واستصحاب‌

__________________

(١) راجع التنقيح ٣ : ٢٨٨ ، ونهاية المرام ١ : ٤٨٧ ، والكفاية : ١٩٥ ، والحدائق ٢٥ : ١٢٤.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٧ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٦.

(٣) الطلاق : ٦.


الحالة السابقة ، وعموم رواية هند المشهورة : « خذي ما يكفيك وولدك » (١) المستفاد من ترك الاستفصال في مقام جواب السؤال ، وهو مفيدٌ له عند الجماعة.

( ومع عدمه أو فقره ، فعلى أب الأب وإن علا ) بمائة درجة ( مرتّباً ) الأقرب فالأقرب ، بالإجماع كما حكاه جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة فيه ، دون التعليل بصدق الأب ؛ لمنع كونه على سبيل الحقيقة ، التي هي المعتبرة مع عدم القرينة على ما عداها من المعاني المجازيّة.

وبعد التسليم ، فغايتها الدلالة على الشركة ، لا الترتيب الذي اعتبره الجماعة ، ومع ذلك فهذه العلّة جارية في الآباء من جهة الأُمّ بالضرورة.

هذا ، وربما يناقش في حكاية الإجماع المتقدّمة بعبارة المبسوط ، المعربة عن تقديم أُمّ الأب على أب الأب البعيد عنها بدرجة (٣) ، المشعرة بل الظاهرة بكون ذلك مذهب الطائفة ، وخلافه ممّا ذكره الجماعة مذهب العامّة ، فالمسألة مشكلة.

ويمكن دفعه (٤) برجحان حكاية الإجماع المزبورة بالشهرة العظيمة والاستفاضة في الحكاية والصراحة ، فلا يعارضها إشعار العبارة المتقدّمة بالإجماع بخلافه بالضرورة.

هذا ، مع إمكان التأيّد بالعلّة المتقدّمة بدفع ما يرد عليها من المناقشات السابقة ، فالأُولى : بالإجماع على إرادة الآباء وإن علوا من الأب‌

__________________

(١) سنن النسائي ٨ : ٢٤٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ / ٢٢٩٣ ، سنن الدارمي ٢ : ١٥٩.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٩٣ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٨ ، انظر الحدائق ٢٥ : ١٣٢.

(٣) المبسوط ٦ : ٣٢.

(٤) أي الإشكال. منه ;.


هنا بالبديهة ، مضافاً إلى ما قدّمناه من الرواية ، على سبيل المجاز كانت الإرادة أو الحقيقة ، فإنّ المناقشة على التقديرين مندفعة ، فتأمّل.

والثانية : بانقطاع الشركة وتعيّن الترتيب بإجماع الطائفة ، مع ما للاعتبار عليه من الشهادة ، وإمكان التأيّد بآية اولي الأرحام (١) ، المستدلّ بها لأولويّة القرب في مواضع عديدة في كلام الجماعة.

والثالثة : ببعض ما اندفع به الاولى والثانية ، وهو هنا إجماع الطائفة على عدم مشاركة آباء الامّ مع آباء الأب في المسألة وإن تساووا في الدرجة.

لكن مآل اندفاعها إلى الإجماع. وكيف كان ، فهو العمدة في الحجّية ، لا العلّة بنفسها ، وإن شاركته فيها بعد الضمائم المزبورة.

( ومع عدمهم تجب ) النفقة ( على الأُمّ ) خاصة ، إلاّ مع فقدها أو إعسارها ، ( و ) تكون حينئذٍ على ( آبائها ) وأُمّهاتها بالسويّة إن اشتركوا في الدرجة ، وإلاّ قدّم ( الأقرب فالأقرب ) إلى المنفق عليه ؛ بالإجماع المستفاد من تتبّع كلمات الجماعة ، مع التأيّد بالاعتبار والآية السابقة.

ولم يتعرّض الماتن هنا ولا في الشرائع لحكم الآباء والأُمّهات من قبل أُمّ الأب ، إلاّ أنّ المحكيّ عن الشيخ وسائر الجماعة : أنّ أُمّ الأب بمنزلة أُمّ الأُمّ ، وآباءها وأُمّهاتها بمنزلة آبائها وأُمّهاتها ، فيتشاركون مع التساوي في الدرجة بالسويّة ، ويختصّ الأقرب من الطرفين إلى المحتاج بوجوب الإنفاق عليه (٢).

كلّ ذا في الأُصول خاصّة.

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) حكاه عنهم في كفاية الأحكام : ١٩٧ ، انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٨.


وأمّا الفروع ، فلو وُجِدوا بشرائط الإنفاق دون الأُصول : فإن اتّحد تعيّن ، وإن تعدّد في درجة واحدة وجب عليهم بالسويّة ، وإن اختلفت درجاتهم وجب على الأقرب فالأقرب.

ولا فرق في ذلك كلّه بين الذكر والأُنثى على الأشهر الأظهر.

خلافاً لشاذّ ، فعلى حسب الميراث (١). ولآخر ، فيختصّ بالذكر (٢).

وضعفهما ظاهر لمن تدبّر.

ولو اجتمع العمودان الأُصول والفروع فمع وحدة الدرجة فهم شركاء في الإنفاق بالسويّة ، كما في الأب والابن ، ومع اختلافهما وجب على الأقرب ، كما في الأب وابن الابن ، فالأب متعيّن بلا شبهة.

ولو كان الفرع أُنثى ، أو كان الأصل هي الأُمّ ، ففيه احتمالات ، والذي استظهره جماعة استواء الابن والبنت ، وكذا الامّ مع الولد مطلقاً (٣).

ثم لو كان الأقرب معسراً ، فأنفق الأبعد ، ثم أيسر الأقرب ، تعلّق به الوجوب حينئذ ، ولا يرجع الأبعد عليه بما أنفق ؛ للأصل.

ولو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وله أب ، وجب على الأب نفقة الآخر. ولو تشاحّا في اختيار أحدهما ، استخرج بالقرعة.

كلّ ذا حكم المنفق.

وأمّا المنفق عليه ، فمع التعدّد إن كانوا من جهة واحدة كالآباء والأجداد وجب الإنفاق على الجميع مع السعة ، وإلاّ فالأقرب إليه فالأقرب. ولا فرق في كلّ مرتبة بين الذكر والأُنثى ، ولا بين المتقرّب بالأب‌

__________________

(١) انظر القواعد ٢ : ٥٨.

(٢) الروضة البهية ٥ : ٤٨.

(٣) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٥٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٩٥ ، والمحقق الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٨٠.


من الأب والأُمّ ، والمتقرّب بالأُمّ كذلك.

وإن كانوا من الجهتين اعتبرت المراتب ، فإن تساوت عدّة الدرجات فيهما اشتركوا ، وإلاّ اختصّ الأقرب.

ولو لم يسع ماله مَن في درجة واحدة لقلّته وكثرتهم ، ففي الاقتسام والقرعة وجهان ، أقواهما الثاني ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ لمنافاة التشريك الغرض. وربما احتُمِل ترجيح الأحوج لصغر أو مرض بدون القرعة (٢) ، ولا بأس به.

( ولا تقضى نفقة الأقارب لو فاتت ) لما مضى في مسألة قضاء نفقة الزوجة (٣) ، ولا خلاف فيه ، إلاّ أنّه ذكر الجماعة وجوب القضاء فيما لو استدانه القريب بأمر الحاكم ، لغيبة المنفق أو امتناعه ، فإنّه يستقر الدين في ذمّته كسائر ديونه ، ولذا وجب عليه قضاؤه.

( وأمّا المملوك : فنفقته واجبة على مولاه ) ذكراً أو أُنثى أو غيرهما ( وكذا الأمة ) بإجماع الأُمّة على ما حكاه بعض الأجلّة (٤) ، مضافاً إلى السنّة التي مضى بعضها في نفقة القرابة (٥). ولا فرق فيهما بين الصغير والكبير والقنّ وأُمّ الولد والمدبّر والمكاتب ؛ لإطلاق النصّ والفتوى ، إلاّ أنّ الأخير نفقته في كسبه إن وفى به ، وإلاّ أتمّه المولى ، من دون فرق فيه بين كونه مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً.

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ٥٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٧.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٨١.

(٣) راجع ص ١٧٧.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٩ ، كشف اللثام ٢ : ١١٧ ، الحدائق ٢٥ : ١٣٩.

(٥) راجع ص ١٧٩.


ثم إن اتّحد المالك ، وإلاّ وزّعت النفقة عليهم بحسب الشركة قطعاً.

( و ) حيث إنّه لا تقدير في الشريعة لجنس النفقة وكيفيّتها ، وجب أن ( يرجع في قدر النفقة ) من الجهات المذكورة ( إلى عادة مماليك أمثال المولى ) من أهل بلده ، بحسب شرفه وضعته وإعساره ويساره.

ولا يكفي ساتر العورة في اللباس ببلادنا ، وإن اكتفي به في بلاد المماليك.

ولا فرق بين كون نفقة السيّد على نفسه دون الغالب في نفقة المملوك عادةً تقتيراً أو بخلاً أو رياضةً ، وفوقه ، فليس للمولى الاقتصار بالعبد على وجه نفقة نفسه في الأول (١).

ولا عبرة في الكمّية بالغالب في نفقة المملوك ، بل تجب الكفاية لو قلّ الغالب عنها ، كما لا يجب الزائد لو زاد عنها.

فإذاً المعتبر فيه (٢) الكيفيّة خاصّة ، دون المقدار والكميّة.

فإذاً في إطلاق الحكم بالرجوع في القدر المتبادر منه الكميّة إلى العادة كما في العبارة نوع مناقشة ، إلاّ أن يخصّ القدر بما يخصّ الجنس والكيفيّة خاصّة.

وعن المبسوط : اعتبار غالب قوت البلد وكسوته (٣). ولعلّ المؤدّى واحد.

ويستحبّ أن يطعمه ممّا يأكله ويُلبِسه ممّا يلبسه ؛ للنبويّ : « إخوانكم وخَوَلكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده‌

__________________

(١) وهو كونه دون الغالب. منه ;.

(٢) أي الغالب. منه ;.

(٣) المبسوط ٦ : ٤٤.


فليطعمه ممّا يأكل ويُلبِسه ممّا يلبس » (١).

وفي آخر : « إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه وقد كفاه حرّه وعمله فليقعده فليأكل معه ، وإلاّ فليناوله أكلةً من طعام » (٢).

ونحوه آخر ، وفيه بدل : « فليناوله » : إلى آخره ، « فليروِّغ له اللقمة واللقمتين » (٣) والترويغ : أن يروّيه من الدَّسم ، كما عن المبسوط (٤).

والمستفاد منهما استحباب المؤاكلة مع العبيد ، والنصوص به مستفيضة (٥).

( ويجوز مخارجة المملوك على شي‌ء ) أي ضرب خراج معلوم عليه يؤدّيه كلّ يوم أو مدّة ممّا يكتسبه ( فما فضل يكون له ، فإن كفاه ) الفاضل لنفقته ( وإلاّ أتمّه المولى ) والأصل في جواز المخارجة بعد الإجماع الذي حكاه بعض الأجلّة (٦) المعتبرة :

منها الصحيح : عن رجل أراد أن يعتق مملوكاً له وقد كان يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كلّ سنة ورضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته مالاً سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة ، فقال : « إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك » (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٢٨٣ / ٤٠. والخَوَل : العبيد والإماء وغيرهم من الحاشية. لسان العرب ١١ : ٢٢٤.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣٨٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٦٥ / ٣٨٤٦ ، صحيح البخاري ٧ : ١٠٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٠٧.

(٣) سنن البيهقي ٨ : ٨ بتفاوت.

(٤) المبسوط ٦ : ٤٥.

(٥) الوسائل ٢٣ : ٣٠ أبواب العتق ب ١٤ ، المستدرك ١٥ : ٤٥٦ أبواب العتق ب ١٣.

(٦) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٧.

(٧) الكافي ٦ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٧٤ / ٢٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٢٤ / ٨٠٧ ، المقنع : ١٦١ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٥ أبواب بيع الحيوان ب ٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.


وفي هذه الصحيحة دلالة على تملّكه فاضل الضريبة ، ولذا قطع به جماعة (١) ، منهم : المصنّف في بحث التجارة (٢).

وفي جواز إجبار السيّد عبده على المخارجة ، قولان ، ثانيهما : نعم ، ما لم يتجاوز مجهوده ، كما عن التحرير (٣) ، وهو أقوى ؛ عملاً بعموم ما دلّ على لزوم إطاعة المملوك لسيّده (٤) ، خرج عنه ما دون المجهود بالضرورة ، كيف لا؟! ولا عسر ولا حرج في الملّة السهلة السمحة ، ويبقى الباقي مندرجاً في عموم الأدلّة.

واعلم أنّ للسيّد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك ، ولا يخرج عن وسعه عادةً ، والملازمة عليه ، إلاّ في أوقات اعتيد فيها الاستراحة.

وأمّا الأفعال الشديدة الشاقّة التي لا يمكن عليها المداومة في العادة ، فله الأمر بها في بعض الأزمنة ، وعلى المملوك بذل الوسع مهما أمكنه.

وليس له تكليفه الخدمة ليلاً ونهاراً معاً ؛ لأنّها فوق الوسع والطاقة ، بل إذا عمل في أحدهما أراحه في الآخر ، ويريحه في الصيف وقت القيلولة.

وبالجملة : فالمتّبع العادة الغالبة.

( وتجب النفقة على البهائم المملوكة ) مأكولة اللحم كانت أم غيرها ، منتفعاً بها أم لا ، بلا خلاف أعرفه بين أصحابنا.

ولا تقدير لها ، بل عليه منها ما احتاجت إليه قطعاً من العلف والسقي حيث يفتقر إليهما ، والمكان المناسب من مراح وإصطبل يليق بحالها‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٥٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٧.

(٢) المختصر النافع ١ : ١٣٢.

(٣) التحرير ٢ : ٥٠.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ١١٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٣.


ومنها دود القزّ ، فيأثم بالتقصير في إيصاله قدر كفايته ، ووضعه في مكان يقصر عن صلاحيّته له بحسب الزمان وما يحتاج إليه البهيمة مطلقاً أيّ حيوان كان من الآلات حيث يستعملها ، أو الجلّ لدفع البرد وغيره حيث يحتاج إليه.

وفي النبويّ : « اطّلعت ليلة اسري بي ، فرأيت امرأة تعذّب ، فسألت عنها ، فقيل : إنّها ربطت هرّة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت ، فعذّبها الله تعالى بذلك » قال : « واطّلعت على الجنّة ، فرأيت امرأة زانية ، فسألت عنها ، فقيل : إنّها مرّت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى رُوي ، فغفر الله سبحانه لها » (١).

ثم إنّه يجبر على الإنفاق عليها ، إلاّ أن تجتزئ بالرعي ، وترد الماء بنفسها ، فيجتزئ به مع إمكانه ، وإلاّ ( فإن امتنع مالكها اجبر على ) الإنفاق عليها ، أو ( بيعها ، أو ذبحها إن كانت مقصودة بالذبح ) للّحم أو الجلد ، وإلاّ اجبر على البيع أو الإنفاق ؛ صوناً لها عن التلف.

فإن أصرّ ، ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ، ببيع شي‌ء من ماله في الإنفاق ، أو بيعها عليه ، وإنّما يتخيّر مع إمكان الأفراد ، وإلاّ تعيّن الممكن منها.

ثم إن كان لها ولد ، وفّر عليه من لبنها ما يكفيه وجوباً ، وحلب ما يفضل عنه خاصّة ، فإنّ ذلك نفقته ، إلاّ أن يقوم بكفايته من غير اللبن حيث يكتفي به.

والحمد لله.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٤٧ ، وأورد صدره في البحار ٦٢ : ٦٤ ، ٦٥.


( كتاب الطلاق )

وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض ، بصيغة « طالق » وما في معناه حيث قلنا به مع الشرائط المعتبرة.

( والنظر في أركانه ، وأقسامه ، ولواحقه ).

( الركن الأوّل )

( في ) بيان ( المطلِّق ، ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد ) إليه ، بلا خلاف ، بل إجماعاً فيما عدا الأوّل ، وفيه في الجملة ، والنّصوص بها مع ذلك مستفيضة سيأتي إليها الإشارة.

( فلا اعتبار بطلاق الصبي ) الغير المميّز إجماعاً ، وفيه أيضاً على الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر ، وهو الأظهر ؛ للأصل ، وأدلّة الحجر عموماً في الأكثر ، أو فحوًى في الجميع إن ادّعي اختصاصها بالمال ؛ إذ المنع عن التصرّف في المال ولا سيّما قليله ملازم للمنع عنه في الطلاق بطريق أولى ، كيف لا ولتعلّقه بأمر الفروج أمره أشدّ من أمر المال بمراتب شتّى جدّاً ، وفاقاً ، نصّاً وفتوى ، هذا.

مضافاً إلى إطلاق خصوص المعتبرة المستفيضة ، منها القريب سنده من الصحة : « ليس طلاق الصبي بشي‌ء » (١) ونحوه (٢) المنجبر قصور سنده‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٤.


بالشهرة.

ومنها : « كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه ، أو الصبي ، أو مُبَرسَم ، أو مجنون ، أو مكره » (١).

ومنها المروي عن قرب الإسناد : « لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم » (٢) هذا.

مع أنّ في الصحيح : عن الصبي يتزوّج الصبيّة؟ قال : « إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا » (٣).

وقد حمل الشيخ وغيره (٤) الخيار فيه على الطلاق ، فيدل حينئذٍ على اشتراطه بالإدراك الدالّ بمفهومه على العدم بعدمه.

( و ) لكن ورد ( فيمن بلغ ) بحسب السن ( عشراً رواية ) المراد بها الجنس لتعدّدها ( بالجواز ) عمل بها النهاية (٥) ، وتبعه عليه جماعة كالقاضي وابن حمزة (٦) ، أحدها الموثق : « يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين » (٧) ونحوه المرسل كالصحيح (٨).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٦ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٣. البرسام : علّة يهذي فيها صاحبها وهو المُبَرسَم. القاموس ٤ : ٧٩.

(٢) قرب الإسناد : ١٠٤ / ٣٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٧٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٨٢ / ١٥٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ / ٨٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٨.

(٤) قاله في التهذيب ٧ : ٣٨٢ ، انظر الوسائل ٢٠ : ٢٧٨.

(٥) النهاية : ٥١٨.

(٦) القاضي في المهذّب ٢ : ٢٨٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٣.

(٧) التهذيب ٨ : ٧٥ / ٢٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٢ / ١٠٧٢ ، الوسائل ٢٢ : ٧٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٦.

(٨) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٢ ؛ بتفاوت.


وهي وإن لم يكن ( فيها ضعف ) بالمعنى المصطلح ، إلاّ أنّها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من حيث الاستفاضة ، والاعتضاد بالأصل والعمومات والشهرة العظيمة والأولوية المتقدمة ، فحمل تلك على هذه بالتقييد المناقشة فيه واضحة.

مع بُعد جريانه في بعضها ممّا جعل فيه غاية الجواز إلى الاحتلام ؛ لكونه كالصريح في المنع عن طلاق ذي العشر لعدم كونه الغاية.

فالقول بهذه الرواية ضعيف البتّة ، كالجواز المطلق في ذي التميز ، كما عن الإسكافي وجماعة (١) ، وإن وردت [ به (٢) ] روايات بحسب الأسانيد معتبرة ، كالموثقين : « يجوز طلاق الصبي إذا كان قد عقل ، ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم » (٣) ونحوهما الرضوي : « إذا طلق للسنة فطلاقه جائز » (٤).

لتطرّق النظر إليها بما مضى ، مع لزوم تقييدها بالخبرين المقيّدين إن عملنا بهما ، كتقييدهما بها.

( ولو طلّق عنه الولي لم يقع ) مطلقاً ، أبويه كان أم الحاكم ؛ للأصل ، وعموم : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٥) كما في المستفيضة.

مضافاً إلى الإجماع المحكي في كلام جماعة (٦).

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٨٩ ، والصدوق في الفقيه ٣ : ٣٢٥ ، وحكاه عن علي بن بابويه في المختلف : ٥٨٩.

(٢) في الأصل : بها ، والأنسب ما أثبتناه.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٧٦ / ٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٣ / ١٠٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ٧٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) فقه الرضا 7 : ٢٤٣ ، المستدرك ١٥ : ٣٠٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٤ ح ٣.

(٥) عوالي اللئلئ ١ : ٢٣٤ / ١٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ / ٢٠٨١.

(٦) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٤٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٨.


وخصوص المعتبرة المستدل بها في الأوّلين بالمنطوق ، وفي الثالث بالأولوية ، منها الصحيح وغيره : هل يجوز طلاق الأب؟ قال : « لا » (١).

والفرق بينه وبين المجنون حيث قلنا بجواز طلاقه عنه : ترقّب مدّة يمكن زوال المنع فيها واندفاع الضرر به فيها ، دون المجنون ، كما لا يخفى.

مضافاً إلى استفاضة النصوص المخرجة عن الأصل فيه ، دون الصبي ، ولا مخرج عنه فيه منها قطعاً ، وهي كافية في الفرق ، ويخرج ما ذكرناه من الاعتبار شاهداً قطعاً.

( إلاّ أن ) يكون ( بلغ فاسد العقل ) فساداً لا يمكنه معه القصد إلى الطلاق أصلاً ، فيجوز طلاق الولي عنه حينئذٍ مطلقاً ، مطبقاً كان أو أدواريّاً لا يفيق حال الطلاق أبداً ، على الأظهر الأشهر ، بل في الإيضاح (٢) الإجماع عليه ، وهو الحجّة فيه ، كالمستفيضة.

منها الصحيحان ، في أحدهما : عن الأحمق الذاهب العقل أيجوز طلاق وليّه عنه؟ قال : « ولمَ لا يطلّق هو؟ » قلت : لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً : لم أُطلّق ، أو لا يحسن أن يطلّق ، قال : « ما أرى وليّه إلاّ بمنزلة السلطان » (٣).

ونحوه الثاني (٤) مبدلاً فيه السلطان بالإمام‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٠ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٨٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٣ ح ١.

وغيره في : الكافي ٧ : ١٣٢ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٨٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٣ ح ٢.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٩٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٨ : ٧٥ / ٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٢ / ١٠٧١ ، الوسائل ٢٢ : ٨٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ١٢٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٢٦ / ١٥٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٨١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٤ ح ١.


وإجمال المنزلة فيهما مبيَّن بسياقهما المعرب من حيث وجوب المطابقة بين السؤال والجواب عن إرادة جواز الطلاق منها ؛ وبالمعتبرة ، منها : في طلاق المعتوه ، قال : « يطلّق عنه وليّه فإنّي أراه بمنزلة الإمام » (١).

وقريب منه آخر : « المعتوه الذي لا يحسن أن يطلّق يطلّق عنه وليه » (٢).

وقصور سندهما منجبر بالشهرة ، مع احتمال الأوّل الصحة ، كما عليه من المحقّقين جماعة (٣).

خلافاً للخلاف (٤) ، مدّعياً على المنع الوفاق ، وتبعه الحلي (٥) ؛ لعموم المستفيض.

ويخص بما مرّ ، والإجماع مع معارضته بأقوى منه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، وعلى تقدير صحته وخلوّه فغايته أنّه خبر صحيح ، ولكنه واحد لا يعارض المستفيضة المتعدّد صحاحها ، والمنجبر بالشهرة باقيها.

ثم ظاهر الحصر في العبارة انحصار جواز طلاق الولي في اتصال الجنون بالصغر ، وهو مخالف للإجماع ، ولإطلاق النصوص إن أُريد بالولي : المطلق ، وللأخير خاصّة إن أُريد به من عدا الحاكم ، كما هو الظاهر.

ولعلّه مبني على ما مضى (٦) في بحث النكاح من انقطاع ولايته في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٦ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٨٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٥ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٨٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٥ ح ٢.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٣.

(٤) الخلاف ٤ : ٤٤٢.

(٥) السرائر ٢ : ٦٧٣.

(٦) راجع ص ٤٨٩٢.


غير هذه الصورة.

لكنه معارض بمثله في جانب الحاكم ، كما عرفت ثمة ، مع اعتضاده بإطلاق أخبار المسألة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال فيها ، بل ربما كان أظهر أفرادها غير المفروض في العبارة ، ولعلّه لذا أطلق الجواز جماعة (١) ، وإن صرّح بما في العبارة شيخنا في الروضة (٢).

ثمّ ليس في النصوص كالعبارة اشتراط الغبطة ، لكنه مشهور بين الطائفة ، فإن تمّ إجماع ، وإلا فطريق المناقشة فيه غير منسدّة ، كيف لا؟! وغاية ما يستفاد من الأدلة مراعاة عدم الضرر لا الغبطة ، وأحدهما غير الآخر بالضرورة.

( ولا يصح طلاق المجنون ) مطلقاً ، عدا الأدواري حال إفاقته.

( ولا السكران ) البالغ حدّا يصير نحو المجنون الذي لا ينتظم أُموره ، ولا يتوجّه إلى أفعاله قصده ، وفي معناه المغمى عليه والنائم.

لانتفاء القصد المشترط في الصحة بالإجماع والمعتبرة الآتية (٣).

والنصوص به مع ذلك مستفيضة مضى منها في الأوّل (٤) ، مضافاً إلى الصحيح فيه وفي الثاني : عن طلاق السكران وعتقه؟ فقال : « لا يجوز » وعن طلاق المعتوه؟ قال : « وما هو؟ » قلت : الأحمق الذاهب العقل ، قال : « لا يجوز » (٥).

ومنها في الثاني المستفيضة ، منها الصحيح : عن طلاق السكران؟

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ٥٠٩ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٨٢ ، والتبصرة : ١٤٦.

(٢) الروضة البهية ٦ : ١٨.

(٣) في ص ٢٠٣ ، ٢٠٤.

(٤) راجع ص ١٩٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٧٣ / ٢٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٨٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٤ ح ٥.


فقال : « لا يجوز ، ولا كرامة » (١).

وأمّا ما ورد في شواذّ الأخبار (٢) : من جواز طلاق المعتوه ، فمحمول وإن صحّ سنده على الأدواري حال إفاقته ، أو طلاق الولي عنه ، فإنّه طلاقه ، أو الناقص العقل الغير البالغ حدّ الجنون ؛ لكونه أعم منهما ، كما يستفاد من أخبار هذا الباب ، بل وربما كان حقيقة في المحمول عليه خاصّة ، كما حكاه عن جماعة من أهل اللغة بعض الأصحاب (٣).

( ولا المكره ) عليه لفقد الاختيار المشترط في الصحة هنا وفي سائر تصرفاته ، عدا ما استثني بإجماع الأُمّة ، كما حكاه بعض الأجلّة (٤).

والنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : عن طلاق المكره وعتقه؟

فقال : « ليس طلاقه بطلاق ، ولا عتقه بعتق » الخبر (٥).

ويتحقق الإكراه بتوعّده بما يكون مضرّاً به في نفسه ، أو من يجري مجراه من إخوانه ، ففي الصحيح : أمرّ بالعشّار ومعي مال فيستحلفني ، فإن حلفت تركني ، وإن لم أحلف فتّشني ، فقال : « احلف له » قلت : فإنّه يستحلفني بالطلاق ، فقال : « احلف له » فقلت : فإنّ المال لا يكون لي ، قال : « فعن مال أخيك » الخبر (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٦ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٨٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٢٦ / ١٥٧٧ ، التهذيب ٨ : ٧٥ / ٢٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٢ / ١٠٧٠ ، الوسائل ٢٢ : ٨٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٤ ح ٨.

(٣) حكاه عنهم في الحدائق ٢٥ : ١٥٨ ، وهو في تهذيب اللغة ١ : ١٣٩ ، والمصباح المنير : ٣٩٢ ، والقاموس المحيط ٤ : ٢٨٩.

(٤) نهاية المرام ٢ : ١١.

(٥) الكافي ٦ : ١٢٧ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٨٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٧ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ١٢٨ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٨ ح ٥.


ويناط الضرر بحسب حاله مع قدرة المتوعّد على فعل ما توعّد به ، والعلم أو الظن بفعله به مع عدم فعله المأمور به.

ولا فرق بين كون المتوعَّد به قتلاً ، أو جرحاً ، أو أخذ مال وإن قلّ ، أو شتماً ، أو ضرباً ، أو حبساً.

ويستوي في الأولين جميع الناس ، أمّا الأربعة فتختلف باختلاف الناس ضعةً ورفعةً ، فقراً وغنى ، فربما يؤثّر قليلها في الوجيه والفقير اللذين ينقصهما ذلك ، وقد يحتمل بعض الناس شيئاً لا يؤثّر في قدره وفقره ، والضابط فيه حصول الضرر عرفاً بوقوع المتوعَّد به.

وربما يشرك الثالث مع الأوّلين في استواء الناس فيهما.

ولا وجه له بعد مشاهدة اختلاف الناس فيه ، وعدم صدق الإكراه في بعض صوره في العرف المنوط به ، إلاّ ما ربما يتوهّم من إطلاق النصوص هنا بحصول الإكراه بالخوف على المال على الإطلاق ، ولكن المتبادر منه ما ذكرناه.

ولو خيّره بين الطلاق أو غيره من أفعاله المنوطة صحتها باختياره ، ورفعِ مال غير مستحق فهو إكراه ، بلا خلاف ، وربما كان في الموثق (١) المتضمّن لإفساده 7 الطلاق الذي خيّر الراوي فيه بينه وبين منع زوجته الأُخرى عنه ففعله دلالة عليه ، فإنّ منع الزوجة غير مستحق عليه ، وهذا بخلاف ما لو خيّر بينه وبين ما يستحقّه المخيِّر من مال وغيره وإن حتم أحدهما الغير المعيَّن عليه ، فإنّه لا إكراه فيه بلا خلاف.

وفي بعض النصوص دلالة عليه ، كالخبر : إنّ امرأة عارفة أحدث‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٧ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٨٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٨ ح ١.


زوجها ، فهرب في البلاد ، فتبع الزوج بعض أهل المرأة ، فقال : إمّا طلّقت ، وإمّا رددتك ، فطلّقها ، ومضى الرجل على وجهه ، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطّه : « تزوّجي يرحمك الله تعالى » (١) فتدبّر.

كما لا إكراه على طلاق معيّنة فطلّق غيرها ، أو على طلقة فطلّق أزيد ، أو على طلاق المعيّنة ففعله مرّة قاصداً إليه ، بلا إشكال ولا اختلاف في الأوّل ، ومعهما في الآخرين ، وإن كان الأقوى في الأخير ما ذكرناه ؛ لحصول القصد واللفظ المشترطين في الصحة ، مع عدم المانع عنها سوى إطلاق النصوص بمنع الإكراه الغير المنصرف إلى مثل هذا ؛ لانصرافه إلى ما لا يتضمّن القصد إلى الطلاق أصلاً.

ولا يبعد انسحابه في الأوّل إن تعدّد الطلقات في العبارة ؛ لاختصاص الأخبار بالواحدة فيخلو عنه الطلقات الزائدة.

ولو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين مريداً بها المتشخّصة في الخارج فالأقوى أنّه إكراه ؛ لعدم تحقق مقتضى أمره المشار إليه بدون إحداهما ، بخلاف ما لو أكرهه على ذلك من دون إرادة المتشخّصة ، كأن يقول : قل : إحداهما ، طالق ، فالأقوى عدم الإكراه في طلاق إحداهما المعيّنة ؛ لعدم الإكراه عليه ، واندفاعه بما لم يأت به.

( ولا المغضب مع ارتفاع القصد ) المشترط في صحة الطلاق ، بل مطلق التصرفات ، بالوفاق ، كما حكاه جماعة (٢) ، وساعده الاعتبار.

مع استفاضة النصوص به في المضمار ، منها : « لإطلاق إلاّ ما أُريد به‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨١ / ٩ ، الوسائل ٢٢ : ٥٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٤.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٤ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٩.


الطلاق » (١).

ومنها : « لا يقع الطلاق بإكراه ، ولا إجبار ، ولا على سُكر ، ولا على غضب » (٢).

ومنها الرضوي : « ولا يقع إلاّ على طهر من غير جماع ، بشاهد عدلين ، مريداً للطلاق » (٣).

ونحو المغضب : الساهي ، والنائم ، والغالط ، والهازل ، والعجمي ، ونحوه الملقَّن بالصيغة مع عدم معرفة المعنى.

( الركن الثاني )

( في ) بيان ( المطلّقة ) ومن يصح طلاقها في الشريعة.

( ويشترط فيها الزوجية ) بالفعل ، فلا يقع بالأمة ، ولا الأجنبيّة ولو علقه بعقد المناكحة ، بإجماع الطائفة ، حكاه جماعة (٤) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن جوازه من السنة النبويّة وما جعله الشارع سبباً للبينونة ، وليس إلاّ الطلاق في الزوجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « لا طلاق إلاّ بعد نكاح ، ولا عتق إلاّ بعد ملك » (٥) ونحوه أخبار أُخر (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٢ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ١١ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٢١.

(٣) فقه الرضا 7 : ٢٤١ ، المستدرك ١٥ : ٢٨٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٥.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٦ ، وصاحب المفاتيح ٢ : ٣١٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٠.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٢١ / ١٥٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٢ ح ١.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٣١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٢.


وليس المراد بالنكاح فيها الوطء ؛ إمّا لما مضى (١) من كونه حقيقة في العقد خاصة في الشريعة ؛ أو لعدم تمامية الحصر على تقدير إرادة الوطء بإجماع الأُمّة ؛ أو لظهور القرينة من بعض المعتبرة ، كالموثق : « لا يكون طلاق حتى يملك عقد النكاح » (٢).

( والدوام ) فلا يقع بمتمتّع بها ، ولا المحلّلة ، بلا خلاف ؛ لما مضى هنا من الأصل ، والنصوص الحاصرة للطلاق في النكاح المتبادر منه الدوام ، مع عدمه بمعنييه في الأخيرة.

مضافاً إلى خصوص النصوص في الأُولى ، منها الصحيح : وتبين بغير طلاق؟ قال : « نعم » (٣).

والخبر : كيف يتزوج المتعة؟ قال : « يقول : يا أمة الله أتزوّجك كذا وكذا يوماً ، فإذا مضت تلك الأيّام كان طلاقها في شرطها » (٤).

( والطهارة من ) دم ( الحيض والنفاس إذا كانت مدخولاً بها ) وحائلاً ( وزوجها معها حاضر ) فلا يجوز من دونها ، بإجماع العلماء ، حكاه بعض أصحابنا (٥) ، ولو طلّق والحال هذه فسد بإجماعنا للأصل ، والصحاح المستفيضة التي كادت أن تكون هي مع غيرها من المعتبرة بحسب المعنى متواترة ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٦).

__________________

(١) راجع ص ٤٨٢٨.

(٢) الكافي ٦ : ٦٣ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٦ / ١١٤٧ ، الإستبصار ٣ : ١٥١ / ٥٥٣ ، الوسائل ٢١ : ٥٨ أبواب المتعة ب ٢٥ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥٥ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٣.

(٥) انظر المسالك ٢ : ٦ ، نهاية المرام ٢ : ١٥.

(٦) نهاية المرام ٢ : ٢٢.


ففي الصحيح : الرجل يطلّق امرأته وهي حائض ، قال : « الطلاق على غير السنّة باطل » (١).

وفيه : « إذا طلّق الرجل في دم نفاس ، أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق » (٢).

وفيه : كيف طلاق السنّة؟ قال : « يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها ، بشاهدين عدلين ، كما قال الله تعالى في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله تعالى » (٣).

وإطلاق هذه النصوص كغيرها وإن شملت المدخول بها وغيرها ممن لم يدخل بها أو غاب عنها زوجها والحبلى ، إلاّ أنها قيّدت بمن عداها ؛ لأخبار أُخر يأتي ذكر ما يتعلق منها بالثانية.

وأمّا المتعلّق بالأولى والأخيرة فالمستفيضة ، منها الصحيح : « خمس يطلّقهنّ أزواجهنّ متى شاؤوا : الحامل المستبين حملها ، والجارية التي لم تحض ، والمرأة التي قعدت عن المحيض ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها » (٤) ونحوه الصحيحان المروي أحدهما في الكافي (٥) ، والآخر في الخصال (٦) ، وغيرهما (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣ / ٥٨ ، التهذيب ٨ : ٤٧ / ١٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٦٠ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٤٧ / ١٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٦ : ٦٧ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٤.

(٤) التهذيب ٨ : ٧٠ / ٢٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٤.

(٥) الكافي ٦ : ٧٩ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٣.

(٦) الخصال : ٣٠٣ / ٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٥.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٣٤ / ١٦١٥ ، الوسائل ٢٢ : ٥٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ١.


( و ) منه يظهر الوجه في أنه ( لو كان ) المطلِّق حيث الطلاق ( غائباً صحّ ) طلاقه ولو صادف الحيض أو طهر المواقعة ، مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.

ثم إنّ إطلاق هذه الأخبار في استثناء الغائب وإن شمل الغائب العالم بحال زوجته ، إلاّ أنّ ظاهرهم الاتفاق على التقييد بالجاهل بها ، ولعلّه للأصل ، وعدم تبادر العالم من إطلاق النص ، وكيف كان فلا خلاف في التقييد.

( و ) لكن ( في ) تعيين ( قدر الغيبة ) المجوِّزة للطلاق المصحِّحة له وإن ظهر مصادفته الحيض اختلاف بين الأصحاب و ( اضطراب ) في أخبار الباب ، فبين مطلِق للجواز من دون تقدير للمدّة بقدر ، كما عن المفيد ووالد الصدوق والعماني والديلمي والحلبي (١) ؛ التفاتاً إلى عموم المستفيضة الماضية ونحوها من المعتبرة ، كالصحيح : عن رجل يطلّق امرأته وهو غائب؟ قال : « يجوز طلاقه على كلّ حال ، وتعتدّ امرأته من يوم طلّقها » (٢).

والخبر : في الرجل يطلّق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلّقها كانت طامثاً ، قال : « يجوز » (٣).

والرضوي : « واعلم أن خمساً يطلقَّن على كل حال ، ولا يحتاج ينتظر طهرهنّ : الحامل ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها ، والتي لم تبلغ‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٢٦ ، وحكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف : ٥٨٧ ، الديلمي في المراسم : ١٦١ ، الحلبي في الكافي : ٣٠٦.

(٢) الكافي ٦ : ٨٠ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٥٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠١ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٤ / ١٠٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٥٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٦.


المحيض ، والتي قد يئست من المحيض » (١).

ومقدِّرٍ لها بشهرٍ ، كما عن النهاية وابن حمزة (٢) ؛ لبعض المعتبرة المقيَّد به إطلاق المستفيضة ، ففي الخبرين (٣) ، أحدهما الموثق : « الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً ». وقصور السند ، وقلّة العدد ، والمعارضة بما يأتي من الثلاثة أشهر الذي لراوي هذين الخبرين يمنع عن المكافأة لما مرّ.

ومقدِّرٍ لها بثلاثة أشهر ، كما في المختلف وعن الإسكافي (٤) ؛ للصحيح : « الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتى يمضي ثلاثة أشهر » (٥) ونحوه غيره (٦).

ولأنها كالمسترابة في الجهالة.

ومقدِّرٍ لأدناها بالأول ، وأوسطها بالثاني ، وأقصاها بالخمسة أو الستة أشهر (٧) ؛ جمعاً بين ما مرّ وبين الموثق : الغائب الذي يطلّق كم غيبته؟ قال : « خمسة أشهر أو ستة أشهر » قلت : حدّ دون ذا ، قال : « ثلاثة أشهر » (٨).

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٢٤٤ ، المستدرك ١٥ : ٢٩٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٩ ح ٢.

(٢) النهاية : ٥١٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٠.

(٣) الموثق : الكافي ٦ : ٨٠ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٥ / ١٠٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٥٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٣.

والخبر : الكافي ٦ : ٨١ / ٨ ، الوسائل ٢٢ : ٥٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٥.

(٤) حكاه العلاّمة عن ابن الجنيد في المختلف واختاره أيضاً : ٥٨٧.

(٥) التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠٣ ، الوسائل ٢٢ : ٥٨ أبواب مقدّمات الطلاق ب ٢٦ ح ٧.

(٦) ولعلّه هو الموثق الآتي تحت رقم ٨.

(٧) هو الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٢٥.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٢٥ / ١٥٧٣ ، التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٥ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ٥٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٨ ؛ بتفاوت.


وفي هذا الجمع نظر ، بل الجمع بالاستحباب أظهر ؛ لشدّة الاختلاف فيما مرّ مع كون الجميع لراوٍ واحد ، ويشير إليه الخبر الأخير ؛ للتخيير أوّلاً بين العددين في الصدر ، ثم التحديد بالثلاثة أشهر بعد سؤال الراوي.

وبالجملة : الظاهر بُعد ما مرّ من الجميع.

كالجمع المحكي عن أكثر من تأخّر (١) تبعاً للحلي والطوسي (٢) ممن تقدّم ، و ( محصّله : ) التقدير بمدّة يعلم ( انتقالها ) فيها ( من طهر إلى آخر ) بحسب عادتها ، وتحمل اختلاف النصوص على اختلاف عادات النساء في الحيض ، فذو العادة شهراً مدّة طلاقها التقدير الأوّل ، وذو الثلاثة : الثاني ، وذو الخمسة أو الستّة : الثالث.

ولا شاهد عليه سوى الشهرة المتأخّرة ، وليست بنفسها حجّة ، مع استلزامه حمل أخبار الثلاثة وكذا الخمسة أو الستة على الفروض النادرة مع ورودها بعنوان القاعدة الكلّية.

والذي يقتضيه التدبّر في النصوص قوّة القول الأول ؛ لاستفاضتها ، بل وعن العماني (٣) دعوى تواترها ، مع صحة أكثرها ، ووضوح دلالتها على العموم ، سيّما بملاحظة سياقها الذي كاد أن يلحقها بالخصوص.

وقصورِ الأخبار المقيِّدة سنداً في بعض ، ودلالةً في آخر ، وعدداً في الجميع ، مع اختلافها في نفسها ، ووضوح قرائن الاستحباب منها زيادةً على الاختلاف ، فحملها على الاستحباب ليس بذلك البعيد ؛ لرجحانه هنا لما مضى على التقييد.

__________________

(١) حكاه عنهم الشهيد في المسالك ٢ : ٦ وكذا صاحب الحدائق ٢٥ : ١٨٧.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٦٩٠ ، الشيخ في النهاية : ٥١٧.

(٣) كما حكاه عنه في المختلف : ٥٨٧.


إلاّ أنّ الأحوط المصير إلى اعتبار الثلاثة أشهر ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن استفادته من النص المعتبر ، وليس إلاّ هذه المدّة ؛ لما في الرواية الدالّة عليها من الصحة.

وعلى اعتبار المدّة فلا خلاف في الصحة لو طلّق مع استمرار الاشتباه ، أو تبيّن الوقوع في حالة الحيض ، أو طهر غير المواقعة ؛ لاجتماع الشرائط النفس الأمرية في الصورة الأخيرة ، واتفاق النصوص والفتاوي بالاغتفار في الثانية ، وعدم مانعية الاشتباه بعد مراعاة المدّة المعتبرة التي هي الشرط خاصّة في الصحة في مفروض المسألة في الأُولى.

كما لا خلاف في البطلان لو طلّق قبلها مع تبيّن الوقوع في الحيض ، أو طهر المواقعة ؛ لفقد الشروط هنا قطعاً.

وإنّما الخلاف في مقامين : الأوّل : الصحة في الشقّ الأوّل مع تبيّن الوقوع في طهر المواقعة ، فالأظهر الأشهر الصحة ، كما في صورة السابقة ؛ لحصول المدّة المشترطة ، والأولوية المستفادة من الحكم في الصورة الثانية ؛ لاستلزام ثبوت الصحة فيها مع تضمّنها فقد الشرطين : الطهر ، وطهر غير المواقعة ثبوتها هنا بطريق أولى ، من حيث تضمّنه فقد الشرط الثاني خاصّة.

وقيل (١) بالبطلان ؛ لفقد الشرط النفس الأمري ، وكون اشتراط المدّة هنا مراعى بعدم ظهوره.

وفيه نظر ؛ لمنع اشتراط الأوّل هنا ، ومنع التقييد الثاني ، وإن هو إلاّ تقييد للأدلّة من غير دلالة.

__________________

(١) رسالة طلاق الغائب ( رسائل المحقق الكركي ٢ ) : ٢١٢.


الثاني : البطلان في الشقّ الثاني مع تبيّن الوقوع في الطهر غير طهر المواقعة ، ففيه وجهان : البطلان ؛ من حيث فقد المدّة المشترطة في الصحة في المقام ، والصحة ؛ لحصول الشرائط النفس الأمرية.

وهي غير بعيدة بالنظر إلى الجاهل باشتراط المدّة أو الوقوع قبلها ، نظراً إلى الأولوية المستفادة من صحة مثل هذا الطلاق في الحاضر ، فثبوتها في الغائب بطريق أولى ؛ لأضعفيّة حكمه عن الأوّل قطعاً ، نصاً وفتوى ، فيكون اعتبار المدّة واشتراطها في الصحة حينئذٍ مراعى ، فتأمّل جدّاً.

ولا كذلك العالم بالاشتراط والوقوع قبل المدّة ، فإنّ البطلان فيه متوجّه جدّاً ؛ لعدم إمكان القصد منه إليه حينئذٍ أصلاً.

( ولو خرج ) إلى السفر ( في طهر لم يقربها فيه صحّ طلاقها من غير تربّص ) وانتظار للمدة المعتبرة ( ولو اتفق ) وقوعه ( في الحيض ) جهلاً منه بذلك ، بلا إشكال على القول بعدم اعتبارها ، وكذا على اعتبارها مع تبيّن الوقوع في الطهر ؛ للأولوية الماضية المقيّدة بها إطلاق المعتبرة باعتبار المدّة.

ومعه على القول الثاني مع تبيّن الوقوع في الحيض ؛ لإطلاق كل من النصوص المشترطة للطهر من الحيض والمعتبرة للمدّة.

فإطلاق الحكم بالصحة ولو في هذه الصورة في العبارة ، تبعاً لجماعة كالقاضي والشيخ في النهاية (١) محل تردّد ومناقشة ، ولا وجه له بالمرّة سوى ما في المسالك (٢) من حصول شرط الصحة من الاستبراء بالانتقال من طهر إلى آخر ، وأن الحيض بعد ذلك إنما هو مانع من صحة‌

__________________

(١) القاضي في المهذب ٢ : ٢٨٦ ، النهاية : ٥١٢.

(٢) المسالك ٢ : ٧.


الطلاق ، ولا يشترط في الحكم بصحة الفعل العلم بانتفاء موانعه ، بل يكفي عدم العلم بوجودها.

وفيه نظر ؛ لاستلزامه أوّلاً تقييد إطلاق ما دل على اعتبار المدّة من غير وجه يظهر ، وابتنائه ثانياً على انحصار الشرط في الاستبراء ، وكون العلم بالحيض مانعاً ، لا كون فقده شرطاً ، وهو خلاف النصوص الماضية المعربة عن اشتراط الطلاق بفقد الحيض في نفس الأمر ، لا بعدم العلم به ، وأحدهما غير الآخر.

( والمحبوس عن زوجته كالغائب ) فيطلّق مع الجهل بحالها مطلقاً ، أو بعد المدّة المعتبرة ، شهراً أو ثلاثة ، على اختلاف الأقوال المتقدّمة ولو صادف الحيض أو طهر المواقعة على الأظهر الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر إلاّ بعض من ندر.

للصحيح : عن رجل تزوّج امرأة سرّاً من أهلها ، وهي في منزل أهلها ، وقد أراد أن يطلّقها ، وليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت ، ولا يعلم بطهرها إذا طهرت؟ قال : فقال : « هذا مثل الغائب عن أهله يطلّقها بالأهلّة والشهور » قلت : أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان ، والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها ، كيف يطلّقها؟ فقال : « إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه فيطلّقها إذا نظر إلى غرّة الشهر الآخر بشهود » الخبر (١).

خلافاً للحلي (٢) ، فكالحاضر ؛ للأصل ، وطعناً في الخبر بأنّه من الآحاد. وهو خروج عن طريقة السداد.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٦ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٣ / ١٦١٤ ، التهذيب ٨ : ٦٩ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٦٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٨ ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ٦٨٦.


وحمل الرواية على العلم بمصادفة الطلاق لطهر غير المواقعة كما ارتكبه بعض الأجلّة (١) يأباه التشبيه بالغائب بالضرورة ، ولا داعي إليه عدا عدم حجية الآحاد ، وفيه ما مرّ.

أو عدمِ المقاومة لما دلّ على اشتراط الخلوّ من الحيض والوقوع في الطهر غير المواقعة من حيث استفاضته واعتضاده بالأصل دون هذا الخبر.

وفيه نظر ، فإنّ الشهرة العظيمة أرجح من الأمرين ؛ مضافاً إلى جواز تخصيص قطعي السند بمثله ولو من دونها ، على الأقوى ، فتخصيص مثل هذه المستفيضة بمثل هذه الرواية الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة أولى ثم أولى.

وفي حكم الحاضر الغائب المطّلع ، بلا خلاف ، كما تقدّم مع وجهه.

( ويشترط رابع ، وهو أن يطلّقها في طهر لم يجامعها فيه ) بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٢) ، وبه استفاض أخبارنا ، بل وربما احتمل تواترها (٣) ، وقد مضى شطر منها (٤) ، ونحوها غيرها ، ففي الصحيح : « المرأة إذا حاضت وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه » الحديث (٥).

( ويسقط اعتباره في الصغيرة ) التي لم تبلغ تسعاً ( واليائسة ) التي‌

__________________

(١) وهو الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٠٠.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٢ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٢٢.

(٤) راجع ص ٢٠٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٨ / ٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٠ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٧.


قعدت عن المحيض ( والحامل ) المستبين حملها ، إجماعاً ، حكاه جماعة (١) ؛ للنصوص المستفيضة الماضية ، القائلة : إنّ خمساً يطلّقن على كل حال؟ وعدّ منها الثلاثة (٢).

ومنها يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها أيضاً ؛ لعدّها منها ، وإن أهملت العبارة ذكرها ، ولعلّه غفلة ، أو مصير إلى القول بالبطلان الذي مضى (٣) في طلاق الغائب بعد المدّة مع تبيّن الوقوع في طهر المواقعة ، أو من حيث اختياره اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر ، كما عليه أكثر من تأخّر ، والظاهر أنّه الوجه في الإهمال.

ثم إنّ تفسير الصغيرة بغير البالغة صريح النهاية (٤) ، وظاهر الجماعة وبعض المعتبرة ، كالصحيح المعبِّر عنها بالتي لم تبلغ المحيض (٥) ، وعليه يحمل إطلاق المستفيضة المعبِّرة عنها بالتي لم تحض (٦) ، التي هي أعمّ من الصغيرة والبالغة التي لم تحض مثلها عادةً ، بل ربما كانت ظاهرة في الأُولى خاصّة ، كما يكشف عنه التتبّع في أخبارهم : ، ولا سيّما الواردة في العدّة.

ففي بعض المعتبرة الذي ليس في سنده سوى سهل الثقة عند جماعة (٧) ، ولا بأس بضعفه على المشهور بين الطائفة ـ : « ثلاث يتزوّجن‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ١٧٨.

(٢) راجع ص ٢٠٦.

(٣) راجع ص ٢١٠.

(٤) النهاية : ٥١٦.

(٥) الخصال : ٣٠٣ / ٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٥.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٥٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥.

(٧) رجال الشيخ : ٤١٦ ، والوسائل ٣٠ : ٣٨٩.


على كل حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض » قال : قلت : وما حدّها؟

قال : « إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين » الحديث (١).

وتحديدها بذلك كاشف عن عدم اختصاصها بالمورد.

خلافاً لبعض الأجلّة (٢) ، فاستوجه العمل بإطلاق المستفيضة.

ولا ريب في ضعفه ، بل المقطوع به إلحاق البالغة بالمسترابة ولو لم تحض مثلها عادة.

و ( أمّا المسترابة ) بالحمل ، وهي التي في سنّ من تحيض ولا تحيض ، سواء كان لعارضٍ من رضاع أو مرض ، أو خلقيّاً ( فإن أخّرت الحيضة ) لذلك مع كونه خلاف عادتها ( صبرت ثلاثة أشهر ) من حين المواقعة عنها ثم يطلّقها.

( ولا يقع طلاقها قبله ) بالإجماع المحكي في كلام جماعة (٣) ، والمعتبرة ، منها الصحيح : عن المسترابة كيف تطلّق؟ قال : « تطلّق بالشهور ، وأقلّ الشهور ثلاثة » (٤).

وأظهر منه المرسل : عن المرأة تستراب بها ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها ، كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟ قال : « ليمسك عنها ثلاثة ثم ليطلّقها » (٥) وقريب منه الخبر (٦). وقصور سندهما‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٦٧ / ٢٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٧ / ١٢٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٧٩ أبواب العدد ب ٢ ح ٤.

(٢) انظر نهاية المرام ٢ : ٢٣.

(٣) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣ ، انظر نهاية المرام ٢ : ٢٤ ، الكفاية : ١٩٩ ، ملاذ الأخيار ١٣ : ١٣٩.

(٤) التهذيب ٨ : ٦٨ / ٢٢٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٩ أبواب العدد ب ٤ ح ١٧.

(٥) الكافي ٦ : ٩٧ / ١ ، التهذيب ٨ : ٦٩ / ٢٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٩١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٤٠ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٩٧ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٦١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٨ ح ٢.


بالعمل منجبر.

ووجه التقييد بكون التأخير خلاف عادتها تفصّياً من احتمال من يكون ذلك عادتها ، فإنّ حكم هذه غير الاولى ، بل يجب الصبر بها إلى أن تحيض ولو زاد عن ثلاثة أشهر ؛ تمسّكاً بعموم ما دلّ على اعتبار الطهر غير المواقعة ، والتفاتاً إلى عدم تبادرها من إطلاق المسترابة في هذه المعتبرة ، مع كونها من الأفراد النادرة الغير الصالحة لأن يحمل عليها الإطلاق البتة ، وبما ذكرنا صرح بعض الأجلّة (١).

( وفي اشتراط تعيين المطلّقة ) إن تعدّدت الزوجة ، لفظاً أو نيّة ( تردّد ) ينشأ :

من أصالة بقاء النكاح ، فلا يزول إلاّ بسبب محقّق السببيّة ، وأنّ الطلاق أمر معيّن فلا بد له من محلٍّ معيّن ، وحيث لا محل فلا طلاق ، وأنّ الأحكام من قبيل الأعراض فلا بد لها من محلٍّ تقوم به ، وأنّ توابع الطلاق من العدّة وغيرها لا بد لها من محلٍّ معيّن.

ومن أصالة عدم الاشتراط. وتعارض بالأُولى.

ومن عموم مشروعية الطلاق ، ومحل المبهم جاز أن يكون مبهماً.

وهما ممنوعان.

ومن أنّ إحداهما زوجة ، وكل زوجة يصحّ طلاقها. وكلّية الكبرى ممنوعة ، ولا دليل عليها سوى العموم المدّعى ، وفيه بعد المنع المتقدّم أنّه ليس بنفسه دليلاً آخر قطعاً.

فإذاً القول الأوّل هو الأقوى والأشهر بين أصحابنا المتأخّرين منهم‌

__________________

(١) الحدائق ٢٥ : ٤١٣.


والقدماء ، كما حكاه بعض الأجلاّء (١) ، بل ادّعى عليه في الانتصار إجماعنا (٢) ، ويشهد له بعض المعتبرة الآتية في أوّل الركن الرابع ، وهو الشهادة (٣).

خلافاً للمبسوط والفاضلين والشهيد (٤) في أحد قوليهم.

وعليه فهل الصيغة المبهمة هي بنفسها مؤثّرة في البينونة في الحال ، أم لها صلاحية التأثير عند التعيين؟ قولان. ويتفرّع على الخلاف حرمة الزوجات جُمَع إلى تعيين الواحدة ، وتكون العدّة من حين الطلاق على الأوّل ، ولا على الثاني.

ويتفرّع على هذا القول فروع كثيرة قد كفانا ضعفه مئونة الاشتغال بذكرها.

( الركن الثالث )

( في الصيغة ) القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة ، وهي قسمان : صريحة وكناية.

والأولى : هي ما لا يتوقّف فهم إنشاء الطلاق به على نيّة ، أي على قرينة دالّة على إرادة الطلاق من العبارة.

وتقابلها الثانية : وهي المحتاجة إلى النية والقرينة الكاشفة عن إرادته‌

__________________

(١) وهو صاحب الحدائق ٢٥ : ١٨١.

(٢) الانتصار : ١٣٩.

(٣) يأتي في ص ٢٣٥.

(٤) المبسوط ٥ : ٧٨ ، المحقق في الشرائع ٣ : ١٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٦١ ، الشهيد في شرح الإرشاد حكاه عنه في الروضة ٦ : ٢٨.


من الصيغة ، وإلاّ القصد إلى الطلاق مطلقاً لازم بالضرورة.

وظاهر أصحابنا عدم الوقوع بالثانية بأقسامها عدا ما وقع فيه الخلاف ، ويأتي إليه الإشارة.

( و ) المشهور بينهم وجوب أن ( يقتصر على ) الاولى ، وهي أن يقول : أنتِ ، أو هذه ، أو فلانة ويذكر اسمها ، أو ما يفيد التعيين أو زوجتي مثلاً ( طالق ) فلا يكفي أنتِ طلاق ، وإن صحّ إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده فصار بمعنى طالق ( تحصيلاً لموضع ) النص و ( الاتفاق ) واستصحاباً للزوجيّة ، ولأنّ المصادر إنّما تستعمل في غير موضوعها مجازاً ، وإن كان في اسم الفاعل شهيراً ، وهو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق من الأُمور التوقيفيّة وإن انضمّ إليها القرينة المعربة عن النية ؛ لعدم كفايته بمجرّده عند الطائفة إلاّ في : أنتِ مُطلّقة ، مع الضميمة المزبورة ، فقد جوّز الوقوع بها شيخ الطائفة (١) في أحد قوليه.

ولا وجه له بعد الاعتراف بالمنع فيما مرّ ، وأنتِ الطالق ، أو من المطلّقات ، مع وجود تلك الضميمة ، ولذا اشتهر بين الطائفة عدم الوقوع بهذه الصيغة أيضاً ؛ لأنّها ليست فيه صريحة ، ولأنّها إخبار ، ونقلها إلى الإنشاء على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، وهو صيغ العقود ، واطّراده في الطلاق قياس ، والنص فيه دلّ على « طالق » ولم يدلّ على غيره ، بل ربما دلّ على نفيه ، كما ستقف عليه من حيث الحصر فيه في الخبر وغيره ، فيقتصر عليه.

ومنه يظهر وجه القدح فيما احتجّ الشيخ من كون صيغة الماضي في‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٤٦١.


غير الطلاق منقولة إلى الإنشاء.

( و ) أنّه ( لا يقع بـ ) نحو أنت ( خلية وبرية ) وغيرهما من الكنايات ، كالبتّة ، والبتلة ، وحرام ، وبائن ، واعتدّي ، وإن ضمّ إليها قرينة دالّة على النية ، بلا خلاف بيننا فيما عدا الأخير ، بل ادّعى إجماعنا عليه جماعة (١) ، وأخبارنا به عموماً وخصوصاً مستفيضة ، فمن الأوّل المعتبرة الآتية.

ومن الثاني المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل قال لامرأته : أنتِ منّي خلية ، أو برية ، أو بتّة ، أو بائن ، أو حرام؟ فقال : « ليس بشي‌ء » (٢) ونحوه الحسن (٣) وغيره (٤).

خلافاً للعامة ، فحكموا بالوقوع بمطلق الكناية مع النية (٥).

( وكذا ) لا يقع ( لو قال ) للزوجة : ( اعتدّي ) على الأشهر الأظهر ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل حكاه في الانتصار (٦) صريحاً ؛ لما مرّ ، ومنه الحصر في الخبر المروي في المختلف عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه الجامع ، عن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن مسلم ،

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٦٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٦ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٦ / ١٧٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٥ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٦٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٦ / ١٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٧ / ٩٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٥ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢٢ : ٣٨ ، ٣٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٥ ح ٤ ، ٥.

(٥) كما في بداية المجتهد ٢ : ٧٦ ، المغني لابن قدامة ٨ : ٢٧٥.

(٦) الانتصار : ١٢٩.


عن مولانا الباقر 7 : في رجل قال لامرأته : أنتِ حرام ، أو بائنة ، أو بتّة ، أو خليّة ، أو بريّة ، فقال : « هذا ليس بشي‌ء ، إنّما الطلاق أن يقول لها من قبل عدّتها [ بعد ما تطهر من محيضها ] قبل أن يجامعها : أنتِ طالق ، ويشهد على ذلك رجلين عدلين » (١).

والأصل في الحصر العموم ، وجعله هنا إضافياً بالنسبة إلى المذكورات في الخبر غير معقول بعد ما تقرّر في الأُصول من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل ، وتلقّاه أيضاً الفحول بالقبول.

ولا داعي إليه سوى الصحيحين (٢) ، المماثل أحدهما للخبر في المتن والحصر لكن بزيادة قوله : « اعتدّي » بعد قوله : « أنت طالق » ونحوها الآخر لكن مقتصراً على الحصر وما بعده.

وليسا مكافئين لما مرّ من حيث اعتضاده بالأصل وعمل الأكثر ، مع احتمال الثاني التقية ، مع عدم صراحتهما بوقوع الطلاق بالصيغة ، فيحتملان الوقوع من حيث الدلالة على وقوع الطلاق قبلها ، وتكون هي إخباراً عنه ، لا إنشاءً لإيقاعه حينها ، وعليه حملهما الشيخ وجماعة (٣) ، وهي وإن بَعد بالإضافة إلى سياقهما ، إلاّ أنه لا بأس به للجمع.

__________________

(١) المختلف : ٥٨٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ٦٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٦ / ١٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٧ / ٩٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٣.

الثاني في : الكافي ٦ : ٦٩ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٣٧ / ١٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٧ / ٩٨٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٤.

(٣) الشيخ في التهذيب ٨ : ٣٧ ؛ المجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٨٣ ، ومرآة العقول ٢١ : ١١٧ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٢٠١.


وربما يستأنس به بملاحظة بعض المعتبرة ، كالصحيح لراويهما أيضاً : « الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كل طهر ، يرسل إليها : أن اعتدّي ، فإنّ فلاناً قد طلّقك » الخبر (١).

ونحوه الموثق : « يرسل إليها ، فيقول الرسول : اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك » قال ابن سماعة وهو في سند الرواية ـ : وإنّما معنى قول الرسول : اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك ، يعني : الطلاق ، إنّه لا يكون فرقة إلاّ بطلاق (٢).

أقول : لعلّ تفسيره بذلك لما روى عنه في الكافي ، قال : وقال الحسن : وليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين ، أن يقول لها ، وهي طاهر من غير جماع : أنتِ طالق ، ويشهد شاهدين عدلين ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى (٣).

وهو مؤيّد لما قدّمناه من الخبر المتضمن للحصر فيما عليه الأكثر.

فخلاف الإسكافي وبعض من تأخر (٤) في عدم تجويز الوقوع بـ : « اعتدّي » شاذّ ، ضعيف ، لا يلتفت إليه ، وفي مصير الإسكافي تأييد للحمل على التقية ، كما مرّ.

( ويقع ) الطلاق ( لو قال ) أحد له : ( هل طلّقت فلانة؟ فقال : نعم ) قاصداً به الإنشاء ، وفاقاً للنهاية والقاضي وابن حمزة والفاضلين هنا وفي الشرائع والإرشاد (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٠ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٧٠ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٧٠ ذيل الحديث ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ١.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٨٥ ؛ والمسالك ٢ : ١٣ ، ونهاية المرام ٢ : ٢٩.

(٥) النهاية : ٥١١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٧٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٤ ، الشرائع ٣ : ١٧ ، الإرشاد ٢ : ٤٣.


للخبر : في الرجل يقال له : أطلقت امرأتك؟ فيقول : نعم ، قال : « قد طلّقها حينئذ » (١).

ولتضمنه السؤال : فتكون في قوّة : طلّقتُ فلانة ، وهو ممّا يقع به الطلاق.

وفي الخبر قصور بالجهالة والضعف في المشهور ، مع عدم صراحته في المطلوب فيحتمل الحكم عليه بالطلاق حينئذٍ من حيث الإخبار به اللازم منه الإقرار ، ولا كلام فيه إلاّ مع العلم بعدمه ، ويكون المراد من : « طلّقها حينئذٍ » إيجاده السبب الموجب للحكم به عليه وهو إقراره ، لا وقوع الطلاق من حينه.

وفي الثاني منع الوقوع بالأصل أوّلاً ، ثم بعد تسليمه منع الوقوع بما في قوّته ثانياً ، هذا.

مضافاً إلى عدم مكافأة الجميع لما مرّ من الأصل والحصر الذي عليه ثمّة وهنا عمل الأكثر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٢).

وبه يجاب عن الموثق القريب من الخبر الأوّل ، بل قيل : لعله بحسب الدلالة أيضاً منه أظهر : في رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، فأراد رجل أن يتزوّجها ، كيف يصنع؟ قال : « يأتيه فيقول : قد طلّقتَ فلانة؟ فإذا قال : نعم ، تركها ثلاثة أشهر ، ثم خطبها إلى نفسها » (٣).

وجه الأظهرية عدم احتمال « نعم » فيه الإخبار ؛ نظراً إلى خبرة الراوي‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٨ / ١١١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٦.

(٢) الانتصار : ١٢٩.

(٣) التهذيب ٨ : ٥٩ / ١٩٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٣ / ١٠٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٧٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣١ ح ١.


بالوقوع قبله ، فينحصر في الإنشاء.

وفيه نظر ؛ إذ الظاهر من حال القائل : نعم ، الإخبار ، ولا ينافيه علم السائل بالوقوع في السابق ، فليس فيه دلالة على الوقوع باللفظة ، وعلى تقديرها تصير الرواية شاذّة ؛ لما عرفت من ظهور إرادة الإخبار من اللفظة ، لا الإنشاء كما فهمه بعض الأجلّة (١) حيث استدل بها ، مع أنّها شاذّة من وجه آخر يأتي إليه الإشارة في المسألة الآتية ، ولعله لذا ترك الأصحاب الاستدلال به وبأمثاله من المعتبرة المستفيضة التي أكثرها موثقة ، وإلاّ فكان الأولى الاستدلال بها في المسألة.

نعم يبقى الكلام في وجه الحكمة في أمر السائل بعد اعترافه بوقوع الطلاق منه بالسؤال عن طلاقه ، ولا بدّ من التأمّل.

وقد تلخّص من جميع ما مرّ انحصار صيغة الطلاق في : أنتِ أو هذه ونحوهما طالق ، وعليه فتوى الأكثر ، وعمل كافّة من تأخّر ، وادّعى عليه الإجماع في الانتصار (٢).

ومنه يظهر اشتراط العربية ، كما هو الأشهر بين الطائفة ؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.

خلافاً للنهاية وجماعة (٣) ؛ لرواية ضعيفة (٤) راويها من أكذب البرية ، ومع ذلك فهي غير صريحة ، محتملة للحمل على الضرورة ، وعليه في الظاهر اتفاق الطائفة.

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٢١٠.

(٢) الانتصار : ١٢٩.

(٣) النهاية : ٥١١ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٢٤ ، والمهذَّب ٢ : ٢٧٥ ، والمسالك ٢ : ١١.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٨ / ١١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٧ ح ١.


( ويشترط تجريده عن الشرط ) وهو ما أمكن وقوعه وعدمه ، كقدوم المسافر ، ودخولها الدار ( والصفة ) وهو ما قطع بحصوله عادةً ، كطلوع الشمس وزوالها.

والأصل في المسألة بعد ما مرّ من الأصل ، والحصر في المعتبرة الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة ، كالإنتصار والسرائر وبعض شروح الكتاب والروضة (١).

ويستثنى من الشرط ما كان معلوم الوقوع حالة الصيغة ، كما لو قال : أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بك ، وهو يعلم وقوعه ، ولا بأس به ؛ لأنه حينئذٍ غير معلَّق ، وإن كان الأحوط تركه؟ خوفاً من مخالفة ما مرّ من الحصر ، فتأمّل.

( ولو فسّر الطلقة باثنين أو ثلاث ) كأن قال : أنتِ طالق طلقتين ، أو ثلاثاً ( صحّت واحدة وبطل ) الزائد المعبّر عنه بـ ( التفسير ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة الناصرية (٢) ، وصرّح به في نهج الحق شيخنا العلاّمة (٣) ، وهو الحجّة فيه المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة.

مضافاً إلى وجود المقتضي ، وهو الصيغة المشتملة على شرائط الصحة عدا اشتماله على الزائد ، وهو غير صالح للمانعية ، إلاّ على تقدير ثبوت اشتراط قصد قيد الوحدة في صحة الطلقة الواحدة ، وليس بثابت من الأدلّة ، كيف لا؟! وقُصاراها الدلالة على عدم وقوع الطلقات المتعدّدة في مجلس واحد بالصيغة مطلقاً ، واحدة كانت أم متعدّدة ، وهو غير ملازم‌

__________________

(١) الانتصار : ١٢٧ ، السرائر ٢ : ٦٧٨ ، التنقيح الرائع ٣ : ٣٠٨ ، الروضة ٦ : ١٦.

(٢) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٣.

(٣) نهج الحق : ٥٢٩.


لاعتبار قيد الوحدة في النية ، وأنه يتوقّف عليه الصحة ، هذا.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة بالشهرة العظيمة ، ففي الصحيح : عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر؟

قال : « هي واحدة » (١) ونحوه باقي المستفيضة (٢).

وجه الدلالة عمومها لكل من الطلقات الثلاث ، المرسلة والمفصّلة ، الناشئ عن ترك الاستفصال فيها ، مع احتمال السؤالات فيها الأمرين البتة ؛ لكونها مطرحاً بين الخاصة والعامة ، ولذا حصل التردّد في حكمها لأصحاب الأئمة ، كحصوله لعلماء الطائفة.

فحملها على خصوص الأخيرة (٣) بدعوى تبادرها من العبارة ليس في محله ، كيف لا؟! واتفقت الخاصة والعامة على فهم الأوّلة أيضاً من العبارة ، ولذا استدل بعض أصحابنا (٤) القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية المشابهة أكثرها لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة ، ولم يُجب عنها الأصحاب بتلك المناقشة ، بل ردّوها بمناقشات أُخر يأتي إليها الإشارة.

وكلّ ذا أمارة واضحة وشهادة بيّنة على اتفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة ، فالمناقشة المزبورة فاسدة البتة ، كيف لا؟! ولا قرينة لنا على وضوح الدلالة أوضح وأصحّ من فهم علماء الطائفة ، بل هو أقوى القرائن المعتبرة المتمسك بها

في تعيين الدلالة بالضرورة ، ووجهه ما ذكرناه من كون الثلاث المرسلة ممّا وقع التشاجر في حكمها بين الخاصة والعامة ، وكثر الأسئلة فيها والأجوبة ، وبالجملة لا يخفى ما ذكرناه على ذي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٠ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٦١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٦١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩.

(٣) كما في الحدائق ٢٥ : ٢٣٩ ، والكفاية : ٢٠٠.

(٤) منهم السيد في الانتصار : ١٣٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٤.


فطنة ودرية.

ثمّ لو فرضنا فقد هذه الروايات أو ثبوت عدم دلالتها لكفانا في الحكم بوقوع الواحدة من الثلاث المرسلة حكايات الإجماع المتقدّمة ، فإنّها في حكم الصحيح الصريح ، المعتضد بالشهرة العظيمة ، ولا يقاومها شي‌ء من الأخبار الآتية ولو كانت صريحة ، وكذا الأُصول المتقدمة ، مع ما ستعرفه في الأدلة من أنها ما بين ضعيف وقاصر الدلالة ، هذا.

مع ما يظهر من تلك المستفيضة بعد ضمّ بعضها إلى بعض إرادة الثلاث المرسلة من تلك العبارة ، ألا ترى إلى الخبر : عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد؟ قال : فقال : « أمّا أنا فأراه قد لزمه ، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة » (١) قد اتّقى 7 فيه من العامة وحكم بلزوم الثلاث بتلك العبارة.

ويظهر من بعض المعتبرة الواردة عنه 7 أنّ الذي كان يتّقي فيه العامة إنّما هو الثلاث المرسلة خاصة ، ففي الخبر : « أنّ عليّاً 7 كان يقول : إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه ، ولا ميراث بينهما ، ولا رجعة ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن قال : هي طالق ، هي طالق ، هي طالق ، فقد بانت منه بالأُولى ، وهو خاطب من الخطّاب » الخبر (٢).

وهو صريح في أنّ اتّقاءه 7 إنّما هو في المرسلة خاصة ، وأنّها التي‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٥٣ / ١٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٦ / ١٠١٣ ، الوسائل ٢٢ : ٦٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٤.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٣ / ١٧٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٦ / ١٠١٤ ، الوسائل ٢٢ : ٦٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٥.


عليها العامّة في تلك الأزمنة من الحكم بالبينونة ، وإلاّ لما كان التفصيل بين الصورتين إذا قالوا بعدمه في الثانية أيضاً ، واتحادهما في الحكم بالبينونة موافقاً للتقية ، مع أنّ حملها عليها متّفق عليه بين الطائفة.

وبمعونة ذلك يظهر أنّ حكم أبيه 7 بصحة الواحدة في الرواية السابقة إنّما هو في الثلاث المرسلة التي اتّقى فيها 7 عن العامة ، كما يظهر من هذه الرواية ، ولا يضر قصور سندهما ؛ لانجبارهما بالشهرة العظيمة ، هذا.

وفي الخبر عن مولانا الصادق 7 في حديث قال فيه : فقلت : فرجل قال لامرأته : أنتِ طالق ثلاثاً ، فقال : « تردّ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه 6 » (١).

وهو صريح في المرسلة ، ومع ذلك لم يحكم 7 بالبطلان ، بل أوجب الردّ إلى السنّة ، والمراد به الردّ إلى الواحدة لا البطلان ، كما يفصح عنه بعض المعتبرة ، ففي الصحيح عن مولانا الصادق 7 في حديث قال : قلت : فطلّقها ثلاثاً في مقعد ، قال : « تردّ إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة » (٢) ونحوه بعينه رواية أُخرى (٣).

وفي معناهما الصحيح : « طلّق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثاً ، فجعلها رسول الله 6 واحدة ، فردّها إلى الكتاب والسنّة » (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٤٨ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٦٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٥ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٦٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٥٨ / ١٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٦ / ١٠١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٦٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٥٥ / ١٨٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٨ / ١٠١٩ ، الوسائل ٢٢ : ٦٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٨.


وهي صريحة الدلالة في أنّ المراد بالردّ إلى السنّة هو إمضاء الواحدة وإبطال الطلقات الزائدة ، وبمعونتها يظهر أنّ المراد بالردّ إلى السنّة في الثلاث المرسلة في تلك الرواية إنّما هو الردّ إلى الواحدة ، لا البطلان بالمرّة ، فتأمّل.

هذا مع أنّه يظهر بما قدّمناه من الأخبار وغيرها شيوع استعمال تلك العبارة في المستفيضة في الثلاث المرسلة في زمن الأئمة : ، ومعه يتقوّى دلالة العموم الناشئ عن ترك الاستفصال على الحكم في المسألة ، كيف لا؟! وشيوع الاستعمال الذي لا أقلّ منه يقوّي الاحتمال ، ومعه يلزم الاستفصال ، فتركه مع ذلك أوضح شاهد على العموم في المقال.

وبجميع ما قدّمناه يندفع حذافير الإشكال الذي أورده بعض الأبدال (١) في هذا المجال.

( و ) منه يظهر ضعف ما ( قيل ) من أنّه ( يبطل الطلاق ) رأساً ولا يقع منه شي‌ء ولو واحداً ، كما عن الانتصار وسلاّر والعماني وابن حمزة (٢).

مع أنّ عبارة الأوّل في ذلك غير ظاهرة ، بل المستفاد منها إنما هو الردّ على العامّة في الحكم بوقوع المتعدّدة ، وأمّا الواحدة فليس فيها على نفيها دلالة ، بل ولا إشارة ، بل ربما أشعر سياقها بقبول الواحدة ، مع تصريحه في مسألة فساد الطلقات الثلاث المتعاقبة من دون تخلّل رجعة بصحة الواحدة ، بل ربما أشعر عبارته بكونه مجمعاً عليه بين الإمامية ، بل‌

__________________

(١) ولعلّه هو الشهيد الأول في غاية المراد ٣ : ٢٢٧.

(٢) الانتصار : ١٣٤ ، سلاّر في المراسم : ١٦١ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٥٨٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٢.


وربما كانت العبارة في ذلك ظاهرة.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول ؛ لما مرّ ، وضعف حججهم ، فإنّ منها الأصل ، ويدفع بما مرّ.

ومنها : أنّ المقصود وهو الواحدة المقيّدة [ لا (١) ] بقيد الوحدة غير واقع ، والصالح للوقوع غير مقصود ؛ لأنّه غير مريد للواحدة المقيّدة بقيد الوحدة.

وهو مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع مندفع بما مرّ من عدم الدليل على اعتبار قيد الوحدة في النية ، بل غايته الدلالة على كون ما زاد عليها بدعة ، وهو غير ملازم لاعتبار قيد الوحدة في النية ، وهي حاصلة من الثلاث المرسلة ، غاية الأمر أنّ الزائد عليها غير واقعة ، ويحتمل أن تكون ضميمته مؤكّدة.

ومنها : الأخبار ، ففي الصحيح : « من طلّق ثلاثاً في مجلس واحد فليس بشي‌ء ، من خالف كتاب الله تعالى ردّ إلى كتاب الله » (٢).

