كتاب الغصب (١)

(وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا). والمراد بالاستقلال : الاقلال (٢) وهو الاستبداد به (٣) لا طلبه (٤) كما هو (٥) الغالب في باب الاستفعال ،

______________________________________________________

(١) وهو محرم بالاتفاق ، وعليه الأدلة الأربعة ، فمن الكتاب قوله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) (١) ومن السنة النبوي (لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيب نفسه) (٢) ، والإجماع قد ادعاه جماعة ، والعقل حاكم بقبح الظلم وأخذ مال الغير غصبا ظلم كما هو واضح.

هذا والغصب لغة هو آخذ الشي‌ء ظلما كما في القاموس وغيره ، نعم في الإسعاد لبعض الشافعية زيادة قيد (جهارا) لتخرج السرقة ، وليس للغصب حقيقة شرعية ولا متشرعية وإنما أطلق بينهم بما له من المعنى اللغوي ، ومع ذلك فقد عرّفه الأكثر كما في المسالك الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

(٢) وهو الاستبداد به ، وهو احتراز عمّا لو أزعج المالك عن ماله ولم يستول عليه فإنه لا يضمن لو تلف المال ، ولا يسمى غصبا ، هذا والاستقلال هو الإقلال ، لأن باب الاستفعال يطلب فيه طلب الفعل وهو غير مراد هنا.

(٣) أي الاستبداد بالمال.

(٤) لا طلب الإقلال.

(٥) أي طلب الفعل.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣.


وخرج به (١) ما لا إثبات معه أصلا كمنعه (٢) من ماله حتى تلف ، وما (٣) لا استقلال معه كوضع يده (٤) على ثوبه (٥) الذي هو لابسه فإن ذلك (٦) لا يسمى غصبا.

وخرج بالمال (٧) الاستقلال باليد على الحر (٨). فإنه (٩) لا تتحقق فيه الغصبية فلا يضمن ، وبإضافة المال إلى الغير (١٠) ما لو استقل بإثبات يده على مال نفسه عدوانا كالمرهون في يد المرتهن ، والوارث (١١) على التركة مع الدين فليس (١٢) بغاصب وإن أثم (١٣) ، أو ضمن (١٤) ، وبالعدوان (١٥) إثبات المرتهن ، والولي ،

______________________________________________________

(١) أي بالاستقلال المقيد بإثبات اليد يخرج ما لا إثبات معه كمنعه من ماله حتى تلف فإنه لم يستول على ماله ، ويخرج ما لا استقلال معه كوضع يده على ثوب الحر الذي هو لابسه ، فإن ذلك لا يسمى غصبا لغة ولا عرفا ، لأن الثوب ما زال تحت يد الحر.

(٢) أي كمنع صاحب المال فهو من باب إضافة المصدر إلى مفعوله ، ولم يستول عليه.

(٣) أي وخرج بالاستقلال ما لا استقلال معه.

(٤) أي يد الغاصب.

(٥) أي ثوب المالك الحر.

(٦) أي المذكور أخيرا ، ويمكن رجوعه له وللأول الذي قبله.

(٧) المال الوارد في التعريف يشمل العين والمنفعة المجردة عنها ، كما لو آجره داره ثم استولى عليها ، فإنه يكون غاصبا للمنفعة ، نعم يخرج من المال منفعة البضع لأنها وإن دخلت في المنفعة لكن لا تدخل في المال الذي ينقسم إلى العين والمنفعة ، وعليه فالمراد بالعين هو عين المال لا مطلق عين ، والمراد بالمنفعة هي منفعة المال لا مطلق المنفعة ، وعلى كل فيخرج بالمال إثبات اليد على ما ليس بمال كالحر فلا يتحقق فيه الغصب ، ولا يضمن.

(٨) بخلاف العبد فإنه مال كما هو واضح.

(٩) أي الحر.

(١٠) أي إضافة المال إلى الغير في تعريف الغصب تخرج الاستقلال بإثبات يده على مال نفسه عدوانا ، كما لو أثبت يده على ماله المرهون المشروط كونه في يد المرتهن فإنه ليس بغاصب ، وكما لو أثبت الوارث يده على التركة مع الدين على قول من يذهب إلى أن التركة في صورة الدين تنتقل إلى الورثة.

(١١) عطف على المرهون.

(١٢) أي ليس كل واحد منهما.

(١٣) أي كل منهما عند عدم التلف.

(١٤) عند التلف.

(١٥) أي يخرج بالعدوان المذكور في التعريف إثبات يد المرتهن على المرهون ويد الولي على مال ـ


والوكيل ، والمستأجر ، والمستعير أيديهم على مال الراهن ، والمولى عليه ، والموكل ، والمؤجر ، والمعير ، ومع ذلك (١) فينتقض التعريف في عكسه (٢) بما لو اشترك اثنان فصاعدا في غصب بحيث لم يستقل كل منهما باليد (٣) فلو أبدل (٤) الاستقلال بالاستيلاء لشمله (٥) ، لصدق الاستيلاء مع المشاركة.

وبالاستقلال (٦) بإثبات اليد على حق الغير كالتحجير وحق المسجد والمدرسة والرباط ونحوه مما لا يعدّ (٧) مالا فإن الغصب متحقق (٨) ، وكذا غصب ما لا يتمول عرفا (٩) كحبة الحنطة فإنه (١٠) يتحقق به (١١) أيضا على ما اختاره المصنف ويجب رده (١٢) على مالكه مع عدم المالية (١٣) ، إلا أن يراد هنا (١٤) جنس المال (١٥) ،

______________________________________________________

ـ المولى عليه ، ويد الوكيل على مال الموكل ، ويد المستأجر على مال المؤجر وهكذا فإنه استقلال بإثبات اليد على مال الغير بحق.

(١) أي ومع هذه القيود في التعريف.

(٢) أي أنه غير جامع للأفراد.

(٣) فلا استقلال لكل واحد منهما بالمال مع أن كل واحد منهما محكوم بكونه غاصبا ، ولذا جاز للمالك تضمين من شاء منهما ، ولذا بدّل العلامة في التحرير وولده في الإيضاح الاستقلال بالاستيلاء دفعا لهذا الإشكال.

(٤) أي المصنف.

(٥) أي لشمل تعريف الغصب هذا الفرد.

(٦) إشكال ثان على التعريف من ناحية أنه غير مانع.

(٧) هذا الحق.

(٨) مع أنه لم يستول على ماله ، وكذا لو غصب الوقف العام مع أنه ليس ملكا لأحد وكذا لو استقل بإثبات اليد على حر صغير أو مجنون فتلف بسبب كلدغ حية أو وقوع حائط فإنه غصب عند الشيخ كما سيأتي مع أنه ليس بمال ، فلذا بدّل العلامة في التبصرة وتبعه البعض من جماعة المتأخرين المال بالحق فقالوا : هو الاستيلاء على حق الغير عدوانا.

(٩) أي لا يعدّ مالا عند العرف لقلته.

(١٠) أي الغصب.

(١١) بما لا يتمول عرفا.

(١٢) رد ما لا يتمول عرفا.

(١٣) أي عدم المالية عرفا.

(١٤) في تعريف الغصب.

(١٥) أي ما يصدق عليه المال لغة وإن لم يكن مالا عرفا.


أو يدعى إطلاق المال عليه (١).

ويفرق بينه (٢) وبين المتمول وهو (٣) بعيد ، وعلى الحر (٤) الصغير والمجنون إذا تلف تحت يده بسبب. كلدغ (٥) الحية ، ووقوع الحائط. فإنه يضمن (٦) عند المصنف وجماعة كما اختاره في الدرر ، س فلو أبدل (٧) المال (٨) بالحق لشمل جميع ذلك (٩).

وأما من ترتبت يده (١٠) على يد الغاصب جاهلا به (١١) ، ومن سكن دار غيره غلطا ، أو لبس ثوبه خطأ فإنهم ضامنون وإن لم يكونوا غاصبين ، لأن

______________________________________________________

(١) أي يدعى اطلاق لفظ المال عليه عرفا وإن كان مما لا يتمول ، وهو بعيد لأن الظاهر من المتمول ما كان مالا.

(٢) بني ما يطلق عليه عرفا أنه مال وهو غير متمول.

(٣) أي التفريق.

(٤) عطف على حق الغير ، أي وبالاستقلال بإثبات اليد على الحر الصغير والمجنون فمات لسبب فإنه يضمن لأنه غاصب كما عليه الشيخ ، مع أنه ليس استقلالا لإثبات اليد على مال الغير ، فلذا بدّل المال بالحق كما عليه جماعة كما تقدم.

(٥) اللدغ للحية لسعتها كلدغ العقرب.

(٦) أي المستقل بإثبات يده على الحر الصغير والمجنون.

(٧) بسبب غصبه ، والضمان فقط لا يوجب الغصبية كما هو واضح.

(٨) أي المصنف.

(٩) أي مال الغير الوارد في تعريف الغصب.

(١٠) ولكن أشكل عليه بأنه يشمل سائر الحقوق أيضا كحق القسم بين الزوجات وحق الشفعة مما لا يعدّ الاستيلاء عليها غصبا ، وأشكل عليه أيضا بأن للغصب أحكاما منها الاثم ومنها وجوب رده إلى مالكه ومنها الضمان عند التلف ، وعليه فإثبات يده على حق التحجير وحق المسجد لو كان غصبا لتحقق الاثم مع أنه لا ضمان قطعا ، وقد تردد الشارح في وجوب الرد إلى الأول.

(١١) هذا وأشكل على التعريف المذكور للغصب من أنه لا يشمل من ترتبت يده على يد الغاصب جاهلا وكذا من سكن دار غيره أو لبس ثوبه غلطا فإنهم ضامنون ، فيجب إدخالهم في التعريف ، ولذا لا بدّ من تغيير لفظ العدوان الوارد بالتعريف بلفظ بغير حق وأورد عليهم الشارح بأن ثبوت الضمان عليهم لا يجعلهم غاصبين ، لأنه ليس كل ضامن غاصب ، إذ الغاصب هو الضامن مع الاثم وهؤلاء لا إثم عليهم.


الغصب من الأفعال المحرمة (١) في الكتاب (٢) والسنة بل الإجماع ، ودليل العقل (٣) فلا يتناول (٤) غير العالم وإن شاركه (٥) في بعض الأحكام (٦) ، وإبدال العدوان بغير حق ليتناولهم من حيث إنهم ضامنون ليس بجيد ، لما ذكرناه (٧) ، وكذا (٨) الاعتذار بكونه بمعناه أو دعوى (٩) الاستغناء عن القيد (١٠) أصلا ليشملهم ، بل الأجود الافتقار إلى قيد العدوان الدال على الظلم.

وقد تلخص : أن الأجود في تعريفه أنه الاستيلاء على حق الغير عدوانا ، وأن أسباب الضمان غير منحصرة فيه (١١).

______________________________________________________

(١) بالغصب.

(٢) التي توجب الاثم.

(٣) وقد تقدم عرض بعض الأدلة من الكتاب والسنة في أول الفصل.

(٤) أي الغصب.

(٥) أي شارك غير العالم العالم.

(٦) أي في بعض أحكام الغصب كالضمان ووجوب الرد إلى المالك.

(٧) من أنهم ضامنون ولكن غير غاصبين.

(٨) أي ليس بجيد أيضا الاعتذار عن الإشكال الوارد على تعريف الغصب ، بأن لفظ (العدوان) بمعنى لفظ (بغير حق) ، لأن العدوان متضمن للإثم المترتب على العالم ، بخلاف غير الحق فإنه يشمل الجاهل الذي لا إثم عليه لعذره من ناحية جهله.

(٩) أي وليس بجيد.

(١٠) أي قيد العدوان في تعريف الغصب.

(١١) في الغصب ، بل الضمان لقاعدة اليد المأخوذة من النبوي (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١) ، وإما لقاعدة الإتلاف وهي (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) وهي قاعدة متصيدة من النصوص كما سيأتي ، وإما لقاعدة الضرار كما سيأتي بيانه ، مع أن الضمان في الغصب مسبّب عن قاعدة اليد ، ومما تقدم تعرف أن الغصب مختص بالعدوان وهو مضمون عليه ، وأن من أتلف مباشرة أو تسبيبا من دون استيلاء فهو غير غاصب وإن كان مضمونا عليه لقاعدة الإتلاف أو الضرار ، وكذا من استولى على مال الغير بغير عدوان فإنه مضمون عليه لقاعدة اليد ، وليس بغصب لعدم الاثم وعدم العدوان.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث : ٥١٩٧.


وحيث اعتبر في الضمان (١) الاستقلال والاستيلاء(فلو منعه من سكنى داره) ولم يثبت المانع يده عليها (٢) (أو) منعه(من إمساك دابته المرسلة) كذلك (٣) (فليس (٤) بغاصب لهما (٥) فلا يضمن (٦) العين لو تلفت ، ولا الأجرة (٧) زمن المنع ، لعدم إثبات اليد الذي هو جزء مفهوم الغصب.

ويشكل (٨) بأنه (٩) لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان ، لعدم انحصار

______________________________________________________

(١) لم يؤخذ الاستقلال أو الاستيلاء في مفهوم الضمان ، إذ قد يضمن مع عدم الاستيلاء والاستقلال إذا أتلف مال الغير مباشرة أو تسبيبا فالضمان لقاعدة الإتلاف.

نعم قد أخذ الاستقلال أو الاستيلاء في مفهوم الغصب ، فلو أبدل الضمان هنا بالغصب لكان الأولى ، والسياق الآتي يدل عليه.

(٢) على الدار.

(٣) ولم يثبت المانع يده عليها ، وكذا لو منعه من القعود على بساطه مع عد إثبات يد المانع على البساط فلا يضمن وإن تلف الدار أو الدابة أو البساط لعدم صدق الغصب الموجب للضمان ، وعدم الغصب لعدم إثبات يده هذا على المشهور.

وعن البعض كما في التذكرة أنه يضمن وإن لم يكن غاصبا ، لإمكان الضمان بسبب غير الغصب ، وهو الإتلاف ، وقد تقدم أن قاعدة الإتلاف موجبة للضمان.

واستشكل فيه العلامة في التذكرة ، إلا أن الشارح في المسالك والروضة هنا وتبعه عليه غيره أن ما ذهب إليه المشهور من عدم الضمان مختص بما لا يكون المانع سببا في إتلاف العين من الدار والدابة والبساط بحيث اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظ الدار ، وكون ركوب الدابة من قبل المالك غير معتبر في حفظ الدابة كما يتفق للكثير من الدور والدواب.

أما لو كان حفظ العين من الدار متوقفا على سكناها ، وحفظ العين من الدابة متوقفا على ركوبها لضعفها أو لكونها في أرض مسبعة فالمتجه الضمان ، نظرا إلى كون المانع هنا سببا قويا في الإتلاف مع ضعف المباشر ، وهو المحكي عن الشهيد في بعض فتاواه ، والمحقق الثاني واستحسنه في الرياض.

(٤) أي المانع.

(٥) للدار والدابة.

(٦) عدم الضمان لعدم الغصب.

(٧) وهي إجراء المثل للمنافع الفائتة غير المستوفاة.

(٨) أي عدم الضمان.

(٩) أي بأن الشأن والواقع.


السبب فيه (١) ، بل ينبغي أن يختص ذلك (٢) بما لا يكون المانع سببا في تلف العين بذلك (٣) ، بأن اتفق تلفها (٤) مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها (٥) والمالك (٦) غير معتبر في مراعاة الدابة كما يتفق لكثير من الدور والدواب ، أما لو كان حفظه (٧) متوقفا على سكنى الدار ومراعاة الدابة (٨) لضعفها أو كون أرضها (٩) مسبعة (١٠) مثلا. فإن المتجه الضمان (١١) نظرا إلى كونه (١٢) سببا قويا مع ضعف المباشر (١٣).

ومثله (١٤) ما لو منعه من الجلوس على بساطه فتلف (١٥) أو سرق (١٦) أو غصب الأم (١٧) فمات ولدها جوعا ، وهذا (١٨) هو الذي اختاره المصنف في بعض فوائده ، وإن اتّبع هنا وفي الدروس المشهور (١٩).

______________________________________________________

(١) أي لعدم انحصار سبب الضمان في الغصب.

(٢) من عدم الضمان كما عليه المشهور.

(٣) بسبب منع المانع.

(٤) أي تلف العين.

(٥) أي حفظ الدار.

(٦) عطف على السكنى.

(٧) أي ما ذكر من الدار والدابة.

(٨) من قبل مالكها.

(٩) أي أرض الدابة.

(١٠) أي أرضها ذات أسباع.

(١١) لكون المانع سببا في الإتلاف.

(١٢) أي كون المانع.

(١٣) أي المباشر للإتلاف.

(١٤) أي ومثل المانع من سكنى الدار ومن إمساك الدابة المرسلة.

(١٥) أي البساط.

(١٦) أي البساط وفيه نظر ، لأن السارق مباشر وهو أقوى من السبب المانع.

(١٧) أي غصب الحيوان فمات ولده جوعا ، والضمان متوقف على كون الولد غير معتاد لأكل غير اللبن ، أو لكون الام معتبرة في تغذية.

(١٨) أي الضمان مع كون المانع سببا قويا في إتلاف العين الممنوعة.

(١٩) من عدم الضمان.


أما لو منعه من بيع متاعه (١) فنقصت قيمته السوقية مع بقاء العين وصفاتها لم يضمن قطعا ، لأن الفائت ليس مالا بل اكتسابه (٢).

(ولو سكن معه (٣) قهرا) في داره(فهو غاصب للنصف) عينا وقيمة (٤) ، لاستقلاله (٥) به (٦) ، بخلاف النصف الذي بيد المالك ، هذا (٧) إذا شاركه (٨) في سكنى البيت على الاشاعة من غير اختصاص بموضع معين ، أما لو اختص (٩)

______________________________________________________

(١) لو منعه من بيع متاعه فتلف بحيث لو لا المنع لما حصل التلف ، فالمانع حينئذ سبب في الإتلاف فيضمن ، نعم لو نقصت قيمته السوقية مع بقاء عينه وصفته على حالها فعدم الضمان كما في المسالك ، لأن الفائت ليس بمال ، وأشكل عليه بأنه نفي الضمان لعدم المالية مبني على كون الضمان مسبّبا عن قاعدة الإتلاف ، وأما لو كان الضمان مسببا عن قاعدة الإضرار لاتجه الحكم بالضمان كما في الرياض لصدق الإضرار المنفي شرعا هنا ، وليس فيه ما يقتضي تخصيص الضرر المنفي بما يكون متعلقه مالا.

(٢) أي بل منفعته التي كانت تحصل بالاكتساب فهو المال.

(٣) لو سكن الغاصب قهرا مع المالك في داره ففي الضمان قولان ، مبنيان على الاختلاف في تعريف الغصب ، فإن قلنا إنه الاستيلاء على مال الغير فالغاصب هنا مستولي وإن كان مع المشاركة فيضمن كما عليه الأكثر ، غير أنه يضمن النصف مع فرض تساوي أيديهما على الدار ، وهذا كله إذا كان المالك واحدا وأما لو كان اثنين فيلزم الغاصب الثلث ، ولو كانوا ثلاثة لزمه الربع ، لأن الضمان على نسبة ما استولى عليه إن نصفا فنصفا وإن ثلثا فثلثا وهكذا.

وإن قلنا إن الغصب هو الاستقلال على مال الغير فالغاصب هنا غير مستقل بإثبات يده على جميع الدار ، لأن الفرض عدم رفع يد المالك فلا يضمن ، وهذا ما ذهب إليه المحقق ، ولا ريب في ضعفه حتى على القول بدخول الاستقلال في مفهوم الغصب لتحقق الاستقلال هنا بالنسبة إلى النصف المشاع.

(٤) إما أن يكون المراد بها قيمة العين على تقدير التلف ، وإما أن يكون المراد بها قيمة المنفعة المستوفاة من السكنى وهي أجرة ما سكن.

(٥) أي استقلال الغاصب ، وفي هذا رد على المحقق.

(٦) بالنصف المشاع.

(٧) أي الحكم المذكور.

(٨) أي شارك الغاصب المالك.

(٩) أي الغاصب.


بمعين (١) اختص بضمانه (٢) كما لو اختص (٣) ببيت من الدار وموضع خاص من البيت الواحد ، ولو كان (٤) قويا مستوليا وصاحب الدار ضعيفا اضمحلت يده معه (٥) احتمل قويا ضمان الجميع.

(ولو انعكس) الفرض بأن(ضعف الساكن (٦) الداخل على المالك عن مقاومته ولكن لم يمنعه المالك مع قدرته (٧) (ضمن) الساكن(أجرة ما سكن) (٨) لاستيفائه (٩) منفعته (١٠) بغير إذن مالكه.

(وقيل) والقائل المحقق والعلامة وجماعة : (ولا يضمن) الساكن(العين) (١١) ، لعدم تحقق الاستقلال باليد على العين الذي (١٢) لا يتحقق الغصب بدونه (١٣) ،

______________________________________________________

(١) أي بموضع معين من الدار.

(٢) لصدق الاستقلال فضلا عن الاستيلاء الموجبين للغصب ، الذي هو سبب مستقل للضمان.

(٣) أي الغاصب.

(٤) أي الغاصب ، ما تقدم من ضمان النصف على الغاصب على فرض تساوي أيديهما على الدار ، فلو كانت يد الغاصب أقوى اتجه ضمان الغاصب لجميع الدار ، لصدق الاستقلال أو الاستيلاء على الجميع ، ولو كانت يد المالك أقوى اتجه عدم ضمان الجميع على الغاصب لعدم صدق الاستقلال أو الاستيلاء ، نعم لا بد من ضمان أجرة المنفعة المستوفاة وهي أجرة ما سكن ولو كانت يده ضعيفة لقاعدة الإتلاف ، وهذا ما عليه المحقق والعلامة وجماعة وفيه : أنه لو كانت يد المالك أقوى لصدق مفهوم الاستيلاء على يد الغاصب ، وهذا ما يوجب ضمان نصف العين لتساوي أيديهما على الدار.

(٥) أي مع الغاصب.

(٦) أي الغاصب.

(٧) أي مع قدرة المالك على المنع.

(٨) دون ضمان أهل الدار.

(٩) أي استيفاء الساكن.

(١٠) أي منفعة ما سكنه.

(١١) مع ضعف الساكن الداخل على المالك.

(١٢) صفة للاستقلال.

(١٣) أي بدون الاستقلال ، ولا استقلال هنا لعدم رفع يد المالك ، بل ولا استيلاء لضعف الساكن.


ونسبته (١) إلى القول يشعر بتوقفه (٢) فيه (٣).

ووجهه (٤) ظهور استيلائه (٥) على العين التي انتفع بسكناها ، وقدرة المالك على دفعه لا ترفع الغصب مع تحقق العدوان (٦).

نعم لو كان المالك القوي نائبا (٧) فلا شبهة في الضمان لتحقق الاستيلاء.

(ومدّ مقود الدابة) (٨) بكسر الميم وهو الحبل الذي يشد بزمامها (٩) أو لجامها (١٠) (غصب للدابة) وما يصحبها للاستيلاء عليها عدوانا(إلا أن يكون صاحبها راكبا) عليها(قويا) على دفع القائد(مستيقظا) حالة القود غير نائم فلا يتحقق الغصب حينئذ (١١) ، لعدم الاستيلاء.

______________________________________________________

(١) أي نسبة عدم الضمان.

(٢) أي توقف المصنف.

(٣) في عدم الضمان.

(٤) أي وجه التوقف.

(٥) أي استيلاء الساكن.

(٦) فيجب أن يضمن النصف حينئذ.

(٧) أي بعيدا عن الدار ، ما تقدم كان مبنيا على حضور المالك ، ولو كان المالك بعيدا عن الدار وقد دخلها الساكن بقصد الاستيلاء فهو غاصب وإن كان الداخل ضعيفا وصاحب الدار قويا ، لأن الاستيلاء حاصل في الحال ، وأثر قوة المالك وسهولة إزالته والانتزاع من يده ليس بمتحقق في الحال.

(٨) لو مدّ بمقود الدابة فقادها بقصد الاستيلاء ، فهو غاصب لها ويضمن ، ولو كان المالك حاضرا عندها لكن غير مثبت يده عليها ، وهو غاصب لأنه مستقل ومستولي عليها ، ومنه تعرف أن المراد من مدّ مقود الدابة الوارد في المتن هو قودها بقودها نعم لا يضمن لو كان صاحبها راكبا لها وكان قادرا على منع الغاصب لعدم صدق الاستيلاء فضلا عن الاستقلال مع استمرار يد المالك عليها.

ومثله ما لو ساقها بقصد الاستيلاء فهو غاصب إلى آخر ما تقدم في قود الدابة.

(٩) وهو ما يجعل في أنف البعير.

(١٠) وهو ما يجعل في فم الدابة.

(١١) حين كون المالك راكبا قويا مستيقظا.


نعم لو اتفق تلفها بذلك (١) ضمنها (٢) ، لأنه جان عليها.

ولو لم تتلف هل يضمن منفعتها زمن القود؟ يحتمل قويا ذلك (٣) ، لتفويتها بمباشرته وإن لم يكن غاصبا كالضعيف الساكن (٤) ولو كان الراكب ضعيفا عن مقاومته (٥) ، أو نائما فلا ريب في الضمان ، للاستيلاء ولو ساقها (٦) قدامه بحيث صار مستوليا عليها لكونها تحت يده ، ولا جماح لها (٧) فهو غاصب ، لتحقق معناه (٨) ، ولو تردّدت بالجماح حينئذ (٩) ، أو غيره فتلفت أو عابت ضمن ، للسببية.

(وغصب الحامل غصب للحمل) (١٠) ، لأنه (١١) مغصوب كالحامل ،

______________________________________________________

(١) بالقود.

(٢) لقاعدة الإتلاف وإن لم يكن غاصبا لها.

(٣) أي ضمان المنفعة.

(٤) في دار المالك القوي فإنه يضمن ما سكنه.

(٥) أي مقاومة القائد.

(٦) السائق كالقائد في جميع ما تقدم.

(٧) للدابة ، وجماح الدابة سرعتها وغلبتها للفارس ، وفي مجمع البحرين إذا ذهب في عدوه ولا يرده شي‌ء.

(٨) معنى الغصب من الاستيلاء عليها حينئذ.

(٩) التردي هو الوقوع في الهلاك ، وقوله (حينئذ) أي حين سوقها قدامه ، وهو إشارة إلى سببيّة السوق للتلف ولو بواسطة الجماح أو غيره فإنه يضمن لقاعدة الإتلاف بعد كونه سببا في ذلك.

(١٠) غصب الأمة الحامل غصب للحمل ، وكذا غصب الدابة الحاملة غصب لحملها ، بلا خلاف فيه ولا إشكال لثبوت يده استقلالا واستيلاء عليهما معا فهو لهما ضامن.

وأما حمّل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد فعن العلامة في التذكرة والتحرير تبعا للمحقق في الشرائع أنه يضمن حملها أيضا لعموم قاعدة اليد ، ولكن عن العلامة في القواعد والشهيد في الدروس والمحقق الثاني في جامعه والشارح في المسالك والروضة هنا وغيرهم عدم الضمان ، لعدم كون الحمل مبيعا حتى يضمن بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فالحمل حينئذ أمانة في يد المشتري.

وفيه مع فرض عدم إذن المالك إلا الاذن البيعية التي فرض عدمها يتبين فساد قبض الحمل فيتجه الضمان لعدم الاذن بعدم عموم قاعدة اليد التي هي مسبب قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(١١) أي الحمل.


والاستقلال باليد عليه (١) حاصل بالتبعية لأمه ، وليس كذلك حمل المبيع فاسدا حيث لا يدخل في البيع ، لأنه (٢) ليس مبيعا فيكون أمانة في يد المشتري ، لأصالة عدم الضمان ، ولأنه (٣) تسلمه بإذن البائع ، مع احتماله (٤) ، لعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (٥). وبه (٦) قطع المحقق في الشرائع(ولو تبعها الولد) حين غصبها(ففي الضمان) للولد(قولان) مأخذهما عدم إثبات اليد عليه (٧). وأنه (٨) سبب قوي.

والأقوى الضمان وهو الذي قرّبه في الدروس.

(والأيدي المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان) (٩) ، سواء علموا جميعا

______________________________________________________

(١) على الحمل.

(٢) أي حمل المبيع.

(٣) أي المشتري.

(٤) أي احتمال ضمان الحمل.

(٥) وهو نبوي مشهور (١).

(٦) أي بضمان حمل المبيع فاسدا.

(٧) على الولد فلا يضمن.

(٨) أي الغاصب للأم سبب قوي في تبعية الولد لأمه ، هذا وقد تردد في الضمان وعدمه كلّ من المحقق في الشرائع ، والعلامة في القواعد والإرشاد وولده في الإيضاح ، وغيرهم ولم أجد من جزم بعدم الضمان ، نعم قرب الشهيد في الدروس الضمان وقد جعله الشارح هنا في الروضة أقوى.

(٩) لو تعاقبت الأيدي على المغصوب تخير المالك في إلزام أيهم شاء ، أو إلزام الجميع أو البعض على حد سواء أو مختلفا بلا خلاف فيه لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (٢) ، والمغصوب قد وقع تحت يد كل واحد منهم ، نعم من وضع يده على المغصوب جاهلا فليس بغاصب ، لاشتراط الغصب مفهوما بقيد العدوان ، وهو منفي عن الجاهل إلا أن الضمان غير منفي عنه بعد ثبوت يده على المغصوب وعموم قاعدة اليد.

وقيّدنا الأيدي بالتعاقب احترازا عما لو اجتمعت الأيدي على المغصوب فلا يرجع المالك على كل منهم بكل المغصوب ، بل يرجع على الجميع بالسوية.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث ٥١٩٧.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث : ٥١٩٧.


بالغصب أم جهلوا أم بالتفريق ، لتحقق التصرف في مال الغير بغير إذنه فيدخل في عموم ، على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، وان انتفى الاثم عن الجاهل بالغصب (١) (فيتخير المالك في تضمين من شاء) منهم العين والمنفعة (٢) (أو) تضمين(الجميع) بدلا واحدا (٣) بالتقسيط (٤) وإن لم يكن متساويا ، لأن جواز الرجوع على كل واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض. وكذا له تقسيط ما يرجع به (٥) على أزيد من واحد ، وترك الباقين ، لما ذكر (٦).

(ويرجع الجاهل منهم بالغصب) إذا رجع (٧) عليه (٨) (على من (٩) غرّه)

______________________________________________________

(١) وينتفي عن الجاهل عنوان الغصب أيضا لعدم العدوان من الجاهل.

(٢) أي منفعة العين الفائتة.

(٣) أي بدل العين على تقدير تلفها.

(٤) أي بالتوزيع على الجميع ، وإن لم يكن ما يرجع به على البعض مساويا لما يرجع به على البعض الآخر.

(٥) أي ما يرجع به المالك من الجميع أو البعض.

(٦) من جواز رجوع المالك بالجميع على كل واحد ، فيجوز له ترك الباقين سواء رجع على البعض بالجميع أو بالبعض.

(٧) أي المالك.

(٨) على الجاهل.

(٩) متعلق بقول الماتن (ويرجع الجاهل منهم) ، وقد تقدم أن الأيدي المتعاقبة ضامنة بلا فرق بين العالم والجاهل ، نعم الفرق بينهما في استقرار الضمان وبيانه.

إن الأول غاصب عالم فلو باع المغصوب على ثان ، فإن كان الثاني عالما فهو كالغاصب الأول يطالب بكل ما يطالب به الأول ، حتى إذا تلف المغصوب في يده فاستقرار ضمانه عليه بحيث لو غرّم لم يرجع على الأول ، ولو غرّم الأول رجع عليه.

وإن كان الثاني جاهلا بالغصب فإن كانت يده يد ضمان كالعارية المضمونة والمقبوض بالبيع الفاسد استقر الضمان على الثاني على ما تقدم بيانه في الشق. الأول ، وإن كانت يده يد أمانة كالوديعة والقراض والرهن والوكالة استقر الضمان على الغاصب بحيث لو رجع المالك على الثاني ببدل العين على تقدير التلف ، رجع الثاني على الغاصب الأول لقاعدة المغرور يرجع على من غرّه ، ولو رجع المالك على الأول الغاصب ببدل العين على تقدير التلف فلا يرجع الأول على الثاني الجاهل ولو تلفت العين تحت يده. ـ


فسلّطه (١) على العين ، أو المنفعة ولم يعلمه بالحال (٢) ، وهكذا الآخر (٣) إلى أن يستقر الضمان على الغاصب العالم وإن لم تتلف العين في يده (٤).

هذا (٥) إذا لم تكن يد من تلفت (٦) في يده (٧) يد ضمان كالعارية المضمونة ، وإلا (٨) لم يرجع على غيره ، ولو كانت أيدي الجميع عادية تخيّر المالك كذلك (٩) ويستقر الضمان على من تلفت العين في يده فيرجع غيره (١٠) عليه (١١) لو رجع (١٢) عليه (١٣) دونه (١٤) ، وكذا يستقر ضمان المنفعة على من استوفاها عالما (١٥).

(والحر لا يضمن بالغصب) (١٦) عينا ومنفعة ، لأنه ليس مالا فلا يدخل

______________________________________________________

ـ ومن هذا البيان يتضح أن استقرار الضمان على من تلف المغصوب تحت يده إذا كانوا غاصبين جميعا ، واستقرار الضمان على الغاصب العالم وإن لم تتلف العين تحت يده إذا كان بعضهم جاهلا بالغصبية إلا أن تكون يده يد ضمان فاستقرار الضمان على من تلف المغصوب تحت يده.

(١) أي سلّط الغارّ المغرور.

(٢) أي بحال مغصوبية العين.

(٣) الذي رجع عليه المغرور ، لو كان هو مغرورا أيضا.

(٤) أي يد الغاصب العالم ، بل كان التلف في يد الجاهل.

(٥) أي رجوع الجاهل على من غرّه.

(٦) وهو جاهل بالغصب.

(٧) بأن كانت يده يد ضمان وهو جاهل بالغصب.

(٨) من العدوان.

(٩) في الرجوع عليهم أو بعضهم.

(١٠) غير من تلفت العين تحت يده.

(١١) على من تلفت العين تحت يده.

(١٢) أي المالك.

(١٣) أي على غير من تلفت العين عنده.

(١٤) دون من تلفت العين عنده.

(١٥) أي عالما بالغصب بحيث لو رجع المالك على غيره ، رجع هذا الغير على المستوفي العالم.

(١٦) الحر لا يضمن بالغصب ، لأنه ليس بمال ، نعم يضمن الحر بالجناية على نفسه أو أطرافه ـ


تحت اليد (١).

هذا (٢) إذا كان كبيرا عاقلا إجماعا ، أو صغيرا فمات من قبل الله تعالى ، ولو مات بسبب كلدغ الحية ، ووقوع الحائط ففي ضمانه قولان للشيخ (٣) ، واختار المصنف في الدروس الضمان ، لأنه (٤) سبّب الاتلاف ، ولأن الصغير لا يستطيع دفع المهلكات عن نفسه ، وعروضها (٥) أكثري (٦) فمن ثمّ رجّح (٧) السبب (٨).

______________________________________________________

ـ وهذا محله الجنايات ، وكذا يضمن باستيفاء منفعته بأن استخدمه ، ولكن لا يضمن لو وضع اليد عليه ، لأنه ليس بمال فلا يدخل تحت اليد ، فلو مات من قبل الله أو لسبب خارجي فلا يضمن الغاصب ، نعم لو كان الموت من قبل الغاصب لضمن جنايته ، نعم في الصغير والمجنون لو مات بسبب كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط فيضمنه الغاصب كما عن الشيخ في المبسوط وقواه العلامة في المختلف والشهيد في الدروس ، واستدل لهم بأن الغصب سبب التلف وبخبر وهب عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يقول : ومن استعار حرا صغيرا فغيب ضمني) (١) بناء على أن الاستعارة أهون من الغصب وفيه أن الخبر ضعيف السند غير منجبر بعمل الأصحاب ، وغصبه لم يكن سببا لتلفه بحسب الفرض والأصل عدم الضمان كما ذهب إليه جماعة ، ولذا اتفق الجميع على عدم ضمان الصغير لو غصبه فمات من قبل الله تعالى.

(١) على تقدير تلفه تحت يد الغاصب ، وأما على تقدير إتلافه فهو ضامن لجنايته.

(٢) أي عدم ضمان الحر.

(٣) فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى الضمان في باب الجراح ، وفي نفس الكتاب في باب الغصب إلى عدم الضمان.

(٤) أي الغاصب.

(٥) أي عروض المهلكات.

(٦) والغاصب قد عرّضه لها بغصبه.

(٧) أي المصنف.

(٨) أي سبب الإتلاف على مباشره من لدغ الحية أو وقوع الحائط وفيه أن دليله الثاني تعليل للأول ، والأول مردود إذ لا يعتبر الغاصب سببا للتلف عرفا ، ولا يسند التلف إليه عرفا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب كتاب العارية حديث ١١.


والظاهر أن حدّ الصغر العجز عن دفع ذلك (١) عن نفسه حيث يمكن الكبير دفعها عادة ، لا عدم (٢) التمييز ، وألحق به (٣) المجنون ، ولو كان بالكبير خبل (٤) ، أو بلغ مرتبة الصغير لكبر ، أو مرض ففي إلحاقه به (٥) وجهان (٦).

(ويضمن الرقيق) بالغصب ، لأنه (٧) مال(ولو حبس الحر مدة) (٨) لها أجرة عادة(لم يضمن أجرته إذا لم يستعمله) ، لأن منافع الحر لا تدخل تحت اليد تبعا له (٩) ، سواء كان قد استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله أم لا.

نعم لو كان قد استأجره مدة معينة فمضت (١٠) زمن اعتقاله وهو (١١) باذل

______________________________________________________

(١) أي دفع المهلكات ، لأن المراد من الصغير هو من يعجز عن دفع هذه المهلكات بحسب العادة ، ولذا ألحق في الدروس المجنون به ، واستحسنه في المسالك ، وكذا يجب إلحاق الكبير الذي به خبل أو بلغ رتبة الصغير لمرض أو كبر ، ولا معنى للتوقف فيه كما في جامع المقاصد والروضة هنا.

ومما تقدم تعرف أن الصغير لو مات بسبب يوجب موته حتى في الكبر فلا يضمن الغاصب ، والذي يخفف الخطب في الجميع ، أن الجميع مبني على القول بالضمان ، وقد عرفت ضعفه.

(٢) أي وليس حد الصغر الموجب للضمان هو عدم التمييز.

(٣) بالصغير ، والذي ألحقه به هو الشهيد في الدروس.

(٤) أي فساد العقل الذي لم يبلغ رتبة الجنون.

(٥) بالصغير.

(٦) وجه الضمان قد عرفته ، ووجه عدم الضمان عدم صغره مع أن موضوع الضمان هو غصب الصغير ، وقد عرفت ضعفه مما تقدم.

(٧) أي الرقيق بلا خلاف في الحكم ولا إشكال.

(٨) اعلم أنه لو استخدم حرا فعليه الأجرة بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن منفعته متقومة بالمالية حين الاستيفاء فهو كمن أخذ مال غيره ، ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به بلا خلاف فيه ، لأن الحر لا يدخل تحت اليد فلا تدخل منافعه ، لأن منافعه تحت قبضته كثيابه الباقية تحت يده ، وإن كان الحابس ظالما وآثما بحبسه ومنعه من العمل.

بخلاف العبد فلو حبسه لضمن منافعه ، لأن منافع العبد تحت قبضة السيد فكان غصبه كغصب منافعه مضمونة على الغاصب.

(٩) للحر.

(١٠) أي مدة الاستئجار.

(١١) أي الأجير المعتقل.


نفسه للعمل استقرت الأجرة لذلك (١) ، لا للغصب(بخلاف الرقيق) لأنه مال محض ومنافعه كذلك (٢).

(وخمر الكافر (٣) المستتر) بها(محترم يضمن بالغصب) مسلما كان الغاصب أم كافرا ، لأنها مال بالإضافة إليه (٤) وقد أقرّ عليه (٥) ولم تجز مزاحمته فيه.

وكان عليه تأنيث ضمائر الخمر (٦) ، لأنها مؤنث سماعي.

ولو غصبها من مسلم ، أو كافر متظاهر فلا ضمان ، وإن كان (٧) قد اتخذها للتخليل ، إذ لا قيمة لها في شرع الإسلام. لكن هنا (٨) يأثم الغاصب.

______________________________________________________

(١) للاستئجار مع بذل نفسه للعمل ، وعدم الاستيفاء إنما هو لتقصير من المستأجر.

(٢) أي مال محض.

(٣) الأصل في الخمر عدم المالية ولذا وجب إهراقها فلو غصب من مسلم سواء كان الغاصب مسلما أم كافرا فلا يضمن ، إذ لا قيمة لها في شرع الإسلام ، بلا فرق بين كون الخمر عند المسلم للتخليل أم لا.

وكذا لا تضمن الخمر لو غصبت من الكافر المتظاهر بها.

وأما لو غصبت من الذمي المستتر بها ، فالغاصب ضامن سواء كان كافرا أم مسلما بلا خلاف فيه ، لأنها مال بالإضافة إليه ، وقد أقر عليه ولم يجز مزاحمته فيه.

ثم إن كان الغاصب مسلما لزمه قيمتها عند مستحليها بالاتفاق ، لتعذر إلزام المسلم بمثلها شرعا ولاستحالة ثبوت الخمر في ذمة المسلم ، وإن كانت القاعدة تقتضي الضمان بالمثل وإن كان الغاصب كافرا فيلزمه قيمتها عند مستحليها أيضا كما عليه الأكثر ، لامتناع الحكم شرعا بثبوت الخمر في ذمة أحد وإن كنا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها ، فيمتنع الحكم بالمثل ويجب الانتقال إلى القيمة كما لو تعذر المثل في المثلي.

وعن القاضي ابن البراج في مهذبه القول بضمان المثل وهو المحكي عن أبي حنيفة ، لأنها مال مملوك بالنسبة إلى الغاصب والخمر مثلية فتضمن بمثلها ، وقد أمرنا بإقرارهم على ما عندهم.

نعم في جامع المقاصد والمسالك تقييد ضمان القيمة بما إذا ترافعوا إلينا ، وهو حسن.

(٤) أي الكافر ويجب تقييده بالذمي.

(٥) على هذا المال بشرط الاستتار به.

(٦) في قوله : (محترم ويضمن وقيمته ومستحليه).

(٧) أي المسلم.

(٨) فيما لو اتخذها المسلم للتخليل.


وحيث يضمن الخمر يعتبر(بقيمته عند مستحليه) ، لا بمثله وإن كان بحسب القاعدة مثليا ، لتعذر الحكم باستحقاق الخمر في شرعنا وإن كنا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها.

ولا فرق في ذلك (١) بين كون المتلف مسلما أو كافرا على الأقوى (٢).

وقيل : يضمن الكافر المثل ، لامكانه (٣) في حقه من حيث إنه مثلي مملوك له (٤) يمكنه دفعه سرا.

وردّ بأن استحقاقه كذلك (٥) يؤدي إلى اظهاره (٦) ، لأن (٧) حكم المستحق (٨) أن يحبس غريمه لو امتنع من أدائه (٩) ، وإلزامه (١٠) بحقه ، وذلك (١١) ينافي الاستتار (١٢).

(وكذا) الحكم في(الخنزير) ، إلّا أن ضمان قيمة الخنزير واضح (١٣) لأنه قيمي حيث يملك.

(ولو اجتمع المباشر) (١٤) ...

______________________________________________________

(١) في ضمان الخمر بالقيمة لا بالمثل.

(٢) أشار إلى خلاف القاضي ابن البراج في ضمان الخمر بالمثل لو كان الغاصب كافرا.

(٣) أي إمكان المثل.

(٤) للمتلف.

(٥) أي بضمان الخمر بمثله.

(٦) أي إظهار الكافر للخمر ، وهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله.

(٧) تعليل لإظهار الخمر من الكافر الذي سرقت منه.

(٨) أي مستحق مثل الخمر.

(٩) أداء المثل.

(١٠) أي إلزام الغريم بحق المستحق من المثل.

(١١) أي إلزام الغريم بدفع مثل الخمر.

(١٢) وفيه أن الممنوع على الذمي هو التظاهر بشربها والمعاملة عليها ، لا مطلق التظاهر بها.

(١٣) حتى لو كان الغاصب كافرا.

(١٤) قد تقدم أن الغصب موجب للضمان لقاعدة اليد ، وكذلك الإتلاف يوجبه أيضا بلا خلاف لقاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، بل الإتلاف أقوى في الضمان ، لأنه ـ


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ يوجب اشتغال الذمة بالضمان بخلاف مجرد الغصب فلا يوجب ، بل يوجب دخول المغصوب في ضمانه بحيث لو تلف اشتغلت ذمته بالضمان.

وسببيّة الإتلاف للضمان مما يدل عليها العقل بعد كون مال المسلم محترما والنصوص الكثيرة منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الشي‌ء يوضع على الطريق فتمرّ به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره ، فقال : كل شي‌ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه) (١) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر شيئا في طريق المسلمين فأصاب فعطب فهو له ضامن) (٢) ، وخبر أبي الصباح الكناني عنه عليه‌السلام (من أضرّ بشي‌ء من طريق المسلمين له فهو له ضامن) (٣) ، وغيرها كثير مبثوث في أبواب الفقه خصوصا ما ورد في الوكالة والمضاربة والرهن وغيرها من الضمان عند التعدي والتفريط.

وكذلك حديث (لا ضرر ولا ضرار) (٤) يوجب الضمان كما عن البعض بدعوى أن عدم الضمان عند التلف ضرري على المالك ، والضرر منفي.

وفيه أن حديث نفي الضرر دال على نفي كل حكم شرعي ينشأ الضرر من إثباته ، فالمنفي هو الحكم الشرعي الموجب للضرر ، ولا يدل الحديث على وجوب تدارك الضرر المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي وإلا لو تضرر أحد في تجارته مثلا فلا يجب على المسلمين تداركه.

وعليه فالشارع قد حكم بالضمان في صورة التلف هنا لقاعدة الإتلاف.

هذا كله من جهة ومن جهة أخرى فالإتلاف قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالتسبيب ، والمباشرة هو ما أوجب إتلاف مال الغير بدون توسيط فاعل آخر ، فالمباشر هو الموجد لعلة التلف ، والسبب هو كل فعل صار سببا لعلة التلف فهو ملزوم علة التلف بحيث لا يلزم من وجوده وجود التلف ، ولكن يلزم من عدمه عدم التلف كمن حفر البئر في طريق الغير فعثر ذلك الغير ووقع في البئر فمات فحفر البئر لم يكن علة التلف وإنما علة التلف الوقوع في البئر ، لكن حفر البئر سبب في الوقوع فيه بحيث لم يلزم من حفر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب إحياء الموات حديث ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ البئر الموت وإنما يلزم من عدم الحفر عدم الموت ولو عثر.

وقد كثرت كلمات الفقهاء في تفريعهما على نحو لا جامع بين كلماتهم ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع الجواهر فقد ذكر بعضها.

وإنما المدار على ما يضاف إليه الإتلاف حقيقة أو عرفا بدون توسط وهو المباشرة أو مع التوسط وهو السبب وإلا فلم يرد في النصوص لفظ السبب ولا المباشرة حتى يقع هذا النزاع في تحديد معناهما.

ومن جهة ثالثة لا إشكال في ضمان المباشر أو السبب على تقدير انفرادهما إذا أسند إلى أحدهما الإتلاف وأما لو اجتمعا قدّم المباشر بلا بخلاف ظاهر فيه كما لو سعى إلى ظالم بآخر فأخذ الظالم مال الآخر ، وكما لو فتح بابا على مال فسرق ، أو دل السرّاق إلى مال فسرقوه ، فإن الضامن هو المباشر الذي هو الظالم في الأول والسارق في الأخيرين دون السبب ، لأن المباشر هنا أقوى من السبب لأنه أقرب إلى التلف ، والفعل يسند إلى القريب من الأسباب دون البعيد الذي هو سبب السبب ، ولأن التلف يسند إليه حقيقة بخلاف السبب فهو أضعف في إيجاد الإتلاف ولا يسند إليه حقيقة ولا عرفا ، نعم يستثنى من ذلك ما لو ضعف المباشر وقوي السبب وله صور كثيرة أهمها صورتان : الغرور والإكراه.

الصورة الأولى : لو قدّم الغاصب طعام المغصوب إلى المغصوب منه ضيافة أو أمره بالأكل منه ، والمغصوب منه جاهل بحقيقة الحال بل معتقد أنه طعام الغاصب ، فالضمان على الغاصب الآخر وإن كان سببا ، ولا ضمان على الآكل وإن كان مباشرا للإتلاف ، لضعف مباشرته في سببية الإتلاف عرفا لأنه مغرور ، ويضمن الغاصب للمالك مع أنه هو الذي أكل ، لأن الغاصب لم يسلّمه إياه تسليما تاما يتصرف فيه بتصرف الملّاك ، ومنه تعرف ما لو قدم إليه طعام الغير باعتقاد أنه طعام المقدّم ، ومن هنا تعرف أن استقرار الضمان على من تلف في يده المال مخصوص بما سمعت.

الصورة الثانية : ما لو أكره على إتلاف مال الغير ، فالضمان على من أكره وإن كان سببا ، ولا ضمان على المكره وإن باشر الإتلاف ، لأن المباشرة قد ضعفت مع الإكراه فكان السبب أقوى في الإتلاف عرفا بلا خلاف فيه ، وقد تقدم تحقيق معنى الإكراه في شروط المطلق من كتاب الطلاق.

نعم فرّق الأصحاب بين مسألة الإكراه ومسألة الغرور ، بعدم رجوع المالك على المكره بشي‌ء بخلاف الجاهل المغرور ، فالمالك يجوز له أن يرجع عليه لقاعدة اليد ، وإن رجع المغرور على من غرّه ، وعدم رجوع المالك على المكره ، لعدم اختياره فلا يشمله قاعدة ـ


وهو موجد علة التلف (١) كالأكل (٢) ، والإحراق (٣) ، والقتل (٤) ، والاتلاف (٥) (والسبب) وهو فاعل ملزوم العلة (٦) كحافر البئر (٧) (ضمن المباشر (٨) ، لأنه (٩) أقوى(إلا مع الاكراه ، أو الغرور) للمباشر(فيستقر الضمان في الغرور على الغارّ (١٠) ، وفي الاكراه على المكره) (١١) لضعف المباشر بهما (١٢) فكان السبب أقوى

______________________________________________________

ـ على اليد ، لأنها ظاهرة في اليد الاختيارية الشاملة للمغرور الذي غرّ في أصل اختياره.

نعم استثنى من مسألة الإكراه ما لو أكرهه على القتل ، فالجناية على المباشر المكره وإن كان ضعيفا دون السبب المكره وإن كان قويا ، لأنه لا تقية في الدماء حيث إن التقية قد شرّعت لحفظ الدم ، فإذا وصلت إلى الدم فلا تقية وتتمة هذا الاستثناء في كتاب القصاص.

ومن جهة رابعة قد عرفت أن مع الاجتماع فالضمان على المباشر إلا إذا كان السبب أقوى فالضمان عليه كما في صورتي الإكراه والغرور ، إلا أن الأصحاب اختلفوا في مسائل كثيرة مما قد اجتمع فيها السبب والمباشر ، والخلاف في الضمان فيها ناشئ من الخلاف في أقوائية أحدهما حتى يضمّن فلا تغفل.

(١) بلا توسط.

(٢) الذي هو علة تلف الطعام.

(٣) الذي هو علة التلف بالنار.

(٤) الذي هو علة إزهاق الروح.

(٥) أي إعدام الشي‌ء.

(٦) لأنه علة التلف بواسطة ، فهو سبب الواسطة ، والواسطة علة التلف ، فهو سبب سبب التلف ، وهو ملزوم علة التلف.

(٧) فحفر البئر ووقع فيه آخر بدفع ثالث ، فالحافر سبب والدافع مباشر.

(٨) عند الاجتماع ، لأنه أقوى على ما تقدم ، وقد تقدم الضمان على كل واحد منهما عند انفراده.

(٩) أي المباشر.

(١٠) فلو رجع المالك على المغرور ، لرجع المغرور على الغارّ ، ولو رجع المالك على الغارّ فلا يرجع على المغرور.

(١١) قد عرفت عدم جواز رجوع المالك على المكره فقط من دون جواز رجوع المالك على المكره حتى يرجع المكره على المكره.

(١٢) أي بسبب الإكراه والغرور.


كمن (١) قدّم طعاما إلى المغرور فأكله (٢) فقرار الضمان على الغارّ فيرجع المغرور عليه (٣) لو ضمّن (٤).

هذا في المال أما في النفس (٥) فيتعلق بالمباشر مطلقا (٦) ، لكن هنا (٧) يحبس الآمر حتى يموت.

(ولو أرسل ماء في ملكه ، أو اجج نارا فسرى إلى الغير) (٨) فأفسد(فلا ضمان) على الفاعل(إذا لم يزد) في الماء والنار(عن قدر الحاجة (٩) ولم تكن الريح) في صورة الإحراق(عاصفة) (١٠) بحيث علم ، أو ظن التعدي الموجب للضرر ، لأن (١١) الناس

______________________________________________________

(١) تفسير لمسألة الغرور.

(٢) مع جهله بحقيقة الحال ، بل واعتقاده أنه مال الذي قدّم.

(٣) على الغارّ.

(٤) أي ضمن المغرور من قبل المالك.

(٥) قد عرفت أن الإكراه على القتل لا يوجب إقوائية السبب بل تكون الجناية على المباشر ، لعدم التقية في الدماء.

(٦) سواء كان مغرورا أم مكرها أم غيرهما.

(٧) في الإكراه.

(٨) إذا أرسل ماء في ملكه أو اجج نارا فيه لمصلحته ، فإن لم يتجاوز قدر حاجته ولا علم ولا ظن التعدي فضلا عما لو علم أو ظن عدم التعدي ، فاتفق التعدي إلى مال الغير فأغرقه أو أحرقه ، فلا ضمان على الفاعل اتفاقا ، لعدم التفريط منه بعد عموم النبوي (الناس مسلطون على أموالهم) (١).

وسببيته بالإتلاف ضعيفة بعد الإذن له من قبل الشارع في فعل ذلك في ملكه فلا ضمان.

(٩) فلو تجاوز قدر الحاجة من الماء أو النار وعلم أو ظن التعدي فاتفق التعدي إلى مال الغير فأفسده ، فلا خلاف في ضمانه لتحقق التفريط المقتضي للضمان بعد وجود سببية الإتلاف القاضية بالضمان.

(١٠) أي شديدة.

(١١) تعليل لعدم الضمان بشرط عدم الزيادة عن قدر الحاجة.

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢ ص ٢٧٢.


مسلطون على أموالهم ، ولهم الانتفاع بها (١) كيف شاءوا.

نعم لو زاد (٢) عن قدر حاجته فالزائد مشروط بعدم الضرر (٣) بالغير ولو بالظن (٤) ، لأنه (٥) مناط أمثال ذلك جمعا بين الحقين (٦) ودفعا (٧) للإضرار المنفي ، (وإلا (٨) ضمن).

وظاهر العبارة (٩) أن الزائد عن قدر الحاجة يضمن به وإن لم يقترن (١٠) بظن التعدي.

______________________________________________________

(١) بالأموال.

(٢) أي زاد الماء أو النار.

(٣) أي بعدم العلم بضرر الغير.

(٤) لو زاد عن قدر الحاجة ولم يعلم ولم يظن بالتعدي ففي الضمان قولان ، قول بالضمان كما عن العلامة في التحرير والشهيد في الدروس لتحقق سببيّة الإتلاف الموجبة للضمان ، وقول بعدم الضمان كما عن المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد والإرشاد ، لأن فعل الزائد عن قدر الحاجة فعل مأذون فيه شرعا فلا يتعقبه الضمان ، ولا يعدّ مثل ذلك تفريطا حيث لم يظن التعدي ولا الضرر بالغير فضلا عن العلم.

والشارح هنا قد ذهب إلى عدم الضمان لأنه مع عدم الظن بالتعدي لا ضرر للغير فيجوز له الزيادة عن الحاجة في ملكه بعد تسلطه على مال يفعل فيه كيفما شاء وكذا لو لم يزد عن الحاجة وقد علم أو ظن بالتعدي فنفس الخلاف المتقدم ، وفي معنى ظنه التعدي ما إذا اقتضت العادة بسريانه بأن كان الهواء شديدا يحملها إلى مال الغير ، أو كان الماء قويا بحيث يصل إلى ملك الغير بطبعه.

(٥) أي عدم الضرر بالغير ولو بالظن.

(٦) بين حق المالك وحق غيره.

(٧) أي وعدم الضرر بالغير ولو بالظن.

(٨) أي وإن زاد عن حاجته أو كانت الريح عاصفة فيضمن ، وظاهر الشق الأول الضمان عند الزيادة عن الحاجة ولو لم يظن التعدي كما هو قوله في الدروس تبعا للعلامة في التحرير وقد تقدم البحث فيه.

وظاهر الشق الثاني الضمان عند عصف الريح ولو لم يزد عن الحاجة ، وهو في قوة القول بالضمان عند ظن التعدي ولو لم يزد عن حاجته كما هو قوله في الدروس تبعا للعلامة في التحرير على ما تقدم بيانه أيضا.

(٩) أي عبارة الماتن.

(١٠) أي الزائد عن الحاجة.


وكذا (١) مع عصف الريح وإن اقتصر على حاجته لكونه (٢) مظنة للتعدي. فعدم الضمان على هذا (٣) مشروط بأمرين. عدم الزيادة عن الحاجة. وعدم ظهور سبب التعدي كالريح فمتى انتفى احدهما ضمن.

ومثله (٤) في الدروس إلا أنه اعتبر علم التعدي ، ولم يكتف بالظن ولم يعتبر الهواء (٥) فمتى علمه (٦) وإن لم يكن هواء ضمن وإن لم يزد عن حاجته فبينهما (٧) مغايرة (٨) ، وفي بعض فتاويه اعتبر في الضمان أحد الأمور الثلاثة ، مجاوزة (٩) الحاجة. أو عصف الهواء. أو غلبة الظن بالتعدي (١٠). واعتبر جماعة منهم الفاضلان (١١) في الضمان اجتماع الأمرين معا. وهما : مجاوزة الحاجة وظن التعدي ، أو العلم به فمتى انتفى أحدهما فلا ضمان.

وهذا قوي وإن كان الأول أحوط (١٢).

______________________________________________________

(١) أي وظاهر العبارة أيضا الضمان.

(٢) أي لكون عصف الريح.

(٣) أي على قول الماتن كما هو ظاهر عبارته.

(٤) أي ومثل قول الماتن هنا قوله في الدروس.

(٥) بأنه مظنة للتعدي.

(٦) أي علم التعدي.

(٧) أي بين قوله هنا وقوله في الدروس.

(٨) عند ظن التعدي ، وإلا فهما قول واحد بالضمان عند العلم بالتعدي ولو لم يزد عن الحاجة ، ونسبة نفي الضمان عند ظن التعدي إلى الشهيد في الدروس كما وقع من الشارح هنا مناف لما قاله في المسالك : (والثاني الاكتفاء في الضمان بأحد الأمرين تجاوز الحاجة أو ظن التعدي وهو اختيار العلامة في التحرير والشهيد في الدروس لتحقق السببيّة الموجبة له) انتهى.

(٩) أي الزيادة عن الحاجة.

(١٠) فيوافق قوله هنا بالتمام.

(١١) المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد والإرشاد ، وإلا فالعلامة في التحرير قائل بالضمان عند فقد أحد الأمرين.

(١٢) والاحتياط من ناحية حفظ مال الغير في صورة ما لو انتفى أحدهما فلا ضمان على القول الأول الذي قواه الشارح ، مع أن الاحتياط حسن في الفروج والأموال والأعراض.


(ويجب رد المغصوب) على مالكه وجوبا فوريا (١) اجماعا ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على اليد ما أخذت حتى تؤدي (٢) ، (ما دامت العين باقية) يمكنه ردها ، سواء كانت على

______________________________________________________

(١) لا خلاف ولا إشكال في وجوب رد المغصوب إلى مالكه ما دامت العين باقية للأخبار.

منها : موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، فإنه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيب نفسه منه) (١) فإذا وجب رد الأمانة وهي مال للغير مقبوض بإذنه فوجوب رد المغصوب الذي هو مال للغير مقبوض بغير إذنه أولى

وخبر حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام (الغصب كله مردود) (٢) وخبر عبد العزيز بن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عمن أخذ أرضا بغير حقها وبنى فيها ، قال عليه‌السلام : يرفع بنائه ويسلم التربة إلى صاحبها ، ليس لعرق ظالم حق ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أخذ أرضا بغير حق كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر) (٣).

بل يجب ردّ المغصوب إلى مالكه ولو تعسر كمن أدخل خشبة مغصوبة في بنائه أو سفينته ، فيجب رد الخشبة إلى صاحبها وإن تهدم البناء أو خربت السفينة ، أو الخيط في الثوب بلا خلاف فيه منا تمسكا بإطلاق أدلة وجوب رد المغصوب إلى مالكه ، ولخصوص العلوي في نهج البلاغة : (الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها) (٤).

ولا يلزم المالك المغصوب منه بقيمة المغصوب خلافا لأبي حنيفة وتلميذه الشيباني فإنهما قالا : بملك الغاصب للمغصوب المتعسر رده وينتقل حق المالك إلى القيمة ، وهو مخالف لقواعد الإسلام القاضية بوجوب رد المغصوب ، وقاضية برد أجرته من حين الغصب إلى حين الرد ، وقاضية بالأرش إن نقص المغصوب.

وكذا الحكم بوجوب رد المغصوب لو مزجه مزجا يشق تمييزه ويتعسّر كمزج الحنطة بالشعير أو الدخن بالذرة فيكلف تمييزه وإعادته وإن كان متعسرا لإطلاق الأدلة.

بل ويجب رد المغصوب مع العسر ولو أدى إلى خراب مال الغاصب لإطلاق أدلة وجوب الرد المتقدمة وهذا الوجوب فوري ، لأن التأخر في الرد استمرار للغصب المحرّم.

(٢) نبوي مشهور بين الفريقين (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب مكان المصلي حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الغصب حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الغصب حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الغصب حديث ٥.

(٥) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث : ٥١٩٧.


هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة (١) (ولو أدّى رده إلى عسر (٢) ، وذهاب مال الغاصب) كالخشبة في بنائه (٣) ، واللوح في سفينته ، لأن البناء على المغصوب لا حرمة له ، وكذا مال الغاصب (٤) في السفينة (٥) حيث يخشى تلفه (٦) ، أو غرق السفينة على الأقوى (٧).

نعم لو خيف غرقه (٨) ، أو غرق حيوان محترم (٩) ، أو مال لغيره (١٠) لم ينزع (١١) إلى أن تصل الساحل(فإن تعذّر) رد العين (١٢) لتلف ونحوه(ضمنه) الغاصب(بالمثل)

______________________________________________________

(١) لإطلاق أدلة وجوب الرد.

(٢) العسر هو الحرج إلا أن الشي‌ء ممكن ، بخلاف المتعذر فإنه محال عادة والممتنع هو المحال عقلا.

(٣) أي كالخشبة المغصوبة في بناء الغاصب.

(٤) فلا حرمة له.

(٥) المشتملة على الخشبة المغصوبة.

(٦) أي تلف مال الغاصب على تقدير نزع المغصوب من السفينة.

(٧) يجب نزع المغصوب ورده ولو أدى إلى تلف مال الغاصب كما عليه الأكثر ، لأن دفع المغصوب واجب فوري ، وأما الضرر الذي أدخله الغاصب على نفسه إنما هو بعدوانه فلا يناسبه التخفيف ، وهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعن الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة وظاهر السرائر عدم وجوب النزع ، لأن السفينة في البحر لا تدوم فيسهل الصبر إلى انتهائها إلى الشط ، فتؤخذ من القيمة أولا إلى أن يتيسر النزع فيرد اللوح ويسترد القيمة جمعا بين الحقين.

نعم لو أدى نزع المغصوب ورده إلى هلاك نفس محترمة ، سواء كانت آدميا أم غيره ، وسواء كانت النفس نفس الغاصب أم غيره فلا يجب النزع لاحترام النفس ، بل يصبر إلى أن يسهل النزع من دون إهلاك نفس جمعا بين الحقين ، وكذا لو أدى نزع المغصوب إلى إتلاف مال غير الغاصب فيجب الصبر جمعا بين الحقين ، بلا خلاف في ذلك كله.

(٨) أي غرق الغاصب.

(٩) للغاصب أو لغيره ، لأن النفس محترمة.

(١٠) أي لغير الغاصب.

(١١) أي لم ينزع المغصوب إلى أن تصل السفينة إلى الشط.

(١٢) أي تعذر ردّ العين المغصوبة أو تلفت ضمن الغاصب المثل إن كان المغصوب مثليا بلا ـ


(إن كان) المغصوب(مثليا) وهو المتساوي الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات كالحنطة ، والشعير ، وغيرهما من الحبوب ، والادهان(وإلا) يكن مثليا(فالقيمة (١) العليا من)

______________________________________________________

ـ مع خلاف فيه ، لأن المثلي هو الأقرب إلى التالف ، وبيانه أنه مأمور برد العين المغصوبة ، ومع تعذر ردّ نفس العين كما هو المفروض ينتقل إلى الأقرب فالأقرب ، والأقرب إلى التالف هو المثلي.

والمشهور في تفسيره أنه ما تتساوى أجزاؤه في القيمة ، والمراد بالأجزاء الأفراد والجزئيات بعد عدم ورود تعريف من قبل الشارع فلا بد من حمل معناه على العرف ، والمتحصل منه أن المثلي ماله مماثل في الصورة والصفات بحيث تكون قيمة فرد من أفراد نوعه كقيمة الفرد الآخر وهكذا ، وإليه يرجع تفسير المثلي في التحرير بأنه ما تماثلت أجزاؤه وتقاربت صفاته ، وإليه يرجع تفسيره في الدروس والروضة هنا بأنه المتساوي الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات ، وإليه يرجع تفسيره كما عن البعض بأنه ما جاز بيعه سلما ، وتفسيره عن آخر أنه ما يجوز بيع بعضه ببعض.

(١) لا إشكال ولا خلاف في وجوب رد العين المغصوبة ، وعند تلفها أو تعذر ردها فيجب المثلي إن كان المغصوب مثليا ، وإلا فالقيمة ، لأنها الأقرب إلى التالف مع تعذر مثله.

ولكن الخلاف في تعيين القيمة ، فعن الأكثر أنها قيمة يوم الغصب وهو المعبر عنه بيوم القبض ، لأنه أول وقت دخول العين في ضمان الغاصب ، والضمان إنما هو للقيمة لأنه قيمي بحسب الفرض فيضمن بالغصب حالة الابتداء.

وفيه أن الحكم بضمان العين حين الغصب إنما هو لو تلفت وجبت القيمة حينئذ وإلا فالواجب رد العين ما دامت باقية ولا ينتقل البدل إلا مع التلف ولذا ذهب ابن البراج إليه والعلامة في المختلف ونسبه في الدروس إلى الأكثر ، وهو منسوب إلى الشيخين أيضا.

وقيل يضمن أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف ، بل كما عن الشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف وابن حمزة في الوسيلة وابن زهرة في الغنية وفخر المحققين في الإيضاح والشهيد في اللمعة هنا وجماعة ، بل في المختلف أنه أشهر ، لأن المغصوب مضمون في جميع حالاته ، ومن جملتها أعلى القيم ، فلو تلف فيها لزم ضمانه فكذا ما بعده ، ولأنه يناسب التغليظ على الغاصب ، لأن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال.

وفيه : أن مؤاخذة الغاصب بأشق الأحوال فلا دليل عليه ، وقد عرفت مقتضى القواعد هو ضمان القيمة يوم التلف ، لأنه يوم مخاطبته بالبدل ولا بدل إلا القيمة ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه البعض من أنه قيمة يوم الدفع ، وما ذهب إليه آخر منهم المحقق على ما قيل أنه أعلى القيم من حين الغصب إلى يوم الدفع. هذا كله بحسب القواعد وقد ـ


(حين الغصب إلى حين التلف) (١) ، لأن كل حالة زائدة من حالاته (٢) في ذلك (٣)

______________________________________________________

ـ ورد في المسألة صحيح أبي ولّاد قال (اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا ، وخرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أن صاحبي توجه إلى النيل ، فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبّرت أنه توجه إلى بغداد فاتبعته فظفرت به ورجعت إلى الكوفة ـ إلى أن قال ـ فأخبرت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء البغل من النيل إلى بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة وتوفّيه إياه قلت : قد علفته بدارهم فلي عليه علفه ، قال : لا لأنك غاصب.

فقلت : أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟ قال : نعم قيمة بغل يوم خالفته ، قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر فقال : عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه ، قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال : أنت أو هو ، إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك) (١).

وهو ظاهر في أن القيمة على يوم الغصب حيث قال عليه‌السلام (نعم قيمة بغل يوم خالفته).

وردّ بأن الظرف متعلق بالفعل المدلول عليه بقول السائل يلزمني ، ويكون المعنى : يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب ، ولعل تنكير البغل يومئ إلى موته إذ هو إشارة إلى ذلك وإلا فلا ريب في أنه لا يكفي قيمة أيّ بغل ، مع أن البغل يوم المخالفة حيّ بحسب الفرض فلا معنى لضمان قيمته.

والذي يؤيده إن الظاهر هو قيمة البغل وقت التلف أن السؤال عن الضمان بسبب التلف لا بسبب المخالفة ومطابقة الجواب للسؤال تقتضي أن يكون المراد من الجواب نعم يلزمك يوم خالفته هذا الحكم من ضمان قيمة البغل على تقدير تلفه ، وعليه فيتطابق مضمون الخبر مع القواعد من الضمان بالقيمة يوم التلف وهو الأقوى.

(١) وهو القول الثالث المتقدم في شرحنا ، والذي قال عنه في المختلف أنه الأشهر.

(٢) أي حالات المغصوب.

(٣) أي من حين الغصب إلى حين التلف.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الغصب حديث ١.


الوقت مضمونة كما يرشد إليه (١) : أنه (٢) لو تلف حينئذ (٣) ضمنها (٤) فكذا إذا تلف بعدها (٥).

(وقيل) (٦) والقائل به المحقق في أحد قوليه على ما نقله المصنف عنه يضمن الأعلى من حين الغصب(إلى حين الرد) أي رد الواجب وهو القيمة.

وهذا القول مبني على أن القيمي يضمن بمثله (٧) كالمثلي ، وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها (٨) لتعذر المثل فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة ، لأن الزائد في كل آن سابق من حين الغصب (٩) مضمون تحت يده (١٠) ولهذا لو دفع العين حالة الزيادة كانت للمالك فإذا تلفت (١١) في يده ضمنها.

وعلى القول المشهور من ضمان القيمي بقيمته (١٢) ابتداء لا وجه لهذا القول.

(وقيل) والقائل به الأكثر على ما نقله المصنف في الدروس : إنما يضمن

______________________________________________________

(١) أي إلى ضمان كل حالة زائدة في ذلك الوقت.

(٢) أي المغصوب.

(٣) أي حين الحالة الزائدة.

(٤) أي ضمن الحالة الزائدة عند ضمان المغصوب بقيمته الفعلية وقت التلف.

(٥) أي إذا تلف المغصوب بعد الحالة الزائدة.

(٦) وهو القول الخامس المتقدم في الشرح.

(٧) أي لو تلف القيمي فإنه يضمن بالمثل ، كما يضمن المثلي بالمثل لأن الضمان بالمثل هو الأصل ، لأنه الأقرب إلى التالف ، غايته يتعذر المثل عند الدفع فينتقل إلى القيمة ، وهو مستند القول الرابع المتقدم في الشرح ، وكل حالة زائدة فيه من حين الغصب إلى حين الدفع مضمونة عليه فيضمن أعلى القيم من حين الغصب إلى حين الدفع حينئذ وهو مستند هذا القول.

(٨) أي دفع القيمة.

(٩) إلى حين الدفع.

(١٠) أي تحت يد الغاصب.

(١١) أي الحالة الزائدة.

(١٢) أي بقيمة القيمي.


(بالقيمة يوم التلف (١) لا غير) ، لأن الواجب (٢) زمن بقائها (٣) إنما هو رد العين ، والغاصب مخاطب بردها حينئذ (٤) زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شي‌ء من النقص (٥) اجماعا. فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقت التلف ، لانتقال الحق إليها (٦) حينئذ (٧) ، لتعذر البدل (٨).

ونقل المحقق في الشرائع عن الأكثر (٩) : أن المعتبر القيمة يوم الغصب ، بناء على أنه (١٠) أول وقت ضمان العين.

ويضعّف بأن ضمانها (١١) حينئذ (١٢) إنما يراد به (١٣) كونها (١٤) لو تلفت لوجب بدلها (١٥) ، لا وجوب (١٦) قيمتها إذ الواجب مع وجود العين منحصر في ردها.

______________________________________________________

(١) كما هو القول الثاني المتقدم في الشرح ، وهو الأقوى لأنه مقتضى القواعد وظاهر صحيح أبي ولّاد المتقدم.

(٢) أي الواجب على الغاصب.

(٣) أي زمن بقاء العين.

(٤) حين بقاء العين.

(٥) أي نقص قيمتها السوقية كما هو مفروض الكلام ، وأما نقص أجزائها فيجب رد العين مع الأرش كما سيأتي.

(٦) أي إلى القيمة.

(٧) أي حين التلف.

(٨) الذي هو المثل.

(٩) وهو القول الأول المتقدم في الشرح.

(١٠) أي أن يوم الغصب.

(١١) أي ضمان العين.

(١٢) أي حين الغصب.

(١٣) بالضمان.

(١٤) أي كون العين.

(١٥) من المثل أو القيمة ، فالثابت من يوم الغصب هو الحكم بضمان العين من ردها وبالبدل على تقدير تلفها.

(١٦) عطف على كونها ، أي لا يراد من الحكم بضمانها يوم الغصب هو ضمان قيمتها يوم الغصب كيف وهي موجودة والواجب رد العين إذا كانت باقية.


وفي صحيح (١) أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام فى اكتراء البغل ، ومخالفة (٢) الشرط ما يدل على هذا القول (٣).

ويمكن أن يستفاد منه (٤) اعتبار الأكثر (٥) منه (٦) إلى يوم التلف (٧).

وهو قوي عملا بالخبر الصحيح ، وإلا لكان القول بقيمته يوم التلف مطلقا (٨) أقوى.

وموضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف (٩) بسبب اختلاف القيمة السوقية أما لو كان (١٠) لنقص العين ، أو لتعيبها فلا إشكال في ضمان ذلك النقص (١١) (وإن عاب) المغصوب ولم تذهب عينه(ضمن أرشه) (١٢) ...

______________________________________________________

(١) شروع في مفاد النصوص الخاصة بعد الكلام عن مقتضى القواعد العامة.

(٢) عطف على (اكتراء البغل) ، والمعنى الوارد في الاكتراء ومخالفة شرط المؤجر.

(٣) من الضمان بقيمة يوم الغصب ، وقد عرفت ما فيه.

(٤) من صحيح أبي ولّاد.

(٥) أي أعلى القيم.

(٦) من الغصب.

(٧) ويستفاد من الجواهر والرياض أنه لم يذهب إلى هذه الاستفادة أحد. غير الشارح هنا وفي المسالك ولم يبين وجهها ، وقد استشكل عليه كل من صاحب الجواهر وسيد الرياض وغيرهم بعدم ظهور الخبر في ذلك خصوصا بعد تصريحه السابق بأن الخبر ظاهر في قيمة يوم الغصب.

(٨) سواء كانت زايدة عن ساير القيم أم لا.

(٩) أي اختلاف قيم العين.

(١٠) أي اختلاف قيم العين.

(١١) كما سيأتي بيانه في الفرع الآتي.

(١٢) العيب هو النقص الحاصل في المغصوب ، وهو على نوعين :

الأول : ما لا سراية له مثل تسويس التمر أو تخريق الثوب ، فيجب رده مع الأرش بلا خلاف فيه بيننا ، أما وجوب الرد فقد تقدم وأما الأرش فلقاعدة اليد وقاعدة الإتلاف ، بلا فرق في ذلك بين كون النقص بفعل الغاصب أو بغيره ، وسواء زال مع النقص اسم المغصوب عن المغصوب كطحن الحنطة حيث يرتفع اسم الحنطة ويسمى بالدقيق أولا.

خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من أنه إذا غيّر الغاصب المغصوب تغييرا أزال معه الاسم كما لو طحن الحنطة فيملكه ويضمن قيمته للمالك ، وفرّع عليه بأن المالك لو أراد أخذ الطحين من الغاصب فللغاصب قتاله عن دقيقه فإن قضى عليه فلا ضمان على الغاصب ـ


إجماعا ، لأنه (١) عوض عن أجزاء ناقصة ، أو أوصاف (٢). وكلاهما مضمون (٣) ، سواء كان النقص (٤) من الغاصب أم من غيره ، ولو من قبل الله تعالى ، ولو كان العيب غير مستقر (٥) ، بل يزيد على التدريج فإن لم يمكن المالك بعد قبض العين قطعه (٦) أو التصرف فيه (٧). فعلى الغاصب ضمان ما يتجدد أيضا (٨). وإن أمكن (٩) ففي زوال الضمان (١٠) وجهان. من استناده (١١) إلى الغاصب وتفريط (١٢) المالك

______________________________________________________

ـ وهو كما ترى مناف لقاعدة بقاء الملك ولإطلاق أدلة وجوب رد المغصوب.

الثاني : ما له سراية بحيث ما يزال يزداد إلى هلاك العين كما لو بلّ الحنطة حتى تمكّن فيها العفن الساري ، فعن الشيخ في المبسوط أنه يضمن قيمة المغصوب ، لأنه بإشرافه على التلف صار كالمستهلك فيضمن الغاصب حينئذ مثله أو قيمته ، ويضعّف بأنه ليس بتالف حقيقة وإن كان قد يؤول إليه ، وحينئذ فيجب رده إلى مالكه مع ضمان ما نقص بالجناية إلى دفع الأرش ثم كلما نقص شي‌ء ضمنه الغاصب لأنه مستند إلى جنايته هذا إذا لم يمكن للمالك إصلاحه ، وإلا سقط أرش ما زاد على ذلك ، ولاستناد الفائت إلى تقصير المالك ، كما لو جرحه فترك علاج الجرح مع قدرته عليه وهذا ما ذهب إليه المحقق في الشرائع والشارح في المسالك.

وهناك قول ثالث وهو الاقتصار على دفع أرش النقص الموجود إلى حين الدفع ، لأنه تمام الحق ، ولا يجب غيره ، ويضعّف بأن سبب التلف الساري موجود وهو مضمون على الغاصب.

(١) أي لأن الأرش.

(٢) أي ناقصة.

(٣) لأن العين مضمونة على الغاصب فكذا أبعاضها.

(٤) هذا في المستقر غير الساري.

(٥) بل يكون ساريا.

(٦) أي إزالة العيب الساري.

(٧) أي في العيب الساري ، والتصرف فيه بواسطة دواء لإزالته.

(٨) كما عليه ضمان ما عيب به المغصوب قبل قبض المالك.

(٩) أي أمكن المالك قطع العيب الساري ولو بواسطة الدواء.

(١٠) أي ضمان ما يتجدد.

(١١) أي استناد العيب المتجدد ، وهو دليل الضمان.

(١٢) دليل عدم الضمان ، وتفريطه إذ لم يقطع مع كونه ممكنا له.


واستقرب المصنف في الدروس عدم الضمان.

(ويضمن) أيضا (١) (أجرته (٢) إن كان له أجرة ، لطول المدة) (٣) التي غصبه فيها ، سواء(استعمله أولا) (٤) ، لأن منافعه (٥) أموال (٦) تحت اليد (٧) فتضمن بالفوات (٨) ، والتفويت (٩) ، ولو تعددت المنافع (١٠) فإن أمكن فعلها جملة (١١) ، أو فعل (١٢) أكثر من واحدة وجب أجرة ما أمكن (١٣) وإلا (١٤) كالخياطة ، والحياكة ، والكتابة (١٥) فأعلاها (١٦) أجرة ، ولو كانت الواحدة (١٧) أعلى منفردة عن منافع (١٨)

______________________________________________________

(١) أي ويضمن الغاصب أجرة العين كما يضمن العين وعيبها.

(٢) أي أجرة المغصوب.

(٣) أي المدة التي يكون المغصوب فيها تحت يد الغاصب ، والمعنى يتضمن أجرة المغصوب طول مدة غصبه.

(٤) لا خلاف ولا إشكال في أن منافع المغصوب مضمونة على الغاصب كضمان المغصوب ، لأن المنافع المذكورة ملك للمغصوب منه لأنها نماء ملكه ، وقد فاتت تحت يد الغاصب سواء استعملها وانتفع بها أم لا.

(٥) أي منافع المغصوب.

(٦) أي أموال للمغصوب منه.

(٧) أي يد الغاصب.

(٨) وهي المنافع الفائتة تحت يد الغاصب ولم يستعملها.

(٩) وهي المنافع المستوفاة من قبل الغاصب.

(١٠) أي منافع المغصوب كالعبد الخياط الحائك.

(١١) أي إذا أمكن للعبد أن يفعلها جملة في زمن واحد.

(١٢) أي أمكن فعل.

(١٣) أي ما أمكن فعله للعبد في الزمن الواحد.

(١٤) فإن لم يمكن فعله في زمن واحد.

(١٥) ففعل هذه الثلاثة لا يمكن صدوره عن شخص واحد في زمن واحد.

(١٦) أي فأعلى المنافع أجرة ، وهذا ما ذهب إليه الفاضل في القواعد لأنه لم يمكن له استيفاء الجميع ، فلو أراد الاستيفاء لأمكن له استيفاء واحدة فقط ، وضمان الأعلى هو المتعين سواء استوفاها أو استوفى غيرها ، لأنها فائتة على كل حال.

(١٧) أي لو كانت المنفعة الواحدة حال انفرادها.

(١٨) أي عن منافع متعددة مجتمعة.


متعددة يمكن جمعها ضمن الأعلى.

(ولا فرق بين بهيمة القاضي ، والشوكي (١) في ضمان الأرش) إجماعا لعموم الأدلة. وخالف في ذلك بعض العامة فحكم في الجناية على بهيمة القاضي بالقيمة ويأخذ الجاني العين (٢) نظرا إلى أن المعيب لا يليق بمقام القاضي.

(ولو جنى على العبد المغصوب) جان غير الغاصب (٣) (فعلى الجاني أرش)

______________________________________________________

(١) وهو منسوب إلى الشوك ، وهو معروف ، والشوكي هو من يحتطب الشوك للارتزاق.

وعلى كل لو كان المغصوب دابة فجنى عليها الغاصب أو غيره أو عابت من قبل الله سبحانه وتعالى ، وجب على الغاصب ردها مع الأرش بلا خلاف فيه لإطلاق أدلة رد المغصوب المتقدمة مع بقاء ملك المغصوب منه.

وتتساوى بهيمة القاضي وغيره في الأرش عندنا لإطلاق أدلته ، لأن المدار على تفاوت المال لا على تفاوت المالك.

خلافا للمحكي عن مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه من أن من قطع ذنب بهيمة القاضي لزمه تمام القيمة ، لأنها لا تصلح له بعد ذلك وفيه أن الضمان ناظر إلى نفس الحال لا إلى المالك ، ولذا كان في وطئ الولد جارية أبيه بالشبهة مهر المثل كما في وطئ الأجنبي ، وإن حرمت الجارية على الأب بوطي الأول كما هو واضح.

(٢) أي العين المغصوبة.

(٣) اعلم أن كل جناية مقدرة في الشرع بالنسبة إلى الحر فهي مقدرة في المملوك بحسب قيمته ، فإذا جنى أحد على الحر فعليه الدية كاملة وكذا إذا جنى على بعض أعضائه كالأنف واللسان والعينين معا واليدين كذلك ، وأما لو جنى على إحدى يديه أو إحدى عينيه فعليه نصف الدية على ما هو المقرر في كتاب الديات.

وإذا جنى أحد على المملوك فإن قتله أو قطع أنفه مثلا كان عليه تمام قيمته التي لم تتجاوز عن دية الحر وإلا ردّت إليه ، وإذا قطع إحدى يديه مثلا كان عليه نصف قيمته المذكورة.

هذا كله إذا جنى على العبد وهو غير مغصوب وسيأتي تفصيله في كتاب الديات ، وعليه فإذا كان العبد مغصوبا وجني عليه فالجاني إما نفس الغاصب أو غيره ، وعلى الثاني بحيث قتله غير الغاصب وهو في يد الغاصب فإن لم تزد قيمته عن دية الحر فلا إشكال ، وإن زادت القيمة عن دية الحر طولب الغاصب بالزيادة دون الجاني ، ويطالب الجاني بقرار الجناية من القيمة المادية لدية الحر ، أما الجاني فلجنايته ، وأما الغاصب فلغصبه ، لأن الغاصب ضامن للعبد لو تلف تحت يده بمقدار قيمته مطلقا ، لأنه مال محض قد فوته على مالكه عدوانا لسبب غصبه سواء مات العبد تحت يده أو قتل ولم يكن القاتل نفس الغاصب. ـ


(الجناية) (١) المقرر في باب الديات(وعلى الغاصب ما زاد عن أرشها (٢) من النقص (٣) إن اتفق) زيادة فلو كانت الجناية مما له مقدّر كقطع يده الموجب لنصف قيمته شرعا فنقص (٤) بسببه (٥) ثلثا قيمته فعلى الجاني النصف وعلى الغاصب السدس الزائد من النقص ، ولو لم يحصل زيادة فلا شي‌ء على الغاصب بل يستقر الضمان على الجاني.

والفرق : أن ضمان الغاصب من جهة المالية (٦) فيضمن (٧) ما فات منها (٨) مطلقا (٩) ، وضمان الجاني منصوص.

فيقف عليه (١٠) حتى لو كان الجاني هو الغاصب فيما له مقدّر شرعي فالواجب عليه (١١) أكثر الأمرين من المقدر الشرعي ، والأرش ، لأن الأكثر إن كان

______________________________________________________

ـ وعلى الأول من كون الغاصب هو القاتل فإن لم تتجاوز قيمته دية الحر فيضمن القيمة بلا إشكال ولا خلاف ، ولو تجاوزت القيمة دية الحر ففي ضمانه للزائد قولان : الأول العدم كما عن الشيخ في المبسوط والخلاف تسوية بين الغاصب وغيره ، لأصالة البراءة ، ولأن الأغلب فيه الإنسانية لا المالية فيضمنه من حيث هو إنسان فتجب قيمته ما لم تزد عن دية الحر ، وإلا ردّت إليها.

والثاني ضمان الزائد كما عن الأكثر ، لأنه مال مضمون عليه فيضمنه بجميع قيمته وإن زادت عن دية الحر.

هذا كله في جناية النفس ومثله جناية الإطراف.

(١) أي جناية الإطراف.

(٢) أي أرش الجناية.

(٣) أي من النقص في قيمة العبد.

(٤) أي العبد بحسب قيمته.

(٥) أي بسبب قطع يده.

(٦) أي مالية العبد ، وليس من جهة كونه نفسا ليتعبد بالمنصوص في باب الديات.

(٧) أي الغاصب.

(٨) من المالية.

(٩) سواء كان زائدا عن الجناية أم لا.

(١٠) أي على النص.

(١١) على الغاصب.


هو المقدّر فهو (١) جان ، وإن كان (٢) هو الأرض فهو (٣) مال فوّته (٤) تحت يده كغيره من الأموال لعموم (٥) على اليد ما أخذت حتى تؤدي ولأن (٦) الجاني لم تثبت يده على العبد فيتعلق (٧) به (٨) ضمان المسألة ، بخلاف الغاصب.

والأقوى (٩) عدم الفرق (١٠) بين استغراق أرش الجناية القيمة ، وعدمه (١١) فيجتمع عليه (١٢) رد العين (١٣) والقيمة (١٤) فما زاد (١٥).

(ولو مثّل به) الغاصب(انعتق) (١٦) ، لقول الصادق عليه‌السلام : كل عبد مثّل به فهو حر ، (وغرّم قيمته للمالك).

______________________________________________________

(١) أي الغاصب.

(٢) أي الأكثر.

(٣) أي العبد المجني عليه.

(٤) أي فوته الغاصب.

(٥) تعليل لضمان تمام قيمة العبد وإن زادت عن المقدر الشرعي للجناية ، لأن العبد مال وعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي.

(٦) تعليل ثان لضمان الغاصب للزائد مع بيان الفارق بينه وبين الجاني.

(٧) أي حتى يتعلق.

(٨) أي بالجاني.

(٩) إشارة إلى خلاف الشيخ في المبسوط والخلاف من عدم ضمان الغاصب الجاني للزائد عن القيمة.

(١٠) أي عدم الفرق في ضمان الغاصب لتمام قيمة العبد المجني عليه لو كان الجاني هو الغاصب.

(١١) أي عدم الاستغراق.

(١٢) على الغاصب.

(١٣) في جناية الإطراف ، لا في جناية قتل النفس.

(١٤) أي قيمة الجناية المقرّرة شرعا ، وهي قيمة العبد فيما لو كانت الجناية على يديه معا مثلا.

(١٥) أي ما زاد عن القيمة فيما لو كان القطع المذكور قد أوجب نقصا في قيمته فيجب على الغاصب ذلك ، لأنه أرش التالف من العبد زيادة عن قطع يديه.

(١٦) ذهب الشيخ إلى أن الغاصب لو جنى على العبد المغصوب بما دون النفس من باب التنكيل والتمثيل انعتق العبد وكان عليه قيمته للمالك لمرسل ابن محبوب عن أبي عبد ـ


وقيل : لا يعتق بذلك (١) ، اقتصارا فيما خالف الأصل (٢) على موضع الوفاق وهو تمثيل المولى ، والرواية العامة ضعيفة السند.

وأما بناء الحكم (٣) على الحكمة في عتقه (٤) : هل هي عقوبة للمولى أو جبر للمملوك؟ فينعتق هنا (٥) على الثاني دون الأول فهو رد الحكم (٦) إلى حكمة مجهولة (٧) لم يرد بها نص والأقوى عدم انعتاق.

نعم لو أقعد ، أو عمي عتق وضمن الغاصب (٨) ، لأن هذا السبب (٩) غير مختص بالمولى إجماعا.

______________________________________________________

ـ الله عليه‌السلام (كل عبد مثّل به فهو حر) (١).

وعن المشهور اختصاص ذلك بالمولى المنكّل كما حرر في كتاب العتق ، وسيأتي بيانه ، وعن ابن إدريس عدم الانعتاق بتنكيل المولى فضلا عن غيره ، وتردد المحقق به في الشرائع استضعافا لأخبار التنكيل إذ كلها ضعيفة السند كما سيأتي في باب العتق والعجب من العلامة في بعض فوائده من بناء الخلاف هنا في انعتاق العبد بتنكيل الغاصب على الخلاف في حكمة الانعتاق ، فإن كانت هي جبر وهن المنكّل به لما فاته من التكسب بالعتق فيجب اطرادها لتنكيل الغاصب ، وإن كانت هي عقوبة للمولى فلا تطرد في تنكيل الغاصب ، هذا والتنكيل أن يأتي بالأمر الفظيع بحيث جعله نكالا لغيره كمن يقطع شفتيه وهكذا.

(١) أي بتنكيل الغاصب.

(٢) إذ الأصل عدم الانعتاق.

(٣) في انعتاق العبد بتنكيل الغاصب ، وعدمه.

(٤) أي عتق العبد لو نكّل به المولى.

(٥) في تنكيل الغاصب.

(٦) من انعتاق العبد بتنكيل المولى.

(٧) من أنها جبر للعبد أو عقوبة للمولى.

(٨) سيأتي في العتق انعتاق العبد لو أقعد أو عمي أو أجذم ، وعليه فلو صار العبد كذلك وهو في يد الغاصب ، انعتق وضمن الغاصب قيمته ، لأنه مضمون عليه بلا خلاف فيه.

(٩) أي سبب الانعتاق من الاقعاد وأخويه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق حديث ١.


(ولو غصب) ما ينقصه التفريق(مثل الخفين ، أو المصراعين (١) أو الكتاب سفرين (٢) فتلف أحدهما) قبل الرد(ضمن قيمته) (٣) أي قيمة التالف(مجتمعا) مع الآخر (٤) ونقص الآخر. فلو كان قيمة الجميع عشرة وقيمة كل واحد مجتمعا خمسة ، ومنفردا ثلاثة. ضمن سبعة ، لأن النقصان الحاصل في يده مستند إلى تلف عين مضمونة عليه (٥) ، وما نقص من قيمة الباقي (٦) في مقابلة الاجتماع فهو (٧) بفوات صفة الاجتماع في يده (٨) ، أما لو لم تثبت يده (٩) على الباقي ، بل غصب أحدهما ثم تلف في يده ، أو أتلفه ابتداء (١٠) ففي ضمان قيمة التالف مجتمعا (١١) أو منفردا (١٢) ، أو منضما إلى نقص الباقي (١٣)

______________________________________________________

(١) أي مصراعي الباب.

(٢) أي مجلدين.

(٣) لو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه ، كالخفين ، فتلف أحدهما فيضمن التالف بقيمته مجتمعا ويضمن نقص الآخر ، فلو كان قيمتهما مجتمعين عشرة وقيمة كل واحد منفردا ثلاثة ، فيضمن قيمة التالف مجتمعا وهي خمسة ، ويضمن نقص الآخر بمعنى ما نقص من قيمته بالانفراد وهو اثنان ويرد الآخر الباقي ، بلا خلاف في ذلك كله ، لضمان الغاصب كل نقص يكون في يده على المغصوب ، ولو من حيث الاجتماع والانفراد اللذين فرض مدخليتهما في القيمة.

(٤) أي نقص الآخر بالانفراد.

(٥) وهذه العين المضمونة قيمتها خمسة حال الاجتماع ، وقد تلفت في حال الاجتماع فيضمن خمسة.

(٦) أي الآخر ، لأن الآخر كان مجتمعا وقيمته خمسة فلما انفرد بسبب تلف الآخر أصبحت قيمته ثلاثة فتنقص قيمته حينئذ اثنين ، وهذا النقصان مضمون على الغاصب.

(٧) أي نقصان قيمة الآخر.

(٨) أي يد الغاصب.

(٩) أي تلف بغير سبب من الغاصب ، وكذا لو أتلفه الغاصب وهو في يده.

(١٠) أي أتلفه وهو ما زال تحت يد المالك.

(١١) أي عليه قيمة التالف لو كان منضما إلى صاحبه ، وهي خمسة بحسب المثال المتقدم ،.

(١٢) وهو ثلاثة بحسب المثال المتقدم.

(١٣) أي يضمن قيمة التالف مجتمعا ، مع ضمان ما نقص من الآخر بسبب الانفراد فيضمن سبعة كما في الفرع المتقدم.


كالأول (١) أوجه (٢). أجودها الأخير ، لاستناد الزائد (٣) إلى فقد صفة وهي (٤) كونه (٥) مجتمعا حصل الفقد منه (٦).

(ولو زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب (٧) ...

______________________________________________________

(١) كما لو غصب الاثنين معا.

(٢) هذا واعلم أن التالف مضمون عليه قطعا ، لأنه مغصوب قد تلف تحت يده أو قد أتلفه وإن لم يكن مغصوبا ، إنما الكلام في قيمة التالف الذي غصبه فإذا اعتبرنا قيمة يوم التلف احتمل وجوب قيمته منفردا ، لأنه حال التلف كان مضمونا على الغاصب منفردا ، أو وجوب قيمته مجتمعا لأنه السبب في ذهاب صفة الاجتماع بالتسبيب الصادر من غصبه أو إتلافه ، وبهذا الدليل يضمن ما نقص من قيمة الآخر بسبب انفراده نعم عن العلامة في التحرير أنه يضمن التالف مجتمعا ولا يضمن ما نقص من الآخر ، لأن الآخر لم يدخل تحت يده كي يكون مضمونا عليه ، وفيه : عدم انحصار الضمان في الغصب بل من التسبيب الصادق في المقام كما صدق في ضمان قيمة التالف مجتمعا.

(٣) أي استناد ما زاد عن قيمة التالف منفردا ، من قيمة التالف مجتمعا ومن قيمة الآخر بسبب الانفراد.

(٤) أي الصفة.

(٥) أي كون كل فرد منهما.

(٦) من الغاصب ، وقوله (حصل الفقد منه) صفة للفقد ، والمعنى أن الزائد قد استند إلى فقد قد حصل من الغاصب ، والفقد هو فقد صفة الاجتماع لكل منهما.

هذا ومما تقدم تعرف الفرق بين الفرعين السابقين الموجب لاختلافهما في الحكم مع اشتراكهما في تلف أحد الزوجين ، وهو أن التلف في الأول حصل بعد إثبات الغاصب يده عليهما معا فكان الذاهب من القيمة بتلف الأول ونقصان الآخر مضمونا عليه ، بخلاف الثاني فلم يغصب إلا أحدهما فيضمن قيمته مجتمعا قطعا ، والآخر حصل نقصه بسبب التفريق المستند إلى الغاصب من غير أن يكون الآخر مغصوبا ، فلا ضمان للثاني من ناحية الغصب لعدم تحقق غصب الآخر ، ويبقى الضمان بالسببية وإن لم يكن هناك غصب فلذا اشتركا في الحكم كما سمعت.

(٧) الزيادة في المغصوب إما أعيان أو آثار محضة كطحن الحنطة وخياطة الثوب بخيوط المالك ، والعين أما عين محضة كالفرس أو عين من وجه كالصبغ.

وهذه الزيادة لو كانت بفعل الغاصب فزادت قيمة المغصوب ، ردّه ولا شي‌ء للغاصب بلا خلاف ولا إشكال ، لعدم احترام العمل الصادر بغير إذن المالك ، وإن نقصت العين ـ


(فلا شي‌ء عليه) (١) لعدم النقصان(ولا له) (٢) ، لأن الزيادة (٣) حصلت في مال غيره(إلا أن تكون) الزيادة(عينا) (٤) من مال الغاصب(كالصبغ فله (٥) قلعه) (٦) ،

______________________________________________________

ـ المغصوبة بهذه الزيادة ضمن الغاصب الأرش ، لأن العين مضمونة عليه.

ثم إن كانت الزيادة أثرا محضا كطحن وخياطة الثوب بخيط المالك فلا يمكن للغاصب أخذ ما زاده ولكنه إن أمكن ردّ المغصوب إلى الحالة الأولى وجب رده إلى الحالة الأولى لو ألزمه المالك بذلك ويضمن نقصان القيمة إن اتفق النقصان بسبب الرد المذكور.

وإن كانت الزيادة عينا محضا كالفرس ، كان للغاصب أخذها وإعادة المغصوب وأرشه لو نقص.

وإن كانت الزيادة عينا من وجه كصبغ الثوب ، فإن كان الحاصل من الصبغ تمويها لا يحصل منه عين لو نزع فليس للغاصب

النزع لعدم مالية الصبغ على تقدير النزع ، وإن كان الحاصل من الصبغ عينا فإن كان يمكن فصله كان للغاصب إزالة الصبغ بشرط ضمان الأرش إن نقص الثوب وإن لم يأذن المالك بل وإن منع على المشهور ، لأن الصبغ مال للغاصب والناس مسلطون على أموالهم ، وغصبه لأصل العين لا يرفع ماليته عن الصبغ فيأخذ الصبغ وإن منع المالك ويرد العين جمعا بين الحقين.

وعن الإسكافي والعلامة في المختلف أنه ليس للغاصب قلع الصبغ بدون إذن المالك ، وعليه فإن لم يرض المالك بالنزع دفع قيمة الصبغ للغاصب ويجب على الغاصب إجابته ، لأن قلع الصبغ من الغاصب تصرف منه في مال المالك بغير إذنه فلا يصح ، بل قد يكون نزع الصبغ مستلزما نقص الثوب فكيف يجوز للغاصب نزعه مع استلزامه النقص المذكور وفيه أن تملك المالك للصبغ بدون إذن الغاصب كذلك عدوان آخر والظالم لا يستباح ظلمه ، وترك العين مع صبغها من دون تصرف منهما ضرر عليهما ، وبيع كل واحد منهما ماله منفردا عن الآخر لا يرغب فيه ولا دليل على وجوبه فليس إلا جواز نزع الغاصب صبغه وإن لم يأذن المالك. كما عليه المشهور ، واستلزام نقص الثوب بنزع الصبغ منجبر بدفع الغاصب للأرش جمعا بين الحقين.

(١) على الغاصب.

(٢) للغاصب.

(٣) أي زيادة القيمة ، وهذا إذا كانت الزيادة القيمية بفعل الغاصب للأثر المحض كطحن الحنطة وخياطة الثوب بخيوط المالك.

(٤) أي عينا من وجه ، وإلا لو كانت الزيادة عينا محضا فله نزعها بلا خلاف ويضمن الأرش لو نقصت العين.

(٥) أي فللغاصب.

(٦) إذا كان الصبغ عينا على تقدير نزعه ، وأما لو كان تمويها فليس له النزع لعدم المالية لو نزعه.


لأنه ماله (١) (إن قبل الفصل) (٢) ولو (٣) بنقص قيمة الثوب (٤) جمعا بين الحقين (٥) (و) نقص الثوب (٦) ينجبر بأن الغاصب(يضمن (٧) أرش الثوب) ولا يرد أن قلعه (٨) يستلزم التصرف في مال الغير بغير إذن (٩) وهو (١٠) ممتنع ، بخلاف تصرف مالك الثوب في الصبغ ، لأنه (١١) وقع عدوانا. لأن (١٢) وقوعه (١٣) عدوانا لا يقتضي إسقاط ماليته (١٤) ، فإن ذلك (١٥) عدوان آخر ، بل غايته (١٦) أن ينزع (١٧) ولا يلتفت إلى نقص قيمته (١٨) ، أو اضمحلا له ، للعدوان بوضعه.

ولو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم تجب إجابته (١٩) كما لا يجب قبول

______________________________________________________

(١) أي لأن الصبغ مال الغاصب بحسب الفرض.

(٢) أي إن قبل الصبغ الفصل عن الثوب ، وإلا فلو لم يمكن الفصل صار الغاصب شريكا مع المالك في الثوب المغصوب ، لاختلاط المالين الموجب للشركة بينهما.

(٣) أي لو كان القلع.

(٤) ولو كان القلع بغير إذن المالك بل ومنعه.

(٥) حق الغاصب في الصبغ وحق المالك في العين المغصوبة.

(٦) أي نقص الثوب الحاصل من قلع الصبغ ، وهذا عرض للدليل الثاني لقول الإسكافي والعلامة في المختلف.

(٧) وهذا رد للدليل الثاني.

(٨) أي قلع الغاصب للصبغ ، وهذا عرض للدليل الأول لقول غير المشهور.

(٩) أي بغير إذن من الغير.

(١٠) أي التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(١١) أي الصبغ.

(١٢) تعليل لعدم ورود هذا الدليل.

(١٣) أي وقوع الصبغ.

(١٤) أي مالية الصبغ ، لأن الظالم لا يستباح ظلمه ، لأنه عدوان آخر ، والظلم لا يقابل بالظلم.

(١٥) أي إسقاط مالية الصبغ الذي وقع عدوانا.

(١٦) أي غاية هذا الدليل.

(١٧) أي ينزع الصبغ من قبل الغاصب.

(١٨) أي قيمة الصبغ.

(١٩) لو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم يجب القبول على الآخر ، لأن كل واحد مسلّط على ـ


هبته (١).

نعم لو طلب مالك الثوب بيعهما ليأخذ كل واحد حقه لزم الغاصب أجابته (٢) ، دون العكس (٣).

(ولو بيع مصبوغا بقيمته مغصوبا) بغير صبغ (٤) (فلا شي‌ء للغاصب) لعدم الزيادة بسبب ماله (٥).

هذا إذا بقيت قيمة الثوب بحالها. أما لو تجدد نقصانه (٦) للسوق فالزائد للغاصب (٧) ، لأن نقصان السوق مع بقاء العين غير مضمون.

نعم لو زاد الباقي عن قيمة الصبغ كان الزائد بينهما على نسبة المالين (٨) كما

______________________________________________________

ـ ماله ، ولا يحل مال المسلم إلا عن طيب نفسه ، وعن الإسكافي والعلامة في المختلف أنه لو لم يرض المالك بالقلع ودفع قيمة الصبغ وجب على الغاصب القبول ، ومما تقدم تعرف ضعفه.

(١) أي لا يجب على أحدهما قبول هبة ما للآخر لما فيه من المنّة.

(٢) لأن المالك يعسر عليه بيع الثوب منفردا لقلة الراغب فيه في هذه الحالة ، والغاصب متعد فليس له الإضرار بالمالك بما يمنع من البيع.

(٣) أي لو طلب الغاصب بيعها معا ليأخذ كل منهما حقه لا يجب على المالك إجابته ، لأن الغاصب بتعديه لا يملك إزالة ملك غير المتعدي.

(٤) لو بيع الثوب المصبوغ بقيمته من دون صبغ ، وكان النقص لا لتغير السوق ، وإنما لكونه مغصوبا فلا يستحق الغاصب شيئا ، لأن نقص الثوب من غير تغير السوق مضمون عليه ، وقد نقص بمقدار مالية صبغه فلا شي‌ء له.

(٥) تعليل للزيادة ، وعدم الزيادة معلول لغصبه.

(٦) أي نقصان الثوب.

(٧) كما إذا كانت قيمة الثوب خمسة دراهم فتنزلت إلى ثلاثة ثم بعد الصبغ بلغت خمسة ، فالزائد على قيمة الثوب التي تنزلت إلى ثلاثة وهو الدرهمان يكون للغاصب ، لأنه قيمة صبغه ، وأما نقصان الثوب لكونه للسوق لا لنقص فيه ليس مضمونا على الغاصب ، لأن الغاصب يضمن قيمة الثوب السوقية وقت التلف ، لا عند وجود نفس العين ، وعلى كل فالغاصب والمالك شريكان في الثوب المغصوب ، فيكون للمالك قيمة ثوبه وهي ثلاثة ، وللغاصب قيمة الصبغ وهي درهمان.

(٨) كما إذا كانت قيمة الثوب خمسة دراهم ثم تنزلت بسبب السوق إلى ثلاثة ، وكان قيمة ـ


لو زادت القيمة عن قيمتهما من غير نقصان (١) ، ولو اختلف قيمتهما بالزيادة والنقصان للسوق فالحكم للقيمة الآن (٢) ، لأن النقص غير مضمون (٣) في المغصوب للسوق وفي الصبغ (٤) مطلقا (٥) ، فلو كان قيمة كل واحد خمسة وبيع بعشرة إلا أن قيمة الثوب ارتفعت إلى سبعة ، وقيمة الصبغ انحطت إلى ثلاثة فلصاحب الثوب سبعة ، وللغاصب ثلاثة وبالعكس.

(ولو غصب شاة فأطعمها المالك (٦) جاهلا) بكونها شاته(ضمنها الغاصب)

______________________________________________________

ـ الصبغ درهما ولكن انضمام الصبغ إلى الثوب يزيد درهما آخر بإزاء ما حصل من صفة الاجتماع بينهما ، فلو بيع الثوب بخمسة دراهم كان للمالك ثلاثة قيمة ثوبه ، وللغاصب درهم قيمة صبغه ، والدرهم الزائد بينهما على نسبة المالين ، فللمالك ثلاثة أرباعه وللغاصب ربعه.

(١) كما لو كان قيمة الثوب خمسة وقيمة الصبغ خمسة فيكون مجموع القيمتين عشرة ، ولكن بلغت قيمة المجموع لأجل اجتماعهما الموجب لزيادة كل منهما بحسبه خمس عشرة درهما ، كانت هذه الخمسة الزائدة بينهما بالمناصفة على نسبة المالين كما أن العشرة بينهما بالمناصفة.

ومعنى عبارة الشارح أنه لو زادت قيمة الثوب المصبوغ بسبب اجتماعهما عن قيمة كل من الثوب والصبغ حال انفرادهما من غير نقصان لقيمة كل منهما عن الآخر.

وإلا لو كانت قيمة أحدهما أنقص بحيث كان قيمة الصبغ واحدا وقيمة الثوب خمسة وبيع الثوب المغصوب بخمسة عشر كان الزائد عن القيمتين تسعة ، وهذا الزائد يقسم أسداسا ، فخمسة أسداس لصاحب الثوب وسدس لصاحب الصبغ.

(٢) أي فالحكم بالتقسيم للقيمة السوقية الفعلية فلو كانت قيمة الثوب خمسة والصبغ خمسة ، ولكن ارتفعت قيمة الثوب في السوق إلى سبعة وقد انحطت قيمة الصبغ إلى ثلاثة وبيع الثوب بعشرة كان للمالك سبعة وللغاصب ثلاثة ، لأن الحكم يتعلق بما صارت القيمة إليه ، ولا أثر للخمسة بعد تغيّر السوق ، ولو انعكس الأمر انعكس الحكم أيضا ، لأن نقص السوق غير مضمون على الغاصب.

(٣) على الغاصب.

(٤) غير مضمون على مالك الثوب.

(٥) سواء كان النقص للسوق أو لغيره.

(٦) أي أطعم الغاصب المالك الشاة وهو جاهل بكونها شاته ، وهذه هي مسألة الغرور ، وقد تقدم البحث فيها. ـ


له ، لضعف المباشر (١) بالغرور فيرجع على السبب (٢) ، وتسليطه (٣) المالك على ماله وصيرورته (٤) بيده على هذا الوجه (٥) لا يوجب البراءة ، لأن التسليم غير تام فإن التسليم التام تسليمه على أنه ملكه يتصرف فيه كتصرف الملاك ، وهنا ليس كذلك ، بل اعتقد (٦) أنه (٧) للغاصب ، وأنه (٨) أباحه إتلافه بالضيافة ، وقد يتصرف بعض الناس فيها (٩) بما لا يتصرفون في أموالهم كما لا يخفى.

وكذا الحكم (١٠) في غير الشاة من الأطعمة ، والأعيان المنتفع بها كاللباس(ولو أطعمها غير صاحبها) (١١) في حالة كون الآكل(جاهلا ضمّن المالك) قيمتها

______________________________________________________

ـ وعلى كل فلو قدمها الغاصب لمالكها بعنوان أنها ملك للغاصب ، أو استدعاه فذبحها مع جهل المالك ضمن الغاصب بلا خلاف ولا إشكال وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف ولتسلم المال.

فيضمن الغاصب وهو السبب دون المالك وهو المباشر ، لضعف المباشر لغروره ، ويضمن الغاصب مع أن المالك قد تسلم ماله إلا أن التسليم ليس تسليما تاما يتصرف فيه تصرف الملّاك.

(١) أي المباشر للإتلاف وهو المالك.

(٢) وهو الغاصب.

(٣) أي تسليط الغاصب من باب إضافة المصدر إلى فاعله.

(٤) أي صيرورة المال بيد المالك.

(٥) من جهل المالك بأنه ماله.

(٦) أي المالك.

(٧) أي أن المال.

(٨) أي واعتقد المالك أن الغاصب.

(٩) في الضيافة.

(١٠) من ضمان الغاصب دون المالك.

(١١) أي أطعم الغاصب الشاة غير صاحبها ، فقد ترتبت الأيدي على المغصوب ، وهي يد الآكل ويد الغاصب ، فيتخير المالك في تضمين كل منهما ، للمباشرة في الأكل والغصب في الغاصب.

غايته إن رجع المالك على الغاصب ، لم يرجع الغاصب على الآكل لغروره لقدومه على أن الأكل مجانا لا يتعقبه الضمان ، وإن رجع المالك على الآكل رجع الثاني على الغاصب ، لأنه مغرور ، والمغرور يرجع على من غرّه ، وعليه فالضمان يستقر على الغاصب بالأخير. ـ


(من شاء) من الآكل ، والغاصب ، لترتب الأيدي كما سلف (١) (والقرار) أي قرار الضمان(على الغاصب) ، لغروره للآكل بإباحته الطعام مجانا مع أن يده (٢) ظاهرة في الملك وقد ظهر خلافه.

(ولو مزج) الغاصب(المغصوب بغيره) (٣) ، أو امتزج في يده بغير اختياره(كلّف قسمته) بتمييزه(إن أمكن) التمييز(وإن شق) كما لو خلط الحنطة بالشعير ، أو الحمراء بالصفراء لوجوب رد العين حيث يمكن(ولو لم يمكن) التمييز (٤) كما

______________________________________________________

ـ وقيل وإن كنا لم نتحقق قائله منا كما في الجواهر أنه يرجع على الغاصب من رأس ، ولا ضمان على الأكل ، لأن فعل المباشر ضعيف عن التضمين لأنه مغرور فكان السبب أقوى ، وهو المنقول عن الشافعي.

وفيه : إن ضعف المباشر لم يبلغ حدا ينتفي به الرجوع عليه مع كونه هو المتصرف في مال الغير ، غايته إن رجع المالك عليه ، رجع هو على الغاصب لغروره.

(١) في مسألة تعاقب الأيدي على المغصوب.

(٢) أي يد الغاصب.

(٣) إذا خلط الغاصب المغصوب بغيره ، أو اختلط وهو تحت يده ، فإن أمكن التمييز كلّف الغاصب بالتمييز وإن كان فيه مشقة كخلط الحنطة بالشعير ، بلا خلاف فيه ، لوجوب رد العين المغصوبة إلى مالكها ، والرد متوقف على التمييز المذكور فيجب.

إن قلت : إن التمييز المذكور حرجي ، والحرج منفي.

قلت إن أدلة الحرج والضرر مبنية على المنة والامتنان على الأمة المرحومة ، وهذا لا يناسب الغاصب لعدوانه ، فلذا يؤمر بوجوب الرد وإن كان حرجيا ، ولذا قيل : إن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال.

(٤) فإن لم يمكن التمييز كخلط الزيت بمثله ، فلا يخلو إما أن يمتزج بمثله في الجودة أو الرداءة ، أو بالأعلى منه ، أو بالأدنى منه.

فإن خلّط بمثله فعن الأكثر أن الغاصب شريك بنسبة ماله ، ولا يسقط حق المالك عن المغصوب ، وعن ابن إدريس : أنه يسقط حق المالك عن المغصوب ، لاستهلاك العين إذ لا يقدر الغاصب على ردها لو طلبها المالك وينتقل إلى المثل ، وردّ بأن ذلك لا يوجب خروجها عن ملك مالكها كما لو اختلط المالان بغير اختيارهما أو برضا المالكين ، وبأنه لو غصب رطلا من هذا ورطلا من هذا وخلطهما فلو جعلناهما بذلك مالكين فيلزم انتقال الملك فيهما إلى الغاصب ، وهو تملك اختياري بمحض العدوان.

وإن مزجه بالأجود فكذلك من كون الغاصب شريكا بنسبة ماله مع عدم سقوط حق ـ


لو خلط الزيت بمثله ، أو الحنطة بمثلها وصفا(ضمن المثل إن مزجه بالأردإ) ، لتعذر رد العين كاملة ، لأن المزج في حكم الاستهلاك من حيث اختلاط كل جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب وهو (١) أدون من الحق فلا يجب (٢) قبوله ، بل ينتقل إلى المثل.

وهذا (٣) مبني على الغالب من عدم رضاه (٤) بالشركة ، أو قول في المسألة (٥).

والأقوى تخييره (٦) بين المثل ، والشركة مع الأرش ، لأن حقه (٧) في العين لم يسقط ، لبقائها كما لو مزجها بالأجود ، والنقص بالخلط يمكن جبره بالأرش(وإلا) يمزجه بالأردى ، بل بالمساوي ، أو الأجود(كان شريكا) (٨) بمقدار عين

______________________________________________________

ـ المالك عن المغصوب.

وعن الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر يتخير الغاصب في دفع القدر من العين أو غيرها ، لأن العين قد استهلكت إذ لا يقدر على الرد لو طالبه المالك ، والتخيير في الحقيقة راجع إلى ضمان المثل ، لأنه حينئذ لا ينحصر في العين ، وإن مزجه بالأدون منه فلا خلاف كما في التنقيح بضمان المثل على الغاصب ، لتعذر رد العين كاملة ، لأن المزج هو اختلاط مال المالك بما هو أدون منه فلا يجب عليه قبوله فينتقل إلى المثل.

والإنصاف أن هذا الحكم مبني على الغالب من كون المالك لا يرضى بالشركة فلا يأتي الحكم فلذا حكم الشارح في الروضة هنا بالتخيير بين ضمان المثل أو الشركة مع الأرش على الغاصب ، لأن حق المالك في المغصوب لم يسقط لبقائه كما في الأجود والمماثل ، مع أن النقص بالخلط منجبر بالأرش.

(١) أي مال الغاصب.

(٢) أي لا يجب على المالك قبول ماله الذي نقص بسبب خلطه بالأردإ.

(٣) أي الحكم من الانتقال إلى ضمان المثل.

(٤) أي رضا المالك.

(٥) بل عرفت أنه لا خلاف فيه كما في التنقيح للمقداد.

(٦) أي تخيير المالك.

(٧) أي حق المالك.

(٨) أي المالك.


ماله (١) ، لا قيمته ، لأن الزيادة الحاصلة (٢) صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله كما لو صاغ (٣) النقرة (٤) وعلف الدابة فسمنت.

وقيل (٥) : يسقط حقه من العين (٦) ، للاستهلاك فيتخير الغاصب بين الدفع من العين ، لأنه متطوع بالزائد (٧) ، ودفع المثل.

والأقوى الأول.

(ومئونة القسمة (٨) على الغاصب) ، لوقوع الشركة بفعله (٩) تعديا.

هذا كله إذا مزجه (١٠) بجنسه ، فلو مزجه بغيره كالزيت بالشيرج (١١) فهو إتلاف ، لبطلان فائدته وخاصيته (١٢).

وقيل : تثبت الشركة هنا (١٣) أيضا (١٤) كما لو مزجاه (١٥) بالتراضي ، أو

______________________________________________________

(١) كما عليه الأكثر.

(٢) عند مزجه بالأجود.

(٣) أي الغاصب.

(٤) وهي الذهب أو الفضة المذابة لو صاغها حليا.

(٥) وهو ابن إدريس عند المزج بالمثل ، وهو ابن إدريس مع الشيخ عند المزج بالأجود.

(٦) أن يسقط حق المالك من العين المغصوبة ، وينتقل إلى ضمان المثل.

(٧) عند الخلط بالأجود ، والمتطوع هو الغاصب عند الدفع من العين.

(٨) إن أمكن التمييز فالمئونة على الغاصب ، بلا خلاف فيه ، لأن من حرّك ساكنا لزمه.

(٩) أي بفعل الغاصب.

(١٠) أي مزج المغصوب.

(١١) أي دهن السمسم أو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير لكان المغصوب مستهلكا فيضمن الغاصب المثل على المشهور ، وعن العلامة في التذكرة قول قواه بثبوت الشركة ، لأن إسقاط حق المالك من العين مع بقاء عينها بعيد ، كما لو مزجاه بالرضا ، أو امتزج كلا المالين بأنفسهما.

(١٢) أي خاصية المغصوب.

(١٣) فيما لو مزج المغصوب بغير جنسه.

(١٤) كما لو مزج المغصوب بجنسه.

(١٥) ضمير الفاعل المثنى راجع للمالك والغاصب ، وضمير المفعول راجع إلى المغصوب.


امتزجا (١) بأنفسهما (٢) ، لوجود العين (٣).

ويشكل (٤) بأن جبر المالك على أخذه (٥) بالأرش ، أو بدونه (٦) إلزام بغير الجنس في المثلي وهو خلاف القاعدة (٧) ، وجبر الغاصب (٨) إثبات لغير المثل عليه (٩) بغير رضاه ، فالعدول إلى المثل أجود ، ووجود العين غير متميزة من غير جنسها كالتالفة.

(ولو زرع) الغاصب(الحبّ (١٠) فنبت(أو أحضن (١١) البيض) فأفرخ(فالزرع والفرخ للمالك) على أصح القولين ، لأنه (١٢) عين مال المالك وإنما حدث بالتغير اختلاف الصور (١٣) ، ونماء الملك للمالك وإن كان بفعل الغاصب.

______________________________________________________

(١) أي كلا المالين.

(٢) في غير صورة الغصب.

(٣) تعليل لثبوت الشركة.

(٤) أي القول بثبوت الشركة.

(٥) أي أخذ حقه المختلط.

(٦) أي بدون الأرش.

(٧) إذ القاعدة في المثلي الإلزام بمثله من جنسه.

(٨) أي جبر الغاصب بالشركة.

(٩) على الغاصب.

(١٠) إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه ، فعن الشيخ في باب الغصب من الخلاف والمبسوط وابن حمزة في الوسيلة أن الزرع والفرخ للغاصب ، وعين المغصوب قد تلفت فلا يلزم الغاصب سوى قيمتها أو مثلها ، مع أن الفرخ والزرع غير الحب والبيض ومن قال إنهما عينهما فهو مكابر كما استدل الشيخ.

وعن الأكثر أن الزرع والفرخ للمغصوب منه ، لاستصحاب ملكه وإن تغيرت الصورة النوعية التي هي ليست عنوان الملكية ، ولذا لا إشكال في بقائهما على ملكه لو فرض استحالتهما إلى ذلك من دون غصب ، على أنه لو سلم بتلف المغصوب فالزرع والفرخ نماء لملكه وإن كان بفعل الغاصب ، فلا يملكه الغاصب.

(١١) حضن الطائر بيضه إذا أخذه تحت جناحه.

(١٢) أي الزرع والفرخ.

(١٣) أي الصور النوعية.


وللشيخ قول بأنه (١) للغاصب تنزيلا لذلك (٢) منزلة الإتلاف (٣) ، ولأن النماء بفعل الغاصب. وضعفهما ظاهر.

(ولو نقله (٤) إلى غير بلد المالك وجب عليه نقله) إلى بلد المالك(ومئونة نقله) وإن استوعبت إضعاف قيمته ، لأنه عاد بنقله فيجب عليه الرد مطلقا (٥) ولا يجب (٦) إجابة المالك إلى أجرة الرد مع إبقائه (٧) فيما انتقل إليه ، لأن حقه (٨) الرد ، دون الأجرة(ولو رضي المالك بذلك المكان) الذي نقله (٩) إليه(لم يجب) الرد على الغاصب ، لإسقاط المالك حقه منه (١٠) فلو ردّه (١١) حينئذ (١٢) كان له (١٣) إلزامه (١٤) برده إليه (١٥).

(ولو اختلفا في القيمة حلف الغاصب) (١٦) ، لأصالة البراءة من الزائد ولأنه

______________________________________________________

(١) أي الزرع والفرخ.

(٢) أي للحب والبيض.

(٣) فيضمن الغاصب مثله أو قيمته ويكون له الزرع والفرخ.

(٤) أي نقل الغاصب المغصوب إلى غير بلد المالك ، فيجب عليه إعادته إلى بلد المالك وعليه مئونة نقله ، لأن الغاصب مأمور بوجوب رد العين المغصوبة ، وهو متوقف على العود لو نقله إلى غير بلد المالك ، فيجب العود حينئذ من باب المقدمة ، وعليه مئونة النقل.

(٥) سواء كانت أجرة الرد تستوعب أضعاف قيمته أم لا.

(٦) على الغاصب.

(٧) أي إبقاء المغصوب في المكان الذي نقله إليه الغاصب.

(٨) أي حق المالك.

(٩) ضمير الفاعل للغاصب ، وضمير المفعول للمغصوب.

(١٠) من الرد.

(١١) أي ردّ الغاصب المغصوب.

(١٢) حين رضا المالك بذلك المكان.

(١٣) للمالك.

(١٤) أي إلزام الغاصب.

(١٥) أي برد المغصوب إلى المكان السابق ، لأن النقل الجديد غصب آخر.

(١٦) لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فعن المبسوط والخلاف وابن إدريس والمحقق والعلامة وكثير من المتأخرين أن القول قول الغاصب في القيمة مع اليمين عند تعذر بينة ـ


منكر (١) ما لم يدّع ما يعلم كذبه كالدرهم قيمة للعبد فيكلّف بدعوى قدر يمكن ، مع احتمال تقديم قول المالك حينئذ (٢).

وقيل : يحلف المالك مطلقا (٣). وهو ضعيف.

(وكذا) يحلف الغاصب(لو ادعى المالك) إثبات(صناعة (٤) يزيد بها الثمن) (٥) ، لأصالة عدمها ، وكذا (٦) لو كان الاختلاف في تقدمها (٧) لتكثر

______________________________________________________

ـ المالك ، لأن الغاصب منكر للزيادة والمالك يدعيها والأصل عدمها.

وعن النهاية للشيخ والمقنعة للمفيد بل نسب إلى الأكثر كما في التحرير وإن قال في الجواهر : (وإن كنا لم نجده لغيرهما) أن القول قول المالك لصحيح أبي ولّاد الحناط المتقدم (قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال عليه‌السلام : أنت وهو ، إما أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك) (١).

وهو يدل على تقديم قول المالك مع الحلف ، وبه تخصص القاعدة العامة ، وهذا التخصيص موافق للاعتبار إذ الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال ولازمه عدم قبول قوله ما لم يردّ المالك الحلف عليه.

ثم على القول الأول من تقديم قول الغاصب يقدّم قوله إذا ادعى ما يحتمل كونه قيمة للمغصوب ، أما لو ادعى ما يعلم كذبه عادة لم يقبل وطولب بجواب آخر محتمل فيقبل منه ، ولا يلزم من الغاء قوله لعارض كذبه إلغاء قوله مطلقا حيث يوافق الأصل.

(١) أي منكر للزيادة والأصل عدمها.

(٢) على تقدير ذلك الادعاء المكذوب.

(٣) أي حين ادعاء الغاصب ما يعلم كذبه.

(٤) سواء ادعى الغاصب ما يعلم كذبه أم لا.

(٥) إذا تلف المغصوب وادعى المالك فيه صفة يزيد بها الثمن كمعرفة الصنعة فلا خلاف في أن القول قول الغاصب مع يمينه ، لأصالة عدم الصنعة ، إذ معرفتها أمر حادث والأصل عدمه.

(٦) أي ويحلف الغاصب.

(٧) أي تقدم الصنعة ، كأن يدعي المالك حصول الصنعة في العبد المغصوب قبل الغصب لتكثر الأجرة ، والغاصب يدعيها بعد الرد ، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأصالة عدم التقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الغصب حديث ١.


الأجرة ، لأصالة عدمه (١) ، (وكذا) يحلف الغاصب(لو ادعى التلف) (٢) وإن كان (٣) خلاف الأصل ، لإمكان صدقه ، فلو لم يقبل قوله (٤) لزم تخليده الحبس لو فرّض التلف ، ولا يرد مثله (٥) ما لو أقام المالك بينة (٦) ببقائه (٧) مع إمكان كذب

______________________________________________________

(١) أي عدم التقدم.

(٢) لو ادعى الغاصب تلف المغصوب فلا يجب عليه الرد فأنكر المالك ، قدّم قول الغاصب مع يمينه بلا خلاف فيه ، وليس تقديم قوله مع أنه على خلاف الأصل ، إذ الأصل هنا يقتضي تقديم قول المالك لأنه منكر ، إلا لأن الغاصب لو لم يقبل قوله للزم تخليده في السجن لو فرض صدقه ، وقد يصدق ولا بينة له ، فلو طولب بالبينة حينئذ للزم تكليف بما لا يطاق ، وتخليده في السجن.

إن قلت : إذا قدّم قول الغاصب مع يمينه للزم كون المالك مدعيا ، ويقبل قوله مع البينة ، فلو أقام المالك البينة على بقاء العين المغصوبة ، لكلّف الغاصب بردها ، وعلى تقدير صدقه بالتلف يتعذر عليه الرد ، ويحبس حينئذ مع كونه صادقا ، فكذلك لو قدّمنا قول المالك مع يمينه كما هو مقتضى الأصل للزم حبس الغاصب مع إمكان صدقه ، بلا فرق بين المقامين.

إن قلت : الفرق واضح ، إذ مع قيام البينة يحكم بثبوت بقاء العين ظاهرا ، وعلى هذا الظاهر يجوز حبسه إلى أن يظهر للحاكم أن ترك الغاصب للرد ليس عنادا بل لتلفها ، وحينئذ ينتقل إلى البدل عند تعذر الوصول إلى العين.

بخلاف الاعتماد على الأصل فإنه حجة ضعيفة مختلف فيها بين الفقهاء والأصوليين ، فلا يناسبها التضييق بالعقوبة ونحوها كما في المسالك.

وفيه أنه فرق غير فارق ما دام الاعتبار ثابت لكل من البينة والأصل ، وعليه فإن قام إجماع على تقديم قول الغاصب مع يمينه في التلف فهو وإلا فالأصل يقتضي تقديم قول المالك مع يمينه وإن لزم تخليد الغاصب بالسجن إلى أن يظهر للحاكم أن عدم الرد ليس عنادا فينتقل إلى البدل عند تعذر الوصول إلى العين.

(٣) أي ما ادعاه من التلف.

(٤) لقبل قول المالك مع يمينه ، ومع هذا التقديم يكلّف الغاصب بالرد ، وعند الامتناع على تقدير التلف وكان صادقا واقعا يحبس ، وإن استمر الامتناع يخلّد في السجن.

(٥) وهو تخليد الغاصب في السجن على تقدير تلف المال إذا كان الغاصب صادقا في دعواه.

(٦) بناء على أن الغاصب منكر كما تقدم فلا محالة يكون المالك مدعيا ، ويقبل قوله حينئذ مع البينة.

(٧) أي ببقاء المغصوب.


البينة ، لأن (١) ثبوت البقاء (٢) شرعا (٣) مجوّز للإهانة والضرب إلى أن يعلم خلافه (٤) ، ومتى حلف (٥) على التلف طولب بالبدل وإن كانت العين باقية بزعم المالك (٦) ، للعجز عنها (٧) بالحلف (٨) كما يستحق (٩) البدل مع العجز عنها (١٠) وإن قطع بوجودها ، بل هنا (١١) أولى (١٢) (أو ادعى) (١٣) الغاصب(تملك ما على العبد)

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم إيراد مثله.

(٢) أي بقاء المغصوب.

(٣) أي عند قيام البينة.

(٤) وللدليل تتمة وهي : بخلاف الأصل فإنه حجة خفيفة فلو حلف المالك فلم يثبت بقاء المغصوب شرعا حتى تجوز إهانة الغاصب وضربه إلى أن يعلم خلافه.

(٥) أي الغاصب بناء على تقديم قول الغاصب مع يمينه وإن كان على خلاف الأصل.

(٦) لأنه يدعي وجودها عند الغاصب وينكر تلفها المدعى من قبل الغاصب وفي هذا رد على بعض العامة حيث ذهب إلى أن المالك ليس له أن يطالب بالبدل ، لأنه يزعم بقاء العين فلا يستحق بدلها ، ووجه الرد أن الانتقال إلى البدل قد يكون لتلف العين ، وقد يكون لتعذر ردها وإن كانت باقية كما تقدم في المباحث السابقة ، والأمر هنا من هذا القبيل ، إذ يتعذر رد العين بسبب حلف الغاصب ، لأنه مع حلفه يجب أن يصدّق ولا يطالب برد العين بل ببدلها.

(٧) عن العين.

(٨) أي بسبب الحلف ، لأن الغاصب يجب أن يصدق لو حلف على التلف.

(٩) أي يستحق المالك.

(١٠) أي مع العجز عن الوصول إلى العين.

(١١) في صورة حلف الغاصب على التلف.

(١٢) لأنه في صورة الحلف فالعين تالفة بنظر الغاصب ، بخلاف مقام التعذر والعجز عن الوصول إلى العين ، فالعين باقية بنظر الغاصب.

(١٣) أي وكذا يحلف الغاصب لو ادعى ... ، وحاصل المسألة لو اختلفا فيما على العبد المغصوب من ثوب أو خاتم أو نحوهما ، فقال المالك : هو لي ، فقال الغاصب : بل هو لي ، فالقول قول الغاصب مع يمينه ، بلا خلاف فيه ، لأن يده حالة الغصب هي على الجميع فيقدم قول لهذا الظاهر ، ولا يعارضه سبق يد المالك على العبد ، لأنها قد زالت بطروّ يد الغاصب التي حكم بسببها بضمانه للعين والمنفعة ، وهذا مما يدل على ترجيح يده على يد المالك.


(من الثياب) ونحوها ، لأن العبد بيده ، ولهذا يضمنه ومنافعه فيكون ما معه (١) في يده (٢) فيقدم قوله في ملكه.

(ولو اختلفا في الرد حلف المالك) (٣) ، لأصالة عدمه ، وكذا (٤) لو ادعى (٥) ردّ بدله مثلا ، أو قيمة (٦) ، أو تقدم (٧) رده على موته (٨) وادعى المالك موته قبله (٩) ، لأصالة عدم التقدم (١٠) ولا يلزم هنا (١١) ما لزم في دعوى التلف (١٢) ،

______________________________________________________

(١) أي ما مع العبد.

(٢) أي يد الغاصب.

(٣) بلا خلاف فيه ، لأصالة عدم الرد فيكون المالك منكرا.

(٤) أي يحلف المالك.

(٥) أي الغاصب.

(٦) عند تعذر ردّ العين أو تلفها.

(٧) أي وكذا لو ادعى الغاصب تقدم رده على موته فيحلف المالك ، وأصل المسألة فيما لو مات العبد فقال الغاصب : رددته قبل موته ، وقال المالك : بعد موته ، فالقول قول المالك مع يمينه على المشهور ، لأن الرد والموت أمران حادثان وأصالة عدم تقدم الرد على الموت معارض بأصالة عدم تقدم الموت على الرد فيتساقطان فيبقى أصالة ضمان المغصوب في عهدة الغاصب على حالها فلذا يضمن الغاصب ويقدّم قول المالك مع يمينه. وعن الشيخ في الخلاف لو عملنا في هذا بالقرعة لكان جائزا ، لأنه مع تعارض الأصلين يقتضي الإشكال ، والقرعة لكل أمر مشكل ، وفيه أنه مع بقاء أصالة الضمان على حالها فلا إشكال.

(٨) أي موت العبد المغصوب.

(٩) قبل الرد.

(١٠) أي عدم تقدم الرد على الموت ، وفيه أنه معارض بأصالة عدم تقدم الموت على الرد فيتساقطان ، وتبقى أصالة الضمان وبها يقدّم قول المالك.

(١١) في تقديم قول المالك عند دعوى الغاصب الردّ علّق الشارح هنا كما في الطبعة الحجرية : (أي في مسألة الكتاب ، وهي قبول قول المالك في عدم الرد). وليس المراد منه تقديم قول المالك عند دعوى الغاصب الرد قبل موت المغصوب.

(١٢) من أنه إذا حلف المالك يكلّف الغاصب بالرد ، وهو متعذر عليه لأنه قد يكون صادقا فيلزم منه تخليده في السجن والتكليف بما لا يطاق.


للانتقال (١) إلى البدل (٢) حيث يتعذر تخليص العين منه (٣) ، لكن هل ينتقل إليه (٤) ابتداء (٥) ، أو بعد الحبس والعذاب إلى أن تظهر أمارة عدم إمكان العين نظر.

ولعل الثاني (٦) أوجه ، لأن الانتقال إلى البدل ابتداء (٧) يوجب الرجوع إلى قوله (٨) ، وتكليف (٩) بالعين مطلقا (١٠) قد يوجب خلود حبسه كالأول (١١) ، فالوسط (١٢) متجه. وكلامهم هنا (١٣) غير منقح.

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم اللزوم هنا بما يلزم في دعوى التلف.

(٢) قال الآقا جمال في حاشيته : (لا يخفى أن الحكم بالانتقال إلى البدل حيث يتعذر التخلص يأتي في المسألة السابقة أيضا ، إذ يمكن فيها أيضا الحكم باليمين على المنكر كما هو القاعدة ، ويدفع ما ألزم فيها من تخليد الحبس بالحكم بالانتقال المذكور ، فالتفرقة بين المسألتين بهذا الوجه سخيف جدا) ، انتهى ، ولذا قلنا سابقا بتقديم قول المالك مع اليمين في دعوى الغاصب التلف لأنه الموافق للقاعدة ، إلا أن يقوم إجماع على تقديم قول الغاصب مع اليمين.

(٣) من الغاصب.

(٤) إلى البدل عند حلف المالك على عدم الرد.

(٥) أي بمجرد الحلف.

(٦) وهو الانتقال إلى البدل بعد الحبس والعذاب.

(٧) أي بمجرد الحلف.

(٨) أي قول الغاصب ، وفيه : أن الرجوع إلى قوله ليس في محله ، لأن قول الغاصب أن يحلف هو على الرد ولا يلزم بشي‌ء من الرد ولا البدل وهنا يحلف المالك ويلزم الغاصب بردّ البدل فلم يلزم الرجوع إلى قوله.

(٩) أي تكليف الغاصب.

(١٠) حتى لو كان الغاصب صادقا في دعواه الرد.

(١١) أي كالمسألة السابقة عند اختلاف المالك والغاصب في التلف.

(١٢) من حلف المالك على عدم الرد مع تكليف الغاصب بالبدل بعد الحبس والعذاب إلى أن تظهر أمارة على عدم إمكان العين.

(١٣) أي كلام الأصحاب في مسألة الرد والانتقال إلى البدل ابتداء أو بعد الحبس والعذاب.


كتاب اللقطة



(كتاب اللقطة (١)

(اللقطة) بضم اللام وفتح القاف اسم للمال الملقوط ، أو (٢) للملتقط. كباب فعلة (٣) كهمزة ولمزة أو بسكون القاف اسم للمال (٤) وأطلق (٥) على ما يشمل

______________________________________________________

(١) بضم اللام وفتح القاف اسم للمال الملقوط كما صرح به غير واحد من أهل اللغة ، بل عن أبي عبيدة أن التحريك عليه عامة أهل العلم ، وعن الأزهري أنه قول جميع أهل اللغة وحذّاق النحويين.

وعن الخليل بن أحمد ـ كما في التذكرة ـ أنها بالسكون للمال ، وبالفتح اسم للملتقط ، لأن ما جاء على وزن فعله مثل (همزه لمزه) فهو اسم فاعل وعلى كل فاللقطة لغة وعرفا هي المال ، إلا أن بعض الفقهاء أطلقوها تجوزا على ما يشمل الآدمي وهي الحر ، وبعضهم خصّها بالمال وأفرد للّقيط بابا آخر والدليل على مشروعيتها الأخبار الكثيرة.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (واللقطة يجدها الرجل ويأخذها قال : يعرّفها سنة ، فإن جاء لها طالب ، وإلا فهي كسبيل ماله) (١).

(٢) الترديد باعتبار الخلاف الواقع بين أهل اللغة والخليل بن أحمد ، وليس هو تعميما للمعنى.

(٣) قيد للأخير فقط كما هو واضح.

(٤) لا خلاف بينهم في أنها بالتسكين اسم للمال ، لكن بحثوا في أن التسكين من لحن العامة أو لا.

(٥) أي اسم اللقطة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب اللقطة حديث ١.


الإنسان (١) تغليبا(وفيه فصول).

الأول في اللقيط

(اللقيط) (٢) وهو فعيل بمعنى مفعول كطريح وجريح. ويسمى منبوذا (٣). واختلاف اسميه باعتبار حالتيه إذا ضاع فإنه ينبذ أولا أي يرمى ثم يلقط(وهو (٤) إنسان ضائع لا كافل له) (٥) حالة الالتقاط(ولا يستقل بنفسه) (٦) أي بالسعي على ما يصلحه ويدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادة(فيلتقط الصبيّ (٧)

______________________________________________________

(١) أي اللقيط والملقوط.

(٢) اللقيط هو الملقوط ، لأن فعيل بمعنى مفعول كجريح وطريح ، فهما في معنى واحد ، هذا واعلم أنهم قسّموا الملقوط إلى أقسام ثلاثة ، وهي اللقيط للإنسان الملقوط ، والضالة للحيوان الملقوط ، واللقطة للمال الملقوط ، وقد صح التقسيم باعتبار أن لكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة حكما يخصه كما سيأتي بيانه.

(٣) أي ويسمى اللقيط منبوذا ، والمنبوذ هو المطروح ، وقد صح تسميته بالمنبوذ وباللقيط باعتبار حالتيه ، فإنه ينبذ أولا ثم يلتقط.

(٤) أي اللقيط.

(٥) ففي النافع والقواعد والتذكرة أنه كل صبي ضائع لا كافل له حال الالتقاط ، وفي الجواهر أنه لا أجد خلافا في غير المميز.

وعلى كل احترز بالصبي عن البالغ ، فإنه مستغني عن الحضانة والتعهد فلا معنى لالتقاطه ، نعم لو وقع في معرض هلاك وجب تخلصه كفاية ، واحترز بالضائع عن غيره المنبوذ وإن لم يكن له كافل ، فإنه لا يصدق عليه اسم اللقيط ، وإن كانت كفالته واجبة كفاية كالضائع ، إلا أنه لا يسمى لقيطا.

واحترز بأنه لا كافل له عن الضائع المعروف النسب ، فإن أباه وجده ومن يجب عليه حضانته مختصون بحكمه ، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعا نعم يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من يجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة.

(٦) احتراز عن البالغ العاقل ، لأنه وصف للصبي والمجنون.

(٧) الصبي إما مميز أو لا ، والثاني يجوز التقاطه ، لأنه المتيقن من نصوص اللقيط وسيأتي بعضها ، وهو المتيقن من كلام أهل اللغة والسيرة ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.

والأول يجوز التقاطه كما عليه المشهور لصدق كونه لقيطا ، ولعجزه عن دفع ضروراته ، ولعجزه عن التربية والتعهد وإن كان قادرا على دفع ضروراته ، وعن البعض كما في ـ


(والصبية) وإن ميّزا على الأقوى ، لعدم استقلالهما بأنفسهما(ما لم يبلغا) فيمتنع التقاطهما حينئذ (١) ، لاستقلالهما ، وانتفاء الولاية عنهما.

نعم لو خاف على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ، ونحوه ، والمجنون بحكم الطفل (٢) ، وهو داخل في إطلاق التعريف وإن لم يخصه في التفصيل وقد صرح بإدخاله في تعريف الدروس (٣). واحترز بقوله : لا كافل له ، عن معلوم الولي ، أو الملتقط (٤) (فإذا علم الأب ، أو الجد) وإن علا،

______________________________________________________

ـ الرياض عدم جواز التقاطه لبلوغه حدا يحفظ نفسه من الهلاك فيكون أمره إلى الحاكم كالبالغ.

وفيه : أن قوله تعالى : (قٰالَ قٰائِلٌ مِنْهُمْ لٰا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيٰابَتِ الْجُبِّ ، يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّٰارَةِ ، إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ) (١) دال على إطلاق الالتقاط على يوسف عليه‌السلام ، وهو كان مميّزا كما تشهد به رؤياه التي قصّها على أبيه قبل رميه في البئر ، ومنه تعرف ضعف استثناء المحقق الثاني والشهيدين للمراهق قبل البلوغ ، لأنه مستغني عن التعهد والتربية فكان كالبالغ في حفظ نفسه ، ويدفعه إطلاق الالتقاط على يوسف وهو مستغني عن التعهد والتربية.

(١) حين بلوغهما.

(٢) فالمجنون وإن كان بالغا فهو غير مستقل بنفسه فلو ضاع ولا كافل له فهو يندرج تحت تعريف المصنف للّقيط هنا ، وقد صرّح بإدخاله في الدروس ، وتبعه الكركي والشارح في المسالك.

وعن الجواهر العدم لعدم شمول اللقيط لغة للمجنون البالغ ، ولعل العرف يساعد عليه أيضا كما في الجواهر ، هذا ووجوب حفظه عن التلف وإنقاذه من الهلكة كالعاقل لا يثبت له حكم الالتقاط ، ويكفي فيه إيصاله إلى الحاكم المتولي لأمره.

(٣) حيث قال في الدروس : (اللقيط كل صبي أو صبية أو مجنون ضائع لا كافل له).

(٤) أي معلوم الملتقط ، وهو الصبي الملقوط فإنه في يد الملتقط ، ويصدق أن له كافلا ، فلا يجوز التقاطه ثانيا ، بل لو ضاع أو نبذه الملتقط الأول فيرد إلى الملتقط الأول على تقدير ضياعه ، ويلزم يأخذه على تقدير نبذه ، لتعلق الحكم به بأخذه عند التقاطه أولا ، ولا دليل على سقوطه عنه بنبذه أو ضياع اللقيط.

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ١٠.


والأم وإن صعدت(أو الوصي ، أو الملتقط السابق) مع انتفاء الأولين (١) (لم يصح) التقاطه(وسلم إليهم) وجوبا ، لسبق تعلق الحق بهم فيجبرون على أخذه.

(ولو كان اللقيط مملوكا (٢) حفظ) وجوبا(حتى يصل إلى المالك) (٣) أو وكيله

______________________________________________________

(١) وهما الأب والجد إذا قرئت بالتثنية ، وهذا يكون بالنظر إلى عبارة الماتن ، ويصح قراءتها بالعكس فيكون جمعا يراد به الأب والجد والأم ، ويكون بالنظر إلى عبارة الشارح وهو الأولى.

(٢) إذا ضاع المملوك سواء كان ذكرا أم أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا ، جاز التقاطه كما صرح بذلك غير واحد ، لأنه مال ضائع فيجوز التقاطه ، ويكون لقطة حينئذ لا لقيطا.

وبهذا يحصل الفرق بين الحر والمملوك حيث يشترط الصغر في الحر دون المملوك ، لأن المملوك لا يخرج بالبلوغ عن المالية بخلاف الحر فإنه يحفظ نفسه عند البلوغ عادة ، مع أن القصد من اللقيط حفظه وحضانته فيختص بالصغير.

هذا وعن الشيخ في المبسوط وجماعة أن جواز التقاط المملوك مختص بالصغير الذي لا يتحفظ بنفسه ، لأن البالغ يستقل بنفسه في الحفظ فيكون كالضالة الممتنعة بنفسها وهي البعير فقد ورد المنع عن التقاطها كما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشاة الضالة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : وما أحبّ أن أمسّها ، وسئل عن البعير الضالّ ، فقال للسائل : ما لك وله خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، خلّ عنه) (١).

وفيه : أن المملوك الكبير مال فإذا ضاع يندرج تحت موضوع لقطة المال ، فيجوز التقاطه ، ويدل عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : لا ، إنما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها) (٢) ، وهو صريح في جواز التقاطها ، وهي كبيرة قابلة لاستحلال فرجها.

(٣) إذا جاز التقاط المملوك فيجب حفظه لأنه مال للغير ، ويجب إيصاله إلى مالكه إن علم ولا يجوز تملكه كما عن العلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس لصحيح علي بن جعفر المتقدم حيث حصر البيع بالإنفاق ولازمه عدم مشروعية التملك مطلقا ، فضلا عن أصالة بقاء المملوك على ملك مالكه وعن العلامة في القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التفريق حولا ، وهو قول الشيخ في المبسوط وقوّاه الشارح في المسالك ، لأنه مال ضائع ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب اللقطة حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب اللقطة حديث ٨.


ويفهم من إطلاقه عدم جواز تملكه (١) مطلقا ، وبه صرح في الدروس.

واختلف كلام العلامة. ففي القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التعريف حولا. وهو قول الشيخ ، لأنه مال ضائع يخشى تلفه ، وفي التحرير أطلق المنع من تملكه محتجا بأن العبد يتحفظ بنفسه كالإبل. وهو (٢) لا يتم في الصغير (٣) ، وفي قول (٤) الشيخ قوة(٥).

ويمكن العلم برقبته (٦) بأن يراه يباع في الأسواق مرارا قبل أن يضيع ولا يعلم مالكه ، لا بالقرائن (٧) من اللون وغيره ، لأصالة الحرية.

(ولا يضمن) (٨) لو تلف ، أو أبق(إلا بالتفريط) للإذن في قبضه شرعا فيكون أمانة (٩).(نعم الأقرب المنع من أخذه) (١٠) أي أخذ المملوك(إذا كان)

______________________________________________________

ـ يخشى تلفه وكل مال ضائع يخشى تلفه يجوز التقاطه ، ويجوز تملكه بعد تعريفه حولا على ما سيأتي بيانه في لقطة المال ، وهو ضعيف للصحيح المتقدم ، وبه يستثنى حكم اللقطة من التملك بعد تعريفها سنة.

(١) أي إطلاق الماتن.

(٢) أي تملك المملوك كبيرا كان أو صغيرا.

(٣) أي احتجاج العلامة في التحرير.

(٤) لأنه لا يتحفظ بنفسه ، وعليه لا خلاف بين قولي العلامة في التحرير والقواعد.

(٥) وهو قول العلامة في القواعد.

(٦) أي ويعلم كون اللقيط مملوكا مع الجهل بمالكه برؤيته قبل ضياعه أنه يباع مرة بعد أخرى ، ولا يعلم مالكه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا تكفي القرائن الظنية ولا اللون على أنه مملوك لأصالة الحرية.

(٧) أي ولا يمكن الاعتماد على رقيته بالقرائن ولا اللون.

(٨) بعد ما التقط المملوك فلو أبق أو ضاع من غير تفريط فلا يضمن الملتقط بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن يد الملتقط على اللقيط يد أمانة شرعية ، للأذن له في الالتقاط من قبل الشارع فلا يكون مضمونا عليه لو تلف أو ضاع أو عاب في يده إلا مع تعد أو تفريط فيضمن بلا خلاف فيه ولا إشكال لعدوانه حينئذ.

(٩) أي أمانة شرعية لا مالكية.

(١٠) أي التقاطه.

(١١) كما هو قول الشيخ في المبسوط وجماعة وقد تقدم دليله.


(بالغا (١) ، أو مراهقا) أي مقاربا للبلوغ ، لأنهما كالضالة الممتنعة (٢) بنفسها ، (بخلاف الصغير الذي لا قوة معه) على دفع المهلكات عن نفسه.

ووجه الجواز (٣) مطلقا (٤) أنه (٥) مال ضائع يخشى تلفه ، وينبغي القطع بجواز أخذه (٦) إذا كان مخوف التلف ولو بالإباق ، لأنه (٧) معاونة على البر ، ودفع لضرورة المضطر (٨). وأقل مراتبه (٩) الجواز (١٠). وبهذا (١١) يحصل الفرق بين الحر والمملوك ، حيث اشترط في الحر الصغر ، دون المملوك ، لأنه (١٢) لا يخرج بالبلوغ عن المالية (١٣) ، والحر إنما يحفظ عن التلف ، والقصد من لقطته حضانته وحفظه فيختص (١٤) بالصغير ، ومن ثمّ قيل (١٥) : إن المميز (١٦) لا يجوز لقطته.

______________________________________________________

(١) عن المهلكات.

(٢) أي جواز التقاط المملوك.

(٣) كبيرا كان أو صغيرا.

(٤) أي المملوك.

(٥) أي التقاط المملوك ولو كان كبيرا.

(٦) أي أخذ المملوك والتقاطه ولو كان كبيرا.

(٧) وقد قال تعالى : (وَتَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوىٰ) (١).

(٨) وهو المالك.

(٩) أي مراتب التعاون على البر ، ومراتب دفع ضرورة المضطر.

(١٠) قال في الجواهر بعد ما ذهب إلى جواز التقاط المملوك ولو كان كبيرا مستدلا عليه بصحيح علي بن جعفر قال : (كما أن الاستدلال على المختار بالمعاونة والإحسان عند خوف التلف ، حتى أنه قال في الروضة : ينبغي القطع بالجواز مع ذلك ، لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم ثبوت الالتقاط الذي له أحكام مخصوصة بذلك ، وإلا فنصوص رد الآبق كثيرة ، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه) انتهى.

(١١) من جواز التقاط المملوك ولو كان كبيرا ، لأنه مال ضائع يخشى تلفه.

(١٢) أي المملوك.

(١٣) وهي السبب في جواز الأخذ.

(١٤) أي يختص التقاط الحر.

(١٥) كما عن البعض على ما في الرياض وقد تقدم بحثه فراجع.

(١٦) أي المميز الحر.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٢.


(ولا بد من بلوغ الملتقط وعقله) (١) فلا يصح التقاط الصبي والمجنون بمعنى أن حكم اللقيط في يديهما ما كان عليه قبل اليد ، ويفهم من إطلاقه (٢) اشتراطهما (٣) ، دون غيرهما : أنه (٤) لا يشترط رشده (٥) فيصح من السفيه ، لأن حضانة اللقيط ليست مالا. وإنما يحجر على السفيه له (٦) ، ومطلق كونه (٧) مولّى عليه غير مانع (٨).

واستقرب المصنف في الدروس اشتراط رشده ، محتجا بأن الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ، ولأن الالتقاط ائتمان شرعي والشرع لم يأتمنه.

______________________________________________________

(١) هذا واعلم أنه إذا التقط العبد ولم يوجد من ينفق عليه أنفق عليه نفس الملتقط بنية الرجوع على مالكه ، فإن تعذر عليه استيفاء المنفعة من المالك باعه في النفقة ، لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن اللقطة إذا كانت جارية ، هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : لا ، إنما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها) (١).

(٢) شروع في شروط الملتقط ، فيشترط فيه البلوغ والعقل بلا خلاف فيه فلا يصح التقاط الصبي والمجنون لقصورهما عن الولاية والحضانة وعدم أهليتهما لشي‌ء من ذلك.

ولو فرض التقاط الصبي والمجنون فحكم اللقيط باق على ما كان عليه قبل اليد ، فما عن التذكرة أنه بذلك يخرج عن حكم اللقيط وتكون الولاية للحاكم ليس في محله. هذا وعن الأكثر عدم اعتبار الرشد ، لأن السفيه محجور في التصرف وليست حضانته مالا حتى يمنع منها ، وكونه مولى عليه لا يمنع من ولايته.

وعن الدروس اشتراط الرشد محتجا بأن الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ، وبأن الالتقاط ائتمان شرعي والشرع لم يأتمنه.

وفيه : أن الشارع لم يأتمنه على المال ، أما على غيره فلا بل جوّز له التصرف فيه.

(٣) أي إطلاق الماتن.

(٤) أي اشتراط البلوغ والعقل.

(٥) أن الشأن والواقع.

(٦) أي للمال.

(٧) أي كون السفيه.

(٨) أي غير مانع من ولايته على غيره.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب اللقطة حديث ٨.


وفيه نظر ، لأن الشارع إنما لم يأتمنه على المال ، لا على غيره ، بل جوّز تصرفه في غيره (١) مطلقا (٢) ، وعلى تقدير أن يوجد معه (٣) مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيتين وهما : عدم استئمان البذر على المال وتأهيله (٤) لغيره (٥) من التصرفات التي من جملتها الالتقاط والحضانة ، فيؤخذ المال منه (٦) خاصة (٧).

نعم لو قيل : إن صحة التقاطه (٨) يستلزم وجوب إنفاقه (٩). وهو (١٠) ممتنع من المبذر ، لاستلزامه (١١) التصرف المالي ، وجعل التصرف فيه (١٢) لآخر يستدعي الضرر على الطفل بتوزيع أموره (١٣) ، أمكن (١٤) تحقق الضرر بذلك (١٥) وإلا (١٦) فالقول بالجواز أجود.

(وحريته) (١٧) فلا عبرة بالتقاط العبد(إلا بإذن السيد) ، لأن منافعه

______________________________________________________

(١) أي غير المال.

(٢) سواء كان له أم لغيره.

(٣) مع اللقيط.

(٤) أي تأهيل المبذر السفيه بمعنى كونه أهلا.

(٥) أي لغير المال.

(٦) من الملتقط السفيه ، وهو المال الذي بحوزة اللقيط.

(٧) دون اللقيط.

(٨) أي التقاط السفيه.

(٩) أي إنفاق السفيه على اللقيط.

(١٠) أي الإنفاق.

(١١) أي الإنفاق.

(١٢) في الإنفاق على اللقيط.

(١٣) بأن تكون حضانته على شخص وإنفاقه على آخر ، فضلا عن أن الولاية أمر واحد فلا تتجزى فإما أن تثبت مطلقا أو تنتفي مطلقا.

(١٤) جواب لقوله : (نعم لو قيل).

(١٥) بتوزيع أموره.

(١٦) أي وإن لم يتحقق الضرر على الطفل بتوزيع أموره فالقول بجواز التقاط السفيه له مع جعل إنفاقه على آخر أجود.

(١٧) يشترط في الملتقط الحرية ، فلا يصح التقاط العبد بلا إشكال ولا خلاف ، لأنه لا يقدر ـ


له (١) ، وحقه (٢) مضيق ، فلا يتفرغ (٣) للحضانة ، أما لو أذن له فيه (٤) ابتداء (٥) أو أقره عليه (٦) بعد وضع يده (٧) جاز ، وكان السيد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه ، ثم لا يجوز للسيد الرجوع فيه (٨).

ولا فرق (٩) بين القنّ ، والمكاتب ، والمدبّر ، ومن تحرر بعضه ، وأم الولد ،

______________________________________________________

ـ على شي‌ء إذ هو مشغول باستيلاء المولى على منافعه حتى ورد في الخبر عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة ، فقال : وما للمملوك واللقطة ، والمملوك لا يملك من نفسه شيئا فلا يعرض لها المملوك) (١) بلا فرق بين القن والمدبر والمكاتب ولو تحرر بعضه وأم الولد ، لأن منافعه للمولى ، واللقطة تحتاج إلى التعريف سنة ، هذا في غير الذي تحرر بعضه ، وأما فيه فالالتقاط يستدعي الحضانة منه وهي مستلزمة للتصرف في حق المولى المتعلق به ، فيتوقف التقاطه على إذن مولاه ، نعم لو أذن له المولى صح ، كما لو أخذه المولى ودفعه إليه ، بلا خلاف فيه ، ويكون الملتقط في الحقيقة هو المولى والعبد نائبه ، فيلحقه أحكامها دون العبد.

نعم يجب على العبد إنقاذ الطفل الضائع الذي لا كافل له كما يجب عليه إنقاذ غيره عند الوقوع في الهلكة بلا خلاف فيه ولا إشكال ، إلا أن ذلك ليس من الالتقاط بشي‌ء ، ويجب عليه الإنقاذ من باب حفظ النفس بالوجوب العقلي الكفائي ، فما عن الشهيد في الدروس أنه يجوز التقاطه حينئذ ليس في محله.

(١) أي لأن منافع العبد للسيد.

(٢) أي حق العبد في نفسه مضيق لأنه ليس له إلا الصلاة والنوم ولا يحفظ نفسه من الأكل والشرب ، دون حفظ غيره.

(٣) أي العبد.

(٤) أي أما لو أذن السيد للعبد في الالتقاط.

(٥) أي قبل الالتقاط.

(٦) على الالتقاط.

(٧) أي يد العبد.

(٨) أي في الاذن على ما صرح به الفاضل والكركي والشهيدان ، لأنه هو الملتقط حقيقة فلا يجوز له الإعراض عن اللقيط بعد أخذه.

(٩) أي في العبد الذي لا يجوز التقاطه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب اللقطة حديث ١.


لعدم جواز تبرع واحد منهم بماله ، ولا بمنافعه (١) إلا بإذن السيد ، ولا يدفع ذلك (٢) مهاياة المبعض (٣) وإن وفّى زمانه (٤) المختص بالحضانة ، لعدم لزومها (٥) فجاز تطرق المانع (٦) كل وقت.

نعم لو لم يوجد للّقيط كافل غير العبد وخيف عليه (٧) التلف بالإبقاء فقد قال المصنف في الدروس : إنه يجب حينئذ (٨) على العبد التقاطه (٩) بدون إذن المولى. وهذا (١٠) في الحقيقة لا يوجب إلحاق حكم اللقطة ، وإنما دلت الضرورة على الوجوب (١١) من حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلاك ، فإذا وجد من له أهلية الالتقاط وجب عليه (١٢) انتزاعه منه (١٣) وسيده من الجملة (١٤) ، لانتفاء (١٥)

______________________________________________________

(١) وهذا ما قاله في التذكرة وفيه : أن من تحرر بعضه فله التبرع بمقدار ما فيه من الحرية ، نعم ليس له الحضانة لأنه يلزم منه التصرف في حق المولى.

(٢) من عدم جواز التقاط من تحرر بعضه.

(٣) المهاياة هي تقسيم الوقت بين المولى والعبد الذي تحرر بعضه ، فلو هاياه مولاه ، وكان زمن العبد وافيا بحضانة اللقيط لوجب القول بجواز التقاطه المبعّض.

ومع ذلك لا يجوز الالتقاط لعدم لزوم المهاياة فيجوز لكل من المولى والعبد فسخها ، فجاز تطرق المانع الذي يمنع الحضانة في كل وقت ، وهي لازمة للملتقط ، لذلك لم نجوّز التقاط المبعّض.

(٤) أي زمان المبعّض.

(٥) أي لزوم المهاياة على كل من المولى والعبد.

(٦) أي المانع من الحضانة.

(٧) على اللقيط.

(٨) حين عدم الكافل غير العبد.

(٩) قد تقدم الكلام فيه.

(١٠) أي وجوب أخذه ، وهو إشكال من الشارح على ما قاله المصنف في الدروس.

(١١) أي وجوب أخذه.

(١٢) على من له أهلية الالتقاط.

(١٣) أي انتزاع اللقيط من العبد.

(١٤) أي جملة من له أهلية الالتقاط.

(١٥) تعليل لوجوب انتزاع اللقيط من العبد.


أهلية العبد له (١).

(وإسلامه (٢) إن كان اللقيط محكوما بإسلامه) لانتفاء السبيل للكافر على المسلم ، ولأنه لا يؤمن أن يفتنه (٣) عن دينه ، فإن التقطه الكافر لم يقرّ في يده ، ولو كان اللقيط محكوما بكفره جاز التقاطه للمسلم ، وللكافر (٤) ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) (قيل) والقائل الشيخ والعلامة في غير التحرير : (وعدالته (٥) ، لافتقار الالتقاط إلى الحضانة وهي استئمان لا يليق

______________________________________________________

(١) للالتقاط.

(٢) أي ويشترط في الملتقط الإسلام إذا كان اللقيط محكوما بالإسلام ظاهرا ، كما إذا أخذ من دار الإسلام على المشهور في ذلك ، لأن الالتقاط نوع سبيل وقال تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) ، ولأنه لا يؤمن مخادعته في الدين لو كان الملتقط كافرا ، وقد ورد في النصوص تعليل المنع عن تزويج العارفة من المخالف بأن المرأة تأخذ من أدب زوجها (٢) ، وقد تقدم عرض بعضها في كتاب النكاح.

فما عن المحقق في الشرائع والنافع وتلميذه الآبي من التردد في الحكم لأصالة الجواز ، ولأن الالتقاط ليس سبيلا عليه حتى يمنع ليس في محله ، لأن الالتقاط فيه نوع من السبيل لاستلزامه الحضانة ، والسبيل منفي بالآية المتقدمة ، وبه تنقطع أصالة الجواز.

(٣) ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول للّقيط.

(٤) بلا إشكال فيه ، للأصل ، ولكون المانع مختصا بغير هذا الفرض ، ولقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) (٣).

واللقيط المحكوم بالكفر هو المأخوذ في دار الحرب والكفر مع عدم إمكان تولده من مسلم هناك.

(٥) فعن الشيخ في المبسوط والعلامة في بعض كتبه اعتبار العدالة في الملتقط ، وعن الأكثر عدمه ، وعن المحقق الثاني التفصيل بين ما إذا كان للقيط مال فالأول ، وإلا فالثاني.

ووجه الأول أن الالتقاط يفتقر إلى الحضانة ، وهي استئمان لا تليق بالفاسق ، وأيضا لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

ووجه الثاني ، لأصالة الجواز ، ولأن المسلم محل الأمانة مع أنه ليس استئمانا حقيقيا ، ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٤١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر حديث ٢ من كتاب النكاح.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٧٣.


بالفاسق ، ولأنه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

والأكثر على العدم ، ولأن المسلم محل الأمانة ، مع أنه (١) ليس استئمانا حقيقيا ، ولانتقاضه (٢) بالتقاط الكافر مثله ، لجوازه (٣) بغير خلاف.

وهذا هو الأقوى ، وإن كان اعتباره (٤) أحوط. نعم لو كان له (٥) مال فقد قيل (٦) : باشتراطها (٧) ، لأن الخيانة في المال (٨) أمر راجح الوقوع.

ويشكل. بإمكان الجمع (٩) بانتزاع الحاكم ماله منه (١٠) كالمبذّر وأولى بالجواز التقاط المستور (١١) ، والحكم بوجوب نصب الحاكم مراقبا عليه (١٢) لا يعلم به إلى أن تحصل الثقة به ، أو ضدها فينتزع منه ، بعيد (١٣).

______________________________________________________

ـ ولأنه يجوز التقاط الكافر لمثله مع أنه قد يسترقه ويأخذ ماله. ووجه الثالث أن الخيانة في المال من الفاسق راجح الوقوع فيمنع من التقاطه ، والأقوى ما عليه الأكثر للسيرة وإطلاق الأدلة ، والأصل في المسلم الائتمان ولذا ائتمنه الشارع في كثير من الأمور كالطهارة والتذكية.

(١) أي الالتقاط.

(٢) أي انتقاض القول الأول.

(٣) أي جواز التقاط الكافر مثله ، مع أنه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

(٤) أي اعتبار العدالة.

(٥) للقيط.

(٦) كما عن المحقق الثاني.

(٧) أي العدالة.

(٨) من الفاسق.

(٩) بين جواز التقاط الفاسق للصبي ، وعدم جواز ولايته على مال اللقيط.

(١٠) أي بانتزاع الحاكم مال اللقيط من الفاسق كما قلناه في السفيه المبذّر.

(١١) أي مستور الحال وهو من لم يعلم عدالته ولا فسقه ، وهو أولى بالجواز من معلوم الفسق ، ووجه الأولوية عدم الحكم بالفسق على مستور الحال.

(١٢) على مستور الحال ليعرف أمانته ولكن بحيث لا يؤذيه كما في الدروس.

(١٣) خبر لقوله (والحكم بوجوب نصب الحاكم ...) ووجه البعد أنه يجوز لمستور الحال فضلا عن الفاسق الالتقاط ، ولهما الولاية والحضانة على اللقيط لما تقدم من الأدلة.


(وقيل) : يعتبر أيضا(حضره (١) ، فينتزع من البدوي ومن يريد السفر به (٢) ، لأداء التقاطهما (٣) له (٤) إلى ضياع نسبه بانتقالهما عن محل ضياعه الذي هو مظنة ظهوره (٥).

ويضعّف بعدم لزوم ذلك (٦) مطلقا (٧) ، بل جاز العكس (٨) ، وأصالة عدم الاشتراط (٩) تدفعه (١٠) ، فالقول بعدمه (١١) أوضح ، وحكايته (١٢) اشتراط هذين (١٣) قولا يدل على تمريضه. وقد حكم في الدروس بعدمه (١٤) ، ولو لم يوجد غيرهما (١٥) لم ينتزع قطعا ، وكذا لو وجد مثلهما

(والواجب) على الملتقط(حضانته بالمعروف) (١٦)

______________________________________________________

(١) أي يشترط في الملتقط الحضر كما عن الشيخ في المبسوط ، فلو التقطه البدوي الذي لا استقرار له أو حضري يريد السفر به ينتزع من يده ، لأنه يؤدي إلى ضياع نسبه في بلد الغربة ، حيث يطلب غالبا في محل الالتقاط.

وعن العلامة والمحقق الثاني والشهيدين وجماعة الجواز ، عملا بالأصل ، وعدم صلاحية ما ذكر للمانعية ، لعدم انضباط الحال في ذلك فقد يؤدي السفر به إلى ظهور نسبه ، بأن كان أصله من مكان بعيد عن محل الالتقاط ويدخله المسافر اتفاقا.

(٢) باللقيط.

(٣) وهما البدوي ومن يريد السفر.

(٤) للقيط.

(٥) أي ظهور النسب.

(٦) من ضياع النسب.

(٧) أي في كل الأحوال.

(٨) بأن يكون السفر به مؤديا إلى ظهور نسبه.

(٩) أي عدم اشتراط الحضرية.

(١٠) أي تدفع القول باشتراط الحضرية.

(١١) بعدم الاشتراط.

(١٢) أي حكاية الماتن.

(١٣) من العدالة والحضرية.

(١٤) أي بعدم اشتراط العدالة وعدم اشتراط الحضرية.

(١٥) غير الفاسق والبدوي.

(١٦) المشهور بين الأصحاب أن الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف ، والمعروف من الحضانة ـ


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ هو التعهد والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره ، ولا يجب عليه الإنفاق من ماله ابتداء ، للأصل ، ولما دل من النصوص (١) على حصر من يجب الإنفاق عليه في أصناف الوالدين والزوجة والأولاد والخادم على ما تقدم في كتاب النكاح ، وليس اللقيط واحدا منهم.

وعليه فإن كان للصبي مال ينفق عليه منه بإذن الحاكم ، لأصالة عدم جواز التصرف في ماله بغير إذن وليّه وكذا لو وجد مال موقوف على أمثاله أو موصى به لأمثاله نعم ، مع تعذر الاذن ينفق عليه الملتقط بنفسه بدون الإذن ، وان لم يكن له مال فإن وجد سلطان يستعان به على نفقته من باب المال فيجب على السلطان الإنفاق ، لأن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين ، أو ينفق عليه من الزكاة على تقدير وجودها من سهم الفقراء والمساكين ، أو من سهم سبيل الله.

وإن لم يوجد سلطان ووجد من ينفق عليه من الزكاة فكذلك ، وإن لم يوجد فيستعين بالمسلمين فإن وجد فيهم متبرع فهو ، وإلا فيجب على الجميع بما فيهم الملتقط الإنفاق على اللقيط ، من باب الوجوب الكفائي لرفع ضرورة المضطر وحفظ نفسه من التلف والهلاك.

وإن تعذر ذلك كله أنفق الملتقط ويرجع عليه إذا أيسر اللقيط وقد نوى الملتقط الرجوع ، وإلا فلا يجوز له الرجوع.

وقد تردد المحقق الحلي في الشرائع في وجوب الإنفاق على المسلمين كفاية عند تعذر السلطان ، لإمكان الإنفاق عليه بالإقراض والرجوع عليه بعد قدرة اللقيط على الأداء ، وخالف ابن إدريس في جواز الرجوع على اللقيط بعد البلوغ إذا أنفق عليه الملتقط ، هذا والوارد في المسألة أخبار.

منها : خبر إسماعيل المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه والاه ، فإن طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا ردّ عليه ، وإن كان معسرا كان ما أنفقه عليه صدقة) (٢) ، وخبر محمد بن أحمد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقيطة ، فقال : لا تباع ولا تشترى ولكن تستخدمها بما أنفقت عليها) (٣).

وهي ظاهرة في جواز إنفاق الملتقط والرجوع عليه من دون الرجوع إلى السلطان أو المسلمين ، وهذا ما قوّاه صاحب الجواهر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النفقات من كتاب النكاح.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢ و ٤.


وهو (١) تعهده ، والقيام بضرورة تربيته بنفسه (٢) ، أو بغيره ، ولا يجب عليه الإنفاق عليه من ماله (٣) ابتداء ، بل من مال اللقيط الذي وجد تحت يده ، أو الموقوف على أمثاله ، أو الموصى به لهم (٤) بإذن الحاكم مع إمكانه (٥) ، وإلا (٦) أنفق بنفسه (٧) ولا ضمان.

(ومع تعذره (٨) ينفق عليه من بيت المال) برفع الأمر إلى الإمام لأنه (٩) معد للمصالح وهو (١٠) من جملتها ، (أو الزكاة) من سهم الفقراء والمساكين ، أو سهم سبيل الله إن اعتبرنا البسط (١١) ، وإلا (١٢) فمنها (١٣) مطلقا (١٤) ، ولا يترتب أحدهما على الآخر (١٥).

______________________________________________________

ـ ولكن الجمع بين هذه النصوص وبين كون نفقة اللقيط من باب دفع الضرورة الثابتة على جميع المسلمين ولا خصوصية للملتقط بالالتقاط يقتضي الذهاب إلى المشهور ، ولا بد من نية الرجوع في الرجوع حتى يتحقق عنوان إقراضه.

(١) أي المعروف من الحضانة.

(٢) بنفس الملتقط.

(٣) أي ولا يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط.

(٤) لأمثاله.

(٥) أي إمكان الاذن.

(٦) إن لم يمكن الاذن.

(٧) أي أنفق الملتقط بنفسه من مال اللقيط من دون إذن الحاكم ولا ضمان عليه ، لأنه أنفق عليه ماله لحفظ نفسه فلا يعتبر تعديا ولا تفريطا ، بل هو إحسان منه.

(٨) أي تعذر مال اللقيط ، وكذا مال الموقوف على مثله والموصى به له.

(٩) أي بيت المال.

(١٠) أي الإنفاق على اللقيط المذكور.

(١١) أي البسط على الأصناف الثمانية.

(١٢) إن لم نعتبر البسط.

(١٣) من الزكاة.

(١٤) من دون تعيين سهم خاص.

(١٥) أي وليس الإنفاق من الزكاة مترتبا على الإنفاق من بيت المال ، وإن ذكر قبله ، بل يجوز من كل منهما مع وجودهما.


(فإن تعذّر) ذلك (١) كله(استعان) الملتقط(بالمسلمين) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة كفاية ، لوجوب إعالة المحتاج كذلك (٢) مطلقا (٣) فإن وجد متبرع منهم ، وإلا كان الملتقط ، وغيره ممن لا ينفق إلا بنية الرجوع سواء في الوجوب.

(فإن تعذر أنفق) (٤) الملتقط(ورجع عليه) بعد يساره (٥) (إذا نواه) (٦) ولو لم ينوه كان متبرعا لا رجوع له ، كما لا رجوع له (٧) لو وجد المعين المتبرع فلم يستعن به (٨) ، ولو أنفق غيره (٩) بنية الرجوع فله (١٠) ذلك (١١).

والأقوى عدم اشتراط الأشهاد في جواز الرجوع (١٢) وإن توقف ثبوته عليه (١٣) بدون اليمين ، ولو كان اللقيط مملوكا ولم يتبرع عليه متبرع بالنفقة رفع

______________________________________________________

(١) من بيت المال والزكاة.

(٢) أي كفاية.

(٣) بلا فرق بين الملتقط وغيره ، وليس الملتقط أولى بالوجوب من ناحية الالتقاط.

(٤) أي تعذر إنفاق الغير ولو بنية الرجوع.

(٥) أي ويرجع الملتقط على اللقيط بعد يسار الثاني.

(٦) أي نوى الملتقط الرجوع.

(٧) للملتقط وإن نوى الرجوع.

(٨) لأن رجوع الملتقط على اللقيط بما أنفقه ضرر على اللقيط في صورة وجود المتبرع ، والضرر منفي بالشريعة.

(٩) أي غير الملتقط.

(١٠) أي للملتقط.

(١١) من الإنفاق عليه بنية الرجوع ، وله الرجوع حينئذ لاشتراك الجميع في المقتضي.

(١٢) لا يجب على الملتقط الإشهاد لإثبات أن الإنفاق بنية الرجوع حتى يجوز له فيما بعد الرجوع على اللقيط عند إيساره ، كما صرح بذلك غير واحد ـ كما في الجواهر ـ لإطلاق الخبرين المتقدمين.

وعن العلامة في التذكرة اعتبار الإشهاد ، لأنه مع عدم الحاكم فيكون الإشهاد قائما مقام إذنه ، وهو ضعيف لعدم الدليل على هذه الملازمة.

(١٣) أي وإن توقف جواز الرجوع على الإشهاد لو ادعى أنه أنفق بنية الرجوع ، ولا يكتفي منه باليمين لأنه مدعي أن الإنفاق بنية الرجوع والأصل العدم.


أمره إلى الحاكم لينفق عليه (١) ، أو يبيعه في النفقة (٢) ، أو يأمره به (٣) ، فإن تعذر (٤) أنفق (٥) عليه بنية الرجوع (٦) ثم باعه فيها (٧) إن لم يمكن بيعه تدريجا.

(ولا ولاء عليه للملتقط) (٨) ، ولا لغيره من المسلمين ، خلافا للشيخ بل هو سائبة يتولى من شاء ، وإن مات ولا وارث له (٩) فميراثه للإمام.

(وإذا خاف) واجده عليه التلف(وجب (١٠) أخذه كفاية) كما يجب حفظ كل

______________________________________________________

(١) من بيت المال أو الزكاة على التفصيل المتقدم في الحر.

(٢) أي يبيعه الحاكم بثمن نفقته.

(٣) أي يأمر الحاكم الملتقط بالبيع المذكور.

(٤) أي تعذر الحاكم.

(٥) أي الملتقط.

(٦) لأنه مع عدمها يكون متبرعا.

(٧) في النفقة.

(٨) لا ولاء للملتقط على اللقيط ، بل اللقيط سائبة يتولى من شاء ، بلا خلاف معتدّ فيه بيننا ، للأصل ، وللأخبار.

منها : خبر المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه وألاه) (١) ، وخبر العرزمي عن أبي عبد الله عن أبيه عليه‌السلام (المنبوذ حر ، فإذا كبر فإن شاء توالى الذي التقطه ، وإلا فليردّ عليه النفقة وليذهب فليوال من شاء) (٢) ، بالإضافة إلى النبوي (إنما الولاء لمن أعتق) (٣) ، وهو يدل على الحصر.

وخالف في ذلك بعض العامة فأثبت ولائه للملتقط وهو ضعيف ، وتبعه عليه الشيخ منا.

(٩) نسبا وولاية.

(١٠) أخذ اللقيط واجب على الكفاية كما عليه المعظم والأكثر ، لأنه تعاون على البر ، ولأنه دفع لضرورة المضطر ، وفيه أن التعاون على البر مستحب وليس بواجب ، وأن البحث في الالتقاط بما هو هو لا في حفظه من التلف ودفع الضرورة عنه الذي هو أعم من الالتقاط.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢ و ٣.

(٣) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٩٥.


نفس محترمة عنه (١) مع الإمكان ، (وإلا) يخف عليه التلف(استحب) أخذه ، لأصالة عدم الوجوب مع ما (٢) فيه من المعاونة على البر.

وقيل : بل يجب كفاية مطلقا (٣) ، لأنه معرّض للتلف ، ولوجوب إطعام المضطر ، واختاره المصنف في الدروس.

وقيل (٤) : يستحب مطلقا (٥) ، لأصالة البراءة ، ولا يخفى ضعفه.

(وكل ما بيده) (٦) عند التقاطه من المال ، أو المتاع كملوبسه ، والمشدود في ثوبه(أو تحته) كالفراش ، والدابة المركوبة له(أو فوقه) كاللحاف ، والخيمة ، والفسطاط (٧) التي لا مالك لها معروف(فله (٨) ، لدلالة اليد ظاهرا على الملك.

______________________________________________________

ـ وعلى كل فلا يفيد الدليلان إلا الاستحباب ولذا ذهب إلى ذلك المحقق في الشرائع والنافع وصاحب الجواهر ، وعن الشهيد في الدروس واللمعة هنا التفصيل بين الخوف عليه من التلف وعدمه ، والوجوب بالأول والاستحباب بالثاني ، والظاهر أن التفصيل راجع إلى القول بالاستحباب لأن اللام في الالتقاط بما هو هو لا فيما توقف عليه حفظ النفس ، وإلا فلا يظن بأحد أن يشك في الوجوب حينئذ ، ولا يختص ذلك باللقيط بل الحكم يشمل غيره حتى الكبير.

(١) عن التلف.

(٢) دليل على استحبابه أيضا.

(٣) مع خوف التلف وعدمه.

(٤) كما عن المحقق في الشرائع والنافع.

(٥) حتى مع خوف التلف ، وقد عرفت ما في هذا القيد من الضعف.

(٦) لما كان الأصل في اللقيط الحرية ما لم يعرف غيرها فهو قابل للملك ، وله أهلية التملك والملك فتكون يده كيد البالغ أمارة الملكية ، بلا خلاف فيه ، وعليه فإذا وجد عليه حال الالتقاط ثوب قضى له به ، وكذا ما يوجد تحته أو فوقه من فراش أو غطاء أو غيرهما ، وكذا ما يكون مشدودا في ثيابه أو في جيبه أو مشدودا عليه ، وكذا لو كان على دابة أو وجد في خيمة أو فسطاط ، وكذا لو وجد في دار لا مالك لها ، لأن يده على الجميع بعد كون يد كل شي‌ء بحسب حاله.

(٧) بضم الفاء وكسرها بيت من الشعر كما في مصباح المنير.

(٨) فللقيط.


ومثله (١) ما لو كان بيده قبل الالتقاط ثم زالت عنه (٢) لعارض كطائر أفلت من يده ، ومتاع غصب منه ، أو سقط (٣) ، لا ما بين يديه (٤) ، أو إلى جانبه ، أو على دكة (٥) هو عليها على الأقوى.

(ولا ينفق منه (٦) عليه الملتقط ، ولا غيره(إلا بإذن الحاكم) لأنه (٧) وليه مع إمكانه ، أما مع تعذره فيجوز (٨) للضرورة كما سلف.

(ويستحب الإشهاد على أخذه) (٩) صيانة له ، ولنسبه ، وحريته فإن اللقطة (١٠)

______________________________________________________

(١) أي مثل ما ذكر.

(٢) أي زالت يده عنه.

(٣) أي سقط منه.

(٤) ما يوجد بين يدي اللقيط أو إلى جانبيه لا يقضى له به كما عن المحقق في الشرائع والعلامة والكركي والشهيدين لخروجه عن يده لبعده عنه ، ويحتمل أنه له لمنع الخروج عن يده بذلك ، ألا ترى أن الأمتعة الموضوعة في السوق بقرب الشخص من البالغ بين يديه أو إلى جانبيه تجعل له يدا عليها لو ادعاها هذا الشخص المذكور فكذا في الصغير.

(٥) أي كان المتاع على دكة وكان اللقيط جالسا عليها ، فلا يحكم له بذلك ، بل عن المحقق في الشرائع أن عدم القضاء له هنا أوضح ولم يعرف وجه الأوضحية مما كان بين يديه وفي جنبيه.

(٦) أي لا ينفق الملتقط على اللقيط من هذا المال الذي هو للقيط إلا بإذن الحاكم وقد تقدم البحث في اشتراط الاذن.

(٧) أي الحاكم.

(٨) أي الإنفاق بلا إذن الحاكم.

(٩) لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط بلا خلاف فيه بيننا ، للأصل ، ولأنه أمانة فهو كالاستيداع الذي لا يجب فيه الإشهاد ، خلافا لبعض العامة حيث أوجب الإشهاد للاحتياج إليه في حفظ الحرية والنسب كالنكاح ، وهو ممنوع في الأصل بعد حرمة قياس الفرع عليه.

نعم في الدروس وجامع المقاصد والمسالك أنه مستحب ، لأنه أقرب إلى حفظه وحريته ، فإن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط ، بل في المسالك أنه يتأكد الاستحباب في جانب الملتقط الفاسق والمعسر ، ويكفي هذا لإثبات الاستحباب للتسامح في أدلة السنن.

نعم إذا أشهد فليشهد على اللقيط وما معه.

(١٠) أي المال الملقوط.


يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف للقيط (١) إلا على وجه نادر (٢) ولا يجب (٣) ، للأصل (٤).

(ويحكم بإسلامه إن التقط في دار الإسلام (٥) مطلقا (٦) ، أو في دار الحرب وفيها مسلم) يمكن تولده منه وإن كان (٧) تاجرا ، أو أسيرا (٨) (وعاقلته الإمام) (٩) ،

______________________________________________________

(١) بعد عدم كونه مالا لأنه حر.

(٢) إذا ثبت أنه مملوك فهو مال حينئذ.

(٣) أي لا يجب الإشهاد على أخذ اللقيط.

(٤) أي أصالة البراءة.

(٥) الإسلام قد يثبت بالاستقلال وقد يثبت بالتبعية ، فالأول كإسلام البالغ إذا نطق بالشهادتين ، والثاني كإسلام غير البالغ تبعا لإسلام أحد أبويه أو إسلام السابي.

وكذا يحكم بإسلام اللقيط إذا أخذ من دار الإسلام ويحكم بكفره إذا أخذ من دار الكفر ، والمراد من دار الإسلام على ما ذكره الشهيد في الدروس ما ينفذ فيها حكم الإسلام فلا يكون فيها كافر إلا معاهدا ، والمراد ومن دار الكفر ما ينفذ فيها أحكام الكفر ولا يكون فيها المسلم إلا مسالما ، نعم لو كان فيها مسلم ولو كان تاجرا إذا كان مقيما أو أسيرا أو محبوسا فيحكم بإسلام اللقيط لاحتمال تولده منه ، ولا تكفي المارة من المسلمين.

وفي معنى دار الإسلام دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار مع العلم ببقاء مسلم فيها صالح للاستيلاء.

(٦) وإن استولى عليها الكفار ، ويمكن أن يكون الإطلاق بمعنى سواء كان فيها مسلم أو لا ، كالخربة الواقعة في بلاد الإسلام كما عن سلطان العلماء.

(٧) أي المسلم الموجود في دار الحرب.

(٨) ومما تقدم يعرف المحكوم بكفره وهو اللقيط المأخوذ من دار الكفر الخالية من مسلم صالح للاستيلاء.

(٩) العاقلة هم الذين يعقلون دية خطأه ، وعاقلة اللقيط هو الإمام عندنا بلا خلاف فيه ، لأن اللقيط إذا لم يظهر له نسب ولم يكبر فيتولى أحدا على وجه يكون ضامنا لجريرته ومات فإنه لا وارث له ، وقد ثبت في كتاب الارث أن الإمام وارث من لا وارث له.

فإذا كان هو وارثه فهو عاقلته ، غايته أن عمد الصبي خطأ كما ثبت في كتاب القصاص ، وتكون دية فعله على الإمام عليه‌السلام ما دام اللقيط صغيرا ، نعم إذا بلغ ولم يتول أحدا ففي عمده القصاص كغيره ، وفي خطأه المحض فالدية على الإمام عليه‌السلام ـ


دون الملتقط (١) ، إذا لم يتوال (٢) أحدا بعد بلوغه ولم يظهر له نسب فدية جنايته خطأ عليه (٣) ، وحق قصاصه نفسا له (٤) ، وطرفا للّقيط بعد بلوغه قصاصا (٥) ودية (٦) ، ويجوز تعجيله (٧) للإمام قبله (٨) كما يجوز ذلك للأب ، والجد على أصح القولين.

(ولو اختلفا) : الملتقط واللقيط بعد البلوغ (٩) (في الإنفاق) (١٠) فادعاه الملتقط

______________________________________________________

ـ الذي هو عاقلته ، وفي شبيه العمد الدية في ماله كجنايته على المال عمدا أو خطأ ، وإن لم يكن بيده مال انتظر يساره.

وخالف بعض العامة فجعلوا عاقلته بيت المال ، لأن ميراث اللقيط لهذا البيت.

(١) إذ لا ولاية له عليه ما عدا الحضانة والتربية.

(٢) أي اللقيط.

(٣) على الإمام الذي هو عاقلته.

(٤) أي للإمام الذي هو عاقلته ، وذلك فيما لو جني على اللقيط وهو صغير ، فإن كانت الجناية على النفس فللإمام القصاص إن كانت الجناية عمدا ، وللإمام الدية إن كانت الجناية خطأ ، بلا خلاف ولا إشكال ، وللإمام العفو حينئذ على مال كما ثبت لغيره من الأولياء على ما حرر في كتاب القصاص.

وإن كانت الجناية على اللقيط جناية على طرفه فعن الشيخ في المبسوط أن الإمام لا يقتص له ولا تؤخذ الدية ، لأن القصاص للتشفي ، والإمام ليس من أهل اللقيط حتى يتشفى ، ولأنه لا يدرى مراد اللقيط عند بلوغه إذ قد يعفو ، فهو حينئذ كالصبي غير اللقيط المجني على طرفه فلا يقتص له أبوه ولا جده ولا الحاكم ولا تؤخذ له الدية ، بل يؤخر حقه إلى حين البلوغ.

والأكثر أنه يجوز للتولي استيفاء القصاص في العمد والدية في الخطأ مع الغبطة إذ لا معنى للتأخير مع وجود السبب ، بل لا يجوز التأخير الثاني لمصلحة الصبي ، ومثله يجري في الإمام الذي هو العاقلة.

(٥) في العمد.

(٦) في الخطأ.

(٧) أي تعجيل استيفاء القصاص والدية.

(٨) أي قبل بلوغ اللقيط.

(٩) قيد للقيط فقط.

(١٠) أي في أصل الإنفاق ، بحيث ادعى الملتقط أصل الإنفاق وأنكره اللقيط ، قدم قول ـ


وأنكره اللقيط ، (أو) اتفقا على أصله ، واختلفا(في قدره حلف الملتقط في قدر المعروف) (١) ، لدلالة الظاهر (٢) عليه (٣) وإن عارضه الأصل (٤) أما ما زاد على المعروف فلا يلتفت إلى دعواه (٥) فيه (٦) ، لأنه (٧) على تقدير صدقه مفرّط (٨). ولو قدّر عروض حاجة إليه (٩) فالأصل عدمها (١٠). ولا ظاهر يعضدها.

(ولو تشاحّ ملتقطان) (١١) ...

______________________________________________________

ـ الملتقط مع يمينه ، لأنه منكر لموافقة قوله ظاهر الشرع من أمانته ، ولأنه مأمور بالإنفاق عليه لدفع ضرورة الطفل ، مع أن الأصل من عدم الإنفاق يوافق قول اللقيط إلا أنه من جملة موارد تقديم الظاهر على الأصل.

(١) بحيث ادعى الملتقط الإنفاق وكان مساويا لقدر المعروف من حضانته وتربيته فيقدم قوله مع يمينه لموافقة قوله ظاهر الشرع من أمانته ، ولأنه مأمور بالإنفاق عليه لدفع ضرورة الطفل ، وعليه فلو لم يقبل قوله في قدره لأدى إلى الإضرار به لو أنفق ، ولأدى إلى الإضرار بالملقوط إن تقاعد عنها حذرا من ذلك ، ولهذا لم يلتفت إلى الأصل وإن كان موافقا لدعوى اللقيط ، وهذا أيضا من جملة تقديم الظاهر على الأصل.

(٢) أي ظاهر الشرع من أنه أمين ومن أنه مأمور بالإنفاق عليه بقدر المعروف.

(٣) على ما ادعاه الملتقط.

(٤) وهو أصالة عدم الإنفاق ، أو أصالة عدم انفاقه بالقدر الذي ادعاه الملتقط.

(٥) أي دعوى الملتقط.

(٦) في الزائد بحيث لو ادعى الملتقط الإنفاق أزيد من المعروف فإن لم يدع مع ذلك حاجة للملقوط تستدعي هذه الزيادة فهو مقرّ بالتفريط في الزائد فيضمنه ، ومع إقرار المذكور لا داعي للتحليف.

وإن ادعى حاجة الملقوط للزيادة وأنكرها الملقوط فالقول قول الملقوط عملا بالأصل مع عدم معارضة الظاهر هنا.

(٧) أي الملتقط.

(٨) أي على تقدير صدق الملتقط بأنه أنفق الزائد مع عدم حاجة تقتضي ذلك فهو مقر بالتفريط فيضمن.

(٩) أي إلى الملقوط ، وقد ادعاها الملتقط وأنكرها الملقوط.

(١٠) عدم الحاجة.

(١١) لو اجتمع ملتقطان مشتركان في الشرائط المعتبرة في الالتقاط ، فلكل منهما حق أخذه إلا أن حق الطفل يحصل بأحدهما فيجوز لأحدهما تركه للآخر ، ولو تشاحا بحيث كل منهما ـ


جامعان للشرائط في أخذه قدّم السابق (١) إلى أخذه فإن استويا(أقرع) بينهما وحكم به (٢) لمن أخرجته القرعة ، ولا يشرّك بينهما في الحضانة ، لما فيه (٣) من الإضرار باللقيط ، أو بهما (٤) (ولو ترك أحدهما للآخر (٥) جاز) ، لحصول الغرض فيجب على الآخر الاستبداد به.

واحترزنا بجمعهما للشرائط عما لو تشاح مسلم وكافر (٦) ، أو عدل وفاسق

______________________________________________________

ـ يريد أخذه أقرع بينهما ، لأن المفروض عدم ترجيح أحدهما على الآخر ، والقرعة لكل أمر مشكل ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ والعلامة والشهيدان والكركي وغيرهم.

ويحتمل التشريك بينهما في الحضانة كما اختاره العلامة في التحرير ، ومع التشريك لا إشكال كي يقرع وفيه : لزوم الضرر عليهما بالتشريك ، لأنه لا يستطيع كل منهما التصرف إلا بمراجعة الآخر وفي هذا ضرر عليهما ، ويلزم الضرر على الطفل أيضا لاختلاف الأيدي والأغذية والأخلاق ومن هنا قال تعالى في مقام اختيار حضانة مريم عند ما تفرغت لعبادة ربها في المسجد : (وَمٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (١) فكانت القرعة هي المعينة لمن يكفلها.

(١) لحق الأسبقية ، بل لا يتحقق الالتقاط للثاني لعدم كون اللقيط ضائعا ولا كافل له بعد أخذ الأول له.

(٢) باللقيط.

(٣) في التشريك.

(٤) أي بالملتقطين.

(٥) لو ترك أحدهما الأخذ للآخر جاز الترك لحصول غرض كفالة اللقيط ودفع ضروراته بالثاني ، إلا أن الثاني يجب عليه الاستبداد به والاستقلال بحضانته.

(٦) بعد ما ثبت أنه يقرّع بينهما في صورة التشاح ، فلا فرق في الحكم بين كون الملتقطين متساويين في اليسار والإعسار وفي الحضر والسفر ، وفي الإسلام والكفر إذا كان الملقوط كافرا ، بمعنى لا ترجيح لليسار ولا للحضور ولا للإسلام ، لاشتراك الجميع في صلاحية الحضانة وأهلية الالتقاط ، وفي الدروس رجّح المسلم على الكافر إذا كان الملقوط كافرا في احتمال ، ورجّح الحر على العبد والعدل على الفاسق على الأقوى واستشكل في ترجيح الموسر على المعسر والبلدي على القروي والقروي على البدوي ، والقارّ على المسافر ، وظاهر العدالة على المستور ، والأعدل على الأنقص نظرا إلى مصلحة اللقيط في ـ

__________________

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٤٤.


حيث يشترط العدالة ، أو حر وعبد فيرجّح الأول (١) بغير قرعة ، وإن كان الملقوط كافرا في وجه (٢).

وفي ترجيح البلدي على القروي ، والقروي على البدوي ، والقارّ على المسافر ، والموسر على المعسر ، والعدل على المستور ، والأعدل على الأنقص قول.

مأخذه النظر إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل.

والأقوى اعتبار جواز الالتقاط خاصة (٣).

(ولو تداعى بنوته اثنان (٤) ولا بينة) لأحدهما ، أو لكل منهما بينة(فالقرعة) ، لأنه (٥) من الأمور المشكلة وهي (٦) لكل أمر مشكل(ولا ترجيح لأحدهما بالإسلام (٧) وإن كان اللقيط محكوما بإسلامه ظاهرا(على قول الشيخ) في

______________________________________________________

ـ إيثار الأكمل وفيه : أنه لو أخذ بمصلحة اللقيط في إيثار الأكمل لقدمت الأنثى في التقاط الأنثى بل والصبي المحتاج إلى الحضانة ، وقدم ذو الشرف والعز والوقار على عيره إلى غير ذلك من المرجحات التي لا حصر لها ، مع أنه لم يرد شي‌ء منها في نصوص أهل البيت بالإضافة إلى كفاية أهلية الالتقاط لكل منهما كما هو المستفاد من الأخبار.

(١) أي المسلم على الكافر.

(٢) أي احتمال كما في الدروس.

(٣) من دون اعتبار هذه المرجحات المذكورة وغيرها.

(٤) إذا ادعى بنوته اثنان أجنبيان أو ملتقطان ، فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ، وإن أقام كل واحد منهما بينة ، أقرع بينهما بلا خلاف فيه وكذا لو لم يكن لهما بينة ، لأنها لكل أمر مشكل.

ولو كان أحدهما ملتقطا فكذلك يقرع بينهما ، ولا ترجيح باليد ، إذ لا حكم لها في النسب بخلاف المال ، لأن لليد فيه أثرا ولذا يحصل الملك باليد كالاغتنام والاصطياد ، ولا أثر لها في النسب ، لأنها لا تثبت على الإنسان الحر ولهذا لا يحصل النسب باليد.

هذا كله إذا تساوى الملتقط وغيره في الدعوى ، أما لو حكم بنسب اللقيط للملتقط قبل دعوى الآخر فلا يلتفت إلى دعوى الآخر لثبوت نسب اللقيط قبل معارضة المدعي.

(٥) أي تداعي البنوة.

(٦) أي القرعة.

(٧) إذا اختلف كافر ومسلم أو حر وعبد في دعوى بنوته ، فعن الشيخ في المبسوط يرجّح المسلم على الكافر والحر على العبد ، لقاعدة التغليب فيهما ولأن اللقيط محكوم بالإسلام ـ


الخلاف ، لعموم الأخبار (١) فيمن تداعوا نسبا ، لتكافئهما في الدعوى ، ورجح في المبسوط دعوى المسلم لتأيده (٢) بالحكم بإسلام اللقيط على تقديره (٣). ومثله (٤) تنازع الحر والعبد مع الحكم بحرية اللقيط (٥).

______________________________________________________

ـ والحرية وهذا ما يرجّح دعوى المسلم والحر على الكافر والعبد ، وتبعه عليه الفخر والشهيدان كما في الجواهر ، وعن الخلاف والتذكرة وجامع المقاصد ، بل عن المختلف أنه المشهور عدم الترجيح والرجوع إلى القرعة لتكافئهما في الدعوى ، والقرعة لكل أمر مشكل.

(١) وهي كثيرة وإن لم تكن في عين موردنا إلا أن حكم المورد هنا مستفاد من عمومها أو إطلاقها.

ومنها : خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد ، وأدعوا الولد أقرع بينهم ، وكان الولد للذي يقرع) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام إلى اليمن فقال له حين قدم : حدثني بأعجب ما ورد عليك ، فقال : يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما فاحتجوا فيه ، كلهم يدعيه فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه ، وضمنته نصيبهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من قوم تقارعوا ثم فوّضوا أمرهم إلى الله إلا خرج لهم المحق) (٢) ومثلها غيرها ، وهي محمولة على ما لو كان الوطء شبهة من الجميع.

ثم يمكن التمسك بعموم أخبار القرعة.

منها : خبر محمد بن حكيم (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن شي‌ء فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة ، قلت : إن القرعة تخطى‌ء وتصيب ، قال : كل ما حكم الله به فليس بمخطئ) (٣) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (ما تقارع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عزوجل إلا خرج بهم المحق ، وقال : أي قضية أعدل من القرعة إذا الحر فوّض الأمر إلى الله ، أليس الله يقول : (فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(٤).

(٢) أي تأيد المسلم في دعواه البنوة.

(٣) أي تقدير الحكم بإسلام اللقيط ، وذلك فيما لو كان مأخوذا من دار الإسلام.

(٤) أي ومثل تنازع المسلم والكافر في بنوة اللقيط.

(٥) فيرجح دعوى الحر لتأيده بالحكم بحرية اللقيط.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث ١ و ٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث ١١ و ١٣.


ولو كان (١) محكوما بكفره ، أو رقه أشكل الترجيح (٢). وحيث يحكم به (٣) للكافر (٤) يحكم بكفره (٥) على الأقوى للتبعية (٦).

(و) كذا(لا) ترجيح(بالالتقاط (٧) ، بل الملتقط كغيره في دعوى نسبه ، لجواز (٨) أن يكون قد سقط منه (٩) ، أو نبذه ثم عاد إلى أخذه (١٠) ولا ترجيح لليد في النسب (١١) ، نعم لو لم يعلم كونه (١٢) ملتقطا ولا صرح ببنوته فادعاه غيره فنازعه (١٣) ، فإن قال (١٤) : هو لقيط وهو ابني فهما سواء (١٥) ، وإن قال : هو ابني واقتصر (١٦) ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه فقد قرّب في الدروس ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد (١٧).

______________________________________________________

(١) أي اللقيط.

(٢) الذي ذهب إليه الشيخ في المبسوط ، فلا ترجيح بالإسلام فيما لو كان اللقيط محكوما بالكفر ولا ترجيح بالحرية فيما لو كان اللقيط محكوما بالرق ، بل ينبغي الحكم بترجيح العكس كما ذهب إليه الماتن في الدروس.

(٣) باللقيط.

(٤) إما من باب الترجيح وإما لكونه صاحب بينة ولا بينة لخصمه ، وإما لخروج اسمه بالقرعة.

(٥) بكفر اللقيط.

(٦) وكذا يحكم برقيته لو حكم به للعبد ولم أعثر على المخالف ، بل صرح في الجواهر أن الحكم بالتبعية هو اقتضاء الأدلة.

(٧) بأن ادعى الملتقط بنوة اللقيط ، وغيره ادعى البنوة أيضا فلا ترجيح للملتقط كما تقدم.

(٨) تعليل لعدم الترجيح.

(٩) من غير الملتقط.

(١٠) فرأى أنه قد أخذه الملتقط فتداعيا في بنوته حينئذ.

(١١) لأن الترجيح لليد في المال كما تقدم.

(١٢) كون المدعي.

(١٣) أي نازع الملتقط الغير في دعواه البنوة.

(١٤) أي الملتقط.

(١٥) أي في الدعوى ولا أثر ليده في النسب.

(١٦) ولم يقل : إنه لقيط.

(١٧) من كون الولد تحت يد أبيه القائم بحضانته وإعالته ودفع ضروراته.


(الفصل الثاني في لقطة الحيوان) (١)

(وتسمى ضالة ، وأخذه في صورة الجواز مكروه) للنهي عنه في أخبار كثيرة المحمول على الكراهية جمعا(ويستحب الإشهاد) على أخذ الضالة (٢) (ولو تحقق التلف)

______________________________________________________

(١) وهو كل حيوان مملوك ضائع ، فاحترز بالمملوك عن الخنزير الذي لا يصح تملكه وعن السبع والذئب الذي لم توضع اليد عليه ، واحترز بالضائع عن غير الضائع وإن غاب عن عين صاحبه وحراسته.

وعلى كل فالحيوان المذكور يسمى ضالة وأخذه في صورة الجواز مكروه بلا خلاف فيه للجمع بين النبوي (لا يؤدي الضالة إلا الضال) (١) وبين صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (في الشاة الضالة : وما أحب أن أمسّها) (٢) ومثله صحيح هشام (٣).

نعم مع تحقق التلف إذا لم يلتقطه فلا إشكال في عدم الكراهة كما صرح به جماعة لصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشاة الضالة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : وما أحب أن أمسّها) (٤) ، بدعوى أن صدره ناظر إلى تحقق التلف لو تركها ، لأنها للذئب لو تركها ، ولو أخذها ولم يعرف مالكها بعد التعريف فهي للآخذ ، وإن عرف المالك فهي له.

وفيه أن ذيله مناف لرفع الكراهة حيث قال : (وما أحب أن أمسّها) ، فالأولى الاستدلال بأن حفظ مال الغير وإن لم يكن واجبا لكن لا ريب في حسنه لأنه إحسان إليه ، ولذا جاز الحلف كاذبا لحفظ مال الغير.

(٢) بلا خلاف فيه بيننا للنبوي (من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل) (٥) ولما في الإشهاد من نفي تهمة التملك عن نفسه ، ولحفظ مال الغير عن ورثته لو مات ، وعن غرمائه لو أفلس.

وعن بعض العامة أوجب الإشهاد عملا بظاهر الأمر الوارد في النبوي المتقدم ، وفيه أنه قاصر السند عن إثبات الوجوب فالاستحباب أولى به وأليق بعد كونه من مرويات العامة وخلو أخبارنا عن الإشهاد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة حديث ١٠.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٥ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٥.

(٥) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٨٧.


(لم يكره (١) ، بل قد يجب كفاية إذا عرف مالكها (٢) ، وإلا أبيح خاصة (٣) (والبعير (٤)

______________________________________________________

(١) أي آخذ الضالة.

(٢) بناء على وجوب حفظ مال الغير عن التلف ، ولا دليل عليه ولذا لا يجب للأصل ، هذا وإيجاب حفظ مال الغير عن التلف إن عرف المالك باسمه ونسبه ، وعدم الوجوب عند عدم المعرفة تفصيل بلا موجب.

(٣) من دون كراهة.

(٤) لا يؤخذ البعير إن وجد في ماء وكلاء ، وهو العشب ، وإن لم يكن صحيحا بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن البعير الضال فقال : خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه خل عنه) (١) ، ويؤيده أنه مصون عن السباع بامتناعه ومستغني بالرعي فمصلحة المالك تقتضي ترك التعرض له ، لأن الغالب من أضلّ شيئا يطلبه حيث ضيّعه ، فإذا أخذه غيره ضاع عنه.

بل لا يؤخذ البعير إن كان صحيحا وإن لم يكن في كلاء وماء بلا خلاف فيه لإطلاق النصوص المتقدمة.

وألحقت الدابة بالبعير لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل ترك دابته من جهد ، قال : إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها ، وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ فهي لمن أصابها) (٢) وخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في الدابة : إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها ، قال : وقضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ترك دابته في مضيعة فقال : إن كان تركها في كلأ وماء فهي له يأخذها متى شاء ، وإن كان تركها في غير كلأ وماء فهي للذي أحياها) (٣) والدابة هي الفرس ، وألحق البغل بها كما في كشف الرموز والمسالك والخلاف والمبسوط ، لانطباق لفظ الدابة الوارد في النصوص السابقة عليه لغة ، ولأنه مشترك مع الدابة في الامتناع عن صغار السباع غالبا.

وأما البقرة والحمار فعن الشيخ والحلي والمحقق والعلامة والمقداد والشهيدين الإلحاق ، لما فهم من فحوى المنع من أخذ البعير باعتبار استغنائه بالرعي والشرب ، وكونهما محفوظين عن صغار السباع كالدابة. ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٥ ، و ٤ و ٣.


(وشبهه) من الدابة ، والبقرة ، ونحوهما (١) (إذا وجد في كلاء وماء) في حالة كونه(صحيحا) غير مكسور ولا مريض ، أو صحيحا ولو لم يكن في كلاء وماء(ترك) ، لامتناعه (٢) ولا يجوز أخذه حينئذ (٣) بنية التملك مطلقا (٤).

وفي جوازه (٥) بنية الحفظ لمالكه قولان (٦). من إطلاق (٧) الأخبار بالنهي ، والإحسان (٨) وعلى التقديرين (٩) ...

______________________________________________________

ـ وعن بعضهم المنع للوقوف على البعير والدابة لأنهما منصوصان ، مع منع مساواة البقرة والحمار للبعير والدابة في القوة خصوصا الحمار ، فإن أكل الذئب له غالب ، واستجود الشارح في المسالك إلحاق البقرة بالدابة دون الحمار لما ذكرناه من الفرق.

(١) من البغل والحمار.

(٢) أي امتناع البعير وشبهه ، والمراد أنه ممتنع بنفسه عن صغار السباع غالبا.

(٣) أي حين امتناعه.

(٤) بوجه من الوجوه هذا إذا لم يجز أخذه فلو أخذه ضمنه بلا خلاف فيه لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١) مع عدم الاذن في الأخذ لا شرعا ولا مالكا ، ولأنه متعدّ بالأخذ لعدم الاذن فيه ، ثم لا يبرأ الضامن للبعير المذكور لو أرسله إلى محله الذي أخذه منه بلا خلاف فيه منا ولا إشكال ، بل لا يبرأ إلا إذا سلّمه إلى صاحبه قطعا كما في غيره من المال المضمون بسرقة وغيرها.

وعن بعض العامة أنه يرسله إلى الموضع الذي أصابه فيه ، وهو ضعيف بما تقدم ، ولو تعذر وجود المالك سلّمه إلى الحاكم بلا خلاف فيه بين من تعرض لهذا الفرع ، لأنه المنصوب لمصالح المسلمين ، وهذا منها ، وإذا استلمه الحاكم فإن كان للبعير حمى أرسله فيه وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه.

(٥) أي جواز الأخذ.

(٦) المشهور على العدم لما تقدم من إطلاق الأخبار الناهية عن الأخذ ، والعلامة في التذكرة على الجواز بعد تنزيل النصوص السابقة على ما إذا نوى بالالتقاط التملك ، ولأنه محسن حينئذ.

(٧) دليل العدم الذي هو قول المشهور.

(٨) دليل جواز الأخذ.

(٩) من جواز أخذه وعدمه على تقدير نية الحفظ ، ويمكن أن يكون المراد بالتقديرين أخذه بنية ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.


(فيضمن بالأخذ) (١) حتى يصل (٢) إلى مالكه ، أو إلى الحاكم مع تعذره (٣).

(ولا يرجع آخذه بالنفقة) (٤) حيث لا يرجّح أخذه (٥) ، لتبرعه بها (٦) أما مع وجوبه (٧) ، أو استحبابه (٨) فالأجود جوازه (٩) مع نيته (١٠) ، لأنه محسن ، ولأن إذن الشارع له في الأخذ مع عدم الإذن في النفقة (١١) ضرر وحرج (١٢) (ولو ترك (١٣)

______________________________________________________

ـ التملك وأخذه بنية الحفظ ، والثاني أولى ، إذ لا داعي لتخصيص التقديرين بنية الحفظ فقط.

(١) أما في صورة النهي عن أخذه سواء كان بنية التملك أو بنية الحفظ فالضمان واضح ، لأنه متعد بعد عدم الاذن لا شرعا ولا مالكا وقد تقدم ، وأما في صورة جواز أخذه بنية الحفظ لأنه محسن فالضمان لعموم قاعدة (على اليد).

(٢) أي البعير وشبهه.

(٣) أي تعذر المالك.

(٤) ففي صورة عدم جواز الأخذ لو أخذه وجب عليه حفظه ليرده إلى مالكه ، والإنفاق من مقدمات الحفظ ، فيجب عليه الإنفاق ، وفي جواز رجوعه بما أنفق على المالك لو نوى الرجوع وجهان كما في المسالك من دخوله على التعدي الموجب لعدم الرجوع ، ومن أمره بالإنفاق شرعا فيجوز له الرجوع.

(٥) بل أخذه محرم كما هو المفروض.

(٦) بالنفقة لأنه متعد.

(٧) أي وجوب الأخذ كما لو تحقق التلف وعرف مالكها على ما تقدم من الشارح.

(٨) أي استحباب الأخذ كما لو أخذه بنية الحفظ وقلنا بالجواز لأنه إحسان ، فيكون الأخذ مستحبا.

(٩) أي جواز الرجوع بالنفقة على مالك البعير.

(١٠) أي نية الرجوع ، وإلا فمع عدمها يكون متبرعا ولا يجوز له الرجوع.

(١١) أي في الرجوع بالنفقة على المالك.

(١٢) على المنفق.

(١٣) لو ترك البعير من جهد في غير ماء ولا كلاء جاز أخذه ، لأنه كالتالف ويملكه الآخذ ولا ضمان عليه لأنه كالمباح ، وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار والبغل على المشهور لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت وسيّبها صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال أو من الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنما هي مثل ـ


(من جهد) ، وعطب لمرض أو كسر ، أو غيرهما(لا في كلأ وماء أبيح) أخذه وملكه الآخذ وإن وجد مالكه وعينه قائمة (١) في أصح القولين ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : «من أصاب مالا ، أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت وسيبها صاحبها لمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ، ومن الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنما هي مثل الشي‌ء المباح ، وظاهره (٢) أن المراد بالمال ما كان من الدواب التي تحمل (٣) ، ونحوها (٤) ، بدليل قوله : قد كلّت وقامت وقد سيّبها صاحبها لما لم تتبعه.

والظاهر أن الفلاة المشتملة على كلاء ، دون ماء ، أو بالعكس بحكم عادمتهما (٥) ، لعدم قيام الحيوان بدونهما (٦) ، ولظاهر قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٧) وإن كان تركها في غير كلاء ، ولا ماء فهي للذي أحياها.

(والشاة في الفلاة) التي يخاف عليها فيها (٨) من السباع(تؤخذ) (٩) جوازا ،

______________________________________________________

ـ الشي‌ء المباح) (١).

وظاهر النص والفتوى أن هذا في صورة الإعراض عن الملك ، لا في صورة الضياع ، ومما تقدم تعرف ضعف ما عن ابن حمزة في الوسيلة من عدم جواز الأخذ.

(١) لأنه بالاعراض قد خرجت العين عن ملكه.

(٢) أي ظاهر الصحيح المتقدم.

(٣) كالبغل والحمار.

(٤) من الدواب التي لا تحمل كالبقرة.

(٥) أي عادمة الكلأ والماء.

(٦) أي بدون الكلأ والماء.

(٧) كما في خبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) وقد تقدم.

(٨) في الفلاة.

(٩) لا خلاف في جواز أخذها ، لأنها حينئذ في حكم التالفة وللأخبار :

منها : صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٣.


(لأنها لا تمتنع من صغير السباع) فهي كالتالفة ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل لك ، أو لأخيك ، أو للذئب (١) (وحينئذ (٢) يتملكها إن شاء. وفي الضمان) لمالكها على

______________________________________________________

ـ رسول الله ، إني وجدت شاة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك أو لأخيك أو للذئب) (١) ، ومثله صحيح معاوية بن عمار (٢) ، وغيره.

ثم يتخير بعد أخذها بين أن يحفظها لمالكها وبين دفعها إلى الحاكم وبين تملكها ، أما حفظها للمالك فلأنه أمين قد رخّص الشارع له في الأخذ ، وأما دفعها إلى الحاكم لأن الحاكم ولي الغائب فالدفع إليه دفع إلى المالك ، وأما تملكها للنصوص المتقدمة من أنها هي له أو لأخيه أو للذئب.

وعلى تقدير تملكها فهل هي مضمونة عليه مطلقا أو مع ظهور المالك كما عليه الأشهر أو لا يضمن ، ووجه الضمان إطلاق خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (من وجد شيئا فهو له ، فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه رده إليه) (٣) ، وخصوص صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحلّ له؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فخذها ، وعرّفها حيث أصبتها ، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها ، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها عليه) (٤).

ووجه عدم الضمان ظاهر اللام في قوله عليه‌السلام في صحيح هشام المتقدم (٥) : (هي لك) فإنه يدل على التملك ، ولإطلاق صحيح عبد الله بن سنان المتقدم (٦) في البعير الذي ترك من جهد في غير ماء ولا كلأ ، وفيه نظر من أن اللام تحتمل الاختصاص التي لا تنافي الضمان ، على أنه قد صرح بالضمان في صحيح علي بن جعفر المتقدم المشتمل على قوله (هي لك) ، ومن أن صحيح ابن سنان مختص بالحيوان الذي أعرض عنه صاحبه ، ومقامنا في الشاة الضائعة إذا كانت في الفلاة بدون إعراض عنها من قبل صاحبها ، فالقول بالضمان عند ظهور المالك كما هو المستفاد من النصوص أولى ، وهذا لا ينافي الحكم بالتملك ، لأنه حكم متزلزل فإن عرف المالك وهي قائمة ردّ عليه العين ، وإن كانت تالفة فيضمن القيمة ، وكل ذلك قد صرح به في صحيح علي بن جعفر المتقدم.

(١) كما في صحيح هشام بن سالم المتقدم.

(٢) وحين جواز الأخذ.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ١ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٧ و ١ و ٢.


تقدير ظهوره ، أو كونه معلوما(وجه) جزم به المصنف في الدروس (١) ، لعموم قول الباقر عليه‌السلام (٢) : «فإذا جاء طالبه رده إليه». ومتى ضمن عينها ضمن قيمتها ، ولا ينافي ذلك (٣) جواز تملكها بالقيمة (٤) على تقدير ظهوره (٥) لأنه ملك متزلزل.

ووجه العدم (٦) عموم صحيحة ابن سنان السابقة (٧) ، وقوله (٨) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك (٩) إلى آخره فإن المتبادر منه (١٠) عدم الضمان (١١) مطلقا (١٢) ، ولا ريب أن الضمان أحوط.

وهل يتوقف تملكها على التعريف (١٣)؟ قيل : نعم ، لأنها مال فيدخل في

______________________________________________________

(١) بل على الأشهر.

(٢) كما في خبر أبي بصير المتقدم.

(٣) من وجوب ردها إلى المالك كما هو مفاد الخبر.

(٤) كما هو فتوى الأشهر.

(٥) أي ظهور المالك.

(٦) أي عدم الضمان.

(٧) والواردة في البعير إذا ترك من جهد في غير ماء ولا كلأ ، وهي واردة في صورة الإعراض لا في صورة الضياع الذي هو شرط في ضالة الحيوان.

(٨) عطف على قوله (عموم صحيحة ...).

(٩) كما في صحيح هشام بن سالم.

(١٠) من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(١١) لأن اللام للتملك وهو ينافي الضمان.

(١٢) سواء ظهر المالك أم لا.

(١٣) وهل التملك لها قبل تعريف السنة أم بعده ، قولان ، ذهب العلامة في القواعد إلى الأول لظاهر الصحاح المتقدمة المتضمنة لجواز التملك من دون تقييد بالتعريف ، فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر هشام المتقدم (هي لك أو لأخيك أو للذئب) (١) مطلق.

وذهب العلامة في التحرير إلى الثاني لصحيح علي بن جعفر المتقدم (عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


عموم الأخبار (١).

والأقوى العدم (٢) ، لما تقدم (٣) ، وعليه (٤) فهو (٥) سنة (٦) كغيرها (٧) من الأموال ، (أو يبقها) (٨) في يده(أمانة) إلى أن يظهر مالكها ، أو يوصله إياها إن كان معلوما(أو يدفعها إلى الحاكم) مع تعذر الوصول إلى المالك ، ثم الحاكم يحفظها ، أو يبيعها.

(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط والعلامة وجماعة بل أسنده في التذكرة

______________________________________________________

ـ فخذها فعرّفها حيث أصبتها ، فإن عرفت فردها إلى صاحبها ، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها) (١) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (سألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة ، كيف يصنع؟ قال : يعرفها سنة ، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إياه ، وإن مات أوصى بها فإن أصابها شي‌ء فهو ضامن) (٢) ، وصحيح صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من وجد ضالة فلم يعرفها ثم وجدت عنده فإنها لربها) (٣) ، وبالإضافة إلى عموم الأخبار الآمرة بالتعريف في اللقطة وسيأتي التعرض لها في لقطة المال ، والضالة هنا مال.

(١) أي الأخبار الآمرة بالتعريف في اللقطة.

(٢) أي عدم التوقف على التعريف.

(٣) من عموم صحيحه ابن سنان وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك ، ووجهه أنها تفيد التمليك من دون التقييد بالتعريف ، وفيه أما صحيحة ابن سنان فهي ظاهرة في صورة الأعراض لا في صورة الضياع كما في المقام ، وأما النبوي فهو مقيد بالأخبار الصحيحة المتقدمة الدالة على التعريف سنة.

(٤) أي على تقدير توقف التملك على التعريف.

(٥) أي التعريف.

(٦) كما هو صريح الصحيح الثاني لعلي بن جعفر المتقدم.

(٧) أي كغير الشاة من الأموال التي يتوقف تملكها على التعريف.

(٨) عطف على قول الماتن (وحينئذ يتملكها إن شاء).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


إلى علمائنا مطلقا (١): (وكذا) حكم(كل ما لا يمتنع) من الحيوان(من صغير السباع) (٢) بعدو ، ولا طيران ، ولا قوة ، وإن كان من شأنه الامتناع إذا كمل كصغير الإبل والبقر ، ونسبه (٣) المصنف إلى القيل لعدم نص عليه بخصوصه وإنما ورد (٤) على الشاة فيبقى غيرها على أصالة البقاء على ملك المالك ، وحينئذ (٥) فيلزمها حكم اللقطة فتعرّف سنة ، ثم يتملكها إن شاء ، أو يتصدق بها ، لكن في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب إيماء إليه (٦) حيث إنها (٧) لا تمتنع من السباع ، ولو أمكن امتناعها (٨) بالعدو كالظباء ، أو الطيران لم يجز أخذها مطلقا (٩) إلا أن يخاف ضياعها ، فالأقرب الجواز بنية الحفظ للمالك.

______________________________________________________

(١) أي من دون خلاف.

(٢) فأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير التي لا تمتنع من صغار السباع تلحق بالشاة ، وكذا الإوز والدجاج على المشهور ، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وقد اعترف غير واحد بعدم النص على الإلحاق ، نعم ملاحظة نصوص البعير القاضية بعدم أخذه وملاحظة نصوص الشاة الدالة على جواز الأخذ وإلا فهي للذئب تقتضي أن المدار في الأخذ وعدمه على كون الحيوان ممتنعا من نفسه من صغار السباع غالبا وعدم الامتناع ، وعليه فقد حكم بجواز أخذ الشاة لأنها غير ممتنعة بنفسها فكذا يجوز أخذ أطفال الابل وما ذكر لأنه غير ممتنع.

وفيه أن الإلحاق بالشاة قياس ، بعد عدم النص على كون الأخذ وعدمه منوطا بالامتناع وعدمه ، فهو مستنبط العلة والاعتماد عليها عين القياس المحرم فلذا تردد المحقق في الحكم وجزم الشارح في المسالك وغيره بالعدم ، نعم على القول المشهور من الإلحاق فكما ألحق صغير الابل بالشاة لعدم امتناعه عن صغير السبع غالبا كذلك يلحق بالبعير ما يمتنع عادة عن السباع كالظباء واليحامير ، لأنها تمتنع بسرعة العدو ، وكذا ما يمتنع بالطيران.

(٣) أي الحكم.

(٤) أي النص.

(٥) أي حين البقاء على ملك المالك.

(٦) إلى الحكم بالإلحاق.

(٧) أي صغار الإبل والبقر.

(٨) فتلحق بالبعير فلا تؤخذ.

(٩) بنية التملك أو لا.


وقيل : بجواز أخذ الضالة مطلقا (١) بهذه النية (٢). وهو حسن ، لما فيه (٣) من الإعانة ، والإحسان وتحمل أخبار النهي على الأخذ بنية التملك ، والتعليل بكونها (٤) محفوظة بنفسها غير كاف في المنع (٥) ، لأن الأثمان (٦) كذلك (٧) حيث كانت مع جواز (٨) التقاطها بنية التعريف وإن فارقتها (٩) بعد ذلك (١٠) في الحكم.

(ولو وجدت الشاة في العمران) (١١) ...

______________________________________________________

(١) وإن كان بعيرا صحيحا أو في الماء والكلأ وقد تقدم الكلام فيه.

(٢) أي نية الحفظ للمالك.

(٣) أي لما في الأخذ.

(٤) أي كون الضالة كالإبل.

(٥) أي في المنع عن أخذها بنية الحفظ ، لأن ذلك جار في لقطة المال أيضا فهي محفوظة بنفسها عن الهلاك ومع ذلك يجوز أخذها بنية الحفظ ، نعم تفارق الضالة اللقطة بعد الأخذ حيث إن الضالة تؤخذ من باب الحفظ بلا تعريف واللقطة تعرف ثم يتملكها أو يتصدق بها.

(٦) أي الأموال والمقصود منها لقطة المال.

(٧) أي هي محفوظة بنفسها من الهلاك.

(٨) أي والحال أنه يجوز التقاطها بنية الحفظ.

(٩) أي فارقت اللقطة الضالة.

(١٠) أي بعد الأخذ.

(١١) فيحبسها ثلاثة أيام وإن لم يأت صاحبها باعها الواجد وتصدق بثمنها بلا خلاف فيه لخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (جاء رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة ، قال : فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن صاحبها ، فإن جاء صاحبها وإلا باعها وتصدق بثمنها) (١).

والخبر وإن كان ضعيفا إلا أنه منجبر بعمل الأصحاب ، وهو غير مختص بالعمران إلا أنه محمول على ذلك جمعا بينه وبين ما تقدم من وجدان الشاة الضالة في الفلاة وأنه مخيّر بين أخذها من دون حبسها ثلاثة أو دفعها للحاكم أو حفظها للمالك.

ـ والمراد من العمران ما قابل الفلاة التي يخشى فيها من صغار السباع ، ولذا يشمل العمران ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ٦.


وهي (١) التي لا يخاف عليها فيها من السباع ، وهي (٢) ما قرب من المساكن(احتبسها) الواجد(ثلاثة أيام) من حين الوجدان(فإن لم يجد صاحبها باعها وتصدق بثمنها) وضمن أن لم يرض المالك على الأقوى (٣) ، وله إبقاؤها بغير بيع ، وإبقاء ثمنها أمانة (٤) إلى أن يظهر المالك ، أو ييأس منه ، ولا ضمان حينئذ (٥) إن جاز أخذها كما يظهر من العبارة (٦) ، والذي صرّح به غيره عدم جواز أخذ

______________________________________________________

ـ المساكن المأهولة وما يقرب منها مما لا يخشى عليها من السباع إذ العادة قائمة بترك الدواب قريبا من عمارة البلد ، وأما ما عن الشيخ في المبسوط من تحديد العمران إلى ما يتصل به إلى نصف فرسخ فهو مما لا دليل عليه والمرجع فيه ـ كما عرفت ـ إلى العرف بعد كون العمران ما يقابل الفلاة.

(١) أي العمران.

(٢) أي التي لا يخاف على الشاة فيها.

(٣) فلو باعها الواجد وتصدق بثمنها ثم ظهر مالكها ولم يرض بالصدقة يضمن الواجد كما عن غير واحد منهم الشهيد في الدروس ، والشارح في المسالك ، لحرمة الأخذ من العمران ، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وخرجنا عنها في الضائع في الفلاة فيبقى الضائع في العمران تحت هذا الأصل ، وما ذكرناه لا ينافيه الخبر المتقدم حيث لم يصرح بجواز الأخذ بل صرح بالحكم من الحبس والبيع والصدقة بالثمن على تقدير الأخذ.

هذا من جهة ومن جهة أخرى لمّا كان الأخذ محرما عليه فتكون العين مضمونة عليه لو أراد إبقاءها وعدم بيعها ، ويكون الثمن كذلك مضمونا عليه لو باعها ولم يتصدق بثمنها ومنه تعرف ضعف ما عن العلامة والمقداد والشارح من جواز إبقائها من دون بيع ومن جواز عدم التصدق بثمنها على تقدير البيع وأنه يحفظ العين أو ثمنها للمالك فرارا من الضمان ، و

وجه الضعف أن الأخذ محرم عليه فتكون العين في ضمانه على تقديري البيع وعدمه ، ومنه تعرف أن يد الواجد يد عادية ولذا ضمّنت فما عن بعضهم من أنه لو أبقاها من دون بيع فتكون أمانة عنده وكذا ثمنها ليس في محله.

(٤) أي من دون ضمان.

(٥) حين إبقائها بغير بيع أو إبقاء ثمنها بدون تصدق.

(٦) أي عبارة الماتن حيث رتّب الاحتباس ثلاثة أيام على وجدانها في العمران ولم يذكر الأخذ ، وهو ظاهر في جوازه وإلا لو لم يكن الأخذ جائزا لقال : ولو وجدت الشاة في العمران وأخذها احتبسها ثلاثة أيام ...


شي‌ء (١) من العمران ، ولكن لو فعل (٢) لزمه هذا الحكم (٣) في الشاة.

وكيف كان (٤) فليس له تملكها (٥) مع الضمان على الأقوى ، للأصل ، وظاهر النص والفتوى عدم وجوب التعريف حينئذ (٦) ، وغير الشاة يجب مع أخذه (٧) تعريفه سنة كغيره من المال ، أو يحفظه لمالكه من غير تعريف ، أو يدفعه إلى الحاكم (٨).

______________________________________________________

(١) شاة كان أو غيرها.

(٢) أي لو أخذ ولو كان الأخذ محرما.

(٣) من الاحتباس ثلاثة أيام ثم البيع والصدقة بالثمن.

(٤) أي وكيف كان حكم الأخذ من الجواز والحرمة.

(٥) أي فليس للواجد تملك الشاة ، لما عرفت من أصالة بقاء الملك على مالكه وعدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وقد جوّز ابن إدريس تملكها ولم يذكر له دليل وهو ضعيف.

(٦) أي حين أخذ الشاة من العمران ، وإن ذهب بعضهم إلى وجوب التعريف سنة ، وفيه : عدم تناول أدلة التعريف لمثلها من اللقطة غير الجائزة ، وعلى تقدير التناول فالتعريف ثلاثة أيام كما هو مفاد خبر ابن أبي يعفور المتقدم.