والمكاتبة روى أصحابنا عن أبي عبد الله 7 في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين : « أنّه يلزم تطليقة واحدة » فوقّع بخطّه : « أخطأوا على أبي عبد الله 7 ، لا يلزمه الطلاق ، ويردّ إلى كتاب الله تعالى والسنّة (٣).

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى ، راجع لمزيد التوضيح نهاية المرام ٢ : ٣٣ ، والحدائق ٢٥ : ٢٣٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٤ / ١٧٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٧ / ١٠١٦ ، الوسائل ٢٢ : ٦٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٨.

(٣) التهذيب ٨ : ٥٦ / ١٨٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٩ / ١٠٢١ ، الوسائل ٢٢ : ٦٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٩.


وفيهما نظر ، أمّا أوّلاً : فلعدم مقاومتها لما مرّ.

وثانياً : ضعف الدلالة في الأوّل ؛ لاحتماله نفي الثلاث لا الواحدة ، بل في الردّ إلى كتاب الله ( والسنّة ) (١) كما في ذيله إشعار بل دلالة على وقوعه بمعونة ما مرّ.

وقصور سند الثاني من وجوه ، مع دلالة صدره على اشتهار الحكم بوقوع الواحدة في أصحاب زمانه.

ولا ينافيه الحكم منه بتخطئته ؛ لاحتمال المصلحة فيه من حيث كونه مكاتبة ، وهي غير منحصرة في التقية ، بل محتملة لها ولغيرها من المصالح العامة ، هذا.

مع أنّ بعض الأجلّة حمل الطلاق في كلامه 7 على الثلاث لا الواحدة ، ويؤيّده ما فيه من الردّ إلى الكتاب والسنّة بملاحظة ما قدّمناه من تفسيره بالردّ إلى الواحدة.

ولا ينافيه الحكم بالتخطئة بعد احتمال كونه لمصلحة خفية غير نفي الواحدة ، المؤيّد بكون الرواية مكاتبة.

والذي يسهّل الخطب في ارتكاب أمثال هذه التوجيهات وإن كانت بعيدة قوّة ما قدّمناه من الأدلّة ، وبُعد خطاء اتفاق أصحاب الأئمة : على وقوع الواحدة ، على ما تشهد به نفس الرواية.

ولقد تكلّف بعض المعاصرين (٢) لنصرة هذا القول بأخبار هي ما بين قاصرة السند ، وغير واضحة الدلالة ، مع كون أكثرها شاذّة كما اعترف به جماعة (٣).

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولكنه غير موجود في ذيل الخبر الأوّل.

(٢) وهو صاحب الحدائق ٢٥ : ٢٤٠.

(٣) منهم الشيخ في التهذيب ٨ : ٥٦ ، وانظر المختلف : ٥٨٧.


فمنها : المروي عن كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله 7 قال : قلت : إنّي ابتليت ، فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة ، فسألت أصحابنا ، فقالوا : ليس بشي‌ء ، وإنّ المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله 7 فقال : « ارجع إلى أهلك فليس عليك شي‌ء » (١).

وهو مع عدم وضوح سنده غير واضح دلالته ؛ لاحتمال تعلّق نفي الشيئية في كلام الإمام وأصحابه إلى الطلقات المتعدّدة ، ودفعِ الابتلاء الملازم بتقدير صحتها خاصّة ، كما توهّم راوي الرواية ، لا إلى الواحدة ، بل ربما أشعر الرواية بوقوع الواحدة ؛ لما أفصحت عنه الرواية السابقة من حال أصحاب الأئمة ، ولما في لفظة الرجوع في كلام المعصوم 7 التي تضمّنتها هذه الرواية ، فأين الدلالة على بطلان الواحدة في الثلاث المرسلة كما هو ظاهر هذه الرواية؟! ومنها : الأخبار القائلة بأنّ المطلّقات ثلاثاً ذوات أزواج ، والناهية لذلك عنهنّ ، منها الصحيح : « إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً ، فإنّهنّ ذوات أزواج » (٢).

وضعفه أوضح من أن يخفى ؛ لأنّها شاذّة لو حملت على الثلاث المرتّبة ، كما ادّعى هذا الفاضل (٣) وغيره ظهورها من عبارة : « طلّق ثلاثاً » في تلك المستفيضة ؛ إذ لا قائل بها من الطائفة ؛ لإجماعهم على وقوع الواحدة بالثلاث المرتّبة ، كما ادّعاه جماعة (٤) ، وصرّحت به المعتبرة.

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٦٤٢ / ٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٧١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٢٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٦ / ١٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٩ / ١٠٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٦٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٢١.

(٣) الحدائق ٢٥ : ٢٣٩ ٢٤٠.

(٤) منهم المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٦.


وكذا لو حملت على الثلاث المرسلة ، بناءً على وجوب حمل الإطلاقات على الفروض الشائعة ، وهي في هذه الروايات صدور الثلاث عن العامّة لا أصحابنا الإمامية ، فإنّ وقوعها منهم إن أمكن نادر بالبديهة ، وحينئذٍ تكون هذه الطلقات صحيحة إلزاماً لهم بمعتقدهم ، كما تفصح عنه الأخبار الآتية ، وعليه إجماع الإجماعية ، كما حكاه جماعة (١) ، هذا.

مع أنّ المستفاد من بعض المعتبرة كون النهي عن تزويجهنّ احتياطاً لا ناشئاً من فساد الواحدة ، ففي الصحيح : رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوّج امرأة قد وافقته وأعجبه بعض شأنها ، وقد كان لها زوج فطلّقها ثلاثاً على غير السنّة ، فكره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره ، فقال أبو عبد الله 7 : « هو الفرج ، وأمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط فلا يتزوّجها » (٢).

ولعلّ وجه الاحتياط هو ما ذكره جماعة منهم شيخ الطائفة (٣) عدم مبالاة العامة في وقوع الطلقات والمرأة غير طاهرة ، وعليه حمل الأخبار السابقة مستشهداً ببعض المعتبرة الذي شهادته عليه واضحة.

فالاستدلال بأمثال هذه الأخبار مع ما هي عليه من الشذوذ والندرة كيفما حملت غفلة واضحة.

ونحوه الاستدلال بما مضى من المعتبرة المستفيضة في وقوع الطلاق‌

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٦ ، والفيض في المفاتيح ٢ : ٣١٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٢٤٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٧٠ / ١٨٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٣ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٠ : ٢٥٨ أبواب مقدمات النكاح ب ١٥٧ ح ١.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢٩٣ ، انظر ملاذ الأخيار ١٢ : ٤٧٧.


بـ « نعم » في جواب السؤال عنه (١) ، وبالجملة لا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

( ولو كان المطلِّق ) مخالفاً ( يعتقد الثلاث ) أو عدم اشتراط شي‌ء ممّا مرّ في الطلاق فطلّق ( لزمه ) معتَقَده ، وجاز لنا مناكحة مطلّقاته كذلك ، بلا خلاف فيه يظهر بيننا ، بل ادّعى عليه جماعة (٢) اتفاقنا ، وبه عموماً وخصوصاً استفاض نصوصنا ، فمن الأوّل : الموثق : عن الأحكام؟ قال : « يجوز على أهل كل ذي دين بما يستحلّون » (٣).

والموثق : « خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنّتهم وقضائهم وأحكامهم » الخبر (٤).

ومن الثاني : المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح في المطلّق ثلاثاً : « إن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه ، فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه » (٥).

والخبر : عن المطلّقة على غير السنّة أيتزوّجها الرجل؟ فقال : « ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم ، وتزوّجوهنّ ، فلا بأس بذلك » (٦).

__________________

(١) راجع ص ٢٢٢.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ١٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٢٤٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٢٢ / ١١٥٥ ، الإستبصار ٤ : ١٤٨ / ٥٥٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٩ أبواب ميراث المجوس ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٢١ / ١١٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٤٧ / ٥٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٥٨ أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب ٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٥٧ / ١٨٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٩١ / ١٠٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٧٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٨ : ٥٨ / ١٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٢ / ١٠٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٧٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ٥.


ومقتضى التعليلين كعموم الثاني اطّراد الحكم فيما ألحقناه بالمتن ، مضافاً إلى الاتفاق عليه ، وشمول الموثقين السابقين له.

وأمّا الأخبار المعارضة الناهية عن تزوج المطلّقات ثلاثاً لأنّهنّ ذوات أزواج فقد عرفت الجواب عنها.

ثم إنّ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المطلّقة كذلك بين المخالفة والمؤمنة ، وهو كذلك.

واحتمال الفرق وتخصيص الحكم بالأُولى كما يوجد في بعض العبارات (١) ؛ جمعاً بين النصوص ضعيف ، لا يلتفت إليه.

( الركن الرابع )

( في الإشهاد ، ولا بدّ ) في صحة الطلاق ( من شاهدين يسمعانه ) بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٢) ، وبه استفاض أخبارنا ، ففي الصحيح : « طلاق السنّة : يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين » (٣).

وفيه : « وإن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع ، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين ، فليس طلاقه إيّاها بطلاق » (٤).

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٢٤٤.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٥٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٦.

(٣) الكافي ٦ : ٦٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٦٠ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٤٧ / ١٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٣.


( ولا يشترط استدعاؤهما إلى السماع ) بل يكفي سماعهما على الإطلاق ، بلا خلاف ؛ لأنّه حكم الشهادة ، وللمعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل كانت له امرأة طهرت من حيضها ، فجاء إلى جماعة ، فقال : فلانة طالق ، أيقع عليها الطلاق ، ولم يقل : أشهدوا؟ قال : « نعم » (١) ونحوه آخر (٢).

ومقتضاهما الاكتفاء في الإشهاد بتعريف المطلّقة لهما ، ولو بالاسم خاصة ، أو الإشارة ؛ لترك الاستفصال فيهما عن حال الجماعة ، وأنّ علمهم بالمطلّقة هل هو بشخصها وعينها أم باسمها خاصة؟ بل ربما كانا ظاهرين في الصورة الأخيرة ، هذا.

مع إطلاقات المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة ، من دون مراعاة للزائد عليها بالمرّة ، وهي وإن اقتضت صحّة الطلاق مطلقاً ، ولو من دون علمهما بالمطلّقة ، ولو بالاسم أو الإشارة بالمرة ، إلاّ أنّ اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة ؛ تحقيقاً لفائدة الشهادة ، والتفاتاً إلى بعض المعتبرة :

كالخبر : إنّي تزوّجت نسوة لم أسأل عن أسمائهنّ ، ثم أُريد طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة أُخرى ، فكتب 7 : « انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول : اشهدوا أنّ فلانة التي لها علامة كذا وكذا هي طالق ، ثم تزوّج الأُخرى إذا انقضت العدّة » (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ٥٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٧٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٥ ، الوسائل ٢٢ : ٥٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٥٦٣ / ٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٨٦ / ١٩٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٠ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٣ ح ٣.


وبه صرّح شيخنا في النهاية (١) ، ولعلّ هذا أيضاً مراد بعض متأخّري الطائفة (٢) من اعتباره في صحة الإشهاد علم الشاهدين بالمطلِّق والمطلَّقة ، ولو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيداً غاية البُعد ، بل فاسداً بالضرورة ؛ لاستلزامه تقييد الأدلّة من غير دلالة ، مع استلزام مراعاته الحرج المنفي عنه آيةً وروايةً ، ومخالفته الطريقة المستمرة بين الطائفة.

مع اندفاعه بخصوص الصحيحين ، في أحدهما : عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة ، أو قال : في مجلس واحد ، ومهورهنّ مختلفة؟ قال : « جائز له ولهنّ » قلت : أرأيت إن خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد ، وهم لا يعرفون المرأة ، ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة ، ثم مات بعد ما دخل بها ، كيف يقسّم ميراثه؟ قال : « إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك » الخبر (٣) ، ونحوه الآخر (٤).

وربما أشعر بذلك عموم أخبار صحة طلاق الغائب ؛ لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلَّقة ، وسيّما إذا كان الغيبة إلى البلاد البعيدة.

وبالجملة : الظاهر من الأدلّة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة ، من دون لزوم مبالغة تامّة في المعرفة.

__________________

(١) النهاية : ٥٠٩.

(٢) كالسبزواري في الكفاية : ٢٠١.

(٣) الكافي ٧ : ١٣١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٩٣ / ٣١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٩٦ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٨ أبواب ميراث الأزواج ب ٩ ذيل الحديث ١.


ثمّ إنّ ظاهر العبارة كالجماعة لزوم اجتماعهما معاً لسماع الصيغة ، وأنّه لا يقع الطلاق مع التفرقة ، وهو مقتضى الأصل ، والوقوف على المتبادر من إطلاق الأدلّة ، وخصوص الصحيح عن رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع ، وأشهد اليوم رجلاً ، ثم مكث خمسة أيّام ، ثم أشهد آخر؟ فقال : « إنّما أُمِرَ أن يشهدا جميعاً » (١).

ونحوه الصحيح الآخر (٢) ، إلاّ أنّ في صدره ما ربما ينافي ذيله ، لكنّه محمول على الأداء خاصة.

( ويعتبر فيهما العدالة ) بإجماع الطائفة ، كما في الانتصار (٣) ، وهو ظاهر الآية (٤) ، والنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : أنّ الطلاق الذي أمر الله تعالى به في كتابه وسنّة نبيه 6 أن إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها ، أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه (٥).

والحسن : « وإن طلّقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق » (٦).

ومقتضى هذه الأدلّة كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، الواردة في البيّنة أنّ العدالة شي‌ء زائد على ظاهر الإسلام‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٥٠ / ١٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٥ / ١٠٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٠ / ١٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٥ / ١٠٠٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الانتصار : ١٢٧.

(٤) الطلاق : ٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٨ / ٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٠ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٧.

(٦) الكافي ٦ : ٦١ / ١٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٢.


بالبديهة ، وهو إمّا حُسن الظاهر ، كما هو الأظهر. أو الملكة ، كما عليه أكثر متأخّري الطائفة (١). وعلى القولين فلا يكتفى بظاهر الإسلام بالضرورة.

( و ) منه يظهر ضعف ما يحكى عن ( بعض الأصحاب ) كالنهاية والراوندي وجماعة (٢) من القول بأنّه ( يكتفي بالإسلام ) في الشهادة ، كضعف حججهم من الأخبار القاصرة السند ، الضعيفة الدلالة ، القابلة لتأويلات قريبة تجمع بها مع الأدلّة السابقة.

وربما استدل لهم هنا بإطلاق أخبار الشهادة ، وهو مقيّد بما مرّ من الأدلّة ، وبالمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته » (٣).

وثانيهما الحَسَن : « من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته ، بعد أن يعرف منه خيراً » (٤).

ولأجلهما اختار هذا القول من المتأخرين بعض الأجلّة فقال : بأنّ الخير نكرة تفيد الإطلاق ، فيتحقق بالصلاة والصوم ، وإن خالف في الاعتقاد الصحيح ، قال : وفي تصدير الخبر باشتراط العدالة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أنّ العدالة هي الإسلام (٥).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٥١ ، وصاحب المعالم : ٢٣٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٤١.

(٢) النهاية : ٥١٠ ، الراوندي في فقه القرآن ٢ : ١٦٥ ؛ وانظر المقنعة : ٧٢٥ ، والمهذّب ٢ : ٥٥٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٣ ، التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٣ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٣ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٦٧ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٥) حكاه السبزواري في الكفاية : ٢٠١ عن المسالك ، وهو في المسالك ٢ : ١٩.


وفيه نظر ، أمّا أوّلاً : فلأنّ القول المزبور الذي صار إليه ظاهره الاكتفاء بظاهر الإسلام من دون اشتراط أن يعرف منه الخبر ، بل يكتفى بشهادة المسلم الغير المعروف منه ذلك أصلاً ، وصريح الخبرين اشتراطه.

وثانياً : أنّ ظاهرهما الاكتفاء بالإسلام بالمعنى الأعمّ ، لا اشتراط المرادف للخاص ، ولعلّه لم يقل به النهاية ومن تبعه من الجماعة ، وإن أوهمت عبارته ذلك في المسألة ، إلاّ أنّ عبارته في بحث الشهادة (١) صريحة في اعتبار الإيمان البتّة ، مع تصريحه في التهذيب (٢) بكفر الفرَق المخالفة للإمامية ، فكيف يستدل له بأمثال المعتبرة.

وثالثاً : أنّ المتبادر من الخير والصلاح في الخبرين ما يعم الاعتقاد وزائداً عليه بالبديهة ، وليس المراد منهما مصداقهما ولو في الجملة ، كما أفصح عنه عبارته المتقدّمة ، كيف لا؟! وهو مخالف للإجماع والضرورة ؛ لاشتمالهما على ذلك التقدير على قبول شهادة الفاسق البتّة ؛ إذ ليس من فاسق إلاّ ويوجد فيه خير ما ، أو صلاح من جهة ولو في الجملة ، ولم يقل بذلك أحد ، حتى هذا القائل والنهاية وغيره من الجماعة ؛ لاتفاقهم على اشتراط عدم ظهور الفسق البتّة ، ودلّت عليه مع ذلك النصوص المستفيضة ، ومثل ذلك أوضح شاهد وأفصح قرينة على إرادة معنى خاصّ من الخير والصلاح ، وليس بعد انتفاء إرادة مطلقهما إلاّ ما عليه الجماعة من الإيمان وحسن الظاهر ، أو الملكة ، هذا.

مع أنّ المعتبرة مستفيضة ، بل كادت تكون متواترة ، بأنّه ليس في المخالف خير أصلاً وصلاح بالمرّة ، وإن اشتغلوا بالعبادات الموظّفة وراعوا‌

__________________

(١) النهاية : ٣٢٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٣٥.


الأُمور اللازمة ، فقد ورد عن أهل العصمة سلام الله عليهم أنّهم ليسوا إلاّ كالجدر المنصوبة ، وأنّ عباداتهم بأسرها فاسدة (١).

وحينئذٍ فأيّ خيريّةٍ في أعمالٍ قد قام الدليل على بطلانها ، وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعاً ؛ لأنّ خيريّة الخير وشرّيّة الشر إنّما هو باعتبار ما يترتّب على كلّ منهما من النفع والضرر ، كما ينادي به النبوي : « لا خير بخير بعده النار ، ولا شر بشرٍّ بعده الجنّة » (٢) هذا.

مع ما في بعض المعتبرة (٣) من ردّ شهادة بعض الفرق المخالفة ، كما حكاه بعض الأجلّة.

مضافاً إلى وقوع التصريح باشتراط الإيمان في بعض المعتبرة ، ففي العيون عن مولانا الرضا 7 : « قال علي 7 في قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (٤) من ترضون دينه ، وأمانته ، وصلاحه ، وعفّته ، وتحصيله ، وتمييزه ، فما كلّ صالح مميّز ، ولا كل محصل مميّز » (٥).

وبالجملة : القول بقبول شهادة المخالف الذي عرف منه خير ما أو صلاح في الجملة فاسد بالبديهة ، كالاكتفاء بظاهر الإيمان خاصّة ، من دون اعتبار حسن الظاهر ولا الملكة ، بل اللازم مراعاة الإيمان مع حسن الظاهر خاصّة ، وإن كان اعتبار الملكة أحوط البتّة ، إلاّ أنّ الأدلّة ظاهرة في الأوّل ،

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ١١٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٢) الروضة من الكافي ٨ : ٢٤ ، الفقيه ٤ : ٢٧٩ ، تحف العقول : ٦٥ ، بحار الأنوار ٧٤ : ٢٨٨.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ ، أبواب الشهادات ب ٣٢ ، انظر المستدرك ١٧ : ٤٣٣ أبواب الشهادات ب ٢٦.

(٤) البقرة : ٢٨٢.

(٥) تفسير الإمام العسكري 7 : ٦٧٢ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٩ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢٣.


وبإثبات الثاني غير ناهضة.

( ولو طلّق ولم يشهد ) العدلين على إنشاء الطلاق ( ثم أشهد ) هما بعد ذلك ( كان ) الطلاق ( الأوّل لغواً ) لعدم اشتماله على شرط الصحة ، وصحّ الثاني إن اشتمل على شرائطها ، وإلاّ فلا ، لعموم الأدلّة ، وعليه يحمل إطلاق العبارة المشعرة بالصحة في الشهادة الثانية.

وكذا إطلاق الصحيح : عن رجل طلّق ولم يشهد ، ثم أشهد بعد ذلك بأيّام ، فمتى تعتدّ؟ قال : « من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق » (١).

( ولا تقبل شهادة النساء ) هنا مطلقاً ، لا منفردات ولا منضمّات ، بلا خلاف ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصوص ، الظاهرة بعضها ، والصريح باقيها في الذكور.

مضافاً إلى خصوص المستفيضة ، منها الصحيح : فيمن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين ، فقال : « لا يجوز شهادة النساء في الطلاق » الخبر (٢).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٥٠ / ١٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ١٠.

(٢) الكافي ٦ : ٦٧ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٤.


( النظر الثاني )

( في أقسامه )

( وينقسم إلى ) قسمين ( بدعة ) محرّمة ( وسنّة ) جائزة ولو بعنوان الوجوب أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة.

( فالبدعة ) على ما ذكره الأصحاب ثلاثة :

أحدها : ( طلاق الحائض مع الدخول وحضور الزوج أو غيبته دون المدّة المشترطة ) على تقدير اعتبارها ، مع عدم حملها.

( و ) ثانيها : طلاقها ( في طهرٍ قد قربها فيه ) مع عدم الغيبة ، أو مطلقاً مع ثبوت الوقوع فيه ، على الخلاف الذي مضى (١).

( و ) ثالثها : ( الثلاث المرسلة ) مع اعتقاد وقوعها.

( وكلّه ) أي البدعي بأقسامه ( لا يقع ) إلاّ الأخير خاصّة فواحدة ، كما سبق إليه وإلى مستند بدعية الجميع الإشارة (٢).

وتقييد الثلاث بالمرسلة يفيد عدم بدعية المرتّبة ولو لم يتخلّلها رجعة ، كما أنّ الحصر في الثلاثة يفيد عدم بدعية الطلقات الأُخر الفاسدة ، كالواقع بغير إشهاد ، أو معه من دون الصيغة المعتبرة.

وكلّ ذلك محل مناقشة إن أُريد بالبدعية : الباطلة ، ولا إن كان ذا مجرّد اصطلاح ، كيف لا؟! وليس فيه مشاحّة ، إلاّ أنّه على هذا ليس القسمة‌

__________________

(١) راجع ص ٢١٠.

(٢) في ص ٢٠٥ ، ٢١٣ ، ٢٢٤.


حاصرة.

( وطلاق السنّة ) قسمان :

الأوّل : وهو المراد به هنا ما قابل البدعة ، ويقال له : طلاق السنّة بالمعنى الأعم.

والثاني : ما هو أخصّ منه ، وهو أن يطلّق على الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدّة الرجعية ، لا البائنة ، كما يستفاد من النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « طلاق السنّة : يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماعٍ بشهادة شاهدين ، ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها ، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطّاب ، إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا » الخبر (١) ، ونحوه غيره (٢).

وليس فيها كما ترى ما ذكره جماعة (٣) : من اعتبار التزويج بها ثانياً بعد الخروج من العدّة ، بل غايتها الدلالة على اعتباره خاصّة. وليس فيها الشمول للبائنة.

وكيف كان يقال لهذا القسم : طلاق السنّة بالمعنى الأخصّ.

والأوّل على أقسام ( ثلاثة : بائن ، ورجعي ، وللعدّة ، فالبائن : ما لا يصحّ معه الرجعة ) بلا عقد.

إمّا لعدم العدّة بالمرّة ( وهو ) أقسام ثلاثة :

أحدها : ( اليائسة ) عن المحيض ومثلها لا تحيض ( على الأظهر )

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ١٠٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١.

(٣) انظر التنقيح ٣ : ٣١٧ ، والمسالك ٢ : ٢٠.


الأشهر بين الطائفة ، كما سيأتي إليه الإشارة.

( و ) ثانيها : ( من لم يدخل بها ) مطلقاً.

( و ) ثالثها ( الصغيرة ) ولو دخل بها ، بلا خلاف في الأُولى ، وعلى الأشهر في الثانية مع الدخول بها بين أصحابنا ، وسيأتي إليه الإشارة أيضاً.

وإمّا لعدم إمكان الرجوع في العدّة ابتداءً وإن أمكن في الجملة ( و ) هو اثنان : طلاق ( المختلعة والمباراة ما لم ترجعا في البذل ) المعتبر فيهما.

أو مطلقاً ( و ) هو في ( المطلّقة ثلاثاً بينها رجعتان ) أو عقدتان ، أو رجعة وعقد.

( والرجعي هو ما يصح معه الرجعة ) في العدّة ( ولو لم يرجع ) ويكون فيما عدا الأقسام الستّة المتقدّمة في البائن.

وعلى هذا وما تقدّم فيه يكون طلاق المختلعة تارة من القسم الأوّل ، وهو مع الشرط المتقدّم فيه ، وأُخرى من هذا القسم مع عدمه.

( وطلاق العدّة ) على ما فسّره بعض الأجلّة (١) وفاقاً لجماعة ، كالعلاّمة في التحرير والقواعد والماتن في الشرائع (٢) أن يطلّق على الشرائط ، ثم يراجعها قبل خروجها من عدّتها ويواقعها ، ثم يطلّقها في غير طهر المواقعة ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم يطلّقها في طهر آخر.

وهو المستفاد من المعتبرة ، ففي الصحيح : « إذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ، ثم‌

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٢٦٩.

(٢) التحرير ٢ : ٥٤ ، القواعد ٢ : ٦٤ ، الشرائع ٣ : ٢٤.


يطلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين عدلين ، ويراجعها من يومه ذلك إن أحبّ أو بعد ذلك بأيّام قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ، ويواقعها حتى تحيض ، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة أُخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك ، ثم يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها ، وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع ، ويشهد على ذلك ، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره » الخبر (١) ، ونحوه غيره (٢) ممّا وقفت عليه.

والمستفاد من قوله في تفسيره : ( ما يرجع فيه ويواقع ثم يطلّق ) هو أنّ المعتبر فيه أن يطلّق ثانياً بعد الرجوع والمواقعة خاصّة.

وعن بعضهم (٣) عدم اعتبار الطلاق ثانياً والاقتصار على الرجعة.

وعن النهاية وجماعة (٤) أنّ الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف بكونه عِدّيّاً وإن لم يقع بعده رجوع ووقاع ، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عِدّيّاً إلاّ إذا وقع بعد الرجوع والوقاع ، قيل : وفي بعض الروايات دلالة عليه (٥).

وظاهر القولين الأوّلين اتصاف الطلاقين الأوّلين بالعِدّي دون الثالث ؛

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦ / ٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٦٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٧ / ٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٢ ح ٢.

(٣) حكاه عن العلاّمة في القواعد في نهاية المرام ٢ : ٤٧ ، وهو في القواعد ٢ : ٦٤.

(٤) الحاكي هو صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٤٧.

(٥) نهاية المرام ٢ : ٤٧.


لحصول شرطه عليهما فيهما من المراجعة والمواقعة معاً ، كما في القول الأوّل ، أو الأوّل خاصة ، كما في الثاني ، ولا كذلك الطلاق الثالث ؛ لفقد الشرط فيه على القولين ، وينعكس الأمر على القول الثالث ، فيتّصف الأخير ان بالعِدّي دون الأوّل ؛ لوقوعهما بعد المراجعة والمواقعة ، دونه ؛ لعدمهما قبله.

ثم إنّ إطلاق العِدّي عليه من حيث الرجوع في العدّة.

وجعله في العبارة قسيماً للأوّلين يعطي المغايرة بينه وبينهما بالضرورة ، مع أنّه أخصّ من الأخير قطعاً ، فإنّه من جملة أفراده ، بل أظهرها جدّاً ؛ لمكان الرجوع في العدّة ، فلو جعله قسمين ثم قسّم الرجعي إليه وإلى غيره كان أجود.

نعم جعله قسيماً لهما متّجه على ما ذكرنا في تفسير العِدّي ؛ لتوقّفه عليه على الطلقة الثالثة المتعقّبة عن الرجعتين ، وهي بائنة بالضرورة ، فيرجع الأمر إلى تركّب العِدّي من البائن والرجعي ، ولا ريب أنّ المركّب منهما مخالف لأحدهما ، ولعلّه لهذا جعله قسيماً في الشرائع والتحرير (١) أيضاً كما هنا.

وبه اندفع الاعتراض الذي أورده في المسالك (٢) على الماتن ، وهو الذي أشرنا إليه هنا ، مع إمكان اندفاعه عنه هنا أيضاً وإن لم يفسَّر العِدّي بما ذكرنا ، بناءً على مخالفة تفسير العِدّي كلاًّ من تفسيري البائن والرجعي ؛ لامتيازه باشتراط الرجعة عن الأوّل ، وباشتراط الطلقة بعدها وبعد المواقعة عن الثاني ، بناءً على عدم اعتبار المواقعة والطلقة الثانية في تفسيره ؛

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٣ ، التحرير ٢ : ٥٤.

(٢) المسالك ٢ : ٢٠.


للاكتفاء فيه بمجرّد الرجعة ، وهو ظاهر في عدم اعتبار شي‌ء آخر وراءها ، فاعتباره ينافيه جدّاً.

وكيف كان ( فهذه ) أي المطلّقة للعدّة خاصّة ( تحرم في ) الطلقة ( التاسعة تحريماً مؤبّداً ) إذا كانت حرّة.

( وما عداها ) من أقسام الطلاق الصحيح وهو ما إذا رجع فيها وتجرّد عن الوطء ، أو بعدها بعقدٍ جديدٍ وإن وطِئ ( تحرم ) المطلّقة ( في كل ثالثة ) للحرّة ، وفي كل ثانية للأمة ( حتى تنكح ) زوجاً ( غيره ) كحرمتها كذلك لو طلّقت للعدّة.

فالفارق بين الطلاق للعدّة وغيرها حصول التحريم المؤبّد بالتاسعة في الأوّل خاصّة ، دون الثاني ، فلا تحرم فيه أبداً ولو ارتفع إلى مائة بعد حصول المحلّل بعد كل ثلاثة ، كما تقدّمت إليه الإشارة مع الأدلّة فيه وفي المسألة السابقة ، وهي الحرمة بالتاسعة في العِدّية في السبب الرابع بعد الثالث في المصاهرة.

( وهنا مسائل خمس )

( الاولى : لا يهدم استيفاء العدّة ) وانقضاؤها ، وعدم رجوع الزوج فيها في كلّ مرّة ( تحريم الثالثة ) حتى تنكح زوجاً غيره ، وكذا لو استوفت العدة في إحدى الطلقات خاصّة ، بإجماع الطائفة ، كما حكاه جماعة (١) ، بل ربما ادّعى عليه بعض الأجلة الإجماع عليه من العلماء كافة (٢).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٠ ، المهذب ٢ : ٤٦٥ ، وفيه ، لم يختلف أحد من أصحابنا .. ، الكفاية : ٢٠٢ ، وفيه هو المعروف من مذهب الأصحاب ، مرآة العقول ٢١ : ١٣١ ، وفيه لم يقل به أحد من أصحابنا.

(٢) راجع المسالك ٢ : ٢١.


والأصل فيه بعد الإجماع عموم الكتاب والسنّة ، منها الصحيح : في امرأة طلّقها زوجها ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، قال : « لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره » (١).

مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، منها الصحيح : في رجل طلّق امرأته ، ثم تركها حتى انقضت عدّتها ، ثم تزوّجها ، ثم طلّقها من غير أن يدخل بها ، حتى فعل ذلك ثلاثاً ، قال : « لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره » (٢).

خلافاً لابن بكير ؛ استناداً إلى رواية أسندها إلى زرارة : قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : « الطلاق الذي يحبّه الله تعالى ، والذي يطلّق الفقيه ، وهو العدل بين المرأة والرجل : أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب ، ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء ، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالث ، وهو آخر القرء لأنّ الأقراء هو الأطهار فقد بانت منه ، وهي أملك بنفسها ، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له ، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله وحلّت بلا زوج » الحديث (٣).

ونحوه روايات أُخر (٤) هي كهذه الرواية قاصرة الأسانيد ، ظاهرة الدلالة على عدم صحة الإسناد في هذه الرواية إلى زرارة ؛ لتضمّنها أنّه قال‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٦٥ / ٢١٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٧ / ١٠٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ١١١ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٦٥ / ٢١٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٧ / ١٠٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١١ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٥ / ١٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٦ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١١٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ١٦.

(٤) الوسائل ٢٢ : ١١٤ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ١١ ، ١٢.


حينما سئل عنه : هذا ممّا رزق الله تعالى من الرأي.

وليس مثل ذلك قدحاً فيه ، ومنافياً لدعوى إجماع العصابة على صحة ما صحّ عنه من الرواية ، كما ذكره جماعة (١) ؛ لاحتمال رؤيته المصلحة في ذلك لتشييد ما رآه وصحّحه بأدلّة هي مستند عنده ، وحجة شرعيّة ، بعد أن رأى أنّ قدماء الرواة وأصحابه في تلك الأزمنة لا يقبلون منه ذلك بالمرّة ؛ لنسبة ذلك إلى رأيه ، فالتجأ إلى اختراع تلك النسبة إلى زرارة إعلاءً لما هو المذهب عنده والحجّة ، ويكون ذلك عنده كذباً لمصلحة ، ولعلّ مثل ذلك عنده لا ينافي العدالة.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول ، وإن ذهب إليه في الفقيه (٢) ، تبعاً للرضوي (٣) ، وأخباره تنادي بضعفه في الأزمنة السابقة ؛ لدلالتها كما مضى على وقوع أصحاب القائل فيه في فتواه بالهدم باستيفاء العدّة.

( الثانية : يصح طلاق الحامل ) المستبين حملها مطلقاً ، مرّة ، إجماعاً ، حكاه جماعة (٤) ؛ للأدلّة الآتية منطوقاً وفحوى ، وصاعداً أيضاً مطلقاً ، ولو كان ( للسنّة ) بالمعنى الآتي ( كما يصح للعدّة ) بالمعنى المقابل له وغيره ( على الأشبه ) الأشهر في المقامين ، بل عليه الإجماع في الشرائع والقواعد والإيضاح (٥) وشرح الأوّل للصيمري في الأخير في الجملة.

__________________

(١) من القائلين بالقدح الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٥١ ، انظر ملاذ الأخيار ١٣ : ٧٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٢٠.

(٣) فقه الرضا 7 : ٢٤١ ، المستدرك ١٥ : ٣١٥ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ٢.

(٤) منهم ابن فهد في المهذب ٣ : ٤٦٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٣٢١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٢.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٤ ، القواعد ٢ : ٦٥ ، إيضاح الفوائد ٣ : ٣١٨.


وهو الحجة فيه ، كعموم الكتاب والسنّة ، وخصوص الموثقات الثلاث في المقامين ، في إحداها : عن رجل طلّق امرأته وهي حامل ، ثم راجعها ، ثم طلّقها ، ثم راجعها ، ثم طلّقها الثالثة في يوم واحد ، تبين منه؟

قال : « نعم » (١).

وهي كما ترى مطلقة بل عامة شاملة لطلاقي العدّة والسنّة.

مضافاً إلى خصوص الخبرين في العدّة ، في أحدهما عن طلاق الحبلى؟ قال : « يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور والشهود » قلت : فله أن يراجعها؟ قال : « نعم ، وهي امرأته » قلت : فإن راجعها ومسّها ، ثم أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى؟ قال : « لا يطلّقها حتى يمضي لها بعد ما مسّها شهر » قلت : فإن طلّقها ثانية وأشهد ، ثم راجعها وأشهد على رجعتها ، ومسّها ، ثم طلّقها التطليقة الثالثة ، وأشهد على طلاقها لكل غرّة (٢) شهر ، هل تبين منه كما تبين المطلّقة على العدّة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره؟ قال : « نعم » الخبر (٣).

وفي الثاني : في الرجل يكون له المرأة الحامل ، وهو يريد أن يطلّقها ، قال : « يطلّقها ، فإذا أراد الطلاق بعينه يطلّقها بشهادة الشهود ، فإن بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يراجعها ويريد الرجعة بعينه فليراجع وليواقع ، ثم يبدو له فيطلّق أيضاً ، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أوّلاً ، ثم يبدو له فيطلّق ، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، إذا كان راجعها‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ١٤٧ ، ١٤٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ، الأحاديث ٦ ، ٨ ، ١٠.

(٢) في المصادر : عدّة.

(٣) الكافي ٦ : ٨٢ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٧٢ / ٢٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٠ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ١١.


يريد المواقعة والإمساك ويواقع » (١).

والمناقشة بقصور سند هذه الأخبار سيّما الأخيرين ، مدفوعة بالاعتضاد والانجبار بالشهرة العظيمة ، والموافقة لعموم الكتاب والسنّة ، مع ما في الأخيرين من الاعتضاد بالإجماعات المحكية.

خلافاً للصدوقين وبعض متأخّري الطائفة (٢) ، فمنعوا عن الزيادة على الواحدة في المقامين مطلقاً ؛ لعموم الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، الظاهرة في أنّ طلاقها واحد ، مع تصريح بعضها بالنهي عن الزيادة على الإطلاق إلى الخروج عن العدّة التي هي هنا وضع الحمل ، إمّا مطلقاً ، كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، أو بشرط عدم مضيّ الأشهر الثلاثة ، وإلاّ فهو العدّة خاصة ، كما عن الصدوقين (٣) القائلين بالمنع مطلقا في هذه المسألة.

ومنه يظهر ما في نسبة القول بتقييد المنع بقبل الأشهر ، والجواز بعدها ولو قبل الوضع إليهما ، فإنّ التقييد في كلامهما إنما هو لبيان محلّ جواز الرجعة ، لا لتحديد محل الرخصة في الطلقة الزائدة بعد الرجعة.

وكيف كان فمن النصوص الأوّلة : الصحيح : « طلاق الحامل واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه » (٤) ونحوه غيره (٥).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٧٢ / ٢٤١ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٠ / ١٠٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٩ ، بتفاوت يسير.

(٢) الصدوق في المقنع : ١١٦ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٨٨ ؛ وانظر نهاية المرام ٢ : ٥٤.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٥٨٨ ، والصدوق في المقنع : ١١٦.

(٤) الكافي ٦ : ٨١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٧٠ / ٢٣٤ بتفاوت يسير ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٨ : ٧١ / ٢٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٢.


ومن الثانية : الخبران ، أحدهما : « في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى ، قال : « يطلّقها » قلت : فيراجعها؟ قال : « نعم يراجعها » قلت : فإن بدا له بعد ما راجعها أن يطلّقها ، قال : « لا حتى تضع » (١).

وثانيهما الرضوي : « وأمّا طلاق الحامل فهو واحد ، وأجلها أن تضع ما في بطنها ، وهو أقرب الأجلين ، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلّقها ، أو بعده متى كان ، فقد بانت منه وحلّت للأزواج ، فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للأزواج حتى تضع ، فإن راجعها من قبل أن تضع ما في بطنها ، أو يمضي ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر ثم يطلّقها » (٢).

وفيها نظر ؛ لعدم المقاومة لما مرّ ، فلتحمل على الفضيلة ، أو على الوحدة الصنفية ، يعني : طلاقها صنف واحد ، وهو ما عدا السنّة بالمعنى الأخصّ المتقدّم المستفاد من الأخبار ، وهو وإن تعدّد صنفاً أيضاً من حيث شموله للعدّة بالمعنى المتقدّم وغيرها ، إلاّ أنّهما يجمعهما شي‌ء واحد وهو كونهما للرجعة ، ولعلّه لهذا قسّم الطلاق في الأخبار إلى قسمين خاصة : السنّي والعدّي ، فتأمّل.

وللنهاية وجماعة (٣) في الأوّل بالمعنى الآتي ، فمنعوا عنه ، وجوّزوا العدّة المقابلة له خاصة ؛ جمعاً بين النصوص الماضية ، بحمل ما دلّ على الوحدة على السنّة بالمعنى المتقدّم خاصة ، وتقييد ما دلّ على الزيادة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٣١ / ١٦٠١ ، التهذيب ٨ : ٧١ / ٢٣٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٩ / ١٠٦٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٧ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٧.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٤٤ ، المستدرك ١٥ : ٣٥٠ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ١.

(٣) النهاية : ٥١٧ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٢٢ ، والمهذّب ٢ : ٢٨٥.


بالعدّية خاصة ؛ للخبرين الماضيين (١) ذيل الموثقات ؛ لتصريحهما بالعدّة.

وفيه نظر ؛ لعدم استفادة التقييد من الأوّل ؛ لأنّ غايته فرض الثبوت في المورد ، وهو لا يلازم النفي عما عداه.

والثاني وإن ظهر منه التقييد من حيث الأمر ، إلاّ أنّه مقطوع ، والمنسوب إليه الحكم مجهول ، فلا يصلح للتقييد للمعتبرة ، مع ما هي عليه من المرجحات الكثيرة ، المنصوصة والاعتبارية ، الموجبة لرجحانها على هذه الرواية ، ولو كانت صحيحة السند واضحة الدلالة.

وأمّا المناقشة في هذا القول بعدم معلومية المراد من السنّة ، هل هو الأعم ، أو الأخصّ؟ مع أنّ إرادة كل منهما هنا فاسدة :

أمّا الأوّل : فبتصريح الموثق الأوّل (٢) بجواز التعدد الذي ليس بعدّي ، وهو السنّي بهذا المعنى ، مع أنّ العدي يتمشّى بهذا المعنى ، وحمله على ما عدا العدي بعيد ، وخلاف الظاهر ، وخلاف ما يقتضيه الجمع.

وأمّا الثاني : فلشمول النصوص المجوّزة له ولغيره ، مع عدم تحققه بهذا المعنى هنا إلاّ بعد انقضاء العدّة ، وهو وضع الحمل ، وبعده لا تكون حاملاً ، والكلام في طلاقها.

ولا يمكن تمييزه بالنية ، بمعنى أنّه إذا نوى أن يطلّقها وهي حامل فلا يراجعها إلى أن تضع ، ثم يتزوّجها ، فيصير حينئذٍ منهيّاً عنها.

لأنّ النية لا تؤثّر بنفسها في تحقق العدي والسنّي ، بل يتوقّفان على شرط متأخّر عنها ، وهو إمّا الرجعة في العدّة والوطء ، أو الصبر إلى انقضاء العدّة وتجديد العقد ، وحينئذٍ لا تكون حاملاً ، فلا يظهر النهي عن طلاق‌

__________________

(١) راجع ص ٢٥٠.

(٢) راجع ص ٢٤٩.


الحامل كذلك.

إلاّ أن يقال : إنّ تحريم نكاحها بعد الوضع يكون كاشفاً عن جعل الطلاق السابق سنّياً ، فيلحقه حينئذٍ النهي.

وهذا أيضاً في غاية البُعد ؛ لأنّ خبري النهي إنّما دلاّ عليه وهي حامل.

فمدفوعة بحذافيرها ، بأنّ المراد بالسنّة هو الثاني ، لا بالمعنى الذي يتعقّبه المناقشة ، بل بالمعنى الذي يظهر من عبارة النهاية (١) بوجوه سياقية واعتبارات خارجية ، وصرّح به في باب أنّ المواقعة بعد الرجعة شرط لمريد الطلاق للعدّة ، وهو أن يطلّقها بعد الرجوع من غير وقاع ، ويقابله طلاق العدّة ، وهو ما يكون بعد الرجعة والمواقعة ، وبإرادته هنا ذلك صرّح جماعة (٢).

وعليه اندفعت المناقشات السابقة ، إلاّ النقض بالموثقة الأوّلة ، من حيث توهّم التصريح فيها بجواز الطلاق لغير العدّة.

ويدفعه فساد التوهّم ؛ لعدم التصريح فيها إلاّ بوقوع الطلقات في يوم واحد ، وهو غير ملازم لعدم المواقعة بعد كلّ رجعة ، إلاّ على تقدير اشتراط طهر غير طهر المواقعة ، وهو مع مخالفته لإجماع الطائفة مدفوع بالنصوص المستفيضة المتقدّمة.

وحينئذٍ فلا مانع من وقوع الطلقات الثلاث للعدّة بوقوع المواقعة بعد كلّ رجعة ، ولا استحالة في وقوعه في يوم أو ليلة حتى يدّعى لأجلها‌

__________________

(١) النهاية : ٥١٧.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٥٥ ، انظر المختلف : ٥٨٨ ، والحدائق ٢٥ : ٢٩١.


الصراحة.

نعم هو خلاف الظاهر ، لكنّه غير الصراحة ، ولا بأس بارتكابه إذا اقتضاه الجمع بين الأدلّة.

وأمّا ما يقال عليه أيضاً : من عدم التمامية ؛ لدلالة بعض الروايات باشتراط طلاق العدة ثانياً بوقوعه بعد شهرٍ من حين المواقعة ، وهو لا يلائم إطلاق القول بجوازها.

فمدفوع بأنّه كذلك لولا الموثقة المتقدّمة ، المصرّحة بجواز وقوع الطلقات الثلاث في يوم واحد ، وهي مع أوضحيتها سنداً من الرواية السابقة مصرِّحة بعدم اعتبار تلك المدّة ، فليحمل اعتبارها فيها على الفضيلة ، والموثقة وإن لم تصرّح بكون الطلاق للعدّة ، إلاّ أنّه مقتضى الجمع بين الأدلّة ، فتكون كالنص في العدّة.

وبالجملة : المناقشة في هذا الجمع بأمثال ما ذكر غير واضحة ، والأولى الجواب عنه بما قدّمناه من المناقشة.

ومع ذلك فقول النهاية ليس بذلك البعيد ؛ لابتناء ما قدّمناه من المناقشة على عدم ظهور المقيِّد للموثقات المجوّزة ؛ لضعف الخبرين عن الدلالة والمقاومة لها ، إلاّ أنّ هنا رواية معتبرة لراوي تلك الموثقات بعينه ، ظاهرة الدلالة في ذلك ، سيأتي إليها الإشارة في المسألة الآتية في الطلقات الثلاث في الطهر الواحد مع الرجعة من دون مواقعة ، فقوله لا يخلو عن قوّة ، والاحتياط لا يترك البتّة.

وللإسكافي (١) في الثاني ، فمنع عنه إلاّ بعد شهرٍ ؛ لما مضى من الخبر (٢).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٨٨.

(٢) في ص ٢٥٠.


وهو مجاب بما مرّ ، وحمله على الاستحباب أو شدّة الكراهة بدون الشهر أظهر ، كما عليه كافّة من تأخّر.

( الثالثة : يصح أن يطلّق ثانية في الطهر الذي طلّق فيه وراجع فيه ولم يطأ ) وكذا في غير ذلك الطهر ، على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ لعموم الكتاب والسنّة بجواز طلاق الزوجة التي منها هذه المطلّقة ؛ لحصول الزوجية بمجرّد الرجعة ولو من دون مواقعة ، بإجماع الطائفة ؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية.

وللموثق في الأوّل : رجل طلّق امرأته ، ثم راجعها بشهود ، ثم طلّقها ، ثم بدا له فيراجعها بشهود ، تبين منه؟ قال : « نعم » قلت : كل ذلك في طهر واحد ، قال : « تبين منه » قلت : فإنّه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟ قال : « ليس هذا مثل هذا » (١).

وهو بالفحوى يدل على الثاني أيضاً ؛ مضافاً إلى المعتبرة فيه بالخصوص ، منها الصحيحان في أحدهما : عن رجل طلّق امرأته ، وأشهد على الرجعة ، ولم يجامع ، ثم طلّق في طهر آخر على السنة ، أتثبت التطليقة الثانية من غير جماع؟ قال : « نعم ، إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة الثانية ثابتة » (٢) ونحوه الثاني (٣) والحسن (٤).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٢ / ٣١٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٢ / ١٠٠٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٨ : ٤٥ / ١٣٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٨١ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٤٥ / ١٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٨١ / ٩٩٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٨ : ٤٥ / ١٤١ ، الإستبصار ٣ : ٢٨١ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٤.


خلافاً للعماني (١) ، فاشترط في الطلاق بعد المراجعة : الوقاع ؛ للمستفيضة ، ففي الصحيح : في الرجل يطلّق امرأته إله أن يراجع؟ قال : « لا يطلِّقَن التطليقة الأُخرى حتى يمسّها » (٢).

وفيه : « كلّ طلاق لا يكون على السنّة ، أو على العدّة فليس بشي‌ء » (٣).

وجه الدلالة عدم دخول الطلاق في العدّة من دون وقاع في شي‌ء من الأمرين ؛ لتفسيرهما فيه بما قدّمناه.

وفي الموثق : عن رجل يطلّق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم راجعها من يومه ذلك ، ثم يطلّقها ، أتبين منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟

فقال : « خالف السنّة » قلت : فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلّقها إلاّ في طهر آخر ، قال : « نعم » قلت : حتى يجامع؟ قال : « نعم » (٤).

وفي الخبر : « لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ، ويجامع » (٥).

وفي آخر : « المراجعة هي الجماع ، وإلاّ فإنّما هي واحدة » (٦).

وجه الدلالة يظهر من ذيل الرواية المعرب عن أن المراد من‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٥٩٢.

(٢) الكافي ٦ : ٧٣ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٤٤ / ١٣٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٠ / ٩٩٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٤١ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٦٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦ / ٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٧٤ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٤١ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٨ : ٤٦ / ١٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٤ / ١٠٠٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٢ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٧٣ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤٤ / ١٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٠ / ٩٩٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٠ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ١.


المراجعة التي حصرت في المجامعة المراجعة الخاصة التي يتعقّبها التطليقة الثانية ، لا مطلق المراجعة ، حتى يرد على نفيه المناقشة بمخالفة الإجماع والأدلّة.

وكيف كان : فالجواب عنها أجمع بالقصور عن المقاومة لما مرّ ، من حيث اعتضاده بعمومي الكتاب والسنّة ، والشهرة العظيمة ، مع صراحة الدلالة ، وليس شي‌ء منها في المستفيضة ولا ما يقابلها عدا الاستفاضة خاصّة ، وليست تقاوم شيئاً من المرجّحات المذكورة البتة ، فلتحمل على الاستحباب والأفضلية ، وربما أومأت إليه الموثقة المتقدّمة.

ولا ينافيه الأخبار المصرّحة بعدم الوقوع ، أو أنّه ليس بشي‌ءٍ ؛ لقصور سند بعضها ، وقبوله مع الباقي حمل المنفي وقوعه وشيئيّته على الفرد الكامل ، كما في : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » (١).

وأمّا الجواب عن الأخبار الناهية بأنّ غايتها ثبوت الحرمة ، لا البطلان الذي هو مفروض المسألة ؛ لأنّ المنهي عنه ليس بعبادة. ليس في محلّه ؛ لعدم القائل بالفرق بين الحكمين ، فمن قال بالحرمة أثبت البطلان ، ومن قال بعدمه قال بنفي الحرمة.

وربما أُجيب عنها بمحامل أُخر يجمع بينها وبين ما مضى ، منها : ما فعله الشيخ (٢) ، فحمل هذه على العِدِّى ؛ للخبر : « الذي يطلّق ، ثم يراجع ، ثم يطلّق فلا يكون بين الطلاق والطلاق جماع ، فتلك تحلّ له قبل أن تتزوّج غيره ، والذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، هي التي تجامع‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩٢ / ٢٤٤ ، الوسائل ٥ : ١٩٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) انظر التهذيب ٨ : ٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٨٢.


فيما بين الطلاق والطلاق » (١).

وفي الحسن : عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره؟

فقال : « أُخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي » فذكر أنّه طلّقها للعدّة ثلاثاً مع المواقعة في كلّ رجعة (٢).

وفيهما مع قصور سندهما ، سيّما الأوّل مخالفة لما اتفقوا عليه.

ومنها : ما فعله بعض الأصحاب (٣) ، فحمل هذه على ما إذا كان غرضه من الرجعة الطلاق لحصول البينونة ، وتلك على ما إذا كان الغرض أن تكون في حبالته ، ثم بدا له أن يطلّقها.

قيل : وله شواهد من النصوص (٤).

وفيه مع مخالفته الإجماع نظر ، فإنّ من النصوص المانعة الصحيح ، وهو طويل ، وفيه : « فإن طلّقها على طهر ، ثم راجعها ، فانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت ، ثم طلّقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقاً ، لأنّه طلّقها التطليقة الثانية في طهر الاولى ، ولا ينقضي الطهر إلاّ بمواقعة بعد الرجعة » الخبر (٥).

وهو كما ترى صريح في العموم للصورتين من حيث عموم التعليل ، وهو منافٍ للتعليل الذي بنى عليه المنع في الجمع ، ولا ينافي الحمل على‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٤٦ / ١٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٤ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٧٥ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤١ / ١٢٥ ، تفسير العياشي ١ : ١١٨ / ٣٧٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٤ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢٠.

(٤) انظر الحدائق ٢٥ : ٣٠٦.

(٥) الكافي ٦ : ٦٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٧ / ٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٢ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.


الاستحباب ، فتدبّر.

وبالجملة : الأصح الوقوع في المقامين ( لكن لا يقع للعدّة ) لاشتراطها بالمواقعة ، بإجماع الطائفة ، والمعتبرة.

( الرابعة : لو طلّق ) حال كونه ( غائباً ) بائناً أو رجعيّاً ( ثم حضر ودخل بها ) بعد البينونة ( ثم ادّعى الطلاق لم تقبل دعواه ) فيما يتعلّق بحق الزوجة خاصّة ، دون حقّه ؛ لأنّ : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١).

( ولا بيّنته ) التي أقامها بنفسه ، دون غيره ، فتقبل في الثاني لو ورّخت بما ينافي فعله ، ويحكم عليه بالفرقة في مفروض المسألة ، وهو الدخول بعد البينونة ، وإلاّ فيعدّ فعله رجعة.

( و ) يتفرّع على عدم قبول قوله وبيّنته أنّه ( لو أولدها لحق به ).

والأصل في المسألة رواية في سندها جهالة ، إلاّ أنّها مجبورة بعمل الجماعة من غير خلاف بينهم أجده ، مع ما في المجهول وهو إسماعيل ابن مرّار من قوة : عن رجل طلّق امرأته وهو غائب ، وأشهد على طلاقها ، ثم قدم فقام (٢) مع المرأة أشهراً ولم يُعلِمها بطلاقها ، ثم إنّ المرأة ادّعت الحبل ، فقال الرجل : قد طلّقتك وأشهدت على طلاقك ، قال : « يلزمه الولد ، ولا يقبل قوله » (٣).

وليس فيها عدم قبول البيّنة ، لكنّه مأخوذ من الإطلاق ، والقاعدة ، وهي : أنّها بفعله مكذوبة.

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٢) كذا وفي المصدر : فأقام ، ولعلّه الأنسب.

(٣) الكافي ٦ : ٨٠ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٨ أبواب أقسام الطلاق ب ١٥ ح ٤.


وهو حسن إن لم يُظهر لفعله تأويلاً كنسيان أو جهالة ، وإلاّ فلا وجه له بالمرّة ، مع عموم ما دلّ على لزوم قبول البيّنة.

( الخامسة : إذا طلّق الغائب ) زوجته ( وأراد العقد على أُختها ، أو على خامسة ) واحتمل حمل المطلّقة ( تربّص تسعة أشهر ) من حين الطلاق ، على المفهوم من العبارة هنا وكلام جماعة (١) ، وبه صرّح بعض الأجلة (٢).

إلاّ أنّ التعليل هنا وفي كلام جماعة (٣) بكونه ( احتياطاً ) عن احتمال الحمل ربما أشعر بكون مبدأ التسعة من حين المواقعة ، وقد صرّح بإفادة التعليل ذلك بعض الأجلة (٤).

إلاّ أنّ الأحوط الأوّل ؛ عملاً بظاهر الصحيحة التي هي المستند لإثبات الحكم في المسألة : في رجل له أربع نسوة ، طلّق واحدة منهنّ وهو غائب عنهنّ ، متى يجوز له أن يتزوّج؟ قال : « بعد تسعة أشهر ، وفيها أجلان : فساد الحيض ، وفساد الحمل » (٥) إلاّ أنّ التعليل ربما أشعر بالثاني.

ويكون الحكم في المسترابة بالحمل خاصة ، ولذا قيّد به العبارة ، تبعاً للجماعة ، والتفاتاً فيما عداها إلى عموم المستفيضة القائلة : إنّ عدّتها ثلاثة أقراء أو أشهر ثلاثة.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة : « إذا طلّق الرجل امرأته وهو غائب‌

__________________

(١) منهم الحلّي في السرائر : ٦٩٢ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٢.

(٢) انظر نهاية المرام ٢ : ٦٠.

(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٨٩ ، انظر المسالك ٢ : ٢٥ ، والحدائق ٢٥ : ٣١١.

(٤) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٩.

(٥) الكافي ٦ : ٨٠ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٩ أبواب العدد ب ٤٧ ح ١.


فليشهد عند ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء فقد انقضى عدّتها » (١).

وهي وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّها كما عداها من المستفيضة محمولة على غير المسترابة بالحَبَل ؛ جمعاً بينها وبين الصحيحة المتقدّمة ، إمّا لظهورها فيها ، كما يستشعر به من التعليل في ذيلها ، أو لحمل إطلاقها عليها ؛ جمعاً بين الإطلاقين ، التفاتاً إلى النصوص المفصّلة في البين ، كالموثق (٢) وغيره (٣).

ومن هنا ينقدح الوجه في تعميم الماتن الحكم لما عدا مورد الرواية ، وهو التزويج بالأُخت ، وأنّه كالتزويج بالخامسة ؛ لظهور أنّ العلّة في الأمر بالصبر إلى انقضاء التسعة إنّما هو الاسترابة بالحبل ، كما أفصح عنها التعليل في الرواية ، وظهرت من النصوص المفصّلة ، فلا يضرّ اختصاص المورد بالتزويج بالخامسة ، فعدم الفرق أقوى ، وفاقاً لأكثر أصحابنا.

خلافاً للحلي (٤) ، فخصّ الحكم بالمورد ؛ لوجوه بما ذكرناه مدفوعة.

ثم هنا قول باعتبار السنة دون التسعة لقواعد العلاّمة (٥) ، إمّا لكونها أقصى مدّة الحمل ، أو للأمر بها في أخبار المسترابة.

وفيهما نظر ، مع كونهما اجتهاداً في مقابلة صريح النص المعتبر ، الذي عليه عمل أكثر الأصحاب قد استقر.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١١١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٦٢ / ٥٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٣ / ١٢٦٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٥ أبواب العدد ب ٢٦ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٤.

(٤) السرائر ٢ : ٦٩٢.

(٥) القواعد ٢ : ٦٥.


( النظر الثالث )

( في اللواحق )

( وفيه مقاصد ) أربعة :

( الأوّل : يكره الطلاق للمريض ) على الأشهر ، بل كاد أن يكون إجماعاً بين من تأخّر ؛ للنهي عنه في المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « ليس للمريض أن يطلّق ، وله أن يتزوّج » (١).

وحملت على الكراهة ؛ للجمع بينها وبين ما دلّ على الوقوع من المعتبرة الأُخر المستفيضة الآتية.

وفيه نظر ، فإنّ الوقوع لا ينافي الحرمة في نحو المسألة من حيث إنّها ليست بعبادة.

نعم في الصحيح : عن الرجل يحضره الموت فيطلّق امرأته ، هل يجوز طلاقها؟ قال : « نعم ، وإن مات ورثته ، وإن ماتت لم يرثها » (٢) وهو كما ترى ظاهر في الجواز ، إلاّ أنّ القائل حمله على أنّ المراد به الوقوع لا نفي التحريم ، لكنّه بعيد ، وهو مع الشهرة العظيمة وأصالة الإباحة لعلّه كافٍ في نفي الحرمة ، إلاّ أنّ الأحوط المصير إليها ، وفاقاً للمقنعة (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٣ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٧٧ / ٢٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٤ / ١٠٨٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٣ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٤ / ١٠٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥١ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٢.

(٣) المقنعة : ٨٣١.


( و ) لكن ( يقع لو طلّق ) والحال هذه ، إجماعاً ، حتى من القائل بها ؛ لما مرّ ، ويأتي إليه الإشارة من المستفيضة.

( ويرث زوجته في العدّة الرجعية ) إجماعاً ، كما حكاه جماعة (١) ، وهو الحجة فيه ، كعموم المستفيضة :

ففي الصحيح : « أيّما امرأة طلّقت ، ثم تُوفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه ، فإنّها ترثه ، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وإن توفّيت وهي في عدّتها ولم تحرم عليه ، فإنّه يرثها » الخبر (٢).

وفيه : « إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة ، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة ، ولا ميراث بينهما » (٣).

وفي الموثق : عن الرجل يطلّق المرأة؟ قال : « ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة » (٤).

وفي الخبر : في رجل طلّق امرأته ، ثم توفّي عنها وهي في عدّتها : « إنّها ترثه ، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وإن توفّيت وهي في عدّتها فإنّه يرثها » الحديث (٥).

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٢١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٠ أبواب العدد ب ٣٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٨ / ٧٢٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢٥ أبواب ميراث الأزواج ب ١٣ ح ١٠.

(٤) الكافي ٧ : ١٣٤ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨٣ / ١٣٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٨ / ١٠٩٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢٣ أبواب ميراث الأزواج ب ١٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٦ / ١٠٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥١ أبواب العدد ب ٣٦ ح ٧.


وهي كما ترى عامة ، سيّما الأوّل والأخير.

ولا ينافيها ما تقدّم من الصحيح النافي إرثه منها مطلقاً ، وإن كان نصّاً في المريض ؛ لاحتماله الحمل على الطلاق البائن ، ولا ينافيه الحكم فيه باستيراث الزوجة فيه ؛ لما ستقف عليه من اتفاق النص والفتوى بذلك.

أو على نفي الاستيراث بعد انقضاء العدّة ، صرّح به شيخ الطائفة (١).

ولا بأس به كالسابق ؛ جمعاً بين الأدلّة ، ولو لم يكن عليه شاهد ولا قرينة ، بل ومع فرض الصراحة لا تضرّنا الرواية ؛ لكونها على هذا التقدير شاذّة لا يترك لأجلها عموم المعتبرة المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، والإجماعات المحكية ، وأصالة بقاء عصمة الزوجية الموجبة لتوارث الزوجين أحدهما من الآخر بالبديهة.

ثم إنّ ظاهر العبارة كعموم المعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، عدا الأخيرة اختصاص الحكم بإرثه منها بكونها في العدّة الرجعية ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٢) ، وأشعر به أيضاً عبارة بعض الأجلّة (٣).

خلافاً للنهاية وجماعة (٤) ، فأثبتوا الإرث له في العدّة البائنة كالرجعية ؛ لعموم الرواية الأخيرة من المستفيضة.

وتخصّ بما تقدّمها من المعتبرة.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٠٤.

(٢) الخلاف ٤ : ٤٨٤.

(٣) الكفاية : ٢٠٢.

(٤) النهاية : ٥٠٩ ، والمهذَّب ٢ : ٢٨٩ ، الوسيلة : ٣٢٤.


ولعموم خصوص الخبرين ، في أحدهما : عن رجل طلّق امرأته آخر طلاقها؟ قال : « نعم ، يتوارثان في العدّة » (١).

وفي الثاني : « المطلّقة ثلاثاً ترث وتورث ، ما دامت في عدّتها » (٢).

وهما مع قصور السند والنهوض لمقاومة ما مرّ ليسا نصّين في المريض ، وإطلاقهما مخالف للإجماع ، وإخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.

ومع ذلك ليسا نصّين في طلاق البينونة ؛ لاحتمال آخر الطلاق في الأوّل : الآخر المتحقق منه في الخارج ، ويجامع أوّل الطلقات والثاني ، ولا ينحصر في الثالث ، فيقبل الحمل على الأوّلين.

والمطلّقة ثلاثاً في الثاني : المطلّقة كذلك مرسلة ، وقد مرّ أنّها تقع واحدة ، فيرجع عدّة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية ، فتلائمان بذلك المعتبرة المتقدّمة ، وبالجملة لا وجه لهذا القول بالمرّة.

( وترثه هي ) أي الزوجة في العدّة وبعدها ( ولو كان الطلاق بائناً ) لكن ( إلى سنة ) خاصة ، فلا ترث بعدها ولو لحظة ، بلا خلاف في ذلك ، بل ادّعى عليه الإجماع جماعة (٣).

والأصل فيه المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل طلّق‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨٠ / ٢٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٧ / ١٠٩١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٤ / ٣٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٠ / ١٠٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ١٣.

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٨٤ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٧٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٤٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٩.


امرأته وهو مريض؟ قال : « ترثه في مرضه ما بينه وبين سنة إن مات في مرضه ذلك » الخبر ، وفي آخره : « وإن مات بعد ما يمضي سنة لم يكن لها ميراث » (١).

والموثق : رجل طلّق امرأته وهو مريض تطليقة ، وقد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين ، قال : « فإنّها ترثه إذا كان في مرضه » قال : قلت : وما حدّ المرض؟ قال : « لا يزال مريضاً حتى يموت ، وإن طال ذلك إلى سنة » (٢).

وهما كغيرهما وإن عمّا صورتي تزويج المرأة بعد العدّة بغيره وعدمه ، إلاّ أنّه ينبغي تقييدهما بـ ( ما ) إذا ( لم تتزوّج ) فلو تزوّجت حرمت الميراث ؛ للإجماع ، والمعتبرة ، منها المرسل كالصحيح : في رجل طلّق امرأته وهو مريض ، قال : « إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته ، وإن كانت تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع ، لا ميراث لها » (٣) ونحوه غيره (٤).

وهذه النصوص متّفقة الدلالة كفتوى الجماعة على تقييد الحكم بقيد آخر ، وهو المشار إليه في العبارة بقوله : ( أو يبرأ من مرضه ذلك ) فلو برئ منه ومات بمرض غيره قبل مضيّ السنة حرمت الميراث ولو لم تتزوّج بغيره.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٥٣ / ١٦٨٨ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٧١ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٦ / ١٠٨٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٤ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ١١.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٢ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧٨ / ٢٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٣ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٢١ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٧٧ / ٢٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٣ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٢١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٥٣ / ١٦٩٠ ، التهذيب ٨ : ٧٧ / ٢٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٤ / ١٠٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٥.


ثم إنّ إطلاق النصوص كالعبارة يقتضي عموم الحكم مع الشرطين لصورتي الطلاق بقصد الإضرار وعدمه ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل ربما أشعر عبارة الخلاف والمبسوط (١) بإجماعهم عليه ، وهو الحجة فيه ؛ مضافاً إلى إطلاق الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

خلافاً للفقيه والاستبصار والمختلف وجماعة (٢) ، فخصّوه بالأُولى ؛ حملاً للإطلاق عليها ؛ نظراً إلى الغلبة ، والتفاتاً إلى خصوص الموثقة : عن رجل طلّق امرأته وهو مريض ، قال : « ترثه ما دامت في عدّتها ، وإن طلّقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة ، فإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه » (٣).

ولا يخلو عن قوّة ، وتعضده الرواية : « لا ترث المختلعة والمبارئة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً ، إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج ، وإن مات في مرضه ؛ لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه » (٤) فتأمّل.

إلاّ أنّ الخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدّمة مشكل ، سيّما مع احتمال العموم في أكثر النصوص ؛ لترك الاستفصال المفيد له عند الفحول ، وليس كالمطلق يقبل الحمل على الغالب ، فالاحتياط لا يترك مع الإمكان ، وإلاّ فالعمل على المشهور.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٤٨٦ ، المبسوط ٥ : ٦٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٠٦ ، المختلف : ٥٨٣ ؛ مفاتيح الشرائع ٣ : ٣٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٥١ ، الحدائق ٢٥ : ١١٩.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٥٤ / ١٦٩٤ ، التهذيب ٨ : ٧٨ / ٢٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٧ / ١٠٩٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٨ : ١٠٠ / ٣٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٨ / ١٠٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٠ أبواب الخلع والمباراة ب ٥ ح ٤.


( المقصد الثاني )

( في المحلِّل ).

( ويعتبر فيه البلوغ ) فلا تحليل بالصغير ، إجماعاً منّا ، كما حكاه جماعة (١) ، وكذا المقارب للبلوغ المعبَّر عنه بالمراهق ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر إلاّ من ندر (٢) للأصل ، وصريح الخبر (٣) ، وضعفه بالشهرة منجبر ، وبظواهر أخبار العُسَيلة (٤) معتضد.

خلافاً للإسكافي وأحد قولي الطوسي (٥) ؛ لإطلاق الزوج في الآية (٦).

ويضعّف بعدم التبادر أوّلاً ، وظهور : « فإن طلّقها » في الذيل في غيره ثانياً ، وبتقييده بما مرّ من الخبر ثالثاً.

( والوطء ) فلا تحليل بمجرّد العقد ، إجماعاً من العلماء إلاّ سعيد ابن المسيّب (٧) للأصل ، والنبوي المشهور من الجانبين : « لا ، حتى تذوقي عُسَيلته ويذوق عُسَيلتك » (٨) وهي : لذّة الجماع ، أو الإنزال ، وليسا بدون‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٤٦ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٤٦ ، انظر كشف اللثام ٢ : ١٣٣.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٢٧ ، ونهاية المرام ٢ : ٦٦.

(٣) الكافي ٦ : ٧٦ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٣٣ / ١٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٤ / ٩٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٠ أبواب أقسام الطلاق ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٢٢ : ١٢٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٧.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٩٣ ، الطوسي في المبسوط ٥ : ١١٠.

(٦) البقرة : ٢٣٠.

(٧) حكاه عنه في الخلاف ٤ : ٥٠٢ ، والمبسوط ٥ : ١٠٩.

(٨) سنن البيهقي ٧ : ٣٧٤ ، عوالي اللئلئ ٢ : ١٤٤ / ٤٠٣ ، المستدرك ١٥ : ٣٢٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٧ ح ٥.


الدخول قطعاً.

ويشترط أن يكون ( في القبل ) لظاهر الخبر ، ولأنّه المعهود.

وأن يكون موجباً للغسل ، وحدّه غيبوبة الحشفة ؛ لأنّ ذلك مناط أحكام الوطء ، وظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء به ، وهو الحجة فيه إن تمّ ، وإلاّ فهو محلّ نظر ؛ للأصل ، وظاهر الخبر المشترط لذوق العُسَيلة ، الغير الحاصلة بمجرّد غيبوبة الحشفة ظاهراً إن فسّرت بلذّة الجماع ، وقطعاً إن فسّرت بالإنزال ؛ لعدم حصوله بذلك غالباً.

وأن يكون ( بالعقد الصحيح ) فلا عبرة بالوطء المجرّد عنه مطلقا ، حراماً كان أو شبهةً ، أو المشتمل على الفاسد منه ؛ لأنّه كالعدم.

والأصل فيه بعد الإجماع الأصل ، وظاهر قوله عزّ وجلّ : (زَوْجاً ) الغير الصادق على مثل ذلك.

ومنه يظهر عدم التحليل بالوطء بالملك ، أو التحليل ، إمّا لعدم العقد ، أو لعدم صدق الزوج على الواطئ بهما.

مضافاً إلى الخبرين في الأوّل ، في أحدهما : عن رجل زوّج عبده أمته ، ثم طلّقها تطليقتين ، أيراجعها إن أراد مولاها؟ قال : « لا » قلت : أفرأيت أن وطأها مولاها ، أيحلّ للعبد أن يراجعها؟ قال : « لا ، حتى تزوّج زوجاً غيره ، ويدخل بها ، فيكون نكاحاً مثل نكاح الأوّل » الخبر (١) ، ونحوه الثاني (٢).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨٧ / ٢٩٨ ، الإستبصار ٣ : ٣١٢ / ١١١٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٦٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٨٤ / ٢٨٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٩ / ١٠٩٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٦٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٧ ح ١.


وحيث إنّ الزوج حقيقة في الدائم دون المتمتّع ، أو يتبادر منه خاصة دونه ، انقدح وجه تقييد العقد بـ ( الدائم ).

مضافاً إلى إشعار ذيل الآية بذلك.

مع أنّه نصّ المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، ثم تمتّع منها رجل آخر ، هل تحلّ للأوّل؟ قال : « لا » (١) ونحوه الموثق (٢) وغيره (٣) ، وفيهما زيادة على ما مرّ : « حتى تدخل فيما خرجت منه ». ومن الزيادة يظهر عدم التحليل بالتحليل وملك اليمين.

ثمّ إنّ إطلاق النص والفتوى يشملان العبد أيضاً ؛ مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار : عن رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فتزوّجها عبد ، ثم طلّقها ، هل يهدم الطلاق؟ قال : « نعم ؛ لقول الله عزّ وجلّ في كتابه ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٤) وهو أحد الأزواج » (٥).

وحينئذٍ يسهّل الخطب في تحصيل المحلّل إن خيف عدم طلاقه ، أو إبطاؤه به ، فيحتال بتزويجها من العبد ، ثم نقله إلى ملكها ، فإنّه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٣٣ / ١٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٤ / ٩٧٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٢ : ١٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ١ ، ٥.

(٤) البقرة : ٢٣٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ٣ ، تفسير العياشي ١ : ١١٩ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٢ ح ١.


كطلاقها.

( وهل يهدم ) المحلِّل بشرائطه ( ما دون الثلاث ) فيكون معه كالعدم ، أم لا ، بل يحتسب من الثلاث ، فإن (١) كان واحداً كانت عنده على ثنتين ، وإن كان اثنين كانت عنده على واحدة ( فيه روايتان ، أشهرهما : أنّه يهدم ) بل ربما أشعر كثير من العبارات بالإجماع عليه.

ففي الموثق : عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه ، وانقضت عدّتها ، ثم تزوّجت زوجاً آخر ، فطلّقها أيضاً ، ثم تزوّجت زوجها الأوّل ، أيهدم ذلك الطلاق الأوّل؟ قال : « نعم » (٢) ونحوه خبران آخران (٣).

وفي رابع : رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه ، ثم تزوّجها آخر ، فطلّقها على السنّة ، ثم تزوّجها الأوّل ، على كم هي عنده؟ قال : « على غير شي‌ء » ثم قال : « يا رفاعة : كيف إذا طلّقها ثلاثاً ثم تزوّجها ثانية استقبل الطلاق ، وإن طلّقها واحدة كانت على ثنتين؟! » (٤).

وقصور هذه النصوص بالشهرة مجبور.

ومع ذلك مطابق لمقتضى الأصل ، ولزوم الاقتصار في الثلاث المحرِّم‌

__________________

(١) بدله في الأصل : بأن ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٦ : ٧٧ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠ / ٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧١ / ٩٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ١.

(٣) الأول في : نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١١٣ / ٢٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ١٣.

الثاني في : التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٣١ / ٩٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٢ / ٩٦٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٤.


على المتيقّن المتبادر من النص الدالّ عليه ، وهو : الثلاث التي لم يتخلّلها المحلِّل.

ومع ذلك مخالف لما عليه أكثر العامة ، كما حكاه بعض الأجلّة (١) ، وإن حكي الهدم عن أبي حنيفة وجماعة (٢) ؛ لرجحان الكثرة على القلّة ، مع التأيّد بصريح بعض المعتبرة (٣) بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده من حيث الدلالة على كون الهدم مذهب علي 7 ، وعدمه مذهب عمر.

وأمّا ما دلّ على كون الثاني مذهب علي 7 (٤) ، فغير ظاهر المنافاة ؛ لضعف السند أوّلاً ، واحتمال التقية في النسبة ثانياً ، وليس فيه أنّ مذهب عمر : الهدم.

وأمّا الرواية الثانية فهي الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

منها الصحيح : عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة ، ثم تركها حتى مضت عدّتها ، فتزوّجت زوجاً غيره ، ثم مات الرجل ، أو طلّقها ، فراجعها زوجها الأوّل؟ قال : « هي عنده على تطليقتين » (٥).

__________________

(١) انظر الخلاف ٤ : ٤٨٨.

(٢) حكاه عنهم في الخلاف ٤ : ٤٨٩.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٢ / ٩٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٣ / ٩٧١ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٧ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ١٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٦ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٣١ / ٩٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٣ / ٩٦٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٦.


إلاّ أنّها متروكة ، كما هو الظاهر من جماعة (١) ، وصرّح به بعض الأجلّة (٢) ، ومع ذلك فلا يعرف بها قائل من الطائفة ، وإن نسب إلى قيل ، وكلّ ذلك أمارة الشذوذ ، ورجحان الأخبار الأوّلة.

( ولو ادّعت أنّها تزوّجت ) المحلِّل ( و ) أنّه ( دخل ) بها ( وطلّق ، فالمروي ) (٣) صحيحاً : ( القبول إذا كانت ثقة ).

إلاّ أنّ المشهور القبول مع الإمكان مطلقاً ، وحمل الرواية على الاستحباب ؛ تمسّكاً بعموم المعتبرة المجوِّزة للتزويج بمن لا يعلم حالها ، معللة بأنّها : « هي المصدَّقة على نفسها » كما في بعضٍ (٤) ، و: « إنّما عليك أن تصدِّقها في نفسها » كما في آخر (٥).

المؤيّد بأنّها أخبرت عن أمرٍ ممكنٍ متعلّقٍ بها من غير منازع ، والمستفاد من كلمة الأصحاب وكذا الأخبار القبول مطلقاً في نحو ذلك ، ففي الخبر : عشرة كانوا جلوساً ، وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً : ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، وقال واحد منهم : هو‌

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٨ ، والمجلسي في مرآة العقول ٢١ : ١٣٠.

(٢) المفاتيح ٢ : ٢٤٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٦٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ / ١٥٢٦ ، الوسائل ٢٠ : أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٥.

(٥) رسالة المتعة ( مصنفات الشيخ المفيد ٦ ) : ١٤ / ٣٧ ، المستدرك ١٤ : ٤٥٨ أبواب المتعة ب ٩ ح ١.