(٧) قد عرفت أن الضائع في غير الفلاة يحرم أخذه لأصالة بقائه على ملك مالكه وحرمة التصرف في ماله بغير إذنه ، ولو أخذه فيكون مضمونا عليه ويكون كالبعير الذي لا يجوز أخذه ، بحيث لو أخذه لا يبرأ من ضمانه إلا بإيصاله إلى المالك أو الحاكم عند تعذر المالك وعلى الواجد النفقة من غير رجوع بها مثل ما قيل في البعير ، ومثل ما يجري في المغصوب ، لاتحاد الحكم في الجميع بعد حرمة الأخذ ، ومنه تعرف عدم وجوب التعريف ، لأن التعريف الواجب ـ كما سيأتي ـ هو مقدمة لتملك الواجد له عند عدم ظهور مالكه ، وهذا لا يمكن تملكه أبدا ، ولأن التعريف الواجب مترتب على الأخذ الجائز ، وهذا أخذ محرم فلا يترتب عليه التعريف.

ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه الشارح في المسالك والروضة هنا من وجوب تعريفه سنة على تقدير أخذه كغيره من الأموال عملا بعموم أدلة التعريف.

(٨) أي من غير تعريف ، هذا ولما جعل الشارح الحفظ للمالك والدفع إلى الحاكم في قبال التعريف سنة ، فهذا كاشف عن جواز التملك بعد التعريف ، وفيه : أنه قد عرفت أن العين مضمونة عليه لحرمة الأخذ فلا يجوز التملك فضلا عن عدم وجوب التعريف عليه.


(ولا يشترط في الآخذ (١) باسم الفاعل شي‌ء من الشروط المعتبرة في آخذ

______________________________________________________

(١) شروع في شروط واجد الضالة ، هذا وقال الشارح في المسالك : (إن اللقطة فيها معنى الأمانة والولاية والاكتساب ، أما الأمانة والولاية ففي الابتداء ، فإن سبيل الملتقط سبيل الأمناء في مدة التعريف لا يضمن المال إلا بتفريط ، والشرع فوّض إليه حفظه ، كالولي يحفظ مال الصبي ، وأما الاكتساب ففي الانتهاء ، حيث إن له التملك بعد التعريف ، وأما المغلّب منهما ففيه وجهان : أحدهما معنى الأمانة والولاية ، لأنهما ناجزان والملك منتظر ، فيناط الحكم بالحاضر ويبنى الآخر على الأول ، والثاني معنى الاكتساب ، لأنه مآل الأمر ومقصوده فالنظر إليه أولى ، ولأن الملتقط مستقل بالالتقاط ، وآحاد الناس لا يستقلون بالأمانات إلا بائتمان المالك ويستقلون بالاكتساب.

فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات : الإسلام والحرية والتكليف والعدالة فله أن يلتقط ويتملك إجماعا ، لأنه أهل الأمانة والولاية والاكتساب ، وإن تخلف بعضها بنى على اعتبار ما ذا ، وجاء فيه الوجهان.

إذا تقرر ذلك فالصبي والمجنون أهل للاكتساب وليسا من أهل الولاية ، وقد حكم الشيخ فيهما بالجواز معللا بأنه اكتساب ، وفيه ترجيح هذا الوجه ، وهو الوجه عملا بالعموم ، كما يصح منه الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد ، ولكن يتولى الولي التعريف حيث يتوقف الأمر عليه ، لأن التعريف أمانة وولاية ، وليسا من أهلهما ، وكذا يلزمه أخذها من يدهما لأن اليد من توابع الأمانة ، فإن تركها في يدهما ضمن الولي ، لأنه يجب عليه حفظ ما يتعلق بهما من المال وحقوقه ، وهذا من حقوقه ، فإذا عرفها اعتمد المصلحة لهما ، فإن رآها في التملك أملكهما وضمنهما إياها ، كما يجوز له أن يقترض عليهما ، لأنها في معنى الاقتراض ، وإن رأى إبقاءها أمانة فعل ـ إلى أن قال ـ والأكثر على ما اختاره الشيخ بل لم ينقل فيه خلاف) انتهى وأما العبد من دون إذن مولاه فالمشهور على جواز التقاطه ، لأن له أهلية الحفظ والائتمان دون الولاية ، وذهب ابن الجنيد إلى المنع لأن الغالب في اللقطة الاكتساب والتملك ولذا جوزوا التقاط الصبي والمجنون لأن لهما أهلية الاكتساب والتملك ، وهو غير قابل للتملك ويؤيده خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأل المحاربي عن المملوك يأخذ اللقطة فقال : ما للمملوك واللقطة ، لا يملك من نفسه شيئا ، فلا يتعرض لها المملوك) (١) ، ومما تقدم تعرف عدم اشتراط الإسلام ولا العدالة في واجد الضالة ، لأن المدار فيها على أهلية الاكتساب والتملك ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


اللقيط ، وغيرها (١) (إلا الأخذ) بالمصدر بمعنى أنه يجوز التقاطها في موضع الجواز للصغير ، والكبير ، والحر ، والعبد ، والمسلم ، والكافر ، للأصل (٢) (فتقرّ يد العبد) (٣) على الضالة مع بلوغه ، وعقله ، (و) يد(الولي على لقطة غير الكامل) (٤) من طفل ، ومجنون ، وسفيه كما يجب عليه (٥) حفظ ماله (٦) ، لأنه (٧) لا يؤمن على إتلافه (٨) ، فإن أهمل الولي ضمن ، ولو افتقر (٩) إلى تعريف تولاه الولي ثم يفعل (١٠) بعده (١١) الأولى (١٢) للملتقط من تملك وغيره.

(والإنفاق) (١٣) ...

______________________________________________________

ـ والكافر والفاسق من أهل الاكتساب والتملك ، فلذا لا يشترط في الآخذ شي‌ء من الشروط إلا أهلية الاكتساب والتملك فقط.

(١) إلا أهلية التملك والاكتساب.

(٢) من أصالة عدم الاشتراط إلا أهلية الاكتساب والتملك كما عرفت.

(٣) على المشهور وقد عرفت ما فيه.

(٤) فالتقاط غير الكامل صحيح غايته يحفظ وليه المال الملقوط.

(٥) على الولي.

(٦) أي مال غير الكامل.

(٧) أي غير الكامل.

(٨) أي إتلاف مال نفسه.

(٩) أي التقاط غير الكامل.

(١٠) أي الولي.

(١١) بعد التعريف.

(١٢) أي ما فيه المصلحة والغبطة.

(١٣) شروع في أحكام الضالة ، هذا واعلم أن الضالة الممتنعة لا يجوز أخذها ولو أخذها وأنفق عليها فلا يرجع بالنفقة على المالك لأنه تبرع بها لعدوانه ، ومنه تعرف أنه لو أخذ الضالة الممتنعة أو غيرها من العمران وأنفق عليها فلا يجوز له الرجوع بالنفقة على المالك ، لأنه متعد بالأخذ ، إذ الأخذ محرم ، ومع تعديه يكون متبرعا بالنفقة فلا يرجع ولا يبقى إلا الضالة غير الممتنعة كالشاة المأخوذة في الفلاة فأخذها جائز ، فلو أخذها فهو مخيّر بين تملكها وبين حفظها للمالك ، وعلى تقدير حفظها فتحتاج إلى النفقة ، فإن وجد الحاكم رفع أمره إليه ليعطيه من بيت المال المعدّ لمصالح المسلمين ، وهذا منها ، أو يأمره بالإنفاق ـ


على الضالة (١) (كما مر) في الإنفاق على اللقيط من أنه مع عدم بيت المال والحاكم ينفق (٢) ويرجع مع نيته (٣) على أصح القولين لوجوب حفظها ولا يتم (٤) إلا بالإنفاق ، والإيجاب (٥) إذن من الشارع فيه (٦) فيستحقه (٧) مع نيته (٨).

______________________________________________________

ـ مع الرجوع على المالك ، لأن الحاكم ولي الغائب فيكون إذن الحاكم بالإنفاق كإذن المالك.

ومع فقد الأمرين فيجب على الواجد الإنفاق على الضالة من ماله حفظا لنفسها المحترمة ، ويجوز له أن يرجع بالنفقة على المالك عند ظهوره مع نية الرجوع على المشهور ، للإذن في الالتقاط شرعا وهو يقتضي الرجوع ، وإلا لو أذن له بالالتقاط ومنعه من الرجوع بالنفقة بعد إيجاب النفقة عليه فيكون قد أضره وأحرجه ، والضرر والحرج منفيان في الشريعة ، هذا فضلا عن التأييد بصحيح أبي ولّاد المتقدم في الغصب : (جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه؟ فقال عليه‌السلام : لا ، لأنك غاصب) (١) ومقتضاه رجوع غير الغاصب بما أنفق ، وليس عدم رجوع الغاصب بما أنفق إلا لحرمة الأخذ ، وليس رجوع غيره إلا لجواز الأخذ ، ومقامنا من الثاني.

وعن ابن إدريس عدم جواز الرجوع بالنفقة على المالك ولو نوى الرجوع ، لوجوب حفظ الضالة على واجدها بعد أخذها ، المستلزم لوجوب الإنفاق عليه ، وما كان واجبا لا يجوز أخذ العوض عليه ، وبأنه إنفاق على مال الغير بغير إذنه فيكون متبرعا فكيف يرجع؟

وفيه أما الأول فمنع كلية أخذ العوض عن كل واجب ، بل الممنوع أخذ الأجرة والعوض عن الواجب العبادي فقط ، وأما الثاني فإذن الشارع قائم مقام إذن المالك فهو غير متبرع حينئذ.

(١) التي يجوز أخذها ، وأما غيرها فقد تقدم الكلام فيه.

(٢) أي الواجد.

(٣) أي نية الرجوع.

(٤) أي الحفظ الواجب.

(٥) أي إيجاب الحفظ.

(٦) في الإنفاق.

(٧) أي فيستحق الواجد الرجوع.

(٨) أي مع نية الرجوع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الإجارة حديث ١.


وقيل : لا يرجع هنا (١) ، لأنه (٢) إنفاق على مال الغير بغير إذنه فيكون (٣) متبرعا. وقد ظهر ضعفه (٤) ، ولا يشترط الإشهاد على الأقوى ، للأصل (٥) (ولو انتفع) الآخذ بالظهر (٦) ، والدرّ (٧) ، والخدمة (٨) (قاصّ) (٩) المالك بالنفقة ، ورجع ذو الفضل بفضله.

وقيل : يكون الانتفاع بإزاء النفقة مطلقا (١٠). وظاهر الفتوى جواز الانتفاع لأجل الإنفاق (١١) ، سواء قاصّ أم جعله عوضا(ولا يضمن) الآخذ الضالة حيث يجوز له أخذها (١٢) (إلا بالتفريط) والمراد به (١٣) ما يشمل التعدي (١٤) (أو قصد)

______________________________________________________

(١) في الإنفاق على الضالة التي يجوز أخذها.

(٢) أي الإنفاق على الضالة.

(٣) أي الواجد المنفق.

(٤) لأن إذن الشارع قائم مقام إذن المالك ، وقد أذن الشارع بإيجابه الحفظ والإنفاق.

(٥) أي أصالة البراءة ، وقد خالف بعض العامة للنبوي ، وقد ذكر في بحث اللقيط فراجع.

(٦) أي بالركوب.

(٧) أي باللبن.

(٨) فلو كان للضالة نفع كالظهر واللبن والخدمة فهو للواجد المنفق في قبال نفقته عليها كما عن الشيخ في النهاية لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الظهر يركب والدرّ يشرب ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة إذا كان مرهونا) (١).

وفيه أنه ضعيف السند مع عدم الجابر له ، فلذا ذهب المشهور إلى أنه ينظر في النفقة وفي قيمة المنفعة ويتقاصان فلا يظلم أحدهما الآخر ، وهو ما يقتضيه العدل وحكم العقل.

(٩) ضمير الفاعل راجع للمنفق.

(١٠) بلا رجوع في الفضل والزيادة.

(١١) قال الشارح في المسالك : (ظاهر كلام الشيخ وغيره جواز الانتفاع بالظهر واللبن سواء قلنا بكونه بإزاء النفقة أم قلنا بالتقاص) انتهى ، ووجهه أن الانتفاع هنا حفظ لمنفعة مال الغير من التلف ، لأنه لو لم ينتفع بها الواجد لذهبت من دون عوض لها.

(١٢) لا تضمن الضالة ـ حيث يجوز أخذها ـ إذا أخذها بنية الحفظ لمالكها ، لأنها حينئذ أمانة شرعية عنده ، بعد إذن الشارع له بالأخذ ، نعم مع التفريط أو التعدي يضمن لعدوانه بلا خلاف في ذلك ولا إشكال.

(١٣) أي بالتفريط الذي هو أمر عدمي بحسب معناه.

(١٤) الذي هو أمر وجودي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الرهن حديث ٢.


(التملك (١) في موضع جوازه (٢) ، وبدونه (٣) ولو قبضها (٤) في غير موضع الجواز (٥) ضمن (٦) مطلقا (٧) ، للتصرف في مال الغير عدوانا (٨).

(الثالث في لقطة المال (٩)

غير الحيوان مطلقا (١٠) (وما كان منه (١١) في الحرم حرم أخذه (١٢) بنية

______________________________________________________

(١) حيث يجوز أخذ الضالة فلو أخذها بنية التملك فيضمن على الخلاف المتقدم ، وقد قوينا الضمان للأخبار الواردة في ذلك فراجع.

(٢) أي جواز قصد التملك كالضالة غير الممتنعة المأخوذة من الفلاة.

(٣) أي بدون التفريط ، وإلا فمع التفريط فيضمن من هذه الجهة وإن لم يقصد التملك. وهذا ما عليه سلطان العلماء ، وقد فسّر الآقا جمال قول الشارح (وبدونه) أي بدون قصد التملك فهو ضامن ، لأنه مال للغير فيندرج تحت عموم قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، ولا يرفع اليد عنها إلا إذا كان محسنا وأمينا ، ولا يكون محسنا إلا إذا أخذها بنية الحفظ لمالكها ، والمفروض عدم نية الحفظ وإن لم يقصد نية التملك.

وكلا التفسيرين صحيح إلا أن الثاني أولى ، لأن إرجاع الضمير في قول الشارح إلى قصد التملك أقرب من إرجاعه إلى التفريط.

(٤) أي قبض الضالة.

(٥) وهي الضالة الممتنعة في الفلاة ، ومطلق الضالة في العمران.

(٦) تقدم الكلام فيه في موارده فلا نعيد.

(٧) سواء قصد التملك أم لا ، وسواء قصد نية الحفظ أم لا ، وسواء فرّط أم لا.

(٨) والعدوان ناشئ من حرمة الأخذ.

(٩) وهي المال الصامت الضائع ولا يد لأحد عليه ويسمى باللقطة ، وهو المتبادر منها لغة وعرفا.

(١٠) سواء كان آدميا أم غيره.

(١١) من المال.

(١٢) قال الشارح في المسالك : (اختلف الأصحاب في لقطة الحرم على أقوال منتشرة حتى من الرجل في كتاب واحد) انتهى ، وما هذا شأنه فلا بد من ملاحظة الأدلة الواردة فيه من دون النظر إلى كلام الفقهاء ، وعلى كل فقد استدل للحرمة بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّٰا جَعَلْنٰا حَرَماً آمِناً) (١) ومقتضاه أن يكون الإنسان آمنا على نفسه وماله ، وهو ينافي جواز ـ

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أخذه على تقدير ضياعه وبجملة من النصوص :

منها : صحيح الفضيل بن يسار (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجد اللقطة في الحرم قال : لا يمسّها ، وأما أنت فلا بأس ، لأنك تعرّفها) (١) ، وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن لقطة الحرم فقال : لا تمسّ أبدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها ، قلت : فإن كان مالا كثيرا؟ قال : فإن لم يأخذها إلا مثلك فيعرّفها) (٢) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه‌السلام (سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال : بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه ، قلت : قد أبتلي بذلك ، قال : يعرّفه ، قلت : فإنه قد عرّفه فلم يجد له باغيا ، فقال : يرجع إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين فإن جاء طالبه فهو له ضامن) (٣) ، ومرسل إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن الماضي ـ أي العسكري ـ عليه‌السلام (لقطة الحرم لا تمسّ بيد ولا رجل ، ولو أن الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها) (٤) ، وخبر يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى فقال : أما بأرضنا هذه فلا يصلح ، وأما عندكم فإن صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كل مجمع ، ثم هي كسبيل ماله) (٥).

هذا والآية المتقدمة لا تدل على المنع من الأخذ ، لأن المراد من الآمن إما الآمن في الدنيا أو الآخرة وعلى كل فلا ينافي جواز الالتقاط مع البناء على التعريف ، وأما الأخبار فبعد ضعف سند بعضها بالشهرة فهي محمولة على الكراهة لجملة من القرائن فيها كقوله عليه‌السلام في خبر يعقوب بن شعيب المتقدم (أما بأرضنا هذه فلا يصلح) ، وقوله عليه‌السلام في خبر علي بن أبي حمزة المتقدم (ما كان ينبغي له أن يأخذه) وقوله عليه‌السلام في صحيح الفضيل المتقدم (وأما أنت فلا بأس لأنك تعرفها) هذا والأقوال في المسألة بين قائل بالحرمة مطلقا من غير فرق بين الدرهم والأزيد ، وبين نية التعريف وعدمها وبنية التملك وعدمها ، وبين قائل بالكراهة كذلك ، وبين قائل بالتفصيل بين الأقل من الدرهم فيجوز بدون كراهة وبين غيره فيكره أو يحرم ، وبعض من قال بالحرمة خصه بالملتقط الفاسق دون العادل ، هذا والمشهور على عدم جواز التقاطها بنية ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف حديث ٥ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة حديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف حديث ١.


التملك مطلقا قليلا (١) كان أم كثيرا ، لقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّٰا جَعَلْنٰا حَرَماً آمِناً) (٢) ، (وللأخبار) الدالة على النهي عنه (٣) مطلقا (٤) ، وفي بعضها عن الكاظم عليه‌السلام ، «لقطة الحرم لا تمسّ بيد ، ولا رجل ولو أن الناس تركوها لجاء صاحبها وأخذها». وذهب بعضهم إلى الكراهة مطلقا (٥) استضعافا لدليل التحريم ، أما في الآية فمن حيث الدلالة (٦) ، وأما في الخبر فمن جهة السند (٧). واختاره (٨) المصنف في الدروس وهو أقوى.

(و) على التحريم(لو أخذه حفظه لربه (٩) ، وإن تلف بغير تفريط لم)

______________________________________________________

ـ التملك للنبوي (لا تحلّ لقطتها ـ أي مكة زادها الله شرفا ـ إلا لمنشد) (١) أي معرّف ، وفي نبوي آخر (لا يحلّ ساقطها إلا لمنشد) (٢) بلا فرق بين القليل والكثير والدرهم وما زاد عنه ، وعن أبي الصلاح الحلبي جواز التملك للقليل والكثير منها بعد التعريف استضعافا للنبويين لأنهما من مرويات العامة بعد الاعتماد على الأخبار المتقدمة الدالة على جواز الالتقاط ، وعن المحقق في الشرائع لم يجوّز الالتقاط بنية التملك للكثير للنبويين ، وأما القليل فيجوز للأخبار المتقدمة الدالة على جواز الالتقاط.

(١) تفسير للإطلاق.

(٢) سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧.

(٣) عن أخذ لقطة الحرم.

(٤) قليلا كان أو كثيرا.

(٥) قليلا كان أو كثيرا.

(٦) لأن كونه آمنا في الدنيا أو الآخرة ، لا ينافي جواز التقاط اللقطة بنية التعريف.

(٧) في الغالب ، وإلا فقد عرفت أن خبر الفضيل بن يسار الأول صحيح ، والموجب لحملها على الكراهة اشتمالها على قرائن تفيد ذلك فراجع.

(٨) أي الحكم بالكراهة.

(٩) أي لمالكه ، هذا واعلم أنه على تقدير الأخذ سواء قلنا بحرمته أو كراهته ، فيجب عليه التعريف سنة ثم هو بالخيار بين إبقائها في يده أمانة وبين التصدق بها عن المالك ، وعلى تقدير ظهور المالك فهل يضمن أو لا ، فالمشهور على الضمان لدلالة خبر ابن أبي حمزة المتقدم عن العبد الصالح عليه‌السلام (سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال : بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه ، فقلت: قد ابتلي بذلك ، قال : يعرّفه ، قلت : ـ

__________________

(١ و ٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٩٩.


(يضمن) ، لأنه (١) يصير بعد الأخذ أمانة شرعية.

ويشكل ذلك (٢) على القول بالتحريم ، لنهى الشارع عن أخذها فكيف يصير أمانة منه (٣) ، والمناسب للقول بالتحريم ثبوت الضمان مطلقا (٤) (وليس له تملكه) (٥) قبل التعريف ، ولا بعده(بل يتصدق به بعد التعريف) حولا عن مالكه ،

______________________________________________________

ـ فإنه قد عرّفه فلم يجد له باغيا ، فقال : يرجع إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن) (١) ، ولأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه خصوصا على القول بتحريم الالتقاط.

وعن المحقق وجماعة عدم الضمان بل نسب إلى المشهور أيضا. للإذن في الصدقة شرعا فلا يتعقبه الضمان ، وفيه أنه على القول بالتحريم يجب أن تكون مضمونة عليه للعدوان بأخذها ، ومنه تعرف أنه ضامن لو تلفت بغير تفريط تحت يد الملتقط ، ولكن الأصحاب أطلقوا القول بكونها أمانة بيده قال في المسالك : (ولكن أطلق القول بكونها أمانة من حرّم الالتقاط ومن جوزه) انتهى ، ومقتضى أمانتها عدم الضمان على تقدير التلف من دون تفريط.

وفيه ما قد عرفته أن يده يد عادية لعدم الاذن بالالتقاط على تقدير حرمته ، فالضمان أقوى.

(١) أي لأن ما أخذ من الحرم.

(٢) أي عدم الضمان.

(٣) من الشارع ، وفيه عدم التنافي بين حرمة أخذها ابتداء لأنها لقطة من الحرم وبين كونها أمانة شرعية بعد الأخذ لوجوب حفظها لمالكها ، هذا وكان على الشارح في مقام الاستشكال على عدم الضمان القول بأن يده يد عادية لحرمة الأخذ فيضمن على تقدير التلف بتفريط أو غيره.

(٤) بتفريط أو غيره.

(٥) أي تملك ما أخذ من الحرم ، هذا والحكم في لقطة الحرم على تقدير أخذها سواء قلنا بحرمة الالتقاط أم بكراهته هو تعريفها حولا فإن جاء صاحبها دفعها إليه لخبر علي بن أبي حمزة المتقدم (قلت : قد ابتلي بذلك قال : يعرّفه) (١) وخبر إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اللقطة لقطتان : لقطة الحرم وتعرّف سنة فإن وجدت صاحبها وإلا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف حديث ٣.


سواء قلّ أم كثر ، لرواية علي بن حمزة (١) عن الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال : «بئس ما صنع ما كان ينبغي له أن يأخذه ، قال : قلت قد ابتلى بذلك قال «يعرّفه» قلت : فإنه قد عرّفه فلم يجد له باغيا فقال : «يرجع إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين فإن جاء طالبه فهو له ضامن».

وقد دلّ الحديث بإطلاقه على عدم الفرق بين القليل ، والكثير في وجوب تعريفه مطلقا (٢) ، وعلى تحريم الأخذ (٣) ، وكذلك (٤) على ضمان المتصدق لو كره

______________________________________________________

ـ تصدقت بها ، ولقطة غيرها تعرّف سنة فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك) (١) ، وخبر محمد بن رجاء (كتبت إلى الطيب عليه‌السلام : إني كنت في المسجد الحرام فوجدت دينارا فأهويت لأخذه فإذا أنا بآخر ، فنحّيت الحصا فإذا أنا بثالث فأخذتها فعرّفتها فلم يعرفها أحد ، فما ترى في ذلك؟ فكتب : فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير ، فإن كنت محتاجا فتصدق بثلثها ، وإن كنت غنيا فتصدق بالكل) (٢).

ولا يعارضها مرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (وإن وجدت في الحرم دينارا مطلّسا فهو لك لا تعرفه) والمطلّس هو الذي لا نقش فيه ، ولا يصلح للمعارضة لضعف سنده بالإرسال.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فمقتضى الأخبار المتقدمة وجوب التصدق بلقطة الحرم بعد التعريف على تقدير عدم ظهور المالك وهو ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية والمراسم ، إلا أن المشهور على التمييز بين التصدق بها وبين إبقائها أمانة شرعية في يده جمعا بين الأخبار المتقدمة وبين أصالة بقاء الملك على مالكه. وعلى كل فلا يجوز تملكها بعد التعريف على المشهور للأخبار المتقدمة ، وخالف في ذلك أبو الصلاح الحلبي فجوّز التملك ، القليل منها أو الكثير ، وذهب المحقق وجماعة إلى جواز التملك في القليل دون الكثير ، وقد تقدم الكلام فيه فراجع.

(١) وفي الوسائل ابن أبي حمزة.

(٢) بلا فرق بين القليل والكثير.

(٣) أي والحديث قد دل على تحريم الأخذ ، وقد عرفت أنه ظاهر بالكراهة لقوله عليه‌السلام (ما كان ينبغي له).

(٤) أي ويدل الحديث على ضمان.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف حديث ٤ و ٧.


المالك ، لكن ضعف سنده يمنع ذلك كله.

والأقوى ما اختاره المصنف في الدروس من جواز تملك ما نقص عن الدرهم (١) ، ووجوب تعريف ما زاد كغيره (٢).

(وفي الضمان) لو تصدق به (٣) بعد التعريف وظهر المالك فلم يرض بالصدقة(خلاف) (٤) منشؤه من دلالة (٥) الخبر السالف (٦) على الضمان ، وعموم (٧) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي (٨)» ومن إتلافه (٩) مال الغير بغير إذنه ، ومن كونه (١٠) أمانة قد دفعها بإذن الشارع فلا يتعقبه الضمان ، ولأصالة (١١) البراءة. والقول بضمان ما يجب تعريفه (١٢) أقوى (١٣) (ولو أخذه بنية الإنشاد) والتعريف(لم يحرم (١٤) وإن كان كثيرا ، لأنه محسن ، والأخبار الدالة على التحريم مطلقة (١٥) ، وعمل بها الأكثر مطلقا ، ولو تمت لم يكن التفصيل (١٦) جيدا (١٧).

______________________________________________________

(١) من دون تعريف.

(٢) أي كغير المأخوذ من الحرم.

(٣) بالمأخوذ من الحرم.

(٤) قد تقدم في شرحنا الكلام فيه.

(٥) دليل الضمان.

(٦) وهو خبر علي بن أبي حمزة.

(٧) دليل ثان على الضمان.

(٨) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٩) دليل ثالث على الضمان.

(١٠) دليل عدم الضمان.

(١١) دليل ثان على عدم الضمان.

(١٢) وهو ما زاد عن الدرهم.

(١٣) بل الأقوى ضمان مطلق لقطة الحرم على تقدير عدم جواز الالتقاط للعدوان ، وعلى تقدير القول بالكراهة فالضمان لخبر علي بن أبي حمزة المتقدم.

(١٤) بل ظاهر دليل الشارح الآتي أنه بلا كراهة.

(١٥) أي غير مقيدة بنية التملك أو الإنشاء.

(١٦) بين نية التملك فيحرم الأخذ ، وبين نية الإنشاء فيجوز.

(١٧) بل التفضيل جيد ، لأن هذه الأخبار محمولة على الكراهة كما عرفت فيكره الأخذ بنية الإنشاء ، وأما مع نية التملك فمحرم لأن النصوص قد صرحت بالتصدق فقط.


(ويجب تعريفه (١) حولا على كل حال) قليلا كان أم كثيرا أخذه بنية الإنشاد أم لا ، لإطلاق الخبر السالف (٢) وقد عرفت ما فيه (٣) (وما كان في غير الحرم يحل منه) ما كان من الفضة(دون الدرهم) أو ما كانت قيمته دونه (٤) لو كان من غيرها (٥) (من غير تعريف (٦) ، ولكن لو ظهر مالكه وعينه باقية وجب

______________________________________________________

(١) أي تعريف ما أخذ من الحرم.

(٢) وهو خبر علي بن أبي حمزة ، وغيره وقد تقدم.

(٣) أي ما فيه من ضعف السند.

(٤) أي دون الدرهم.

(٥) من غير الفضة.

(٦) لقطة غير الحرم إن كانت دون الدرهم جاز تملكها بلا تعريف بلا خلاف فيه لمرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها ، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه ، وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها ، وإن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه) (١) ، ومرسل محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن اللقطة؟ قال : تعرّف سنة قليلا كان أو كثيرا ، قال : وما كان دون الدرهم فلا يعرّف) (٢).

وهذه الأخبار كما تدل على عدم تعريف ما دون الدرهم تدل على أنه لواجده لظاهر اللام المفيدة للتمليك في قوله عليه‌السلام (فهو لك) ، ولازم التمليك عدم الضمان فلا يغرّم الواجد للمالك على تقدير التلف ، ولا يردّ العين مع بقائها وهذا ما عليه المشهور.

وعن العلامة في القواعد والفخر في الإيضاح والمقداد في التنقيح وسيد الرياض الضمان لضعف سند المرسل بعد عدم ظهوره في التمليك لخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه رده إليه) (٣) فهو قد حكم بالضمان برد العين إلى مالكها بعد حكمه بأنها للواجد ، وهذا دليل على أن اللام غير مفيدة للتمليك بل للاستحقاق.

ثم هل يختص الحكم بما دون الدرهم كما هو ظاهر الخبرين المتقدمين ، وهذا ما عليه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.


رده (١) عليه على الأشهر ، وفي وجوب عوضه مع تلفه قولان : مأخذهما : أنه (٢) تصرف شرعي فلا يتعقبه ضمان. وظهور (٣) الاستحقاق.

(وما عداه) وهو ما كان بقدر الدرهم (٤) أو أزيد منه عينا (٥) ، أو قيمة (٦) (يتخير الواجد فيه بعد تعريفه (٧) ...)

______________________________________________________

ـ المشهور فالدرهم يجب تعريفه كالزائد ، أم يشمل الحكم الدرهم ، فالدرهم كدون الدرهم لا يجب تعريفه كما عن سلّار وابن حمزة وابن البراج ، وقال في الجواهر : (ولم نقف لهم على دليل ، وإن قال في النافع : فيه روايتان ، إلا أنا لم نتحقق الرواية الدالة على عدم تعريفه) انتهى.

(١) أي ردّ ما دون الدرهم.

(٢) أي إتلافه بعد تملكه ، وهو دليل عدم الضمان.

(٣) دليل الضمان ، لأنه أتلف مال الغير بغير إذنه فيضمنه ، وإذن الشارع له بالالتقاط والانتفاع لا ينافي الضمان.

(٤) قد عرفت الخلاف فيه.

(٥) إذا كان من جنس الفضة.

(٦) إذا كان من غير الفضة.

(٧) إذا زادت اللقطة عما دون الدرهم فيجب تعريفها حولا بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (واللقطة يجدها الرجل ويأخذها ، قال عليه‌السلام : يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله) (١) ، وخبر الحسين بن كثير عن أبيه (سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن اللقطة؟ فقال : يعرّفها ، فإن جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولا) (٢) ، وغيرها كثير.

نعم ورد في خبر أبان بن تغلب قال : (أصبت يوما ثلاثين دينارا فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال لي : أين أصبت ذلك؟ فقلت له : كنت منصرفا إلى منزلي فأصبتها ، فقال عليه‌السلام : صر إلى المكان الذي أصبت فيه فعرّفه ، فإن جاء طالبه بعد ثلاثة أيام فأعطه وإلا فتصدق به) (٣) إلا أنه مطروح لعدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم.

هذا ولا يشترط التوالي في التعريف سنة ، وللتوالي المحكوم بعدم وجوبه تفسيران :

الأول : استيعاب وقت الحول بالتعريف ، ولا خلاف ولا إشكال في عدم وجوبه لصدق ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١ و ٢ و ٧.


(حولا) (١) عقيب (٢) الالتقاط مع الإمكان متتابعا بحيث (٣) يعلم السامع أن التالي تكرار لمتلوه (٤) ، وليكن (٥) في موضع الالتقاط مع الإمكان أن كان بلدا ، ولو كان

______________________________________________________

ـ التعريف سنة على غيره.

الثاني : أن يعرّفها كل شهر ، وهذا لا إشكال ولا خلاف في عدم وجوبه إذ يجوز أن يعرّف شهرين ويترك شهرين كما صرح بذلك غير واحد كما في الجواهر ، بل الضابط في تعريف السنة هو الرجوع إلى العرف ، كما هو الشأن في كل عنوان قد أخذ موضوعا للحكم ولم يبينه الشارع ، إلا أن المشهور على ما قيل هو الابتداء بالتعريف في كل يوم إلى سبعة أيام ، ثم في بقية الشهر في كل أسبوع مرة ، ثم في كل شهر مرة إلى آخر الحول.

ولكن التقيد بهذا التفسير مشكل بعد قول الشارح في المسالك : (وقد اعتبر العلماء فيه أن يقع على وجه لا ينسى أن الثاني تكرار لما مضى ، ويتحقق ذلك بالتعريف في الابتداء في كل يوم مرة أو مرتين ثم في كل أسبوع ، ثم في كل شهر) انتهى. فإذا كان المدار في التعريف أن يقع على وجه لا ينسى فيكفي التعريف في كل أسبوع مرة ، والأولى منه إيكال الأمر إلى العرف ، وهذا ما فعله الشارح في الروضة هنا هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب الابتداء بالتعريف حين الالتقاط مع الإمكان لقوله عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (سألته عن اللقطة قال : لا ترفعوها فإن ابتليت فعرّفها سنة) (١) والفاء قاضية بالفورية مضافا إلى اقتضاء العرف للاتصال فيما عيّن ابتداؤه ، خلافا لبعض الشافعية فلم يوجب الابتداء بالتعريف حين الالتقاط ، وهو ضعيف بما سمعت.

(١) قد تقدم الكلام فيه.

(٢) قد تقدم الكلام فيه أيضا.

(٣) تفسير للتتابع.

(٤) وهذا إيكال التتابع إلى العرف ، ولم يفسره بأن يعرفه في كل يوم مرة إلى أسبوع ثم في كل أسبوع إلى تمام الشهر ثم في كل شهر إلى آخر الحول كما عليه المشهور.

(٥) أي التعريف هذا وقد بحث في مكان التعريف وزمانه والمعرّف وكيفية التعريف.

أما مكانه فالتعريف في موضع الالتقاط على نحو الوجوب لخبر أبان بن تغلب المتقدم (أصبت يوما ثلاثين دينارا فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك؟ فقال : أين أصبته؟ قال : قلت له : كنت منصرفا إلى منزلي فأصبتها فقال : صر إلى المكان الذي أصبت فيه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٣.


برية عرف من يجده فيها ثم أكمله (١) إذا حضر في بلده (٢) ، ولو أراد السفر قبل

______________________________________________________

ـ فعرّفه) (١) ، ولازمه أنه لا يجوز أن يسافر بها فيعرفها في بلد آخر ، بل لا بدّ من تمام الحول في موضع الالتقاط فلو أراد السفر فوّض التعريف إلى غيره كما عن التذكرة للعلامة وصاحب الجواهر ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه العلامة في القواعد وتبعه المحقق الثاني في جامعه والشارح في مسالكه وروضته هنا من أنه لو التقطه في بلد الغربة جاز أن يسافر بها إلى بلده بعد التعريف في بلد اللقطة ثم يكمل الحول في بلده ، لعدم الدليل عليه بل الدليل على إتمام الحول في التعريف في موضع الالتقاط ولو بالاستنابة كما لا يجوز أن يسافر بها من بلده إلى غيره إذا كان بلده هو موضع الالتقاط هذا كله إذا كان قد وجدها في بلد ما ، وأما لو وجدها في صحراء أو برية عرّف من يجده فيها وأتمه في أقرب البلدان إليها فالأقرب إلا أن يكون شاهد الحال على خصوص بعضها فليقتصر عليه.

وأما زمانه فلا فرق في الحول بين الليل والنهار ، وفي القواعد حصره بالنهار فقط وكذا في المبسوط لأنه المتبادر من الأخبار ، وهو ممنوع.

نعم لا بد أن يكون التعريف في وقت اجتماع الناس وبروزهم ، لأن الغرض من التعريف رجاء الظفر بالمالك ، فلذا لا يصح التعريف في كل وقت ولا في كل مكان ولا في كل حال ، لأن الأزمنة والأمكنة تختلف اختلافا كثيرا فليكن عند اجتماع الناس في المكان والزمان المأذون فيهما ، ويؤيده جملة من الأخبار :

منها : خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (فإنه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع) (٢) ، وخبر سعيد بن عمرو الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اتق الله عزوجل وعرّفه في المشاهد) (٣) ، وأما كيفية التعريف بأن يقول من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب أو ما شاكل ذلك من الألفاظ الدالة على جنس اللقطة ، ولو أوغل في الإبهام كان أحوط لئلا يشيع أمرها لو ذكر جميع أو غالب أوصافها فيدعيها من لا يستحقها ، نعم لا يكفيه في مقام التعريف بأن يقول : عندي لقطة ويقتصر عليها ، لعدم الفائدة في هذا القول.

(١) أي أكمل التعريف.

(٢) أي بلد الملتقط ، وفيه : إنه قد عرفت لابدية التعريف في أقرب البلدان إليها لا في بلد الملتقط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


التعريف في بلد الالتقاط (١) أو إكماله (٢) فإن أمكنه الاستنابة فهي (٣) أولى (٤) ، وإلا (٥) عرفه في بلده (٦) بحيث يشتهر خبره ، ثم يكمله (٧) في غيره (٨) ، ولو أخره (٩) عن وقت الالتقاط اختيارا أثم (١٠) واعتبر الحول من حين الشروع (١١) ، ويترتب عليه (١٢) أحكامه (١٣) مطلقا (١٤) على الأقوى (١٥) ويجوز التعريف(بنفسه (١٦) ، وبغيره) ، لحصول الغرض بهما ، لكن يشترط في النائب العدالة أو

______________________________________________________

(١) إذا كان بلد الغربة بالنسبة للملتقط.

(٢) عطف على قوله (التعريف) والمعنى لو أراد السفر قبل إكمال التعريف.

(٣) أي الاستنابة.

(٤) بل متعينة لما عرفته من لابدية التعريف تمام الحول في موضع الالتقاط.

(٥) أي وإن لم يمكنه الاستنابة.

(٦) أي بلد الالتقاط الذي هو بلد الغربة.

(٧) أي يكمل التعريف.

(٨) أي غير بلد الالتقاط.

(٩) أي أخّر التعريف.

(١٠) لوجوب المبادرة إلى التعريف عقيب الالتقاط ، وقد تقدم الكلام فيه.

(١١) أي الشروع في التعريف.

(١٢) على التعريف.

(١٣) من صحة تملك اللقطة بعد تعريفها سنة أو حفظها أمانة أو التصدق بها.

(١٤) سواء اتصل التعريف بالالتقاط أم لا.

(١٥) وعلّله الشارح في المسالك : (لتعليق الحكم بالتمليك في النصوص على التعريف حولا ، الصادق بالواقع بعد الالتقاط على الفور بعده ، وقيل : لا يصح تملكها إلا مع المبادرة إلى التعريف في الحول الأول لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : فإن ابتليت بها فعرّفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك ، والفاء تدل على التعقيب بغير مهلة ، فيكون جعلها ـ أي اللقطة ـ في جملة ماله موقوفا على التعريف الواقع بعد ابتلائه بها بغير فصل) انتهى موضع الحاجة من كلامه.

والأقوى الثاني لأن التملك على خلاف الأصل فإذا فرض كون الثابت من التملك هو حال الفورية يبقى غيره على مقتضى أصالة عدم التملك.

(١٦) أي بنفس الملتقط ، هذا واعلم أن الغرض من التعريف الواجب هو إظهار اللقطة وإشاعة خبرها ليظهر مالكها فلا يتعلق غرض الشارع فيه بمباشر معين فيجوز أن يتولى الملتقط ـ


الاطلاع (١) على تعريفه (٢) المعتبر (٣) شرعا إذ لا يقبل إخبار الفاسق(بين (٤) الصدقة)

______________________________________________________

ـ بنفسه التعريف ، وتجوز النيابة فيه والاستعانة به والاستئجار عليه بلا خلاف ولا إشكال.

هذا فإن تبرع الملتقط بالتعريف أو بذل مئونته فذاك وإلا ففي وجوب الأجرة من ماله لأنه مكلف ، أو من مال المالك لأنه لمصلحته ، أو الفرق بين التقاطها بنية التملك فالأجرة من مال الملتقط أو بنية الحفظ فالأجرة على المالك أوجه ثلاثة ، استجود الشارح في المسالك الأول ، ووجهه واضح لأن التعريف واجب عليه فتكون مئونته عليه حينئذ.

هذا وقد اشترط العدالة في النائب كل من المحقق الثاني في جامعه والشارح في المسالك والروضة هنا حتى يقبل إخباره ، لأنه لا يقبل إخبار الفاسق.

(١) من قبل الملتقط.

(٢) أي تعريف النائب.

(٣) صفة للتعريف.

(٤) متعلق بقول الماتن : (يتخير الواجد فيه بعد تعريفه حولا) ، هذا واعلم أن ما زاد عما دون الدرهم إذا أخذه من غير الحرم فالواجد فيه بالخيار بعد تعريفه عاما بين تملكه أو التصدق به أو حفظه أمانة لصاحبه على المشهور شهرة عظيمة للأخبار الكثيرة ، منها ما يدل على جواز التملك كخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (فإنه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع ، فإن جاء طالبها دفعها إليه ، وإلا كانت في ماله ، فإن مات كانت ميراثا لولده ولمن ورثه ، فإن لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم ، هي لهم ، فإن جاء طالبها بعد دفعوها إليه) (١) ، وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه قال في اللقطة : يعرّفها سنة ثم هي كسائر ماله) (٢) ، وخبر حنان بن سدير (سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا اسمع ـ عن اللقطة؟ فقال : تعرّفها سنة فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها وقال : هي كسبيل مالك) (٣) وغيره كثير.

ومنها ما يدل على الصدقة باللقطة كخبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا ، واللص مسلم ، هل يردّ عليه؟ فقال : لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا ، فإذا أصاب صاحبها ردّها عليه وإلا تصدق بها ، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم) (٤) ، وخبر الحسين بن كثير عن أبيه (سأل رجل ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١١ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


(به) على مستحق (١) الزكاة لحاجته (٢) ، وإن اتحد (٣) وكثرت(والتملك بنيته (٤).

______________________________________________________

ـ أمير المؤمنين عليه‌السلام عن اللقطة؟ فقال : يعرّفها ، فإن جاء صاحبها دفعها إليه ، وإلا حبسها حولا فإن لم يجي‌ء صاحبها أو من يطلبها تصدق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له ، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له) (١) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ، ما حال الذي تصدق بها؟ ولمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها أو قيمتها؟ قال عليه‌السلام : هو ضامن لها والأجر له ، إلا أن يرضى صاحبها فيدعها والأجر له) (٢) ومثله غيره.

ومنها ما يدل على حفظه للمالك كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال : يعرّفها سنة ، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إياه ، وإن مات أوصى بها فإن أصابها شي‌ء فهو ضامن) (٣) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن اللقطة قال : لا ترفعها ، فإن ابتليت بها فعرّفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك ، حتى يجي‌ء لها طالب ، فإن لم يجي‌ء لها طالب فأوص بها في وصيتك) (٤) هذا والمراد بجعلها في عرض ماله هو حفظها في ماله من غير عزل لها عنه ، والجمع بين هذه الطوائف الثلاثة يقتضي التخيير بين التملك والصدقة والحفظ ، ومنه تعرف ضعف ما عن سيد الرياض من أن الحفظ للمالك لا نص عليه هذا من جهة ومن جهة أخرى فالنصوص المتقدمة دالة على الضمان عند التملك أو الصدقة ، وهذا مما لا خلاف فيه ، بل النصوص المتقدمة دالة على الضمان عند الحفظ إلا أنه على خلاف قاعدة الأمانة والملتقط محسن إلى المالك بحفظ ماله وحراسته فلا يتعلق عليه ضمان لانتفاء السبيل عن المحسن ولذا تسالموا على عدم الضمان عند الحفظ إلا مع التعدي والتفريط للعدوان.

(١) مصرف الصدقة هنا مصرف الصدقة الواجبة لأنه هو المتيقن من نصوص التصدق باللقطة.

(٢) تعليل لاستحقاقه الزكاة.

(٣) أي المستحق وكثرت اللقطة.

(٤) أي بنية التملك ، لا خلاف بينهم في عدم جواز التملك ولو نواه قبل تمام الحول ، لأن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١٤ و ١٣ و ١٠.


(ويضمن) لو ظهر المالك(فيهما (١) في الثاني (٢) مطلقا (٣) ، وفي الأول (٤) إذا لم يرض (٥) بالصدقة ، ولو وجد (٦) العين باقية. ففي تعيين رجوعه بها لو

______________________________________________________

ـ التعريف حولا شرط في جواز التملك ، وإنما الخلاف في التملك بعد الحول فقيل يحصل الملك قهريا بمجرد مضي الحول كما عن ابن إدريس مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارهم وفي الدروس نسبته إلى المقنعة والنهاية والصدوقين بل هو الأشهر.

ويرده النصوص الدالة على جواز الحفظ للمالك فلو كان مضي الحول هو السبب التام للملك لما أمكن حفظ اللقطة للمالك ، وهذا هو المشهور فجعل المشهور على العكس ليس في محله.

ويكفي في التملك قصده كما هو المشهور وعن الشيخ أنه لا بد من التلفظ بأن يقول : قد اخترت ملكها ووافقه عليه أبو الصلاح الحلبي والعلامة في التذكرة ، وهو مما لا دليل عليه ، وعن بعض العامة يشترط مع التملك التصرف أيضا وهو ضعيف لعدم الدليل عليه.

(١) في التصدق به والتملك.

(٢) أي التملك.

(٣) سواء رضي المالك أم لا.

(٤) أي التصدق به.

(٥) أي المالك.

(٦) أي المالك ، هذا واعلم أنه لو نوى الواجد التملك بعد الحول فظهر المالك وكانت العين قائمة فهل يجب على الملتقط رد العين كما هو ظاهر النصوص السابقة مثل خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ينبغي له أن يعرفها سنة في مجمع ، فإن جاء طالبها دفعها إليه وإلا كانت في ماله ، فإن مات كانت ميراثا لولده ولمن ورثه ، فإن لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم ، هي لهم إن جاء طالبها بعد دفعوها إليه) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (من وجد شيئا فهو له ، فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه رده إليه) (٢) ، وهي ظاهرة في وجوب رد العين على تقدير بقائها وإليه ذهب الكركي وهو ظاهر المبسوط والسرائر والمقنعة والوسيلة.

إلا أن المشهور على أنه ليس للمالك الانتزاع ، لأن الملتقط قد ملكها بالتملك فيجب في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢.


طلبها (١) ، أو تخير الملتقط بين دفعها ، ودفع البدل مثلا ، أو قيمة قولان.

ويظهر من الأخبار الأول ، واستقرب المصنف في الدروس الثاني (٢) ، ولو عابت (٣) ضمن أرشها ، ويجب قبوله معها (٤) على الأول. وكذا (٥) على الثاني (٦) على الأقوى (٧) ، والزيادة المتصلة للمالك ، والمنفصلة للملتقط (٨) أما الزوائد قبل نية التملك فتابعة للعين.

والأقوى أن ضمانها (٩) لا يحصل بمجرد التملك ، أو الصدقة ، بل بظهور

______________________________________________________

ـ ذمته عوضها مثلا أو قيمة ولا يتعين عليه دفع العين ، نعم لو اختار دفعها يجب على المالك القبول لأنها عين حقه ، وعليه فقد قدموا أصالة اللزوم في التملك على هذه الأخبار ، مع أن الأخبار صريحة في رد العين وصريحة في أن الملتقط له التملك فالجمع بينهما يقتضي أن ملك الملتقط ملك متزلزل يزول بظهور المالك ويستقر بعدمه.

(١) أي تعيين رجوع المالك بنفس العين لو طلبها.

(٢) وهو المشهور.

(٣) أي عابت اللقطة تحت يد الملتقط بعد تملكها وقد ظهر المالك ففي تعين ردها على المالك مع الأرش أو تخيير الملتقط بين ردها مع الأرش ودفع البدل مثلا أو قيمة الوجهان السابقان.

(٤) أي ويجب على المالك قبول الأرش مع العين المعيبة على القول الأول من تعيين رجوع المالك على العين.

(٥) أي وكذا يجب على المالك القبول بالأرش مع العين المعيبة لو دفعها الملتقط ولم يدفع البدل من مثل أو قيمة.

(٦) من تخيير الملتقط بين دفع العين ودفع البدل مثلا أو قيمة.

(٧) ويحتمل أنه لا يلزم المالك بقبول الأرش مع العين المعيبة ، بل هو مخير بين ذلك وبين البدل ، لأنه وجدها متغيرة فليست عين ماله محضا كما علله في المسالك ، وإليه ذهب الفخر كما في الجواهر.

(٨) اعلم أن جميع الزوائد قبل نية التملك هي تابعة للعين ، وأما الزوائد بعد نية التملك ، فما يكون منفصلا فهو للملتقط لو ظهر المالك ورجع على عينه ، لأن النماء المنفصل هو نماء ملك الملتقط قبل رجوع المالك ، فلو رجع المالك فلا يجوز له إلا أن يرجع على أصل عينه دون نمائها المنفصل ، بخلاف النماء المتصل الذي هو جزء من العين فلو رجع المالك لكان النماء المتصل له كما كانت أصل العين له حينئذ.

(٩) أي ضمان اللقطة.


المالك (١) ، ...

______________________________________________________

(١) لا شك في ثبوت الضمان على الملتقط بالتملك في الجملة ، ولكن الشك في وقت الضمان وسببه ، فالأكثر على أن الضمان يحصل بنية التملك وإن لم يظهر المالك فتكون اللقطة دينا في ذمة الملتقط ، لعموم قاعدة على اليد ، ولأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه.

وعن الشيخ في المبسوط وجماعة منهم العلامة في التحرير أن الضمان يثبت عند مطالبة المالك بعد ظهوره لظاهر النصوص :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (يعرفها سنة فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام في حديث : (فإن ابتليت فعرّفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك ، إلى أن يجي‌ء لها طالب) (٢) ، وخبر حنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها) (٣) ، ومثلها غيرها.

وهذا النصوص قد دلت على أن اللقطة للمالك إذا كان طالبا هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فلو كان الملتقط ضامنا من حين نية التملك لما كان لتخييره وجه في الخبر الأخير.

وردّ هذا القول بأن المطالبة متوقفة على سبق الاستحقاق ضرورة عدم صحة المطالبة بدون الاستحقاق ، فلو كان استحقاق المالك عند ضمان الملتقط متوقفا على المطالبة لدار دورا صريحا لازما ورده الشارح في المسالك تابعا فيه المحقق الثاني في جامعه بأننا نمنع توقف المطالبة على الاستحقاق ، بل هي متوقفة على إمكانه ، وعليه فالمطالبة متوقفة على إمكان الاستحقاق وهو حاصل هنا ، لأن المالك يمكن له الاستحقاق ، لأنه ماله سابقا قبل تملك الملتقط ، والذي توقف على المطالبة هو نفس الاستحقاق وعليه فلا دور ، ورده في الجواهر بقوله : (لا حاصل له) لأن إمكان الاستحقاق عام يشمل المالك وغيره إذ كل إنسان له إمكان الاستحقاق لأنه أهل لذلك.

هذا وقال الشارح في المسالك : (والظاهر من الأخبار أن الضمان يحصل بظهور المالك وإن لم يطالب) انتهى ، وبهذا يكون قولا ثالثا وهذا ما قواه في الروضة هنا ، وهو الأقوى لأن الأخبار دالة على ثبوت الضمان عند المطالبة لو لا محذور الدور ، فلتحمل على ظهور المالك حذرا منه.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١ و ٣ و ٥.


سواء طالبه (١) أم لم يطالب ، مع احتمال توقفه (٢) على مطالبته (٣) أيضا (٤) ولا يشكل بأن استحقاق المطالبة يتوقف على ثبوت الحق (٥) ، فلو توقف ثبوته (٦) عليه (٧) لدار ، لمنع (٨) توقفه (٩) على ثبوت الحق (١٠) ، بل على إمكان ثبوته (١١). وهو هنا كذلك (١٢).

وتظهر الفائدة (١٣) في عدم ثبوته (١٤) دينا في ذمته (١٥) قبل ذلك (١٦) ، فلا يقسط عليه (١٧) ماله (١٨) لو أفلس (١٩) ، ولا يجب (٢٠) الإيصاء به(٢١) ولا يعد (٢٢)

______________________________________________________

(١) أي طالب المالك الملتقط.

(٢) أي توقف الضمان.

(٣) أي مطالبة المالك.

(٤) كما يتوقف الضمان على ظهور المالك فهو متوقف على المطالبة.

(٥) مراده من استحقاق المطالبة نفس المطالبة ، ومراده من ثبوت الحق نفس الضمان الموجب لاستحقاق المالك للمطالبة ، فلو صرح بهما تصويرا للدور مع التصريح بأن الدور مندفع بتوسط إمكان المطالبة في إحدى المقدمتين دون الأخرى لكان أولى حذرا من التعقيد.

(٦) أي ثبوت الحق من الضمان ومن استحقاق المالك للمطالبة.

(٧) على استحقاق المطالبة الواردة في كلام الشارح ، وقد عرفت أن المراد منه نفس المطالبة.

(٨) تعليل لعدم الإشكال وهو دفع للدور.

(٩) أي توقف المطالبة المعبّر عنها باستحقاق المطالبة في كلامه.

(١٠) أي على الاستحقاق كما عرفت.

(١١) أي إمكان ثبوت الحق ، والمراد به إمكان استحقاق المطالبة.

(١٢) أي أن المطالبة هنا متوقفة على إمكان استحقاق المطالبة ، والذي توقف عليها نفس الاستحقاق فلا دور.

(١٣) أي الفائدة بين القول بكون الضمان عند الظهور والقول بكون الضمان عند المطالبة.

(١٤) أي عدم ثبوت المال الملقوط.

(١٥) أي ذمة الملتقط.

(١٦) أي قبل الظهور على القول الأول ، وقبل المطالبة على القول الثاني.

(١٧) على المالك.

(١٨) أي مال الملتقط.

(١٩) أي الملتقط.

(٢٠) على الملتقط.

(٢١) بالمال الملتقط.

(٢٢) أي الملتقط.


مديونا ، ولا غارما بسببه (١) ، ولا يطالبه به (٢) في الآخرة لو لم يظهر (٣) في الدنيا إلى غير ذلك (٤) (وبين إبقائه (٥) في يده(أمانة) موضوعا (٦) في حرز أمثاله.

(ولا يضمن) (٧) ما لم يفرّط (٨) ، هذا (٩) إذا كان مما لا يضره البقاء كالجواهر (١٠) (ولو كان مما لا يبقى) كالطعام (١١) ...

______________________________________________________

(١) أي بسبب المال الملقوط.

(٢) أي لا يطالب المالك الملتقط بالمال الملقوط.

(٣) أي المالك وهذا على القول الأول ، وعلى القول الثاني لو لم يطالبه به في الدنيا.

(٤) أي غير ذلك من أحكام الدين فلا تترتب إلا بعد الظهور أو المطالبة على اختلاف القولين.

(٥) أي إبقاء المال الملقوط في يده أمانة للمالك في قبال التملك أو التصدق به وقد تقدم الدليل على هذا الشق فراجع ، وتقدم أن النصوص دالة على الضمان على تقدير الحفظ ، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنها وحكموا بعدم الضمان لأنه محسن بعد انتفاء السبيل عن المحسن.

(٦) كالوديعة ، فما قلناه في الوديعة في مقام حفظها نقوله في اللقطة ، بعد كون كل منهما أمانة في يد غير المالك.

(٧) أي على تقدير الحفظ والأمانة.

(٨) أو يتعدى ، وضمانه للعدوان حينئذ ، وبه خرج عن كونه أمينا.

(٩) أي هذا الحكم من التملك أو الصدقة أو الحفظ بعد التعريف حولا.

(١٠) كالذهب والفضة.

(١١) البقول ونحوها فهو مخيّر بين أن يتملكها بالقيمة ويأكلها أو يبيعها ويأخذ ثمنها وبين أن يدفعها إلى الحاكم ليعمل فيها ما هو ألحظ للمالك بلا خلاف في ذلك بالجملة ويشهد له خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يقوّم ما فيها ثم يؤكل ، لأنه يفسد وليس له بقاء ، فإن جاء طالبها غرّموا له الثمن ، فقيل : يا أمير المؤمنين : لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال عليه‌السلام : هم في سعة حتى يعلموا) (١) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (وإن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثم كله) (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٩.


(قوّمه على نفسه (١) ، أو باعه وحفظ ثمنه ثم عرّفه (٢) ، (أو دفعه إلى الحاكم) إن وجده (٣) وإلا (٤) تعين عليه (٥) الأول (٦) فإن أخلّ به (٧) فتلف ، أو عاب ضمن (٨) ، ولو كان (٩) مما يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلا كالثياب تعلق الحكم (١٠) بها عند خوف التلف.

(ولو افتقر إبقاؤه إلى علاج) كالرطب المفتقر إلى التجفيف (١١) (أصلحه)

______________________________________________________

ـ وبالتعليل بفساده وبأنه ليس له بقاء يتعدى في الحكم من مورد الخبر إلى كل لقطة يسرع إليها الفساد ولا تبقى إلى تمام الحول هذا من جهة ومن جهة أخرى فالحكم بالتقويم على نفسه مما لا خلاف فيه وهذا ما اقتصر عليه القدماء ، وعن الفاضل في التذكرة وتبعه المحقق الثاني والشهيدان وغيرهم أنه مخيّر بين التقويم على نفسه والتقويم على غيره بمعنى البيع على غيره لعدم خصوصية في التقويم على النفس ، ويضمن الثمن كما يضمن الثمن لو قوّمه على نفسه ، وأشكل عليه بأنه لا يجوز له بيعه على غيره مع وجود الحاكم لأنه مال الغير فلا بد من إذن الحاكم حينئذ ، وهو إشكال مردود ، لأنه قد جاز له أن يبيعه على نفسه بدون إذن الحاكم ولا خصوصية للبيع على نفسه كما فهم من النصوص ، ومن جهة ثالثة له اختيار الدفع إلى الحاكم لأنه ولي الغائب ، ولا يضمن ، لأن الدفع إلى الحاكم من قبيل الدفع إلى المالك فلا وجه للضمان.

(١) وضمنه للمالك.

(٢) أي عرّف نفس الملقوط بلا فرق بين تقويمه على نفسه أو بيعه على الغير ، وبقاء التعريف لإطلاق دليله أو استصحابه ولا ينافيه التصرف المزبور فيه قبله ، وهو ظاهر الأصحاب كما في الجواهر ، وإن تم التعريف سنة فإن ظهر المالك دفع إليه القيمة وإلا يعمل فيها ما يعمل بالعين لو كانت باقية بين تملكها أو يتصدق بها عنه.

(٣) أي وجد الحاكم.

(٤) أي لم يجد الحاكم.

(٥) على الملتقط.

(٦) من التقويم على نفسه أو البيع على الغير مع حفظ الثمن.

(٧) أي بما لا يبقى بحيث لم يقومه ولم يبعه ولم يدفعه إلى الحاكم.

(٨) للتعدي.

(٩) أي الملقوط.

(١٠) أي الحكم المذكور من التقويم أو البيع أو الدفع إلى الحاكم لعموم العلة الواردة في خبر السكوني ممن كونه يفسد وليس له بقاء.

(١١) لو كان بقاء اللقطة متوقفا على علاج ، فإن تبرع أحد بإصلاحه فهو وإلا بيع بعضه وأنفق ـ


(الحاكم ببعضه) بأن يجعل بعضه عوضا عن إصلاح (١) الباقي ، أو يبيع بعضه وينفقه (٢) عليه (٣) وجوبا ، حذرا من تلف الجميع ، ويجب على الملتقط إعلامه (٤) بحاله (٥) إن لم يعلم ، ومع عدمه (٦) يتولاه (٧) بنفسه ، حذرا من الضرر بتركه (٨).

(ويكره التقاط) ما تكثر منفعته وتقل قيمته مثل(الإداوة (٩) بالكسر وهي

______________________________________________________

ـ على إصلاح الباقي ، وهل يتوقف على إذن الحاكم أم يجوز للملتقط ذلك من دون الرجوع إلى الحاكم قولان.

ذهب المحقق وقبله الشيخ وجماعة إلى الأول لأنه مال غائب ، والحاكم وليّه في حفظ ماله.

وذهب العلامة في التحرير والشهيد في الدروس وجماعة إلى الثاني ، لأن الملقوط أمانة شرعية بيد الملتقط فهو مأمور بحفظه ، فله الحفظ ولو ببيع بعضه من دون الرجوع إلى الحاكم.

(١) بمعنى أن يصلحه ببعضه.

(٢) أي ينفق ثمن البعض.

(٣) على الباقي.

(٤) أي إعلام الحاكم.

(٥) أي بحال الملقوط إذا كان مفتقرا إلى العلاج.

(٦) أي عدم الحاكم.

(٧) أي يتولى الإصلاح نفس الملتقط.

(٨) أي بترك الإصلاح.

(٩) الأصل في هذه المسألة خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النعلين والإدواة والسوط يجده الرجل في الطريق ، أينتفع به؟ قال عليه‌السلام : لا يمسّه) (١).

والإدواة بالكسر إناء صغير من جلد كالإبريق كما في الصحاح ، يستعمل للتطهير ولذا فسرت بالمطهرة في الكثير من كتب الفقه ، وظاهر النهي الحرمة ، وبها قال الحلبي وابن حمزة وهو ظاهر الصدوقين وسلار.

والمشهور على الكراهة جمعا بينه وبين صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بلقطة العصى والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه ، قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس لهذا طالب) (٢).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٢ و ١.


المطهرة به (١) أيضا(والنعل) غير الجلد ، لأن المطروح منه (٢) مجهولا ميتة ، أو يحمل على ظهور أمارات تدل على ذكاته فقد يظهر من المصنف في بعض كتبه التعويل عليها (٣) وذكره (٤) هنا مطلقا تبعا للرواية. ولعلها (٥) تدل على الثاني (٦) (والمخصرة (٧) بالكسر وهي كل ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا ،

______________________________________________________

ـ هذا وقال الشارح في المسالك : (ولا يخفى أن الأغلب على النعل أن يكون من الجلد ، والإدواة بالكسر هي المطهرة وهي تكون من الجلد أيضا وكذا السوط ، وإطلاق الحكم بجواز التقاطها إما محمول على ما لا يكون منها من الجلد ، لأن المطروح منه مجهولا ميتة لأصالة عدم التذكية ، أو محمول على ظهور أمارات تدل على ذكاته ، فقد ذهب بعض الأصحاب إلى جواز التعويل عليها) انتهى.

وفيه : أن ما يوجد في أرض الإسلام وفيه أثر الاستعمال محكوم بكونه مذكى وعليه يدل خبر السفرة المتقدم. حيث جوّز المعصوم عليه‌السلام الأكل منها مع أن فيها اللحم ، وعلى كل فالجمع بين الخبرين يقتضي الحكم بجواز الالتقاط من دون كراهته ، بل صحيح حريز خاصة ظاهر في عدم الكراهة من ناحية التعليل بكونها ليس لها طالب ، إلا أن الأصحاب حكموا بالكراهة إما من جهة الاحتياط لمن حكم بالحرمة وإما من جهة كون المذكورات من الجلد ، والمجهول منه محكوم بكونه ميتة كما عليه الشارح في المسالك وجماعة.

هذا كله من جهة ومن جهة أخرى فالحكم بكراهة هذه المذكورات الثلاثة ليس من باب بيان شدة الكراهة فيها فضلا عن الكراهة في أصل اللقطة كما فهمه البعض بل من باب بيان عدم حرمته.

(١) بالكسر أيضا.

(٢) من الجلد.

(٣) على الإمارات الدالة على التذكية وتقدم الكلام على أصالة عدم التذكية كما دل عليه خبر السفرة المتقدم.

(٤) أي ذكر المصنف النعل هنا من غير تقييد له بأنه من غير الجلد تبعا للرواية ، حيث ذكرته من دون تقييد.

(٥) أي الرواية.

(٦) أي على ظهور أمارات تدل على ذكاته لو كان من الجلد.

(٧) كمكنسة ما يتوكأ عليه ، هذا وقال الجوهري في الصحاح : (المخصرة السوط وكل ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها ، اختصره أي أخذه).


ونحوها قاله الجوهري والكلام فيها إذا كانت جلدا (١) كما هو الغالب كما سبق (٢) (والعصا (٣) وهي على ما ذكره الجوهري (٤) أخص من المخصرة ، وعلى المتعارف (٥) غيرها(والشظاظ) بالكسر خشبة محدّدة للطرف تدخل في عروة الجوالقين (٦) ليجمع بينهما عند حملهما على البعير. والجمع أشظّة (٧) (والحبل والوتد) بكسر وسطه (٨) (والعقال) بالكسر وهو حبل يشد به قائمة البعير.

وقيل : يحرم بعض هذه (٩) للنهي عن مسه.

(ويكره أخذ اللقطة (١٠) ...

______________________________________________________

(١) هذا في السوط وأما في العصا فلا ، ومن هنا تعرف أن اختصار كلام الجوهري كما فعله الشارح من الاختصار المخلّ ، وعلى كل فكونها من الجلد يكره التقاطها لأن الجلد المجهول محكوم بالميتة لأصالة عدم التذكية ، هذا وقد عرفت أن الكراهة في السوط كالكراهة في سابقيه من جهة الاحتياط لمن قال بالحرمة.

(٢) في النعل.

(٣) والأصل فيها وفي المذكورات بعدها صحيح حريز المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بلقطة العصى والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه ، قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس لهذا طالب) (١) ، وهو ظاهر في عدم الكراهة فضلا عن عدم الشدة فيها ، وعليه فما عليه المشهور من الكراهة أو شدة الكراهة فيها ليس في محله ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ذهب الحلبي إلى حرمة التقاط الشظاظ وهو مما لا دليل عليه ولذا قال في الجواهر : (لم نجد له ما يدل عليه).

(٤) في كلامه المتقدم سابقا.

(٥) أي والعصا على المتعارف غير المخصرة ، لأن المتعارف إطلاق المخصرة على السوط.

(٦) بالتثنية وضم الجيم ومفرده جوالق وهو وعاء.

(٧) على وزن أشعة.

(٨) أي بكسر تاء الوتد.

(٩) وهو الإدواة والنعل والسوط على ما تقدم.

(١٠) يكره أخذ اللقطة للأخبار :

منها : مرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


مطلقا (١) وإن تأكدت في السابق (٢) لما روي عن علي عليه‌السلام «إياكم واللقطة فإنها ضالة المؤمن وهي من حريق النار» (٣) وعن الصادق عليه‌السلام (٤) ، لا يأكل الضالة إلا الضالون» وحرّمها بعضهم (٥) لذلك (٦) ، وحمل النهي (٧) على أخذها بنية عدم التعريف ، وقد روي في الخبر الثاني زيادة إذا لم يعرفوها (٨) (خصوصا من الفاسق (٩)

______________________________________________________

ـ وجدها أن لا يأخذها ، ولا يتعرض لها ، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن اللقطة قال : لا ترفعها ، فإن ابتليت بها فعرّفها سنة) (٢) ، وخبر وهب عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (لا يأكل الضالّة إلا الضالون) (٣) ، وخبر مسعدة عن الصادق عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قال : إياكم واللقطة ، فإنها ضالة المؤلف ، وهي حريق من حريق جهنم) (٤).

ومقتضى هذه الأخبار كراهة اللقطة في مورد جواز أخذها ، وإلا فقد تقدم استحباب التقاط الضالة على تقدير خوف التلف.

(١) من غير تقييد لها في مورد.

(٢) من المذكورات الإدواة وما بعدها ، وقد تقدم أن أدلتها لا تدل على كراهتها فلا يبقى فيها إلا كراهة أصل الالتقاط.

(٣) كما في خبر مسعدة المتقدم ، ولكن فيه كما في الوسائل : وهي حريق من حريق جهنم.

(٤) كما في خبر وهب المتقدم.

(٥) وهو الشيخان في المقنعة والنهاية في خصوص الحيوان.

(٦) أي للنهي الوارد عنها كما في الأخبار المتقدمة.

(٧) ردّ على القائل بالحرمة.

(٨) كما في خبر جرّاح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الضّوال لا يأكلها إلا الضّالون إذا لم يعرفوها) (٥).

(٩) الذي لا يأمن على نفسه من القيام بحدود اللقطة ، نعم إذا علم الخيانة حرم عليه الأخذ ، لأن الأخذ حينئذ وسيلة إلى الحرام فيحرم ، كما عن العلامة في القواعد والفخر في الإيضاح والشهيد في الدروس ، وعن العلامة في التحرير والتذكرة الكراهة الشديدة ، وهو ضعيف بما سمعت.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٩ و ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة حديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة حديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ٤.


(والمعسر (١) ، لأن الأول (٢) ليس أهلا (٣) لحفظ مال الغير بغير إذنه ، والثاني (٤) يضر بحال المالك إذا ظهر (٥) وقد تملك ، وإنما جاز (٦) مع ذلك (٧) ، لأن اللقطة في معنى الاكتساب (٨) ، لا استئمان محض.

هذا (٩) إذا لم يعلم خيانته ، وإلا (١٠) وجب على الحاكم انتزاعها منه (١١) حيث لا يجوز له التملك (١٢) ، أو ضم مشرف إليه (١٣) من باب الحسبة (١٤) ، ولا

______________________________________________________

(١) قد ذكر غير واحد أنه يكره التقاط المعسر ، لأن عسره قد يكون سببا في عدم وصولها إلى مالكها لو ظهر لأنه قد يتعسر عليه قيمتها لإعساره ، وعن بعضهم أنه تتأكد الكراهة فيه وإن لم يكن فاسقا.

وبناء على التسامح في أدلة السنن والمكروهات فالأمر سهل وإلا فقد ورد في صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (عن اللقطة يجدها الفقير هو فيها بمنزلة الغني؟ قال : نعم) (١).

(٢) وهو الفاسق.

(٣) لاحتمال خيانته.

(٤) وهو المعسر.

(٥) أي إذا ظهر المالك وقد تملك المعسر فيعسر عليه قيمتها بسبب إعساره.

(٦) أي أخذ اللقطة.

(٧) أي مع كون الفاسق ليس أهلا للحفظ ، ومع كون المعسر يضرّ بحال المالك.

(٨) قد تقدم أن اللقطة فيها معنى الائتمان ابتداء وفيها معنى الاكتساب عند التملك بعد التعريف حولا ، وتقدم ترجيح جانب الاكتساب فيها فلذا جاز التقاط الصبي والمجنون والمفلس والسفيه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فظاهر التعليل أنه مختص بالفاسق فقط دون المعسر.

(٩) أي كراهة أخذ اللقطة من الفاسق.

(١٠) وإن علم خيانة الفاسق.

(١١) من الفاسق الخائف ، لأنه يحرم عليه الأخذ ، لأن الأخذ حينئذ وسيلة إلى الحرام فيحرم.

(١٢) المراد منه الأخذ المفضي إلى التملك.

(١٣) إلى الفاسق.

(١٤) أي من باب دفع المنكر احتسابا للأجر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


يجب ذلك (١) في غيره (٢) (ومع اجتماعهما) أي الفسق والإعسار المدلول عليهما بالمشتق منهما (٣) (تزيد الكراهة) لزيادة سببها (٤).

(وليشهد) الملتقط(عليها) عند أخذها عدلين(مستحبا (٥) تنزيها لنفسه عن الطمع فيها ، ومنعا لوارثه من التصرف لو مات ، وغرمائه لو فلس(ويعرّف الشهود بعض الأوصاف (٦) كالعدة (٧) ، والوعاء (٨) ، والعفاص (٩) ، والوكاء (١٠) ، لا جميعها (١١) حذرا من شياع خبرها فيطلع عليها من لا يستحقها فيدعيها ويذكر الوصف.

______________________________________________________

(١) من الانتزاع أو ضم المشرف.

(٢) غير الخائن.

(٣) حيث قال الماتن : (خصوصا من الفاسق والمعسر).

(٤) أي سبب الكراهة.

(٥) بلا خلاف فيه ، وعن أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه أنه يجب لما روي من طرقهم (من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل) (١) ، ولضعف سنده حمل على الاستحباب.

واستدل للاستحباب لما في الإشهاد عليها من صيانة نفسه عن الطمع فيها ، وحفظها من ورثته لو مات ومن غرمائه إذا أفلس.

(٦) أي بعض أوصاف اللقطة ، وفي كيفية الاشهاد قولان ، الأشهر أن يشهد على أصلها دون صفاتها أو يذكر بعضها من غير استقصاء لئلا يشيع خبرها فيدعيها من لا يستحقها فيأخذها إذا ذكر صفاتها ، والثاني : أن يشهد على جميع صفاتها حتى يخلص من احتمال تملك الوارث لو مات ، والأنسب هو الأول بعد عدم النص على ذلك كله.

(٧) ففي الصحاح : (العدة بالضم ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ، وبمعنى الاستعداد أيضا ، وبالكسر الجماعة وبمعنى العدد أيضا).

(٨) ومعناه معروف.

(٩) ففي القاموس : (ككتاب ، الوعاء فيه النفقة ، جلدا أو خرقة ، وغلاف القارورة ، والجلد يغطى به رأسها).

(١٠) ففي القاموس : (الوكاء ككساء ، رباط القربة وغيرها) ، وفي النهاية : (الوكاء الخيط الذي يشدّ به الصرة والكيس وغيرهما).

(١١) أي جميع الأوصاف.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٨٧.


(والملتقط) للمال(من له أهلية الاكتساب (١) وإن كان غير مكلف أو مملوكا(و) لكن يجب(أن يحفظ الولي ما التقطه الصبي) كما يجب عليه (٢) حفظ ماله ، ولا يمكّنه منه ، لأنه لا يؤمن عليه ، (وكذا المجنون) فإن افتقر إلى تعريف عرّفه (٣) ثم فعل لهما (٤) ما هو الأغبط لهما من التملك ، والصدقة ، والإبقاء أمانة.

(ويجب تعريفها) أي اللقطة البالغة درهما فصاعدا(حولا) كاملا وقد تقدم ، وإنما أعاده ليرتب عليه قوله : (ولو متفرقا (٥) وما بعده (٦) ومعنى جوازه (٧) متفرقا

______________________________________________________

(١) قد تقدم في لقطة الحيوان أن في اللقطة معنى الأمانة والولاية في الابتداء بالنسبة إلى حفظها وتعريفها ، وفيها معنى الاكتساب بالنسبة إلى تملكها ، وقد تقدم ترجيح جانب الاكتساب فيجوز التقاط الصبي والمجنون ، لأن لهما أهلية الاكتساب ، وليس لهما أهلية الحفظ والتعريف فيتولاه الولي ، وإذا مضى الحول فيختار لهما ما فيه الغبطة من التملك وغيره.

وكذا يصح التقاط الكافر والفاسق لأن لهما أهلية الاكتساب ، والمشهور على جواز التقاط العبد لأن له أهلية الحفظ والائتمان دون الولاية ، وذهب ابن الجنيد إلى المنع ، لأن الغالب في اللقطة جانب الاكتساب ويؤيده خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله المحاربي عن المملوك يأخذ اللقطة؟ فقال : ما للمملوك واللقطة ، لا يملك من نفسه شيئا ، فلا يتعرض لها المملوك) (١).

(٢) أي على الولي حفظ مال الصبي.

(٣) أي الولي.

(٤) أي فعل الولي للصبي والمجنون.

(٥) أي ولو كان التعريف متفرقا في الحول.

(٦) أي ما بعد هذا القول من كلام الماتن.

(٧) أي جواز التعريف ، قد تقدم أنه لا بد من الرجوع إلى العرف في التعريف حولا ، وتقدم أن المدار في التعريف على وجه لا ينسى بحيث يكون الثاني تكرارا لما مضى ، وتقدم أنه لا داعي لاستيعاب التعريف في تمام الحول ولا في كل شهر ، بل يكفي التعريف في كل أسبوع مرة ، بل تركه إلى العرف أولى ، ومنه تعرف ضعف ما عليه المشهور من تكرار التعريف في كل يوم إلى أسبوع ثم في كل أسبوع مرة إلى آخر الشهر ، ثم في كل شهر مرة إلى آخر الحول.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


أنه لا يعتبر وقوع التعريف كل يوم من أيام الحول ، بل المعتبر ظهور أن التعريف التالي تكرار لما سبق ، لا للقطة جديدة فيكفي (١) التعريف في الابتداء كل يوم مرة ، أو مرتين (٢) ، ثم في كل أسبوع (٣) ، ثم في كل شهر (٤) مراعيا لما ذكرناه (٥) ، ولا يختص تكراره (٦) أياما بأسبوع (٧) وأسبوعا ببقية الشهر (٨) ، وشهرا ببقية الحول ، وإن كان ذلك (٩) مجزيا ، بل المعتبر أن لا ينسى كون التالي تكرارا لما مضى ، لأن الشارع لم يقدره (١٠) بقدر ، فيعتبر فيه (١١) ما ذكر (١٢) ، لدلالة العرف عليه.

وليس المراد بجوازه متفرقا أن الحول يجوز تلفيقه (١٣) لو فرض ترك التعريف في بعضه (١٤) ، بل يعتبر اجتماعه (١٥) في حول واحد ، لأنه (١٦) المفهوم منه (١٧) شرعا عند الإطلاق خلافا لظاهر التذكرة حيث اكتفى به (١٨). وبما ذكرناه من

______________________________________________________

(١) ولا يتعين.

(٢) من دون تتمة أيام الأسبوع الأول.

(٣) من دون تتمة أسابيع الشهر الأول.

(٤) إلى آخر الحول.

(٥) من ظهور أن التعريف تكرار لما سبق لا لتعريف لقطة جديدة.

(٦) أي تكرار التعريف.

(٧) خصوصا الأول في مقام الرد على المشهور.

(٨) الأول في مقام الرد على المشهور.

(٩) وهو التكرار في كل يوم إلى آخر الأسبوع الأول إلى آخر ما ذكره المشهور.

(١٠) أي لم يقدر التعريف حولا.

(١١) في التعريف حولا.

(١٢) في كلام الشارح كما يدل العرف على تعريف المشهور أيضا.

(١٣) بناء على عود الضمير في قول الماتن (ولو متفرقا) إلى الحول ، وعليه فيلفق الحول من أيام السنين المتعددة.

(١٤) أي بعض الحول الواحد.

(١٥) أي اجتماع التعريف حولا.

(١٦) أي اجتماع التعريف في حول واحد.

(١٧) من التعريف حولا.

(١٨) بتلفيق الحول من أيام السنين المتعددة.


تفسير التفرق صرح في القواعد. ووجوب التعريف ثابت(سواء نوى) الملتقط(التملك أو لا) في أصح القولين (١) ، لإطلاق الأمر به (٢) الشامل للقسمين (٣) ، خلافا للشيخ حيث شرط في وجوبه (٤) نية التملك ، فلو نوى الحفظ لم يجب.

ويشكل باستلزامه (٥) خفاء اللقطة ، وبأن التملك (٦) غير واجب فكيف تجب

______________________________________________________

(١) النصوص قد دلت على وجوب التعريف حولا على ما تقدم.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (واللقطة يجدها الرجل ويأخذها؟ قال عليه‌السلام : يعرّفها سنة ، فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله) (١) وخبر كثير (سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن اللقطة فقال عليه‌السلام : يعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولا) (٢) ومثلها غيرها.

ومقتضى الأخبار وجوب التعريف بلا فرق بين إرادة التملك وعدمه وهذا ما عليه الأكثر ، وعن الشيخ في مبسوطه أن التعريف واجب إذا نوى التملك ، وإلا فلا ، لأنه مع عدم نية التملك يكون مجهول المالك فيحفظه له أمانة أو يدفعه إلى الحاكم.

وفيه : أولا : أن الأخبار المتقدمة عليه حجة عليه.

وثانيا : عدم وجوب التعريف في مقام الحفظ مستلزم للكتمان المفوّت للمال على مالكه ، فيلزم خفاء اللقطة بالإضافة إلى أنه على تقدير الحفظ فهو مال الغير مأمور بدفعه إليه ، وهو متوقف على تعريفه وسيلة إلى معرفة المالك ، فيجب التعريف من باب المقدمة.

وثالثا : إيجاب التعريف إذا أراد نية التملك لا يتم ، إلا إذا كان التملك واجبا ليثبت الوجوب في مقدمته التي هي التعريف ، مع أن التملك غير واجب فلا تجب مقدمته كما في المسالك.

وفي الأخير ضعف ظاهر إذ وجوب التعريف وجوب شرطي ، بحيث إذا انتفى شرطه من نية التملك ينتفي ، وليس المراد أن التعريف قد وجب لأنه وسيلة للتملك. والأخبار حجة عليه.

(٢) بالتعريف.

(٣) نوى التملك أو لا.

(٤) أي وجوب التعريف.

(٥) أي باستلزام عدم التعريف عند نية الحفظ ، وهو إشكال على الشق الثاني من كلام الشيخ.

(٦) إشكال على الشق الأول من كلام الشيخ.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١ و ٢.


وسيلته (١) وكأنه أراد به (٢) الشرط.

(وهي أمانة) في يد الملتقط(في الحول وبعده (٣) فلا يضمنها لو تلفت بغير تفريط(ما لم ينو التملك فيضمن) بالنية وأن كان (٤) قبل الحول ، ثم لا تعود أمانة لو عاد إلى نيتها (٥) استصحابا لما ثبت (٦) ، ولم تفد نيته الملك في غير وقتها (٧) ، لكن لو مضى الحول مع قيامه بالتعريف وتملكها حينئذ (٨) بني بقاء الضمان ، وعدمه على ما سلف (٩) من تنجيز الضمان ، أو توقفه على مطالبة المالك.

______________________________________________________

(١) وهي التعريف.

(٢) أي بنية التملك وأنها شرط في وجوب التعريف.

(٣) من أحكام اللقطة كونها أمانة شرعية في يد الملتقط مدة الحول ما لم يفرّط أو يتعدّ ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وعليه فتلفها في الحول من المالك ، وكونها أمانة بيده في مدة الحول لأنه محسن إلى المالك بحفظ ماله وحراسته ولا سبيل على المحسن. نعم مع التعدي أو التفريط يضمن للعدوان ، ومن التعدي أن ينوي التملك قبل التعريف مع أنه مأمور بنية التملك تخييرا بعد التعريف ، ومن التعدي ترك التعريف مطلقا ، ومع التعدي يكون ضامنا لأنه غاصب لوضع يده على مال الغير بغير إذن المالك ولا الشارع ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلأنه مأمور شرعا بالتعريف وبنية التملك بعده وقد أخلّ بهما أو بأحدهما.

وعليه فلو كان ضامنا بتعديه لنيته التملك قبل تمام الحول فلو بدا له وتراجع عن نيته وقد نوى الحفظ لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم فلا يرتفع عنه حكم الضمان للاستصحاب.

وقد تقدم أنه يضمن لو نوى التملك بعد الحول وتمام التعريف ، وكذا يضمن لو تصدق بها ، نعم لا يضمن لو نوى حفظها لمالكها على ما حرر بيانه سابقا.

(٤) أي نية التملك قبل الحول أو بعده ، أما بعده فللنص وأما قبله فلأنه متعد.

(٥) أي نية الأمانة ، وذلك فيما لو نوى التملك في مدة الحول فإنه ضامن لعدوانه فلو عاد إلى نية الأمانة فيبقى الضمان من باب الاستصحاب.

(٦) من الضمان.

(٧) إذ وقتها بعد الحول وهو قد نوى في أثناء الحول ، فهذه النية في غير وقتها غير كافية في التملك ، إذ المعتبر نية التملك بعد الحول ، فضلا عن أن نية التملك في غير وقتها موجبة للضمان ، لأنها من جملة مصاديق التعدي.

(٨) حين مضي الحول بعد التعريف.

(٩) من قول الشارح (والأقوى أن ضمانها لا يحصل بمجرد التملك أو الصدقة بل بظهور المالك سواء طالبه أم لم يطالب) انتهى.


(ولو التقط العبد (١) عرّف بنفسه (٢) ، أو بنائبه (٣) كالحر(فلو أتلفها) قبل التعريف ، أو بعده(ضمّن بعد عتقه) ويساره كما يضمن غيرها (٤) من أموال الغير التي يتصرف فيها (٥) من غير إذنه (٦) (ولا يجب على المالك (٧) انتزاعها منه (٨) قبل

______________________________________________________

ـ وعليه فعلى قول الأكثر أن الضمان بمجرد نية التملك فيضمن لأنه قد نوى ، وعلى قول الشارح من أنه متوقف على ظهور المالك وعلى قول الشيخ أنه متوقف على مطالبته فلا يضمن هنا حتى يظهر المالك أو يطالب.

هذا كله مبني على كون اللقطة مضمونة على الملتقط أثناء الحول بأن أخذها لقصد التعريف فعرّفها سنة ثم نوى التملك ، ولكن ينافيه ظاهر عبارة الشارح (بني بقاء الضمان وعدمه) حيث إنه ظاهر في كونها مضمونة عليه في أثناء الحول لتعديه من جهة نية التملك في أثنائه.

وعلى هذا التقدير فهي مضمونة عليه على كل حال سواء قلنا بأن الضمان متوقف على نية التملك أو ظهور المالك أو مطالبته فيما لو أحدث نية التملك بعد التعريف حولا من دون تعد ولا تفريط في السابق ، وعليه فعبارته لا تخلو من إشكال.

(١) قد تقدم أن المشهور على جواز التقاط العبد ، فلو التقط بغير إذن المولى فعرّفها سنة لم يجز له التملك بناء على أنه لا يملك شيئا.

ولو أتلفها على هذا التقدير أو تقدير عدم جواز التقاطه تعلق الضمان برقبته ، ويتبع به بعد العتق واليسار كالقرض الفاسد بلا خلاف في ذلك ولا إشكال.

(٢) بناء على جواز الالتقاط.

(٣) لأن التعريف الواجب غير مشروط بمباشرة معيّن كما تقدم في الحر.

(٤) غير اللقطة.

(٥) أي التي يتصرف العبد في أموال الغير.

(٦) أي إذن الغير.

(٧) أي مالك العبد.

(٨) من العبد ، هذا واعلم أنه بناء على جواز التقاط العبد ولم يأذن المولى فلو التقطها العبد لا يجب على المولى انتزاعها منه إذا كان العبد أمينا بلا خلاف ولا إشكال فيبقيها في يده إلى أن يعرّفها ثم يفعل بها أحد الأمور الثلاثة ، نعم له أن ينتزعها ويتولى المولى التفريق وباقي الأحكام.

وأما إذا لم يكن العبد أمينا ففي وجوب انتزاعها منه قولان ، ففي المبسوط أنه يجب الانتزاع ولو لم يفعل يضمن المولى لتفريطه بالإهمال لأن يد العبد كيد سيده ومع عدم ـ


التعريف وبعده(وإن لم يكن) العبد(أمينا) لأصالة البراءة من وجوب حفظ مال الغير ، مع عدم قبضه (١) خصوصا مع وجود يد متصرفة (٢).

وقيل : يضمن (٣) بتركها في يد غير الأمين ، لتعديه (٤) ، وهو ممنوع.

نعم لو كان العبد غير مميز فقد قال المصنف في الدروس : إن المتجه ضمان السيد نظرا إلى أن العبد حينئذ (٥) بمنزلة البهيمة المملوكة يضمن مالكها ما تفسده من مال الغير مع إمكان حفظها (٦).

وفيه نظر ، للفرق بصلاحية ذمة العبد لتعلق مال الغير بها (٧) دون الدابة ، والأصل براءة ذمة السيد من وجوب انتزاع مال غيره وحفظه (٨).

نعم لو أذن له (٩) في الالتقاط اتجه الضمان مع عدم تمييزه ، أو عدم أمانته (١٠) إذا قصّر (١١) في الانتزاع قطعا ، ومع عدم التقصير على احتمال من حيث إن يد العبد يد المولى (١٢).

______________________________________________________

ـ أمانته فلو تركها المولى يكون مفرّطا في مال الغير الذي صار بمنزلة ما هو في يده ، ويكون مثله مثل ما لو وجدها فسلّمها إلى الفاسق.

وعن العلامة والشهيدين والمحقق الثاني عدم الضمان ، لأن للعبد ذمة والحال أنه لم يأذن له في الالتقاط مع أصالة براءة ذمة المولى.

(١) أي عدم قبض المولى.

(٢) وهي يد العبد ، وهي متصرفة لأن للعبد ذمة.

(٣) أي المولى.

(٤) أي تعدي المولى بسبب الإهمال.

(٥) حين كونه غير مميز.

(٦) حفظ البهيمة المملوكة.

(٧) بذمة العبد.

(٨) أي من وجوب حفظه.

(٩) أي أذن المولى للعبد.

(١٠) أي أمانة العبد.

(١١) أي قصّر المولى.

(١٢) وهو وجه الضمان عند عدم التقصير كما هو دليل الشيخ في المبسوط.


(ويجوز للمولى التملك (١) بتعريف العبد) مع علم المولى به (٢) ، أو كون العبد ثقة ليقبل خبره (٣) ، وللمولى انتزاعها منه (٤) قبل التعريف وبعده ، ولو تملكها العبد بعد التعريف صح (٥) على القول بملكه ، وكذا يجوز لمولاه (٦) مطلقا.

(ولا تدفع) اللقطة إلى مدعيها وجوبا (٧) (إلا بالبينة (٨) العادلة أو الشاهد

______________________________________________________

(١) في صورة التقاط العبد وقد عرفها حولا فيجوز للمولى التملك إن شاء ويكون الضمان عليه ، لأن كل ما للعبد لو كان حرا فهو لسيده.

(٢) بتعريف العبد.

(٣) أو الاعتماد على قول من يعتمد على خبره لو شهد بتعريف العبد.

(٤) من العبد سواء كان الالتقاط بإذنه أم لا.

(٥) أي صح التملك.

(٦) أي وكذا يجوز للمولى تملك اللقطة بعد التعريف ، بدل تملك العبد سواء قلنا إن العبد يملك أم لا. كما عليه سلطان العلماء ، وكما عليه البعض الآخر أنه يجوز للعبد تملك اللقطة بعد التعريف لمولاه سواء قلنا إن العبد يملك أم لا.

(٧) قيد للمنفي لا للنفي.

(٨) لا يجب أن تدفع اللقطة إلى من يدعيها إلا إذا حصل العلم بأنه المالك فيجب على الملتقط العالم حينئذ.

ومع عدم العلم فلا يجب الدفع إلا بالبينة أو الشاهد واليمين ، لأنهما قائمان مقام العلم شرعا ، فلا تكفي شهادة العادل في وجوب الدفع بلا خلاف في ذلك كله ، فإذا فقدت البينة وادعى وصفا ولو كان خفيا بحيث لا يطلع عليه إلا المالك غالبا فلا يجب الدفع ، وكذا لو ظن صدقه لا يجب الدفع لعدم اعتبار الوصف ولا الظن ، وكذا مع الوصف والظن معا لعدم اعتبارهما شرعا.

نعم لو ادعى وصفا مع حصول الظن بصدقه فالمشهور على جواز الدفع إليه للنبوي (فإن جاء ناعتها فعرف عفاصها ووكائها وعددها فادفعها إليه) (١) ومثله غيره ، وهو محمول على الرخصة لوروده في مقام توهم الخطر.

والعفاص هو الوعاء الذي فيه النفقة جلدا أو خرقة ، والوكاء هو الخيط الذي يشدّ به المال.

وعن الحلي عدم جواز الدفع بالوصف مطلقا لوجوب حفظها حتى تصل إلى مالكها ، ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٨٥.


واليمين(لا بالأوصاف وإن خفيت) بحيث يغلب الظن بصدقه ، لعدم (١) اطلاع غير المالك عليها غالبا كوصف وزنها ، ونقدها ووكائها ، لقيام الاحتمال (٢).

(نعم يجوز الدفع بها) (٣) وظاهره كغيره (٤) جواز الدفع بمطلق الوصف (٥) ، لأن الحكم ليس منحصرا في الأوصاف الخفية وإنما ذكرت (٦) مبالغة ، وفي الدروس شرط في جواز الدفع إليه (٧) ظنّ صدقه لإطنابه (٨) في الوصف ، أو رجحان عدالته ، وهو (٩) الوجه ، لأن مناط أكثر الشرعيات الظن (١٠) ، ولتعذر إقامة البينة غالبا ، فلولاه (١١) لزم عدم وصولها إلى مالكها كذلك (١٢).

وفي بعض الأخبار (١٣) إرشاد إليه ، ومنع ابن إدريس من دفعها بدون البينة ، لاشتغال الذمة بحفظها ، وعدم ثبوت كون الوصف حجة.

والأشهر الأول وعليه (١٤).

______________________________________________________

ـ والواصف ليس مالكا شرعا ولا الظن حجة شرعية ، وفيه أنه اجتهاد في قبال النص ، إلا أن الذي يخفف الخطب أنه لا يعمل بخبر الواحد إذا كان صحيح السند ، فما بالك بالنبوي المنجبر بعمل الأصحاب.

(١) تعليل لغلبة الظن.

(٢) أي احتمال أنها ليست له بعد عدم كون الظن حجة بذاته.

(٣) بالأوصاف.

(٤) أي ظاهر كلام الماتن كظاهر كلام غيره من الفقهاء.

(٥) خفي أم لا.

(٦) أي الأوصاف الخفية.

(٧) إلى المدعي الواصف.

(٨) تعليل لحصول ظن الصدق من أوصافه.

(٩) أي اشتراط ظن الصدق مع الوصف.

(١٠) ويلحق هذا به من باب الإلحاق بالأعم الأغلب.

(١١) أي لو لا الظن بالصدق.

(١٢) أي لتعذر إقامة البينة.

(١٣) كالنبوي المتقدم وغيره.

(١٤) على الأول الأشهر.


(فلو أقام غيره) أي غير الواصف(بها بينة) بعد دفعها إليه (١) (استعيدت منه (٢) ، لأن البينة حجة شرعية بالملك ، والدفع بالوصف إنما كان رخصة وبناء على الظاهر (٣) (فإن تعذر) انتزاعها (٤) من الواصف(ضمن الدافع (٥) لذي البينة مثلها ، أو قيمتها(ورجع) الغارم(على القابض (٦) بما غرمه ، لأن التلف في يده (٧) ولأنه (٨) عاد إلا أن يعترف الدافع له (٩) بالملك فلا يرجع عليه (١٠) لو رجع عليه (١١) لاعترافه (١٢) بكون الأخذ منه (١٣) ظلما ، وللمالك الرجوع على الواصف

______________________________________________________

(١) إلى الواصف.

(٢) لو أخذها الواصف بالوصف ثم قام آخر وأتى بالبينة ، انتزعت من الواصف وأعطيت لصاحب البينة بلا خلاف ولا إشكال ، لأن البينة حجة شرعية توجب لزوم الدفع والوصف يفيد الجواز فلا يعارض البينة ، وعليه فإن كانت تالفة بيد الواصف كان لصاحب البينة العوض وهو بالخيار بين الرجوع على الواصف وعلى الدافع ، أما على الأول فواضح لعموم قاعدة (على اليد) ، وأما على الثاني لأنه مفوّت لحقه بدفعه إلى غير أهله.

هذا وإن رجع صاحب البينة على الواصف ، لم يرجع الواصف على الملتقط ، لأن التلف وقع في يده ، ولأن صاحب البينة ظالم بزعم الواصف فلا يرجع الواصف على غير ظالمه.

وإن رجع صاحب البينة على الملتقط ، رجع الثاني على الواصف ، لأنه مغرور وهو يرجع على من غرّه ، إلا أن يقرّ الملتقط للواصف بالملك فلا رجوع له حينئذ لاعترافه بكذب البينة أو خطائها ، وإلزاما له باعترافه.

(٣) وقد تبين خلافه.

(٤) بالتلف.

(٥) أي الملتقط.

(٦) الذي هو الواصف ، ويرجع لقاعدة (المغرور يرجع على من غرّه).

(٧) في يد القابض الواصف.

(٨) أي لأن القابض الواصف متعد بتغريره.

(٩) للقابض الواصف.

(١٠) فلا يرجع الدافع الملتقط على القابض الواصف.

(١١) أي لو رجع صاحب البينة على الدافع الملتقط.

(١٢) أي اعتراف الدافع الملتقط ، وهو تعليل لعدم رجوع الدافع على القابض عند اعترافه بأنه المالك.

(١٣) من القابض الواصف.


القابض ابتداء فلا يرجع (١) على الملتقط ، سواء تلفت في يده أم لا (٢).

ولو كان دفعها إلى الأول بالبينة ثم أقام آخر بينة حكم الرجوع (٣) بأرجح البينتين عدالة ، وعددا فإن تساويا أقرع ، وكذا لو أقاماها ابتداء (٤) ، فلو خرجت القرعة للثاني انتزعها (٥) من الأول ، وإن تلفت فبدلها مثلا ، أو قيمة ولا شي‌ء على الملتقط إن كان دفعها بحكم الحاكم وإلا ضمن (٦).

ولو كان الملتقط قد دفع بدلها (٧) لتلفها (٨) ثم ثبتت للثاني (٩)

______________________________________________________

(١) أي لا يرجع القابض الواصف.

(٢) لزعمه بأن اللقطة ماله وقد أخذت من يده ظلما بزعمه.

(٣) لو أقام أحدهم بينة فدفعت إليه ثم أقام آخر البينة بها أيضا ، فكلاهما خارج فلا يد ولا أصل لأحدهما حتى تقدم بينة صاحبه ، ومع تعارض بينات الخارجين فإن كانت إحداهما أعدل قدمت ، وإن تساويا عدالة وكانت إحداهما أزيد قدمت أيضا.

وإن تساويا عدالة وعددا أقرع بينهما لانتفاء المرجح لأحدهما ، وحلف الخارج اسمه بالقرعة ، فإن امتنع من اليمين حلف الآخر ، فإن امتنعا قسمت نصفين بينهما ، وهذه هي قاعدة تعارض الخارجين.

وعن المحقق في ظاهر الشرائع الاكتفاء بالقرعة في الحكم لمن خرجت باسمه من دون ضم اليمين ، وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب القضاء.

وعلى كل فلو خرجت القرعة باسم الثاني وقد دفعها الملتقط للأول عند قيام بينته فإن كانت باقية أخذها الثاني ، وإن كانت تالفة فإن كان الملتقط قد دفعها إلى الأول بحكم الحاكم تعين رجوع الثاني على الأول دون الملتقط ، لبراءته منها بعد حكم الحاكم بالدفع.

وإن كان الملتقط قد دفعها إلى الأول باجتهاده تخيّر الثاني في تضمين من شاء من الملتقط والأول ، أما الأول فلاستقرار تلفها في يده ، وأما الملتقط فلتفريطه حيث دفعها بنظره مع أن الحكم بالبينة من وظائف الحاكم.

(٤) من غير تقدم أو تأخر.

(٥) أي انتزع الثاني اللقطة.

(٦) وإن لم يدفعها بحكم الحاكم بل باجتهاده.

(٧) أي دفع بدل اللقطة للأول الذي أقام بنية أولا ، وكان دفع البدل لتلفها أو لظهوره بعد تمام الحول وبعد تملك الملتقط.

(٨) تعليل لدفع البدل.

(٩) لكونه أعدل بينة أو أكثر عددا ، أو خرجت القرعة باسمه ، فهنا يرجع الثاني على الملتقط ـ


رجع (١) على الملتقط ، لأن المدفوع إلى الأول ليس عين ماله (٢) ، ويرجع الملتقط على الأول بما أداه (٣) إن لم يعترف له (٤) بالملك ، لا من حيث البينة (٥) ، أما لو اعترف لأجلها لم يضر ، لبنائه (٦) على الظاهر (٧) وقد تبين خلافه.

(والموجود في المفازة (٨) ...

______________________________________________________

ـ على كل حال سواء كان ما دفعه الملتقط إلى الأول من العوض باقيا أم لا ، وسواء كان قد دفعها إلى الأول بالوصف أم البينة ، لأن المدفوع ليس عين حق المالك ، وإنما هو ثابت في ذمته لا يتعين إلا بالدفع إلى المالك ، وقد ظهر أن المالك هو الثاني ، وظهر أن ما دفعه إلى الأول كان من مال الملتقط فيرجع به عليه إلا أن يعترف له بالملك فلا يرجع عليه لاعترافه بالظلم من الثاني.

(١) أي الثاني.

(٢) أي ليس عين مال الثاني حتى يرجع الثاني على الأول.

(٣) أي بما أداه الملتقط للأول.

(٤) إذا لم يعترف الملتقط للأول.

(٥) أي بينة الأول ، والمعنى فإذا اعترف الملتقط للأول بأنه المالك فلا يرجع عليه ، بشرط أن لا يكون اعترافه بالملك من ناحية بينة الأول ، لأن بينة الأول قد ظهر فسادها لسبب ترجيح بينة الثاني.

(٦) أي بناء الاعتراف.

(٧) أي الظاهر من حال بينة الأول وقد ظهر فسادها بسبب بينة الثاني.

(٨) ما يوجد في مفازة أو خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف بلا خلاف فيه في الجملة والمستند فيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن الدار يوجد فيها الورق فقال عليه‌السلام : إن كانت معمورة ، فيها أهلها ، فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به) (١) ومثله صحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (٢) والحكم بأنه لأهل الدار إن كانت معمورة باعتبار أن اليد على الدار إمارة ملكية الدار وما فيها ، ومقتضى الخبرين أنه للواجد من دون تعريف سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، وهذا ما ذهب إليه المحقق في الشرائع وجماعة ، وعن جماعة من المتأخرين تقييده بما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام وإلا كانت لقطة جمعا بين ما ذكر وبين خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قضى عليّ عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة : أن ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة حديث ١ و ٢.


وهي البرية (١) القفر (٢) والجمع المفاوز قاله ابن الأثير في النهاية.

ونقل الجوهري عن ابن الأعرابي أنها سميت بذلك (٣) تفاؤلا بالسلامة والفوز(والخربة) التي باد أهلها (٤) (أو مدفونا في أرض لا مالك لها) ظاهرا

______________________________________________________

ـ يعرّفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتّع بها) (١) ، بحمل الأخير على ما لو كان الموجود فيه أثر الإسلام ، ويؤيده أن أثر الإسلام يدل على سبق يد مسلم والأصل بقاء ملكه ، وهذا ما يقتضي التعريف فيما فيه أثر الإسلام لأنه مال ضائع من مسلم.

وردّ التأييد بأن مجرد وجود الأثر لا يدل على كونه من مسلم لجواز صدوره من غيره ، وردّ خبر محمد بن قيس بأنه ضعيف لأن راويه مشترك بين الثقة وغيره فلا يصلح لمعارضة ما تقدم من الصحيحين.

وفيه أن محمد بن قيس هو الثقة بقرينة رواية عاصم عنه وعليه فهو حجة يجب العمل به ، ولا بدّ من تقييد الصحيحين به ، وعليه فالمأخوذ من المفاوز والخربة سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا يجب تعريفه حولا ثم يتملكه الواجد إن شاء ، وهذا ما عليه جماعة من متأخري المتأخرين وعن صاحب الجواهر وجماعة حمل الصحيحين على ما لو كان المأخوذ لأهل الأزمان السالفة فلا يجب تعريفه لعدم وجود مالك له حتى يعرّفه بخلاف خبر محمد بن قيس فإنه ناظر إلى أن المأخوذ لأهل زمانه ولذا أمر بتعريفها.

هذا كله من جهة ومن جهة أخرى فالأخبار المتقدمة واردة في الخربة ، ولا يوجد نص على المفاوز ، ولكنها ألحقت بالخربة بالأولوية ، لأن الخربة هي معمورة مسكونة في بعض الأزمنة إلا أنه قد هلك أهلها أو تركوها بخلاف المفاوز فإنها دائما بلا أهل ، ولهذا ألحقت بالخربة الأرض التي ليس لها مالك فالمدفون فيها كالمأخوذ من الخربة بعد كون المال لأهل الأعصار السالفة الذي لا يعقل لزوم التعريف فيه بعد القطع بعدم مالك له يعرّفه.

ومن جهة ثالثة المراد بأثر الإسلام أن يكون مكتوبا عليه اسم سلطان من سلاطين الإسلام ، أو الشهادة بالرسالة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(١) هي الصحراء وجمعها براري.

(٢) غير معمورة من أهلها.

(٣) أي أن البرية سميت بالمفازة.

(٤) أو جلى عنها أهلها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة حديث ٥.


(يتملّك من غير تعريف) وإن كثر(إذا لم يكن عليه أثر الإسلام) من الشهادتين ، أو اسم سلطان من سلاطين الإسلام ونحوه (١) ، (وإلا) يكن كذلك بأن وجد عليه أثر الإسلام(وجب التعريف) ، لدلالة الأثر على سبق يد المسلم فتستصحب (٢).

وقيل (٣) : يملك مطلقا (٤) ، لعموم صحيحة محمد بن مسلم أن للواجد ما يوجد في الخربة ، ولأن أثر الإسلام قد يصدر عن غير المسلم وحملت الرواية (٥) على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه الأثر. وهو (٦) بعيد (٧) ، إلا أن الأول أشهر.

ويستفاد من تقييد الموجود في الأرض التي لا مالك لها بالمدفون (٨) عدم اشتراطه (٩) في الأولين (١٠) ، بل يملك ما يوجد فيهما (١١) مطلقا (١٢) ، عملا بإطلاق النص ، والفتوى ، أما غير المدفون في الأرض المذكورة (١٣) فهو لقطة (١٤).

______________________________________________________

(١) مما يدل على الإسلام.

(٢) أي اليد.

(٣) كما عن المحقق وجماعة.

(٤) سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا.

(٥) وهي صحيح محمد بن مسلم المتقدم ، وهذا الحمل المذكور هنا مناف لما قاله في المسالك من أن الصحيحة قد حملت على ما لا أثر له ويملك بدون تعريف ، إلا أن يكون مراده من الرواية هي خبر محمد بن قيس المعارض لصحيح محمد بن مسلم فلا إشكال حينئذ.

(٦) أي هذا الحمل الذي هو مناط القول الأول.

(٧) لأنه جمع بين المتعارضين جمعا تبرعيا ، أو لضعف خبر محمد بن قيس فلا يصلح للمعارضة ولا معنى للجمع.

(٨) متعلق بقوله : (من تقييد الموجود).

(٩) أي عدم اشتراط المدفون.

(١٠) أي المفازة والخربة.

(١١) في المفازة والخربة.

(١٢) سواء كان مدفونا أو ظاهرا على وجه الأرض.

(١٣) وهي التي لا مالك لها.

(١٤) لاحتمال أنه لأهل الزمان الحاضر فيكون مالا ضائعا منه فيجب التعريف حينئذ.


هذا (١) كله إذا كان في دار الإسلام ، أما في دار الحرب فلواجده مطلقا (٢).

(ولو كان للأرض) التي وجد مدفونا فيها(مالك (٣) عرّفه فإن عرفه) أي ادعى أنه (٤) له دفعه إليه من غير بينة ، ولا وصف(وإلا) يدعيه(فهو للواجد) مع انتفاء أثر الإسلام ، وإلا فلقطة كما سبق (٥) ولو وجده في الأرض المملوكة غير مدفون فهو لقطة (٦) ، إلا أنه (٧) يجب تقديم تعريف المالك فإن ادعاه فهو له كما سلف (٨) ، وإلا عرّفه (٩).

______________________________________________________

(١) أي ما تقدم من الحكم في المأخوذ من المفاوز والخربة والمدفون في أرض لا مالك لها.

(٢) سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، وسواء كان مدفونا أم لا ، والمأخوذ من دار الحرب لواجده لعدم احترام مال الكافر فضلا عن دمه ، وقد صرح به غير واحد.

(٣) أي مالك معروف ، والأصل فيه إسحاق بن عمار (سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة ، فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ قال عليه‌السلام : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفوها ، قلت : فإن لم يعرفوها ، قال : يتصدق بها) (١) فضلا عن الصحيحين السابقين (٢) حيث قال عليه‌السلام (إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم) ، ومقتضى الأخبار المتقدمة الدفع للمالك من غير بينة ولا وصف ، وهذه الأخبار مطلقة تشمل ما لو كان عليه أثر الإسلام أم لا ، ومن قيد هناك بعدم الأثر قيّد هنا أيضا لاشتراكهما في المقتضى لأنه مع أثر الإسلام الدال على سبق يد المسلم يكون المأخوذ لقطة يجب تعريفها.

وفيه أن ما تقدم ظاهر في كون المأخوذ لأهل الأزمنة السابقة فلذا لا يجب تعريفه وهنا ظاهر في كونه لمالك معروف بحسب الظاهر فإن ادعاه فهو لدلالة يده على ملكية الأرض وما عليها وما فيها سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا.

(٤) أن المدفون.

(٥) في الفرع السابق وقد عرفت ضعفه.

(٦) لأنه مال ضائع ومن الممكن أن يكون لأهل زمان الواجد.

(٧) أن الشأن والواقع.

(٨) في المدفون بلا فرق بينهما.

(٩) على ما يعرف اللفظ ويجري عليه أحكامها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة حديث ١ و ٢.


(وكذا لو وجده في جوف دابة عرفه مالكها (١) كما سبق (٢) لسبق يده (٣) ، وظهور كونه (٤) من ماله (٥) دخل في علفها ، لبعد (٦) وجوده في الصحراء واعتلافه (٧) ، فإن عرفه المالك ، وإلا فهو للواجد ، لصحيحة عبد الله بن جعفر قال : كتبت إلى الرجل اسأله عن رجل اشترى جزورا ، أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم ، أو دنانير أو جوهرة لمن تكون؟ فقال : فوقّع عليه‌السلام عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله إياه ، وظاهر الفتوى ، والنص عدم الفرق بين وجود أثر الإسلام عليه ، وعدمه.

والأقوى الفرق اختصاص الحكم بما لا أثر عليه ، وإلا (٨) فهو لقطة جمعا بين الأدلة (٩) ، ولدلالة أثر الإسلام على يد المسلم سابقا (١٠) (أما ما يوجد في)

______________________________________________________

(١) والأصل فيه صحيح عبد الله بن جعفر (كتبت إلى الرجل عليه‌السلام : أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة ، فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟

فوقّع عليه‌السلام : عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله إياه) (١).

وإطلاقه يشمل بين ما كان عليه أثر الإسلام أو لا ، فما عن المختلف والروضة هنا من تقييده بما لو لم يكن عليه أثر الإسلام ، وأما لو كان عليه الأثر فهو لقطة ، لأن الأثر دال على سبق يد المسلم فتستصحب مع أن كل مال لمسلم وهو ضائع يجب تعريفه ، وفيه أن وجود الأثر أعم من سبق يد المسلم لإمكان سبق يد الذمي الموجود في بلاد الإسلام ، ولأن يد المالك السابق أقوى دلالة من الأثر المذكور.

(٢) أي كما سبق في المدفون في الأرض المملوكة.

(٣) يد المالك.

(٤) أي كون الموجود في جوف الدابة.

(٥) أي من مال المالك.

(٦) تعليل للظهور.

(٧) واعتلاف الموجود في داخلها ، فهو من باب إضافة المصدر إلى مفعوله.

(٨) وإن كان عليه أثر الإسلام.

(٩) أدلة اللقطة وخبر عبد الله بن جعفر ، بحمل الثاني على ما لا أثر للإسلام فيه.

(١٠) قبل اعتلافه فيجري عليه حكم اللقطة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


(جوف السمكة فللواجد (١) ، لأنها (٢) إنما ملكت بالحيازة ، والمحيز إنما قصد تملكها خاصة ، لعدم علمه بما في بطنها فلم يتوجه قصده إليه (٣) ، بناء على أن المباحات إنما تملك بالنية والحيازة معا ، (إلا أن تكون) السمكة(محصورة في ماء (٤) تعلف) ون كالدابة ، لعين ما ذكر (٥). ومنه (٦) يظهر أن المراد بالدابة : الأهلية كما يظهر من الرواية (٧) ، فلو كانت وحشية لا تعتلف من مال المالك فكالسمكة ، وهذا كله إذا لم يكن أثر الإسلام عليه ، وإلا فلقطة كما مر (٨) ، احتمال عموم الحكم (٩) له (١٠) فيهما (١١) لاطلاق النص (١٢) والفتوى.

______________________________________________________

(١) ونسبه غير واحد إلى إطلاق الأصحاب ، لأن الأصل في السمكة أن تكون مباحة بالأصل ومملوكة بالحيازة ، ولما كان ملك المباح متوقفا على الحيازة والنية لم يتوجه ملك الصياد لما في جوفها من مال لعدم علمه به فكيف يقصد تملكه ، فيكون لواجده نعم لو كانت السمكة مملوكة كالموجودة في ماء محصور مملوك فحكمها حكم الدابة ، كما أن الدابة لو كانت مباحة بالأصل كالغزال فحكمها حكم السمكة ، هذا كله من جهة ومن جهة أخرى مقتضى إطلاق الدليل عدم الفرق بين ما كان عليه أثر الإسلام وغيره ، وبعضهم خصه بما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا فهو لقطة ، لأن الأثر يدل على سبق يد المسلم وقد عرفت ضعفه.

(٢) أي السمكة.

(٣) إلى ما في جوفها.

(٤) محصور مملوك.

(٥) أي ما ذكر في الدابة.

(٦) أي ومن حكم السمكة التي تملك بالحيازة.

(٧) وهي خبر عبد الله بن جعفر المتقدم ، حيث ذكرت الجزور والبقرة وكلاهما من الدواب الأهلية.

(٨) في الدابة وغيرها من الفروع المتقدمة.

(٩) أنه للواجد.

(١٠) للموجود في جوف السمكة.

(١١) فيما عليه أثر الإسلام وعدمه.

(١٢) وهو جملة من الأخبار :

منها : خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (إن رجلا عابدا من بني إسرائيل ـ


(والموجود في صندوقه ، أو داره) (١) ، أو غيرهما (٢) من أملاكه(مع مشاركة الغير له) في التصرف فيهما (٣) محصورا (٤) ، أو غير محصور على ما يقتضيه إطلاقهم (٥) (لقطة) أما مع عدم الحصر فظاهر ، لأنه (٦) بمشاركة غيره لا يد له

______________________________________________________

ـ كان محارفا (١) فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم ، فجاء سائل فدقّ الباب ، فقال له الرجل : ادخل فقال له : خذ أحد الكيسين ، فأخذ أحدهما وانطلق ، فلم يكن بأسرع من أن دقّ السائل الباب فقال له الرجل : ادخل ، فدخل فوضع الكيس في مكانه ، ثم قال : كل هنيئا مريئا ، أنا ملك من ملائكة ربك ، إنما أراد ربك أن يبلوك ، فوجدك شاكرا ثم ذهب) (٢).

(١) من وجد في داره أو صندوقه مالا لا يعرفه ، فإن كان يدخل الدار غيره ويتصرف في الصندوق سواه فهو لقطة وإلا فهو له ، بلا خلاف فيه بين من تعرض له ، والأصل فيه صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (رجل وجد في بيته دينارا ، قال : يدخل منزله غيره؟ قلت : نعم كثير ، قال عليه‌السلام : هذا لقطة ، قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا ، قال عليه‌السلام : يدخل أحد يده في صندوقه غيره ، أو يضع فيه شيئا؟ قلت : لا ، قال : هو له) (٣) فالحكم بأنه له مؤيد بالظاهر من عدم مشاركة الغير له ، فإنه قد يعرض له النسيان ، ثم هذا الحكم بكونه له مع عدم القطع بانتفائه عنه وإلا فهو لقطة.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالحكم بكونه لقطة مع مشاركة الغير يقتضي عدم الفرق بين كون الغير محصورا في عدد أو غير محصور ، وقد احتمل الشارح في المسالك بأنه مع حصر الغير المشارك فيجب البدأة بتعريفه لانحصار اليد ، فإن عرفه دفعه إليه وإلا وجب تعريفه تمام الحول كاللقطة.

(٢) كالخان والدكان.

(٣) في الصندوق والدار.

(٤) حال من الغير.

(٥) إطلاق الفقهاء وكذا إطلاق النص المتقدم.

(٦) أي لأن الواجد.

__________________

(١) المحارف الذي يقتر عليه في رزقه كما في الصحاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.


بخصوصه فيكون (١) لقطة ، وأما مع انحصار المشارك فلأن المفروض أنه (٢) لا يعرفه (٣) فلا يكون له (٤) بدون التعريف (٥).

ويحتمل قويا كونه له (٦) مع تعريف المنحصر (٧) ، لأنه (٨) بعدم اعتراف المشارك يصير (٩) كما لا مشارك فيه(ولا معها) أي مع المشاركة (١٠) (حلّ) للمالك الواجد ، لأنه (١١) من توابع ملكه المحكوم له (١٢) به.

هذا (١٣) إذا لم يقطع بانتفائه عنه إلا (١٤) أشكل الحكم بكونه له ، بل ينبغي أن يكون لقطة ، إلا أن كلامهم هنا (١٥) مطلق كما ذكره المصنف (١٦) ، ولا فرق

______________________________________________________

(١) أي الموجود.

(٢) أن الواجد.

(٣) أي لا يعرف الموجود المذكور.

(٤) أي فلا يكون الموجود للواجد بدون التعريف.

(٥) أي التعريف سنة.

(٦) أي كون الموجود للواجد.

(٧) أي المشارك المنحصر ، بحيث مع الحصر يعرّفه للمشارك فإن عرفه فهو له وإلا فهو للواجد لانحصار اليد بينهما ، فإذا انتفت يد المشارك كما هو مقتضى عدم معرفته فلا تبقى إلا يد الواجد فيكون له كما لو لم يكن معه مشارك فهو له بالاتفاق.

وقد استحسنه سيد الرياض إلا أن الحكم بكونه للواجد بعد عدم معرفة المشارك المنحصر على خلاف ما احتمله في المسالك بأنه لقطة حينئذ ، ولهذا التناقض ولغيره قال صاحب الجواهر : (فإن المسألة في غاية الغموض وكلامهم فيها غير محرر) انتهى.

(٨) أي الموجود.

(٩) أي الموجود.

(١٠) بحيث لم يشاركه الغير في التصرف فالموجود له كما هو النص المتقدم ، المؤيد بظاهر يده على الدار ، وهو دال على ملكه لما فيها وإن لم يقطع بملكه له لاحتمال النسيان.

(١١) أي الموجود.

(١٢) للواجد.

(١٣) وهو الحكم بكونه للواجد مع عدم المشاركة.

(١٤) فإن قطع بانتفائه عنه.

(١٥) في كونه للواجد مع عدم المشاركة.

(١٦) إلا أن كلامهم منزّل على صورة عدم القطع بالانتفاء ، ولم يعمموا الحكم لهذه الصورة.


في وجوب تعريف المشارك هنا (١) بين ما نقص عن الدرهم ، وما زاد ، لاشتراكهم في اليد بسبب التصرف ولا يفتقر مدعيه منهم (٢) إلى البينة ، ولا الوصف ، لأنه مال لا يدعيه أحد ، ولو جهلوا جميعا (٣) أمره فلم يعترفوا به ، ولم ينفوه ، فإن كان الاشتراك في التصرف خاصة فهو للمالك منهم (٤) ، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك (٥) ، وإن كان الاشتراك في الملك والتصرف فهم فيه سواء (٦).

(ولا يكفي التعريف حولا في التملك) لما يجب تعريفه(بل لا بدّ) بعد الحول(من النية) للتملك (٧) ...

______________________________________________________

(١) في المشارك المنحصر.

(٢) من المشاركين المنحصرين.

(٣) أي جميع المشاركين المنحصرين.

(٤) من المشاركين المنحصرين ، لقوة يده باليد والتصرف.

(٥) أي المالك الواجد.

(٦) في صورة جهلهم فلم يعترفوا به ولم ينفوه ، وهو للجميع بعد عدم الترجيح لأحدهم.

(٧) قد تقدم أنه لا خلاف بينهم في عدم جواز التملك قبل تمام الحول ، لأن التعريف شرط في جواز التملك ، وإنما الخلاف في التملك بعد الحول ، فقيل : يحصل الملك قهريا بمجرد مضي الحول كما عليه ابن ادريس مدعيا عليه إجماع الفرقة وإخبارهم ، وفي الدروس نسبته إلى المقنعة والنهاية والصدوقين ، بل نسبه إلى الأشهر.

والمراد بالأخبار هو كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (واللقطة يجدها الرجل ويأخذها قال : يعرّفها سنة فإن لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله) (١) بدعوى أن قوله (وإلا فهي كسبيل ماله) أن الفاء للتعقيب بحيث تترتب أحكام الملكية عقيب التعريف ، وظاهره أنه ترتب قهري.

ويرده أن النصوص الدالة على جواز الحفظ للمالك وقد تقدمت دالة على أن مضي الحول والتعريف ليس سببا مستقلا للملك القهري ، وإلا لما أمكن حفظ اللقطة للمالك بعد التعريف حولا ، وأما صحيح الحلبي المتقدم فينافيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن اللقطة قال : لا ترفعها فإن ابتليت بها فعرّفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك) (٢) ولو كان الحول سببا في التملك القهري لما كان ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة حديث ١٠.


وإنما يحدث التعريف حولا تخير (١) الملتقط بين التملك بالنية ، وبين الصدقة به (٢) بين ابقائه في يده أمانة لمالكه.

هذا هو المشهور (٣) من حكم المسألة ، وفيها قولان آخران على طرفي النقيض(٤).

أحدهما : دخوله (٥) في الملك قهرا من غير احتياج إلى أمر زائد على التعريف (٦) ، لظاهر قول الصادق عليه‌السلام : فإن جاء لها طالب ، وإلا فهي كسبيل ماله. والفاء عقيب ، وهو قول ابن إدريس (٧) ورد بأن كونها (٨) كسبيل ماله لا يقتضي حصول الملك حقيقة (٩).

والثاني (١٠) : افتقار ملكه إلى اللفظ الدال عليه (١١) بأن يقول : اخترت تملكها

______________________________________________________

ـ هناك معنى للأمر بالتملك هنا.

ولذا ذهب المشهور منهم الشيخ في المبسوط إلى أنه لا بد من نية التملك بعد الحول حتى يتحقق التملك.

وعن الشيخ في الخلاف أنه لا بد من التلفظ بأن يقول : اخترت ملكها ووافقه عليه أبو الصلاح الحلبي والعلامة في التذكرة وهو مما لا دليل عليه فضلا عن دلالة صحيح ابن مسلم المتقدم على خلافه.

(١) مفعول به لقوله (يحدث التعريف).

(٢) بالملقوط.

(٣) وهو قول الشيخ في المبسوط.

(٤) بين إفراط وتفريط.

(٥) دخول الملقوط.

(٦) على التعريف حولا.

(٧) وقول الشيخ في النهاية.

(٨) كون اللقطة.

(٩) لجواز أن يكون التشبيه من جهة أخرى كإباحة وغيرها ولذا قال : كسبيل ماله ، ولم يقل : كماله.

(١٠) من القولين الآخرين.

(١١) على الملك.


وهو قول أبي الصلاح وغيره (١) ، لأنه معه (٢) مجمع على ملكه. وغيره (٣) لا دليل عليه.

والأقوى الأول ، لقوله عليه‌السلام : «وإلا فاجعلها في عرض مالك». وصيغة افعل للوجوب ، ولا أقل من أن يكون للاباحة (٤) فيستدعي (٥) أن يكون المأمور به مقدورا (٦) بعد التعريف ، وعدم مجي‌ء المالك ، ولم يذكر (٧) اللفظ ، فدل الأول (٨) على انتفاء الأول (٩) ، والثاني (١٠) على انتفاء الثاني (١١) ، وبه (١٢) يجمع بينه (١٣) ، بين قوله عليه‌السلام : كسبيل ماله (١٤) ، وإلا (١٥) لكان ظاهره (١٦) الملك القهري ، لا كما رد (١٧) سابقا (١٨). والأقوال الثلاثة للشيخ (١٩).

______________________________________________________

(١) وهو العلامة في التذكرة والشيخ في الخلاف.

(٢) أي لأن الملقوط مع اللفظ.

(٣) أي غير اللفظ.

(٤) لأن وارد في مقام توهم الخطر.

(٥) أي الأمر.

(٦) فلو كان التملك قهريا لما كان مقدورا.

(٧) أي قوله عليه‌السلام لم يدل على اعتبار التملك باللفظ.

(٨) وهو كون المأمور مقدورا.

(٩) أي الأول من القولين المذكورين ، وهو الملك القهري.

(١٠) وهو عدم ذكر اللفظ في الخبر.

(١١) وهو الثاني من القولين المذكورين ، وهو اعتبار اللفظ.

(١٢) أي وبحمل قوله عليه‌السلام (وإلا فاجعلها في عرض مالك) على كون المأمور مقدورا.

(١٣) بين قوله عليه‌السلام الوارد في صحيح محمد بن مسلم.

(١٤) كما في صحيح الحلبي ، بحمل الخبرين على التملك بنيته.

(١٥) لو لا الجمع المذكور.

(١٦) أي ظاهر صحيح الحلبي.

(١٧) أي ردّ صحيح الحلبي.

(١٨) من أن الشبيه لا يقتضي حصول الملك حقيقة.

(١٩) فالتملك مع النية للشيخ في المبسوط ، والتملك القهري له في النهاية ، ومع اللقط له في الخلاف.


كتاب احياء الموات



(كتاب احياء الموات (١)

(وهو) أي الموات من الأرض(ما لا ينتفع به) منها (٢) (لعطلته أو)

______________________________________________________

(١) بفتح الميم وضمها ، والدليل على مشروعية الإحياء أخبار كثيرة :

منها : صحيح الفضلاء عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا أرضا مواتا فهي له) (١) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا مواتا فهو له) (٢) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم.) (٣).

والمرجع في الإحياء إلى العرف لعدم التنصيص عليه شرعا ، والمراد من الموات هو الذي لا ينتفع به لعطلته بحيث يعد مواتا عرفا ، وعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع ، ولكن لا يكفي مطلق استيلاء الماء عليها أو انقطاعه عنها لأن ذلك يتفق في الأرض العامرة ، بل لا بد من صدق عنوان الموات عليها عرفا.

وإلى هذا المعنى العرفي يرجع تعريف الموات على ما في الصحاح والمصباح أنه الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد ، ويرجع تعريف النهاية الأثيرية بأنها الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليها ملك أحد.

نعم في التذكرة خصّ الموات بالأرض الخراب التي باد أهلها واندرس رسمها ، وهو تخصيص بلا موجب لأن الموات هو العطلة سواء كان لها مالك سابقا أم لم يكن وسواء بقيت أثار رسوم العمارة وآثار الأنهار فيها أم لا وسواء كانت عامرة ثم ماتت أم كانت مواتا من رأس ، بعد صدق العطلة على الجميع عرفا.

(٢) من الأرض.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦ و ٣.


(لاستيجامه (١) أو لعدم الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه) ولو جعل هذه الأقسام أفرادا لعطلته ، لأنها (٢) أعم منها (٣) كان أجود ، ولا فرق بين أن يكون قد سبق لها إحياء ثم ماتت ، وبين موتها ابتداء على ما يقتضيه الاطلاق (٤) ، وهذا (٥) يتم مع إبادة أهله (٦) بحيث لا يعرفون ولا بعضهم فلو عرف المحيي لم يصح إحياؤها (٧) على مع صرح به المصنف في الدروس وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه.

ولا يعتبر في تحقق موتها العارض ذهاب رسم العمارة رأسا ، بل ضابطه (٨) العطلة وإن بقيت آثار الأنهار ، ونحوها ، لصدقه (٩) عرفا معها (١٠) خلافا لظاهر التذكرة (١١) ، ولا يلحق ذلك (١٢) بالتحجير (١٣) حيث إنه (١٤) لو وقع ابتداء كان تحجيرا ، لأن شرطه (١٥) بقاء اليد ، وقصد العمارة. وهما منتفيان هنا (١٦) ، بل

______________________________________________________

(١) وهي الأرض ذات القصب الكثير.

(٢) أي العطلة.

(٣) من هذه الأقسام.

(٤) إطلاق الموات عليها عرفا.

(٥) أي تعميم الموات للتي كانت محياة ثم ماتت.

(٦) أي مع إبادة مالكه.

(٧) بحيث ماتت بعد إحيائها وما زال المحيي موجودا فهل يجوز إحياؤها للغير أم لا خلاف سيأتي بحثه إنشاء الله تعالى.

(٨) ضابط الموات.

(٩) أي صدق الموات.

(١٠) مع الآثار الباقية.

(١١) حيث اعتبر اندراس الرسم في تحقيق الموات ، وأيضا اعتبر إبادة أهلها على تقدير إحيائها السابق وقد عرفت ما فيه.

(١٢) أي بقاء الآثار.

(١٣) قد يحتمل إلحاق بقاء الآثار بالتحجير ، فكما أن التحجير يمنع الإحياء فكذلك بقاء الآثار ، ولذا قال صاحب الجواهر : (واحتمال منع بقاء الآثار عن الأحياء كالتحجير مدفوع بالنص والفتوى بعد حرمة القياس على التحجير المقارن لقصد العمارة) انتهى.

(١٤) أي إن التحجير.

(١٥) شرط التحجير.

(١٦) أي في الأرض الموات بعد إحيائها مع بقاء الآثار.


التحجير مخصوص بابتداء الإحياء ، لأنه (١) بمعنى الشروع فيه (٢) حيث لا يبلغه (٣) ، فكأنه قد حجّر على غيره بأثره (٤) أن يتصرف (٥) فيما حجّره بإحياء (٦) ، وغيره (٧).

(و) حكم الموات أن(يتملكه من أحياه (٨) إذا قصد تملكه(مع غيبة)

______________________________________________________

(١) أي التحجير.

(٢) في الإحياء.

(٣) أي لا يبلغ التحجير الأحياء.

(٤) أي بأثر التحجير.

(٥) أي يتصرف الغير ، وهو متعلق بقوله : (قد حجّر على غيره).

(٦) متعلق بقوله : (أن يتصرف).

(٧) كالتحجير.

(٨) اعلم أن الموات هو للإمام عليه‌السلام بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : صحيح الكابلي عن أبي جعفر عليه‌السلام (وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتي الذي أورثنا الله تعالى الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها ويؤد خراجها إلى الإمام عليه‌السلام من أهل بيتي) (١) الخبر ، ومثله غيره مما قد تقدم في بحث الأنفال.

نعم يشترط إذن الإمام عليه‌السلام في الإحياء بلا خلاف فيه للنبوي (ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه) (٢).

وهل يشترط في المحيي الإسلام كما هو ظاهر الشرائع وصريح التذكرة وقد ادعى الإجماع ، وتابعه المحقق الثاني في جامعه ، والبحث ليس في تملك الكافر بالإحياء بعد إذن المعصوم له ، إذ لو أذن له بالتملك فلا بدّ من حصول الملك بإحيائه ، وإنما البحث في جواز إذنه عليه‌السلام من ناحية أهلية الكافر للتملك أم لا ، وعن جماعة منهم الشيخ في المبسوط والخلاف والحلي في السرائر وابن البراج في مهذبه عدم اعتبار الإسلام ، والحق عدم الجدوى في هذا النزاع إذ المعصوم عليه‌السلام لعدم الإشكال في عصمته فلا يأذن إلا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢.

(٢) كنوز الحقائق المطبوع على هامش الجامع الصغير ج ٢ ص ٧٧ ـ ٧٨.


(الإمام عليه‌السلام) سواء في ذلك (١) المسلم ، والكافر ، لعموم «من أحيا أرضا ميتة فهي له» ، ولا يقدح في ذلك (٢) كونها (٣) للإمام عليه‌السلام على تقدير ظهوره لأن ذلك (٤) لا يقصر (٥) عن حقه (٦) من غيرها (٧) كالخمس ، والمغنوم بغير إذنه (٨) ،

______________________________________________________

ـ عند صحة تملك الكافر هذا كله في زمن الحضور ، وأما زمن الغيبة فلا يشترط الاذن كما هو صريح جامع المقاصد والمسالك وإلا لامتنع الإحياء ، وعليه فيملكه من أحياه مسلما كان أو كافرا لعموم النبوي (من أحيا أرضا مواتا فهي له) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها ، وهي لهم) (٢) وعن الشهيد في بعض حواشيه أنه يحرم انتزاع الأرض المحياة من يد الكافر ويدل عليه أن المخالف والكافر يملكان في زمن الغيبة حقهم من الغنيمة ، ولا يجوز انتزاعه من يد المخالف والكافر إلا برضاه ، وكذا القول في حقهم عليه‌السلام من الخمس عند من لا يرى إخراجه.

وفي المسالك : (قيل يختص جواز الأحياء بالمسلم لخصوص قوله : موتان الأرض لله ولرسوله هي لكم مني أيها المسلمون (٣) ، وفي كتاب علي عليه‌السلام : فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام (٤) ، الحديث ، لكن هذا ظاهر في حال ظهوره ولا نزاع فيه) انتهى.

(١) في التملك بالأحياء.

(٢) في التسوية.

(٣) كون الموات.

(٤) في المسالك : (لا يزيد) وهو الأنسب بالمعنى ولذا أشكل عليه بذلك غير واحد من المحشين.

(٥) من تملك الكافر للموات بإحيائه.

(٦) حق الإمام عليه‌السلام.

(٧) غير الموات.

(٨) قيد للمغنوم ، إذ المغنوم بغير إذنه عليه‌السلام هو للإمام بتمامه على ما تقدم في باب الخمس.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٤.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢.


فإنه (١) بيد الكافر والمخالف على وجه الملك حال الغيبة ، ولا يجوز انتزاعه منه فهنا (٢) أولى (٣) ، (وإلا) يكن الإمام عليه‌السلام غائبا(افتقر) الإحياء(إلى إذنه) إجماعا ، ثم إن كان مسلما ملكها بإذنه ، وفي ملك الكافر مع الإذن قولان ، ولا إشكال فيه (٤) لو حصل (٥) ، إنما الإشكال في جواز إذنه له (٦) نظرا إلى أن الكافر هل له أهلية ذلك (٧) أم لا. والنزاع قليل الجدوى (٨).

(ولا يجوز إحياء العامر (٩) وتوابعه (١٠) كالطريق) المفضي إليه (١١) (والشرب) بكسر الشين ـ واصله الحظ (١٢) من الماء. ومنه (١٣) قوله تعالى : (لَهٰا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١٤) ، والمراد هنا (١٥) النهر وشبهه (١٦) المعد لمصالح العامر ، وكذا

______________________________________________________

(١) أي فإن حق الإمام عليه‌السلام من الخمس والمغنوم بغير إذنه.

(٢) أي في الموات.

(٣) وجه الأولوية أن حقوق الخمس والغنائم بغير إذنه أقوى وأظهر من حقه في الموات ، ولعدم تحمل الكافر في تملكه للخمس للمئونة بخلاف تملكه للموات فإنه متحمل لمئونة الأحياء.

(٤) في الملك.

(٥) الاذن.

(٦) في جواز إذن الإمام عليه‌السلام للكافر.

(٧) أهلية التملك.

(٨) لأن المعصوم يفعل ما يراه حلالا عليه فلا يأذن إلا إذا كان الكافر يملك ، نعم للنزاع فائدة عند العامة لجواز الخطأ على أئمتهم وسلاطينهم.

(٩) العامرة ملك لمالكها التي هي بيده مسلما كان أو كافرا ، وإن جاز أخذ مال الحربي قهرا إلا أنه لا ينافي الملك كباقي أمواله ، وعليه فلا يجوز التصرف في العامرة إلا بإذن صاحبها ولذا لا يجوز بالإحياء للغير.

(١٠) أي توابع العامر وهو ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والقناة ، فإن ذلك من العامر الذي هو ملك لمالكه.

(١١) إلى العامر.

(١٢) أي النصيب.

(١٣) أي ومن النصيب من الماء.

(١٤) سورة الشعراء ، الآية : ١٥٥.

(١٥) أي المراد من الشرب الذي هو من توابع العامر.

(١٦) كالقناة.


غيرهما (١) مرافق (٢) العامر وحريمه(ولا) إحياء(المفتوحة عنوة (٣) بفتح العين أي قهرا (٤) وغلبة على أهلها ، كأرض الشام ، والعراق وغالب بلاد الإسلام(إذ عامرها) حال الفتح(للمسلمين) قاطبة بمعنى أن حاصلها يصرف في مصالحهم لا تصرّفهم فيها كيف اتفق كما سيأتي(وغامرها) بالمعجمة وهو خلاف العامر بالمهملة ، قال الجوهري : وإنما قيل له : غامر ، لأن الماء يبلغه فيغمره. وهو فالع بمعنى مفعول كقولهم سر كاتم ، وماء دافق (٥) ، وإنما بني على فاعل ليقابل به العامر.

وقيل : الغامر من الأرض ما لم يزرع مما يحتمل (٦) الزراعة ، وما لا يبلغه الماء من موات الأرض لا يقال له غامر ، نظرا إلى الوصف المتقدم (٧) ، والمراد هنا (٨) أن مواتها مطلقا (٩) (للإمام عليه‌السلام) فلا يصح إحياؤه بغير إذنه مع حضوره ، أما مع غيبته فيملكها المحيي (١٠) ، ويرجع الآن في المحيى منها والميّت في تلك الحال (١١)

______________________________________________________

(١) غير الطريق والشرب من المراح الذي هو مأوى الإبل والغنم.

(٢) مرافق الدار مصابّ الماء والمطبخ ونحوه.

(٣) الأرض المفتوحة عنوة إما عامرة حال الفتح وإما غامرة ، فالعامرة هي للمسلمين قاطبة بلا خلاف فيه على معنى أنها لمجموعهم ولو من يتولد منهم فلا يملك أحد منهم بالخصوص رقبتها على ما تقدم بحثه في كتاب المكاسب والجهاد ، ولذا لا يصح بيعها ولا رهنها ولا هبتها ولا غير ذلك مما يتوقف صحته على الملك ، ولو ماتت العامرة لا يصح إحياؤها على وجه يترتب الملك للمحيي ، لأن المالك لها معروف هو المسلمون قاطبة.

وأما الغامر منها وقت الفتح فهو للإمام عليه‌السلام بلا خلاف فيه ، وهذا لا يصح تملكه بالإحياء إلا بإذن منه عليه‌السلام كما هو الأصل في حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

(٤) العنوة بفتح العين وسكون النون الخضوع والذلة ، يقال : عنى إذا خضع والمراد بالأرض المفتوحة عنوة ما ملكت بالقهر والغلبة.

(٥) أي سر مكتوم وماء مدفوق.

(٦) أي يصلح.

(٧) لأن الغامر هو الذي يغمره الماء ، فإذا لم يبلغه الماء فلا يكون غامرا.

(٨) في الأرض المفتوحة عنوة.

(٩) سواء كان بالمعنى الأول أو الثاني أم لا.

(١٠) بدون إذنه سواء كان كافرا أم مسلما على ما تقدم بيانه.

(١١) أي حال الفتح.


إلى القرائن ، ومنها (١) ضرب الخراج والمقاسمة (٢) ، فإن انتفت (٣) فالأصل يقتضي عدم العمارة فيحكم لمن بيده منها شي‌ء بالملك (٤) لو ادعاه ، (وكذا (٥) كل ما) أي موات من الأرض(لم يجز عليه ملك المسلم (٦) فإنه للإمام عليه‌السلام فلا يصح احياؤه إلا بإذنه مع حضوره ويباح في غيبته (٧) ، ومثله (٨) ما جرى عليه ملكه (٩) ثم باد أهله (١٠).

(ولو جرى عليه ملك مسلم) معروف(فهو له ولوارثه بعده (١١) كغيره من

______________________________________________________

(١) أي من القرائن.

(٢) فالخراج ما يوضع على الأرض والمقاسمة ما يوضع على النماء ، وهما دليل على أن الأرض عامرة وهي ملك للمسلمين.

(٣) أي القرائن.

(٤) أي يحكم بالملك لمن بيده منها شي‌ء لو ادعاه ، وهو مالك بسبب الإحياء ، وإلا لو سكت فلا يحكم له ، لأن تملكه أمر حادث والأصل عدمه.

(٥) لا يصح إحياؤه.

(٦) فهي ملك للإمام عليه‌السلام بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : مرسل حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه‌السلام في حديث : (للإمام صفو المال ـ إلى أن قال ـ وكل أرض ميتة لا رب لها وله صوافي الملوك) (١) الخبر ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الأنفال فقال : ـ إلى أن قال ـ وكل أرض لا رب لها) (٢).

(٧) لمن أحياه مسلما كان أو كافرا.

(٨) مثل الموات التي لا مالك لها.

(٩) ملك المسلم.

(١٠) فهو للإمام عليه‌السلام بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : مرسل حماد المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وله بعد الخمس الأنفال ، والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها) ١ الخبر.

(١١) بلا خلاف فيه ولا إشكال وإن ترك الانتفاع بها.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الأنفال حديث ٤ و ٢٠.

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الأنفال حديث ٤.


الأملاك(ولا ينتقل عنه بصيرورته مواتا (١) ...

______________________________________________________

(١) فلو خربت الأرض المذكورة ، فإن كان تملكه إياها بغير الإحياء فهي باقية على ملكه بغير خلاف ، لأصالة بقاء الملك مع عدم سبب يوجب الإزالة ، وإن كان تملكه بالإحياء ثم تركها حتى عادت مواتا فهي باقية على ملكه أو ملك وارثه ، كما عن الشيخ والمحقق والعلامة في التحرير والشهيد في الدروس والمحقق الثاني في جامعه لعموم قوله عليه‌السلام في صحيح الفضلاء (من أحيا أرضا مواتا لهي له) (١) ، وخبر سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ما ذا عليه؟ قال : الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : فليؤد إليه حقه) (٢).

المؤيد بأصالة بقاء الملك على ما كان عليه.

وذهب البعض منهم العلامة في بعض فتاواه ومال إليه في التذكرة إلى صحة إحيائها وكون الثاني أحق بها من الأول لعموم قوله عليه‌السلام المتقدم (من أحيا أرضا مواتا فهي له) (٣) ، ولخصوص صحيح أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه‌السلام (وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها ، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها) (٤) الخبر ، وصحيح معاوية بن وهب (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمّرها ، فإن عليها فيها الصدقة ، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها ، فإن الأرض لله ولمن عمرها) (٥).

مؤيدا بأن هذه الأرض أصلها مباح فإذا تركها عادت إلى ما كانت عليه من الإباحة ، ولأن العلة في تملك هذه الأرض الإحياء فإذا زالت العلة زال المعلول وهو الملك ، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك فيثبت الملك له نعم إن القائلين بعدم خروجها عن ملك الأول اختلفوا فذهب بعضهم إلى عدم جواز إحيائها ولا التصرف فيها إلا بإذن الأول كغيرها من أملاكه ، وذهب الشيخ في المبسوط والمحقق في جهاد الشرائع إلى جواز إحيائها وصيرورة الثاني أحق بها لكن لا يملكها بذلك بل عليه أن يؤدي أجرتها إلى الأول ، وذهب الشهيد في الدروس إلى وجوب استئذان المحيي للمالك فإن امتنع فالحاكم ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢ و ١.


مطلقا (١) ، لأصالة بقاء الملك ، وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل ، وهو (٢) محصور ، وليس منه (٣) الخراب.

وقيل : يملكها المحيي بعد صيرورتها مواتا ويبطل حق السابق ، لعموم من أحيا أرضا ميتة فهي له ، ولصحيحة خالد الكابلي عن الباقر عليه‌السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَالْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). إلى أن قال : فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها ، أو أحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، وقول الصادق عليه‌السلام : أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها ، وكرى أنهارها ، وعمّرها فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله ، ولمن عمرها.

وهذا هو الأقوى ، وموضع الخلاف ما إذا كان السابق قد ملكها بالاحياء. فلو كان قد ملكها بالشراء ونحوه (٤) لم يزل ملكه عنها اجماعا على ما نقله العلامة في التذكرة عن جميع أهل العلم.

(وكل أرض أسلم عليها أهلها طوعا) كالمدينة المشرفة ، والبحرين (٥) وأطراف اليمن(فهي لهم (٦) على الخصوص يتصرفون فيها كيف شاءوا(وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع) اجتماع(الشرائط) المعتبرة فيها (٧).

______________________________________________________

ـ فإن تعذر جاز الإحياء وعليه الأجرة للأول بدعوى أنه به الجمع بين الأخبار ، فالطائفة الأولى تدل على بقاء الملك للأول وتدل على أن له الأجرة لقوله عليه‌السلام : (فليؤد إليه حقه).

(١) سواء كان تملكه بالإحياء أم بغيره.

(٢) السبب الناقل.

(٣) من السبب الناقل.

(٤) كالهبة.

(٥) تمثيله للبحرين مشكل ، لأنها مما سلمت للمسلمين طوعا بحيث لم يوجف عليها خيل ولا ركاب فتكون من الأنفال وهذا ما حكم به الشارح في كتاب الخمس هنا فراجع.

(٦) على ما تقدم بيانه في كتاب الخمس.

(٧) في الزكاة.


هذا إذا قاموا بعمارتها. أما لو تركوها فخربت فإنها تدخل (١) في عموم قوله : (وكل أرض ترك أهلها عمارتها فالمحيي أحق بها) منهم (٢) لا بمعنى ملكه لها بالاحياء ، لما سبق من أن ما جرى عليها ملك مسلم لا ينتقل عنه بالموت فيترك العمارة التي هي أعم من الموت أولى ، بل بمعنى استحقاقه التصرف فيها ما دام قائما بعمارتها(وعليه (٣) طسقها) أي أجرتها(لأربابها) الذين تركوا عمارتها.

أما عدم خروجها عن ملكهم فقد تقدم ، وأما جواز احيائها مع القيام بالأجرة فلرواية سليمان بن خالد وقد سأله عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فما ذا عليه؟ قال : الصدقة قلت : فإن كان يعرف صاحبها قال : فليؤد إليه حقه ، وهي (٤) دالة على عدم خروج الموات به (٥) عن الملك أيضا (٦) ، لأن نفس الأرض حق صاحبها لا أنها مقطوعة السند (٧) ضعيفة فلا تصلح ، وشرط في الدروس إذن المالك في الاحياء ، فإن تعذر فالحاكم ، فإن تعذر جاز الاحياء بغير إذن ، وللمالك حينئذ طسقها. ودليله غير واضح.

والأقوى أنها (٨) إن خرجت عن ملكه (٩) احياؤها بغير أجرة وإلا (١٠) امتنع التصرف فيها بغير إذنه (١١) ، وقد تقدم ما يعلم منه خروجها عن ملكه وعدمه.

______________________________________________________

(١) إذا كان تملكهم لها بسبب الإحياء وإلا فلا.

(٢) من أهلها.

(٣) على المحيي.

(٤) أي رواية سليمان بن خالد.

(٥) بالموات.

(٦) كما أن ما تقدم من الأدلة دال على عدم الخروج على الملك بسبب الموات.

(٧) بل هي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ولذا تعجب منه الحر العاملي في وسائله.

(٨) أن الأرض التي ترك أهلها عمارتها.

(٩) بسبب الموات كما قواه الشارح سابقا.

(١٠) أي وإن لم تخرج عن ملكه كما عليه الماتن.

(١١) أي إذن الأول.


نعم للإمام عليه‌السلام تقبيل (١) المملوكة الممتنع أهلها من عمارتها بما شاء لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

(وأرض الصلح التي بأيدي أهل الذمة) وقد صالحوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام عليه‌السلام على أن الأرض لهم(فهي لهم) عملا بمقتضى الشرط (٢) (وعليهم الجزية) ما داموا أهل ذمة. ولو أسلموا صارت كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا ملكا لهم بغير عوض ، ولو وقع الصمح ابتداء على الأرض للمسلمين كأرض خيبر فهي كالمفتوحة عنوة (٣).

(ويصرف الإمام عليه‌السلام حاصل الأرض المفتوحة عنوة) المحياة حال الفتح(في مصالح المسلمين) الغانمين وغيرهم كسد الثغور ، ومعونة الغزاة ، وارزاق الولاة.

هذا مع حضور الإمام ، أما مع غيبته فما كان منها بيد الجائر يجوز المضي معه (٤) في حكمه فيها (٥) ، فيصح تناول الخراج والمقاسمة منه (٦) بهبة ، وشراء ، واستقطاع ، وغيرها مما يقتضيه حكمه (٧) شرعا. وما يمكن استقلال نائب الإمام به وهو الحاكم الشرعي فأمره (٨) إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل (٩).

(ولا يجوز بيعها) أي بيع الأرض المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح لأنها للمسلمين قاطبة من وجد منهم ذلك اليوم ، ومن يتجدد إلى يوم القيامة ، لا

______________________________________________________

(١) أي إعطائها للغير بأجرة حتى يعمرها.

(٢) بلا خلاف ولا إشكال فيه وقد تقدم بحثه في كتاب الجهاد.

(٣) بلا خلاف ولا إشكال لعموم أدلة الصلح ، وتقدم بحثه في كتاب الجهاد.

(٤) مع الجائر.

(٥) في الأرض المفتوحة عنوة ، وهي الأرض الخراجية لورود الأخبار الكثيرة بحلّ الخراج والمقاسمة من الجائر على الأرض الخراجية ، وقد تقدم بحثه في كتاب المكاسب.

(٦) من الجائر.

(٧) حكم الجائر المخالف.

(٨) أي أمر ما يستقل به نائب الإمام للنائب.

(٩) أي المنسوب عنه وهو الإمام عليه‌السلام.


بمعنى ملك الرقبة ، بل بالمعنى السابق. وهو (١) صرف حاصلها في مصالحهم.

(ولا هبتها ، ولا وقفها ، ولا نقلها) بوجه من الوجوه المملّكة لما ذكرناه من العلة (٢).(وقيل) والقائل به جماعة من المتأخرين ومنهم المصنف وقد تقدم في كتاب البيع اختياره له : (إنه يجوز) جميع ما ذكر من البيع والوقف وغيره(تبعا لآثار المتصرف) من بناء ، وغرس ويستمر الحكم ما دام شي‌ء من الأثر باقيا ، فإذا زال رجعت الأرض إلى حكمها الأول (٣).

ولو كانت ميتة حال الفتح ، أو عرض لها الموتان (٤) ثم أحياها محي ، أو اشتبه حالها (٥) حالته (٦) ، أو وجدت في يد أحد يدعي ملكها حيث لا يعلم فساد دعواه فهي كغيرها من الأرضين المملوكة بالشرط السابق (٧) يتصرف بها المالك كيف شاء بغير إشكال، (وشروط الاحياء) المملك للمحيي(ستة : انتفاء يد الغير) عن الأرض الميتة (٨) ، فلو كان عليها يد محترمة لم يصح احياؤها لغيره ، لأن اليد تدل على الملك (٩) ظاهرا إذا لم يعلم انتفاء سبب صحيح للملك أو الأولوية إلا (١٠)

______________________________________________________

(١) المعنى السابق.

(٢) وهي أن المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين.

(٣) من أنها ملك لجميع المسلمين ، وقد تقدم بحثه مفصلا في كتاب المكاسب.

(٤) بفتح الميم والواو ، وقد عرض لها ذلك بعد حال الفتح وفيه : أنها باقية على ملك المسلمين كما ادعى عليه الإجماع في التذكرة إلا أن يكون مراده أنه قد عرض لها الموتان حال الفتح بخلاف ما لو كانت ميتة حال الفتح فهي ميتة من رأس وعليه فلا إشكال حينئذ.

(٥) أي حال الأرض.

(٦) أي حال الفتح.

(٧) وهو إذنه مع حضوره عليه‌السلام أو غيبة الإمام بدون إذنه ، وذلك لاحتمال أن تكون من الأرض الموات حال الفتح وأحياها.

(٨) انتفاء اليد المحترمة من مسلم أو مسالم عن الأرض الميتة شرط في جواز إحيائها للغير بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ولا يشترط العلم بالسبب الموجب لليد ، بل يكفي عدم العلم بكونها غير محترمة ، واليد تثبت إما بالملك أو بالحق كحق التحجير.

(٩) أو الأولوية.

(١٠) أي وإن علم بانتفاء السبب لليد.


لم يلتفت إلى اليد (١).

(وانتفاء ملك سابق) للأرض قبل موتها (٢) لمسلم (٣) ، أو مسالم (٤) فلو كانت مملوكة لأحدهما لم يصح احياؤها لغيره استصحابا للملك السابق ، وهذان الشرطان (٥) مبنيان على ما سبق من عدم بطلان الملك بالموت (٦) مطلقا (٧) ، تقدم ما فيه من التفصيل المختار (٨).

(وانتفاء كونه حريما لعامر (٩) ، لأن مالك العامر استحق حريمه ، لأنه (١٠) من مرافقه ومما يتوقف كمال انتفاعه عليه (١١) ، وسيأتي تفصيل الحريم.

______________________________________________________

(١) لأنها غير محترمة.

(٢) أي موت الأرض.

(٣) متعلق بقوله : (لملك).

(٤) وهو الكافر المعاهد.

(٥) من انتفاء اليد والملك.

(٦) أي بسبب الموت.

(٧) سواء كان الملك بالشراء أم بالإحياء.

(٨) وأنه إذا تملكه بالإحياء فإنه يبطل بالموت وعليه فينتفي الشرط الثاني.

(٩) الشرط الثالث أن لا يكون الموات حريما لعامر من بستان أو دار أو قرية أو بلد مما يتوقف الانتفاع عليه بلا خلاف فيه للنبوي (من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له) (١) ، وخبر محمد بن عبد الله (سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا وأقل وأكثر ، يأتيه الرجل فيقول له : أعطني من مراعي ضيعتك وأعطيك كذا وكذا درهما ، فقال : إذا كانت الضيعة له فلا بأس) (٢).

والأخير ظاهر في ملكيته للمرافق ولحريم الضيعة كما هو مالك لها وهذا هو الأشهر ، وعن جماعة عدم الملك بل الحريم من الحقوق لعدم الإحياء ، وبعبارة أخرى أن الملك يحصل بالإحياء ولا إحياء في الحريم بحسب الفرض.

(١٠) أي الحريم من مرافق العامر.

(١١) أي كمال انتفاع العامر على الحريم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١.


(وانتفاء كونه مشعرا) أي محلا(للعبادة (١) كعرفة ، والمشعر ومنى ولو (٢) كان يسيرا لا يمنع المتعبدين ، سدا لباب مزاحمة الناسكين ، ولتعلق حقوق الناس كافة بها (٣) فلا يسوغ تملكها مطلقا (٤) لادائه إلى تفويت هذا الغرض الشرعي.

وجوّز المحقق اليسير منه (٥) ، لعدم الإضرار مع أنه غير ملك لأحد ، وهو (٦) نادر ، وعليه (٧) لو عمد بعض الحاج فوقف به (٨) لم يجز ، للنهي عن التصرف في ملك الغير ، لأنا بنينا عليه (٩) وهو (١٠) مفسد للعبادة (١١) التي هي عبارة عن الكون ، ومن ضرورياته (١٢) المكان.

______________________________________________________

(١) الشرط الرابع أن لا يكون الموات مما قد سماه الشارع مشعرا ومحلا للعبادة كعرفة ومنى والمشعر وغيرها من الأماكن والمواضع المحترمة التي جعلها تعالى مناسك للعبادة ، بل هي في الحقيقة ليست من الموات بمعنى المعطل عن الانتفاع ، بل هي من الوقف لأن الشارع وهو المالك الحقيقي قد وقفها موطنا للعبادة ، ولذا لا يصح تملكها بالأحياء لأنه مناف للوقف المذكور بلا خلاف فيه ولا إشكال ، والمشهور على عدم الفرق بين إحياء اليسير والكثير وعدم الفرق بين ما يحتاجه الناسك وعدمه ، لاشتراك جميع أجزاء المشعر في استحقاق الخلق لعبادتهم وهذا ما يمنع من أحيائها ، وعن المحقق استثناء اليسير الذي لا يؤدي إلى المضيق على الناسكين ، ولا يحتاج إليه غالبا ، لعدم الإضرار وعدم تفويت المصلحة المطلوبة معه ، وليس هو ملك لأحد ولا موقوف ، وبهذا يحصل الفرق بينها وبين المساجد الموقوفة.

(٢) وصلية.

(٣) بالمشاعر.

(٤) يسيرا كان أو كثيرا.

(٥) من المشعر.

(٦) أي قول المحقق نادر ليس له موافق.

(٧) على قول المحقق.

(٨) بما أحياه الغير.

(٩) أي على فرض صحة إحياء اليسير من المشعر ولازمه تملك المحيي.

(١٠) أي النهي.

(١١) التي هي الوقوف في المشعر.

(١٢) أي ضروريات الكون.


وللمصنف تفريعا عليه (١) وجه بالجواز (٢) جمعا بين الحقين (٣) وآخر بالتفصيل بضيق المكان فيجوز (٤) بسعته فلا (٥) ، وإثبات الملك مطلقا (٦) يأباهما (٧) ، وإنما يتوجهان (٨) لو جعله (٩) مشروطا بأحد الأمرين (١٠).

(أو مقطعا) من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام عليه‌السلام لأحد المسلمين (١١) ، لأن

______________________________________________________

(١) على صحة إحياء اليسير من المشعر.

(٢) أي جواز الوقوف فيه.

(٣) أي حق المسلم بالأحياء وحق المسلم بالوقوف.

(٤) أي يجوز الوقوف.

(٥) لا يجوز الوقوف والمعنى أنه يجوز وقوف الحاج لأجل النسك مع ضيق مكان الحجاج وأما مع سعته فلا يجوز.

(٦) أي من غير تقييد.

(٧) أي يأبى هذين القولين الأخيرين من جواز الوقوف مطلقا أو مع ضيق المكان.

(٨) أي القولان الأخيران من جواز الوقوف مطلقا أو مع ضيق المكان.

(٩) أي جعل الملك الناشئ من الأحياء.

(١٠) من عدم الإضرار عند ضيق المكان أو جواز الوقوف فيه للناسك لو حصل الملك بالإحياء.

(١١) الشرط الخامس أن لا يكون الموات مما أقطعه إمام الأصل ، ولو أقطعه وهو له ، لأن الموات من مال المعصوم عليه‌السلام فقد سلّطه عليه ، وعليه فلا يجوز لغيره أن يتملكه بالإحياء ، بلا خلاف ولا إشكال كما أقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن مسعود الدور (١) ، وهي اسم موضع بالمدينة بين ظهراني عمارة الأنصار ، ويقال أن المعنى أنه أقطعه ذلك ليتخذها دورا ، وأقطع وابل بن حجر أرضا بحضر موت (٢) ، وأقطع الزبير حضر فرسه ، وهو عدو فرسه ، بل قيل : إن الزبير أجرى فرسه حتى قام الفرس ثم رمى بسوطه طلبا للزيادة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطوه من حيث بلغ السوط (٣) ، وأقطع بلال بن الحارث العقيق(٤).

وعليه فالإقطاع إن لم يفد الملك فلا ريب أنه يفيد الاختصاص وهو مانع عن المزاحمة ، فلا يصح دفع هذا الاقتصاص بالإحياء من قبل الغير بلا إشكال ولا خلاف.

__________________

(١) نيل الأوطار ج ٦ ص ٥٩.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٤.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٩.


المقطع له يصير أولى من غيره كالتحجير فلا يصح لغيره التصرف بدون إذنه (١) لم يفد (٢) ملكا ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقطع بلال بن الحرث العقيق وهو واد بظاهر المدينة واستمر تحت يده إلى ولاية عمر ، واقطع الزبير بن العوّام حضر فرسه ـ بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة وهو عدوه ـ مقدار ما جرى فأجرى فرسه حتى قام ، أي عجز عن التقدم فرمى بسوطه طلبا للزيادة على الحضر فأعطاه من حيث وقع السوط ، واقطع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيرهما مواضع أخر.

(أو محجّرا (٣) أي مشروعا في إحيائه شروعا لم يبلغ حد الاحياء فإنه بالشروع يفيد أولوية لا يصح لغيره التخطي إليه ، وإن لم يفد (٤) ملكا فلا يصح بيعه (٥). لكن يورث ويصح الصلح عليه (٦) ، إلا أن يهمل الاتمام ، فللحاكم حينئذ الزامه به (٧) ، أو رفع يده عنه (٨) ، فإن امتنع أذن لغيره في الاحياء ، وان اعتذر

______________________________________________________

(١) إذن المقطع له.

(٢) أي الإقطاع.

(٣) الشرط السادس أن لا يكون الموات قد سبق إليه سابق بالتحجير ، والتحجير يفيد أولوية واختصاصا ، وهو شروع في الإحياء وهو لا يفيد التملك ، لأن التملك مسبّب عن الأحياء وهو مغاير للتحجير ، ولكنه يفيد الأحقية ، لأن الأحياء يفيد الملك فالشروع فيه يفيد الأحقية بلا خلاف فيه ولا إشكال كما يفيد الاستيام مع الشراء الأحقية دون الملك.

وعليه فلو بادر غيره وقاهره وأحياها لم يملكها لتعلق حق الغير بها وفي النبوي (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له) (١).

(٤) أي التحجير.

(٥) إذ لا بيع إلا في ملك وهو لم يفد ملكا.

(٦) لأنه حق.

(٧) بالإتمام.

(٨) تخييره بين الأحياء وبين التخلية بينها وبين غيره مما لا خلاف فيه ممن تعرض لهذا الفرع كما في الجواهر. ولو امتنع أخرجها السلطان من يده لئلا يعطلها ، نعم إن ذكر عذرا في التأخير أمهله الإمام بمقدار ما يزول معه العذر.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.


بشاغل أمهله مدة يزول عذره فيها ، ولا يتخطى غيره إليها (١) ما دام ممهّلا.

وفي الدروس جعل الشروط (٢) تسعة ، وجعل منها (٣) إذن الإمام مع حضوره (٤) ، ووجود (٥) ما يخرجها عن الموات بأن يتحقق الاحياء إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه (٦) ، وإن (٧) أفاد الشروع (٨) تحجيرا لا يفيد سوى الأولوية كما مر. وقصد (٩) التملك فلو فعل أسباب الملك بقصد غيره (١٠) أو لا مع قصد لم يملك كحيازة سائر المباحات من الاصطياد ، والاحتطاب والاحتشاش.

والشرط الأول (١١) قد ذكره هنا في أول الكتاب (١٢).

والثاني (١٣) يلزم من جعلها (١٤) شروط الاحياء مضافا إلى ما سيأتي من قوله : والمرجع في الاحياء إلى العرف الخ.

______________________________________________________

(١) إلى الأرض.

(٢) أي شروط الأحياء المملّك.

(٣) من الشروط.

(٤) وقد تقدم الكلام فيه.

(٥) أي وجعل منها وجود.

(٦) في الملك والمعنى حصول الأحياء الذي هو سبب في التملك.

(٧) وصلية.

(٨) أي الشروع في الأحياء.

(٩) أي وجعل من الشروط قصد التملك ـ وفي الجواهر : (أنه لا دليل على اشتراط ذلك ، بل ظاهر الأدلة خلافه) انتهى ، بل إطلاق الأخبار دال على حصول الملك بالإحياء من دون إشعار فيها على اشتراط قصد التملك ـ كما في الرياض ـ اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم أتحققه أو يدعى اختصاص إطلاق النصوص بصورة القصد ، وقال في الجواهر : (والإجماع مظنة عدمه لا العكس كما أن دعوى الانسباق من النصوص ولا أقل من الشك واضحة المنع وإن مال إليه في الرياض لذلك) انتهى.

(١٠) أي قصد غير الملك.

(١١) من إذن الإمام مع حضوره.

(١٢) أي كتاب إحياء الموات.

(١٣) أي اشتراط وجود ما يخرجها عن الموات.

(١٤) أي من جعل الشروط شروطا للأحياء ، وهذا ما يستدعي وجود الإحياء.


والثالث (١) يستفاد من قوله في أول الكتاب (٢) : يتملكه من أحياه (٣) إذ التملك يستلزم القصد إليه (٤) فإن الموجود في بعض النسخ يتملكه بالتاء بعد الياء ، ويوجد في بعضها (٥) يملكه ، وهو لا يفيد (٦).

ويمكن استفادته (٧) من قوله بعد حكمه برجوعه إلى العرف : لمن أراد الزرع ، ولمن أراد البيت ، فإن الإرادة لما ذكر (٨) ، نحوه تكفي في قصد التملك وإن لم يقصده (٩) بخصوصه.

وحيث بيّن أن من الشرائط أن لا يكون حريما لعامر نبّه هنا على بيان حريم بعض الأملاك بقوله : (وحريم العين ألف ذراع (١٠) حولها من كل جانب(في)

______________________________________________________

(١) أي اشتراط قصد التملك.

(٢) أي كتاب إحياء الموات.

(٣) أي يأخذه ملكا لنفسه.

(٤) إلى التملك.

(٥) بعض النسخ.

(٦) أي يملكه.

(٧) أي استفادة قصد التملك.

(٨) من الزرع والبيت.

(٩) أي لم يقصد التملك.

(١٠) حريم العين في الأرض الرخوة الف ذراع ، وفي الأرض الصلبة خمسمائة على المشهور لخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع ، وإن كانت أرضا رخوة ألف ذراع) (١).

وبه يقيّد مرسل حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يكون بين العينين ألف ذراع) (٢) ، وأيضا به يقيّد خبر مسمع السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حديث : وما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع) (٣) ومثله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦.


الأرض(الرخوة ، وخمسمائة في الصلبة) بمعنى أنه ليس للغير استنباط عين أخرى في هذا القدر ، لا المنع من مطلق الاحياء (١). والتحديد بذلك (٢) هو المشهور رواية ، وفتوى ، وحدّه الجنيد بما ينتفي معه الضرر ، ومال إليه العلامة في المختلف استضعافا للمنصوص (٣) ، واقتصارا على موضع الضرر وتمسكا بعموم نصوص جواز الإحياء ، ولا فرق بين العين المملوكة والمشتركة بين المسلمين. والمرجع في الرّخاوة ، والصلابة إلى العرف (٤).

(وحريم بئر الناضح (٥) ...

______________________________________________________

ـ ومع ذلك ذهب ابن الجنيد إلى أن حد ذلك بشرط عدم إضرار الثانية بالأولى ، ونفى عنه البأس في المختلف واستظهره الشارح في المسالك جمعا بين ما دل على التحديد وبين ما دل على نفي الإضرار وعلى جواز الإحياء من غير تحديد.

هذا وقال الشارح في المسالك : (فائدة هذا الحريم منع الغير من إحداث عين أخرى في ذلك المقدار لئلا ينتقل ماء العين الأولى إلى الثانية ، ومن ثمّ اختلف باختلاف الأرض بالرخاوة والصلبة) انتهى.

(١) كالزرع والغرس والبناء.

(٢) من الألف في الرخوة والخمسمائة في الصلبة.

(٣) وفيه أنه منجبر بعمل الأصحاب.

(٤) كما هو الشأن في تحديد المعاني للألفاظ الواردة في لسان الشارع بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها ولا المتشرعية.

(٥) وهو البئر الذي يستقى عليه للزرع وغيره ، وحريمه ستون ذراعا فلا يجوز لأحد إحياء المقدار المزبور بحفر بئر أخرى أو غيره كزرع أو شجر أو نحوهما ضرورة اشتراك الجميع في الضرر على ذي البئر المزبورة على المشهور كخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حديث : وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا) (١) ، ومثله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

نعم المروي في صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها) (٣) وفي خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام (أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : حريم البئر العادية خمسون ذراعا إلا أن تكون ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١ و ٨.


وهو (١) البعير الذي يستقى عليه للزرع ، وغيره(ستون ذراعا) من جميع الجوانب ، ولا يجوز احياؤه بحفر بئر أخرى ، ولا غيره (٢) (و) حريم بئر(المعطن (٣) واحد المعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب قاله الجوهري ، والمراد البئر التي يستقى منها لشرب الإبل(أربعون ذراعا) من كل جانب كما مر (٤).

(وحريم الحائط مطرح آلاته (٥) من حجر ، وتراب ، وغيرهما على تقدير

______________________________________________________

ـ إلى عطن أو إلى طريق ، فيكون أقل من ذلك إلى خمسة وعشرين ذراعا) (١) ولذا قال الشارح في المسالك : (ونسبة البئر إلى العادية إشارة إلى إحداث الموات ، لأن ما كان في زمن عاد وما شابهه فهو موات غالبا ، وخصّ عاد بالذكر لأنها في الزمن الأول كان لها آثار في الأرض فنسب إليها كل قديم ، وبسبب اختلاف الروايات وعدم صحتها جعل بعضهم حريم البئر ما يحتاج إليه في السقي منها وموضع وقوف الناضح ـ النازح ـ والدولاب ومتردد البهائم ومصب الماء ، والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض وغيره ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب العادة.

وقال ابن الجنيد : حريم الناضح قدر عمقها ماء ، وحمل الرواية على الستين على أن عمق البئر ذلك) انتهى.

(١) أي الناضح.

(٢) وقال الشارح في المسالك عن فائدة حريم هذا البئر : (فإن فائدته منع الغير من إحياء ذلك المقدار مطلقا حتى الزرع والشجر ، لأن الغرض منه الانتفاع بالبئر فيما أعدّ له وما يحتاج إليه عادة) انتهى.

(٣) بكسر الطاء التي يستقى منه لشرب الإبل ، وحريمه أربعون ذراعا من كل جانب ، بمعنى عدم جواز إحيائه بحفر بئر أخرى ولا غيره لخبر عبد الله بن مقفل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها لعطن ماشيته) (٢) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا) (٣) ومثله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

(٤) في بئر الناضح والعين.

(٥) حريم الحائط في المباح مقدار مطرح آلاته من حجر وتراب وغيرهما ، بلا خلاف فيه ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٨.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ٥١٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦.


انهدامه لمسيس الحاجة إليه (١) عنده(وحريم الدار (٢) مطرح ترابها) ورمادها ، وكناستها ، (وثلوجها ، ومسيل مائها) حيث يحتاج إليهما (٣).

(ومسلك الدخول والخروج في صوب الباب) إلى أن يصل إلى الطريق أو المباح ولو بازورار (٤) لا يوجب ضررا كثيرا (٥) ، أو بعدا (٦) ، ويضم إلى ذلك (٧) حريم حائطها بما سلف ، وله منع من يحفر بقرب حائطه بئرا ، أو نهرا ، أو يغرس شجرة تضرّ بحائطه أو داره (٨) ، وكذا لو غرس في ملكه ، أو أرض (٩) أحياها ما

______________________________________________________

ـ وفي الجواهر : (بل في التذكرة عندنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه نظرا إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم) انتهى.

وقال الشارح في المسالك : (وقيّد الحريم بكونه في المباح للاحتراز من الحيطان الكائنة في الأملاك المتجاورة ، فلا حريم لها) انتهى.

(١) إلى الحريم عند الانهدام.

(٢) حريم الدار مقدار مطرح ترابها وقمامتها ورمادها وثلجها ومصب مائها ومسلك الدخول والخروج ونحو ذلك مما تحتاج إليه عادة ، على المشهور ، وعن بعضهم عدم الحريم للدار ، وقال في الجواهر : (وإن كنا لم نتحققه لأحد منا ، وإنما هو لبعض الشافعية ، ولعل وجهه عدم الدليل عليه) انتهى ، وهو منقوض بأن مثله جار في الحائط وبأن نفي الضرر يقتضي ثبوت الحريم لها.

(٣) إلى مطرح الثلوج ومسيل الماء.

(٤) الازورار الميل والعدول عن الشي‌ء.

(٥) ومفهومه أن الضرر اليسير كالمعدوم ، والحاصل أن للدار مسلكا في الجملة سواء كان بالاستقامة أو بالتعرج غير الموجب للضرر الكثير ، فلا يجوز لغيره إحياء هذا المسلك.

(٦) وهو من باب عطف الخاص على العام الذي هو الضرر.

(٧) أي حريم الدار.

(٨) أو تضر بداره فله المنع لنفي الضرر.

(٩) عطف على (ملكه) والمعنى لو غرس في أرض أحياها بحيث تبرز أغصان الغرس لو بقي إلى المباح أو تسري عروقه إليه لم يكن للغير أحياؤه ، لأنه من الحريم التابع للملك الذي يرجع فيه إلى العرف.

وعليه فلو حاول الغير الإحياء كان للغارس منعه وإن لم يكن بعد قد برزت الأغصان أو سرت العروق ، فالاستعداد كاف في إثبات الحريم بلا خلاف فيه بين من تعرض له كما في الجواهر ، ثم كل ذلك لنفي الضرر.


تبرز أغصانه ، أو عروقه إلى المباح ولو بعد حين لم يكن لغيره (١) احياؤه وللغارس منعه (٢) ابتداء (٣).

هذا (٤) كله إذا أحيا هذه الأشياء في الموات ، أما الأملاك المتلاصقة فلا حريم لأحدها على جاره ، لتعارضها (٥) فإن كل واحد منها (٦) حريم بالنسبة إلى جاره ولا أولوية ، ولأن من الممكن شروعهم في الاحياء دفعة فلم يكن لواحد على آخر حريم.

(والمرجع في الإحياء إلى العرف (٧) ، ...

______________________________________________________

(١) أي لغير الغارس.

(٢) منع الغير من الإحياء.

(٣) وإن لم تصل الأغصان والعروق إليه.

(٤) أي ما ذكر من الحريم.

(٥) أي تعارض الأملاك بل ولعموم السلطنة.

(٦) من الأملاك.

(٧) لفظ الإحياء ورد في الأخبار وقد تقدم بعضها ، ولم تثبت له حقيقة شرعية ولا لغوية فيرجع فيه إلى العرف كما هو الشأن في أمثاله ، ولكن بعض الأفراد محتاج إلى تنقيح لذا تعرض له الأصحاب.

ومن جملة ما تعرضوا له إحياء الموات للغرس ، وقال الشارح في المسالك (وقد اختلفت عبارات الفقهاء فيما يتحقق به الإحياء لهذه المنفعة) انتهى ، فالمحقق اعتبر أحد أمور : إما غرسها بالفعل ونبات غرسها وسوق الماء إليها ، وإما عضد شجرها وإصلاحها بإزالة الأصول وتسوية الأرض إن كانت مستأجمة ، أو بقطع المياه الغالبة عليها وتهيئتها للعمارة ، وظاهره أن كل واحد من الأمور الثلاثة كاف في الإحياء محتجا بدلالة العرف عليه ، وأشكل عليه الشارح في المسالك : والأقوى عدم اشتراط الغرس مطلقا ، وعدم الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة إليها اجمع بأن كانت الأرض مستأجمة والماء غالبا عليها ، بل لا بد حينئذ من الجمع بين قطع الشجر ودفع الماء ، وإن وجد أحدهما خاصة اكتفى بزواله ، وإن خليت عنهما واحتاجت إلى الماء فلا بد من تهيئته للسقي ـ إلى أن قال ـ ولو خليت عن الجميع بأن كانت غير محتاجة إلى السقي ولا مستأجمة ولا مشغولة بالماء اعتبر في إحيائها التحجير عليها بحائط ونحوه ، وفي الاكتفاء حينئذ بغرسها مع ثبات الغرس وجه ، وفي كلام الفقهاء اختلاف كثير في اعتبار ما يعتبر ـ


لعدم ورود شي‌ء معين فيه (١) من الشارع(كعضد (٢) الشجر) من الأرض(وقطع المياه الغالبة) عليها (٣) (والتحجير) حولها (٤) (بحائط) من طين ، أو حجر(أو مرز (٥) بكسر الميم ـ وهو جمع التراب حول ما يريد احياءه من الأرض ليتميز عن غيره(أو مسنّاة) الميم ـ وهو نحو المرز ، وربما كان أزيد منه (٦) ترابا.

ومثله (٧) نصب القصب والحجر ، والشوك ، ونحوها حولها (٨) ، (وسوق)

______________________________________________________

ـ من ذلك ، والمحصّل ما ذكرناه) انتهى.

والرجوع إلى العرف في إحياء الأرض للغرس يقتضي إزالة مانعه على تقدير وجوده ، وإيجاد مقتضيه على تقدير عدمه ، نعم الاكتفاء بالتحجير في إحياء الغرس إشكال بل الظاهر عدم تحقق الإحياء فيه.

ومن جملة ما تعرضوا له إحياء الموات للزرع ففي الشرائع وغيره الاكتفاء بالتحجير بجمع التراب حواليه ليفصل المحيا عن غيره وبسوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها ، وأشكل عليه بأن التحجير تمييز للمحيا عن غيره وهو غير محقّق لصدق الإحياء عرفا ، وبأن سوق الماء فعلا غير شرط في صدق الإحياء.

وفي الدروس اقتصر على حصول الإحياء بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث والسيح ، وقال : يحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة ، وهو ظاهر في عدم الاحتياج إلى غيره ، ومثله غيره مما أوجب اختلافا كثيرا في عباراتهم ، والمرجع إلى العرف كما عرفت وهو يقتضي في الزرع إزالة مانعه على تقدير وجوده وإيجاد مقتضيه على تقدير عدمه كما في الغرس ، نعم لا يشترط في الإحياء فعلية الزرع والغرس ، لأن الإحياء يتحقق بالتهيئة لا بالانتفاع بالفعل ، لأن استيفاء المنفعة خارج عن حد الإحياء كما أنه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها.

(١) في الإحياء.

(٢) أي قطعه.

(٣) على الأرض الموات.

(٤) حول الأرض ليفصل المحيا عن غيره.

(٥) بكسر الميم وهو جمع التراب حواليها.

(٦) من المرز.

(٧) ومثل الحائط والمرز والمسناة في التحجير.

(٨) حول الأرض.


(الماء) إليها حيث يحتاج إلى السقي(أو اعتياد الغيث (١).

كل ذلك(لمن أراد الزرع والغرس) بإحياء الأرض.

وظاهر هذه العبارة (٢) أن الأرض التي يراد احياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر والماء مستول عليها لا يتحقق احياؤها إلا بعضد شجرها وقطع الماء عنها ، ونصب حائط وشبهه (٣) حولها ، وسوق ما يحتاج إليه من الماء إليها إن كانت مما تحتاج إلى السقي به (٤) ، فلو أخلّ بأحد هذه لا يكون إحياء ، بل تحجيرا ، وإنما جمع بين قطع الماء وسوقه إليها لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي بأن (٥) يكون وصوله إليها على وجه الرشح (٦) المضر بالأرض من غير أن ينفع في السقي ونحو ذلك (٧) ، فلو كان كثيرا يمكن السقي به كفى قطع القدر المضر منه (٨) وابقاء الباقي للسقي.

ولو جعل الواو في هذه الأشياء بمعنى لو كان كل واحد منها كافيا في تحقيق الإحياء ، لكن لا يصح في بعضها ، فإن من جملتها (٩) سوق الماء أو اعتياد الغيث ، ومقتضاه (١٠) أن المعتاد لسقي الغيث لا يتوقف احياؤه على شي‌ء من ذلك (١١).

______________________________________________________

(١) حيث لا يحتاج إلى السقي.

(٢) لأنه جمع بينها بالواو الدال على الجمع بين المذكورات ، ولا يحتاج الإحياء للزرع إلى هذه المذكورات إلا بما قاله الشارح.

(٣) كالمرز والمسنّاة ونصب القصب والحجر حولها.

(٤) بالماء.

(٥) تفسير لعدم المناسب.

(٦) بلا جريان.

(٧) مما لا ينتفع به في السقي.

(٨) من الماء.

(٩) أي من جملة هذه الأشياء.

(١٠) أي مقتضى أن الواو بمعنى أو.

(١١) من قطع الأشجار وقطع المياه الغالبة عليها والتحجير.


وعلى الأول (١) لو فرض عدم الشجر ، أو عدم المياه الغالبة لم يكن مقدار ما يعتبر في الإحياء مذكورا (٢) ، ويكفي كل واحد مما يبقى (٣) على الثاني (٤) ، وفي الدروس اقتصر على حصوله (٥) بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع ، وسوق الماء ، أو اعتياد الغيث ، ولم يشترط الحائط والمسنّاة ، بل اشترط أن يبين الحد بمرز وشبهه ، قال : ويحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة ، وظاهره (٦) الاكتفاء به (٧) عن الباقي (٨) أجمع ، وباقي عبارات الأصحاب مختلفة في ذلك (٩) كثيرا.

والأقوى الاكتفاء بكل واحد من الأمور الثلاثة السابقة (١٠) مع سوق الماء حيث يفتقر إليه ، وإلا (١١) اكتفى بأحدها (١٢) خاصة ، هذا إذا لم يكن المانعان الأولان (١٣) ، أو أحدهما موجودا ، وإلا (١٤) يكتف بالباقي فلو كان الشجر مستوليا عليها والماء كذلك لم يكف الحائط (١٥) ، وكذا أحدهما (١٦) وكذا لو كان

______________________________________________________

(١) بناء على أن الواو على أصلها بمعنى الجمع.

(٢) أي مذكورا في كلام الماتن ، لأن المذكورات إنما هي في فرض وجود الشجر والمياه الغالبة.

(٣) وهو التحجير وسوق الماء أو اعتبار الغيث.

(٤) على كون الواو بمعنى (أو).

(٥) أي حصول الإحياء.

(٦) أي ظاهر المصنف في الدروس.

(٧) بقطع المياه الغالبة.

(٨) من قطع الأشجار والتهيئة للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث.

(٩) في إحياء الأرض للزرع.

(١٠) من قطع الأشجار وقطع المياه الغالبة والتحجير ، والسابقة في كلام الماتن في اللمعة.

(١١) أي وإن لم يفتقر إلى الماء.

(١٢) بأحد الأمور الثلاثة السابقة.

(١٣) من الشجر والمياه ، لا يقال : إذا لم يكن شي‌ء من المانعين الأولين موجودا فلا وجه للقول بكفاية كل واحد ، بل يتعين حينئذ الثالث فقط ، لأنا نقول : ليس المراد عدم وجودهما في أول الأمر بل حين تحقق أحدهما وهذا ما أفاده الآقا جمال.

(١٤) فلو كان المانعان أو أحدهما موجودا لم يكتف بالباقي من التحجير وسوق الماء بل لا بدّ من رفعه أيضا.

(١٥) وكذا السوق بل لا بد من رفع المانع الموجود.

(١٦) من الشجر أو الماء.


الشجر (١) لم يكف دفع الماء ، وبالعكس لدلالة العرف على ذلك كله.

أما الحرث والزرع (٢) فغير شرط فيه (٣) قطعا ، لأنه (٤) انتفاع بالمحيى (٥) كالسكنى لمحيي الدار.

نعم لو كانت الأرض مهيأة للزراعة ، والغرس لا يتوقف إلا على الماء كفى سوق الماء إليها مع غرسها ، أو زرعها ، لأن ذلك يكون بمنزلة تميزها بالمرز ، وشبهه (٦) (وكالحائط) ولو بخشب ، أو قصب(لمن أراد) بإحياء الأرض(الحظيرة (٧) المعدة للغنم ونحوه ، أو لتجفيف الثمار ، أو لجمع الحطب والخشب والحشيش وشبه ذلك ، وإنما اكتفى فيها (٨) بالحائط لأن ذلك (٩) هو المعتبر عرفا فيها (١٠) (و) كالحائط(مع السقف (١١) ...

______________________________________________________

(١) أي موجودا لم يكف قطع الماء الغالبة.

(٢) الفعليان.

(٣) في الإحياء للزرع.

(٤) أي لأن الحرث والزرع.

(٥) وقد عرفت أن استيفاء المنفعة خارج عن حد الإحياء.

(٦) فلا داعي لتميزها حينئذ بالتحجير.

(٧) إذا أراد زريبة للدواب أو حظيرة لها أو لتجفيف الثمار فيها ، أو لجمع الحطب والحشيش اعتبر التحويط بقصب أو خشب أو نحوهما ، ولا يشترط السقف بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال قضاء للعرف ، وكذا لا يشترط نصب الباب للعرف كذلك.

(٨) في الحظيرة.

(٩) من التحويط.

(١٠) في الحظيرة لو أراد إحياء الأرض عند إرادتها.

(١١) من أراد السكن اعتبر التحويط مع السقف ، أما التحويط بأن يحوط جميع أجزاء الدار ولو بخشب أو قصب ونحوهما وأما التسقيف ولو بعضه ليتهيأ للسكن وليقع عليه اسم المسكن عرفا ، بلا خلاف فيه بين من تعرض له.

نعم لا يشترط نصب الباب ، لأن نصب الباب للحفظ والسكن لا تتوقف عليه ولا اسم المسكن ، وبعض العامة قد اعتبره لأن العادة في المنازل أن تكون لها أبواب ، وما لا باب له لا يتخذ مسكنا والعرف شاهد على خلافه وكذلك بعض العامة لم يشترط السقف ـ


بخشب ، أو عقد (١) ، أو طرح (٢) بحسب المعتاد(إن أراد البيت) واكتفى في التذكرة في تملك قاصد السكنى بالحائط (٣) المعتبر في الحظيرة ، وغيره (٤) من الأقسام التي يحصل بها الاحياء لنوع مع قصد غيره (٥) الذي لا يحصل به (٦).

وأما تعليق الباب (٧) للحظيرة والمساكن فليس بمعتبر عندنا ، لأنه للحفظ لا لتوقف السكنى عليه.

(القول في المشتركات)

بين الناس في الجملة وإن كان بعضها (٨) مختصا بفريق خاص ، وهي (٩) أنواع ترجع أصولها إلى ثلاثة : الماء ، والمعدن ، والمنافع ، والمنافع ستة : المساجد والمشاهد ، والمدارس ، والرباط ، والطرق ، ومقاعد الأسواق ، وقد أشار إليها (١٠)

______________________________________________________

ـ للنبوي (من أحاط حائطا على أرض فهي له) (١) ، ولأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط التسقيف لأن القصد لا اعتبار به ، ونفى عنه البأس في التذكرة ، والعرف شاهد على خلافه إذ إحياء كل شي‌ء بحسب حاله.

(١) وهو تداخل اللبن المبني بها السقف.

(٢) بحيث يبنى السقف بعيدان يطرح عليها البوريا ، ثم التراب.

(٣) أي اكتفى بالحائط.

(٤) أي غير الحائط أي واكتفى بغير الحائط.

(٥) غير النوع المذكور.

(٦) أي الذي لا يحصل هذا الغير المقصود بذلك الإحياء ، قال في التذكرة : (لو قصد نوعا وفعل إحياء يملك به نوعا آخر ، هل يفيد الملك؟ الوجه عندي ذلك ، فإنه مما يملك به الحظيرة لو قصدها ، وهو أحد وجهي الشافعية) انتهى.

(٧) أي نصبه.

(٨) بعض المشتركات المدرسة الموقوفة على طلبة العلوم الدينية ، والرباط الموقوف على قبيل خاص من الناس.

(٩) أي المشتركات.

(١٠) إلى المشتركات.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٣ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٨.


المصنف في خمسة أقسام.

(فمنها المسجد (١) وفي معناه المشهد (٢) (فمن سبق إلى مكان منه فهو أولى به) ما دام باقيا فيه.(فلو فارق) ولو لحاجة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة(بطل حقه (٣) وإن (٤) كان ناويا للعود(إلا أن يكون رحله) وهو (٥) شي‌ء من أمتعته ولو

______________________________________________________

(١) لا إشكال ولا خلاف في أن من سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا فيه ، سواء كان جلوسه لأجل الصلاة أم لمطلق العبادة أم لتدريس العلم والإفتاء أم لنفس الجلوس لإطلاق مرسل الفقيه (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) (١) ومثله غيره.

(٢) لخبر محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : نكون بمكة أو بالمدينة أو بالحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل ، فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر فيصير مكانه قال : من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته) (٢).

(٣) فلو قام مفارقا رافعا يده عنه بطل حقه بلا خلاف فيه ولا إشكال فلو عاد وقد شغله غيره فلا حق له لزوال ولايته مع رفع يده عنه بسبب انتقاله عنه بنية المفارقة فهو بمعنى رفع اليد عنه ، ومنه تعرف بطلان حقه حتى لو نوى العود إليه نعم لو قام لضرورة كتجديد الطهارة وإزالة النجاسة وقضاء الحاجة فعن المحقق عدم البطلان وتابعه العلامة في التذكرة واستدل له بالنبوي (إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا عاد إليه) (٣) ، ومرسل الصدوق (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) (٤) ، وهما مشكلان مع قطع النظر عن السند بأنه أعم من المدعى والمحقق لا يقول به على العموم وإنما في صورة الضرورة وعليه فالمخصص لهما مع عدم الضرورة هو المخصص معها ، والأقوى بطلان حقه لحصول المفارقة القاضية برفع اليد عنه.

(٤) وصلية.

(٥) أي الرحل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ١.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٥١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.


سبحته (١) وما يشدّ به وسطه ، وخفه(باقيا) (٢) في الموضع(و) مع ذلك (٣) (ينوي العود). فلو فارق لا بنية العود سقط حقه وإن كان رحله باقيا.

وهذا الشرط (٤) لم يذكره كثير. وهو (٥) حسن ، لأن (٦) الجلوس يفيد أولوية فإذا فارق بنية رفع الأولوية سقط حقه منها (٧) ، والرحل لا مدخل له في الاستحقاق (٨) بمجرده (٩) مع احتماله (١٠) ، لإطلاق النص (١١) والفتوى (١٢) ، وإنما تظهر الفائدة على الأول (١٣) لو كان رحله لا يشغل من المسجد مقدار حاجته في الجلوس والصلاة ، لأن ذلك (١٤) هو المستثنى (١٥) على تقدير الأولوية (١٦). فلو

______________________________________________________

(١) بالضم خرزات يسبّح بها كما في مجمع البحرين.

(٢) إن قام عنه ناويا العود إليه فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به لما قال في المبسوط : (فمن سبق إلى مكان في المسجد كان أحق به ، فإن قام وترك رحله فيه فحقه باق ، وإن حوّل رحله منه انقطع حقه منه ، ولا خلاف فيه ، وفيه نص لنا عن الأئمة عليهم‌السلام) انتهى.

نعم لو ترك رحله مع عدم نية العود فلا حق له للإعراض ورفع اليد عنه ، وبقاء الرحل ليس تحجيرا حتى يثبت له حقا ، والرحل لغة ما يجعل على ظهر البعير كالسّرج وما تستصحبه من الأثاث في السفر.

(٣) من بقاء الرحل.

(٤) وهو نية العود في صورة بقاء الرحل.

(٥) أي الشرط متعين فلا معنى لاستحسانه فقط.

(٦) تعليل لحسن الشرط بل لتعينه.

(٧) من الأولوية.

(٨) أي استحقاق الأولوية.

(٩) أي مجرد الرحل.

(١٠) أي احتمال كون الرحل له مدخل في الاستحقاق.

(١١) لا نص في الرحل إلا ما سمعته من كلام الشيخ في المبسوط ، وهو مرسل ولم ينقل ألفاظه ليكون له إطلاق في البين.

(١٢) باعتبار أن الكثير من الفقهاء ذكروا الرحل ولم يشترطوا نية العود.

(١٣) أي على اعتبار نية العود مع بقاء الرحل.

(١٤) أي كون الرحل غير شاغل من المسجد فهو المستثنى من حرمة تصرف الغير فيه على تقدير أولوية المتأخر إذا لم ينو السابق العود.

(١٥) من حرمة تصرف الغير فيه.

(١٦) أي أولوية المتأخر لأن السابق لم ينو العود.


كان (١) كبيرا يسع ذلك (٢) فالحق باق (٣) من حيث عدم جواز رفعه (٤) بغير إذن مالكه ، وكونه (٥) في موضع مشترك كالمباح ، مع احتمال سقوط حقه (٦) مطلقا (٧) على ذلك التقدير (٨) فيصح رفعه (٩) لأجل غيره (١٠) حذرا من تعطيل بعض المسجد ممن لا حق له (١١).

ثم على تقدير الجواز (١٢) هل يضمن الرحل رافعه يحتمله (١٣) ، لصدق التصرف (١٤) ، وعدم المنافاة بين جواز رفعه ، والضمان. جمعا بين الحقين (١٥) ،

______________________________________________________

(١) أي الرحل.

(٢) أي يسع مقدار حاجته في الجلوس والصلاة.

(٣) أي فحق السابق باق وإن لم ينو العود ، لا من ناحية بقاء الحق ببقاء الرحل فقط ، لأن الكلام على تقدير بقاء الحق ببقاء الرحل مع نية العود ، وهي مفقودة هنا ، بل الحق للسابق باق من ناحية عدم جواز رفعه ، لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٤) رفع الرحل.

(٥) عطف على قوله (عدم جواز رفعه) والمعنى فالحق باق من حيث كون الرحل موجودا في موضع مشترك كوجوده في مكان مباح فلا يجوز للغير مزاحمته في هذا المكان برفع رحله عنه.

(٦) حق السابق.

(٧) سواء كان رحله كبيرا يشغل مقدار حاجته أم لا.

(٨) أي تقدير اشتراط نية العود في بقاء الحق عند بقاء الرحل.

(٩) رفع الرحل.

(١٠) لأجل غير صاحب الرحل.

(١١) ومن لا حق له هو المفارق مع عدم نية العود ، مع أن الحق مشروط بنية العود وبقاء الرحل ، والأول منتف.

(١٢) أي جواز رفع الرحل.

(١٣) أي يحتمل الرفع الضمان.

(١٤) أي التصرف في مال الغير بغير إذنه فيندرج تحت عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

(١٥) حق صاحب الرحل في الضمان وحق غيره في التصرف ببعض المسجد ، فيجوز رفعه مع الضمان لصاحبه.


ولعموم اليد ما أخذت حتى تؤدي ، وعدمه (١) ، لأنه (٢) لا حق له (٣) فيكون تفريغه (٤) منه (٥) بمنزلة رفعه من ملكه (٦).

ولم أجد في هذه الوجوه كلاما يعتد به ، وعلى تقدير بقاء الحق لبقائه (٧) ، أو بقاء رحله (٨) فأزعجه (٩) مزعج فلا شبهة في اثمه.

وهل يصير (١٠) أولى منه (١١) بعد ذلك (١٢) يحتمله (١٣) لسقوط حق الأول بالمفارقة (١٤) ، وعدمه (١٥) ، للنهي فلا يترتب عليه (١٦) حق.

______________________________________________________

(١) عطف على قوله (ويحتمله) والمعنى والرفع الجائز يحتمل عدم الضمان.

(٢) لأن السابق الذي ترك رحله مع عدم نية العود.

(٣) إذ الحق مبني على بقاء الرحل مع نية العود ، وهو لم ينو العود.

(٤) أي تفريغ بعض المسجد.

(٥) من الرحل.

(٦) من ملك الرافع هذا وقال في الجواهر بعد نقل كلام الشارح في المسالك المتضمن لاحتمال عدم الضمان : (لا يخفى عليك ضعف الاحتمال المزبور ، لما ذكرناه غير مرة من أصالة الضمان مطلقا لقاعدة اليد وغيرها ، بل قد يقال : إن سقوط أحقيته لا يقتضي جواز التصرف في ماله بعد أن كان وضعه بحق ولم تنحصر الصلاة في موضع مخصوص) انتهى.

(٧) أي بقاء صاحب الحق.

(٨) مع نية العود.

(٩) أي أزعج صاحب الحق مزعج ، وأزعجه قلعه من مكانه ، فلا شبهة في إثم المزعج لإبعاد صاحب الحق عن حقه.

(١٠) أي المزعج.

(١١) من صاحب الحق.

(١٢) بعد إزعاجه.

(١٣) أي يحتمل أن يصير المزعج أولى.

(١٤) وفيه : أن المفارقة أوجبت سقوط الحق لأنها متضمنة لرفع اليد عن المكان ، وهو مع الإزعاج لم يرفع اليد.

(١٥) عطف على قوله (يحتمله) والمعنى أنه يحتمل عدم صيرورة المزعج أولى للنهي عن الإزعاج فلا يترتب على الإزعاج حق للمزعج ، وقد عرفت أن عدم حق المزعج لعدم بطلان حق السابق بالإزعاج فتأمل.

(١٦) على الإزعاج المنهي عنه.


والوجهان (١) آتيان في رفع كل أولوية ، وقد ذكر جماعة من الأصحاب : أن حق أولوية التحجير لا يسقط بتغلب غيره (٢) ، ويتفرع على ذلك (٣) صحة صلاة الثاني (٤) ، عدمها (٥) ، واشترط المصنف في الذكرى في بقاء حقه مع بقاء الرحل أن لا يطول المكث (٦) ، وفي التذكرة (٧) استقرب بقاء الحق مع المفارقة لعذر كإجابة داع ، وتجديد وضوء ، وقضاء حاجة ، وإن لم يكن له رحل.

(ولو استبق اثنان) دفعة إلى مكان واحد (٨) (ولم يمكن الجمع) بينهما(أقرع) ، لانحصار الأولوية فيهما ، وعدم إمكان الجمع فهو (٩) لأحدهما إذ منعهما معا باطل ، والقرعة لكل أمر مشكل مع احتمال العدم (١٠) لأن القرعة لتبيين المجهول عندنا المعيّن في نفس الأمر ، وليس كذلك هنا (١١).

وقد تقدم (١٢) أن الحكم بالقرعة غير منحصر في ما ذكر (١٣) ، وعموم

______________________________________________________

(١) من أولوية المزعج وعدمها.

(٢) وفي هذا تأييد للوجه الثاني.

(٣) من أولوية المزعج وعدمها.

(٤) وهو المزعج.

(٥) أي عدم الصحة.

(٦) وإلا بطل حقه وقال في الذكرى : (ولا بأس به خصوصا مع حضور الجماعة واستلزام تجنب موضعه وجود فرجة في الصف للنهي عن ذلك ، بل استثنى بعضهم ذلك مطلقا وحكم بسقوط حقه حينئذ ولا بأس به) انتهى ، وقال عنه في الجواهر : (أن ذلك مجرد اعتبار لا يقتضي سقوط الحق الثابت بالدليل) انتهى.

(٧) تبعا للشرائع وقد تقدم البحث فيه.

(٨) لو استبق اثنان إلى محل مخصوص من المسجد فتوافيا إليه على حد سواء فإن أمكن الجمع بينهما بأن كان متسعا لهما جاز ، وإلا فمع التعاسر يقرع بينهما ، لأن القرعة لكل أمر مشكل ، ومن خرجت القرعة باسمه يكون بمنزلة السابق.

(٩) أي المكان الواحد.

(١٠) أي عدم القرعة.

(١١) لعدم تعيين أحدهما واقعا ، لعدم سبق أحدهما على الآخر.

(١٢) في كتاب العتق.

(١٣) من تعيين المجهول عندنا وهو معيّن في الواقع.


الخبر (١) يدفعه (٢) ، والرجوع إليها (٣) هنا (٤) هو الوجه ، ولا فرق في ذلك (٥) كله بين المعتاد لبقعة معينة ، وغيره ، وإن كان اعتياده لدرس وإمامة ، ولا بين المفارق في أثناء الصلاة ، وغيره ، للعموم (٦).

واستقرب المصنف في الدروس بقاء أولوية المفارق في أثنائها (٧) اضطرارا ، إلا أن يجد مكانا مساويا للأول (٨) ، أو أولى منه (٩) محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها.

ولا يخفى ما فيه (١٠).

______________________________________________________

(١) أي خبر القرعة وهو (أنها لكل أمر مشكل).

(٢) يدفع الانحصار فيما ذكر.

(٣) إلى القرعة.

(٤) في التسابق إلى مكان واحد.

(٥) من جريان القرعة عند التسابق وعدم سبق أحدهما ، وهذا ما يقتضيه السياق بالنظر للكلام السابق ، ولكن كلامه الآتي يستدعي تفسير قوله هنا بأنه لا فرق في أن السابق إلى مكان هو أحق به ما لم يفارقه ولو كان لضرورة.

(٦) أي عموم (من سبق إلى موضع فهو أحق به) كما في مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

(٧) أي أثناء الصلاة.

(٨) أي لمكانه الأول.

(٩) أو يجد مكانا أولى من مكانه الأول.

(١٠) ووجه الضعف أن حق المفارق تابع لاستقراره بعد فرض عدم الرحل ، وهو لم يستقر لأنه فارق ، وإتمام الصلاة لا يتوقف على مكان الشروع إذ يمكن له إتمام الصلاة في مكان آخر من المسجد.

إن قلت مكانه الأول أقرب للعود وقد يوجب المكان الآخر بطلان صلاته.

قلت : قرب المكان الأول لا يقتضي بقاء الأولوية ، مع أن بطلان صلاته لو لم يعد لا يوجب له حق الأولوية في مكانه الأول الذي فارقه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ١.


(ومنها (١) المدرسة ، والرباط (٢) ـ فمن سكن بيتا منهما) ، أو أقام بمكان مخصوص (٣) (ممن له السكنى) بأن (٤) يكون متصفا بالوصف المعتبر في الاستحقاق (٥) ، إما في أصله (٦) بأن (٧) يكون مشتغلا بالعلم في المدرسة أو بحسب (٨) الشرط بأن (٩) تكون موقوفة على قبيلة مخصوصة ، أو نوع من العلم ، أو المذاهب ويتصف الساكن به (١٠) (فهو (١١) أحق به (١٢) وإن تطاولت المدة ، إلا مع مخالفة شرط الواقف) بأن (١٣) يشترط الواقف أمدا فينتهي.

واحتمل المصنف في الدروس في المدرسة ، ونحوها (١٤) الازعاج تم غرضه

______________________________________________________

(١) أي من المشتركات.

(٢) ما يبنى على الطرق الموقوف لرباط الخيل والمارة والنزّال والغرباء وأشباههم ، وهو والمدرسة موقوفان على قبيل خاص ، ومن يتصف بشرط الوقف يجوز له السكن فيهما ، ولو سكن في بيت فيهما فهو أحق به ولا يجوز لغيره إزعاجه بلا خلاف فيه ، لأن الساكن أحد المستحقين لذلك ، فإزعاجه ظلم قبيح عقلا ونقلا ، وإن تطاولت مدة سكناه ما لم يشترط الواقف أحدا معينا فيلزمه الخروج عند انقضائه بلا فصل وإن لم يؤمر به.

(٣) من المدرسة أو الرباط.

(٤) تفسير لمن له السكنى.

(٥) في استحقاق سكنى المدرسة والرباط.

(٦) أصل الاستحقاق.

(٧) تفسير لاتصافه بأصل الاستحقاق.

(٨) أي مستحق بحسب شرط الواقف.

(٩) تفسير لاستحقاقه بحسب شرط الواقف.

(١٠) بالشرط.

(١١) أي المتصف بالوصف المعتبر في الاستحقاق.

(١٢) بالبيت.

(١٣) تفسير لمخالفة شرط الواقف.

(١٤) مثل دار القرآن قال في الدروس : (ويحتمل في المدرسة ودار القرآن الإزعاج إذا تمّ غرضه من ذلك ، ويقوى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم والقرآن وإن لم يشترطهما الواقف ، لأن موضوع المدرسة ذلك ، أما الربط فلا غرض فيه فيجوز الدوام فيه) انتهى.

وفيه : إنه إن خرج عن الموضوع بتمام الغرض أزعج قطعا وإلا فلا وجه للاحتمال ، وأما إذا ترك التشاغل فلا بد من الخروج لفقد شرط الاستحقاق أو فقد وصفه.


من ذلك ، وقوّى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم وإن لم يشترط الواقف ، لأن موضوع المدرسة ذلك (١) (وله (٢) أن يمنع من يشاركه) ، لما فيها (٣) من الضرر(إذا كان المسكن) الذي أقام به(معدّا لواحد) فلو أعدّ (٤) لما فوقه (٥) لم يكن له (٦) منع الزائد عنه (٧) إلّا أن يزيد (٨) عن النصاب المشروط (٩).

(ولو فارق) (١٠) ساكن المدرسة والرباط(لغير عذر بطل حقه) سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت مدة المفارقة أم قصرت لصدقها (١١) ، وخلو المكان الموجب (١٢) لاستحقاق غيره إشغاله.

ومفهومه (١٣) : أنه لو فارق لعذر لم يسقط حقه مطلقا (١٤).

______________________________________________________

(١) أي التشاغل بالعلم.

(٢) للساكن ، وهو السابق المستحق.

(٣) في المشاركة.

(٤) أي المسكن.

(٥) أي فوق الواحد.

(٦) أي للساكن.

(٧) عن الساكن أو الواحد ، والأول أنسب.

(٨) أي يزيد الزائد عن الساكن.

(٩) من قبل الواقف.

(١٠) اعلم أنه لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة كشراء مأكول ومشروب وثوب وقضاء حاجة ، ولا يلزمه تخليف أحد مكانه ولا أن يترك رحله فيه للسيرة القائمة ، وهي دالة على بقاء المسكن تحت يده وهذا ما نص عليه العلّامة في التذكرة والشارح في المسالك وغيرهما.

أما لو فارق المكان لغير عذر بطل حقه سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت مدة المفارقة أم قصرت ، لأن المفارقة رفع لليد عن المسكن ، وبالرفع يسقط حقه.

(١١) أي صدق المفارقة المسقطة للأولوية لرفع اليد عن المسكن.

(١٢) أي خلو المكان.

(١٣) أي مفهوم قول الماتن.

(١٤) بقي رحله أولا ، طالت المدة أو قصرت ، عدم سقوط الحق لو فارق المكان لعذر قد نسبه المحقق في الشرائع إلى القيل ، وقال عنه في الجواهر : (ولم نعرف القائل ممن تقدمه) انتهى ، واستدل له لصدق كونه سابقا وأن ما سبق إليه ما زال في يده وفي قبضته. ـ


ويشكل (١) مع الطول المدة ، وأطلق الأكثر بطلان حقه بالمفارقة.

وفي التذكرة : إنه إذا فارق أياما قليلة لعذر فهو أحق ، وشرط بعضهم (٢) بقاء الرحل ، وعدم طول المدة.

وفي الدروس ذكر في المسألة (٣) أوجها (٤):

زوال حقه كالمسجد. وبقاؤه مطلقا (٥) ، لأنه (٦) باستيلائه جرى مجرى المالك. وبقاؤه (٧) إن قصرت المدة ، دون ما إذا طالت ، لئلا يضر بالمستحقين ، وبقاؤه إن خرج لضرورة وإن طالت المدة ، وبقاؤه إن بقي رحله ، أو خادمه ، ثم استقرب تفويض الأمر إلى ما يراه الناظر (٨) صلاحا.

والأقوى أنه (٩) مع بقاء الرحل وقصر المدة لا يبطل حقه (١٠) ، وبدون

______________________________________________________

ـ وفيه مع صدق المفارقة المتضمنة لرفع اليد فلا بد من سقوط حقه ولذا ذهب الأكثر إلى السقوط وهو الأقوى.

ومنه تعرف ضعف ما في التذكرة أنه لو فارق لعذر أياما قليلة فهو أحق إذا عاد.

(١) أي عدم سقوط الحق مشكل مع طول مدة الغياب ، وفيه : أن تخصيص الإشكال بطول المدة ليس في محله ما دام حقه قد سقط بالمفارقة بلا فرق بين طول المدة وقصرها.

(٢) وهو المحقق الثاني في جامع المقاصد حيث قال : (والظاهر أن مفارقته من غير أن يبقى رحله مسقط لأولويته ولو قصر الزمان جدا ، كما لو خرج لغرض لا ينفك عن مثله عادة ولا يخرج في العادة عن كونه ساكنا ففي بقاء حقه قوة) انتهى.

(٣) أي في مسألة المفارقة.

(٤) قال في الدروس : (لو فارق ساكن المدرسة والرباط ففيه أوجه : زوال حقه كالمسجد ، وبقاؤه مطلقا ، لأنه باستيلائه جرى مجرى المالك ، وبقاؤه إن قصرت المدة دون ما إذا طالت لئلا يضرّ بالمستحقين ، وبقاؤه إن خرج لضرورة كطلب تأدية مهمة وإن طالت المدة ، وبقاؤه إن بقي رحله وخادمه ، والأقرب تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر) انتهى.

(٥) أي بقاء حقه سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت المدة أم لا.

(٦) أي الساكن.

(٧) أي بقاء حق الساكن.

(٨) وهو المتولي على الوقف.

(٩) أن الشأن والواقع.

(١٠) حق الساكن لعدم تحقق رفع اليد بالمفارقة لوجود رحله ، ولذا اشترط الشارح بقاء الرحل لبقاء حقه.


الرحل يبطل ، إلا أن يقصر الزمان بحيث لا يخرج عن الإقامة عرفا (١).

ويشكل الرجوع إلى رأي الناظر (٢) مع إطلاق النظر (٣) إذ ليس له إخراج المستحق اقتراحا (٤) فرأيه (٥) حينئذ (٦) فرع الاستحقاق (٧) وعدمه.

نعم لو فوّض إليه (٨) الأمر مطلقا (٩) فلا إشكال.

(ومنها (١٠) الطرق (١١) ـ وفائدتها) في الأصل(الاستطراق ، والناس فيها شرع (١٢) بالنسبة إلى المنفعة المأذون فيها (١٣) (ويمنع من الانتفاع بها (١٤) في غير)

______________________________________________________

(١) فلا يبطل حقه وإن لم يبق رحله ، لعدم تحقق رفع اليد عن المسكن في هذه الصورة أيضا.

(٢) كما استقربه الماتن في الدروس.

(٣) أي مع إطلاق النظر إلى الناظر من قبل الواقف ، وإلا لو لم يجعله متوليا للإخراج وعدمه فليس له الإخراج قطعا.

(٤) أي بدون سبب.

(٥) أي رأي الناظر.

(٦) أي حين إطلاق النظر إليه.

(٧) أي استحقاق الساكن للإخراج.

(٨) إلى الناظر ، وقد فوّض إليه الأمر من قبل الواقف.

(٩) سواء استحق الساكن الإخراج أم لا.

(١٠) ومن المشتركات.

(١١) فائدة الطرق الأصلية الاستطراق ، والناس فيها شرع ، فلا يجوز الانتفاع في الطرق بغير الاستطراق إلا ما لا يفوت به منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضرّ بالمارة والمعاملة ووقف الدواب للسيرة على ذلك في جميع الأمصار والإعصار.

(١٢) بفتح الراء وسكونها ، قال في مجمع البحرين : (في الحديث : الغلام والجارية شرع سواء ، هو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، وتفتح الراء وتسكن ، أي متساويان في الحكم لا فضل لأحدهما على الآخر ، وقوله : شرع سواء كأنه من عطف البيان ، لأن الشرع هو السواء) انتهى.

(١٣) وهي الاستطراق.

(١٤) بالطرق.


(ذلك) المذكور وهو (١) الاستطراق(مما يفوت به منفعة المارة) لا مطلقا (٢) (فلا يجوز الجلوس) بها (٣) (للبيع والشراء) ، وغيرهما من الأعمال ، والاكوان (٤) (إلا مع السعة (٥) حيث لا ضرر) على المارة لو مروا في الطريق بغير موضعه (٦) ، وليس لهم (٧) حينئذ (٨) تخصيص الممر بموضعه (٩) إذا كان لهم عنه مندوحة (١٠) ، لثبوت الاشتراك (١١) على هذا الوجه (١٢) ، وإطباق الناس على ذلك (١٣) في جميع الأصقاع (١٤) ، ولا فرق في ذلك (١٥) بين المسلمين وغيرهم ، لأن لأهل الذمة منه (١٦) ما للمسلمين في الجملة.

(فإذا فارق) المكان الذي جلس فيه للبيع ، وغيره(بطل حقه (١٧) ...

______________________________________________________

(١) أي المذكور.

(٢) أم لا تفوت به منفعة المارة فغير ممنوع.

(٣) بالطرق.

(٤) كالوقوف من دون مشي.

(٥) أي السعة على المارة.

(٦) أي موضع الجالس.

(٧) للمارة.

(٨) حين جلوسه مع عدم ضرر المارة.

(٩) بموضع الجالس.

(١٠) الندح بالضم الكثرة والسعة.

(١١) في الطريق.

(١٢) بحيث كان هناك سعة للمارة فلا يجوز لهم مزاحمة الجالس.

(١٣) على عدم مزاحمة الجالس لو كان هناك سعة للمارة.

(١٤) الصقع بالضم الناحية.

(١٥) في الانتفاع بالطريق في غير الاستطراق مما لا يضر بالمارة.

(١٦) من الطريق قال في المسالك : (وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة وجهان ، أصحهما ذلك ، لثبوت حق الاستطراق لهم فيتبعه غيره) انتهى.

(١٧) إذا قام الجالس غير المضرّ بالمارة بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود بطل حقه وقال في الجواهر : (بل يمكن تحصيل الإجماع عليه) انتهى. وعليه فلو عاد إليه وقد سبقه سابق إليه لم يكن له دفع الثاني ضرورة ثبوت الحق للثاني بسبقه. ـ


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أما لو قام وهو ينوي العود فقيل : كان أحق بمكانه ، وفي الجواهر (وإن كنا لم نعرف القائل).

وعن الشيخ في المبسوط والعلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس بقاء حقه إن ترك رحله فيه لثبوت الحق في المسجد ، والسوق مثله لما ورد في مرسل الفقيه (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) (١).

وفيه : أنه مثله من ناحية حق السبق باعتبار ذيله ، وليس من ناحية بقاء الحق مع المفارقة.

وعن العلامة في التذكرة أنه أحق به إلى الليل باعتبار ذيل الخبر المتقدم ، وفيه : أنه غير معمول به عند الأصحاب ، فلذا ذهب غير واحد كما في الجواهر إلى عدم بقاء حقه ما دام قد فارق المكان المتضمن لرفع اليد عنه ولو نوى العود إليه سواء استوفى غرضه أم لا ، وسواء كان له رحل أم لا ، وسواء كان مع نية العود أم لا ، وسواء كان زمان المفارقة طويلا أم لا ، وسواء أذن الحاكم له بالجلوس أم لا.

هذا وفي الشرائع وجملة من كتب العلامة والمسالك فصّلوا بين الجلوس للاستراحة والجلوس للبيع والشراء ، ففي الأول كان النزاع المتقدم ، وفي الثاني بحثوا في أصل الجلوس وقالوا : بجواز الجلوس للبيع والشراء في الرحاب المتسعة نظرا إلى العادة ، وهذا قيد في معنى عدم إضرار المارة ، وعليه فلا فرق بين القسمين ولذا أشكل عليه في الجواهر بقوله : (أشكل الفرق حينئذ بينه وبين غيره مع فرض عدم الضرر ـ إلى أن قال ـ وأوحش منه ما في المسالك واتباعها في شرح المتن المزبور من أنهم اختلفوا في جواز الجلوس للبيع والشراء فمنعه بعضهم مطلقا ، لأنه انتفاع بالتبعة في غير ما أعدّت له فكان كالانتفاع بالوقوفات الخاصة في غير ما عيّنت له من الجهة والمشهور التفصيل ، وهو المنع من ذلك في الطريق المسلوك الذي لا يؤمن تأذي المارة به غالبا ، وجوازه في الرحاب المتسعة في خلاله بحيث يؤمن تأذي المارة به. إذ هو ـ مع أن ما حكاه من القول الأول لم نعرفه لأحد من العامة والخاصة ، وقد نقل هو وغيره إجماع الناس في جميع الإعصار على فعل ذلك مع عدم الضرر من غير فرق بين الجلوس للبيع وغيره ـ أن التفصيل المزبور لم نعرفه أيضا لأحد) انتهى كلامه.

وعليه فلا معنى للتفصيل بين الجلوس للاستراحة وغيره كالبيع والشراء بعد اتحاد المناط ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.


مطلقا (١) ، لأنه (٢) كان متعلقا بكونه (٣) فيه (٤) وقد زال (٥) وإن (٦) كان رحله باقيا ، لاختصاص ذلك (٧) بالمسجد ، وأطلق المصنف (٨) في الدروس وجماعة بقاء حقه مع بقاء رحله ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «سوق المسلمين كمسجدهم» والطريق على هذا الوجه (٩) بمنزلة السوق ، ولا فرق مع سقوط حقه على التقديرين (١٠) بين تضرره بتفرق معامليه وعدمه (١١).

واحتمل في الدروس بقاءه (١٢) مع الضرر ، لأن أظهر المقاصد (١٣) أن يعرف

______________________________________________________

ـ في الجميع وهو الجواز مع عدم الضرر بالمارة ، والمنع مع الضرر.

وعلى كل فلو جلس للبيع والشراء ثم قام فإن كان رحله باقيا فهو أحق به لما ذكر سابقا من الدليل ، والقائلون بذلك هنا هم القائلون بذلك هناك ، وقد عرفت ضعفه.

ومع عدم بقاء الرحل فإن كان ناويا للعود كان أحق به لئلا يتفرق معاملوه فيستضر ، وهو قول الجويني من العامة ، واحتمله الشهيد في الدروس إلا مع طول المفارقة فيبطل حقه لاستناد الضرر إليه.

وعن العلامة في التذكرة بقاء حقه إلى الليل للمرسل السابق وعن غير واحد من الأصحاب بطلان حقه إذ لا سبب للاختصاص بعد مفارقته ، وذيل المرسل لا جابر له ، ثم قالوا على التفصيل هذا كله في المستوطن وأما الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق فلا إشكال في بطلان حقه إذا فارق المكان ، بل هذا خارج بنية المفارقة فلا يدخل في قسم ناوي العود ، ولا يفتقر إلى استثناء.

(١) بقي رحله أم لا ، ودخل الليل أم لا ، وطال زمن المفارقة أم لا.

(٢) أي حقه.

(٣) بكون الجالس.

(٤) في المكان.

(٥) أي زال الكون بسبب المفارقة فيزول الحق.

(٦) وصلية.

(٧) من بقاء الحق ببقاء الرحل.

(٨) وإطلاقه بالنسبة إلى السوق والمسجد.

(٩) من بقاء الحق فيها ببقاء الرحل.

(١٠) مع عدم الرحل على الثاني ، ومطلقا على الأول.

(١١) عدم التضرر.

(١٢) بقاء الحق.

(١٣) أي أظهر مقاصد البائع.


مكانه ليقصده المعاملون. إلا مع طول زمان المفارقة (١) ، لاستناد الضرر حينئذ (٢) إليه.

وفي التذكرة قيد بقاء حقه مع الرحل ببقاء النهار. فلو دخل الليل سقط حقه محتجا بالخبر السابق حيث قال فيه (٣) : فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل.

ويشكل بأن الرواية تدل بإطلاقها على بقاء الحق إلى الليل ، سواء كان له رحل أم لا (٤).

والوجه بقاء حقه مع بقاء رحله ما لم يطل الزمان ، أو يضر بالمارة ولا فرق في ذلك (٥) بين الزائد عن مقدار الطريق شرعا ، وما دونه (٦) ، إلا أن يجوز إحياء الزائد فيجوز الجلوس فيه (٧) مطلقا.

وحيث يجوز له الجلوس (٨) يجور التظليل عليه بما لا يضر بالمارة (٩) ، دون التسقيف ، وبناء دكة ، وغيرها (١٠) ، إلا على الوجه المرخص في الطريق مطلقا (١١) وقد تقدم (١٢). وكذا الحكم (١٣) في مقاعد الأسواق المباحة ، ولم يذكرها (١٤)

______________________________________________________

(١) فيبطل حقه وإن تفرق معاملوه ، لاستناد الضرر إليه.

(٢) حين طول زمان المفارقة.

(٣) أي حيث قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخبر.

(٤) مع أن العلامة قيّد بقاء الحق ببقاء الرحل ، هذا وقد عرفت عدم الجابر لهذا الذيل.

(٥) في بقاء حقه ببقاء رحله مع عدم طول زمان المفارقة وعدم ضرر المارة.

(٦) أي دون الزائد بأن كان الجلوس للبيع في الطريق ، وفي هذا تعريض بمن قال بحرمة الجلوس للبيع في الطريق مطلقا وقد عرفت ما فيه سابقا.

(٧) في الزائد المحيا ويكون ملكه بالإحياء فيجوز الجلوس فيه سواء أضرّ بالمارة أم لا.

(٨) أي الجلوس في الطريق للبيع ونحوه.

(٩) كما نص عليه غير واحد كما في الجواهر.

(١٠) لأنه مانع من الاستطراق الذي هو المنفعة الأهلية من الطريق.

(١١) فالوجه المرخص ما لا يمنع الاستطراق ، والإطلاق لمن أراد الجلوس وغيره.

(١٢) في أول بحث الطرق.

(١٣) أي ما قيل في الطريق من جواز الجلوس فيه للبيع ونحوه مما لا يضرّ بالمارة يجري في مقاعد الأسواق وهي الأماكن المعدة في الأسواق للاستراحة ، فيجوز الجلوس فيها للبيع ونحوه على التفصيل المتقدم.

(١٤) أي مقاعد الأسواق.


المصنف هنا ، وصرح في الدروس بإلحاقها (١) بما ذكر في حكم الطريق.

(ومنها (٢) المياه المباحة (٣) كمياه العيون في المباح (٤) ، والآبار المباحة ، الغيوث (٥) ، والأنهار الكبار كالفرات ، ودجلة ، والنيل ، والصغار التي لم يجرها مجر بنية التملك. فإن الناس فيها شرع(فمن سبق إلى اغتراف شي‌ء منها فهو أولى به ، ويملكه مع نية التملك (٦) لأن المباح لا يملك إلا بالاحراز والنية ، ومقتضى

______________________________________________________

(١) أي بإلحاق مقاعد الأسواق.

(٢) ومن المشتركات.

(٣) الماء أصله الإباحة بلا خلاف فيه للنبوي (الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلاء) (١) ، وخبر محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه‌السلام (وسألته عن ماء الوادي فقال : إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء) (٢) ولكن قد يعرض له الملك بالإحراز في آنية ونحوه بلا خلاف فيه ، بل لعله ضروري كما في الجواهر ، وعن بعض العامة عدم الملك للماء ، بدعوى أن الحيازة سبب في ملك المباحات لا المشتركات ، والخبران السابقان دالّان على اشتراك الناس أو المسلمين في الماء فلا يملك بالحيازة.

وفيه : أنه ليس المراد بالشركة معناها المعروف من كون الماء ملكا للجميع والإلزام عدم جواز التصرف فيه إلا بإذن الجميع وهو بديهي البطلان ، بل المراد من الشركة هو الانتفاع به فهو من المباحات والناس فيه شرع سواء فيشمله النبوي (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٣).

وتملك الماء إما بالحيازة كما لو أحرز شيئا من الماء بآنية مع قصد التملك فهو لمحرزه يجوز له التصرف بأنواع التصرفات من حبس وبيع وغيرهما ولا يجب عليه بذل الفاضل منه عن حاجته من هذا الماء بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، وإما بأسباب أخرى سيأتي البحث فيها.

(٤) الذي لم يعرض له وجه مملّك.

(٥) أي الأمطار.

(٦) الحيازة مع نية التملك سبب للملك في المباح ، أما الحيازة فلما تقدم من النبوي (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٤) ، وأما نية التملك فلأنه بدونها يكون بالحيازة عابثا ، والعبث مما لا أثر له في مقاصد العقلاء.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١.

(٣ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٤.


العبارة (١) أن الأولوية تحصل بدون نية التملك ، بخلاف الملك (٢) ، تنزيلا (٣) للفعل (٤) قبل النية منزلة التحجير ، وهو (٥) يشكل هنا (٦) بأنه إن نوى بالاحراز الملك فقد حصل الشرط (٧) ، وإلا (٨) كان كالعابث لا يستفيد أولوية.

(ومن أجرى منها) أي من المياه المباحة(نهرا (٩) بنية التملك(ملك الماء المجرى فيه) على أصح القولين ، وحكي عن الشيخ إفادته (١٠) الأولوية خاصة استنادا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الناس شركاء في ثلاث : النار ، والماء ، والكلاء ، وهو (١١) محمول على المباح منه (١٢) دون المملوك (١٣) اجماعا.

______________________________________________________

(١) أي عبارة الماتن.

(٢) فإنه لا يحصل إلا بنية التملك.

(٣) تعليل لحصول الأولوية بالسبق من دون نية التملك.

(٤) من السبق والحيازة.

(٥) أي الإحراز الموجب للأولوية.

(٦) في المباح بخلاف الإحياء فإنه موجب للملك بدون القصد ، والشروع فيه موجب للتحجير.

(٧) أي شرط الملك وهو نية التملك.

(٨) أي وإن لم ينو بالإحراز الملك.

(٩) إذا حفر نهرا في مباح أو ملك وأوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء فلا خلاف في أولوية الحافر بالماء المذكور ، وأنه ليس لأحد مزاحمته فيه للسقي ولا في غيره ، ولا في ملكيته لنفس المجرى بمعنى جواز البيع والمعارضة عليه ، وإنما الخلاف تملكه الماء الذي يدخل فيه فالمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين أنه يملك الماء بهذا الحفر مع قصد نية التملك.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم ملك الماء بذلك ، لأنه ماء مباح دخل في ملكه فيبقى على أصل الإباحة ، وللنبوي (الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلاء) (١) ، نعم الحافر له أولوية به.

(١٠) أي إفادة حفر المجرى مع إيصاله إلى النهر المباح.

(١١) أي النبوي المذكور.

(١٢) من الماء.

(١٣) أي دون ما إذا عرض له سبب مملك كما هو في مفروض مسألتنا.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٢.


(ومن أجرى عينا) بأن أخرجها من الأرض وأجراها على وجهها(فكذلك) يملكها مع نية التملك (١) ، ولا يصح لغيره أخذ شي‌ء من مائها إلا بإذنه ، ولو كان المجري جماعة ملكوه على نسبة عملهم (٢) ، لا على نسبة خرجهم ، إلا أن يكون الخرج تابعا للعمل. وجوّز في الدروس الوضوء ، والغسل ، وتطهير الثوب

______________________________________________________

(١) من حفر بئرا أو عينا بنية التملك فإنه يختص بالبئر أو العين كالمحجّر وإن وصل إلى الماء فقد ملك الماء والبئر لعموم (من سبق) بلا خلاف فيه ، ولكن الشيخ في المبسوط أوجب على المالك بذل الفاضل عن حاجته إلى غيره بغير عوض ، إذا احتاج الغير إليه لشربه أو شرب ماشيته لا لسقي الزرع والشجر ، نعم حاجة المالك قدرها بشربه وشرب ماشيته وزرعه ، لخبر جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه نهى عن بيع فضل الماء) (١) ، وللنبوي الآخر (من منع فضل الماء ليمنع به الكلاء منعه الله فضل رحمته) (٢).

وهي أخبار عامية لا جابر لها وهي أعم من المدعى ، وظاهرها النهي عن منع فضل مائه مطلقا حتى لو كان لزرع الغير وهو لا يقول به ، نعم هي ظاهرة في إرادة الماء المباح الذي لم يعرض له وجه مملّك كمياه الأنهار العامة والأمطار ومياه العيون والآبار المباحة ، فإن الناس في هذه شرع سواء حتى لو دخل منها شي‌ء في أملاك الناس لم يملكوه إلا بنية الحيازة على تفصيل قد تقدم ، ومما تقدم تعرف أن الماء أصله مباح ويملكها بالحيازة أو بحفر البئر أو العين في ملكه أو المباح ، ويملك أيضا بما إذا أجرى من المياه المباحة نهرا بحيث حفر مجرى أوصله إلى الماء المباح فدخل فيه ، وهذه هي أسباب تملك الماء.

(٢) لو كان الحافر أو المجري واحدا فلا بحث وأما إذا كان جماعة فإن وسعهم على وجه لا يقع بينهم تعاسر أو لم يسعهم ولكن تراضوا على المهاياة وقسمة مائه بحسب الزمن فلا بحث ، وإن تعاسروا قسّم بينهم بالأجزاء بأن توضع خشبة صلبة أو صخرة فيها ثقوب متساوية على قدر حقوقهم في صدر الماء هذا إذا كانوا متساويين في العمل وإلا فلكل بحسب عمله ، لأن الحيازة تابعة للعمل.

وعن الشيخ في المبسوط أنه مع التعاسر يقسّم بينهم على سعة الضياع التي هي لهم لا على قدر عملهم ولا نفقاتهم ، لعدم ملكهم الماء وإنما هم أحق به لأجل ملكهم ، فلو كان لبعضهم مائة جريب وللآخر ألف جعل للأول عشر ما للثاني ، وفيه أن الماء مملوك بالعمل لا بحسب سعة الضياع فالتقسيم تابع للعمل.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٥.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ٥١٨ رقم الحديث : ٣٩٧٥.