لي ، فلمن هو؟ قال : « هو للذي ادّعاه » (١).

مع أنّ عدم القبول ربما أوجب العسر والحرج المنفيين آيةً وروايةً.

وإلى هذا التعليل يشير بعض الأخبار : « أرأيت لو سألها البيّنة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج » (٢).

وربما يؤيّده النهي عن السؤال بعد التزويج بلا سؤال مع التهمة في كثير من النصوص (٣).

ومن هنا ينقدح عموم الحكم وانسحابه في كلّ امرأة كانت مزوّجة ، وأُخبرت بموته وفراقه وانقضاء العدّة في وقت محتمل.

ولا فرق بين أن تعيّن الزوج وعدمه ، ولا بين استعلامه وعدمه ، وإن كان طريق الورع غير خفي بسؤال المعلوم ، والتوقف مع ظنّ كذبها.

قيل : والمراد بالثقة من تسكن النفس إلى خبرها ، وإن لم تكن متّصفة بالعدالة المعتبرة في الشهادة (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢٢ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٩٢ / ٨١٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٧٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٥٣ / ١٠٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٢ أبواب المتعة ب ١٠ ح ٥.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٣٠١ أبواب عقد النكاح ب ٢٥ ، وج ٢١ : ٣٠ أبواب المتعة ب ١٠.

(٤) نهاية المرام ٢ : ٧٠.


( المقصد الثالث )

( في الرجعة ) بالكسر والفتح ، والثاني أفصح ، وهي لغةً : المرّة من الرجوع ، وشرعاً : ردّ المرأة إلى النكاح السابق من غير طلاق بائن في العدّة ، وفسّرت به أيضاً في القاموس والصحاح (١).

والأصل في شرعيتها الكتاب (٢) ، والسنّة (٣) ، وإجماع العلماء ، حكاه جماعة من أصحابنا (٤).

و ( تصح ) بكل ما دل على قصد الرجوع في النكاح ، بلا خلاف بين العلماء إذا كان ( نطقاً ، كقوله : راجعت ) ورجعت ، وارتجعت ، متّصلاً بضميرها ، فيقول : راجعتكِ ، وارتَجعتكِ ، ورجعتكِ.

وهذه الثلاثة صريحة غير محتاجة في بيان نية الرجعة إلى ضميمة ، ولو مثل إليّ ، أو إلى نكاحي ، بلا خلافٍ ، إلاّ أنّه ينبغي إضافتهما واستحب ، كما قيل (٥) ، وبها تصير أصرح.

وفي معناها رددتكِ ، وأمسكتكِ ؛ لورودهما في القرآن في قوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (٦) ، ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) (٧) ، ‌

__________________

(١) القاموس ٣ : ٢٩ ، الصحاح ٣ : ١٢١٦ ، ١٢١٧.

(٢) البقرة : ٢٢٨ ٢٣٠.

(٣) الوسائل ٢٢ : ١٠٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢١.

(٥) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٤٩.

(٦) البقرة : ٢٢٨.

(٧) البقرة : ٢٢٩.


فلا يحتاج إلى نية الرجعة ، أي قرينة معربة عنها ، كما هو الشأن في الألفاظ الغير الصريحة.

وقيل : يفتقر إليها فيهما ؛ لاحتمالهما غيرها ، كالإمساك باليد ، أو في البيت ، ونحوه (١). وهو حسن.

( و ) بينا إذا كان ( فعلاً ، كالوطء والقُبلة واللمس بشهوة ) مع قصد الرجعة ، فلا عبرة بها سهواً وغفلةً ، أو مع قصد عدم الرجعة ، أو لا معه مع عدم قصد الرجعة ، فإنّ ذلك لا يفيد الرجوع ، وإن فعل حراماً في غير الأوّل ؛ لانفساح النكاح بالطلاق ، وإن كان رجعيّاً ، ولو لا ذلك لم تبن بانقضاء العدّة ، إلاّ أنّه لا حدّ عليه ، وإن استحق التعزير ، إلاّ مع الجهل بالتحريم.

والأصل في حصول الرجعة بها بعد الإجماع ، والاندراج في العمومات ، فإنّ المعتبر معنى الرجعة لا لفظها ما ورد في معتبر الأخبار ، الصحيح إلى المجمع على تصحيح رواياته ، الغير الضائر قصور السند بعده ، مع انجباره بعمل الكلّ ، وفيه : « من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ ، وإن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة » (٢).

وإطلاقه وإن شمل الخالي عن قصد الرجعة ، إلاّ أنّ اللازم التقييد به ؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على اعتباره من العقل والنقل.

نعم لا يبعد أخذه دليلاً على كون الأصل في الفعل الرجعة ، كالألفاظ الصريحة ، فلا يسمع دعوى عدمها إلاّ مع البيّنة ، فيرجع التقييد على هذا‌

__________________

(١) انظر نهاية المرام ٢ : ٧١.

(٢) الفقيه ٤ : ١٨ / ٣٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٥ / ٧٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٣١ أبواب حد الزنا ب ٢٩ ح ١.


إلى التقييد بعدم ظهور عدم قصد الرجعة ، لا ظهور قصدها.

خلافاً للروضة ، فقيّده بقصد الرجوع ، لا بعدم قصد غيره (١). وهو حسن لولا إطلاق النص المعتبر.

( ولو أنكر الطلاق كان رجعة ) بلا خلاف ، بل عليه الوفاق في المسالك (٢) ؛ للصحيح : « إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكار الطلاق رجعة لها ، وإن كان إنكار الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرِّق بينهما بعد شهادة الشهود » (٣) ونحوه الرضوي (٤).

ولدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة ، ودلالة الرجعة على رفعه في غير الماضي ، فيكون أقوى.

ولا يقدح فيه كون الرجعة من توابع الطلاق ، فينتفي حيث ينتفي المتبوع ؛ لأنّ غايتها التزام ثبوت النكاح ، والإنكار يدل عليه ، فيحصل المطلوب منها ، وإن أنكر سبب شرعيتها.

ثم إنّ إطلاق النص والفتوى يقتضي حصول الرجعة به مطلقاً ، ولو مع ظهور أنّ الباعث عليه عدم التفطّن إلى وقوع المنكَر ، ولو ذكره لم يرجع.

وهو مشكل ؛ للقطع بعدم قصد الرجعة حينئذٍ ، وهو معتبر إجماعاً ، وتنزيلهما على ذلك بعيد ؛ لبعد شمولهما لمثل ذلك ، وغايتهما حينئذٍ إثبات أصالة الرجعة في الإنكار ، كما في الألفاظ الصريحة ، إلاّ مع وجود الصارف عنها ، كما فيها أيضاً ، ولا كذلك الإنكار في غير الطلاق ممّا يجوز الرجوع ،

__________________

(١) الروضة ٦ : ٥٠.

(٢) المسالك ٢ : ٣٠.

(٣) الكافي ٦ : ٧٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤٢ / ١٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٦ أبواب أقسام الطلاق ب ١٤ ح ١.

(٤) فقه الرضا 7 : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٣٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ١٢ ح ١.


فلا يحكم به فيه بمجرّده ؛ لأعمّيته عنه ، واحتماله ما ذكرنا من عدم التفطّن ، إلى آخره.

( ولا يجب في ) صحة ( الرجعة الإشهاد ) بلا خلاف ، بل عليه إجماعنا في عبائر جماعة (١) ، وهو الحجة فيه ، كفحوى المعتبرة (٢) بعدمه في النكاح ، فهنا أولى ؛ مضافاً إلى خصوص الآتية ( بل يستحب ) للمستفيضة ، ففي الصحيح : « إنّ الطلاق لا يكون بغير شُهود ، وإنّ الرجعة بغير شهود رجعة ، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل » (٣).

وفيه : في الذي يراجع ولم يشهد ، قال : « يشهد أحبّ إليَّ ، ولا أرى بالذي صنع بأساً » (٤).

وفيه : « إنّما جعل الشهود لمكان الميراث » (٥).

وفي الرضوي : « وإنّما تكره الرجعة بغير شهود من جهة الحدود والمواريث والسلطان » (٦).

( ورجعة الأخرس بالإشارة ) المفهمة ، كسائر تصرّفاته ، على المشهور بين الطائفة.

خلافاً للصدوقين (٧) ، فبإلقاء القناع عنها ، عملاً بضدّ ما هو أمارة‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٣١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢١.

(٢) انظر الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣.

(٣) الكافي ٦ : ٧٣ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٤٢ / ١٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٧٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤٢ / ١٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣ ح ٢ ؛ باختلاف يسير.

(٥) الكافي ٦ : ٧٣ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣ ح ١.

(٦) فقه الرضا 7 : ٢٤٣ ، المستدرك ١٥ : ٣٣٠ أبواب أقسام الطلاق ب ١١ ح ١.

(٧) الصدوق في المقنع : ١١٩ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٩١.


طلاقها ، وهو وضعه عليها ، كما في الخبر (١).

وهو شاذّ ، ومستنده مزيّف.

وفي قول الماتن : ( وفي رواية : يأخذ القناع ) عنها ، إشارة إلى وجود الرواية بصريحها فيه ، ولم نقف عليها.

( ولو ادّعت ) المطلّقة ( انقضاء العدّة في الزمان الممكن ) ويختلف أقلّه باختلاف أنواع العدّة.

فهو من المعتدّة بالأقراء ستّة وعشرون يوماً ولحظتان في الحرّة ، وثلاثة عشر يوماً ولحظتان في الأمة ، وقد يتفق نادراً انقضاؤها في الحرّة بثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات ، وفي الأمة بعشرة وثلاث (٢) ، بأن يطلّقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثم تراه لحظة ، ثم تطهر عشرة ، ثم تحيض ثلاثة ، ثم تطهر عشرة ، ثم ترى الحيض لحظة ، والنفاس معدود بحيضة ، ومنه يعلم حكم الأمة.

ومن المعتدّة بالوضع تامّاً ستة أشهر ولحظتين من وقت النكاح ، لحظة للوطء ، ولحظة للولادة.

وسقطاً مصوّراً مائة وعشرون يوماً ولحظتان.

ومضغةً ثمانون يوماً ولحظتان.

وعلقةً أربعون كذلك ، كما في المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « تصل النطفة إلى الرحم فتردّد فيه أربعين يوماً ، ثم تصير علقةً أربعين يوماً ، ثم تصير مضغةً أربعين يوماً » الحديث (٣).

__________________

(١) فقه الرضا 7 : ٢٤٨ ، المستدرك ١٥ : ٢٩٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٧ ح ١.

(٢) في « ح » زيادة : لحظات.

(٣) الكافي ٦ : ١٣ / ٤.


ونحوه الموثق (١) وغيره (٢) ، بزيادة : « فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله تعالى ملكين خلاّقين » الخبر ، وفي معناها النبوي (٣).

وقيل في الثلاثة بالرجوع إلى الإمكان عادةً (٤).

ولا ثمرة إلاّ مع ظهور المخالفة ، وهي غير معلومة ، وعلى تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة.

وكيف كان لو ادّعت الانقضاء كذلك ولا منازع لها ( قبل ) دعواها من دون يمين ، بلا خلاف يظهر فيه ، وفي دعوى الانقضاء بالأشهر ؛ للصحيحين (٥) : « الحيض والعدّة إلى النساء » وزيد في أحدهما : « إذا ادّعت صدّقت ».

وإطلاقهما ككلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين دعوى المعتاد وغيره.

خلافاً للّمعة في الثاني ، فلا يقبل إلاّ بشهادة أربع من النساء المطّلعات على أمرها ؛ مسنداً ذلك إلى ظاهر الروايات (٦).

ولم نقف عليها إلاّ على رواية (٧) هي مع قصور سندها غير‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣ / ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٦ / ٦.

(٣) سنن البيهقي ١٠ : ٢٦٦.

(٤) قاله في المسالك ٢ : ٣١.

(٥) الأول في : التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٣ ، الإستبصار ١ : ١٤٨ / ٥١٠ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٢.

الثاني في : الكافي ٦ : ١٠١ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٦٥ / ٥٧٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٦ / ١٢٧٦ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ١.

(٦) اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٥٦.

(٧) الفقيه ١ : ٥٥ / ٢٠٧ ، التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٢ ، الإستبصار ١ : ١٤٨ / ٥١١ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٣.


صريحة في المدّعى ، ولا ريب أنّ العمل بها أحوط ، سيّما مع التهمة.

وكذا الحكم لو كان لها منازع فيقبل قولها في انقضاء العدة بالحيض والوضع ، لكن مع اليمين ، بلا خلاف.

وأمّا بالأشهر فقد قطع جماعة من الأصحاب منهم الماتن في الشرائع (١) بعدم قبول قولها ، وتقديم قول الزوج المنكر ؛ لرجوع النزاع إلى الاختلاف في وقت الطلاق ، والأصل عدم تقدّمه.

ومنه يظهر الوجه في تقديم قولها مع اليمين هنا ، لو انعكس الفرض فادّعت البقاء لطلب النفقة مثلاً ، ولا ريب فيه ، ويساعده إطلاق النص.

ويشكل في أصل الفرض ؛ لما ذكر من الإطلاق الذي هو بالنظر إلى الأصل المتقدم كالخاص بالإضافة إلى العام ، فالوجه تقديمه عليه ، لا العكس.

مع أنّه لو تعيّن لا نسحب الحكم هنا وهو تقديم قول الزوج في الصورتين الأُوليين ، وهما دعوى الانقضاء بالحيض أو بالوضع أيضاً ، فإنّ الأصل عدم الانقضاء ، والعمل بالإطلاق فيهما وتركه هنا لا أعرف وجهه أصلاً.

وبالجملة فإن عمل بالأصل عمل به في المقامين ، وإن عمل بإطلاق الصحيحين فليكن كذلك ، فالتفكيك لا وجه له في البين.

اللهم إلاّ أن يقال بأنّ النزاع هنا حقيقة ليس في العدّة ليقبل قولها ، وإن توجّه إليها في الظاهر ، بل هو في زمان وقوع الطلاق ، وليس مثله داخلاً في الإطلاق ، فتدبّر.

فظهر أنّ المراد بالأصل هنا ليس أصالة عدم الانقضاء ، بل المراد به أصالة عدم تقدّم الطلاق ، فلا وجه للنقض أصلاً.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٣١ ، المسالك ٢ : ٣١ ، نهاية المرام ٢ : ٧٤.


( المقصد الرابع )

( في العِدد ) جمع عدّة ، وعرفت بأنّها اسم لمدّة معلومة يتربّص فيه المرأة لمعرفة براءة رحمها ، أو للتعبّد ، أو للتفجّع على الزوج ، وشرّعت صيانةً للأنساب ، وتحصيناً لها عن الاختلاف.

( والنظر ) هنا ( في فصول )

( الأوّل : لا عدّة على من لم يدخل بها ) إجماعاً من العلماء ، كما حكاه أصحابنا (١) ، وهو نص الآية ( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) (٢).

والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة ، تزوّج من ساعتها ، وتبينها تطليقة واحدة » (٣).

( عدا المتوفّى عنها زوجها ) فعليها العدّة مطلقاً ؛ لما يأتي (٤).

( ونعني بالدخول الوطء قُبُلاً أو دُبُراً ) وطءاً موجباً للغسل ، بلا خلافٍ يعرف ، بل ظاهرهم الإجماع عليه ؛ لإطلاق النصوص بإيجاب الدخول المهر والعدّة ، منها الصحيح : « إذا أدخله وجب المهر والغسل والعدّة » (٥).

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٧٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٣٩١.

(٢) الأحزاب : ٤٩.

(٣) الكافي ٦ : ٨٣ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٦٤ / ٢١١ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٦ / ١٠٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٧٦ أبواب العدد ب ١ ح ٤.

(٤) راجع في ص ٣٠٧.

(٥) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٦ ، الوسائل ٢١ : ٣١٩ أبواب المهور ب ٥٤ ح ١.


ولو لا الوفاق لأمكن المناقشة بعدم تبادر مثل الدخول في الدُّبُر من الإطلاق.

ونحوه المناقشة في تعميم الداخل للكبير والصغير الذي لم يبلغ سنّاً يمكن التولّد منه.

لكن المحكي عن جماعة (١) ذلك ، وهو أحوط ، كإلحاق دخول المني المحترم مع ظهور الحمل بالوطء ، فتعتدّ بالوضع ، ولكن لا عدّة قبل الظهور ؛ لعدم الموجب له من دخول أو حبل.

( ولا تجب بالخلوة ) من دون مواقعة ، على الأشهر الأظهر بين الطائفة ؛ للنصوص الماضية ، المعتضدة بالأصل والشهرة.

خلافاً للإسكافي (٢) ، فأوجب ، وله بعض المعتبرة (٣) المحتمل للتقية ، وقد مضى الكلام في باب المهر (٤) مستقصى ، فلا وجه للإعادة.

ولا بوطء الخصيّ على رواية صحيحة : عن خصيٍّ تزوّج امرأة على ألف درهم ، ثم طلّقها بعد ما دخل بها؟ قال : « لها الألف الذي أخذت منه ، ولا عدّة عليها » (٥) لكنّها مع مخالفتها إطلاق النصوص المتقدّمة ، القائلة : إنّ بالدخول يجب المهر والغسل والعدّة مطرحة عند الأصحاب ، معارضة بصحيحة أُخرى أقوى منها بالاحتياط والفتوى : عن خصيّ تزوّج امرأة وهي تعلم أنّه خصيّ؟ فقال : « جائز » فقيل : فإنّه مكث معها ما شاء الله تعالى ، ثم‌

__________________

(١) منهم السيد المرتضى في الانتصار : ١٤٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٥.

(٢) على ما نقله عنه في المختلف : ٦١٩.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٢١ أبواب المهور ب ٥٥ ح ٢.

(٤) راجع ص ٤٧ ، ٤٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧٥ / ١٥١٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٣ أبواب المهور ب ٤٤ ح ١.


طلّقها ، هل عليها عدّة؟ قال : « نعم ، أليس قد لذّ بها ولذّت منه » الحديث (١).

والجمع بينهما بحمل هذه على الاستحباب كما فعله شاذّ من متأخري المتأخرين (٢) شاذّ لا يلتفت إليه.

ولا بمباشرة المجبوب ، وهو المقطوع الذكر ، على الأشهر الأظهر ؛ للأصل ، مع عدم اندراجه تحت الإطلاق الذي مرّ.

خلافاً للمبسوط ، فأوجب ؛ لإمكان المساحقة (٣).

وفيه : أنّه غير كافٍ ؛ فإنّ المناط هو الدخول ، لا ما ذكر ؛ لعدم الدليل عليه.

نعم لو ظهر بها حمل لحقه الولد ، واعتدّت منه بوضعه ، كما مرّ.

ونحوه الكلام في الممسوح الذي لم يبق له شي‌ء ، ولا يتصور منه دخول ، إلاّ أنّه يزيد عليه بعدم إلحاق الولد به والعدّة مع ظهور الحبل ، كما عن أكثر الأصحاب (٤).

خلافاً للمحكي عن بعضهم (٥) ، فحكمه حكم المجبوب ، وهو بعيد ، فتأمّل.

( الثاني : في المستقيمة الحيض ) التي يأتيها حيضها في كل شهر مرّة على عادة النساء ، وفي معناها من كانت تعتاد الحيض فيما دون الثلاثة أشهر.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥١ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٥ أبواب العدد ب ٣٩ ح ١.

(٢) المفاتيح ٢ : ٣٤٣.

(٣) المبسوط ٥ : ٢٣٨.

(٤) انظر المسالك ٢ : ٣٥.

(٥) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٣٥ ، وهو في المبسوط ٥ : ٢٣٨.


وقيل : إنّها التي تكون لها فيه عادة مضبوطة وقتاً ، سواء انضبط عدداً أم لا (١).

وردّ بأنّ معتادة الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتدّ بالأقراء ، وإن كانت لها عادة وقتاً وعدداً (٢).

( و ) كيف كان ( هي تعتدّ ) من الطلاق ، والفسخ ، ووطء الشبهة ، بل الزناء وفاقاً لجماعة من أصحابنا (٣) ؛ لاشتراك المناط ، وهو خوف اختلاط الأنساب.

وللنصوص ، منها : قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ، ثم يبدو في تزويجها ، هل تحلّ له ذلك؟ قال : « نعم ، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور ، فله أن يتزوّجها » الخبر (٤).

ونحوه المروي في تحف العقول عن مولانا الجواد 7 ، أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زناء ، أيحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال : « يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ؛ إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ، ثم يتزوّج بها إذا أراد » (٥) فتأمّل.

خلافاً للمحكي عن الأكثر (٦) ، فلا يجب فيه ؛ للأصل ، وعدم حرمة للزناء.

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٥٨.

(٢) كما في الكفاية : ٢٠٤.

(٣) منهم المحقق الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٤٤ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٣٩٧ ، والعلاّمة في التحرير على ما حكاه عنه في المفاتيح.

(٤) الكافي ٦ : ٣٥٦ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ١٣٤٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٥ أبواب العدد ب ٤٤ ح ١.

(٥) تحف العقول : ٣٣٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٥ أبواب العدد ب ٤٤ ح ٢.

(٦) حكاه عنهم في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٤٤.


( بثلاثة أطهار على ) الأظهر ( الأشهر ) بل لم نقف فيه على مخالف صريحاً ، بل ظاهر الاستبصار والحلّي والطبرسي وجماعة وصريح الانتصار (١) الإجماع عليه ، وهو الحجة فيه ، كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، وأكثرها صحاح ومعتبرة ، ففي الصحيحين : « القرء ما بين الحيضتين » (٢).

وفي الحسن : « الأقراء هي الأطهار » (٣).

وفي عدّة من المعتبرة ، كالصحاح والموثقة : « أنّه أملك برجعتها ما لم تقع في الدم من الحيضة الثالثة » (٤).

وبإزاء هذه الأخبار نصوص كثيرة (٥) ، وحملها الأصحاب على التقية ، والمفيد (٦) على ما إذا طلّقها في آخر طهرها ، وحمل الأوّلة على ما إذا طلّقها في أوّله.

والأوّل أولى ؛ للصحيح : رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع‌

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٣٢٨ ، الحلي في السرائر ٢ : ٦٩١ ، الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٣٦٤ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٣٦ ، والكفاية : ٢٠٤ ، والمفاتيح ٢ : ٣٤٤ ، والانتصار : ١٤٩.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ٨٩ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٢ / ٤٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٠ / ١١٧٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠١ أبواب العدد ب ١٤ ح ١.

الثاني في : الكافي ٦ : ٨٩ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٢٣ / ٤٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٠ / ١١٧٤ ، تفسير العياشي ١ : ١١٤ / ٣٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠١ أبواب العدد ب ١٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٨٩ / ٤ ، تفسير العياشي ١ : ١١٥ / ٥٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠١ أبواب العدد ب ١٤ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢٢ : ٢٠٤ أبواب العدد ب ١٥.

(٥) الوسائل ٢٢ : ٢٠٧ أبواب العدد ب ١٥ الأحاديث ١٢ ، ١٣ ، ١٤.

(٦) حكاه عنه في التهذيب ٨ : ١٢٧.


بشهادة عدلين ، فقال : « إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها ، وحلّت للأزواج » قلت له : أصلحك الله تعالى ، إنّ أهل العراق يروون عن علي 7 يقول : هو أملك برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، فقال : « كذبوا » (١).

ثم إنّ اعتداد المطلّقة بالأقراء الثلاثة إنّما هو ( إذا كانت حرّة ) مطلقاً ( وإن كانت تحت عبد ) وأمّا إذا كانت أمة فعدّتها قرءان ، ولو كانت تحت حرّ ، بالنص والإجماع ، كما يأتي (٢).

( وتحتسب بالطهر الذي طلّقها فيه ) قرءاً واحداً ( ولو حاضت بعد الطلاق بلحظة ) لصدق الطهر على تلك اللحظة ، ولا خلاف فيه.

ولو لم تطهر لحظة بعد الطلاق ، بل اتصل خروج الدم بانتهاء الصيغة لم تحسب الطهر الذي طلّقت فيه قرء ؛ لأنّ العبرة به بعد الطلاق لا حينه.

( وتبين برؤية الدم الثالث ) قطعاً في ذات العادة الوقتية ، ومطلقاً ظاهراً بناءً على الأشهر الأظهر من تحيّض النسوة مطلقاً ، ذوات عادات كنّ أو مبتدءات أو مضطربات بمجرّد الرؤية.

خلافاً للماتن في الشرائع (٣) ، فخصّ الحكم بذات العادة المزبورة ، بناءً على أصله.

ويدلّ على أصل الحكم في الجملة مع عدم الخلاف فيه بين الطائفة ـ

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٦ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٢٣ / ٤٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٧ / ١١٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠٣ أبواب العدد ب ١٥ ح ١.

(٢) يأتي في ص ٣١٨.

(٣) الشرائع ٣ : ٣٤.


ما مضى من المعتبرة من أنّ : « الأقراء هي الأطهار » وبالدخول في الحيضة الثالثة مع تقدّم الطهر الحيضة الأُولى ولو لحظة يتحقق الأطهار الثلاثة.

مضافاً إلى صريح النصوص الأخيرة ، القائلة : « إنّه أملك برجعتها ما لم تقع في الحيضة الثالثة ».

( و ) بما ذكرنا يظهر أنّ ( أقلّ ما تنقضي عدّتها ستّة وعشرون يوماً ولحظتان ) كما قدّمناه (١) ؛ لاحتمال أن تطلّق وقد بقي من الطهر لحظة ، ثم تنقضي أقلّ الحيض ثلاثة ، ثم أقلّ الطهر عشرة ، ثم تحيض وتطهر كذلك ، ثم تطعن في الحيض لحظة ( وليست ) هذه اللحظة ( الأخيرة ) جزءاً ( من العدّة ، بل ) هي ( دالّة ) على ( الخروج ) عنها ؛ لتصريح الآية والمعتبرة بأنّ العدّة هي بالإظهار خاصّة ، من دون ضميمة حيضة ، ولا تنافيهما المعتبرة المشترطة في البينونة الدخول في الحيضة الثالثة ؛ لظهور أنّ الاشتراط من باب المقدّمة ، وهذا هو الأشهر.

خلافاً للشيخ (٢) ، فجعله جزءاً ؛ لأنّ الحكم بانقضاء العدّة إنّما يتحقق برؤية الدم من الحيضة الثالثة.

وهو أعم من المدّعى ، فقد يكون توقف الحكم بالانقضاء على ذلك من باب المقدّمة ، لا أنّه جزء من العدّة.

ويتفرع على القولين عدم جواز الرجعة أو التزويج بالغير في تلك اللحظة على الأوّل ، دون الثاني.

( الثالث : في المسترابة ) بالحمل ( وهي التي لا تحيض وفي سنّها من تحيض ، وعدّتها ) إن كانت حرّة ( ثلاثة أشهر ) هلالية ، إن طلّقت‌

__________________

(١) راجع ص ٢٧٩.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٣٦ ، الخلاف ٥ : ٥٦.


عند الهلال ، وإلاّ أكملت المنكسر خاصّة بثلاثين بعد الهلالين ، على الأشهر الأظهر.

والأصل في المسألة بعد الآية (١) والإجماع المحكي في كلام جماعة (٢) المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها ، حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر إن لم تحض » (٣) مضافاً إلى النصوص الآتية.

وإطلاقها كالعبارة وصريح جماعة (٤) يقتضي عدم الفرق في عدم الحيض بين أن يكون خلقيّاً ، أو لعارض من حمل أو رضاع أو مرض.

خلافاً للقاضي والمفلح الصيمري (٥) ، فخصّا الحكم بما عدا الأخيرين ، وقالا : إنّ عدّتها فيهما بالأقراء ، ويظهر من الثاني تخصيص محلّ البحث بالأوّل.

وإطلاق النصوص ، كأكثر الفتاوي ، وصريح بعضها حجّة عليه ، ولا حجّة له سوى إطلاق الأدلّة باعتداد المطلّقات بالأقراء ، وهو مع الشك في شموله لمثل ما نحن فيه مقيّد بما هنا من الإطلاقات.

مضافاً إلى صريح الموثق ، بل الصحيح : عن رجل طلّق امرأته بعد ما ولدت ، وطهرت ، وهي امرأة لا ترى دماً ما دامت ترضع ، ما عدّتها؟ قال‌ :

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ٥٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٤٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٣٧.

(٣) الكافي ٦ : ٨٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ١١٦ / ٤٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٣ / ١١٨٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٨ أبواب العدد ب ١٢ ح ١.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٤٥.

(٥) القاضي في المهذب ٢ : ٣٢٠ ، الصيمري في تلخيص الخلاف ٣ : ٩٠.


« ثلاثة أشهر » (١).

( وهذه تراعي الشهور والحيض ، فتعتدّ بأسبقهما ) إلى الطلاق ، فتعتدّ بالأشهر إن مرّت بها بعد الطلاق بلا فاصلة خالية من الحيض ، كما أنّها تعتدّ بالأقراء إن مرّت بها كذلك ، أمّا لو مرّت بها الأشهر البيض بعد أن رأت الحيض ولو مرّة بعد الطلاق اعتدّت بالأقراء.

والأصل في ذلك بعد الاتفاق المستفاد من كلام جماعة (٢) المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « أمران أيّهما سبق بانت به المطلّقة المسترابة تستريب الحيض ، إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه ، وإن مرّت ثلاث حَيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض » (٣) ونحوه الموثّق (٤) وغيره (٥).

وإطلاقها وإن أوهم الاكتفاء بالثّلاثة الأشهر البيض مطلقا ، ولو كانت بعد حيضة أو حيضتين ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق إلاّ من شذّ ممّن تأخّر (٦) على التقييد بالأشهر المتّصلة بالطلاق ؛ للنصوص الآتية ، المصرِّحة بأنّها لو رأت في الثلاثة المتّصلة بحين الطلاق تعتدّ بالثلاثة الأشهر بعد الصبر تسعة أشهر ، أو ستّة ، لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء ، فاكتفاء‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٩ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٥ أبواب العدد ب ٤ ح ٦.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٨٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٤ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٤٢٢.

(٣) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، وفيهما : بانت به ، ولعلّه هو الأنسب ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٥ أبواب العدد ب ٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ١٠٠ / ٩ ، التهذيب ٨ : ١١٨ / ٤٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٤ أبواب العدد ب ٤ ح ٣.

(٥) الخصال : ٤٧ / ٥١ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٨ أبواب العدد ب ٤ ح ١٣.

(٦) المسالك ٢ : ٣٨ ، انظر الحدائق ٢٥ : ٤٢٢.


الشاذّ المتقدّم إليه الإشارة بالثلاثة الأشهر البيض المطلقة ، ولو بعد حيضتين أو حيضة ، ضعيف البتّة.

نعم على ما ذكرناه ربما يستشكل الحكم بلزوم اختلاف العدّة باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرّد الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرّة في الحيض ، فلو كان عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مثلاً مرّة فإنّه على تقدير طلاقها في أوّل الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى له منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق تنقضي عدّتها بالأشهر ، كما تقرّر.

لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامّة كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء ، فربما صارت عدّتها سنة وأكثر ، على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيضاء ، والاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها.

ويمكن الذبّ عنه بأنّ غايته الاختلاف في العدّة على ذلك التقدير ، ولا ضير فيه بعد تحقّق النظير ، ألا ترى إلى المطلّقة في آخر طُهرها بحيث يبقى بعده منه لحظة عدّتها أقلّ من المطلّقة في ابتدائه ، وبالجملة هذا الاستبعاد مع اندفاعه بما مرّ من النظير غير ملتفت إليه بعد قيام الدليل عليه.

وبالجملة : إذا مضت بها بعد الطلاق بلا فاصلة الأشهر الثلاثة خالية عن الحيضة فقد انقضت العدّة.

( أمّا لو رأت في ) الشهر ( الثالث حيضة ) أو حيضتين ( وتأخّر الثانية أو الثالثة ) إلى أن انقضت الأشهر انتظرت تمام الأقراء ؛ لأنّها قد استرابت بالحيض غالباً ، فإن تمّت الأقراء قبل أقصى الحمل انقضت عدّتها ، وإلاّ ( صبرت تسعة أشهر ) على أشهر القولين وأظهرهما ( لاحتمال الحمل ) غالباً ، فإن وضعت ولداً ، أو اجتمعت الأقراء الثلاثة‌


فذاك هو المطلوب في انقضاء العدّة.

( ثمّ ) إن لم يتفق أحد الأمرين ( اعتدّت ) حينئذٍ ( بالأشهُر ) وليست الأشهر التسعة المتقدّمة من العدّة ، بل إنّما اعتبرت لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء.

والأصل في المسألة بعد التأيّد بالشهرة العظيمة بعض المعتبرة المنجبرة بها ، وبوجود المجمع على تصحيح رواياته في سندها ، فلا تضرّ جهالة راويها : « إن كانت شابّة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلاّ حيضة ، ثم ارتفع طمثها ، فلم تدر ما رفعها ، فإنّها تتربّص تسعة أشهر من يوم طلّقها ، ثم تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر ، ثم تتزوّج إن شاءت » (١).

( وفي رواية عمّار ) الموثقة (٢) ( تصبر سنة ثم تعتدّ بثلاثة أشهر ) أفتى بها الشيخ في النهاية (٣) ، لكن مقيّداً لها بصورة تأخّر الحيضة الثالثة.

ولا دليل عليه ، مع عدم مقاومة الرواية للرواية المتقدّمة من اعتضادها بالشهرة العظيمة ، وغيرها من المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته ، فادّعت حبلاً انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت ، وإلاّ اعتدّت بثلاثة ، ثم قد بانت منه » (٤).

والموثق : المرأة الشابّة تحيض مثلها يطلّقها زوجها ، ويرتفع حيضها ، كم عدّتها؟ قال : « ثلاثة أشهر » قلت : فإنّها ادّعت الحَبل بعد التسعة أشهر ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١١٩ / ٤١١ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٩ أبواب العدد ب ١٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ١١٩ / ٤١٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٢ / ١١٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٩ أبواب العدد ب ١٣ ح ١.

(٣) النهاية : ٥٣٣.

(٤) الكافي ٦ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٩ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ١.


قال : « إنّما الحَبل تسعة أشهر » قلت : تتزوّج؟ قال : « تحتاط بثلاثة أشهر » قلت : فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر ، قال : « لا ريبة عليها ، تزوّجت إن شاءت » (١) ونحوهما غيرهما (٢).

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحبل وعدمه في وجوب التربّص تسعة أو سنة ، ثم الاعتداد بعدها ، حتى لو كان زوجها غائباً عنها ، أو حاضراً ولم يقر بها مدّة مديدة فحكمها كذلك ، وإن كان ظاهر الحكمة يقتضي اختصاصه بالمسترابة ، كما تعرب عنها المعتبرة الأخيرة ، لكن ليس فيها كالتعليل في العبارة ما يوجب تقييد الحكم بالمسترابة ، كما توهّمه بعض من عاصرناه في هذه الأزمنة (٣).

نعم عن الشهيد في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجة الغائب ؛ محتجّاً بحصول مسمّى العدّة ، وهو الأشهر البيض الثلاثة المندرجة في الأشهر التسعة (٤).

وهو مصادرة غير مسموعة ، سيّما في مقابلة إطلاق الفتاوي والرواية.

وهذه العدّة أطول عدّة تفرض ، والضابط : أنّ المعتدّة المذكورة إن مضى بها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدّتها بها ، وإن مضى عليها ثلاثة أشهر لم تر فيها دم حيضٍ أصلاً انقضت عدّتها بها وإن كان لها عادة مستقيمة فيما زاد عليها ، بأن كانت ترى الدم في كل أربعة أشهر مرّة ، أو‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٤.

(٣) هو صاحب الحدائق ٢٥ : ٤٢٤.

(٤) حكاه عنه الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٦١.


ما زاد عليها وما نقص ، بحيث يزيد عن ثلاثة ولو بلحظة.

ومتى رأت في الثلاثة دماً ولو قبل انقضائها بلحظة فحكمها ما فصّل سابقاً من انتظار أقرب الأمرين من تمام الأقراء ووضع الولد ، فإن انتفيا اعتدّت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر ، إلاّ أن يتمّ لها ثلاثة أقراء قبلها ، ولو مبنيّة على ما سَبَق.

ولا فرق في ظاهر إطلاق النص والفتوى بين أن يتجدّد لها دم آخر في الثلاثة أو قبلها ، وعدمه.

خلافاً للمفلح الصيمري في الأوّل ، فأبطل العدّة بها ، وعيّن اعتدادها بالأقراء ، قال : لأنّا بيّنّا أنّها من ذوات الأقراء ، فيلزمها الاعتداد بها (١).

وعليه فهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخلّلة بين الطلاق وغاية التربّص؟ وجهان :

فعن المبسوط (٢) : الأوّل ؛ مُعلّلاً بأنّ مدّة التربّص ليست من العدّة ، فلا عبرة بها.

وعن الشهيد (٣) : الثاني ، وقوّاه المفلح الصيمري ، قال : لأنّها لمّا رأت الدم بعد انقطاعه ثبت أنّها من ذوات الأقراء ، وعدّتهنّ ثلاثة أقراء من حين الطلاق ، لا أزيد من ذلك (٤). وهو حَسَن.

ثم قال : أمّا لو رأت دم الثالث قبل مضيّ مدّة التربّص ولو بيوم انقضت عدّتها ، إجماعاً.

__________________

(١) انظر تلخيص الخلاف ٣ : ٩٠ ، ٩١.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٣٧.

(٣) حكاه عنه في تلخيص الخلاف ٣ : ٩١.

(٤) تلخيص الخلاف ٣ : ٩١.


أقول : ويدلُّ عليه الصحيح المفسِّر للأخذ بأسبق الأمرين : « ثم إنّه إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلاّ يوماً فحاضت ، ثم مرّت بها ثلاثة أشهر إلاّ يوماً فحاضت ، فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه ، ولا تعتدّ بالشهور ، فإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها بانت » (١) ونحوه غيره (٢).

( ولا عدّة على الصغيرة ) وهي التي لم تبلغ التسع سنين عند الجماعة ، وقد مضى إليه الإشارة (٣).

( ولا اليائسة ) التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، مع عدم الدخول ، إجماعاً ، وكذا معه أيضاً ( على ) الأظهر ( الأشهر ) بين الطائفة ، بل ربما كان مجمعاً عليه بين متأخّريهم ، كما تنادي به عبارة التهذيبين (٤) ؛ للأصل ، والمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، منها الصحيح : عن التي قد يئست من المحيض والتي لا تحيض مثلها ، قال : « ليس عليها عدّة » (٥).

وهي مع استفاضتها ، واعتبار سند أكثرها ، وانجبار باقيها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة معتضدة بأصالة البراءة ، والمخالفة للتقية ، وفقد الحكمة الموجبة للعدّة.

خلافاً للسيدين (٦) ؛ لظاهر الآية (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٩ ، التهذيب ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٥ أبواب العدد ب ٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٨ : ٦٨ / ٢٢٦ ، الخصال : ٤٧ / ٥١ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٨ أبواب العدد ب ٤ ح ١٢ ، ١٣.

(٣) راجع ص ٢١٣.

(٤) الاستبصار ٣ : ٣٣٨ ، التهذيب ٨ : ١٣٨.

(٥) التهذيب ٨ : ٦٦ / ٢١٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٧٧ أبواب العدد ب ٢ ح ١.

(٦) المرتضى في الانتصار : ١٤٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦.

(٧) الطلاق : ٤.


وهي غير واضحة الدلالة ، بل ربما كانت بالخلاف واضحة المقالة ، سيّما بملاحظة بعض المعتبرة (١) ، وعبارة الكافي والطوسي (٢) المصرِّحة برجوع الريبة إلى حال النسوة ، أمّا بالنظر إلى الحيض وعدمه ، كما يستفاد من [ الثاني (٣) ] أو اليأس وعدمه ، كما يستفاد من [ الأول (٤) ] فانهدم مبنى الاستدلال بها من رجوع الريبة إلى حكم عدّة اليائسة ، مع ما فيه من مناقشة أُخرى واضحة.

وأضعف منه الاستدلال بالرواية : « عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر ، والتي قد قعدت من الحيض ثلاثة » (٥) إذ مع ضعفها ، وقطعها غير صريحة الدلالة ، فتحتمل كبعض المعتبرة الآخر الحمل على المسترابة ، ومع ذلك فهي موافقة لما عليه العامة العمياء ، كما حكاه جماعة (٦) ، فلا اعتداد بمثلها ولو صريحة.

( وفي حدّ اليأس ) عن المحيض ( روايتان ) بل روايات ، باختلافها اختلف الأصحاب ، إلاّ أنّ ( أشهرهما ) أنّه ( خمسون سنة ).

ففي الصحيح أو ما يقرب منه : « حدّ التي قد يئست من المحيض‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٠ / ٨ ، التهذيب ٨ : ١١٨ / ٤٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٢ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٦ أبواب العدد ب ٤ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٨٦ ، الطوسي في التهذيب ٨ : ٦٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في الأصل : الأوّل ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في الأصل : الثاني ، والظاهر ما أثبتناه.

(٥) الكافي ٦ : ٨٥ / ذيل الحديث ٥ ، التهذيب ٨ : ٦٧ / ٢٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٨ / ١٢٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٧٩ أبواب العدد ب ٢ ح ٦.

(٦) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ٥٣ ، وصاحب الوسائل ٢٢ : ١٨٠ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٤٣٨.


خمسون سنة » (١).

ونحوه خبران (٢) ، في سندهما سهل ، مع ما في الثاني منهما من الإرسال ، إلاّ أنّ الأوّل سهل ، أو ثقة ، كما عليه من المحققين جماعة (٣) ، والثاني غير قادح بعد كون الراوي ممّن أجمعت على تصحيح رواياته العصابة ، مع انجبار الجميع ، أو اعتضاده بالشهرة المحكية في العبارة وكلام جماعة (٤).

خلافاً لأحد قولي الماتن في الشرائع (٥) ، فستّون ؛ للموثق (٦).

وفيه قصور عن المقاومة لما مرّ ، سيّما مع ندرة القول به على إطلاقه.

ولآخرين (٧) ، بل ادّعى عليه الشهرة المتأخّرة جماعة (٨) ، فالتفصيل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٧ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ١.

(٢) أحدهما في : الكافي ٣ : ١٠٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٥ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٣.

والآخر في : الكافي ٦ : ٨٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٧ / ٤٧٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٧ / ١٢٠٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٦ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٦.

(٣) منهم الشيخ في الرجال في أصحاب الهادي 7 : ٤١٦ ، وصاحب الوسائل ٣٠ : ٣٨٩ ، وحكاه أيضاً عن بعض مشايخه المعاصرين ، انظر الوجيزة : ٢٢٤.

(٤) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢٨٦ ، والشهيد في المسالك ١ : ٩ ، والمجلسي في مرآة العقول ٢١ : ١٤٥.

(٥) الشرائع ١ : ٢٩.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٦٩ / ١٨٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٣ أبواب العدد ب ٣ ح ٥.

(٧) منهم الصدوق في الفقيه ١ : ٥١ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٤٢ ، وصاحب الوسائل ٢٢ : ١٨١ ، وصاحب الحدائق ٣ : ١٧٢.

(٨) منهم السبزواري في الذخيرة : ٦٢ ، الحواشي على شرح اللمعة : ٥٢ ، وصاحب الحدائق ٣ : ١٧١.


بين القرشية فالثاني وألحق بها النبطية جماعة (١) ؛ للرواية (٢) وهي مرسلة وغيرها ، أو غيرهما فالأوّل ؛ جمعاً ، وللمرسل كالصحيح : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش » (٣) (٤).

وردّ بقصور السند أوّلاً. وليس كذلك.

وعدم الصراحة ثانياً. وفيه منع لو أُريد من حيث عدم التصريح بالستّين ؛ لعدم القائل بالفرق. وتسليم إن أُريد من حيث عدم الحكم صريحاً بالحيضة ، إلاّ أنّ الظهور قائم ، وهو كافٍ ، فالقول به لا يخلو من قوّة.

مع اعتضاده بالعمومات الدالّة على تحيّض المرأة بمجرّد رؤية الدم ، خرج منها ما زاد عن الخمسين فيما عدا القرشية أو النبطية أيضاً ، وبالمعتبرة المتقدّمة ، وبقيت هي أو هما في العمومات مندرجة.

ولا يردّ ذلك بعموم المعتبرة المتقدّمة بالخمسين الشاملة للقرشية أيضاً ، فإن خصّصت العمومات بها فيمن عداها خصّصت بها فيها أيضاً.

لمنع العموم ، وإنّما غايته الإطلاق المنصرف إلى الأفراد المتكثّرة الشائعة ، دون النادرة ، ولا ريب أنّ القرشيّة من الثانية ، سيّما في أزمنة صدور المعتبرة.

وبالجملة : هذا القول قويّ غاية القوّة.

وغير بعيدٍ إلحاق النبطية ؛ لعين ما عرفت في القرشية من العمومات ،

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ٦١٠ ، والشهيد في الدروس ١ : ٩٧.

(٢) المقنعة : ٥٣٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٧ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٦ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٢.

(٤) نهاية المرام ٢ : ٩٣.


مع عدم انصراف إطلاقات المعتبرة إلى مثلها ؛ لكونها من الأفراد النادرة.

نعم ربما ينافيه الحصر في الرواية الأخيرة. ويمكن الذبّ عنه بالورود مورد الغلبة.

( ولو رأت المطلّقة الحيض مرّة ثم بلغت ) سنّ ( اليأس أكملت العدّة بشهرين ) بلا خلاف أجده ، بل حكي صريحاً (١) ؛ لصريح الخبر : في امرأة طلّقت وقد بلغت في السنّ ، فحاضت حيضة واحدة ، ثم ارتفع حيضها ، قال : « تعتدّ بالحيضة وشهرين مستقبلين ، فإنّها قد يئست من الحيض » (٢).

ولا يضرّ قصور السند ؛ للانجبار بالفتوى ، مع تصريح جماعة بحسنه (٣) ، بل وصحّته (٤).

ولو رأت حيضتين ثم بلغت اليأس ففي وجوب اعتدادها بشهر ، أم لا ، وجهان ، أحوطهما : الأوّل ، وأقواهما الثاني ؛ للأصل ، وعموم ما دلّ على نفي العدّة عن اليائسة ، خرج عنه مورد الرواية المنجبرة بالشهرة ، ويبقى المفروضة فيه مندرجة.

( ولو كانت ) المطلّقة ذات عادة مستقيمة إلاّ أنّها ( لا تحيض إلاّ في خمسة أشهر أو في ستّة اعتدّت بالأشهر ) للصحيح : في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرّة ، أو في ستّة أشهر ، أو في سبعة أشهر .. « أن عدّتها‌

__________________

(١) المفاتيح ٢ : ٣٤٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٠ / ١١ ، التهذيب ٨ : ١٢١ / ٤١٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٥ / ١١٥٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٩١ أبواب العدد ب ٦ ح ١ ، وفي الجميع : طعنت ، بدل : بلغت.

(٣) منهم المجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٤١.

(٤) روضة المتقين ٩ : ١٠٩.


ثلاثة أشهر » (١).

وإطلاقه كالعبارة وإن اقتضى الاكتفاء بالأشهر الثلاثة مطلقاً ، ولو تخلّلها حيضة ، إلاّ أنّه يجب تقييده بما مضى (٢) من المعتبرة ، المشترطة في الاعتداد بالأشهر خلوّها عن الحيض ولو مرّة.

وعليها يحمل إطلاق معتبرة أُخر ، كالصحيح : في المرأة يطلّقها زوجها ، وهي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة ، فقال : « إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها ، يحسب لها كل شهر حيضة » (٣).

وفي حكم المفروضة في العبارة من لا تحيض إلاّ في سنتين ، أو سنة ، أو غيرهما ، ويجمعه ما يزيد على الأشهر الثلاثة ، والفرض في العبارة على المثل والإشارة ، دون الحصر في الخمسة أو الستّة ؛ لعموم الصحيحة ، وغيرها من المعتبرة ، كالحسن : عن التي لا تحيض إلاّ في ثلاث سنين ، أو أربع سنين ، قال : « تعتدّ ثلاثة أشهر » (٤).

لكن بإزاء هذه الصحيحة معتبرة أُخر دالّة على لزوم اعتداد من هي موردها بعادتها السابقة ، ولو نقصت عن الأشهر الثلاثة (٥). ولم أرَ عاملاً بها إلاّ الشيخ في كتاب الحديث (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٩ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١١٩ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٣ أبواب العدد ب ٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) راجع ص ٢٩٠.

(٣) الكافي ٦ : ٩٩ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٢٠ / ٤١٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥١ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٤ أبواب العدد ب ٤ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٧ ، التهذيب ٨ : ١٢١ / ٤١٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ / ١١٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٧ أبواب العدد ب ٤ ح ١١.

(٥) انظر الوسائل ٢٢ : ١٨٩ أبواب العدد ب ٤ الأحاديث ١٤ ، ١٥ ، ١٩.

(٦) الاستبصار ٣ : ٣٢٧.


قيل (١) : وهي مطرحة عند الأصحاب ، فالعمل بها مشكل ، والجمع بحمل هذه على الغالب من التحيّض في كل شهر مرّة ممكن ، فتكون عليه دالّة على الأشهر الثلاثة ، كما في الرواية السابقة.

ثم إنّ ذكر حكم هذه في العبارة مع اندراجها في المسترابة المتقدّم حكمها في صدر الفصل وجهه غير واضح ، إلاّ بتخصيص السابقة باليائسة عن المحيض إلاّ أنّ في سنّها من تحيض ، دون هذه فإنّها غير يائسة ، بل ذات عادة مستقيمة ، لكن على خلاف العادة ؛ لتحيّضها في كل أشهر مرّة.

( الرابع : في الحامل ، وعدّتها في الطلاق ) وما في معناه كالفسخ والوطء بشبهة ، أو مطلقاً على قول ( بالوضع ) للحمل بتمامه ، بشرط كونه من المطلّق ( ولو بعد الطلاق بلحظة ) بالكتاب (٢) ، والإجماع ، والسنّة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، وأكثرها صحاح ومعتبرة ، ففي الصحيح : في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى ، قال : « أجلها أن تضع حملها » (٣).

وفيه : « فإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطّاب » (٤).

وإطلاقها ، كالآية الكريمة ، وصريح الجماعة يقتضي الاكتفاء بالوضع مطلقاً ( ولو لم يكن تاماً ) لكن ( مع تحقق ) كون (ـه حملاً ) ومبدأً‌

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٤١٦.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ / ٤٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٥١٨ أبواب النفقات ب ٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٨ : ٧١ / ٢٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٢.


لنشوء الآدمي قطعاً ، ولا يكفي فيه مجرّد كونه نطفة ، إجماعاً ، كما صرّح به بعض (١).

وينصّ على الإطلاق مضافاً إلى الإجماع الصحيح : « كل شي‌ء وضعته يستبين أنّه حمل ، تمّ أو لم يتمّ ، فقد انقضت عدّتها ، وإن كان مضغة » (٢).

ثم إنّ ظاهر العبارة كالأدلّة انحصار العدّة في الوضع خاصة ، مضى لها قبله أشهر ثلاثة أم لا ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل لعلّه المجمع عليه في أمثال هذه الأزمنة ، وقد صرّح به بعض الأجلّة (٣).

خلافاً للصدوق وابن حمزة (٤) في الأول ، فجعلاه العدّة ، لكن صرّحا بأن ليس لها التزويج إلاّ بعد الوضع ؛ للخبر : « طلاق الحامل واحدة ، وعدّتها أقرب الأجلين » (٥).

وفي سنده اشتراك ، وفي دلالته نظر ، فقد يكون المراد بأقرب الأجلين هو الوضع خاصّة ، بمعنى : أنّه هو العدّة ، وإن كان أقرب من الأطهار أو الأشهر ، ويرجع المعنى حينئذٍ إلى أنّ عدّتها قد يكون بأقرب الأجلين ، وهو : ما إذا كان هو الوضع ، بخلاف عدة الوفاة ، فإنّه لا يكون إلاّ بأبعد الأجلين.

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤١.

(٢) الكافي ٦ : ٨٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٨ ، التهذيب ٨ : ١٢٨ / ٤٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٧ أبواب العدد ب ١١ ح ١.

(٣) وهو الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٤١.

(٤) الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٢٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٥.

(٥) الكافي ٦ : ٨١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٧٠ / ٢٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٤ أبواب العدد ب ٩ ح ٣.


وهو وجه حسن في الجمع ، بل لعلّ في بعض المعتبرة إشعاراً به ، كالصحيحين : « وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين » (١) فإنّهما مع تصريحهما بأنّ الأجل هو الوضع ، المشعر بالحصر صرّحا بأنّه أقرب الأجلين ، ولا وجه له إلاّ ما ذكرناه ، فتدبّر.

نعم في الرضوي (٢) دلالة على هذا القول ، ولعلّه يأبى عن قبول نحو هذا التأويل ، إلاّ أن قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كفانا مئونة الاشتغال بتأويله ، ولا حاجة لنا إليه بالمرّة.

( ولو طلّقها فادّعت الحبل تربّص بها أقصى ) مدّة ( الحمل ) إجماعاً ، والنصوص به مستفيضة ، منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته ، فادّعت أنّها حبلى انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت ، وإلاّ اعتدّت بثلاثة أشهر ، ثم قد بانت منه » (٣).

وظاهره كجماعة ، منهم الشيخ في النهاية (٤) وجوب التربّص سنة ، ولا ريب فيه على القول بكونها أقصى المدّة ، وأمّا على القول بأنّها التسعة كما هو الأظهر ، ومختار هؤلاء الجماعة فكذلك ؛ لظاهر الرواية ، فيرجع الأمر حينئذٍ إلى وجوب التربّص بعد الأقصى بأشهر ثلاثة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٢ / ٦ ، ٨ ، التهذيب ٨ : ١٢٨ / ٤٤١ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٣ ، ١٩٥ أبواب العدد ب ٩ ح ٢ ، ٦.

(٢) فقه الرضا 7 : ٢٤٤ ، المستدرك ١٥ : ٣٥٠ أبواب العدد ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٩ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ١.

(٤) النهاية : ٥٣٤.


خلافاً للحلّي وآخرين (١) ، فجعلوه حينئذٍ أحوط ؛ للمستفيضة ، منها الحسن في المرتابة بالحبل أنّ : « عدّتها تسعة أشهر » قلت : فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : « إنّما الحمل تسعة أشهر » قلت : فتزوَّج؟ قال : « تحتاط بثلاثة أشهر » الخبر (٢) ، ونحوه غيره (٣).

وفيه نظر ، فإنّها مع قصور السند ليس فيها سوى الأمر بالتربّص أقصى الحمل ، والأمر بالاحتياط بعده بثلاثة أشهر ، وهو غير الاستحباب بالمعنى المصطلح ، إلاّ على تقدير ثبوت كون الاحتياط يراد به الاستحباب حيثما يطلق ، وفيه نظر ، فلا وجه لصرف الأمر بالاعتداد بالثلاثة الأشهر بعد الأقصى في الصحيح الذي مضى إلى الاستحباب ، مع كونه كالأمر بالاحتياط في الحسن وغيره حقيقة في الوجوب ، هذا.

مضافاً إلى اعتضاده بفحوى ما دلّ على وجوب التربّص بذلك في المسترابة ، ففي المسألة من حيث إنّها فيها مدّعية أولى ، فإذاً مختار الأوّلين أظهر وأقوى.

ثمّ ليس في الصحيح المتقدّم دلالة على كون أقصى الحمل هو السنة ، بل هو ظاهر في التسعة ، كما صرّحت به تلك المستفيضة ، فإذاً الاستدلال به على السنة فاسد البتّة.

( ولو وضعت توأماً بانت به ) كما عن النهاية والقاضي وابن‌

__________________

(١) الحلي في السرائر ٢ : ٧٤٣ ؛ والشهيد في المسالك ٢ : ٤١ ، ووالد المجلسي في روضة المتقين ٩ : ١٠٨ ، وهو في ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٥٥.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٢.


حمزة (١) ؛ للخبر : عن رجل طلّق امرأته وهي حبلى ، وكان في بطنها اثنان ، فوضعت واحداً وبقي واحد؟ قال : « تبين بالأوّل ، ولا تحلّ للأزواج حتى تضع ما في بطنها » (٢).

وفي سنده قصور وجهالة ، مع مخالفته لإطلاق الآية (٣) ، والمعتبرة المصرّحة بأنّ العدّة وضع الحمل (٤) ، ولا يكون إلاّ بوضع التوأمين فما زاد لو كان.

اللهمّ إلاّ أن يدّعى انجبار الرواية بفتوى هؤلاء الجماعة.

وهو محلّ ريبة ، كيف لا؟! والأشهر بين الطائفة بل ربما ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع العلماء إلاّ من عكرمة (٥) هو عدم الانقضاء إلاّ بوضع الحمل أجمع ، ولعلّه لهذا كان الحكم عند المصنف ( على تردّد ) وليس في محلّه ، بل الظاهر هو القول الآخر ؛ لقوة أدلّته ؛ مضافاً إلى الأصل ، سيّما مع وهن القول الأوّل برجوع الشيخ الذي هو عمدة القائلين به عنه إلى الثاني ، مع دعواه إجماع الكلّ عليه إلاّ من ندر.

( و ) كيف كان ( لم ) يجز لها أن ( تنكح ) زوجاً غيره ( إلى أن تضع الأخير ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع قد حكي (٦) ، وبه نص ما مرّ من الخبر ؛ مضافاً إلى الأصل.

__________________

(١) النهاية : ٥٣٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٨٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٢.

(٢) الكافي ٦ : ٨٢ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٦ أبواب العدد ب ١٠ ح ١.

(٣) الطلاق : ٤.

(٤) الوسائل ٢٢ : ١٩٣ أبواب العدد ب ٩.

(٥) الخلاف ٥ : ٦٠.

(٦) حكاه في المسالك ٢ : ٤١ ، وهو في المبسوط ٥ : ٢٤١ ، والخلاف ٥ : ٦٠.


وثمرة الاختلاف فيما مرّ حينئذٍ جواز الرجعة ووجوب النفقة ، فيثبتان على المختار ، وينتفيان على غيره.

( ولو طلّقها ) طلاقاً ( رجعيّاً ثم مات ) عنها ( استأنفت عدّة الوفاة ) أربعة أشهر وعشراً من حين الوفاة ، بلا خلاف ؛ لأنّها بحكم الزوجة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : « أيّما امرأة طلّقت ، ثم توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه ، فإنّها ترثه ، ثم تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها » (١).

( و ) يستفاد من مفهوم القيد بعدم التحريم عليه بناءً على أنّ الظاهر مغايرة المعطوف للمعطوف عليه ، وأنّ العطف التفسيري خلاف الأصل أنّه ( لو كان ) طلّقها ( بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ) مضافاً إلى الأصل ، وعدم الداعي إلى استئناف عدّة الوفاة للبينونة المطلقة ، مع أنّه لا خلاف فيه.

ثم مقتضى الأصل ، واختصاص النصوص بحكم التبادر والغلبة بغير عدّة المسترابة ، اعتدادها بالأشهر الثلاثة بعد الصبر تسعة أشهر أو سنة ، ولا إشكال فيه إذا بقي من المدّة ما يزيد على عدة الوفاة أو يساويها.

ويشكل في الناقص ، كما إذا صبرت التسعة أو السنة ثم مات عنها ؛ لما يظهر ممّا قدّمناه من أنّها بحكم الزوجة ، وبعض المعتبرة من وجوب الحداد (٢) ومن (٣) استئنافها عدّة الوفاة حينئذٍ ، فتزيد على الثلاثة أشهر‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٠ أبواب العدد ب ٣٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩.

(٣) ليست في « ح ».


أربعين يوماً ليتمّ لها عدّة الوفاة ، ومرجع هذا إلى لزوم مراعاتها في هذه الصورة أبعد الأجلين مما بقي من العدّة ومن عدة الوفاة.

وقيل فيه وجوه أُخر ، والأصح ما قلناه.

( الخامس : في عدّة الوفاة ، تعتدّ الحرّة ) المنكوحة بالعقد الصحيح ( بأربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلاً ) بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، قال الله سبحانه ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (١). والصحاح بها مستفيضة ، كغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة ، بل متواترة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.

وإطلاقها كالآية الشريفة وصريح الإجماع عموم الحكم لكل امرأة ( صغيرةً كانت أو كبيرةً ، دخل بها أو لم يدخل ) بها ، بالغاً كان الزوج أو غيره.

مضافاً إلى صريح المستفيضة في غير المدخول بها ، منها الصحيح : في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : « إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها ، ولها الميراث ، وعدّتها أربعة أشهر وعشراً كعدّة التي دخل بها ، وإن لم يكن فرض لها مهراً فلا مهر لها ، وعليها العدّة ، ولها الميراث » (٢).

وأمّا الموثق : عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها؟ قال‌ :

__________________

(١) البقرة : ٢٣٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٢.


« لا عدّة عليها » (١).

فمع قصوره سنداً ومكافأةً لما مرّ قطعاً ، محتمل للتقية عن جماعة من العامّة ، الذين لم يظهر قولهم بذلك في هذه الأزمنة أصلاً ، كما صرّح به بعض أصحابنا (٢) ، وشهد به بعض أخبارنا ، كالموثق : عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، أعليها عدّة؟ قال : « لا » قلت له : المتوفّى عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، أعليها عدّة؟ قال : « أمسك عن هذا » (٣) فتدبّر.

ولا فرق أيضاً بين الدائمة والمتمتّع بها ، على الأشهر الأقوى ، كما مضى.

خلافاً للمفيد والمرتضى (٤) ، فكالأمة. وهو ضعيف جدّاً.

ويعتبر مدّة العدّة بالهلال ما أمكن ، فإن مات الزوج في خلال الشهر الهلالي وكان الباقي أكثر من عشرة أيّام أُكمل ثلاثين يوماً ويضاف إليه ثلاثة أشهر بالأهلّة وعشرة أيّام ، فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم مات فقد انتهت العدّة ، وإن كان الباقي عشرة أيّام ، أو أقلّ منها ، ضمّ إليها أربعة أشهر هلالية ، وتمام العشرة في الثاني.

وفي عدّ المنكسر ثلاثين أو الاكتفاء بإتمام ما فات خلاف ، الأحوط الأوّل.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٤٨ أبواب العدد ب ٣٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٤٩ ، ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٨٢.

(٣) التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢١١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٤٨ أبواب العدد ب ٣٥ ح ٥.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٣٦ ، المرتضى حكاه عنه في المسالك ١ : ٥٠٨.


( و ) إطلاق الآية (١) والمستفيضة المتقدّمة وإن شمل المتوفّى عنها مطلقا ، إلاّ أنّ الإجماع منعقد باعتدادها ( بأبعد الأجلين ) من المدّة المزبورة ومدّة وضع الحمل ( إن كانت حاملاً ) مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره.

خلافاً للعامة ، فجعلوا عدّتها الوضع كالطلاق (٢).

وهو مع مخالفته الآية (٣) هنا ، السليمة عن معارضة الآية الأُخرى في اعتداد الحامل بالوضع مطلقا ، من حيث ظهورها في المطلّقات جدّاً أخبارنا بردّه منصوصة ، ففي الصحيح عن المرأة الحُبلى المتوفّى عنها زوجها تضع وتزوّج قبل أن يخلو أربعة أشهر وعشراً؟ قال : « إن كان زوجها الذي تزوّجها دخل بها فُرّق بينهما ، واعتدّت ما بقي من عدّتها الاولى ، وعدّة اخرى عن الأخير ، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما ، واعتدّت ما بقي من عدّتها ، وهو خاطب من الخطّاب » (٤) ونحوه غيره (٥).

( ويلزمها الحداد ) ما دامت هي في العدّة ، بالنص والإجماع ، ففي المستفيضة وفيها الصحاح ـ : « المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر ؛ لأنّها تحدّ » (٦).

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) انظر بداية المجتهد ٢ : ٩٦ ، والمغني لابن قدامة ٩ : ١٥٣ ، والمحلّى لابن حزم ١٠ : ٢٦٣.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٦ : ١١٤ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٤١ أبواب العدد ب ٣١ ح ٦.

(٥) الوسائل ٢٢ : ٢٣٩ أبواب العدد ب ٣١.

(٦) الكافي ٦ : ١١٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٦٣ / ٥٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٥ / ١٢٧٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٩ أبواب العدد ب ٢٨ ح ٣.


وفي الموثق : عن المتوفّى عنها زوجها؟ فقال : « لا تكتحل للزينة ، ولا تطيِّب ، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ، ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق ، وتمتشط بغسلة (١) ، وتحجّ وإن كانت في عدّتها » (٢) ونحوه غيره (٣) في النهي عن الاكتحال للزينة ، والتطيّب ، ولبس الثوب المصبوغ.

( وهو ) كما يستفاد منها ( ترك الزينة ) للعدول فيها عن الأمر بالحداد إلى النهي عن الأُمور المزبورة ، الملازمة للزينة غالباً في العرف والعادة.

وأوضح منها الخبر : « المتوفّى عنها زوجها ليس لها أن تطيِّب ، ولا تزيِّن ، إلاّ أن تنقضي عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيّام » (٤) للعدول فيه عن الأمر بالحداد إلى النهي عن الزينة ، هذا.

مع تفسيره بتركها في كلام جماعة من أهل اللغة (٥) ، فاللازم عليها ترك ما يعدّ زينة عرفاً من الثياب ، والادهان ، والكحل ، والحِنّاء ، والطيب ، وغير ذلك.

ويختلف ذلك باختلاف العادات ، فلو فرض عدم عدّ استعمال الأُمور المزبورة في بعض العادات زينة كان محلّلاً ؛ تمسّكاً بالأصل ، والتفاتاً إلى انصراف إطلاق النهي عن استعمالها في الروايات إلى العادة الجارية في‌

__________________

(١) الغِسلة : ما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط. القاموس ٤ : ٢٥ ، مجمع البحرين ٥ : ٤٣٤.

(٢) الكافي ٦ : ١١٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٥٩ / ٥٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩.

(٤) الكافي ٦ : ١١٧ / ١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣٤ أبواب العدد ب ٢٩ ح ٤.

(٥) انظر لسان العرب ٣ : ١٤٣ ، المصباح المنير : ١٢٤ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٥.


الأعصار الماضية من عدّ مثلها زينة.

ومنه يظهر الوجه في عدم لزوم ترك التنظيف ، ودخول الحمّام ، وتسريح الشعر ، والسواك ، وقلم الأظفار ، والسكنى في المساكن العالية ، واستعمال الفرش الفاخرة ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ مثله في العرف والعادة زينة.

قالوا : ولا فرق في الحكم بين الصغيرة والكبيرة ، والمسلمة والذميّة ، والمجنونة ، وظاهرهم الاتّفاق عليه ، وهو الحجّة فيه إن تمّ ، دُون النصوص ؛ لانصرافها إلى ما عدا الاولى والأخيرة ، من حيث تضمّنها توجّه التكليف إلى نفس المرأة ، لا وليّها ، كما قالوه فيهما ، مع أنّ تكليفه بذلك مدفوع بالأصل ، مع أنّ المحكي عن الحلّي (١) العدم في الأُولى بعين ما مضى ، وهو جارٍ في الأخيرة أيضاً.

ثمّ إنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة إجماعاً وروايةً كون الحداد واجباً على حدةٍ ، لا شرطاً في العدّة ، فلو أخلّت به ولو عمداً إلى أن انقضت العدّة حلّت للأزواج ، ولكن تكون آثمة خاصّة ، وهو أصحّ القولين في المسألة.

خلافاً لنادر (٢) في العمد ، فأبطل به العدّة أيضاً. وهو لمخالفته الأصل وإطلاق الأدلّة ضعيف البتّة.

ثمّ إنّ الحكم مختصّ بالمتوفّى عنها خاصّة ( دون ) أقاربها ، و ( المطلّقة ) مطلقا ، رجعيّاً أو بائناً ، بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٣) ؛ للأصل ، والمعتبرة : « المطلّقة تكتحل ، وتختضب ، وتطيِّب ،

__________________

(١) السرائر ٢ : ٧٣٩.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٤٥.

(٣) الانتصار : ١٥٤.


وتلبس ما شاءت من الثياب ؛ لأنّ الله تعالى يقول ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (١) » (٢).

وأمّا الخبر : « المطلّقة تحدّ كما تحدّ المتوفّى عنها زوجها ، لا تكتحل ، ولا تطيِّب ، ولا تختضب ، ولا تتمشّط » (٣) فضعيف سنداً ، غير مكافئ لما مرّ جدّاً ، سيّما مع موافقته لمذهب أكثر العامّة ومنهم أبو حنيفة ـ (٤) في البائنة.

وأمّا حمله على البائنة فيستحب ، كما فعله الشيخ في التهذيبين (٥) فلا وجه له أصلاً.

( ولا حداد على الأمة ) مطلقا ، على الأظهر الأشهر بين الطّائفة ، ومنهم الشيخ في النهاية (٦) ؛ للأصل ، والصحيح : « إنّ الحرّة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدّة ، إلاّ أنّ الحرّة تحدّ ، والأمة لا تحدّ » (٧).

خلافاً للطوسي والحلّي (٨) ، فتحدّ أيضاً ؛ لإطلاق النبوي المرسل (٩).

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) الكافي ٦ : ٩٢ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٧ أبواب العدد ب ٢١ ح ٢.

(٣) التهذيب ٨ : ١٦٠ / ٥٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥١ / ١٢٥٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٨ أبواب العدد ب ٢١ ح ٥.

(٤) حكاه عنه في بداية المجتهد ٢ : ١٢٣.

(٥) الاستبصار ٣ : ٣٥٢ ، التهذيب ٨ : ١٦٠.

(٦) النهاية : ٥٣٧.

(٧) الكافي ٦ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٧ / ١٢٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٩ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٢.

(٨) الطوسي في المبسوط ٥ : ٢٦٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٤٥.

(٩) انظر سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٤ / ٢٠٨٦ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٣٧ ، المستدرك ١٥ : ٣٦٢ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٩ ، عوالي اللئلئ ٢ : ١٤٣ / ٤٠٠.


وهو مع قصور السند وعدم المكافأة لما مر سيما الخبر مقيد به ؛ لإطلاقه ، بل ومنصرف إلى الحرّة ؛ لكونها المتبادرة الغالبة ، فلا معارضة بين الخبرين بالمرّة.

( السّادس : في المفقود ، لا خيار لزوجته إن عرف خبره ) حياته أو موته ، بل عليها الصبر في الأوّل إلى مجيئه أو تحقّق فوته ، وعلى الحاكم الإنفاق عليها من ماله إن أمكن الوصول إليه ، وإلاّ طالبه بالنفقة بالإرسال إليه أو إلى من يجبره عليه ، ومن بيت المال إن تعذّر الأمران مع عدم متبرّع.

وعليها عدّة الوفاة في الثاني ، وحلّت للأزواج بعدها ، وحلّ لكلّ من شاركها في العلم بالوفاة ، أو اختصّ عنها بالجهل بها وبحالها أيضاً مع تعويله في الخلوّ عن الزوج بدعواها نكاحها.

( أو ) جهل خبره ولكن ( كان له وليّ ) أو متبرّع ( ينفق عليها ) فلا خيار لها هنا أيضاً ، بلا خلاف هنا وفيما مضى ؛ للأُصول المعتمدة ؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.

( ثمّ إن فقد الأمران ) فجهل خبره ، ولم يوجد من ينفق عليها ، فإن صبرت فلا بحث ، وإن أبت فمقتضى الأُصول وجوب الصبر عليها إلى ثبوت الوفاة ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنّها إن لم تصبر ( ورفعت أمرها إلى الحاكم ) جاز لها و ( أجّلها أربع سنين ) من حين الرفع ، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب ؛ لأكثر أخبار الباب (١).

وما يستفاد منه التحديد من حين الفحص ولو قبل الرفع (٢) فلا يعارضه بوجه أصلاً ، مع عدم إبائه عن الانطباق عليه.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٥٠٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٨ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٥.


وكيف كان يجب الفحص في تلك المدّة ، كما يستفاد من أكثر المعتبرة (١) ، لا بعدها ، كما ربما يتوهّم من بعضها (٢) ( فإن وجده ) كان له حكمه ( وإلاّ ) بأن فقده ولم يعلم حاله ( أمرها بعدّة الوفاة ثم أباحها للنكاح ).

قيل : بلا خلاف (٣) ؛ للموثق : عن المفقود؟ فقال : « إن علمت بأنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه ، وإن لم تعلم اين هو من الأرض كلّها أو لم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنّها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين ، فيطلب في الأرض ، فإن لم يوجد له أثر حتى تمضي أربع سنين أمَرَها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثم تحلّ للرجال ، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس عليها رجعة ، وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها » (٤).

وظاهره كالعبارة والشيخين والقاضي والحلّي كما حكي (٥) الاكتفاء في الاعتداد بالأمر به ، ولو من دون طلاق.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين (٦) ، تبعاً للصدوق والإسكافي (٧) ،

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٧ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٤.

(٣) انظر الحدائق ٢٥ : ٤٨٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٨ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٧٩ / ١٩٢٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب ٤٤ ح ٤.

(٥) المفيد في المقنعة : ٥٣٧ ، الطوسي في المبسوط ٥ : ٢٧٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٣٨ ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٣٦ ، وحكاه عنهم في المهذّب البارع ٣ : ٤٩٥.

(٦) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٤٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٦٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٠.

(٧) الصدوق في المقنع : ١١٩ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٩٢.


فأوجبوه ؛ لصريح المعتبرة ، منها الصحيح : عن المفقود ، كيف يصنع بامرأته؟ فقال : « ما سكتت عنه وصبرت يخلّى عنها ، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه ، فإن خبّر عنه بحياة صبرت ، وإن لم يخبر عنه بشي‌ء حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود ، فقيل له : هل للمفقود مال؟ فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ، وإن لم يكن له مال قيل للولي : أنفق عليها ، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها ، وإن لم ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي (١) طلاق الزوج ، فإن جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين ، وإن انقضت العدّة قبل أن يجي‌ء أو يراجع فقد حلّت للأزواج ، فلا سبيل له عليها » (٢) ونحو الصحيح (٣) ، وما يقرب منه (٤).

وهو الأصحّ ، وعليها تحمل الموثقة ؛ لعدم صراحتها في عدم الطلاق ، فتقبل ذلك ، كقبول هذه الروايات حمل العدّة فيها على عدّة الوفاة ، كما صرّح بها في الموثقة ؛ لعدم التصريح فيها بعدّة المطلّقة ، ولذا اتفق الكلّ على اعتبار عدّة الوفاة.

وقصور الموثق سنداً وعدداً عن المقاومة للمعتبرة منجبر بالشهرة‌

__________________

(١) في الأصل : الوالي ، وما أثبتناه من المصدر ، وهو الأنسب.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٥٤ / ١٦٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٧٩ / ١٩٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٧ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٨ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٥.


العظيمة ، بل وفاق الطائفة ، كما حكاه بعض الأجلّة (١) ، فمخالفة من ندر (٢) في العدّة واعتباره عدّة الطلاق دون الوفاة فاسدة البتة.

قيل : وتظهر الثمرة في المدّة والحداد والنفقة (٣) ، فيجب الأخير على عدّة الطلاق دون الوفاة ، بعكس الثاني ، كما قيل (٤).

وفيه نظر ؛ لتصريح بعض من صرّح بعدّة الوفاة هنا بعدم لزوم الحداد (٥) ؛ للأصل ، واختص ما دلّ على لزومه بحكم التبادر بصورة تيقّن الموت لا مطلقاً ، وهو الأظهر.

وانتفاء النفقة على تقدير الثاني حسن مع استمرار الجهل أو تحقق الموت ، أمّا مع تحقق البقاء وحضوره قبل انقضاء العدّة ففيه إشكال : من كونها عدّة بينونة ، فلا نفقة ، ومن كونها في حباله ولا نشوز منها النفقة ، وهو الأولى ، وفاقاً لبعض أصحابنا (٦).

وكيف كان ( فإن جاء في العدّة فهو أملك بها ) وإن حكم بكونها عدّة وفاة بائنة ، بلا خلاف ؛ للأصل ، وصريح ما مضى من المعتبرة.

( و ) يستفاد منها أنّه لا يصير أحقّ بها إلاّ مع الرجعة ، فلو لم يرجع بانت منه ، ووجهه أنّ ذلك لازم حكم الطلاق الصحيح.

ثم المستفاد منها أيضاً أنّها ( إن خرجت ) من العدّة ( وتزوّجت

__________________

(١) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤١.

(٢) فمن المتقدمين الصدوق في المقنع : ١١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٤ ، ومن المتأخرين فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٣٥٤ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٤٩٧.

(٣) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦.

(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ١٤١.

(٥) التنقيح الرائع ٣ : ٣٤٨.

(٦) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٤٨.


فلا سبيل له ) عليها ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه ، كما حكاه جماعة من أصحابنا (١).

( و ) أمّا ( إن خرجت ) منها ( ولم تتزوّج فقولان ، أظهرهما ) وأشهرهما : ( أنّه لا سبيل له عليها ) هنا أيضاً ؛ للحكم ببينونتها شرعاً ، فالسبيل حينئذٍ مخالف للأصل جدّاً ، مع دلالة النصوص الماضية عليه صريحاً.

والقول الثاني للطوسي في النهاية (٢) ، مدّعياً هو كالماتن في الشرائع (٣) أنّ به رواية.

ولم نقف عليها ، وقد صرّح به جماعة (٤) ، فهو ضعيف ، كضعف ما علّل به : من بطلان طنّ وفاته فبطل ما يترتّب عليه ، أوّلاً : بأنّه يتّجه لو لم يوجب طلاقها بعد البحث ، أمّا معه كما مضى فلا.

وثانياً : بإمكان المناقشة فيه على تقدير عدم إيجابه والاكتفاء بأمر الشارع بالاعتداد ، فإنّه قائم مقام الطلاق ، ولذا صحّ لها النكاح ، وانتفى سبيله عنها بعده ، بلا خلاف ، هذا.

مع أنّه اجتهاد صرف في مقابلة النص ، سيّما الموثّق ؛ لتصريحه بالحكم المزبور مع ظهوره في الاكتفاء المذكور.

ومن هنا يظهر وجه القدح في القول بالتفصيل بأنّها إن بانت بالطلاق‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٥١.

(٢) النهاية : ٥٣٨.

(٣) الشرائع ٣ : ٣٩.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٠٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٥١ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٤٩٣.


فالأوّل ، وإن بانت بأمر الحاكم فالثاني (١).

( السابع : في عدّة الإماء والاستبراء ) هو لغةً : طلب البراءة ، وشرعاً : التربّص بالمرأة مدّة بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالاً ؛ لبراءة الرحم ، أو تعبّداً ، هذا هو الأصل ، وإلاّ فقد يجب الاستبراء بغير ذلك ، كأن وطئ أمة غيره شبهة.

وخصّ بهذا الاسم لأنّ التربّص مقدّر بما يدل على البراءة من غير تكرير وتعدّد فيه ، بخلاف التربّص الواجب بسبب النكاح ، فإنّه مأخوذ من العدد ؛ لما يقع فيه من تعدّد الأقراء والشهور ، فخصّ باسم العدّة ، وحكمه مضى في بحث التجارة.

بقي حكم العدّة ، فنقول : ( عدّة الأمة في الطلاق ) ونحوه ( مع الدخول ) بنكاح أو شبهة ، هذا القيد مستدرك ، كيف لا؟! ولا عدّة على من لم يدخل بها مطلقاً ، كما مضى (٢).

وكيف كان عدّتها ( قرءان ) بالنص ، وإجماع علماء الإسلام إلاّ داود ، فجعل عدّتها ثلاثة أقراء (٣). وهو مسبوق بالإجماع وملحوق به.

مضافاً إلى أنّها تكون على النصف ممّا عليه الحرّة في الأحكام ، والقرء لا يتبعّض ، وإنّما يظهر نصفه إذا ظهر كلّه بعود الدم.

وفي النبوي : « يطلّق العبد تطليقتين ، وتعتدّ الأمة بقرءين » (٤) ونحوه الباقري المروي صحيحاً (٥).

__________________

(١) قال به في المختلف : ٥٩٣.

(٢) في ص ٢٨٢.

(٣) انظر بداية المجتهد ٢ : ٩٣.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ٣٢٧ / ١١٩٣ ، سنن الدارقطني ٤ : ٣٨ / ١٠٤ ، ١٠٧.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٧ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ / ٤٦٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٥ / ١١٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ ح ١.


( وهما ) أي القرءان ( طهران ، على الأشهر ) بين الأصحاب ؛ لتفسير القرء بقول مطلق بما بين الحيضتين في الصحاح المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة في عدّة الحرّة ، وعليه يكون المراد بالقرءين في الخبرين : الطهرين.

خلافاً للإسكافي والعماني على احتمال ، فحيضتان (١) ؛ لصريح الصحيحين وغيرهما : « طلاق الأمة تطليقتان ، وعدّتها حيضتان » (٢).

وحملت الحيضة الثانية على الدخول فيها ، ولا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة ، وإن كان المصير إلى هذا القول لولا الشهرة العظيمة بخلافه في غاية القوّة ؛ لعدم معارض لتلك المعتبرة الصريحة صريحاً ، إلاّ ظواهر تلك المستفيضة المطلقة ، القابلة للتقييد بالحرّة ، وجعل الألف واللام فيها إشارة إلى أقرائها المذكورة في الآية ، وهذا الجمع أقوى ممّا ذكر بالبديهة ، والاحتياط العمل به البتّة.

كل ذا إذا كانت ذات عادة مستقيمة.

( و ) أمّا ( لو كانت مسترابة ) بالحيض ، فلا تحيض وهي في سنّ من تحيض ( فـ ) ـ عدّتها ( خمسة وأربعون يوماً ) إن طلّقت في أثناء الشهر ، أو في أوّله وكان الشهر تامّاً ، وأمّا إذا فقد الأمران كأن طلّقت في الأوّل ونقص الشهر فأربعة وأربعون يوماً ؛ نظراً إلى قاعدة التنصيف المستفادة من العمومات ، وخصوص الصحيح هنا : « عدّة الأمة حيضتان ، وإذا لم تكن تحيض فنصف عدّة الحرّة » (٣).

__________________

(١) نقله عنهما في التنقيح الرائع ٣ : ٣٥١ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٦١٩.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٥.

(٣) الكافي ٦ : ١٧٠ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ ح ٣.


والصحيح : « أجلها شهر ونصف » (١) ونحوهما غيرهما من المعتبرة (٢).

ويحتمل قويّاً حمل إطلاق بعض الفتاوي كالعبارة وغيرها على ذلك ، بورودها مورد الغالب ، وهو : وقوع الطلاق في أواسط الشهر ، أو أوّله مع غلبة تماميّته.

ونحوه الكلام فيما أُطلق فيه العدد في العبارة من المعتبرة ، كالموثق : « عدّة الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون يوماً » (٣) مع قصوره عن المقاومة لما مرّ سنداً وعدداً ، ولكنّه أحوط.

وأمّا الصحيح : عن الأمة إذا طلّقت ما عدّتها؟ قال : « حيضتان ، أو شهران » (٤) فشاذّ لا عمل عليه ، يمكن حمله على ما حمل عليه صدره ، ولعلّه بمعونة الإجماع هنا قرينة واضحة على صحة الحمل في الصدر من إرادة الدخول في الحيضة الثانية ، فيتقوّى القول المشهور في المسألة السابقة.

ولا ينافي الإجماع هنا احتياط الإسكافي بالشهرين (٥) ، كما حكي ؛ لظهور الاحتياط في الاستحباب الغير المنافي لما عليه الأصحاب ، وعلى تقدير المنافاة فلا قدح عليه أيضاً ؛ لمعلومية نسبه.

ولو كانت مسترابة بالحمل كان عليها الصبر بأشهر تسعة ، وفاقاً‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٩ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٥١ / ١٦٨٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٨ أبواب العدد ب ٤٠ ح ٧.

(٤) الكافي ٦ : ١٧٠ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٨ / ١٢٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٩ أبواب العدد ب ٤٢ ح ١.

(٥) كما حكاه عنه في المختلف : ٦١٩.


لشيخنا العلاّمة وبعض الأجلّة (١) ؛ التفاتاً إلى ظواهر النصوص الآمرة به في الحرّة (٢) ، التي هي كالصريحة في أنّ الصبر في تلك المدّة لاستعلام البراءة ، ولا يتفاوت فيه الحرّة والأمة.

لكن ظاهرها أنّ الصبر تلك المدّة ليس للعدّة ، بل إنّما هو لمعرفة البراءة ، وأمّا العدّة فهي الأشهر الثلاثة التي بعدها ، وبمقتضى ذلك يجب عليها الصبر هنا بعد التسعة بشهر ونصف البتة ، إلاّ أنّي لم أقف على مفتٍ بذلك ، بل هم ما بين مفتٍ بتسعة ، ومصرّحٍ بعدم وجوبها والاكتفاء بأشهر ثلاثة (٣) ؛ التفاتاً إلى ظهور الحمل في هذه المدّة ، واختصاص الآمرة بالزيادة بالحرّة.

والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

وأمّا لو كانت حاملاً فعدّتها كالحرّة بوضع الحمل ، وفاقاً لجماعة (٤) ، بل حكي عليه الإجماع (٥) ؛ لعموم الآية ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٦) ولا يتفاوت الحكم في جميع ذلك باختلاف الأزواج بالحرّية والرقّية ، بل يعمّ الصورتين.

و ( تحت عبدٍ كانت أو تحت حرٍّ ) بلا خلاف ؛ لعموم الأدلّة ، ومقتضاها أيضاً عموم الحكم لكلّ أمةٍ ، قنّاً كانت أو مدبّرة أو مكاتبة أو أُمّ‌

__________________

(١) العلاّمة في المختلف : ٦١٩.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥.

(٣) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : ٦١٩ ، واختاره في التنقيح ٣ : ٣٥٢.

(٤) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٧٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٥٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٢.

(٥) كما في نهاية المرام ٢ : ١٠٨.

(٦) الطلاق : ٤.


ولد زوّجها مولاها فطلّقها الزوج.

وأمّا المبعّضة فليست داخلة في عموم الأدلة ؛ لعدم التبادر ، وكونها من الأفراد النادرة ، فتعتدّ عدّة الحرّة ، لا لدخولها في أدلّتها ؛ لعين ما مرّ من المناقشة ، بل للاقتصار فيما خالف أصالة بقاء أحكام الزوجية التي منها حرمة النكاح من الغير على المتيقّن من العدّة ، وهي : عدّة الحرّة بلا خلاف ؛ مضافاً إلى إشعار بعض العبارات بالإجماع عليه (١).

( ولو أُعتقت ) الأمة ( ثم طلّقت لزمها عدّة الحرة ) إجماعاً ؛ لأنّها حينئذٍ حرّة.

( وكذا لو طلّقها رجعيا ثم أُعتقت في ) أثناء ( العدّة أكملت عدّة الحرّة ، ولو طلّقها بائناً أتمّت عدّة الأمة ) بلا خلاف بين الطائفة في المقامين ؛ للصحيحين (٢) المطلقين في العدّتين ، لكن يجمعهما بعد الوفاق المفصّل ، المعتبر سنداً بالعمل ، ووجود المجمع على تصحيح روايته فيه ، فلا يضرّ جهالة راويه : في أمةٍ تحت حرٍّ طلّقها على طهر بغير جماع تطليقة ، ثم اعتقت بعد ما طلّقها بثلاثين يوماً ولم تنقض عدّتها ، قال : « إذا أُعتقت قبل أن تنقضي عدّتها اعتدّت عدّة الحرّة من اليوم الذي طلّقها ، وله عليها الرجعة قبل انقضاء العدّة ، فإن طلّقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ، ثم اعتقت قبل انقضاء عدّتها ، فلا رجعة له عليها ، وعدّتها عدّة الأمة » (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٨.

(٢) الأوّل في : التهذيب ٨ : ١٣٥ / ٤٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٥ / ١١٩٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٣ أبواب العدد ب ٥٠ ح ٣.

الثاني في : التهذيب ٨ : ١٣٥ / ٤٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٥ / ١١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٣ أبواب العدد ب ٥٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ١٣٥ / ٤٧١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٣ أبواب العدد ب ٥٠ ح ٢.


وهو وإن لم يدل على عموم الحكم في البائنة مطلقاً صريحاً ، إلاّ أنّه ربما يستشعر من صدره بل وذيله اشتراط جواز الرجعة في ثبوت عدّة الحرة ، ودورانه مداره ، مع عدم القائل بالفصل في أنواع المطلقة البائنة.

ووجِّه التفصيل زيادةً على الرواية بأنّها في الأوّل في حكم الزوجة ، وقد اعتقت ، فيلزمها عدّة الحرّة ، وفي الثاني في حكم الأجنبية ، فلا يقدح عتقها في العدّة في الحكم عليها بعدّة البائنة.

( وعدّة الذمّية ) التي ليست بأمة ( كالحرّة ) المسلمة ( في ) كلّ من ( الطلاق والوفاة ، على الأشبه ) الأشهر بين الطائفة ، بل ادّعى عليه الوفاق بعض الأجلة (١) ، وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى عموم الكتاب والسنّة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة في العدّة الأخيرة ، منها الصحيح : عن النصرانية مات عنها زوجها ، وهو نصراني ، ما عدّتها؟ قال : « عدّة الحرّة المسلمة أربعة أشهر وعشراً » (٢).

ونحوه الموثق (٣) ، إلاّ أنّه صريح في أنّ عدّتها في الطلاق عدّة الإماء ، معلِّلا بأنّهنّ مماليك الإمام ، ولأجل هذا التعليل لا يمكن حمله على كون النصرانية المسئول عنها أمة لا مطلقا.

وهذا التعليل مستفيض في النصوص ، لأجله تنهض بالدلالة على المستفادة من هذه الموثقة من أنّ عدّتها في الطلاق عدّة الأمة ، مع تأيّده بمفهوم الخبرين ، أحدهما الصحيح : في أُمّ ولد لنصراني أسلمت ،

__________________

(١) الحدائق ٢٥ : ٥٠٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٧٥ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٩١ / ٣١١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٧ أبواب العدد ب ٤٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٧٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٧٨ / ١٩١٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٦ أبواب العدد ب ٤٥ ح ١.


أيتزوّجها المسلم؟ قال : « نعم ، وعدّتها من النصراني إذا أسلمت عدّة الحرّة المطلّقة ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء » الخبر (١).

وأظهر منه الثاني : « عدّة العِلجة (٢) إذا أسلمت عدّة المطلّقة إذا أرادت أن تتزوّج غيره » (٣).

إلاّ أنّ فيه قطعاً وجهالةً ، وفي الصحيح وما تقدّمه من الموثقة والتعليل المأثور في المستفيضة قصوراً عن المقاومة لما مرّ من عموم الكتاب والسنّة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، كما حكاه بعض الأجلّة ، ومع ذلك مؤيّدة بأصالة بقاء حرمة الزوجية.

مضافاً إلى ندرة القائل بما في الموثّقة ، بل لم نقف عليه بالمرّة ، وقد صرّح بذلك جماعة (٤) ، ونصّ بعضهم بأنّها مطرحة (٥) ، وما هذا شأنه لا سبيل للعمل به البتّة.

( وتعتدّ الأمة ) غير ذات الولد من مولاها ( من الوفاة ) وفاة الزوج ( بشهرين وخمسة أيّام ) عند أكثر القدماء والمتأخّرين ، بل لعلّه عليه عامتهم ، إلاّ من ندر من متأخّريهم (٦) ؛ لقاعدة التنصيف ممّا عليه الحرّة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٧٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٩١ / ٣١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٨ أبواب العدد ب ٤٦ ح ١.

(٢) العِلج : الرجل من كفّار العجم وغيرهم. النهاية لابن الأثير ٣ : ٢٨٦ ، المصباح المنير : ٤٢٥ مجمع البحرين ٢ : ٣١٩.

(٣) الكافي ٦ : ١٧٥ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٨ أبواب العدد ب ٤٦ ح ٢.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٤١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٣.

(٥) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٥٢.

(٦) الجامع لابن سعيد : ٤٧١ ، انظر زبدة البيان للمحقق الأردبيلي : ٥٩٨.


وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة بنفسها في بعض ، وبالشهرة العظيمة في آخر ، ففي الصحيح : « الأمة إذا توفّي عنها زوجها فعدّتها شهران وخمسة أيام » (١).

خلافاً للصدوق والحلّي وظاهر الكليني (٢) ، فكالحرّة ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، إلاّ أنّ بعضها مختصّ بذات الولد من المولى ، وسيأتي إليه الإشارة (٣).

وفي الصحيح : « كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّةً كانت ، أو أمة ، أو على أي وجهٍ كان النكاح منه متعة ، أو تزويجاً ، أو ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً » الخبر (٤).

وفيه : « إنّ الحرّة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلاّ أنّ الحرّة تحدّ ، والأمة لا تحدّ » (٥).

وفي القوي : « عدّة المملوكة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٥٤ / ٥٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٧ / ١٢٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦١ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٩.

(٢) الصدوق في المقنع : ١٢١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٣٥ ، الكليني في الكافي ٦ : ١٧٠.

(٣) في ص ٣٢٧.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٩٦ / ١٤٠٨ ، التهذيب ٨ : ١٥٧ / ٥٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٠ / ١٢٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٥ أبواب العدد ب ٥٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٧ / ١٢٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٩ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٢.

(٦) التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٧ / ١٢٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٠ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٥.


وحملت هذه الروايات في المشهور بين المتأخّرين بذات الولد من المولى ، والأخبار المتقدمة بغيرها ؛ جمعاً ، والتفاتاً إلى الصحيحين الآتيين (١) ، الصريحين في اعتداد ذات الولد بعدّة الحرّة.

وفيه نظر ؛ لأنّه فرع التكافؤ ، وليس ؛ لمخالفة الأخبار الأوّلة لظاهر إطلاق الكتاب وموافقتها للتقية ، كما حكاه خالي العلاّمة (٢) طاب ثراه.

ومع ذلك فإنّ بعض الروايات الأخيرة كالصريح في العموم لغير ذات الولد.

ومع ذلك فإنّ هذه الأخبار معتضدة بإطلاق كثير من المعتبرة باعتداد الزوجة على الإطلاق أربعة أشهر وعشراً (٣) ، الشاملة للحرّة والأمة ، وبما مضى من اعتداد المتعة في الوفاة بعدّة الحرّة (٤) ، الظاهر في الدلالة على الحكم في المسألة بضميمة صحيحة زرارة أنّ على المتعة ما على الأمة (٥).

ومؤيّدة بما مضى في المسألة السابقة (٦) من المعتبرة الصريحة في أنّ عدّة الذميّة في الوفاة كعدّة الحرّة ، مع تصريح بعضها بالحكم في الأمة ، وأنّها كذلك أيضاً ، وبأنّ الذمّية أمة للإمام 7 ، كما صرّحت به المعتبرة الأُخر ، فترجع دلالتها بمعونة التعليل إلى أنّ كلّ أمة حكمها في عدّة الوفاة كالذمّية التي هي أمة.

__________________

(١) في ص ٣٢٧ ، ٣٢٨.

(٢) ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٩٨.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٢٣٥ أبواب العدد ب ٣٠.

(٤) راجع ص ٣٠٨.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٩٦ / ١٤٠٨ ، التهذيب ٨ : ١٥٧ / ٥٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٠ / ١٢٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٥ أبواب العدد ب ٥٢ ح ٢.

(٦) راجع ص ٣٢٣.


وليس في الروايات الأوّلة من المرجّحات سوى الشهرة العظيمة في خلاف هذا القول ، ولعلّها بمجرّدها غير مكافئة لما في هذه الروايات من المرجّحات المذكورة ، المورثة للظنّ القويّ غاية القوّة ، ومع ذلك فالاحتياط بمراعاتها البتّة ، بل لا يجوز العدول عنه ؛ تمسّكاً بأصالة الحرمة.

وأمّا الاستشهاد بالصحيحين على التفصيل فليس في محلّه ؛ إذ غايتها إثبات الحكم في ذات الولد ، وهو غير ملازم لنفيه عمّا عداها ، إلاّ بنوعٍ من التوجيه المتمشّى في أحدهما خاصة ، قد قرّرناه في بحث عدّة المتعة ، ولكنّه معارض بما في ذيله المنافي له ، المشعر بالعموم ، كما يأتي.

كلّ ذا إذا كانت حائلاً.

( ولو كانت حاملاً اعتدّت مع ذلك ) وهو العدد : شهران وخمسة أيّام ( بالوضع ) بأن تجعل العدّة أبعدهما ، إجماعاً ، حكاه جماعة (١) ؛ جمعاً بين عمومي الآية ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٢) مع عدم مخصّصٍ لها صريحاً ، وما قدّمناه من المعتبرة باعتبار المدّة ، بحملها على الحائل أو الحامل التي تضع في أقلّ من المدّة ، وحمل الآية على غيرها.

كلّ ذا في الأمة غير ذات الولد من المولى.

( و ) أمّا ( أُمّ الولد ) منه ( فتعتدّ من وفاة الزوج ) مطلقا ، كانت ذات ولد منه أم لا ، إجماعاً ( كالحرّة ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ لعموم الأدلّة المتقدّمة من الكتاب والسنّة السليمة عن‌

__________________

(١) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٤٩ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١١٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٤٩.

(٢) الطلاق : ٤.


معارضة الأخبار المتقدّمة باعتدادها بالنصف ممّا على الحرّة ؛ لاختصاصها بحكم التبادر والغلبة بغير ذات الولد البتة.

مضافاً إلى الصحيحين ، في أحدهما : عن رجل كانت له أُمّ ولد ، فزوّجها من رجل ، فأولدها غلاماً ، ثم إنّ الرجل مات فرجعت إلى سيّدها ، إله أن يطأها؟ قال : « تعتدّ من الزوج أربعة أشهر وعشراً ، ثم يطؤها بالملك من غير نكاح » (١).

وفي الثاني : « إنّ علياً 7 قال في أُمّهات الأولاد : لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشراً ، وهنّ إماء » (٢).

وهما مع صحتهما وصراحتهما في المطلوب واعتضادهما بالأُصول والعمومات معتضدان بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، ومع ذلك سليمان عمّا يصلح للمعارضة ؛ لما مرّ إليه الإشارة ، وليس فيهما إشارة إلى التقييد بذات الولد المستلزم للنفي عمّا عداها.

نعم في الثاني ربما كان فيه دلالة عليه ، من حيث وقوع السؤال في صدرها عن عدّة مطلق الأمة ، واختصاص الجواب المتضمّن لعدّة الحرّة بأُمّ الولد المشعر بذلك.

وفيه نظر ؛ إذ هو حيث لا يمكن استفادة حكم مطلق الأمة منه ، وليس إلاّ مع فقد قوله في الذيل : « وهنّ إماء » المشعر بالعموم ، وورود الحكم على مطلق الأمة ، وكأنّه 7 أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضيّة‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٧١ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٣١ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٨ / ١٢٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٩ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٧٠ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٨ / ١٢٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٩ أبواب العدد ب ٤٢ ح ١.


علي 7 في أُمّهات الولد ، لكن لمّا كان ربما يتوهّم منه الاختصاص بهنّ ذكر 7 أنّ حكمه عليهنّ كان في حال كونهنّ إماءً ولسن بحرائر ، وهذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد.

وكيف كان فاعتداد ذات الولد بعدّة الحرّة ليس محلّ شبهة ، وإن حكي عن أكثر القدماء المخالفة (١) ، والاعتداد بنصف ما على الحرّة ، إلاّ أنّها ضعيفة البتّة.

ثمّ ظاهر العبارة عدم اعتداد أُمّ الولد من المولى من موته بتلك المدّة ، بل اعتدادها من موت الزوج خاصّة ، وحكي عن الحلّي (٢) صريحاً ، مع حكمه بأنّ عليها الاستبراء خاصة ، ونفى عنه البأس في المختلف (٣) ، وجزم به في موضع من التحرير (٤) شيخنا العلاّمة ؛ للأصل ، واختصاص العدّة بالزوجة.

وفيه نظر ؛ للمنع عنهما بعد ورود المعتبرة باعتداد الأمة من موت المولى عدّة الحرّة ، منها الصحيح السابق في أُمّهات الأولاد : « لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشراً » (٥).

وهو نصّ في أُمّ الولد ، وعام لموت الموالي والأزواج ، ولعلّه ظاهر في الأوّل ، ويؤيّده الصحيح المتقدّم (٦) ، المعمِّم للحكم في كل زوجة وموطوءة ولو بالملك.

__________________

(١) حكاه عنهم الشهيد في المسالك ٢ : ٤٩.

(٢) السرائر ٢ : ٧٣٥.

(٣) المختلف : ٦١١.

(٤) التحرير ٢ : ٧٥.

(٥) المتقدم في ص ٣٢٨.

(٦) في ص ٣٢٥.


والصحيح : يكون الرجل تحته السرية فيعتقها ، فقال : « لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر ، وإن توفّي عنها مولاها فعدّتها أربعة أشهر وعشراً » (١).

والموثق : عن الأمة يموت سيّدها؟ فقال : « تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها » (٢).

وفي الخبر ، بل الحسن : في الأمة إذا غشيها سيّدها ، ثم أعتقها « فإنّ عدّتها ثلاث حيض ، فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشراً (٣) » (٤).

وفي الاستدلال بهذه الرواية مع قصور سندها وكذا بالصحيحة الثانية كما وقع عن جماعة (٥) نظر ؛ لظهورهما في الاعتداد بعدّة الحرّة بعد أن صارت معتقة ، وليستا حينئذٍ من محلّ البحث في شي‌ء ، بل لموردهما حكم على حدة ، يأتي إليه الإشارة.

فانحصر الأدلّة في الصحيحين الأوّلين والموثقة ، وهي كافية في الحجّة ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة ، كما يظهر من بعض الأجلّة (٦) ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٧١ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٥٦ / ٥٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٢ أبواب العدد ب ٤٣ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٧١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٥٥ / ٥٣٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٠ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٤.

(٣) كذا ، وفي الكافي والوسائل : وعشر ، ولعلّه الأنسب.

(٤) الكافي ٦ : ١٧١ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٥٥ / ٥٣٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٣ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٥.

(٥) منهم الشيخ في التهذيب ٨ : ١٥٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٩ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١١٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٣.

(٦) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٩.


وحكي عن الطوسي والحلبي وابن حمزة وموضع من التحرير وشيخنا الشهيد في اللمعة (١) ، واختاره من المتأخّرين عنهم جماعة (٢) ، مدّعين كون تلك المعتبرة عن المعارض سليمة.

وليس كذلك ؛ فإنّ الرواية الأخيرة ظاهرة في اشتراط الغشيان ثم الإعتاق في الاعتداد بالمدّة المزبورة ، ولازمه عدمه بعدم الإعتاق ، وحيث لا قائل بعد ثبوت العدم بعدّة اخرى سوى الاستبراء استقرّ دلالتها بعدم الاعتداد مطلقا مع عدم الإعتاق ، كما هو مفروض البحث ، وسند الرواية ليس بذلك الضعيف ، بل ربما يعدّ من الحسن ، ومع ذلك معتضد بالأصل المتيقّن ، وعمومات ما دلّ على أنّ على الأمة الاستبراء خاصّة ، من دون تفصيل بين موت مواليهنّ وعدمه ، ومؤيّد بموافقة فتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد ، فالقول به لا يخلو عن قوّة.

إلاّ أنّ الشهرة في جانب الأخبار السابقة ربما غلبت المرجّحات المزبورة ، مع الاعتضاد بأصالة بقاء الحرمة ، فهو الأقوى في المسألة.

إلاّ أنّ منشأ القوّة إنّما هو الشهرة ، فلندر مدارها ، وإنّما هو ذات الولد خاصّة ، وأمّا غيرها كالأمة المحضة الغير المتشبثة بذيل الحرّية فإنّ المشهور أنّ عليها الاستبراء خاصّة ؛ عملاً بما قدّمناه من الأدلّة.

خلافاً للطوسي (٣) ، فساوى بينهما في العدّة ؛ عملاً بإطلاق تلك المعتبرة.

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٥٣٦ ، الحلبي في الكافي : ٣١٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٨ ، التحرير ٢ : ٩٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٧٠.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٥٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٣.

(٣) انظر الاستبصار ٣ : ٣٤٧ ، والتهذيب ٨ : ١٥٥.


وهي مع عدم الشهرة غير مكافئة لأصالة البراءة ، والعمومات السابقة ، مع مفهوم الرواية المتقدّمة ، المعتضد جميع ذلك هنا بالشهرة العظيمة فيخصّ بها عموم الصحيحة والموثقة ، ويجعل المراد منها أُمّهات الأولاد خاصّة.

ومفهوم الرواية السابقة وإن عمّت أُمّهات الأولاد ، إلاّ أنّها مخصّصة بغيرهنّ بعموم الصحيحة المتقدّمة فيهنّ ، الشاملة لذوات الأزواج وغيرهنّ ، فتأمّل.

ولعلّ هذا هو وجه الحكمة في عدم موافقة أحدٍ من الطائفة للشيخ في المسألة ، ولا عجب فيه ، كما ذكره بعض الأجلّة (١).

ثم كلّ ذا إذا لم تكن حين وفاته مزوّجة ، وإلاّ فلا عدّة عليها من وفاته ، بإجماع الطائفة ، كما حكاه جماعة (٢) ؛ للأصل ، واختصاص المثبتة من المعتبرة بحكم التبادر بغيرها بالضرورة.

ثم ظاهر اشتراط الغشيان في الرواية السابقة أنّه لا عدّة عليها مع عدمه ، ونحوها المعتبر ، بل الصحيح : في المدبّرة إذا مات مولاها : « إنّ عدّتها أربعة أشهر وعشراً (٣) من يوم يموت سيّدها ، إذا كان سيّدها يطؤها » الخبر (٤).

وهو وإن كان مورده المدبّرة ، إلاّ أنّه بالفحوى يدل على الحكم في‌

__________________

(١) وهو الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٩.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٥١٤.

(٣) كذا ، وفي الكافي والوسائل ، وعشرٌ ، ولعلّه الأنسب.

(٤) الكافي ٦ : ١٧٢ / ٨ ، التهذيب ٨ : ١٥٦ / ٥٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٤ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٧.


المسألة ، فإنّها مع حرّيتها إذا كانت لا تعتدّ بالأربعة أشهر وعشراً ، فالأولى أن لا تعتدّ بها مع رقّيتها جدّاً ، وهو ظاهر الفتاوي أيضاً ؛ لاختصاصها بالمدخول بها دون غيرها ، وبهما يقيّد إطلاق ما مضى من المعتبرة ، مع أنّها المتبادرة منهما خاصّة ، لكن هذا في العدّة عن وفاة المولى ، وأمّا الزوج فالحكم عامّ للمدخول وغيرها قطعاً ؛ لإطلاق النص والفتوى ، مع عدم معارض لهما أصلاً.

( و ) يتفرع على ما ذكرناه من اعتداد الأمة ذات الولد من وفاة الزوج بعدّة الحرّة ، وغيرها بعدّة الأمة أنّه ( لو طلّقها ) أي ذات الولد ( الزوج ) طلاقاً ( رجعيّاً ، ثم مات وهي في العدّة استأنفت عدّة الحرّة ) لأنّها بمنزلة الزوجة ، ويدلُّ عليه إطلاق أكثر المعتبرة بإثبات هذا الحكم في الحرّة المطلّقة المتوفّى عنها زوجها في عدّتها الرجعية.

( و ) لازم ذلك أنّها ( لو لم تكن ذات ولد استأنفت عدّة الأمة للوفاة ) وأنّها لو طلّقت بائنة استمرّت على عدّتها السابقة ؛ لعين ما ذكرناه في الحرّة المتوفّى عنها زوجها في العدّة البائنة من الأصل وغيره ، سوى الرواية ؛ لظهور اختصاصها بحكم السياق بالحرّة دون الأمة ، ولكن فيما عداها كفاية ، مع إمكان الاستدلال لها بفحواها ، كما لا يخفى (١) ، فتأمّل جدّاً.

( ولو مات زوج الأمة ) غير ذات الولد ( ثم أعتقت ) في العدّة ( أتمّت عدة الحرّة تغليباً لجانب الحرّية ) واستصحاباً للحرمة السابقة ،

__________________

(١) فإنّ الحرّة مع الاتفاق على وجوب عدّة الوفاة عليها ولو في الجملة إذا لم تجب عليها إذا توفي عنها زوجها في العدّة البائنة فلان لا تجب على الأمة التي اختلف في أصل وجوب هذه العدّة عليها أولى. ( منه 1 ).


والتفاتاً إلى عموم الأدلّة من الكتاب والسنّة باعتداد مطلق الزوجة حرّة كانت أو أمة بأربعة أشهر وعشراً ، خرجت منه الأمة المحضة الغير المعتقة بالمرّة بأخبارها الماضية المختصّة على تقدير تسليمها بها من حيث التبادر جدّاً.

مضافاً إلى خصوص بعض النصوص هنا ، كالصحيح : في أمة طلّقت ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدّتها ، فقال : « تعتدّ بثلاث حيض ، فإن مات عنها زوجها ، ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدّتها ، فإنّ عدّتها أربعة أشهر وعشراً » (١) ونحوه غيره (٢).

( ولو وطئ المولى أمته ثم أعتقها ) في حياته ( اعتدّت بثلاثة قروء ) إن كانت غير مسترابة ، وتعتدّ هي بالأشهر الثلاثة على الأظهر الأشهر بين الطائفة ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : في المدبّرة إذا مات مولاها : « إنّ عدّتها أربعة أشهر وعشراً من يوم يموت سيّدها ، إذا كان سيّدها يطؤها » قيل له : فالرجل يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو بيوم ثم يموت ، فقال : « هذه تعتدّ بثلاث حيض أو ثلاثة قروء من يوم أعتقها سيّدها » (٣) وبمعناه الخبران الآخران في اعتبار الاعتداد بالأقراء (٤).

وفي الصحيحين وغيرهما : « لا يصلح للسرية المعتقة أن تنكح حتى‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٥٢ / ١٦٨٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٢ أبواب العدد ب ٥٠ » ح ١.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٧٢ أبواب العدد ب ٥٠.

(٣) الكافي ٦ : ١٧٢ / ٨ ، التهذيب ٨ : ١٥٦ / ٥٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٤ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٧.

(٤) الكافي ٦ : ١٧٢ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٥٦ / ٥٤١ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٨ / ١٢٤٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٤ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٦.


تنقضي عدّتها ثلاثة أشهر » (١).

خلافاً للحلّي (٢) ، فأوجب الاستبراء خاصّة ؛ لما مضى من الأدلّة قريباً.

وهي مخصَّصة بهذه النصوص التي هي مع صحة أكثرها ، واعتبار باقيها معتضدة بالشهرة ، ومؤيّدة بأصالة بقاء الحرمة ، ولذا لم يوافقه أحد من الطائفة ، فخلافه ضعيف ، كضعف خلافه فيما يستفاد من الصحيحة الاولى : من اعتداد المدبّرة الموطوءة من وفاة المولى بأربعة أشهر وعشراً ، وهي مع صحة سندها ، واعتضادها بالشهرة المحكية ، وتأيّدها بالأصالة المتقدّمة معتضدة بإطلاق كثير من المعتبرة ، منها الصحيح : الرجل يكون تحته السرية فيعتقها ، فقال : « لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي عدّتها ثلاثة أشهر ، وإن توفّي عنها مولاها فعدّتها أربعة أشهر وعشراً » (٣).

وقيّده وغيره أكثر الأصحاب تبعاً للشيخ (٤) بالتدبير.

وفيه نظر ؛ لأنّه كالنص في العتق المنجّز.

وأصرح منه المرسل كالصحيح ، إلاّ أنّ فيه قطعاً : في رجل أعتق أُمّ ولده ، ثم توفّي عنها قبل أن تنقضي عدّتها ، قال : « تعتدّ بأربعة أشهر وعشراً ، وإن كانت حبلى اعتدّت بأبعد الأجلين » (٥) فتأمّل.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٢ : ٢٦٢ أبواب العدد ب ٤٣ ح ١ ، ٨.

(٢) السرائر ٢ : ٧٤٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٧١ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٥٦ / ٥٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٢ أبواب العدد ب ٤٣ ح ١.

(٤) الشيخ في الاستبصار ٣ : ٣٤٩ ، والنهاية : ٥٣٦ ، وتبعه ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩ ، والحلي في السرائر ٢ : ٧٤٤ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٤١ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٧٣.

(٥) الكافي ٦ : ١٧٢ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٤ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٩.


والعمل بهما أحوط ، سيّما مع تأيّدهما بإطلاق الخبرين ، بل ظاهرهما ، في أحدهما : في الأمة إذا غشيها سيّدها ثم أعتقها : « فإنّ عدّتها ثلاث حيض ، فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشراً » (١).

وفي الثاني : عن رجل أعتق وليدته عند الموت؟ فقال : « عدّتها عدّة الحرّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً » (٢).

ولكن في تعيّن المصير إليهما نظر ؛ لعدم مكافأتهما لما مرّ من الصحيح ، المصرح بعدم الاعتداد بعدّة الوفاة مع تنجّز الإعتاق ، المعتضد بفتوى أكثر الأصحاب ، وإطلاق ما مرّ من النصوص من اعتداد الأمة المطلقة بالإعتاق بالأقراء أو الأشهر من دون تفصيل بين موت المولى وعدمه.

مضافاً إلى قصور الأخبار الأخيرة بالقطع في الأوّل ، والضعف على الأشهر في الثاني ، وبلا خلاف في الثالث ؛ مع ورود خبرين منها في أُمّ الولد ، المحتمل قولهم بذلك فيها ؛ ومخالفتها الاعتبار ، من حيث إنّ الإعتاق كالطلاق البائن ، ومن حكمه كما مرّ عدم استئناف عدّة الوفاة لو تحقّق في عدّته.

إلاّ أنّ المسألة بعد لا تخلو عن ريبة ؛ لكثرة الروايات المقابلة للصحيحة ، وبلوغها حدّ الاستفاضة ، وهي مع ذلك ما بين صريحة وظاهرة ، ومعتبر أسناد بعضها ، مع اعتضادها أجمع بأصالة بقاء الحرمة ، وفتوى جماعة كإطلاق عبارة الحلبي وظاهر عبارة ابن حمزة (٣) ويظهر من‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٧١ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٥٥ / ٥٣٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٩ / ١٢٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٣ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ١٧٢ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٥٦ / ٥٤١ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٨ / ١٢٤٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٤ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٦.

(٣) الحلبي في الكافي : ٣١٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩.


المختلف (١) الميل إليها أو التردّد ، فالاحتياط فيها لازم البتّة.

( ولو كانت زوجة الحرّ أَمةً فابتاعها ) كلاًّ أو بعضاً ( بطل نكاحه ) بلا خلاف ، بل قيل : إجماعاً (٢) ؛ لصيرورتها بالشراء مملوكة ، فيبطل النكاح رأساً ؛ لأنّ التفصيل في الآية (٣) قاطع للشركة جدّاً.

والأجود الاستدلال عليه بالموثق ، مع ضميمة عدم القول بالفصل : عن رجلين بينهما أمة ، فزوّجاها من رجل ، ثم إنّ الرجل اشترى بعض السهمين؟ فقال : « حرمت عليه » (٤).

مضافاً إلى الاستئناس لذلك بالإجماع ، والمعتبرة المستفيضة (٥) ببطلان نكاح الحرّة إذا اشترت زوجها المملوك أو انتقل إليها مطلقا ، مع ما في بعضها من التعليل الذي يناسب التعميم والشمول لما نحن فيه ، وهو الصحيح : عن امرأة حرّة تكون تحت المملوك ، فتشتريه ، هل يبطل نكاحه؟ قال : « نعم ؛ لأنّه عبد مملوك لا يقدر على شي‌ء » (٦).

( وله وطؤها ) مع شرائها كلاًّ ( من غير استبراء ) إجماعاً ؛ لعموم الأدلّة بحلّ وطء المملوك الشاملة لمفروض المسألة ؛ مضافاً إلى استصحاب الإباحة السابقة.

__________________

(١) المختلف : ٦١٦.

(٢) نهاية المرام ٢ : ١١٥.

(٣) النساء : ٢٥ ، المؤمنون : ٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٨٤ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٨٥ / ١٣٥٥ ، التهذيب ٨ : ١٩٩ / ٦٩٩ ، الوسائل ٢١ : ١٥٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٦ ح ١.

(٥) الوسائل ٢١ : ١٥٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩.

(٦) الكافي ٥ : ٤٨٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٠٥ / ٧٢٤ ، الوسائل ٢١ : ١٥٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٩ ح ٢.


ومنه يظهر عدم لزوم الاستبراء مع أصالة البراءة عن أصله ، إلاّ ما قام الدليل على إثباته فيه ، وليس ما نحن فيه منه ؛ لاختصاص المثبت له بغيره ، مع انتفاء حكمة أصل مشروعيّته من عدم اختلاط المياه واضطراب الأنساب فيه ، كيف لا؟! والماء لواحدٍ ، فلا اختلاط ولا اضطراب.

مضافاً إلى التأيّد بالنصوص المثبتة للحكم في نظير المسألة ، وهو : جواز تزويج الرجل بجاريته المعتقة من قبله من غير عدّة ، منها الصحيح : الرجل يعتق سرّيته ، أيصلح له أن ينكحها بغير عدّة؟ قال : « نعم » قلت : فغيره؟ قال : « لا ، حتى تعتدّ ثلاثة أشهر » (١) ونحوه غيره من المعتبرة (٢) ، فلا إشكال بحمد الله تعالى في المسألة.

وأمّا مع شرائها بعضاً فليس له وطؤها جدّاً ؛ لما مضى (٣) ، إلاّ مع تحليل الشريك إذا كان غيرها ، على قول قد مضى في بحث النكاح (٤) ، خلافاً لأكثر أصحابنا.

وأمّا إذا كانت هي الشريك فلا يحلّ وطؤها بتحليلها إجماعاً ، نصاً وفتوى.

( تتمّة )

النفقة واجبة للرجعيّة في زمن العدّة ، وكذا السكنى والكسوة بالشرائط المعتبرة ، وكذا للبائنة إذا كانت ذات حمل ، أمّا بدونه فلا ، والبحث في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٦ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٣ أبواب العدد ب ٤٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٦٢ أبواب العدد ب ٤٣.

(٣) راجع ص ٥١٥٥.

(٤) راجع ص ٥١٥٦ ، ٥١٥٧.


جميع ذلك قد مضى.

ويتفرع عليه في الجملة أنّه ( لا يجوز لمن طلّق ) زوجته طلاقاً ( رجعيّاً أن يخرج الزوجة من بيته ) الذي طلّقت فيه ، إذا كان مسكن أمثالها ، وإن لم يكن مسكنها الأوّل ، فإن كان دون حقّها فلها طلب المناسب والخروج إليه ، أو فوقه فله ذلك ؛ اقتصاراً في المنع على المتيقّن المتبادر من الإطلاق ، ويحتمل العموم فليس لهما ذلك في المقامين ، وهو أحوط.

ولا فرق بين منزل الحضريّة والبدويّة ، البرّية والبحريّة.

والأصل فيه مضافاً إلى ما مرّ من وجوب الإسكان الكتاب ، والسنّة ، والإجماع من علماء الإسلام ، لكن دلالة الثاني على الحرمة قاصرة ، إلاّ أنّها بمعونة طرفيه متمّمة.

فلا ريب في الحرمة ( إلاّ أن تأتي بفاحشة ) مبيِّنة ، بنصّ الأدلّة الثلاثة.

( وهو ) على ما يتبادر منه عند الإطلاق في العرف والعادة ، وصرّح به جماعة (١) ( ما يجب به الحدّ ) فينبغي الاقتصار في الخروج عن المنع المتيقّن على القدر المقطوع به المسلّم.

مضافاً إلى المرسل في الفقيه : عن قول الله عزّ وجلّ ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (٢) قال : « إلاّ أن تزني ، فتخرج ، ويقام عليها الحدّ » (٣).

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٥٣٣ ، والطوسي في النهاية : ٥٣٤ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣١٨.

(٢) الطلاق : ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٢٢ / ١٥٦٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٠ أبواب العدد ب ٢٣ ح ٣.


وقصور السند بالأصل المتقدّم مجبور ، وضعف الدلالة على العموم في مطلق ما يوجب الحدّ كما هو المطلوب متمَّم بالإجماع المركّب.

( وقيل ) وهم الأكثر ، بل في الروضة أنّه المشهور (١) ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٢) : إنّ ( أدناه أن تؤذي أهله ) بقول أو فعل ؛ لعمومه لغةً لذلك ، وهو مقدّم على العرف. مضافاً إلى المرسلين المفسِّرين للآية بذلك (٣).

وفي الأوّل منع ، من حيث التقديم ، مع أنّه على تقديره مخالف للإجماع من حيث شموله لفواحش أُخر ، كترك الصلاة ، والصوم ، ونحو ذلك ، ممّا لا قائل بجواز الإخراج به.

وفي الثاني قصور السند المانع عن العمل ، سيّما مع معارضتهما بالمرسل المتقدّم ، المعتضد بالأصل المتيقّن ، إلاّ أنّ الشهرة والإجماع المتقدّم لعلّهما يجبران جميع ذلك ، فلا بُعد في المصير إليه ، وإن كان الأحوط الأوّل.

( و ) كما لا يجوز له إخراجها ( لا ) يجوز لها أن ( تخرج هي ) بنفسها من دارها التي طلّقت فيها ؛ لعين ما مضى من الأدلّة الثلاثة ، بزيادة ظهور دلالة السنّة على الحرمة ، من حيث تضمّنها الأوامر باعتداد المطلّقة في بيتها ، التي هي في الوجوب وحرمة الترك ظاهرة ، وهي مستفيضة :

__________________

(١) الروضة ٦ : ٧٧.

(٢) الخلاف ٥ : ٧٠.

(٣) أحدهما في : الكافي ٦ : ٩٧ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٠ أبواب العدد ب ٢٣ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ٩٧ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٠ أبواب العدد ب ٢٣ ح ٢.


ففي موثّقات ثلاثة : عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال : « في بيتها » (١) وزيد في أكثرها : « لا تخرج ، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ، ولا تخرج نهاراً ، وليس لها أن تحجّ حتى تنقضي عدّتها ». وإطلاقها كالآية ، وغيرها من المعتبرة ، وظاهر العبارة ، وصريح جماعة (٢) ، بل ادّعى عليه الشهرة جماعة (٣) عموم الحرمة لكل من صورتي الإذن من الزوج بالخروج وعدمه.

خلافاً للحلبي وجماعة (٤) ، فقيّدوها بالصورة الثانية ، بل ظاهر عبارة الفضل المحكيّة في الكافي الإجماع عليه في الأزمنة السابقة ، بل وادّعى أنّها المفهومة من عبارة الآية في اللغة ، قال : وإنّما الخروج والإخراج أن تخرج مراغمة ، أو يخرجها زوجها مراغمة ، وعلى أنّها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها ؛ لأنّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه ، وهذا الذي نهى الله تعالى عنه (٥).

وهو غير بعيد ، والمعتبرة شاهدة به ، ففي الصحيح (٦) ، ونحوه‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٢ : ٢١٣ أبواب العدد ب ١٨ ح ٣ ، ٤ ، وص ٢١٥ ب ١٩ ح ١.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٧٤ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٢٠ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٥٢٥.

(٣) منهم المجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٥٧ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٥٢٥ ، انظر آيات الأحكام للفاضل الجواد ٤ : ٣٠ ، والكفاية للفاضل الخراساني : ٢٠٨ وفيهما هذا القول منسوب إلى أكثر الأصحاب.

(٤) الحلبي في الكافي : ٣١٢ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦ ، والتحرير ٢ : ٧٥.

(٥) الكافي ٦ : ٩٥ ، ٩٦.

(٦) الكافي ٦ : ٨٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ١١٦ / ٤٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٣ / ١١٨٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٢ أبواب العدد ب ١٨ ح ١.


المقطوع (١) : « لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها » الخبر.

وفي الموثق : « المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها » (٢) ولا قائل بالفرق.

وبه يقيّد ما أُطلق فيه الإذن بالخروج إلى الحجّ وأداء الحقوق ، كالصحيح المقطوع : « المطلّقة تحجّ ، وتشهد الحقوق » (٣).

ويحتمل الحمل على الواجب ، فلها الخروج إليه ، كالاستمرار به لو كانت قبل الطلاق خارجة له ، بخلاف غيره ، فيجب عليها العود إلى منزله ، كما لو طلّقت وهي في غير مسكن.

ولا يتفاوت الحكم على هذا بين حالتي قبل الطلاق وبعده ، ولعلّ الحكمة في التعرض للنهي عن الخروج والإخراج في هذه الصورة احتمال توهّم انقطاع أحكام الزوجية ، التي منها النهي عن الأمرين بعد الطلاق ، فلا يجعل مثل هذا التعرض دليلاً أو شاهداً للأوّل ، ولكنّه أحوط.

وعليه فلو كانت في سفر مباح أو مندوب ففي وجوب العود إن أمكن إدراكها جزءاً من العدّة ، أو مطلقاً ، أو تتخيّر بينه وبين الاعتداد في السفر ، أوجه :

من إطلاق النهي عن الخروج من بيتها ، فيجب عليها تحصيل الكون به.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩١ / ١١ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٤ أبواب العدد ب ١٨ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٩١ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٣ / ١١٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٩ أبواب العدد ب ٢٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٩٢ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٣ / ١١٨٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٩ أبواب العدد ب ٢٢ ح ١.


ومن عدم صدق النهي هنا ؛ لأنّها غير مُستوطنة ، وللمشقّة ، وانتفاء الفائدة حيث لا تدرك جزءاً من العدّة.

وهذا أقوى ؛ لاختصاص النهي المطلق في النص والفتوى بحكم الوضع أو التبادر بغير محل الفرض جدّاً.

كلّ ذلك مع إمكان الرجوع ، وعدم الضرورة إلى عدمه ، ولا يجب العود معها قطعاً ؛ لمكان الضرورة المبيحة لعدمه على تقدير وجوبه وللخروج أيضاً.

( فإن اضطرّت خرجت ) إجماعاً ، لكن ( بعد انتصاف الليل ، وعادت قبل الفجر ) وجوباً ، على الأشهر ، بل لم أقف على مخالف إلاّ من بعض من ندر ممّن تأخّر (١).

والأصل فيه الموثّق الذي مرّ (٢) ، ولا قدح فيه من حيث الموثّقيّة والإضمار ، كما هو المقرّر ، مع أنّه على تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر ، فهو أظهر إن ارتفع به وبغيره الضرر ، وإلاّ بأن كان الدفع بالغير منحصراً جاز قولاً واحداً.

( ولا يلزم ذلك ) أي المنع عن كلّ من الخروج والإخراج ( في ) الطلاق ( البائن ) مطلقاً ، حائلاً كانت المطلّقة أو حاملاً.

( ولا المتوفّى عنها زوجها ) مطلقاً كذلك ( بل تبيت كلّ منهما ) وتعتدّ ( حيث شاءت ) بلا خلاف في الظاهر في المقامين ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (٣) ، وهو الحجة فيه.

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٥٠ ، وكفاية الأحكام : ٢٠٨.

(٢) في ص ٣٤٠.

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ٧٠ ٧١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦ ، والفاضل المقداد وفي التنقيح الرائع ٣ : ٣٥٧ وانظر نهاية المرام ٢ : ١٢٠ ، ومرآة العقول ٢١ : ١٥٤.


مضافاً إلى الأصل السالم عن معارضة ما دلّ على المنع ؛ لاختصاص الآية (١) بحكم ما في آخرها من العلّة بالرجعيّة ، وعلى تقدير الإطلاق يلزم تقييده كإطلاق الروايات في المطلّقة بها ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة بانت منه ساعة طلّقها ، وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتدّ حيث شاءت ، ولا نفقة لها » (٢) ونحوه غيره (٣).

ولا معارض لها من النصوص صريحاً ، سوى الإطلاقات المقيّدة بها وبالإجماع جدّاً.

وفي الصحيح : عن امرأة توفّي عنها زوجها أين تعتدّ ، في بيت زوجها ، أو حيث شاءت؟ قال : « حيث شاءت » الخبر (٤) ، ونحوه غيره (٥).

ولا معارض لها من إطلاقات الآية والأخبار أصلاً.

نعم في كثير من المعتبرة النهي عن بيتوتتها عن بيتها (٦) ، ولم أر عاملاً بها ، لأنّهم ما بين مصرّحٍ بحملها على الاستحباب ، ورادٍّ لها من أصلها.

وربما يوجد في المتأخّرين عامل بها ، مدّعياً عدم التعارض بينها‌

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) الكافي ٦ : ٩٠ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٣٢ / ٤٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٦ أبواب العدد ب ٢٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٢١ : ٥١٩ أبواب النفقات ب ٨.

(٤) الكافي ٦ : ١١٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٩١ / ٥٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٢ / ١٢٥٨ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٣ أبواب النفقات ب ٩ ح ٥.

(٥) الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٩.

(٦) انظر الوسائل ٢٢ : ٢٤١ أبواب العدد ب ٣٢.


وبين ما تقدّمها ؛ لتضمّنه التخيير والرخصة في الاعتداد بالعدّة أينما شاءت ، وليس فيها التعرض للنهي عن البيتوتة عن مكان العدّة ، وقد تضمّنته هذه المعتبرة ، فالعمل بها غير ملازم لترك ما قابلها ، بل فيه جمع بينهما (١).

وهو أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر ، من حيث عدم القائل بها ، بل وظهور اتفاقهم على ردّها ، وما هذا شأنه يلحق بالنادر الذي يجب ردّه أو تأويله.

ثم إنّ المطلّقة بائناً وإن جاز إخراجها ولو حاملاً ، إلاّ أنّه في الأخيرة ليس على إطلاقه جدّاً ، بل ينبغي تقييده بما إذا أخرجها إلى مسكن آخر ، لا مطلقاً ، فإنّ لها النفقة والسكنى ، كتاباً وسنّة وإجماعاً ، فالفرق بينها وبين المطلّقة رجعيّة حينئذٍ هو عدم جواز إخراجها مطلقاً ، ولو إلى مسكن آخر ، دون هذه ، فيجوز إخراجها إليه ، فتأمّل جدّاً.

( وتعتدّ المطلّقة من حين الطلاق ) مطلقاً ( حاضراً كان المطلِّق أو غائباً ) إجماعاً في الأوّل ، وعلى الأظهر الأشهر في الثاني ؛ للصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : في الغائب إذا طلّق امرأته : « أنّها تعتدّ من اليوم الذي طلّقها » (٢).

وإطلاقه كغيره إمّا ظاهر فيما ( إذا عرفت الوقت ) الذي طلّقت فيه بالبيّنة الشرعية أو القرائن القطعية.

أو مقيّد به ؛ للصحاح المصرِّحة بذلك ، المعتضدة بفتوى الطائفة ، منها الصحيح : عن المطلّقة يطلّقها [ زوجها ] فلم تعلم إلاّ بعد سنة؟ قال :‌

__________________

(١) المفاتيح ٢ : ٣٥٤ ، مرآة العقول ٢١ : ١٩٧.

(٢) الكافي ٦ : ١١٠ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٩١ / ٥٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٣ / ١٢٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٦ أبواب العدد ب ٢٦ ح ٣.


« إن جاء شاهدا عدلٍ فلا تعتدّ ، وإلاّ فلتعتدّ من يوم يبلغها » (١).

وإطلاقه كالصحيحين الآخرين (٢) يقتضي الاعتداد من يوم البلوغ مطلقاً ، ولو حصل القطع بتقدّم الطلاق عليه يوماً أو أزيد.

وربما يقيّد بصورة احتمال وقوع الطلاق فيه لقرب المسافة ونحوه ، وأمّا مع انتفائه وتيقّن سبق الطلاق يوم البلوغ فتعتدّ بالمتيقّن سبقه وتتمّه بالملتحق به ، ويكون المراد حينئذٍ من الاعتداد يوم البلوغ البناء عليه ولو باحتساب ما سبقه جزءاً من العدّة ، وليس المراد جعله ابتداءها.

وهو غير بعيد ، إلاّ أنّ المصير إلى الإطلاق أحوط ، وفاقاً لظاهر الماتن في الشرائع (٣).

وخلاف الحلبي (٤) هنا بالمصير إلى لزوم الاعتداد من حين البلوغ كالوفاة بعد الثبوت شاذّ ، ومستنده من أنّ العدّة عبادة فتفتقر إلى نيّة مع ما فيه من المنع ، فيه اطراح للصحاح.

( و ) تعتدّ الزوجة ( في الوفاة ) من حينه مع الحضور ، و ( من حين يبلغها الخبر ) مع الغيبة ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ، أحدها : في الرجل يموت وتحته امرأة وهو‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١١١ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٦٢ / ٥٦٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٤ / ١٢٦٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٨ أبواب العدد ب ٢٧ ح ٣ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) أحدهما في : الكافي ٦ : ١١٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٦٣ / ٥٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٥ / ١٢٧١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٨ أبواب العدد ب ٢٨ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ١١٢ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٨ أبواب العدد ب ٢٨ ح ٢.

(٣) الشرائع ٣ : ٤٦.

(٤) الكافي في الفقه : ٣١٣.


غائب ، قال : « تعتدّ من يوم يبلغها وفاته » (١).

خلافاً للإسكافي (٢) ، فجعلها كالأُولى في الاعتداد من حين الوقوع بعد الثبوت ، ولا قبله ، بل من حين البلوغ ؛ للخبرين ، أحدهما الصحيح : امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة ، فقال : « إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها ، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت له البيّنة أنّه مات في يوم كذا وكذا ، وإن لم يكن لها بيّنة فلتعتدّ من يوم سمعت » (٣).

ونحوه الثاني (٤) ، إلاّ أنّه قاصر السند ، وهو كالأوّل ضعيف المكافأة للمستفيضة المتقدّمة ، من حيث الاعتضاد بالاستفاضة ، والشهرة العظيمة ، والاحتياط ؛ لأصالة بقاء الحرمة ، فليطرحا ، أو يؤوّلا ، أو يحملا على التقية ، كما فعله بعض الأجلّة (٥).

وحملها على الرخصة كما في المسالك (٦) وارتضاه جماعة (٧) فرع المكافأة ، ومنافٍ للزوم العمل بالأخبار الراجحة وطرح المرجوحة.

وبالجملة : لا ريب في شذوذ هذا القول وضعفه ، كمختار التهذيب (٨) المفصِّل بما في الصحيح : المرأة يموت زوجها ، أو يطلّقها وهو غائب ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ١١٢ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٨ أبواب العدد ب ٢٨ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٦١٤.

(٣) التهذيب ٨ : ١٦٤ / ٥٧١ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٥ / ١٢٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣١ أبواب العدد ب ٢٨ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٨ : ١٦٤ / ٥٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٥ / ١٢٧٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣١ أبواب العدد ب ٢٨ ح ٩.

(٥) الوسائل ٢٢ : ٢٣١ ، الحدائق ٢٥ : ٥٤٢.

(٦) المسالك ٢ : ٥٦.

(٧) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٠٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٥٢.

(٨) التهذيب ٨ : ١٦٥.


قال : « إن كان مسيرة أيّام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر ؛ لأنّها لا بدّ أن تحدّ له » (١) لعين ما مضى ، بل بطريق أولى.

ثمّ لا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة في ظاهر العبارة ، كأكثر النصوص والفتاوي ، ولا يعارضها التعليل في بعضها بلزوم الحداد عليها وهو مختصّ بالحرّة جدّاً ؛ لغلبة أخصّيّة علل الشرع عن معلولاتها ، فلا يجسر مع ذلك على تقييد أكثر النصوص والفتاوي بها ، فجمود الروضة (٢) على العلّة ونفي العدّة عن الأمة ، وجعلها كالمطلّقة ، لعلّه ضعيف جدّاً ، ولذا لم يمل إليه في المسالك (٣) أصلاً.

ولا فرق أيضاً في الخبر الذي تعتدّ من يومه بين صدوره ممن يقبل قوله ويثبت الحكم بإخباره ، أم لا ، في ظاهر إطلاق أكثر النصوص والفتاوي ، بل صرّح به جماعة من أصحابنا (٤).

لكن ربما ينافيهما بعض النصوص ، كالخبر : « إن مات عنها » يعني : وهو غائب « فقامت البيّنة على موته ، فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً » الحديث (٥).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٦٥ / ٥٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٦ / ١٢٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣٢ أبواب العدد ب ٢٨ ح ١٢.

(٢) الروضة ٦ : ٨٤.

(٣) المسالك ٢ : ٥٦.

(٤) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٥٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥٦ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٥٢.

(٥) الكافي ٦ : ١١٢ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٦٣ / ٥٦٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٤ / ١٢٦٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩ ح ١.


إلاّ أنّه ضعيف السند ، قاصر عن المقاومة لما مرّ ، فإذاً ما قالوه أظهر ، لكن ليس لها بعد انقضاء العدّة بعد الخبر التزويج من دون ثبوتٍ شرعيّ ، فلو تزوّجت فسد في الظاهر ، وصح في الباطن مع الجهل بالتحريم إن تبيّن بعد ذلك موته وانقضاء عدّتها قبل العقد.

وأمّا مع العلم به فقيل : يجب القطع بالفساد ؛ لانتفاء القصد إلى العقد الصحيح (١).

وفيه نظر ؛ لعدم الملازمة هنا بين الحرمة والفساد ، فلا يلزم من العلم بها انتفاء القصد إلى ضدّه المستلزم له ، فإلحاق هذه الصورة بالأُولى متّجه جدّاً ؛ لعموم الأمر بالوفاء ، مع عدم مانعٍ أصلاً ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا (٢).

__________________

(١) قاله صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٢٤.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٨ ، والحدائق ٢٥ : ٥٤٥.


( كتاب الخلع )

الخُلع بالضمّ من الخَلع بالفتح ، وهو النزع ، كأنّ كلاًّ منهما ينزع لباس الآخر ( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ ، وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ ) (١).

( والمبارأة ) بالهمزة ، وقد تقلب ألفاً ، وهي المفارقة.

وكل منهما طلاق بعوض لازم لجهة الزوج ، ويشترط فيهما ما يشترط في الطلاق ، وزيادة شرط فيهما هو : رضاها بالبذل ، وآخر في الخلع ، وهو : كراهتها له ، وآخرين في المبارأة هما : كراهة كل منهما لصاحبه ، وعدم زيادة العوض على المهر ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ؛ للمعتبرة المستفيضة ، إلاّ ما يأتي في كون الخلع طلاقاً ، وسيأتي إلى جميع ذلك مفصّلاً الإشارة.

وشرعيّتهما ثابتة بالكتاب ، والإجماع ، والسنّة المستفيضة الآتية ، قال الله سبحانه ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (٢).

وظاهره الوقوع عند الحاكم ، ولعلّه لهذا حكي عن الإسكافي (٣) اشتراطه ، وله مضافاً إليه بعض النصوص بالخصوص : « ولا يكون ذلك إلاّ عند سلطان » (٤).

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٥٩٥.

(٤) التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣١ ، الإستبصار ٣ : ٣١٨ / ١١٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ١٠.


والأشهر خلافه ، بل في التنقيح (١) الإجماع عليه ؛ للأصل ، وقصور الآية عن إفادة الاشتراط ، مع احتمال ورودها مورد الغالب ، والرواية ضعيفة السند ، وإن انجبرت بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه من الرواية في سندها ؛ لقصورها عن المقاومة للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المزبورة ، وإطلاقات الأخبار المستفيضة ، فإذاً ما اختاروه أقوى ، وإن كان الاحتياط ما ذكره جدّاً.

( و ) وكيف كان ( الكلام ) في الكتاب يقع ( في العقد ، والشرائط ، واللواحق ) ولمّا كان كل منهما من العقود المفيدة لإبانة الزوجة بفدية مخصوصة لزم فيهما مراعاة الصيغة الصريحة ، كسائر العقود اللازمة.

( و ) قد ذكر الأصحاب ، وحكاه عنهم جماعة (٢) أنّ ( صيغة الخلع ) الصريحة ( أن يقول ) الزوج : ( خلعتك ) أو خالعتك ، أو أنت ( أو فلانة مختلعة على كذا ) ولا ريب في الأوّلتين ، إلاّ أنّ في الأخيرتين لجماعة (٣) مناقشة لا جدوى في التعرّض لها بعد الاتفاق عليهما هنا.

واستظهر جماعة (٤) وقوعه بـ : أنتِ طالق على كذا ، من دون لفظ الخلع أصلاً ، بل ادّعى جماعة منهم (٥) ظاهر الاتفاق عليه ، وهو الحجّة فيه ، مع أنّا لم نقف فيه على مخالفٍ ، ولولاه لكان محلّ نظر ، فإنّ مقتضى الأصل والاقتصار على المتيقّن من النص العدم ؛ نظراً إلى أنّ المتبادر منه‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٣٦٠.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٢٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٩.

(٣) الشرائع ٣ : ١٧ ، التنقيح الرائع ٣ : ٣٠٣ ، المهذب ٣ : ٤٥٢ ، كفاية الأحكام : ٢٠٠.

(٤) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٢٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٩ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٥٥٧.

(٥) انظر المبسوط ٤ : ٣٤٤ ، والمفاتيح ٢ : ٣٢٣.


المتيقّن هو الوقوع بلفظه دون غيره ، فالحكم بأحكامه التي من جملتها عدم الرجعة والبينونة بمجرّده مشكل ؛ والالتفات في إثباته إلى أنّه وإن تجرّد عن لفظ الخلع لكنّه عقد معاوضة ، فيلزم ؛ لعموم الأمر بمطلقه ، غير جيّد مع الحكم بجواز رجوع المرآة في البذل.

نعم يمكن الاستدلال عليه بالصحيح : « إذا قالت المرآة لزوجها جملة : لا أُطيع لك أمراً ، مفسّراً أو غير مفسّر ، حلّ له أن يأخذ منها ، وليس له عليها رجعة » (١).

وهو كما ترى ظاهر في ترتّب الحكم بالبينونة على مجرّد البذل مع الكراهة ، أعمّ من وقوعها بلفظ الخلع أو الطلاق.

وهو وإن أمكن دعوى ظهوره في الأوّل بملاحظة ما عداه من النصوص ، إلاّ أنّ فتوى الأصحاب مع حكاية جماعة (٢) الإجماع عليه ، وظهور صدقه بعد التتبّع أوضح شاهد على العموم.

مضافاً إلى إشعار بعض النصوص (٣) به أيضاً ، فلا إشكال فيه بحمد الله تعالى ، وإن كان الأحوط الإتيان بلفظ الخلع أيضاً.

قالوا : ولا بدّ من قبول المرأة عقيبه بلا فصل معتدّ به ، أو تقدّم سؤالها قبله كذلك.

ولا ريب أنّه أحوط ، وإن كان في استفادته كملاً من النصوص نظر ، فإنّ غايتها الدلالة على اعتبار قبولها إمّا مطلقاً ، كما يقتضيه إطلاق بعضها ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤١ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٣ ، التهذيب ٨ : ٩٧ / ٣٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣١٦ / ١١٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ح ١.

(٢) راجع ص ٣٥١.

(٣) انظر الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ أبواب الخلع والمباراة ب ١.


أو إذا كان مقدّماً ، كما يقتضيه أكثرها ، وأمّا لزوم المعاقبة من دون فصل معتدّ به فلم يظهر منها.

نعم لو تحقّق فصل بعيد بعد أن سألت ، بحيث يحتمل رجوعها ، أمكن اشتراط عدمه هنا ، لا مطلقاً ، ولكنّه غير ما يظهر من عبائرهم ، والعمل على ما ذكروه.

( وهل يقع ) الخلع بكلّ من الألفاظ المذكورة ( بمجرّده ) من دون إتباع بالطلاق؟ ( قال ) المرتضى ( علم الهدى ) وأكثر أصحابنا بل ادّعى عليه في الناصريات (١) إجماعنا ـ : ( نعم ) والحجة بعده النصوص المستفيضة ، منها الصحاح الصراح ، في أحدها : عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين عدلين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك ، أو هي امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال : « تبين منه » إلى أن قال : فقلت : إنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق ، قال : « ليس ذلك إذا خَلَعَ » (٢) بفتح الثلاثة ، كما ضبطه بعض مشايخنا (٣) ، ويكون « إذا » حينئذٍ شرطيّة.

ولعلّ المراد أنّه ليس الحكم الذي ذكره السائل من عدم البينونة إلاّ بالاتباع بالطلاق في صورة ما إذا خلع ، بل يختصّ ذلك بغيرها كالمباراة ؛ لاشتراطه فيها ، كما عليه أكثر أصحابنا ، وسيأتي الكلام فيه (٤) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣١٨ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٩.

(٣) انظر المسالك ٢ : ٥٩.

(٤) في ص ٣٦٨.


وأمّا إذا خلع فلا يشترط ، بل يحصل البينونة بمجرده ، ولذا سأل الراوي بعد ذلك : فقلت : تبين منه؟ قال : « نعم ».

وهذه النسخة أجود النسخ من قراءة الخلع بسكون اللام وضمّ العين ، أو خلعاً بفتحها ، ليكون خبر ليس ؛ لما فيها من الدلالة حينئذٍ على اشتراط الخلع بعدم الاتباع بالطلاق ، ولا قائل به ، بل مثله خلع ، بل وأحسنه ، إجماعاً ، بل ولو تجرّد عن لفظ الخلع واكتفى بلفظ الطلاق لكان خلعاً أيضاً بلا خلاف ، بل قيل : إجماعاً (١) ، كما مضى ، مع ما في الاولى من النسختين من حزازة بحسب العربية.

وكيف كان فالرواية كغيرها من المعتبرة الكثيرة في المطلوب صريحة ، وبالشهرة العظيمة والأعدليّة والكثرة وحكاية الإجماع المزبورة معتضدة ، بها تكون غالبة على بعض الروايات ، وإن كان معتبراً بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضرّ ضعفه ، وفيه : « المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت في العدة » (٢).

وهي مع ذلك متضمنة لما لا يقول به أحد من الطائفة ؛ لاتفاقهم في الظاهر على اعتبار وقوع الطلاق بعد تلك الصيغة بلا فاصلة ، وما هذا شأنه يجب طرحه ، ولم يبق لها من المرجّحات عدا المخالفة للعامة ، وهي أحد المرجّحات المنصوصة ، وما قدّمناه أكثرها ، كيف لا؟! وكما أمرونا بالأخذ بما خالفهم أمرونا بالأخذ بالأعدل والمشتهر ، ويترجّحان على السابق عدداً واعتباراً ولو كان كلّ عن الآخر منفرداً ، فضلاً أن يكون مع الآخر مجتمعاً ، مع ما هما عليه هنا من كثرة العدد ، والاعتضاد بالإجماع المحكي.

__________________

(١) في ص ٣٥١.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٧ / ٣٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٣١٧ / ١١٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٥ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٥.


فخلاف الشيخ (١) العامل به ضعيف ، وإن اعتضد بفتوى جماعة من قدماء الرواة (٢) ، لكنّهم فاسدوا المذهب ، معارض فتواهم بفتوى أجلّ الرواة القدماء ، وهو جميل ، كما في الكافي محكي (٣).

وقول المصنف : ( وقال الشيخ : لا ) يقع ( حتى يتبع بالطلاق ) من دون ردٍّ له ولسابقه مشعر بالتردّد ، ونحوه الشرائع والقواعد (٤) ، وليس في محلّه ، وإن كان أحوط ؛ للأصل.

( ولو تجرّد كان طلاقاً عند المرتضى ) (٥) وعليه أكثر أصحابنا المتأخّرين والقدماء ، وهو أظهر ؛ للصحاح المستفيضة ، منها : « خلعها طلاقها » (٦).

ومنها : « إذا قالت المرأة لزوجها ذلك حلّ له ما أخذ منها ، وكانت عنده على تطليقتين » (٧).

ومنها : « وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٧ ، الإستبصار ٣ : ٣١٧.

(٢) حكاه في الكافي ٦ : ١٤١ / ٩ ، عن جعفر بن سماعة ، وفي التهذيب ٨ : ٩٧ عن جعفر بن سماعة والحسن بن سماعة وعلي بن رباط وابن حذيفة ، وهكذا في الاستبصار ٣ : ٣١٧.

(٣) الكافي ٦ : ١٤١ / ٩.

(٤) الشرائع ٣ : ٤٩ ، القواعد ٢ : ٧٧.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٤.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٣٨ / ١٦٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٥ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٤.

(٧) الكافي ٦ : ١٣٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٩٥ / ٣٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣١٥ / ١١٢١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٢.

(٨) الكافي ٦ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٩٥ / ٣٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٣١٥ / ١١٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٣.


ومنها : « الخلع والمباراة تطليقة بائن ، وهو خاطب من الخطّاب » (١).

( وفسخاً عند الشيخ ) (٢) ( ، لو قال بوقوعه مجرّداً ) لوجوه مدخولة : هي مع ذلك اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المعتبرة التي هي مع ذلك مستفيضة ، وبالشهرة العظيمة معتضدة.

ومظهر الثمرة عدّه من الطلقات الثلاث المحرّمة ، فيعدّ منها على الأوّل ولا على الثاني ، وصرّح بهذا بعض الصحاح المتقدّمة.

( وما صحّ أن يكون مهراً صحّ ) أن يكون ( فدية في الخلع ) إجماعاً ؛ للآية (٣) والنصوص (٤) ، إطلاقاً وعموماً.

( و ) يستفاد منها من جهة أنّه ( لا تقدير فيه ) أي في المجعول فدية في طرفي النقصان والزيادة بعد أن يكون متموّلاً ( بل يجوز أن يأخذ منها ) ما تبذله برضاها ولو كان ( زائداً ممّا وصل إليها منه ) مضافاً إلى الأصل ، والإجماع ، والنص الصحيح في المبارأة : « يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت ، وما تراضيا عليه من صداق قلّ أو كثر ، وإنّما صارت المبارئة يؤخذ منها دون المهر ، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء ؛ لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام » (٥) ونحوه غيره من المعتبرة (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤١ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٩ أبواب الخلع والمباراة ب ٥ ح ٢.

(٢) الخلاف ٤ : ٤٢٢ ٤٢٤.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤.

(٥) الكافي ٦ : ١٤٢ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠١ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤ ح ١.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤.


( و ) حيث إنّ الخلع معاوضة ( لا بدّ ) فيه ( من تعيين الفدية وصفاً ) يحصل به التعيين ، سواء كانت عيناً شخصيّة أو كلّية ( أو إشارة ) كهذا الثوب ، وهذا العبد ، وهذه الصبرة من الحنطة مثلاً ، بلا خلافٍ في الظاهر ؛ دفعاً للغرر ، واقتصاراً في الخلع المخالف للأصل على القدر المتيقّن بالإجماع والنصّ ، وليس فيه سوى ما يقع عليه التراضي ، ولا يكون في الأغلب إلاّ مع التعيين بأحد الأمرين.

وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي أنّه لا يعتبر في الوصف كونه رافعاً للجهالة ، بل يكفي عنه ما يحصل به التعيين ، وعلى هذا فلو بذلت ما لها في ذمّته من المهر جاز وإن لم يعلما قدره ؛ لتعيّنه في نفسه ، وإن لم يكن معلوماً لهما.

واعتبر الماتن في الشرائع (١) في الغائب ذكر جنسه ووصفه وقدره ، مع أنّه اكتفى في الحاضر بالمشاهدة ، وإن لم يكن معلوم القدر.

وهو أحوط ، وإن كان في وجه الفرق نظر.

ويتفرّع على هذا الشرط فساد الخلع لو وقع على ألف غير معيّن بأحد ما مرّ ، وهو إجماع مع عدم قصدهما أو أحدهما إلى معيّن ، ومحتمل على قول معه أيضاً.

خلافاً للأكثر ، فيصح حينئذٍ ، وعلّل بأنّ المقصود أن يكون العوض معلوماً عند المتعاقدين ، فإذا توافقا على شي‌ء بالنيّة كان كما لو توافقا بالنظر.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٥٠.


وهو أظهر ؛ لعموم النص بصحّة الخلع مع التراضي بالفدية ، وما نحن فيه من أفرادها الّتي يقع عليها التراضي بالنيّة ، إلاّ أنّ الأحوط : الأوّل.

و‌ ( أمّا الشرائط : فيعتبر في الخالع البلوغ ، وكمال العقل ، والاختيار ، والقصد ) فلا خلع لفاقد أحد الأوصاف إجماعاً ، حتى من القائل بكونه فسخاً ؛ لعموم الأدلّة على عدم الاعتبار بالعقود والإيقاعات الصادرة من فاقد الأوصاف المزبورة ، ويزيد عليها على المختار : من أنّها طلاق ، في الدلالة على اعتبار الأوصاف في الخالع ما دلّ على اعتبارها في الطلاق.

( و ) يستفاد منه شرطه ( في المختلعة ) إذا كان خلعها ( مع الدخول ) بها ، وهو : ( الطهر الذي لم يجامعها فيه ، إذا كان زوجها حاضراً ، وكان مثلها تحيض ) مع أنّه إجماع أيضاً ؛ لعموم النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « لا طلاق ، ولا خلع ، ولا مباراة ، إلاّ على طهر من غير جماع » (١).

والصحيح : عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه؟ فقال : « إذا كان ذلك على ما ذكرت فنعم » (٢).

( و ) من الشرائط في المختلعة ( أن تكون الكراهة منها خاصة صريحاً ) بإجماع الطائفة ، والصحاح المستفيضة ، منها الصحيح : « المختلعة لا يحلّ خلعها حتى تقول لزوجها : والله لا أبرّ لك قسماً ، ولا أطيع لك أمراً ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأُوطئنّ فراشك ، ولأُوذننّ عليك بغير‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٣ / ١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٩.


إذنك ، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا ، وإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها ، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين ، وكان الخلع تطليقة » قال : « ويكون الكلام من عندها » (١) يعني من غير أن تعلّم.

ويستفاد منه كغيره عدم الاكتفاء بكراهتها ، بل لا بدّ من الوصُول إلى هذا الحدّ الذي فيها ، وهو تعدّيها في الكلام بما يدل على خوف وقوعها مع عدم الطلاق في الحرام ، وهو ظاهر الآية ( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ) (٢) ١. وبمضمونها أفتى الشيخ (٣) وغيره (٤) ، حتى قال الحلّي في السرائر : إنّ إجماع أصحابنا منعقد على أنّه لا يجوز الخلع إلاّ بعد أن يسمع منها ما لا يحلّ ذكره ، من قولها : لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أُقيم لك حدّا ، ولأُوطئنّ فراشك من تكرهه ، أو يعلم ذلك منها فعلاً (٥). ونحوه في الخلاف. وهو أحوط ، بل أولى وأظهر.

خلافاً لإطلاق العبارة والأكثر ، فالكراهة المطلقة.

ولا وجه له ؛ لما عرفت من النصوص التي هي في خلافه ظاهرة ، بل ربما دلّ بعضها على أنّ الاكتفاء بأقلّ من ذلك قول العامّة ، وربما أشعر أكثرها على اعتبار عبارات مخصوصة وألفاظ فيها مرسومة ، إلاّ أنّ إطلاق الآية وإجماع الطائفة مع اختلاف تلك الألفاظ المرسومة قرينة واضحة على‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٩٥ / ٣٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٢.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) النهاية : ٥٢٩ ، الخلاف ٤ : ٤٢٢.