منه (١) عملا بشاهد الحال (٢) ، إلا مع النهي (٣) ولا يجوز ذلك (٤) من المحرز في الإناء (٥) ، ولا مما يظن الكراهية فيه (٦) مطلقا (٧).

ولو لم ينته الحفر في النهر ، والعين إلى الماء بحيث (٨) يجري فيه فهو تحجير يفيد الأولوية كما مر (٩).

(وكذا) يملك الماء(من احتقن (١٠) شيئا من مياه الغيث ، أو السيل) لتحقق الاحراز مع نية التملك كإجراء النهر (١١).

ومثله (١٢) ما لو أجرى ماء الغيث في ساقية (١٣) ، ونحوها (١٤) إلى مكان بنية التملك ، سواء أحرزها (١٥) فيه (١٦) أم لا (١٧) ، حتى لو أحرزها في ملك الغير وإن

______________________________________________________

(١) من الماء المملوك بالحفر مع قصد التملك.

(٢) فيشمل صورة الشك في الاذن.

(٣) ومعه لا معنى لشاهد الحال.

(٤) من الوضوء والغسل وتطهير الثوب منه.

(٥) لعدم شاهد الحال فيه.

(٦) أي مما يظن كراهية استعماله فلا يجوز الوضوء ونحوه منه إذ لا معنى لشاهد الحال مع الكراهة كما أنه لا معنى له مع النهي.

(٧) سواء محرزا في الإناء أم في النهر أم في غيرهما.

(٨) قيد للحفر المنفي وليس للنفي كما هو واضح.

(٩) وقد مرّ في إحياء الموات ، والحفر إحياء للعين أو البئر فالشروع فيه يفيد تحجيرا موجبا للأولوية.

(١٠) أي حبسه.

(١١) أي كمسألة من حفر نهرا في مباح وأوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء ، فإنه يملك الماء لتحقق الإحراز مع نية التملك ، بل كل من الحفر والاحتقان آلة لتحصيل الماء المباح كالشبكة التي هي آلة لحيازة السمك من البحر.

(١٢) أي ومثل الاحتقان.

(١٣) وهي النهر الصغير.

(١٤) نحو الساقية كالقناة والترعة بحيث أجرى ماء الغيث في هذه المذكورات إلى مكان.

(١٥) أي المياه.

(١٦) في المكان الذي أجرى الماء إليه.

(١٧) لتحقق الإحراز بالجريان فلا داعي لإحرازها في المكان المذكور.


كان غاصبا للمحرز فيه ، إلا إذا أجراها (١) ابتداء في ملك الغير فإنه (٢) لا يفيد ملكا مع احتماله (٣) ، كما لو أحرزها في الآنية المغصوبة بنية التملك.

(ومن حفر بئرا (٤) ملك الماء) الذي يحصل فيه(بوصوله إليه) أي إلى الماء إذا قصد التملك(ولو قصد الانتفاع بالماء والمفارقة (٥) فهو أولى به ما دام نازلا عليه) فإذا فارقه بطل حقه ، فلو عاد بعد المفارقة ساوى غيره على الأقوى (٦) ، ولو تجرد عن قصد التملك والانتفاع فمقتضى القواعد السابقة (٧) عدم الملك والأولوية معا كالعابث.

(ومنها (٨) ـ المعادن (٩) وهي قسمان : ظاهرة وهي التي لا يحتاج تحصيلها

______________________________________________________

(١) أي الغيوث.

(٢) أي الجريان في ملك الغير لا يفيد ملكا ، للنهي عن التصرف في مال الغير ، فلا يفيد هذا التصرف المنهي عنه ملكا ، وفيه أن النهي في المعاملات غير مفسد بعد كون الملك متوقفا على الحيازة مع نية التملك ، والحيازة ، صادقة في هذا التصرف المنهي عنه.

(٣) أي احتمال الملك.

(٤) مثله ما لو حفر عينا ، وقد تقدم البحث فيه هناك.

(٥) لو حفر بئرا أو عينا لا بقصد التملك وإنما بقصد الانتفاع بها ما دام في ذلك المكان فهو أحق بها مدة مقامه عليها كما صرح به الشيخ وابن إدريس والعلامة والشهيدان والكركي معللين بأنه لا ينقص عن التحجير بعد انتفاء الملك لعدم القصد ، وعليه فلو فارق مفارقة إعراض ثم عاد ساوى غيره فمن يسبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها بلا خلاف بين من تعرض له ولا إشكال كما في الجواهر بناء على سقوط حقه بالإعراض نعم قيل ما قبل المفارقة يجب عليه بذل الفاضل من حاجته ولم يعرف القائل كما اعترف في الجواهر بذلك نعم في التذكرة قال : فالأقوى اختصاصه به ، وفي الشرائع نسبه إلى القيل ، وهو ضعيف إذ مقتضى تعلق حقه عدم وجوب بذل فاضله كالمملوك.

(٦) قال في الجواهر : (بلا خلاف بين من تعرض له ولا إشكال).

(٧) السابقة في حصول الملك وحصول الأولوية.

(٨) من المشتركات.

(٩) المعادن على قسمين : ظاهرة وباطنة ، أما الظاهرة فهي التي لا تفتقر إلى إظهار ، بمعنى عدم احتياج الوصول إليها إلى مئونة كالملح والنفط والقارّ والكبريت والمومياء والبرام والكحل وغيرها مما هي ظاهرة بلا عمل ، وإنما السعي والعمل لأخذه ، فالظاهرة لا تملك بالإحياء لعدم تصور الإحياء بالحفر ونحوه بعد فرض ظهوره.


إلى طلب كالياقوت ، والبرام (١) والقير ، والنفط ، والملح ، والكبريت ، وأحجار الرّحا ، وطين الغسل ، وباطنة وهي المتوقف ظهورها على العمل كالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور ، والفيروزج(فالظاهرة لا تملك بالإحياء) لأن إحياء المعدن إظهاره بالعمل ، وهو (٢) غير متصور في المعادن الظاهرة لظهورها ، بل بالتحجير أيضا (٣) ، لأنه (٤) الشروع بالإحياء ، وإدارة الحائط إحياء للأرض على وجه لا مطلقا (٥) ، بل الناس فيها (٦) شرع ، الإمام وغيره.

(ولا يجوز أن يقطعها السلطان العادل (٧) لأحد على الأشهر (٨) ، لاشتراك

______________________________________________________

(١) بكسر الباء وهو الحجر الذي يعمل منه القدر.

(٢) أي الإحياء.

(٣) أي ولا يختص بالمعادن الظاهرة من حجّر عليها ، لأن التحجير شروع في الأحياء والإحياء منتف هنا فينتفي التحجير أيضا.

(٤) أي التحجير.

(٥) بحيث يشمل المعادن.

(٦) في المعاون الظاهرة.

(٧) وهو المعصوم عليه‌السلام.

(٨) الاقتطاع أن يقتطع الإمام عليه‌السلام شيئا منها لأحد بخصوصه ، وقد تقدم جواز إقطاع المعصوم من الأرض الموات ، لأنها ملكه فيجوز له التصرف فيها كيفما شاء ، وأما في المعادن الظاهرة والطرق ومقاعد الأسواق فلا يجوز إقطاع المعصوم لأحد منها شيئا ، لأنها ليست ملكه وإنما هي مما قد تعلق بها حق جميع الناس أو المسلمين.

ثم هذا مبني على كون المعادن الظاهرة من المباحات والناس فيها شرع ، وهو المشهور ، وعن المفيد وسلّار وحكي عن الكليني وشيخه علي بن إبراهيم وعن الشيخ أيضا بأن جميع المعادن الظاهرة والباطنة للإمام عليه‌السلام لخبر إسحاق بن عمار المروي في تفسير علي بن إبراهيم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأنفال فقال : هي التي خربت ـ إلى أن قال ـ والمعادن منها) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (سئل عن الأنفال فقال : منها المعادن والآجام) (٢).

وفيه ضعف السند مع عدم الجابر له فضلا عن السيرة المستمرة في سائر الأمصار ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس حديث ٢٠ و ٢٨.


الناس فيها (١).

وربما قيل : بالجواز نظرا إلى عموم ولايته (٢) ، ونظره.

(ومن سبق إليها فله أخذ حاجته (٣) أي أخذ ما شاء وإن زاد عما يحتاج إليه ، لثبوت الأحقية بالسبق ، سواء طال زمانه (٤) أم قصر.

(فإن توافيا عليها (٥) دفعة واحدة (٦) (وأمكن القسمة) بينهما(وجب قسمة)

______________________________________________________

ـ والأعصار في زمن تسلطهم وغيره على أخذ المعادن بدون إذنهم حتى من الأرض الموات ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه البعض كالشارح في الروضة والشهيد في الدروس من التفصيل بين المورث في الأرض الموات فهو للإمام وبين غيره فهو من المباحات ، وعلى كل فعلى القول الثاني بأن جميع المعادن للإمام عليه‌السلام يجوز أن يقطع شيئا منها لواحد بخصوصه ، بعد عموم ولايته المستفادة من قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١).

(١) في المعادن الظاهرة.

(٢) أي ولاية المعصوم.

(٣) بعد ما تقدم عدم تصوّر الإحياء في المعادن الظاهرة وأنها من المباحات التي ينتفع بها كل الناس فمن سبق إليها وأخذ شيئا بقصد نية التملك فهو له ، لعموم النبوي (من سبق إلى من لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٢) ، وأما نية التملك فقد تقدم الدليل عليها ، هذا وإطلاق الأحقية الناشئة من السبق يقتضي أخذ ما حازه وإن كان أزيد من حاجته.

(٤) أي زمان السبق.

(٥) على المعادن الظاهرة بحيث تسابق اثنان فالسابق أولى بلا خلاف ولا إشكال لعموم (من سبق) المتقدم ، ولكن وقع البحث في أن السابق يأخذ بقدر حاجته وإن زاد على ما يعتاد لمثله كما عن الفاضل والشهيدين والكركي وهو المحكي عن المبسوط أو أنه يأخذ ما يعتاد لمثله وهو المحكي عن البعض كما في الجواهر ، وضعف الثاني واضح بعد إطلاق الأحقية الناشئة من السبق ، نعم لو أخذ بقدر بغيته فهل يجوز أخذ الزائد عن البغية والحاجة لتحقق الأولوية بالسبق ، أو لا يجوز لعكوف غيره المفيد للأولوية في الجملة ، والأصح أنه يجوز أخذ الزائد عن الحاجة ما لم يصل الأمر إلى حدّ المضارّة بالغير المسبوق.

(٦) بحيث لم يسبق أحدهما الآخر فإن أمكن أن يأخذ كل منهما حاجته دفعة أو تدريجا ـ

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٦.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٤.


(الحاصل) بينهما ، لتساويهما في سبب الاستحقاق ، وإمكان الجمع بينهما فيه (١) بالقسمة ، وإن (٢) لم يمكن الجمع بينهما للأخذ (٣) من مكان واحد.

هذا (٤) إذا لم يزد المعدن عن مطلوبهما ، وإلا (٥) أشكل القول بالقسمة لعدم اختصاصهما به (٦) حينئذ (٧) ، (وإلا) يمكن القسمة بينهما لقلة المطلوب (٨) ، أو لعدم قبوله لها (٩) (أقرع) ، لاستوائهما في الأولوية وعدم إمكان الاشتراك ، واستحالة الترجيح فأشكل المستحق فعيّن بالقرعة ، لأنها (١٠) لكل أمر مشكل أخرجته القرعة أخذه أجمع ، ولو (١١) زاد عن حاجتهما ولم يمكن أخذهما دفعة

______________________________________________________

ـ برضاهما فلا بحث ، وإن لم يمكن الجمع أقرع بينهما لاستوائهما في الأولوية مع عدم إمكان الاشتراك واستحالة الترجيح فأشكل المستحق ، والقرعة لكل أمر مشكل ، وعليه فمن أخرجته القرعة ، قدّم ويأخذ حاجته.

وقيل كما في الشرائع والتذكرة أنه ينصب الحاكم من يقسّمه بينهما لاستوائهما في الاستحقاق مع انتفاء المرجح لأحدهما بالتقديم واستحسنه المحقق في الشرائع وغيره ، وقيّده الشارح والماتن في المسالك والدروس بقبول المعدن للقسمة وإلا فمع العدم فالقرعة أحسن.

(١) في الحاصل.

(٢) وصلية.

(٣) تعليل لعدم إمكان الجمع بينهما من ناحية ضيق المكان ، ومع ذلك فالقسمة لأن الحاصل قابل للقسمة بينهما مع إيفاء غرض كل منهما بالمقسوم.

(٤) أي الحكم بالقسمة بينهما.

(٥) فإن زاد.

(٦) أي لعدم اختصاص المتوافيين بالمعدن.

(٧) أي حين زيادته عن مطلوبهما ، ولا وجه للإشكال لأن المدار على تقسيم الحاصل لا تقسيم جميع المعدن.

(٨) أي لقلة الحاصل من المعدن فلا يفي بغرضهما ، والتفريق بين المعدن الذي يفي بالغرض وغيره مما ستأتي له تتمة فانتظر.

(٩) أو لعدم قبول الحاصل للقسمة.

(١٠) أي القرعة.

(١١) شرطية.


لضيق المكان (١) فالقرعة أيضا (٢) وإن أمكن القسمة. وفائدتها (٣) تقديم من أخرجته في أخذ حاجته (٤).

ومثله (٥) ما لو ازدحم اثنان على نهر ، ونحوه (٦) ولم يمكن الجمع (٧) ، ولو تغلب أحدهما على الآخر (٨) أثم وملك هنا (٩) ، بخلاف تغلبه على أولوية التحجير (١٠) ، والماء الذي لا يفي بغرضهما (١١). والفرق : إن الملك (١٢) مع

______________________________________________________

(١) فالسبب لعدم الجمع عرضي من ناحية ضيق مكان الأخذ وليس من ناحية قلة المطلوب أو عدم إمكان قسمته.

(٢) لأن تقديم أحدهما على الآخر في الأخذ مشكل بعد عدم ترجيح أحدهما على الآخر واستوائها في أصل التقديم.

(٣) أي القرعة هنا.

(٤) في أخذ حاجته أولا.

(٥) ومثل الورود على المعدن دفعة واحدة مع ضيق المكان.

(٦) مع ضيق المكان أيضا.

(٧) أي الجمع بينهما في التقديم والورود.

(٨) من دون الرجوع إلى القرعة ، مع الزيادة عن حاجتهما.

(٩) في المباح الذي تعلق به حق الجميع ، لتحقق الحيازة الموجبة للملك وإن كان آثما في المقدمات.

(١٠) فلو حجّر على شي‌ء متغلبا على الآخر من دون الرجوع إلى القرعة ، فالغلبة لا تفيد الملك لأن الأولوية لهما ، فلو تغلّب فلا يفيد التحجير حقا لتعلق حق الغير به.

(١١) بناء على أن الماء الذي لا يفي بغرضهما موجب للأولوية لهما ، فلو تغلّب أحدهما على الآخر فيأثم ولا يملك لتعلق حق الآخر به ، بخلاف الصورة السابقة فلم يتعلق حقهما بالماء المعين فلو أخذه المتغلب قهرا ملكه بسبب الحيازة وإن كان آثما بسبب القهر وعدم الرجوع إلى القرعة. وفي هذا الفرع بتمامه إشكال وهو أن الملك تابع للحيازة فلو حاز المتغلب ملك وإن كان مأثوما في مقدمات الحيازة ومثله القول في التغلب على أولوية التحجير ، وأما التفريق بين قلة الماء وعدم إيفاء الغرض وكثرته وإيفاء الغرض مما لا يرجع إلى محصّل ولذا قال في الجواهر بعد ما عرض هذا القول من الشارح في الروضة الذي تابع فيه المحقق الثاني في جامعه وعرض غيره من الأقوال : (وبالجملة كل ذلك مجرد تهجس لا تطابق عليه الأدلة التي مقتضاها ما ذكرناه ـ إلى أن قال ـ بل المتجه أيضا ترتب الملك على الحيازة المزبورة لو قهر صاحبه فمنعه منها وإن كان ظالما) انتهى.

(١٢) أي زيادة الماء عن غرضهما.


الزيادة (١) لا يتحقق (٢) ، بخلاف ما لو لم يزد.

(و) المعادن(الباطنة (٣) تملك ببلوغ نيلها) وذلك (٤) هو احياؤها (٥) وما دونه تحجير ، ولو كانت (٦) على وجه الأرض (٧) ، أو مستورة بتراب يسير لا يصدق معه الإحياء عرفا لم يملك بغير الحيازة كالظاهرة (٨).

هذا (٩) كله إذا كان المعدن في أرض مباحة ، فلو كان في أرض مملوكة فهو بحكمها (١٠) ، وكذا لو أحيا أرضا مواتا فظهر معدن (١١) فإنه يملكه (١٢) وإن كان

______________________________________________________

(١) عند الورود دفعة ، بل يبقى الماء على إباحته فمن سبق إليه ملك وإن كان آثما في مقدمات السبق.

(٢) أي لم يزد الماء عن غرضهما فالأولوية لهما معا وقد تعلق حقهما فيه ، فحيازة المتغلب لا تفيد ملكا لتعلق حق الآخر به حينئذ.

(٣) المعادن الباطنة التي لا تظهر إلا بالعمل كمعادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحوها تملك بالإحياء الذي هو العمل حتى يبلغ نيلها ، بلا خلاف فيه بين من تعرض له كما في الجواهر سواء قلنا بأنها للإمام بناء على أن جميع المعادن له لأنها من الأنفال فهي تملك بالإحياء مع إذنه أم قلنا إنها للناس بمعنى إنها من المباحات فحيازتها حينئذ بالإحياء المذكور ، ومنه تعرف أنها إذا كانت من الأنفال فيكفي الإحياء من دون قصد التملك ، وإن كانت من المباح فتملك بالإحياء المحقّق للحيازة مع قصد التملك كما هو الشأن في ملكية كل مباح.

(٤) أي بلوغ النيل.

(٥) ولكن مع قصد التملك لأنها من المباحات ، ولذا قال في المسالك : (والأول منها يملك بالإحياء وهو الحفر والعمل فيه بقصد التملك إلى أن يبلغ نيله ، وقبل ظهوره يكون العمل تحجيرا يفيد أولوية لا ملكا كما لو حفر بئرا في الموات على قصد التملك فإنه إذا وصل إلى الماء ملكه وإلا فلا) انتهى.

(٦) أي المعادن الباطنة.

(٧) وكانت على وجه الأرض لسيل ونحوه.

(٨) أي كالمعادن الظاهرة فإنها تؤخذ بالحيازة مع قصد التملك.

(٩) أي حكم المعادن الباطنة من ملكها بإحيائها.

(١٠) أي فالمعدن بحكم الأرض المملوكة ، لأن المعدن جزء منها بلا خلاف فيه بيننا.

(١١) أي ظهر معدن باطن.

(١٢) تبعا للأرض بلا خلاف فيه ، لأن المعدن جزء منها فيملك المعدن بإحياء الأرض كما يملك جميع أجزائها به ، بلا فرق بين أن يعلم به حين إحيائها أو لا.


ظاهرا (١) ، إلا أن يكون ظهوره سابقا على إحيائه (٢).

وحيث يملك المعدن يملك حريمه (٣) ، وهو منتهى عروقه عادة ، ومطرح ترابه ، وطريقه ، وما يتوقف عليه عمله (٤) إن عمله عنده (٥) ، ولو كان المعدن في الأرض المختصة بالإمام عليه‌السلام فهو له تبعا لها (٦) ، والناس في غيره (٧) شرع على الأقوى. وقد تقدم الكلام في باب الخمس.

______________________________________________________

(١) فكذلك يملكه تبعا لملكية الأرض.

(٢) فإنه لا يملكه إلا بالحيازة ، وفيه أن التفريق بين الظاهر والباطن مشكل ، بعد كون كل منهما جزءا من الأرض ، فإذا ملك الباطن بالتبعية فيملك الظاهر أيضا بها.

(٣) قد تقدم سابقا في إحياء الموات أنه لا يصح إحياء مرافق العامر وحريمه التي يرجع فيها إلى العرف المختلف باختلاف الأحوال والأمكنة ، فلذا صرح هنا غير واحد من الأصحاب بأنه إذا أحيا المعدن فهو له مع مرافقه وحريمه التي لا بد منها بحسب الحاجة ، وفسرت المرافق والحريم بأن منتهى عروقه ومطرح ترابه وطريقه وما يتوقف عليه عمله.

(٤) أي عمل المعدن.

(٥) عند المعدن.

(٦) أي للأرض سواء كان ظاهرا أم باطنا وقد تقدم البحث فيه.

(٧) أي غير المعدن الذي في أرض الإمام ، سواء كان ظاهرا أم باطنا وذلك في الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، وأما في المملوكة فهو تابع للأرض بالملكية ، يبقى إشكال عليه وهو أنه إذا كان المعدن تابع للأرض الموات وهو للإمام عليه‌السلام فكيف حكم سابقا بكونه لمن أحيا ويندفع الإشكال أن المعدن للإمام ما دامت الأرض مواتا أما إذا أحياها محيّي فتخرج عنه كونها ملكا له عليه‌السلام وتصير ملكا لمن أحياها فيملك حينئذ ما ظهر فيها من المعادن وما بطن على تقدير ظهوره ، وأما ما بطن ولم يظهر فهو باق على ملك الإمام يملكه من أحياه بالحفر فافهم.


كتاب الصيد والذباحة



(كتاب الصيد والذباحة (١)

وفيه فصول ثلاثة)

(الأول ـ في آلة الصيد يجوز الاصطياد (٢) ...

______________________________________________________

(١) خصّ الكتاب بالصيد والذباحة لأن الحيوان المأكول يصير مذكى بطريقين :

الأول : الذبح والنحر وذلك في الحيوان المقدور عليه.

والثاني : القتل المزهق للروح في أي موضع كان من جسم الحيوان ، وذلك في الحيوان غير المقدور عليه ، والقتل في القسم الثاني إنما يتم بآلة الاصطياد التي هي حيوانية أو جمادية ، فالأولى الكلب المعلّم والثانية كالسهم والسيف والرمح. نعم لم يذكر النحر تغليبا للذبح عليه.

(٢) الاصطياد يطلق على معنيين :

المعنى الأول : إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة ، وإثبات اليد عليه رافع لامتناعه وإنما يتم إثبات اليد بآلة الاصطياد مهما كانت الآلة حيوانية أو جمادية من دون تخصيص بفرد أو جنس أو صنف ، إن بقي بعد ذلك على الحياة وأمكن تذكيته بالذبح ، وهذا المعنى الأول للصيد جائز بالاتفاق بكل آلة يتوصل بها من كلب أو سبع أو جارح أو سيف أو رمح أو سهم ، قال تعالى : (وَإِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا) (١) ، وقال تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّٰارَةِ ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) (٢).

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٢.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٩٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ المعنى الثاني : عقر الحيوان الممتنع بالأصالة بحيث يكون عقره مزهقا لروحه ، ويكون بآلة الصيد الحيوانية أو الجمادية ، وهذا المعنى للصيد جائز بالاتفاق ، قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ ، وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) وللأخبار المتواترة وسيأتي التعرض لبعضها.

نعم الصيد بالمعنى الثاني يتحقق بالكلب المعلّم بالاتفاق ، واختلفوا في غيره من جوارح الطير والسباع فالمشهور على عدم وقوع الصيد بها ، لقوله تعالى : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٢) فإن الجوارح عامة تشمل غير الكلب إلا أن «مكلّبين» حال من الضمير في «علّمتم» ، وهو المخصّص للجوارح بالكلاب ، فإن المكلّب هو مؤدّب الكلاب ، فضلا عن الأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، قال : هي الكلاب) (٣) ، وخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن صيد البزاة والصقورة والكلب والفهد ، قال : لا تأكل صيد شي‌ء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلّب ، قلت : فإن قتله؟ قال : كل ، لأن الله عزوجل يقول : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ) (٤) ، ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن سيف بن عميرة مثله وزاد بقوله : (كل شي‌ء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلّمة فإنها تمسك على صاحبها ، وقال : إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته) ٥ ، وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وأما خلاف الكلب مما تصيد الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته ، لأن الله عزوجل قال : مكلبين ، فما كان خلاف الكلب فليس صيده بالذي يؤكل إلا أن تدرك ذكاته) (٦) ومثلها غيرها.

وعن ابن أبي عقيل حلّ صيد ما أشبه الكلب من الفهد والنمر وغيرهما ، لعموم قوله ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ١ و ٣ و ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ تعالى : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) (١) ، ولصحيح البزنطي (سأل زكريا بن آدم أبا الحسن عليه‌السلام وصفوان حاضر عما قتل الكلب والفهد فقال : قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : الفهد والكلب سواء قدرا) (٢) ، وخبز زكريا بن آدم (سألت أبا الحسن الرضا عن الكلب والفهد يرسلان فيقتل قال : هما مما قال الله : مكلبين ، فلا بأس بأكله) (٣) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد أن تسمّى فكل ما أمسك عليك ، قتل أو لم يقتل ، أكل أو لم يأكل ، وإن أدركت صيده فكان في يدك حيا فذكه فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل) (٤).

وحملت على التقية لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام كان أبي عليه‌السلام يفتي وكان يتقي ونحن نخاف في صيد البزاة والصقورة ، وأما الآن فإنا لا نخاف ولا يحلّ صيدها إلا أن تدرك ذكاته ، فإنه في كتاب علي عليه‌السلام : إن الله عزوجل قال : (وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، في الكلاب (٥) ، وخبر أبان بن تغلب (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم ، وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل) (٦) ومنه تعرف ضعف ما قاله الشارح في المسالك عن الشيخ (واختلف تأويل الشيخ لهذه الأخبار فتارة خصّها بموردها وجوّز صيد الفهد كالكلب محتجا بأن الفهد يسمى كلبا في اللغة ، وتارة حملها على التقية ، وثالثة على حال الضرورة ، ولا يخفى ضعف هذه التأويلات الثلاثة) انتهى.

ثم لا فرق في الكلاب بين السلوقي وغيره والأسود وغيره على المشهور لعموم الأدلة المتقدمة ، وعن ابن الجنيد حرّم صيد الكلب الأسود البهيم لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتله) (٧) ، وهو محمول على الكراهة لضعفه عن معارضة عموم الكتاب والسنة واتفاق الأصحاب على حل صيد الكلب مطلقا ، هذا كله في الآلة الحيوانية وأما الآلة الجمادية فسيأتي البحث فيها.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٥ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٣.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٣ و ١٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢.


بمعنى (١) إثبات الصيد (٢) وتحصيله(بجميع آلاته (٣) التي يمكن تحصيله (٤) بها (٥) من السيف ، والرمح ، والسهم ، والكلب ، والفهد ، والبازي ، والصقر والعقاب والباشق والشرك (٦) ، والحبالة (٧) ، والشبكة (٨) ، والفخ (٩) والبندق (١٠) ، وغيرها(و) لكن(لا يؤكل منها) أي من الحيوانات المصيدة المدلول عليها (١١) بالاصطياد(ما لم يذكّ) بالذبح بعد إدراكه حيا(فلو أدركه) بعد رميه(ميتا) ، أو مات قبل تذكيته لم يحل(إلا ما قتله (١٢) الكلب المعلّم) دون غيره (١٣) على أظهر الأقوال (١٤) ، والأخبار.

ويثبت تعليم الكلب بكونه (١٥) (بحيث يسترسل) أي ينطلق(إذا أرسل)

______________________________________________________

(١) أي المعنى الأول للاصطياد ، وقد تقدم.

(٢) المراد بالصيد هنا المصيد ، والمعنى إثبات المصيد بوضع اليد عليه.

(٣) أي آلات الاصطياد.

(٤) أي تحصيل المصيد.

(٥) بآلات الاصطياد.

(٦) بالتحريك حبائل الصيد وما ينصب للطير.

(٧) بضم الحاء التي يصاد بها كما في الصحاح.

(٨) تطلق في عرفنا على ما يصاد بها السمك.

(٩) المصيدة والجمع فخاخ كما في القاموس.

(١٠) يعمل من حجر أو طين ويرمى به للصيد.

(١١) على الحيوانات المصيدة حيث لم تذكر سابقا ، وإنما ذكر المصدر.

(١٢) إشارة إلى القسم الثاني من الاصطياد ، وقد تقدم معناه.

(١٣) من جوارح الطير والسباع.

(١٤) في قبال قول ابن أبي عقيل حيث جوّز الصيد بجوارح الطير والسباع مطلقا ، وفي قبال قول الشيخ حيث جوّز صيدها في حال الضرورة.

(١٥) بكون الكلب ، هذا واعلم أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه يشترط في الكلب لإباحة ما يقتله أن يكون معلّما ، وقد تقدم الدليل عليه ، ولكن اعتبروا في صيرورة الكلب معلّما ثلاثة أمور حتى يتحقق الصدق العرفي للتعليم : الأمر الأول : أن يسترسل بإرسال صاحبه وإشارته ، والمعنى أنه إذا أغراه بالصيد هاج عليه ، الأمر الثاني : أن ينزجر بزجره ، هكذا أطلق الأكثر ، إلا أن العلامة في التحرير والشهيد في الدروس والشارح في المسالك قيّدوا الانزجار بما إذا لم يكن بعد إرساله للصيد ، لأنه لا يكاد ينزجر بعد الإرسال. ـ


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الأمر الثالث : أن لا يأكل مما يمسكه ، وفي هذا الأمر الثالث اعتبار وضعين ، أحدهما أنه يحفظه ولا يخلّيه ، والثاني أن لا يأكل منه على وجه الاعتياد ، فإن أكل منه نادرا لم يقدح في إباحة ما يقتله وفي كونه معلّما وإن أكل منه ثلثه أو نصفه على المشهور بين الأصحاب للأخبار :

منها : صحيح ابن مسلم وغير واحد عنهما عليه‌السلام (أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي قالا : إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه ، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي ، ولا ترون ما يرون في الكلب) (١) ، وخبر سالم الأشل (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب يمسك على صيده ويأكل منه؟ فقال : لا بأس بما يأكل هو لك حلال) (٢) وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه قال في صيد الكلب : إن أرسله الرجل وسمّى فليأكل مما أمسك عليه وإن قتل ، وإن أكل فكل ما بقي) (٣) ومثلها غيرها كثير.

وفي قبالها أخبار تدل على عدم جواز الأكل منه لو أكل المعلّم من صيده.

منها : صحيح رفاعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب يقتل فقال : كل ، قلت : إن أكل منه؟ قال : إذا أكل منه فلم يمسك عليك وإنما أمسك على نفسه) (٤) ، وموثق سماعة (سألته عما أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد ـ إلى أن قال ـ قال : لا بأس أن تأكلوا مما أمسكها الكلب مما لم يأكل الكلب منه ، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه) (٥) ومثله غيره.

وقد حملت على ما لو كان معتادا للأكل فلا يحلّ صيده بخلاف من يأكل نادرا وعليه تحمل الطائفة الأولى.

وعن الصدوقين وابن أبي عقيل حل صيد الكلب أكل منه أم لم يأكل ، وحمل العلامة في المختلف كلامهم على ما لو كان معتادا أو غيره ، وعلى هذا الحمل فضعف القول ظاهر للجمع بين الأخبار كما تقدم ، نعم في الدروس احتمال تنزيل كلامهم على الندرة وحينئذ فيرتفع الخلاف في أصل المسألة.

إذا تقرر ذلك فالأمور الثلاثة المعتبرة في التعليم لا بدّ أن تتكرر مرة بعد أخرى حتى يصدق صفة المعلّم على الكلب عرفا ولذا لم يقدّر أكثر الأصحاب عدد المرات ، لأن المعتبر على العرف في ذلك وطباع الكلاب مختلفة ، واكتفى أبو يوسف وغيره من العامة ثلاث مرات ، وبعضهم مرتين ، والأقوى الرجوع إلى العرف ، وكما يعتبر التكرار في ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ و ٣ و ٧.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ١٧ و ١٦.


(وينزجر) ويقف عن الاسترسال(إذا زجر) عنه ، (ولا يعتاد أكل ما يمسكه) من الصيد ، (ويتحقق ذلك الوصف) وهو الاسترسال والانزجار ، وعدم الأكل(بالتكرار على هذه الصفات) الثلاث مرارا (١) يصدق بها (٢) التعليم عليه عرفا. فإذا تحقق كونا معلما حلّ مقتوله ، وإن خلا عن الأوصاف (٣) إلى أن يتكرر فقدها على وجه يصدق عليه زوال التعليم عرفا ، ثم يحرم مقتوله ، ولا يعود (٤) إلى أن يتكرر اتصافه بها (٥) كذلك (٦) وهكذا.

(ولو أكل نادرا ، أو لم يسترسل نادرا لم يقدح) في تحقق التعليم عرفا ، ولا في زواله (٧) بعد حصوله (٨). كما لا يقدح حصول الأوصاف له نادرا (٩) ، وكذا لا يقدح (١٠) شربه الدم.

(ويجب) مع ذلك (١١) بمعنى الاشتراط (١٢) أمور (١٣): (التسمية) لله تعالى من

______________________________________________________

ـ حصول التعليم عرفا فكذا لا بد من فقد الشروط الثلاثة أو بعضها مرات حتى يحصل الزوال عرفا.

هذا من جهة ومن جهة أخرى لما كان اعتياد الأكل مضرا بالتعليم فلا يضر شربه للدم ، لأنه غير مقصود للصائد.

(١) قيد للتكرار من غير تقييده بعدد معين.

(٢) بالصفات الثلاث.

(٣) الثلاثة.

(٤) صدق التعليم عليه.

(٥) بالصفات الثلاث.

(٦) أي التكرار بحيث يصدق عليه التعليم عرفا.

(٧) أي زوال التعليم.

(٨) حصول التعليم ، والمعنى لا يقدح في التعليم بعد صدقه لو أكل نادرا أو استرسل نادرا ، والأنسب لو قال : لم يقدح في تحقق التعليم عرفا ولا في استمراره بعد حصوله.

(٩) أي كما لا يقدح في كونه غير معلّم حصول هذه الأوصاف له نادرا.

(١٠) في كونه معلّما.

(١١) أي مع كون الكلب معلّما.

(١٢) أي إن الوجوب يراد منه الشرطية ، والمراد اشتراط حلية الصيد بالتسمية ، لأن الصيد ليس بواجب حتى يجب شرطه.

(١٣) شروع في شروط المرسل وهي أربعة ، الأول : التسمية عند الإرسال ، بلا خلاف فيه ـ


المرسل(عند إرساله) الكلب المعلّم. فلو تركها عمدا حرم (١) ولو كان (٢) نسيانا حلّ (٣) ، إن لم يذكر قبل الإصابة (٤) ، وإلا (٥) اشترط استدراكها عند الذكر (٦) ولو مقارنة لها (٧) ، ولو تركها جهلا بوجوبها (٨) ففي الحاقة بالعامد ، أو الناسي

______________________________________________________

ـ لقوله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) ، وقوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَمٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٢) ، وللأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من أرسل كلبه ولم يسمّ فلا يأكله) (٣) ، وخبر القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل ، وهذا مما علّمتم من الجوارح مكلّبين) (٤) ومثله غيره ، وعليه فلو ترك التسمية عمدا لم يحلّ ما يقتله بلا خلاف فيه لتصريح صحيح الحلبي المتقدم ، نعم لو ترك التسمية نسيانا فلا يضر بلا خلاف للأخبار:

منها : خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل مما قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا ، وكل من فضله) (٥) ، وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمّى فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي) (٦) ، وفي الفقيه بإسناده عن موسى بن بكر مثله وزاد (وحلّ ذلك) (٧).

(١) أي حرم أكل الصيد ، وليس المعنى أنه حرم ترك التسمية.

(٢) تركها.

(٣) أي حلّ أكل الصيد.

(٤) أي قبل إصابة السهم ، وإصابة الكلب للمصيد.

(٥) أي وإن ذكر قبل الإصابة.

(٦) أي التذكر.

(٧) أي ولو مع مقارنة التسمية للإصابة ، وهذا مبني على أن وقت التسمية من حين الإرسال إلى حين الإصابة كما هو قول في المسألة وسيأتي البحث فيه.

(٨) أي بوجوب التسمية ، نعم لو ذكرها وإن لم يعتقد وجوبها فلا إشكال في الحل لعموم الأدلة الدالة على حل ما ذكر اسم الله عليه.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٥ و ١ و ٤.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ وملحقه.


وجهان. من (١) أنه (٢) عامد ومن (٣) أن الناس في سعة مما لم يعلموا ، وألحقه المصنف في بعض فوائده بالناسي.

ولو تعمد تركها (٤) عند الارسال ثم استدركها قبل الإصابة ففي الإجزاء قولان (٥) ، أقربهما الإجزاء ، لتناول الأدلة له (٦) ، مثل (وَلٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٧) (فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٨) ، وقول

______________________________________________________

(١) دليل لإلحاق الجاهل بالعامد فيحرم أكل ما صاده بسبب ترك التسمية ، وهو ظاهر الأصحاب على ما اعترف به في الدروس كما في الجواهر.

(٢) أي الجاهل بوجوبها عامد للترك.

(٣) دليل لإلحاق الجاهل بالناسي فيحلّ أكل ما صاده بسبب تركه التسمية ، وهو كالناسي ، لأن الجهل عذر كعذر النسيان ، وقال في الرياض : (وإلحاق الجاهل بالناسي قياس فاسد في الشريعة سيّما مع وجود الفارق بينهما بافتراق حكمهما في مواضع متعددة) انتهى.

(٤) ترك التسمية.

(٥) فعن العلامة في التحرير والقواعد والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة هنا عدم اشتراط مقارنة التسمية للإرسال ، بل تكفي التسمية قبل الإصابة ، لإطلاق الكتاب والسنة الدالة على التسمية عند الصيد من غير تعيين وقت ، ولأنه إذا أجزأت التسمية عند الإرسال فالأولى أجزاؤها بعد ذلك خصوصا عند الإصابة لأنه وقت التذكية حقيقة.

وعن الصدوق والمفيد والشيخ وابن زهرة وابن إدريس وغيرهم أنه يشترط مقارنة التسمية للإرسال ، ففي صحيح الحذاء (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم ويسمي إذا سرحه قال : يأكل ممّا أمسك عليه) (١) ، وخبر الحضرمي المروي في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته) (٢) ومثله غيره ، مؤيّدا بأنه يجب أن يقارن بها فعل المرسل كما يقارن بها فعل الذابح ، والمرسل لا فعل له سوى الإرسال فيجب اقتران التسمية به ، وبهذه الأخبار يقيّد الإطلاق السابق.

(٦) للاستدراك قبل الإصابة.

(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.

(٨) سورة المائدة ، الآية : ٤.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ و ٤.


الصادق عليه‌السلام (١) : كل ممّا قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، ولأنه (٢) أقرب إلى الفعل المعتبر في الذكاة (٣) فكان (٤) أولى.

ووجه المنع (٥) دلالة بعض الأخبار على أن محلها (٦) الإرسال ، ولأنه (٧) إجماعي ، وغيره (٨) مشكوك فيه (٩) ، ولا عبرة بتسمية غير المرسل (١٠).

______________________________________________________

وقد سمّوا عليها فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون ـ (١) كما في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل مما قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا ، وكل من فضله) (١).

هذا ويجمع الكل إطلاق أدلة الكتاب والسنة على التسمية عند الصيد من غير تعيين وقت.

(٢) أي الاستدراك قبل الإصابة.

(٣) المراد منه الإزهاق والذبح ، والفعل الموجب لذلك في الصيد هو الإصابة.

(٤) أي الاستدراك قبل الإصابة وخصوصا عندها أولى من التسمية حين الإرسال.

(٥) أي منع الاستدراك قبل الإصابة.

(٦) محل التسمية.

(٧) أي التسمية عند الإرسال هو المتيقن في حلية الصيد بالإجماع فغيره يبقى على أصالة التحريم في الصيد حتى يثبت الحل ، وهو هنا مشكوك.

(٨) أي وغير التسمية حال الإرسال.

(٩) فيبقى على أصالة التحريم.

(١٠) بلا إشكال ولا خلاف لظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على اعتبار التسمية من نفس المرسل ، ولخصوص صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد ، فيكون الكلب لرجل منهم ، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمّي غيره أيجزي ذلك؟ قال : لا يسمّي إلا صاحبه الذي أرسله) (٢) ، ومرسل أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يجزي أن يسمّي إلا الذي أرسل الكلب) (٣).

ومما تقدم تعرف أنه لو أرسل كلبه وسمّى فأرسل الآخر كلبه ولم يسمّ واشترك الكلبان في قتل الصيد لم يحلّ ، لأنه صيد لسببين ، أحدهما محل والآخر محرم ، فيغلب جانب التحريم ، ومثله ما لو دخل مع الكلب المرسل كلب غريب لم يرسله مرسل من غير خلاف لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة كلها

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ١ و ٢.


ولو اشترك في قتله كلبان معلّمان اعتبر تسمية مرسليهما. فلو تركها أحدهما لو كان أحد الكلبين غير مرسل ، أو غير معلّم لم يحل (١) ، والمعتبر من التسمية هنا (٢) ، وفي إرسال السهم ، والذبح ، والنحر ذكر الله (٣) المقترن بالتعظيم ، لأنه (٤) المفهوم منه (٥) كإحدى (٦) التسبيحات الأربع.

وفي اللهمّ اغفر لي وارحمني ، أو صلّ على محمد وآله قولان (٧). أقربهما الإجزاء ،

______________________________________________________

ـ له صاحبا فاشتركت جميعها في الصيد فقال : لا يؤكل منه ، لأنك لا تدري أخذه معلّم أم لا) (١) ومرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أرسلت كلبك على صيد وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه إلا أن تدرك ذكاته) (٢) وهو دال على لابدية إرسال الكلب ، فلو أرسل كلبا وشاركه كلب آخر غير مرسل لم يحل الصيد.

وكذا لو أرسل كلبا معلما وشاركه كلب غير معلم ولو كان مرسلا لم يحلّ الصيد لخبر أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث صيد الكلب : (وإن وجدت معه كلبا غير معلّم فلا تأكل منه) (٣).

(١) أي الصيد.

(٢) في إرسال الكلب المعلّم.

(٣) التسمية هي ذكر الله تعالى بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم (سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله ، قال : هذا كله من أسماء الله ، لا بأس به) (٤) ، وعن العلامة الاجتزاء بلفظ (الله) ، لصدق ذكر اسم الله عليه ، وقد يناقش بأن العرف يقتضي كون المراد بالتسمية وذكر الله ذكره بصفة كمال أو ثناء.

ولا أقل من الشك في ذلك فلا بدّ من التعظيم لأصالة عدم التذكية.

(٤) أي الذكر المقترن بالتعظيم.

(٥) من ذكر الله.

(٦) تمثيل للذكر المقترن بالتعظيم ، وهو سبحان الله أو الحمد لله أو لا إله إلا الله أو الله أكبر.

(٧) لصدق اسم الله على قوله (اللهم) الوارد في العبارتين مع أن طلب الرحمة منه تعالى دال على تعظيمه ولذا يصح الاجتزاء بواحدة منهما ، وقواه الشارح في المسالك ، وعن الجواهر وغيره العدم لانصراف اسم الله عنه ولا أقل من الشك في ذلك فأصالة عدم التذكية جارية.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الصيد والذبائح حديث ٢ و ٣ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


دون ذكر الله مجردا (١) ، مع احتماله (٢) ، لصدق الذكر ، وبه (٣) قطع الفاضل.

وفي اشتراط وقوعه (٤) بالعربية قولان (٥). من (٦) صدق الذكر ، وتصريح (٧) القرآن باسم الله العربي.

والأقوى الإجزاء ، لأن المراد من الله تعالى في الآية الذات ، لا الاسم.

وعليه (٨) يتفرع ذكر الله تعالى بأسمائه المختصة به (٩) غير الله.

فعلى الأول (١٠) يجزي (١١) ، لصدق الذكر ، دون الثاني (١٢) ، ولكن هذا (١٣) مما لم ينبهوا عليه(وأن يكون المرسل مسلما (١٤) ، أو بحكمه (١٥) كولده المميز غير

______________________________________________________

(١) أي مجردا عن التعظيم.

(٢) أي احتمال الإجزاء بذكر اسم الله مجردا عن التعظيم.

(٣) أي وبالإجزاء.

(٤) أي وقوع ذكر الله.

(٥) قال الماتن في الدروس : (وفي إجزاء التسمية بغير العربية نظر من صدق الذكر وتصريح القرآن باسم الله ، وقطع الفاضل بالإجزاء) انتهى. فمن لم يشترط العربية اكتفى بصدق الذكر ، وبأن المقصود من الله تعالى شأنه من الآية هو الذات المقدسة لا اسمه فيجزي ذكر أي اسم من أسمائه المختصة أو الغالبة بأي لغة اتفقت ومن اشترط العربية تمسك بأصالة عدم التذكية عند الشك في الحلية عند ذكر الله بغير العربية ، وأما الاستدلال بتصريح القرآن باسم الله العربي على الصيد فهو كما ترى ، لأن لغة القرآن عربية.

(٦) دليل لعدم اشتراط العربية.

(٧) دليل اشتراط العربية.

(٨) أي وعلى أن المراد من الآية هو الذات لا الاسم.

(٩) أو الغالبة عليه كما نصّ على ذلك في المسالك.

(١٠) من كون المراد من الله في الآية هو الذات.

(١١) أي يجزي التسمية باسمه المختص غير لفظ (الله).

(١٢) وهو كون المراد من الله في الآية هو الاسم.

(١٣) أي المراد من الآية مع التفريع عليه.

(١٤) الشرط الثاني من شروط المرسل أن يكون مسلما على المشهور ، لأن الإرسال نوع من التذكية وستعرف اشتراط الإسلام في المذكي على الخلاف الآتي هناك ، والخلاف في صيد المخالف كالخلاف في تذكيته وسيأتي البحث فيه.

(١٥) أي بحكم المسلم كغير البالغ الملحق بالمسلم ، نعم لا يحلّ صيد غير المميّز والمجنون لعدم القصد منهما مع أن القصد شرط كما ستعرفه في الذبح.


البالغ ذكرا كان ، أو أنثى. فلو أرسله الكافر لم يحل وإن سمّى ، أو كان ذميا على الأصح ، وكذا الناصب من المسلمين والمجسّم أما غيرهما من المخالفين ففي حل صيده الخلاف الآتي في الذبيحة ، ولا يحل صيد الصبي غير المميز ، ولا المجنون ، لاشتراط القصد ، وأما الأعمى فإن تصور فيه قصد الصيد حل صيده ، وإلا فلا.

(وأن يرسله للاصطياد (١) فلو استرسل من نفسه ، أو أرسله لا للصيد فصادف صيدا فقتله لم يحل وإن زاده (٢) اغراء. نعم لو زجره فوقف ثم أرسله حلّ (٣).

(وأن لا يغيب الصيد) عن المرسل(وحياته مستقرة (٤) ...

______________________________________________________

(١) الشرط الثالث من شروط المرسل أن يرسل الكلب المعلّم للاصطياد ، فلو استرسل من نفسه لم يحلّ مقتوله بلا خلاف لخبر القاسم بن سليمان (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد ، فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال : لا) (١).

(٢) أي صاحب الكلب زاد كلبه إغراء بعد ما استرسل الكلب من نفسه وصادف صيدا.

(٣) لو استرسل الكلب من نفسه فزجره صاحبه عقيب الاسترسال فوقف ثم أرسله حلّ مقتوله بلا خلاف ، لأن الاسترسال الأول قد انقطع بوقوفه ، وصار الثاني إرسالا مستأنفا ، كالمبتدإ الواقع بعد إرسال سابق قد انقضى.

(٤) الشرط الرابع من شروط المرسل أن لا يغيب الصيد عنه وحياته مستقرة ، بلا خلاف فيه ، وإلا لو غاب عن عينه وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يحلّ لاحتمال أن لا يكون القتل بسبب الكلب المعلّم ، سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه.

وعليه فالمدار على العلم باستناد القتل إلى عقر الكلب وعدمه ، فإن علم أن موت الصيد بسبب عقر الكلب فيحل أكله ولو غاب عن عين المرسل ، وإن لم يعلم فلا يحلّ كما لو عقره الكلب وكانت حياة الصيد مستقرة وقد غاب عن عين المرسل ثم وجده مقتولا فلا يعلم أن موته بسبب عقر الكلب فلذا لا يحل أكله بالإضافة إلى النصوص الواردة في السهم.

منها : صحيح حريز (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أيأكل منه ، قال : إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل ، وذلك إذا كان قد سمّى) (٢) ، وخبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصيد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد حديث ٢.


بأن (١) يمكن أن يعيش ولو نصف يوم ، فلو غاب كذلك (٢) لم يحل ، لجواز استناد القتل إلى غير الكلب ، سواء وجد الكلب واقفا عليه أم لا ، وسواء وجد فيه أثرا غير عضّة الكلب أم لا ، وسواء تشاغل (٣) عنه أم لا.

وأولى منه (٤) لو تردى من جبل ، ونحوه (٥) وإن لم يغب ، فإن (٦) الشرط موته بجرح الكلب ، حتى لو مات بإتعابه (٧) ، أو غمه لم يحل.

نعم لو علم انتفاء سبب خارجي (٨) ، أو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرة وصار في حكم المذبوح ، أو تردّى كذلك (٩) حلّ (١٠). ويشترط مع

______________________________________________________

ـ سماعة (سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ، ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه؟ فقال : إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه ، وإلا فلا يأكل منه) (١).

وأولى منه ما لو غاب عن عينه وحياته غير مستقرة بأن كان الكلب قد عقره وأخرج حشوه وأفتق قلبه وقطع حلقومه ، ثم وجده مقتولا ، فالعلائم المذكورة موجبة للعلم العادي باستناد القتل إلى عقر الكلب فيحل أكله.

(١) تفسير لاستقرار الحياة.

(٢) أي وحياته مستقرة.

(٣) أي الكلب.

(٤) أي وأولى بعدم الحلية من الفرع السابق فرع آخر وهو ما لو تردى من جبل بعد عقر الكلب فمات فلا يحلّ أكله ، للقطع باستناد الموت إلى التردي وإن كان العقر مؤثرا أيضا.

(٥) كما لو وقع في بئر.

(٦) تعليل لعدم الحلية فيما لو تردى.

(٧) أي بسبب إتعاب الكلب له من دون جرح.

(٨) بحيث قطع بعدم سبب خارجي للقتل وقد مات بعد جرح الكلب له فيعلم أن قتله بسبب الجرح وهذا موجب للحلية وإن غاب عن العين وكانت حياته مستقرة حين الغيبوبة.

(٩) أي بعد أن صارت حياته غير مستقرة وصار في حكم المذبوح.

(١٠) للقطع باستناد القتل إلى الجرح فقط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد حديث ٣.


ذلك (١) كون الصيد ممتنعا (٢) ، سواء كان وحشيا أم أهليا. فلو قتل غير الممتنع من الفروخ ، أو الأهلية لم يحلّ.

(ويؤكل أيضا) من الصيد(ما قتله السيف (٣) ، والرمح ، والسهم وكل ما فيه)

______________________________________________________

(١) أي مع الشروط المتقدمة في المرسل وفي الكلب.

(٢) اعلم أن الحيوان المقدور لا يحلّ إلا بالذبح أو النحر على ما يأتي تفصيله ، وأما الحيوان غير المقدور عليه بأن كان متنفرا متوحشا فجميع أجزائه مذبح ما دام على توحشه وهو محل اتفاق بين المسلمين كما في المسالك ، وعليه فلو قتل بالسهم أو الرمح أو بعقر الكلب فهو ذكاته.

نعم لو صار الوحشي مستأنسا لا يحل بشي‌ء منهما وتتعين تذكيته بالذبح أو النحر ، لأنه مقدور عليه.

ولو توحش الأنسي أو تردى في البئر وشبهها ويتعذر نحره أو ذبحه فإنه كالوحشي يحل أكله بالقتل بواسطة سهم أو رمح أو سيف أو عقر الكلب بلا خلاف فيه بيننا للأخبار.

منها : صحيح الحلبي (قال أبو عبد الله عليه‌السلام في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسمّوا فأتوا عليا عليه‌السلام فقال : هذه ذكاة وحيّة ـ أي سريعة ـ ، ولحمه حلال) (١) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قال : إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها ، وإن لم تقدروا أن تعرقبوها ، فإنه يحلّها ما يحلّ الوحش) (٢) ، ومثلها غيرها كثير. نعم لو كان الوحش غير ممتنع كفرخه فلا يحلّ صيده بالمعنى المتقدم ويشهد له بالإضافة إلى عدم امتناعه خبر الأفلح (سألت علي بن الحسين عليه‌السلام عن العصفور يفرّخ في الدار ، هل تؤخذ فراخه؟ فقال : لا ، إن الفرخ في وكرها في ذمة الله ما لم يطر ، ولو أن رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعا فإنه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ ، وذلك أن الفراخ ليس بصيد ما لم يطر ، وإنما تؤخذ باليد ، وإنما يكون صيدا إذا طار) (٣).

(٣) شروع في الآلة الجمادية في الصيد ، وهي ما اشتمل على نصل كالسيف والرمح والسهم للأخبار الكثيرة.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (كل من الصيد ما قتل السيف ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الصيد حديث ١.


(نصل) من حديد ، سواء خرق (١) أم لا (٢) حتى (٣) لو قطعه بنصفين اختلفا أم اتفقا تحركا أم لا حلّا ، إلا أن يكون ما فيه الرأس مستقر الحياة فيذكى (٤) ويحرم الآخر (٥).(والمعراض (٦) ونحوه من السهام المحددة التي لا نصل فيها(إذا خرق)

______________________________________________________

ـ والرمح والسهم) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه بالرمح أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمّى حين فعل؟ فقال عليه‌السلام : كل ، لا بأس به) (٢) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء) (٣).

والصحيح الأخير ظاهر في أن المدار على السلاح وهو الحديد المشتمل على نصل سواء كان من الثلاثة المذكورة وهي السيف والرمح والسهم أو من غيرها كالخنجر والسكين ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فمقتضى النصوص المتقدمة حل المقتول بالسلاح المذكور وإن لم يجرحه كما لو رماه بسهم فأتاه معترضا فقتله ، وقد ادعى عليه في المسالك إجماع الأصحاب ، وقد صرح بذلك في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله ، وقد كان سمّى حين رمى ولم تصبه الحديدة ، قال : إن كان السّهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا رآه فليأكل) (٤).

(١) أي خرق اللحم.

(٢) كما لو أتاه السهم معترضا فقتله.

(٣) متعلق بأصل المسألة لا بالتعميم من جهة الخرق وغيره وعلى كل فلو قدّه بالسيف نصفين حلا ، سواء تحركا حركة المذبوح أم لا ، بلا خلاف فيه لموثق غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يضرب الصيد فيجد له بنصفين ، قال عليه‌السلام : يأكلهما جميعا ، وإن ضربه فأبان منه عضوا لم يأكل منه ما أبان منه ، وأكل سائره) (٥).

(٤) لعدم إزهاق روحه بالآلة الجمادية فتنحصر تذكيته بالذبح أو النحر.

(٥) لأنه مقطوع من حيّ فيكون ميتة.

(٦) عطف على السيف والرمح والسهم وكل ما فيه نصل ، هذا واعلم أن الآلة الجمادية إما أن تكون سلاحا وهو الحديد الذي فيه نصل كالسيف والرمح والسهم ، وإما أن تكون الآلة خالية عن النصل ولكنها محدّدة تصلح لخرق اللحم ، وإما أن تكون مثقلة تقتل ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد حديث ٢ و ٣ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد حديث ١.


(اللحم) فلو قتل معترضا لم يحل (١) دون المثقل كالحجر ، والبندق فإنه لا يحل وإن خرق وكان البندق من حديد.

والظاهر أن الدبّوس (٢) بحكمه (٣) إلا أن يكون (٤) محددا بحيث يصلح

______________________________________________________

ـ بثقلها كالحجر والخشبة غير المحددة.

أما ما فيه نصل فقد تقدم الكلام فيه ، وأما الخالي عن النصل ولكنه محدّد ، كالمعراض الذي هو خشبة لا نصل فيها إلا أنها محددة الرأس ثقيلة الوسط وكذا السهم الذي لا نصل فيه ولكنه حاد الرأس فيحل المقتول به بشرط أن يخرقه بأن يدخل فيه يسيرا ويموت بذلك ، فلو لم يخرق فلا يحل بلا خلاف في ذلك لصحيح أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل) (١).

وأما القسم الثالث وهو المثقل الذي يقتل بثقله كالحجر لا يحلّ مقتوله مطلقا سواء خدش أو لا للأخبار :

منها : صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عما قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال : لا) (٢) ومثلها غيرها كثير والمتحصل أن الآلة إذا كانت مشتملة على نصل كالسيف أو كانت خالية عنه ولكنها محددة الرأس تصلح للخرق حلّ الصيد وإلا فلا ، نعم عن بعض المتأخرين حل الصيد بكل سلاح وإن لم يكن فيه نصل كالسلاح المتعارف في عصرنا تمسكا بعموم صحيح محمد بن قيس المتقدم عن أبي جعفر عليه‌السلام (من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء) (٣).

وله وجه لو لا تقييد الجرح بالسلاح الدال على أن المراد من السلاح ما كان جارحا وهو لا يشمل ما ليس له نصل ، بالإضافة إلى أصالة الحرمة وعدم التذكية في غير المتيقن ، والمتيقن هو ما لو قتل بجرح ما فيه نصل ، أو ما كان رأسه محددا وعليه فإذا كان رأس البندق الذي يقذفه السلاح المتعارف محددا ، فلا بد من القول بالحل وإلا فلا.

(١) بخلاف ما فيه النصل فالصيد حلال لو قتله معترضا من دون خرق كما تقدم.

(٢) وهو عصا من حديد.

(٣) بحكم البندق.

(٤) الدبوس.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب الصيد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب الصيد حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الصيد حديث ١.


للخرق (١) وإن لم يخرق (٢).

(كل ذلك مع التسمية (٣) عند الرمي ، أو بعده (٤) قبل الإصابة (٥) ، ولو تركها (٦) عمدا أو سهوا ، أو جهلا فكما سبق(والقصد (٧) إلى الصيد فلو وقع السهم من يده فقتله ، أو قصد الرمي لا له (٨) فقتله ، أو قصد خنزيرا فأصاب ظبيا ، أو ظنه خنزيرا فبان ظبيا لم يحل (٩).

نعم لا يشترط قصد عينه (١٠) حتى لو قصد فأخطأ فقتل صيدا آخر حلّ.

ولو قصد محلّلا ومحرما حل المحلّل.

(والإسلام) أي إسلام الرامي ، أو حكمه (١١) كما سلف (١٢) وكذا يشترط

______________________________________________________

(١) وقد خرق الصيد فيحل حينئذ.

(٢) أي لم يخرق اللحم بل قطعه نصفين فيحل الصيد لتحقق الخرق المعتبر.

(٣) اشتراط التسمية عند الإرسال بلا خلاف فيه لما تقدم في صيد الكلب المعلّم.

(٤) بعد الرمي.

(٥) الخلاف فيه كالخلاف في التسمية بعد إرسال الكلب المعلم وقبل الإصابة لاشتراك الأدلة ، وقد تقدم الكلام فيه.

(٦) أي التسمية.

(٧) من الأمور المعتبرة في حل الصيد قصده حين إرسال الكلب أو السهم ، فلو رمى سهما في الهواء فاعترض صيدا فقتله من غير قصده لم يحلّ ، وكذا لو أرسل كلبه كذلك ، ولو سمّى حين الإرسال ، نعم لو أرسل كلبه أو سهمه على صيد معيّن فقتل غيره حلّ لتحقق القصد إلى الصيد ، إذ المعتبر هو القصد إلى جنس الصيد لا القصد إلى صيد معيّن بخصوصه ، والذي يدل على اعتبار القصد المذكور خبر عبّاد بن صهيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمّى ورمى صيدا فأخطأه وأصاب آخر قال عليه‌السلام : يأكل منه) (١) ، والاستدلال ضعيف إلا أن المسألة إجماعية عندهم.

(٨) أي لا للصيد.

(٩) لعدم تحقق القصد إلى الصيد.

(١٠) عين الصيد بل يكفي القصد إلى جنس الصيد.

(١١) وهو المحكوم بإسلامه بالتبعية كالصبي والمجنون.

(١٢) في صيد الكلب لاتحاد الدليل وقد تقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من كتاب الصيد حديث ١.


موته بالجرح (١) ، وأن لا يغيب عنه (٢) وفيه حياة مستقرة ، وامتناع (٣) المقتول كما مر (٤).

(ولو اشترك فيه (٥) آلتا مسلم وكافر) أو قاصد (٦) وغيره ، أو مسم (٧) ، وغيره. وبالجملة فآلة جامع للشرائط ، وغيره (٨) (لم يحل (٩) إلا أن يعلم أن جرح المسلم (١٠) ومن بحكمه (١١) (أو كلبه) لو كانت الآلة كلبين فصاعدا(هو القاتل) خاصة وإن كان الآخر (١٢) معينا على إثباته (١٣) (ويحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة (١٤) لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه ، (و) لكن(لا يحرم الصيد)

______________________________________________________

(١) أي الجرح المستند إلى الآلة الجمادية.

(٢) أي لا يغيب الصيد عن عين الرامي.

(٣) من جملة الشروط أن يكون الحيوان ممتنعا بالأصالة كالوحشي.

(٤) سابقا عند الكلام في صيد الكلب.

(٥) في الصيد.

(٦) أي اشترك في الصيد آلتا قاصد وغير قاصد.

(٧) بحيث اشترك في الصيد آلتا مسمّ وغير مسمّ.

(٨) أي وآلة غير جامع للشرائط.

(٩) أي لم يحل الصيد ، لأنه يشترط في الحلية إسلام الرامي وقصده وتسميته ، وهي مفقودة في المقام.

(١٠) بشرط التسمية والقصد.

(١١) كالتابع له من صبي أو مجنون.

(١٢) وهو غير المسلم أو غير القاصد أو غير المسمّى.

(١٣) أي إثبات الصيد بمعنى وضع اليد عليه.

(١٤) يحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة سواء كانت سلاحا أو كلبا ، بلا خلاف ، لأنه تصرف في مال الغير وهو منهي عنه بالاتفاق ، ولكن لا يحرم الصيد لإطلاق الأدلة ضرورة كون الصيد من المعاملة التي تجامع المحرّم كالذبح بالآلة المغصوبة ، نعم على الغاصب أجرة المثل للمالك للتصرف في مال الغير بغير إذنه ، والصيد للصائد لا لمالك الآلة ، لأن الصيد من المباحات التي تملك بالمباشرة المتحققة من الغاصب وإن حرم استعماله للآلة خلافا لبعض العامة حيث ذهب إلى أن صيد الكلب المغصوب للمالك كصيد العبد المغصوب ، وهو قياس مع الفارق ضرورة كون العبد أهلا للقصد فصيده لمالكه دون الكلب الذي لا قصد منه وإنما القصد من الصائد فالصيد له.


(بها) ويملكه الصائد(وعليه أجرة الآلة) ، سواء كانت كلبا أم سلاحا.

(ويجب عليه غسل موضع العضة) من الكلب (١) جمعا بين نجاسة الكلب ، وإطلاق الأمر بالأكل.

وقال الشيخ : لا يجب ، لإطلاق الأمر بالأكل منه (٢) من غير أمر بالغسل ، وإنما يحل المقتول بالآلة مطلقا (٣) إذا أدركه (٤) ميتا ، أو في حكمه (٥).

(ولو أدرك ذو السهم (٦) ، أو الكلب (٧) الصيد (٨) ...

______________________________________________________

(١) إذا عض الكلب صيدا كان موضع العضة نجسا لأن الكلب نجس العين وقد لاقى الصيد برطوبة فيجب غسل موضع العضّ جمعا بين الأمر بالأكل منه وبين غسل ما لاقاه الكلب برطوبة ، وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط الحكم بالطهارة وعدم وجوب الغسل ، لإطلاق قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (١) ، ولم يأمر بالغسل ، وهو مذهب بعض العامة ، وعن بعض آخر أنه نجس ولكن لا يجب تطهيره لأنه عفو لمكان الحاجة وعسر الاحتراز ، وفيه منع العسر والاحتياج ، وإطلاق الآية لحل الأكل من حيث الحلية كصيد ، لا من حيث الطهارة كملاقي نجس العين ، كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالاً طَيِّباً) (٢) فهو مسوق لبيان الحكم بحلية الكسب وهذا لا ينافي المنع من ناحية النجاسة ونحوها.

(٢) من صيد الكلب.

(٣) كلبا كان أو غيره.

(٤) أي إذا أدرك الصيد.

(٥) أي حكم الميت وهو غير مستقر الحياة.

(٦) وذو السهم هو الصائد.

(٧) أي لو أدرك ذو الكلب.

(٨) إذا أرسل كلبه المعلّم أو سلاحه فجرح الصيد فعليه أن يسارع على الوجه المعتاد ، وقال سيد الرياض : (ولم أجد لهم دليلا صريحا وإن أحتمل توجيهه بأصالة الحرمة وعدم انصراف الإطلاقات إلى حد لم يتحقق إليه مسارعة معتادة ، لأن المتبادر منها ما تحققت فيه ، وإلا لحلّ الصيد مع عدمها ولو بقي غير ممتنع سنة ثم مات بجرح الآلة وهو مخالف للإجماع بل الضرورة) انتهى. وعليه فلو سارع إليه بالمعتاد فإن لم يدركه حيا حلّ ، وإن ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٤.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٦٩.


مع إسراعه (١) إليه حال الإصابة(وحياته مستقرة ذكّاه ، وإلا) يسرع (٢) أو لم يذكه(حرم أن اتسع الزمان لذبحه) فلم يفعل حتى مات ، ولو قصر الزمان عن ذلك (٣) فالمشهور حله وإن كانت حياته مستقرة ، ولا منافاة (٤) بين استقرار حياته ، وقصور

______________________________________________________

ـ أدركه حيا نظر ، فإن لم يبق فيه حياة مستقرة فيحلّ أيضا ، وإن بقيت فيه حياة مستقرة وجب المبادرة إلى ذبحه بالمعتاد فإن أدرك ذكاته حلّ ، وإن تعذر ذبحه من غير تقصير من الصائد حتى مات فهو كما لو لم يدركه حيا وعن الشيخ في الخلاف وابن إدريس والعلامة في المختلف والتحرير تحريمه استنادا إلى أنه مستقر الحياة فتنحصر حليته بالتذكية كما لو اتسع الزمان ، والأول أشهر ، وأما لو كان التعذر بسبب تقصير من الصائد كما لو ترك اصطحاب مدية يذبح بها فهو ملحق بالفرع الآتي وأما إذا لم يتعذر ذبحه وقد تركه الصائد حتى مات فهو حرام على المشهور ، وعن الصدوق وابن الجنيد والشيخ في النهاية والعلامة في المختلف إن لم يكن معه ما يذبح به ترك الكلب حتى يقتله ثم يأكله لصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها ، أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : لا بأس ، قال الله تعالى : (فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (١) ومثله غيره.

وقد حملت الرواية على أن الصيد ما زال تحت سيطرة الكلب ، فيبقى الصيد على امتناعه والكلب ممسك له فإذا قتله فقد قتل ما هو ممتنع فيحلّ بالقتل ، وعليه فالضمير في قوله : (فيأخذه) الوارد في الخبر المتقدم راجع إلى الكلب ، والمعنى فيأخذ الكلب الصيد.

(١) بالمعتاد.

(٢) بالمعتاد.

(٣) عن ذبحه.

(٤) لا يقال لا يجتمع قصر الزمان مع استقرار الحياة ، لأن استقرار الحياة هي ما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم أو اليومين ، وهذا متضمن لاتساعه لنفس فعل الذكاة فجمعه مع قصر الزمان ليس في محله ، وهذا إشكال أورده الفخر في الإيضاح.

ورده واضح لأن استقرار الحياة هو إمكان أن يعيش اليوم واليومين ، ومجرد الإمكان لا ينافي نقيضه ، لجواز أن يموت في الحال مع تحقق الإمكان ، فيصير حاصله كونه متصفا بإمكان أن يعيش عادة فاتفق خلاف ذلك ومات قبل أن يتسع الوقت لذبحه ، خصوصا ومناط الإمكان مجرد الاحتمال ، وهو مما يمكن خلافه ظاهرا وفي نفس الأمر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الصيد حديث ١.


الزمان عن تذكيته مع حضور الآلة ، لأن استقرار الحياة مناطة الإمكان (١) ، وليس كل ممكن بواقع (٢). ولو كان عدم إمكان ذكاته لغيبة الآلة (٣) التي تقع بها الذكاة ، أو فقدها بحيث يفتقر إلى زمان طويل عادة (٤) فاتفق موته فيه (٥) لم يحل قطعا.

(الفصل الثاني ـ في الذباحة (٦)

غلّب العنوان (٧) عليها (٨) ـ مع كونها أخصّ مما يبحث عنه في الفصل (٩) ، فإن النحر وذكاة السمك ، ونحوه (١٠) خارج عنها (١١) تجوّزا (١٢) في بعض الأفراد ، أو أشهرها (١٣) ، ولو جعل العنوان الذكاة كما فعل في الدروس كان أجود ، لشموله (١٤) الجميع (ويشترط في الذابح الإسلام (١٥) ، ...)

______________________________________________________

(١) أي إمكان أن يعيش اليوم واليومين.

(٢) بحيث اتفق خلاف ذلك فمات قبل أن يتسع الوقت لذبحه.

(٣) فكان عدم إمكان ذكاته لتقصير من الصائد فقد عرفت أنه يحرم.

(٤) لإحضارها.

(٥) في هذا الزمان الطويل.

(٦) قال في الجواهر : (وأما الذباحة التي اعترف في كشف اللثام بأنه لم يرها في كتب اللغة ، وإن اشتهر التعبير بها في كتب الفقه) انتهى.

(٧) أي عنوان هذا الفصل.

(٨) على الذباحة ، بمعنى تعنون الفصل بها.

(٩) حيث يبحث في هذا الفصل عن الذباحة والنحر وذكاة السمك والجراد.

(١٠) وهو ذكاة الجراد.

(١١) عن الذباحة.

(١٢) أي إطلاق اسم الذباحة على هذا الفصل المشتمل عليها وعلى غيرها من باب تسمية الشي‌ء باسم بعض أفراده تجوزا.

(١٣) أي من باب تسمية الشي‌ء باسم أشهر أفراده تجوزا.

(١٤) أي لشمول الذكاة.

(١٥) يبحث في الذباحة عن الأركان واللواحق ، والأركان هي الذابح والآلة وكيفية الذبح ، وهنا شروع في الذابح ، ولا خلاف في حرمة ذبيحة الكافر غير الكتابي ، سواء في ذلك الوثني وعابد النار والمرتد وكافر المسلمين كالغلاة وغيرهم لفحوى النصوص الدالة على تحريم ذبيحة الكتابي ، ولخصوص صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال أمير ـ


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ المؤمنين عليه‌السلام : لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب ، فإنهم ليسوا أهل الكتاب) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (عن ذبائح نصارى العرب ، قال عليه‌السلام : ليس هم أهل الكتاب ولا تحلّ ذبائحهم) (٢) ، ومثلها غيرها ، وهي دالة على الكبرى الكلية من حرمة ذبائح الكافر غير الكتابي ، واختلف الأصحاب في حكم ذبيحة الكتابي على أقوال ثلاثة :

الأول : الحرمة وإليه ذهب الأكثر.

الثاني : الحل كما عن القديمين ، وهما ابن الجنيد وابن أبي عقيل.

الثالث : الحل مع سماع التسمية وإليه ذهب الصدوق ، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات ، وعلى كل فقد استدل للحرمة بأخبار :

منها : خبر سماعة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني فقال : لا تقربوها) (٣) ، وخبر إسماعيل بن جابر (قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تأكل ذبائحهم ولا تأكل في آنيتهم ، يعني أهل الكتاب) (٤) وخبر الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال له رجل : أصلحك الله ، إن لنا جارا قصابا فيجي‌ء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود ، فقال : لا تأكل من ذبيحته ، ولا تشتر منه) (٥) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال : كان علي عليه‌السلام ينهى عن ذبائحهم وعن صيدهم ومناكحتهم) (٦) وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن ذبيحة الذمي فقال : لا تأكل سمّى أو لم يسمّ) (٧) ، وموثق سماعة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني فقال : لا تقربنّها) (٨) ومثلها غيرها.

واستدل للحل بأخبار :

منها : صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم ، فقال عليه‌السلام : لا بأس به) (٩) ، وخبر حمران (سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله ، فقلت : المجوسي ، فقال : نعم إذا سمعته يذكر اسم الله ، أما سمعت قول الله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ) (١٠) ، وخبر عامر بن علي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نأكل ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢٣ و ١٥.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٩ و ١٠ و ١ و ٦ و ٥ و ٩.

(٩ و ١٠) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣٤ و ٣١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ذبائح أهل الكتاب ولا ندري أيسمّون عليها أم لا ، فقال : إذا سمعتم قد سمّوا فكلوا) (١) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنهما قالا في ذبائح أهل الكتاب : (فإذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم ، وإن لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سمّوا فكل) (٢) ، وخبر قتيبة الأعشى (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبائح اليهود والنصارى ، فقال : الذبيحة اسم ، ولا يؤمن على الاسم إلا مسلم) (٣) ، وخبر الحسين بن المنذر (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام (إنا قوم نختلف إلى الجبل فنسأل الرعاة فيقولون : إنا نصارى ، فأي شي‌ء قولك في ذبائح اليهود والنصارى ، فقال : يا حسين الذبيحة بالاسم ، ولا يؤمن عليها إلا أهل التوحيد) (٤) ومثلها غيرها كثير وبهذا يتبين الدليل على القول الثالث بالحلية مع سماع التسمية ، بل هو قول بحلية ذبائحهم ، لأن الكلام في حلها من حيث إن الذابح كتابي لا من حيث إنه سمّى أو لم يسمّ ، فإن المسلم لو لم يسمّ لم تؤكل ذبيحته ، نعم اشتراط سماع التسمية من الذابح الكتابي دون الذابح المسلم ، لإجراء أصالة الصحة في فعل المسلم فلا يشترط سماع التسمية ، بخلاف عمل الكتابي الذي لا تجري فيه أصالة الصحة فلا بد من إحراز التسمية حتى يحكم بالحلية ، لأن التسمية شرط.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فأخبار الحل أصح سندا وأوضح دلالة ومع ذلك حملها الأكثر على الضرورة ، وفيه ما لا يخفى من الضعف بعد التصريح بالحلية مع سماع التسمية والحرمة عند عدمه ، وهذا تفصيل مختص بحال الاختيار هذا فضلا عن حلية الميتة عند الضرورة فلو كان موردها الضرورة لما صح النهي عن أكلها بدون التسمية.

وقد حملت أخبار الحل على التقية ولا يتم لأن أحدا من العامة لم يشترط في حل ذبائحهم سماع التسمية منهم ، على أن البعض قد ادعى أن المشهور قد أعرض عن أخبار الحل فلا يصح العمل بها وإن كانت أصح سندا وأوضح دلالة ، وفيه : إن عدم العمل بها إنما من جهة ما رأوه من المعارضة بين أخبار الحل وبين أخبار الحرمة ، مع أنه لا معارضة بحمل أخبار الحرمة على عدم التسمية أو على أنهم لا يؤتمنون على اسم التوحيد فقد يذكرون اسم المسيح ونحوه على ذبائحهم ، ومع عدم التعارض فلا يكون الإعراض من جهة خلل في السند أو المتن حتى يوجب وهنا ، إنما الإعراض منهم كان توهما منهم. ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٤٥ و ٣٨ و ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.


(أو حكمه (١) وهو (٢) طفله المميز فلا تحل ذبيحة الكافر مطلقا (٣) ، وثنيا كان أم ذميا سمعت تسميته أم لا على أشهر الأقوال.

وذهب جماعة إلى حلّ ذبيحة الذمي إذا سمعت تسميته.

وآخرون إلى حلّ ذبيحة غير المجوسي (٤) مطلقا (٥) وبه (٦) أخبار صحيحة معارضة بمثلها (٧) فحملت (٨) على التقية ، أو الضرورة.

(ولا يشترط الإيمان) على الأصح (٩) ، لقول علي أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من

______________________________________________________

ـ هذا كله ما يقتضيه النظر في الأدلة ويوافقه ظاهر الكتاب حيث لم يشترط إلا التسمية وهي ممكنة من أهل الكتاب قال تعالى : (فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) وقال تعالى : (وَمٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) (٢) ، ومع ذلك فالاحتياط حسن ، بل مما لا ينبغي تركه بعد كون هذه الأدلة تحت نظر الجميع وقد ذهب معظمهم إلى الحرمة.

(١) أي من حكم عليه بالإسلام تبعا كالصبي والمجنون.

(٢) أي من بحكم المسلم.

(٣) قد فسره الشارح بقوله (وثنيا كان أو ذميا) الخ ...

(٤) بناء على أن المجوسي ليس من أهل الكتاب ، وقد تقدم البحث فيه في محله.

(٥) سمعت تسميته أو لا.

(٦) أي بالحل سواء سمعت تسميته أو لا.

(٧) أي بأخبار تدل على الحرمة.

(٨) أي أخبار الحل.

(٩) اختلف الأصحاب في حلية ذبيحة المخالف غير الناصبي على أقوال :

القول الأول : الحلية عليه الأكثر لإطلاق الآيتين المتقدمتين الدالتين على حلية كل ما ذكر اسم الله عليه ، وللنصوص السابقة الدالة على المنع من ذبيحة أهل الكتاب لأنه لا يؤمن على الاسم إلا المسلم الشامل للمخالف ، ولصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ـ

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١١٨.

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١١٩.


دان بكلمة الإسلام ، وصام وصلى فذبيحته لكم حلال إذا ذكر اسم الله عليه» ومفهوم الشرط أنه إذا لم يذكر اسم الله عليه لم يحلّ.

وهل يشترط مع الذكر (١) اعتقاد وجوبه (٢) قولان : من (٣) صدق ذكر اسم الله عليه (٤) ، وأصالة (٥) عدم الاشتراط ، ومن (٦) اشترطه (٧) اعتبر ايقاعه (٨) على

______________________________________________________

ـ ذكر اسم الله تعالى عليه) (١).

القول الثاني : عدم الحلية إلا إذا كان المخالف مستضعفا.

القول الثالث : ما عن أبي الصلاح وهو حلية ذبيحة المخالف غير جاحد النص وحرمة ذبيحة الجاحد ، ولا مستند لهذين القولين إلا كفر المخالف غير المستضعف وغير الجاحد وفيه : إن الجاحد للنص هو منكر للضرورة فهو كافر لا تحل ذبيحته بخلاف غير المعتقد بالإمامة فهو ليس بمنكر للضرورة ولا داعي للحكم بكفره.

القول الرابع : حلية ذبيحة المخالف غير الناصبي بشرط اعتقاده وجوب التسمية وهو ما ذهب إليه العلامة في بعض كتبه بدعوى أن الذبيحة اسم ولا يؤمن عليها إلا المسلم كما تقدم في النصوص السابقة ، ولا يحصل الأمن بتحقق التسمية ممن لا يعتقد وجوبها لاحتمال تركها بمقتضى مذهبه إذا لم يعتقد وجوبها ، وهذا الدليل لا يقتضي حرمة ذبيحة المخالف بل يقتضي الحرمة إذا لم يحرز التسمية أو تركها الذابح عمدا اعتمادا على مذهبه.

القول الخامس : حرمة ذبيحة المخالف مطلقا وإليه ذهب القاضي ابن البراج لخبر زكريا بن آدم عن أبي الحسن عليه‌السلام (إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلا في وقت الضرورة إليه) (١) ، وفيه : إنه لا يصلح لمعارضة ما دل على الحلية فلا بد من حمله على الكراهة ، وذيله شاهد بذلك.

(١) أي ذكر اسم الله على الذبيحة.

(٢) أي اعتقاد وجوب ذكر اسم الله على الذبيحة كما ذهب إليه العلامة.

(٣) دليل لعدم اشتراط اعتقاد وجوب الذكر.

(٤) أي على الذكر عند عدم اعتقاد وجوبه.

(٥) دليل ثان لعدم اعتقاد والوجوب.

(٦) دليل الاشتراط.

(٧) أي ومن اشترط اعتقاد وجوب الذكر على الذبيحة.

(٨) أي إيقاع الذكر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ٥.


وجهه (١) كغيره (٢) من العبادات الواجبة.

والأول أقوى. وحيث لم يعتبر الإيمان صح مع مطلق الخلاف (٣).

(إذا لم يكن (٤) بالغا حدّ النصب) لعداوة أهل البيت عليه‌السلام فلا تحل حينئذ (٥) ذبيحته (٦) ، لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ذبيحة الناصب لا تحل» ، ولارتكاب الناصب خلاف ما هو المعلوم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبوته ضرورة (٧) فيكون كافرا فيتناوله ما دلّ على تحريم ذبيحة الكافر.

______________________________________________________

(١) أي على وجه الوجوب.

(٢) كغير الذكر الواجب.

(٣) من جميع الفرق الإسلامية.

(٤) أي الخلاف.

(٥) حين بلوغ حد النصب.

(٦) بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : خبر أبي بصير (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ذبيحة الغاصب لا تحلّ) (١) ، وموثق أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا تحل ذبائح الحرورية) (٢) ، وخبره الثالث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع من إخوانه فيتعمّد الشراء من النّصاب ، فقال عليه‌السلام : أي شي‌ء تسألني أن أقول ، ما يأكل إلا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، قلت : سبحان الله مثل الدم والميتة ولحم الخنزير ، فقال عليه‌السلام : نعم وأعظم عند الله من ذلك) (٣) ، ويعارضها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن ذبيحة المرجئ والحروري ، فقال عليه‌السلام : كل وقر واستقر حتى يكون ما يكون) (٤) ، وخبر حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا تأكل ذبيحة الناصب إلا أن تسمعه يسمّى) (٥).

ولو لا إفتاء الأصحاب هنا بالحرمة لكان المتعين هو القول بالحل عند التسمية كذبيحة الكافر الذمي ، إلا أنها محمولة على التقية لذيل صحيح الحلبي المتقدم وهذا ما يؤيد حمل أخبار الحل في ذبيحة الذمي على التقية وإن سمّى ولذا ذهبنا إلى الاحتياط سابقا.

(٧) والمعلوم ثبوته ضرورة هو حب أهل البيت عليهم‌السلام فقوله تعالى في آية المودة دليل كاف ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ٣ و ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ٨ و ٧.


ومثله (١) الخارجي (٢) والمجسّم (٣).

وقصّر جماعة الحل على ما يذبحه المؤمن ، لقول الكاظم عليه‌السلام لزكريا بن آدم : «إني انهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك ، إلا في وقت الضرورة إليه». ويحمل (٤) على الكراهة بقرينة الضرورة ، فإنها (٥) أعم من وقت تحل فيه الميتة ، ويمكن حمل النهي الوارد في جميع الباب عليه (٦) عليها (٧) جمعا (٨) ولعله أولى (٩) من الحمل على التقية والضرورة.

(ويحل ما تذبحه المسلمة (١٠) ، والخصي) ، والمجبوب ، (والصبي المميّز) دون

______________________________________________________

ـ (قُلْ لٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ) (١) فضلا عن الأخبار الكثيرة الدالة على أن حبهم إيمان وبغضهم كفر ونفاق.

(١) ومثل الناصبي الكافر.

(٢) وهو الخارج على المعصوم عليه‌السلام فقد ارتكب خلاف ما هو المعلوم ثبوته ضرورة من الدين وهو وجوب إطاعة المعصوم لقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) ، ومع إنكاره ما هو المعلوم يكون كافرا.

(٣) لأنه منكر لما ثبت من أن الله لا يشبهه شي‌ء.

(٤) أي خبر زكريا بن آدم.

(٥) أي الضرورة الواردة في الخبر ، والمعنى هي أعم من ضرورة أكل الميتة ، لإطلاقها في الخبر.

(٦) أي على ذبح المخالف.

(٧) أي على الكراهة.

(٨) بين أخبار النهي وأخبار الحل.

(٩) وجه الأولوية لأنّه بالحمل على الكراهة إعمالا بالطائفتين من الأخبار ، بخلاف الحمل على التقية أو الضرورة فلا بد من عدم إعمال إحدى الطائفتين.

(١٠) لا خلاف بين الأصحاب أنه لا يعتبر في الذابح الذكورة ولا الفحولة ولا البلوغ ولا البصر فيصح من المرأة والخصي والمجبوب والصبي المميز وكذا الأعمى للأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كانت لعلي بن الحسين عليه‌السلام جارية ـ

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية : ٢٣.

(٢) شروط النساء ، الآية : ٥٩.


المجنون ، ومن لا يميز ، لعدم القصد(والجنب) مطلقا (١) (والحائض) والنفساء ،

______________________________________________________

ـ تذبح له إذا أراد) (١) ، وصحيح ابن أذينة عن غير واحد عنهما عليهما‌السلام (إن ذبيحة المرأة إذا جاءت الذبح وسمّت فلا بأس بأكله ، وكذلك الصبي وكذلك الأعمى إذا سدّد) (٢) ، وصحيح إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن ذبيحة الخصي؟ فقال : لا بأس) (٣) ، نعم ذبح المرأة والصبي والخصي مكروه لما ورد من النصوص في جواز ذبح المرأة والصبي في حال الضرورة للنبوي (يا علي ليس على النساء جمعة ـ إلى أن قال ـ ولا تذبح إلا عند الضرورة) (٤) ، والمرسل عن الرضا عليه‌السلام (عن ذبيحة الصبي قبل أن يبلغ وذبيحة المرأة؟ قال عليه‌السلام : لا بأس بذبيحة الصبي والخصي والمرأة إذا اضطروا إليه) (٥).

ومما تقدم تعرف عدم اشتراط الطهارة في الذابح فيصح من الجنب والحائض وكذا الأغلف وولد الزنا لإطلاق الأدلة ولخصوص أخبار.

منها : مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بأن يذبح الرجل وهو جنب) (٦) ، والمرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (سئل عن الذبح على غير طهارة فرخّص فيه) (٧) ، وخبر صفوان بن يحيى (سأل المرزبان أبا الحسن عليه‌السلام عن ذبيحة ولد الزنا وقد عرفناه بذلك ، قال : لا بأس به) (٨) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (سئل عن ذبيحة الأغلف ، قال : كان علي عليه‌السلام لا يرى به بأسا) (٩).

نعم يشترط القصد إلى الذبح فالمجنون والصبي غير المميز والسكران لا تحل ذبيحتهم ، لأنهم بمنزلة من كان في يده سكين وهو نائم فانقلب وقطع حلقوم شاة ، فلا يصدق عليه أن قد ذبحها ، ولا أقل من الشك عند عدم القصد فتبقى على أصالة الحرمة إلا أن تثبت الحلية ، نعم ربما اختلف الجنون فإنه فنون ، فإذا كان للمجنون تمييز فلا مانع من حل ذبيحته وكذا الصبي.

(١) سواء كانت جنابته من حلال أم حرام.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح حديث ٩ و ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣ و ١٠.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٧) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٩) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣.


لانتفاء المانع مع وجود المقتضي (١) للحل.

(والواجب في الذّبيحة أمور سبعة ـ الأول (٢) ـ أن يكون) فري الأعضاء (٣) (بالحديد) مع القدرة عليه (٤) ، لقول الباقر عليه‌السلام : لا ذكاة إلا بالحديد(فإن خيف فوت الذبيحة) بالموت ، وغيره (٥) ، (وتعذّر الحديد جاز بما يفري الأعضاء من ليطة (٦) وهي القشر الأعلى للقصب المتصل به(أو مروة حادة) وهي حجر يقدح

______________________________________________________

(١) وهو الذبح مع سائر الشرائط.

(٢) شروع في الآلة ، لا إشكال ولا خلاف أنه لا تصح التذكية ذبحا أو نحرا إلا بالحديد مع القدرة عليه للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الذبيحة بالليطة وبالمروة فقال : لا ذكاة إلا بحديد) (١) والليطة ـ بفتح اللام ـ هي القشر الأعلى للقصب المتصل به ، والمروة حجر يقدح به النار.

وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن ذبيحة العود والحجر والقصبة فقال : قال علي عليه‌السلام : لا يصلح إلا بالحديدة) (٢) ، وخبر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة) (٣) ، وموثق سماعة (سألته عن الذكاة فقال عليه‌السلام : لا تذكّ إلا بحديدة ، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام) (٤).

(٣) هذا في الذبح وكذا النحر.

(٤) على الحديد.

(٥) غير الموت كفوات الذبيحة من يد الذابح.

(٦) قد تقدم عدم جواز التذكية بغير الحديد مع القدرة عليه ، ومع الضرورة يجوز الذبح بغيره مما يقطع الأوداج من المحدّدات ولو من خشب وزجاج وغير ذلك ما عدا السن والعظم بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح ابن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكينا؟ فقال عليه‌السلام : إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك) (٥) ، وصحيح زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بالقصبة ، فقال عليه‌السلام : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به) (٦) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٣.


النار(أو زجاجة) مخير في ذلك من غير ترجيح. وكذا ما أشبهها من الآلات الحادة غير الحديد ، لصحيحة زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام قال : اذبح بالحجر ، والعظم ، وبالقصبة ، وبالعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس وفي حسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن المروة والقصبة والعود نذبح بها إذا لم نجد سكينا فقال : إذا فري الأوداج فلا بأس بذلك.

(وفي الظفر والسن (١) ...

______________________________________________________

ـ (لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة) (١) ، وخبر محمد بن مسلم (قال أبو جعفر عليه‌السلام في الذبيحة بغير حديدة قال : إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر) (٢).

(١) أما السن والظفر ففي جواز التذكية بهما عند الضرورة قولان ، العدم وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف وابن الجنيد والشهيد في غاية المرام لخبر رافع بن خديج (قلت يا رسول الله : إنا نلقى العدو غداء وليس معنا مدا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم الإنسان ، وأما الظفر فمدى الحبشة) (٣) ، وخبر الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن ابنه عن علي عليه‌السلام (ولا بأس بذبيحة المروة والعود واشباههما ما خلا السن والعظم) (٤).

والجواز وإليه ذهب ابن إدريس وكافة المتأخرين ، لأن الخبر الأول من طرق العامة فهو ضعيف السند ، وهو مشتمل على تعليل النهي عن الذبح بالظفر لأنه مدى الحبشة وهو تعليل غريب ، والخبر الثاني ضعيف بابن علوان فإنه عامّي لم يوثق ، على أن الجميع معارض بصحيح زيد الشحام المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة) (٥) والسن عظم ، والصحيح مقدم عليهما كما هو الواضح.

وعن أبي حنيفة من العامة الفرق بين المتصلين ببدن الإنسان والمنفصلين عنه ، فمنع الذبح في الأول دون الثاني من حيث إن المنفصلين كغيرهما من الآلات بخلاف المتصلين فإن ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ٤.

(٣) سنن البيهقي ج ٩ ص ٢٤٦.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٥ و ٣.


متصلين (١) ومنفصلين(للضرورة قول بالجواز) لظاهر الخبرين السالفين (٢). حيث اعتبر فيهما قطع الحلقوم ، وفري الأوداج ولم يعتبر خصوصية القاطع. وهو (٣) موجود فيهما (٤) ، ومنعه الشيخ في الخلاف محتجا بالاجماع ، ورواية رافع بن خديج أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما انهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا ، أو ظفرا وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة والرواية عامية ، والاجماع ممنوع.

نعم يمكن أن يقال مع اتصالهما : إنه (٥) يخرج عن مسمى الذّبح بل هو (٦) أشبه بالأكل (٧) ، والتقطيع (٨) ، واستقرب المصنف في الشرح المنع منهما (٩) مطلقا (١٠).

وعلى تقدير الجواز (١١) هل يساويان غيرهما مما يفري غير الحديد (١٢) ، أو يترتبان على غيرهما (١٣) مطلقا (١٤) مقتضى استدلال المجوّز بالحديثين الأول (١٥) وفي

______________________________________________________

ـ القطع بهما يخرج عن مسمّى الذبح ، بل هو أشبه بالأكل إذا كان القطع بالسن ، وأشبه بالتقطيع إذا كان القطع بالظفر ، واحتمله الشهيد في غاية المراد ، وبه يجمع بين أخبار النهي وغيرها بحمل أخبار النهي على المتصل ، وأخبار الجواز على المنفصل.

وفيه أنه جمع تبرعي لا شاهد له ، ومجرد الشباهة لا تمنع من العمل بعد إطلاق الدليل.

(١) ببدن الذابح.

(٢) وهما خبر زيد الشحام وخبر عبد الرحمن بن الحجاج.

(٣) أي قطع الحلقوم وفري الأوداج.

(٤) في الظفر والسن.

(٥) أي إن القطع بالسن والظفر.

(٦) أي القطع.

(٧) إن كان القطع بالسن.

(٨) إن كان القطع بالظفر.

(٩) من الظفر والسن متصلين أو منفصلين.

(١٠) مع الضرورة وعدمها.

(١١) أي جواز الذبح بالسن والظفر حال الاضطرار.

(١٢) بحيث هو مخيّر بين الذبح بالسن أو الظفر وبين الذبح بغير الحديد في حال تعذر الحديد.

(١٣) أي غير السن والظفر مما يفري غير الحديد.

(١٤) متصلين أو منفصلين.

(١٥) وهو كون السن والظفر مساويين لبقية الآلات غير الحديد حال الاضطرار.


الدروس استقرب الجواز بهما (١) مطلقا (٢) مع عدم غيرهما (٣) ، وهو (٤) الظاهر من تعليقه (٥) الجواز بهما (٦) هنا (٧) على الضرورة ، إذ لا ضرورة مع وجود غيرهما.

وهذا هو الأولى.

(الثاني استقبال القبلة (٨) بالمذبوح ، لا استقبال الذابح. والمفهوم من استقبال المذبوح الاستقبال بمقاديم بدنه. ومنه (٩) مذبحه.

______________________________________________________

(١) بالسن والظفر.

(٢) متصلين أو منفصلين.

(٣) مما عدا الحديد عند حال الضرورة.

(٤) أي ما استقر به في الدروس.

(٥) أي تعليق الماتن.

(٦) بالسن والظفر.

(٧) أي في اللمعة.

(٨) كان عليه بعد ذكر الآلة أن يذكر كيفية الذبح من قطع الأعضاء الأربعة ثم يذكر الشروط وهي أربعة من استقبال القبلة والتسمية والحركة بعد الذبح ، واختصاص النحر بالإبل ولغير الذبح وعلى كل يشترط استقبال القبلة في الذبح والنحر بلا خلاف للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن الذبيحة ، فقال : استقبل بذبيحتك القبلة) (١) وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة) (٢) ومثلها غيرها.

ويظهر من الأخبار المتقدمة أن المعتبر هو الاستقبال بالذبيحة وهو الاستقبال بمقاديم الذبيحة التي منها مذبحها دون الذابح معها ، نعم في مرسل الدعائم عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة ، أحدّ الشفرة واستقبل القبلة) ولكن مع إرساله لا ظهور فيه باستقبال الذابح لاحتمال إرادة الاستقبال بالبهيمة ، ولكن لا بأس بحملة على الندب كما صرح بذلك غير واحد.

هذا وقال في المسالك : (وربما قيل بأن الواجب هنا الاستقبال في المذبح والمنحر خاصة وليس ببعيد) انتهى وفيه أن الأمر باستقبال الذبيحة هو استقبالها بجميع مقاديمها لا خصوص مذبحها.

(٩) أي ومن الاستقبال بمقاديم بدنه الاستقبال بمذبحه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٢.


وربما قيل بالاكتفاء باستقبال المذبح خاصة ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الذبيحة فقال : استقبل بذبيحتك القبلة الحديث تدلّ على الأول.

هذا (١) (مع الإمكان (٢) ومع التعذر لاشتباه الجهة ، أو الاضطرار لتردي الحيوان ، أو استعصائه (٣) ، أو نحوه يسقط (٤) (ولو تركها (٥) ناسيا فلا بأس) للأخبار الكثيرة.

______________________________________________________

(١) أي استقبال القبلة.

(٢) قد ورد أن الحرمة على تعمد ترك الاستقبال كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال : لا بأس إذا لم يتعمد) (١) وصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة فقال : كل ، ولا بأس بذلك ما لم يتعمده) (٢) ، وصحيحه الآخر (سألت أبا جعفر عليه‌السلام (عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة ، قال : كل منها ، فقلت له : فإنه لم يوجهها ، فقال : فلا تأكل منها) (٣) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (سألته عن الرجل يذبح على غير قبلة ، قال : لا بأس إذا لم يتعمد) (٤) ، ومرسل الدعائم عنهما عليهما‌السلام (فيمن ذبح لغير القبلة إن كان خطأ أو نسي أو جهل فلا شي‌ء عليه وتؤكل ذبيحته ، وإن تعمد ذلك فقد أساء ولا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمد خلاف السنة) (٥) ومقتضى الحرمة عند تعمد ترك الاستقبال عدم الحرمة إذا لم يكن قادرا على الاستقبال ضرورة عدم صدق تعمد غير القبلة ولذا اشترط الاستقبال مع الإمكان ومع عدمه فلا ، وكذا لو لم يعلم جهة القبلة فذبحها ولو بان إلى غير جهة القبلة ، وكذا الناسي والجاهل بجهة القبلة لصدق عدم تعمد غير القبلة في الجميع ، بل مرسل الدعائم دال على معذورية الجاهل ولو كان جاهلا بالحكم وإن صدق عليه تعمد غير القبلة في الذبح ، وهو صريح الصحيح الثاني لمحمد بن مسلم المتقدم.

(٣) أي كونه عاصيا.

(٤) أي يسقط استقبال القبلة بالذبيحة.

(٥) أي ترك القبلة والمراد ترك استقبالها.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣ و ٤ و ٢ و ٥.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.


وفي الجاهل وجهان (١) ، وإلحاقه بالناسي حسن ، وفي حسنة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة قال : كل منها.

(الثالث ـ التسمية (٢) عند الذبح(وهي أن يذكر اسم الله تعالى) كما سبق (٣) ، فلو تركها عمدا فهي ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها ، وفي غير المعتقد (٤)

______________________________________________________

(١) من كون الجهل عذرا كالنسيان ، ومن صدق تعمد غير القبلة عليه وإن كان جاهلا بالحكم.

(٢) هذا هو الشرط الثاني في الذبح ، وهو محل اتفاق ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) ، والأخبار الكثيرة الدالة على أن المدار في الحلية على الاسم وقد تقدم بعضها في ذبيحة الكتابي.

ثم لو تركها متعمدا حرمت للآية المتقدمة ، ولو تركها نسيانا فتحل لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يذبح ولا يسمّي ، قال : إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح) (٢) وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل ذبح ولم يسمّ فقال : إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر ويقول : بسم الله على أوله وعلى آخره) (٣).

ولو اعتقد عدم التسمية وقد سمّى فالأظهر الحلية لإطلاق النصوص ، ولما دلّ على حلية ذبيحة المخالف ، وبعضهم لا يعتقد وجوبها ، وعن العلامة في المختلف عدم الاكتفاء بالتسمية من دون اعتقاد وجوبها ، وهو ضعيف بما تقدم ، هذا والمراد من التسمية هو ذكر الله عند الذبح أو النحر كما تقتضيه الآية المتقدمة ، كقوله : بسم الله أو الحمد لله أو يهلّله ويكبّره ، وعن العلامة الاكتفاء بلفظ (الله) لصدق اسم الله عليه ، وقد تقدم أن العرف يقتضي أن المراد بالتسمية هو ذكر الله بصفة كمال أو ثناء ، ويشعر به صحيح محمد بن مسلم (سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله فقال : هذا كله من أسماء الله ، لا بأس به) (٤).

(٣) أي كما سبق في الصيد من اشتراط العربية وذكره بصفة كمال أو ثناء.

(٤) وهو المخالف.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


وجهان (١) ، وظاهر الأصحاب التحريم ، لقطعهم باشتراطها (٢) من غير تفصيل (٣).

واستشكل المصنف ذلك (٤) ، لحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبا ، ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها.

ويمكن دفعه (٥) بأن حكمهم بحل ذبيحته من حيث هو مخالف ، وذلك (٦) لا ينافي تحريمها من حيث الاخلال بشرط آخر (٧).

نعم يمكن أن يقال : بحلها منه (٨) عند اشتباه الحال عملا بأصالة الصحة ، وإطلاق الأدلة (٩) ، وترجيحا للظاهر (١٠) من حيث رجحانها عند من لا يوجبها ، وعدم (١١) اشتراط اعتقاد الوجوب ، بل المعتبر فعلها كما مر (١٢) وإنما يحكم

______________________________________________________

(١) من صدق تعمد الترك فتحرم ، ومن كونه جاهلا بالحكم فيعذر كالناسي وتكون الذبيحة حلالا.

(٢) أي باشتراط التسمية.

(٣) بين المعتقد وعدمه.

(٤) أي حرمة ذبيحة المخالف لو تركها وهو غير معتقد بوجوبها حيث قال في الدروس : (التسمية عند النحر والذبح كما سلف ، فلو تركها عمدا فهو ميتة ، إذا كان معتقدا لوجوبها ، وفي غير المعتقد نظر ، وظاهر الأصحاب التحريم ، ولكنه يشكل بحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبا ، ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها) انتهى.

(٥) دفع إشكال المصنف.

(٦) من حكمهم بحلية ذبيحة المخالف من حيث هو مخالف.

(٧) وهو التسمية.

(٨) أي بحل الذبيحة من المخالف.

(٩) أي النصوص الدالة على حلية ذبيحة المخالف وقد تقدمت.

(١٠) فالأمر بالتسمية في القرآن دال على رجحانها عند من لا يعتقد بوجوبها ، والظاهر من حال المسلم أنه لا يترك الأمر الراجح.

(١١) معطوف على رجحانها والمعنى ترجيحا للظاهر من حيث رجحانها ومن حيث عدم اشتراط اعتقاد الوجوب ، بل المعتبر فعل التسمية في حلية الذبيحة والظاهر من حال المسلم أنه لا يتركها لأنها راجحة.

(١٢) سابقا في ذبيحة المخالف.


بالتحريم مع العلم بعدم تسميته وهو حسن.

ومثله (١) القول في الاستقبال(ولو تركها ناسيا حل) للنص وفي الجاهل الوجهان (٢) ويمكن الحاق المخالف الذي لا يعتقد وجوبها بالجاهل (٣) ، لمشاركته في المعنى (٤) خصوصا المقلد منهم.

(الرابع ـ اختصاص الإبل بالنحر (٥) ...

______________________________________________________

(١) أي ومثل القول في ترك التسمية عمدا من المعتقد وغير المعتقد القول في ترك الاستقبال من المعتقد وغير المعتقد.

(٢) من لحوق الجاهل بالناسي ، ومن كونه عامدا.

(٣) أي الجاهل حكما.

(٤) لمشاركته في الجهل باشتراط التسمية في حلية الذبيحة ، وإن كان المخالف معتقدا عدم الاشتراط بخلاف الجاهل فإنه غير معتقد للعدم.

(٥) اختصاص الإبل بالنحر وما عداها بالذبح هو المشهور بين الأصحاب فلو ذبح الإبل أو نحر ما عداه فلا يحل للأخبار.

منها : صحيح صفوان (سألت أبا الحسن عليه‌السلام (عن ذبح البقر في المنحر ، فقال عليه‌السلام : للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي) (١) وصحيح يونس بن يعقوب (قلت لأبي الحسن الأول : إن أهل مكة لا يذبحون البقر إنما يذبحون في لبّة البقرة فما ترى في أكل لحمها؟ فقال : فذبحوها وما كادوا يفعلون ، لا تأكل إلا ما ذبح) (٢) ، ومرسل الصدوق (قال الصادق عليه‌السلام : كل منحور مذبوح حرام ، وكل مذبوح منحور حرام) (٣) ، وهذه النصوص صريحة بأن ما ينحر لو ذبح أو العكس فلا يحلّ ، وهي ظاهرة في انحصار تذكية البقر بالذبح ، وهناك أخبار تدل على انحصار تذكية الإبل بالنحر.

منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك ، فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربة بعد أن تسمّى فكلّ ، إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكّه) (٤) ، وخبر الجعفي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمّى ويأكل) (٥).

نعم قد ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه أمر بنحر الفرس) (٦) ، وهو مع ضعف سنده وإعراض ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٢ و ٣.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح حديث ٥ و ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.


وذكره (١) في باب شرائط الذبح استطراد ، أو تغليب لاسم الذبح على ما يشمله (٢) (وما عداها (٣) من الحيوان القابل للتذكية غير ما يستثنى (٤) (بالذبح ، فلو عكس) فذبح الإبل ، أو جمع بين الأمرين (٥) ، أو نحر ما عداها (٦) مختارا(حرم) ومع الضرورة كالمستعصي يحل (٧) ، كما يحل طعنه كيف اتفق (٨) ، ولو استدرك الذبح بعد النحر ، أو بالعكس (٩) احتمل التحريم ، لاستناد موته إليهما (١٠) ، وإن كان

______________________________________________________

ـ المشهور عنه ومعارضته لغيره يطرح أو يحمل على التقية ، ومما تقدم تعرف ضعف ما عن الأردبيلي والسبزواري تبعا للشارح في بعض حواشيه من عدم قيام دليل صالح على التفصيل بين الابل فنحرها وبين غيرها فذبحها.

(١) أي ذكر النحر.

(٢) أي ما يشمل النحر ، وهو إزهاق الروح شرعا.

(٣) أي ما عدا الابل.

(٤) من السمك والجراد والجنين.

(٥) بين الذبح والنحر ، ومرسل الصدوق المتقدم دال على النهي عن الجمع بين الكيفيتين.

(٦) ما عدا الإبل.

(٧) لو عكس الأمر في المستعصي.

(٨) ولا يشترط طعنه في المنحر.

(٩) فاستدرك النحر بعد الذبح ، بحيث استدرك ما يعتبر من ذبحه أو نحره على تقدير فعل الآخر يحلّ كما عن الشيخ في النهاية لوجود المقتضي للحل ، وهو التذكية المعتبرة ، وتردد المحقق في الشرائع من حيث إن شرط حلّ المذكي وقوع تذكيته حال استقرار حياته ، والاستقرار مفقود قبل الاستدراك ، لأن الذبح والنحر يرفع استقرار الحياة ، فلو ذبح الإبل فلا محالة يرتفع استقرار الحياة فلو نحره بعد ذلك فلا يحلّ ، لأن النحر المذكي له لم يصادف استقرار حياته كما لو نحره ميتا أو أشرف على الموت ، ولذا اشترط في التذكية وقوعها في محل قابل لها ، وهو غير موجود في المقام المفروض هذا وقال الشارح في المسالك : (والتحقيق أن الحكم يرجع إلى تحقيق ما يعتبر في الحلّ من الحياة ، فإن اعتبرنا استقرارها كما هو المشهور لم يحلّ هنا ، لفقد الشرط ، وإن اكتفينا بالحركة بعد الذبح أو النحر وخروج الدم أو أحدهما لزم الحكم بالحل إذا وجد الشرط ، وسيأتي أن المعتبر هو الثاني فيحلّ هنا) انتهى.

(١٠) إلى الذبح والنحر ، مع أن المعتبر أحدهما مع استقرار الحياة ، فلو ضم أحدهما إلى الآخر لكان الموجود أحدهما مع عدم استقرار الحياة ، فيكون كورود أحدهما إشراف الحيوان على الموت فيحرم.


كل منهما (١) كافيا في الازهاق لو انفرد (٢).

وقد حكم (٣) المصنف وغيره باشتراط استناد موته إلى الذكاة (٤) خاصة (٥) وفرعوا عليه (٦) أنه لو شرع في الذبح فنزع آخر حشوته (٧) معا (٨) فميتة ، وكذا (٩) كل فعل لا تستقر معه الحياة (١٠) ، وهذا (١١) منه (١٢) ، والاكتفاء (١٣) بالحركة (١٤) بعد الفعل المعتبر (١٥) ، أو خروج الدم (١٦) المعتدل كما سيأتي.

(الخامس ـ قطع الأعضاء الأربعة) في المذبوح (١٧) (وهي المري‌ء) بفتح الميم

______________________________________________________

(١) من الذبح أو النحر.

(٢) لأنه يكون مع استقرار الحياة.

(٣) وهو حكم المشهور بورود الذبح أو النحر مع استقرار الحياة.

(٤) المقررة من الذبح أو النحر.

(٥) وهذا يتضمن استقرار حياة الحيوان.

(٦) على حكمهم بكون الحل مشروطا بالذبح أو النحر مع استقرار الحياة.

(٧) أي أمعائه.

(٨) أي حال الذبح بحيث استند الموت إليهما معا ، فيحرم لعدم كون الذبح قد ورد على محل مستقر الحياة ، أو فقل لعدم استناد موته إلى الذكاة خاصة.

(٩) عطف على نزع الحشوة المقارن للذبح أو النحر.

(١٠) فلو تصاحب مع الذبح أو النحر فلا يحلّ.

(١١) أي استدراك الذبح بعد النحر أو العكس.

(١٢) أي من الفعل الذي لا تستقر معه الحياة لو تصاحب مع الذبح أو النحر المقرّر في التذكية فلا تحل معه الذبيحة.

(١٣) عطف على التحريم ، والمعنى واحتمل الاكتفاء.

(١٤) أي حركة رجل الحيوان أو حركة عينه.

(١٥) أي المعتبر في تذكيته من الذبح أو النحر وهو الفعل الذي استدركه ثانيا بعد إتيانه بالآخر أولا.

(١٦) عطف على الحركة أي ويحتمل الاكتفاء بخروج الدم المعتدل بعد الفعل المعتبر ، أو الاكتفاء بكليهما معا كما سيأتي.

(١٧) المشهور في كيفية الذبح قطع الأعضاء الأربعة ، وهي المريّ بتشديد الياء مع فتح الميم وكسر الراء وهو مجرى الطعام والشراب ، والحلقوم بضم الحاء وهو مجرى النفس ، ـ


والهمزة آخره(وهو مجرى الطعام) والشراب المتصل بالحلقوم (١) (والحلقوم) بضم الحاء(وهو للنفس) أي المعد لجريه فيه(والودجان وهما عرقان يكتنفان الحلقوم). فلو قطع بعض هذه لم يحلّ وإن بقي يسير.

وقيل : يكفي قطع الحلقوم ، لصحيحة زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس ، وحملت على الضرورة لأنها وردت في سياقها (٢) مع معارضتها بغيرها (٣).

ومحل الذبح الحلق تحت اللحيين (٤) ، ومحل النحر وهدة اللبّة (٥) (و) لا يعتبر

______________________________________________________

ـ والودجان بفتح الواو والدال المهملة وهما عرقان كبيران في جانبي قدام العنق محيطان بالحلقوم كما عن بعض أو محيطان بالمري‌ء كما عن آخر ، ويدل على المشهور صحيح ابن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (عن المروة والقصبة والعود يذبح بهن الإنسان إذا لم يجد سكينا؟ فقال : إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك) (١) وعن ابن الجنيد الاكتفاء بقطع الحلقوم خاصة وإليه مال المحقق في الشرائع والشارح في المسالك والعلامة في المختلف لصحيح زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بالقصبة ، فقال عليه‌السلام : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به) (٢) ، والذي يخفف الخطب ما عن الفاضل المقداد من أن الأوداج الأربعة متصلة بعضها مع بعض فإذا قطع الحلقوم فلا بدّ أن ينقطع الباقي معه ، ومعه لا معنى لهذا النزاع.

(١) أي المتصل بالحلقوم من تحته كما في الرياض.

(٢) أي سياق الضرورة.

(٣) وهو صحيح ابن الحجاج.

(٤) وهما عظمان عند الذقن تنبت على بشرتهما اللحية.

(٥) بفتح اللّام وتشديد الباء أسفل العنق بين أصله وصدره ، ووهدتها الموضع المنخفض منها لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (النحر في اللّبة والذبح في الحلقوم) (٣).

هذا ويكفي في المنحور طعنه في وهدة اللبة بمعنى يكفي إدخال السكين ونحوها فيها من غير أن يقطع الحلقوم بلا خلاف فيه ، وعن بعض العامة اعتبار قطع الحلقوم المري‌ء.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.


فيه قطع الأعضاء ، بل(يكفي في المنحور طعنة في وهدة اللبّة) وهي ثغرة النحر بين الترقوتين ، وأصل الوهدة المكان المطمئن وهو المنخفض ، واللبة بفتح اللام وتشديد الباء المنحر ، ولا حد للطعنة طولا وعرضا ، بل المعتبر موته بها خاصة.

(السادس الحركة بعد الذبح أو النحر (١) ...

______________________________________________________

(١) قد عرفت أن استقرار الحياة للحيوان أن لا يكون مشرفا على الموت بحيث يمكن لمثله أن يعيش اليوم واليومين ، وعليه فهل يعتبر استقرار الحياة في الحيوان حين التذكية كما عن المشهور ، بين المتأخرين أو لا يعتبر إلا أصل الحياة كما عن جماعة من القدماء ، وعن الشيخ يحيى بن سعيد أن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب.

وعلى كل فاستدل لاعتبار استقرار الحياة بأن ما لا تستقر فيه الحياة قد صار بمنزلة الميتة ، واستدل للعدم للأخبار.

منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (كل كلّ شي‌ء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردّية وما أكل السبع ، وهو قول الله عزوجل : إلا ما ذكيتم ، فإن أدركت شيئا منها وعينه تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله) (١) ومن الواضح أن الذبيحة من النطيحة والمتردّية وأكيلة السبع غير مستقرة الحياة حال التذكية.

وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الذبيحة فقال : إذا تحرّك الذنب والطرف أو الاذن فهو ذكي) (٢) وخبر أبان بن تغلب عنه عليه‌السلام (إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تتحرك أذناها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال) (٣) ومثلها غيرها ، وهي ظاهرة في حلية الذبيحة مع التذكية إذا تحركت بعد الذبح سواء كانت مستقرة الحياة أم لا. وغالب ظاهر النصوص على أن محل الحركة بعد الذبح ، وهذا صريح بعضها كصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط؟ فقال عليه‌السلام : لا تأكل ، إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل) (٤).