(٤) انظر الجامع للشرائع : ٤٧٥ ، والوسيلة : ٣٣١ ، والكافي في الفقه : ٣٠٧.

(٥) السرائر ٢ : ٧٢٤.


استحباب ما هي عليها من الهيئة ، وأنّها على الفضيلة.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة ، كالصحيح : « إذا قالت المرأة جملة : لا أُطيع لك أمراً ، مفسّراً أو غير مفسّر حلّ له ما أخذ منها » (١) ونحوه غيره (٢).

وبالجملة : المستفاد من النصوص جملةً هو اعتبار تعديتها في الكلام خاصّة تعديةً يوهم وقوعها في الأُمور المحرّمة لولا البينونة ، وأمّا أنّ ذلك بعبارة مخصوصة فلا البتة ، فاعتبارها كما وجدناه في عبارة بعض من عاصرناه (٣) فاسد بالضرورة.

ويتفرّع على هذا الشرط فساد الخلع مع عدمه مطلقاً ، ولو أتبع بالطلاق جدّاً ، فإنّه حينئذٍ يكون رجعيّاً لا بائناً.

( ولا يجب ) الخلع ( لو قالت : لأُدخلن عليك من تكرهه ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ؛ للأصل السالم عن المعارض.

خلافاً للشيخ وجماعة (٤) ، فيجب لو قالت ذلك ، أو خيف عليها الوقوع في المعصية ؛ لكون ذلك منها منكراً ودفعها واجب ، ولا يتم إلاّ بالخلع.

وفيه منع ، مع عدم انحصاره فيه ، وإمكانه بالفراق المطلق ، فلا يجب‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤١ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٣ ، التهذيب ٨ : ٩٧ / ٣٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣١٦ / ١١٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٦ / ٣٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٣١٦ / ١١٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ح ٢.

(٣) انظر الحدائق ٢٥ : ٥٩٨ ، ٥٩٩.

(٤) الشيخ في النهاية : ٥٢٩ ، والخلاف ٤ : ٤٢١ ، الحلبي في الكافي : ٣٠٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٣١.


( بل يستحب ) في المشهور ، ومستنده من النصوص غير واضح ؛ لأنّ غايتها الدلالة على الإباحة ، لا الاستحباب والفضيلة.

نعم هو متوجّه من حيث المسامحة في أدلّة الكراهة ، والاكتفاء في الحكم بها بمجرّد الخروج عن الشبهة.

وربما قيل (١) باستحباب مطلق الفرقة ، لا الخلع خاصّة.

وقيل (٢) بنفي الاستحبابين ، والاقتصار على الإباحة ؛ اقتصاراً على النصوص ؛ لعدم تجويزه المسامحة في دليل الكراهة كسائر الأحكام الشرعية.

( ويصحّ خلع الحامل مع ) رؤيتها ( الدم ) و ( لو قيل : إنّها تحيض ) لصحة طلاقها معه إجماعاً ، كما مضى (٣) ، وهو طلاق أيضاً ، كما في المستفيضة المتقدّمة (٤) ، فيصح معه جزماً.

وقيل (٥) بالعدم ؛ لعموم ما تقدّم في اشتراط الوقوع في الطهر (٦).

وفيه منع ؛ لعدم تبادر المقام منه للندرة ، مع ظهور سياقه في اتحادها مع المطلّقة ، ولذا ذكرت معها في الحكم في المسألة ، فقال : « لا طلاق ، ولا خلع ، ولا مباراة ، إلاّ على طهر من غير جماع » (٧) والأوّل هو الأظهر ، ومختار الأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر.

( ويعتبر في العقد حضور شاهدين عدلين ) إجماعاً ؛ لأنّه كما مضى‌

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٦٦.

(٢) كما في نهاية المرام ٢ : ١٣٧.

(٣) راجع ص ٢٤٩.

(٤) في ص ٣٥٥.

(٥) لم نعثر عليه ولعله مجهول القائل كما أشار إليه في نهاية المرام ٢ : ١٣٧.

(٦ و ٧) راجع ص ٣٥٨.


طلاق ، ومن حكمه ذلك ، وأمّا على القول بأنّه فسخ فللمعتبرة ، منها الصحيح المتقدّم في اعتبار الطهر (١).

( و ) يعتبر أيضاً ( تجريده عن الشرط ) وما في معناه ، إجماعاً ؛ لاعتباره في الطلاق فليعتبر هنا أيضاً إن قلنا بكونه طلاقاً ، وكذا إن قلنا بالعدم ، لا لذلك ، بل للأصل ، ولزوم الاقتصار على المستفاد من النص ، وليس إلاّ الخلع المنجّز.

( ولا بأس بشرط يقتضيه العقد ، كما لو شرط الرجوع إن رجعت ) ووجهه ظاهر ، مع أنّه لا خلاف فيه.

( وأمّا اللواحق فمسائل ) أربع :

( الاولى : لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصحّ ) الخلع المفيد للبينونة بالضرورة ؛ لفقد شرطه الذي هو كراهة الزوجة بالإجماع والمستفيضة المتقدّمة (٢) ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في خصوص المسألة.

( و ) يتفرع عليه أنّه ( لم يملك الفدية ) لاشتراطه بصحة الخلع المتوقفة على كراهة المرأة التي هي كما عرفت منتفية ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه ، مع إطلاق الآية (٣) والمستفيضة (٤) بعدم حلّ أخذها منها إلاّ بعد الكراهة.

وفي وقوع الطلاق رجعيا حينئذٍ لو اتبع الخلع ، أو اكتفي به عن‌

__________________

(١) راجع ص ٣٥٨.

(٢) راجع ص ٣٥٨.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ ، ٢٨٢ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ، ٢.


الخلع أم لا ، وجهان ، ظاهر الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد وجماعة (١) : نعم.

وهو حسن إن عرف المطلّق فساد البذل وعدم لزومه بطلاقه ، وإلاّ فهو مشكل ؛ لانتفاء النص ، مع اقتضاء الأصل والقاعدة ذلك ، من حيث عدم تحقق القصد إلى الطلاق المجرّد عن البذل ، وإنّما المقصود الطلاق المعلّق عليه المشروط به المستلزم فساده لفساده ، بخلاف الصورة المستحسنة ، من حيث انتفاء هذه الشبهة فيه من حيث المعرفة ، فإنّه بها قاصد إلى الطلاق المنجّز البتّة ؛ لعلمه بعدم حلّ الفدية بالمرّة.

إلاّ أن يقال في الصورة الأُولى : بكون البذل الفاسد سبباً لوقوع الطلاق المجرّد وداعياً إليه ، وهو غير ملازم لكونه شرطاً فيه يفسد بفساده.

وهذا أقوى.

ثمّ من النظر في المسألة ينقدح كون الطلاق بالعوض من أقسام الخلع ، وأنّه يشترط فيه كراهة الزوجة ليحصل به حلّ الفدية والبينونة كالمختلعة.

فما في المسالك والروضة (٢) من عدم الاشتراط بها فيه ، وصحة البذل وحصول البينونة بدونها غير جيّد ؛ لما فيه من المنافاة لما دلّ على اشتراط حلّ البذل بالكراهة من الكتاب والإجماع والسنّة.

ومع ذلك فإفادته البينونة مخالفة للأُصول الممهّدة ، فإنّ الأصل في الطلاق بنفسه عدمها ، بل الرجعة ، والخروج عنها يحتاج إلى دلالة ، وهي مع كراهة الزوجة ثابتة ؛ لما عرفت من إجماع الطائفة ، لا النصوص ؛

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٥٥ ، القواعد ٢ : ٧٧ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٤٧٦ ، والروضة ٦ : ١٠٠.

(٢) المسالك ٢ : ٦٧ ، انظر الروضة ٦ : ١٠٠.


لاختصاصها بالمخالعة دون الطلاق بفدية ، وأمّا مع عدمها فلا ؛ لعدم الإجماع والنص هنا بطريق أولى ؛ لظهور فتاوي أصحابنا والنصوص في خلافه جدّاً ، بحيث يظنّ إجماعهم عليه ظاهراً ، مع أنّه صرّح بعض الأجلّة (١) بعدم الموافقة له أصلاً.

( الثانية : ) إذا صحّ العقد مع الفدية كان بائناً إجماعاً ، فـ ( لا رجعة للخالع ) مطلقاً ، طلاقاً كان الخلع أو فسخاً ، بلا خلاف ؛ للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعضها (٢) ، وسيأتي بعض آخر أيضاً (٣).

( نعم لو رجعت في البذل رجع إن شاء ) بلا خلاف ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : « إن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت » (٤).

والموثق : « المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعنّ في بضعك » (٥).

وظاهره جواز رجوعها مطلقاً ، كما هو الأشهر الأقوى.

خلافاً لابن حمزة (٦) ، فاشترط في جوازه الاشتراط أو الرضاء ؛ لأنّه عقد معاوضة فيعتبر في فسخه رضاهما ، ونفى عنه البأس في المختلف (٧).

وهو اجتهاد في مقابلة النص.

نعم المعتبر إمكان رجوعه في صحة رجوعها ، وإن لم يعتبر رضاه ؛

__________________

(١) وهو صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٣٩.

(٢) في ص ٣٥٢.

(٣) في ص ٣٦٥.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣١٨ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٩.

(٥) التهذيب ٨ : ١٠٠ / ٣٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٣ أبواب الخلع والمباراة ب ٧ ح ٣.

(٦) الوسيلة : ٣٣٢.

(٧) المختلف : ٥٩٥.


لأنّ ظاهر الرواية تلازم الحكمين ، ولا دليل على رجوعها مطلقاً ، مع مخالفته الأصل جدّاً ، مع أنّه في الجملة إجماع ظاهراً ، ولذا قال : ( ويشترط رجوعها في العدّة ، ثم لا رجوع ).

لكن إطلاق العبارة يقتضي جواز الرجوع في العدّة البائنة ، وهو مشكل ؛ لما عرفت من الدلالة على اعتبار إمكان الرجوع مطلقاً ، مع أنّه المشهور بين الطائفة ، كما في الروضة (١).

وعلى هذا فلو كانت المطلّقة بائنة أو رجعيّة وكانت عدّتها منقضية لم يجز لها الرجوع البتّة ؛ لعدم إمكان رجوعه في البضع.

ولو رجعت مع الإمكان إلاّ أنّها ما أعلمت الزوج حتى انقضت العدة فالأقرب وفاقاً لجماعة (٢) عدم الصحة ؛ قصراً للرجعة المخالفة للأصل على مورد النص ، وليس محل الفرض.

ثم إنّه حيث ترجع المرأة في البذل تصير العدّة رجعيّة ، سواء رجع أم لا ، لكن في ترتّب أحكام العدّة الرجعية عليها مطلقاً ، كوجوب النفقة والإسكان وغير ذلك وجهان.

والعدّة بائنة قبل رجوعها إجماعاً ، فيصح له التزويج بأخت المختلعة والرابعة.

مضافاً إلى الأصل ، وصريح الصحيح في الأوّل خاصّة : عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحلّ له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال : « نعم ، قد برئت عصمتها ، وليس له عليها رجعة » (٣)

__________________

(١) الروضة ٦ : ١٠٦.

(٢) منهم المحقق السبزواري في الكفاية : ٢١٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٣٢ ، على ما فهم من عبارته الشهيد في غاية المراد ٣ : ٢٦٠.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٤ / ٩ ، التهذيب ٨ : ١٣٧ / ٤٧٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٠ أبواب الخلع والمباراة ب ١٢ ح ١.


والتعليل ظاهر في انسحاب الحكم في البائنة مع عدم القول بالفرق.

ومتى تزوّج بها امتنع رجوعها ؛ لاشتراط إمكان رجوعه كما عرفت ، وليس بممكن هنا إجماعاً ، إلاّ إذا طلّقها بائناً في العدّة ، فيجوز له الرجوع حينئذٍ ؛ لزوال المانع.

( الثالثة : لو أراد مراجعتها ولم ترجع ) هي ( في البذل افتقر ) تزويجها ( إلى عقد جديد في العدّة ) كان ( أو بعدها ) بلا خلاف ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : « كانت بائناً بذلك ، وكان خاطباً من الخطّاب » (١).

( الرابعة : لا توارث بين المختلعين ولو مات أحدهما في العدّة ) بلا خلاف ؛ للأصل ، وعدم المقتضي له ( لانقطاع العصمة بينهما ) الموجبة لذلك.

مضافاً إلى صريح الخبر ، وفيه : « وأمّا الخلع والمباراة فإنّه يلزمها » إلى أن قال : « ولا ميراث بينهما في العدّة » (٢).

ونحوه الموثق في المبارأة : « المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق ، ولا ميراث بينهما ؛ لأنّ العصمة بينهما قد بانت من ساعة كان ذلك منها ومن الزوج » (٣) ونحوه الحسن الآتي (٤) ، والتعليل موجب للتعدية.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٩٥ / ٣٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٣١٥ / ١١٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٩ / ٣٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ١٠٢ / ٣٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣١٩ / ١١٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٩ ح ٣ ، وفي الجميع : لأن العصمة فيما ..

(٤) في ص ٣٦٨.


( المباراة )

وأصلها المفارقة ، قال الجوهري : تقول : بارئت شريكي إذا فارقته ، وبارأ الرجل امرأته (١).

وهي طلاق بعوض مترتّب على كراهة كلّ من الزوجين صاحبه ، كما يأتي.

والكلام في صيغتها كما في الخلع من الافتقار إلى استدعاء المرأة مع الكراهة ، أو القبول كذلك ، واللفظ الدال عليه من قبل الزوج ، و ( هو أن يقول : بارأتك ) بالهمزة ( على كذا ) فأنتِ طالق.

ولو قال بدلاً من بارأتك : فاسختكِ ، أو أبنتكِ ، أو غيره من الألفاظ متبعاً لها بالطلاق صحّ ؛ إذ المقتضي للفرقة التلفّظ به لا بها ، بل لو تجرّد عنها وقال : أنتِ طالق على كذا صحّ ، وكان مباراة ؛ إذ هي كما عرفت عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين ، وليس الطلاق بالعوض إيقاعاً خارجاً عن الخلع والمباراة ، بل هو إمّا خلع أو مبارأة ، فإن قصد به الخلع وجمع شروطه وقع خلعاً ، كوقوعه مباراة لو قصدها مع اجتماع شرائطها ، ويجوز انصرافه إلى أحدهما مع اجتماع شرائطهما ، ولو جمع شروط أحدهما انصرف إليه ، ولو انتفت شروط كل منهما وقع باطلاً أو رجعيا ؛ لما مضى (٢) من انحصار الطلاق البائن بالعوض في الأمرين.

__________________

(١) انظر الصحاح ١ : ٣٦.

(٢) في ص ٣٦٣.


خلافاً لمن شذّ وقد مر (١) فاستوجه الصحة مع البينونة حيث لم يقصد به أحدهما ؛ لعموم الأدلّة الدالّة على جواز الطلاق مطلقاً ، وعدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن.

وقد مر (٢) وجه ضعفه من اتفاق الطائفة واستفاضة المعتبرة بفساد البذل مع عدم كراهة المرأة ، وفساده بذلك كما هو الفرض هنا إمّا مستلزم لفساد الطلاق المترتّب عليه أيضاً ، كما قيل (٣) ، أو موجب لعدم البينونة وإن صحّ الطلاق ؛ لخروجه عن الأمرين المنحصر فيهما الطلاق البائن بالبذل بمقتضى المستفيضة ، كما قاله الأكثر ، وعموم الأدلّة لا يستفاد منه سوى الصحة دون البينونة ، اللهم إلاّ أن يقول بمجرّد الصحة دون البينونة ، لكن فيه منافاة لما قدّمنا عنه.

( و ) كيف كان ( هي ) أي المبارأة تمتاز عن الخلع بأنّها ( تترتّب ) صحتها ( على كراهة الزوجين كل منهما صاحبه ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع كما حكاه جماعة (٤) ، وبه ظاهر بعض المعتبرة ، المنجبر قصور سنده مع حجّيته في نفسه بالشهرة ، كاعتضاد الدلالة بها ، فلا ضير إن لم تكن صريحة ، وهو الموثق : عن المبارأة كيف هي؟ قال : « يكون للمرأة على زوجها شي‌ء من صداقها أو من غيره ، ويكون قد أعطاها بعضه ، ويكره كلّ واحد منهما صاحبه ، فتقول المرأة : ما أخذت منك فهو لي ،

__________________

(١ و ٢) في ص ٣٦٤.

(٣) انظر نهاية المرام ٢ : ١٤٢.

(٤) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٤ ، وانظر نهاية المرام ٢ : ١٤٢ ، والكفاية : ٢١١ ، والحدائق ٢٥ : ٦٢٣.


وما بقي عليك فهو لك ، وأبارئك ، فيقول لها الرجل : فإن رجعت فيما تركت فأنا أحقّ ببضعك » (١).

ويستفاد منه كغيره اعتبار صدور القول المذكور من الزوج ، وهو أحوط ، وإن لم يذكره من الأصحاب أحد ، ولذا حمله على الاستحباب ، أو إرادة بيان التنبيه للمرأة على عدم جواز ارتجاعها البذل إلاّ مع إمكان رجوع الزوج في البضع ، متّجه.

( ويشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر ) بل لم نقف فيه على مخالف صريحاً ، وبالإجماع صرّح جماعة (٢) ، وهو الحجة فيه خاصّة ، لا النصوص ، فإنّها في عدم الاشتراط ظاهرة ، بل صريحة ، كالحسن (٣) : « المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق ، ولا ميراث بينهما ؛ لأنّ العصمة منهما قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج » (٤).

لكنّها شاذّة ، والظاهرة منها لعدم الصراحة للتأويل بالحمل على المبارأة الشرعية المستجمعة للشرائط التي منها الإتباع بالطلاق قابلة ، والصريحة عن المقاومة للأصل والإجماعات المحكية المستفيضة بحسب‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٠١ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٨ ح ٣.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٧٣ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٤ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٥٨ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٨٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٧٤.

(٣) كذا ، ولا يخفى أنّه ; قد عبّر عنه آنفاً في ص ٣٦٦ بالموثق.

(٤) التهذيب ٨ : ١٠٢ / ٣٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣١٩ / ١١٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٩ ح ٣.


السند قاصرة ، فليس عمّا ذكره الأصحاب مندوحة ، وإن لم يوجد لما ذكروه من الأخبار شاهد ولا قرينة ، كما اعترف به جماعة (١).

والذي يختلج بالفكر الكليل والفهم العليل إمكان الاستناد لما ذكروه إلى الصحيح : عن المرأة تباري زوجها أو تنخلع (٢) منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك ، أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال : « تبين منه » إلى أن قال : قلت : إنّه قد روي أنّها لا تبين حتى يتبعها بالطلاق ، قال : « ليس ذلك إذا خلع » الخبر (٣).

لما مرّ (٤) من ظهور « إذا » في الشرطية ، و « خلع » في فعلها ، فعلى هذا يفهم منه أنّ عدم اشتراط الإتباع بالطلاق المشار إليه بذلك مخصوص بالخلع ، ويلزم منه ثبوته في المبارأة المسئول عنها أيضاً ، وإلاّ لما كان لتخصيص النفي بالخلع وجه أصلاً.

نعم ربما نافاه الحكم بالبينونة من دون الإتباع فيها في صدر الرواية ، ولكن يمكن تخصيصه بالخلع خاصّة ، بمعنى عدم توجّه الحكم المزبور إلى المبارأة لضرب من المصلحة ، ولا بُعد في ارتكاب مثل ذلك بعد قيام القرينة في ذيل الرواية ؛ مضافاً إلى إجماع الطائفة ، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٤٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٦٢٥.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصدر : تختلع ، ولعله الأنسب.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣١٨ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٩.

(٤) في ص ٣٥٣.


( والشرائط المعتبرة في ) كلّ من ( الخالع والمختلعة مشترطة هنا ) بالإجماع ، والمعتبرة الدالّة على أنّ المبارأة طلقة بائنة (١) ، فيعتبر فيها وفي المباري ما يعتبر في المطلِّق والمطلَّقة كما في الخلع.

مضافاً إلى صريح الصحيح : « لا طلاق ولا خلع ، ولا مباراة ، ولا خيار ، إلاّ على طهر من غير جماع » (٢).

وفي آخر ما يدل على أنّه يعتبر في المبارأة حضور شاهدين (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وكذا يثبت أحكام الخلع هنا ، إلاّ ما وقع عليه الاستثناء.

( و ) منها : أنّها طلقة بائنة ( لا رجوع للزوج إلاّ أن ترجع الزوجة في البذل ) ولا رجوع لها فيه إلاّ مع إمكان رجوعه في البضع.

( فإذا خرجت من العدّة فلا رجوع لها ) لما مضى هنا وفي الخلع أيضاً (٤).

قيل : إلاّ أنّ الأولى هنا اشتراط الرجوع في البضع لو رجعت ؛ للموثق المتقدّم (٥) ؛ مضافاً إلى الصحيح : « المبارأة أن تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك ، واتركني ، فيتركها ، إلاّ أنّه يقول لها : فإن ارتجعت في شي‌ء منه‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٩ / ٣٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٣ / ١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٢٩٠ أبواب الخلع والمباراة ب ٦.

(٤) راجع ص ٣٦٤.

(٥) في ص ٣٦٨.


فأنا أملك ببضعك » (١) ولا معارض لهما في البين (٢). انتهى.

وليس فيهما سوى اشتراط الزوج رجوعه في البضع لو رجعت في البذل ، وهو غير اشتراطها الرجوع في البذل ، فلا يكون فيهما حجّة على المشهور المجوّزين لرجوعها من دون اشتراطها الرجوع مطلقاً ، وإن لم يرض الزوج ، بل ظاهرهما جواز رجوعها مطلقاً ، ولو مع عدم شرطها ورضاءٍ من الزوج أصلاً ، فإذاً ما هو الأشهر أقوى ، فتأمّل.

ثم إنّ إطلاق العبارة باعتبار شروط المختلعة في المبارئة حسن على طريقة الأصحاب ، حيث لم يشترطوا فيها في المختلعة عدا مجرّد الكراهة وإن لم تكن شديدة ، ومشكل على ما قدّمناه من اعتبار الشدّة ، بل ينبغي استثناؤها هنا والاكتفاء بمجرّد الكراهة ؛ للأصل ، والإطلاق ، وخصوص الصحيح : « المبارئة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء ؛ لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام ، وتتكلّم بما لا يحلّ لها » (٣).

( ويجوز أن يفاديها بقدر ما وصل إليها منه ) من تمام المهر ( فما دون ) على الأشهر الأظهر ؛ للأصل ، والصحيح : « لا يجوز أن يأخذ منها إلاّ المهر فما دونه » (٤).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٨ ح ١.

(٢) انظر نهاية المرام ٢ : ١٤٦.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٢ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠١ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٠ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤ ح ٢.


وليس في سنده اشتراك كما ظنّ (١) ، وعلى تقديره بالأصل والشهرة منجبر ، ومترجّح بذلك على الصحيح المتقدّم قريباً ، وإن عمل به الصدوقان والعماني كما حكي (٢) ، مع أنّه حسن في المشهور ، فلا يعارض الضعيف المنجبر بما مرّ ، مع ظهور احتمال كونه من الصحيح.

وأمّا القدح فيه بالقطع فليس على ما ينبغي ؛ لاستناده إلى أبي جعفر 7 في الكافي ، وهو أضبط من التهذيب الذي قطع فيه (٣).

( و ) كيف كان هما نصّ في أنّه ( لا يحلّ له ما زاد عنه ) مع أنّه أيضاً إجماعي ، وهو أحد الفوارق بين المقام والخلع.

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ١٤٧.

(٢) الصدوق في المقنع : ١١٧ ، وحكاه عن والده وعن العماني في المختلف : ٥٩٥.

(٣) لا يخفى عدم وجود قطع في التهذيب الذي يكون بأيدينا ، فلاحظ.


( كتاب الظهار )

وهو فِعال من الظهر ، اختصّ به الاشتقاق لأنّه محلّ الركوب في المركوب ، والمرأة مركوب الزوج ، والمراد به هنا تشبيه المكلّف من يملك نكاحها بظهر محرّمة عليه أبداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة أيضاً ، وهو محرّم ، وإن تترتّب عليه الأحكام ؛ لقوله سبحانه ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) (١). لكن قيل : إنّه لا عقاب فيه ؛ لتعقّبه بالعفو (٢).

ويضعّف بأنّه وصف مطلق ، فلا يتعيّن كونه عن هذا الذنب المعيّن ، لكن المستفاد من بعض المعتبرة (٣) تعلّقه به ، إلاّ أنّه بالنظر إلى المظاهر الذي نزلت الآية في شأنه.

( وينعقد بقوله : أنت عليّ كظهر أمّي ) قاصداً إليه ، إجماعاً ، والنصوص به مستفيضة (٤) ، لكنّها متّفقة بذكر هذه العبارة التي لم تختلف فيها حروف الصلة ، لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على الانعقاد ( وإن اختلفت حروف الصلة ) بأن بدّلت « أنتِ » بهذه ، أو زوجتي ، أو فلانة ، و « علي » بمنّي ، أو عندي ، أو معي ، بل صرّح بالإجماع بعضهم (٥) ، وهو‌

__________________

(١) المجادلة : ٢.

(٢) القائل هو الفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٢٩٠.

(٣) انظر الوسائل ٢٢ : ٣٠٣ أبواب الظهار ب ١.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٣٠٣ أبواب الظهار ب ١ وب ٢ ح ٢ وب ٤ ح ٢ و ٣.

(٥) كالشيخ في المبسوط ٥ : ١٤٩.


الحجة فيه ، مع إمكان التمسّك بإطلاق الآية.

وبه يصحّ ما عن الأكثر (١) من الانعقاد ولو مع حذف الصلة ، كأن يقول : أنتِ كظهر أمّي.

خلافاً للتحرير (٢) ، فاستشكل فيه ؛ لعدم الصراحة ، واحتمال إرادة التحريم على غيره.

وردّ بالبُعد ، وكفاية الظهور (٣).

وهو حسن إن قام دلالة على الكفاية ، وإلاّ فأصالة الإباحة تنافيها ، بل تحوج إلى الصراحة كما في الطلاق ، ولا ريب أنّ ما ذكروه أحوط.

( وكذا يقع لو شبّهها بظهر ) امرأة ( ذي رحم ) مطلقاً ( نسباً ) كان ( أو رضاعاً ) على الأشهر الأقوى ، بل ربما أشعر عبارة الطوسي والمهذّب (٤) بالإجماع عليه منّا ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيحين ، في أحدهما : عن الظهار؟ فقال : « هو عن كل ذي محرم أُمّ ، أو أُخت ، أو عمّة ، أو خالة ، ولا يكون الظهار في يمين » قلت : فكيف؟ قال : « يقول الرجل لامرأته وهي طاهرة في غير جماع : أنتِ عليّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي ، وهو يريد بذلك الظهار » (٥).

وفي الثاني : الرجل يقول لامرأته : أنتِ عليّ كظهر عمّته أو خالته ،

__________________

(١) حكاه عن الأكثر في نهاية المرام ٢ : ١٥١.

(٢) التحرير ٢ : ٦١.

(٣) نهاية المرام ٢ : ١٥١.

(٤) الطوسي في المبسوط ٥ : ١٤٩ ، المهذب ٢ : ٢٩٨.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٤٠ ، التهذيب ٨ : ٩ / ٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٩ أبواب الظهار ب ٤ ح ١.


قال : « هو الظهار » (١).

وعموم الأوّل يشمل المحرّمات الأبديّة ولو بالمصاهرة ، وبه أفتى في المختلف (٢) ، ووافقه جماعة (٣) ، ولا يخلو عن قوّة.

خلافاً للحلّي (٤) فيمن عدا الأُمّ النسبي مطلقاً ، فنفاه ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الكتاب وما أجمع عليه الأصحاب.

وهو حسن على أصله ، مدفوع على غيره ؛ لمكان الصحيحين.

نعم في الصحيح : يقول الرجل لامرأته : أنتِ عليّ كظهر أختي ، أو عمّتي ، أو خالتي ، فقال : « إنّما ذكر الله تعالى الأُمّهات ، وإنّ هذا لحرام » (٥).

وردّ بأنّه لا دلالة فيه على نفيه ، مع أنّه أجاب بالتحريم.

وفيه نظر ؛ فإنّ ظهوره فيما ذكره لا يمكن أن ينكر ، نعم ما ذكره محتمل ، فليست الدلالة صريحة ، ومعه قصرت الرواية عن المقاومة للخبرين مع تعدّدهما ، واعتضادهما بالفتوى ، وبالإجماع الذي مضى.

ووافقه غيره (٦) ، لكن عمّم الامّ للرضاعيّة ، إمّا لصدق الامّ عليها حقيقة ، أو لحديث : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٧) وفيهما‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٥ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٨ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٠ أبواب الظهار ب ٤ ح ٢.

(٢) المختلف : ٥٩٨.

(٣) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٧٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٥٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١١ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٦٣٧.

(٤) السرائر ٢ : ٧٠٩.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٧ / ١٨ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٠ أبواب الظهار ب ٤ ح ٣.

(٦) انظر المسالك ٢ : ٧٤.

(٧) الكافي ٥ : ٤٣٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٩١ / ١٢٢٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١ ح ٣.


نظر ، سيّما الأوّل.

ووافقه القاضي (١) في تخصيص الامّ بالنسبية ، كما حكي ، إلاّ أنّه عدّى الحكم إلى من عدا الأُمّ النسبية من ذوات الأرحام نسباً ؛ تمسّكاً في التخصيص ، بالنسب إلى ما مرّ من الأصل ، وفي التعميم إلى من عدا الامّ بالصحيحين ، زاعماً عدم عمومٍ فيهما يوجب التعدية إلى المحرّمات رضاعاً ؛ لتبادر المحرم النسبي من ذي محرم وعمّة وأُخت.

وفيه نظر ؛ لعدم الحكم للتبادر مع العموم اللغوي وما في حكمه ، فهو ضعيف ، كموافقة الأكثر له في عدم التعدية إلى المحرّمات بالمصاهرة ؛ لعموم كل ذي محرم لها ؛ مضافاً إلى الاشتراك في العلّة ، وهي كونه منكراً وزوراً ، كذا ذكره شيخنا العلاّمة (٢) ، ولعلّه لا يخلو عن مناقشة.

( و ) لو شبّهها بكلّها ، كأنتِ مثل أُمّي ، أو بغير الظهر من أعضائها ، كما ( لو قال ) أنتِ ( كشعر أُمّي أو يدها ) أو شبّه عضواً منها بكلّها ، كأن يقول : يدكِ كأُمّي ، أو بأحد أعضائها ( لم يقع ) على الأصحّ ، وفاقاً للأكثر ، بل في الانتصار (٣) الإجماع عليه ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق والنصّ المعتبر.

مضافاً إلى النظر إلى الاشتقاق ، وظهور الصحيح المتقدّم في الحصر في التشبيه بالظهر ، حيث سئل عن الظهار وأنّه كيف هو؟ فأجاب بأنتِ حرام مثل ظهر أُمّي (٤).

__________________

(١) المهذّب ٢ : ٢٩٩.

(٢) المختلف : ٥٩٨.

(٣) الانتصار : ١٤٢.

(٤) راجع ص ٣٧٤.


( وقيل ) (١) ( : يقع ) لاعتبارات قياسية غير مسموعة في نحو المسألة ، نعم للمصير إلى الوقوع في الثاني خاصّة وجه ( ب ) سبب ( رواية ) سدير ، عن أبي عبد الله 7 قال : قلت له : الرجل يقول لامرأته : أنتِ عليّ كشعر أُمّي ، أو كبطنها ، أو كرجلها قال : « ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار » (٢) ونحوها اخرى (٣).

لكن ( فيها ) كالثانية ( ضعف ) ومع ذلك موافقة للعامة ، كما في الانتصار (٤) ، فلا يخرج بهما عن الأصل ، سيّما مع اعتضاده بالشهرة والإجماع المتقدّم ، ويعارض به الإجماع المدّعى في الخلاف (٥) على الوقوع في الثاني لو تمسك به ، مع أنّه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف.

لكن الأحوط ذلك ، بل الوقوع مطلقاً ، سيّما لو شبّهها بكلّها ؛ لاحتمال الوقوع فيه بالفحوى ، وإن كان لا يخلو عن نظر جدّاً.

( ويشترط ) فيه ما يشترط في الطلاق ، فيعتبر ( أن يسمع نطقه شاهدا عدل ) بلا خلاف ، بل في الانتصار وعن الحلي (٦) عليه الإجماع ، وهو الحجة ، كالمعتبرة المستفيضة العامة والخاصة ، فمن الأوّل : الصحيح المتقدّم : « لا يكون الظهار إلاّ على موضع الطلاق » (٧) ونحوه غيره (٨).

__________________

(١) قاله الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٣٠.

(٢) التهذيب ٨ : ١٠ / ٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٧ أبواب الظهار ب ٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٦١ / ٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٦ أبواب الظهار ب ٩ ح ١.

(٤) الانتصار : ١٤٢.

(٥) الخلاف ٤ : ٥٣٠.

(٦) الانتصار : ١٤١ ، السرائر ٢ : ٧١٠.

(٧) الكافي ٦ : ١٥٤ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٣ / ٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦١ / ٩٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢ ح ٣.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢ ح ٣.


ومن الثانية : الصحيح وغيره : « لا يكون ظهار إلاّ على طهر بغير جماع ، بشهادة شاهدين مسلمين » (١).

وظاهره الاكتفاء في الشهود بالإسلام ، إلاّ أنّ ظاهر الأوّل وصريح الأصحاب اعتبار العدالة كاعتبارها في شهود الطلاق ، وعليه يحمل إطلاق الثاني ؛ مضافاً إلى الاستقراء الكاشف عن اعتبارها في الشهود مطلقاً ، فلا وجه لنظر بعض من تأخّر (٢) فيما ذكر.

( وفي صحته مع ) التعليق على ( الشرط ) كأن يقول : أنت كظهر أمّي إن فعلت كذا ، غير قاصد للزجر أو البعث ؛ فإنّه مع القصد إليهما يمين لم يقع بإجماعنا ، فتوًى ونصّاً ، كما يأتي (٣) ( روايتان ) باختلافهما اختلف الأصحاب.

إلاّ أنّ ( أشهرهما ) كما هنا وفي المسالك (٤) بين متأخّري أصحابنا : ( الصحة ) بعد تحقق الشرط ، واختاره من المتقدّمين الصدوق والطوسي وجماعة (٥).

وهو مع ذلك صحيح السند ، متكثّر العدد ، ففي الصحيح : « الظهار على ضربين ، أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة ، والآخر بعدها ، والذي يكفّر قبل الشروع فهو الذي يقول : أنت عليّ كظهر أمّي ، ولا يقول : إن‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٤٥ / ١٦٥٧ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٨ / ٩٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٨ أبواب الظهار ب ٢ ح ٤.

(٢) الشهيد في المسالك ٢ : ٧٦.

(٣) في ص ٣٨١.

(٤) المسالك ٢ : ٧٦.

(٥) الصدوق في المقنع : ١٠٧ ، ١١٨ ، الطوسي في النهاية : ٥٢٥ ، والمبسوط ٥ : ١٥٠ ، والخلاف ٤ : ٥٣٦ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٣٤.


فعلت بك كذا وكذا ، والذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول : أنتِ عليّ كظهر أمّي إن قربتك » (١).

ونحوه صحيحان آخران (٢) ، معتضدان كالأوّل بإطلاق الآية (٣) والنصوص.

وثانيهما : عدم الصحّة ، اختاره المرتضى في الانتصار (٤) مدّعياً عليه الإجماع ، ونسب الأوّل إلى باقي الفقهاء ، واختاره ابن زهرة والحلّي وجماعة (٥) ، ومن المتأخّرين منهم الماتن في الشرائع والمقداد في التنقيح (٦).

وهو الأقوى ؛ للأصل ، وضعف إطلاق الآية والنصّ ؛ إذ لا يقال للمظاهر بشرط : إنّه مظاهر ، وعلى تقديره فليس بمتبادر ، ويؤيّده ملاحظة شأن نزول الآية.

وللإجماع المحكي ، والمعتبرة المستفيضة بالعموم والخصوص ، فمن الأول : الصحيح المتقدم : « لا يكون الظهار إلاّ على موضع الطلاق » ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٠ / ٣٢ ، التهذيب ٨ : ١٢ / ٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٠ / ٩٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٢ أبواب الظهار ب ١٦ ح ١.

(٢) أحدهما في : التهذيب ٨ : ١٢ / ٣٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٩ / ٩٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٤ أبواب الظهار ب ١٦ ح ٧.

والآخر في : التهذيب ٨ : ١٣ / ٤١ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٠ / ٩٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٤ أبواب الظهار ب ١٦ ح ٨.

(٣) المجادلة : ٢.

(٤) الانتصار : ١٤١.

(٥) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٠٩ ؛ وانظر المهذّب ٢ : ٢٩٨ ، والكافي في الفقه : ٣٠٣ ، والمراسم : ١٦٠.

(٦) الشرائع ٣ : ٦١ ، التنقيح الرائع ٣ : ٣٧١.


ونحوه غيره (١) ، ولا طلاق بشرط إجماعاً.

ومن الثاني : الخبران ، المعتبر أحدهما بوجود جملة من المجمع على تصحيح رواياته في سنده ، فلا يضر إرساله : قال : قلت لأبي الحسن 7 : إنّي قلت لامرأتي : أنتِ كظهر أمّي إن خرجتِ من باب الحجرة ، فخرجت ، فقال : « ليس عليك شي‌ء » الخبر (٢).

والثاني (٣) وإن ضعف ، إلاّ أنّه كالأوّل لو كان كذلك بالشهرة العظيمة بين القدماء كما يفهم من الحلّي ، بل والمتأخّرين أيضاً كما يفهم من الشرائع ، والإجماع المتقدّم ، ومخالفة العامة العمياء ، معتضد.

مضافاً إلى الأصل القطعي الذي لا مخرج عنه سوى الصحاح المتقدّمة ، وحملها على التقية لما عرفت من كلام المرتضى متعيّن.

ودعوى اعتضادها بالشهرة المتأخّرة ، وإطلاقات الكتاب والسنّة بما عرفت مدفوعة ، هذا.

مع أنّ الإطلاقات لو كانت تنهض هنا حجة للزم الصحة بالتعليق على الصفة والمدّة ، ولم يقل به أكثرهم ، وإن خالفهم المبسوط (٤) ، فتأمّل هذا.

ولا ريب أنّ ما ذكروه أحوط ، وإن كان ما قدّمناه أقوى وأظهر.

( ولا يقع في يمين ) أي إذا جعل جزاءً على فعل أو ترك قصداً للزجر أو البعث ، وهو الفارق بينه وبين الشرط ، فإنّ المقصود منه مجرّد‌

__________________

(١) راجع ص ٣٧٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٥٤ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٤٤ / ١٦٥٠ ، التهذيب ٨ : ١٣ / ٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٦١ / ٩٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٢ أبواب الظهار ب ١٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ١٥٨ / ٢٤ ، التهذيب ٨ : ١٣ / ٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٠ / ٩٣٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٣ أبواب الظهار ب ١٦ ح ٤.

(٤) انظر المبسوط ٥ : ١٥٦.


التعليق لا أحد الأمرين. وربما يفرق أيضاً بعدم تعلّق اليمين بفعل غير المكلف قطّ ، بخلاف الشرط ، فقد يتعلّق.

والأصل في عدم الوقوع بعد الأصل الإجماع المستفيض النقل (١) ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « لا يكون في يمين » (٢).

وعلّل أيضاً بالنهي عن اليمين بغير الله سبحانه (٣).

وفيه نظر ، فإنّ تعلّق النهي بمثله لا يستلزم الفساد ، كيف لا؟! والظهار من أصله منهي عنه إجماعاً ، ومع ذلك فهو في الجملة صحيح اتفاقاً.

( و ) كذا ( لا ) يقع إذا قصد به ( إضرار ) الزوجة ، وفاقاً للنهاية والعلاّمة وجماعة (٤) ، بل ادّعى عليه الشهرة في الكفاية (٥).

ولا يخلو عن قوّة ؛ للأصل ، وبعض المعتبرة ، المنجبر قصور سنده بالجهالة بأنّ فيه من أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة ، وفيه : « لا يكون ظهار في يمين ، ولا في إضرار ، ولا غضب » (٦).

خلافاً لظاهر المفيد والإسكافي والحلّي (٧) ، فأطلقوا الوقوع ولم‌

__________________

(١) منهم المرتضى في الانتصار : ١٤١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٦٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٦٤٩.

(٢) الكافي ٦ : ١٥٣ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٤ أبواب الظهار ب ٦ ح ٨.

(٣) الحدائق ٢٥ : ٦٥٠.

(٤) النهاية : ٥٢٦ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٨٥ ، والتحرير ٢ : ٦١ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٣٤ ، والمهذب ٢ : ٣٠٠ ، والتنقيح ٣ : ٣٧٢.

(٥) الكفاية : ٢١٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٤٥ / ١٦٥٧ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٨ / ٩٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٥ أبواب الظهار ب ٧ ح ٢.

(٧) المفيد في المقنعة : ٥٢٣ ، والإسكافي لم نعثر على الحاكي عنه ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٠٧.


يقيّدوا ؛ للعموم.

وهو أوجه ، إلاّ أن تصح الشهرة ، فتعضد به الرواية ، وتصلح للعموم مخصِّصة ، وإلاّ فمجرّد اعتبار السند مع عدم الصحة غير معلوم الصلاحية لتخصيص مثل عموم الآية ، والسنّة المقطوع بها ، المخصّص بهما الأصالة المتمسك بها في المسألة. ولا ريب أنّ الوقوع أحوط إن لم يكن أقرب.

( و ) كذا ( لا ) يقع في حال ( غضب ) مطلقا ، وإن لم يرتفع معه القصد أصلاً ( ولا سكر ) بلا خلاف في الظاهر فيهما ، وهو حجة فيهما ، كالأدلّة القاطعة في الثاني ، والصحيح في الأوّل : « الظهار لا يقع على غضب » (١) مضافاً إلى المعتبر المتقدّم ، وبذلك يخصّ العموم.

( ويعتبر في المظاهر البلوغ ، وكمال العقل ، والاختيار ، والقصد ) بلا خلاف في الأربعة ؛ لعموم الأدلّة ، وخصوص ما دلّ على أنّ الظهار كالطلاق ، لا يقع إلاّ حيثما يقع (٢) ، وقد مرّ ما دلّ على اعتبارها في الطلاق (٣).

مضافاً إلى خصوص المستفيضة في الرابع ، ففي الصحيح في بيان الظهار : « يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع : أنتِ عليَّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي ، وهو يريد بذلك الظهار » (٤) ونحوه في الموثّق (٥)

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٨ / ٢٥ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٥ أبواب الظهار ب ٧ ح ١.

(٢) راجع ص : ٥٥٧٩.

(٣) في ص : ٥٤١٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٤٠ ، التهذيب ٨ : ٩ / ٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٨ / ٩٢٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٤ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٣٩ ، التهذيب ٨ : ١٣ / ٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦١ / ٩٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٩ أبواب الظهار ب ٣ ح ٢.


وغيره (١).

فلا إشكال في شي‌ء من ذلك ، إلاّ على القول بجواز طلاق المراهق ، فالمتّجه عليه صحة الظهار أيضاً ، إلاّ أنّه لا خلاف في العدم هنا ، ولعلّه لكون مورده آيةً وروايةً إنّما هو المكلّف ، ولذا وصف بالمنكر والزور (٢) ، ووجب لأجلهما الكفّارة ، وليس شي‌ء منهما جارياً في الصبي أصلاً.

ثمّ في اقتصار الماتن كغيره في الشرائط هنا على الأربعة إشعار بل دلالة على عدم اعتبار الحريّة والإسلام ، وصحته من العبد والكافر ، وهو إجماع في الأوّل ؛ للعموم ، ومع ذلك منصوص في الصحيح وغيره : عن المملوك أعليه ظهار؟ قال : « نصف ما على الحرّ من الصوم ، وليس عليه كفّارة صدقة ولا عتق » (٣).

ومذهب الأكثر في الثاني ؛ للعمومات ، مع انتفاء المانع ؛ إذ ليس عبادة يمتنع وقوعها منه.

خلافاً للشيخ (٤) ، فاستقرب المنع ؛ لأنّه لا يقرّ بالشرع ، والظهار حكم شرعي ؛ ولأنّه لا يصحّ منه الكفّارة ؛ لاشتراط نيّة القربة فيها فيمتنع منه الفئة ، وهي من لوازم وقوعه.

ويضعّف بأنّه من قبيل الأسباب ، وهي لا تتوقّف على اعتقادها.

والتمكن من التكفير متحقّق بتقديمه الإسلام ؛ لأنّه قادر عليه ، ولو لم يقدر على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا ، وإنّما تقع منه باطلة لفقد شرط مقدور.

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢.

(٢) المجادلة : ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٤ / ٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٣ أبواب الظهار ب ١٢ ح ١.

(٤) المبسوط ٥ : ١٤٥ ، الخلاف ٤ : ٥٢٦.


مضافاً إلى اختصاص ما ذكر بصورة استمرار كفره ، أمّا لو أسلم بعد الظهار فليس ذلك بجارٍ فيه.

( و ) يعتبر ( في المظاهرة ) وقوعه في ( طهر لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضراً ) أو في حكمه ( ومثلها تحيض ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (١) ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، والمعتبرة المتقدّمة (٢) ، المنزِّلة للظهار منزلة الطلاق المعتبر فيه ذلك اتفاقاً ، فتوًى ونصّاً.

وخصوص الصحيح : عن الظهار؟ فقال : « يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع : أنتِ عليَّ حرام مثل ظهر أمّي » الخبر ، وقد مرّ (٣) ، ونحوه آخر (٤).

( وفي اشتراط الدخول ) بها ( تردّد ) من العمومات كتاباً وسنّةً ، المقتضية للعدم.

ومن أنّ ( المروي ) في الصحيحين ( الاشتراط ) ففي أحدهما : في المرأة التي لم يدخل بها زوجها. قال : « لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار » (٥).

وفي الثاني : عن مملك ظاهر من امرأته؟ قال : « لا يلزمه شي‌ء ، ولا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها » (٦).

__________________

(١) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٧٨ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٥٧ ، والفيض في المفاتيح ٢ : ٣٢٨.

(٢) في ص ٣٧٩.

(٣) راجع ص ٣٨٢.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٣ / ذيل الحديث ١ ، تفسير القمي ٢ : ٣٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٨ : ٢١ / ٦٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٦ أبواب الظهار ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ١٥٨ / ٢١ ، الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٣٨ ، التهذيب ٨ : ٢١ / ٦٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٦ أبواب الظهار ب ٨ ح ١.


وبهما يخصّ العموم القطعي إن جوّزنا تخصيصه بمثلهما ، وإلاّ فالعدم أقوى ، كما هو مختار الحلّي والمرتضى (١) ؛ لأنّ ذلك أصلهما ، إلاّ أنّ الأوّل أقوى وفاقاً لأكثر أصحابنا هنا وفي الأصل أيضاً ، وقد حقّق الكلام في تحقيقه في الأُصول مستقصى ، وأنّه يجوز العمل به مطلقاً ، وإن لم يشتهر المخصّص بين أصحابنا ، ومع اشتهار العمل به كما هنا يجوز العمل به بطريق أولى ، بل لا محيص عنه جدّاً ، كيف لا؟! وعدمه حينئذٍ مستلزم لعدم جواز تخصيص عموم الكتاب ونحوه بشي‌ء من الآحاد أصلاً إلاّ ما أجمع عليه أو حفّت به القرائن القطعية ، والاقتصار عليه كاد أن يلحق بالفساد جدّاً ، فإذاً مختار الأكثر هنا أقوى ثم أقوى.

وأمّا ما ربما يتوهّم هنا : من التأييد للخلاف بما مضى من المعتبرة المنزِّلة للظهار منزلة الطلاق ، ولا يشترط فيه ذلك اتفاقاً ونصّاً ، فينبغي أن يكون الظهار كذلك أيضاً.

فوهنه أظهر من أن يخفى ، فإنّ مقتضاها ليس إلاّ أنّ الظهار لا يقع إلاّ حيثما يقع الطلاق ، وليس فيه دلالة على أنّه حيثما يقع الطلاق يقع الظهار ، وهو ظاهر ، كما لا يخفى.

( وفي وقوعه بالمتمتع بها قولان ) مضى ذكرهما في بحث التمتع (٢) ، وأنّ ( أشبههما وأشهرهما ) ( الوقوع ).

( وكذا ) القولان في وقوعه بـ ( الموطوءة بالملك ) وأشهرهما بين المتأخّرين أنّه كالأوّل ، وهو أظهر ؛ للعمومات ، وخصوص المعتبرة‌

__________________

(١) الحلّي في السرائر ٢ : ٧١٠ ، المرتضى في المسائل الموصليّات ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ٢٤١.

(٢) راجع ص ٥١١٩.


المستفيضة منها الصحيح : في رجل كان له عشر جوار ، فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحد ، فقال : « عليه عشر كفّارات » (١).

والموثق ، بل الصحيح : عن الرجل يظاهر من جاريته؟ فقال : « الحرّة والأمة في هذا سواء » (٢) ونحوه الحسن كالصحيح (٣).

وقريب منها الصحيح : عن الظهار على الحرّة والأمة؟ قال : « نعم » (٤).

خلافاً لجماعة من القدماء (٥) ، فاختاروا العدم ؛ للأصل. ويضعّف بما مرّ.

ولأنّ المفهوم من النساء الزوجة. وفيه منع.

ولورود السبب فيها. وفيه أنّه لا يخصِّص.

وللخبر فيمن ظاهر عن أمته ، قال : « يأتيها ، وليس عليه شي‌ء » (٦) وفيه قصور سنداً عن المكافأة لما مرّ جدّاً وإن اعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده ، فلا يضرّ جهالة رواية مضافاً إلى قصوره عن ذلك عدداً ، ومخالفةً للعمومات والشهرة العظيمة وإن كانت متأخّرة ، مع‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٧ / ١٦ ، التهذيب ٨ : ٢١ / ٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٣ / ٩٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٦ أبواب الظهار ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٥٦ / ١١ ، الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦٠ ، التهذيب ٨ : ٢٤ / ٧٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٤ / ٩٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢١ أبواب الظهار ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٤ / ٧٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٤ / ٩٤٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٢ أبواب الظهار ب ١١ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٤ / ٩٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢١ أبواب الظهار ب ١١ ح ٢.

(٥) منهم المفيد في المقنعة ، والحلبي في الكافي : ٣٠٤ ، والديلمي في المراسم : ١٦٠ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٩٨ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٧٠٩.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٤٥ / ١٦٥٢ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٤ أبواب الظهار ب ٦ ح ٩.


احتماله للتقية.

ولأنّ الظهار كان في الجاهلية طلاقاً ، وهو لا يقع بها. وفيه أنّ فعل الجاهلية لا حجّة فيه ، مع أنّه قد نقل أنّهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضاً.

ولو استدلّوا بعموم المعتبرة القائلة : إنّه كالطلاق ، كان أجود ، إلاّ أنّه مخصَّص أو مؤوَّل بما مرّ ؛ لكونه في الرجحان أظهر.

وفي اكتفائه بقوله : ( والمروي : أنّها كالحرّة ) سيّما بعد الحكم بالوقوع صريحاً في السابق نوع إشعار بالتردّد ، وليس في محلّه.

( وهنا مسائل ) سبع :

( الاولى : الكفّارة تجب بالعود ) لا بمجرّد الظهار ، بالكتاب ، والسنّة ، وإجماع العلماء ، كما حكاه بعض أصحابنا (١).

( وهو إرادة الوطء ) على الأظهر الأشهر ؛ للآية (٢) ، فإنّ الظاهر في معنى العود فيها إرادة استباحة الوطء الذي حرّمه الظهار ، كما صرّح به المرتضى وجماعة ، حكاه عنهم بعض الأجلّة (٣).

وللصحيحين ، في أحدهما : عن الظهار ، متى يقع على صاحبه فيه الكفّارة؟ فقال : « إذا أراد أن يواقع امرأته » قلت : فإن طلّقها قبل أن يواقعها ، أعليه كفّارة؟ قال : « لا ، سقطت الكفّارة » (٤).

__________________

(١) انظر نهاية المرام ٢ : ١٦١ ، والحدائق ٢٥ : ٦٧٠.

(٢) المجادلة : ٣.

(٣) المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٥ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٨٦ ، والسيوري في التنقيح ٣ : ٣٧٤ ، والقاضي في المهذّب ٣ : ٥٣٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٦١ ، وحكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ١٦٥.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٥ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٤٣ / ١٦٤٧ ، التهذيب ٨ : ٩ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٨ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٤.


وفي الثاني : عن الرجل يظاهر من امرأته ، ثم يريد أن يتمّ على طلاقها ، قال : « ليس عليه كفّارة » قلت : فإن أراد أن يمسّها؟ قال : « لا يمسّها حتى يكفّر » قلت : فإن فعل عليه شي‌ء؟ قال : « أي والله إنّه لآثم ظالم » قلت : عليه كفّارة غير الاولى؟ قال : « نعم ، يعتق أيضاً رقبة » (١).

خلافاً للإسكافي فيما إذا قام على إمساكها بعد الظهار بالعقد الأوّل زماناً وإن قلّ ، فأوجب به الكفّارة وإن لم يرد الوطء ، قال : لأنّ العود إنّما هو المخالفة ، وهي متحقّقة بذلك (٢).

وأُجيب بأنّ بقاءها في عصمته لا ينافي تحريمها عليه ، وإنّما ينافيه إرادة الاستمتاع أو نفسه ، والثاني غير مراد بإجماعنا ، ولقوله تعالى ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ) (٣) فيتعيّن الأول (٤) ، هذا.

وفي الحسن وغيره تفسير العود بغير ما عليه الأصحاب من إرادة الوطء ، كما عليه المشهور ، أو المخالفة ، كما عليه الإسكافي ، وهو أنّ قوله تعالى ( ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) « يعني به ما قال الرجل الأوّل لامرأته : أنتِ عليَّ كظهر أُمّي ، فمن قالها بعد ما عفا الله تعالى وغفر للرجل الأوّل فإنّ عليه ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) الآية » (٥).

إلاّ أنّه يستفاد من بعض الروايات ما قدّمناه ، كالمرسل : في رجل ظاهر ، قال : « سقطت عنه الكفّارة إذا طلّق قبل أن يعاود المجامعة » ‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٨ / ٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٥ / ٩٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٠ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٨.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٦٠٠.

(٣) المجادلة : ٣ ، ٤.

(٤) المسالك ٢ : ٧٩.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٢ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٤ أبواب الظهار ب ١ ح ٢ ، والآية في المجادلة : ٣.


الخبر (١) ، فتأمّل.

وكيف كان لا مخالفة فيه للمشهور من حيث الثمرة الثابتة بالصحيحين.

( و ) يستفاد من صريحهما مضافاً إلى الأصل ما هو الأشهر ( الأقرب : أنّه لا استقرار لوجوبها ) بمجرّد الإرادة بحيث تلزمه مع انتفائها ، بل وجوبها شرطي بمعنى تحريم الوطء حتى يكفّر.

خلافاً للتحرير ، فقال بالاستقرار ؛ لترتّبه في الآية على العود بمجرّده ، بناءً على التفسير المشهور (٢).

وأُجيب بأنّ المفهوم منه إنّما هو توقّف التماسّ عليها ، مع أنّها مقيّدة بقبليّة التماسّ التي هي من الأُمور المتضايفة التي لا تتحقّق إلاّ بالمتضايفين (٣).

ثمّ في إضافة الإرادة في العبارة إلى الوطء خاصّة إشارة بل دلالة على عدم ترتّب الكفّارة بإرادة مقدّماته من اللمس والقبلة ، وهو أصحّ القولين وأشهرهما في المسألة ، بل عن الحلّي (٤) نفي الخلاف عنه ، بناءً على الأصل ، وتفسير المسيس هنا بل مطلقاً بالوطء خاصّة في المعتبرة ، منها الخبران المفسِّران للعود بما قدّمناه ، فإنّ فيهما : « فإنّ عليه ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ) يعني : مجامعتها » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٩ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٩ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٦.

(٢) التحرير ٢ : ٦٢.

(٣) انظر المفاتيح ٢ : ٣٢٩.

(٤) السرائر ٢ : ٧١١.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٢ / ١ ، تفسير القمي ٢ : ٣٥٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٤ ، ٣٠٥ أبواب الظهار ب ١ ح ٢ ، وذيله.


ومنها الصحيح الأوّل (١) من الصحيحين المشترط في وجوب الكفّارة إرادة المواقعة ، التي هي الجماع بالضرورة ، الدالّ بمفهومه على عدم الكفّارة عند عدمها ، هذا.

مع استفاضة المعتبرة بترتّب الكفّارة على المواقعة الظاهرة في الحصر ، ولا يبعد كونها متواترة ، هذا ، مع أنّ المتبادر منه عرفاً وعادةً ذلك البتّة.

ومنه يظهر ضعف القول بترتّب الكفّارة على مطلق المسيس ، ولو كان نحو قبلة ، كما عن المبسوط والخلاف (٢) ، وحجّته من عموم المسيس لغةً لذلك.

وأمّا الاستناد له إلى تنزيلها منزلة المحرّمة مؤبّداً فهو مصادرة ، مع استلزامه حرمة النظر بلذّة ، وليس في الآية دلالة عليها بوجه ، مع عدم مصير المخالف إليه أيضاً.

واعلم أنّه إنّما يحرم الوطء عليه بالظهار ، ولا عليها ، إلاّ إذا تضمّن الإعانة على الإثم ، فيحرم لذلك لا للظهار ، فلو تشبّهت عليه على وجه لا تحرم عليه ، أو استدخلته وهو نائم مثلاً لم يحرم عليها ؛ لثبوت الحلّ لها قبله ، والأصل بقاؤه.

( الثانية : لو طلّقها وراجع في العدّة لم تحلّ ) مجامعتها ( حتى يكفّر ) إجماعاً ، حكاه جماعة (٣) ؛ لإطلاق الآية (٤) ، وصريح بعض المعتبرة‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٣٨٧.

(٢) المبسوط ٥ : ١٥٥ ، الخلاف ٤ : ٥٣٩.

(٣) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٨٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٦٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٢ ، والمجلسي في مرآة العقول ٢١ : ٢٦٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٦٨١.

(٤) المجادلة : ٣.


الآتية ، وما ينافيه بإطلاقه ممّا يأتي محمول على الصورة الثانية بما مرّ والمعتبرة المفصِّلة.

( و ) أمّا ( لو ) طلّقها بائناً أو رجعيّاً وقد ( خرجت ) من العدّة ( فاستأنف النكاح ) فإنّه ( فيه روايتان ، أشهرهما ) وأظهرهما ( أنّه لا كفّارة ) عليه.

ففي الصحيح : عن رجل ظاهر من امرأته ، ثم طلّقها قبل أن يواقعها ، فبانت منه ، أعليه كفارة؟ قال : « لا » (١).

وفيه كالخبر ، بل الحسن ـ : عن رجل ظاهر من امرأته ، ثم طلّقها تطليقة؟ فقال : « إذا هو طلّقها تطلقة فقد بطل الظهار ، وهدم الطلاق الظهار » قيل له : فله أن يراجعها؟ قال : « نعم ، هي امرأته ، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسّا » قلت : فإن تركها حتى يخلو أجلها وتملك نفسها ، ثم تزوّجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسّها؟ قال : « لا ، قد بانت منه ، وملكت نفسها » (٢).

وعليهما يحمل إطلاق الصحيحين في المظاهر إذا طلّق سقطت عنه الكفّارة (٣).

والرواية الأُخرى الحسنة : عن رجل ظاهر من امرأته ، ثم طلّقها بعد ذلك بشهر أو شهرين ، فتزوّجت ، ثم طلّقها الذي تزوّجها ، فراجعها الأوّل ، هل عليه الكفّارة للظهار الأوّل؟ قال : « نعم » الخبر (٤).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦١ / ٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٨ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٦١ / ٣٤ ، الفقيه ٣ : ٣٤٢ / ١٦٤٣ ، التهذيب ٨ : ١٦ / ٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٨ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٢.

(٣) راجع ص ٣٨٧ ، ٣٨٨.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٠ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٩.


وقد عمل به الديلمي والحلبي (١) ، وفيه قصور سنداً وعدداً عن المقاومة لما مرّ جدّاً ، ومع ذلك محتمل للتقية ، وبها أجاب عنه الشيخ ، قائلاً : إنّه مذهب جماعة من العامّة (٢).

والأجود حمله على الاستحباب ، كما ذكره جماعة (٣) ، أو على صورة إرادته الفرار بالطلاق من الكفّارة ؛ للخبر : « إن كان إنّما طلّقها لإسقاط الكفّارة عنه ثم راجعها فالكفّارة لازمة له أبداً إذا عاود المجامعة ، وإن كان طلّقها وهو لا ينوي شيئاً من ذلك فلا بأس ، ولا كفّارة عليه » (٤).

إلاّ أنّه مع قصور سنده بالإرسال ، وضعفه عن المقاومة لما مرّ شاذّ ، لا يلتفت إليه ، ومع ذلك فإطلاق نفي الكفّارة فيه بعد الرجوع مع عدم قصد الفرار مخالف للإجماع بالضرورة ، إلاّ أنّه يمكن تقييده بصورة تحقّق البينونة.

( الثالثة : لو ظاهر من أربع ) نسوة ( بلفظ واحد ) وكلمة واحدة ، فقال : أنتنّ عليّ كظهر أُمّي ( لزمه أربع كفّارات ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ؛ لإطلاق الآية (٥) والسنّة ، وخصوص المعتبرة ، أصرحها الصحيح : في رجل كان له عشر جوارٍ فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحدة ، فقال : « عليه عشر كفّارات » (٦).

__________________

(١) الديلمي في المراسم : ١٦٠ ، الحلبي في الكافي : ٣٠٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧.

(٣) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٧٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٢.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٩ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٩ أبواب الظهار ب ١٠ ح ٦.

(٥) المجادلة : ٣ ، ٤.

(٦) الكافي ٦ : ١٥٧ / ١٦ ، التهذيب ٨ : ٢١ / ٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٣ / ٩٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢١ أبواب الظهار ب ١١ ح ٣.


( وفي رواية ) موثّقة (١) أنّ عليه ( كفّارة واحدة ) عمل بها الإسكافي (٢) ، ولقصورها سنداً وعدداً عن المقاومة لما مرّ جدّاً حملها الشيخ على الوحدة الجنسيّة (٣) ، ولا بأس به وإن بعد ؛ جمعاً بين الأدلّة.

( وكذا البحث لو كرّر ظهار ) المرأة ( الواحدة ) يلزمه بكلّ مرّة كفّارة على حدةٍ ؛ لبعض ما مرّ ، وللمستفيضة ، منها الصحاح ، في أحدها : عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرّات أو أكثر؟ قال : « قال عليّ 7 : عليه مكان كلّ مرّة كفّارة » (٤) ونحوه الباقي (٥).

وإطلاقها كالعبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين تراخي أحدهما عن الآخر أو تواليهما ، بقصد التأكيد أم لا ، تعدّد المشبّه بها كالأُمّ والأُخت أم لا ، تخلّل التكفير بينهما أم لا ، اختلف المجلس أم تعدّد ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

خلافاً للطوسي في المتواليين مع قصد التأكيد ، فواحدة مطلقاً (٦).

وللإسكافي فيما إذا اتّحد المشبّه بها مع عدم تخلّل التكفير مطلقاً (٧).

ولغيرهما فيما إذا اتّحد المجلس ، فكذلك مطلقاً (٨).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٤٥ / ١٦٥٥ ، التهذيب ٨ : ٢١ / ٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٣ / ٩٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٧ أبواب الظهار ب ١٤ ح ٣.

(٢) كما حكاه عنه في المختلف : ٦٠٢.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢٦٤ ، التهذيب ٨ : ٢٢.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٢ / ٩٣٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٤ أبواب الظهار ب ١٣ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٢ : ٣٢٤ أبواب الظهار ب ١٣.

(٦) المبسوط ٥ : ١٥٢.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٦٠١.

(٨) لم نعثر عليه ، ولعلّ القائل من العامة كما أشار إليه في المسالك ٢ : ٨٢ ، راجع المغني لابن قدامة ٨ : ٦٢٤.


ولم أقف لهم على حجّة سوى عدم الخلاف الذي ادّعاه الأوّل ، والصحيح الذي احتجّ به للثالث : في رجل ظاهر عن امرأته أربع مرّات في مجلس واحد ، قال : « عليه كفّارة واحدة » (١).

وهو كالأوّل قاصر عن المكافأة لما مرّ ، فليطرحا ، أو يؤوّلا إلى ما يؤولا به إلى الأوّل ، هذا.

وفي الأوّل وهن ؛ لمصير الأكثر إلى خلافه ، وفي سند الثاني ركاكة واشتراك عند جماعة (٢) ، وقد حمله الشيخ (٣) على ما حمل عليه الرواية السابقة من إرادة الوحدة الجنسية ، لا الشخصيّة.

( الرابعة : يحرم الوطء قبل التكفير ) اتفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، كتاباً وسنّةً.

( فلو وطئ عامداً لزمه كفّارتان ) إحداهما للظهار ، والأُخرى للمواقعة ، بلا خلاف بين الطائفة ، إلاّ من الإسكافي (٤) ، فلا تجب بالمرّة الأُولى أصلاً ، وأمّا الثانية فكذلك إلاّ مع القدرة على العتق والصيام ، وأمّا الإطعام فلا تجب في الثانية أيضاً. ولم نقف له على شاهد.

نعم في الصحيح وغيره : قلت : إن واقع قبل أن يكفّر؟ قال : « يستغفر الله تعالى ويمسك حتى يكفّر » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٣ / ٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٣ / ٩٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٦ أبواب الظهار ب ١٣ ح ٦.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٦٨ ، وانظر الكفاية : ٢١٣.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢٦٣ ، التهذيب ٨ : ٢٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٦٠٢.

(٥) الصحيح : الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٤ ، الفقيه ٣ : ٣٤٣ / ١٦٤٥ ، التهذيب ٨ : ١٨ / ٥٩ ،


وهما مع قصور سند الثاني ليسا نصّين في المطلوب ، بل ولا ظاهرين ، وعلى تقدير الظهور فليس فيهما التفصيل المذكور ، فإذاً هما شاذّان.

ومع ذلك معارضان بالمعتبرة المستفيضة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، منها الصحيحان ، في أحدهما : « لا يمسّها حتى يكفّر » قلت : فإن فعل فعليه شي‌ء؟ قال : « إي والله ، إنّه لآثم ظالم » قلت : عليه كفّارة غير الاولى؟ قال : « نعم ، يعتق أيضاً رقبة » (١).

وفي الثاني : « إذا واقع المرّة الثانية قبل أن يكفّر فعليه كفّارة أُخرى ، ليس في هذا اختلاف » (٢).

ونحوهما الثالث (٣) ، وهو وإن قصر سنده بجهالة الراوي ، إلاّ أنّ فيه المجمع على تصحيح رواياته ، مع انجباره بالشهرة ، ومفهوم الصحيح : « ليس له أن يواقعها حتى يكفّر ، فإن جهل وفعل فإنّما عليه كفّارة واحدة » (٤).

__________________

الإستبصار ٣ : ٢٦٥ / ٩٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٨ أبواب الظهار ب ١٥ ح ٢. وغيره : الكافي ٦ : ١٦٠ / ٣١ ، الفقيه ٣ : ٣٤٢ / ١٦٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٨ أبواب الظهار ب ١٥ ح ٣.

(١) التهذيب ٨ : ١٨ / ٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٥ / ٩٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٩ أبواب الظهار ب ١٥ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٥٧ / ١٧ ، التهذيب ٨ : ١٨ / ٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٥ / ٩٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٨ أبواب الظهار ب ١٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٨ / ٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٢ / ٩٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٩ أبواب الظهار ب ١٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ٨ : ١١ / ٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٩ / ٩٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣١ أبواب الظهار ب ١٥ ح ٨.


وصريحه كجماعة (١) وظاهر العبارة اغتفار التعدّد في الجاهل ، ويدلُّ عليه الأصل أيضاً ، مع انتفاء المانع ؛ لاختصاص المعتبرة المتقدّمة بحكم السياق في بعض والتبادر في آخر بالعامد.

ومنه يظهر وجه انسحاب الحكم في الناسي ، وإن اختصّ الصحيح بالجاهل ؛ مضافاً إلى الاعتبار ، والإجماع المركّب ، مع احتمال التعدّي منه إليه بالفحوى ، فتأمّل جدّاً ، هذا.

وفي تفريع الماتن تعدد الكفّارة على الحرمة مناقشة ؛ لعدم التلازم بينها وبين الكفّارة ، فالأجود إبدال الفاء بالواو.

( ولو كرّر ) الوطء ( لزمه لكلّ وطء كفّارة ) مطلقاً ، كفّر عن الأوّل أم لا ، على الأشهر الأقوى ؛ لإطلاق ما مضى.

خلافاً لابن حمزة في الثاني ، فاكتفى فيه بالواحدة (٢). والنص حجّة عليه.

( الخامسة : إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى ، يكفّر ) إجماعاً ؛ لما مضى.

( ولو علّقه بشرط ) من غير وجه يمين ( لم تحرم حتى يحصل الشرط ) فتحرم حينئذٍ إن قلنا به ، وتجب الكفّارة لو أراد الوطء ثانياً ، وفاقاً للأكثر ؛ للأصل ، وصريح ما دلّ على تحقق التحريم به ، وهو الصحيح : « الظهار ضربان : أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة ، والآخر بعدها ، فالذي يكفّر قبل المواقعة هو الذي يقول : أنتِ عليَّ كظهر أمّي ، ولا يقول : إن فعلت بك كذا وكذا ، والذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول : أنتِ عليّ‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٦٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٢ ، والفيض في المفاتيح ٢ : ٣٣٠.

(٢) الوسيلة : ٣٣٥.


كظهر أُمّي إن قربتك » (١).

( وقال بعض الأصحاب ) وهو الشيخ في النهاية (٢) : والضرب الثاني لا تجب فيه الكفّارة إلاّ بعد أن يفعل ما شرط أنّه لا يفعل ( أو يواقعـ ) ها ، ( وهو بعيد ) إذ لا وجه له ، مع مخالفته ما مرّ ؛ لعدم ترتّب الظهار عليه.

( ويقرب إذا كان الوطء هو الشرط ) كما في الصحيح المتقدّم ، ولكن حمل عبارته عليه تحكّم.

ثم إن كان هو الوطء تحقّق بالنزع ، فتحرم المعاودة قبلها ، ولا تجب قبله ، وإن طالت مدّته ، على أصحّ القولين ؛ حملاً على المتعارف.

خلافاً للشيخ (٣) ، فأوجبها بأوّل آن من صدق الوطء ، بناءً على أنّ الاستمرار وطء ثانٍ. ويضعّف بما مرّ.

( السادسة : إذا عجز عن الكفّارة ) وخصالها الثلاث وأبدالها إن قلنا بها سوى الاستغفار ( قيل : ) وهو مذهب الأكثر ، وقد صرّح به جماعة (٤) ( يحرم وطؤها حتى يكفّر ) أخذاً بظاهر الكتاب والسنّة ، والتفاتاً إلى صريح الصحيح : « كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من عتق ، أو صوم ، أو صدقة ، في يمين ، أو نذر ، أو قتل ، أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة ، فإنّ الاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار ، فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها ، وفرّق بينهما ، إلاّ أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٠ / ٣٢ ، التهذيب ٨ : ١٢ / ٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٠ / ٩٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٢ أبواب الظهار ب ١٦ ح ١.

(٢ و ٣) النهاية : ٥٢٥.

(٣) النهاية : ٥٢٥.

(٤) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٧١ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٣٩.

(٥) الكافي ٧ : ٤٦١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٦ / ٥٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٦ / ١٩٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٧ أبواب الكفارات ب ٦ ح ١.


( وقيل : ) كما عن الحلّي (١) ( يجتزئ بالاستغفار ، وهو أشبه ) وتبعهما الفاضل في المختلف (٢) ، تمسكاً بأصالة البراءة ، وأنّ إيجاب الكفّارة مع العجز عنها تكليف بغير مقدور ، فيكون مدفوعاً.

والموثّق ، بل الصحيح : « إنّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربه ، ولينوِ أن لا يعود قبل أن يواقع ، ثم ليواقع ، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة ، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوماً من الأيّام فليكفّر » (٣).

وفي الجميع نظر ؛ لانقطاع الأوّل بأدلّة الظهار المثبتة لما يضادّه ، فالأصل يقتضي بقاءه.

واندفاع الثاني بعدم التكليف بالكفّارة نفسها ابتداءً ، بل هو بعد إرادة الوقاع ، ومع عدمها لا تكليف بها أصلاً ، كما مضى.

اللهم إلاّ أن يقال : بتعلّق التكليف بها إذا أتى زمان يجب على المظاهر فيه المواقعة ، والأمر بها يستلزم الأمر بالكفّارة ولو من باب المتقدّمة ، فلو لم يجتزأ بالاستغفار مكانها لزم ما تقدّم من الملازمة ، وهو التكليف بغير المقدور البتّة.

لكن فيه : منع التكليف بالمواقعة في هذه الصورة ، من حيث كونها بفقد الكفّارة غير مقدورة ، وعلى تقدير التنزّل عن ظهور المنع نقول : لا أقلّ من احتماله.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٧١٣.

(٢) المختلف : ٦٠٢.

(٣) الكافي ٧ : ٤٦١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٣٢٠ / ١١٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٦ / ١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٨ أبواب الكفارات ب ٦ ح ٤.


وعدم القدرة على الكفّارة كما يمكن صيرورته قرينةً للاجتزاء بالاستغفار ، كذا يمكن خروجه شاهداً على عدم التكليف بذي المقدّمة ، وحينئذٍ ترجيح الأوّل على الثاني موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة ، هذا.

مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها ، كالأمة ، والمتمتع بها ، على القول بوقوع مظاهرتهما ، كما هو مذهب الخصم ، والأشهر الأقوى كما مضى (١) ، والدليل أخصّ من المدّعى.

وأمّا الخبر فـ مع قصور سنده ؛ لعدم معلوميّة صحته معارض بالصحيح المتقدّم ، وهو أقوى منه بمراتب ؛ لظهور صحته ، نظراً إلى ثبوت عدم اشتراك رواية بين الثقة ومن ينظر في وثاقته ، مع اعتضاده بظاهر ما مرّ من الكتاب والسنّة ، وفتوى الأكثر التي هي أقوى المرجّحات ، كما مرّ غير مرّة وتقرّر ، فإذاً هو أظهر ومع ذلك فهو أحوط.

( السابعة : ) إن لم يرد الوقاع وصبرت المظاهرة عليه فلم ترافعه إلى الحاكم فلا اعتراض لأحدٍ في ذلك ؛ لأنّ الحقّ لها ، فجاز إسقاطها له جزماً ، مضافاً إلى الأصل. وكذا لو لم تكن ذات حقٍ ، كالموطوءة بالملك والمتمتّع بها ، وإن طالبتاه جدّاً.

وأمّا إذا كانت ذات حقّ ولم تصبر ، فرافعته إلى الحاكم ، خيّره بين العود والتكفير وبين الطلاق ، فإنّ أبى عنهما كان ( مدّة التربّص ) التي ينظر فيها لينظر في أمره ( ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، وعند انقضائها ) مع عدم اختياره أحد الأمرين يحبس و ( يضيّق عليه ) في المطعم والمشرب ، بأن يمنع عمّا زاد على سدّ الرمق ( حتى يفي‌ء أو يطلّق ) ويختار أحد‌

__________________

(١) في ص ٣٨٥.


الأمرين ، ولا يجبر على أحدهما ، بل يخيّر بينهما.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل ظاهر جماعة (١) الإجماع عليه ، وهو الحجّة فيه ، دون الموثق : عن رجل ظاهر عن امرأته؟ قال : « إن أتاها فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، وإلاّ ترك ثلاثة أشهر ، فإن فاء ، وإلاّ أُوقف حتى يُسأل : ألك حاجة في امرأتك أو تطلّقها؟ فإن فاء فليس عليه شي‌ء ، وهي امرأته ، وإن طلّقها واحدة فهو أملك برجعتها » (٢).

لقصوره عن إفادة المدّعى بتمامه ؛ مضافاً إلى قصور سنده ، فلا يصلح حجّةً للكلّ ، مع تضمّنه بكثير ممّا لم يقل به أحد ، وتطرّق الإشكال إلى العمل بإطلاقه ، من حيث شموله لغير ذات حقّ ، ولصاحبته مع عدم فوت شي‌ء من حقوقها ، كما إذا رافعته عقيب الظهار بلا فصل بحيث لا يفوت لها الواجب من الوطء بعد المدّة المضروبة ، فإنّ سائر الحقوق غير منافٍ للظهار.

لكنّه كما مرّ مدفوع بالوفاق ، وعكوف الكلّ على العمل عليه ، ولعلّ مستندهم في الحبس والتضييق عليه في المطعم والمشرب الخبران المتضمّنان لذلك في المُؤلي ، كما يأتي (٣) ، مع عدم تعقّل الفرق بينه وبين المظاهر ، مضافاً إلى شهادة الاعتبار ، فتأمّل جدّاً.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٧٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٣١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٣ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٥٧.

(٢) التهذيب ٨ : ٦ / ١١ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٥ / ٩١٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٧ أبواب الظهار ب ١٨ ح ١.

(٣) في ص ٤١٠.


( كتاب الإيلاء )

وهو مصدر آلى يُؤلي إذا حلف مطلقاً ، كذا لغةً.