هذا كله من جهة ومن جهة أخرى فهل المدار على الحركة بعد الذبح كما عن الصدوق والعلامة في المختلف وقواه الشارح في المسالك وسيد الرياض للنصوص المتقدمة حيث اكتفت بالحركة فقط. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


ويكفي مسماها (١) في بعض الأعضاء كالذنب والأذن ، دون التقلص (٢)

______________________________________________________

ـ أو المدار على كفاية الحركة أو خروج الدم بعد الذبح كما عن الأكثر جمعا بين ما تقدم وبين جملة من الأخبار دالة على كفاية خروج الدم.

منها : صحيح زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال عليه‌السلام : اذبح بالحجر والعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن مسلم ذبح فسمّى فسبقه السكين بحدتها فأبان الرأس؟ فقال عليه‌السلام : إذا خرج الدم فكل) (٢) ، وخبر الحسين بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل ضرب بقرة بفأس فسقطت؟ فقال عليه‌السلام : فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا واطعموا ، وإن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه) (٣).

وأورد الشارح على الأخير إشكالا بضعف السند ، لأن الحسين بن مسلم مجهول ، وتبعه في التضعيف سيد الرياض ، مع أن الخبر مروي بطريق آخر قوي ، فقد رواه الحميري في قرب الإسناد عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) مع إبدال قوله (فسقطت) بقوله (فوقذها).

على أن الظاهر هو اعتماد الأصحاب على هذا الخبر الأخير ، لأنهم لم يكتفوا بخروج الدم ، بل قيّدوه بخروجه معتدلا ، ولا مدرك لهم في هذا القيد سوى هذا الخبر ، فسنده منجبر بعملهم ولا داعي للتشكيك في حجيته من هذه الجهة.

نعم ورد في بعض الأخبار عدم كفاية خروج الدم وأنه لا بد من الحركة معه كصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط؟ فقال عليه‌السلام : لا تأكل ، إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل) (٥).

والحق هو اعتبار الأمرين من الحركة وخروج الدم معتدلا جمعا بين النصوص وهذا ما ذهب إليه المفيد وابن الجنيد.

(١) مسمى الحركة.

(٢) تقلص : انضم وانزوى وانقبض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ وملحقه.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


والاختلاج (١) فإنه قد يحصل في اللحم المسلوخ(أو خروج الدم المعتدل) وهو (٢) الخارج بدفع ، لا المتثاقل ، فلو انتفيا (٣) حرم (٤) ، لصحيحة الحلبي على الأول (٥) ورواية الحسين بن مسلم على الثاني (٦).

واعتبر جماعة اجتماعهما (٧) وآخرون الحركة وحدها ، لصحة روايتها (٨) ، وجهالة الأخرى (٩) بالحسين.

وهو (١٠) الأقوى. وصحيحة الحلبي وغيرها مصرحة بالاكتفاء في الحركة بطرف العين ، أو تحريك الذنب ، أو الاذن من غير اعتبار أمر آخر (١١) ، ولكن المصنف هنا وغيره من المتأخرين اشترطوا مع ذلك (١٢) أمرا آخر كما نبه عليه بقوله : (ولو علم عدم استقرار الحياة حرم (١٣) ولم نقف لهم فيه (١٤) على مستند ، وظاهر القدماء كالأخبار الاكتفاء بأحد الأمرين (١٥) أو بهما ، من غير اعتبار استقرار الحياة. وفي الآية إيماء إليه (١٦) ، وهي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ

______________________________________________________

(١) وهو الحركة الخفيفة.

(٢) أي الدم المعتدل.

(٣) من الحركة وخروج الدم المعتدل.

(٤) أي حرم المذبوح أو المنحور.

(٥) على الحركة بعد الذبح أو النحر.

(٦) على خروج الدم المعتدل.

(٧) أي اجتماع الحركة بعد الذبح مع خروج الدم المعتدل.

(٨) أي صحة رواية الحركة ، وفيه أن بعض ما دل على اعتبار خروج الدم صحيح أيضا.

(٩) أي الرواية الأخرى الدالة على خروج الدم ، وقد عرفت ما فيه.

(١٠) أي الاكتفاء بالحركة وحدها.

(١١) وهو استقرار الحياة في الذبيحة حال التذكية وفي هذا توطئة للرد على المشهور حيث اعتبر استقرار الحياة.

(١٢) مع الحركة بعد الذبح.

(١٣) أي المذبوح أو المنحور.

(١٤) أي في اشتراط الأمر الآخر.

(١٥) من الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل.

(١٦) أي إلى عدم اعتبار استقرار الحياة.


وَالدَّمُ) إلى قوله : (إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ) (١) ، ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام في تفسيرها (٢) فإن أدركت شيئا منها (٣) وعين تطرف ، أو قائمة تركض ، أو ذنبا يمصع (٤) فقد أدركت ذكاته فكله ومثلها أخبار كثيرة.

قال المصنف في الدروس : وعن يحيى (٥) أن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب. ونعم ما قال (٦) ، وهذا (٧) خلاف ما حكم به هنا ، وهو (٨) الأقوى. فعلى هذا (٩) يعتبر في المشرف على الموت ، وأكيل السبع ، وغيره الحركة بعد الذبح وإن لم يكن مستقر الحياة ، ولو اعتبر معها (١٠) خروج الدم المعتدل كان أولى.

(السابع ـ متابعة الذبح حتى يستوفي) قطع الأعضاء (١١) ، فلو قطع البعض

______________________________________________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٣.

(٢) أي تفسير الآية.

(٣) من النطيحة والمتردّية وأكيلة السبع.

(٤) أي يتحرك.

(٥) أي يحيى بن سعيد ابن عم المحقق الحلي ، وله كتاب الجامع ونزهة الناظر في الفقه.

(٦) أي ما قال يحيى.

(٧) أي قول المصنف في الدروس.

(٨) أي ما قاله المصنف في الدروس.

(٩) من عدم اعتبار استقرار الحياة.

(١٠) مع الحركة بعد الذبح.

(١١) يجب متابعة الذبح حتى يستوفي قطع الأعضاء الأربعة بتمامها بحيث لا يخرج عن الكيفية المتعارفة بالتراخي في زمن القطع ، وعليه فلو قطع بعض الأعضاء وأرسله ثم قطع الباقي ، فإن كان وقت الإرسال قصيرا جدا على وجه لا يقدح في التتابع المتعارف في الذبح فلا إشكال في الحلية لعدم الخروج عن كون الفعل متحدا.

وإن كان الزمن غير قصير وكان مضرا بالتتابع فإن كانت حياته مستقرة عند قطع الباقي فلا خلاف ولا إشكال في الحل ، وإن لم تكن حياته مستقرة حرم ، لأن قطع الباقي بمنزلة ذبح الميت فهو لا ينفع ، وقطع الأول قبل الإرسال غير مجد لعدم قطع الأربع به ، وإليه ذهب الشهيد في الدروس والمحقق الثاني. وعن العلامة في الإرشاد الجزم بالحل ، وهو خيرة المحقق في الشرائع والشارح في المسالك لأن إزهاق روحه قد تم بالذبح لا بغيره هذا هو المقتضى للحل مع عدم المانع ، إذ ليس إلا عدم المتابعة ولم يرد من الشارع ـ


وأرسله (١) ثم تممه (٢) ، أو تثاقل بقطع البعض حرم ، إن لم يكن في الحياة استقرار ، لعدم صدق الذبح مع التفرقة كثيرا ، لأن الأول (٣) غير محلل (٤) ، والثاني (٥) يجري مجرى التجهيز على الميت.

ويشكل مع صدق اسم الذبح عرفا مع التفرقة كثيرا. ويمكن استناد الإباحة (٦) إلى الجميع (٧). ولولاه (٨) لورد مثله (٩) مع التوالي (١٠) واعتبار استقرار الحياة ممنوع (١١) ، والحركة اليسيرة (١٢) الكافية (١٣) مصححة فيهما (١٤) مع أصالة الإباحة إذا صدق اسم الذبح.

______________________________________________________

ـ ما يدل على اشتراطهما في الحل.

هذا وقال الشارح في المسالك : (وهذا كله مبني على اشتراط استقرار الحياة في المذبوح ، أما لو اكتفينا بعده بالحركة أو خروج الدم سقط هذا البحث ، واعتبر في الحل أحدهما أو كلاهما) انتهى.

(١) أي أرسل المذبوح.

(٢) أي تمم القطع.

(٣) وهو قطع بعض الأعضاء قبل الإرسال.

(٤) لعدم قطع الأعضاء الأربعة به.

(٥) وهو قطع الباقي بعد الإرسال.

(٦) أي إباحة المذبوح المستندة إلى إزهاق روحه بقطع الأعضاء الأربعة.

(٧) أي إلى القطعين.

(٨) أي ولو لا استناد الإباحة إلى القطعين هنا.

(٩) أي مثل هذا الإشكال.

(١٠) أي توالي الذبح بحيث يقطع بعض الأعضاء بعد بعض على التوالي ، فيأتي الإشكال المتقدم من أن قطع الأول غير مجد ، وقطع الثاني بمنزلة التجهيز على الميت.

وفيه : إن الفرق بين الفرعين واضح لا خفاء فيه ، ففي الأول هناك التراخي بين القطعين بحيث يصدق عرفا أن القطع الثاني قد ورد على غير مستقر الحياة بخلاف الفرع الثاني فلا تراخي بين القطعين ، بل لا يوجد إلا قطع واحد عرفا.

(١١) وعليه يسقط البحث بتمامه ، لأن البحث المتقدم مبني على اشتراط استقرار الحياة.

(١٢) أي حركة المذبوح ببعض أعضائه بعد الذبح.

(١٣) من دون اشتراط خروج الدم المعتدل.

(١٤) في التوالي وعدمه.


وهو (١) الأقوى(و) على القولين (٢) (لا تضر التفرقة اليسيرة) التي لا تخرج عن المتابعة عادة.

(ويستحب نحر الإبل قد ربطت أخفافها (٣) أي أخفاف يديها(إلى آباطها) (٤) بأن (٥) يربطهما (٦) معا مجتمعين من الخف إلى الآباط (٧) ، وروي أنه يعقل يدها

______________________________________________________

(١) أي الحكم بالحلية وإن توانى في القطع مع اشتراط الحركة بعد الذبح.

(٢) من حل الذبيحة مع التفرقة كثيرا ومن حرمتها مع هذه التفرقة.

(٣) جمع خف ، وهو في الإبل كالحافر في الفرس.

(٤) جمع إبط بالكسر ، وهو ما تحت الجناح ، وهو باطن المنكب.

(٥) تفسير للربط المذكور.

(٦) أي اليدين.

(٧) فالمراد أن يجمع يديه ويربطهما ما بين الخف والآباط ، وليس المراد أنه يعقل يديه إلى آباطه ، لأنه لا يستطيع القيام حينئذ مع أن المستحب في الإبل أن تكون قائمة حال النحر ، والمستند هو هذا الحكم في خبر حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (وأما البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه) (١) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في قول الله عزوجل : فاذكروا اسم الله عليها صواف ، قال : ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة ، ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض) (٢) ، وأما استحباب نحرها وهي قائمة لخبر أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : كيف تنحر البدنة؟ فقال : تنحر وهي قائمة من قبل اليمين) (٣).

نعم ورد أنه يعقل يدها اليسرى فقط كما في خبر أبي خديجة (رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ، ثم يقوم به ـ أي بالنحر ـ من جانب يدها اليمنى) (٤) ، وخبر الدعائم (سئل كيف ينحر؟ فقال : يقام قائما حيال القبلة ، وتعقل يده الواحدة ، ويقوم الذي ينحره حيال القبلة فيضرب في لبته بالشفرة) (٥) وروت العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه (كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها) (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٢ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبح حديث ٣ من كتاب الحج.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٥.

(٦) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٢٧.


اليسرى من الخف إلى الركبة ويوقفها على اليمنى. وكلاهما حسن(وأطلقت أرجلها ، والبقر تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه (١) ، والغنم تربط يداه ورجل واحدة) وتطلق الأخرى(ويمسك صوفه ، وشعره ، ووبره حتى يبرد (٢) وفي رواية حمران بن أعين إن كان من الغنم فأمسك صوفه ، أو شعره ، ولا تمسكنّ يدا ولا رجلا. والأشهر الأول.

(والطير يذبح ويرسل) ولا يمسك ، ولا يكتف (٣) (ويكره أن تنخّع الذبيحة) وهو (٤) أن يقطع نخاعها (٥) قبل موتها ، وهو (٦) الخيط الأبيض الذي وسط الفقار بالفتح ممتدا من الرقبة إلى عجب الذنب بفتح العين وسكون الجيم ، وهو (٧) أصله.

______________________________________________________

(١) لخبر حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (وإن كان شي‌ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسكنّ يدا ولا رجلا ، فأما البقر فأعقلهما وأطلق الذنب) (١).

(٢) كذا عن جماعة منهم المحقق مع أن الوارد في خبر حمران بن أعين عن أبي عبد الله في حديث : (وإن كان شي‌ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسكنّ يدا ولا رجلا) وهو لا يدل على الإمساك إلى حين برودته ولا يدل على عقل إحدى رجليه ، إلا أن الحكم استحبابي ولعل فتوى من تقدم كافية في الإثبات للتسامح في أدلة السنن.

(٣) كتّف الطائر كتفا وكتافا ردّ جناحيه إلى ورائهما ضاما لهما ومستند الحكم خبر حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الذبح؟ فقال : إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ، ولا تقلّب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق ، والإرسال للطير خاصة ، فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه ، فإنك لا تدري التردّي قتله أو الذبح) (٢).

(٤) أي التنخيع.

(٥) مثلث النون.

(٦) أي النخاع.

(٧) أي عجب الذنب ، وقد ورد النهي عن نخع الذبيحة في الأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن الذبيحة؟ فقال : استقبل ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢.


وقيل : يحرم ، لصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تنخع الذبيحة حتى تموت فإذا ماتت فانخعها ، والأصل في النهي التحريم. وهو الأقوى ، واختاره في الدروس. نعم لا تحرم الذبيحة على القولين (١) (وأن يقلّب السكين) بأن يدخلها تحت الحلقوم وباقي الأعضاء(فيذبح إلى فوق) ، لنهي الصادق عليه‌السلام عنه (٢) في رواية حمران بن أعين (٣) ، ومن ثم (٤) قيل بالتحريم (٥) ، حملا للنهي عليه (٦).

وفي السند من لا تثبت عدالته. فالقول بالكراهة أجود.

(والسلخ قبل البرد (٧) لمرفوعة محمد بن يحيى عن الرضا عليه‌السلام ، إذا

______________________________________________________

ـ بذبيحتك القبلة ، ولا تنخعها حتى تموت) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تنخع الذبيحة حتى تموت ، فإذا ماتت فانخعها) (٢) وقد نفى الخلاف الشيخ في المبسوط عن كراهة النخع ، وقال الشارح في المسالك : (وقيل : يحرم لأن الأصل في النهي التحريم ، فلا وجه للعدول إلى الكراهة ، وقد تقدم أن خبر النهي صحيح فالقول بالتحريم أقوى) انتهى.

(١) من تحريم التنخيع وكراهته ، أما على الكراهة فواضح ، وأما على التحريم فللأصل كما في المسالك ، والمراد بالأصل هنا أصالة عدم تحريم الذبيحة بعد تذكيتها شرعا وإن أتى بشي‌ء منهي عنه.

(٢) عن التقليب والذبح إلى فوق.

(٣) وقد تقدمت.

(٤) أي ولأجل النهي الوارد عنه.

(٥) كما عن الشيخ في النهاية وتبعه القاضي ابن البراج ، ولكن في طريق الرواية جهالة والد أبي هاشم الجعفري فالقول بالكراهة أجود لقصوره سندا.

(٦) على التحريم.

(٧) لخبر محمد بن يحيى رفعه قال : (قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : إذا ذبحت الشاة وسلخت ، أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت لم يحل أكلها) (٣).

وقد حمله الشيخ في النهاية على حرمة السلخ قبل البرد ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، بل ذهبوا إلى تحريم الأكل أيضا ، وعن الأكثر الكراهة للأصل وضعف الرواية بالإرسال فلا ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


ذبحت الشاة وسلخت ، أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها.

وذهب جماعة منهم المصنف في الدروس والشرح (١) إلى تحريم الفعل (٢) استنادا إلى تلازم تحريم الأكل ، وتحريم الفعل (٣) ، ولا يخفى منعه (٤) بل عدم دلالته (٥) على التحريم (٦) والكراهة.

نعم يمكن الكراهة (٧) من حيث اشتماله (٨) على تعذيب الحيوان على تقدير شعوره (٩) ، مع أن سلخه قبل برده لا يستلزمه (١٠) ، لأنه (١١) أعم من قبليّة

______________________________________________________

ـ تصلح دليلا للحرمة ، نعم تحمل على الكراهة من باب التسامح.

(١) أي شرح الإرشاد.

(٢) وهو السلخ قبل الرد.

(٣) مع أن الخبر دال على تحريم الأكل ، وتحريم الأكل دال على تحريم الفعل.

(٤) منع التلازم إذ قد يحرم الأكل ولا يحرم الفعل كما في عدم تتابع الذبح فتحرم الذبيحة أكلا ولا يحرم الفعل ، وقد يحرم الفعل ولا يحرم الأكل كما في قلب السكين فالقلب محرم ولا يحرم الأكل.

(٥) الخبر المرفوع.

(٦) أي تحريم الفعل أو كراهته ، لأن المرفوع لم يتعرض للفعل حرمة أو كراهة ، وإنما تعرض للأكل فقط.

(٧) أي كراهة الفعل.

(٨) أي اشتمال السلخ قبل البرد.

(٩) إذا لم يتحقق موته وإن ذبح ، هذا والعجب من الشارح حيث نسب إلى الشهيد هنا الحكم بتحريم الأكل وتحريم الفعل ، أما تحريم الأكل فللخبر ، وأما تحريم الفعل فللتلازم ، مع أنه في المسالك قد نسب إلى الشهيد الحكم بتحريم الفعل دون تحريم الأكل ، أما حرمة الفعل فلما فيه من تعذيب الحيوان المنهي عنه ، وأما حلية الأكل فلعموم قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) ، بالإضافة إلى أن تعذيب الحيوان بالسلخ قبل البرد دليل الحرمة كما ذكره في المسالك وقد جعله هنا دليلا للكراهة.

(١٠) أي لا يستلزم تعذيب الحيوان ، وهذا رد منه لدليل الكراهة من حيثية التعذيب بالسلخ.

(١١) أي السلخ قبل البرد.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١١٩.


الموت (١). وظاهرهم أنهما (٢) متلازمتان. وهو (٣) ممنوع ، ومن ثم (٤) جاز تغسيل ميت الإنسان قبل برده (٥) ، فالأولى تخصيص الكراهة بسلخه قبل موته (٦).

(وإبانة الرأس عمدا) حالة الذبح (٧) ، للنهي عنه (٨) في صحيحة محمد بن

______________________________________________________

(١) فالسلخ قبل البرد أعم من كونه قبل الموت وبعده ، مع أنه بعد الموت لا يستلزم التعذيب.

(٢) أي قبلية البرد وقبلية الموت متلازمتان بحيث كل سلخ قبل البرد مستلزم للتعذيب ، لأنه قبل الموت.

(٣) أي التلازم بين قبلية البرد وقبلية الموت.

(٤) أي منع التلازم المذكور.

(٥) والحالة أنه لا يغسل إلا بعد موته.

(٦) إذا كان دليل الكراهة هو تعذيب الحيوان ، ولكن قد عرفت أن دليل كراهة الفعل أو حرمته هو الخبر المرفوع المتقدم.

(٧) ذهب ابن الجنيد والشيخ في النهاية وابن حمزة والقاضي ابن البراج والعلامة في المختلف والشهيدان إلى حرمة الذبيحة لو تعمد إبانة الرأس وقت الذبح لظاهر النهي في الأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح) (١) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة) (٢) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال عليه‌السلام : نعم ولكن لا يتعمد قطع رأسه) (٣) ، وخبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (أنه كان يقول : إذا أسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها) (٤) ومنطوقها كمفهوم غيرها أنه مع عدم التعمد فلا بأس.

وعن الشيخ في الخلاف وابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه وجماعة الكراهة ، وقد ادعى الشيخ في الخلاف إجماع الصحابة عليه ، وفيه أنه حمل بلا موجب وعلى كل فعلى القول بالتحريم هل تحرم الذبيحة به كما ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن زهرة ، وهو ظاهر ابن الجنيد والقاضي وابن حمزة استنادا إلى أن الذبح المشروع هو قطع الأعضاء الأربعة فقط ، والزائد عليها يخرج عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا ، ويضعّف بأن قطع الأعضاء الأربعة قد حصل ، فحصل الحلّ به ، ولا يلزم من تحريم الفعل الزائد تحريم الذبيحة للأصل.

(٨) عن تعمد إبانة الرأس.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح حديث ٥ و ٦.


مسلم عن الباقر عليه‌السلام : «لا تنخع ، ولا تقطع الرقبة بعد ما تذبح».

(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية وجماعة(بالتحريم) ، لاقتضاء النهي له (١) مع صحة الخبر. وهو الأقوى ، وعليه (٢) هل تحرم الذبيحة؟ قيل : نعم ، لأن الزائد عن قطع الأعضاء يخرجه (٣) عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون (٤) مبيحا.

ويضعّف بأن المعتبر في الذبح قد حصل (٥) ، فلا اعتبار بالزائد (٦) ، وقد روى الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام حيث سئل عن ذبح طير قطع رأسه أيؤكل منه؟ قال : نعم ولكن لا يتعمد قطع رأسه. وهو نص (٧) ، ولعموم قوله

تعالى : (فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ) (٨). فالمتجه تحريم الفعل ، دون الذبيحة فيه (٩) ، وفي كل ما حرّم سابقا (١٠).

ويمكن أن يكون القول (١١) المحكي بالتحريم متعلقا بجميع ما ذكر مكروها (١٢) ، لوقوع الخلاف فيها (١٣) أجمع ، بل قد حرمها المصنف في الدروس إلا قلب السكين فلم يحكم فيه بتحريم ، ولا غيره (١٤) ، بل اقتصر على نقل الخلاف.

______________________________________________________

(١) للتحريم.

(٢) وعلى تحريم تعمد إبانة الرأس.

(٣) ضمير الفاعل راجع إلى الزائد ، وضمير المفعول راجع إلى قطع الأعضاء.

(٤) قطع الأعضاء مع الزائد.

(٥) وهو قطع الأعضاء الأربعة.

(٦) وهو إبانة الرأس.

(٧) أي نص على تحريم الفعل عمدا دون الأكل.

(٨) سورة الأنعام ، الآية : ١١٩.

(٩) في تعمد إبانة الرأس.

(١٠) من نخع الذبيحة وقلب السكين والسلخ قبل البرد.

(١١) أي قول الماتن : (وقيل بالتحريم).

(١٢) من نخع الذبيحة وقلب السكين والسلخ قبل البرد.

(١٣) في المكروهات المذكورة سابقا.

(١٤) أي غير التحريم.


(وإنما تقع الذكاة على حيوان طاهر العين (١) غير آدمي ، ولا حشار (٢) وهي

______________________________________________________

(١) الحيوان على قسمين ، مأكول اللحم وغيره ، والثاني من غير مأكول اللحم على قسمين : نجس العين ماله نفس سائلة وغيره ، والأول من غير مأكول اللحم وغير نجس العين وله نفس سائلة إما سباع وإما مسوخ وإما حشرات وإما غيرها.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمراد بالتذكية أن يصير الحيوان طاهرا بها بعد الذبح ، ويحل أكل لحمه إذا كان من مأكول اللحم وعليه فلا بد أن يخرج ما لا نفس سائلة له لأنه طاهر حيا وميتا ، سواء ذكى أم لا ، ولا بد أن يخرج نجس العين لأنه نجس عينا حيا وميتا سواء ذكّى أم لا ، ولا بد أن يخرج الإنسان لأنه خارج عن موضوع البحث الذي هو الحيوان مع أنه لا خلاف في عدم وقوع التذكية عليه وإن جاز قتله كالكافر ولا بدّ أن يخرج ذو النفس السائلة من مأكول اللحم ، لوقوع التذكية عليه القاضية بطهارته وحلية أكل لحمه كما تقدم في بابي الصيد والذباحة ، فلا يبقى إلا ذو النفس السائلة من غير مأكول اللحم وقد عرفت أنه على أقسام أربعة من السباع والحشرات والمسوخ وغيرها. ومن جهة ثالثة فمحل الكلام في التذكية بالذبح أو النحر ، وأما التذكية بالأخذ فإنه مختص بالسمك والجراد.

(٢) جمع حشرة ، كثمار جمع ثمرة ، والمراد بالحشرات ما سكن باطن الأرض من الدواب كالفأرة وابن عرس والضب والحية وما شاكل ، والمشهور على الوقوع لأن الأصل هو البناء على طهارة الحيوان إذا وقعت عليه التذكية إلا ما خرج بالدليل للأخبار.

منها : صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : (عن لباس الفراء والسمّور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال عليه‌السلام : لا بأس بذلك) (١) ووجه الاستدلال عدم جواز لبس غير المذكى لأنه نجس وعليه فيدل على جواز لبس كل جلد إذا ذكى ، لأنه طاهر ، وهو مطلق يشمل جلود الحشرات المذكورة ، وموثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسدة ذكّاه الذابح أو لم يذكه) (٢) فهو ظاهر في أن الذبح تذكية لكل حيوان ، وظاهر في أن غير مأكول اللحم مطلقا قابل للتذكية ، إذ لو لم يكن غير مأكول اللحم قابلا للتذكية لما كان وجه لقوله : وإن ذكّاه الذابح وعن جماعة منهم الشارح في المسالك والماتن هنا أنه غير قابل للتذكية ، لأن الأصل عدم وقوع التذكية على كل حيوان إلا ما خرج بالدليل لخبر علي بن حمزة (سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما‌السلام عن لباس الفراء ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلي حديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي حديث ١ من كتاب الصلاة.


ما سكن الأرض من الحيوانات كالفأر ، والضب ، وابن عرس(ولا تقع على الكلب والخنزير (١) إجماعا(ولا على الآدمي وان كان كافرا (٢) إجماعا ، (ولا على الحشرات (٣) على الأظهر ، للأصل (٤) إذ لم يرد بها (٥) نص.

(وقيل : تقع) (٦) وهو شاذ (٧).

(والظاهر وقوعها (٨) على المسوخ (٩) ...

______________________________________________________

ـ والصلاة فيها؟ فقال عليه‌السلام : لا تصل فيها إلا ما كان منه ذكيا ، قلت : أو ليس الذكيّ ما ذكيّ بالحديد؟ قال عليه‌السلام : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال عليه‌السلام : لا بأس بالسنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم) (١) وهو ظاهر في عدم وقوع التذكية على الحيوان غير مأكول اللحم إلا ما خرج بالدليل ، وهذا الأصل شامل للحشرات المذكورة والخبر لا يصلح لمعارضة ما تقدم ، لأن ما تقدم أكثر عددا وأصح مسندا.

(١) لأنهما نجسا العين حال الحياة والموت.

(٢) والكافر مما يجوز قتله ، ولكن لا تقع عليه التذكية القاضية بطهارته ، بل يكون الإنسان نجسا عند موته وإن ذكّى.

(٣) قد تقدم الكلام فيها.

(٤) من أصالة عدم وقوع التذكية على غير مأكول اللحم إلا ما خرج بالدليل.

(٥) بتذكية الحشرات.

(٦) أي تقع التذكية على الحشرات.

(٧) باعتبار عدم الدليل على وقوع التذكية على الحشرات عنده فشذوذ القول باعتبار عدم الدليل ، ولذا قال في المسالك : (البحث في الحشرات كالبحث في المسوخ ، فإنه لا دليل صالحا لوقوعه عليها) انتهى ، وإلا فقد عرفت أن المشهور على وقوع التذكية.

(٨) أي وقوع التذكية.

(٩) المراد بالمسوخ هنا المسوخ من غير السباع ومن غير الحشرات وأن لا يكون نجس العين وإلا فالمسخ إن كان من السباع أو الحشرات أو نجس العين فله حكم ما يلحق به.

وعلى كل فقد حكم الشيخ وسلار وابن حمزة بنجاسة المسوخ ، وعليه فلا تقع عليها التذكية كما لا تقع على الكلب الخنزير ، وهو مبنى ضعيف. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي حديث ٣.


(والسباع (١) ، ...)

______________________________________________________

ـ ومن قال بطهارتها اختلفوا فعن المشهور كما في كشف اللثام أنها تقع للأصل المؤيّد بما دل على حلية الأرنب والقنفذ والوطواط ، وهي مسوخ ، وليس الحل في لحمها عندنا فيكون في جلدها ، فقد ورد في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان يكره أن يؤكل لحم الضب والأرنب والخيل والبغال ، وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير) (١) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل ، فقال : ليس الحرام إلا ما حرّم الله في كتابه) (٢) وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عزوف النفس ، وكان يكره الشي‌ء ولا يحرّمه ، فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرمها) (٣).

وعن المحقق والشارح وجماعة بل نسب إلى المشهور عدم وقوع التذكية عليها للأصل القاضي من عدم وقوع التذكية على الحيوان غير مأكول اللحم إلا ما خرج بالدليل ، ولا دليل في المسوخ ، وما ورد في الأرنب والقنفذ إنما يدل على حلية لحمها وهذا مما لم يلتزم به أحد ، وحمله على حلية جلودها بالتذكية على خلاف الظاهر.

(١) وهي سباع الطير والوحوش ، وهي ما يفترس الحيوان بمخلبه أو بنابه ، أو كل ما كان ذا ناب أو مخلب ، أو كل ما يتغذى باللحم كالأسد والنمر والفهد والثعلب والباشق والنسر والعقاب.

فالمشهور على وقوع التذكية عليها بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلدها لطهارته ، وعن الشهيد أنه لا يعلم فيه مخالف ، وعن المفاتيح أنه مذهب الكل ، وعن المفيد وسلّار وابن حمزة عدم الوقوع ذكروه في الجنايات ، وظاهر الشارح في المسالك تقويته لو لا الإجماع على الوقوع.

ومما يدل على المشهور خبر سماعة (سألته عن لحوم السباع وجلودها؟ فقال : أما لحوم السباع فمن الطير والدواب فإنا نكرهه ، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه) (٤) ، وخبر أبي مخلّد (كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل معتب فقال : بالباب رجلان ، فقال عليه‌السلام : فأدخلهما ، فدخلا ، فقال أحدهما : إني رجل سرّاج أبيع ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلي حديث ٤ من كتاب الصلاة.


لرواية (١) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه سئل عن سباع الطير ، والوحش حتى ذكر القنافذ ، والوطواط ، والحمير ، والبغال ، والخيل فقال : ليس الحرام إلا ما حرّم الله في كتابه» وليس المراد نفي تحريم الأكل ، للروايات الدالة على تحريمه (٢) ، فبقي عدم تحريم الذكاة (٣) ، وروى (٤) حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عزوف النفس وكان يكره الشي‌ء ولا يحرمه فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرمها». وهو محمول أيضا على تحريم ذكاتها ، وجلودها جمعا بين الأخبار (٥) ، والأرنب من جملة المسوخ ولا قائل بالفرق بينها (٦).

وروى (٧) سماعة قال «سألته عن لحوم السباع وجلودها؟ فقال : أما اللحوم فدعها ، وأما الجلود ، فاركبوا عليها ، ولا تصلوا فيها». والظاهر أن المسئول الإمام. ولا يخفى بعد هذه الأدلة (٨).

______________________________________________________

ـ جلود النمر ، فقال عليه‌السلام : مدبوغة هي؟ قال : نعم ، قال عليه‌السلام : ليس به بأس) (١) وموثق سماعة (سألته عن جلود السباع ينتفع بها ، فقال : إذا رميت وسميت فانتفع بجلده) (٢) وعليه فتردد الشارح في الحكم ليس في محله ، وذهاب البعض إلى عدم التذكية تمسكا بالأصل مع ورود هذه الأخبار ليس في محله أيضا.

(١) تعليل لوقوع التذكية على المسوخ.

(٢) على تحريم الأكل.

(٣) وإذا كانت الذكاة واردة على القنفذ والوطواط فهي من المسوخ كما سيأتي ، وبه تم المطلوب.

(٤) استدلال لوقوع التذكية على المسوخ أيضا.

(٥) بين هذين الخبرين الدالين على الحلية وبين أخبار تدل على الحرمة وستأتي في باب الأطعمة المحرّمة.

(٦) أي بين المسوخ ففي الأرنب وقوع التذكية وفي غيره فلا.

(٧) استدلال لوقوع التذكية على السباع.

(٨) أما الخبر الذي أورده على وقوع التذكية على السباع فقد استشكل فيه في المسالك بقوله (وكون الظاهر أن المسئول الإمام غير كاف في جواز العمل) ، وأما الخبران اللذان ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤ من كتاب الأطعمة والأشربة.


نعم قال المصنف في الشرح (١) : إن القول الآخر (٢) في السباع لا نعرفه لأحد منا ، والقائلون بعدم وقوع الذكاة على المسوخ أكثرهم (٣) عللوه (٤) بنجاستها.

وحيث ثبت طهارتها (٥) في محله توجه القول بوقوع الذكاة عليها إن تمّ ما سبق (٦) ، ويستثنى من المسوخ الخنازير ، لنجاستها ، والضب ، والفأر ، والوزغ ، لأنها من الحشار ، وكذا ما في معناها (٧).

وروى (٨) الصدوق بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أن المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا : القردة. والخنازير. والخفاش. والذئب (٩) والدب. والفيل.

والدعموص (١٠). والجريث (١١). والعقرب. وسهيل. والزهرة والعنكبوت.

______________________________________________________

ـ أوردهما على وقوع التذكية على المسوخ فقد استشكل فيهما في المسالك بقوله (وتلك الروايات إنما دلت على حلها وأنتم لا تقولون به ، وحينئذ فالقول بعدم وقوع الذكاة عليها أظهر) انتهى.

(١) شرح الإرشاد.

(٢) من عدم وقوع التذكية.

(٣) بل الشيخ وابن حمزة وسلار فقط.

(٤) أي عللوا عدم وقوع الذكاة على المسوخ بنجاستها.

(٥) أي طهارة المسوخ.

(٦) من دلالة الروايات المتقدمة على حل تذكيتها.

(٧) أي ما في معنى الحشرات من المسوخ.

(٨) شروع في تعداد المسوخ ، واجمع خبر يدل على تعدادها ما رواه الصدوق في علل الشرائع بإسناده عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليهما‌السلام (المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا ، منهم القردة والخنازير والخفّاش والضبّ والفيل والدب والدعموص والجريث ـ الجريّ ـ والعقرب وسهيل والقنفذ والزهرة والعنكبوت) (١) وقال الصدوق : سهيل والزهرة دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا.

(٩) وفي الوسائل (والضبّ).

(١٠) بالضم دويبة سوداء تكون في الغدران.

(١١) وهو الجريّ.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١٢.


والقنفذ ، قال الصدوق رحمه‌الله : والزهرة وسهيل دابتان وليستا نجمين. ولكن سمي بهما النجمان كالحمل والثور. قال : والمسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت وهذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة. وروي (١) عن الرضا عليه‌السلام زيادة الأرنب ، والفأرة ، والوزغ ، والزنبور ، وروي إضافة الطاوس (٢).

والمراد بالسباع : الحيوان المفترس (٣) كالأسد ، والنمر ، والفهد ، والثعلب ، والهر.

______________________________________________________

(١) كما في خبر محمد بن الحسن الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (الفيل مسخ كان ملكا زنّاء ، والذئب مسخ كان أعرابيا ديوثا ، والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل ، اعتدوا في السبت ، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر ، والفأرة وهي الفويسقة ، والعقرب وكان نمّاما ، والدبّ والوزغ والزنبور كان لحّاما يسرق في الميزان) (٢) فالمجموع ثلاثة عشر ، وقد زيد فيه الوطواط والأرنب والفأرة والوزغ والزنبور ، والدب أو الذئب فجعل الزائد أربعة كما فعله الشارح هنا ليس في محله.

(٢) كما في خبر سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله طاوسين أنثى وذكرا ، فلا تأكل لحمه ولا بيضه) (٢).

وقد روي إضافة الكلب كما في خبر سهل القرشي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن لحم الكلب ، فقال : هو مسخ) (٣) وإضافة القملة والعنقاء كما في خبر الديلمي عن الإمام الرضا عليه‌السلام (٤) ، بل في خبر أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : (فإن الله تبارك وتعالى مسخ سبعمائة أمة عصوا الأوصياء بعد الرسل ، فأخذ أربعمائة أمة منهم برّا ، وثلاثمائة بحرا ثم تلا هذه الآية : (فَجَعَلْنٰاهُمْ أَحٰادِيثَ وَمَزَّقْنٰاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)) (٥).

(٣) وظاهره الاقتصار على السباع من الوحوش فقط دون الطيور ، مع أن السباع أعم من سباع الطير والوحوش ، وقد عرفت أنه ما يتغذى باللحم ، وأنه كل ذي ناب أو مخلب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة حديث ٦ و ٤ و ١٥ و ٩.


الفصل الثالث ـ في اللواحق وفيه مسائل

(الأولى ـ ذكاة السمك المأكول : إخراجه من الماء حيا (١) ، ...

______________________________________________________

(١) اتفق الأصحاب على أن السمك لا تحلّ ميتته قطعا ، واتفقوا على عدم حلّ ما مات في الماء ، واختلفوا فيما تحصل به ذكاته ، فالمشهور على أن ذكاته بإثبات اليد عليه خارج الماء على أن يموت خارجه ، وقد اختلفوا في التعبير عنه فعن بعضهم أن تذكيته بإخراجه من الماء حيا ، وعن آخر أخذه حيا خارج الماء ، والاختلاف في التعبير ناشئ من اختلاف تعبير النصوص ففي بعضها أن ذكاته أخذه كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إنما صيد الحيتان أخذها) (١) ومثله خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ، وفي بعضها كفاية أخذه بعد خروجه من الماء كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد من النهر فماتت هل يصلح أكلها؟ قال عليه‌السلام : إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها ، وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها) (٣) ، وفي بعض ثالث أن ذكاته إخراجه من الماء كما في خبر الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (إن زنديقا قال له : والسمك ميتة ، قال : إن السمك ذكاته إخراجه من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه ، وذلك أنه ليس له دم ، وكذلك الجراد) (٤) ، والجمع بينها يقتضي أنه لا يشترط إخراجه من الماء حيا ، ولا أخذه من الماء حيا ، بل المدار على أخذه بعد خروجه من الماء ولو كان الخروج بنفسه كما لو وثب ، وليس المدار في أخذه على الأخذ الفعلي بل يكفي كونه تحت يده خارج الماء على أن يموت خارجه.

وعن المحقق في نكت النهاية كفاية خروجه من الماء حيا وموته خارجها سواء أخرجه مخرج أم لا ، وسواء كان قبل موته تحت اليد أم لا لخبر سلمة بن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا أدركتها وهي تضطرب وتضرب بيديها وتحرّك بذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها) (٥) ، وخبر زرارة (قلت : سمكة ارتفعت فوقعت على الجدد فاضطربت حتى ماتت ، آكلها؟ فقال : نعم) (٦) وخبره الآخر (قلت : السمك يثب من الماء فيقع على الشط فيضطرب حتى يموت ، فقال : كلها) (٧) ، وخبر سلمة ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٩ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح حديث ٨.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ٥ و ٤.


بل إثبات (١) اليد عليه خارج الماء حيا وإن لم يخرجه (٢) منه كما نبه عليه (٣) بقوله : (ولو وثب (٤) فأخرجه حيا ، أو صار خارج الماء) بنفسه (٥) (فأخذه حيا حلّ ولا يكفي في حلّة نظره) (٦) قد خرج من الماء حيا ثم مات على أصح (٧) القولين ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام في حسنة (٨) الحلبي «إنما صيد الحيتان أخذه» ، وهي (٩) للحصر ، وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام «قال : سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد (١٠) من النهر فماتت هل يصلح أكلها؟ فقال : إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها ، وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها».

وقيل : يكفي في حلّه خروجه من الماء ، وموته خارجه (١١) ، وإنما يحرم بموته (١٢) في الماء ، لرواية سلمة بن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن عليا صلوات الله عليه كان يقول في صيد السمك : إذا أدركها الرجل وهي تضطرب ، وتضرب بيديها ، ويتحرك ذنبها ، وتطرف بعينها فهي ذكاته» ، وروى زرارة «قال :

______________________________________________________

ـ ضعيف به ، لأنه ضعيف أو مجهول ، وخبرا زرارة مقطوعان مع أن قطع زرارة لا يضره لأن مثله لا يروي إلا عن المعصوم عليه‌السلام ، على أن خبره الثاني مرسل إذ هو عن الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عبد الله بن بحر عن رجل عن زرارة ، نعم يمكن حملها على ما لو أخذها بعد خروجها وقبل موتها جمعا بينها وبين صحيح علي بن جعفر المتقدم.

(١) عدول عن تعبير الماتن لأنه قاصر عن إفادة مدعى المشهور.

(٢) أي لم يخرج السمك من الماء.

(٣) على أن المدار على إثبات اليد على السمك خارج الماء حيا ثم يموت خارجه.

(٤) بمعنى طفر منه.

(٥) كما لو انحسر الماء عنه.

(٦) كما سيأتي في صيد المجوسي.

(٧) قيد لقوله (ولا يكفي) ، وهو قول المشهور لأن المعتبر عندهم إثبات اليد عليه خارج الماء.

(٨) بل هي صحيحة بإبراهيم بن هاشم.

(٩) أي كلمة (إنما) للحصر ، فيفيد انحصار التذكية بأخذه المفسّر بإثبات اليد عليه جمعا بين الأخبار.

(١٠) بالضم شاطئ النهر كما في القاموس المحيط.

(١١) وإن لم يخرجه مخرج ولم تثبت عليه يد قبل موته.

(١٢) بسبب موته.


قلت : السمكة تثب من الماء فتقع على الشط فتضطرب حتى تموت فقال : كلها» ، ولحلّه (١) بصيد المجوسي مع مشاهدة المسلم كذلك (٢) ، وصيده (٣) لا اعتبار به وإنما الاعتبار بنظر المسلم (٤).

ويضعّف (٥) بأن سلمة مجهول ، أو ضعيف ، ورواية زرارة مقطوعة مرسلة. والقياس على صيد المجوسي فاسد ، لجواز كون سبب الحلّ أخذ المسلم (٦) ، أو نظره (٧) مع كونه (٨) تحت يد (٩) إذ لا يدل الحكم (١٠) على أزيد من ذلك (١١) ،

______________________________________________________

(١) أي ولحل السمك بسبب صيد المجوسي ، وهو دليل ثالث بعد الخبرين السابقين وحاصله أن النصوص دالة على جلّ ما صاده المجوسي من السمك إذا كان المسلم قد رآه بأنه يخرجه حيا ، مع أن صيد المجوسي لا عبرة به ولا عبرة بنظر المسلم فيكون المدار على موته خارج الماء ، وهذه النصوص.

منها : صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ؟ فقال : لا بأس ، وعن صيد المجوس للسمك؟ فقال : ما كنت لآكله حتى أنظر إليه) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل منه؟ فقال : ما كنت لآكله حتى أنظر إليه) (٢).

وفي هذا الاستدلال نظر إذ النصوص على قول المشهور أولى ، لأن الصيد لا يكون إلا بالأخذ المفسّر بوضع اليد ، على أن الجمع بينها وبين ما تقدم يقتضي حلية صيد المجوسي للسمك باعتبار وضع اليد عليه ، نعم لا يقبل قول المجوسي لو شهد بأنه أخرجه حيا من الماء ولذا اعتبر نظر المسلم بالخروج.

(٢) أي تضطرب خارج الماء حتى تموت.

(٣) أي صيد المجوسي.

(٤) بل ولا اعتبار لنظره فيكون المدار على موته خارج الماء.

(٥) أي للقيل المذكور بأن المدار على الموت خارج الماء.

(٦) بل أخذ المجوسي إذ لا يشترط في المخرج الإسلام كما سيأتي.

(٧) أي نظر المسلم.

(٨) أي كون السمك.

(٩) ولو كانت يد مجوسي.

(١٠) الحكم بحلية صيد المجوسي مع مشاهدة المسلم لخروجه حيا من الماء.

(١١) من كون السمك تحت يد المسلم أو نظره مع كون السمك تحت مطلق اليد ، هذا وقد ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٢.


وأصالة عدم التذكية مع ما سلف (١) تقتضي العدم (٢).

(ولا يشترط في مخرجه الإسلام (٣) على الأظهر(لكن يشترط حضور مسلم عنده يشاهده) قد أخرج حيا ومات خارج الماء(في حلّ أكله) ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه. منها صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ فقال : لا بأس به وسألته عن صيد المجوس السمك آكله؟ فقال : ما كنت لآكله حتى أنظر إليه». وفي رواية أخرى له (٤) عنه (٥) عليه‌السلام «أنه سئل عن صيد المجوس للحيتان حين يضربون عليها بالشباك ، ويسمّون بالشرك (٦) فقال : لا بأس بصيدهم إنما صيد الحيتان أخذها» (٧) ، ومطلق الثاني (٨) محمول على

______________________________________________________

ـ عرفت أن الحكم دال على أن السمك تحت اليد حيّا خارج الماء وهذا كاف في الحلية ، واشتراط نظر المسلم لمعرفة خروجه حيا من الماء إذ لا يقبل إخبار المجوسي بذلك.

(١) من دليل القول الأول.

(٢) أي عدم حلية السمك لو مات خارج الماء ولم يكن تحت يد.

(٣) على المشهور لإطلاق النصوص السابقة وخصوص نصوص صيد المجوسي المتقدمة ، وعن المفيد تحريم ما أخرجه الكافر ، وعن ابن زهرة أنه أحوط وعن الشيخ في الاستبصار الحل إذا أخذه المسلم منه حيا لخبر عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن صيد المجوس قال : لا بأس إذا أعطوه حيا ، والسمك أيضا ، وإلا فلا تجيز شهادتهم إلا أن تشهده) (١).

وهو محمول على إحراز خروجه حيا ، مع عدم تصديق المجوسي لو أخبر بذلك فلا بد من أخذه من المجوسي حيا أو رؤيته لإخراجه له من الماء حيا ، وذيل الخبر شاهد بهذا الحمل.

(٤) للحلبي.

(٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٦) بكسر الشين ، أي بما يقتضي الشرك من جهة اعتقادهم الفاسد.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ حديث ٩.

(٨) أي الخبر الثاني للحلبي مطلق من حيثية حل صيد المجوسي بالأخذ ولو لم يشاهده مسلم بأنه أخرجه حيا من الماء.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣.


مشاهدة المسلم له (١) جمعا (٢) ، ويظهر من الشيخ في الاستبصار المنع منه (٣) إلا أن يأخذه (٤) المسلم منه (٥) حيا ، لأنه (٦) حمل الأخبار (٧) على ذلك (٨) ، ومن المفيد (٩) وابن زهرة المنع من صيد غير المسلم له (١٠) مطلقا (١١) إما لاشتراط الإسلام في التذكية. وهذا (١٢) منه (١٣) ، أو لما في بعض الأخبار (١٤) من اشتراط أخذ المسلم له (١٥) منهم (١٦) حيا فيكون إخراجهم له (١٧) بمنزلة وثوبه (١٨) من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.

والمذهب هو الأول (١٩) ، والقول في اعتبار استقرار الحياة بعد إخراجه (٢٠)

______________________________________________________

(١) للأخذ حيا من الماء.

(٢) أي جمعا بينه وبين ما تقدم من صحيحه الأول.

(٣) من صيد الكافر.

(٤) يأخذ الصيد.

(٥) من الكافر.

(٦) أي الشيخ.

(٧) أي أخبار صيد المجوسي ، وقد تقدمت.

(٨) أي على أخذ المسلم الصيد منه حيا ، وفيه أنه ذهب إلى ذلك لخبر عيسى بن عبد الله كما صرح بذلك في المسالك.

(٩) أي ويظهر من المفيد.

(١٠) للسمك.

(١١) شاهده المسلم أو لا ، وسواء أخذه المسلم منه حيا أم لا.

(١٢) أي صيد السمك.

(١٣) من باب اشتراط الإسلام في التذكية.

(١٤) وهو خبر عيسى بن عبد الله.

(١٥) للسمك.

(١٦) من الكفار.

(١٧) أي إخراج الكفار للسمك.

(١٨) وثوب السمك.

(١٩) أي عدم اشتراط الإسلام في المخرج ، نعم يشترط مشاهدة المسلم لإخراجه حيا من الماء.

(٢٠) أي بعد إخراج السمك من الماء.


كما سبق (١) ، والمصنف فى الدروس مع ميله إلى عدم اعتباره (٢) ثمّ (٣) جزم باشتراطه هنا (٤).

(ويجوز أكله حيا (٥) ، لكونه مذكى بإخراجه (٦) من غير اعتبار موته بعد

______________________________________________________

(١) أي كما سبق في الذباحة ، فعلى قول المشهور أنه يعتبر الاستقرار ، وعلى قول الغير أنه تكفي الحركة بعد الذبح الدالة على أصل حياته.

(٢) أي إلى عدم اعتبار استقرار الحياة في الذباحة قد جزم باعتبار استقرار الحياة في تذكية السمك.

(٣) في باب الذباحة.

(٤) في تذكية السمك.

(٥) ذهب الأكثر إلى الجواز ، وعن الشيخ في المبسوط لا يجوز لدخول موته في تذكيته ، لأنه يشترط إثبات اليد عليه خارج الماء مع موته خارجه ، ويدل خبر الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (إن زنديقا قال له : والسمك ميتة ، قال : إن السمك ذكاته إخراجه من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه ، وذلك أنه ليس له دم) (١) ، وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام الوارد في الخز (إن الله تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها) (٢) ، ويؤيده أنه لو أخذ وأعيد إلى الماء فمات لم يحلّ وهذا دال على أن موته خارج الماء بعد أخذه مؤثر في تذكيته ، وعليه فلا يجوز أكله حيا بعد أخذه للأخبار.

منها : صحيح عبد الرحمن (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السم يصاد ثم يجعل في شي‌ء ثم يعاد إلى الماء فيموت فيه ، فقال : لا تأكله ، لأنه مات في الذي فيه حياته) (٣) وصحيح الخزاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وأرسلها في الماء فماتت أتؤكل؟ قال : لا) (٤) ومثله غيره واستدل للمشهور بالأخبار المتقدمة الدالة على حصر تذكيته بالأخذ فقط ، نعم غايته تقيّد هذه الأخبار بأخبار العود إلى الماء حيا ثم الموت فيه.

وفيه : أن مقتضى الجمع بين نصوص حصر التذكية بالأخذ وبين نصوص أخبار العود إلى الماء وبين خبر الاحتجاج وخبر ابن أبي يعفور هو ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط.

(٦) بإخراج السمك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح حديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي حديث ٤.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ١.


ذلك (١) ، بخلاف غيره من الحيوان فإن تذكيته مشروطة بموته بالذبح ، أو النحر ، أو ما في حكمهما (٢).

وقيل : لا يباح أكله حتى يموت كباقي ما يذكى ، ومن ثمّ لو رجع إلى الماء بعد إخراجه فمات فيه (٣) لم يحل ، فلو كان مجرد إخراجه كافيا لما حرم بعده (٤).

ويمكن (٥) خروج هذا الفرد (٦) بالنص عليه (٧) ، وقد علل فيه (٨) بأنه مات فيما فيه حياته. فيبقى (٩) ما دل على أن ذكاته إخراجه ، خاليا عن المعارض (١٠).

(ولو اشتبه الميت) منه (١١) (بالحي في الشبكة وغيرها (١٢) حرم الجميع) على

______________________________________________________

(١) بعد إخراجه.

(٢) من الرمي والصيد بالكلب.

(٣) في الماء.

(٤) بعد إخراجه.

(٥) رد للقيل المذكور.

(٦) من أنه رجع إلى الماء بعد إخراجه منه فمات فيه لم يحلّ.

(٧) على هذا الفرد.

(٨) أي في النص الدال على حرمة السمك لو عاد إلى الماء بعد إخراجه منه وقد مات فيه.

(٩) أي يبقى من النصوص.

(١٠) وفيه أنه معارض بخبر الاحتجاج وخبر ابن أبي يعفور.

(١١) من السمك.

(١٢) غير الشبكة ثم علم أن الميت قد مات قبل الإخراج ، ثم اشتبه بالحي ، فعن الشيخ في النهاية والقاضي حل الجميع مع الاشتباه واستحسنه المحقق في الشرائع لأنه مروي ، كما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها منصوبة ، فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيموتنّ ، فقال : ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها) (١) وصحيح الحلبي (سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان فيدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها؟ فقال عليه‌السلام : لا بأس به ، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها) (٢) وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سمعت أبي عليه‌السلام يقول : إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حيّ ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ٣.


الأظهر ، لوجوب اجتناب الميت المحصور الموقوف على اجتناب الجميع ولعموم قول (١) الصادق عليه‌السلام : ما مات في الماء فلا تأكله فإنه مات فيما كان فيه حياته.

وقيل : يحل الجميع إذا كان (٢) في الشبكة ، أو الحظيرة مع عدم تمييز الميت ، لصحيحة الحلبي وغيرها الدالة على حله مطلقا (٣) بحمله (٤) على الاشتباه جمعا (٥).

______________________________________________________

ـ أو ميت فهو حلال) (١) وهي وإن كانت مطلقة تشمل صورتي اشتباه الميت وتمييزه عن الحي ولكن لا بد من حملها على صورة الاشتباه جمعا بينها وبين ما سيأتي من صحيح الأنصاري ، وعن الأكثر أنه يحرم الجميع ، لأن ما مات في داخل الماء قبل إخراجه حرام وقد اشتبه بغيره الذي مات خارج الماء بعد إخراجه ، والمجموع محصور والعقل حاكم بوجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة المحصورة كما حرر في محله من علم الأصول ، ويؤيده صحيح عبد المؤمن الأنصاري (أمرت رجلا أن يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صاد سمكا وهنّ أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن؟ فقال عليه‌السلام : ما مات فلا تأكله ، فإنه مات فيما كان فيه حياته) (٢) ، وقد حملت الأخبار المتقدمة على احتمال موتها خارج الماء وأن الأصل بقاء الحياة إلى أن فارقت الماء وهذا ما يقتضي الإباحة.

وفيه أنه حمل عليل يأباه ظاهرها المتقدم ، نعم عمل بها ابن الجنيد في مورد آخر وهو من مات في داخل الشبكة في الماء فيحل باعتبار أن الشبكة بمنزلة اليد ولذا علّل في صحيح الحلبي المتقدم (إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها).

ولكن المشهور لم يعملوا بها حتى من هذه الحيثية وليس لهم إلا نصوص مطلقة دالة على لا بديّة الأخذ والإخراج وقد تقدمت.

(١) كما في صحيح الأنصاري المتقدم.

(٢) أي الميت.

(٣) سواء كان متميزا أم لا.

(٤) بحمل حل الميت.

(٥) أي جمعا بين صحيح الأنصاري فيحمل على صورة التمييز وبين هذه الأخبار فتحمل على صورة الاشتباه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


وقيل (١) : يحل الميت في الشبكة ، والحظيرة وإن تميز ، للتعليل في النص بأنهما (٢) لما عملا للاصطياد جرى ما فيهما مجرى المقبوض باليد.

(الثانية ـ ذكاة الجراد أخذه حيا (٣) باليد ، أو الآلة(ولو كان الآخذ له كافرا) إذا شاهده (٤) المسلم كالسمك. وقول ابن زهرة هنا (٥) كقوله في السمك.

(إذا استقل بالطيران (٦) ...

______________________________________________________

(١) والقائل ابن الجنيد.

(٢) أي الشبكة والحظيرة.

(٣) ذكاة الجراد أخذه حيا للأخبار :

منها : خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (سألته عن الجراد يصيده فيموت بعد أن يصيده ، أيؤكل؟ قال : لا بأس) (١) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (سألته عن الجراد يصيبه ميتا في الماء أو في الصحراء أيؤكل؟ قال : لا تأكله) (٢) ، والمروي عن كتاب علي بن جعفر (عما أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحلّ أكله؟ قال : صيده ذكاته لا بأس به) (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على لابدية الأخذ حيا في ذكاته ، والدالة على اتحاد حكم الجراد مع السمك ، صرح بذلك غير واحد حتى في عدم اعتبار التسمية والاستقبال ، وعدم اعتبار الإسلام في آخذه ولم ينقل الخلاف هنا عن أحد حتى المفيد ، نعم احتاط به ابن زهرة خاصة ، نعم لو أخذه الكافر حيا لم يقبل قوله في ذلك بل لا بدّ من العلم بمشاهدته كما تقدم في السمك.

(٤) أي شاهد أخذ الكافر للجراد حيا.

(٥) في الجراد.

(٦) ما لا يستقل بالطيران من الجراد يسمى الدبا بفتح الدال مقصورا ، وهذا لا يصح أكله بعد أخذه ، لأن المعتبر امتناعه بطيرانه ليكون أخذه صيدا له بلا خلاف فيه لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (سألته عن الدبا من الجراد ، قال : لا حتى يستقل بالطيران) (٤) ، وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الذي يشبه الجراد ـ وهو الذي يسمى بالدبا ليس له جناح يطير به إلا أنه يقفز قفزا ـ أيحلّ أكله؟ قال : لا يؤكل ذلك ، ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٢ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح حديث ٨.

(٤) ـ الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ١.


وإلا (١) لم يحل ، وحيث اعتبر في تذكيته (٢) أخذه حيا.(فلو أحرقه قبل أخذه حرم (٣) ، وكذا لو مات في الصحراء (٤) ، أو في الماء قبل أخذه وإن أدركه بنظره ، ويباح أكله حيا (٥) وبما فيه (٦) كالسمك(ولا يحل الدبا) بفتح الدال مقصورا وهو الجراد قبل أن يطير وإن ظهر جناحه جمع دباة بالفتح أيضا (٧).

(الثالثة ـ ذكاة الجنين ذكاة أمه (٨) ...

______________________________________________________

ـ لأنه مسخ) (١).

(١) أي وإن لم يستقل بالطيران وهو الدبا.

(٢) أي تذكية الجراد.

(٣) لخبر عمار بن موسى (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السمك يشوى وهو حي قال : نعم لا بأس به ، وسئل عن الجراد إذا كان في قراح فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد وينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال : لا) (٢) ، وهو محمول على ما لو كان شويه قبل أخذه جمعا بينه وبين خبره الآخر عنه عليه‌السلام (سألته عن الجراد يشوى وهو حيّ قال : نعم لا بأس به) (٣) والثاني محمول على ما لو كان شويه بعد صيده وأخذه.

(٤) قبل أخذه كما نصّ عليه خبر علي بن جعفر المتقدم ، وكذا نصّ على الفرع الآتي من موته في الماء قبل أخذه.

(٥) لأن ذكاته منحصرة بأخذه على ما هو المستفاد من النصوص المتقدمة ، ولا تشترط موته في تذكيته ولم ينقل في ذلك خلاف من أحد.

(٦) من دون تحريم شي‌ء منه.

(٧) كما أن مفرده بفتح الدال فجمعه بفتحها أيضا.

(٨) الأصل فيه الأخبار الكثيرة.

منها : صحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحوار تذكى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال : إذا كان تماما ونبت عليه الشعر فكل) (٤) وصحيح محمد بن مسلم (سألت أحدهما عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ) ، قال : الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه فذلك الذي عنى الله عزوجل) (٥) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تاما فكل ، وإن لم يكن تاما فلا تأكل) (٦) وصحيح ابن مسكان عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الذبيحة تذبح وفي بطنها ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) ـ الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح حديث ٧ و ٥ و ٥.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٣ و ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ولد ، قال : إن كان تاما فكله ، فإن ذكاته ذكاة أمه ، وإن لم يكن تاما فلا تأكله) (١) وموثق سماعة (سألته عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولد قد أشعر ، قال : فذكاته ذكاة أمه) (٢).

فذكاته ذكاة أمه بالتبع ، إذ يكفي في حله تذكيتها ـ بناء على أن الذكاة فيهما مرفوعة بجعل الأول مبتدأ والثاني خبرا ، والمبتدأ منحصر في خبره ـ فلا يفتقر إلى ذكاة تخصه.

وعن بعض العامة إعراب الذكاة الثانية منصوبة على المصدر بنزع الخافض ، والمعنى ذكاته كذكاة أمه فحذف الجار ونصب المجرور مفعولا ، وعليه فيجب تذكية الجنين بفري أعضائه الأربعة كما يجب تذكية أمه كذلك.

وفيه أنه على قراءة النصب من الممكن أن يكون المعنى فذكاته في ذكاة أمه ، وحذف الجار ونصب المجرور مفعولا ، والحاصل أن ذكاته داخلة في ذكاتها فلا يحتاج إلى ذكاة تخصه ، هذا فضلا عن أن النصوص المتقدمة صريحة في حله بسبب ذكاتها فقط كما في صحاح يعقوب والحلبي وابن مسكان المتقدمة. إذا تقرر ذلك فيشترط حله بذكاة أمه أن يكون تام الخلقة كما في صحاح يعقوب والحلبي وابن مسكان المتقدمة كما صرح بذلك جماعة من المتأخرين ، وعن الشيخ في النهاية وابن حمزة اعتبار أن يشعر ويوبر كما في صحيح محمد بن مسلم المتقدم ، وعن المفيد وسلّار اعتبار الإشعار

خاصة كما في صحيح يعقوب وموثق سماعة المتقدمين ، واختلافهم ناشئ من اختلاف النصوص المتقدمة ، إلا أن في بعض النصوص اعتبار الأمرين من تمام الخلقة والأشعار كما في صحيح يعقوب المتقدم ، وفي البعض الآخر اعتبار الإشعار والإيبار كما في صحيح ابن مسلم المتقدم ، والظاهر ـ كما قيل ـ تلازم ذلك كله وعليه فلا نزاع من هذه الجهة.

ثم إن مقتضى النصوص المتقدمة من اعتبار تمام الخلقة عدم الفرق بين أن تلجه الروح وعدمه كما عليه المتأخرون ، وعن الشيخ والقاضي وابن حمزة وسلّار أنه إذا كان تاما ولم تلجه الروح فذكاته ذكاة أمه وحملوا النصوص المتقدمة على ذلك ، وإلا فلو كان تاما وقد ولجته الروح فلا بدّ من تذكيته فلو خرج ميتا بعد ولوج الروح فيه كان ميتة لعموم ما دل على اشتراط تذكية الحيّ ، وهو حيّ بعد ولوج الروح فيه.

وفيه أنه معارض بإطلاق النصوص المتقدمة وبخصوص موثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها قال : كله ، فإنه حلال ، لأن ذكاته ذكاة أمه ، فإن خرج وهو حيّ فاذبحه وكل ، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله ، وكذلك ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ٦ و ٢.


هذا لفظ الحديث النبوي (١) وعن أهل البيت عليه‌السلام مثله.

والصحيح رواية (٢) وفتوى (٣) أن ذكاة الثانية مرفوعة خبرا عن الأولى ، فتنحصر ذكاته (٤) في ذكاتها (٥) ، لوجوب انحصار المبتدأ في خبره فإنه (٦) أما مساو ، أو أعم وكلاهما يقتضي الحصر (٧) ، والمراد بالذكاة هنا (٨) السبب المحلل للحيوان كذكاة السمك والجراد (٩). وامتناع (١٠) ذكّيت الجنين ـ إن صح (١١) ـ

______________________________________________________

ـ البقر والابل) (١) ووجه الاستدلال أن الموت في البطن ظاهر في ولوج الروح فيه.

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٣٣٥ ، ومستدرك الوسائل ـ الباب ـ ١٦ حديث ٢.

(٢) من حيث قراءة اللفظ مرفوعا.

(٣) من حيث حكمهم بناء على قراءة اللفظ مرفوعا.

(٤) أي ذكاة الجنين.

(٥) أي ذكاة أمه.

(٦) أي الخبر.

(٧) أي حصر المبتدأ به.

(٨) أي في لفظ الذكاة الوارد في الحديث النبوي ، وهو دفع إشكال ، حاصل الإشكال : كيف يمكن أن تكون ذكاته ذكاتها ، مع اختلاف الذكاتين ، فذكاة أمه فرى الأعضاء الأربعة منها وذكاة الجنين هي التبعية لذكاة أمه.

والدفع أن المراد بالذكاة هنا هو ما يحصل به حل الحيوان ، وعليه فحلّ الجنين يحصل بحلّ الأم وينحصر فيه.

(٩) مع أن ذكاتهما بالأخذ وليس بفرى الأعضاء الأربعة ، وعليه فكما صح إطلاق لفظ الذكاة في السمك والجراد على الأخذ ، وصح إطلاق لفظ الذكاة في الحيوان الحيّ على قطع الأعضاء الأربعة كذلك يصح إطلاق لفظ الذكاة في الجنين على التبعية باعتبار أن لفظ الذكاة ، يراد منه السبب المحلّل للحيوان.

(١٠) جواب عن سؤال مقدّر ، والسؤال أنه لا يصح القول بأنه ذكّى الجنين ، لأن الذكاة قد وقعت على أمه فقط.

والجواب : أنه ممنوع إذ يصح القول أنه ذكّى الجنين بالتبعية عند ما ذكّى أمه بقطع أعضائها الأربعة ، هذا فضلا لو سلم الامتناع فهو محمول على أن التذكية بمعنى قطع الأعضاء الأربعة فقط ، وهو بهذا المعنى لم يقع إلا على الأم فكذا لم يصح إسناده إلى الجنين.

(١١) وإلا فهو غير صحيح ، بعد حمل الذكاة على التبعية.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح حديث ٨.


فهو (١) محمول على المعنى الظاهري ، وهو (٢) فري الأعضاء المخصوصة (٣) ، أو يقال (٤) : إن إضافة المصادر (٥) تخالف إضافة الأفعال (٦) للاكتفاء فيها (٧) بأدنى ملابسة (٨) ، ولهذا (٩) صح ، لله على النّاس حجّ البيت ، وصوم رمضان ، ولم يصح حجّ البيت ، وصام رمضان بجعلهما (١٠) فاعلين.

وربما أعربها (١١) بعضهم (١٢) بالنصب (١٣) على المصدر (١٤) ، أي ذكاته كذكاة أمه فحذف الجار ونصب مفعولا ، وحينئذ (١٥) فتجب تذكيته كتذكية أمه.

______________________________________________________

(١) أي القول الممتنع من إضافة الذكاة إلى الجنين.

(٢) أي المعنى الظاهري.

(٣) وبهذا المعنى منحصر في تذكية الحيوان الحيّ ، فلذا امتنع إسناده إلى الجنين.

(٤) هو من إفادات الماتن في قواعده على ما قيل.

(٥) كذكاة الجنين الوارد في الحديث النبوي.

(٦) كذكيت الجنين الوارد في الأشكال المتقدم.

(٧) في المصادر.

(٨) ولو كانت الملابسة هي التبعية كما في ذكاة الجنين ، بخلاف إضافة الأفعال إلى فاعليها أو مفعوليها فلا بدّ أن تكون الإضافة حقيقية بمعنى صدور الفعل من الفاعل الذي أسند إليه الفعل ، ووقوعه على المفعول الذي أسند إليه الفعل ، في هذه الإضافة المذكورة.

(٩) ولكفاية أدنى الملابسة في صحة إضافة المصادر.

(١٠) أي بجعل البيت ورمضان ، هذا وفيه : أن إضافة الحج إلى البيت والصوم إلى رمضان إنما هي إضافة المصدر إلى مفعوله ، وكما صح إضافة المصادر إليهما على هذا الوجه كذلك يصح إضافة الفعل إليهما كذلك ، فيقال : حج البيت وصام رمضان بجعلهما مفعولين ، وكما لا يصح إضافة الأفعال إليهما بجعلهما فاعلين فكذا لا يصح إضافة المصادر إليهما بجعلهما فاعلين فلا يصح أن يقال : حج البيت وصوم رمضان ، وعليه فما ذكره هنا لا يصلح شاهدا على مخالفة إضافة المصادر لإضافة الأفعال أصلا.

(١١) أي الذكاة الثانية المضافة إلى أمه.

(١٢) بعض العامة.

(١٣) على تقدير نزع الخافض.

(١٤) أي ذكاته كذكاة أمه ، وقد حذف الجار ونصب المجرور مفعولا مطلقا.

(١٥) وحين نصب (الذكاة) الثانية.


وفيه مع التعسف (١) مخالفة لرواية الرفع ، دون العكس (٢) ، لإمكان (٣) كون الجار المحذوف «في» (٤) أي داخلة في ذكاة أمه جمعا بين الروايتين (٥) ، مع أنه (٦) الموافق لرواية أهل البيت عليه‌السلام ، وهم أدرى بما في البيت ، وهو (٧) في أخبارهم كثير صريح فيه (٨) ومنه قول الصادق عليه‌السلام (٩) «وقد سئل عن الحوار (١٠) تذكّى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال : إذا كان تاما ونبت عليه الشعر فكل» ، وعن الباقر عليه‌السلام (١١) «أنه قال : في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد قال : إن كان تاما فكله فإن ذكاته ذكاة أمه وإن لم يكن تاما فلا تأكله» وإنما يجوز أكله بذكاتها(إذا تمت خلقته) ، وتكاملت (١٢) أعضاؤه ، وأشعر (١٣) ، أو أوبر كما دلت عليه الأخبار(سواء ولجته الروح أو لا (١٤) ، وسواء أخرج ميتا (١٥) أو) أخرج(حيا غير مستقر الحياة (١٦) ، لأن غير مستقرها بمنزلة الميت ، ولإطلاق النصوص (١٧) بحلّه تاما

______________________________________________________

(١) العسف هو الأخذ على غير الطريق وكذا التعسف ، ووجه التعسف أن اللفظ بحاجة إلى تقدير خبر وتقدير حذف الجار ، والأصل عدم التقدير.

(٢) أي دون قراءة الرفع فإنها لا تحتاج إلى تقدير ، وعليه فلا تعسف.

(٣) تعليل لمخالفة رواية الرفع إذا قدّر الجارّ المحذوف كاف التشبيه ، وأما إذا قدّر لفظ (في) فلا يخالف النصب رواية الرفع.

(٤) أو تقديره بالباء ، والمعنى وذكاته حاصلة بذكاة أمه وهذا أظهر.

(٥) رواية الرفع ورواية النصب.

(٦) أي الرفع.

(٧) أي الرفع.

(٨) في الاكتفاء بذكاة أمه.

(٩) كما في صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم.

(١٠) بالضم وقد تكسر ولد الناقة ساعة تضعه ، أو إلى أن يفصل عن أمه كما عن القاموس.

(١١) كما في صحيح ابن مسكان المتقدم.

(١٢) تفسير لتمامية الخلقة.

(١٣) إما باعتبار التلازم بين تمام الخلقة وبينه وإما باعتبار لابدية الأمرين معا كما هو مقتضى الجمع بين الأخبار المتقدمة.

(١٤) كما عليه المتأخرون ، وقد تقدم البحث فيه.

(١٥) بلا خلاف فيه.

(١٦) على المشهور ، بل الخلاف فيه مبني على الخلاف المتقدم في اعتبار استقرار الحياة في الحيوان الحيّ المذكى أو يكفي مطلق الحركة.

(١٧) أي النصوص المتقدمة بأن ذكاته ذكاة أمه.


(ولو كانت) حياته (١) (مستقرة ذكي (٢) ، لأنه حيوان حي فيتوقف حلّه على التذكية ، عملا بعموم النصوص الدالة عليها (٣) إلا ما أخرجه الدليل الخاص (٤).

وينبغي في غير المستقر ذلك (٥) ، لما تقدم من عدم اعتبارها (٦) في حل المذبوح.

هذا (٧) إذا اتسع الزمان لتذكيته. أما لو ضاق عنها ففي حلّه وجهان (٨) ، من إطلاق (٩) الأصحاب وجوب تذكية ما خرج مستقر الحياة. ومن (١٠) تنزيله (١١) منزلة غير مستقرها (١٢) لقصور زمان حياته ، ودخوله (١٣) في عموم الأخبار الدالة على حله (١٤) بتذكية أمه إن لم يدخل مطلق الحي (١٥).

______________________________________________________

(١) عند خروجه حيا.

(٢) كما يذكى الحيوان الحيّ.

(٣) على تذكية الحيوان الحيّ.

(٤) من الصيد والرمي.

(٥) أي هذا الدليل من عموم النصوص الدالة على تذكية الحيوان الحيّ يجري في غير مستقر الحياة.

(٦) من عدم اعتبار الحياة المستقرة في تذكية الحيوان ، بل يكفي مطلق الحركة أو خروج الدم.

(٧) أي اعتبار التذكية في مستقر الحياة.

(٨) فعن الشيخ في المبسوط أنه يحلّ بذكاة أمه ، لتنزيله منزلة غير مستقر الحياة ، وعن المحقق في الشرائع أنه يحرم لعموم النصوص الدالة على تذكية الحيوان الحي ، وهو حيّ فلا بد من تذكيته ومع حصر عدم اتساع الزمان لها فيحرم.

(٩) دليل عدم الحل.

(١٠) دليل الحلّ.

(١١) أي تنزيل المولود الذي استقرت حياته ولم يتسع الزمان لتذكيته.

(١٢) أي مستقر الحياة.

(١٣) دليل ثان على الحل ، أي دخول الذي لم يتسع الزمان لتذكيته.

(١٤) أي حل الجنين.

(١٥) أي مطلق المولود الحي سواء اتسع الزمان لتذكيته أم لا ، وسواء كان غير مستقر الحياة أم لا ، وفيه أنه مع خروجه من بطن أمه يخرج عن اسم الجنين فلا يندرج تحت هذه النصوص ، بل المحكّم حينئذ هي النصوص الدالة على تذكية الحيوان الحي.


ولو لم تتم خلقته (١) فهو حرام واشترط جماعة (٢) مع تمام خلقته أن لا تلجه الروح ، وإلا (٣) افتقر إلى تذكيته مطلقا (٤) والأخبار مطلقة والفرض (٥) بعيد ، لأن الروح لا تنفك عن تمام الخلقة عادة.

وهل تجب المبادرة إلى إخراجه (٦) بعد موت المذبوح (٧) أم يكفي إخراجه المعتاد بعد كشط جلده (٨) عادة ، إطلاق الأخبار والفتوى يقتضي العدم (٩).

والأول (١٠) أولى.

(الرابعة ـ ما يثبت في آلة الصياد (١١) من الصيود المقصودة بالصيد يملكه

______________________________________________________

(١) أي خلقة الجنين ، لاشتراط تمامية الخلقة في حله كما هو نص الأخبار المتقدمة ، وقد تقدم البحث فيه.

(٢) كما عن الشيخ والقاضي وابن حمزة وسلّار.

(٣) أي وإن ولجته الروح.

(٤) مستقر الحياة أو لا ، اتسع الزمان لتذكيته أو لا.

(٥) من فرض تمامية الخلقة مع عدم ولوج الروح.

(٦) أي إخراج الجنين.

(٧) أي أمه.

(٨) أي جلد المذبوح ، وكشط جلده نزعه.

(٩) أي عدم وجوب المبادرة.

(١٠) أي المبادرة إلى إخراجه أولى ، لأنه أحوط.

(١١) لا خلاف ولا إشكال في أن ما يثبت في آلة الصائد على وجه يخرج الصيد عن كونه ممتنعا يملكه ناصبها للاصطياد ، إذا كانت الآلة مما يعتاد الاصطياد بها كالحبالة والشبكة والفخ ، لصدق الأخذ والحيازة ونحوها مما هو سبب مملّك في مثله من المباح للأخبار :

منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في رجل أبصر طيرا فتبعه حتى وقع على شجرة ، فجاء رجل فأخذه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : للعين ما رأت ولليد ما أخذت) (١) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد ، وهو حلال لمن أخذه) (٢) ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تحقق ملك المباح بأخذه وصيده ، ولا ريب في تحقق ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الصيد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الصيد حديث ٣.


لتحقق الحيازة والنية (١) هذا (٢) إذا نصبها (٣) بقصد الصيد كما هو الظاهر ليتحقق قصد التملك. وحيث(يملكه) يبقى ملكه عليه(ولو انفلت بعد ذلك (٤) لثبوت ملكه فلا يزول بتعذر قبضه ، كإباق (٥) العبد ، وشرود الدابة ، ولو كان انفلاته (٦) باختياره (٧) ناويا قطع ملكه عنه (٨) ، ففي خروجه عن ملكه قولان (٩) ، من الشك (١٠) في كون

______________________________________________________

ـ الأخذ بالاستيلاء عليه والدخول تحت قبضته ويده ولو بالآلة التي اعتيد الاصطياد بها ، إذ ليس المراد خصوص الأخذ باليد الحسية قطعا.

(١) أي نية التملك.

(٢) أي الحكم بالتملك.

(٣) أي نصب الآلة بشرط كونها مما يعتاد الاصطياد بها.

(٤) أي بعد تحقق الحيازة والأخذ ، فلو ثبت ملكه بالصيد لا يخرج عن ملكه بانفلاته بعد إثباته ، لأصالة بقاء الملك ، ولا يلزم من تعذر الوصول إلى المال المملوك أو تعسره خروجه عن الملك ، بلا فرق بين أن يلتحق بالوحوش في الصحراء بعد انفلاته ويبعد في البنيان وبين أن يدور في البلد وحوله ، كما لا يخرج عن الملك العبد الآبق والدابة الأنسية إذا توحشت.

(٥) تنظير لبقاء الملك ولو تعذر قبضه ..

(٦) أي انفلات الصيد.

(٧) أي باختيار الصائد.

(٨) عن الصيد.

(٩) فعن الأكثر منهم المحقق عدم الخروج عن ملكه ، لأن ملكة ثابت ، وزواله يتوقف على أسباب شرعية ، والإعراض عن الملك لم يثبت أنه من الأسباب الناقلة عنه.

وعن الشيخ في المبسوط أنه يخرج عن ملكه بالإعراض ، لأن سبب الملك هنا هو اليد ، وإذا زالت زال الملك ، وفيه أنه لا يلزم من كون اليد سببا للملك كون زوالها سببا في عدم الملك ، لأن المرجع في الأسباب إلى نصّ الشارع ، والشارع قد جعل اليد سببا للملك ولم يثبت أنه قد جعل زوالها سببا في زواله.

وقد استدل له كما في الشرائع بأن نية قطع الملك عن الصيد مخرج عن الملك كما لو وقع منه شي‌ء حقير فأهمله ، وفيه أن إهمال الحقير إنما يفيد إباحته للغير ، وإباحته للغير متوقف على بقاء ملك المبيح فكيف يجعل دليلا على زوال الملك ، بل لو سلم زوال الملك في الحقير فلا يلزم مثله في الخطير من الصيد المتضمن للمالية المعتدّ بها غالبا.

(١٠) دليل عدم خروجه عن ملكه.


ذلك (١) مخرجا عن الملك مع تحققه (٢) فيستصحب ومن (٣) كونه (٤) بمنزلة الشي‌ء الحقير من ماله إذا رماه مهملا له.

ويضعّف بمنع خروج الحقير عن ملكه بذلك (٥) وإن كان ذلك إباحة لتناول غيره. فيجوز الرجوع فيه (٦) ما دام باقيا.

وربما قيل بتحريم أخذ الصيد المذكور (٧) مطلقا (٨) وإن (٩) جاز أخذ اليسير من المال (١٠) ، لعدم (١١) الإذن شرعا في إتلاف المال مطلقا (١٢) إلا أن تكون قيمته يسيرة (١٣).

(ولا يملك ما عشّش (١٤) في داره ، أو وقع في موحلته (١٥) ، أو وثب إلى)

______________________________________________________

(١) من نية قطع الملك.

(٢) أي تحقق الملك سابقا قبل هذه النية فيستصحب.

(٣) دليل لخروجه عن الملك.

(٤) أي كون الصيد إذا نوى قطع ملكه عنه.

(٥) أي بالإعراض عنه ، غايته أنه يفيد إباحة التناول للغير.

(٦) في الحقير الذي أهمله وأعرض عنه.

(٧) وهو الذي انفلت باختياره ناويا قطع ملكه عنه.

(٨) أي سواء قلنا بزوال الملك في الحقير بسبب الأعراض عنه أم لا.

(٩) تفسير للإطلاق.

(١٠) بعد الإعراض عنه من قبل مالكه ، لأن الأعراض موجب لزوال الملك فيصح للغير تملكه حينئذ.

(١١) تعليل للحكم من تحريم أخذ الصيد المذكور ، والحاصل أن الشارع لم يأذن في إتلاف المال مطلقا سواء الصيد وغيره فلا يثمر قطع النية إزالة الملك حتى يجوز للغير أخذه ، إلا في اليسير الذي أعرض عنه صاحبه وقد أفاد إباحة تناول الغير له ، فيجوز إتلافه بالأعراض عنه.

(١٢) صيدا كان أو غيره.

(١٣) فيجوز إتلافه بالأعراض عنه ، ولكن قد عرفت أن الأعراض لا يوجب إزالة الملك بل إباحة تناول الغير له.

(١٤) العش بالضم موضع الطائر يجمعه من دقاق الحطب في أفنان الشجر ، وعشش الطائر أتخذ عشا.

(١٥) أي أرض موحلة.


(سفينته (١) ، لأن ذلك لا يعد آلة للاصطياد ، ولا إثباتا لليد.

نعم يصير (٢) أولى به من غيره ، فلو تخطى الغير إليه فعل حراما (٣) ، وفي ملكه (٤) له بالأخذ (٥) قولان (٦) ، من أن (٧) الأولوية لا تفيد الملك فيمكن تملكه بالاستيلاء (٨) ، ومن تحريم (٩) الفعل (١٠) فلا يترتب عليه حكم الملك شرعا. وقد تقدم مثله في أولوية التحجير ، وأن المتخطي لا يملك.

وفيه (١١) نظر (١٢).

ولو قصد ببناء الدار إحباس الصيد ، أو تعشيشه ، وبالسفينة (١٣) وثوب

______________________________________________________

(١) لا خلاف في أنه لا يملكه لو توحّل في أرضه أو عشش في داره أو وثبت السمكة إلى سفينته ونحو ذلك مما لم يقصد به الاصطياد ، ولا يصدق عليه اسم الأخذ والصيد والحيازة مما يكون سببا لملكه له ، فيبقى على الإباحة الأصلية ، يملكه كل من يأخذه.

بل لا يثبت له حق اختصاص به ولذا لو دخل غيره داره مثلا وأخذ الطير الذي عشش في تلك الدار ملكه ، لأن الملك متوقف على الأخذ ، وقد تحقق الأخذ من الداخل ، نعم لصاحب الدار حق اختصاص بمعنى أنه ليس لغيره التصرف في داره بغير إذنه.

ولعله هو مراد الفاضل في قواعده عند ما حكم بثبوت حق الاختصاص له ، وليس المراد حق الاختصاص المانع عن التملك لعدم الدليل ، ومما تقدم تعرف وجوه الضعف في عبارة الشارح.

(٢) أي مالك الدار والموحلة والسفينة.

(٣) لتصرفه في ملك الغير بغير إذنه.

(٤) أي ملك الغير له.

(٥) أي بسبب الأخذ.

(٦) لم أعثر على من قال بعدم الملك لو أخذ.

(٧) دليل الملك بسبب الأخذ.

(٨) كما هو الشأن في المباحات الأصلية.

(٩) دليل عدم الملك لو أخذ.

(١٠) وهو الأخذ والاستيلاء.

(١١) في أن تحريم الفعل يوجب عدم ترتب الملك شرعا.

(١٢) إذ لا منافاة بين تحريم الفعل والملك ، لأن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد.

(١٣) أي قصد بالسفينة.


السمك ، وبالموحلة توحله ففي الملك به وجهان (١) ، من انتفاء (٢) كون ذلك (٣) آلة للاصطياد عادة ، وكونه (٤) مع القصد (٥) بمعناه (٦). وهو (٧) الأقوى ، ويملك الصيد بإثباته (٨) بحيث يسهل تناوله (٩) وإن لم يقبضه بيده ، أو بآلته (١٠).

(ولو أمكن الصيد التحامل) بعد إصابته(عدوا ، أو طيرانا بحيث لا يدركه إلا بسرعة شديدة فهو باق على الإباحة (١١) لعدم (١٢) تحقق إثبات اليد عليه

______________________________________________________

(١) صرح بعضهم ـ كما في الجواهر ـ بعدم تملكه لأن هذه المذكورات ليست آلة معتادة للصيد ، وصرح غير واحد ـ كما في الجواهر ـ بالملك لأن النصوص لم تعلق الملك على الأخذ بالآلة والصيد بها حتى تنصرف إلى المعتاد ، بل الحكم فيها معلّق على الصيد والأخذ مما يخرج به عن الامتناع ويدخل تحت يد الصائد وقبضته ، بل المدار على كل ما يعمله للاصطياد به كما في صحيح الحلبي (لا بأس به ، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها) (١) ، ولذا صرح غير واحد بأنه لو أغلق بابا عليه ولا مخرج له ، أو صيّره في مضيق يتعذر عليه الخروج منه ملكه لزوال امتناع الحيوان بذلك ، ويدخل حينئذ تحت يده وقبضته الذي هو المدار ، وليس المدار على الأخذ بالآلة فضلا عن المعتاد منها.

(٢) دليل لعدم الملك.

(٣) من بناء الدار والسفينة والموحلة.

(٤) أي كون الدار والسفينة والموحلة.

(٥) مع قصد الصيد به.

(٦) أي بمعنى الصيد.

(٧) أي الثاني.

(٨) أي بإثبات الصيد بمعنى المصيد ، والمراد إثبات اليد عليه بحيث يزول امتناعه.

(٩) أي أخذه لزوال امتناعه.

(١٠) كما لو أغلق عليه بابا أو صيّره في مضيق.

(١١) المعتبر في تملك الصيد الممتنع أن يصيّره تحت يده بإبطال امتناعه فلو ضربه وأضعف بذلك قوته التي كان عليها ومع ذلك بقي قادرا على الامتناع بالطيران أو العدو بحيث لا يناله إلا بالإسراع الشديد الموجب للمشقة ، لم يكن ذلك مفيدا للملك ولا للاختصاص لعدم تحقق صيرورته تحت اليد ، بل يبقى الصيد على المباحات الأصلية يملكه من أمسكه.

(١٢) تعليل لبقائه على الإباحة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح حديث ٣.


ببقائه (١) على الامتناع وإن ضعفت قوته ، وكذا لو كان له قوة على الامتناع بالطيران والعدو (٢) فأبطل أحدهما خاصة ، لبقاء الامتناع في الجملة المنافي لليد.

(الخامسة ـ لا يملك الصيد المقصوص (٣) ، أو ما عليه أثر الملك) ، لدلالة القص ، والأثر على مالك سابق ، والأصل بقاؤه (٤).

ويشكل بأن مطلق الأثر إنما يدل على المؤثر. أما المالك فلا لجواز وقوعه (٥) من غير مالك (٦) ، أو ممن لا يصلح للتملك (٧) ، أو ممن لا يحترم ماله (٨). فكيف يحكم بمجرد الأثر لمالك محترم (٩) مع أنه (١٠) أعم والعام لا يدل على الخاص.

______________________________________________________

(١) أي بسبب بقائه ، وهو تعليل لعدم تحقق إثبات اليد عليه.

(٢) لو كان الصيد يمتنع بأمرين من الطيران والعدو كالدّراج والقبج يمتنع بجناحيه وبالعدو فكسر الرامي جناحيه بقي على المباح الأصلي ولا يملكه الرامي لعدم إثبات اليد عليه بسبب بقائه على الامتناع ، ولذا لو كسر آخر رجله فعجز عن العدو ملكه الثاني لصدق الأخذ والحيازة والصيد من قبل الثاني حينئذ كما عليه المحقق في الشرائع ، وعن الشيخ في المبسوط هو لهما ، لاشتراكهما في زوال امتناعه ، والأول أقوى لبقاء الامتناع بعد فعل الأول ، وبقاء الامتناع مناف لحصول اليد ، فلا ملك له حينئذ.

(٣) أي مقصوص الجناحين ، وكذا الموسوم بدلالة أو المخضوب ، فهذه آثار على أنه مملوك وربما أفلت من مالكه فيستصحب حكم الملك فلو صيد الطير والحال هذه لم يملكه الصائد ، لأنه ليس من المباح الذي يجري عليه التملك عند أخذه ، وكذا كل صيد عليه أثر يدل على الملك واليد من شدّ خيط ونحوه في رجله أو في عنقه أو في جناحه.

وقد تنظر بعضهم في ذلك بأن هذه الآثار تدل على أنه كان في يد إنسان ، وهو أعم من الملكية ، إذ يحتمل أنه قد فعلها في الصيد عبثا من غير قصد التملك ، وعليه فالأثر يدل على المؤثر ولا يدل على الملك المتوقف على قصد التملك.

(٤) أي بقاء الملك.

(٥) أي وقوع الأثر.

(٦) كما لو وقع من الغير عبثا.

(٧) كالعبد.

(٨) كالحربي.

(٩) متعلق بقوله (فكيف يحكم).

(١٠) أي الأثر أعم من الملك.


وعلى المشهور (١) يكون مع الأثر لقطة (٢) ، ومع عدم الأثر فهو لصائده وإن كان أهليا كالحمام ، للأصل (٣) إلا أن يعرف مالكه فيدفعه إليه.

______________________________________________________

(١) من كون الأثر دالا على الملك.

(٢) لأنه مع الأثر مملوك ، ومع عدم معرفة مالكه يكون لقطة.

(٣) وهي أصالة الإباحة.


كتاب الأطعمة والأشربة



كتاب الأطعمة والأشربة (١)

(إنما يحل من حيوان ...

______________________________________________________

(١) الأطعمة والأشربة من المهمات للإنسان باعتبار كونه جسدا لا يمكن استغناؤه عنهما ، ولذا قال تعالى : (وَمٰا جَعَلْنٰاهُمْ جَسَداً لٰا يَأْكُلُونَ الطَّعٰامَ) (١).

وفي تناول المحرم منهما قد أوعد الله تعالى الوعيد الشديد في الكتاب والسنة ، ولذا ورد في النبوي (أي لحم نبت على الحرام فالنار أولى به) (٢) ، فلذا لا بدّ من معرفة المحرم منهما والمحلّل.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالأصل يقتضي حلية كل شي‌ء أكلا أو شربا إلا ما نهى عنه الشارع ، لقبح العقاب بلا بيان ، ولذا ورد في الخبر (كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي) (٣) ، ولديدن الشارع على بيان المحرمات ، فما لم يوجد فيه نهي فهو حلال ، ولذا لقّن الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طريق الرد على الكفار حيث حرّموا على أنفسهم أشياء بقوله تعالى : (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) (٤) فقد أبطل تشريعهم بعدم وجدانه ما حرّموه فيما أوحى الله تعالى به ، وهذا دال على أن الأصل في الأطعمة والأشربة الحلية إلا أن يرد نهي من قبل الشارع ، مضافا إلى قوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ كُلُوا مِمّٰا فِي الْأَرْضِ حَلٰالاً طَيِّباً)(٥) ،

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٨.

(٢) مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٩١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صفات القاضي حديث ٦٠ من كتاب القضاء.

(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ١٦٨.


(البحر (١) سمك له فلس (٢) ...)

______________________________________________________

ـ وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ، ومن جهة ثالثة فالأصل الإباحة ما لم يكن من الخبائث لقوله تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ) (٢) ، والخبيث ما تستخبثه النفس وينفر منه الطبع بالنسبة للإنسان السوي السليم ، ومعه لا داعي للإشكال بأن الخبيث غير ظاهر المعنى والشارع لم يبيّنه ، والعرف غير منضبط ، ومن مصاديق ما تستخبثه النفس فضلة الإنسان بل كل حيوان ما لا يؤكل لحمه بل ومما يؤكل لحمه ، والقي‌ء والبلغم خصوصا إذا خرج إلى خارج الفم ثم ابتلعه.

ومن جهة رابعة فالإنسان له حالتان حالة اختيار وحالة اضطرار ، ولا بد من التكلم في الأطعمة والأشربة تبعا لهاتين الحالتين ، نعم جرى ديدن البعض على ذكر حكم الأشياء الضارة بالبدن ، وسيأتي التعرض له مع دليله وبيان مقدار الضرر عند البحث في حرمة تناول السم فانتظر.

(١) لا خلاف ولا إشكال في حرمة كل الحيوانات البحرية إلا السمك والطير ، أما الطير فسيأتي البحث فيه عند البحث في مطلق الطير ، وأما حرمة غير السمك والطير من أنواع الحيوانات البحرية فهو مما لا خلاف فيه لموثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الربيثا ، فقال : لا تأكلها ، فإنا لا نعرفها في السمك يا عمار) (٣) ، وهو دال على حرمة غير السمك من حيوانات البحر ، ويعارضه مرسل الصدوق قال الصادق عليه‌السلام (كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز أكله ، وكل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله) (٤) ، وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن أكل لحم الخز؟ قال عليه‌السلام : كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه ، وإلا فاقربه) (٥).

وهما موافقان للعامة ـ كما في الجواهر ـ فلا يصلحان لمعارضة ما تقدم.

(٢) يؤكل من السمك ما له فلس ، أي قشر ، بلا خلاف فيه للنصوص الآتية ، بلا فرق فيه بين ما بقي فلسه كالشبوط وهو سمك رقيق الذنب عريض الوسط ليّن اللمس صغير الرأس ، أو سقط عنه الفلس ولم يبق عليه كالكنعت الذي هو حوت تحتك بكل شي‌ء فيذهب فلسها ، ولذا لو نظرت إلى أصل أذنها وجدته فيه كما في صحيح حماد (قلت ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٩.

(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال : ما كان له قشر ، قلت : ما تقول في الكنعت؟ قال : لا بأس بأكله ، قلت : فإنه ليس له قشر ، قال : بلى ولكنها حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي‌ء ، فإذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا) (١). وأما ما ليس له فلس كالجريّ والمارماهي والزمّار فقد اختلف الأصحاب فيه ، فعن الأكثر ومنهم الشيخ في أكثر كتبه إلى تحريمه مطلقا ، وعن الشيخ في كتابي الأخبار حلّه فيما عدا الجري.

واستدل للأكثر بالأخبار :

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (قلت له : يرحمك الله إنا نؤتى بسمك ليس له قشر ، فقال عليه‌السلام : كل ما له قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله) (٢) ، وصحيح حماد (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ قال : ما كان له قشر) (٣) ، ومرسل حريز عنهما عليهما‌السلام (إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يكره الجريث ويقول : لا تأكل من السمك إلا شيئا عليه فلوس ، وكره المارماهي) (٤) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان علي عليه‌السلام بالكوفة يركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم يمرّ بسوق الحيتان فيقول : لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك) (٥) إلى غير ذلك من الأخبار.

واستدل الشيخ بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكره شي‌ء من الحيتان إلا الجري) (٦) ، ومثله خبر الحكم (٧)، ويؤيده صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الجريث ، فقال : وما الجريث؟ فنعته له ، فقال عليه‌السلام : (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ) إلى آخر الآية ثم قال : لم يحرّم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه ، ويكره كل شي‌ء من البحر ليس له قشر مثل الورق ، وليس بحرام إنما هو مكروه) (٨) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الجري والمارماهي والزمير ، وما ليس له قشر من السمك أحرام هو؟ فقال عليه‌السلام : يا محمد ، اقرأ هذه الآية التي في الأنعام : قل لا أجد فيما أوحي إلي محرّما ، قال : فقرأتها حتى فرغت منها ، فقال : إنما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء ونحن نعافها) (٩).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

(٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١٧ و ١٨ و ٩ و ٢٠.


(وإن زال (١) عنه) في بعض الأحيان(كالكنعت (٢) ويقال : الكنعد بالدال المهملة ضرب من السمك له فلس ضعيف يحتك (٣) بالرمل فيذهب عنه ثم يعود (ولا يحل الجري (٤) بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشددة المكسورة ، ويقال : الجريث بالضبط الأول (٥) مختوما بالثاء المثلثة(والمارماهي) بفتح الراء فارسي معرب وأصلها حية السمك(والزهو) بالزاي المعجمة (٦) فالهاء الساكنة(على قول (٧) الأكثر. وبه (٨) أخبار لا تبلغ حد الصحة (٩). وبحلها (١٠) أخبار صحيحة حملت على التقية.

ويمكن حمل النهي على الكراهة كما فعل الشيخ في موضع من النهاية إلا أنه رجع في موضع آخر وحكم بقتل مستحلها (١١). وحكايته (١٢) قولا مشعرة بتوقفه (١٣) مع أنه رجّح في الدروس التحريم. وهو الأشهر.

______________________________________________________

ـ وقد حمل المشهور هذه الطائفة على التقية ، ولكن القاضي ابن البراج والشيخ في موضع من النهاية قد جمع بين الطائفتين على كراهة الحيوان البحري الذي ليس له فلس ، مع أن الشيخ في موضعين من النهاية وباقي كتبه قد حكم بالحرمة ، حتى أنه في باب الديات من النهاية قد حكم بكفر مستحله.

(١) أي الفلس.

(٢) كجعفر ضرب من السمك.

(٣) احتك بالشي‌ء أي حك نفسه عليه كما في الصحاح.

(٤) نوع من السمك طويل أملس ليس له فلوس ، وعن حياة الحيوان أنه سمك يشبه الثعبان.

(٥) أي بضبط الجري مع زيادة الثاء المثلثة.

(٦) المفتوحة.

(٧) متعلق بالثلاثة.

(٨) أي بعدم حل الثلاثة المذكورة ، هذا ولا داعي للاقتصار على هذه الثلاثة بل المدار على الحيوان البحري الذي ليس له فلس.

(٩) ولكن قد عرفت ورود أخبار صحيحة دالة على عدم حل كل حيوان لا فلس له.

(١٠) أي بحل الثلاثة.

(١١) أي مستحل الثلاثة.

(١٢) أي حكاية المصنف للحرمة قولا.

(١٣) أي توقف المصنف هنا في حرمة الثلاثة.


(ولا السلحفاة (١) بضم السين المهملة ، وفتح اللام فالحاء المهملة الساكنة.

والفاء المفتوحة. والهاء بعد الألف(والضفدع) (٢) بكسر الضاد والدال مثال (٣) خنصر(والصّرطان (٤) بفتح الصاد والراء(وغيرها) من حيوان البحر وإن كان جنسه في البر حلالا سوى السمك المخصوص (٥)

(ولا الجلال من السمك (٦) وهو الذي اغتذى العذرة محضا حتى نما بها كغيره (٧) (حتى يستبرأ بأن يطعم علفا)

______________________________________________________

(١) شروع في غير السمك من حيوان البحر وقد عرفت حرمته ، ويدل عليه أيضا صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (لا يحلّ أكل الجري ولا السلحفاة ولا السرطان ، قال : وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال : ذلك لحم الضفادع لا يحلّ أكله) (١).

وعن بعض العامة حل جميع صنوف حيوان البحر ، وعن آخر حل الجميع ما عدا كلبه وخنزيره.

(٢) بكسر أول وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في الأول وكسره في الثاني وفتحه في الثالث.

(٣) أي على وزن.

(٤) يسمى عقرب الماء.

(٥) الذي له فلس.

(٦) الجلال من السمك هو من جملة أفراد الجلال وسيأتي الكلام فيه ، ولكن لا يؤكل الجلال من السمك حتى يستبرأ بأن يجعل في الماء يوما وليلة ويطعم علفا طاهرا على الأكثر لخبر يونس عن الرضا عليه‌السلام (سأله عن السمك الجلّال فقال : ينتظر به يوما وليلة) (٢).

وعن الصدوق في المقنع والشيخ جعل مدة الاستبراء يوما إلى الليل لخبر القاسم بن محمد الجوهري (السمك الجلّال يربط يوما إلى الليل في الماء) (٣) ، والترجيح للأول لإمكان إرجاع الثاني إليه بجعل الغاية داخلة في المغيّا ، وعلى كل فالخبران خاليان عن إطعامه علفا طاهرا مدة الاستبراء كما عليه المشهور فلذا اكتفى الأردبيلي في الاستبراء بإمساكه عن الجلل وعلى كل فعلى المشهور المعتبر كون العلف طاهرا بالفعل ، وربما اكتفي بالطاهر بالأصالة خاصة وإن كان متنجسا بالعرض ، ويدفعه أن إطلاق الطاهر يقتضي طهارته الأصلية والعرضية.

(٧) كغير السمك من بقية أفراد الجلّال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٥ و ٧.


(طاهرا) مطلقا (١) على الأقوى(في الماء) الطاهر (٢) (يوما وليلة) روي ذلك عن الرضا عليه‌السلام بسند ضعيف ، وفي الدروس أنه (٣) يستبرأ يوما إلى الليل ثم نقل الرواية (٤) وجعلها أولى.

ومستند اليوم (٥) رواية القاسم بن محمد الجوهري ، وهو ضعيف أيضا. إلا أن الأشهر الأول. وهو (٦) المناسب ليقين البراءة (٧) ، واستصحاب حكم التحريم (٨) إلى أن يعلم المزيل (٩).

ولو لا الإجماع على عدم اعتبار أمر آخر في تحليله (١٠) لما كان ذلك (١١) قاطعا للتحريم ، لضعفه (١٢)

(والبيض تابع) للسمك في الحل والحرمة (١٣).

______________________________________________________

(١) علّق الشارح بقوله (أي خال عن النجاسة الوضعية والعرضية).

(٢) قال في الجواهر : (بل في التحرير اعتبار كون الماء الذي يحبس فيه السمك طاهرا ، ولا ريب في أنه أحوط وأولى والله العالم) انتهى.

(٣) أي السمك.

(٤) أي الرواية عن الإمام الرضا عليه‌السلام.

(٥) أي اليوم إلى الليل.

(٦) أي الأول.

(٧) فالاستبراء من الجلّال المحرم إذا دار بين الأقل والأكثر ، فلا يحصل يقين البراءة بحل الحيوان إلا بالأكثر.

(٨) أي تحريم الحيوان الجلل.

(٩) ولا يعلم إلا بالأكثر.

(١٠) أي تحليل الجلال من السمك.

(١١) من الاستبراء يوما وليلة.

(١٢) أي لضعف دليل الاستبراء بالمدة المذكورة.

(١٣) بيض السمك المعبّر عنه اليوم بالثرب تابع للسمك ، فبيض المحلّل حلال ، وبيض المحرم حرام لخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (إن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس بأكله ، وهو حلال) (١) ، وخبر داود بن فرقد عنه عليه‌السلام في حديث : (كل شي‌ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة فكل ذلك ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ١.


(ولو اشتبه) بيض المحلّل بالمحرّم(أكل الخشن ، دون الأملس (١) وأطلق كثير (٢) ذلك (٣) من غير اعتبار التبعية.

(ويؤكل من حيوان البر الأنعام الثلاثة (٤) الإبل. والبقر. والغنم. ومن نسب إلينا تحريم الإبل فقد بهت (٥). نعم هو (٦) مذهب الخطابية (٧) لعنهم الله(وبقر الوحش. وحماره. وكبش الجبل (٨) ذو القرن الطويل(والظبي (٩) ، واليحمور) (١٠).

______________________________________________________

ـ حلال طيب) (١) ، وفي الاستدلال بهما نظر ، لعدم صدق البيض على ثروب السمك ، وإنما أطلقه الأصحاب عليه لضرب من المجاز باعتبار كونه مبدأ تكوّن السمك كالبيض في غيره ، والخبر الثاني منصرف إلى الحيوان البري.

فلم يبق إلا القياس على التبعية بين الحيوان البري وبيضه كما سيأتي البحث فيه.

(١) مع الاشتباه يؤكل الخشن دون الأملس ، وظاهرهم الاتفاق عليه وهو الحجة إذ لا دليل عليه غيره ، هذا وكثير من الأصحاب اطلقوا حل أكل الخشن دون الأملس ولم يقيدوه بصورة الاشتباه.

(٢) أي كثير من الأصحاب.

(٣) أي أنه يؤكل الخشن لا الأملس ، من دون النظر إلى أن سمكه محرّم أو محلّل ، ولكن لا بد من حمله على صورة الاشتباه ، لأنه مع التمييز فالتبعية هي الحاكمة.

(٤) لا خلاف بين المسلمين في تحليل الأنعام الثلاثة ، بل هو من ضروري الدين كما في الجواهر والمستند ، وللأخبار الآتي بعضها.

(٥) البهتان هو الافتراء.

(٦) أي تحريم الابل.

(٧) وهم أصحاب ابن الخطاب محمد بن مقلاص ، وكان من رواة الإمام الصادق عليه‌السلام ثم انحرف عن الحق.

(٨) وهو الضان والماعز الجبليان.

(٩) أي الغزال.

(١٠) جمعه يحامير ، وعن عجائب المخلوقات أنه دابة وحشية نافرة لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ، ينشر بهما الشجر ، يلقيهما كل سنة ، وقيل كما عن الصحاح أنه حمار ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.


(ويكره الخيل ، والبغال ، والحمير الأهلية) في الأشهر (١) (وآكدها) كراهة

______________________________________________________

ـ الوحش ، بلا خلاف في حلية الخمسة بين المسلمين كما في المسالك ، لقوله تعالى :(وَمِنَ الْأَنْعٰامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمّٰا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ) ـ إلى قوله تعالى ـ (ثَمٰانِيَةَ أَزْوٰاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) (١) ، وقد روى علي بن ابراهيم في تفسير هذه الآية (فقال عليه‌السلام : من الضأن اثنين عنى الأهلي والجبلي ، ومن المعز اثنين عنى الأهلي والوحشي الجبلي ، ومن البقر اثنين عنى الأهلي والوحشي الجبلي ، ومن الابل اثنين عني النجاتي والعراب ، فهذه أحلها الله) (٢) ، وموثق سماعة (سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه؟ فقال عليه‌السلام : إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه ، وإلا فلا يأكل منه) (٣) ، وخبر سعد بن سعد (سألت الرضا عليه‌السلام عن اللامص؟ فقال : وما هو؟ فذهبت أصفه ، فقال : أليس اليحامير؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : أليس تأكلونه بالخل والخردل والأبزار؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : لا بأس به) (٣) ، بل يظهر من خبر نضر بن محمد كراهة لحم حمار الوحش قال : (كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : أسأله عن لحوم الحمر الوحشية فكتب عليه‌السلام : يجوز أكلها وحشية ، وتركها عندي أفضل) (٤) وهو المنقول عن الحلي والعلامة في التحرير والشهيد في الدروس.

هذا ويظهر من جماعة منهم العلامة في التبصرة والقواعد والتحرير والمحقق في الشرائع حصر المحلّل من الوحشي في هذه المذكورات الخمسة ، بل عن الغنية زيادة الوعل سادسا.

(١) على المشهور ، وعن أبي الصلاح تحريم البغال ، وعن المفيد تحريم البغال والحمير والهجني من الإبل ، بل قال : إنه لا تقع الذكاة عليها.

ويشهد للمشهور جملة من الأخبار :

منها : صحيح محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (أنهما سألاه عن أكل لحوم الأهلية؟ فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكلها يوم خيبر ، وإنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت ، لأنها كانت حمولة الناس ، وإنما الحرام ما حرّم الله في القرآن) : (٥) ، وصحيح ـ

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآيات : ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢ و ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


(البغل (١) لتركيبه من الفرس والحمار. وهما مكروهان فجمع الكراهتين(ثم الحمار).

______________________________________________________

ـ محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكل لحوم الحمير ، وإنما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها ، وليست الحمير بحرام ، ثم قرأ هذه الآية : (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (١) الآية ، وصحيحه الثالث عن أبي جعفر عليه‌السلام (سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل ، فقال : ليس الحرام إلا ما حرّم الله في كتابه ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير ، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوها ، وليس الحمر بحرام) (٢) ، وخبر زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (سألته عن أبوال الخيل والبغال والحمير ، قال : فكرهها ، قلت : أليس لحمها حلالا؟ فقال : أليس قد بيّن الله لكم ، والأنعام خلقها لكم فيها دف‌ء ومنافع ومنها تأكلون ، وقال : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ، فجعل للأكل الأنعام التي قصّ الله في الكتاب ، وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير ، وليس لحومها بحرام ، ولكن الناس عافوها) (٣) إلى غير ذلك من الأخبار. ويعارضها جملة من الأخبار :

منها : صحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن أكل الخيل والبغال؟ فقال عليه‌السلام : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، ولا تأكلها إلا أن تضطر إليها) (٤) ، وصحيح سعد بن سعد عن الإمام الرضا عليه‌السلام (عن لحوم البراذين والخيل والبغال؟ فقال : لا تأكلها) (٥) ، وقد حملت على الكراهة جمعا.

(١) المشهور على أن كراهة البغل أشدّ لتركبه من الفرس والحمار وهما مكروهان ، وعن القاضي ابن البراج والحلي أن كراهة الحمار أشدّ ، لأنه متولد من مكروهين قويّ الكراهة بخلاف البغل فإنه متولد من قوي الكراهة وضعيفها لأنه متولد من الحمار والفرس.

ولكن التعليلين كما ترى ، وعلى كل فالخيل أخفها كراهة خصوصا بعد ما ورد من أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام منها ، كما في خبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (أتيت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا من الأنصار فإذا فرس له يكبد بنفسه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انحره ـ إلى أن قال ـ فقال : يا رسول الله ألي منه شي‌ء؟ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٦.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٨ و ١ و ٥.


(وقيل) والقائل القاضي(بالعكس) آكدها كراهة الحمار ثم البغل ، لأن المتولد (١) من قوي الكراهة (٢) وضعيفها (٣) أخف كراهة من المتولد (٤) من قويّها (٥) خاصة.

وقيل (٦) : بتحريم البغل. وفي صحيحة ابن مسكان النهي عن الثلاثة إلا لضرورة ، وحملت (٧) على الكراهة جمعا.

(ويحرم الكلب (٨) والخنزير (٩) ...)

______________________________________________________

ـ قال : نعم كل وأطعمني ، قال : فأهدي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخذا منه ، فأكل منه وأطعمني) (١).

والبغل أشدّ كراهة من الحمار لكثرة الأخبار الناهية عن أكل الحمير وقد تقدم بعضها.

(١) وهو البغل هنا.

(٢) وهو الحمار.

(٣) وهو الفرس.

(٤) وهو الحمار هنا.

(٥) لأن أبويه حماران.

(٦) كما عن أبي الصلاح.

(٧) أي الصحيحة.

(٨) بلا خلاف فيه بيننا ، لأنه نجس ومسخ وسبع ، وكل واحد من هذه العناوين موجب للتحريم ففي خبر أبي سهل القرشي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لحم الكلب؟ فقال : هو مسخ ، قلت : هو حرام؟ قال : هو نجس ، أعيدها عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول : نجس) (٢) ، خلافا لمالك حيث أحل أكله.

(٩) بلا خلاف فيه ، لأنه نجس ومسخ ، ففي خبر المفضل بن عمر (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني جعلني الله فداك لم حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير فقال : إن الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده ـ إلى أن قال ـ وأما لحم الخنزير فإن الله تبارك وتعالى مسخ قوما في صور شتى مثل الخنزير والقردة والدب وما كان من المسوخ ثم نهى عن أكله للمثلة لكيلا ينتفع الناس به ، ولا يستخفوا بعقوبته) (٣) ، وصحيح الحلبي عن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن أكل الضبّ فقال : إن الضب والفأرة والقردة والخنازير مسوخ) (١).

ومن هذين الخبرين يعرف حرمة أكل المسوخ ، وأيضا يحرم من البهائم ما كان سبع وهو ما كان له ظفر أو ناب يفترس به قويا كان كالأسد والنمر والفهد والذئب أو ضعيفا كالضبع والثعلب وابن آوى والسنّور للأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير حرام ، وقال عليه‌السلام : لا تأكل من السباع شيئا) (٢) ، وصحيح داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام) (٣) ، ووافقنا على تحريم جميع ذلك أبو حنيفة وخالف مالك في الجميع فحكم بالكراهة ، وفرّق الشافعي بين قويّ الناب منها وضعيفه فحرّم الأول دون الثاني ويحرم أيضا الأرنب والضب واليربوع والحشرات كلها ، التي هي صغار دواب الأرض أو التي تأوي ثقب الأرض كالحية والفأرة والعقرب والجرذان والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمّل ، مما هو مندرج في الخبائث أو المسوخ أو الحشرات ، أما الخبائث والمسوخ فقد تقدم ما يدل على تحريمها ، وأما الحشرات ففي خبر الدعائم عن علي عليه‌السلام (أنه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حشرات الأرض) (٤) فضلا عن ورود والنهي عنه بخصوصه كما في الحية والعقرب والفأرة واليربوع والضب والقنفذ ، ووافقنا على تحريم جميع الحشرات أبو حنيفة ، وأباح الشافعية الدب والأرنب للنص الوارد عنهم ، واليربوع لاستطابة العرب له.

إن الأرنب حرام لأنه مسخ كما في خبر الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث : (والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها) (٥) ، وخبر محمد بن سنان عن الإمام الرضا عليه‌السلام (وحرّم الأرنب لأنها بمنزلة السنور ، ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها في نفسها وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء ، لأنها مسخ) (٦) ، وخبر معتب عن جعفر بن محمد ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ١.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١١.


والسنور (١) بكسر السين وفتح النون(وإن كان) السنور(وحشيا ، والأسد ، والنمر) بفتح النون وكسر الميم(والفهد ، والثعلب ، والأرنب (٢) والضبع) بفتح الضاد فضم الباء ، (وابن آوى ، والضب (٣) ، والحشرات كلها كالحية ، والفأرة والعقرب ، والخنافس ، والصراصر وبنات وردان) بفتح الواو مبنيا على الفتح ، (والبراغيث ، والقمل ، واليربوع ، والقنفذ ، والوبر) بسكون الباء جمع وبرة بالسكون قال الجوهري (٤) : هي دويبة أصغر من السنور طحلاء (٥) اللون لا ذنب لها ترجن (٦) في البيوت.

(والخزّ) وقد تقدم في باب الصلاة أنه دويبة بحرية (٧) ذات أربع أرجل تشبه الثعلب وكأنها اليوم مجهولة ، أو مغيّرة الاسم ، أو موهومة وقد كانت في مبدأ الإسلام إلى وسطه كثيرة جدا.