وأمّا شرعاً : فهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها ، قُبُلاً أو مطلقاً ، أبداً أو مطلقاً من غير تقييد بزمان ، أو به مع زيادته على أربعة أشهر ، للإضرار بها ، فهو جزئي من جزئيات الإيلاء الكلّي ، أُطلق عليه.

والحلف فيه كالجنس يشمل الإيلاء الشرعي وغيره ، والمراد الحلف بالله سبحانه ، كما سيأتي (١).

وتقييده بترك وطء الزوجة يخرج اليمين على غيره ، كترك المضاجعة والتقبيل ونحوهما ، فإنّه لا يلحقه أحكام الإيلاء المختصّة به ، بل يترتّب عليه حكم مطلق اليمين.

وإطلاق الزوجة يشمل الحرّة ، والأمة المسلمة ، والكافرة ؛ لعموم الأدلّة.

وخرج بها الحلف على ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك.

وبتقييدها بالدائمة : المتمتّع بها ، فإنّ الحلف على ترك وطئها لا يعدّ إيلاءً ، بل يميناً مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ، كما سيأتي (٢) ، فيتبع الأولى في الدين والدنيا ، فإن تساويا انعقد يميناً يلزمه حكمه.

__________________

(١) في ص ٤٠٥.

(٢) في ص ٤٠٨.


وكذا الحلف على ترك وطء الدائمة مدّة لا تزيد على أربعة أشهر.

وزدنا في التعريف قيد الدخول بها ؛ لما هو المشهور بين أصحابنا من اشتراطه من غير نقل خلاف فيه ، ويأتي الكلام فيه مع دليله (١).

وقيد : القُبل أو مطلقاً ، احتراز عمّا لو حلف على ترك وطئها دُبراً ؛ فإنّه لا ينعقد إيلاءً ، بل يميناً مطلقاً ، ويلحقه حكمه ، ولا يحصل به الفئة أيضاً ؛ لأنّ الجماع على هذا الوجه لا حقّ للزوجة فيه ، بل هو إحسان إليها لا إضرار ، هذا.

مع ما في الإيلاء وأحكامه من المخالفة للأصل ، فيقتصر فيه على محلّ الوفاق والنص ، وليس إلاّ الحلف على ترك الوطء مطلقاً أو قبلاً ؛ لعدم تبادر غيره منه جدّاً.

واعلم أنّ كل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يميناً.

والفرق بينه وبين الإيلاء مع اشتراكهما في الحلف والكفّارة الخاصّة جواز مخالفة اليمين في الإيلاء ، بل وجوبها على وجه ولو تخييراً مع الكفّارة ، دون اليمين المطلقة.

وعدم اشتراط انعقاده مع تعلّقه بالمباح بأولويّته ديناً أو دنيا أو تساوي طرفيه ، بخلاف مطلق اليمين ، فيشترط فيها ذلك.

واشتراطه بالإضرار بالزوجة ، كما علم من تعريفه ، وسيأتي دليله (٢) ، بخلاف مطلق اليمين ، فلا يشترط فيها ذلك.

واشتراطه بدوام عقد الزوجة ، كما مضت إليه الإشارة ، وسنعيده مع‌

__________________

(١) في ص ٥٦٠٣.

(٢) في ص ٥٦٠١.


الأدلّة (١) ، بخلاف اليمين المطلقة.

وانحلال اليمين على ترك وطئها بالوطء دُبُراً مع الكفّارة دون الإيلاء ، إلى غير ذلك من الأحكام المختصّة بالإيلاء ، المذكورة في بابه.

والأصل فيه الكتاب ، قال الله سبحانه ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢).

مضافاً إلى الإجماع ، والسنّة المستفيضة ، وسيأتي إلى بعضها الإشارة.

( ولا ينعقد إلاّ باسم الله سبحانه ) المختصّ به ، أو الغالب فيه ، كاليمين المطلقة ؛ لعموم أدلّتها ، وخصوص المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « الإيلاء أن يقول : والله لا أُجامعكِ كذا وكذا » الخبر (٣) ، ونحوه غيره (٤).

مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ، وأصالة البراءة عن أحكامه التي منها الكفّارة بالمخالفة.

( و ) يتفرع عليه أنّه ( لو حلف ) على ترك وطئها ( بالطلاق أو العتاق لم يصحّ ) بلا خلاف بيننا ، ووافقنا عليه كثير ممّن خالفنا (٥) ، وقال بعضهم (٦) : لا يختص به ، بل لو قال : إن وطئتكِ فعبدي حرّ ، أو قال‌ :

__________________

(١) في ص ٤٠٧.

(٢) البقرة : ٢٢٦ ، ٢٢٧.

(٣) الكافي ٦ : ١٣٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٤ ، التهذيب ٨ : ٢ / ١ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٢ / ٩٠٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٧ أبواب الإيلاء ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٩ أبواب الإيلاء ب ٩ ج ١.

(٥) انظر المغني ٨ : ٥٠٥ ، وزاد المعاد ٤ : ٩٢ ، وبداية المجتهد ٢ : ١٠١.

(٦) حكاه عن مالك في بداية المجتهد ٢ : ١٠١.


صدقة ، أو حلائلي محرّمات ، كان مؤلياً ، فيلزمه مع الوطء كفّارة الإيلاء أو الوفاء بالملتزم.

ومثله ما لو قال : إن أصبتكِ فعليّ كذا ، بل أولى بعدم الوقوع ؛ لأنّه كناية لا يقع به عندنا وإن ذكر اسم الله تعالى.

( ولا ينعقد إلاّ في إضرار ) بلا خلاف ؛ للخبرين ، أحدهما الصحيح : « إن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل » (١).

وثانيهما الخبر ، بل القوى : « ليس في الإصلاح إيلاء » (٢) ويتمّ بعدم القول بالفصل. وضعف السند بالشهرة منجبر.

وبهما يخصّ عموم الأدلّة ، مع عدم انصراف أكثرها إلى هذه الصورة.

( فلو حلف للصلاح لم ينعقد ، كما لو حلف لاستضرارها بالوطء أو لصلاح اللبن ).

( ولا ينعقد ) أيضاً ( حتى يكون مطلقاً ) غير مقيد بزمان ( أو ) مقيّداً به مع كونه ( أزيد من أربعة أشهر ) للأصل ، وتوقّف أحكامه من الإيقاف للفئة أو الطلاق عليه ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في كلام جماعة (٣).

وبه صريح بعض المعتبرة ، وليس في سنده سوى القاسم بن عروة ، وقد حسّنه بعض الأجلّة (٤) ، بل ربما قيل بوثاقته (٥) ، وهو مع ذلك معتضد بعمل الطائفة ، وقد جعله فخر المحققين مذهب الإمامية والشافعية ومالك‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤١ أبواب الإيلاء ب ١ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧ / ١٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٤ أبواب الإيلاء ب ٤ ح ١.

(٣) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٧٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٦٨ ، وانظر الكفاية : ٢١٣ ، وملاذ الأخيار ١٣ : ١٨.

(٤) راجع مجمع الفائدة ٢ : ٢٥٥ ، و ٣ : ٢٠٥ ، و ١٢ : ٦٢.

(٥) المسائل الصاغانية ( مصنّفات المفيد ٣ ) : ٧١ ، ٧٢.


وأبي حنيفة (١) ، وفيه : رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر ، قال : فقال : « لا يكون إيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر » (٢).

( ويعتبر في المؤلي البلوغ ، وكمال العقل ، والاختيار ، والقصد ) إلى مدلول اللفظ ، فلا يقع من الصبي ، والمجنون ، والمكره ، والساهي ، والنائم ، والعابث به ، ونحوهم ممّن لا يقصد الإيلاء ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ؛ لكونه من اليمين المعتبر فيها ذلك ، كما يأتي.

( و ) يعتبر ( في المرأة الزوجية ) فلا يقع بالأجنبيّة ، والموطؤة بالملك ؛ للأصل ، واختصاص الكتاب والسنّة بما عدا الأجنبيّة ، بل الثانية أيضاً ؛ لمنافاة الإيلاء ، بهما أحكامه المرتسمة فيهما من لزوم الفئة أو الطلاق الغير الجاري في شي‌ء منهما قطعاً ، وفي القريب من الصحة ، بل قرّبها فيه جماعة (٣) : « لا يقع الإيلاء إلاّ على امرأة قد دخل بها زوجها » (٤).

( و ) منه يستفاد اعتبار ( الدخول ) بها أيضاً ، ونحوه في اشتراطه معتبرة أُخر مستفيضة (٥) ، فيها الصحيح وغيره ، معتضدة بعمل الطائفة كافّة ، كما يعطيه كلام جماعة (٦).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٢٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٦ / ١٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٥ أبواب الإيلاء ب ٥ ح ٢.

(٣) منهم الشيخ محمّد تقي المجلسي في روضة المتقين ٩ : ١٥٠ ، فإنّه قال : في القوي كالصحيح ..

(٤) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١ ، التهذيب ٨ : ٧ / ١٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٥ أبواب الإيلاء ب ٦ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ٢٢ : ٣٤٥ أبواب الإيلاء ب ٦ ، وكذا ص ٣١٦ أبواب الظهار ب ٨.

(٦) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ١٤٦ ، والمحقق الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٣٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٦٧.


( وفي وقوعه بالمتمتّع بها قولان ) من عموم الآية والسنّة ، ومن الأصل ، واختصاصهما بحكم التبادر والسياق المتضمن للإجبار على الفئة أو الطلاق بغيرها.

ومع ذلك : ( المروي ) في خصوص الصحيح (١) ( أنّه لا يقع ) وهذا أشهر وأقوى.

خلافاً للقاضي (٢) ، فيقع ؛ لما مرّ من العموم. ويضعّف بما مرّ.

وأمّا ما يجاب عن السياق بضعفه من حيث عدم ثبوت تخصيص العام بالضمير المتعقّب له الراجع إلى بعض أفراده.

مدفوع بثبوت ذلك ، كما تقرّر في محلّه ، ومع التنزّل فلا أقلّ من التوقف فيه ، فإنّ ضعف القول بعدم التخصيص ولزوم ارتكاب التجوّز في الضمير ممّا لا يدانيه شوب الشك والريبة ، وحينئذٍ فلا بدّ من الرجوع إلى حكم الأصل ، وهو ما قدّمناه بلا شبهة ، وحيث لم يقع انعقد يميناً إن اجتمع شرائطها ، كما مضى.

واعلم أنّه حيثما وقع الإيلاء فإن صبرت فلا بحث وإن مضت المدّة فصاعداً ؛ لأنّ الحقّ لها بعد مضيّها ، فلها إسقاطه ، ولا حقّ لها قبله ، بل هو له ، فله تركه ، وليس لأحد حتى الزوجة مطالبته.

مضافاً إلى الأصل ، والصحيح في المقامين ، وفيه : « إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ، ولا حقّ في الأربعة أشهر ، ولا إثم عليه في‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨ / ٢٢.

(٢) في هامش الأصل : للتقي ، خ ل. انظر الكافي في الفقه : ٣٠٢ ، والموجود في المهذّب خلاف ما نسب إليه ، قال فيه ( ٢ : ٣٠٢ ) : وإذا كانت المرأة متمتعاً بها لم يقع بها إيلاء.


كفّه عنها في الأربعة أشهر ، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فسكتت ورضيت فهو في حلّ وسعة ، فإن رفعت أمرها إلى الحاكم قيل له : إمّا أن تفي‌ء ، وإمّا أن تطلّق » الخبر (١).

وله وطؤها في المدّة وبعدها ، بلا خلاف فيه وفي ثبوت الكفّارة في الأوّل ، بل حكى الإجماع عليه جماعة (٢) ، وهو الحجة فيه ، كعموم الأدلّة المثبتة لها في الحنث لكل يمين.

ومنه ينقدح الوجه في ثبوتها في الثاني أيضاً ، كما هو الأشهر ، بل عن الخلاف (٣) عليه الإجماع ، وهو الأظهر ؛ لذلك.

مضافاً إلى الخبر الذي قصور سنده بقاسم بن عروة ، ومتنه بما على خلافه الأكثر ، بالشهرة منجبر ، وفيه : عن رجل آلى من امرأته فمرّت به أربعة أشهر ، قال : « يوقف ، فإن عزم الطلاق بانت منه ، وعليها عدّة المطلقة ، وإلاّ كفّر يمينه ، وأمسكها » (٤).

خلافاً للشيخ (٥) ، فلا كفّارة.

وهو مع مخالفته ما مرّ غير واضح المستند.

وربما وجّه بأنّ المحلوف عليه إذا كان تركه أرجح لم يجب الكفّارة بالحنث (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣١ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٢ أبواب الإيلاء ب ٢ ح ١.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٢٠ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٨٧ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٨٠ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٢١.

(٣) الخلاف ٤ : ٥٢٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٣٧ ، التهذيب ٨ : ٨ / ٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٤ / ٩١٠ ، تفسير العياشي ١ : ١١٣ / ٣٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٥ أبواب الإيلاء ب ١٢ ح ٣.

(٥) المبسوط ٥ : ١٣٥.

(٦) نهاية المرام ٢ : ١٨١.


ويضعّف بأنّ يمين الإيلاء يخالف غيره من الأيمان في هذا المعنى ، ومن ثم انعقد ابتداءً وإن كان تركه أرجح ، أو كان واجباً ، كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء.

( وإذا ) لم يطأها ( رافعته ) إلى الشرع ( أنظره الحاكم أربعة أشهر ) من حين الإيلاء ؛ للمعتبرة المستفيضة (١) ( فإن ) فاء بعد الإنظار فلا بحث ، وإن ( أصرّ على الامتناع ثم رافعته بعد المدّة خيّره الحاكم بين الفئة والطلاق ) بلا خلاف ؛ للمعتبرة المستفيضة ، المتقدّمة بعضها (٢).

ونحوه غيره من الصحيح ، وغيره القريب منه صحّة ، قال : « الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته : والله لأغيظنّكِ ، ولأسوءنّكِ ، ثم يهجرها ، ولا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر ، فإذا مضت أربعة أشهر فقد وقع الإيلاء ، وينبغي للإمام أن يجبره على أن يفي‌ء ، أو يطلّق » (٣).

وظاهرها كالعبارة وصريح الجماعة عدم جواز الإجبار على أحد الأمرين على التعيين ، وينبغي تقييده بما إذا حصل أحد الأمرين على التعيين بتخيّر الحاكم له ، وإلاّ فلو امتنع من أحدهما كالفئة مثلاً أمكن إجباره على الطلاق ؛ للصحيح : « يتربّص بها أربعة أشهر ، ثم يؤخذ ، فيوقف بعد الأربعة أشهر ، فإن فاء وهو أن يصالح أهله فإنّ الله غفور رحيم ، وإن لم يفي‌ء جبر على أن يطلّق » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٤٧ أبواب الإيلاء ب ٨.

(٢) راجع ص ٤٠٨.

(٣) الصحيح في : الكافي : ١٣٢ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٠ أبواب الإيلاء ب ٩ ح ٣.

والآخر في : التهذيب ٨ : ٨ / ٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٤ / ٩١١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٠ أبواب الإيلاء ب ٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٩ أبواب الإيلاء ب ٩ ح ١.


وما يقال من أنّ الإجبار عليه مستلزم للإكراه المنافي مدفوع بأنّه إجبار بحقّ ، مع ورود ذلك في الإجبار على أحدهما ، فتأمّل.

ثم الفئة تتحقق في القادر على الوطء به ولو بمسمّاه ، بأن يغيب الحشفة وإن لم ينزل ، وفي العاجز عنه بإظهار العزم عليه في أوّل أوقات الإمكان.

( فإن امتنع ) عن الأمرين ( حبسه ) الحاكم ( وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يكفّر ويفي‌ء ، أو يطلّق ) بلا خلاف فيه إلاّ في الكفّارة ؛ لوقوع الخلاف فيها ، كما مضت إليه الإشارة (١) ، ومستندهم هنا الأخبار ، ومنها : « كان أمير المؤمنين 7 يجعل له حظيرة من قصب ، ويجعله فيها ، ويمنعه من الطعام والشارب حتى يطلّق » (٢) والمراد من منعه عنهما المنع عن تمامهما.

والآخر : « إذا أبى المؤلي أن يطلّق جعل له حظيرة من قصب ، وأعطاه ربع قوته حتّى يطلّق » (٣).

وقصور سندهما بالعمل مجبور ؛ مضافاً إلى الاعتبار الشاهد بصحتهما.

وفي الخبر في المؤلي : « إمّا أن يفي‌ء ، أو يطلّق ، فإن فعل ، وإلاّ ضربت عنقه » (٤) وهو مع ضعف السند بالإرسال شاذّ مخالف للإجماع.

__________________

(١) راجع ص ٤٠٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٦ / ١٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٧ / ٩٢٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٣ أبواب الإيلاء ب ١١ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ٦ / ١٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٧ / ٩٢١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٤ أبواب الإيلاء ب ١١ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٦ / ١٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٧ / ٩٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٣ أبواب الإيلاء ب ١١ ح ٢.


( وإذا طلّق وقع رجعيّاً ) حيث لا سبب للبينونة ( وعليها العدّة ) (١) إجماعاً فيها ، نصّاً وفتوى ، ووفاقاً للأكثر في الأوّل ؛ للعمومات ، وخصوص المعتبرة ، منها الصحيحان : « هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء » (٢).

وفي غيرهما : « فإن عزم الطلاق فهي واحدة ، وهو أملك برجعتها » (٣).

وقيل (٤) : يقع بائناً مطلقا ؛ للصحيح (٥) وغيره (٦). وهو شاذّ ، ومستنده لعدم مكافأته لما مرّ مطروح ، أو مؤوّل بحصول سبب البينونة ، ككونها عنده على طلقة واحدة ، أو حمل البينونة فيهما على مجرّد الفرقة وإن لم تكن قاطعة لعلاقة الزوجيّة ، ذكره بعض الأجلّة (٧) ، ولا بأس به كالأوّل ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وربما يشهد للأوّل ما رواه في الكافي في الصحيح : عن منصور بن حازم قال : « إنّ المؤلي يجبر على أن يطلّق تطليقة بائنةً وعن غير منصور :‌

__________________

(١) في المطبوع زيادة : من يوم طلّقها.

(٢) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٣٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٥ / ٩١٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٣١ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٢ أبواب الإيلاء ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٨ ، التهذيب ٨ : ٥ / ٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٦ / ٩١٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ٢.

(٤) حكاه في المسالك ٢ : ١٠٤ ، ونهاية المرام ٢ : ١٨١ ، ولم نعثر على القائل بعينه ، كما اعترف به صاحب الجواهر ٣٣ : ٣١٤.

(٥) الكافي ٦ : ١٣١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٦ / ٩١٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٢ أبواب الإيلاء ب ١ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠.

(٧) نهاية المرام ٢ : ١٨٢.


أنّه يطلّق تطليقة يملك الرجعة » فقال له بعض أصحابه : إنّ هذا منتقض ، فقال : لا ، التي تشكو فتقول : يجبرني ، ويضرّني ، ويمنعني من الزوج ، يجبر على أن يطلّقها تطليقة بائنة ، والتي تسكت ، ولا تشكو شيئاً ، إن شاء يطلّقها تطليقة يملك الرجعة (١). فتأمّل.

( ولو ) اختلفا ، فـ ( ادّعى ) المؤلي ( الفئة وأنكرت هي فالقول قوله مع يمينه ) بلا خلاف أجده ، ولعلّه الحجّة ، وإن خالف القاعدة المتقرّرة ، ولعلّ وجه المخالفة تعذّر البيّنة ، وخصوص بعض المعتبرة ، كالموثّق : عن المرأة تزعم أنّ زوجها لا يمسّها ، ويزعم أنّه يمسّها؟ قال : « يحلف ويترك » (٢).

( وهل يشترط في ضرب المدّة المرافعة ) فلا تحسب إلاّ من حينها؟ ( قال الشيخ ) (٣) وأكثر الأصحاب : ( نعم ) لأنّه حكم شرعي يتوقّف على حكم الحاكم ، ولأصالة عدم التسلّط على الزوج بحبسٍ وغيره قبل تحقق السبب ، ولأنّه حقّها فيتوقّف على مطالبتها.

والأصحّ أنّه من حين الإيلاء ، وفاقاً للقديمين والمختلف وجماعة (٤) ؛ لظاهر الآية (٥) ، حيث رتّب التربّص عليه من غير تعرّض للمرافعة.

( و ) كذا ( الروايات ) فإنّها ( مطلقة ) غير مقيّدة بالمراجعة ، ففي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣١ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٢ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٨ / ٢٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٦ أبواب الإيلاء ب ١٣ ح ١.

(٣) المبسوط ٥ : ١٣٧.

(٤) المختلف : ٦٠٥ وقد حكاه فيه عن العماني وابن الجنيد ؛ الإيضاح ٣ : ٤٣٢ ، نهاية المرام ٢ : ١٨٣ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٣٤.

(٥) البقرة : ٢٢٦.


الصحيح : « والإيلاء أن يقول : والله لا أُجامعكِ كذا وكذا ، والله لأغيظنّكِ ، ثم يغاضبها ، فإنّها تربّص به أربعة أشهر ، ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف » الخبر (١).

وفيه : « إذا آلى الرجل أن لا يقارب امرأته ، ولا يمسّها ، ولا يجامع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف » الحديث (٢).

ونحوهما غيرهما من الصحيح وغيره (٣).

ولا يعارضها ما ذكر من الأدلّة ؛ إذ نمنع احتياج المدّة إلى الضرب ، بل هو مقتضى الحكم الثابت بالنص ، ولا دليل على توقّفه على المرافعة.

والأصالة المذكورة بالإيلاء المقتضي للتسلّط بالنصّ والإجماع منقطعة.

وتوقّف الحقّ على المطالبة لا يقتضي ضرب المدّة من حين المرافعة ، بل بعد انقضائها من حين الإيلاء يثبت لها الحقّ ، فإذا طالبته وجب الوفاء به لها من حين المطالبة ، لا الصبر به إلى انقضاء المدّة من حين المرافعة.

وعلى المختار فلو لم ترافعه حتى انقضت المدّة أمره بأحد الأمرين منجّزاً.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٤ ، التهذيب ٨ : ٢ / ١ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٢ / ٩٠٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٧ أبواب الإيلاء ب ٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٥ / ٩١٥ ، تفسير العياشي ١ : ١١٣ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠.


( ولنتبع ذلك : ) أي بحث الإيلاء والظهار ( بذكر الكفّارات ) من حيث تضمّنهما الكفّارة ، ولذا اكتفى عن بيان كفّارتهما بذكر مطلق الكفّارات ؛ لتضمّنها لها.

( وفيه مقصدان : )

المقصد ( الأوّل )

( في حصرها ) وبيان أقسامها ( وتنقسم إلى مرتّبة ، ومخيّرة ، وما يجتمع ) فيه ( الأمران ، وكفّارة الجمع ) فأقسامها أربعة.

( فـ ) الأوّل وهو ( المرتّبة : كفّارة الظهار ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ) والأصل فيها بعد الإجماع المستفيض الحكاية في كلام جماعة (١) نص الآية ، فقال سبحانه ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) إلى أن قال ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (٢).

مضافاً إلى الاستئناس له ببعض المعتبرة وإن لم تكن صريحة ، ففي الموثق : « جاء رجل إلى رسول الله 6 فقال : يا رسول الله ، ظاهرتُ من امرأتي ، فقال : اذهب فأعتق رقبة ، فقال : ليس عندي ، فقال : فاذهب فصم‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٤٤ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٨٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤١.

(٢) المجادلة : ٣ ، ٤.


شهرين متتابعين ، قال : لا أقوى ، قال : فاذهب فأطعم ستّين مسكيناً ، قال : ليس عندي » الخبر (١).

وفي المرسل كالصحيح على الصحيح : في رجل صام من كفّارة الظهار ، ثم وجد نسمة ، قال : « يعتقها ، ولا يعتدّ بالصوم » (٢) ولا قائل بالفرق ، فتأمّل.

وأمّا ما يستفاد من المعتبرة المستفيضة (٣) وفيها الصحاح والموثّقة من كونها مخيّرة ، فشاذّ ، لا عمل عليه إن حملت على ظاهرها ؛ لمخالفتها الكتاب والسنّة ، وإجماع الأصحاب ، وما مرّ من روايات الباب ، والاعتبار ؛ فإنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، وهي بمراعاة الترتيب حاصلة وبدونها مشكوكة ، ولا ينقض اليقين بالشك أبداً ، كما في المعتبرة المستفيضة (٤) ، فلتطرح ، أو تؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل ، كأن يحمل على أنّ المراد بها بيان ماهية الخصال الثلاث خاصّة ، لا كونها مخيّرة.

( ومثلها ) في الخصال الثلاث وترتيبها ( كفّارة قتل الخطأ ) على الأشهر الأقوى ، بل عن المبسوط نفي الخلاف عنه (٥) ، وكذا في المسالك في كتاب الديات (٦) ؛ لقوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٥ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٤٤ / ١٦٤٩ ، التهذيب ٨ : ١٥ / ٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٠ أبواب الكفارات ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٦ أبواب الكفارات ب ٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٥٩ أبواب الكفارات ب ١.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٥) المبسوط ٥ : ١٥٥.

(٦) المسالك ٢ : ٥١١.


إلى قوله : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ) (١).

قيل (٢) : وفي معناه النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه ، ثم أعتق رقبة ، وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً » (٣).

خلافاً للمفيد والديلمي (٤) ، فجعلاها مخيّرة. ولم أقف على مستندهما ، وعلى تقديره فلم يبلغ قوّة المعارضة لما قدّمناه جدّاً ؛ لوجوه شتّى.

ومثلهما كفّارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند الصدوق وجماعة (٥) ؛ للصحيح : عن المعتكف يجامع أهله؟ قال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر » (٦) ونحوه الصحيح الآخر (٧).

خلافاً للأكثر ، فالتخيير بين الخصال الثلاث ؛ للموثقين : عن معتكف واقع أهله : « هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان » (٨) وزيد في‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) قاله في المفاتيح ١ : ٢٦١.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٢٢ / ١١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٤ أبواب الكفّارات ب ١٠ ح ١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٧٠ ، الديلمي في المراسم : ١٨٧.

(٥) الصدوق في الفقيه ٢ : ١٢٢ ؛ وانظر المختلف : ٢٥٤ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٠٨ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٢٦١.

(٦) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣ / ٤٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٦ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٨ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

(٨) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٢.


ثانيهما : « متعمّداً ، عتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (١).

والجمع بينهما بحمل كلّ منهما على الآخر ممكن ، إلاّ أنّ الشهرة التي هي أقوى المرجّحات النصّية والاعتبارية ترجّح الثاني ، ولكن الاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل.

ومثلها كفّارة من حلف بالبراءة ، على قولٍ يأتي ذكره (٢).

( و ) مثلها في الترتيب خاصّة دون الخصال الثلاث المتقدّمة ( كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال ) فإنّها ( إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام ) على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٣) ؛ لصريح الخبر الذي قصور سنده للجهالة بالشهرة ، والتضمّن لمن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، منجبر ، وفيه : « إن كان أتى أهله » يعني القاضي لرمضان « قبل الزوال فلا شي‌ء عليه إلاّ يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين ، فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم ، وصام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع » (٤).

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بالصحيح في القاضي لرمضان : « إن كان‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٢) في ص ٤٢٧.

(٣) الانتصار : ٦٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١ ، المقنع : ٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١.


وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، ويصوم يوماً بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك » (١).

لما ذكره الشيخ : من أنّه إذا كان وقت الصلاتين عند زوال الشمس إلاّ أنّ الظهر قبل العصر جاز أن يعبّر عمّا قبل الزوال بأنّه قبل العصر ؛ لقرب ما بين الوقتين ، ويعبّر عمّا بعد العصر بأنّه بعد الزوال ؛ لمثل ذلك (٢).

أقول : ويخرج الشهرة بل الإجماع والمعتبرة السابقة شاهداً لما ذكره.

خلافاً للحلبي (٣) ، فخيّر بينهما ، وكذا ابن زهرة (٤) ، مدّعياً عليه إجماعنا.

وللقاضي (٥) ، فجعلها كفّارة يمين.

وهما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستندهما.

وللعماني (٦) ، فأسقطها ؛ للموثّق عن القاضي لرمضان ، المفطر بعد ما زالت الشمس ، قال : « قد أساء ، وليس عليه شي‌ء إلاّ قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٢١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٥) المهذّب ١ : ٢٠٣.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٧٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.


وهو وإن اعتبر سنداً ، واعتضد بالأصل جدّاً ، إلاّ أنّه غير مكافئ لما مرّ قطعاً ؛ لوجوه شتّى ، منها : موافقته للعامة العمياء ، كما صرّح به في المنتهي (١) ، مدّعياً على خلافه إجماعنا من عدا العماني.

وللصدوقين (٢) ، فجعلاها كفّارة شهر رمضان ؛ للموثّق : عن رجل قضى من شهر رمضان ، فأتى النساء؟ قال : « عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان ؛ لأنّ ذلك اليوم عند الله تعالى من أيّام رمضان » (٣).

وفيه مضافاً إلى ما مرّ في سابقه المخالفة للأصل ، وعدم التقييد فيه بما قبل الزوال ، بل ظاهر التعليل العموم له جدّاً ، ولم أرَ بذلك قولاً حتى منهما ، فليطرح ، أو يحمل على الاستحباب.

وهنا أقوال أُخر شاذّة ، تبلغ هي مع ما مرّ ثمانية ، على ما حكاه بعض الأجلّة (٤).

( والمخيّرة : كفّارة ) من أفطر في ( شهر رمضان ) مع وجوب صومه عليه بما يوجبها ( وهي : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ) مطلقاً ، على الأشهر ، بل في الانتصار والغنية (٥) عليه الإجماع ، وهو الأظهر ؛ للأصل ، والصحيح : عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يعتق نسمة » أو يصوم‌

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦٠٥.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٢٤٦ ، وهو في المقنع : ٦٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

(٤) انظر المفاتيح ١ : ٢٦٣ ، والتنقيح ٣ : ٣٩٢.

(٥) الانتصار : ٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.


شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً » (١).

خلافاً للعماني (٢) ، فجعلها مرتّبة كالظهار ، ووافقه الشيخ (٣) في أحد قوليه ، لكن في الإفطار بالجماع خاصّة ؛ لخبر الأعرابي (٤) المشهور.

وهو مع ضعف سنده ليس نصّاً في الترتيب ، بل ولا ظاهراً ، مع أنّه روي بسند آخر بعبارة أُخرى قد بدئ فيها بالتصدق ، وفي آخره : قال الراوي : فلمّا رجعنا قال أصحابنا : إنّه بدأ بالعتق ، قال : « أعتق ، أو صم ، أو تصدّق » (٥) وهذا أيضاً يدل على التخيير ، هذا.

ولو دلّ على الترتيب لنزّلناه على الاستحباب جمعاً ، ويحتمل التقية ؛ لكونه مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ، كما في الانتصار (٦).

وللصدوق (٧) في الإفطار بالمحرّم ، فجعله من القسم الرابع ؛ للخبر : « متى جامع الرجل حراماً ، أو أفطر على حرام في شهر رمضان ، فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً ، أو أفطر على حلال ، فعليه كفّارة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ / ٥٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ / ٣١٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٥.

(٣) الخلاف ٢ : ١٨٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، معاني الأخبار : ٣٣٦ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٤٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٢.

(٦) الانتصار : ٧٠.

(٧) الفقيه ٢ : ٧٤.


واحدة » (١).

وعليه تحمل الأخبار المعارضة ، الحاكم بعضها بالتخيير ، كما مرّ (٢) ، وآخر بالجمع ، كالموثّق : عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال : « عليه عتق رقبة ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وصيام شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، وأنّى له بمثل ذلك اليوم » (٣).

لكن في سند الأوّل جهالة ، وفي الثاني كالأوّل قصور عن المكافأة لما مرّ ، مع اعتضاده بالأصل والشهرة العظيمة.

وغاية ما قيل في سند الرواية المفصّلة من القوّة والصحّة ، كما عن التحرير (٤) ، بعد تسليمه لا يوجب حصول المكافأة ، بل غايته كونها رواية صحيحة ، وهي لا تكافئ الرواية الضعيفة المعتضدة بالشهرة خاصّة ، فضلاً عن الصحيحة المتعيّنة (٥) الصحة ، المعتضدة بأصالة البراءة ، فإذاً الأشهر أظهر ، فليحمل الرواية كالموثقة على الفضيلة ؛ جمعاً بين الأدلّة ، ولكن الاحتياط فيما دلّت عليه البتّة ، فلا يترك مهما أمكن.

( ومثلها ) في الخصال والتخيير ( كفّارة من أفطر يوماً منذوراً على التعيين ) من غير عذر ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٦) ؛ لعموم ما سيأتي.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٣٨ / ١١٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦ ، عيون الأخبار ١ : ٢٤٤ / ٨٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١.

(٢) في ص ٤١٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٦٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ٢.

(٤) حكاه عنه في نهاية المرام ٢ : ١٩٠.

(٥) في الأصل : المتعيّن ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) الانتصار : ٦٨.


لكن لا يمكن أن يكون مستنداً للماتن هنا ، كيف لا؟! ومعه قد جعل الكفّارة في مطلق النذر غير المقام صغيرة ، بل الظاهر استناده فيه إلى خصوص بعض المعتبرة ، منها المكاتبة الصحيحة : رجل نذر أن يصوم فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟ فكتب : « يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة » (١).

لكنها مع كونها مكاتبة معارضة بمثلها لراويها في الناذر صوم كلّ يوم سبت : « إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كل يوم لسبعة مساكين » الخبر (٢).

ومع ذلك قاصرة عن إفادة تمام الخصال ، وظاهرها تعيّن الرقبة ، فإذاً المستند حقيقةً عموم ما سيأتي من الأدلّة ، وإن كان يمكن الجواب عن المناقشات المزبورة في الرواية :

أمّا عن كونها مكاتبة : فلا بأس بها هنا ؛ لمكان الشهرة ، ولأنّ منشأ القدح بها خوف الفتوى بطريق العامّة ، وهو غير جارٍ في المسألة ؛ لعدم إيجابهم هذه الكفّارة ، كما في الانتصار (٣) ، مع أنّ فتواهم ورواياتهم تفيد أنّها صغيرة.

وأمّا عن المعارضة بالمثل : فبعدم معارضته لها مع شذوذه ؛ لعدم القائل بمضمونه من التصدّق لكلّ يوم لسبعة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ / ١١٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٢ أبواب الكفارات ب ٢٣ ب ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ / ١١٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٩ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٤.

(٣) الانتصار : ٦٩.


نعم عن الصدوق روايته له مبدّلاً للسبعة بالعشرة (١) ، لكن على هذا لما عرفت يحتمل الحمل على التقية ، سيّما مع كونه مكاتبة ، مع تأيّد الاولى بمكاتبة أُخرى : رجل نذر أن يصوم يوماً لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة » (٢).

وأمّا عن المناقشة في الدلالة : فبعدم القول بالفرق بين الطائفة ، فإنّ كلّ من أوجب العتق خيّر بينه وبين الخصلتين الباقيتين ، لكن على هذا لا وجه لجعلها دليلاً على كون الكفّارة كبيرة لا صغيرة ، بل يحتمل العكس ؛ لتضمّنها لعتق الرقبة أيضاً ، كما سيأتي إليه الإشارة.

وحينئذٍ فلم يبق مستند للحكم في هذه الصورة سوى ما سيأتي من عموم الأدلّة ، فلا وجه لجزم الماتن به فيها بالمرّة ، إلاّ أن يدّعى عدم جزمه وإرجاع التردّد إليها أيضاً ، لكن مع ذلك إفراده إيّاها عن كفّارة مطلق النذر عداها بالتردّد لا يخلو عن نظر ، وكيف كان الحكم فيها كما مرّ ؛ لما سيأتي.

( و ) مثلها في الأمرين ( كفّارة خلف العهد على التردّد ) الناشئ : من الخبرين ، في أحدهما : « من جعل عليه عهد الله تعالى وميثاقه في أمرٍ لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (٣) وبدّل في الثاني (٤) ب : « أو يتصدّق » المطلق المحمول على الأوّل.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٣٢ / ١٠٩٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٨ : ٣١٥ / ١١٧٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٥ أبواب الكفارات ب ٢٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٨٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٥ أبواب الكفارات ب ٢٤ ح ١.


ومن الأصل ، وقصور سند الخبرين بجهالة بعض رواتهما ، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقّن ، وهو كفّارة اليمين.

والأصحّ الأوّل ، وفاقاً للأكثر ، بل في الغنية (١) الإجماع عليه ، وهو الحجّة الجابرة كالشهرة للجهالة ، ويصحّ الخبران من هذه الجهة ، ويكونان كالجهة موجبين للخروج عن الأصالة المتقدّمة ، فالتردّد ضعيف.

وأضعف منه الحكم بالثاني ، كما عن الماتن في الشرائع في كتاب النذر والعهود (٢) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٣) ، ويؤيّدهما أدلّة كفّارة النذر الآتية ؛ لأنّ العهد في معناه ، كالعكس ، كما سيأتي عن الجماعة إليه الإشارة.

و ( أمّا كفّارة خلف النذر ففيه ) أقوال كثيرة ، ولكن ( قولان ) منها مشهوران ، أشهرهما : أنّها ككفّارة الإفطار في شهر رمضان ، بل عليه في الانتصار والغنية (٤) الإجماع ، وهو الأظهر ؛ لأنّ النذر كالعهد في المعنى ، كما ذكره عن الجماعة بعض أصحابنا (٥) ، وكفّارته كذلك ، كما مضى ، فتأتي أدلّته هنا.

مضافاً إلى خصوص الإجماعين ، وبعض الروايات المنجبر قصور سنده بهما ، وبالشهرة العظيمة ، والمخالفة للعامة ، كما سيأتي إليه الإشارة في البين ، مع أنّه صحيح عند جماعة (٦) ، وحسن عند آخرين (٧) ، وفيه : من‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٢) الشرائع ٣ : ١٩٣.

(٣) انظر القواعد ٢ : ١٤٤ ، والإرشاد ٢ : ٩٦.

(٤) الانتصار : ١٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٥) نهاية المرام ٢ : ١٩٣.

(٦) منهم العلاّمة في المختلف : ٦٦٩ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٧٨ ، والسيوري في التنقيح ٣ : ٥٥٥.

(٧) روضة المتقين ٨ : ٣١ ، ملاذ الأخيار ١٤ : ٨٩ ، وانظر المسالك ٢ : ٨٧.


جعل لله أن لا يركب محرّماً فركبه ، قال : ولا أعلم إلاّ قال : « فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستّين مسكيناً » (١).

و ( أشبههما ) عند الماتن هنا والفاضل في التحرير وجماعة (٢) وفاقاً للصدوق (٣) ( أنّها ) كفّارة ( صغيرة ) أي كفّارة يمين ؛ لما مرّ في العهد ؛ وللخبرين ، أحدهما الصحيح : « فإن قلت : لله عليّ فكفارة يمين » (٤) والخبر : « كفّارة النذر كفارة اليمين » (٥).

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الأوّل بما مرّ ، وقصور الخبرين وإن صحّ سند الأوّل عن المقاومة لما مرّ من الإجماعين والخبر المنجبر بعمل الأكثر ، مضافاً إلى اشتمال سند الثاني لعدّة من الضعفاء ، وموافقته صدراً وذيلاً لما روته العامّة العمياء ، كما حكاه خالي العلاّمة المجلسي (٦) طاب ثراه ولأجل ذلك حمله وما في معناه على التقيّة.

وربما حمله جماعة (٧) تبعاً لشيخ الطائفة (٨) على صورة العجز عن‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣١٤ / ١١٦٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٤ / ١٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٤ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٧.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٢١٤ ، والمحدّث الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٦٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٣٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٠.

(٤) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ / ١٠٨٧ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٩٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٢ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠٧ / ١١٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٣ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٤.

(٦) لم نعثر عليه.

(٧) منهم القاضي في المهذب ٢ : ٤٢١ ، وصاحب الوسائل ٢٢ : ٣٩٤.

(٨) التهذيب ٨ : ٣٠٦ ، الاستبصار ٤ : ٥٦.


الكبيرة ؛ للصحيح : « كلّ من عجز عن نذره فكفّارته كفّارة يمين » (١).

وليس فيه دلالة ، بل ظاهره شاذّ لا عمل عليه بالمرّة.

نعم ظاهر الانتصار (٢) ، بل صريحه الإجماع عليه ، لكنّه معارض بإطلاق إجماع الغنية (٣) ، وإطلاق سائر الأدلّة المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة ، الموهنة له هنا البتّة ، فالقول به ضعيف.

كالمحكي عن موصليّات السيّد (٤) من الجمع بين الأخبار بحمل ما مرّ على نذر الصوم ، وما هنا على نذر غيره ؛ للمناسبة.

وهي لعدم الشاهد غير قابلة للتقييد والجمع بين الأدلّة ، وإن ارتضاه في الإرشاد (٥) شيخنا العلاّمة.

وأضعف من الجميع جعلها ككفّارة قتل الخطأ ، كما عن المفيد والديلمي (٦) ؛ إذ لا وجه له أصلاً ، وإن كان أحوط جدّاً.

( و ) أمّا ( ما فيه الأمران ) التخيير والترتيب فـ ( كفّارة اليمين ، وهي : عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يجد ) شيئاً من ذلك ( صام ثلاثة أيّام متتابعات ) بإجماع علماء الإسلام ، حكاه بعض الأعلام (٧) ؛ لنصّ القرآن الكريم بذلك ، قال عزّ من قائل : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٧ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٣ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الانتصار : ١٦٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.

(٤) الموصليات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٤٦.

(٥) الإرشاد ٢ : ٩٧.

(٦) المفيد في المقنعة : ٥٦٩ ، الديلمي في المراسم : ١٨٧.

(٧) الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤١.


عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (١).

والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : في كفّارة اليمين : « يطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مدُّ من حنطة ، أو مدّ من دقيق وحَفنة ، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان ، أو عتق رقبة ، وهو في ذلك بالخيار ، أيّ الثلاثة صنع ، فإن لم يقدر على واحد من الثلاثة فالصيام عليه ثلاثة أيّام » (٢).

ومثلها كفّارة خدش المرأة وجهها حتى أدمت ، ونتفها شعر رأسها في المصائب ، على المشهور ، كما يأتي (٣).

( و ) أمّا ( كفّارة الجمع ) بين خصالها الثلاث الآتية فـ ( لقتل المؤمن عمداً عدواناً ، وهي : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ) بالإجماع ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : سئل : المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً ، إله توبة؟ فقال : « إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه ، وإن لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول ، فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستّين مسكيناً » (٤).

ومثلها كفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان ، على قول تقدّم‌

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩١ ، الإستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٥ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ١.

(٣) في ص ٤٣٧.

(٤) الكافي ٧ : ٢٧٦ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٦٩ / ٢٠٨ ، التهذيب ١٠ : ١٦٥ / ٦٥٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٠ أبواب القصاص في النفس ب ٩ ح ١.


ذكره. خلافاً للأكثر ، فالتخيير ، ومرّ أنّه أظهر (١).

ويلحق بالمقام ( مسائل ثلاث )

( الاولى : قيل ) كما عن الشيخين وجماعة من القدماء (٢) : ( من حلف بالبراءة ) من الله تعالى ورسوله والأئمّة الميامين من آله سلام الله عليهم ، على الاجتماع أو الانفراد ( لزمته كفّارة ظهار ) فإن عجز فكفّارة يمين ، إمّا بمجرّده ، كما عن الطوسي والقاضي (٣) ، بل في الغنية الإجماع عليه وعلى أصل الوجوب (٤) ، أو بعد الحنث ، كما عن المفيد والديلمي (٥) ، ووافقهم ابن حمزة (٦) في أصل الكفّارة ، إلاّ أنّه جعلها كفّارة نذر.

ولم أقف لهم على نص في ثبوتها رأساً ، فضلاً عمّا يدل على أنّها مرتّبة أو مخيّرة ، ومع ذلك لا دليل عليه من الأُصول ، ولا الإجماع المقطوع به ؛ لشدّة الاختلاف ، ولا المحكي سوى ما تقدّم ، وهو مع وهنه بالاختلاف الشديد ، ومصير أكثر المتأخّرين (٧) إلى العدم معارَض بمثله من الشيخ في الخلاف (٨) ، فإنّه ادّعى إجماع الإمامية وأخبارهم على العدم ـ

__________________

(١) راجع ص ٤٢١.

(٢) المقنعة : ٥٥٨ ، النهاية : ٥٧٠ ؛ وانظر المهذّب ٢ : ٤٢١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧.

(٣) النهاية : ٥٧٠ ، المهذب ٢ : ٤٢١.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧.

(٥) المقنعة : ٥٥٨ ، المراسم : ١٨٥.

(٦) الوسيلة : ٣٥٣.

(٧) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ١٨١ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ١٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٢.

(٨) الخلاف ٦ : ١١٢.


ومنه يظهر رجوع الشيخ في الكتاب ، بل وادّعى الحلّي رجوعه في المبسوط أيضاً (١).

ومع تعارضهما لا بدّ من المصير إلى حكم الأصل ، وهو النفي مطلقاً ، مع تأيّده بخلوّ الأخبار عنها بل ودلالة المستفيضة منها على عدم انعقاد اليمين بغير الله تعالى ، ولعلّها المراد من الأخبار التي ادّعاها الشيخ ; وإلاّ فلم نقف على ما سواها ممّا يدل على النفي صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، إلاّ أنّها تدفع القول الثاني ، وهو ترتّبها على الحنث ، لا مطلقاً فالمصير إلى العدم مطلقا أقوى ، وفاقاً للحلّي وأكثر متأخّري أصحابنا.

وهنا قولان آخران : أحدهما للصدوق (٢) ، فأوجب الكفّارة ، لكن غير ما مرّ ، بل الصيام ثلاثة أيّام ، والتصدق على عشرة مساكين. ولم نقف على مستنده.

وثانيهما لشيخنا في التحرير والمختلف (٣) ، وتبعه من المتأخّرين بعض الأجلّة (٤) ، وهو : التكفير بإطعام عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله تعالى ؛ للصحيح (٥).

لكنّه مكاتبة ، ومع ذلك فهو شاذّ ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٦) ، ولكنّه أحوط ، وأحوط منه المصير إلى الأوّل ، هذا.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٩ ، وهو في المبسوط ٦ : ١٩٤.

(٢) المقنع : ١٣٦.

(٣) التحرير ٢ : ١٠٩ ، المختلف : ٦٤٩.

(٤) وهو صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٩٥.

(٥) الكافي ٧ : ٤٦١ / ٧ ، الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٩ / ١١٠٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٠ أبواب الكفارات ب ٢٠ ح ١.

(٦) نكت النهاية ٣ : ٦٥.


ولا خلاف في تحريمه ، بل ويحتمل الكفر في بعض صوره وادّعي على ذلك الإجماع (١) ، ويدلُّ عليه بعض المعتبرة ، كالمرسل كالصحيح على الصحيح : سمع رسول الله 6 رجلاً يقول : أنا بري‌ء من دين محمّد 6 ، فقال له رسول الله 6 : « ويلك إذا برئت من دين محمّد 6 فعلى دين من تكون »؟ قال : فما كلّمه رسول الله 6 حتى مات (٢). فتأمّل.

وأصرح منه آخر : « لا تحلف بالبراءة منّا ، فإنّه من حلف بالبراءة صادقاً أو كاذباً فقد بري‌ء منّا » (٣).

( ومن وطئ ) المرأة ( في الحيض عامداً لزمه دينار في أوّله ، ونصف في وسطه ، وربع في آخره ) على قول مشهور بين متقدّمي الأصحاب ، مستفيض نقل الإجماع عليه في كلام جماعة (٤) ، ولهم صريح بعض المعتبرة (٥) ، بل ظواهر كثير منها بعد حمل مطلقها على مقيّدها ، وهو أحوط لو لم يكن أقوى.

خلافاً لكثير من متأخّري أصحابنا (٦) ، فالاستحباب ، والبحث هنا في‌

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ٨١.

(٢) الكافي ٧ : ٤٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٣٤ / ١١٠٧ ، التهذيب ٨ : ٢٨٤ / ١٠٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٢ أبواب الأيمان ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٣٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٦ / ١١١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٨٤ / ١٠٤٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٣ أبواب الأيمان ب ٧ ح ٢.

(٤) منهم السيّد المرتضى في الانتصار : ٣٣ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، وانظر الخلاف ١ : ٢٢٥.

(٥) الوسائل ٢٢ : ٣٩١ أبواب الكفارات ب ٢٢.

(٦) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢٣٢ ، والعلاّمة في المختلف : ٣٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٥.


بحث أحكام الحيض قد مضى مستقصى.

( ومن تزوّج امرأة في عدّتها فارقها ، وكفّر بخمسة أصواع ) (١) وجوباً ، وفاقاً لظاهر الشيخين ، وصريح ابن حمزة والعلاّمة في المختلف والقواعد ، وولده في شرحه ، وهو ظاهره في التحرير ، وظاهر الشهيد في الدروس (٢) ، وغيرهم (٣) ؛ للمعتبرة ، منها المرسل كالصحيح على الصحيح : في الرجل يتزوّج المرأة ولها زوج فقال : « إذا لم ترفع إلى الإمام فعليه أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً » (٤).

ومنها الخبر : عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً؟ قال : « عليه الحدّ ، وعليها الرجم ؛ لأنّه قد تقدّم بعلم ، وتقدّمت هي بعلم ، وكفّارته إن لم يقدّم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً » (٥).

وليس في سنده كالأوّل اشتراك كما ظنّ (٦) ، نعم في بعض رواته جهالة ، إلاّ أنّ فيه قوّة ، كما قرّر في محلّه ، وصرّح به بعض (٧) وفاقاً لجماعة ، ومع ذلك منجبرة هي كالإرسال في الأوّل ، والاشتراك فيهما لو كان بفتوى الجماعة.

__________________

(١) في « ح » والمطبوع زيادة : من دقيق.

(٢) المقنعة : ٥٧٢ ، النهاية : ٥٧٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٤ ، المختلف : ٦٦٥ ، القواعد ٢ : ١٤٤ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٨٣ ، التحرير ٢ : ١٠٩ ، الدروس ٢ : ١٧٨.

(٣) انظر المهذّب ٢ : ٤٢٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٠١ / ١٤٤٠ ، التهذيب ٧ : ٤٨١ / ١٩٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٤ أبواب الكفارات ب ٣٦ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٩٣ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢١ / ٦٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٩ / ٧٨١ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٧ أبواب حد الزنا ب ٢٧ ح ٥ ، بتفاوت.

(٦) المسالك ٢ : ٨٨.

(٧) روضة المتقين ١٠ : ١٥.


وليس فيهما قصور بحسب الدلالة ؛ للفظة « على » الظاهرة في الوجوب ، بل الصريحة فيه في الأوّل ، وظاهر الجملة الخبرية الراجعة إلى الإنشاء المفيد له في الثاني.

وعمومهما من حيث ترك الاستفصال يشمل ذات البعل والمعتدّة بالعدّة الرجعيّة ، والتعدية إلى المعتدّة بالعدّة البائنة ناشئة من عدم القائل بالفرق بين الطائفة ، وقد صرّح به بعض الأجلّة (١).

ومن جميع ذلك يظهر الوجه في عدم الفرق بين الجاهل والعالم ، ولا ينافيه التعليل في الرواية الثانية المشعر باختصاص الحكم فيها بالثاني ، ونحوه لفظ التكفير فيها ، فإنّ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه.

فاندفع بما مرّ وجوه القدح في الروايتين ولزوم الرجوع إلى حكم الأصل ، فإنّه يجب الخروج عنه بعدهما ، وإن ذهب إليه الحلّي (٢) ، وتبعه كثير من متأخّري أصحابنا (٣).

نعم ربما يتطرّق إليهما القدح بدلالتهما على اختصاص التكفير بصورة عدم الرفع إلى الإمام ، وعدمه معه ، ولا قائل به ، ودفع ذلك بصرف الشرط عن ظاهره بمعونة الإجماع وإن أمكن ، إلاّ أنّه ليس بأولى من صرف ما ظاهره الوجوب فيهما إلى الاستحباب ، لكن لا بدّ من الأوّل هنا أيضاً ، ففيه مجازان ، دون الأوّل ففيه مجاز واحد ، وهو أولى من ارتكابهما قطعاً.

لكن الأصل ، والشهرة المتأخّرة المقطوع بها ، وخلوّ أخبار التزويج‌

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ٨٣ ، المهذّب ٣ : ٥٦٣.

(٢) السرائر ٣ : ٧٧.

(٣) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ٦٨ ، والشهيد في الروضة ٣ : ١٨ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٩٦.


في العدّة عنها ، مع كون راوي بعضها بعينه المعتبرة ربما يؤيّد المصير إلى الثاني ، فالإنصاف عدم خلوّ الوجوب عن الإشكال ، ولذا توقّف فيه في اللمعة (١) ، وهو في محلّه ، إلاّ أنّ المصير إليه أحوط.

والدقيق في ظاهر النصّ والفتوى مطلق ، وربما خصّ بنوع يجوز إخراجه كفّارةً ، وهو دقيق الشعير والحنطة ، ولا دليل عليه سوى التبادر ، والغلبة ، ولزوم تفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به البتّة ، ولا بأس به.

وفي جواز القيمة أم لا قولان ، وعن المرتضى التكفير بخمسة دراهم ، وادّعى عليه في الانتصار الإجماع (٢) ، وحمل على القيمة ، ولا دليل عليها من أصلها فضلاً أن يكون دراهم خمسة ، فالأجود الاقتصار على الدقيق ، وإن كان الأحوط المصير إلى القيمة مع الضرورة.

( ومن نام عن ) صلاة ( عشاء الآخرة حتى جاوز ) وقتها ، وهو ( نصف الليل ) قضاها و ( أصبح صائماً ) كما في المرسل كالموثق (٣) ، بل الصحيح عند جماعة (٤) ؛ لعدم ثبوت الوقف في رواية ، مع تصريح جماعة كالخلاصة والنجاشي (٥) بتوثيقه على الإطلاق ، فتأمّل ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، كما صرّح به الكشي (٦) ، فلا يضرّ الإرسال بعده ، ولذا عدّ كالموثق ، بل ومع ذلك معتضد بصريح فتوى‌

__________________

(١) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٧.

(٢) الانتصار : ١٦٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١١ ، الوسائل ٤ : ٢١٦ أبواب المواقيت ب ٢٩ ح ٨.

(٤) منهم صاحب الحدائق ٦ : ١٨٧.

(٥) رجال العلاّمة : ١٠٩ ، النجاشي : ٢١٥.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.


جماعة من القدماء (١) ، وظاهر باقيهم ؛ لأمرهم به الظاهر في الوجوب ، بل عدّه في الانتصار (٢) ممّا انفردت به الإمامية ، ونحوه ابن زهرة (٣) ، وهو حجة أُخرى مستقلّة ، ويجب الخروج بها وبالرواية عن أصالة البراءة ، فلا إشكال في المسألة.

خلافاً لأكثر المتأخّرين (٤) تبعاً للحلّي (٥) ، فالاستحباب ؛ تمسكاً بالأصالة المزبورة ، وطعناً في الإجماع بعدم المعلوميّة ، فإنّ غاية الأصحاب الأمر به ، وليس نصّاً في الوجوب ، وفي الرواية بأنّها مقطوعة.

والأجوبة عن جميع ذلك بملاحظة ما مرّ واضحة ، فالقول بالوجوب لا يخلو عن قوّة.

( و ) منه مع ما مرّ في المسائل السابقة يظهر ضعف القول بـ ( الاستحباب في الكلّ ) وإن كان في البعض ( أشبه ) لما مرّ.

ثم لا فرق بين النائم كذلك عمداً أو سهواً ؛ لإطلاق النصّ والفتوى.

ولا يلحق ناسي غير العشاء بناسيها قطعاً. وفي إلحاق السكران بالنائم قول ضعيف ، وكذا المتعمّد لتركها والناسي لها من غير نوم ؛ للأصل ، واختصاص النصّ بغيرهما ، وإن أمكن إلحاق الأوّل به للفحوى ، لكنّه هنا بملاحظة نظائره ضعيف جدّاً.

__________________

(١) كالشيخ في النهاية : ٥٧٢ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٢٣ ، والديلمي في المراسم : ١٨٧.

(٢) الانتصار : ١٦٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٤) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٤٤ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٥٦٤ ، والشهيد في الروضة ٣ : ١٩.

(٥) السرائر ٣ : ٧٦.


ولو أفطر ذلك اليوم ففي وجوب الكفّارة من حيث تعيّنه على القول بوجوبه ، أولا بناءً على الأصل ، وأنّه كفّارة ولا كفّارة في تركها ، وجهان ، أجودهما : الثاني.

ولو سافر فيه لضرورة أو غيرها مطلقاً أفطره ولا قضاء ؛ للأصل ، وقيل بوجوبه (١). ولا أعرف مستنده.

نعم يجب ترك السفر في غير الضرورة ؛ تحصيلاً للواجب ، ولكن مخالفته غير ملازم لوجوب القضاء جدّاً.

وكذا لو مرض ، أو حاضت المرأة ، أو وافق العيد أو أيّام التشريق ، بل احتمال سقوطه هنا أظهر وأولى.

ولو صادف يوماً متعيّناً تداخلا ، وإن كان من أصله خلاف الأصل ؛ لموافقته له هنا ، فاحتمال القضاء ضعيف جدّاً.

( الثانية : في جزّ المرأة شعر رأسها في المصاب كفّارة شهر رمضان ) مخيّرة ، وفاقاً للشيخ وجماعة (٢) ؛ للخبر : « إذا خدشت المرأة وجهها ، أو جزّت شعرها ، أو نتفته ، ففي جزّ الشعر عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (٣) وفي سندها ضعف.

( وقيل ) كما عن الديلمي والحلّي (٤) : إنّها ( كفّارة ) ظهار ( مرتّبة ) بل ادّعى الثاني كالمرتضى في الانتصار (٥) الإجماع عليه ، لكن‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٩.

(٢) الشيخ في النهاية : ٥٧٣ ؛ والمرتضى في الانتصار : ١٦٦ ، والديلمي في المراسم : ١٨٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٢٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٣.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٢٥ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ أبواب الكفارات ب ٣١ ح ١.

(٤) المراسم : ١٨٧ ، السرائر ٣ : ٧٨.

(٥) الانتصار : ١٦٦.


عبارة الأخير ذيلها ظاهرة في التخيير وإن حكم في صدرها بأنّها كفّارة ظهار ، ونحوه كلام الشيخ ، كما حكاه في التحرير (١) ، لكن الصدر أصرح ، فليحمل الذيل كالرواية بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل لا كونها مخيّرة ، كما ذكره بعض الأجلّة (٢).

فتكون الرواية حينئذٍ حجّة في المسألة ؛ لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماعين المتقدّمة.

مع أنّها بنفسها حجة مستقلّة ، مؤيّدة بظاهر العبارة كغيرها ، المشعرة بل الدالّة على عدم الخلاف في أصل وجوب هذه الكفّارة ، بل لم نقف على منكره ، ولا على من نسب القول به إلى أحدٍ ، عدا الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد (٣) ، وقد اعترف جماعة كالشهيد في النكت (٤) بعدم الظفر بقائله.

وهو ضعيف وإن صار إليه من المتأخّرين جماعة (٥) ؛ للأصل ، وقصور سند الرواية. لضعف الأصل بما مرّ ، واعتبار السند بعمل الأكثر ، بل الكلّ ، كما مرّ ، مع عدم انحصار الحجّة فيها ؛ لما مرّ من الإجماعين اللذين هما كما عرفت حجّة مستقلّة برأسها ، مع عدم ما يوجب وهنهما هنا أصلاً ، مع تأيّدهما بدعوى ابن زهرة في الغنية (٦) الإجماع على وجوب الصوم هنا ،

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٠٩ ، وهو في النهاية : ٥٧٣.

(٢) كالفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٩٩.

(٣) الشرائع ٣ : ٦٨ ، الإرشاد ٢ : ٩٧ ، القواعد ٢ : ١٤٤.

(٤) غاية المراد ٣ : ٤٦٤.

(٥) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٨٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.


فتحاشي هؤلاء عن العمل بهما مع اعترافهم بحجيّة الإجماع المنقول غريب ، سيّما مع اعتضاده بعدم الخلاف أو شذوذه ، وتأيّده بالرواية ولو في الجملة ، بل مطلقاً ، كما مرّت إليه الإشارة ، فالقول بالوجوب في غاية القوّة.

وليس في الرواية ككلام المرتضى التقييد بالمصاب ، وإن كان ظاهر السياق في الأوّل ، والغلبة التي توجب صرف المطلقات المخالفة للأصل عن الأفراد النادرة فيهما ، يوجب المصير إلى التقييد.

وإن كان العموم نظراً إلى إطلاق عبارة المرتضى البعيد حمله على التقييد أحوط ، مع احتمال الأولوية ، وإن كانت هنا ضعيفة ؛ لأنّ في جزّ الشعر في المصيبة إشعاراً بعدم الرضا بقضاء الله سبحانه.

ولا فرق في المصاب إن اشترطناه بين القريب والبعيد ؛ للإطلاق.

وهل يفرق بين كلّ الشعر وبعضه؟ ظاهر إطلاق الرواية العدم ، واستقر به في الدروس (١) ، قال : لصدق جزّ الشعر وشعرها عرفاً بالبعض.

وهو أحوط ، بل لعلّه أقرب ؛ لكون جزّ الكل نادراً ، فيبعد أن يحمل النص عليه.

وفي إلحاق الحلق والإحراق بالجزّ إشكال ، والأصل يقتضي العدم ، لكن الإلحاق غير بعيدٍ ، وفاقاً للدروس (٢) ؛ للأولوية ، فتأمّل.

( وفي نتفه ) وهو قلعه ، بخلاف الجزّ فإنّه قرضه ( في المصاب كفّارة يمين ، وكذا في خدش ) ها ( وجهها ).

( وكذا في شقّ الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته ) على الأظهر الأشهر ، بل لم ينقل الخلاف فيه أحد ممّن تقدّم وتأخّر ، بل صرّح شيخنا‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٧٨.

(٢) الدروس ٢ : ١٧٨.


في الروضة وغيره (١) بعدم الخلاف في المسألة.

نعم بعض من ندر ممّن تأخّر (٢) نسب القول بالاستحباب إلى الحلّي.

وهو ضعيف ؛ فإنّه وإن صرّح به في أوّل كلامه منزّلاً للرواية الآتية عليه بعد تسليمها ، إلاّ أنّه استدرك ذلك فقال : إلاّ أنّ أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاويهم ، فصار الإجماع هو الحجة بها ، وبهذا افتي (٣) ، انتهى.

وهو كما ترى صريح في الموافقة للأصحاب في القول بالإيجاب مدّعياً عليه الإجماع ، كالمرتضى في الانتصار (٤) ، وهو الحجة في المضمار.

مضافاً إلى بعض المعتبرة بالانجبار ، وفيه : « إذا شقّ زوج على امرأته ، أو والد على ولده فكفّارته كفّارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفّرا ، أو يتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجههاً ، أو جزّت شعرها ، أو نتفت ففي جزّ الشعر » إلى أن قال : « وفي الخدش إذا دميت ، وفي النتف كفّارة حنث يمين ، ولا شي‌ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة » (٥).

فلا إشكال في المسألة ، وإن استشكلها ، بل ربما مال إلى الاستحباب بعض متأخّري متأخّري الطائفة (٦) ؛ للأصل ، وقصور سند الرواية. وضعفهما ظاهر بعد ما عرفت.

والرواية كعبارة الانتصار (٧) هنا في الخدش مطلقة غير مقيّدة‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ١٦ ؛ وانظر التنقيح ٣ : ٥٦٦.

(٢) الدروس ٢ : ١٧٨.

(٣) السرائر ٣ : ٧٨.

(٤) الانتصار : ١٦٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٣٢٥ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ أبواب الكفارات ب ٣١ ح ١.

(٦) انظر نهاية المرام ٢ : ١٩٨.

(٧) الانتصار : ١٦٦.


بالمصاب ، فالأمر فيه كما مضى.

وفيهما تقييد الخدش بالإدماء ، خلافاً لإطلاق العبارة وغيرها ، وهو أحوط ، وإن كان الأوّل أقوى ، وفاقاً لجماعة من أصحابنا (١).

والمعتبر منه مسمّاه ، فلا يشترط استيعاب الوجه ، ولا شقّ جميع الجلد ، ولا يلحق به خدش غير الوجه وإن ادمي ، ولا لطمه مجرّداً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص والفتوى ، نعم في الأخير الاستغفار ، كما في ذيل الرواية المتقدّمة.

ويعتبر في الثوب مسمّاه عرفاً ، قيل : ولا فرق فيه بين الملبوس وغيره ، ولا بين شقّه ملبوساً ومنزوعاً ، ولا بين استيعابه بالشقّ وعدمه (٢) ؛ للإطلاق.

ولعلّ في شموله للآخرين من الشقّين الأوّلين نوع تأمّل ، وإن كان الأحوط بل الأولى التعميم.

ولا فرق بين الولد للصلب وولد الولد وإن نزل ، ذكراً وأُنثى لذكر.

وفي ولد الأُنثى قولان ، أجودهما : عدم اللحوق ؛ للأصل ، وعدم صدق الولد عليه حقيقة ، أو كونه غير متبادر منه عند الإطلاق ، وهو وإن جرى في ولد الذكر أيضاً ، إلاّ أنّ التعميم بالإضافة إليه لعلّه مستفاد من الاستقراء ، فتأمّل جدّاً.

ولا ريب أنّ الأحوط التعميم مطلقاً ، بل لا يبعد الحكم به للفحوى.

ثمّ المتبادر من الزوجة في النصّ والفتوى هو الزوجة الدائمة قطعاً ، فيرجع في المتمتّع بها إلى الأصل جدّاً.

__________________

(١) منهم الشهيد في الروضة ٣ : ١٧ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٦٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٢.

(٢) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٧.


خلافاً لجماعة من أصحابنا (١) ، فألحقوها بالأُولى. فإن كان إجماع ، وإلاّ فيأتي فيه ما مضى ؛ مضافاً إلى احتمال كون الصدق عليها مجازاً ، بل هو الظاهر من الأُصول ، كما مرّ مراراً ، إلاّ أن يستدل عليه بالفحوى.

ومنه يظهر الوجه في عدم إلحاق الأمة الموطوءة بالملك بها مطلقاً ، وإن كانت سُرِّيّةً أو أمّ ولد ، بل بطريق أولى ، إلاّ أن يتمسّك في الإلحاق بالفحوى ، لكن المنع هنا هو المفتي به قولاً واحداً.

ثمّ مقتضى الأصل المستفاد من الأدلّة القاطعة حرمة شقّ الثوب مطلقاً ولو على الأب والأخ ؛ لما فيه من إضاعة المال المحترم المحرّمة جدّاً.

خلافاً لجماعة (٢) ، فأجازوه فيهما ؛ لما ينقل من شقّ بعض الأنبياء والأئمة : فيهما (٣) ، والأحوط تركه جدّاً.

ثم لا كفّارة في شقّ المرأة على الميت مطلقاً ، زوجاً كان أو ولداً ، وإن حرم ، قولاً واحداً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ والفتوى ، مع حرمة القياس عندنا.

( الثالثة : من نذر صوم يوم ) معيّن ( فعجز عنه تصدّق بإطعام مسكينٍ مدّين من طعام ) وفاقاً للشيخ في النهاية (٤) ؛ للخبر : في رجل يجعل عليه صياماً في نذر ولا يقوى ، قال : « يعطي من يصوم عنه كل يوم مدّين » (٥).

__________________

(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٠٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٠٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٦.

(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٥٧٣ ، والحلّي في السرائر ٣ : ٧٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٠٠.

(٣) انظر الوسائل ٣ : ٢٧٣ ٢٧٥ أبواب الدفن ب ٨٤ الأحاديث ٣ ٩ ، وكذا الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ أبواب الكفارات ب ٣١.

(٤) النهاية : ٥٧١.

(٥) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٥ ، الفقيه ٣ : ٢٣٥ / ١١١١ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٢ أبواب النذر والعهد ب ١٢ ح ١.


وفي سنده جهالة ، وفي المتن شذوذ بحسب الدلالة ، ومع ذلك مخالف للقواعد المقرّرة من عدم لزوم النذر مع العجز المستلزم لعدم الكفّارة.

ومنه يظهر الجواب عن رواية أُخرى في المسألة : عن رجل نذر صياماً : فثقل عليه الصوم؟ قال : « تصدّق عن كل يوم بمدٍّ من حنطة » (١).

ويأتي فيها أيضاً ما في السابقة من الضعف والشذوذ ، ولو من غير تلك الجهة.

ونحوهما في الشذوذ ما مرّ من الصحيح ، أنّ « من عجز عن نذر نذره فعليه كفّارة يمين » (٢) مع أنّ الأصحاب حملوه على خلاف ظاهره كما عرفت ، فإذاً الأقوى عدم وجوب هذه الكفّارة ، بل هي مستحبّة ، وفاقاً لجماعة (٣).

وعلى تقدير الوجوب ( فإن عجز عنها ) أيضاً ( تصدّق بما استطاع ) فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ( فإن عجز ) أصلاً ( استغفر الله ) تعالى ، ولم أقف على مستنده ، مع كون الإفطار عن عجز مرخّص ، ولا معنى للزوم الاستغفار حينئذٍ ، فهو غريب.

وأغرب منه ما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى المحقّق الشيخ علي من الأمر به ثلاثاً ، ولعلّ لهم مستنداً في ذلك لم نظفر به ، وكيف كان فالاستحباب لا بأس به.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٣٤ / ١١٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٢ أبواب النذر والعهد ب ١٢ ح ٢.

(٢) راجع ص ٤٢٥.

(٣) منهم ابن فهد في المهذب البارع ٣ : ٥٧٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤٠١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨٩.


( المقصد الثاني )

( في ) بيان ( خصال الكفّارة ) وأحكامها.

( وهي ) كثيرة ، إلاّ أنّ المهم الذي يجب التعرض لذكره في المقام هو الخصال الأربع المشهورة ( العتق ، والإطعام ، والكسوة ، والصيام ) فنقول :

( أمّا العتق : فيتعيّن على الواجد في المرتّبة ) دون المخيّرة ( ويتحقّق ذلك ) الوجدان المعلّق عليه بالأصل ومفهوم الآية (١) ( بملك الرقبة ) مع عدم الاحتياج إليها لضرورة كالخدمة ( أو الثمن ) كذلك ( مع إمكان الابتياع ) لصدق الوجدان بذلك لغةً وعرفاً ، بخلاف حال الضرورة ، أمّا لانتفاء الصدق فيها ، أو لاستثنائها معها في الدين الذي هو حق الناس المستلزم للاستثناء هنا بطريق أولى.

( ولا بدّ من كونها مؤمنة أو مسلمة ) إذا كانت كفّارة عن القتل مطلقا ، ولو كان عمداً ، إجماعاً ، كما حكاه جماعة (٢) مستفيضاً ، وهو الحجّة فيه ، مع الاحتياط اللازم المراعاة في نحو المقام.

مضافاً إلى الآية الكريمة (٣) ، وإن وردت في الخطأ خاصّة ، إلاّ أنّهم حملوا عليه العمد من غير خلاف ، بل حكي عليه الإجماع (٤) ؛ لاتحاد جنس السبب ، مع احتمال الأولوية.

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٦٩ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨٩.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) كما في نهاية المرام ٢ : ٢٠٠.


وإطلاق النصوص ، منها الصحيحان ، والمرسل كالصحيح على الصحيح ؛ لكون الإرسال بالرجال الظاهر وجود ثقة فيهم ولو واحداً في ظاهر الحال ، وفي اثنين منها : « كلّ العتق يجوز له المولود إلاّ في كفّارة القتل ، فإنّ الله تعالى قال ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) يعني بذلك : مقرّة قد بلغت الحَنث » (٢) فتأمّل.

وفي الثالث ، وهو صحيح : « لا يجوز في القتل إلاّ رجل ، ويجوز في الظهار وكفّارة اليمين صبي » (٣).

والأكثر على اشتراط الإسلام في سائر الكفّارات أيضاً ، بل في الانتصار وكشف الصدق (٤) للفاضل الإجماع عليه ؛ حملاً للمطلق على المقيّد وإن لم يتّحد السبب. وفيه نظر.

وللخبر : أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكاً مشركاً؟ قال : « لا » (٥) وأُجيب (٦) بضعف السند ، والقصور عن تمام المدّعى ، والمعارضة بالمثل ، وفيه : « إنّ عليّاً 7 أعتق عبداً له نصرانيّاً ، ثم أسلم حين أعتقه » (٧).

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) الكافي ٧ : ٤٦٢ / ١٥ ، التهذيب ٨ : ٣٢٠ / ١١٨٧ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٧ / ١٣٩ ، تفسير العياشي ١ : ٢٦٣ / ٢١٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٠ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٦. والحَنث : الإثم والذنب ، وبلغ الغلام الحنث أي المعصية والطاعة. الصحاح ١ : ٢٨٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢١ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٢ / ١٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٠ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٤.

(٤) الانتصار : ١٦٩ ، كشف الصدق : لم نعثر عليه.

(٥) الفقيه ٣ : ٨٥ / ٣١٠ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨٢ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥ أبواب العتق ب ١٧ ح ٥.

(٦) انظر المسالك ٢ : ٨٩.

(٧) الكافي ٦ : ١٨٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢١٩ / ٧٨٣ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤ أبواب العتق ب ١٧ ح ٢.


ولقوله سبحانه ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١).

وأُجيب (٢) بمنع صدق الإنفاق على التكفير ؛ مضافاً إلى خروجه عن محلّ النزاع بملاحظة ما ذكره فيه أهل التفسير (٣).

وفي الجميع نظر ؛ لأنّ ضعف الأوّل بالشهرة منجبر ، كانجبار قصور الدلالة بها ، وبعدم القائل بالفرق فيمن تقدّم وتأخّر.

ومنه يظهر ضعف المعارضة بتلك الرواية ؛ لقصورها ولو كانت صحيحة ، مع أنّها ضعيفة بالبديهة عن المقاومة له وهو بهذه المثابة.

وأمّا الجواب عن الآية فمدفوع بقسميه بأنّ فيها نوع تعليق للحكم على الوصف المشعر بالعليّة ، والظاهر أنّها الخباثة من حيث هي هي مطلقا ، كانت لرداءة المال وقلّته أو لفساد العقيدة ، بل ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى بالعليّة في نحو المسألة ، المعتبر فيها قصد القربة بالإجماع والمعتبرة ، وأيّ قربة في عتق رقبة محادّة لجنابة سبحانه؟! فإنّه موادّة صرفة منعت عنها الآية الشريفة (٤) ، إلاّ أنّها في المشرك خاصّة ؛ لتصريح الآية الأُخرى (٥) بالجواز في أهل الذمّة ، المؤيّدة هنا بفعل عليّ 7 ، كما تضمّنته الرواية.

لكن يمكن الذبّ عن الاختصاص بعدم القائل بالفرق ، فإنّ كل من منع عن المشرك منع عن غيره أيضاً.

والمعارضة بالمثل هنا وإن أمكن ، إلاّ أنّ دفعها ممكن هنا جدّاً بعد‌

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) كما في المسالك ٢ : ٨٩.

(٣) مجمع البيان ١ : ٣٨١ ، الصافي ١ : ٢٥٧ ، الكشّاف ١ : ٣١٤.

(٤) المجادلة : ٢٢ ، الممتحنة : ١.

(٥) الممتحنة : ٧.


اشتهار الأخذ بالآية الأُولى ، وهذا من أقوى المرجّحات نصّاً واعتباراً ، هذا.

ويدلُّ على اعتبار الإسلام في كفّارة الظهار صريحاً الصحيح الوارد فيه ، وفيه : « والرقبة يجزئ عنه صبي ممّن ولد في الإسلام » (١) ولو لا اعتباره لكان التقييد بمن ولد في الإسلام لغواً ، ولا قائل بالفرق جدّاً.

مضافاً إلى الخبر المعتبر الوارد في كفّارة الإفطار في رمضان ، وفيه : « من أفطر يوماً من شهر رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة » (٢).

والمعتبرين المتقدّمين في كفّارة المفطر يوماً نذره على التعيين من غير عذر ، وفيهما : « وتحرير رقبة مؤمنة » (٣).

فإذاً القول بالاشتراط أقوى ؛ مضافاً إلى التأيّد بلزوم تحصيل البراءة اليقينيّة في نحو المسألة ، وبما في الانتصار من أنّ في جعل الكافر حرّا تسليطاً له على مكاره أهل الدين والإيمان ، قال : وذلك لا يجوز (٤).

خلافاً للخلاف والمبسوط والإسكافي (٥) ، فلا يشترط ؛ للأصل والإطلاق. ويندفعان بما مر.

كما يندفع به ما مرّ من النصوص في صدر البحث (٦) ، وإن استدل بها ؛ لخروجها عن محلّه ، فإنّ غايتها إجزاء المولود فيما عدا القتل ، وهو‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٨ / ٢٢ ، التهذيب ٨ : ١٥ / ٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٩ أبواب الكفارات ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

(٣) راجع ص ٤٢١ ، ٤٢٢.

(٤) الانتصار : ١٦٩.

(٥) الخلاف ٤ : ٥٤٣ ، المبسوط ٦ : ٢١٢ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٦٧.

(٦) راجع ص ٤٤٣.


غير إجزاء عتق الكافر ، فقد يكون المراد به المتولّد من المسلِميَن ، أو أحدهما ، وهو مجزٍ فيما عدا القتل قولاً واحداً في الظاهر ؛ لتلك النصوص ، ومطلقا على الأشهر.

خلافاً للإسكافي (١) فيه ، فالبالغ ؛ لظاهرها ، ويظهر من جماعة الميل إليه (٢).