______________________________________________________

ـ عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام (سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المسوخ فقال : هم ثلاثة عشر : الفيل والدب والخنزير والقرد ـ إلى أن قال ـ والأرنب) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (المسوخ ثلاثة عشر : الفيل والدب والأرنب ...) (٢) الحديث بل مما تقدم تعرف أن حرمة الأرنب للخبائث ولانطباق عنوان السبع عليه ، ولم يعارضها إلا خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان يكره أن يؤكل من الدواب لحم الأرنب والضب والخيل والبغال ، وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير) (٣) ، وخبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عزوف النفس ، وكان يكره الشي‌ء ولا يحرّمه ، فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها) (٤) فهما محمولان على التقية.

(١) شروع في تعداد السباع.

(٢) ولقد أجاد الماتن حيث جعل الأرنب من جملة السباع.

(٣) شروع في تعداد الحشرات.

(٤) في الصحاح.

(٥) لون بين الغبرة والبياض.

(٦) رجن المكان أقام به كما في الصحاح.

(٧) وفي خبر حمران بن أعين (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخزّ فقال : سبع يرعى في البر ويأوي الماء) (٥) وهو نص في أنه سبع فيحرم حينئذ.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١٣ و ١٤ و ٢٠ و ٢١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.


(والفنك) بفتح الفاء والنون دابة يتخذ منها الفرو.

(والسمّور) بفتح السين وضم الميم المشددة.

(والسنجاب والعظاءة) بالظاء المشالة (١) ممدودة مهموزة. وقد تقلب الهمزة ياء قال في الصحاح : هي دويبة أكبر من الوزغة والجمع العظاء ممدودة.

(واللحكة) بضم اللام وفتح الحاء نقل الجوهري عن ابن السكيت أنها دويبة شبيهة بالعظاءة تبرق زرقاء وليس لها ذنب طويل مثل ذنب العظاءة ، وقوائمها خفية (٢).

(ويحرم من الطير ما له مخلاب (٣) بكسر الميم(كالبازي والعقاب) بضم العين(والصقر) بالصاد تقلب سينا قاعدة في كلمة فيها قاف أو طاء ، أو راء ، أو غين ، أو خاء كالبصاق ، والصراط (٤) ، والصدغ ، والصماخ (٥) (والشاهين والنسر) بفتح أوله.(والرخم (٦) والبغاث) بفتح الموحدة وبالمعجمة المثلثة جمع بغاثة كذلك (٧)

______________________________________________________

(١) شالت الناقة بذنبها رفعته.

(٢) وقيل إنها دويبة تغوص في الرمل يشبّه بها أصابع العذارى ، وحرمة الفنك وما بعده لأنها من الحشرات.

(٣) لا خلاف ولا إشكال أنه يحرم من الطير ما كان ذا مخلاب أي ظفر يقوى به على افتراس غيره كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ، أو لا يقوى به على افتراس غيره كالنسر والرخمة والبغاث للأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير حرام) (١) ومثله صحيح داود بن فرقد (٢) ، وموثق سماعة عنه عليه‌السلام (عن المأكول من الطير والوحش ، فقال : حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من الوحش) (٣).

(٤) مثال لما فيه الطاء والراء.

(٥) بالكسر خرق الاذن ، ويقال هو الاذن بعينها.

(٦) طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة ، يقال له الأنوق.

(٧) أي بفتح الموحدة.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ١ و ٣.


طائر أبيض بطي‌ء الطيران أصغر من الحدأ بكسر الحاء والهمزة.

وفي الدروس أن البغاث ما عظم من الطير وليس له مخلاب معقف ، قال : وربما جعل النسر من البغاث وهو مثلث الباء (١) ، وقال الفراء : بغاث الطير شرارها ، وما لا يصيد منها.

(والغراب (٢) الكبير الأسود) الذي يسكن الجبال والخربات ، ويأكل الجيف.

______________________________________________________

(١) أي بالحركات الثلاث.

(٢) وفيه أقوال فعن الشيخ في الخلاف والعلامة في المختلف والفخر في الإيضاح الحرمة لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (عن الغراب الأبقع والأسود أيحلّ أكلهما؟ فقال عليه‌السلام : لا يحلّ أكل شي‌ء من الغربان زاغ ولا غيره) (١) وخبر أبي يحيى الواسطي عن الإمام الرضا عليه‌السلام (عن الغراب الأبقع؟ فقال : إنه لا يؤكل ، ومن أحلّ لك الأسود؟) (٢) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (لا يؤكل من الغربان شي‌ء ، زاغ ولا غيره ، ولا يؤكل من الحيات شي‌ء) (٣) ، وخبر أبي إسماعيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (عن بيض الغراب؟ فقال : لا تأكله) (٤).

وعن الشيخ في التهذيبين والنهاية والقاضي ابن البراج والعلامة في التبصرة والمحقق في النافع الحلية لموثق زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام (أكل الغراب ليس بحرام ، إنما الحرام ما حرّم الله في كتابه ، ولكن الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقذرا) (٥) ، وموثق غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عليه‌السلام (أنه كره أكل الغراب ، لأنه فاسق) (٦).

وتقدم أخبار الحرمة لأنها أصح سندا ومخالفتها للعامة وموافقتها للاحتياط ولأصالة عدم التذكية.

وهناك قول ثالث بالتفصيل قد نسب إلى ظاهر المبسوط وإلى بعض كتب العلامة وهو الحكم بحرمة الغراب الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف وكذا الأبقع ، والحكم بحلية الزاغ والغداف وهو الأغبر الرمادي ، وليس للمفصلين رواية بخصوصها كما اعترف الشارح في المسالك وغيره في غيرها ، إلا أن يكون التفصيل من باب الجمع بين الأخبار ، إلا أنه جمع تبرعي لا شاهد له ، ويمكن أن يحتج له بأن الأولين من ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣ و ٤ و ٦ و ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.


(والأبقع) أي المشتمل على بياض وسواد مثل الأبلق في الحيوان.

والمشهور أنه (١) صنف واحد وهو المعروف بالعقعق بفتح عينيه. وفي المهذب جعله (٢) صنفين : أحدهما المشهور. والآخر أكبر منه حجما ، وأصغر ذنبا.

ومستند التحريم فيهما (٣) صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام بتحريم الغراب مطلقا (٤) ، ورواية أبي يحيى الواسطي أنه سأل الرضا عليه‌السلام عن الغراب الأبقع فقال : إنه لا يؤكل ، ومن أحلّ لك الأسود.

(ويحل غراب الزرع) المعروف بالزاغ (٥) (في المشهور وكذا الغداف (٦) ، وهو أصغر منه إلى الغبرة ما هو) أي (٧) يميل إلى الغبرة يسيرا ، ويعرف بالرمادي لذلك (٨) ونسب (٩) القول بحل الأول (١٠) إلى الشهرة ، لعدم دليل صريح يخصصه ، بل الأخبار منها (١١) مطلق في تحريم الغراب بجميع أصنافه كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام أنه قال : «لا يحل شي‌ء من الغربان زاغ ولا

______________________________________________________

ـ الخبائث لأنهما يأكلان الجيف ، وبأن الأخيرين من الطيبات لأنهما يأكلان الحبّ وبهذا احتج من فصّل من العامة.

وقول رابع بالتفصيل وهو حرمة الجميع ما عدا غراب الزرع الذي يأكل الحب وهو الصغير من الغربان السود وهو الزاغ ، لعدم الدليل على تحريمه ، لأن أخبار الغراب أخبار آحاد ، وأما الباقي من أصنافه ، لأنه من سباع الطير.

(١) أن الغراب.

(٢) جعل الغراب.

(٣) في الكبير الأسود والأبقع.

(٤) سواء كان كبيرا أسودا أم أبقعا أم غيرهما.

(٥) الذي يأكل الحب ، وهو الصغير من الغربان السود.

(٦) وهو الأغبر الرمادي.

(٧) تفسير لقوله : (إلى الغبرة ما هو).

(٨) أي لميله إلى الغبرة.

(٩) أي المصنف.

(١٠) وهو غراب الزرع.

(١١) من الأخبار.


غيره». وهو (١) نص ، أو مطلق (٢) في الإباحة كرواية زرارة عن أحدهما أنه قال : «إن أكل الغراب ليس بحرام إنما الحرام ما حرّم الله في كتابه» لكن ليس في الباب (٣) حديث صحيح غير ما دلّ على التحريم. فالقول به (٤) متعين ، ولعل المخصص استند إلى مفهوم (٥) حديث أبي يحيى لكنه (٦) ضعيف.

ويفهم من المصنف القطع بحل الغداف الأغبر ، لأنه (٧) أخّره (٨) عن حكاية المشهور ، ومستنده (٩) غير واضح مع الاتفاق على أنه (١٠) من أقسام الغراب.

(ويحرم) من الطير(ما كان صفيفه) حال طيرانه. وهو أن يطير مبسوط الجناحين من غير أن يحركهما (١١) (أكثر من دفيفه) بأن يحركهما حالته (١٢) (دون ما)

______________________________________________________

(١) أي صحيح علي بن جعفر.

(٢) عطف على قوله (منها مطلق في تحريم الغراب).

(٣) في باب ما ورد في الغراب.

(٤) بالتحريم.

(٥) حيث اقتصر في الحرمة على الأبقع والأسود ، وبمفهوم اللقب نستفيد حلية غيرهما.

(٦) يجوز عود الضعيف إلى الحديث باعتبار سنده ، ويجوز عود الضمير إلى المفهوم ، لأنه مفهوم اللقب وقد ثبت في محله ضعفه.

(٧) أي المصنف.

(٨) أي أخّر الغداف الأغبر.

(٩) أي مستند حل الغداف الأغبر دون الزاغ.

(١٠) أي الغداف الأغبر.

(١١) أي يحرك الجناحين.

(١٢) أي حالة الطيران ، لا خلاف ولا إشكال في حرمة الطير الذي يكون صفيفه أكثر من دفيفه للأخبار :

منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (عما يؤكل من الطير؟ قال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ) (١) ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كلما صفّ وهو ذو مخلب فهو حرام ، والصفيف كما يطير البازي والحداة والصقر وما أشبه ذلك ، وكل ما دفّ فهو حلال) (٢) ، وخبر ابن أبي يعفور (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أكون في الآجام فيختلف عليّ الطير فما آكل منه؟ قال عليه‌السلام : كل ما رفّ ولا تأكل ما صفّ) (٣) ثم ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٣.


(انعكس (١) ، أو تساويا فيه (٢) أي في الصفيف والدفيف ، والمنصوص (٣) تحريما (٤) وتحليلا (٥) داخل فيه (٦) ، إلا الخطّاف فقد قيل بتحريمه مع أنه يدف. فبذلك (٧) ضعف القول بتحريمه (٨).

(و) كذا(يحرم ما ليس له قانصة (٩) وهي للطير بمنزلة المصارين

______________________________________________________

ـ ليس المراد بحلية ما دفّ من الطير وبحرمة ما صف ، هو أن يكون الطير صاحب دف أو ضف دائما ، إذ لا يوجد طير كذلك قطعا ، لأن كل طير يتصف بكل منهما ، بل المراد ما كان دفه أو صفه أغلب من الآخر ، ولذا ورد في مرسل الصدوق (وفي حديث آخر : إن كان الطير يصف ويدفّ فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل) (١) ، هذا وقد صرح جماعة منهم المحقق في الشرائع أنه إذا تساوى الصف والدف لم يحرم ، بل عن بعضهم أنه المعروف من المذهب.

وفيه أن مرسل الصدوق قد حصر الحلية بما إذا كان دفه أكثر ومفهومه حرمة ما إذا كان دفه مساويا ، هذا كله بحسب الصدر ، وبحسب ذيله فقد حصر الحرمة بما إذا كان صفيفه أكثر ومفهومه حلية ما إذا كان صفيفه مساويا ، وعليه فيتعارضان ويتساقطان ، وكذا بقية الأخبار فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى بقية العلامات الواردة في الطير المجهول.

(١) أي ما كان دفيفه أكثر فهو حلال.

(٢) أي تساوى الصفيف والدفيف فيه فهو حلال وقد عرفت الأشكال فيه ، وأما ما ذكره الشارح من أنهما تساويا في الصفيف والدفيف هو من السهو الواضح.

(٣) أي ما ورد من النص في الطير.

(٤) كسباع الطير.

(٥) كالحمام.

(٦) أي في هذا العام ، بحيث ما كان صفيفه أكثر فهو حرام ، ولو انعكس أو تساويا فيه فهو حلال.

(٧) أي بسبب كثرة دفيفه.

(٨) وسيأتي البحث فيه.

(٩) قد تقدم حرمة ما كان له مخلب من الطير وتقدم حرمة ما كان صفّه أكثر ، وهذان صنفان ، والصنف الثالث من الأصناف المحرّمة من الطيور ما ليس له قانصة ولا حوصلة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.


لغيرها (١) (ولا حوصلة) بالتشديد والتخفيف ، وهي ما يجمع فيها الحب وغيره من المأكول عند الحلق (٢) (ولا صيصية) بكسر أوله وثالثه مخففا ، وهي الشوكة التي في رجله موضع العقب (٣) ، وأصلها شوكة الحائك التي يسوّي بها السداة ، واللحمة.

والظاهر أن العلامات متلازمة فيكتفي بظهور أحدها. وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال : «سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع ما تقول في الحبارى فقال : إن كانت له قانصة فكله ، قال وسأله عن طير الماء فقال : مثل ذلك».

وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كل ما دفّ ، ولا تأكل ما

______________________________________________________

ـ ولا صيصية ، للأخبار الكثيرة :

منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن طير الماء؟ فقال : ما كانت له قانصة) فكل ، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل) (١) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : الطير ما يأكل منه؟ قال عليه‌السلام : لا تأكل ما لم تكن له قانصة (٢) وموثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة) (٣) ، وموثق سماعة (كل من طير البر ما كانت له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة له كمعدة الإنسان ، ـ إلى أن قال ـ والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه ، وكل طير مجهول) (٤) وصحيح عبد الله بن سنان (سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع : ما تقول في الحبارى؟ قال : إن كانت له قانصة فكله ، وسأله عن طير الماء ، فقال مثل ذلك) (٥) إلى غير ذلك من النصوص.

ومقتضى الجمع بين الأخبار يفيد أن كل طير ذي مخلب أو من المسوخ أو كان صفه أكثر لا يكون له إحدى علامات الحلية ، وكل طير ذي حوصلة أو صيصية أو قانصة لا يكون له إحدى علامات الحرمة ، وبهذا جزم الأردبيلي.

(١) أي لغير الطيور.

(٢) وهي للطير بمنزلة المعدة لغيره.

(٣) وهي للطير بمنزلة الإبهام للإنسان.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ١ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.


صف» ، فلم يعتبر أحدهما (١) الجميع (٢) ، وفي رواية سماعة عن الرضا عليه‌السلام «كل من طير البر ما كان له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان ، وكلّ ما صفّ فهو ذم مخلب وهو حرام ، وكل ما دفّ فهو حلال ، والقانصة والحوصلة يمتحن بها من الطير ما لا يعرف طيرانه ، وكل طير مجهول» (٣) وفي هذه الرواية أيضا دلالة على عدم اعتبار الجميع (٤) ، وعلى (٥) أن العلامة (٦) لغير المنصوص على تحريمه وتحليله (٧) ، (والخشاف (٨) ويقال له : الخفاش والوطواط(والطاوس(٩).

______________________________________________________

(١) أحد الخبرين.

(٢) أي جميع العلامات ، وعليه فالظاهر تلازمهما واكتفاء بإحداهما.

(٣) أي غير منصوص.

(٤) أي جميع العلامات.

(٥) أي وللرواية دلالة أيضا.

(٦) من وجود القانصة أو الحوصلة أو الصيصية علامة الحل وإلا فالحرمة.

(٧) أي علامة للطائر المجهول.

(٨) شروع في الصنف الرابع المحرم من الطيور ، وهو ما دل الدليل الخاص على حرمته ، هذا والخشاف هو الذي يطير ليلا ولا يطير نهارا ، وهو الوطواط ، ولا خلاف في حرمته لأنه مسخ ففي خبر الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث : (والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عليهم‌السلام في حديث : المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا منهم القردة والخنازير والخفاش والضبي ...) (٢) ، قد تقدم حرمة أكل المسوخ ففي خبر الحسين بن خالد (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أيحل أكل لحم الفيل؟ فقال : لا ، فقلت : لم ، فقال :لأنه مثلة ، وقد حرّم الله لحوم الأمساخ ، ولحم ما مثّل به في صورها) (٣).

(٩) لا خلاف في حرمته لأنه مسخ ، ففي خبر سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (الطاوس لا يحلّ أكله ولا بيضه) (٤) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (الطاوس مسخ ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه ، فوقع بها ثم راسلته بعد ، فمسخهما الله طاوسين أنثى وذكرا ، فلا تأكل لحمه ولا بيضه) (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧ و ١٢ و ٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٥ و ٦.


(ويكره الهدهد) (١) لقول الرضا عليه‌السلام : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قتل الهدهد ، والصرد (٢) والصوّام (٣) ، والنحلة» (٤) ، وروى علي بن جعفر قال : «سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الهدهد وقتله وذبحه فقال : لا يؤذى ولا يذبح فنعم الطير هو» ، وعن الرضا عليه‌السلام قال : «في كل جناح هدهد مكتوب بالسريانية آل محمّد خبر البرّية».

(والخطّاف) (٥) بضم الخاء وتشديد الطاء وهو الصنونو (أشد كراهة) من

______________________________________________________

(١) بلا خلاف في كراهته ، وقد ورد النهي عنه كما في صحيح علي بن جعفر (سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الهدهد وقتله وذبحه ، فقال : لا يؤذى ولا يذبح فنعم الطير هو) (١) ، وخبر سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (في كل جناح هدهد مكتوب بالسريانية : آل محمد خير البرية) (٢) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قتل الهدهد والصرد والصوام والنحلة) (٣) هذا كما في رواية الكافي ، وفي عيون الأخبار مثله وزاد (والنملة وأمر بقتل خمسة : الغراب والحداة والحية والعقرب والكلب العقور) (٤) والأمر بالقتل أمر رخصة لا أمر وجوب ، ومنه استفيد أن النهي محمول على الكراهة.

(٢) كرطب ، طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير ، يقال إنه : نقّار الأشجار ، وعن النضر بن شميل أنه ضخم الرأس ضخم المنقار له برثن عظيم أبقع ، نصفه أسود ونصفه أبيض ، لا يقدر عليه أحد ، وهو شرير النفس شديد النفرة ، غذاؤه من اللحم ، وله صفير مختلف ، يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه إلى التقرب منه ، فإذا اجتمعن إليه شدّ على بعضهن ، وله منقار شديد ، فإذا نقر واحدا قتل من ساعته وأكله ، ومأواه الأشجار ورءوس القلاع وأعالي الحصون ، قيل : ويسمى المجوّف لبياض بطنه ، والأخطب لخضرة ظهره ، والأخيل لاختلاف لونه ، وقال الصنعاني : إنه يسمى السنيمط مصغرا.

(٣) كرمان ، طائر أغبر اللون طويل الرقبة ، أكثر ما يبيت في النخل.

(٤) سميت كذلك ، لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج منها ، والنحلة العطية.

(٥) فعن الشيخ في النهاية وابني إدريس والبراج الحرمة للأخبار :

منها : خبر داود الرقي أو غيره قال : (بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ مرّ ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ أبواب الصيد حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.


الهدهد ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «استوصوا بالصنينات خيرا يعني الخطّاف فإنهن آنس طير الناس بالناس» ، بل قيل بتحريمه ، لرواية داود الرقي قال : «بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ مرّ رجل بيده خطّاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام حتى أخذه من يده ثم دحا به الأرض ، فقال عليه‌السلام أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟! أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل الستة منها الخطاف».

وفيه (١) «أن تسبيحه قراءة الحمد لله رب العالمين ألا ترونه يقول : ولا الضالين» ، والخبر (٢) مع سلامة سنده (٣) لا يدل على تحريم لحمه (٤).

______________________________________________________

ـ رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام حتى أخذه من يده ثم دحا به إلى الأرض ثم قال : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل الستة ، منها الخطاف ، وقال : إن دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسبيحه قراءة الحمد لله رب العالمين ، ألا ترونه يقول : ولا الضالين) (١) ، وخبر محمد بن يوسف التميمي عن محمد بن جعفر عن أبيه عليه‌السلام قال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استوصوا بالصنينات خيرا ، يعني الخطاف ، فإنهن آنس طير الناس بالناس) (٢).

وعن المفيد وعامة المتأخرين الكراهة ، لظهور الخبر الأخير بذلك ، ولخبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده ، أيأكله؟ فقال عليه‌السلام : هو مما يؤكل) (٣) وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (خرء الخطاف لا بأس به ، وهو مما يؤكل لحمه ، ولكن كره أكله ، لأنه استجار بك وآوى في منزلك ، وكل طير يستجير بك فآجره) (٤) ويؤيد الحلية أنه مما يدف ، نعم على القول بالحرمة يكون خارجا تخصيصا عن أخبار الدفيف الدالة على حله ، وقد تقدمت.

(١) أي وفي الخبر المذكور.

(٢) وهو خبر داود الرقي.

(٣) فهو مشتمل على الحسين بن داود وهو مجهول.

(٤) لأنه نهى عن قتله ، والنهي عن القتل لا يدل على حرمة الأكل ، لقرينة ما ذكر معه من النحلة والنملة والضفدع والصرد والهدهد.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد حديث ٢ و ٤ و ٦ و ٥.


ووجه الحكم بحله (١) حينئذ (٢) أنه يدف ، فيدخل في العموم (٣) وقد روي حلّه (٤) أيضا (٥) بطريق ضعيف (٦).

(ويكره الفاختة (٧) والقبّرة (٨) بضم القاف وتشديد الباء مفتوحة من غير نون بينهما ، فإنه (٩) لحن من كلام العامة ، ويقال : القنبراء ـ بالنون ـ لكن مع الألف بعد الراء ممدودة ، وهي في بعض نسخ الكتاب ، وكراهة القبرة منضمة إلى بركة بخلاف الفاختة (١٠) روى سليمان الجعفري عن الرضا عليه‌السلام قال : «لا تأكلوا القبّرة ، ولا تسبوها ، ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها فإنها كثيرة التسبيح لله تعالى ، وتسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد». وقال (١١) : «إن القنزعة التي على رأس

______________________________________________________

(١) بحل الخطاف.

(٢) أي حين ورود النهي عن قتله.

(٣) أي عموم أخبار التدفيف الدالة على حله.

(٤) أي حل الخطاف.

(٥) بالإضافة إلى أخبار التدفيف.

(٦) وهو خبر عمار بن موسى ، وهو واقفي.

(٧) تحلّ الفاختة لوجود علامة الحل فيها ، من كثرة التدفيف وغيره مع خلوها من علامات الحرمة ، ولكن يكره أكل لحمها لما ورد في الخبر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنها مشومة ـ إلى أن قال ـ وإنما تدعو على أربابها فتقول : فقدتكم فقدتكم) (١).

(٨) بتشديد الباء بغير نون ، وإثباتها من لحن العامة ، وكراهتها لخبر سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (لا تأكلوا القبّرة ولا تسبّوها ، ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها ، فإنها كثيرة التسبيح ، وتسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد) (٢) ، ونحوه خبره الآخر (٣) ، وفي خبره الثالث عنه عليه‌السلام (قال علي بن الحسين عليه‌السلام : القنزعة التي هي على رأس القبّرة من مسحة سليمان بن داودعليهما‌السلام) (٤) الخبر.

(٩) أي فإن النون بينهما.

(١٠) فإن كراهتها منضمة إلى شؤم.

(١١) في خبر آخر كما تقدم في شرحنا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب أحكام الدواب حديث ٢ من كتاب الحج.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الصيد ـ حديث ١ و ٣ و ٤.


القبرة من مسحة سليمان بن داود» على نبينا وآله وعليه‌السلام في خبر طويل ، وروى أبو بصير «أن أبا عبد الله عليه‌السلام قال لابنه إسماعيل ـ وقد رأى في بيته فاختة في قفص تصيح ـ : يا بني ما يدعوك إلى إمساك هذه الفاختة أو ما علمت أنها مشومة؟ أو ما تدري ما تقول؟ قال إسماعيل : لا قال : إنما تدعو على أربابها فتقول : فقدتكم فقدتكم ، فأخرجوها».

(والحبارى) (١) بضم الحاء وفتح الراء ، وهو اسم يقع على الذكر والأنثى واحدها وجمعها(أشد كراهة) منهما (٢).

ووجه الأشدية (٣) غير واضح ، والمشهور في عبارة المصنف وغيره أصل الاشتراك فيها (٤) ، وقد روى المسمعي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

______________________________________________________

(١) الحبارى من أشدّ الطيور طيرانا وأبعدها شوطا ، كبير العنق رمادي اللون ، وأكثر الطيور حيلة في تحصيل الرزق ، وهو مع ذلك يموت جوعا ، وما ورد في الحبارى ثلاثة أخبار هي : صحيح ابن سنان (سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع : ما تقول في الحبارى ، قال : إن كانت له قانصة فكله ، وسأله عن طير الماء ، فقال مثل ذلك) (١) وصحيح كردين المسمعي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبارى فقال : وددت أن عندي منه فآكل منه حتى أتملأ) (٢) ، وخبر نشيط بن صالح (سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا أرى بأكل الحبارى بأسا ، وأنه جيد للبواسير ووجع الظهر ، وهو مما يعين على كثرة الجماع) (٣).

وهذه الأخبار غير دالة على الكراهة ، بل صحيح كردين دال على الندب ، نعم قد قال الشارح في المسالك أن نفي البأس عنها كما في خبر نشيط يشعر بالكراهة ، وإلا فقد اعترف هو وغيره على عدم دليل يقتضي الكراهة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى قال العلامة في التحرير (أن به رواية شاذة) انتهى ، ولكن على تقدير دلالتها على الكراهة لم تصل إلينا.

(٢) من الفاختة والقبّرة.

(٣) التي حكم بها الماتن.

(٤) أي في الكراهة ، والمراد أن المشهور على أن الحبارى كالفاختة والقبرة مشتركة في الكراهة من دون زيادة أو أشدية لبعضها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ١.


الحبارى فقال : فوددت أن عندي منه فآكل حتى أتملأ».

(ويكره) أيضا(الصرد (١) بضم الصاد وفتح الراء(والصوّام) (٢) بضم الصاد وتشديد الواو ، قال في التحرير : إنه طائر أغبر اللون. طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل. وفي الأخبار النهي عن قتلهما في جملة سنة (٣) ، وقد تقدم بعضها (٤).

(والشقرّاق) بفتح الشين وكسر القاف وتشديد الراء ، وبكسر الشين أيضا ، ويقال : الشقراق كقرطاس ، والشرقراق بالفتح والكسر ، والشرقرق كسفرجل : طائر مرقط بخضرة وحمرة وبياض (٥). ذكر ذلك كله في القاموس وعن أبي عبد

______________________________________________________

(١) كرطب وقد تقدم معناه فراجع.

(٢) كرمّان ، وقد تقدم معناه فراجع.

(٣) وهو خبر الحسن بن داود الرقي قال : (بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذا مرّ رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام حتى أخذه من يده ـ إلى أن قال ـ لقد أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل الستة : النحلة والنملة والضفدع والصرد والهدهد والخطاف) (١) ، وخبر الجعفري عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل خمسة : الصرد والصوام والهدهد والنحلة والنملة ، وأمر بقتل خمسة : الغراب والحية والحدأة والعقرب والكلب العقور) (٢) وفي الأخير نهي صريح عنهما وهو محمول على الكراهة لوجود علامات الحل فيهما ، مع خلوهما من علامات الحرمة.

(٤) أي بعض الأخبار الدالة على النهي عن قتل الستة وهو خبر داود الرقي الذي أورده الشارح في الخطاف ، ومن المحتمل عود الضمير إلى الستة والمعنى قد تقدم الكلام عن بعض الستة ، وهو الخطاف والهدهد.

(٥) فهو على ما قيل : طائر أخضر مليح بقدر الحمام ، خضرته حسنة مشبّهة في أجنحته سواد ، ويكون مخطّطا بحمرة وخضرة وسواد ، وعن الجاحظ أنه ضرب من الغربان ، وقد روى عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه سئل عن الشقراق قال : كره قتله لحال الحيّات ، قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما يمشي فإذا شقراق قد انقض فاستخرج من خفه حيّة) (١).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الصيد حديث ١.


الله عليه‌السلام تعليل كراهته بقتله الحيات. قال : «وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما يمشي فإذا شقراق قد انقضّ فاستخرج من خفه حية».

(ويحل الحمام كلّه (١) كالقماري) بفتح القاف وهو الحمام الأزرق جمع قمري بضمه منسوب إلى طير قمر (٢) (والدباسي) بضم الدال جمع دبسي بالضم منسوب إلى طير دبس (٣) بضمها.

وقيل : إلى دبس (٤) الرطب بكسرها ، وإنما ضمت الدال (٥) مع كسرها (٦) في المنسوب إليه في الثاني (٧) ، لأنهم يغيّرون في النسب كالدهري (٨) بالضم مع

______________________________________________________

(١) لا خلاف في حل أكل الحمام بجميع صنوفه ، ففي خبر داود الرقي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إن رجلا من أصحاب أبي الخطاب نهاني عن أكل البخت وعن أكل الحمام المسرول ، فقال عليه‌السلام : لا بأس بركوب البخت وشرب ألبانها وأكل لحومها وأكل الحمام المسرول) (١) ، ومرفوع السياري قال (ذكرت اللّحمان بين يدي عمر ، فقال عمر : أطيب اللحمان لحم الدجاج ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كلا ، إن ذلك خنازير الطير ، وإن أطيب اللّحمان لحم فرخ قد نهض أو كاد أن ينهض) (٢).

هذا والحمام جنس يقع على كل ذات طوق من الطيور ، أو يقع على ما عبّ أي شرب بلا مصّ بل يأخذه بمنقاره قطرة قطرة ، فيدخل فيه القمري وهو الأزرق ، والدبس وهو الأحمر والورشان وهو الأبيض.

(٢) وقمر بلدة تشبه الجصّ لبياضها حكاه السمعاني عن المجمل وقال : وأظن أنها من بلاد مصر.

(٣) دبس : الأدبس من الطير الذي لونه بين السواد والحمرة كما في القاموس.

(٤) أي هو أحمر بلون الدبس بكسر الدال ، وقيل هو ذكر اليمام.

(٥) في المنسوب وهو الطائر الدبس.

(٦) أي كسر الدال.

(٧) أي في دبس الرطب.

(٨) وهو الرجل المسنّ.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.


نسبته إلى الدهر بالفتح (١) ، وعن المصنف أنه (٢) الحمام الأحمر.

(والورشان) بفتح الواو والراء وعن المصنف أنه الحمام الأبيض (٣).

(ويحلّ الحجل (٤) والدرّاج) (٥) بضم الدال وتشديد الراء.

(والقطا) (٦). بالقصر جمع قطاة(والطيهوج (٧) وهو طائر طويل الرجلين

______________________________________________________

(١) وأما الدهري بالفتح فهو للقائل بالدهر وأنه مؤثر في الكائنات.

(٢) أي الدباسي ، ذكر ذلك في الدروس.

(٣) وقيل : ذكر القماري ، وقيل : كل طائر يتولد بين الفاختة والحمامة.

(٤) هذه المذكورات مما لا خلاف في حلها ، لاشتمالها على علامات الحل في الطير مع خلوها من علامات الحرمة ، بالإضافة إلى ورود النص في بعضها ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالحجل هو القبج أو ذكره أو نوع منه كما في الجواهر ولذا قال في المسالك : (والقبج بسكون الباء ، قال في الصحاح هو الحجل فارسي معرب ، فكأنه نوع منه) ، وفي خبر محمد بن حكيم عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام (أطعموا المحموم لحم القباج فإنه يقوّى الساقين ويطرد الحمى طردا) (١).

(٥) قال في المسالك : بفتح الدال والضم هذا وقد ورد في مرسل السياري (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن يقلّ غيظه فليأكل لحم الدرّاج) (٢) وفي طب الائمة (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من اشتكى فؤاده وكثر غمه فليأكل الدرّاج) (٣).

(٦) طائر معروف وقد ورد في خبر علي بن مهزيار قال : (تغديت مع أبي جعفر عليه‌السلام فأتي بقطاة فقال : إنه مبارك وكان أبي يعجبه ، وكان يأمر أن يطعم صاحب اليرقان ، يشوى له فإنه ينفعه) (٤).

(٧) شبيه الحجل الصغير ، غير أن منقاره ورجليه حمر ، وما تحت جناحيه أسود وأبيض لما في حياة الحيوان ، وفي المسالك أنه من طيور الماء له ساق طويل ، لا نص عليه بخصوصه كما اعترف في الجواهر وإن أرسل النص عليه في المسالك ، إلا أنه حلال لوجود إحدى علامات الحلية فيه كما صرح بذلك غير واحد من الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٣.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.


والرقبة من طيور الماء.

(والدجاج (١) مثلث الدال والفتح أشهر (٢).

(والكروان) (٣) بفتح حروفه الأول.

(والكركي) (٤) بضم الكاف واحد الكراكي.

(والصعو) (٥) بفتح الصاد وسكون العين جمع صعوة بهما (٦).

(والعصفور الأهلي (٧) الذي يسكن الدور.

______________________________________________________

(١) ففي مجمع البيان (روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذج ، وكان يعجبه الحلو والعسل) (١) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ولقد آذاني أكل الخلّ والزيت حتى أن حميدة أمرت بدجاجة فشويت فرجعت إليّ نفسي) (٢) ، وفي مكارم الأخلاق عن جابر بن عبد الله (أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم ، والفقراء باتخاذ الدجاج) (٣).

(٢) بل في المسالك (بفتح أوله أفصح من كسره وضمه) انتهى.

(٣) بفتح أوائله طائر يشبه البط ، لا نص عليه بالخصوص كما هو ظاهر الجواهر ، وإن أرسل النص عليه في المسالك ، إلا أنه حلال لوجود إحدى علامات الحلية فيه كما صرح بذلك غير واحد من الأصحاب.

(٤) طائر كبير طويل العنق والرجلين يأوي إلى الماء قليلا ، لا نص عليه بالخصوص وإن أرسل النص عليه في المسالك ، إلا أنه حلال لوجود إحدى علامات الحلية كما صرح بذلك غير واحد.

(٥) جمع صعوة ففي كشف اللثام : (جمع صعوة من صغار العصافير أحمر الرأس) وفي الجواهر : (ولعلها المسماة في عرفنا الآن بالزيطة ، لما قيل من أنه طائر أزرق لا يستقر ذنبه) ، وعلى كل فلا نص فيه بخصوصه وإن أرسل النص عليه في المسالك ، إلا أنه حلال لوجود إحدى علامات الحلية كما صرح بذلك غير واحد.

(٦) بفتح الصاد وسكون العين.

(٧) لا نص عليه بخصوصه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٥ و ٦.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.


(ويعتبر في طير الماء) وهو الذي يبيض ويفرّخ فيه (١) (ما يعتبر في البرّي من الصفيف ، والدفيف ، والقانصة ، والحوصلة ، والصيصية) وقد تقدم ما يدل عليه (٢).

(والبيض تابع) للطير (٣) (في الحل والحرمة) فكل طائر يحل أكله يؤكل

______________________________________________________

(١) أي في الماء.

(٢) أي على اعتبار هذه الأوصاف في طير الماء كما في صحيح ابن سنان (سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع : ما تقول في الحبارى ، قال : إن كانت له قانصة فكله ، وسأله عن طير الماء فقال مثل ذلك) (١) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (سأله عن طير الماء فقال : ما كانت له قانصة فكل ، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل) (٢) ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (كل من طير البر ما كانت له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان ـ إلى أن قال ـ والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول) (٣) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له ، قال : وسئل عن طير الماء فقال مثل ذلك) (٤) وعليه فيجوز أكله وإن كان يأكل السمك ، ويدل عليه بالخصوص صحيح نجية بن الحارث (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن طير الماء ، ما يأكل السمك منه يحلّ؟ قال : لا بأس به كله) (٥).

وقال في المسالك : (والمراد بطير الماء نحو البط والإوز والكركي واللقلق والطيهوج وغيرها ، قال بعض العلماء هو أكثر من مائتي نوع ، ولا نجد لأكثرها اسما عند العرب ، لأنها لا تكون ببلادهم ، ونبّه المصنف بتخصيصه على خلاف بعض العامة حيث ذهب إلى حله كحيوانه) انتهى أي حيث ذهب بعض العامة إلى حل مطلق طير الماء كما يحل مطلق حيوان الماء.

(٣) بيض ما يؤكل لحمه حلال ، وبيض ما يحرم لحمه حرام بلا خلاف فيه لخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (إن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس بأكله وهو حلال) (٦) وخبر داود بن فرقد عنه عليه‌السلام في حديث : (كل شي‌ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة فكل ذلك حلال طيب) (٧).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ٣ و ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ أبواب الأطعمة المباحة حديث ١ و ٢.


بيضة ، ومالا فلا ، فإن اشتبه (١) أكل ما اختلف طرفاه واجتنب ما اتفق (٢).

(وتحرم الزنابير (٣) جمع زنبور بضم الزاء بنوعيه الأحمر والأصفر(والبق والذباب) (٤) بضم الذال واحده ذبابة بالضم أيضا ، والكثير (٥) ذبان بكسر الذال والنون أخيرا(والمجثّمة) بتشديد المثلثة مكسورة(وهي التي تجعل غرضا) للرمي(وترمى بالنشّاب (٦) حتى تموت ، والمصبورة وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت صبرا) وتحريمهما واضح ، لعدم التذكية (٧) مع إمكانها (٨). وكلاهما فعل الجاهلية

______________________________________________________

(١) أي اشتبه البيض أنه من طير يؤكل لحمه أو لا ، فيؤكل ما اختلف طرفاه دون ما اتفق بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه إلا ما اختلف طرفاه) (١) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (سأله عن البيض في الآجام فقال : ما استوى طرفاه فلا تأكله ، وما اختلف طرفاه فكل) (٢) ومثله كثير ، وهذه الأخبار ظاهرة في صورة الاشتباه.

(٢) أي اتفق طرفاه.

(٣) يحرم الزنبور بلا خلاف ، لأنه مسخ كما في خبر الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث : (والزنبور كان لحاما يسرق في الميزان) (٣) ، ولأنه ذو سم فيكون من الخبائث.

(٤) حرمة البق والذباب مما لا خلاف فيه لكونهما من الخبائث ، وكذا الديدان حتى الموجودة في الفاكهة.

(٥) أي الجمع الكثير كما صرح به في القاموس.

(٦) أي السهام.

(٧) لا خلاف ولا إشكال في تحريم المجثمة والمصبورة لأنهما من جملة أفراد الميتة ، لأن المراد من الميتة من ماتت بغير تذكية سواء استند الموت إلى الجرح أو لا ، وفي مجمع البحرين (وفي الحديث يحرم من الذبيحة المصبورة ، وهي المجروحة تحبس حتى تموت) (٤) وقال أيضا : (وفيه ـ أي في الحديث نهى عن قتل شي‌ء من الدواب صبرا ، وهو أن يمسك شي‌ء من ذوات الأرواح حيا ثم يرمى بشي‌ء حتى يموت) (٥).

(٨) أي إمكان التذكية.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧.

(٤ و ٥) مجمع البحرين كتاب الراء ما أوله الصاد ج ٣ ص ٣٦٠.


وقد ورد النهي عن الفعلين مع تحريم اللحم (١).

(والجلال وهو الذي يتغذى عذرة الإنسان (٢) محضا) ...

______________________________________________________

(١) حيث ورد في الخبر المتقدم (يحرم من الذبيحة المصبورة وهي المجروحة تحبس حتى تموت) وهو دال على حرمة اللحم في القتل صبرا لا في التجثيم ، وإن حرم اللحم أيضا فيه إلا أنه غير منصوص.

(٢) الجلال هو الذي يغتذي بعذرة الإنسان على المشهور لمرسل النميري عن أبي جعفر عليه‌السلام في شاة شرب بولا ثم ذبحت فقال : يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة ، والجلّالة التي يكون ذلك غذاؤها) (١) فالمشار إليه هو العذرة والمراد بها عذرة الإنسان. وعن أبي الصلاح إلحاق سائر النجاسات بالعذرة لمشاركتها لها في النجاسات وهو ضعيف لعدم الدليل عليه.

ولا بدّ أن تكون العذرة غذائه من دون اختلاط بحيث لو كان يؤكل مع العذرة شيئا آخر لا يكون جلالا لمرسل علي بن أسباط (عمن روى في الجلالات قال : لا بأس بأكلهن إذا كنّ يخلطن) (٢).

هذا ولا بد من مضي مدة على ذلك حتى يكون جلالا إلا أن الأصحاب قد اختلفوا في مقدارها ، والنصوص خالية عن تعيين المدة ، غايته قد ورد في مرسل النميري المتقدم اعتبار كون العذرة غذائه ، وهو مجمل ، ولذا قدرها بعضهم بيوم وليلة واستقربه الكركي ، قياسا على الرضاع المحرم ولأنه أقصر زمان الاستبراء ، وهو زمن استبراء السمك الجلال ، وعن ثان بأن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءا منه أخذا بالقدر المتيقن ، إذ قبل ذلك يشك في ارتفاع الحلية عنه ، وعن ثالث أن تظهر رائحة النجاسة التي تغذى عليها في لحمه وجلده واستقربه في المسالك ، وعن رابع المدة على الصدق العرفي أنه جلال وإليه ذهب سيد الرياض والنراقي في المستند لأن العرف هو الحاكم في تعيين المفاهيم بعد عدم ورود شي‌ء من قبل الشارع ، وعن خامس أن المدار على صدق كون العذرة غذائه وإليه ذهب صاحب الجواهر تمسكا بالوارد في النص.

هذا ومع تحقق عنوان الجلال عليه فيحرم أكل لحمه على المشهور للأخبار.

منها : صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تأكلوا لحوم الجلالات ، وإن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.


لا يخلط (١) غيرها إلى أن ينبت عليها (٢) لحمه ، ويشتد عظمه عرفا (٣) (حرام حتى يستبرأ على الأقوى (٤) ، لحسنة (٥) هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تأكلوا لحوم الجلالة ، وهي التي تأكل العذرة وإن أصابك من عرقها فاغسله».

وقريب منها حسنة (٦) حفص ، وفي معناهما روايات أخر ضعيفة.

(وقيل) والقائل ابن الجنيد (٧): (يكره) لحمها وألبانها خاصة (٨) استضعافا للمستند (٩) ، أو حملا لها (١٠) على الكراهة. جمعا بينها ، وبين ما ظاهره الحل (١١).

وعلى القولين (١٢) (فتستبرأ الناقة بأربعين يوما (١٣) ...

______________________________________________________

ـ أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله) (١) ، كما في الوسائل ، ولكن في الكافي والاستبصار (لا تأكلوا لحوم الجلالات وهي التي تأكل العذرة) كما نبّه على ذلك في ذيل الوسائل فراجع ، وصحيح حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة ، وإن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله) (٢) ومثلها كثير وعن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط والخلاف الكراهة استضعافا لأخبار التحريم ، وفيه أن بعضها صحيح السند كما تقدم.

(١) تفسير للمحض.

(٢) على العذرة.

(٣) كما هو القول الرابع المتقدم.

(٤) قيد للتحريم.

(٥) بل هي صحيحة باعتراف صاحب الجواهر فراجع.

(٦) لاشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم ، وقد عرفت حاله مرارا ، فالخبر صحيح السند.

(٧) وكذا الشيخ في المبسوط والخلاف.

(٨) دون عرقها وسائر الانتفاع بها من الركوب ونحوه.

(٩) أي للأخبار.

(١٠) أي للأخبار الدالة على الحرمة.

(١١) ما ورد من الأخبار دال على الحل إنما في صورة عدم تمحض الغذاء بعذرة الإنسان كما في مرسل علي بن أسباط المتقدم ، وعليه فلا معارض لأخبار الحرمة.

(١٢) من حرمة الجلّال أو كراهته.

(١٣) لما كان تحريم الجلّال عارضا بسبب عروض العلف النجس لم يكن تحريمه مستقرا فتزول ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢.


(والبقرة بعشرين (١).

وقيل : كالناقة.(والشاة بعشرة (٢).

______________________________________________________

ـ الحرمة بزوال عنوان الجلال عنه ، وزوال هذا العنوان بأن يقطع عنه العلف النجس ويطعم علفا طاهرا إلى مدة ، وقد ورد النص في مقادير هذه المدة التي يزول بها الجلل في بعض الحيوانات ، ومنها الناقة بل مطلق الابل ولو كان صغيرا فمدة استبرائها أربعون يوما بلا خلاف فيه لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيام ، والبطة الجلّالة بخمسة أيام ، والشاة الجلّالة عشرة أيام ، والبقرة الجلالة عشرين يوما ، والناقة الجلالة أربعين يوما) (١) وخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذّى أربعين يوما) (٢) الخبر ، ومرفوع يعقوب بن يزيد (قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما) (٣) ومثلها غيرها.

(١) المشهور على أن مدة استبراء البقرة بعشرين يوما لخبر السكوني المتقدم ، وعن الشيخ في المبسوط والقاضي ابن البراج أنها بأربعين يوما كالناقة لخبر مسمع المتقدم كما في بعض نسخ الاستبصار (والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذّى بأربعين يوما) (٤) مع أنه في بعض نسخ التهذيب (بعشرين يوما) وفي الكافي (بثلاثين يوما) ، وعن الصدوق والإسكافي أنها بثلاثين يوما لخبر مسمع المتقدم في بعض النسخ ، ولمرفوع يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الابل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والشاة عشرة أيام) (٥) ، وخبر يونس عن الرضا عليه‌السلام (الدجاج يحبس ثلاثة أيام والبطة سبعة أيام ، والشاة أربعين يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والبعير أربعين يوما ثم تذبح) (٦).

والأول أقوى لأن جميع أخبار هذا الباب ضعيفة إلا أن خبر السكوني منجبر بالشهرة.

(٢) المشهور على أن مدة استبرائها عشرة أيام لخبر السكوني المتقدم (والشاة الجلالة عشرة أيام) (٧) ، وخبر مسمع المتقدم (والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام) (٨) ، ومرفوع يعقوب المتقدم (والشاة عشرة) (٩).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤ و ٥.

(٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٤.


وقيل : بسبعة.

ومستند هذه التقديرات كلها (١) ضعيف ، والمشهور منها (٢) ما ذكره المصنف ، وينبغي القول بوجوب الأكثر (٣) ، للإجماع على عدم اعتبار أزيد منه (٤) ، فلا تجب الزيادة ، والشك (٥) فيما دونه (٦) فلا يتيقن زوال التحريم ، مع أصالة بقائه (٧) حيث ضعف المستند. فيكون ما ذكرناه (٨) طريقا للحكم (٩).

وكيفية الاستبراء(بأن يربط الحيوان) والمراد أن يضبط على وجه يؤمن أكله

______________________________________________________

ـ وعن الشيخ في المبسوط والقاضي ابن البراج بسبعة أيام وقال في الجواهر : (ولم نجد له دليلا على ذلك إلا ما في كشف اللثام من أنه مروي في بعض الكتب عن أمير المؤمنين عليه‌السلام) انتهى ، نعم نقل العلامة في المختلف عن ابن أبي زهرة (أنه جعل للبقرة عشرين وللشاة عشرة وقال : وروي سبعة) (١).

وعن الصدوق بعشرين ، ولم يعرف له مستند ، وعن ابن الجنيد أنها أربعة عشرة يوما لخبر يونس المتقدم عن الرضا عليه‌السلام (والشاة أربعة عشر يوما) (٢) ، وقد ورد في خبر مسمع المتقدم على ما في بعض نسخ التهذيب أنها خمسة أيام كما في الجواهر ، والأول أقوى لانجبار خبر السكوني بعمل المشهور وتأيّده بأخبار أخر.

(١) في الناقة والبقرة والشاة.

(٢) من هذه التقديرات.

(٣) أي أكثر هذه التقديرات.

(٤) من الأكثر.

(٥) أي الشك في زوال اسم الجلال.

(٦) أي دون الأكثر.

(٧) أي بقاء التحريم.

(٨) من وجوب الأكثر.

(٩) أي للحكم بزوال عنوان الجلّل ، وعليه فيكون قد ذهب إلى ما يخالف المشهور ، وتبعه عليه جماعة كما في الجواهر ، وفيه أنه إحداث قول مستأنف لم يوجد به قائل من الطائفة كما في الجواهر أيضا ، وأنه موجب لرد جميع الأخبار المتقدمة مع أن بعضها موثّق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٥.


النجس(ويطعم علفا طاهرا (١) من النجاسة الأصلية والعرضية طول المدة (٢) (وتستبرأ البطة ونحوها) من طيور الماء(بخمسة أيام (٣) ، والدجاجة وشبهها) مما في حجمها(بثلاثة) أيام.

والمستند ضعيف كما تقدم (٤) ، ومع ذلك (٥) فهو خال عن ذكر الشبه لهما(٦).

(وما عدا ذلك (٧) من الحيوان الجلال(يستبرأ بما يغلب على الظن) زوال

______________________________________________________

(١) قد تقدم في السمك أن النصوص خالية عن إطعامه علفا طاهرا مدة الاستبراء كما عليه المشهور ، ولذا ذهب الأردبيلي إلى كفاية الاستبراء بإمساكه عن الجلل ، وعلى كل فعلى قول المشهور من اشتراط طهارة العلف فلا بد أن يكون طاهرا بالفعل تمسكا بإطلاق فتاواهم ، وربما اكتفي بالطاهر بالأصالة خاصة وإن كان متنجسا بالعرض.

(٢) أي مدة الاستبراء.

(٣) فعن المشهور أن مدة استبراء البطة خمسة أيام ، لخبر السكوني المتقدم (والبطة الجلالة بخمسة أيام) (١) ، وخبر مسمع المتقدم (والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربّى خمسة أيام) (٢).

وعن الشيخ في الخلاف أنها سبعة أيام لخبر يونس المتقدم (والبطة سبعة أيام) (٣) ، وعن الصدوق أنها تربط ثلاثة أيام لخبر القاسم بن محمد الجوهري (والبطة تربط ثلاثة أيام) (٤).

وأما الدجاجة فالمشهور على أنها ثلاثة أيام لخبر السكوني المتقدم (الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيام) (٥) وخبر مسمع المتقدم (والدجاجة ثلاثة أيام) (٦) وعن الصدوق في المقنع أنه (روي يوما إلى الليل) (٧).

هذا ما ورد في الأخبار عن مدة الاستبراء لبعض الحيوانات ، وعليه فقد ذهب جماعة منهم الشيخ إلى أنه ما لا تقدير له شرعا يرجع فيه إلى المقدّرات الشرعية بالفحوى فما يشبه البطة يلحق بها ، وما يشبه الدجاجة يلحق بها وهكذا.

(٤) في استبراء الأنعام الثلاثة.

(٥) أي مع ضعف المستند.

(٦) للبطة والدجاجة.

(٧) أي المذكورات شرعا.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٥ و ٦.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٧.


الجلل به عرفا ، لعدم ورود مقدّر له شرعا ، ولو طرحنا تلك التقديرات لضعف مستندها كان حكم الجميع كذلك (١).

(ولو شرب) الحيوان(المحلّل لبن خنزيرة (٢) واشتد) بأن زادت قوته ، وقوي عظمه ، ونبت لحمه بسببه (٣) (حرم لحمه ولحم نسله) ذكرا كان (٤) أم أنثى(وإن لم)

______________________________________________________

(١) أي تستبرأ بما يغلب على الظن زوال الجلل عنها.

(٢) لو شرب الحيوان المحلّل لبن خنزيرة ، فإن لم يشتد لحمه على ذلك كره أكل لحمه ويستحب استبراؤه بسبعة أيام ، ومع الاشتداد يحرم لحمه ونسله أبدا ولا استبراء له بلا خلاف فيه للأخبار :

منها : موثق حنان بن سدير (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عنده عن جدي رضع من لبن خنزيرة حتى شبّ وكبر واشتد عظمه ، ثم إن رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل ، فقال : أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه ، وأما ما لم تعرفه فكله ، فهو بمنزلة الجبن ، ولا تسأل عنه) (١) ، وخبر بشر بن مسلمة عن أبي الحسن عليه‌السلام (في جدي رضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم ، فقال : هو بمنزلة الجبن ، فما عرفت أنه ضربه فلا تأكله ، وما لم تعرفه فكل) (٢) ، ومرفوع أبي حمزة (لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن الخنزيرة) (٣).

والخبران الأخيران مطلقان يشملان صورتي الاشتداد وعدمه إلا أنهما محمولان على صورة الاشتداد جمعا بينهما وبين موثق حنان الوارد في صورة الاشتداد ، نعم ورد في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن حمل غذّي بلبن خنزيرة ، فقال : قيّدوه واعلفوه الكسب والنوى والشعير والخبز إن كان استغنى عن اللبن ، وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام ، ثم يؤكل لحمه) (٤) وهو محمول على صورة عدم الاشتداد جمعا بينه وبين ما تقدم.

هذا ولا يلحق بالخنزيرة الكلبة والكافرة بدعوى نجاسة العين في الجميع ، لأنه قياس وهو محرم ، نعم لا خصوصية للجدي الوارد في النص إذا المدار على الحيوان المحلّل اللحم من أنه يحرم إذا شرب لبن الخنزيرة على التفصيل المتقدم.

(٣) بسبب لبن الخنزيرة.

(٤) أي الحيوان الذي شرب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ٣ و ٤.


(يشتد كره (١).

هذا هو المشهور ، ولا نعلم فيه مخالفا ، والمستند أخبار كثيرة لا تخلو من ضعف.

ولا يتعدى الحكم إلى غير الخنزير عملا بالأصل (٢) ، وإن ساواه (٣) في الحكم ، كالكلب مع احتماله (٤) ، وروي أنه إذا شرب (٥) لبن آدمية حتى اشتد كره لحمه (٦).

(ويستحب استبراؤه (٧) على تقدير كراهته (٨) (بسبعة أيام (٩) إما بعلف إن كان يأكله (١٠) ، أو بشرب لبن طاهر (١١).

(ويحرم (١٢) من الحيوان ذوات الأربع ، وغيرها على الأقوى الذكور والإناث

______________________________________________________

(١) أي كره أكل لحمه ويستحب استبراؤه سبعة أيام.

(٢) وهو استصحاب حلية الحيوان الشارب.

(٣) أي ساوى الغير الخنزير من ناحية نجاسة العين كالكلبة والكافرة.

(٤) أي احتمال المساواة وإلحاق غير الخنزير به.

(٥) أي شرب الحيوان المحلّل.

(٦) كما في خبر أحمد بن محمد (كتبت إليه : جعلني الله فداك من كل سوء ، امرأة أرضعت عناقا (١) حتى فطمت وكبرت وضربها الفحل ، ثم وضعت أفيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها؟ فكتب : فعل مكروه ، ولا بأس به) (٢).

(٧) أي الحيوان المحلّل إذا شرب لبن خنزيرة.

(٨) في صورة عدم الاشتداد.

(٩) كما في خبر السكون المتقدم بعد حمله على صورة عدم الاشتداد.

(١٠) أي يأكل العلف إذا كان مستغنيا عن اللبن.

(١١) إن لم يستغن عن اللبن.

(١٢) لو وطأ إنسان بهيمة حرم لحمها ونسلها ولبنها بلا خلاف فيه في الجملة للأخبار.

منها : خبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن البهيمة التي تنكح؟ قال : حرام لحمها وكذلك لبنها) (٣) ، وخبر محمد بن عيسى عن ـ

__________________

(١) العناق : الأنثى من ولد الماعز في الصحاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.


(موطوء الإنسان ونسله) المتجدد بعد الوطء ، لقول الصادق عليه‌السلام : «إن أمير

______________________________________________________

ـ الرجل عليه‌السلام ـ والظاهر أنه الهادي أو العسكري عليهما‌السلام ـ (سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال : إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا ، حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها) (١) والأمر بإحراقها دال على عدم جواز الانتفاع بها ولو بنسلها.

هذا والمراد من البهيمة الواردة في النص كل حيوان من ذوات الأربع وغيرها فيشمل الطير كما عليه المشهور ، لأن البهيمة لغة اسم لكل ذي روح لا يميّز كما عن الزجاج ، وعن العلامة وجماعة أن المراد من البهيمة هي خصوص الحيوان من ذوات الأربع ، لأنه المفهوم منها عرفا ، والعرف مقدم على اللغة.

وعلى كلا التقديرين فالمراد من البهيمة ما يشمل حيوان البر والبحر ، وما يشمل الذكر والأنثى ، واحتمال اختصاص البهيمة بالأنثى بدعوى الانصراف وعود ضمير لبنها إلى خصوص الأنثى ضعيف ، لأن البهيمة كالدابة شاملة للذكر والأنثى ، نعم المراد منها هنا خصوص ما يؤكل لحمه لأنه القدر المتيقن من النصوص بالإضافة إلى الحكم بحرمة أكل لحم الموطوء ولبنه ، وهو ظاهر في اختصاص الموطوء بما يحلّ أكله وعليه فلا تشمل ما لا يؤكل لحمه كالفيل والهرة ونحو ذلك.

ثم لا فرق في الواطئ بين الصغير والكبير والمنزل للمني وغيره والعاقل والمجنون ، ولا فرق بين العالم والجاهل ولا فرق بين الوطء في القبل أو الدبر كل ذلك لإطلاق النصوص المتقدمة وغيرها.

ثم قد ورد في الخبر الثاني المتقدم الأمر بذبحها وإحراقها وهو محمول على ما لو أريد من البهيمة لحمها كالشاة ، وأما لو أريد منها ظهرها كالخيل والبغال والحمير فلا تحرق بل تباع في غير بلدها لخبر سدير عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الرجل يأتي بالبهيمة؟ قال عليه‌السلام : يجلد دون الحد ويغرّم قيمة البهيمة لصاحبها ، لأنه أفسدها عليه ، وتذبح وتحرق إن كانت مما يؤكل لحمها ، وإن كانت مما يركب ظهرها غرّم قيمتها وجلد دون الحد ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف ، فيبيعها فيها كيلا يعيّر صاحبها) (٢). ثم بقيت هناك أحكام من حدّ البالغ ودفع الثمن إلى مالك البهيمة ونحو ذلك فهو مما يبحث في كتاب الحدود.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ أبواب نكاح البهائم حديث ٤ من كتاب الحدود.


المؤمنين عليه‌السلام سئل عن البهيمة التي تنكح فقال : حرام لحمها وكذلك لبنها» ، وخصه (١) العلّامة بذوات الأربع اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.

(ويجب ذبحه وإحراقه بالنار) إن لم يكن المقصود منه (٢) ظهره (٣) وشمل إطلاق الإنسان (٤) الكبير والصغير ، والعاقل والمجنون. وإطلاق النص يتناوله أيضا.

أما بقية الأحكام (٥) غير التحريم فيختص البالغ العاقل كما سيأتي إن شاء الله تعالى مع بقية الأحكام في الحدود ، ويستثنى من الإنسان الخنثى فلا يحرم موطوؤه ، لاحتمال الزيادة (٦).

(ولو اشتبه) (٧) ...

______________________________________________________

(١) أي خصّ موطؤ الإنسان.

(٢) من موطؤ الإنسان.

(٣) وإلا فلو أريد ظهره بيع في غير بلده.

(٤) في عبارة الماتن.

(٥) من التعزير وغرامة الثمن.

(٦) بأن تكون آلة الوطء منه عضوا زائدا فيه.

(٧) أي الموطوء ، لو علم الموطوء بعينه اجتنب هو ونسله ، وإن اشتبه في قطيع محصور ، قسّم القطيع إلى نصفين ثم يقرع بينهما فمن أخرجته القرعة أنه فيه قسم نصفين وأقرع كذلك إلى أن تبقى واحدة فتذبح وتحرق ويحلّ الباقي بلا خلاف فيه لخبر محمد بن عيسى عن الرجل عليه‌السلام (سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال : إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا ، حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها) (١) ، ومرسل تحف العقول عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام في جواب مسائل يحيى بن أكثم في حديث : (وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة ، فإن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّم الغنم نصفين وساهم بينهما ، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ، ثم يفرّق النصف الآخر ، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما ، فأيهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم) (٢) ويعتبر ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٤.


بمحصور(قسّم) (١) نصفين(وأقرع) بينهما بأن تكتب رقعتان في كل واحدة اسم نصف منهما (٢) ، ثم يخرج (٣) على ما فيه المحرّم (٤) ، فإذا خرج (٥) في أحد النصفين قسّم (٦) كذلك (٧) واقرع. وهكذا(حتى تبقى واحدة) فيعمل بها ما عمل بالمعلومة ابتداء (٨) ، والرواية تضمنت قسمتها نصفين أبدا (٩) كما ذكرناه ، وأكثر العبارات خالية منه (١٠) حتى عبارة المصنف هنا (١١) ، وفي الدروس وفي القواعد : قسم قسمين ، وهو (١٢) مع الإطلاق (١٣) أعم من التنصيف (١٤).

ويشكل التنصيف أيضا (١٥) لو كان العدد (١٦) فردا ، وعلى الرواية يجب

______________________________________________________

ـ عند الاقتراع تقسيم القطيع نصفين مع الإمكان كما عليه جماعة ، ولا يكفي التقسيم قسمين وإن لم يكونا متساويين كما عن ظاهر القواعد والتحرير ، نعم إذا كان القطيع بالفرد اغتفرت الزيادة في أحد القسمين.

هذا من جهة ومن جهة فالخبران ظاهران في الشبهة المحصورة لكون موردهما في دخول الموطوء في قطيعه ، وهو محصور غالبا ، وأما إذا اشتبه الموطوء في غير المحصور فلا بد من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في مثله من عدم وجوب الاجتناب ولا يلزم إجراء القرعة.

(١) أي المحصور.

(٢) من النصفين.

(٣) أي المكتوب والمراد به الرقعة.

(٤) وهو الموطوء فمن خرجت القرعة باسمه فيكون المحرم في ضمنه.

(٥) أي المحرّم.

(٦) أي النصف الذي فيه المحرّم.

(٧) نصفين.

(٨) من الذبح والحرق.

(٩) وليس التقسيم نصفين مرة ، بل في المرة الثانية والثالثة وهكذا حتى تبقى واحدة.

(١٠) من التقسيم أبدا.

(١١) في اللمعة.

(١٢) أي التقسيم قسمين.

(١٣) أي مع إطلاق التقسيم مرة أو أبدا.

(١٤) أي أعم من كون كل قسم نصفا.

(١٥) كما أشكل عليهم بعدم التقسيم الدائم.

(١٦) أي عدد المحصور.


التنصيف ما أمكن ، والمعتبر منه (١) العدد ، لا القيمة. فإذا كان (٢) فردا جعلت الزائدة مع أحد القسمين.

(ولو شرب المحلّل خمرا (٣) ثم ذبح عقيبه (٤) (لم يؤكل ما في جوفه (٥) من الأمعاء ، والقلب ، والكبد(ويجب غسل باقيه) وهو (٦) اللحم على المشهور والمستند ضعيف ، ومن ثم كرّهه ابن إدريس خاصة (٧). وقيد ذبحه بكونه عقيب الشرب تبعا للرواية ، وعبارات الأصحاب مطلقة.

(ولو شرب بولا غسل ما في بطنه وأكل) من غير تحريم (٨) ، والمستند

______________________________________________________

(١) من التنصيف.

(٢) أي عدد المحصور.

(٣) لو شرب الحيوان المحلّل خمرا لم يحرم لحمه بل يجب غسله ويجوز أكله حينئذ ، ولكن يحرم ما في جوفه من الأمعاء والقلب والكبد وإن غسل على المشهور في ذلك كله لخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه قال في شاة شربت خمرا حتى سكرت ثم ذبحت على تلك الحال : لا يؤكل ما في بطنها) (١).

وهو ضعيف السند بأبي جميلة ، وأخص من المدعى لأن مورده حال السكر ، ولم يأمر بغسل اللحم ، ولذا ذهب ابن إدريس إلى الكراهة واستقر بها العلامة في المختلف ومال إليها الشارح في المسالك استضعافا للخبر عن إفادة الحرمة سندا ودلالة والأصل الحل ، نعم فتوى المشهور صالحة لإثبات الكراهة ، وفيه أنه منجبر بعمل الأصحاب.

(٤) عقيب الشرب ، أما لو تراخى الذبح بحيث يستحيل المشروب لم يحرم كما نص عليه الشارح في المسالك.

(٥) وإن غسل.

(٦) أي الباقي.

(٧) من غير إيجاب الغسل.

(٨) أي من دون تحريم لشي‌ء منه لخبر موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه‌السلام (في شاة شربت بولا ثم ذبحت ، فقال : يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة ، والجلّالة التي يكون ذلك غذاؤها) (٢). وهو ضعيف السند بالإرسال ، ولكنه لا خلاف فيه ظاهرا ، وهذا جابر لوهن سنده. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.


مرسل ، ولكن لا راد له (١) ، وإلا (٢) لأمكن القول بالطهارة فيهما (٣) نظرا إلى الانتقال (٤) كغيرهما من النجاسات.

وفرّق مع النص بين الخمر ، والبول : بأن الخمر لطيف تشربه الأمعاء فلا يطهر بالغسل وتحرم (٥) ، بخلاف البول فإنه لا يصلح للغذاء ، ولا تقبله الطبيعة.

وفيه : أنّ غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه (٦) كما هو الظاهر لم يتم الفرق بينه (٧) وبين ما في الجوف (٨) ، وإن لم تصل إليه (٩) لم يجب تطهيره (١٠) ، مع أن ظاهر الحكم (١١) غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد ، وباطنه المجاور للأمعاء.

والرواية خالية عن غسل اللحم.

(وهنا مسائل)

(الأولى ـ تحرم الميتة) أكلا (١٢) واستعمالا(إجماعا وتحلّ منها) عشرة أشياء متفق

______________________________________________________

ـ هذا وعلّل الفرق بين الخمر والبول من ناحية اختلاف حكم شربهما أن الخمر لطيف صالح للغذاء والنفوذ في البدن فإذا ذبحت بعد شربه قبل أن يستحيل نجس الحيوان الشارب لنفوذ الخمر فيه فلذا حرم ما في إمعائه ووجب غسل لحمه بخلاف البول فإنه غير صالح للتغذية فلا ينفذ في اللحم ولا يقدح في طهارته ، نعم بوصوله إلى الأمعاء ينجّسها فيجب غسلها ليس إلا.

(١) للمرسل.

(٢) أي وإن كان له رادّ بحيث لا ينجبر ضعفه ، كما ردّ ابن إدريس خبر زيد الشحام في الفرع السابق.

(٣) فيما لو شرب خمرا أو بولا.

(٤) أي الاستحالة.

(٥) أي الأمعاء.

(٦) في لحم الحيوان الشارب.

(٧) أي بين اللحم.

(٨) فيجب أن يحكم بحرمة أكل الجميع ولو مع الغسل.

(٩) أي وإن لم تصل الخمر إلى اللحم.

(١٠) أي تطهير اللحم.

(١١) أي حكم الأصحاب.

(١٢) الميتة شرعا هي التي خرجت روحها بغير التذكية المعتبرة ، وهي مما يحرم أكلها لقوله تعالى ـ


عليها ، وحادي عشر مختلف فيه(وهي (١) الصوف والشعر. والوبر. والريش. فإن) جزّ (٢) فهو طاهر ، وإن(قلع غسل أصله) المتصل بالميتة ، لاتصاله برطوبتها (٣) (والقرن)

______________________________________________________

ـ (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم) (١) ، وللأخبار الكثيرة التي سيمرّ عليك بعضها.

ويحرم الانتفاع بها بما فيه التكسب بلا خلاف في ذلك لخبر تحف العقول عن الصادق عليه‌السلام في حديث : (أو شي‌ء من وجوه النجس فهذا كله حرام ومحرّم ، لأن ذلك منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه ، فجميع تقليبه في ذلك حرام) (٢) ، وتقدم البحث في حرمة الانتفاع بها في كتاب التجارة. نعم يستثنى من الميتة التي هي طاهرة العين حال الحياة ما لا تحله الحياة ، فلا يصدق عليه الموت الذي هو السبب في التحريم ، وما لا يحلّه الحياة هو الصوف والشعر والوبر والريش والعظم والظلف والسن والقرن والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى والأنفحة واللبن.

فقد ورد في صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه قال لزرارة ومحمد بن مسلم : اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر ، وكل شي‌ء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه) (٣) ومرسل الصدوق قال الصادق عليه‌السلام : (عشرة أشياء من الميتة ذكية : القرن والحافر والعظم والسن والأنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض) (٤) ، وخبر الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (العظم والشعر والصوف والريش كل ذلك نابت لا يكون ميتا ، وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة ، قال : لا بأس بأكلها) (٥).

(١) أي العشرة المتفق عليها.

(٢) أي الجزء هو القطع.

(٣) أي لاتصال المقلوع برطوبة الميتة للأمر به كما في صحيح حريز المتقدم ، وهو محمول على ما لو كان مقلوعا لعدم الأمر بالغسل لو كان بالجزّ كما في خبر أبي إسحاق عن أبي الحسن عليه‌السلام (لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلما كان من السخال الصوف إن جزّ ، والشعر والوبر والقرن ولا يتعدى إلى غيرها إن شاء الله) (٦).

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ أبواب ما يكتسب به حديث ١ من كتاب التجارة.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣ و ٩ و ١٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧.


(والظفر والظلف (١) والسن) والعظم ولم يذكره المصنف ولا بد منه (٢) ، ولو أبدله بالسن (٣) كان أولى ، لأنه (٤) أعم منه إن لم يجمع بينهما (٥) كغيره (٦).

وهذه (٧) مستثناة من جهة الاستعمال.

وأما الأكل فالظاهر جواز ما لا يضر منها (٨) بالبدن (٩) ، للأصل (١٠) ويمكن دلالة إطلاق العبارة (١١) عليه (١٢) ، وبقرينة قوله : (والبيض (١٣) إذا اكتسى القشر الأعلى) (١٤) الصلب ، وإلا (١٥) كان بحكمها.

______________________________________________________

(١) الظلف للدابة كالقدم للإنسان.

(٢) من ذكره.

(٣) بحيث لو ذكر العظم وترك السن فهو أولى من ذكر السن وترك العظم ، ووجه الأولوية أن العظم أعم من السن ، فبذكر العظم يدخل السن ، بخلاف العكس فبذكر السن لا يدخل العظم ، لأن السنّ عظم خاص فلا يدخل غيره.

(٤) أي العظم أعم من السن.

(٥) بين العطم والسن.

(٦) أي كغير المصنف مثل المحقق في الشرائع حيث ذكر السن واكتفى به عن العظم عند عدم الجمع بينهما في الذكر.

(٧) أي المذكورات من الصوف والشعر والوبر والريش والظلف والسن.

(٨) من هذه المذكورات.

(٩) وأما ما يضر فسيأتي البحث فيه في بحث السموم.

(١٠) أي أصالة الإباحة في الأشياء.

(١١) أي عبارة الماتن عند قوله : (وتحلّ منها) وهي مطلقة تشمل الحلية أكلا واستصحابا.

(١٢) أي على جواز أكل هذه المذكورات.

(١٣) أي فذكر البيض من جملة ما يحلّ قرينة على جواز الأكل ، لأن حلية البيض ظاهرة في جواز أكله.

(١٤) لخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في بيضة خرجت من أست دجاجة ميتة ، قال : إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها) (١) ، وبه يقيّد إطلاق غيره كخبر الحسين بن زرارة المتقدم (٢).

(١٥) أي وإن لم يكتس البيض قشره الغليظ فهو بحكم الميتة أكلا واستعمالا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٦ و ١٢.


(والإنفحة) (١) بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة وقد تكسر الفاء. قال في القاموس : هي شي‌ء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن فإذا أكل الجدي فهو كرش ، وظاهر أول التفسير يقتضي كون الإنفحة هي اللبن (٢) المستحيل في جوف السخلة فتكون (٣) من جملة ما لا تحله الحياة (٤).

وفي الصحاح الإنفحة كرش الحمل ، أو الجدي ما لم يأكل. فإذا أكل فهي

______________________________________________________

(١) لا خلاف بينهم في طهارتها للأخبار :

منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الأنفحة تخرج من الجدي الميت ، قال عليه‌السلام : لا بأس به) (١) ، وخبر الحسين بن زرارة (كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي يسأله عن السن والميتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة فقال : كل هذا ذكي) (٢) ، وخبر أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (إن قتادة قال له : أخبرني عن الجبن ، فقال : لا بأس به ، فقال : إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت ، فقال : ليس به بأس إن الأنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ، إنما تخرج من بين فرث ودم) (٣).

نعم أختلف في المراد منها فقيل : إنها شي‌ء أصفر يستخرج من بطن الجدي الرضيع ، وهو المعروف بين الأصحاب كما في كشف اللثام وهو المنقول عن القاموس والتهذيب وقيل كما عن السرائر والتنقيح للفاضل المقداد والمسالك للشارح في باب الأطعمة أنها كرش الجدي الذي لم يأكل أو كرش الحمل وهو المنقول عن الصحاح والجمهرة لابن دريد ، والظاهر كما عن الجواهر اتحاد التفسيرين لما عن الفيومي في المصباح (لا يكون الأنفحة إلا لكل ذي كرش ، وهو شي‌ء يستخرج من بطنه أصفر يعصر في صوفة مبتلّة فيغلظ كالجبن ، ولا يسمى إنفحة إلا وهو رضيع ، فإذا رعى قيل : استكرش ، أي صارت أنفحته كرشا) انتهى وهو ظاهر في أن الأنفحة التي هي شي‌ء أصغر قبل الأكل هي نفسها كرشه بعد الأكل.

(٢) لجعله الإنفحة شيئا أصفر.

(٣) الأنفحة.

(٤) فيناسب ذكرها مع الباقي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١٠.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤ و ١.


كرش ، وقريب منه ما في الجمهرة ، وعلى هذا (١) فهي (٢) مستثناة مما تحله الحياة (٣) ، وعلى الأول (٤) فهو (٥) طاهر وأن لاصق الجلد الميت ، للنص (٦) وعلى الثاني (٧) فما في داخله (٨) طاهر قطعا (٩) ، وكذا ظاهره (١٠) بالأصالة.

وهل ينجس (١١) بالعرض بملاصقة (١٢) الميت وجه. وفي الذكرى : الأولى تطهير ظاهرها (١٣) ، وإطلاق النص (١٤) يقتضي الطهارة مطلقا (١٥).

نعم يبقى الشك في كون الإنفحة المستثناة هل هي اللبن المستحيل (١٦) أو

______________________________________________________

(١) أي على هذا التفسير الثاني.

(٢) الإنفحة.

(٣) لأن الكرش مما تدب فيه الحياة.

(٤) أي على التفسير الأول من كونها شيئا أصفر.

(٥) أي الشي‌ء الأصفر المسمى بالإنفحة.

(٦) أي للأخبار التي دلت على استثناء الأنفحة ، وقد تقدمته.

(٧) أي على التفسير الثاني من كونها كرش الجدي قبل أن يأكل.

(٨) أي داخل الكرش.

(٩) لأنه ملاصق للكرش الطاهر.

(١٠) أي ظاهر الكرش طاهر بالأصالة ، لأنه من أجزاء الأنفحة المستثناة.

(١١) أي ظاهر الكرش.

(١٢) أي بسبب ملاصقة الميت.

(١٣) أي ظاهر الأنفحة الملاصق لأجزاء الميتة.

(١٤) أي الأخبار الدالة على استثناء الأنفحة من الميتة.

(١٥) أصالة وعرضا ظاهرا وباطنا ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (وكيف كان فالظاهر وجوب غسلها من ملاقاة رطوبة الميتة وفاقا للمحكي عن الشهيد الثاني في بعض فوائده ـ إلى أن قال ـ لتنجسها بها كما هي القاعدة في كل ما لاقى نجسا برطوبة ، واحتمال استثناء الأنفحة لإطلاق ما دلّ على طهارتها سيما مع عدم ذكر الأكثر وجوب الغسل وقد نصوا عليه في مثل الصوف المقلوع يدفعه ظهور سياق تلك المطلقات في إرادة عدم النجاسة الذاتية كباقي أجزاء الميتة ، ولعل عدم تعرض الأصحاب اتكالا منهم على القاعدة) انتهى.

(١٦) أي الشي‌ء الأصفر الذي يعصر على صوفة فيغلظ كالجبن.


الكرش بسبب اختلاف أهل اللغة. والمتيقن منه (١) ما في داخله (٢) لأنه (٣) متفق عليه.

(واللبن) في ضرع الميتة(على قول مشهور (٤) بين الأصحاب ومستنده روايات.

منها صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت قال : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال : لا بأس به» ، وقد روي نجاسته صريحا في خبر آخر ، ولكنه ضعيف السند ، إلا أنه موافق للأصل من نجاسة المائع بملاقاة النجاسة. وكل نجس حرام (٥).

ونسبة القول بالحل إلى الشهرة تشعر بتوقفه فيه (٦) ، وفي الدروس جعله (٧) أصح

______________________________________________________

(١) من اختلاف أهل اللغة.

(٢) أي داخل الكرش فهو الذي يحكم بطهارته.

(٣) أي لأن ما في داخل الكرش.

(٤) اللبن لا ينجس وإن لاقى ضرع الميتة على المشهور كما في البيان وفي الدروس أن القائل بخبر المنع نادر ، لصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : لا بأس به) (١).

ويعارضه خبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام سئل عن شاة ماتت فجلب منها لبن ، فقال علي عليه‌السلام : ذلك الحرام محضا) (٢) مضافا إلى قاعدة نجاسة ملاقي النجس ، فهو منجبر بها وإلا فراوي الخبر ـ أعني وهب ـ قد قيل في حقه أنه أكذب البرية ، لذلك عمل به جماعة منهم العلامة والمحقق الثاني بل عن المنتهى أنه المشهور ، وفي السرائر أنه نجس بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا ، لأنه مائع في ميتة ملامس لها.

ومع ذلك كله فلم يثبت انجبار خبر وهب بعمل الأصحاب ، ولا بد من رده عند التعارض لأنه موافق لمذهب العامة ، ولعله لذلك عمل المشهور بخبر الطهارة بالإضافة إلى صحة سنده ، على أننا نمنع نجاسة المائع إذا لاقى الميتة على أي وجه ولو كان في الباطن ، بل المتيقن هو نجاسته إذا لاقاها ظاهرا لا باطنا.

(٥) أي حرام أكله واستعماله كما نص الخبر على الحرمة.

(٦) أي بتوقف المصنف هنا في الحل.

(٧) أي جعل الحلّ.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١٠ و ١١.


وضعّف رواية التحريم ، وجعل القائل بها (١) نادرا ، وحملها (٢) على التقية.

(ولو اختلط الذكي) من اللحم وشبهه (٣) (بالميت) ولا سبيل إلى تمييزه(اجتنب الجميع (٤) ، لوجوب اجتناب الميت) ولا يتم إلا به (٥) فيجب.

وفي جواز بيعه (٦) على مستحل الميتة قول (٧) ، مستندة صحيحة الحلبي

______________________________________________________

(١) بالحرمة.

(٢) أي حمل رواية التحريم.

(٣) كالجلد والقلب والكبد والكلى.

(٤) إذا اختلط المذكى بالميت وجب الامتناع عن الجميع إذا كانت الشبهة محصورة ، لما ثبت في محله من وجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة المحصورة إذا كانت تحريمية المؤيد بالنبوي (ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال) (١).

(٥) أي ولا يتم اجتناب الميت إلا باجتناب الجميع فيجب اجتناب الجميع حينئذ.

(٦) أي بيع الجميع المحصور.

(٧) قد ثبت حرمة الميتة أكلا واستعمالا حتى البيع ، ولكن وقع البحث بينهم في جواز بيع الذكي المشتبه بالميت على مستحل الميتة كالكافر أو لا ، وذهب الشيخ في النهاية وتبعه ابن حمزة والعلامة في المختلف إلى الجواز لصحيح الحلبي (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا اختلط الذكي بالميت باعه ممن يستحلّ الميتة وأكل ثمنه) (٢) وحسنة الحلبي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن رجل كان له غنم وبقر فكان يدرك المذكى منها فيعزله ويعزل الميتة ، ثم إن الميتة والذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال : يبيعه ممن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه ، فإنه لا بأس به) (٣) وهذا الخبر حسن عند جماعة لاشتماله على إبراهيم بن هاشم الذي لم يمدح ولم يذم ، وقد عرفت أنه من شيوخ الإجازة وهذا ما يغني عن التوثيق وعليه فالخبر صحيح.

ومال المحقق إلى الجواز إن قصد بيع المذكى حسب ، وأشكل عليه الشارح في المسالك بأنه مع عدم التمييز بين الذكي والميت يكون المبيع مجهولا ، ولا يمكن إقباضه فلا يصح بيعه ، وهذا الإشكال قد تعرض له العلامة في المختلف ورده بأنه ليس بيعا حقيقيا ، بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا ، وإنما أطلق عليه اسم البيع لمشابهته ـ

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢.


وحسنته عن الصادق عليه‌السلام ، ورده (١) قوم ، نظرا إلى إطلاق النصوص بتحريم بيع الميتة ، وتحريم ثمنها ، واعتذر العلامة عنه (٢) بأنه ليس ببيع في الحقيقة (٣) وإنما هو استنقاذ مال الكافر برضاه ، ويشكل (٤) بأن من مستحليه (٥) من الكفار من لا يحل ماله كالذمي ، وحسّنه (٦) المحقق مع قصد بيع الذكي حسب ، وتبعه العلامة أيضا ، ويشكل (٧) ...

______________________________________________________

ـ له في الصورة من حيث إنه بذل مال في مقابلة عوض.

وأشكل عليه بأن مستحلّ الميتة أعم مما يباح ماله ، فلو كان ذميا لكان ماله محترما فلا يصح إطلاق القول ببيعه على مستحل الميتة لأنه استنقاذ مال الكافر من يده برضاه ، ولذا مال في الدروس إلى طرح الخبرين لمخالفتهما إلى إطلاق النصوص المتقدمة الدالة على حرمة بيع الميتة وحرمة ثمنها والذهاب إلى تعرّف اللحم بالعرض على النار بالانبساط والانقباض كما في اللحم المطروح المشتبه لخبر إسماعيل بن عمر عن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما ، لم يدر أذكي هو أم ميت؟ فقال : فاطرحه على النار فكلّما انقبض فهو ذكي ، وكلما انبسط فهو ميت) (١).

وفيه أن العرض على النار علامة للمطروح الذي لم يعلم بأجمعه أنه مذكى أو ميتة ، وهذا أجنبي عن مقامنا الذي هو قد اختلط فيه الذكي بالميت ، ودعوى عدم الفرق بينهما قياس لا نقول به.

هذا وابن إدريس قد طرح الخبرين على أصله من عدم العمل بالخبر الواحد ، وأعمل القواعد الدالة على حرمة بيع الميتة ، فلم يجوز بيع الجميع المحصور لمستحلّ الميتة ولكن المقدس الأردبيلي في مجمع البرهان قد نسب العمل بالخبرين إلى الشهرة ، بالإضافة إلى صحة سندهما فلا بدّ من العمل بهما. ويكون هذا استثناء من تحريم بيع الميتة.

(١) أي رد المستند الدال على جواز البيع على المستحلّ.

(٢) عن جواز البيع.

(٣) حتى يكون هو وثمنه حراما.

(٤) أي اعتذار العلامة.

(٥) أي مستحلي الميت.

(٦) أي حسن جواز البيع على المستحلّ.

(٧) أي يشكل تحسين المحقق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


بجهالته (١) وعدم إمكان تسليمه متميزا (٢) ، فأما أن يعمل بالرواية لصحتها من غير تعليل ، أو يحكم بالبطلان (٣).

(وما أبين من حي يحرم أكله واستعماله كأليات الغنم) لأنها بحكم الميتة (٤) (ولا يجوز الاستصباح بها تحت السماء) ، لتحريم الانتفاع بالميتة مطلقا (٥) وإنما يجوز الاستصباح بما عرض له النجاسة من الأدهان ، لا بما نجاسته ذاتية (٦).

(الثانية ـ تحرم من الذبيحة خمسة عشر) شيئا (٧): (الدم والطحال) بكسر

______________________________________________________

(١) أي بجهالة الذكي.

(٢) أي منفردا.

(٣) أي ببطلان البيع بعد ردّ الرواية كما فعل ابن إدريس.

(٤) ما أبين من الحيّ من أجزائه التي تحلها الحياة فهو ميتة كأليات الغنم كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في أليات الضأن تقطع وهي أحياء قال : إنها ميتة) (١) ، وخبر الكاهلي (سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم ، فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : إن في كتاب علي عليه‌السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به) (٢).

وإذا ثبت أنه ميت فقد تقدم حرمة أكل الميتة وحرمة استعمالها ، ومن جملة موارد استعمال أليات الغنم الاستصباح بها تحت السماء هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يعبّر الشارح بأنها ميتة بل عبّر أنها بحكم الميتة ، لأنها مأخوذة من حيّ فهي بحكم الميتة حينئذ.

(٥) في كل الاستعمال بما فيه الاستصباح.

(٦) والفارق النص وقد تقدم البحث في المتنجس عرضا من الدهن في أول المكاسب وتقدم هناك جواز الاستصباح به تحت السماء على المشهور ولا يجوز تحت الظلال.

(٧) قد ذكر في الجواهر عدم الخلاف في تحريم خمسة أمور من الذبيحة ، وهي : القضيب وهو الذكر ، والأنثيان وهما البيضتان ، والطحال بكسر الطاء ، والفرث والدم فلا ينافي ذلك اقتصار المفيد وسلار على ذكر الثلاثة الأول ، لأن حكم الفرث والدم هو الحرمة للاستخباث والنصوص الآتية ، ولا ينافي ذلك تعبير ابن الجنيد عن الطحال بأنه مكروه لأن مراده منه الحرمة. ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ أبواب الذبائح حديث ٣ و ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ويدل على تحريم هذه الخمسة أخبار.

منها : مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء : الفرث والدم والطحال والنخاع والعلباء والغدد والانثيان والحلباء والمرارة) (١) ، ومرسل محمد بن جمهور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (حرم من الذبيحة عشرة أشياء ، وأحل من الميتة عشرة أشياء ، فأما الذي يحرم من الذبيحة فالدم والفرث والغدد والطحال والقضيب والانثيان والرحم والظلف والقرن والشعر ، وأما الذي يحلّ من الميتة فالشعر والصوف والوبر والناب والقرن والضرس والظلف والبيض والأنفحة والظفر والمخلب والريش) (٢) ، وخبر إسماعيل بن مرار عنهم عليهم‌السلام (لا يؤكل مما يكون في الإبل والبقر والغنم وغير ذلك مما لحمه حلال : الفرج بما فيه ظاهره وباطنه والقضيب والبيضتان والمشيمة ، وهي موضع الولد والطحال ، لأنه دم ، والغدد مع العروق ، والمنع الذي يكون في الصلب ، والمرارة والحدق والخرزة التي تكون في الدماغ والدم) (٣) ومثله كثير واختلفوا في المثانة ، وهي مجمع البول ، والمرارة وهي التي تجمع المرة الصفراء معلّقة مع الكبد كالكيس ، والمشيمة وهي موضع الولد تخرج معه ، والفرح ، والعلباء بكسر العين ، وهما عصبان عريضان ممدودان من الرقبة إلى أصل الذنب ، والنخاع وهو الخيط الأبيض الذي في وسط فقار الظهر ، وهو الذي لا قوام للحيوان بدونه ، والغدد وهي كل عقدة في الجسد يطاف بها شحم ، وتكون في اللحم تشبه البندق في الأغلب ، وذات الأشاجع ، وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظهر الكف ، وخرزة الدماغ بقدر الحمصة في وسطه ، يخالف لونها لونه ، تميل إلى الغبرة ، والحدق وهي الناظر من العين لا جسم العين كله ، فعلى المشهور التحريم ، وعن المحقق في الشرائع والنافع والعلامة والشارح في المسالك كراهة الفرج والعلباء والنخاع والغدد وذات الأشاجع وخرزة الدماغ والحدق ، لضعف أخبارها.

وفيه أنها منجبرة بعمل الأصحاب ولكونها من الخبائث ، وعلى كل فمن جملة الأخبار الدالة على الأمور المذكورة خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام (حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والخصيتان والقضيب والمثانة والغدد والطحال والمرارة) (٤) ومرفوع الواسطي قال : (مرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢٠ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


الطاء(والقضيب) وهو الذكر(والأنثيان) وهما : البيضتان(والفرث) وهو الروث في جوفها(والمثانة) بفتح الميم وهو مجمع البول(والمرارة) بفتح الميم التي تجمع المرة الصفراء بكسرها (١) معلقة مع الكبد كالكيس(والمشيمة) بفتح الميم بيت الولد ، وتسمى الغرس بكسر الغين المعجمة. وأصلها مفعلة ، فسكنت الياء (٢) ، (والفرج) الحياء ظاهره وباطنه ، (والعلباء) بالمهملة المكسورة فاللام الساكنة فالباء الموحدة فالألف الممدودة عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب(والنخاع) مثلث النون الخيط الأبيض في وسط الظهر ينظم خرز السلسلة في وسطها ، وهو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.(والغدد) بضم الغين المعجمة التي في اللحم وتكثر في الشحم(وذات الأشاجع) وهي أصول الأصابع التي يتصل بعصب ظاهر الكف (٣) ، وفي الصحاح : جعلها الأشاجع بغير مضاف ، والواحد أشجع(وخرزة الدماغ) بكسر الدال ، وهي المخ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة بقدر الحمصة تقريبا يخالف لونها لونه ، وهي تميل إلى الغبرة(والحدق) يعني حبة الحدقة وهو الناظر من العين لا جسم العين كله.

وتحريم هذه الأشياء أجمع ذكره الشيخ غير المثانة ، فزادها (٤) ابن إدريس وتبعه جماعة منهم المصنف. ومستند الجميع غير واضح ، لأنه (٥) روايات يتلفق من

______________________________________________________

ـ من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم والغدد وآذان الفؤاد والطحال والنخاع والخص والقضيب) (٢).

فكل ما ذكر قد ورد في الأخبار إلا ذات الأشاجع فقد اعترف صاحب الجواهر وغيره بعدم الوقوف على نص فيها اللهم إلا أن يتمم الحكم بعدم القول بالفصل.

(١) أي بكسر الميم من المرة.

(٢) مع كسر ما قبلها دفعا لالتقاء الساكنين.

(٣) قال في المسالك بعد هذا التعريف : (والمراد منها في الحيوان ما جاوز الظلف من الأعصاب ونحوها) انتهى.

(٤) أي زاد المثانة.

(٥) أي مستند الجميع.

__________________

(٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.


جميعها ذلك (١). بعض رجالها ضعيف. وبعضها مجهول ، والمتيقن منها (٢) تحريم ما دل عليه دليل خارج كالدم. وفي معناه (٣) الطحال وتحريمهما ظاهر من الآية (٤) ، وكذا ما استخبث منها (٥) كالفرث والفرج ، والقضيب ، والأنثيين ، والمثانة ، والمرارة ، والمشيمة ، وتحريم الباقي يحتاج إلى دليل ، والأصل يقتضي عدمه (٦). والروايات يمكن الاستدلال بها على الكراهة ، لسهولة خطبها (٧) ، إلا أن يدعى استخباث الجميع.

وهذا (٨) مختار العلامة في المختلف ، وابن الجنيد أطلق كراهية بعض هذه المذكورات ولم ينص على تحريم شي‌ء ، نظرا إلى ما ذكرناه (٩).

واحترز (١٠) بقوله : من الذبيحة ، عن نحو السمك والجراد (١١). فلا يحرم منه (١٢) شي‌ء من المذكورات ، للأصل (١٣) ، وشمل ذلك (١٤) كبير الحيوان المذبوح

______________________________________________________

(١) وهو تحريم هذه الأشياء أجمع ، ولكن قد عرفت عدم ورود النص في ذات الأشاجع.

(٢) من هذه الأشياء التي حكم بتحريمها.

(٣) أي وفي معنى الدم الطحال ، لأنه مجمع الدم الفاسد.

(٤) أي الآية الدالة على تحريم الدم ، وهي قوله تعالى : (إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (١).

(٥) من هذه الأشياء.

(٦) أي عدم التحريم.

(٧) أي خطب الكراهة ، للتسامح في أدلة السنن والمكروهات.

(٨) أي تحريم الجميع من باب الاستخباث.

(٩) من ضعف روايات الجميع.

(١٠) أي المصنف.

(١١) لأن تذكيتهما بالأخذ لا بالذبح.

(١٢) من السمك والجراد.

(١٣) وهو أصالة الإباحة في الأشياء ، نعم إذا صدق عنوان الخبيث على بعضها فيحرم.

(١٤) أي شمل قول المصنف (وتحرم من الذبيحة خمسة عشر).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٧٣.


كالجزور ، وصغيره كالعصفور (١).

ويشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر (٢) مع عدم تمييزه (٣) ، لاستلزامه (٤) تحريم جميعه (٥) ، أو أكثره ، للاشتباه.

والأجود. اختصاص الحكم بالنعم (٦) ، ونحوها من الحيوان الوحشي ، دون العصفور ، وما أشبهه (٧).

(ويكره) أكل(الكلا (٨) بضم الكاف وقصر الألف جمع كلية وكلوة بالضم فيهما. والكسر لحن عن ابن السكّيت(وأذنا القلب (٩) ...)

______________________________________________________

(١) كما صرح بذلك غير واحد كما في الجواهر ، واستشكل الشارح في هذا التعميم باعتبار عدم تمييز هذه المذكورات في صغير الحيوان كالعصفور ، فيلزم من تحريم المذكورات تحريم جميعه لعدم التمييز ، فالأجود اختصاص الحكم بتحريم المذكورات من خصوص الأنعام والحيوان الوحشي دون العصفور وشبهه ، واستجوده سيد الرياض خصوصا بعد اختصاص عبارة بعض الأخبار بالشاة والنعم كما في مرسل ابن أبي عمير وخبر إسماعيل بن مرارة المتقدمين (١).

(٢) من مستثنيات الذبيحة.

(٣) أي مع عدم تمييزه في العصفور ونحوه.

(٤) أي استلزام تحريم ما ذكر.

(٥) أي جميع العصفور ونحوه.

(٦) من الابل والبقر والغنم.

(٧) في الحجم.

(٨) لا خلاف ولا إشكال في كراهة أكل الكلى لمرسل سهل عن بعض أصحابنا (أنه كره الكليتين ، وقال : إنما هما مجتمع البول) (٢) ، وخبر محمد بن صدقة عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما ، لقربهما من البول) (٣).

(٩) لا خلاف في كراهة أكل أذني القلب لمرسل الواسطي قال : (مرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤ و ٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٥ و ١٣.


(والعروق (١) ، ولو ثقب الطحال مع اللحم وشوي (٢) حرم ما تحته) من لحم وغيره ، دون ما فوقه ، أو مساويه(ولو لم يكن مثقوبا لم يحرم) ما معه (٣) مطلقا (٤) هذا هو المشهور ، ومستنده (٥) رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعلّل فيها (٦) بأنه (٧) مع الثقب يسيل الدم من الطحال إلى ما تحته فيحرم ، بخلاف غير

______________________________________________________

ـ بالقصابين فنهاهم عن سبع أشياء من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم والغدد وآذان الفؤاد والطحال) (١) الخبر ، وهو محمول على الكراهة في خصوص آذان الفؤاد ، نعم أشكل الشارح في المسالك بأن حمل النهي فيه على الكراهة دون غيره مما لا وجه له.

(١) لا خلاف في كراهة أكلها للنهي عنها في جملة من الأخبار ، ومنها خبر إسماعيل بن مرار المتقدم عنهم عليهم‌السلام (لا يؤكل ما يكون في الابل والبقر والغنم وغير ذلك مما لحمه حلال : الفرج بما فيه ظاهره وباطنه ـ إلى أن قال ـ والغدد والعروق) (٢) الخبر ، وهو محمول على الكراهة ، وأشكل الشارح هنا أيضا بأن حمل النهي فيها على الكراهة دون غيرها مما لا وجه له.

(٢) لو شوي الطحال مع اللحم ولم يكن الطحال مثقوبا لم يحرم اللحم وإن كان اللحم تحت الطحال ، وأما لو كان الطحال مثقوبا وشوي مع اللحم ، حرم ما كان من اللحم تحته بلا خلاف فيه كما في الجواهر لموثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر (وسئل عن الطحال مع اللحم في سفود وتحته خبز وهو الجوذاب أيؤكل ما تحته؟ قال : نعم يؤكل اللحم والجوذاب ويرمى بالطحال ، لأن الطحال في حجاب لا يسيل منه ، فإن كان الطحال مثقوبا أو مشقوقا فلا تأكل ما يسيل عليه الطحال) (٣).

وقال الشارح في المسالك : (وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أنه لا بأس بالعمل بمضمونها لموافقتها الظاهر من أن الطحال يسيل دمه من الحرارة ويشرب منه ما تحته) انتهى.

(٣) أي ما كان من اللحم مع الطحال.

(٤) سواء كان تحته أو فوقه أو مساويه.

(٥) أي ومستند التفصيل المذكور.

(٦) أي وعلّل التفصيل في الرواية.

(٧) أي الشأن والواقع.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


المثقوب (١) ، لأنه (٢) في حجاب لا يسيل منه.

(الثالثة ـ يحرم تناول الأعيان النجسة) (٣) بالأصالة كالنجاسات وأما بالعرض فإنه (٤) وإن كان كذلك (٥) إلا أنه يأتي (٦) (و) كذا يحرم(المسكر (٧) مائعا كان أم

______________________________________________________

(١) فلا يسيل الدم من الطحال إلى ما تحته.

(٢) أي الطحال.

(٣) لا خلاف في تحريم أكل النجس سواء كانت نجاسته أصلية كالعذرة النجسة أم بالعرض كالطعام الممتزج بشي‌ء من النجاسات بلا خلاف فيه بل في الرياض عده من الضروريات ويشهد به الأخبار الكثيرة المتقدمة في باب الطهارة وغيرها.

(٤) أي فإن النجس بالعرض.

(٥) أي يحرم تناوله.

(٦) في آخر هذه المسألة.

(٧) يحرم تناول الخمر ، بلا خلاف فيه بين المسلمين بل هو من ضروريات دينهم للأخبار الكثيرة.

منها : صحيح إسماعيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله رجل فقال : أصلحك الله أشرب الخمر شرّ؟ أم ترك الصلاة؟ فقال : شرب الخمر ثم قال : وتدري لم ذاك؟ قال : لا ، قال : لأنه يصير في حال لا يعرف معها ربه) (١) وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الخمر رأس أكل اثم) (٢) بل الحرمة لكل مسكر وإن لم يكن خمرا للنبوي (كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام) (٣) ، وصحيح علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (إن الله لم يحرم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما فعل فعل الخمر فهو خمر) (٤) ، ومثله كثير.

وعليه فيحرم النبيذ المتخذ من التمر والبتع المتخذ من العسل والمرز المتخذ من الشعير ، والنقيع المتخذ من الزبيب ، تذكر هذه الأمور مع أن المحرم كل مسكر تبعا للنص ففي صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمرز من الشعير ، والنبيذ ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢ و ٤.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ١١ ـ أبواب الأشربة المحرمة حديث ١٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.


جامدا (١) وإن اختصت النجاسة بالمائع بالأصالة ويمكن أن يريد (٢) هنا (٣) بالمسكر المائع بقرينة الأمثلة (٤) ، والتعرض (٥) في هذه المسألة للنجاسات ، وذكره (٦) تخصيص بعد تعميم(كالخمر) المتخذ من العنب(والنبيذ) المسكر من التمر(والبتع) بكسر الباء وسكون التاء المثناة أو فتحها نبيذ العسل(والفضيخ) بالمعجمتين من التمر والبسر(والنقيع) من الزبيب(والمزر) بكسر الميم فالزاء المعجمة الساكنة

______________________________________________________

ـ من التمر) (١).

وما كان مسكرا فقليله وكثيره حرام للأخبار.

منها : خبر كليب الأسدي سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النبيذ فقال : (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب الناس فقال : أيها الناس ألا إن كل مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام) (٢) ومثله غيره.

وكذا يحرم الفقاع قليله وكثيره للأخبار الكثيرة ففي خبر الوشاء (كتبت إليه ـ يعني الرضا عليه‌السلام أسأله عن الفقاع فقال : فكتب : حرام وهو خمر) (٣) وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (كل مسكر حرام وكل محمر حرام ، والفقاع حرام) (٤) ، وخبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن الفقاع فقال : لا تشربه ، فإنه خمر مجهول ، وإذا أصاب ثوبك فاغسله) (٥) ، وفي خبر الوشاء عن الرضا عليه‌السلام (هي خمرة استصغرها الناس) (٦).

وكذا يحرم العصير العنبي إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه ، لأنه نجس على ما تقدم في كتاب الطهارة.

(١) لإطلاق النصوص الناهية عن المسكر.

(٢) أي المصنف.

(٣) في هذه المسألة.

(٤) أي الأمثلة الآتية.

(٥) أي وبقرينة التعرض.

(٦) أي ذكر المسكر بعد ذكر الأعيان النجسة من باب التخصيص بعد التعميم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة حديث ١ و ٣ و ٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.


فالمهملة نبيذ الشعير ، ولا يختص التحريم في هذه بما أسكر (١) ، بل يحرم(وإن قل).

(وكذا) يحرم(العصير العنبي إذا غلا) بالنار وغيرها (٢) بأن (٣) صار أعلاه أسفله ويستمر تحريمه(حتى يذهب ثلثاه ، أو ينقلب خلا) ولا خلاف في تحريمه ، والنصوص متظافرة به (٤) ، وإنما الكلام في نجاسته فإن النصوص خالية منها (٥) ، لكنها (٦) مشهورة بين المتأخرين(ولا يحرم) العصير من(الزبيب وإن غلا على الأقوى (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي بما أسكر فعلا.

(٢) أي فيما لو غلى بنفسه.

(٣) تفسير للغليان.

(٤) أي بالتحريم.

(٥) من النجاسة.

(٦) أي النجاسة ، وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الطهارة ، وتقدم أن الأقوى حرمته ونجاسته كما هو المشهور.

(٧) بل على المشهور شهرة عظيمة ولم يعثر على المخالف ، نعم نسبه الشهيد إلى بعض مشايخه وإلى بعض فضلائنا المتقدمين ، واختاره السيد بحر العلوم في مصابيحه ناسبا الحرمة إلى الشهرة بين الأصحاب وأنها بين القدماء كشهرة الحل بين المتأخرين ، وتنظّر في ذلك صاحب الجواهر وتأمل ، وعلى كل فقد استدل للتحريم بالاستصحاب لأن الزبيب حين كان عنبا كان يحرم على تقدير غليانه فهو حين صيرورته زبيبا باق على ما كان ، وفيه عدم حجية الاستصحاب بالتعليقي كما ثبت في محله.

واستدل للتحريم بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه ، ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يرفع فيشرب من السنة؟ فقال : لا بأس به) (١) ومفهومه ثبوت البأس عند عدم ذهاب الثلثين وهذا دال على حرمة شربه قبل ذهاب الثلثين.

وأشكل عليه بأن نفي البأس ليس من ناحية ذهاب الثلثين ، بل قد يحتمل من ناحية عدم تخمره في هذه المدة أعني السنة الواردة في الخبر ، فيكون ثبوت البأس من ناحية تخمره لا من ناحية عدم ذهاب ثلثيه. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.


لخروجه (١) عن مسمى العنب (٢) ، وأصالة الحل (٣) واستصحابه (٤) ، خرج منه (٥) عصير العنب إذا غلا بالنص ، فيبقى غيره (٦) على الأصل.

وذهب بعض الأصحاب إلى تحريمه (٧) ، لمفهوم رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام حيث سأله «عن الزبيب يؤخذ ماؤه فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ، فقال : لا بأس» ، فإن مفهومه التحريم قبل ذهاب الثلثين ، وسند الرواية (٨)

______________________________________________________

ـ واستدل للتحريم أيضا بخبر زيد النرسي (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الزبيب يدق ويلقى في القدر ثم يصب عليه الماء يوقد تحته فقال عليه‌السلام : لا تأكله حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ، فإن النار قد أصابته ، قلت : فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصب عليه الماء ثم يطبخ ويصفى عنه الماء فقال عليه‌السلام : كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء وصار حلوا بمنزلة العصير ثم نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم ، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد) (١).

والخبر نص في مطلوب إلا أنه لم تثبت وثاقة زيد النرسي ، ولم يثبت أن أصله مكتوب منه فالمحكي عن الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد أنه موضوع كأصل زيد الزراد وكتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، وقد وضعها محمد بن موسى الهمداني ، نعم ردّ عليهما ابن الغضائري وغيره بأن أصل زيد النرسي والزراد منهما قد رواهما ابن أبي عمير.

ولهذا كله ذهب المشهور إلى الحل بعد عدم ثبوت أخبار الحرمة لقصورها سندا أو دلالة بعد استصحاب الحل من قبل الغليان إلى ما بعده ، وبعد قاعدة الحل في الأشياء.

(١) أي خروج الزبيب.

(٢) فحرمة العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه لا تفيد حرمة العصير الزبيبي قبل ذهاب ثلثيه إلا على الاستصحاب التعليقي وقد عرفت ضعفه.

(٣) أي أصالة الحلية في الأشياء.

(٤) أي استصحاب الحل الثابت قبل الغليان إلى ما بعده ولو لم يذهب ثلثاه.

(٥) من أصل الحل.

(٦) أي غير العصير العنبي.

(٧) أي تحريم العصير العنبي.

(٨) أي سندها ضعيف لاشتمالها على سهل بن زياد.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.


والمفهوم (١) ضعيفان فالقول بالتحريم أضعف ، أما النجاسة فلا شبهة في نفيها (٢).

(ويحرم الفقّاع (٣) وهو ما اتخذ من الزبيب والشعير حتى وجد فيه النشيش (٤) والحركة (٥) ، أو ما أطلق عليه (٦) عرفا ، ما لم يعلم انتفاء خاصيته (٧) ولو وجد في الأسواق ما يسمى فقاعا حكم بتحريمه وإن جهل أصله ، نظرا إلى الاسم (٨) ، وقد روى علي بن يقطين في الصحيح عن الكاظم عليه‌السلام قال : «سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا أدري كيف يعمل ، ولا متى عمل أيحل عليّ أن أشربه؟ فقال : لا أحبه» (٩) ، وأما ما ورد في الفقاع بقول

______________________________________________________

(١) أي مفهوم الرواية الدال على التحريم قبل ذهاب الثلثين ، وهو مفهوم اللقب.

(٢) إذ لم يذهب أحد إلى نجاسة العصير الزبيبي ، وإن ذهب بعضهم إلى حرمة شربه لما تقدم.

هذا ويبقى الكلام في العصير التمري فعن جماعة من المتأخرين الحرمة قبل ذهاب الثلثين لموثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال : خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر) (١) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (سألته عن النضوح قال : يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يمتشطن) (٢) وعن المشهور الحل بدعوى أن النضوح المعتق لو لم يذهب ثلثاه لصار نبيذا مسكرا فلذا حكم الإمام بذهاب الثلثين ، ووصفه بالمعتق إشارة إلى ذلك وحملت الرواية الثانية على ذلك وإن كانت خالية عن التوصيف بالمعتق ، والظاهر أن الحكم بذهاب الثلثين في الرواية من ناحية حرمته فلا يحل شربه حتى يذهب الثلثان.

(٣) قد تقدم الدليل عليه عند الكلام عن المسكر.

(٤) وهو صوت الماء وغيره إذا غلا.

(٥) وهي صيرورة أعلاه أسفله ، هذا وقد تقدم الضابط في معنى الفقاع ، ومتى يحرم في كتاب الطهارة فراجع.

(٦) الضمير راجع إلى (ما الموصولة) والمعنى ما أطلق عليه فقاع عرفا فهو فقاع أيضا.

(٧) وهي النشيش المعبّر عنها بالغليان.

(٨) أي اسم الفقاع ، وقد تقدم هذا مفصّلا في كتاب الطهارة فراجع.

(٩) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٣ ، وهو دال على الكراهة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.


مطلق (١) وأنه بمنزلة الخمر فكثير لا يحصى.

(والعذرات (٢) بفتح المهملة فكسر المعجمة(والأبوال النجسة) (٣) صفة للعذرات والأبوال ، ولا شبهة في تحريمها نجسة كمطلق النجس ، لكن مفهوم العبارة عدم تحريم الطاهر منها (٤) كعذرة وبول ما يؤكل لحمه ، وقد نقل في الدروس تحليل بول المحلل عن ابن الجنيد وظاهر ابن إدريس ، ثم قوي التحريم (٥) للاستخباث.

______________________________________________________

ـ المؤيد بحمل فعل المسلم على الصحة ، فما يعمل من الفقاع ويباع في أسواق المسلمين يحمل على أنه فقاع لم يصل إلى حد النشيش ، ولذا ورد في خبر مرازم (كان يعمل لأبي الحسن عليه‌السلام الفقاع في منزله ، قال ابن أبي عمير : ولم يعمل فقاع يغلي) (١).

(١) من غير تقييد بكونه يعمل في الأسواق فهو محرم وإن لم يكن مسكرا بشرط وجود خاصته وهو النشيش.

(٢) العذرة إن كانت نجسة كعذرة الإنسان فقد تقدم حرمة أكلها وإن كانت طاهرة كعذرة مأكول اللحم فيحرم أكلها لاستخباثه ، ولذا حرم تناول العذرة من الميتة وقد تقدم البحث في ذلك سابقا.

(٣) البول النجس وهو بول ما لا يؤكل لحمه وبول الإنسان فلا خلاف في عدم جواز شربه ، لأنه نجس ومستخبث ، وفي بول ما يؤكل لحمه قولان ، قول بالجواز كما عن المرتضى وابني الجنيد وادريس ، لأنه طاهر ، وقول بالعدم كما عن الشيخ في النهاية وابن حمزة والشهيدين والعلامة ، للاستخباث وإن كانت طاهرة ، نعم يجوز شرب بول الابل للاستشفاء بلا خلاف كما عن بعضهم لخبر الجعفري عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام (أبوال الإبل خير من ألبانها ، ويجعل الله الشفاء في ألبانها) (٢) ، بل يجوز شرب بول الغنم والبقر للاستشفاء أيضا كما عن البعض لخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم ينعت له من الوجع ، هل يجوز له أن يشرب؟ قال عليه‌السلام : نعم لا بأس به) (٣).

(٤) من العذرات والأبوال.

(٥) أي تحريم بول المحلّل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٧.


والأقوى جواز ما تدعو الحاجة إليه منه (١) إن فرض له نفع.

وربما قيل : إن تحليل بول الإبل للاستشفاء اجماعي ، وقد تقدم حكمه (٢) بتحريم الفرث من المحلل (٣) ، والنقل (٤) عن ابن الجنيد الكراهيّة كغيره (٥) من المذكورات.

ويمكن أن تكون النجسة (٦) صفة للأبوال خاصة حملا للعذرة المطلقة على المعروف منها لغة وعرفا ، وهي (٧) عذرة الإنسان فيزول الإشكال عنها (٨) ويبقى الكلام في البول(وكذا) يحرم(ما يقع فيه هذه النجاسات (٩) من المائعات) لنجاستها (١٠) بقليلها (١١) وإن كثرت (١٢) ، (أو الجامدات (١٣) إلا بعد الطهارة (١٤) استثناء من الجامدات ، نظرا إلى أن المائعات لا تقبل التطهير كما سيأتي(وكذا) يحرم(ما باشره الكفار) من المائعات ، والجامدات برطوبة وإن كانوا ذمية (١٥).

______________________________________________________

(١) من بول المحلّل ولا تخصيص في بول الإبل.

(٢) أي حكم المصنف.

(٣) في المسألة الثانية عند البحث في مستثنيات الذبيحة.

(٤) أي وتقدم النقل عن ابن الجنيد بكراهة الروث.

(٥) أي كغير الروث من مستثنيات الذبيحة.

(٦) الواردة صفة في كلام المصنف هنا.

(٧) أي العذرة لغة وعرفا.

(٨) أي عن عبارة المصنف هنا إذ لم يذهب أحد إلى جواز تناول عذرة ما يؤكل لحمه وإن كانت طاهرة.

(٩) كالبول والعذرة والخمر والمسكر والفقّاع.

(١٠) أي لنجاسة المائعات ، وقد تقدم البحث في كتاب الطهارة عن سراية النجاسة إلى ملاقي النجس ، فيحرم أكله حينئذ.

(١١) أي بقليل هذه النجاسات.

(١٢) أي كثرت المائعات.

(١٣) عطف على المائعات ، والمعنى وما تقع فيه هذه النجاسات من الجامدات فيحرم أكله ، لأنه متنجس بشرط سراية النجاسة.

(١٤) أي إلا بعد طهارة الجامدات فيجوز أكله.

(١٥) بناء على نجاسة الكافر ولو كان من أهل الكتاب وقد تقدم البحث في ذلك كله في كتاب الطهارة.


(الرابعة ـ يحرم الطين (١) بجميع أصنافه ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه» ، وقال الكاظم عليه‌السلام : «أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين قبر الحسين عليه‌السلام فإن فيه شفاء من كل داء ، وأمنا من كل خوف» فلذا قال المصنف : (إلا طين قبر الحسين عليه‌السلام (٢) فيجوز

______________________________________________________

(١) أي يحرم أكل الطين بجميع أصنافه بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه) (١) ، وخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الله عزوجل خلق آدم من طين فحرّم أكل الطين على ذريته) (٢) ، ومرسل الواسطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الطين حرام كله كلحم الخنزير ، ومن أكله ثم مات منه لم أصلّ عليه) (٣) وخبر سعد بن سعد (سألت أبا الحسن الكاظم عليه‌السلام عن الطين فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين الحائر ، فإن فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل خوف) (٤) والأخبار كثيرة.

والمراد من الطين ما يشمل التراب والمدر حتى الرمل والحجارة.

(٢) فيجوز تناول الطين من تربة الإمام الحسين عليه‌السلام للاستشفاء ، بلا خلاف في ذلك للأخبار الكثيرة.

منها : مرسل الواسطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (إلا طين القبر فإن فيه شفاء من كل داء ، ومن أكله بشهوة لم يكن له فيه شفاء) (٥) ، وخبر سعد المتقدم ، وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام من أكله من وجع شفاه الله) (٦) ، وخبر حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من أكل من طين قبر الحسين عليه‌السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا) (٧) ، والمرسل عن الإمام الصادق عليه‌السلام (قال له رجل : إني سمعتك تقول : إن تربة الحسين عليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وأنها لا تمرّ بداء إلا هضمته ، فقال : قد قلت ذلك فما بالك؟ قلت : إني تناولتها فما انتفعت بها ، قال : أما أن لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها ، فقال له : ما يقول إذا تناولها؟ قال : تقبّلها قبل كل شي‌ء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حمصة ، فإن من ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢ و ١ و ٤ و ٦.


الاستشفاء منه(لدفع الأمراض) الحاصلة(بقدر الحمصة) المعهودة المتوسطة(فما دون) ولا يشترط في جواز تناولها أخذها بالدعاء ، وتناولها به (١) ، لإطلاق النصوص وإن كان (٢) أفضل.

والمراد (٣) بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفا ، وروي إلى أربعة فراسخ ، وروي ثمانية ، وكلما قرب منه كان أفضل ، وليس كذلك التربة

______________________________________________________

ـ تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا أو دمائنا ، فإذا تناولت فقل : اللهم إني أسألك بحق الملك الذي قبضها وأسألك بحق النبي الذي حزنها ، وأسألك بحق الوحي الذي حلّ فيها ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعلها لي شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف وحفظا من كل سوء ، فإذا قلت ذلك فاشددها في شي‌ء ، واقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها هو الاستيذان عليها ، وقراءة إنا أنزلناه ختمها) (١) ، وخبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (أنه سئل عن طين الحائر هل فيه شي‌ء من الشفاء؟ فقال : يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ـ إلى أن قال ـ فإنها شفاء من كل داء وسقم ، وجنّة مما تخاف ، ولا يعد لها شي‌ء من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء ، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها ، وقلة اليقين لمن يعالج بها ـ إلى أن قال ـ ولقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف به ، حتى أن بعضهم يضعها في مخلاة البغل والحمار ، وفي وعاء الطعام والخرج ، فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده) (٢).

ومقتضى الأخبار المتقدمة عدم جواز تناول طين الحائر إلا للاستشفاء ، وأن يكون بقدر الحمصة ، نعم لا يوجد من اشترط الدعاء وقراءة إنا أنزلناه ونحو ذلك مما تقدم في الأخبار فتحمل على الأفضلية جمعا بين الأخبار المتضمنة لذلك وبين الأخبار المطلقة.

(١) أي تناول الحمصة من تربة الحائر بالدعاء.

(٢) أي تناولها بالدعاء وأخذها به.

(٣) الكلام في المحل الذي يؤخذ منه الطين الشريف ، ولا ريب أن المنساق من النصوص هو تراب الضريح المقدس كما في خبر يونس بن الربيع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء ، فيها شفاء من كل داء إلا السأم) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار حديث ١ من كتاب الحج.


المحترمة (١) منها (٢) فإنها (٣) مشروطة بأخذها من الضريح المقدس ، أو خارجه كما مر (٤) مع وضعها عليه (٥) ، أو أخذها بالدعاء (٦) ، ولو وجد تربة منسوبة

______________________________________________________

ـ وكذا ما يقرب من القبر بحيث يلحق به عرفا ، وفي مرسل سليمان بن عمر السراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يؤخذ طين قبر الحسين عليه‌السلام من عند القبر على سبعين ذراعا) (١) ، وفي خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (طين قبر الحسين عليه‌السلام فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل) (٢) وفي خبر الثمالي المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال) (٣).

وفي مرسل الحجال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (التربة من قبر الحسين عليه‌السلام على عشرة أميال) (٤).

وعن علي بن طاوس (أنه روي فرسخ في فرسخ) (٥) ، وفي مرفوعة منصور بن العباس (حرم الحسين عليه‌السلام خمس فراسخ من أربع جوانبه) (٦) ، نعم نقل الشارح في المسالك أنه روي إلى أربعة فراسخ ، وفي الروضة هنا أنه روي إلى أربعة فراسخ وروي ثمانية ، ولم يعثر على نص يدل عليهما كما اعترف بذلك غير واحد ، هذا والجمع بين الأخبار حملها على ترتبها بالفضل.

(١) التي لا يجوز تنجيسها.

(٢) أي التربة الحسينية.

(٣) أي التربة المحترمة.

(٤) مما جاوره عرفا أو إلى أربعة فراسخ أو ثمانية فراسخ.

(٥) على الضريح المقدس.

(٦) أي بالدعاء المأثور كما تقدم في بعض الأخبار ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث أشكل على هذا القول : (إن التعليق والأخذ بالدعاء لا يحقق الإضافة) انتهى ، وعليه فالمدار في التربة المحترمة على التربة المنسوبة لسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه من دون أي قيد أو شرط في أخذها أو في محلها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار حديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار حديث ٩ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار حديث ٧ من كتاب الحج.

(٥) بحار الأنوار ج ١٠١ ص ١٣١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار حديث ١ من كتاب الحج.


إليه عليه‌السلام حكم باحترامها حملا على المعهود.

(وكذا) يجوز تناول الطين(الأرمني (١) لدفع الأمراض المقرر عند الأطباء نفعه منها (٢) ، مقتصرا منه على ما تدعو الحاجة إليه بحسب قولهم (٣) المفيد (٤) للظن ، لما فيه (٥) من دفع الضرر المظنون ، وبه رواية حسنة ، والأرمني (٦) طين معروف يجلب من أرمينية (٧) يضرب لونه إلى الصفرة ، ينسحق بسهولة. يحبس الطبع والدم ، وينفع البثور (٨) والطواعين (٩) شربا وطلاء ، وينفع في الوباء إذا بلّ بالخل واستنشق رائحته. وغير ذلك من منافعه المعروفة في كتب الطب.

(الخامسة ـ يحرم السمّ (١٠) بضم السين(كله) بجميع أصنافه جامدا كان ، أم

______________________________________________________

(١) والأصل فيه خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام (إن رجلا شكا إليه الزحير فقال له : خذ من الطين الأرمني ، وأقله بنار لينة واستف منه ، فإنه يسكن عنك) (١) والمرسل الآخر عنه عليه‌السلام (أنه قال في الزحير : تأخذ جزءا من خريق أبيض وجزءا من بزر القطونا وجزءا من صمغ عربي وجزءا من الطين الأرمني يغلى بنار لينة ويستف منه) (٢) ومرسل الطبرسي في مكارم الأخلاق (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن طين الأرمني يؤخذ منه للكسير والمبطون أيحل أخذه؟ قال : لا بأس به ، إما أنه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين عليه‌السلام خير منه) (٣).

فيجوز تناوله للعلاج ، ويترتب عليه منافع كثيرة خصوصا في زمن الوباء والإسهال مما هو مذكور في كتب الطب ، وقالوا : بأنه حار مع أن كل طين بارد.

(٢) أي من الأمراض.

(٣) أي قول الأطباء.

(٤) صفة لقولهم.

(٥) في الطين الأرمني.

(٦) بفتح الميم.

(٧) بكسر الميم بلد معروف.

(٨) وهي ما تخرج على الجلد عند التهابه.

(٩) جمع طاعون.

(١٠) والسم بالضم وقيل : إن أصله الفتح ، وقد ضم ليفرق بينه وبين سم الخياط والسم القاتل ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢ و ٣.


مائعا إن كان يقتل قليله ، وكثيره(ولو كان كثيره يقتل) دون قليله كالافيون (١) والسقمونيا (٢) (حرم) الكثير القاتل ، أو الضار(دون القليل) هذا (٣) إذا أخذ منفردا ، أما لو أضيف إلى غيره فقد لا يضر منه الكثير كما هو معروف عند الأطباء. وضابط المحرّم (٤) ما يحصل به الضرر على البدن ، وإفساد المزاج.

(السادسة ـ يحرم الدم المسفوح (٥) أي المنصب من عرق بكثرة من سفحت

______________________________________________________

ـ محرم بجميع أصنافه مائعا كان أو جامدا وقليلا كان أو كثيرا. بلا خلاف فيه ، للنهي عن قتل النفس كما في قوله تعالى : (وَلٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (١) ، وفي قوله تعالى : (وَلٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢) ، وخبر تحف العقول عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (وما كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الإنسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة ونظير الدفلى وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله) (٣).

ويحرم السم المضرّ غير القاتل بلا خلاف فيه لمرسل تحف العقول عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل شي‌ء يكون فيه المضرة على الانسان في بدنه وقوته فحرم أكله إلا في حال الضرورة) (٤).

نعم ما كان لا يقتل أو لا يضر قليله دون كثيره كالأفيون والحنظل فتقيد الحرمة بالقدر الذي يحصل به الضرر أو القتل ، والمرجع في القدر المضرّ أو القاتل إلى ما يعلمه بالتجربة أو يخبره به عارف يفيد قوله الظن ، فالمدار على الظن بالضرر أو القتل.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فضابط الضرر المحرّم ما كان الضرر على البدن أو ما أفسد المزاج على وجه يظهر ضرره في التصرفات العقلائية.

(١) وهو الترياق.

(٢) وهو نبت مسهّل شديد ، لا يستعمل إلا بالمصلحات ، وشرب جزء منه مع اللبن على الريق عجيب الأثر في دفع ديدان البطن على ما قيل.

(٣) أي الحكم بحرمة السم القاتل أو الضارّ.

(٤) من السمّ الضارّ.

(٥) الدم المسفوح هو الذي يخرج بقوة عند قطع عرق الحيوان أو ذبحه ، من سفحت الماء إذا ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٩٥.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤٢ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٤٢ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ١.


الماء إذا اهرقته(وغيره (١) كدم القراد (٢) وإن لم يكن) الدم(نجسا) ، لعموم «حرّمت عليكم الميتة والدّم» (٣) ولاستخباثه (٤) (أمّا ما يتخلّف في اللحم) مما لا يقذفه

______________________________________________________

ـ صببته ، فالمسفوح هو المصبوب ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (١) ، وقوله تعالى : (إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (٢) ، وقوله تعالى : (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (٣) ، وللأخبار الكثيرة التي تقدم بعضها في مستثنيات الذبيحة.

وعليه فالدم المتبقي من الذبيحة في العروق مما يجوز أكله لأنه غير مسفوح ، بلا خلاف فيه ولاستلزام تحريمه العسر والحرج المنفيين شرعا لعدم خلو اللحم عنه وإن غسل مرارا.

نعم ما كان غير مسفوح من دم ما يؤكل لحمه وهو غير ذي النفس كدم السمك فعن جماعة منهم العلامة في المختلف والمحقق في المعتبر وابنا زهرة وإدريس أنه حلال فيجوز أكل السمك بدمه بل ادعى في المعتبر الإجماع عليه لأن المحرم في الأكل من الدم هو المسفوح فقط للآية المتقدمة ، وعن الأكثر الحرمة للاستخباث ، وفيه أن الدم الباقي في داخل السمك المختلط مع لحمه لا إشكال في عدم خباثته ، نعم لو استخرج واجتمع في محل لكان من مصاديق الخبيث.

وأما الدم من غير مأكول اللحم سواء كان من ذوات النفس السائلة أم لا ، وسواء كان مسفوحا أم لا فهو مما يحرم أكله لأنه نجس.

(١) أي وغير الدم المسفوح ، وهو دم الحيوان من غير ذوات النفس السائلة ، سواء كان مما يجوز أكله أو لا ، وقد عرفت ما في التعميم من ضعف.

(٢) على وزن الغراب ، دويبة صغيرة تتعلق بالبعير ونحوه.

(٣) سورة المائدة ، آية : ٣ ، وفيه أن هذه العمومات مطلقة فلا بد من حملها على المقيد وهو آية الأنعام وهي قوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) (٤).

(٤) وفيه عدم الخباثة إذا كان مما يؤكل لحمه من غير ذات النفس السائلة وما زال في الداخل لم يخرج ، والعرف هو الحاكم.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٧٣.

(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥.

(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥.


المذبوح(فطاهر من المذبوح) حلال (١) ، وكان عليه (٢) أن يذكر الحل (٣) ، لأن البحث إنما هو فيه (٤) ، ويلزمه (٥) الطهارة إن لم يذكرها معه.

واحترز بالمتخلف في اللحم عما يجذبه النفس إلى باطن الذبيحة فإنه (٦) حرام نجس (٧) ، وما يتخلف في الكبد والقلب طاهر أيضا (٨) ، وهل هو (٩) حلال كالمتخلف في اللحم وجه (١٠)؟

ولو قيل بتحريمه كان حسنا ، للعموم (١١).

ولا فرق في طهارة المتخلف في اللحم بين كون رأس الذبيحة منخفضا عن جسدها ، وعدمه ، للعموم (١٢) خصوصا بعد استثناء (١٣) ما يتخلف في باطنها في غير اللحم (١٤).

(السابعة ـ الظاهر : أن المائعات النجسة غير الماء (١٥) كالدبس وعصيره

______________________________________________________

(١) أي يجوز أكله بالاتفاق كما تقدم.

(٢) أي على المصنف.

(٣) أي حل الدم المتخلف في الذبيحة ، لأن البحث هنا في الحل لا في الطهارة.

(٤) في الحل.

(٥) أي ويلزم الحل الطهارة ، إن لم يذكر المصنف الطهارة معه.

(٦) أي فإن المنجذب.

(٧) لأنه من جملة أفراد الدم المسفوح ، غايته قد انجذب إلى الداخل بالنفس وتخلف في الذبيحة لعارض.

(٨) كطهارة الدم المتخلف في الذبيحة.

(٩) أي المتخلف في الكبد والقلب.

(١٠) لأنه غير مسفوح.

(١١) أي عموم ما دل على حرمة الدم ، وفيه أنه مقيد بالمسفوح كما تقدم.

(١٢) أي عموم طهارة غير المسفوح.

(١٣) أي بعد الاستثناء من حرمة الدم.

(١٤) كالمتخلف في القلب والكبد.

(١٥) إذا وقع شي‌ء من النجاسة كالدم والبول والعذرة في شي‌ء ، فإن كان ذلك الشي‌ء مائعا تنجس على ما تقدم في كتاب الطهارة ، وحرم أكله بلا خلاف فيه ولا إشكال لحرمة تناول المتنجس كحرمة تناول النجس ، ولا طريق إلى تطهيره ما عدا الماء ، لعدم تحقق ـ


واللبن والادهان وغيرها(لا تطهر) بالماء وإن كان كثيرا(ما دامت كذلك) أي باقية (١) على حقيقتها ، بحيث (٢) لا تصير باختلاطها بالماء الكثير ماء مطلقا ، لأن الذي يطهر بالماء شرطه وصول الماء إلى كل جزء من النجس ، وما دامت (٣) متميزة كلها أو بعضها لا يتصور وصول الماء إلى كل جزء نجس ، وإلا (٤) لما بقيت كذلك (٥).

هذا إذا وضعت في الماء الكثير ، أما لو وصل الماء بها وهي (٦) في محلها فأظهر في عدم الطهارة قبل أن يستولي عليها أجمع (٧) ، لأن (٨) أقل ما هناك (٩) أن محلها نجس (١٠) ، لعدم (١١) إصابة الماء المطلق له (١٢) أجمع فينجس ما اتصل به (١٣)

______________________________________________________

ـ الغسل فيه عرفا لأن المعتبر في تطهير المتنجس أن يصيب الماء الطاهر كل جزء من أجزاء المتنجس ، وما دام المائع متميزا باقيا على حقيقته أو بعضه لا يكون الماء مستوعبا لذلك المتميز ، إلا إذا انقلب المائع المتنجس إلى الماء عند اتصال الماء الكثير به فيطهر للاستحالة حينئذ. وأما إذا كان المتنجس ماء فيطهر باتصال الكثير فيه ، لصدق الكثير غير المنفعل على الجميع ، وهذا الكثير طاهر كما تقدم دليله في كتاب الطهارة.

وعن العلامة قول بطهارة المائع المتنجس مع بقاء المائع على حقيقته ، وهو قول بعيد لأنه لا يحصل التطهير إلا بوصول الماء إلى جميع الأجزاء ، وهذا ما يقضي زوال اسم المائع ويصير معه ماء مطلقا ، ومعه تنتفي فائدة تطهير المائع مع بقاء اسمه.

(١) أي المائعات باقية على حقيقتها وماهيتها.

(٢) تفسير لبقائها على حقيقتها.

(٣) أي المائعات المتنجسة.

(٤) أي وإن وصل الماء إلى كل جزء.

(٥) بل صارت ماء مطلقا.

(٦) أي المائعات المتنجسة.

(٧) ولا يستولي عليها الماء إلا إذا خرجت عن حقيقتها وصارت ماء مطلقا.

(٨) تعليل للأظهرية.

(٩) إذا اتصل الماء بها وهي في محلها.

(١٠) وإن اتصل الماء بها ، فما يطهره الماء على تقدير حصول الطهارة ينجسه المحل.

(١١) تعليل لنجاسة المحل.

(١٢) للمحل.

(١٣) بالمحل.


منها (١) وإن كثر (٢) ، لأن شأنها (٣) إن تنجس بإصابة النجس لها مطلقا (٤).

وتوهم طهارة محلها (٥) ، وما لا يصيبه الماء منها (٦) بسبب إصابته لبعضها (٧) في غاية البعد (٨) ، والعلامة في أحد قوليه أطلق الحكم بطهارتها (٩) ، لممازجتها المطلق (١٠) وإن خرج (١١) عن إطلاقه (١٢) ، أو بقي اسمها (١٣) ، وله قول آخر بطهارة الدهن خاصة (١٤) إذا صبّ في الكثير (١٥) ، وضرب فيه (١٦) حتى اختلطت أجزاؤه به (١٧) ، وإن اجتمعت بعد ذلك على وجهه (١٨).

وهذا القول متجه على تقدير فرض اختلاط جميع أجزائه (١٩) بالضرب ولم يخرج الماء المطلق عن إطلاقه.

______________________________________________________

(١) من المائعات.

(٢) أي كثر المتصل من المائعات بالمحل.

(٣) أي شأن المائعات.

(٤) سواء كانت المائعات قليلة أو كثيرة.

(٥) أي محل المائعات.

(٦) من المائعات.

(٧) أي بسبب إصابة الماء لبعض المائعات.

(٨) ووجهه واضح إذ كيف يطهر المتنجس مع عدم وصول الماء إليه.

(٩) أي بطهارة المائعات والمراد تطهيرها بالماء.

(١٠) أي الماء المطلق.

(١١) أي الماء.

(١٢) بأن صار مضافا بسبب الممازجة.

(١٣) أي اسم المائعات عند اتصال الماء بها.

(١٤) دون بقية المائعات المتنجسة.

(١٥) أي في الماء الكثير غير المنفصل بالنجاسة.

(١٦) أي وضرب الدهن في الماء.

(١٧) بالماء.

(١٨) أي على وجه الماء.

(١٩) أي جميع أجزاء الدهن المتنجس ، ولا تختلط جميع أجزائه بالماء ما دام يصدق على كل جزء أنه دهن ، فلا بد من الاستحالة حتى يحكم بحصول التطهير.


وأما الماء (١) فأنه يطهر باتصاله بالكثير ممازجا له (٢) عند المصنف أو غير ممازج على الظاهر سواء صبّ في الكثير ، أو وصل الكثير به ولو في آنية ضيقة الرأس مع اتحادهما (٣) عرفا ، أو علوّ الكثير (٤).

(وتلقى النجاسة وما يكتنفها ويلاصقها من الجامد (٥) كالسمن والدبس في بعض الأحوال (٦). والعجين ، والباقي طاهر على الأصل ، ولو اختلفت أحوال المائع كالسمن في الصيف والشتاء فلكل حالة حكمها. والمرجع في الجمود والميعان إلى العرف (٧) ، لعدم تحديده شرعا.

(الثامنة ـ تحرم البان الحيوان المحرّم لحمه (٨) كالهرة والذئبة واللبوة(ويكره)

______________________________________________________

(١) أي الماء المطلق الذي تنجس فإنه يمكن تطهيره على ما تقدم.

(٢) أي للكثير ، فلا يكفي مطلق الاتصال.

(٣) أي اتحاد الكثير والمتنجس.

(٤) وقد تقدم البحث في كيفية تطهير الماء المتنجس في كتاب الطهارة فراجع.

(٥) ما تقدم إنما كان عن الشي‌ء المتنجس إذا كان مائعا ، وأما إذا كان جامدا وكانت نجاسته بسبب وقوع بعض النجاسات فيه ، ألقيت النجاسة منه وكشط ما يكتنفها ويحل الباقي بلا خلاف فيه ، لعدم سراية النجاسة إليه ، ولصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فإن كان جامدا فألقها وما يليها ، وكل ما بقي ، وإن كان ذائبا فلا تأكله) (١) ومثله غيره من الأخبار.

(٦) إذا كانت جامدة بسبب فصل الشتاء.

(٧) وفسّر بأن الجامد إذ أخذت منه شيئا يبقى مكانه فارغا بخلاف المائع.

(٨) اللبن تابع للحيوان في الحل والحرمة والكراهة ، بلا خلاف فيه لخبر داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الشاة والبقرة ربما درّت من اللبن من غير أن يضربها الفحل ، والدجاجة ربما باضت من غير أن يركبها الديكة؟ فقال عليه‌السلام : هذا حلال طيب كل شي‌ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة فكل ذلك حلال طيّب ، وربما يكون هذا من ضربه الفحل ويبطئ وكل هذا حلال) (٢) ، ومفهومه دال على تبعية اللبن للحيوان حرمة أو كراهة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ أبواب الأطعمة المباحة حديث ٢.


(لبن المكروه لحمه كالأتن) بضم الهمزة والتاء وبسكونها جمع اتان بالفتح : الحمارة ذكرا أو أنثى ، ولا يقال في الأنثى : اتانة.

(التاسعة ـ المشهور) بين الأصحاب بل قال في الدروس : إنه كاد أن يكون إجماعا(استبراء (١) اللحم المجهول ذكاته) لوجدانه (٢) مطروحا(بانقباضه (٣) بالنار) عند طرحه فيها(فيكون مذكى ، وإلا) ينقبض بل انبسط واتسع وبقي على حاله(فميتة). والمستند رواية شعيب عن الصادق عليه‌السلام «في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر أذكي هو أم ميت قال : فاطرحه على النار فكلما انقبض فهو ذكي وكلما انبسط فهو ميت» ، وعمل بمضمونها المصنف في الدروس ، وردها العلامة والمحقق في أحد قوليه ، لمخالفتها للأصل. وهو (٤) عدم التذكية ، مع أن في طريق الرواية ضعفا.

______________________________________________________

(١) أي اختبار.

(٢) تعليل لمجهولية ذكاته.

(٣) متعلق بقوله (استبراء اللحم) والمعنى أن اختبار اللحم المجهول التذكية إنما يكون بعرضه على النار فما انقبض فهو مذكى وما انبسط فهو ميتة على المشهور لخبر إسماعيل بن عمر عن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر أذكيّ هو أم ميّت؟ فقال عليه‌السلام : فاطرحه على النار فكلما انقبض فهو ذكي وكلما انبسط فهو ميت) (١) وإسماعيل واقفي وشعيب مشترك بين الثقة وغيره إلا أن الخبر منجبر بعمل الأصحاب هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يحكم بحل اللحم وعدمه باختبار بعضه ، بل لا بد من اختبار كل قطعة منه على حده إذا وجده مقطعا ويلزم لكل واحدة منها حكمها لاحتمال أن يكون قد اقتطع من الحيوان شيئا ثم ذبحه.

نعم توقف المحقق في النافع والعلامة في القواعد والفخر في الإيضاح في العمل بالخبر ، ومالوا إلى تحريم اللحم المذكور لأصالة عدم تذكيته ، ومال الشهيد في الدروس إلى تعدية هذه العلامة إلى اللحم الذي اختلط المذكى منه بالميت ولم يتميز ، وقد تقدم الكلام فيه وأنه قياس لا نقول به. على أنه قياس مع الفارق.

(٤) أي الأصل إذ عند الشك الأصل عدم التذكية.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


والأقوى تحريمه (١) مطلقا (٢) ، قال في الدروس تفريعا على الرواية : ويمكن اعتبار المختلط (٣) بذلك (٤) ، إلا أن الأصحاب والأخبار (٥) أهملت ذلك (٦). وهذا الاحتمال (٧) ضعيف ، لأن (٨) المختلط يعلم أن فيه ميتا يقينا (٩) ، مع كونه (١٠) محصورا. فاجتناب الجميع (١١) متعين ، بخلاف ما يحتمل كونه بأجمعه مذكى (١٢) فلا يصح حمله عليه (١٣) مع وجود الفارق.

وعلى المشهور (١٤) لو كان اللحم قطعا متعددة فلا بد من اعتبار كل قطعة على حدة ، لإمكان كونه (١٥) من حيوان متعدد ، ولو فرض العلم بكونه (١٦) متحدا جاز

______________________________________________________

(١) أي تحريم اللحم المذكور.

(٢) سواء انبسط أم انقبض.

(٣) وهو الذي اختلط المذكى فيه بالميتة.

(٤) أي بعرضه على النار فما انقبض فهو المذكى وما انبسط فهو الميتة.

(٥) أي الأخبار الواردة في حكم المختلط كصحيح الحلبي (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا اختلط الذكي بالميت باعه ممن يستحلّ الميتة وأكل ثمنه) (١) ومثله حسنته الأخرى عنه عليه‌السلام (٢).

(٦) أي عرض المختلط على النار.

(٧) من إلحاق المختلط بالمجهول تذكيته.

(٨) تعليل لضعف الاحتمال.

(٩) مع أن المجهول لا يعلم بوجود الميتة فيه يقينا.

(١٠) أي كون المختلط.

(١١) أي جميع المختلط.

(١٢) وهو المجهول فلا يجب الاجتناب عنه على تقدير تذكيته.

(١٣) أي فلا يصح حمل المختلط على المجهول.

(١٤) وهو استبراء اللحم المجهول بالانقباض والانبساط بعرضه على النار.

(١٥) أي كون المتعدد.

(١٦) أي بكون المتعدد.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١ و ٢.


اختلاف حكمه بأن يكون قد قطع بعضه منه قبل التذكية (١).

ولا فرق (٢) على القولين (٣) بين وجود محل التذكية ورؤيته مذبوحا أو منحورا ، وعدمه (٤) ، لأن (٥) الذبح والنحر بمجردهما لا يستلزمان الحل لجواز تخلف بعض الشروط (٦). وكذا (٧) لو وجد الحيوان غير مذبوح ولا منحور. لكنه مضروب بالحديد في بعض جسده (٨) ، لجواز (٩) كونه قد استعصى فذكّي كيف اتفق حيث يجوز في حقه ذلك (١٠) ، وبالجملة فالشرط إمكان كونه مذكى على وجه يبيح لحمه (١١).

(العاشرة ـ لا يجوز استعمال شعر الخنزير (١٢) ...

______________________________________________________

(١) فيكون مبانا من حي وهو بحكم الميتة.

(٢) في أجراء العلامة بالنار.

(٣) أي قول المشهور من اختصاص علامة النار بالمجهول وقول الدروس من تعميم العلامة للمختلط.

(٤) أي وعدم وجود محل التذكية لقطع رأسه.

(٥) تعليل لتعميم العلامة.

(٦) أي بعض شروط الحلية كالتسمية والاستقبال وإسلام الذابح وإن تحقق الذبح أو النحر.

(٧) أي وكذا تجري العلامة بالنار.

(٨) فلا يحكم عليه بأنه ميتة.

(٩) تعليل لعدم الحكم بكونه ميتة.

(١٠) من الضرب في الحديد في بعض جسده.

(١١) وهذا الإمكان موجود في الحيوان الذي مات من غير ذبح ولا نحر ولكن وجدت آثار الضرب بالحديد في بعض جسده.

(١٢) ذهب المرتضى إلى طهارة ما لا تحله الحياة من الخنزير كالشعر وغيره ، وعليه فيجوز استعمال شعره لغير ضرورة لأنه طاهر ، وقد تقدم ضعفه في كتاب الطهارة.

وذهب المشهور إلى نجاسة ما لا تحله الحياة من الخنزير ، وعليه فلا يجوز استعمال شعره ولا غيره من أجزائه ، لأنه نجس وقد تقدم حرمة الانتفاع بالنجس مطلقا.

نعم مع الاضطرار أستعمل من شعره ما لا دسم فيه لخبر برد الإسكاف عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت له : إني رجل خراز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخرز به ، قال : خذ منه وبره فاجعله في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل ـ


كغيره (١) من أجزائه مطلقا (٢) ، وإن حلّت (٣) من الميتة غيره (٤) ، ومثله (٥) الكلب(فإن اضطر إلى استعمال شعر الخنزير استعمل ما لا دسم فيه ، وغسل يده) بعد الاستعمال ، ويزول عنه (٦) الدسم بأن يلقى (٧) في فخّار ، ويجعل في النار حتى

______________________________________________________

ـ به) (١) ، وقرينة الضرورة قوله : لا يستقيم عملنا ، وخبره الآخر (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إنا نعمل بشعر الخنزير ، فربما نسي الرجل فصلّى وفي يده شي‌ء منه ، قال : لا ينبغي أن يصلي وفي يده شي‌ء منه ، وقال : خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يمكن له دسم فاعملوا به واغسلوا أيديكم منه) (٢) ، وخبر سليمان الإسكاف (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شعر الخنزير نخرز به ، قال : لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي) (٣) وخبر الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : شعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ فقال : لا بأس به) (٤) ، وخبر ثالث لبرد الإسكاف (عن شعر الخنزير يعمل به؟ قال : خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب ثلثه ويبقى ثلثاه ، ثم اجعله في فخارة ليلة باردة ، فإن جمد فلا تعمل به ، وإن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة) (٥).

وهذه الأخبار مطلقة إلا أنها محمولة على الضرورة جمعا بينها وبين الخبر الأول هذا من جهة ومن جهة أخرى فالجواز متوقف على ما لا دسم فيه ومنها تعرف ضعف ما ذهب إليه جماعة منهم العلامة في المختلف من جواز استعمال شعر الخنزير لغير ضرورة.

(١) أي كغير الشعر.

(٢) سواء كانت مما تحله الحياة أم لا.

(٣) أي تلك الأجزاء.

(٤) أي غير الخنزير ، والمعنى أنه يجوز استعمال الأجزاء التي لا تحلها الحياة من ميتة غير الخنزير ، لأنها طاهرة.

(٥) أي ومثل الخنزير.

(٦) عن شعر الخنزير.

(٧) أي شعر الخنزير.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٣ و ٤ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث من أبواب النجاسات حديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٢ من كتاب التجارة.


يذهب دسمه رواه برد الإسكاف عن الصادق عليه‌السلام.

وقيل : يجوز استعماله مطلقا (١) ، لإطلاق رواية سليمان الاسكاف ، لكن فيها (٢) أنه يغسل يده إذا أراد أن يصلي ، والاسكافان مجهولان ، فالقول بالجواز مع الضرورة حسن ، وبدونها (٣) ممتنع ، لإطلاق (٤) تحريم الخنزير الشامل (٥) لموضع النزاع وإنما يجب غسل يده (٦) مع مباشرته (٧) برطوبة (٨) كغيره (٩) من النجاسات.

(الحادية عشرة ـ لا يجوز) لأحد(أن يأكل من مال غيره (١٠) ممن يحترم ماله

______________________________________________________

(١) عند الضرورة وغيرها.

(٢) في رواية سليمان الإسكاف.

(٣) أي بدون الضرورة.

(٤) الإطلاق إنما هو لتحريم الميتة والنجس وقد تقدم سابقا ، ولا يوجد ما يدل على تحريم الخنزير بخصوصه وإن ادعى ابن إدريس تواتر الأخبار بذلك ، ولكن لا يوجد خبر واحد بالخصوص فلذا قال في المسالك : (حتى ادعى ابن إدريس تواتر الأخبار بتحريم استعماله ـ الخنزير ـ وهو عجيب لأنا لم نقف منها على شي‌ء) انتهى وقال في الجواهر : (وإلى ما عن السرائر من دعوى تواتر الأخبار به وإن كنا لم نظفر بخبر واحد كما اعترف به في كشف اللثام) انتهى.

(٥) على فرض ورود النهي عن الخنزير ، فالتحريم المنسوب إلى عين خارجية يراد منه أقرب المجازات إلى الحقيقة ، وأقرب المجازات هو تحريم جميع ضروب الانتفاع بالعين بما فيه استعمال شعر تلك العين.

(٦) أي يد المستعمل لشعر الخنزير.

(٧) أي مباشرة شعر الخنزير.

(٨) لتتحقق سريان النجاسة ، وفي هذا رد على الماتن حيث حكم بوجوب غسل يد المستعمل من دون التقييد بالرطوبة ، ولعل الماتن ترك القيد لوضوحه.

(٩) أي كغير شعر الخنزير.

(١٠) الأصل يقتضي تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه ، سواء كان التصرف أكلا أم لا لقوله تعالى : (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) (١) والنبوي (المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) (٢) ، والتوقيع الشريف عن مولانا ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

(٢) سنن ابن ماجه المجلد الثاني حديث : ٣٩٣٣ ص ١٢٩٨ طبع ١٣٧٣.


وإن كان كافرا ، أو ناصبيا ، أو غيره من الفرق بغير إذنه ، لقبح التصرف (١) في مال الغير كذلك (٢) ، ولأنه (٣) أكل مال بالباطل (٤) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه» (إلا من بيوت من تضمنته الآية) وهي (٥) قوله تعالى : (وَلٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ

______________________________________________________

ـ الحجة عجل الله تعالى فرجه (لا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه) (١) ، وصحيح زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : (لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه) (٢) ومثله كثير.

وهذا لا يفرق فيه بين فرق المسلمين وإن كانوا أهل بدعة ، بل ولا يفرق فيه بين من يحترم ماله وإن كانوا كفارا كأهل الذمة والمعاهدين على احترام مالهم ، ولكن لا يشمل الحربي والناصبي ممن لم يحترم ماله كعدم احترام دمه وقد تقدم البحث في مال الناصبي في كتاب الخمس وفي مال الحربي في كتاب الجهاد هذا من جهة ومن جهة أخرى يستثنى من عموم حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه أمران : الأول : الأكل من بيوت من تضمنته الآية الآتية ، الثاني : الأكل مما يمرّ به الإنسان ، وسيأتي البحث فيهما.

(١) إشارة إلى أن العقل حاكم بهذا القبح.

(٢) أي بغير إذنه.

(٣) أي التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٤) وأكل المال بالباطل منهي عنه بقوله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ)(٣).

(٥) أي الآية وهي قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ ، وَلٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلٰا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ، وَلٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ ، أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ ، أَوْ صَدِيقِكُمْ ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً) (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٣ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

(٤) سورة النور ، الآية : ٦١.


أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) (١) ، فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم ، وغيبتهم (٢) (إلا مع علم الكراهة (٣) ولو بالقرائن الحالية بحيث تثمر (٤) الظنّ الغالب بالكراهة ، فإن ذلك (٥) كاف في هذا ونظائره ، ويطلق عليه العلم كثيرا.

ولا فرق بين ما يخشى (٦) فساده في هذه البيوت ، وغيره (٧) ، ولا بين

______________________________________________________

(١) سورة النور ، الآية : ٦١.

(٢) لإطلاق الآية المتقدمة.

(٣) يجوز الأكل من بيوت المذكورين بشرط عدم العلم بالكراهة ، بلا خلاف فيه مع أن الآية مطلقة تشمل صورة العلم بالكراهة لكن لا بدّ من تقييد الآية اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، ويكفي معرفة الكراهة ولو بالقرائن الحالية المفيدة للظن الغالب بها ، لأنه علم عادي.

(٤) أي القرائن الحالية.

(٥) أي الظن الغالب كاف في معرفة الكراهة ونحوها ، لأنه علم عادي ولذا يطلق عليه العلم كثيرا.

(٦) كالمرق.

(٧) كالتمر ، هذا واعلم أن المشهور على عدم الفرق بين ما يخشى فساده في هذه البيوت وغيره عملا بإطلاق الآية ، وعن بعضهم وهو غير معروف كما في الرياض وهو الصدوق في المقنع كما في كشف اللثام والجواهر تقييد جواز الأكل بما يخشى فساده فقط ، ومستنده غير واضح ، مع أن النصوص صريحة في رده كخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في قول الله عزوجل : أو صديقكم ، فقال : هؤلاء الذين سمّى الله عزوجل في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم ، وكذلك تأكل المرأة بغير إذن زوجها ، وأما ما خلا ذلك من الطعام فلا) (١) ولا ريب أن التمر مما لا يخشى فساده.

نعم ليس له دليل إلا الفقه الرضوي (ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وأخته وأمه وصديقه مما لا يخشى عليه الفساد من يومه بغير إذنه مثل البقول والفاكهة وأشباه ذلك) (٢) ، وهو مما لم تثبت حجيته نعم قيل إنه مصنفات والد الصدوق الذي لا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المائدة حديث ٢.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المائدة حديث ١.


دخوله بإذنه (١) ، وعدمه. عملا بإطلاق الآية ، خلافا لابن إدريس فيهما (٢).

ويجب الاقتصار على مجرد الأكل (٣) ، فلا يجوز الحمل ، ولا إطعام الغير ، ولا الإفساد بشهادة الحال ، ولا يتعدى الحكم (٤) إلى غير البيوت من أموالهم ،

______________________________________________________

ـ يفتي إلا بمتون الأخبار ، فيكون من المراسيل ولكن لا جابر له ، لأن المشهور على خلافه.

(١) أي ولا فرق بين دخول الآكل بإذن صاحب البيت وعدمه كما عن الأكثر لإطلاق الآية المتقدمة ، وعن الحلي في السرائر تقييد جواز الأكل بكون الدخول بإذن صاحب البيت وأنه يحرم الأكل مع الدخول بدون الاذن ، ومال إليه الفاضل المقداد في التنقيح ، لأن النهي عن الدخول بغير الاذن مستلزم للنهي عن الأكل ، لأن النهي عن اللازم نهي عن ملزومه ، ولأن الأكل المذكور على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن ، وهو الاذن بالدخول ، ولأن الاذن بالدخول قرينة على الاذن بالأكل وحيث لا إذن فلا قرينة فلا يجوز.

ويردّ الأول منع التلازم بين النهي عن اللازم والنهي عن ملزومه إذ لا مانع من كون الدخول حراما ولكن بعد ما يدخل يجوز له الأكل ، ويردّ الثاني إطلاق الآية الشامل لصورة عدم الاذن ، وهو الموجب للخروج عن الأصل ، ومع إطلاق الدليل لا وجه للاقتصار على المتيقن ، ويردّ الثالث بأن جواز الأكل غير مقيد بإحراز الاذن بالدخول لإطلاق الآية المتقدمة.

(٢) في الفرعين من خشية الفساد وعدمه ومن الدخول بإذنه وعدمه ، حيث جوّز الأكل بما يخشى فساده وبما إذا كان مع الاذن بالدخول.

(٣) الحلية مختصة بالأكل فلا يجوز أن يحمل شيئا من البيوت ولا يجوز له أن يطعم الغير منها أو يتصدق به ، ولا يجوز له أن يفسد شيئا منها ، حيث خصّت الآية الحلية بالأكل فيقتصر عليه ، والباقي على الأصل من عدم جواز التصرف بمال الغير بغير إذنه ، ولخبر زرارة سألت أحدهما عليهما‌السلام عن الآية فقال : (ليس عليكم جناح فيما أطعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم تفسد) (١).

(٤) أي الحكم بجواز الأكل ، فلا يجوز الأكل من أموال المذكورين في الآية من غير بيوتهم ، كالأكل من مالهم الموجود في الدكان والبستان ، للأصل من حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، خرجنا عنه بالأكل من البيوت للنص ، والباقي على الأصل ، ومقامنا منه ، بلا خلاف في ذلك كله.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المائدة حديث ٤.


اقتصارا فيما خالف الأصل على مورده (١) ، ولا إلى تناول غير المأكول (٢) ، إلا أن يدل عليه (٣) الأكل (٤) بمفهوم الموافقة (٥) ، كالشرب من مائه ، والوضوء به ، أو يدل (٦) عليه (٧) بالالتزام (٨) كالكون بها (٩) حالته (١٠).

وهل يجوز دخولها لغيره (١١) ، أو الكون بها بعده (١٢) وقبله؟ نظر من تحريم (١٣) التصرف في مال الغير إلا ما استثني (١٤). ومن دلالة (١٥) القرائن (١٦) على تجويز مثل ذلك من المنافع التي لا يذهب من المال بسببها شي‌ء حيث جاز اتلافه (١٧) بما ذكر (١٨).

______________________________________________________

(١) أي مورد ما خالف الأصل ، وهو الأكل من البيوت للآية المتقدمة.

(٢) الآية مختصة بالأكل من بيوت المذكورين ، والأصحاب عمّموا الحكم إلى الشرب من البيوت والوضوء من مائها ، ونحو ذلك مما يدل عليه الاذن بالأكل بمفهوم الموافقة ، وكذا عمموا الحكم للدخول إلى البيوت والكون بها حالة الأكل لما يدل عليه الاذن بالأكل بالالتزام ، إذ الأكل من البيت متوقف على دخوله واللبث فيه حالة الأكل.

(٣) على غير المأكول.

(٤) أي الاذن بالأكل.

(٥) أي بالأولوية.

(٦) ضمير الفاعل راجع إلى الاذن بالأكل.

(٧) أي على غير المأكول.

(٨) أي بالدلالة الالتزامية.

(٩) أي بالبيوت.

(١٠) أي حالة الأكل ، وكذا الدخول للبيوت من أجل الأكل.

(١١) أي لغير الأكل.

(١٢) أي بعد الأكل.

(١٣) دليل عدم الجواز.

(١٤) والمذكور هنا خارج عما استثني فيبقى على الأصل.

(١٥) دليل الجواز.

(١٦) أي الحالية والمقالية ومن الثانية جواز الأكل ، وهو يستدعي تلف المأكول.

(١٧) أي إتلاف الداخل.

(١٨) أي بالأكل للآية المتقدمة.


والمراد ببيوتكم (١) : ما يملكه الآكل (٢) ، لأنه (٣) حقيقة فيه (٤).

ويمكن أن تكون النكتة فيه (٥) مع ظهور إباحته (٦) الإشارة إلى مساواة ما ذكر (٧) له (٨) في الإباحة ، والتنبيه على أن الأقارب المذكورين والصديق ينبغي جعلهم كالنفس في أن يحب لهم ما يحب لها ، ويكره لهم ما يكره لها كما جعل بيوتهم كبيته.

وقيل : هو بيت الأزواج والعيال.

وقيل : بيت الأولاد ، لأنهم لم يذكروا في الأقارب ، مع أنهم (٩) أولى منهم (١٠) بالمودة والموافقة ، ولأن ولد الرجل بعضه ، وحكمه حكم نفسه وهو

______________________________________________________

(١) أي لفظ (بيوتكم) الوارد في الآية حيث قال تعالى : (وَلٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) (١).

(٢) أي البيت الذي يملكه الأكل ، ولعل النكتة في ذكر بيوت الأكلين مع ظهور الحلية هي بيان حلية ما يوجد فيها وإن لم يعرف مالكه ، وقيل : إن النكتة للتنبيه على مساواة بيوت الأكلين إلى ما ذكر من البيوت في الآية ، وأنه ينبغي جعل المذكورين كالنفس فيحب لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها كما جعل بيوتهم كبيته.

وقيل : إن المراد ببيوت أنفسهم هي بيوت الأولاد والعيال ، وقيل : هي بيوت الأولاد لأنهم لم يذكروا في الأقارب مع أولويتهم منهم ، ولأن الولد بعض الرجل وحكمه حكم نفسه ، وهو وماله لأبيه فجاز نسبة بيته إليه.

(٣) أي البيت المضاف إلى الشخص.

(٤) في البيت الذي يملكه.

(٥) أي في ذكر (بيوتكم) مع أن الحلية ظاهرة لا تحتاج إلى دليل.

(٦) أي إباحة الأكل منه.

(٧) أي ما ذكر من الأقارب والصديق في الآية.

(٨) أي لنفس الآكل.

(٩) أي الأولاد.

(١٠) من الأقارب.

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٦١.


وماله لأبيه (١) فجاز نسبة بيته إليه. وفي الحديث «أن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه» (٢).

والمراد بما ملكتم مفاتحه (٣) ما يكون عليها وكيلا ، أو قيّما بحفظها ، وأطلق على ذلك ملك المفاتيح ، لكونها (٤) في يده وحفظه ، روي ذلك ابن أبي عمير مرسلا عن الصادق عليه‌السلام.

وقيل : هو بيت المملوك ، والمعنيّ في قوله : أو صديقكم بيوت صديقكم على حذف المضاف ، والصديق يكون واحدا وجمعا ، فلذلك جمع البيوت.

ومثله الخليط (٥) ، والمرجع في الصديق إلى العرف (٦) ، لعدم تحديده شرعا ،

______________________________________________________

(١) كما في الحديث النبوي (أنت ومالك لأبيك) (١).

(٢) سنن ابن ماجه المجلد الثاني ص ٧٢٣ ، حديث : ٢١٣٧.

(٣) قيل : بيت العبد ، لأن ماله ملك للسيد ، وقيل : من له عليه ولاية وقيل بيت الولد ، لأنه لم يذكر صريحا في الآية ، وملكه لمفاتحه مبالغة في ولاية الأب ، وقيل : ما يجده الإنسان في داره ولم يعلم به ، وفي مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في قول الله عزوجل : أو ما ملكتم مفاتحه ، قال : الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله ، فيأكل بغير إذنه) (٢) ، وفي مرفوع علي بن إبراهيم في تفسيره قال : (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين أصحابه فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول : خذ ما شئت وكل ما شئت ، وكانوا يمتنعون من ذلك ، حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله : ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ، يعني حضر أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه) (٣) ومن هذين الخبرين يستفاد أن المراد بما ملكتم مفاتحه ليس معناه الحقيقي بل كل من ملكتم مفاتحه على نحو يدل على الاذن في التصرف ، سواء في ذلك بيت الموكل أو العبد أو الولد أو المولى عليه أو غيرهم.

(٤) أي المفاتيح.

(٥) أي ومثل الصديق الخليط في صدقه على الواحد والجمع.

(٦) وظاهرهم الاتفاق عليه لعدم تحديده من قبل الشارع ، بل يومئ إلى ذلك صحيح الحلبي ـ

__________________

(١) سنن ابن ماجه مجلد ٢ ص ٧٦٩ حديث ٢٢٩١ طبع سنة ١٣٧٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٥ و ٨.


وفي صحيحة الحلبي «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : ما يعني بقوله : أو صديقكم قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه» ، وعنه عليه‌السلام ، «من عظم حرمة الصديق أن جعل له من الانس والتفقد والانبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن» ، والمتبادر من المذكورين (١) كونهم كذلك بالنسب وفي إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع وجه ، من حيث أن الرضاع لحمة كلحمة النسب ، ولمساواته له (٢) في كثير من الأحكام ، ووجه العدم كون المتبادر (٣) النسبي منهم (٤) ، ولم أقف فيه (٥) على شي‌ء نفيا وإثباتا ، والاحتياط التمسك بأصالة الحرمة (٦) في موضع الشك (٧) ، والحق بعض

______________________________________________________

ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : ما يعني بقوله : أو صديقكم؟ قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه) (١).

فالسؤال عن المراد من الصديق مع أن الجواب بجواز الأكل من بيته ، فلم يكن جوابا عما سئل وهذا إيكال منه إلى العرف في مقام معرفة الصديق الوارد في السؤال.

(١) أي المذكورين في الآية ، وهم الآباء والأمهات والأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، فيقتصر على المذكورين بالنسب دون الرضاع لقاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل بعد انسياق خصوص النسب من الآية.

(٢) أي ولمساواة الرضاع للنسب.

(٣) من الآية.

(٤) أي من المذكورين بالإضافة إلى قاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل.

(٥) في شمول المذكورين للرضاع أو اقتصارهم على النسب.

(٦) أي حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٧) هذا والمراد بالآباء خصوص الآباء الحقيقيين دون الأجداد لقاعدة الاقتصار ، ويحتمل الشمول للأجداد بقرينة الجمع في الآباء ، ولأن الجد أدخل في القرب من العم والخال ، وكذا القول في الأمهات بالنسبة إلى الجدات ، والمراد بالأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات الأعم من كونهم للأبوين أو لأحدهما كما هو الواضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المائدة حديث ١.


الأصحاب (١) الشريك في الشجر ، والزرع ، والمباطخ (٢) فإن له (٣) الأكل من المشترك (٤) بدون إذن شريكه مع عدم علم الكراهة محتجا بقوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) (٥).

وفيه (٦) نظر ، لمنع تحقق التراضي مطلقا (٧) وجعلها (٨) صفة للتجارة (٩) يقتضي (١٠) جواز الأكل من كل تجارة وقع فيها التراضي بينهما. وهو (١١) معلوم البطلان.

وألحق المصنف وغيره الشرب من القناة المملوكة ، والدالية (١٢) ،

______________________________________________________

(١) وهو ابن فهد في المهذب.

(٢) أرض البطيخ.

(٣) للشريك.

(٤) أي المال المشترك بينهما في الشجر والزرع والمباطخ.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٢٩ ، ووجه الاستدلال أن التراضي الواقع بين الشركاء في هذه التجارة ـ أعني الشركة ـ يشمل التراضي على الأكل فلذا جاز للشريك الأكل من مال شريكه بغير إذنه.

وفيه : منع شمول التراضي الحاصل بين الشركاء في هذه التجارة ، بحيث يشمل الأكل بل هو مختص بالتراضي بأصل التجارة أعني الشركة هذا من جهة ومن جهة أخرى فعن تراض صفة للتجارة وعلى ما ذكر في الاستدلال فيقتضي جواز الأكل من كل تجارة وقعت بالتراضي ، ولا داعي للتخصيص بالشركة ، ومن المعلوم بطلان التالي فالمقدم مثله في البطلان.

(٦) أي وفي الاستدلال بالآية.

(٧) حتى يشمل الأكل ،. بل يختص بالتراضي بأصل التجارة التي هي الشركة هنا.

(٨) أي جعل جملة (عن تراض).

(٩) كما ذكره المفسرون ، لا أن تكون خبرا بعد خبر ليكون.

(١٠) أي هذا الجعل المذكور يقتضي جواز الأكل من كل تجارة وقعت عن تراض بناء على استدلال المستدل ، ولا داعي للتخصيص بالشركة.

(١١) جواز الأكل من كل تجارة عن تراض.

(١٢) أي الناعورة التي تدار بالماء.


والدولاب (١) ، والوضوء ، والغسل عملا بشاهد الحال (٢). وهو حسن إلا أن يغلب على الظن الكراهة.

(الثانية عشرة ـ إذا انقلب الخمر خلًّا حلّ (٣) ، لزوال المعنى المحرّم (٤) ، وللنص(سواء كان) انقلابه(بعلاج ، أو من قبل نفسه) وسواء كانت عين المعالج به باقية فيه (٥) أم لا ، لإطلاق النص والفتوى (٦) بجواز علاجه بغيره ، وبطهره (٧)

______________________________________________________

(١) أي الناعورة التي تدار بالآلة.

(٢) أي حال المالك إذ لا يكره شرب الناس من مائه والوضوء والغسل منه ، هذا ويبقى الأمر الثاني المستثنى من حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وهو الأكل مما يمرّ به الإنسان من ثمر النخل والزرع والشجر كما هو المشهور بشروطه من عدم قصد المرور بالثمرة وعدم حمل شي‌ء منها ، وعدم الإكثار بحيث لا يظهر له أثر بيّن ، وعدم العلم بالكراهة وأن تكون الثمرة مسوّرة ، وقد تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا في فصل بيع الثمار من كتاب التجارة.

(٣) انقلاب الخمر خلا موجب لطهارته وحلية شربه بلا خلاف فيه ، سواء كان بنفسه أو بعلاج للأخبار.

منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الخمر العتيقة تجعل خلا ، قال عليه‌السلام : لا بأس) (١) ، وموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا ، فقال عليه‌السلام : إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به) (٢) ، وصحيح ابن المهتدي (كتبت إلى الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتى يصير خلا ، قال عليه‌السلام : لا بأس به) (٣) ومثله غيره.

ومقتضى الأخبار طهارة الخمر وحلّيته إذا تحول خلا سواء كان بنفسه أم بعلاج ، وإذا كان بعلاج فلا فرق فيه بين ما استهلك بالخمر أم بقي على حاله.

(٤) وهو زوال اسم الخمر.

(٥) في الخمر.

(٦) أي وإطلاق الفتوى.

(٧) أي وبطهر الخمر إذا تحول خلا.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١ و ٥ و ٨.


يطهر ما فيه من الأعيان وآلته (١) ، لكن يكره علاجه بغيره (٢) ، للنهي عنه في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ولا أعلم لأصحابنا خلافا في ذلك (٣) في الجملة ، وإن اختلفوا في بعض أفراده (٤). ولو لا ذلك (٥) لأمكن استفادة عدم طهارته (٦) بالعلاج من بعض النصوص (٧) كما يقوله بعض العامة ، وإنما تطهر النجاسة الخمرية ، فلو كان (٨) نجسا بغيرها (٩) ولو (١٠) بعلاجه بنجس كمباشرة الكافر له لم يطهر بالحلّيّة (١١) ، وكذا (١٢) لو ألقي في الخل خمرا حتى استهلكه الخل ، أو بالعكس (١٣) على الأشهر.

______________________________________________________

(١) أي آلة الخمر ، والمقصود ظرفه الذي كان فيه.

(٢) أي بغير الخمر فيما لو كان الانقلاب بالعلاج لما في خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخمر تجعل خلا ، قال : لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها) (١) وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ ، فقال : لا ، إلّا ما جاء من قبل نفسه) (٢) ، والنهي محمول على الكراهة جمعا بين الأخبار.

(٣) أي في طهارة الخمر بالعلاج.

(٤) وهو اشتراط ذهاب عين المعالج به قبل أن تصير الخمر خلا ، ولم يعرف قائله.

(٥) أي ولو لا إجماع الأصحاب.

(٦) أي طهارة الخمر.

(٧) وهو خبر أبي بصير المتقدم ، وفيه أنه محمول على الكراهة جمعا.

(٨) أي الخمر.

(٩) أي بغير النجاسة الخمرية.

(١٠) أي ولو كان نجاسة الخمر بسبب علاجه بنجس ما.

(١١) لاستصحاب النجاسة ولا دليل على الطهارة بعد اختصاص أخبار الحلية عند الانقلاب بنجاسة الخمر لا غير.

(١٢) أي لا يطهر.

(١٣) بأن ألقي في الخمر شي‌ء من الخل فاستهلك في الخمر على المشهور في الصورتين ، أما في الصورة الأولى أعني إلقاء الخمر في الخل فاستهلك ، لنجاسة الخل الملقى فيه الخمر من دون دليل على طهارته ، وليس له حالة ينقلب إليها ليطهر بها ، وأما في الصورة ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٤ و ٧.


(الثالثة عشرة ـ لا يحرم شرب الرّبوبات وإن شم منها ريح المسكر (١) كرب التفاح) ، وربّ السفرجل ، والاترج ، والسكنجبين(وشبهه لعدم اسكاره) قليله وكثيرة ، (وأصالة حله) وقد روى الشيخ وغيره عن جعفر ابن أحمد المكفوف قال : «كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الأول عليه‌السلام أسأله عن السكنجبين ، والجلاب ، ورب التوت ، ورب التفاح ورب الرمان فكتب حلال».

(الرابعة عشرة ـ يجوز عند الاضطرار تناول المحرم (٢) من الميتة والخمر

______________________________________________________

ـ الثانية أعني القاء الخل في الخمر فاستهلك لنجاسة الخمر في عدم انقلابه إلى حالة حتى يطهر بها.

وعن الشيخ في النهاية أنه لو ألقي في الخل شي‌ء من الخمر فاستهلك فإنه يحلّ ، ومال إليه العلامة في المختلف وهو المنقول عن ابن الجنيد ، وضعفه ظاهر مما تقدم.

(١) لا خلاف في عدم تحريم شي‌ء من الربوبات والأشربة كالسكنجبين والجلّاب ونحوها وإن شمّ منها رائحة المسكر كربّ الرمان والتفاح والسفرجل والتوت ، لأن الأصل الحلية ولا يعدل عنه وإن أشبهت المسكر في الرائحة ما لم تشاركه في خاصيّة الإسكار ، نعم إذا أسكرت فتحرم لحرمة كل مسكر ، ولخبر جعفر بن أحمد المكفوف (كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الأول عليه‌السلام ـ اسأله عن السكنجبين والجلّاب وربّ التوت ، وربّ التفاح ، وربّ السفرجل ، وربّ الرمان ، فكتب : حلال) (١).

(٢) يجوز للمضطر تناول المحرم بلا خلاف فيه في الجملة لقوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجٰانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) والمخمّصة المجاعة ، والمتجانف المائل ، وقوله تعالى : (إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمٰا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّٰهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَلٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ) (٣) وقوله تعالى : (وَمٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلّٰا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٤) ولخبر المفضل بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أخبرني ـ جعلني الله فداك ـ لم حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ، قال عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى ـ إلى أن قال ـ ولكنه خلق الخلق فعلم ما ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٣.

(٣) سورة النحل ، الآية : ١١٥.

(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١١٩.


وغيرهما(عند خوف التلف (١) بدون التناول(أو) حدوث(المرض) أو زيادته(أو الضعف المؤدي إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور إمارة العطب) على تقدير التخلف.

ومقتضى هذا الإطلاق (٢) عدم الفرق بين الخمر وغيره من المحرمات في جواز تناولها (٣) عند الاضطرار ، وهو (٤) في غير الخمر موضع وفاق ، أما فيها (٥)

______________________________________________________

ـ تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم ، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرّم عليهم ثم أباحه للمضطر وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك) (١) وخبر محمد بن أحمد بن يحيى (قال الصادق عليه‌السلام : فمن أضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر) (٢) وخبر الدعائم عن علي عليه‌السلام (المضطر يأكل الميتة وكل محرم إذا اضطر إليه) (٣) ومثله غيره.

(١) أي خوف تلف النفس ، هذا وخصّ المضطر بخوف تلف النفس كما عن الشيخ في النهاية والقاضي والحلي والعلامة في المختلف ، لأنه المتيقن من الرخصة ، ولخبر المفضل المتقدم (ثم أباحه للمضطر وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك) (٤) وعن المشهور تعميم المضطر لمن خاف تلف نفسه أو خاف المرض الشاق عليه تحمله ، أو خاف زيادة المرض أو خاف بطئه ، أو خاف الضعف المؤدي إلى التلف أو المرض لصدق الاضطرار عرفا على الجميع بعد ضعف الخبر المتقدم وعدم دلالته على حصر الاضطرار بخوف التلف.

ثم لا فرق في ذلك كله بين السفر والحضر إذ المدار على صدق الاضطرار.

(٢) أي إطلاق جواز تناول المحرّم عند الاضطرار.

(٣) أي تناول المحرمات.

(٤) أي جواز التناول.

(٥) أي في الخمر ، فعن الشيخ في المبسوط والخلاف عدم جواز تناول الخمر للمضطر لخبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المضطر لا يشرب الخمر ، لأنها لا تزيده إلا شرا ، ولأنه إن شربها قتلته فلا يشرب منها قطرة) (١) ، وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (والمضطر لا يشرب الخمر لأنها تقتله) (٢) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن دواء يعجن بالخمر ، لا يجوز أن يعجن به ، إنما هو اضطرار ، فقال عليه‌السلام : لا والله ، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه فكيف يتداوى به ، وإنما هو بمنزلة شحم الخنزير الذي يقع في كذا وكذا لا يكمل إلا به ، فلا شفى الله أحدا شفاه خمر أو لحم خنزير) (٣).

والمشهور على جواز تناول الخمر عند الاضطرار لخبر المفضل بن عمرو المتقدم (أخبرني ـ جعلني الله فداك ـ لم حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ، قال عليه‌السلام : ثم أباحه للمضطر وأحله له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به) (٤) ، وخبر عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا؟ قال عليه‌السلام : يشرب منه قوته) (٥) ، ومرسل الصدوق قال : (جاء الحديث هكذا ، وشرب الخمر جائز في الضرورة) (٦) وخبر الدعائم (وإذا أضطر إلى الخمر شرب حتى يروى ، وليس له أن يعود إلى ذلك حتى يضطر إليه) (٧) ، والأقوى الثاني لأن حفظ النفس واجب وتركه محرم ، وهو أغلظ تحريما من الخمر وغيره ، فإذا تعارض التحريمان وجب ترجيح الأخف وترك الأقوى ، هذا كله للمضطر إذا خاف التلف ، وأما بقية أقسام المضطر فلا يجوز له تناول الخمر للتداوي لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن دواء عجن بالخمر ، فقال : لا والله ما أحبّ أن أنظر إليه فكيف أتداوى به ، فإنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير ، وترون أناسا يتداوون به) (٨) ، وصحيحه الآخر (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دواء يعجن بالخمر ، لا يجوز أن يعجن به ، إنما هو اضطرار ، فقال : لا والله لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه فكيف يتداوى به) (٩) الخبر ، وخبر أبي بصير (دخلت ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ أبواب الأشربة المحرمة حديث ١٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١٢ و ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من الأشربة المحرمة حديث ١ و ٤.

(٧) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٤.


فقد قيل بالمنع مطلقا (١) وبالجواز (٢) مع عدم قيام غيرها مقامها (٣).

وظاهر العبارة ومصرح الدروس جواز استعمالها (٤) للضرورة مطلقا (٥) حتى

______________________________________________________

ـ أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده فقالت : جعلت فداك إنه يعتريني قراقر في بطني ، وقد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق ، وقد عرفت كراهتك له ، وأحببت أن أسألك عن ذلك ، فقال لها : وما يمنعك من شربه؟ قالت : قد قلّدتك ديني فألقى الله عزوجل حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد أمرني ونهاني ، فقال : يا أبا محمد ألا تسمع هذه المسائل ، لا فلا تذوقي منه قطرة ، فإنما تندمين إذا بلغت نفسك إلى هاهنا ، وأومأ بيده إلى حنجرته يقولها ثلاثا : أفهمت؟ قالت : نعم) (١).

وعن القاضي ابن البراج الجواز ، وكذا عن الشهيد في الدروس وتبعهما صاحب الجواهر لقوله تعالى : (وَإِثْمُهُمٰا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمٰا) (٢) وهو ظاهر في حصول نفع بالخمر.

نعم نقل عن الشيخ وجماعة بل ونسب إلى الأكثر كما في المسالك جواز التداوي بالخمر عند الضرورة للعين لخبر هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشتكى عينيه فنعت له بكحل يعجن بالخمر فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرا فليكتحل به) (٣).

وعن ابن إدريس المنع لحرمة الانتفاع بالخمر مطلقا حتى في صورة التداوي كما تقدم ولخصوص مرسل مروك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من اكتحل بميل من مسكر كحّله الله بميل من نار) (٤) ، وخبر معاوية بن عمار (سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخمر يكتحل منها فقال عليه‌السلام : ما جعل الله في محرّم شفاء) (٥) ، والأقوى الأول لحمل هذين الخبرين على صورة الاختيار لا الاضطرار.

(١) حتى في صورة الانحصار عند خوف التلف كما عليه الشيخ في المبسوط والخلاف.

(٢) أي وقد قيل بالجواز.

(٣) أي في صورة الانحصار فيحل تناول الخمر عند خوف التلف كما عليه المشهور.

(٤) أي استعمال الخمر.

(٥) سواء كانت الضرورة حفظ النفس أو غيره ، وعليه فيجوز التداوي بالخمر لرفع المرض وهو قول ابن البراج أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٠.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٥ و ٢ و ١.


للدواء كالترياق (١) والاكتحال (٢) ، لعموم الآية (٣) الدالة على جواز تناول المضطر إليه (٤) ، والأخبار كثيرة في المنع من استعمالها مطلقا (٥) حتى الاكتحال ، وفي «بعضها إن الله تعالى لم يجعل في شي‌ء مما حرّم دواء ولا شفاء» (٦) ، «وإن من اكتحل بميل من مسكر كحّله الله بميل من نار» (٧) والمصنف حملها على الاختيار (٨) ، والعلامة على طلب الصحة (٩) ، لا طلب السلامة من التلف (١٠) ، وعلى ما سيأتي (١١) من وجوب الاقتصار على حفظ الرمق هما (١٢) متساويان (١٣) ،

______________________________________________________

(١) ففي الترياق ورد خبر عبد الرحمن بن الحجاج (إن رجلا سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الترياق فقال : ليس به بأس ، قال : يا ابن رسول الله إنه يجعل فيه لحوم الأفاعي ، فقال : لا تقذّره علينا) (١).

(٢) كما عليه الأكثر في تداوي العين بالخمر.

(٣) وهي قوله تعالى : (إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمٰا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّٰهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَلٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ) (٢) ، وفيه أن صدر الآية لم يذكر الخمر فيكون ذيل هذه الآية مختصا بغير الخمر عند الضرورة.

(٤) أي إلى الخمر.

(٥) حتى للتداوي عند الاضطرار.

(٦) كما في صحيح ابن أذينة (كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر أسكرجة من نبيذ ، ليس يريد به اللذة ، إنما يريد به الدواء ، فقال : لا ولا جرعة ، ثم قال : إن الله عزوجل لم يجعل في شي‌ء مما حرّم دواء ولا شفاء) (٣).

(٧) كما في مرسل مروك المتقدم.

(٨) وعليه فيجوز تناول الخمر عند الاضطرار.

(٩) وعليه فلا يجوز تناولها للتداوي عند الاضطرار ، بل هو حمل الأكثر كما تقدم.

(١٠) أي تلف النفس حيث ذهب المشهور إلى جواز تناول الخمر لحفظ النفس عند خوف التلف.

(١١) من قول المصنف (وإنما يجوز ما يحفظ الرمق).

(١٢) أي حمل المصنف وحمل العلامة.

(١٣) أي سواء حملنا الأخبار المانعة من استعمال الخمر على الاختيار كما فعل المصنف أو على طلب الصحة كما فعل العلامة فيجوز تناول الخمر عند خوف التلف بما يحفظ الرمق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة حديث ٨.

(٢) سورة النحل ، الآية : ١١٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.


ولو قام غيرها مقامها (١) وإن (٢) كان محرما قدّم عليها لإطلاق النهي الكثير عنها في الأخبار.

(ولا يرخّص الباغي (٣) وهو الخارج على الإمام العادل عليه‌السلام).

______________________________________________________

(١) أي لو قام البول مقام الخمر مع أن كليهما مما يحرم شربه ، وقد توقف حفظ النفس على شرب أحدهما قدم البول عليها وإن كان نجسا ، لأنه أخف حرمة منها وعدم الحد عليه ، ولأنه لا يسلب العقل والإيمان ولا يؤدي إلى شر كالخمر ، بالإضافة إلى كثرة الأخبار الواردة عن الخمر وهي مطلقة.

(٢) أي الغير.

(٣) قد عرفت جواز تناول المضطر للمحرّم ويستثنى منه الباغي والعادي ، فلا يجوز لهما تناول المحرّم وإن اضطرا بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَلٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ) (١) ، نعم اختلف في تفسيرهما ، فعن المحقق وجماعة أن الباغي هو الخارج على الإمام العادل لمرسل البزنطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في قول الله عزوجل : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ، قال : الباغي الذي يخرج على الإمام ، والعادي الذي يقطع الطريق لا تحلّ له الميتة) (٢).

وعن الشيخ في النهاية وابني البراج وإدريس أنه باغي الصيد لهوا لخبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الآية قال : (الباغي باغي الصيد والعادي السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما أن يقصّرا في الصلاة) (٣) ، وخبر عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام في حديث عن الآية قال : (العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا ، لا ليعود به على عياله ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا ، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار ، وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر) (٤).

وعن الحسن وقتادة ومجاهد أن الباغي هو الذي يبغي الميتة ويتلذذ بها ، وعن الزجاج أنه المفرّط المتجاوز للحد الذي أحل له ، وعن ابن عباس أنه غير المضطر. وأما العادي فهو قاطع الطريق كما في مرسل البزنطي المتقدم وإليه ذهب المحقق وجماعة ، وعن الشيخ في النهاية وابني البراج وإدريس أنه السارق لخبري حماد والحسين المتقدمين ، وعن الحسن ـ

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ١١٥.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٥ و ٢ و ١.


(وقيل (١) : الذي يبغي الميتة) أي يرغب في أكلها ، والأول أظهر ، لأنه (٢) معناه (٣) شرعا(ولا العادي وهو قاطع الطريق).

(وقيل (٤) : الذي يعدو شبعه) أي يتجاوزه ، والأول هو الأشهر ، والمروي (٥) لكن بطريق ضعيف مرسل.

ويمكن ترجيحه (٦) على الثاني (٧) بأن تخصيص آية الاضطرار (٨) على خلاف الأصل (٩) ، فيقتصر فيه (١٠) على موضع اليقين ، وقاطع الطريق عاد في المعصية في الجملة فتختص به (١١).

______________________________________________________

ـ وقتادة ومجاهد هو الذي يعدو شبعه ، وعن ابن عباس أنه الذي يعدو سدّ الرمق وعن الزجاج أنه المقصّر عن الذي أحلّ له.

والترجيح لمرسل البزنطي فهو وإن كان مرسلا وفي طريقه سهل بن زياد وهو عامي ، إلا أن تفسيرها للباغي مناسب لمعناه المشهور شرعا ، وأما تفسيرها للعادي بقاطع الطريق فلا ينافي تفسيره بالسارق كما في غيره من الأخبار ، لأن قاطع الطريق إنما يقطعه ليسرق أموال الناس ويأخذها منهم قهرا.

(١) كما عن الحسن وقتادة ومجاهد.

(٢) أي الأول وهو الخارج على الإمام العادل عليه‌السلام.

(٣) أي معنى الباغي.

(٤) كما عن الحسن وقتادة ومجاهد.

(٥) وهو الذي دل على أن الباغي هو الخارج ، وعلى أن العادي هو قاطع الطريق ، وهو مرسل البزنطي وضعيف بسهل.

(٦) أي ترجيح قاطع الطريق في تفسير العادي.

(٧) أي الذي يعدو شبعه.

(٨) وهي قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَلٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ) (١).

(٩) إذ الأصل عدم الاثم عند الاضطرار خرجنا عنه في الباغي والعادي لآية الاضطرار.

(١٠) في تخصيص آية الاضطرار للأصل.

(١١) أي فتختص آية الاضطرار بقاطع الطريق الذي هو عاد في الجملة ، لأنه القدر المتيقن من التخصيص.

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ١١٥.


ونقل الطبرسي أنه (١) باغي اللذة ، وعادي سد الجوعة ، أو عاد بالمعصية (٢) أو باغ في الإفراط وعاد في التقصير (٣).

(وإنما يجوز) من تناول المحرم(ما يحفظ الرمق (٤) وهو (٥) بقية الروح والمراد وجوب الاقتصار على حفظ النفس من التلف ، ولا يجوز التجاوز إلى الشبع مع الغنى عنه (٦) ، ولو احتاج إليه (٧) للمشي ، أو العدوّ ، أو إلى التزود منه (٨) لوقت آخر جاز وهو حينئذ من جملة ما يسد الرمق.

وعلى هذا (٩) فيختص خوف المرض السابق (١٠) بما يؤدي إلى التلف ولو

______________________________________________________

(١) أي أن الباغي هو باغي اللذة والعادي عادي سد الجوعة.

(٢) أي أن العادي هو عاد بالمعصية.

(٣) وهو المنقول عن الزجاج.

(٤) المأذون للمضطر عند خوف التلف أن يحفظ الرمق من المحرّمات ، بلا خلاف فيه ، فالتجاوز حرام ، لأن القصد هو حفظ النفس ومع حفظ الرمق تم المطلوب وارتفع الاضطرار فلا مجوّز بعده ، ولذا قالوا : إن الضرورات تقدّر بقدرها ، ولخبر المفضل بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ثم أباحه للمضطر وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك) (١).

ومنه تعرف ضعف ما عن بعض العامة أنه يجوز له الشبع ، نعم لو دعت الضرورة إلى الشبع كما لو احتاج إلى المشي أو العدو المتوقفين على الشبع لجاز ، لأن الدليل المسوّغ لأكل المحرم يتناول هذا المفروض.

(٥) أي الرمق.

(٦) عن الشبع.

(٧) إلى الشبع.

(٨) من المحرّم بحيث لو لم يتزود منه الآن لخاف الهلاك في وقت آخر.

(٩) أي جواز التزود من الحرام في الوقت السابق للوقت اللاحق.

(١٠) صفة للخوف وليس للمرض والمعنى فالخوف السابق من المرض اللاحق الموجب للتلف هو من جملة مصاديق الاضطرار فلا يكون مطلق المرض من مصاديق الاضطرار.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.


ظنا ، لا مطلق المرض ، أو يخصّ هذا (١) بتناوله للغذاء الضروري (٢) ، لا للمرض. وهو (٣) أولى(ولو وجد ميتة وطعام الغير فطعام الغير أولى (٤) إن بذله) مالكه(بغير عوض أو بعوض هو) أي المضطر(قادر عليه) في الحال ، أو في وقت طلبه ، سواء كان بقدر ثمن مثله أم أزيد على ما يقتضيه الإطلاق (٥) وهو (٦) أحد القولين.

______________________________________________________

(١) وهو جواز التزود من الحرام في الوقت السابق للوقت اللاحق.

(٢) الموجب لحفظ النفس ، وليس التزود المذكور للتداوي الرافع للمرض.

(٣) أي التخصيص الثاني.

(٤) لو وجد المضطر ميتة وطعام الغير فلا يخلو إما أن يكون الغير حاضرا أو غائبا ولا ثالث ، فإذا كان غائبا أكل الميتة كما عن المحقق وجماعة لصدق الاضطرار ، ولأن الميتة محرّمة لحق الله تعالى المبني على المساهلة ، ولأن إباحة الميتة منصوص عليها للمضطر مع أن جواز الأكل من مال الغير بغير إذنه اضطرارا اجتهاد ، ولأن الميتة يتعلق بها حق واحد لله تعالى ومال الغير يتعلق به الحقان واشتغال ذمة الآكل بالعوض.

ويحتمل أكل طعام الغير لصدق القدرة على طعام حلال العين فلا ضرورة لأكل الميتة ، مع أن التصرف في مال الغير بغير إذنه فجبر بثبوت عوضه في الذمة ويحتمل التخيير لتعارض الحقين.

وإن كان حاضرا فإن بذل الغير طعامه بلا عوض وجب على المضطر القبول ولا تحل له الميتة لعدم صدق الاضطرار ، ولو بذله بعوض وكان مساويا لثمن المثل أو أدون أو بما يتغابن فيه الناس وجب على المضطر الشراء إن كان معه الثمن ، أو رضي المالك بكونه في الذمة ولا تحل له الميتة لعدم صدق الاضطرار ، ولو بذله بزيادة كثيرة فإن أمكن لصاحب الطعام تحملها وجب عليه الشراء أيضا لعدم صدق الضرورة كما عن المحقق وجماعة ، وعن الشيخ في المبسوط لا يجب بذل الزيادة لأنه مكره على الزيادة فهو مضطر فيجوز له أكل الميتة حينئذ.

ولو بذله بثمن لا يستطيع المضطر دفعه ، سواء كان أزيد من المثل أم لا ، أو لم يبذله أصلا وجب على المضطر دفع صاحب الطعام عن طعامه إن استطاع ولا تجوز له الميتة لعدم الاضطرار ، نعم لو كان عاجزا عن دفع الغير جاز له أكل الميتة لصدق الاضطرار كما هو واضح ، كما أن الدفع الموجب للقتل من مصاديق الاضطرار إلى أكل الميتة.

(٥) أي إطلاق عبارة الماتن.

(٦) أي تقديم طعام الغير ولو كان ثمنه أكثر من ثمن المثل.


وقيل (١) : لا يجب بذل الزائد عن ثمن مثله وان اشتراه به (٢) كراهة للفتنة ، ولأنه (٣) كالمكره على الشراء ، بل له (٤) قتاله لو امتنع من بذله ، ولو قتل (٥) أهدر دمه (٦) ، وكذا (٧) لو تعذّر عليه الثمن.

والأقوى وجوب دفع الزائد مع القدرة (٨) ، لأنه غير مضطر حينئذ (٩) ، والناس مسلطون على أموالهم(وإلا) يكن كذلك بأن لم يبذله مالكه أصلا ، أو بذله بعوض يعجز عنه(أكل الميتة) إن وجدها.

وهل هو (١٠) على سبيل الحتم ، أو التخيير بينه (١١) ، وبين أكل طعام الغير

______________________________________________________

(١) والقائل الشيخ في المبسوط.

(٢) أي بالزائد عن ثمن المثل ، قال الشارح في المسالك : (قال الشيخ في المبسوط إذا امتنع صاحب الطعام من بذله إلا بأزيد من ثمن مثله ، فإن كان المضطر قادرا على قتاله قاتله ، وإن قتل المضطر كان مظلوما مضمونا ، وإن قتل المالك كان هدرا ، وإن لم يكن قادرا على قتاله فتركه حذرا من إراقة الدماء فإن قدر على أن يحتال عليه ويشتريه منه بعقد فاسد حتى لا يلزمه إلا ثمن مثله فعله ، فإن لم يقدر إلا على العقد الصحيح فاشتراه بأكثر من ثمن مثله ، قال قوم : يلزمه الثمن لأنه باختياره بذل ، وقال آخرون : لا يلزمه الزيادة على ثمن المثل لأنه مضطر إلى بذلها وكان كالمكره عليها ، وهو الأقوى عندنا) انتهى.

والحاصل أنه لو اشتراه بعقد صحيح فلا يجب عليه بذل الزائد من ثمن المثل لأنه كالمكره.

(٣) نفس العبارة موجودة في الدروس بدون الواو ، وعليه فيكون تعليلا لعدم وجوب بذل الزائد ، وحذف الواو من نسخ هذا الكتاب هو الأنسب.

(٤) أي للمضطر قتال صاحب الطعام ، وهو عطف على قوله (لا يجب بذل الزائد).

(٥) أي صاحب الطعام الممتنع.

(٦) ولو قتل المضطر كان مظلوما مضمونا.

(٧) من أن للمضطر قتال صاحب الطعام لو تعذر عليه الثمن ولم يبذله المالك إلا بالعوض.

(٨) أي قدرة المضطر على دفع الزائد.

(٩) أي حين القدرة على على دفع الزائد.

(١٠) أي أكل الميتة عند العجز عن دفع العوض أو عند عدم بذل المالك للطعام أصلا.

(١١) بين أكل الميتة.


على تقدير قدرته (١) على قهره (٢) عليه (٣)؟ ظاهر العبارة الأول (٤).

وقيل (٥) : بالثاني (٦) لاشتراكهما (٧) حينئذ في التحريم ، وفي الدروس : إنه مع قدرته على قهر الغير على طعامه بالثمن ، أو بدونه (٨) مع تعذره (٩) لا يجوز له أكل الميتة ، بل يأكل الطعام ويضمنه لمالكه (١٠) ، فإن تعذر عليه قهره (١١) أكل الميتة. وهو حسن ، لأن (١٢) تحريم مال الغير عرضي (١٣) ، بخلاف الميتة (١٤) وقد زال (١٥) بالاضطرار (١٦) فيكون أولى من الميتة.

وقيل (١٧) : إنه (١٨) حينئذ (١٩) لا يضمن الطعام ، للاذن في تناوله (٢٠) شرعا

______________________________________________________

(١) أي قدرة المضطر.

(٢) أي قهر صاحب الطعام.

(٣) على الطعام.

(٤) أي أكل الميتة وليس له إجبار صاحب الطعام عليه.

(٥) ولم يعرف قائله.

(٦) أي بالتخيير بين أكل الميتة وبين إجبار الغير على بذل طعامه.

أي لاشتراك الشقين المخيّر بينهما حين الاضطرار في التحريم ، فيجوز له اختيار أحدهما.

(٧) أي بدون الثمن.

(٨) أي تعذر الثمن على المضطر.

(٩) وهو قول ثالث في المسألة ، وهو أكل مال الغير مع قهره عليه دون أكل الميتة.

(١٠) على المضطر.

(١١) أي قهر صاحب الطعام.

(١٢) تعليل لاستحسان الشارح لقول الدروس من تعيين أكل مال الغير مع قهره عليه.

(١٣) أي بالعرض من باب حق الغير المتعلق به.

(١٤) فتحريمها ذاتي من باب المفسدة الذاتية فيها.

(١٥) أي زال التحريم العرضي لمال الغير.

(١٦) أي بسبب الاضطرار ، إذ يجب على صاحب الطعام بذله حفظا لنفس المضطر من الهلاك.

(١٧) ولم يعرف قائله.

(١٨) أي المضطر.

(١٩) أي حين الاضطرار.

(٢٠) أي تناول مال الغير.


بغير عوض (١).

والأول (٢) أقوى جمعا بين الحقين (٣) وحينئذ (٤) فاللازم مثله أو قيمته (٥) ، وإن كان يجب بذل أزيد (٦) لو سمح به (٧) المالك.

والفرق أن ذلك (٨) كان على وجه المعاوضة الاختيارية وهذا (٩) على وجه اتلاف مال الغير بغير إذنه ، وموجبه (١٠) شرعا هو المثل أو القيمة.

وحيث تباح له (١١) الميتة فميتة المأكول أولى من غيره (١٢) ، ومذبوح ما يقع عليه الذكاة (١٣) أولى منهما (١٤) ، ومذبوح (١٥) الكافر والناصب أولى من الجميع (١٦).

______________________________________________________

(١) وفيه أن الشارع أقره ببذل طعامه حفظا لنفس المضطر عن الهلاك ولم يأمره ببذله لجانا.

فالأقوى أنه يضمن الطعام بعوضه وإن وجب على الغير بذل طعامه جمعا بين الحقين.

(٢) وهو ضمان الطعام.

(٣) بين حق المضطر في الأكل وبين حق المالك في ماله.

(٤) أي وحين الحكم بالضمان.

(٥) بحيث إذا كان الطعام مثليا فعلى المضطر الآكل مثله ، وإلا فقيمته.

(٦) أي بذل الزائد عن ثمن المثل.

(٧) أي بالطعام فيما لو سمح به مع طلب الأزيد من ثمن المثل.

(٨) أي وجوب بذل الأزيد من ثمن المثل لو بذله المالك مع العوض.

(٩) أي أكل مال الغير من دون إذنه عند تعذر العوض.

(١٠) أي لازمه.

(١١) للمضطر.

(١٢) أي غير المأكول ، والمعنى فميتة المأكول أولى من ميتة ما لا يؤكل لحمه ، لأن الأولى محرمة من ناحية واحدة وهي الميتة والثانية محرمة من ناحيتين ، الميتة وما لا يؤكل لحمه.

(١٣) وهو غير مأكول اللحم.

(١٤) من الميتتين ، فمذبوح ما لا يؤكل لحمه مقدم على الميتة ، لنجاسة الميتة دونه ، وأشدية حرمتها كما يعلم من الكتاب حيث تذكر الميتة دائما أولا في آيات التحريم وقد ذكرناها سابقا عند أول فصل الاضطرار.

(١٥) وهو ما يؤكل لحمه.

(١٦) إذ حرمته من ناحية اختلال شرط الذابح خصوصا فيمن اختلف في ذبيحته فمذبوحه ليس بميتة بل هو بحكم الميتة بخلاف المتقدم فإنه إما ميتة وإما غير مأكول اللحم.


(الخامسة عشرة ـ يستحب غسل اليدين (١) معا وإن كان الأكل باحداهما(قبل الطعام وبعده) فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أوله ينفي الفقر وآخره ينفي الهم» ، وقال علي عليه‌السلام : «غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو في البصر» وقال الصادق عليه‌السلام : «من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة ، وعوفي من بلوى جسده» (ومسحهما بالمنديل (٢) ونحوه

______________________________________________________

(١) شروع في آداب المائدة وهي كثيرة.

منها : استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده للأخبار.

منها : خبر أبي عوف البجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الوضوء قبل الطعام وبعده يزيدان في الرزق) (١) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من سرّه أن يكثر خير بيته فليتوضّأ عند حضور طعامه) (٢) ، وخبر الكليني (وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أوله ينفي الفقر وآخره ينفي الهم) (٣) ، وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة ، وعوفي من بلوى في جسده) (٤) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو البصر) (٥) ، وخبر هشام بن سالم عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه ، ومن توضأ قبل الطعام وبعده عاش في سعة من رزقه وعوفي من البلاء في جسده ، وقال هشام : قال لي الصادق عليه‌السلام : والوضوء هاهنا غسل اليدين قبل الطعام وبعده) (٦).

وصريح الخبر الأخير وهو مقتضى الجمع بين الأخبار أن المراد من الوضوء هو غسل اليدين ، والاستحباب لغسل اليدين معا وإن لم يأكل إلا بإحداهما لخبر الخصال في حديث الأربعمائة عن علي عليه‌السلام (غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في الرزق وإماطة الغمر عن الثياب ويجلو البصر) (٧) ، ومثله خبر أبي بصير المتقدم (غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو البصر) (٨) ، والمرسل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اغسلوا أيديكم قبل الطعام وبعده ، فإنه ينفي الفقر ويزيد في العمر) (٩).

ثم إطلاق النصوص يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام مائعا أو جامدا ، وعدم الفرق بين كونه يباشر باليد أو بالآلة.

(٢) يستحب مسح اليدين بالمنديل بعد الغسل من الطعام لا قبله ، بل لا يبعد الحكم بكراهة ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من آداب المائدة حديث ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ١٦.

(٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١٤ و ٦ و ١٠.


(في الغسل الثاني) وهو ما بعد الطعام(دون الأول) فإنه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد.

(والتسمية عند الشروع) في الأكل (١) ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إذا وضعت

______________________________________________________

ـ التمسح بعد الغسل قبل الطعام للأخبار.

منها : خبر مرازم (رأيت أبا الحسن عليه‌السلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل ، وإذا توضأ بعد الطعام مسّ المنديل) (١) ، وخبر محمد بن أحمد عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل فلا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد) (٢).

والمستحب مسهما بالمنديل من أثر ماء الغسل ، لا من أثر الطعام قبل الغسل ، فإن ذلك مكروه ، بل المستحب في أثر الطعام لعق الأصابع للأخبار.

منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أكل أحدكم طعاما فمصّ أصابعه التي أكل بها قال الله عزوجل : بارك الله فيك) (٣) ، وخبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعق أصابعه إذا أكل) (٤).

هذا والمستحب مسح الوجه باليدين بعد الغسل قبل مسحهما بالمنديل لمرفوع إبراهيم بن عقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف ويزيد في الرزق) (٥) ، وخبر المحاسن عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام (أنه يوم قدم المدينة تغدى معه جماعة فلما غسل يديه من الغمر مسح بهما رأسه ووجهه قبل أن يمسحهما بالمنديل وقال : اللهم اجعلني ممن لا يرهق وجهه قتر ولا ذلة) (٦) ، وفي حديث آخر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح وجهك وعينيك قبل أن تمسح بالمنديل وتقول : اللهم إني أسألك المحبة والزينة ، أعوذ بك من المقت والبغضة) (٧).

(١) يستحب التسمية عند الشروع في الأكل للأخبار.

منها : خبر كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الرجل المسلم إذا أراد أن يطعم طعاما فأهوى بيده وقال : بسم الله والحمد لله رب العالمين غفر الله عزوجل له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه) (٨) ومرسل الحسين بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٢ و ٣.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١ و ٣ و ٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أكلت الطعام فقل : بسم الله في أوله وآخره ، فإن العبد إذا سمّى قبل أن يأكل لم يأكل معه الشيطان وإذا لم يسمّ أكل معه الشيطان) (١) ومثلها غيرها وهي دالة على استحباب التسمية عند الأكل ، وفي بعض الأخبار استحباب التسمية عند وضع المائدة كخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا وضعت المائدة حفّها أربعة آلاف ملك ، فإذا قال العبد بسم الله قالت الملائكة : بارك الله عليكم في طعامكم ثم يقولون للشيطان اخرج يا فاسق ، لا سلطان لك عليهم ، فإذا فرغوا فقالوا : الحمد لله ، قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فأدّوا شكر ربهم ، وإذا لم يسمّوا قالت الملائكة للشيطان : ادن يا فاسق فكل معهم ، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا اسم الله عليها قالت الملائكة : قوم أنعم عليهم فنسوا ربهم) (٢) ، وطائفة دلت على استحباب التسمية عند إرادة الأكل من كل آنية كصحيح داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : كيف أسمّي على الطعام؟ فقال عليه‌السلام : إذا اختلفت الآنية فسمّ على كل إناء) (٣) وخبر ابن فرقد الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ضمنت لمن سمّى على طعام أن لا يشتكي منه ، فقال ابن الكوّاء : يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاما سمّيت عليه فآذاني قال : فلعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض يا لكع) (٤).

ولو تكلم في أثناء الطعام أعاد التسمية لخبر مسمع (شكوت ما ألقى من أذى الطعام إلى أبي عبد الله عليه‌السلام إذا أكلت ، فقال : لم تسمّ ، فقلت : إني لأسمّي وإنه ليضرّني فقال : إذا قطعت التسمية بالكلام ثم عدت إلى الطعام تسمّى؟ قلت : لا قال : فمن هاهنا يضرك ، أما إنك لو كنت إذا عدت إلى الطعام سمّيت ما ضرّك) (٥) ، بل يستحب التسمية عند كل لقمة لخبر الأرجاني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال علي عليه‌السلام : ما أتخمت قط لأني ما رفعت لقمة إلى فمي إلا سمّيت) (٦) ، ولو نسي التسمية على الطعام يستحب له أن يقول : بسم الله على أوله وآخره لصحيح داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث التسمية على الطعام (قلت : فإن نسيت أن أسمّي ، قال : تقول بسم الله على أوله وآخره) (٧) ، ومرسل الفقيه (روى أن من نسي أن يسمّى على كل لون فليقل : بسم الله على أوله وآخره) (٨). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المائدة حديث ١ و ٣ و ٢ و ٥.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١ و ٣.


المائدة حفتها أربعة آلاف ملك فإذا قال العبد : بسم الله. قالت الملائكة : بارك الله عليكم في طعامكم ثم يقولون للشيطان : اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم فإذا فرغوا فقالوا : الحمد لله قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فأدوا شكر ربهم. وإذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان : أدن يا فاسق فكل معهم فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا اسم الله عليها قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم جلّ وعزّ».

(ولو تعددت الألوان) ألوان المائدة سمّى(على كل لون) منها روي ذلك عن علي عليه‌السلام ، وواقعته مع ابن الكواء مشهورة ، وروي التسمية على كل اناء على المائدة وإن اتحدت الألوان(ولو نسيها) أي التسمية في الابتداء(تداركها في الأثناء) عند ذكرها ، روي أن الناسي يقول : بسم الله على أوله وآخره(ولو قال) في الابتداء مع تعدد الألوان والأواني : (بسم الله على أوله وآخره أجزأ) عن التسمية عن كل لون وآنية (١) ، وروي إجزاء تسمية واحدة من الحاضرين على المائدة عن الباقين عن الصادق عليه‌السلام رخصة.

(ويستحب الأكل باليمين اختيارا (٢) ، ولا بأس باليسرى مع الاضطرار فعن

______________________________________________________

ـ نعم لو وضعت المائدة وعليها جماعة فسمّى أحدهم أجزأ عن الجميع لصحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا حضرت المائدة فسمّى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين) (١) ، بل من هذه الأخبار المتقدمة وغيرها يستفاد استحباب التحميد عند الفراغ.

(١) لإطلاق خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا وضع الخوان فقل : بسم الله ، فإذا أكلت فقل : بسم الله أوله وآخره ، وإذا رفع فقل : الحمد لله) (٢) ، وخبر جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اذكروا اسم الله على الطعام ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم) (٤).

(٢) الخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع) (٤) ، وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله ولا يتناول بها شيئا) (٥) ، نعم من الخبر الأول يستفاد أنه لو كان هناك مانع من استعمال اليمين فلا كراهة في الشمال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٢ و ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٣ و ١.


الصادق عليه‌السلام «لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع» ، وفي رواية أخرى «لا يأكل بشماله ولا يشرب بها ولا يتناول بها شيئا».

(وبدأة صاحب الطعام) بالأكل لو كان معه غيره(وأن يكون آخر من يأكل) ليأنس القوم ويأكلوا (١) ، روي ذلك من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلّلا بذلك (٢) (ويبدأ) صاحب الطعام إذا أراد غسل أيديهم(في الغسل) الأول بنفسه(ثم بمن عن يمينه) دورا إلى الآخر(وفي) الغسل(الثاني) بعد رفع الطعام يبدأ بمن عن يساره ، ثم يغسل هو أخيرا روي (٣) ذلك عن الصادق عليه‌السلام معلّلا ابتدائه (٤) أولا لئلا يحتشمه أحد ، وتأخيره آخرا بأنّه أولى بالصبر على الغمر (٥) ، وهو بالتحريك ما على اليد من سهك (٦) الطعام وزهمته (٧) ، وفي رواية «أنه يبدأ بعد الفراغ بمن على يمين

______________________________________________________

(١) يستحب لصاحب الطعام أن يبدأ بالأكل وأن يكون آخر من يترك الأكل لخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل مع القوم طعاما كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أتاه الضيف أكل معه ، ولم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف) (٢).

(٢) أي حتى يأكل القوم.

(٣) لما في خبر الكليني قال : (وفي حديث آخر يغسل أولا رب البيت يده ثم يبدئ بمن على يمينه ، فإذا رفع الطعام بدء بمن على يسار صاحب المنزل ويكون آخر من يغسل يده صاحب المنزل ، لأنه أولى بالصبر على الغمر) (٣) ، وخبر محمد بن عجلان ـ كما في المحاسن ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الوضوء قبل الطعام يبدأ صاحب البيت لئلا يحتشم أحد ، فإذا فرغ من الطعام بدئ بمن على يسار صاحب المنزل ، ويكون آخر من يغسل يده صاحب المنزل ، لأنه أولى بالصبر على الغمر) (٤).

نعم ورد في خبر عجلان كما في رواية الكافي نفس الخبر المتقدم إلا أنه قال : (فإذا فرغ من الطعام بدئ بمن على يمين الباب حرا كان أو عبدا) (٥).

(٤) أي ابتداء صاحب المنزل بالغسل أولا.

(٥) أي الغمر.

(٦) أي الريح.

(٧) بالضم الشحم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١ و ٣.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٣ و ٢ و ١.


الباب حرا كان أو عبدا» ، (ويجمع غسالة الأيدي في اناء) واحد لأنه يورث حسن أخلاق الغاسلين ، والمروي (١) عن الصادق عليه‌السلام «اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم» ، ويمكن أن يدل (٢) على ما هو أعم من جمع الغسالة فيه (٣).

(وأن يستلقي بعد الأكل) على ظهره(ويجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى) رواه البزنطي (٤) عن الرضا عليه‌السلام ، ورواية العامة بخلافه (٥) من الخلاف.

(ويكره الأكل متكئا ولو على كفه (٦) ، «لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأكل متكئا منذ

______________________________________________________

(١) كما في خبر عمرو بن ثابت عن أبي عبد الله عليه‌السلام (اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم) (١) ، وخبر الفضل بن يونس (لما تغدي عندي أبو الحسن عليه‌السلام وجي‌ء بالطشت بدئ به وكان في صدر المجلس فقال : ابدأ بمن على يمينك فلما توضأ واحد أراد الغلام أن يرفع الطشت فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : دعها واغسلوا أيديكم فيها) (٢) ، وخبر عبد الرحمن بن أبي داود (تغدينا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتي بالطشت فقال : أما أنتم يا أهل الكوفة فلا تتوضّئون إلا واحدا واحدا ، وأما نحن فلا نرى بأسا أن نتوضأ جماعة ، فتوضأنا جميعا في طشت واحد) (٣).

(٢) أي الخبر المذكور.

(٣) في إناء واحد ، بحيث يدل الخبر على أن غسل الأيدي جميعا في إناء واحد بأن يملأ الإناء ماء فيضع أحدهم يده فيه فيغسلها ثم الثاني وهكذا وهذا لا يدل على صب الماء من إناء على يد أحدهم وجمع ماء الغسالة في إناء آخر كما هو المفهوم من عبارة الماتن ، والذي يدل على الأول بقية الأخبار المتقدمة.

(٤) لخبر البزنطي عن الرضا عليه‌السلام (إذا أكلت فاستلق على قفاك ، وضع رجلك اليمنى على اليسرى) (٤).

(٥) أي وما روته العامة من عكس ذلك بوضع اليسرى على اليمنى فهو من جملة ما خالفوا فيه الحق.

(٦) يكره الأكل متكئا للأخبار :

منها : خبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متكئا منذ ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١ و ٢ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١.


بعثه الله تعالى إلى أن قبضه» ، روي ذلك عن الصادق عليه‌السلام ، (وروى) الفضيل بن يسار عن الصادق عليه‌السلام(عدم كراهة الاتكاء على اليد) في حديث طويل ، آخره «لا والله ما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذا قط» ـ يعني الاتكاء على اليد حالة الأكل ـ وحمل على أنه لم ينه عنه لفظا وإلا فقد روي عنه عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله (١) كما سلف (٢) ، وحمل فعل الصادق عليه‌السلام على بيان جوازه(وكذا يكره التربع حالته) (٣) بل في جميع الأحوال ، «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا

______________________________________________________

ـ بعثه الله إلى أن قبضه تواضعا لله عزوجل) (١) ، وخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأكل متكئا؟ قال : لا ولا منبطحا) (٢) ، وخبر أبي خديجة (سأل بشير الدهان أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال : هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل متكئا على يمينه وعلى يساره؟ فقال : ما أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متكئا على يمينه ولا على شماله ، ولكن كان يجلس جلسة العبد ، قلت : ولم ذاك؟ قال : تواضعا لله عزوجل) (٣) نعم لا بأس بالاتكاء على اليد حال الأكل لخبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (رآني عباد ابن كثيّر البصري وأنا معتمد يدي على الأرض فرفعها فأعدتها ، فقال : يا عبد الله إن هذا المكروه ، فقلت : لا والله ما هو بمكروه) (٤) ، وخبر الفضيل بن يسار (كان عباد البصري عند أبي عبد الله عليه‌السلام يأكل فوضع أبو عبد الله عليه‌السلام يده على الأرض فقال له عباد : أصلحك الله ، أما تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذا؟ فرفع يده فأكل ثم أعادها أيضا ، فقال له أيضا فرفعها ، ثم أكل فأعادها ، فقال له عباد أيضا فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : لا والله ما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذا قط) (٥).

فالقول بكون الاتكاء على اليد مكروه وهذه الرواية بفعل الصادق عليه‌السلام لبيان الجواز ، والمراد أنه لم ينه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك لفظا وإن كان قد تركه فعلا كما عن الشهيد في الدروس ليس في محله ، بل الاعتماد على اليد لا يسمى اتكاء فيكون هذا خارجا تخصصا.

(١) أي لم يفعل الاتكاء ولو على اليد.

(٢) أي كما سلف في الرواية عن الصادق عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأكل متكئا ، وفيه عدم شمول الاتكاء للاعتماد على اليد كما عرفت.

(٣) أي حالة الأكل لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١ و ٤ و ٦.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٤ و ١.


جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضعنّ أحدكم إحدى رجليه على الأخرى ويتربع فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها».

(و) كذا يكره(التملي من المأكل (١) قال الصادق عليه‌السلام : «إن البطن ليطغى من أكلة وأقرب ما يكون العبد من الله تعالى إذا خفّ بطنه ، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه» (وربما كان الإفراط) في التملّي(حراما) إذا أدى إلى الضرر (٢) ، فإن الأكل على الشبع يورث البرص (٣) ، وامتلاء المعدة رأس الداء(والأكل على الشبع (٤) وباليسار (٥) اختيارا(مكروهان) وقد تقدم ، والجمع بين

______________________________________________________

ـ جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضعنّ إحدى رجليه على الأخرى ويتربع ، فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها) (١) ومنه يستفاد كراهة التربع مطلقا.

(١) يكره التملي من الأكل للنبوي (ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه ، فإن كان ولا بدّ فثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك) (٢) ، وخبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام (ما من شي‌ء أبغض إلى الله عزوجل من بطن مملوء) (٣) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن البطن ليطغى من أكلة ، وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خفّ بطنه ، وأبغض ما يكون العبد من الله إذا امتلأ بطنه) (٤) ومثله كثير.

(٢) أي الضرر المحرم.

(٣) كما في خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الأكل على الشبع يورث البرص) (٥).

(٤) أي ويكره الأكل على الشبع كما في خبر ابن سنان المتقدم ، والفرق بين الشبع والتملي أن الشبع هو البلوغ في الأكل إلى حد لا يشتهيه سواء امتلى‌ء منه بطنه أم لا ، والتملي مل‌ء البطن وإن بقيت شهوته للطعام كما كان حال معاوية أنه يمتلئ من الطعام ويقول : ارفعوا عني الطعام فو الله ما شبعت ولكني تعبت ، وقد دعا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدم الشبع(٦).

(٥) أي ويكره الأكل باليسار ، وقد تقدم الدليل عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب آداب المائدة حديث ٣.

(٦) راجع الغدير ج ٨ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥.


كراهة الامتلاء والشبع تأكيد للنهي عن كل منهما بخصوصه في الاخبار (١) ، أو يكون الامتلاء أقوى (٢) ، ومن ثمّ أردفه (٣) بالتحريم على وجه (٤) ، دون الشبع.

ويمكن أن يكون بينهما (٥) عموم وخصوص من وجه بتحقق الشبع خاصة (٦) بانصراف نفسه وشهوته عن الأكل وإن لم يمتلئ بطنه من الطعام ، والامتلاء (٧) دونه (٨) بأن يمتلي بطنه ويبقى له شهوة إليه ، ويجتمعان فيما إذا امتلأ وانصرفت شهوته عن الطعام حينئذ (٩).

هذا (١٠) إذا كان الآكل صحيحا ، أما المريض ونحوه فيمكن انصراف شهوته عن الطعام ولا يصدق عليه أنه حينئذ (١١) شبعان كما لا يخفى ، ويؤيد ما ذكرناه من الفرق (١٢) ما يروى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن معاوية : «لا أشبع الله له بطنا» (١٣) مع أن امتلاءه ممكن وما روي عنه (١٤) «أنه كان يأكل بعد ذلك ما يأكل ثم يقول : ما شبعت ولكن عيّيت» (١٥).

(ويحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات) خمرا (١٦) وغيره

______________________________________________________

(١) بناء على اتحادهما معنى.

(٢) أي أشدّ من الشبع فيكون التملي أعم مطلقا.

(٣) أي أردف المصنف التملي.

(٤) وذلك فيما لو أدى إلى الضرر.

(٥) أي بين الشبع والتملي وهو الصحيح.

(٦) دون التملي.

(٧) أي بتحقق الامتلاء.

(٨) أي دون الشبع.

(٩) أي حين الامتلاء.

(١٠) أي العموم والخصوص من وجه بين الشبع والامتلاء.

(١١) أي حين انصراف شهوته عن الطعام.

(١٢) أي الفرق بين الشبع والامتلاء على نحو العموم والخصوص من وجه.

(١٣) الغدير ج ٨ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(١٤) عن معاوية.

(١٥) الغدير ج ٨ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(١٦) يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر بلا خلاف فيه للأخبار.


(والفقاع) لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر» ، وفي خبر آخر «طائعا» ، وباقي المسكرات بحكمه (١) ، وفي بعض الأخبار

______________________________________________________

ـ منها : صحيح هارون بن الجهم (كنا مع أبي عبد الله عليه‌السلام بالحيرة حين قدم على أبي جعفر المنصور فختن بعض القوّاد ابنا له وضع طعاما ، ودعا الناس ، وكان أبو عبد الله عليه‌السلام فيمن دعا ، فبينما هو على المائدة يأكل ومعه عدة على المائدة فاستسعى رجل منهم فأتي بقدح فيه شراب لهم ، فلما صار القدح في يد الرجل قام أبو عبد الله عليه‌السلام عن المائدة ، فسئل عن قيامه فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر) (١) ، وفي رواية الكليني : (ملعون ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها الخمر). وخبر سليمان بن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر) (٢) ، وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ونهى عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر) (٣).

فخبر الحسين بن زيد وخبر ابن الجهم يدلان على حرمة الجلوس وإن لم يأكل ، وخبر المدائنيّ يدل على حرمة الأكل وإن لم يجلس ، والجمع بينها يقتضي حرمة الجلوس وإن لم يأكل وحرمة الأكل وإن لم يكن جالسا بلا خلاف في ذلك كله ، ثم يحرم الجلوس والأكل على مائدة يشرب عليها المسكر وإن لم يكن خمرا ، لصدق الخمر على كل مسكر على ما تقدم في محله ، ولخصوص موثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو مسكر ، فقال : حرمت المائدة) (٤) من دون خلاف في ذلك كله نعم عدّى العلامة الحكم بالقيام عن مائدة فيها اجتماع على اللهو والفساد ، لأن القيام حينئذ مستلزم للنهي عن المنكر من حيث إنه أعراض عن فاعله وإهانة له فيجب لذلك النهي وفيه أن النهي عن المنكر إنما يجب بشرائط ، ومن جملتها جواز التأثير ، وعليه فالنهي يتقيد بمراتبه المعلومة على التدريج ولا يتقيد بالقيام ، ومنه تعرف ضعف ما عن ابن إدريس في السرائر من عدم جواز الأكل من طعام يعصى الله عليه أو به ، فيجب القيام عنه لأنه نهي عن المنكر.

(١) أي بحكم الخمر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٢ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦٢ ـ أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٣ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.


تسميتها (١) خمرا ، وكذا الفقاع (٢) ، (وباقي المحرمات) حتى غيبة المؤمن على المائدة ونحوها(يمكن إلحاقها بها (٣) كما ذهب إليه العلامة لمشاركتها (٤) لها (٥) في معصية الله تعالى ، ولما في القيام عنها (٦) من النهي عن المنكر. فإنه (٧) يقتضي الاعراض عن فاعله ، وهو (٨) ضرب من النهي الواجب ، وحرّم ابن إدريس الأكل من طعام يعصى الله به أو عليه ، ولا ريب أنه (٩) أحوط (١٠).

وأما النهي بالقيام (١١) فإنما يتم (١٢) مع تجويزه (١٣) التأثير به (١٤) واجتماع باقي الشروط (١٥) ، ووجوبه (١٦) حينئذ (١٧) من هذه الحيثية (١٨) حسن ، إلا أن إثبات الحكم (١٩) مطلقا (٢٠) مشكل إذ لا يتم وجوب الانكار مطلقا(٢١) فلا يحرم

______________________________________________________

(١) أي تسمية المسكرات.

(٢) فقد ورد أنه خمر وقد تقدمت هذه الروايات سابقا.

(٣) بالمسكرات.

(٤) أي مشاركة المحرمات الباقية.

(٥) للمسكرات.

(٦) عن المحرمات الباقية.

(٧) أي القيام عن المحرمات.

(٨) أي الأعراض عن فاعل الحرام.

(٩) أي القيام عن المحرمات الباقية.

(١٠) لأن الاحتياط سبيل النجاة ، وأخوك دينك فاحتط لدينك.

(١١) أي وأما تحقق النهي عن المنكر بالقيام عن مائدة باقي المحرمات.

(١٢) أي يتم تحقق النهي بالقيام.

(١٣) أي تجويز النهي المتحقق بالقيام.

(١٤) بالفاعل.

(١٥) أي باقي شروط وجوب النهي عن المنكر.

(١٦) أي وجوب النهي عن المنكر.

(١٧) أي حين اجتماع باقي الشروط.

(١٨) أي حيثية القيام المؤثر بالفاعل.

(١٩) وهو وجوب القيام عن كل مائدة فيها معصية لله.

(٢٠) وإن لم يؤثر القيام في فاعل المنكر.

(٢١) أي حتى بدون الشرائط.


الأكل (١) مطلقا (٢) ، والحاق غير (٣) المنصوص به قياس.

ولا فرق بين وضع المحرم (٤) ، أو فعله (٥) على المائدة في ابتدائها واستدامتها ، فمتى عرض المحرم في الأثناء وجب القيام حينئذ (٦) كما أنه لو كان ابتداء حرم الجلوس عليها وابتداء الأكل منها.

والأقوى : أن كل واحد من الأكل منها (٧) والجلوس عليها (٨) محرم برأسه وإن انفك عن الآخر.

______________________________________________________

(١) أي الأكل على مائدة فيها باقي المحرمات.

(٢) أي في جميع الأحوال ، إذ لا يتم إلا في صورة كون القيام مؤثرا.

(٣) من باقي المحرمات بالخمر والمسكر كما فعل العلامة قياس لا نقول به.

(٤) أي الخمر والمسكر.

(٥) أي شرب الخمر على المائدة وإن لم يضعها عليها.

(٦) أي حين عروض المحرم.

(٧) من المائدة وإن لم يجلس عليها.

(٨) على المائدة وإن يأكل منها.


الفهرس

(کتاب الغصب)

کتاب الغصب................................................................ ٥

تعرف الغصب............................................................... ٧

أسباب الغصب............................................................. ١٠

الأيدي المتعاقبة.............................................................. ١٨

ضمان الحر................................................................. ٢٠

ضمان الرقيق................................................................ ٢٢

ضمان الخمر................................................................ ٢٣

اجتماع المباشر والسبب....................................................... ٢٤

التسبيب.................................................................... ٢٨

رد الغصوب................................................................. ٣١

ضمان الارض............................................................... ٣٧

لو مثل بالرنيق............................................................... ٤٢

لو زادت قيمة المغصوب...................................................... ٤٥

لو مزج لمغصوب بغبره........................................................ ٤٨

لو اختلفا في القيمة........................................................... ٥٥

(كتاب اللقطة)

كتاب اللقطة................................................................ ٦٠

الفصل الأول : اللقيط........................................................ ٦٤

شروط اللقيط............................................................... ٦٥

شروط الملتقط............................................................... ٦٩

وظيفة الملتقط............................................................... ٧٥


لو اختلف الملتقط واللقيط في الانفاق........................................... ٨٣

لو تشاح ملتقطان............................................................ ٨٤

الفصل الثاني : لقطة الحيوان................................................... ٨٩

البعير وشبهه................................................................ ٩١

الشاة في الفلاة.............................................................. ٩٣

الشاة في العمران............................................................. ٩٨

الإنفاق على الضالة........................................................ ١٠٣

الفصل الثالث : لقطة المال.................................................. ١٠٥

لقطة الحرم................................................................. ١٠٦

في الضمان................................................................ ١٠٧

تعريف اللقطة.............................................................. ١١١

ضمان الزيادة.............................................................. ١١٥

كراهة الالتقاط............................................................ ١٢٥

الإشهاد على اللقطة........................................................ ١٢٩

معنى التعريف.............................................................. ١٣١

اللقطة أمانة خلال الحول.................................................... ١٣٣

التقاط العبد............................................................... ١٣٤

البينة على الدفع........................................................... ١٣٦

الموجود في المفازة............................................................ ١٤١

الموجود في جوف الحيوان.................................................... ١٤٤

الموجود في صندوق......................................................... ١٤٧

نية التملك................................................................ ١٤٨

(كتاب إحياء الموات)

إحياء الموات............................................................... ١٥١

تعريف الموات.............................................................. ١٥٣

حكم الموات............................................................... ١٥٥

الأرض المفتوحة عنوة........................................................ ١٦١


شروط الإحباء............................................................. ١٦٥

تحديد الحريم............................................................... ١٧١

المعتبر في الإحيا............................................................ ١٧٥

القول في المشتركات......................................................... ١٧٩

المسجد................................................................... ١٧٩

المدرسة والرباط............................................................. ١٨٦

الطرق.................................................................... ١٨٩

المياه المباحة................................................................ ١٩٤

المعادن.................................................................... ١٩٨

(كتاب الصيد والذباحة)

الصيد والذباحة............................................................ ٢٠٥

آلة الصيد الحيوانية......................................................... ٢٠٧

التسمية................................................................... ٢١٢

إسلام المرسل.............................................................. ٢١٧

استقرار الحياة.............................................................. ٢١٨

آلة الصيد الجمادية......................................................... ٢٢٠

إسلام الرامي.............................................................. ٢٢٣

الذباحة................................................................... ٢٢٦

شروط الذباحة............................................................. ٢٢٧

الواجب في الذبيحة......................................................... ٢٣٥

سنن الذباحة.............................................................. ٢٥١

التذكية................................................................... ٢٥٧

اللواحق ـ ذكاة السمك...................................................... ٢٦٣

ذكاة الجراد................................................................ ٢٧١

ذكاة الجنين................................................................ ٢٧٢

ما يثبت في آلة الصيد...................................................... ٢٧٨

لا يملك الصيد المقصوص................................................... ٢٨٣


(كتاب الإطعمة والإشربة)

الأطعمة والأشربة........................................................... ٢٨٥

حيوان البحر............................................................... ٢٨٧

حيوان البر................................................................. ٢٩٣

الطير..................................................................... ٢٩٩

الجلال من الحيوان.......................................................... ٣١٦

موطوه الإنسان............................................................. ٣٢٣

حرمة الميتة................................................................. ٣٢٧

المحلل من الذبيحة.......................................................... ٣٢٧

المحرم من الذبيحة........................................................... ٣٣٥

تناول الأعيان النجسة...................................................... ٣٤١

حرمة الطين............................................................... ٣٤٨

حرمة السم................................................................ ٣٥١

حرمة الدم................................................................. ٣٥٢

المانع النجس.............................................................. ٣٥٤

لبن الحيوان................................................................ ٣٥٧

اللحم المجهول ذكاته........................................................ ٣٥٨

شعر الخنزير............................................................... ٣٦٠

حرمة مال الغير............................................................ ٣٦٢

انقلاب الخمر خلاً......................................................... ٣٧١

حالة الاضطرار............................................................. ٣٧٣

مستحبات الأكل.......................................................... ٣٨٥

مائدة الخمر............................................................... ٣٩٣

الزبدة الفقهيّة

المؤلف:
الصفحات: 400