ولا ريب أنّه أحوط ، بل ولا يبعد كونه أقرب ؛ للاحتياط ، واعتبار سند النصوص واستفاضتها ، ففي الخبر زيادة على ما مرّ في قول الله عزّ وجلّ ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٣) قال : « يعني مقرّة » (٤) المؤيد بظاهر الكتاب ؛ فإنّ المؤمن حقيقة فيمن صدر عنه الإيمان بنفسه ، لا من حكم بإيمانه للتبعيّة ، فالمصير إليه لا بدّ له من القرينة ، وهي في المقام مفقودة ، سوى الشهرة ، ولعلّها بمجرّدها لذلك غير كافية.

ولم نقف للمشهور على دلالة سوى ما في الخلاف من إطلاق الإيمان عليه ؛ لأنّه محكوم بإيمانه (٥).

وهو كما ترى ، فإنّ أقلّ ما فيه أنّ غايته الاستعمال ، وهو أعمّ من الحقيقة جدّاً ، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر ، فلا عبرة به أصلا.

نعم في الخبر : الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجد ، كيف‌

__________________

(١) على ما نقله عنه في المختلف : ٦٦٧.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٥ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٠١.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٢ / ١٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧١ أبواب الكفارات ب ٧ ح ١٠.

(٥) الخلاف ٤ : ٥٤٤.


يصنع؟ فقال : « عليكم بالأطفال فأعتقوهم ، فإن خرجت مؤمنة فذاك ، وإلاّ فليس عليكم شي‌ء » (١).

وفي سنده ضعف ، وفي الدلالة قصور ؛ لاختصاصه بحال الضرورة ، ومع ذلك قاصر عن المقاومة لما مرّ ، لكن لجبر جميع ذلك بالشهرة وجه ؛ مضافاً إلى عدم القائل بالفرق بين حالتي الاختيار والضرورة ، وليس في الرواية نفي الجواز في غيرها ، والأحوط ما ذكرناه.

ثم من النهي عن إنفاق الخبيث يظهر اشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ هنا ، وقوّاه في القواعد (٢) ، وولده في شرحه حاكياً ذلك عن الحلّي وعلم الهدى (٣) ، وخطّأه في الحكاية الفاضل الصيمري مدّعياً الإجماع على عدم الاشتراط ، وأنّ فتواهما باعتبار الإيمان إنّما هو لكفر المخالف عندهما بالكفر المقابل للإسلام ، مؤيّداً ذلك بشهادة سياق عبارتهما به.

وهو حسن ، إلاّ أنّ لفخر الإسلام كالفاضل المقداد (٤) المشارك له في الحكاية الاعتراض باستفادتها من الدليل الذي أثبتا به اشتراط الإيمان ولو بالمعنى الذي عندهما ، وهو النهي عن إنفاق الخبيث والاحتياط ، ولا ريب في جريانه هنا ولو قالا بإسلامه ؛ لخبثه إجماعاً ، وتحقق الاحتياط بحصول الشبهة فيه من الخلاف أو الأدلّة والأمارات جدّاً ، فلا اعتراض له عليهما أصلاً ، ولذا صار اعتباره قويّاً وإن كان خلاف ما عليه أكثر أصحابنا ، إلاّ أن يتمّ ما ادّعي من الإجماع.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٣ / ٣٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٩ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٣.

(٢) القواعد ٢ : ١٤٥.

(٣) إيضاح الفوائد ٤ : ٨٥ ، وهو في السرائر ٣ : ٧٣ ، وانظر الانتصار : ١٦٩.

(٤) التنقيح الرائع ٣ : ٤٠١.


نعم في الصحيح : الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال : « نعم » (١) لكنه غير صريح في المستضعف من العامة ، فيحتمل كونه من الشيعة خاصّة ، ولا في كونها في الكفّارة ، فيحتمل العتق المطلق.

وكيف كان فلا ريب أنّ ما ذكرناه أحوط ، إن لم يكن أقوى.

وممّا ذكر يظهر عدم إجزاء عتق المسبيّ من أطفال الكفّار ، وإن انفرد به السابي المسلم عن أبويه ، وفاقاً للتحرير (٢) ، وفي المسالك أنّه المشهور (٣) ، خلافاً للشهيد وجماعة (٤) ، بناءً على حكمهم بإسلامه بالتبعية ، كحكمهم بإسلام ولد الزناء بها.

وفيه بعد تسليمه أنّه لا يلازم جواز التكفير ؛ لاعتبار الإيمان فيه حقيقةً لا تبعاً ، كما مضى ، خرج عنه صبيّ المسلم بما مرّ ، ويبقى الباقي.

مضافاً إلى الصحيح المتقدّم في الظهار (٥) ، المعتَبر في عتق الولد الولادة في الإسلام ، وهي غير حاصلة في أولاد الكفّار.

كلّ ذا فيما عدا الحمل ، وأمّا فيه فلا يجوز مطلقا قولاً واحداً ؛ لعدم إطلاق المولود والصبي عليه جدّاً ، فيقتصر فيما خالف الأصل على المتيقن.

( و ) يعتبر ( أن تكون سليمة من العيوب التي تعتق بها ) وهي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣ أبواب العتق ب ١٧ ح ١.

(٢) التحرير ٢ : ١١٠.

(٣) المسالك ٢ : ٩٠.

(٤) الدروس ٢ : ١٨٢ ؛ وانظر المبسوط ٢ : ٢٣ ، و ٦ : ٢١٢ ، حكاه عنهما في المسالك ٢ : ٩٠.

(٥) راجع ص ٤٤٥.


العمى ، والإقعاد والجذام ، والتنكيل الصادر من المولى ، بلا خلاف ، وبه صرّح في المبسوط والخلاف (١) في العمى.

ولا شبهة فيه ؛ لانعتاقه بمجرّد حصول هذه الأسباب ، على المشهور ، فلا يتصوّر إيقاع العتق عليه ثانياً.

وللخبر ، بل الموثق : « لا يجزئ الأعمى في الرقبة ، ويجزئ ما كان منه مثل الأقطع ، والأشلّ ، والأعرج ، والأعور ، ولا يجزئ المقعد » (٢) ونحوه آخر (٣) في سنده وهب بن وهب. ويلحق الباقي بعدم القائل بالفرق.

ويستفاد منهما ومن العبارة كغيرها ظاهراً عدم اشتراط السلامة من غيرها من العيوب ، فيجزئ الأعور ، والأعرج ، والأقرع ، والخصيّ ، والأصمّ ، ومقطوع إحدى الأُذنين واليدين ، ولو مع إحدى الرجلين ، والمريض وإن مات في مرضه ، وهو المشهور ، بل في المبسوط والخلاف (٤) في الأعور عليه الإجماع صريحاً ، وفي المسالك (٥) كالأوّل في المجموع ظاهراً ، إلاّ أنّ الشيخ في الكتاب المزبور نفي الخلاف عن المنع أوّلاً ، ولذا عدّ منه الاختلاف المزبور غريباً (٦) ، وليس في محلّه ؛ لتصريحه أخيراً بأنّ نفي الخلاف الذي ادّعاه سابقاً إنّما هو بين الناس‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢١٢ ، الخلاف ٤ : ٥٥١.

(٢) التهذيب ٨ : ٣١٩ / ١١٨٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٧ أبواب الكفارات ب ٢٧ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٩٦ / ١١ ، الفقيه ٣ : ٨٥ / ٣١١ ، التهذيب ٨ : ٢٣٠ / ٨٣٢ ، قرب الإسناد : ١٥٨ / ٥٧٩ ، المقنع : ١٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٧ أبواب الكفارات ب ٢٧ ح ١.

(٤) المبسوط ٦ : ٢١٢ ، الخلاف ٤ : ٥٥١.

(٥) المسالك ٢ : ٩٠.

(٦) نهاية المرام ٢ : ٢٠٢.


لا عندنا.

وكيف كان فالجواز مطلقا هو المذهب ؛ لما مرّ من الإطلاق.

خلافاً للإسكافي (١) في الناقص في الخلقة (٢) ببطلان الجارحة إذا لم تكن في البدن سواها ، كالخصي والأصمّ والأخرس ، دون الأشلّ من يد واحدة ، والأقطع منها. وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، هذا.

وفي المسالك الإجماع على الجواز إن لم تنقص ماليّته ولا تخلّ باكتسابه ، كقطع بعض أنامله ، ونقصان إصبع من أصابعه ، ونحو ذلك (٣).

( وهل يجزئ المدبّر؟ قال ) الشيخ ( في النهاية : لا ) (٤) للصحيح : في رجل جعل لعبده العتق إن حدث به حدث ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفّارة يمين أو ظهار ، أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة عليه؟ قال : « لا » (٥) ونحوه الموثق ، إلاّ أنّ فيه بدل أيجزئ عنه « أله أن يعتق عبده » الخبر (٦).

( و ) قال ( في غيرها ) وهو المبسوط (٧) ، وربما أشعرت العبارة بجميع كتبه ، وهو ظاهر في الرجوع عن المنع إلى القول ( بالجواز ، وهو أشبه ) وأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ للإطلاق ، مع عدم المانع‌

__________________

(١) كما نقله عنه في المختلف : ٦٧٠.

(٢) في الأصل زيادة : و ، والأنسب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) المسالك ٢ : ٩٠.

(٤) النهاية : ٥٦٩.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٥ / ٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٣ أبواب الكفارات ب ٩ ح ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٧٢ / ٢٥٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦٥ / ٩٦٧ ، الوسائل ٢٣ : ١٣١ أبواب التدبير ب ١٢ ح ١.

(٧) المبسوط ٦ : ٢١٣.


صريحاً ؛ لاحتمال الخبرين المتقدمين الإعتاق عنه بعد الموت ، ولا خلاف حينئذٍ ؛ للصحيح : عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث لسيّده حدث الموت ، فمات السيّد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفّارة ، أيجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان السيّد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ قال : « لا » (١) هذا.

مع استفاضة المعتبرة بكون التدبير وصيّة يجوز التصرف فيها بنحو البيع والعتق ، ففي الصحيحين « هو مملوكه ، إن شاء باعه ، وإن شاء أمسكه حتى يموت ، فإذا مات السيد فحرٌّ من ثلثه » (٢) وهما نصّ في المطلوب.

وفي الانتصار الإجماع على جواز بيعه (٣) ، وعليه يدل الخبران أيضاً وكثير من المعتبرة ، وبفحوى ذلك يستدل على جواز الإعتاق بالأولوية ، كيف لا؟! وهو إحسان محض ، بخلاف البيع.

كلّ ذا مع عدم نقض التدبير أوّلاً ، وأمّا بعده فله الإعتاق قولاً واحداً.

ومن بعض ما مرّ ينقدح الوجه فيما عليه الأكثر من إلحاق المكاتب المشروط قبل الإيفاء ، والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً ، بالمدبّر.

خلافاً للخلاف (٤) فجعل المنع أظهر. ومستنده بعدُ لم يظهر ، سوى‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٤ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٣١ / ٧٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٢ أبواب الكفارات ب ٩ ح ١.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ١٨٥ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٢٥٩ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧ / ٩٠ ، الوسائل ٢٣ : ١١٥ أبواب التدبير ب ١ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٨٤ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٥٩ / ٩٤٢ ، الإستبصار ٤ : ٣٠ / ١٠٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٦ أبواب التدبير ب ٨ ح ٣.

(٣) الانتصار : ١٧٢.

(٤) الخلاف ٤ : ٥٤٤.


ما ذكر له الماتن في الشرائع (١) من نقصان الرقّ. وضعفه أظهر من أن يسطر ، فالأوّل أظهر.

أمّا المطلق المؤدّي لوجه الكتابة ولو بعضاً فلا يجوز قولاً واحداً.

( و ) كذا ( يجزئ الآبق ما لم يعلم موته ) وفاقاً للنهاية (٢) ، وتبعه الأكثر ، بل عن الحلّي الإجماع عليه (٣) ؛ للصحيح : عن رجل أبق منه مملوكه ، يجوز له أن يعتقه في كفّارة الظهار؟ قال : « لا بأس به ما لم يعرف منه موتاً » (٤).

وفي الاستدلال به نظر ؛ لوجود : « ما علم أنّه حيّ مرزوق » بدل « ما لم يعرف » في لفظ آخر مروي في الكافي (٥) ، وهو أضبط ، إلاّ أن يرجّح الأوّل بالشهرة وما ذكره الحلّي تبعاً للشيخ من أنّه يدل على ذلك أخبار أصحابنا المتواترة. مع أنّه بنفسه حجّة مستقلّة.

ويمكن الاستدلال عليه بأصالة البقاء ، ولذا يجري عليه وعلى أمثاله أحكام الأحياء ، وهو وإن أمكن فيه المناقشة بالمعارضة بأصالة بقاء شغل الذمّة ، لكنّها بالإضافة إلى الأصالة الاولى مرجوحة من حيث اعتضاد تلك بالشهرة ، مع أنّها مجمع عليها ولو في الجملة.

خلافاً للخلاف (٦) ، فقيّد الجواز بالعلم بالحياة. وحجّته من الأصل‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٧١.

(٢) النهاية : ٥٦٩.

(٣) السرائر ٢ : ٧١٨.

(٤) الكافي ٦ : ١٩٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٨٦ / ٣١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٤٧ / ٨٩٠ ، الوسائل ٢٣ : ٨٣ أبواب العتق ب ٤٨ ح ١.

(٥) لم نعثر على هذا اللفظ الآخر في الكافي ، نعم قد أُشير في هامش الوسائل إلى أنّه يوجد في هامش المخطوط : في نسخة : « ما علم أنّه حيّ مرزوق ».

(٦) الخلاف ٤ : ٥٤٧.


والصحيحة بتقدير النسخة الثانية بما ذكرناه مردودة.

ولثالث ، ففصّل بين صورتي الظن بالبقاء فالأوّل ، والشك فيه فالثاني ، اختاره الفاضل المقداد في التنقيح (١) ، تبعاً لشيخنا في المختلف (٢).

ويأتي فيه ما مرّ في طرف الشك وزيادة في طرف الظن ؛ إذ لا دليل على اعتباره في نحو المقام من الموضوعات ، فلا وجه لتخصيص أدلّة المنع والجواز مع عمومها للصورتين.

( و ) كذا ( أُمّ الولد ) مطلقا ، مات ولدها أم لا ، إجماعاً في الأوّل ، وبلا خلاف إلاّ من الإسكافي (٣) في الثاني ؛ للخبر : « أُمّ الولد تجزئ في الظهار » (٤) ولا قائل بالفصل.

ولبقاء الملك وإن امتنع البيع على بعض الوجوه ، وهو غير ملازم لانتفائه رأساً ، ولذا صحّ بيعها في وجه إجماعاً ، وعتقها تبرّعاً كذلك ، كما حكي (٥).

وكذا ولد الزناء بعد بلوغه وإسلامه ، وفاقاً للأكثر ، بل إجماعاً ، كما عن الشيخ في المختلف (٦) ، وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى الخبر : « لا بأس أن يعتق ولد الزناء » (٧) وهو عام في‌

__________________

(١) التنقيح ٣ : ٤٠٤.

(٢) المختلف : ٦٠٤.

(٣) حكاه عنه في التنقيح ٣ : ٤٠٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٩ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٢ وفيه : الولد يجزئ ..

(٥) انظر المسالك ٢ : ٩١.

(٦) المختلف : ٦٦٩ ، وانظر الخلاف ٤ : ٥٥٢.

(٧) الكافي ٦ : ١٨٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٨٦ / ٣١٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٢ أبواب العتق ب ١٦ ح ١.


الكفّارات وغيرها.

خلافاً للإسكافي والسيّد (١) ؛ للإجماع. وهو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، ومعارض بالإجماع المتقدّم الذي هو أرجح منه بلا ارتياب.

وللنهي عن إنفاق الخبيث. وهو حسن إن سلّم الخباثة ، لكنّها بعد الإسلام محلّ مناقشة.

( وأمّا الصيام : فيتعيّن مع العجز عن الرقبة ) ولو أدناها ( في المرتّبة ) ويتحقق بفقد ما مرّ من أسباب القدرة ، ومنه الاحتياج إلى الثمن للنفقة والكسوة له ولعياله الواجبي النفقة ، ووفاء دينه وإن لم يطالب به.

وهل المعتبر في النفقة الكفاية على الدوام ، بأن يملك ما يحصل من نمائه ما يقوم بكفايته في كلّ سنة ، أو قوت السنة ، أو اليوم والليلة فاضلاً عمّا يحتاج إليه في الوقت الحاضر من الكسوة والأمتعة؟ أوجه.

واستوجه الأخير جماعة (٢) ، وفاقاً للدروس (٣) ، ولعلّه لصدق الوجدان لغةً.

ويعارض بعدم الصدق عرفاً وعادةً ، وهو الأرجح حيثما حصل بينهما معارضة ، مع التأيّد بأصالة البراءة ، والأولوية المستفادة من نفي الزكاة التي هي أعظم الفرائض بعد الصلاة عن مثله بالإجماع والأدلّة.

مع منافاة الوجوب حينئذٍ للملّة السهلة السمحة ، واستلزامه العسر والحرج في الشريعة المحمّديّة ، على المتصدّع بها ألف صلاة وسلام‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٧٠ ، السيد في الانتصار : ١٦٦.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٩٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٠٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٦٦.

(٣) الدروس ٢ : ١٨٠.


وتحيّة ، فالقول بذلك بعيد غايته ، كالقول الأوّل.

فإذاً الأوسط أوجه ، وإن كان الأخير أحوط ؛ للاتفاق في الظاهر على صحة العتق من المتكلّف العادم إلاّ في بعض الوجوه المستلزم للنهي عنه ، المفسد له لكونه عبادة ، ومثّل (١) بما إذا كان له دين طولب به ، وهو حسن إن وجد نهي عن العتق من الخارج ، وإلاّ فالمطالبة بمجرّدها وإن أُمر بها غير صالحة للنهي عنه ؛ لما تقرّر من أنّ الأمر بالشي‌ء لا يستلزم النهي عن ضدّه ، والممثِّل معترف به.

( ولا تباع ثياب البدن ولا المسكن في الكفّارة إذا كان ) كل منهما ( قدر الكفاية ) اللائقة بحاله ( و ) كذا ( لا ) تباع ( الخادم ) إذا كان كذلك ، بلا خلاف أجده ، وهو الحجّة فيه ، مع بعض ما مرّ.

مضافاً إلى الأولوية المستفادة من استثنائها في الدين بلا خلاف ، فإنّ ثبوته فيه مع كونه حقّ الناس الذي هو أعظم من حقّ الله سبحانه مستلزم لثبوته في حقه تعالى كما هنا بطريق أولى ، كما هو واضح لا يخفى.

مضافاً إلى التأيّد بالصحيح : عن الرجل له دار أو خادم أو عبد ، يقبل الزكاة؟ قال : « نعم ، إنّ الدار والخادم ليسا بمال » (٢) فتدبّر.

( ويلزم الحرّ في كفّارة قتل الخطاء والظهار ) بعد العجز عن العتق ( صوم شهرين متتابعين ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع كما في كلام جماعة (٣) ، وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى صريح الكتاب والسنّة.

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٩٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦١ / ٧ ، الفقيه ٢ : ١٧ / ٥٦ ، التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٢.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٩٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٦.


ثم إن ابتدأ في الصوم من الهلال اعتبر الشهر الهلالي وإن نقص ، بلا خلاف ؛ لأنّه المراد شرعاً ، بل وعرفاً عند الإطلاق ، إلاّ أن يمنع مانع من حمله عليه.

وإن شرع فيه في الأثناء أتمّ العدد ثلاثين يوماً ؛ لعدم إمكان حمله على الهلالي ، فلو وجب عليه شهران وشرع في الأثناء احتسب الثاني بالهلال ، وأكمل الأوّل من الثالث ثلاثين يوماً.

وقيل : بل يكمله منه بقدر ما فات من أوّله ؛ لإمكان اعتبار الهلال فيه (١).

وقيل : مع انكسار الأوّل ينكسر الجميع ، ويبطل اعتبار الأهلّة ؛ لأنّ الثاني لا يدخل حتى يكمل الأوّل (٢). وهو أحوط ، وإن كان الأوّل أشهر ، والثاني أظهر ؛ لظواهر النصوص.

ومظهر الثمرة ما لو صام من آخر رجب يوماً وهو ناقص ، ثم أتبعه بشعبان وهو كذلك ، فيقضي تسعة وعشرين على الأوّل ، وناقصاً منه بواحد على الثاني ، وينتفي التتابع على الثالث في محلّ الفرض ؛ لكون الذي صامه ثلاثين ، وهو نصف ما عليه ، وفي غيره بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان صحّ التتابع إن صام بعد العدد يوماً ، ولكن يصوم معه ثلاثين ، وذلك واضح.

( و ) أمّا ( المملوك ) فالأشهر الأظهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر أنّ عليه ( صوم شهر ) التفاتاً إلى الأصل ، وقاعدة التنصيف الثابتة بالاستقراء ، واستناداً إلى المعتبرة في الظهار ، مع عدم القائل بالفرق ، منها‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ١٧٣.

(٢) حكاه في المختلف : ٦١٦ عن بعض الشافعية.


الصحيح : « الحرّ والمملوك سواء ، غير أنّ على المملوك نصف ما على الحرّ من الكفّارة ، وليس عليه صدقة ولا عتق ، إنّما عليه صيام شهر » (١).

ونحوه بعينه خبران آخران (٢) ، إلاّ أنّ في سند أحدهما محمّد بن حمران ، وفي الآخر سهل بن زياد ، والأوّل وإن اشترك بين الثقة والضعيف ، إلاّ أنّ الراوي عنه في سند الفقيه ابن أبي عمير ، والثاني وإن ضعف على المشهور ، إلاّ أنّه سهل ، مع أنّه عند جمع من المحققين ثقة (٣).

ومع ذلك قصورهما بالشهرة وما قدّمناه من الأصلين منجبر ، فيخصّ بهما مع الصحيح المتقدّم عموم الكتاب لو كان ، مع أنّه محلّ نظر عند جمع من الأعيان (٤) ، وهو ظاهر لا يحتاج إلى بيان.

ومن هنا يظهر ضعف المحكي عن الحلبي وابن زهرة والحلّي (٥) من اتحاده مع الحرّ ، وحجّتهم.

ثم إنّ التتابع هنا ليس المراد منه معناه المفهوم منه لغةً وعرفاً ( فإذا صام الحرّ شهراً ومن الثاني شيئاً ولو يوماً أتمّ ) إجماعاً منّا ، حكاه جماعة‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٥ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٤٣ / ١٦٤٧ ، التهذيب ٨ : ٩ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٣ أبواب كتاب الظهار ب ١٢ ح ٢.

(٢) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٤ / ٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٣ أبواب كتاب الظهار ب ١٢ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٤ أبواب كتاب الظهار ب ١٢ ح ٣.

(٣) كالشيخ في رجاله : ٤١٦ ؛ وانظر الوسائل ٣٠ : ٣٨٩.

(٤) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٠٧ ، وصاحب الكفاية : ٢١٦.

(٥) الحلبي في الكافي : ٣٠٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٣ ، الحلي في السرائر ٣ : ٧٤.


من أصحابنا (١) ، للصحاح ، منها : « التتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أيّاماً أو شيئاً منه ، فإن عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ، ثم قضى ما بقي عليه ، وإن صام شهراً ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع فليُعِد الصوم كلّه » الخبر (٢).

والأكثر على جواز التفريق بعد ذلك اختياراً من دون إثم ؛ للأصل ، وظاهر الصحيح المعرب عن كون التتابع المأمور به هو ذلك.

خلافاً للمفيد والحلّي وابن زهرة في الغنية والمرتضى في الانتصار (٣) ، مدّعيين عليه الإجماع ، وحكي عن الحلبي (٤) ، فيأثم ، ولعلّهم نظروا إلى اشتراط عروض الشي‌ء في الرخصة في الإفطار في الصحيح المزبور ، الكاشف عن كون المراد من التتابع المعرَّف فيه بصوم شهر ويوم من الثاني : التتابع المجزئ ، وهو غير ملازم لجواز التفريق بعده ، وإلاّ لما كان لاشتراط العروض في رخصة الإفطار وجه.

وأظهر منه الموثّق كالصحيح : الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرّق بين الأيّام؟ فقال : « إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٩٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٦٦.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٩.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٦٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٧٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، المرتضى في الانتصار : ١٦٧.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٩.


الصيام » (١).

ويمكن الجواب بأنّ الظاهر من العارضة فيهما ما لم يبلغ حدّ الضرورة المرخّصة لترك الواجب ، وإلاّ فلا فرق بين صورتي الإفطار قبل التتابع بالمعنى المتقدّم وبعده معها ، إجماعاً ونصّاً ، والحال أنّهما فرّقا بينهما.

فعلى هذا يجب حمل البأس المستفاد من مفهومهما على الكراهة ، أو استحباب المتابعة ، مع أنّ البأس المفهوم في الثانية أعمّ من الحرمة ، فيرجع في مثله إلى أصالة البراءة النافية لها ، فما عليه الأكثر أقوى لولا ما مرّ من الإجماعين المتقدّمين المعتضدين بفتاوى كثير من القدماء.

وكيف كان الاحتياط لا يخفى ، سيّما لمن لا يرى العمل بأخبار الآحاد ؛ لظهور الآية (٢) في الأمر بالمتابعة العرفية الظاهر في الوجوب ، ولا معارض سوى الإجماع على إجزاء التتابع بالمعنى المتقدّم ، وهو غير ملازم للرخصة في ترك المتابعة المأمور بها في الآية ، ولعلّ ذلك هو المنشأ لفتوى الحلّي بالوجوب (٣) ، وهو حسن على أصله الغير الحسن.

وفي تحقّق التتابع بخمسة عشر يوماً في الشهر الواحد كفرض العبد والناذر قولان ، أشهرهما ذلك ؛ لخبرين وردا في الأخير ، ففي أحدهما : في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوماً ثم عرض له أمر ، فقال : « جائز له أن يقضي ما بقي عليه ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٨ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٥.

(٢) النساء : ٩٢ ، المجادلة : ٤.

(٣) السرائر ٣ : ٧٦.


لم يجزه حتى يصوم شهراً تامّاً » (١) ونحوه الثاني (٢).

وقصور السند بموسى بن بكر بالشهرة منجبر ، مع أنّه قيل بحسنه (٣) ، وروى عنه في الأوّل فضالة ، وقد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (٤) ، ومنشأ التعدية إلى فرض العبد عدم القول بالفرق.

وربما قيل بالمنع ؛ للأصل ، وضعف الروايتين (٥). ويجابان بما مرّ ، فإذاً ما عليه الأكثر أظهر ، وإن كان العدم أحوط.

( و ) يستفاد من هذه المعتبرة أنّه ( لو أفطر قبل ذلك ) ولو بعد تمام الشهر الأوّل ، واليوم الرابع عشر في الفرض الأخير ( أعاد ) ولا خلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به في السرائر (٦) ، وفي الغنية والخلاف والتحرير عليه الإجماع (٧) ، وعن المنتهي أنّه قول علماء الإسلام (٨) ، ولا شبهة يعتريه ؛ لعدم الامتثال ، مضافاً إلى الإجماع وما مرّ من الأخبار الواضحة المنار.

وفي حكمه الأخذ في الصيام في الزمان الذي لا يحصل معه التتابع‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٦ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ذيل حديث ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٧ / ٤٣٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٦ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ح ١.

(٣) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٣٤٧ ، وفيه : فيما ذكر شهادة واضحة على وثاقته وجلالته.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٥) انظر المدارك ٦ : ٢٥٢.

(٦) انظر السرائر ٣ : ٧٦ ، فإنّه لم يصرّح فيه بنفي الخلاف.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، الخلاف ٤ : ٥٥٣ ، التحرير ٢ : ١١٢.

(٨) المنتهى ٢ : ٦٢١.


ولو كان صائماً بعده ، بلا خلاف ، وللصحيح : في رجل صام في ظهارٍ شعبان ثم أدركه شهر رمضان ، قال : « يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيته » (١).

ولا فرق في الإفطار بين المستند إلى الاختيار والمأمور به من جهة الشرع بسبب ، كالعيد ، وأيّام التشريق ، فلا يجوز له أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه.

( إلاّ ) إذا كان عدم السلامة ( لعذرٍ ، كالحيض ، والنفاس ، والإغماء ، والمرض ، والجنون ) فيجزئ حينئذٍ ، بلا خلاف ؛ للصحاح ، منها : عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين ، فصام شهراً ومرض؟ قال : « يبني عليه ، الله حبسه » قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين ، فصامت فأفطرت أيّام حيضها؟ قال : « تقضيها » قلت : فإنّها تقضيها ثم يئست من المحيض؟ قال : « لا تعيدها ، قد أجزأها ذلك » (٢).

وفي رواية : « هذا ممّا غلب الله تعالى عليه ، وليس على ما غلب الله تعالى عليه شي‌ء » (٣).

ويستفاد من التعليلين انسحاب الحكم فيما عدا المذكورات من الأعذار التي لم يعلم عروضها في الأثناء ، كالسفر الضروري.

وإنّما اعتبرنا عدم العلم بالعروض ؛ لأنّه معه يكون في ترك التتابع‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٤٣٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٥ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠١ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٢.


كالمختار ؛ لتمكّنه من الإتيان في زمان يحصل فيه.

وليس ذلك شرطاً في الحيض ؛ للزومه في الطبيعة عادة ، والصبر إلى سنّ اليأس تعزير بالواجب وإضرار بالمكلّف ، نعم يمكن اعتباره فيه فيما إذا اعتادته فيما زاد على شهرين ، مع احتمال العدم ؛ لإطلاق النصوص كالعبارات بعدم الضرر في عروضه ، إلاّ أنّ في شموله لمحل الفرض إشكالاً ؛ لندرته المانع عن حمل الإطلاق عليه ، فتدبّر.

ومنه يظهر الوجه في اعتبار ما مرّ في النفاس ، فلا يجوز للمرأة الابتداء في زمان تقطع بعدم السلامة فيه ، بل احتماله هنا أقوى ؛ لعدم الإطلاق المتقدّم فيه وإن أطلقت العبارات ، مع احتمال أن يراد منها صورة ما إذا ابتدأت بالصوم في زمان لا تعلم بحدوثه فيه وإن احتمل ؛ لعدم ضرره ؛ لأصالة التأخّر والعدم.

ثمّ إنّ الأصحّ وجوب المبادرة بعد زوال العذر ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل الدال على لزوم التتابع على محلّ العذر.

خلافاً للدروس ، فلا يجب الفور (١). وهو ضعيف.

والمراد بالوجوب هنا هو الشرطي ، بمعنى توقّف التتابع عليه ، وإلاّ فالشرعي لا دليل عليه ، عدا ما ربما يقال من أنّ الإخلال به ملازم لفساد العبادة المنهي عنه في الآية.

وفيه نظر ، فإنّ العبادة هي الصوم ، لا تتابعه ، والإخلال مفسد له دون الصوم ، فتدبّر.

( وأمّا الإطعام : فيتعيّن في المرتّبة مع العجز عن الصيام ) بالمرض‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٧٧.


المانع منه ، وما حصل به مشقّة شديدة وإن رجا برءه ، وما خاف به عن زيادته ، ونحو ذلك ، لا السفر إلاّ مع تعذّر الإقامة ، وحيث انتقل الفرض إليه يتخيّر فيه بين التسليم إلى المستحق ، وبين أن يطعمه ، بلا خلاف أجده.

( و ) على الأوّل : ففي مقدار ما ( يجب إطعام العدد ) به أقوال ، أظهرها وأشهرها سيّما بين المتأخّرين أنّه يعطى ( لكلّ واحد مدّ ) اقتصاراً فيما خالف الأصل على أقلّ ما يتحقّق به الامتثال ، وهو ذلك غالباً.

وهو وإن تحقق بالأقلّ ، إلاّ أنّه مندفع بالإجماع ؛ مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (١) المماثل لها في الاستفاضة ، لكن أكثرها مروي في كفّارة اليمين ، ويتعدّى الحكم منه إلى كفّارة رمضان وقتل الخطأ بالإجماع.

مضافاً إلى الصحيح في الأوّل : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مدّ » (٢) ونحوه غيره ، كحديث الأعرابي المشهور المروي فيه (٣).

والصحيح في الثاني : « فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً » (٤).

ومن الأخبار الأوّلة الصحيح : « يطعم عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ » (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨. وج ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، المقنع : ٦١ ، معاني الأخبار : ٣٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٣٢ / ١١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٤ أبواب الكفارات ب ١٠ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٤٥١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩١ ، الإستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٥ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ١.


والصحيح : عمّن قال : والله ، ثم لم يفِ؟ فقال أبو عبد الله 7 : « كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً » (١) ونحوهما صحيحان آخران (٢) ، مرويان هما كالأوّلين وباقي المعتبرة المستفيضة في الكافي وغيره.

مضافاً إلى روايات ثلاث ، مروية في تفسير العيّاشي ، كما حكي منها : « يجزئ لكلّ إنسان مدّ » (٣).

ولا معارض لهذه الأخبار ، مع كثرتها ، واستفاضة كلّ من الصحيح والمعتبرة منها ، مع اعتضادها بالأُصول والشهرة العظيمة ، فيجب المصير إليها البتّة.

خلافاً للخلاف (٤) ، فمدّان ؛ للإجماع ، والاحتياط.

وهما ممنوعان في مقابلة ما مرّ ، ولا شاهد له من الأخبار سوى الصحيح الوارد في الظهار (٥) ، وحمله على الاستحباب متعيّن.

واحتمال العمل به مع تخصيصه بمورده كما وقع لبعض المتأخّرين ـ (٦) مع كونه خرقاً للإجماع ضعيف ، كضعف حمله على صورة الاختيار وما مرّ على صورة الاضطرار جمعاً ؛ لعدم الشاهد عليه ، وإن حكي القول بذلك عن النهاية والمبسوط (٧) ، وتبعه ابن حمزة (٨) ، وإليه أشار‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٢٩ / ١٠٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٥ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٢ ، ٥.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٣٦ / ١٦٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٢ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٧.

(٤) الخلاف ٤ : ٥٦٠.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٣ / ٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٢ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٦.

(٦) كصاحب الكفاية : ٢١٦.

(٧) النهاية : ٥٦٩ ، المبسوط ٥ : ١٧٧ و ١ : ٢٧١.

(٨) الوسيلة : ٣٥٣.


بقوله : ( وقيل : مدّان مع القدرة ) وواحد مع الضرورة.

نعم يستحبّ أن يزيد على المدّ حفنةً لمئونة نحو طحنه وخبزه إن توقف على ذلك ، كما في الصحيح (١) وغيره المروي عن تفسير العيّاشي (٢).

وأوجبه الإسكافي (٣) ؛ لظاهرهما. ويندفع بالأصل ، وصدق الامتثال ، وما مرّ من الأخبار ؛ لخلوّها عنه مع ورودها في مقام الحاجة.

وعلى الثاني : قُدّر في المشهور بالإشباع ولو مرّةً ، كأن يطعموا ضحى أو عشيّة ؛ للأصل ، وصدق الامتثال ، وفحوى ما مرّ من الأخبار ، وخصوص الصحيح : « يشبعهم مرّة واحدة » (٤).

خلافاً للمفيد والديلمي والقاضي (٥) فقدّروه بإشباع يوم ، وهو ظاهر في المرّتين ، وبه صرّح الإسكافي (٦). ولا دليل عليه.

( و ) اعلم أنّه لا خلاف في أنّه ( لا يجوز إعطاؤه لما دون العدد ) لتعلّق الأمر بذلك ، فكما لا يحصل الامتثال في الدفع إلى غير المساكين كذا لا يحصل بالدفع إلى ما دون الستّين.

( ولا يجوز التكرار في الكفّارة الواحدة مع التمكّن ) لتبادر الغير ؛ إذ لا يسمّى المسكين الواحد المُطعَم ستّين مرّة ستّين مسكيناً ، وهو واضح ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٩ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦١ / ١٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٤.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٣ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ١٠.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٦٦٦.

(٤) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٥.

(٥) المفيد في المقنعة : ٥٦٨ ، الديلمي في المراسم : ١٨٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١٥.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٦٦٦.


ولا خلاف فيه بيننا ، وبه صريح بعض المعتبرة من أخبارنا كالموثّق : عن إطعام عشرة مساكين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال : « لا ، ولكن يعطى إنساناً إنساناً كما قال الله تعالى » (١) وقريب منه الخبر الآتي مفهوماً.

( و ) هل ( يجوز مع العذر ) لفقد العدد في البلد ، مع تعذّر الإيصال إليه من غيره؟ قولان ، أظهرهما وأشهرهما ذلك ، بل لم نقف على مخالف هنا ، وبه اعترف جماعة من أصحابنا (٢) ؛ للخبر ، بل القوي : « إن لم يوجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غداً » (٣).

وقصور السند منجبر بالشهرة العظيمة.

واحتمال التقية بوروده موافقاً لمذهب أبي حنيفة ، مع كون الراوي من قضاة العامة مدفوع بأنّ مذهبه الإطلاق ، وفيه اشتراط الحكم بالضرورة. وكون الراوي من قضاتهم محلّ مناقشة لجماعة ، وادّعوا كونه من الإماميّة (٤) ، فاللازم أن يقيّد به الأُصول ، والرواية السابقة ، بحملها على حالة التمكّن دون الضرورة ، مع كونها من الأفراد النادرة فلا تحمل عليها‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٩٨ / ١١٠٣ ، الاستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٥ ، تفسير العياشي ١ : ٣٣٦ / ١٦٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٦ أبواب الكفارات ب ١٦ ح ٢.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٩٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٨.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٢٩٨ / ١١٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٦ أبواب الكفارات ب ١٦ ح ١.

(٤) كالمولى محمد تقي المجلسي في روضة المتقين ١٤ : ٥٩ ، والسيّد بحر العلوم في رجاله ٢ : ١٢١.


إطلاق الرواية.

فاندفع بذلك حجج من ظن وجوب المصير إلى التمكّن من العدد.

واحترز بالواحدة عن المتعدّدة ؛ لجواز التكرار فيها بقدرها ، وبه صرّح في الدروس (١) ، ولعلّه لا خلاف فيه.

( و ) الواجب في الجنس أن ( يطعم ما يغلب على قوته ) وفاقاً للمبسوط وجماعة (٢) ؛ حملاً للإطلاق عليه.

خلافاً للخلاف (٣) ، فكلّ ما يسمّى طعاماً ، مدّعياً عليه الوفاق.

ولا بأس به ؛ لموافقته للّغة المترجّح هنا على العرف والعادة ؛ لحكاية الإجماع المزبورة ، مع أنّه لم يثبت منه الحكم بكون إطلاق الطعام على غير الغالب بعنوان المجازية دون الحقيقة ، والإجماع المزبور هو المستند في التعميم ، حتى في كفّارة اليمين.

خلافاً للحلّي (٤) فيها خاصّة ، فأوجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم به الأهل ؛ تمسّكاً بظاهر الآية ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) (٥).

وهو محمول على الاستحباب ؛ لما مرّ من الإجماع المحكي في الباب ، المعتضد بالشهرة بين الأصحاب ، مع احتماله الورود مورد الغالب ، فلا تعارض بينه وبين الإطلاق.

واستقرب في المختلف إيجاب الحنطة ، والشعير ، والدقيق ،

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٨٧.

(٢) المبسوط ٥ : ١٧٧ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٥٣ ، والمسالك ٢ : ٩٨ ، والمفاتيح ١ : ٢٧١.

(٣) الخلاف ٤ : ٥٦٣.

(٤) السرائر ٣ : ٧٠.

(٥) المائدة : ٨٩.


والخبز (١). وجزم الشهيدان بإجزاء التمر والزبيب (٢). والأولى الاقتصار على إطعام المدّ من الحنطة والدقيق ، كما في الصحيح وغيره (٣).

( ويستحب أن يضمّ إليه إداماً ) ولا يجب ، وفاقاً للأكثر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ للأصل ، وصدق الامتثال بدونه ، وخلوّ أخبار المدّ والمدّين عنه ، ولصريح الصحيح : « وإن شئت جعلت لهم أُدُماً » (٤).

خلافاً للمفيد والديلمي كما حكي (٥) ، فيجب ؛ للخبرين ، أحدهما الصحيح : عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، فقال : « ما تقوتون به من عيالكم من أوسط ذلك » قلت : وما أوسط ذلك؟ فقال : « الخلّ والزيت والتمر والزبيب » الحديث (٦) ، ونحوه الخبر (٧).

لكنّه مع قصور السند قاصر هو كالأوّل عن إفادة الوجوب صريحاً ، ومع ذلك مفسِّران للأوسط المأمور به بالإدام الخاص ، المشعر بل الظاهر في عدم إجزاء غيره ، ولم يقولا به ؛ مضافاً الى عدم مكافأتهما لما مرّ ، وظهور الأمر فيهما في الاستحباب ؛ لما ظهر.

والمراد بالإدام ما جرت العادة بأكله مع الخبز ، مائعاً كان كالزيت‌

__________________

(١) المختلف : ٦٦٩.

(٢) الأول في الدروس ٢ : ١٨٦ ، والثاني في المسالك ٢ : ٩٨.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ١ ، ٤.

(٤) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٣.

(٥) حكاه عنهما في الدروس ٢ : ١٨٦ ، وهو في المقنعة : ٥٦٨ ، والمراسم : ١٨٦.

(٦) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٥.

(٧) الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٢.


والدبس ، أو جامداً كالجبن واللحم ، وهو بحسب الجنس مختلف نفاسةً ورداءةً و ( أعلاه اللحم وأوسطه الخلّ ) والزيت ( وأدناه الملح ) للصحيح : « والأُدُم أدناه ملح ، وأوسطه الخلّ والزيت ، وأرفعه اللحم » (١).

وفي الخبر : « والوسط الخلّ والزيت ، وأرفعه الخبز واللحم » (٢).

( و ) اعلم أنّه ( لا يجزئ إطعام الصغار ) إذا كانوا ( منفردين ) بعدد الستّين ، بلا خلاف أجده إلاّ من بعض المتأخّرين ، فقال بالإجزاء ؛ للإطلاق (٣). وهو كما ترى ؛ لعدم انصرافه إليهم عند الإطلاق.

نعم ربما يستفاد من بعض المعتبرة الآتية الإجزاء فيما عدا كفّارة اليمين ، لكنّها مع قصور أسانيدها غير صريحة في الانفراد ، فيحتمل الانضمام.

( و ) قد حكم الماتن تبعاً للشيخ في النهاية (٤) بأنّه ( يجوز ) إطعامهم إذا كانوا ( منضمّين ) مع الكبار ، واحتسابهم من العدد بلا زيادة ، لكنّهم لم يفرقوا بين كفّارة اليمين وغيرها ، ونفى عنه في المبسوط والخلاف (٥) الخلاف ، وهو الحجّة فيه إن تمّ ، لا الصحيح : أيعطي الصغار والكبار سواء ، والرجال والنساء ، أو يفضّل الكبار على الصغار ، والرجال على النساء؟ فقال : « كلّهم سواء » (٦) لأنّه ظاهر في صورة التسليم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٢.

(٣) انظر المفاتيح ١ : ٢٧٠.

(٤) النهاية : ٥٦٩.

(٥) المبسوط ٥ : ١٧٨ ، الخلاف ٤ : ٥٦٤.

(٦) التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١١٠١ ، وفيه : أيطعم الصغار .. ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧ ح ٣.


لا الإشباع ، ولا خلاف فيه كما في المسالك (١) ، وهو ظاهر غيره (٢).

نعم في الصحيح : « يكون في البيت من يأكل أكثر من المدّ ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ ، فبيّن ذلك بقوله تعالى ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) » (٣) وهو ظاهر فيما ذكروه وإن ردّ بأنّ الاختلاف في الأكل يتحقق في الكبار أيضاً ـ (٤) لكفاية الإطلاق ، مع كون الاختلاف بالصغر والكبر من أظهر الأفراد.

لكن في الموثق : « لا يجوز إطعام الصغير في كفّارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير » (٥) وهو مطلق لصورتي الانفراد والاجتماع ، بل أظهر في الثاني جدّاً ، وأظهر منه القوي الآتي ، إلاّ أنّهم حملوه على الاولى ، فقالوا : ( ولو انفردوا احتسب الاثنين بواحد ) جمعاً بينه وبين الصحيح المتقدّم الظاهر في الثاني.

وهو حسن ، إلاّ أنّ العمل بإطلاق الموثق أحوط وأولى ، فيعدّ الصغيران بكبير مطلقاً ولو مجتمعاً ، وفاقاً لابن حمزة (٦) ، وهو ظاهر إطلاق الإسكافي والصدوق (٧) في المقنع ، لكن في كفّارة اليمين خاصّة ، وظاهرهما جواز إطعام الصغار فيما عداها ، وأنّهم كالرجال ؛ لمفهوم الموثقة المزبورة‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٩٨.

(٢) انظر المفاتيح ١ : ٢٧٠.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٣.

(٤) كما في المسالك ٢ : ٩٨.

(٥) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١١٠٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧ ح ١ ، وفي الجميع : لا يجزئ.

(٦) الوسيلة : ٣٥٣.

(٧) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٦٨ ، الصدوق في المقنع : ١٣٦.


وغيرها من المعتبرة ، كالقوي : « من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً ، فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير » (١) فتدبّر ، لكن الأحوط الإطلاق.

ومن جميع ما مرّ يظهر اشتهار جواز إطعام الصغير في الكفّارة ولو في الجملة ، بل مرّ عن المبسوط والخلاف نفي الخلاف عنه.

خلافاً للمفيد (٢) ، فمنع عن إطعامهم مطلقاً ، منفردين كانوا أو مجتمعين ، عدّ واحد منهم باثنين أم لا.

وهو شاذّ ، وإن كان أحوط ، ولكن ليس بذلك اللازم ، بل هو ما قدّمناه من عدّ اثنين منهم بكبير في كلّ من صورتي الانفراد والاجتماع ، سيّما في كفّارة اليمين ، وإن كان المصير إلى ما عليه الأكثر غير بعيد.

( مسائل : )

( الاولى : ) مرّ أنّ كفّارة اليمين مخيّرة ابتداءً بين أُمور ثلاثة : العتق ، والإطعام ، والكسوة ، ومرّ ما يتعلق بالأوّلين.

وأمّا الثالث : فـ ( كسوة الفقير ثوبان مع القدرة ) وواحد مع الضرورة ، وفاقاً للشيخ والقاضي والحلبي (٣) ، واختاره الفاضل في القواعد وولده في شرحه (٤) ؛ جمعاً بين النصوص المطلقة في الأمرين.

ولا شاهد له ، بل ظاهر نصوص التعدّد يدفعه ، فلا بُدّ من المصير إمّا‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٠٠ / ١١١٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧ ح ٢.

(٢) المقنعة : ٥٦٨.

(٣) الشيخ في النهاية : ٥٧٠ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١٥ ، الحلبي في الكافي : ٢٢٧.

(٤) القواعد ٢ : ١٤٨ ، الإيضاح ٤ : ١٠٧.


إلى الأوّل ، كما عن المفيد والديلمي والصدوق (١) ، وفي المعتبرة دلالة عليه ، منها الصحيح : « أو كسوتهم ، لكلّ إنسان منهم ثوبان » (٢) ونحوه الخبران : « والكسوة ثوبان » (٣) لكنّهما ضعيفان ، إلاّ أنّ في أحدهما المجمع على تصحيح رواياته.

وإمّا إلى الثاني كما عن الحلّي ووالد الصدوق (٤) ، واختاره المحقّق وأكثر من تأخّر عنه ، كالفاضل في قوله الثاني ، والشهيدين والفاضل المقداد في شرح الكتاب ؛ كالسيّد فيه ، والمفلح الصيمري وكثير من المتأخّرين (٥) ؛ للأصل ، والإطلاق.

( و ) ما ( في رواية ) صحيحة ، بل روايات مستفيضة : من أنّه ( يجزئ الثوب الواحد ) منها الصحيحان ، في أحدهما : قلت : كسوتهم؟

قال : « ثوب واحد » (٦) وفي الثاني : قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : « ثوب‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٦٨ ، الديلمي في المراسم : ١٨٦ ، الصدوق في المقنع : ١٣٧.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٣ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ١٠.

(٣) أحدهما في : تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ١٧٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٢ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٩.

والآخر في : الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٢.

(٤) الحلّي في السرائر ٣ : ٧٠ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٦٦٦.

(٥) المحقق في الشرائع ٣ : ٧٧ ، والفاضل في المختلف : ٦٦٦ ، والشهيدان في اللمعة والروضة ٣ : ٢٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤١١ ، والسيد صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢١٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٧.

(٦) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٥.


يواري عورته » (١).

ونحوه الخبر (٢) المحتمل للصحة ؛ لوجود مَعمر بن يحيى ، بدل : ابن عثمان في بعض النسخ ، ومع ذلك في سنده كالثاني المجمع على تصحيح رواياته ، كابن أبي نصر وابن محبوب.

ولا اشتراك في راوي الصحيحين كما ظنّ (٣) ، مع وجود القرينة على الثقة في أحدهما ، والمجمع على تصحيح رواياته في الثاني ، فإذاً الأسانيد في غاية الاعتماد ، معتضدة بما مرّ ، مع الشهرة المتأخّرة ، ( و ) لذا كان هذا القول ( هو الأشبه ) وإن كان الأوّل أحوط.

واحتاط الإسكافي (٤) بدرع وخمار للمرأة ، وثوب واحد ممّا يجزئ فيه الصلاة للرجل ؛ حملاً على عرف الشرع في الصلاة ، وجمعاً بين النصوص. ولا شاهد له.

والأجود الجمع بحمل الأوّلة على الفضيلة ، أو ما إذا لم يحصل بالواحد ستر العورة ، ولذا قيّد بالستر في أكثر ما مرّ من المعتبرة ، بخلاف الأخبار الأوّلة ، وهذا أولى.

فيكون المعيار في الكسوة ما يحصل به ستر العورة مع صدق الكسوة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩٤ ، الاستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٧ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦١ / ١٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٤ أبواب الكفارات ب ١٥ ح ٢.

(٣) راجع المسالك ٢ : ٩٩.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٦٦٦.


عرفاً وعادةً ، كالجبّة ، والقميص ، والسراويل ، دون الخفّ والقلنسوة.

بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، إلاّ في الأخير ، ففيه إشكال وقول بالعدم ، كما عن المبسوط (١) ؛ لعدم صدق الكسوة عليه عرفاً ، وهو متّجه ، إلاّ مع إعطاء قميص أو جبّة معه ؛ لصدق الكسوة حينئذٍ جزماً.

ومن هنا يظهر الحكم في نحو الإزار والرداء وإن جزم بهما كالأوّل الشهيدان وغيرهما (٢).

وظاهر الأصحاب هنا جواز إعطاء الكسوة للصغار مطلقاً ، والنصوص خالية عن ذكر ذلك ، بل المتبادر منها كالآية الكبار ، لكن اتفاق الفتاوى على العموم هنا كافٍ في الخروج عن العهدة.

ويستحب الجديد ، بلا خلاف ، خاماً كان أو مقصوراً ، ويجزئ غيره إذا لم يكن منخرقاً ولا منسحقاً ، وهما لا يجزئان ؛ للأصل ، وعدم انصراف الإطلاق إليهما.

وجنسه ما اعتيد لبسه ، كالقطن ، والكتّان ، والصوف والحرير الممتزج والمحض للنساء والصغار دون الخناثى والكبار ، والفرو والجلد المعتادين ، والقنَّب (٣) والشعر إن اعتيد لبسهما.

( وكفّارة الإيلاء مثل كفّارة اليمين ) بلا خلاف ؛ تمسّكاً بالإطلاق ؛ لأنّه يمين خاصّ فيترتّب عليه أحكامه.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢١٢.

(٢) الأول في : الدروس ٢ : ١٨٨ ، الثاني في : الروضة ٣ : ٢٩ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٣ : ٤١١.

(٣) نبات يؤخذ لحاؤه ثمّ يفتّل حبالا. المصباح المنير : ٥١٧ ، مجمع البحرين ٢ : ١٥٠.


( الثانية : من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثمّ تمكّن من العتق لم يلزمه العود ) مطلقا ( وإن كان أفضل ) على الأشهر الأقوى ؛ للصحيح المروي في التهذيب بسندين صحيحين ، أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، وفيه : « وإن صام وأصاب مالاً فليمض الذي ابتدأ فيه » (١).

خلافاً للإسكافي (٢) فيما إذا لم يتجاوز النصف ، فأوجب العتق ؛ للمرسل كالصحيح : في رجل صام شهراً من كفّارة الظهار ، ثمّ وجد نسمة ، قال : « يعتقها ، ولا يعتدّ بالصوم » (٣).

ولقصوره عن المقاومة لما مرّ سنداً وعدداً واشتهاراً حمله الأصحاب على الاستحباب ، ولا ريب فيه ، مع اعتضاده في جانب نفي الوجوب بصدق الفاقد عند الشروع ، وسقوط الأعلى ، وتحقّق البدليّة ، فيستصحب.

وهو وإن أمكن فيه المعارضة باستصحاب شغل الذمّة ، إلاّ أنّ اعتضاد الأوّل بالشهرة يقتضي المصير إليه البتّة.

ومنه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى الأخذ في الإطعام للعجز عن الصيام القادر عليه بعد ذلك ؛ مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ، وفقد المعارض للأصل من جهة النص ، وإن خلا عنه من أصله.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ٣٤٣ / ١٦٤٨ ، التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٣ و ٣٢٢ / ١١٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٦٧ / ٩٥٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٤ أبواب الكفارات ب ٤ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المسالك ٢ : ١٠٠.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٦ أبواب الكفارات ب ٥ ح ٢.


ثم إنّه يتحقق الشروع بصوم جزء من اليوم في الصوم ولو لحظةً ، وبتسليم مدّ أو أخذ في أكل الطعام في الإطعام ؛ لإطلاق الدليل.

( الثالثة : كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين ) في نذر أو كفّارة مطلقاً ، مرتّبةً كانت أو مخيّرةً ، كما يقتضيه عموم العبارة ( فعجز ) عنهما ( صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر تصدّق عن كل يوم بمدٍّ من الطعام ، فإن لم يستطع استغفر الله سبحانه ) كما عن الشيخ وجماعة (١) ، بل ادّعى في المسالك (٢) الشهرة في كلّ من الأحكام الثلاثة ، ولم نقف على ما يدل عليها من آية ، أو أصل ، أو رواية.

والأجود التفصيل بين الظهار ورمضان والنذر ، فيرتضى الحكم الأوّل في الأوّلين ، لكن بعد العجز عن الخصال الثلاث ، وفاقاً للنهاية والقاضي وابن حمزة (٣) في الأوّل ، وللمفيد والمرتضى والحلّي (٤) في الثاني ؛ للموثق في الأوّل : عن رجل ظاهر من امرأته ، فلم يجد ما يعتق ، ولا ما يتصدّق ، ولا يقوى على الصيام؟ قال : « يصوم ثمانية عشر يوماً » (٥).

وللخبر المنجبر ضعفه بالشهرة في الثاني أيضاً : عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ، فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ،

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٥٧٠ ؛ وانظر القواعد ٢ : ١٤٩ ، واللمعة والروضة ٣ : ٣٠ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٥٠.

(٢) المسالك ٢ : ١٠٢.

(٣) النهاية : ٥٢٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٣٠٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٤.

(٤) المفيد في المقنعة : ٣٤٦ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤١٣.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٣ / ٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٢ أبواب الكفارات ب ٨ ح ١.


ولم يقدر على الصدقة ، قال : « فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام » (١) على إشكال فيه دون الأوّل ؛ لخلوصه عن المعارض دون هذا ؛ لما يأتي.

خلافاً للمفيد والإسكافي (٢) في الأوّل ، فلم يجعلا له بعد الخصال بدلاً ؛ تمسّكاً بالأصل. ويندفع بما مرّ.

وللصدوقين (٣) فيه أيضاً ، فجعلا البدل التصدّق بما يطيق. ولا شاهد لهما سوى التمسك بما يأتي من النص أو القاعدة ، ولكن الأوّل قياس ، والثاني حسن لولا ما مرّ من الموثّقة المعتضدة بالشهرة.

ولهما ولجماعة من المتأخّرين (٤) في الثاني ، فجعلوا البدل هو التصدّق بما يطيق ؛ للصحيحين : في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذرٍ ، قال : « يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق » (٥).

وهو ظاهر الكليني ؛ لاقتصاره بنقل أحدهما ، والتهذيبين (٦) ؛ للفتوى بهما صريحاً ، مع ذكره رواية الثمانية عشر بلفظة « روي » في الاستبصار ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٨١ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٩ ح ١.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥٢٤ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٠٢.

(٣) الصدوق في الهداية : ٧١ ، ونقله عن والده في المختلف : ٦٠٢.

(٤) الصدوق في المقنع : ٦١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٢٦ ؛ وانظر نهاية المرام ٢ : ٢١٨ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٧٥ ، والذخيرة : ٥٣٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ / ٥٩٤ و ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ / ٣١٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

(٦) الاستبصار ٢ : ٩٦ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ، ٢٠٧.


ولفظة « قيل » في التهذيب ، المشعرتين بالتمريض.

ولا يخلو عن قوة ؛ لذلك ، ولموافقة قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور في الجملة (١) ، بملاحظة أنّ الواجب عليه أحد الأُمور الثلاثة التي منها التصدّق والإطعام ، فإذا اختاره ولم يمكنه التمام اجتزأ بالممكن منه ؛ للقاعدة.

وللدروس تبعاً للفاضل في المختلف (٢) فيه أيضاً ، فخيّرا بين الأمرين ؛ جمعاً ، والتفاتاً إلى ثبوت التخيير بين نوعيهما في المبدل فكذا في البدل.

وللثاني في قوله الآخر مطلقاً ، فأوجب الإتيان بالممكن من الصوم والصدقة إن تجاوز الثمانية عشر ؛ لعموم : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٣) حتى لو أمكن الشهران متفرّقين وجب مقدّماً على الثمانية عشر (٤).

وهو حسن فيما عدا مورد ما مرّ من النص المعتبر ، وهو النذر الذي هو القسم الثالث ، ومنه يظهر دفع الحكم الأوّل فيه ، والرواية المتقدمة بالثمانية عشر مشعرة بحكم السياق صدراً وذيلاً باختصاص الحكم بصيامها بصورة العجز عن الخصال الثلاث التي هي في الكفّارة خاصّة ، فهذا القسم‌

__________________

(١) هذا القيد تنبيه على أنّ القاعدة لا تدلّ على وجوب المصير إلى الصدقة ، بل غايتها الدلالة على جواز التصدّق بما يطيق ، لا تعيّنه ، فلو صام ما يطيق لأجزأ بمقتضاها ، فموافقة هذا القول للقاعدة إنما هي موافقة في الجملة. منه عفي عنه.

(٢) الدروس ١ : ٢٧٧ ، المختلف : ٢٢٦.

(٣) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٦.

(٤) قاله في التحرير ١ : ٨٠.


خارج عن موردها البتّة ، فيذبّ عن هذا الحكم فيه.

كما يذبّ عن الحكمين الأخيرين فيه وفي صوم رمضان وفي كفّارة الظهار ؛ لعدم الدليل عليهما فيها ، مع تصريح بعض المعتبرة (١) المعتضدة بالشهرة ، كما مرّت إليه الإشارة ـ (٢) بنفي الثالث في الثالث ، وإن عورض بالموثق ؛ لضعفه بما مرّ (٣).

وعن أوّلهما فيما عداها أيضاً ؛ لما مرّ ، ويرتضى ثانيهما فيه ؛ للمعتبر الذي مرّ في بحث الظهار ، النافي له فيها من دون معارض له هنا.

مضافاً إلى الاتفاق عليه في الظاهر ، والموثق في كفّارة اليمين : قلت : فإن عجز عن ذلك؟ قال : « فليستغفر الله عزّ وجلّ ، ولا يعود » (٤).

والمعتبرة منه مرّة واحدة بالنيّة عن الكفّارة ، مضافاً إلى اللفظ الدالّ على الندم على ما فعل ، والعزم على عدم العود إن كان عن ذنب.

وفي وجوب الكفّارة مع تجدّد القدرة وجهان ، وفي الموثّق في المظاهر أنّه يستغفر ويطأ ، فإذا وجد الكفّارة كفّر (٥).

وعمل به الشيخ في التهذيبين.

ثمّ في وجوب التتابع في الثمانية عشر حيث قلنا بوجوبه قولان ، والأحوط ذلك ؛ لخبر : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٦) وإن كان النص‌

__________________

(١ و ٣) ٣٩٧ ، ٣٩٨.

(٤) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٢٩٨ / ١١٠٤ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٨٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ٤٦١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٣٢٠ / ١١٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٦ / ١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٨ أبواب الكفارات ب ٦ ح ٤.

(٦) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.


الدال عليه مطلقاً.

وهل المراد بالأيّام التي يتصدّق عنها بمدٍّ بعد العجز عن الصيام ثمانية عشر هي أو الستّون؟ وجهان ، والأحوط الثاني ، وإن كان الأصل يقتضي الأوّل.

( الرابعة : يشترط في المكفِّر البلوغ ، وكمال العقل ) لارتفاع التكليف عن فاقدهما ، المقتضي لعدم توجّه الخطاب إليه.

( والإيمان ) لأنّ التكفير عبادة ومن شرطها الإيمان إجماعاً في المقدّمتين ، حكاه بعض الأجلّة (١) ، وهو الحجّة فيهما ؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة المتضمّنة لبطلان عبادة المخالف في الأخيرة.

( ونيّة القربة ) في جميع الخصال ، ولو كان إطعاماً أو كسوةً ، بلا خلاف ؛ لأنّها عبادة ، فيشملها عموم الأدلّة على اعتبارها فيها ، ومضى الوجوه المفسَّرة بها القربة في مباحث الوضوء ، ومنها قصد الامتثال وموافقة الأمر.

ومن هنا ينقدح دليل آخر لاعتبار الإسلام في المكفِّر ، بناءً على عدم تأتّي نيّة القربة بالمعنى المزبور من الكافر ، كيف لا؟! وهو لا يعتقد بموجِب الكفّارة ، ولا يكون الخصال مكفّرةً له مأموراً بها لذلك ؛ لكونه إمّا منكراً له سبحانه كالدهريّة ، وبعض عبّاد الأصنام ، أو جاحداً للنبي 6 المبيّن لذلك الأمر به عنه سبحانه ، فإذا صام بعد الظهار مثلاً لا يمكنه قصد الامتثال بذلك ، والعزم على أنّ الصيام كفّارة لما وقع منه ، فإنّه لا يعتقد‌

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٢١٩.


تحقّق الحرمة بالموجِب فضلاً عن كون الصيام مكفِّراً لها ، بل يجعلها حراماً وبدعةً بقصد التشريع في شرعه.

ولعلّ هذا هو السرّ والحكمة في حكم الأصحاب بفساد عبادة الكفّار ؛ لعدم تحقّق قصد القربة بهذا المعنى منهم ، والعجب من شيخنا في المسالك ، حيث اعترضهم في ذلك ، وجوّز صدور نيّة القربة بهذا المعنى عنهم (١) ، فيالله : كيف يقصد الكافر بما يأتي به من هيئة صلاتنا أنّه عبادة مقرّبة إلى جنابه سبحانه مع اعتقاده كون مثل ذلك بدعة وضلالة؟ فإتيانه بذلك على تقديره يكون على طريق الاستهزاء والسخرية ، وما أرى مثل هذه الدعوى عن نحو هذا الفاضل إلاّ غفلة واضحة.

نعم قد تحصل له نيّة القربة في بعض الخصال إذا كانت عنده وفي شرعه مقرّبة ، ولكن مثل هذه القربة غير كافية ، بل لا بدّ من نيّة القربة التي هي القصد إلى امتثال أمر الكفّارة ، ولذا أنّ أحدنا لو صام ندباً من دون نيّة التكفير لم يجز عنه إجماعاً ، فتأمّل.

( والتعيين ) للسبب الذي يكفّر عنه ، سواء تعدّدت الكفّارة في ذمّته أم لا ، وسواء تغاير الجنس أم لا ، كما يقتضيه الإطلاق ، وصرّح به في الدروس (٢) ، وأطلق في اللمعة (٣) كالعبارة ، ووجهه أنّ الكفّارة اسم مشترك بين أفراد مختلفة ، والمأمور به إنّما يتخصّص بمميّزاته عن غيره ممّا يشاركه.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٩٣.

(٢) الدروس ٢ : ١٨٤.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٢٤.


قيل : ويشكل بأنّه مع اتحادها في ذمّته لا اشتراك ، فتجزئ نيّته عمّا في ذمّته من الكفّارة ؛ لأنّ غيره ليس مأموراً به ، بل ولا يتصوّر وقوعه منه في تلك الحالة شرعاً ، فلا وجه للاحتراز عنه ، كالقصر والتمام في غير موضع التخيير (١) ، انتهى.

وربما يتأمّل فيه ، وإن كان الحكم المترتّب عليه غير بعيد ؛ للإجماع في الخلاف (٢) على عدم الاعتبار في المتعدّد مع اتحاد جنس السبب ، المستلزم له هنا بطريق أولى ، بل ظاهره في المبسوط (٣) عدم اعتبار التعيين مطلقاً عندنا ، لكنّه مخالف لما اختاره في الأوّل كالأكثر من الاعتبار فيما عدا محلّ الإجماع ، والعدم فيه ، وهو الأقوى.

فلو تعدّد ما في ذمّته مع اتحاد نوع سببه ، كإفطار يومين من شهر رمضان ، وخلف نذرين ، كان حكمة كالمتحّد ؛ للإجماع المتقدّم ذكره.

ولو اختلف أسبابه توجّه ذلك ليحصل التمييز وإن اتّفق مقدار الكفّارة (٤).

وفي المسألة أقوال أُخر ، والأصحّ ما قدّمناه.

وعليه لو أطلق برئت ذمّته من واحدة لا بعينها ، فيتعيّن في الباقي الإطلاق ، سواء كان بعتق أم غيره ، من الخصال المخيّرة أو المرتّبة على‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٥.

(٢) الخلاف ٤ : ٥٤٩.

(٣) المبسوط ٦ : ٢٠٩.

(٤) خلافاً للعلاّمة في المختلف (٦٦٧) في المتّفق فلم يعتبر التعيين فيه. منه ;.


تقدير العجز.

ولو شك في نوع ما في ذمّته أجزأه الإطلاق عن الكفّارة على القولين ، كما يجزئه العتق عمّا في ذمته لو شك بين كفّارة ونذر ، ولا يجزئ ذلك في الأوّل ، فإنّه لا بدّ فيه من نيّة التكفير ، كما لا يجزئ العتق مطلقاً بدون قصد ما في الذمّة ؛ لاحتماله التطوّع ، بل وظهوره فيه ، ولا بنيّة الوجوب ؛ لأنّه قد يكون في كفّارة ، فلا بد من نيّة التكفير.


( كتاب اللعان )

هو لغةً : المباهلة المطلقة ، أو فعال من اللعن ، أو جمع له ، وهو الطرد والإبعاد من الخير ، والاسم اللعنة.

وشرعاً : المباهلة بين الزوجين بكلمة مخصوصة في إزالة حدّ ، أو نفي ولد عند الحاكم.

والأصل فيه بعد الإجماع الكتاب ، والسنّة ، قال الله سبحانه ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ. وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ ) (١).

وأمّا السنّة فمستفيضة ، سيأتي إليها الإشارة.

( والنظر ) فيه ( في أُمور أربعة ).

( الأوّل : قذف الزوجة ) المحصنة ، أي : رميها ( بالزناء ) ولو دبراً ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه‌

__________________

(١) النور : ٦ ٩.


الإجماع في الانتصار والغنية (١) ، وهو الحجّة فيه بعد عموم الآية ، ومع ذلك النصوص به مستفيضة.

خلافاً للصدوق في المقنع (٢) ، فحصر السبب في الثاني ؛ للخبرين ، أحدهما الموثّق : « لا يكون إلاّ في نفي الولد » (٣).

وهو شاذّ ، ومستنده سنداً وعدداً قاصر عن المكافأة لما مرّ جدّاً ، مع تضمّن ذيل أحدهما ما هو صريح في المختار.

وعليه لا يكون إلاّ ( مع دعوى المشاهدة ، وعدم البيّنة ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل في الانتصار على الأوّل الإجماع (٤) ، وفي الغنية على الثاني (٥) ، وهو الحجّة فيهما.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة في الأوّل ، منها الصحيح : « إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتّى يقول : رأيت بين رجليها رجلاً يزني بها » (٦) ومثله آخران (٧).

وفي رواية : « إذا قال : إنّه لم يره ، قيل له : أقم البيّنة ، وإلاّ كان بمنزلة‌

__________________

(١) الانتصار : ١٤٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٢) المقنع : ١٢٠.

(٣) الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٥ / ٦٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٧١ / ١٣٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٩ أبواب اللعان ب ٩ ح ١.

(٤) الانتصار : ١٤٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٦) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٧ / ١٣٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٧ أبواب اللعان ب ٤ ح ٤.

(٧) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٥ ، التهذيب ٨ : ١٨٦ / ٦٤٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٢ / ١٣٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٦ أبواب اللعان ب ٤ ح ٢.

والثاني في : الكافي ٦ : ١٦٧ / ٢١ ، التهذيب ٨ : ١٨٦ / ٦٤٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٧ / ١٣٢٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٦ أبواب اللعان ب ٤ ح ٣.


غيره » (١) جلد الحدّ.

والأصل المؤيّد بمفهوم الآية ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ ) (٢) في الثاني.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (٣) في الأوّل ، فلم يعتبر المشاهدة ، بل اكتفى عنها بما إذا حصل له العلم بالقرائن. والأصل والنصوص حجّة عليه.

وللخلاف والمختلف (٤) في الثاني ، فلم يعتبرا العجز عن البينة ؛ للأصل ؛ وضعف مفهوم الوصف ، ولعلّه بني على الغالب ، أو الواقع.

وهو كما ترى ، فإنّ الأصل هنا يقتضي المختار ؛ لكون اللعان وظيفة شرعية ، نظراً إلى إسقاطه الحدّ من الطرفين ، المخالف للأُصول ، فكيف يدّعى الأصل على خلافه ، وهو عدم الاشتراط ، وحينئذٍ فما قدّمناه من الأصل كافٍ في الإثبات ، ولم نحتج إلى المفهوم ، مع أنّه صالح للتأييد إن لم يكن دليلاً.

نعم النصوص مطلقة ، إلاّ أنّ في شمولها لصورة القدرة على البيّنة نظراً ؛ لغلبة عدمها ، كما ادّعاه الخصم في مفهوم الآية ، حيث لم يعتبره ؛ للورود مورد الغلبة ، وهذه الدعوى لا تجامع الاستدلال للعموم بالإطلاقات.

ومن هنا انقدح وجه التعجب عن العلاّمة ، حيث استند للعموم بإطلاق النصوص ، وأجاب عن المفهوم بعدم العموم ؛ للغلبة ، وليت شعري‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٣ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٣٤٨ / ١٦٧٠ ، التهذيب ٨ : ١٩٢ / ٦٧٠ ، المحاسن : ٣٠٢ / ١١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٧ ، ٤١٨ أبواب اللعان ب ٤ ح ٥ ، ٦.

(٢) النور : ٦.

(٣) المسالك ٢ : ١١٠.

(٤) الخلاف ٥ : ٨ ، المختلف : ٦٠٨.


كيف غفل عن أنّ قدح الغلبة في المفهوم الذي هو لغةً للعموم ملازم للقدح في الإطلاق الذي ليس له فيها بطريق أولى؟!.

وبالجملة : الظاهر ورود إطلاق النصوص مورد الغالب ، وهو عدم القدرة على البيّنة ، ويشير إليه حكمها بالحدّ بمجرّد النكول الغير المجامع للبيّنة ، فيبقى اللعان المخالف للأُصول في محلّ النزاع خالياً عن الدليل ، فالواجب فيه الاقتصار على القدر الثابت منه بالدليل ، هذا.

مع أنّ في التمسك بمثل هذا الإطلاق نظراً ؛ لوروده لبيان حكم آخر ، ومن شرائط رجوعه إلى العموم عدم ذلك ، كما قرر في محلّه.

وأمّا الرواية العامية فغير واضحة الدلالة على العموم ؛ مضافاً إلى قصور سندها ، ومعارضتها بمثلها.

( و ) ممّا قدّمناه من الأصل يظهر الوجه في الحكم بأنّه ( لا يثبت ) اللعان ( لو قذفها في عدّة بائنة ) لاختصاص الأدلّة من الإجماع والكتاب والسنّة بالزوجة ومن بحكمها ، وليست أحدهما بالضرورة ( ويثبت لو قذفها في ) عدّة ( رجعية ) لكونها حينئذ زوجة ؛ للإجماع ، وثبوت أكثر أحكام الزوجة بالفعل لها بالاستقراء ، مضافاً إلى خصوص الإجماع هنا في الغنية (١).

( الثاني : إنكار من وُلد على فراشه ) ممّن يلحق به مطلقاً شرعاً ، لولا لعانه ، كأن يولد ( لستّة أشهر فصاعداً ) من وطئه ( من زوجة موطوءة بالعقد الدائم ، ما لم يتجاوز أقصى الحمل ، وكذا لو أنكره بعد فراقها ما لم تتزوّج ، أو بعد أن تزوّجت وولدت لأقلّ من ستّة أشهر منذ دخل ) الثاني ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.


فإذا ولد بدون الشرائط انتفي بغير لعان ، والنفي المحتاج إليه إنّما هو بالولادة معها ، ولا يجوز له النفي به إلاّ مع العلم بانتفائه عنه ؛ لأنّ الولد للفراش ، ومع عدمه يجب إلحاقه بنفسه ، كما أنّه يجب نفيه عنه مع العلم به ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( الثاني : في الشرائط ) لصحة اللعان‌ ( ويعتبر في الملاعن البلوغ ، والعقل ) فلا عبرة بلعان الصبي ، والمجنون ، إجماعاً ؛ لعدم العبرة بكلامهما ، مع رفع القلم عنهما ، مضافاً إلى الأصل المتقدّم واختصاص الأدلّة سياقاً بالمكلّفين.

( وفي ) اعتبار الإسلام فيه وفي الملاعنة ، فلا يصحّ ( لعان الكافر ) والكافرة ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما : ( الجواز ) لعموم الأدلّة المعتبرة الآتية المصرّحة بجواز لعان الذمّية والنصرانية ، الدالّة على الحكم في المسألة ؛ لعدم القائل بالفرق بين الملاعن والملاعنة ، فإنّ كلّ من اعتبر الإسلام في الأوّل اعتبر في الثانية أيضاً ، ومن نفاه فيه نفاه فيها جدّاً ، وهي وإن عورضت بأخبار أُخر مانعة عنه في الذمّيين ، لكنّها قاصرة عن المقاومة لتلك ، كما سيأتي إليه الإشارة.

وممّن حكي عنه اعتباره الإسلام فيهما الإسكافي مطلقاً (١) ، والحلّي إذا كان للقذف خاصة (٢) ، ومستندهما إن كان ما تقدّم من الروايات ، كما يظهر من الماتن في الشرائع وغيره (٣) ، ففيه ما تقدّم ، وإن كان ما قيل (٤) من‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٦٠٦.

(٢) السرائر ٢ : ٦٩٧.

(٣) الشرائع ٣ : ٩٦ ؛ وانظر التنقيح ٣ : ٤١٨.

(٤) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ١٨٨.


أنّه شهادات ، كما يظهر من قوله سبحانه ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ) (١) وهما ليسا من أهلها ، فمع عدم إفادته القول الثاني بتمامه بل مناقضتة له ولو في الجملة ، قد منع منه بجواز كونه أيماناً ؛ لافتقاره إلى ذكر اسم الله تعالى ، واليمين يستوي فيه العدل والفاسق ، والحرّ والعبد ، والمسلم والكافر ، والذكر والأُنثى ؛ وللخبر : « مكان كلّ شاهد يمين » (٢).

وفيه : أنّه ملازم لكون الاستثناء في الآية منقطعاً ؛ إذ ليس المراد بالشهداء المستثنى منهم الحلفاء ، بل الشهود بالمعنى المتعارف جدّاً.

مع ما سيأتي في لعان المملوكة من بعض الروايات المانع عنه ، معلِّلاً بقوله تعالى ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) (٣) وفيه إيماء بل ظهور إلى أنّ اللعان شهادة ، فيعارض به ما مرّ من الخبر.

والأجود الجواب عنه بما قدّمناه من المعتبرة ، مع ما ذيلّناها به من الضميمة ، مضافاً إلى معارضة ما ذكر بوقوعه من الفاسق بإجماع الطائفة ، مع أنّ شهادته غير مسموعة.

( وكذا ) الأشبه الأشهر ، بل ادّعى عدم الخلاف فيه جمع ممن تأخّر (٤) ، عدم اشتراط الحرّية في الملاعن ، فيصحّ لعان ( المملوك ) مطلقاً ، ولو كان تحته حرّة ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى خصوص الصحاح ، في أحدها : عن عبد قذف امرأته ، قال : « يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار » (٥).

وفي الثاني : عن الحرّ ، بينه وبين المملوكة لعان؟ فقال : « نعم ، وبين‌

__________________

(١) النور : ٦.

(٢) علل الشرائع : ٥٤٥ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٨ أبواب اللعان ب ٤ ح ٦.

(٣) النور : ٤.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، وسبطه في نهاية المرام ٢ : ٢٢٥.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥١ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ٣.


المملوك والحرّة ، وبين العبد والأمة » (١) ونحوهما الثالث (٢).

خلافاً للمفيد والديلمي ، فاشترطاها مطلقاً (٣) ، وللحلّي ، ففصّل بما مضى (٤) وحجتهم مع الجواب كما تقدّم ؛ مضافاً إلى الصحاح المتقدّمة الخالية هنا عمّا يصلح للمعارضة.

والعجب عن شيخنا في المسالك وسبطه في شرح الكتاب حيث ادّعيا عدم الخلاف هنا (٥) ، مع ما عرفت من خلاف العظماء ، وقد حكاه عنهم جماعة من الأجلاّء ، كالفاضل المقداد في شرح الكتاب (٦) ، والمفلح الصيمري في شرح الشرائع ، وغيرهما (٧).

( و ) يعتبر‌ ( في الملاعنة ، البلوغ ، والعقل ) لما مرّ في الملاعن ( والسلامة من الصمم ، والخرس ، ولو قذفها مع أحدهما بما يوجب اللعان ) من رميها بالزناء ، مع دعوى المشاهدة ، وعدم البيّنة ( حرمت عليه ) مؤبّداً من دون لعان ، بلا خلاف ولا إشكال في قذفها مع الأمرين ، أو الثاني ، وكذا الأول على الأقوى ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة من أصحابنا (٨) ، والتحقيق في جميع ذلك قد مضى (٩).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٤ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٥ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ١.

(٣) المقنعة : ٥٤٢ ، المراسم : ١٦٤.

(٤) السرائر ٢ : ٦٩٧.

(٥) راجع ص ٤٨٨.

(٦) التنقيح ٣ : ٤١٩.

(٧) المختلف : ٦٠٥.

(٨) منهم السيد في الانتصار : ١٤٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥.

(٩) في ص ٥٠٥١ ، ٥٠٥٢.


( وأن يكون عقدها دائماً ) فلا يجوز لعان المتمتع بها مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه الإجماع في نفي الولد ، كما في كلام جماعة (١) ، بل مطلقاً ، كما في الغنية (٢).

خلافاً للمفيد والمرتضى في القذف خاصة (٣) ، وتمام التحقيق مضى في بحث المتعة (٤).

( وفي اعتبار الدخول ) بها في لعانها ولو دبراً ( قولان ، والمرويُّ ) في المستقيضة ( أنّه لا يقع قبله ) مطلقاً ، ففي الموثّق : « لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله » (٥).

والخبر : « لا يلاعن إلاّ بعد الدخول » (٦).

ونحوهما آخر مروي بسندين (٧) في أحدهما جعفر بن بشير وأبان ، الملحقان للسند بالصحيح ، أو ما يقرب منه ، فقد قيل في الأوّل : يروي عن الثقات ، ويروون عنه (٨) ، وفي الثاني : إنّه ممن أجمعت العصابة على‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٣٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٣) المقنعة : ٥٤٢.

(٤) راجع ص ٥١١٩.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٩٢ / ٦٧١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٢ أبواب اللعان ب ٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ١٦٢ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٣ أبواب اللعان ب ٢ ح ٥.

(٧) أحدهما في : التهذيب ٨ : ١٩٧ / ٦٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٤ أبواب اللعان ب ٢ ح ٨.

والآخر في : الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦٣ ، التهذيب ٨ : ١٨٥ / ٦٤٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٧١ / ١٣٢٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٣ أبواب اللعان ب ٢ ح ٦.

(٨) انظر رجال النجاشي : ١١٩.


تصحيح ما يصح عنه (١).

ومع ذلك هما كالأوّلين منجبران بحسب السند بفتوى الأكثر ، بل عليه في الخلاف والغنية الإجماع (٢) ، وهو حجة أخرى ، بعد المعتبرة.

مضافاً إلى الأصل المتقدم ذكره غير مرّة ، الخالي هو كالإجماع والمعتبرة عمّا يصلح للمعارضة ؛ فإنّ عموم الآية والسنّة يحتمل قريباً الانصراف بحسب السياق والغلبة إلى المدخول بها خاصة ، ثم على تقديره وعدم قرب الاحتمال فيه ، فلا أقلّ من جوازه ومساواته لغيره ، فيجب التخصيص فيه بالمستفيضة المعتضدة بالشهرة ، وحكاية الإجماعين المزبورة ، فهذا القول قوي غاية القوة.

خلافاً لشيخنا العلاّمة في القواعد ، فلم يعتبره مطلقاً (٣) ، تبعاً للمحكي عن المفيد.

ومستند مع الجواب يظهر ممّا تقدم ؛ مضافاً إلى الإجماع على انتفاء الولد مع عدم الدخول بمجرد النفي ، من دون احتياج إلى لعان ، بناءً على أنّ القول قول الزوج مع اليمين حينئذ ، فلا يتم القول بإطلاق عدم الاشتراط.

وربما أنكر هذا القول جماعة ، مستبعدين ذلك عن قائله إن وجد (٤) ، وهو كما ترى ؛ لأنّه صريح القواعد ، حيث جعله فيه مقابلاً للقول بالتفصيل ، ومحكي عن المفيد في شرح الشرائع للمفلح الصيمري ، ونقل‌

__________________

(١) راجع اختيار معرفة الرجال ٢ : ٦٧٣.

(٢) الخلاف ٥ : ٤٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٣) القواعد ٢ : ٩٢.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤٢٠.


حكايته قولاً عن الحلّي (١) ، وأمّا الاستبعاد فهو في محلّه لما عرفت.

( وقال ثالث ) وهو الحلّي (٢) ( بثبوته ) أي اللعان بدون الدخول ( بالقذف ، دون نفي الولد ) وتبعه كثير من المتأخرين (٣) ؛ للعمومات ، وقصور سند الروايات ، أو عدم حجّيتها ؛ لكونها أخبار آحاد.

والكلّ ممنوع ، مع عدم انحصار الحجّة فيها ؛ لوجود الإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين كادا أن يكفياننا الاشتغال بالاستدلال بالروايات في البين.

والعجب من الحلّي ؛ حيث جعل قوله جامعاً بين القولين الأوّلين ، والأدلّة من الطرفين ، مع تصريح جماعة منهم بالإطلاق (٤) ، كبعض الروايات ، وهو الخبر الأخير ، فإنّ فيه : « لا يكون ملاعناً حتى يدخل [ بها ] يضرب حدّا ، وهي امرأته ، ويكون قاذفاً » (٥).

وصرّح بما ذكرناه جماعة (٦) ، بل قال شيخنا الشهيد في النكت بعد حكاية الجمع عنه : ولنعم ما قال ، وفيه نظر ؛ لأنّ انتفاء اللعان هنا أي في نفي الولد مع عدم الدخول مقطوع به ؛ لإجماعهم على انتفاء الولد عند عدم شرائط اللحوق ، فالخلاف في الحقيقة ، إنّما هو في الرمي بالزناء (٧).

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٢٢٧.

(٢) السرائر ٢ : ٦٩٨.

(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ٦٠٧ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٤٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٨.

(٤) منهم الشيخ في النهاية : ٥٢٢ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٠٩.

(٥) المتقدم في ص ٤٩٠.

(٦) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٤٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٢٠.

(٧) غاية المراد ٣ : ٣٠٤.


لكن فيه ما قدّمناه ، من وجود القول بعدم الاشتراط في نفي الولد أيضاً.

( ويثبت ) اللعان ( بين الحرّ و ) زوجته ( المملوكة ) والكافرة ، على الأشهر بين الطائفة ، وهو الأظهر ؛ لعموم الكتاب والسنّة ، مضافاً إلى الصّحاح المتقدّمة (١) المصرِّحة بعدم اعتبار الحرّية في الملاعن بالجارية في المسألة ؛ لعدم القائل بالفرق في اعتبارها بينه وبين الملاعنة ؛ إذ كلّ من لم يعتبرها فيه لم يعتبرها فيها.

ومع ذلك الصحاح به مستفيضة منها : عن الحرّ بينه وبين المملوكة لعان؟ قال : « نعم » (٢).

ومنها : « بين الحرّ والأمة والمسلم والذمّية لعان » (٣).

ومنها : عن الحرّ تكون تحته المملوكة يقذفها زوجها؟ قال : « يلاعنها » (٤). والمملوكة في بعض هذه الأخبار وإن كانت تشمل الموطوءة بالملك ، إلاّ أنّها خارجة بالإجماع ، ومفهوم الصحيح : عن الحرّ ، يلاعن المملوكة؟ قال : « نعم ، إذا كان مولاها الذي زوّجها إياه » (٥) فتأمّل.

( وفيه رواية بالمنع ) بل فيهما روايات ، منها الصحيح : « لا يلاعن‌

__________________

(١) راجع ص ٤٨٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٤ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ٢.

(٣) التهذيب : ١٨٩ / ٦٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٠ أبواب اللعان ب ٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢١ أبواب اللعان ب ٥ ح ١٠.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٤٧ / ١٦٦٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٠ أبواب اللعان ب ٥ ح ٥.


الحرّ الأمة ، ولا الذمّية ، ولا التي يتمتع بها » (١).

والخبران ، في أحدهما : عن رجل مسلم تحته يهودية ، أو نصرانية ، أو أمة ، فأولدها وقذفها ، هل عليه لعان؟ قال : « لا » (٢).

وفي الثاني : « ليس بين خمسة نساء وبين أزواجهنّ ملاعنة : اليهوديّة تكون تحت المسلم فيقذفها ، والنصرانية ، والأمة تكون تحت الحرّ فيقذفها ، والحرّة تكون تحت العبد فيقذفها ، والمجلود في الفرية » (٣).

واختارها المفيد والديلمي (٤). وهو ضعيف ؛ لاحتمال الصحيح منها ، كالخبر الأوّل ؛ لإطلاقهما الحملَ على الموطوءة بالملك ، وإن بعد ؛ للصحيح المفصِّل ، وقد تقدّم.

مضافاً إلى قصور الثاني كالثالث بجهالة الراوي ، مع عدم جابر في السند ولا غيره.

مضافاً إلى تطرق الوهن إليهما وإلى الصحيح باحتمال التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة (٥) ، ويشير إليه في الجملة بعض المعتبرة ، كالمرسل : قلت له : مملوك كانت تحته حرّة ، فقذفها ، فقال : « ما يقول فيها أهل الكوفة؟ » قلت : يقولون يجلد ، قال « لا ، ولكن يلاعنها كما يلاعن الحرّة » (٦)

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٤٧ / ١٦٦٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٠ أبواب اللعان ب ٥ ح ٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢١ أبواب اللعان ب ٥ ب ١١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٩٧ / ٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٣٨ ، الخصال : ٣٠٤ / ٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٢ أبواب اللعان ب ٥ ح ١٢.

(٤) المقنعة : ٥٤٢ ، المراسم : ١٦٤.

(٥) التهذيب ٨ : ١٨٩.

(٦) التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢١ أبواب اللعان ب ٥ ح ٩.


فتأمّل. لكنّه بعيد في الصحيحة. ومع ذلك جميعها قاصرة عن المكافأة لما مرّ من وجوه عديدة ، فهذا القول ضعيف غايته.

وأضعف منه التفصيل بين لعن القذف فالثاني ، ونفي الولد فالأوّل كما عن الحلّي (١) ، وإليه أشار بقوله : ( وقول ثالث بالفرق ) وهو عكس ما تقدّم منه من الفرق.

ولا مستند له سوى الأصل ، واختصاص أدلّة الكتاب والسنّة بصورة ما إذا حصل بالقذف حدّ يسقطه اللعان ، ولا حدّ على قاذف المملوكة الذمّية ، بل التعزير ، ولم تفد الأدلة إسقاط اللعان له ، فيجب فيه المصير إلى الأصل.

وهو حسن لولا ما قدّمناه من صريح المستفيضة ، فتكون هي المثبتة لإسقاط اللعان في المسألة.

ثمّ لا يمكن الجمع بهذا القول بين الأخبار المختلفة كما عن فخر المحقّقين (٢) ، بحمل الأوّلة على صورة اللعان لنفي الولد ، والثانية على الصورة الأُخرى ؛ لفقد الشاهد عليه مع إباء بعض الأخبار الأوّلة عنه ؛ للتصريح فيه باللعان في صورة القذف.

والعجب من شيخنا العلاّمة في المختلف (٣) ، حيث طعن على الحلّي بالأخذ بهذه الرواية سنداً للتفصيل ، مع أنّه ليس فيها عليه دلالة ؛ مضافاً إلى أنّها من الآحاد ، وأيّ آحاد؟! حيث إنّه من الضعاف منها.

بل الظاهر اعتماده على ما قدّمناه من الأُصول المعتمدة كما حكى عنه‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٩٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٤٥.

(٣) المختلف : ٦٠٦.


الجماعة (١) ، وهو في غاية القوة على أصله ، بل وعلى أصلنا أيضاً لولا تلك المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة.

( ويصّح لعان الحامل ) في القذف مطلقاً ، وفي نفي الولد بشرط تحقق الحمل على الأشهر الأقوى ( لكن لا يقام عليها الحدّ ) اللازم بالنكول ، أو الإقرار ( حتى تضع ).

للعمومات ، وخصوص الصحيح المرويّ مستفيضاً : عن رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها ، فلمّا ولدت ادّعاه وأقرّ به وزعم أنّه منه ، قال : « يردّ عليه ولده ، ويرثه ، ولا يجلد ؛ لأنّ اللعان قد مضى » (٢).

خلافاً للمفيد والديلمي والحلبي (٣) فلا تلاعن حتى تضع ؛ للخبر : « يلاعن على كل حال ، إلاّ أن تكون حاملاً » (٤).

ولضعف سنده وقصوره عن المقاومة لما مرّ يطرح ، أو يؤوّل بعدم إقامة الحدّ ، ولا خلاف فيه ؛ للموثّق : « إذا كانت المرأة حبلى لم ترجم » (٥).

وربما حمل عليه عبارة المخالف ، أو على تخصيصها بنفي الولد مع‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٢١.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٥ أبواب اللعان ب ٦ ح ٤.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٤٢ ، الديلمي في المراسم : ١٦٤ ، الحلبي في الكافي : ٣١٠.

(٤) التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٤ أبواب اللعان ب ١٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٦ / ١٣٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٣ أبواب اللعان ب ١٣ ح ٢.


الاشتباه في الحمل. ولا بأس به.

( الثالث ) في ( الكيفية ) والكلام الذي يتحقق به اللعان.

( وهو أن يشهد الرجل ) أوّلاً ( أربعاً بالله إنّه لمن الصادقين فيما رماها به ) متلفظاً بما رمى به ، فيقول : أشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به من الزناء ، وإن نفى الولد زاد : وإنّ هذا الولد من زناء وليس منّي ، كذا عبّر في التحرير (١) ، وزاد : أنّه لو اقتصر على أحدهما لم يجز.

ويشكل فيما لو كان اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف ، فإنّه لا يلزم استناده إلى الزناء ؛ لجواز الشبهة ، فينبغي حينئذ أن يكتفي بقوله : إنّه لمن الصادقين في نفي الولد المعيّن.

( ثمّ يقول ) بعد شهادته أربعاً كذلك : ( إنّ لعنة الله عليه ) مبدلاً لضمير الغائب بياء المتكلم ، ( إن كان من الكاذبين ) فيما رماها به من الزناء أو نفي الولد ، كما ذكر في الشهادات.

( ثمّ تشهد المرأة ) بعد فراغه من الشهادة واللعنة ( أربعاً إنّه لمن الكاذبين فيما رماها به ) من الزناء.

( ثمّ تقول : إنّ غضب الله عليها ، إن كان من الصادقين ) فيه ، مقتصراً على ذلك في كلّ من القذف ونفي الولد ، ولا يحتاج إلى انضمام أمر آخر ، كما في الزوج إن نفى الولد.

والأصل في ذلك بعد الإجماع وصريح الكتاب السنّة وفيها الصحيح (٢).

__________________

(١) التحرير ٢ : ٦٧.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٤٠٧ أبواب اللعان ب ١.


( و ) حيث إنّ اللعان وظيفة شرعية كالعبادة لا مجال للعقل فيه بالمرّة كان‌ ( الواجب فيه ) الاقتصار على ما ورد به الكتاب والسنّة ، وهو ( النطق بالشهادة ) على الوجه المذكور فيهما ، فلو أبدلها بمعناها ، كأحلف ، أو أُقسم ، أو شهدت ، أو أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه سبحانه ، أو أبدل اللعن والغضب والصدق والكذب بمرادفها ، أو حذف لام التأكيد ، أو علّقه على غير مِن ، كقوله : إنّي لصادق ، ونحو ذلك من التعبيرات لم يصحّ.

( وأن يبدأ الرجل بالتلفظ ) ثمّ المرأة على الترتيب المذكور ، فلو تقدّمت المرأة لم يصحّ ؛ لما مر ، مضافاً إلى أنّ لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها بلعان زوجها.

وأن يعيّنها ويميّزها عن غيرها تمييزاً يمنع المشاركة ، إمّا بالذكر لاسمها ، أو برفع نسبها بما يميّزها ، أو يصفها بما يميّزها عن غيرها ، أو بالإشارة إليها إن كانت حاضرة.

وأن يكون الإيراد لجميع ما ذكر ( باللفظ العربي ) الصحيح ( مع القدرة ) وإلاّ فيجتزأ بمقدورهما منه ، فإن تعذّر تلفّظهما أصلاً أجزأ غيرها من اللغات من غير ترجيح ، وظاهرهم الاتّفاق على إجزاء الأمرين مع العجز ، ولعلّه الحجّة ، وإلاّ فالأصل يقتضي المصير حينئذ إلى انتفاء اللعان ، ولزوم الحدّ.

وتجب البدأة من الرجل بالشهادة ، ثمّ الختم باللعن كما ذكر ، وكذا المرأة ، إلاّ أنّها تبدل اللعن بالغضب.

كما يجب الترتيب المذكور ، تجب الموالاة بين كلماتها ، فلو تراخي بما يعدّ فصلاً ، أو تكلّم في خلاله بطل.

وأن يكون كلّ منهما قائماً عند إيراد الشهادة واللعن ، على الأظهر‌


الأشهر ، كما في التنقيح والروضة (١) ؛ للمعتبرين (٢) أحدهما الصحيح.

خلافاً للصدوق (٣) ، فأوجب قيام كلّ عند تلفظه وإن جلس الآخر ؛ للخبر (٤) ، وتبعه الطوسي والحلّي والماتن في الشرائع (٥).

( ويستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة ) ويقيمهما مستقبلين ، بحذائه كما في الصحيح (٦).

( وأن يقف الرجل عن يمينه ، والمرأة عن شماله ) كما في آخر (٧).

( وأن يحضر من يسمع اللعان ) ولو أربعة عدد شهود الزناء من أعيان البلد وصلحائه ؛ لأنّه أعظم للأمر ، وللتأسّي ، فقد حضر اللعان الواقع في حضرة النبي 6 جماعة من الصحابة.

( ووعظ الرجل بعد الشهادة قبل اللعن ، وكذا المرأة قبل ذكر الغضب ) ويخوّفهما الله ، فيقول لهما : إنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدنيا ، ويقرأ عليهما ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ) (٨) إلى آخر الآية. وأنّ اللعن والغضب للنفس توجبان ذلك لو كانا‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٤٢٣ ، الروضة ٦ : ٢٠٥.

(٢) الأول : الكافي ٦ : ١٦٣ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٧ أبواب اللعان ب ١ ح ١.

الثاني في : الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٩ أبواب اللعان ب ١ ح ٤.

(٣) المقنع : ١٢٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٤٧ / ١٦٦٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٨ أبواب اللعان ب ١ ح ٣.

(٥) الطوسي في المبسوط ٥ : ١٩٨ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٦٩٩ ، الشرائع ٣ : ٩٨.

(٦) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٩ أبواب اللعان ب ١ ح ٤.

(٧) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١١ ، التهذيب ٨ : ١٩١ / ٦٦٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٩ أبواب اللعان ب ١ ح ٥.

(٨) آل عمران : ٧٧.


كاذبين ، كلّ ذلك للتأسّي ، وللصحيح (١) المتضمّن لكيفيّة اللعان الواقع بمحضر منه 6.

ثمّ مقتضى الأصل واختصاص أدلّة اللعان كتاباً وسنّةً بحكم السياق أو التبادر بوقوعه بين يدي الإمام : اشتراطه ، وعليه الأكثر ، وألحقوا به النائب الخاصّ والعامّ.

خلافاً للمبسوط ، فعند ما يتراضى به الزوجان (٢) ، وهو ظاهر الماتن في الشرائع (٣) ، ومال إليه بعض المتأخّرين (٤) ؛ لعموم الأدلّة ، والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

( الرابع : في الأحكام ، وهي أربعة ).

( الأول : يتعلّق بالقذف وجوب الحدّ على الزوج ) كالأجنبي ( وبلعانه سقوطه عنه ) وبه يفترق عن الأجنبي ( وثبوت الرجم على المرأة ) مطلقاً ، سواء لها ( إن اعترفت ) بالزناء ( أو نكلت ) لأنّ لعانه حجّة شرعية ( ومع لعانها ) يترتب ( سقوطه ) أي الحدّ ( عنها وانتفاء الولد عن الرجل ) دونها إن كان اللعان لنفيه ، لا مطلقا ، ( وتحريمها عليه مؤبّداً ) مطلقاً.

والأصل في ذلك بعد الكتاب في الجملة ، والإجماع المحكي في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٤٩ / ١٦٧١ ، التهذيب ٨ : ١٨٤ / ٦٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٠ / ١٣٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٨ أبواب اللعان ب ١ ح ١.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٢٣.

(٣) الشرائع ٣ : ٩٨.

(٤) كالشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٢٠٠.


كلام جماعة ـ (١) المعتبرة منها الصحيح : عن رجل يقذف امرأته؟ قال : « يلاعنها ، ثمّ يفرّق بينهما ، ولا تحلّ له أبداً » (٢) وسيأتي إلى بعض آخر منها الإشارة.

( ولو نكل ) الزوج ( عن اللعان أو اعترف بالكذب حدّ للقذف ) إن كان اللعان له ، لا مطلقاً ، ولم ينتف عنه الولد مطلقاً ، بلا خلاف ؛ لإيجاب القذف الحدّ ، والفراش لحوق النسب ، ولا ينتفيان إلاّ باللعان ، وقد أبى عنه في المقام.

مضافاً إلى الخبرين ، أحدهما الصحيح في الملاعن : « إن أكذب نفسه قبل اللعان ردّت إليه امرأته ، وضرب الحدّ » (٣) ونحوه الثاني (٤).

( الثاني : لو اعترف بالولد في أثناء اللعان ، لحق به وتوارثا ) لأصالة بقاء حكم الفراش ، مع عدم المسقط له.

ومنه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى صورة النكول عن إكمال اللعان.

( وعليه ) أي على الأب ( الحدّ ) إن كان اللعان لإسقاطه ، وأمّا لو كان لنفي الولد مجرّداً عن القذف بتجويزه الشبهة ، فلا حدّ بلا خلاف‌

__________________

(١) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٤٠.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ الوسائل ٢٢ : ٤١٥ أبواب اللعان ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ١٦٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٩ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٢ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٢١٢ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٩١ / ٦٦٨ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٤ أبواب اللعان ب ٣ ح ١.


ولا إشكال ، وعلى ذلك يحمل إطلاق الصحيحين (١) ، في أحدهما : عن رجل لاعن امرأته ، فحلف أربع شهاداتٍ بالله ، ثمّ نكل الخامسة ، قال : « إن نكل عن الخامسة فهي امرأته وجلد ، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان اليمين عليها فعليها مثل ذلك ».

( ولو كان ) الاعتراف ( بعد اللعان ) منهما لا يعود الحلّ ؛ للحكم بالتّحريم شرعاً ، واعترافه لا يصلح لإزالته ، وللمعتبرة ، منها الصحيح : عن الملاعنة التي يرميها زوجها ، وينتفي من ولدها ، ويلاعنها ويفارقها ، ثمّ يقول بعد ذلك : الولد ولدي ، ويكذّب نفسه ، فقال : « أمّا المرأة فلا ترجع إليه أبداً ، وأمّا الولد فأنا أردّه إليه ولا أدع ولده ، وليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ، ولا يرث الأب الابن ، ويكون ميراثه لأخواله ، فإن لم يدّعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه ، ولا يرثهم ، وإن دعاه أحد ابن الزّانية جلد الحدّ » (٢).

ويستفاد منه ما ذكره المصنّف من أنّه بالاعتراف بعده ( لحق به ) الولد ( وورثه الولد ، ولا يرثه الأب ، ولا من يتقرّب به ، وترثه الامّ ، ومن يتقرّب بها ) وعلّل الحكم بإرث الولد أباه دون العكس ؛ بأنّ اعترافه إقرار في حقّ نفسه بإرثه منه ، ودعوى ولادته قد انتفت باللعان شرعاً ، فيثبت إقراره على نفسه ، ولا يثبت دعواه على غيره ، ولذا لا يرث الابن أقرباء الأب ، ولا يرثونه ، إلاّ مع تصديقهم على نسبه في قولٍ ؛ لأنّ الإقرار‌

__________________

(١) الأول في : الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٢ ، قرب الإسناد : ٢٥٦ / ١٠١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٥ أبواب اللعان ب ٣ ح ٣.

والثاني في : الكافي ٧ : ١٦٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٩ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٢ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٦ / ١٣٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٣ أبواب اللعان ب ٦ ح ١.


لا يتعدّى المقر ، وتمام الكلام في ذلك يأتي في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى.

( وفي سقوط الحدّ هنا روايتان ، أشهرهما ) وأظهرهما ( السقوط ) وهو الصحيحان ، في أحدهما : في رجل لاعن امرأته وهي حبلى ، ثم ادّعى ولدها بعد ما ولدت ، وزعم أنّه منه ، قال : « يردّ إليه الولد ، ولا يجلد ؛ لأنّه قد مضى التّلاعن » (١) ونحوه الثاني (٢).

والرواية الثانية لمحمّد بن الفضيل ، المشترك بين الضعيف والثقة : عن رجل لاعن امرأته ، وانتفى من ولدها ، ثمّ أكذب نفسه : « جلد الحدّ ، وردّ عليه ابنه ولا ترجع عليه امرأته » (٣).

وإليها ذهب المفيد والعمّاني والفاضل في القواعد وولده في شرحه (٤) ؛ لوجوه اعتباريّة مدفوعة هي كالرواية ؛ مع قصور سندها بما قدّمناه من الصحيحين الصريحين المعلّلين المعتضدين بالشهرة المحكيّة في العبارة ، والاستصحاب ، وإطلاق الأدلّة الدالّة على درء الحدّ عنه بالملاعنة.

مضافاً إلى مفهوم الصحيحين الآخرين ، في أحدهما : « فإذا أقرّ على نفسه قبل الملاعنة جلد حدّا ، وهي امرأته » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٣٤٨ / ١٦٦٨ ، التهذيب ٨ : ١٩٢ / ٦٧٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٤ أبواب اللعان ب ٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٣ ، الفقيه ٤ : ٢٣٧ / ٧٥٥ ، التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٥ أبواب اللعان ب ٦ ح ٦.

(٣) التهذيب ٨ : ١٩٤ / ٦٨١ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٦ / ١٣٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٦ أبواب اللعان ب ٦ ح ٦.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٤٢ ، وحكاه عن العماني في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٥٣ ، القواعد ٢ : ٩٤ ، الإيضاح ٣ : ٤٥٣.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٥ أبواب اللعان ب ٣ ح ٢.


وفي الثاني : « إن نكل في الخامسة فهي امرأته وجلد الحد » (١) ونحوهما غيرهما (٢).

وفيهما زيادةً على المفهوم ، الدّلالة من وجه آخر ، وهو التعرّض للأحكام المترتّبة على التكذيب من دون تعرّض لذكر الحدّ أصلاً ، مع كون المقام فيهما مقام الحاجة جدّاً.

ونحوهما في الدّلالة من هذا الوجه غيرهما ، ومنه الرواية لراوي الثانية ، فلا شبهة في المسألة أصلاً ، وعلى تقديرها تدرأ الحدّ بها اتّفاقاً نصّاً وفتوى.

نعم في الانتصار الإجماع على ثبوت الحدّ (٣) ، الاّ أنّه لا يكافئ ما قدّمناه من الأدلّة ؛ مع أنّ غايته حصول الشّبهة ، وتقدّم إلى حالها الإشارة.

( ولو اعترفت تقلّل المرأة بالزناء بعد اللعان ، لم يثبت الحدّ ) بمجرّده إجماعاً ( إلاّ أن تقرّ أربعاً ) فيجب عند الأكثر ( على تردّد ) من الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في القواعد (٤) ، ينشأ : من عموم ما دلّ على ثبوت الحدّ بذلك.

ومن الأُصول المتقدّمة مع النصوص ؛ لمكان التعليل فيها بمضي اللعان ، الظّاهر في العموم لغير موردهما ، مع خلوّها عن التّعارض هنا ، وبها يخرج عن العموم الأوّل لو كان ، مع عدم انصرافه إلى نحو المقام من تعقّب الإقرار للّعان.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١٩١ / ٦٦٥ ، قرب الإسناد : ٢٥٦ / ١٠١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٥ أبواب اللعان ب ٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٤١٤ أبواب اللعان ب ٣.

(٣) الانتصار : ١٤٥.

(٤) الشرائع ٣ : ١٠١ ، القواعد ٢ : ٩٤.


وهذه الشبهة وإن كانت ممكنة السريان في العمومات الدالّة على سقوط الحدّ باللعان ؛ من حيث إنّ المتبادر منها عدم التعقب له بالاستمرار ، وكونها مستمرّة على الإنكار ، إلاّ أنّ موجَب ذلك فقد العمومين المستلزم هو مع الأصل عدم الحدّ في البين.

وعلى تقدير ثبوت العموم من الطرفين بنحو يشمل المقام ، فاللازم فيه الرجوع إلى الأصل ؛ لفقد المرجّح لأحدهما عدا الشهرة في الأوّل ، وهي معارضة بمفهوم التعليل في النصوص في الثاني ، الذي هو بنفسه حجّة مستقلة دون الشهرة ؛ إذ غايتها كونها مرجّحة ، فهذا القول في غاية القوّة ، ولو لم يكن كذلك فلا أقلّ من الشبهة ، وهي كما عرفت للحدّ دارئة ؛ ولذا اختار هذا القول فخر المحقّقين (١).

( الثالث : لو طلق ) الرجل امرأته ( فادّعت الحمل منه وأنكر ) فإن كان بعد اتفاقهما على الدخول ، لحق به الولد ، ولم ينتف إلاّ باللعان إجماعاً ، وإن كان بعد الاتفاق على العدم انتفي بغير لعان.

وإن كان بعد الاختلاف فيه ، فادّعته الزوجة وأنكره الزوج ( فإن أقامت بيّنة ) على ( أنّه أرخى عليها الستر ، لاعنها وبانت منه ، وعليه المهر كملاً ) وفاقاً للنهاية ، (٢) عملاً بالرواية الصحيحة ( وهي رواية علي بن جعفر ، عن أخيه ) موسى 7 (٣) ، والتفاتاً إلى ظاهر الحال الناشئ من خلوة الشابّ بها ، مع ظهور حملها ، وأصالة الصحة في فعلها ؛ لإسلامها.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٥٤.

(٢) النهاية : ٥٢٣.

(٣) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١٩٣ / ٦٧٧ ، قرب الإسناد : ٢٥٤ / ١٠٠٣ ، مسائل علي بن جعفر : ١٣٤ / ١٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٢ أبواب اللعان ب ٢ ح ١.


خلافاً لأكثر من تأخّر ، وفاقاً للحلّي (١) ، فصاروا إلى مقتضى الأُصول ، وهو توجه اليمين إلى الزوج ، وانتفاء الولد عنه بها ، ولزوم نصف المهر لها.

والرواية وإن صحّ سندها ؛ إلاّ أنّها مخالفة للأُصول الثابتة بالأخبار الصحيحة في كلّ من مسألتي اشتراط اللعان بالدخول الذي هو حقيقة في الوطء خاصة ، دون الخلوة ، وعدمِ لزوم تمام المهر بها ، كما في بحثه قد مضى (٢). فحملها لذلك على التقية متوجه جدّاً ، سيّما بملاحظة كونها عن مولانا الكاظم 7 ؛ لاشتدادها في زمانه ، فمع جميع ذلك ، كيف ينفع صحة الرواية؟!. ومن هنا يفضي العجب من شيخنا في المسالك والعلاّمة في المختلف (٣) ، حيث إنّهما بعد تزييفهما القول بمضمون الرواية ، استشكلا ردّها بصحة سندها ، وليت شعري ، أفلا يرون إلى أنّ الأخبار الدالة على خلاف مضمونها صحيحة أيضاً ، ومع ذلك عديدة ، بل مستفيضة ، معتضدة بسائر ما قدّمناه من الأدلّة.

وأمّا الوجه الاعتباري بعد تسليمه فغير صالح لتخصيص الأصل ، كما هو الشأن في مواضع عديدة ، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة وغيرها من الأدلّة ، فهذا القول قوي غاية القوّة.

( و ) قال ( في النهاية ) (٤) بعد ذلك ( وإن لم تقم بيّنة ، لزمه نصف

__________________

(١) السرائر ٢ : ٧٠٢ ؛ وانظر المسالك ٢ : ١١٣ ، والتنقيح الرائع ٣ : ٤٢٦.

(٢) راجع ص ٤٥.

(٣) المسالك ٢ : ١١٣ ، المختلف : ٦٠٧.

(٤) النهاية : ٥٢٣.


المهر ، وضربت مائة سوط ) ولإشكال في الأوّل ؛ لما مضى ، مضافاً إلى مفهوم الرواية.

( و ) لكن ( في إيجاب الحدّ ) الذي ذكره ( إشكال ) للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ؛ لعدم دلالة الرواية عليه ؛ وفساد ما علّل به من اعترافها بالوطء والحبل ، وعدم ثبوت السبب المحلّل الذي ادّعته ؛ لعدم استلزام ذلك كونه عن زناء ، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاص انتفاء غيره من الأسباب.

مع أنّ انتفاء الخاص غير معلوم أيضاً ، فإنّ عدم البيّنة غير ملازم له ، بل مجامع لحصوله في نفس الأمر.

وعلى تقدير تسليم جميع ذلك لا وجه لإطلاق ثبوت الحدّ بمجرّد الاعتراف ، بل لا بدّ من اشتراط الإقرار أربعاً.

( الرابع : إذا قذفها فماتت قبل ) صدور ( اللعان ) منهما ( فله الميراث ) لبقاء الزوجية الموجبة له ( وعليه الحدّ للوارث ) بسبب القذف الغير المصادف للمسقط ، وإليه ذهب الأكثر (١) ، وفاقاً للحلّي (٢) ، وهو أظهر.

وفي جواز اللعان حينئذ لإسقاط الحدّ قولان ؛ للمنع كما عليه شارح الكتاب كالسيّد تبعاً للفاضل المقداد ـ (٣) أنّه وظيفة شرعية موقوفة على النقل ، ولم ينقل صحته عن الزوج بعد موت الزوجة.

__________________

(١) كالمحقق في الشرائع ٣ : ١٠١ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٩٤ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٢١٤.

(٢) السرائر ٢ : ٧٠٣.

(٣) السيد في نهاية المرام ٢ : ٢٣٩ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٢٧.


وللجواز كما عليه الأكثر كالماتن في الشرائع والفاضل وولده في القواعد وشرحه والشهيدين في اللمعتين ـ (١) أنّه إمّا أيمان أو شهادات ، وكلاهما لا يتوقف على حياة المشهود عليه والمحلوف لأجله ، ولعموم الآية ، وقد تقدّم أنّ لعانه يسقط عنه الحدّ ويوجبه عليها ، ولعانهما يوجب أحكاماً أربعة ، فإذا انتفى الثاني بموتها بقي الأوّل خاصة فيسقط ، ولعلّه أظهر.

كلّ ذا إذا ماتت قبل لعانه.

وأمّا لو ماتت بعده ، فينبغي القطع بسقوط الحدّ عنه به ، للأصل.

وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله 7 : « إن قام رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له ، وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها ، أخذ الميراث » (٢).

ونحوها رواية أخرى (٣). وعمل بهما القاضي وابن حمزة تبعاً للشيخ في النهاية (٤).

وضعفهما لإرسال الاولى وتزيّد رواة الثانية ـ (٥) يمنع عن العمل بهما.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ١٠١ ، القواعد ٢ : ٩٤ ، إيضاح الفوائد ٣ : ٤٥٥ ، اللمعة والروضة البهية ٦ : ٢١٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٥ أبواب اللعان ب ١٥ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٤٨ / ١٦٦٩ ، التهذيب ٨ : ١٩٤ / ٦٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٥ أبواب اللعان ب ١٥ ح ٢.

(٤) المهذب ٢ : ٣١٠ ، الوسيلة : ٣٣٧ ، النهاية : ٥٢٣.

(٥) قد وقع في طريقها : أبو الجوزاء وحسين بن علوان وعمرو بن خالد ، وكلّهم من الزيدية ، الاستبصار ١ : ٦٥ / ١٩٦ ، المسالك ٢ : ١٢١.


مضافاً إلى مخالفتهما الأصل ؛ من حيث إنّ اللعان شرّع بين الزوجين ، فلا يتعدّى إلى غيرهما ، وإنّ لعان الوارث متعذّر ؛ لأنّه إن أُريد مجرّد حضوره فليس بلعان حقيقي ، وإن أُريد إيقاع الصيغ المعهودة من الزوجة فبعيد ؛ لتعذّر القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالباً ، وإيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعاً ؛ ولأنّ الإرث قد استقرّ بالموت ، فلا وجه لإسقاط اللعان المتجدد له.

( و ) لذا ( قيل : لا يسقط الإرث ) بهذا اللعان وإن جوّزناه لإسقاط الحدّ ، ( لاستقراره بالموت ) فلا يرفعه اللعان المتجدّد.

والحمد لله رب العالمين‌



فهرست الموضوعات

المهور

كلّ ما يصحّ أن يملكه المسلم يجوز جعله مهراً..................................... ٥

جواز جعل المهر استئجار الزوج مدّة معيّنة....................................... ٦

لا تقدير للمهر قلّةً وكثرةً...................................................... ٧

مخالفة السيّد المرتضى في ناحية الكثرة............................................ ٨

اعتبار تعيين المهر في الجملة ولو بالمشاهدة........................................ ٩

لو تلف المهر المشاهَد قبل التسليم ، أو بعده وقد طلّقتها قبل الدخول ، فبماذا يرجع؟ ١٠

لو تزوّجها على خادم ، أو دار ، أو بيت ، فلها الوسط.......................... ١١

لو تزوّجها على السنّة كان المهر خمسمائة درهم................................ ١٢

لو تزوّجها وسمّى لها مهراً ، ولأبيها شيئاً خارجاً ، سقط ما سمّى له................. ١٣

لزوم الشرط على تقدير جعل المسمّى للأب جزءاً من المهر....................... ١٤

لو عقد الذميّان على خمر أو خنزير............................................ ١٥

لو أسلما أو أحدهما قبل القبض............................................... ١٥

لو عقد المسلم على الخمر ونحوها فهل يصحّ العقد؟.............................. ١٧

على فرض الصحة فما هو الواجب دفعة؟...................................... ١٨

إذا عقدا على الخمر ظانَّين حلّيته.............................................. ٢٠


التفويض

المراد بالتفويض لغةً وشرعاً................................................... ٢١

لو لم يذكر المهر أو شرط عدمه............................................... ٢١

لو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض................................. ٢٣

ثبوت المتعة لها لو طلّقها قبل الفرض والدخول................................... ٢٣

ثبوت نصف الفرض لها لو طلّقها بعد الفرض وقبل الدخول...................... ٢٤

اختصاص وجوب المتعة بطلاق المفوّضة......................................... ٢٤

استحباب المتعة لكلّ مطلّقة................................................... ٢٥

احتمال وجوب المتعة في كلّ مطلّقة ، وردّه..................................... ٢٦

وجوب مهر المثل لها بعد الدخول وقبل الفرض ما لم يزد على السنّة............... ٢٧

احتمال وجوب مهر السنّة مطلقا ، وردّه....................................... ٢٨

المعتبر في مهر المثل حال المرأة وعادة نسائها..................................... ٢٩

المعتبر في المتعة حال الزوج بحسب العرف....................................... ٢٩

يمتّع الغني بالدابة أو بالثوب المرتفع أو عشرة دنانير.............................. ٣٠

يمتّع الفقير بالخاتم ، والمتوسّط بما بينهما......................................... ٣١

لو تزوّج بمهر مجهول وجعل الحكم في تقدير المهر لأحدهما........................ ٣١

يحكم الزوج المفوَّض إليه المهر بما شاء وإن قلّ................................... ٣٢

عدم جواز تجاوز المرأة المفوَّضة إليها عن مهر السنّة.............................. ٣٢

لو طلّقها قبل الدخول والحكم ................................................ ٣٤

لو مات الحاكم قبل الدخول والحكم........................................... ٣٤

لو مات المحكوم عليه وحده................................................... ٣٦

لو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الدخول....................................... ٣٦

لو مات المحكوم حينئذ........................................................ ٣٦


أحَكام المهر

تملك المرأة المهر بالعقد....................................................... ٣٧

حكم تصرّفها في المهر قبل القبض............................................. ٣٨

انتصاف المهر بالطلاق قبل الدخول............................................ ٣٩

استقرار جميع المهر بالدخول.................................................. ٣٩

استقرار جميع المهر بردّة الزوج عن فطرة....................................... ٤٠

حكم موت الزوج في استقرار المهر به وعدمه................................... ٤٠

حكم موت الزوجة في استقرار المهر به وعدمه.................................. ٤٢

عدم سقوط المهر مطلقا مع الدخول إذا لم تقبض................................ ٤٣

عدم استقرار المهر بجميعه بمجرّد الخلوة......................................... ٤٥

خلاف الصدوق في المسألة وقوله باستقرار جميع المهر بها مطلقا................... ٤٦

خلاف جماعة من القدماء في المسألة............................................ ٤٧

خلاف الإسكافي أيضا....................................................... ٤٧

إذا تزوّجها ولم يسمّ لها مهراً وقدّم إليها شيئاً قبل الدخول........................ ٤٨

رجوع الزوج بالنصف مع الدفع إذا طلّقها قبل الدخول.......................... ٤٩

حكم النماء المتجدّد بين العقد والطلاق........................................ ٤٩

حكم النماء الموجود حال العقد............................................... ٥١

لو كان المهر تعليم صنعة أو علم وطلّقها قبل الدخول وبعد التعليم................. ٥٢

لو أبرأته أو وهبته الصداق وطلّقها قبل الدخول................................. ٥٢

لو وهبته النصف مشاعاً ثمّ طلّقها قبل الدخول.................................. ٥٤

لو أمهرها مدبّرة وطلّقها قبل الدخول.......................................... ٥٥

لو أعطاها عوض المهر المسمّى متاعاً أو عبداً آبقاً وشيئاً ثم طلّق قبل الدخول........ ٥٦

إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع.......................................... ٥٧


إذا شرطت أن لا يقتضّها أو لا يطأها......................................... ٦٠

لو أذنت له في الوط ء بعد ذلك.............................................. ٦١

لو شرط أن لا يخرجها من بلدها.............................................. ٦٢

لو تزوّجها بمائة بشرط خروجها معه إلى بلاده وانتقاص خمسين منها إن لم تخرج فأخرجها إلى بلد الشرك ٦٤

وإن أرادها إلى بلاد الإسلام.................................................. ٦٥

لو اختلف الزوجان في أصل المهر.............................................. ٦٦

لو ادّعى أحد الزوجين التفويض والآخر التسمية................................ ٦٧

لو ثبت تسميته قدر معيّن ثم ادّعى تسليمه ولا بيّنة.............................. ٦٧

لو اختلفا في المقدار.......................................................... ٦٨

لو خلا بها فادّعت المواقعة وأنكرها الزوج...................................... ٦٨

ضمان الأب مهر ولده الصغير إن لم يكن له مال وقت العقد..................... ٦٨

ضمان الأب المهر مع إعسار الولد ولو تبرّأ عن ضمانه........................... ٧٠

لو ضمن الأب صريحاً أو أدّى تبرّعاً فهل له أن يرجع به على الطفل؟.............. ٧٠

لو دفعه عنه الأب ثمّ بلغ فطلّق قبل الدخول..................................... ٧١

للمرأة أن تمنع حتى تقبض مهرها إن كان حالّاً.................................. ٧٢

لو أقدمت على فعل المحرّم وامتنعت به عن التسليم إلى أن حلّ الأجل.............. ٧٣

هل للمرأة الامتناع بعد الدخول بها؟........................................... ٧٥

القَسم

معنى القَسم ووجوبه......................................................... ٧٦

هل يجب بنفس العقد والتمكين أم يتوقف على الشروع في القسمة؟............... ٧٦

هل القسمة حقّ لهما ابتداءً أو للزوج خاصّة؟................................... ٧٧

عدم استحقاق الزوجة الواحدة للقَسم.......................................... ٧٩


كيفيّة الشروع في القسمة.................................................... ٧٩

هل تجوز الزيادة في القسمة على ليلة بدون رضاهنّ؟............................. ٧٩

عدم جواز الإخلال بالمبيت الواجب إلّا مع العذر أو الإذن........................ ٨٠

الواجب في القسمة هو المضاجعة خاصّة........................................ ٨٠

اختصاص الوجوب بالليل وعدمه.............................................. ٨١

ما المراد من البيتوتة معها؟.................................................... ٨٢

إذا اجتمع مع الحرّة أمة بالعقد الدائم........................................... ٨٣

بماذا يتحقق التثليث بينهما؟................................................... ٨٤

جواز الجمع بين ليلتي الحرّة والتفريق بيهما ، وعدمه............................. ٨٥

الكتابيّة في القسمة كالأمة.................................................... ٨٦

الكتابيّة الأمة لها ربع القسمة.................................................. ٨٦

اختصاص البكر عند الدخول بسبع ليال........................................ ٨٧

اختصاص الثيّب بثلاث...................................................... ٨٨

اعتبار التوالي في الليالي....................................................... ٨٩

عدم الفرق بين الحرّة والأمة.................................................. ٨٩

استحباب التسوية بين الزوجات في الإنفاق وإطلاق الوجه والجماع............... ٩٠

استحباب أن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها............................ ٩١

النشوز

معنى النشوز وأصله.......................................................... ٩١

متى ظهر من المرأة أمارات النشوز وعظها ثم هجرها ثم ضربها..................... ٩١

المراد بالضرب.............................................................. ٩٣

هل الثلاثة على التخيير أو الجمع أو الترتيب؟................................... ٩٣

وعلى التقادير هل هي مع تحقق النشوز أو ظهور أماراته أو معهما؟................ ٩٣

إذا كان النشوز من الزوج.................................................... ٩٥

جواز ترك المرأة بعض ما يجب لها عليه أو كلّه استمالةً له......................... ٩٥


الشقاق

معنى الشقاق وحقيقته........................................................ ٩٧

إذا خُشي استمرار الشقاق بينهما.............................................. ٩٧

مَن الباعث للحَكم؟......................................................... ٩٨

وجوب كون المبعوث من أهلهما.............................................. ٩٩

لو امتنع الزوجان من البعث................................................. ١٠٠

بعث الحَكمين تحكيم لا توكيل.............................................. ١٠١

هل يجوز لهما الاستبداد في الطلاق؟.......................................... ١٠٢

لو اختلف الحَكمان........................................................ ١٠٢

أحكام الأولاد

اعتبار الدخول ومضيّ ستّة أشهر من حين الوطء في إلحاق الولد بالزوج......... ١٠٣

اعتبار وضعه لمدّة الحمل أو أقلّ في الإلحاق أيضاً............................... ١٠٤

مدّة الحمل كم هي؟....................................................... ١٠٤

تضعيف القول بأنّ أقصاه عشرة............................................. ١٠٥

تضعيف القول بأنّ أقصاه سنة............................................... ١٠٧

لو أنكر الزوج الدخول..................................................... ١٠٩

لو اعترف به ثمّ أنكر الولد.................................................. ١٠٩

لو اتّهمها بالفجور أو شاهد زناها........................................... ١٠٩

لو اختلفا في مدّة الولادة.................................................... ١٠٩

لو زنى بامرأة فأحبلها....................................................... ١١١

لو أحبل أمة غيره زناءً ثمّ ملكها............................................. ١١١

لو طلّق زوجته فاعتدّت وتزوّجت أو وطئت لشبهة وأتت بولد................. ١١٢

لو باع الأمة سيّدها بعد الوطء.............................................. ١١٣


إلحاق ولد الموطوءة بالملك بالمولى الواطئ...................................... ١١٣

انتفاء الولد عنه ظاهراً بالنفي من دون لعان................................... ١١٤

ولد المتعة كولد الأمة....................................................... ١١٥

من أقرّ بولد ثمّ نفاه........................................................ ١١٧

لو وطئها المولى وأجنبي فجوراً يمكن اللحوق في حقه أيضاً...................... ١١٧

لو حصل فيه أمارات يغلب معها الظن أنّه ليس منه............................ ١١٨

لو وطئها البائع والمشتري................................................... ١٢٢

لو وطئها المشتركون....................................................... ١٢٣

عدم جواز نفي الولد بالعزل................................................. ١٢٥

الواطئ بالشبهة يلحق به الولد............................................... ١٢٥

لو تزوّج امرأة لظنّه خلوّها فبانت محصنة..................................... ١٢٦

أحكام الولادة

وجوب استبداد النساء بالمرأة عند الولادة..................................... ١٢٧

استحباب غُسل المولود والأذان والإقامة في اُذينه............................... ١٢٨

استحباب تحنيكه بتربة الحسين 7 وبماء الفرات............................. ١٢٩

استحباب التسمية بالأسماء المستحسنة........................................ ١٣١

استحباب التكنية.......................................................... ١٣٢

استحباب حلق رأسه يوم السابع............................................. ١٣٢

استحباب التصدّق بوزن شعره.............................................. ١٣٣

استحباب ثقب اُذنيه....................................................... ١٣٤

استحباب ختانه يوم السابع................................................. ١٣٥

متى يجب الاختتان؟........................................................ ١٣٥

استحباب خفض الجواري والنساء........................................... ١٣٦

استحباب العقيقة عنه يوم السابع............................................ ١٣٦

عدم إجزاء الصدقة بثمنها................................................... ١٣٩


استحباب شروط الاُضحيّة فيها.............................................. ١٤٠

حصّة القابلة من العقيقة..................................................... ١٤٠

استحباب العقيقة لنفس الولد إذا بلغ ولم يعقّ عنه الوالد........................ ١٤١

لو مات الصبي يوم السابع................................................... ١٤٢

ما يكره عمله في العقيقة.................................................... ١٤٢

الرضاع والحضانة

المراد بالرضاع والحضانة.................................................... ١٤٤

أفضل ما يرضع به الولد لبن اُمّه............................................. ١٤٤

لا تجبر الحرّة على إرضاع ولدها............................................. ١٤٥

جواز إجبار المولى أمته على الإرضاع......................................... ١٤٦

هل يجوز استئجار الاُمّ للإرضاع؟............................................ ١٤٧

جواز الاستئجار من مال الرضيع مع موت الأب أو إعساره..................... ١٤٨

نهاية مدّة الرضاع حولان................................................... ١٤٩

جواز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً...................................... ١٤٩

جواز الزيادة عن الحولين بشهر أو شهرين.................................... ١٥٠

لا يلزم الوالد اُجرة ما زاد على الحولين....................................... ١٥١

أحقيّة الاُمّ بالإرضاع مع التبرّع أو القناعة بما تطلب غيرها...................... ١٥٢

أحقيّة الاُمّ بحضانة الولد مدّة الرضاع إذا أرضعته.............................. ١٥٣

اشتراط اُمور في حضانة الاُمّ................................................. ١٥٥

أحقيّة الحرّة بالبنت إلى سبع سنين........................................... ١٥٧

أحقيّة الأب بالابن بعد الفطام............................................... ١٥٧

انتقال الحضانة إلى الاُمّ بموت الأب........................................... ١٥٩

لو كان الأب مملوكاً أو كافراً كانت الاُمّ أحقّ به.............................. ١٥٩

لو اُعتق الأب فالحضانة له.................................................. ١٦٠

لمن الحضانة مع فقد الأبوين؟................................................ ١٦٠


سقوط الحضانة عن الولد إذا بلغ رشيداً...................................... ١٦٢

الحضانة حقّ أو حكم؟..................................................... ١٦٢

النفقات

نفقة الزوجة

أسباب وجوب النفقة....................................................... ١٦٣

الدليل على وجوب نفقة الزوجة............................................. ١٦٣

اشتراط وجوب نفقة الزوجة بالعقد الدائم والتمكين الكامل.................... ١٦٤

هل التمكين شرط أو النشوز مانع؟ ومتفرّعاتهما............................... ١٦٦

لو امتنعت عن الاستمتاع بها لعذر شرعي.................................... ١٦٨

لو فعلت مندوباً........................................................... ١٦٩

استحقاق الزوجة النفقة ولو كانت ذميّة أو أمة................................ ١٧٠

استحقاق الزوجة المطلّقة الرجعية للنفقة....................................... ١٧١

عدم وجوب الإنفاق على البائن والمتوفّى عنها زوجها.......................... ١٧٢

ثبوت نفقة البائن على الزوج إذا كانت حاملاً................................ ١٧٤

نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها.............................................. ١٧٦

تقديم نفقة الإنسان على نفسه على نفقة الزوجة ، ونفقتها على الأقارب......... ١٧٧

وجوب قضاء نفقة الزوجة لو فاتت.......................................... ١٧٧

نفقة الأقارب

وجوب نفقة الأبوين والأولاد............................................... ١٧٩

دخول من علا من الآباء والاُمّهات في الآباء................................... ١٧٩

عدم وجوب نفقة غيرهم من الأقارب........................................ ١٨٠

اشتراط وجوب الإنفاق على القرابة بفقر المنفَق عليه ويسار المنفِق................ ١٨١

في اشتراط العجز عن الاكتساب في المنفَق عليه ، وعدمه....................... ١٨٢

عدم اشتراط نقصان الخلقة والصغر والجنون في المنفَق عليه...................... ١٨٢


عدم اشتراط العدالة والإسلام في المنفَق عليه................................... ١٨٣

اشتراط الحرّية في المنفَق عليه................................................ ١٨٣

الواجب من النفقة بذل الكفاية.............................................. ١٨٤

المعتبر من المسكن الإمتاع ، ومن المؤونة التمليك............................... ١٨٥

الكسوة إمتاع أو تمليك؟.................................................... ١٨٥

وجوب نفقة الولد على الأب ومن بعده على أب الأب......................... ١٨٦

وجوب النفقة على الاُمّ مع عدم الآباء........................................ ١٨٨

وجوب النفقة على الفروع لو وُجدوا بشرائط الإنفاق دون الاُصول............. ١٨٩

لو اجتمع الاُصول والفروع................................................. ١٨٩

لو أنفق الأبعد فأيسر الأقرب............................................... ١٨٩

لو كان له ولدان ولم يقدر إلّا على نفقة أحدهما وله أب........................ ١٨٩

حكم المنفَق عليه........................................................... ١٨٩

عدم قضاء نفقة الأقارب.................................................... ١٩٠

نفقة المملوك

وجوب نفقة المملوك والأمة على المولى........................................ ١٩٠

المعتبر من جنس النفقة وكيفيّتها.............................................. ١٩٠

وجوب الكفاية في نفقة المملوك لو قلّ الغالب عنها............................. ١٩١

استحباب إطعام المملوك ممّا يأكله وإلباسه ممّا يلبسه............................ ١٩١

استحباب المؤاكلة مع العبيد................................................. ١٩٢

جواز مخارجة المملوك على شيء وجعل الزائد لنفقته إن كفاه.................... ١٩٢

جواز استخدام السيّد مملوكه فيما يقدر عليه.................................. ١٩٣

وجوب النفقة على البهائم المملوكة.......................................... ١٩٣

إجبار المالك على النفقة أو البيع أو الذبح..................................... ١٩٤


الطلاق

معنى الطلاق شرعاً......................................................... ١٩٥

شروط المطلّق

اعتبار البلوغ والعقل والاختيار والقصد فيه................................... ١٩٥

بطلان طلاق الصبي مطلقا.................................................. ١٩٥

طلاق الصبي إذا بلغ عشراً.................................................. ١٩٦

طلاق الصبي المميّز......................................................... ١٩٧

عدم صحة طلاق الوليّ عنه................................................. ١٩٧

صحة طلاق الوليّ عنه إذا بلغ فاسد العقل.................................... ١٩٨

هل يعتبر في صحة طلاق الوليّ اتصال الجنون بالصغر؟......................... ١٩٩

لا يصحّ طلاق المجنون ولا السكران.......................................... ٢٠٠

لا يصحّ طلاق المكرَه....................................................... ٢٠١

بماذا يتحقّق الإكراه؟....................................................... ٢٠١

لا يصحّ طلاق المغضب..................................................... ٢٠٣

شروط المطلّقة

اشتراط الزوجية بالفعل فيها................................................. ٢٠٤

يشترط فيها الدوام......................................................... ٢٠٥

اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس.......................................... ٢٠٥

يصحّ طلاق الغائب........................................................ ٢٠٧

هل يعتبر في صحة طلاق الغائب مضي زمان معيّن؟............................ ٢٠٧

في بعض أحكام طلاق الغائب............................................... ٢١٠

لو خرج إلى السفر في طهر لم يقربها فيه...................................... ٢١١

المحبوس عن زوجته كالغائب................................................ ٢١٢


الغائب المطّلع في حكم الحاضر............................................... ٢١٣

اشتراط وقوع الطلاق في طهر لم يجامعها فيه.................................. ٢١٣

طلاق الصغيرة واليائسة والحامل............................................. ٢١٣

المراد بالصغيرة............................................................. ٢١٤

طلاق المسترابة بالحمل..................................................... ٢١٥

هل يشترط تعيين المطلّقة؟................................................... ٢١٦

الصيغة

صيغة الطلاق على قسمين.................................................. ٢١٧

وجوب الاقتصار على اللفظ الصريح......................................... ٢١٨

عدم وقوع الطلاق بالكنايات ولفظة : اعتدّي................................. ٢١٩

لو قال أحد له : هل طلّقت فلانة؟ فقال : نعم................................ ٢٢١

اشتراط العربيّة فيها........................................................ ٢٢٣

اشتراط تجريد الطلاق عن الشرط والصفة.................................... ٢٢٤

لو فسّر الطلقة باثنين أو ثلاث صحّت واحدة................................. ٢٢٤

تضعيف القول بالبطلان رأساً وردّ أدلّته...................................... ٢٢٩

تكلّف بعض المعاصرين لنصرة هذا القول بأخبار............................... ٢٣٠

التعرض لتلك الأخبار والجواب عنها......................................... ٢٣١

لو كان المطلِّق مخالفاً يعتقد الثلاث........................................... ٢٣٣

الإشهاد

اشتراط صحّة الطلاق بشاهدين يسمعانه..................................... ٢٣٤

عدم اشتراط صحته بالإشهاد وكفاية السماع................................. ٢٣٥

اعتبار معرفة الشاهدين بالمطلّقة في الجملة..................................... ٢٣٥

اعتبار اجتماع الشاهدين معاً لسماع الصيغة.................................. ٢٣٧

اعتبار العدالة فيهما........................................................ ٢٣٧


عدم الاكتفاء فيهما بظاهر الإسلام........................................... ٢٣٨

عدم قبول شهادة المخالف................................................... ٢٣٩

لو طلّق ولم يشهد ثمّ أشهد.................................................. ٢٤١

لا تقبل شهادة النساء في الطلاق............................................. ٢٤١

أقسام الطلاق

طلاق البدعة ثلاث........................................................ ٢٤٢

طلاق السنّة قسمان........................................................ ٢٤٣

أقسام طلاق السنّة بالمعنى الأعمّ ومنها البائن.................................. ٢٤٣

تعريف البائن وأقسامه...................................................... ٢٤٣

تعريف الطلاق الرجعي..................................................... ٢٤٤

تعريف طلاق العدّة........................................................ ٢٤٤

المطلّقة للعدّة تحرم في التاسعة مؤبّداً........................................... ٢٤٧

حرمة المطلّقة ثلاثاً على زوجها حتى تنكح غيره................................ ٢٤٧

لا يهدم استيفاء العدّة تحريم الثالثة ........................................... ٢٤٧

يجوز طلاق الحامل مرّةً وصاعداً مطلقا........................................ ٢٤٩

خلاف الصدوقين في المسألة................................................. ٢٥١

خلاف الشيخ في النهاية فيها................................................ ٢٥٢

خلاف الإسكافي أيضاً فيها................................................. ٢٥٥

صحة الطلاق الثاني في الطهر الذي طلّق فيه وراجع فيه ولم يطأ................. ٢٥٦

أدلّة القائل باشتراط الوقاع في الطلاق بعد الرجوع............................ ٢٥٧

الجواب عنها ووجوه الجمع بين الأدلّة........................................ ٢٥٨

لو طلّق غائباً ثمّ حضر ودخل بها ثمّ ادّعى الطلاق.............................. ٢٦٠

إذا طلّق الغائب وأراد العقد على اُختها أو على خامسة......................... ٢٦١


اللواحق

طلاق المريض

يكره الطلاق للمريض...................................................... ٢٦٣

يرث المريض زوجته في العدّة الرجعية........................................ ٢٦٣

ترثه زوجته إلى سنة ولو كان الطلاق بائناً.................................... ٢٦٦

اشتراط إرث الزوجة بعدم التزويج وعدم برء الزوج من مرضه ذلك............. ٢٦٧

هل يشترط في الطلاق قصد الإضرار بالزوجة أم لا؟........................... ٢٦٨

المحلِّل

شروط المحلِّل.............................................................. ٢٦٩

هل يهدم المحلِّل بشرائطه ما دون الثلاث؟..................................... ٢٧٢

لو ادّعت أنّها تزوّجت المحلِّل ودخل بها وطلّق................................. ٢٧٤

الرجعة

تعريف الرجعة وما تتحقّق به................................................ ٢٧٦

إنكار الطلاق بمنزلة الرجوع................................................ ٢٧٨

استحباب الإشهاد في الرجوع............................................... ٢٧٩

رجعة الأخرس بالإشارة.................................................... ٢٧٩

لو ادّعت انقضاء العدّة في الزمان الممكن...................................... ٢٨٠

اختلاف أقلّ الزمان الممكن باختلاف أنواع العدّة.............................. ٢٨٠

لو ادّعى انقضاء العدّة بالأشهُر.............................................. ٢٨٢

العِدد

تعريف العدّة.............................................................. ٢٨٣


لا عدّة على من لم يُدخل بها عدا المتوفّى عنها زوجها........................... ٢٨٣

المراد بالدخول............................................................. ٢٨٣

لا تجب العدّة بمجرّد الخلوة من دون مواقعة................................... ٢٨٤

المستقيمة الحيض تعتدّ بثلاثة أطهار إذا كانت حرّة............................. ٢٨٥

لحظة من الطهر بعد الطلاق تحتسب قرءاً..................................... ٢٨٨

أقلّ زمان العدّة............................................................ ٢٨٩

المسترابة بالحمل تعتدّ ثلاثة أشهر هلالية...................................... ٢٨٩

لا فرق في عدم الحيض بين كونه خلقياً أو لعارض............................. ٢٩٠

المسترابة تراعي الشهور والحيض فتعتدّ بأسبقهما............................... ٢٩١

اعتبار الاتصال بالطلاق في الأشهر الثلاثة البيض.............................. ٢٩١

لو رأت في الشهر الثالث حيضةً أو حيضتين وتأخر الثانية أو الثالثة.............. ٢٩٢

لا عدّة على الصغيرة ولا اليائسة............................................. ٢٩٦

حدّ اليأس خمسون أو ستّون؟................................................ ٢٩٧

لو رأت المطلّقة الحيض مرّة ثمّ بلغت اليأس.................................... ٣٠٠

لو كانت لا تحيض إلّا في خمسة أشهر أو ستّة................................. ٣٠٠

عدّة الحامل................................................................ ٣٠٢

لو طلّقها فادّعت الحبل..................................................... ٣٠٤

لو وضعت توأماً........................................................... ٣٠٥

لو طلّقها رجعيّاً ثمّ مات عنها................................................ ٣٠٧

لو طلّقها بائنا ثمّ مات عنها.................................................. ٣٠٧

عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلا........................... ٣٠٨

الحامل المتوفّى عنها زوجها تعتدّ بأبعد الأجلين................................. ٣١٠

وجوب الحِداد على المتوفّى عنها زوجها....................................... ٣١٠

تفسير الحِداد.............................................................. ٣١١

اختصاص وجوب الحداد بالمتوفّى عنها زوجها خاصة........................... ٣١٢

لا حِداد على الأمة......................................................... ٣١٣


حكم المفقود عنها زوجها................................................... ٣١٤

عدّة المفقود عنها زوجها.................................................... ٣١٥

هل يكتفى في اعتدادها بأمر الحاكم أم يجب الطلاق؟.......................... ٣١٥

إذا حضر المفقود بعد الحكم بوفاته والطلاق................................... ٣١٧

عدّة الإماء والاستبراء....................................................... ٣١٩

عدّة الأمة في الطلاق قُرءان إذا كانت مستقيمة الحيض......................... ٣١٩

لو كانت الأمة مسترابةً بالحيض............................................. ٣٢٠

لو كانت الأمة مسترابةً بالحمل.............................................. ٣٢١

لو كانت الأمة حاملاً...................................................... ٣٢٢

لو اُعتقت الأمة ثمّ طلّقت................................................... ٣٢٣

لو طلّقها رجعيّاً ثمّ اُعتقت في العدّة........................................... ٣٢٣

لو طلّقها بائناً ثمّ اُعتقت في العدّة............................................. ٣٢٣

عدّة الذميّة................................................................ ٣٢٤

عدّة الأمة من الوفاة........................................................ ٣٢٥

عدّتها من الوفاة لو كانت حاملاً............................................. ٣٢٨

عدّتها من الوفاة إذا كانت اُمّ الولد من المولى.................................. ٣٢٨

لو مات زوج الأمة غير ذات الولد ثمّ اُعتقت.................................. ٣٣٤

لو وطئ المولى أمته ثمّ أعتقها................................................ ٣٣٥

لو كانت زوجة الحرّ أمة فابتاعها............................................ ٣٣٨

عدم جواز إخراج الزوجة من بيته إذا كان الطلاق رجعيّاً....................... ٣٤٠

جواز إخراجها إذا أتت بفاحشة مبيّنة ، والمراد بها............................. ٣٤٠

عدم جواز خروج الرجعيّة بنفسها من دارها التي طلّقت فيها.................... ٣٤١

جواز خروجها إلى الحج الواجب............................................. ٣٤٣

لو اضطرّت إلى الخروج..................................................... ٣٤٤

عدم المنع من الخروج والإخراج في البائن والمتوفّى عنها زوجها.................. ٣٤٤

تعتدّ المطلّقة من حين الطلاق................................................ ٣٤٦


تعتدّ الزوجة في الوفاة من حين يبلغها الخبر.................................... ٣٤٧

الخُلع

معنى الخلع والمباراة لغةً وشرعاً............................................... ٣٥١

صيغة الخلع................................................................ ٣٥٢

اعتبار القبول فيه........................................................... ٣٥٣

هل يقع الخلع بمجرّده أم لابدّ من إتباعه بالطلاق؟............................. ٣٥٤

عوض الخلع كالمهر كمّاً وكيفاً.............................................. ٣٥٨

شروط الخالع.............................................................. ٣٥٩

شروط المختلعة............................................................ ٣٥٩

عدم وجوب الخلع لو قالت : لاُدخلنّ عليك من تكرهه........................ ٣٦١

صحة خلع الحامل.......................................................... ٣٦٢

اعتبار حضور شاهدين في الخلع.............................................. ٣٦٢

اعتبار تجريد الخلع عن الشرط............................................... ٣٦٣

لو خالعها والأخلاق ملتئمة................................................. ٣٦٣

إذا صحّ الخلع فلا رجوع للخالع إلّا برجوعها في البذل......................... ٣٦٥

لو أراد مراجعتها ولم ترجع هي في البذل..................................... ٣٦٧

لا توارث بين المختلعين..................................................... ٣٦٧

المباراة

تعريف المباراة وصيغتها..................................................... ٣٦٨

يعتبر في المباراة كراهة الزوجين كلّ منهما صاحبه.............................. ٣٦٩

اشتراط إتباعها بالطلاق.................................................... ٣٧٠

الشرائط المعتبرة في المباراة وأحكامها.......................................... ٣٧٢


عدم جواز أن يفاديها إلّا بقدر ما وصل إليها منه فما دون...................... ٣٧٣

الظهار

تعريف الظهار............................................................. ٣٧٥

صيغة الظهار.............................................................. ٣٧٥

لوشبّهها بظهر ذي رحم مطلقاً.............................................. ٣٧٦

لو شبّهها بكلّ الاُمّ أو بغير الظهر من أعضائها................................. ٣٧٨

اشتراط سماع شاهدين عدلين............................................... ٣٧٩

هل يعتبر في صحته عدم التعليق على شرط؟.................................. ٣٨٠

لا يقع الظهار في يمين....................................................... ٣٨٢

هل يقع الظهار إذا قصد به إضرار الزوجة؟................................... ٣٨٣

لا يقع في حال الغضب والسكر............................................. ٣٨٤

شروط المظاهر............................................................. ٣٨٤

شروط المظاهرة............................................................ ٣٨٦

هل يشترط أن تكون مدخولاً بها؟........................................... ٣٨٦

هل يقع بالمتمتّع بها؟........................................................ ٣٨٧

هل يقع بالموطوءة بالملك؟................................................... ٣٨٧

أحكام الظهار

لا تجب الكفّارة إلّا بإرادة الوطء............................................. ٣٨٩

عدم الاعتبار بإرادة مقدّماته................................................. ٣٩١

لو طلّقها وراجع في العدّة لم تحلّ حتى يكفّر................................... ٣٩٢

لو طلّقها وخرجت من العدّة فاستأنف النكاح................................. ٣٩٣

لو ظاهر من أربع نسوة بلفظ واحد.......................................... ٣٩٤

لو كرّر ظهار المرأة الواحدة................................................. ٣٩٥

لو وطئ عامداً قبل التكفير لزمه كفّارتان..................................... ٣٩٦


لو كرّر الوطء لزمه لكلّ وطء كفّارة........................................ ٣٩٨

لو علّق الظهار بشرط...................................................... ٣٩٨

إذا عجز عن الكفّارة....................................................... ٣٩٩

تخيير المظاهَرة بين الصبر والمرافعة إلى الحاكم.................................. ٤٠١

الإيلاء

معنى الإيلاء لغةً وشرعاً..................................................... ٤٠٣

الفرق بين الإيلاء واليمين................................................... ٤٠٤

صيغة الإيلاء.............................................................. ٤٠٥

عدم وقوع الإيلاء بالحلف بالطلاق أو العتاق أو الصدقة أو التحريم.............. ٤٠٥

عدم انعقاد الإيلاء إلّا في إضرار.............................................. ٤٠٦

عدم انعقاد الإيلاء إلّا مع الإطلاق أو التقييد بأزيد من أربعة أشهر............... ٤٠٦

شروط المؤلي والمؤلى منها.................................................... ٤٠٧

هل يقع الإيلاء بالمتمتّع بها؟................................................. ٤٠٨

تخيير المؤلى منها بين الصبر والمرافعة إلى الحاكم................................ ٤٠٨

جواز الوطء للمؤلي في المدّة وبعدها مع الكفّارة................................ ٤٠٩

إن أصرّ المؤلي على الامتناع خيّره الحاكم بين الفئة والطلاق.................... ٤١٠

إن امتنع عن الأمرين....................................................... ٤١١

إذا طلّق وقع رجعيّاً........................................................ ٤١٢

لو اختلفا فادّعى المؤلي الفئة وأنكرت هي..................................... ٤١٣

هل يشترط المرافعة إلى الحاكم في ضرب المدّة؟................................ ٤١٣

الكفّارات

الأقسام

المرتّبة :

كفّارة الظهار.............................................................. ٤١٥


كفّارة قتل الخطأ........................................................... ٤١٦

الكلام في كفّارة الجماع في الاعتكاف الواجب................................ ٤١٧

كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال........................ ٤١٨

المخيّرة :

كفّارة من أفطر في شهر رمضان............................................. ٤٢٠

كفّارة من أفطر يوماً منذوراً على التعيين...................................... ٤٢٢

كفّارة خلف العهد......................................................... ٤٢٤

الكلام في كفّارة خلف النذر................................................ ٤٢٥

ما فيه الأمران :

كفّارة اليمين.............................................................. ٤٢٧

كفّارة الجمع :

كفّارة قتل المؤمن عمداً عدواناً............................................... ٤٢٨

الكلام في كفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان........................... ٤٢٨

مسائل

كفّارة الحلف بالبراءة....................................................... ٤٢٩

كفّارة الوطء في الحيض.................................................... ٤٣١

كفّارة من تزوّج امرأة في عدّتها.............................................. ٤٣٢

كفّارة من نام عن صلاة العشاء حتى جاوز نصف الليل......................... ٤٣٤

كفّارة جزّ المرأة شعر رأسها في المصاب....................................... ٤٣٦

كفّارة نتف المرأة شعر رأسها في المصاب...................................... ٤٣٨

كفّارة خدش المرأة وجهها................................................... ٤٣٨

كفّارة من نذر صوم يوم معيّن فعجز عنه...................................... ٤٤١


الخصال

العتق

تعيّن العتق على الواجد في المرتّبة............................................. ٤٤٣

اعتبار الإيمان في الرقبة في كفّارة القتل مطلقا.................................. ٤٤٣

الكلام في اشتراط الإسلام في سائر الكفّارات ، وعدمه......................... ٤٤٤

اعتبار البلوغ في الرقبة في كفّارة القتل ، وعدمه............................... ٤٤٧

في اشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ في الرقبة ، وعدمه............................ ٤٤٨

الكلام في إجزاء عتق المسبيّ من أطفال الكفّار ، وعدمه......................... ٤٤٩

عدم إجزاء عتق الحمل...................................................... ٤٤٩

اعتبار سلامة الرقبة من العيوب التي تعتق بها................................... ٤٤٩

إجزاء عتق المدبّر ، وعدمه.................................................. ٤٥١

اجزاء عتق المكاتب ، وعدمه................................................ ٤٥٢

يجزئ عتق الآبق ما لم يعلم موته............................................. ٤٥٣

يجزئ عتق اُمّ الولد مطلقا................................................... ٤٥٤

يجزئ عتق ولد الزناء بعد بلوغه وإسلامه..................................... ٤٥٤

الصيام

تعيّن الصيام مع العجز عن الرقبة في المرتّبة.................................... ٤٥٥

بمَ يتحقّق العجز عن الرقبة؟................................................. ٤٥٥

يلزم الحرّ بعد العجز عن العتق صوم شهرين متتابعين........................... ٤٥٦

كيفيّة الصوم من الهلال وفي الأثناء........................................... ٤٥٧

يلزم المملوك بعد العجز عن العتق صوم شهر.................................. ٤٥٧

معنى التتابع................................................................ ٤٥٩

لو أفطر قبل صدق التتابع أعاد إلّا لعذر...................................... ٤٦١

وجوب المبادرة بعد زوال العذر.............................................. ٤٦٣


الإطعام

تعيّن الإطعام مع العجز عن الصيام في المرتّبة................................... ٤٦٣

قدر الطعام................................................................ ٤٦٤

عدم جواز الإعطاء لما دون العدد............................................ ٤٦٦

عدم جواز التكرار في الكفّارة الواحدة مع التمكن............................. ٤٦٦

جنس الطعام.............................................................. ٤٦٨

استحباب ضمّ الإدام إليه................................................... ٤٦٩

الإدام ومراتبه.............................................................. ٤٧٠

لا يجزئ إطعام الصغار منفردين............................................. ٤٧٠

الكلام في إجزاء إطعام الصغار منضمّين ، وعدمه.............................. ٤٧٠

مسائل

تقدير الكسوة في كفّارة اليمين.............................................. ٤٧٢

جنس الكسوة............................................................. ٤٧٥

استحباب الجديد........................................................... ٤٧٥

كفّارة الإيلاء مثل كفّارة اليمين............................................. ٤٧٥

إذا عجز عن العتق فصام ثمّ تمكّن من العتق.................................... ٤٧٦

حكم العاجز عن صوم شهرين متتابعين....................................... ٤٧٧

شروط المكفِّر............................................................. ٤٨١

اللعان

معنى اللعان لغةً وشرعاً..................................................... ٤٨٥

من أسباب اللعان قذف الزوجة المحصنة....................................... ٤٨٥

شروط تحقّق اللعان بالقذف................................................. ٤٨٦

عدم ثبوت اللعان لو قذف الزوجة في عدّة بائنة................................ ٤٨٨


من أسباب اللعان إنكار من وُلد على فراشه................................... ٤٨٨

شروط الملاعِن............................................................. ٤٨٨

هل يعتبر الإسلام في الملاعن؟................................................ ٤٨٩

هل يعتبر الحرّية في الملاعن؟................................................. ٤٩٠

شروط الملاعَنة............................................................ ٤٩١

هل يعتبر أن تكون مدخلاً بها؟.............................................. ٤٩٢

ثبوت اللعان بين الحرّ وزوجته المملوكة والكافرة............................... ٤٩٥

يصحّ لعان الحامل.......................................................... ٤٩٨

كيفيّة اللعان............................................................... ٤٩٩

الواجب في اللعان.......................................................... ٥٠٠

المندوب في اللعان.......................................................... ٥٠١

الأحكام المترتّبة على لعان الزوجين........................................... ٥٠٢

لو اعترف الزوج بالولد في أثناء اللعان أو بعده................................ ٥٠٣

لو اعترفت بالزناء بعد اللعان................................................ ٥٠٦

لو طلّق الرجل امرأته فادّعت الحمل منه وأنكر................................ ٥٠٧

إذا قذفها فماتت قبل اللعان................................................. ٥٠٩

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ١٢

المؤلف: السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
الصفحات: 535
ISBN: 964-319-274-1