

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدِّمة
المركز
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة
والسلام على خير خلقه وسيّد رُسُله نبيّنا محمّد المصطفى وعلى آله الطيبين
الطاهرين.
وبعد فإنّ الكتاب والسُنّة النبويّة
مشحونان بالأمر بتوحيد الصف والكلمة والاعتصام بحبل الله ، وكذا بالنبي 6 عند
التنازع والتشاجر والتفرّق.
لقد أوضح النبي 6 المحجة
وبيّن الطريق الصحيح ودلّ على ما فيه الخير والفلاح ، وما أن رُزئت الاُمّة بفقده
حتى اختلفت آراؤها وظهرت الفرق والمذاهب ، وآل أمرها إلى ما آل إليه ، إلى يومنا
هذا..
فقام أئمة الدين والعلماء المصلحون
بدورهم في حفظ الإسلام من تحريف المضلّين ، وبإرشاد المسلمين وهدايتهم إلى الصراط
المستقيم الذي شاء الله ورسوله أن تسير الاُمّة عليه ، كي تفوز بالصّلاح والنجاح
في الدارين.
فألّفوا الكتب ، وعقدوا المطارحات
الفكرية والمناظرات العلميّة ، للكشف عن نقاط الضعف والقوة في تلك الآراء
المتضاربة ، (
) ( الانفال ٨
: ٤٢ ).
وكانت المحنة التي تعرّض لها آل الرسول
وأتباعهم عظيمة فقد جهد مناوئوهم ـ منذ اليوم الأول ـ على محاربتهم بشتّى فنون
المحاربة ، قاصدين إبادتهم أبداً ، وليس إخماد صوتهم إلى حين وحسب ، فقاتلوهم
قتالاً صريحاً لم يشهد له تاريخ الفتن في عالم الإسلام نظيراً ، فسفكوا دماءً لم
يسفك مثلها في كلِّ الفتوحات ، حتى ذهب سيّد أصحاب رسول الله وسيّد أهل بيته ، وأخوه
ووصيّه من بعده ، غيلةً ، وكذا ابنه الحسن السبط ، وكادوا يقضون عليهم في واقعة
كربلاء .. وهكذا تفشّى القتل والتشريد بذريّة النبي 6 وشيعتهم
عبر القرون المتمادية.
ولمّا لم يكن هذا النوع من المحاربة
كافياً في تحقيق أهداف الملوك سلكوا سبيل حرب العقائد ، وكان المنهج في هذه الحرب
أن يقذف أتباع أهل البيت : بجريمة الابتداع في الدين والانحراف عن سنن سيّد
المرسلين.
ومازال هذا المنهج قائماً حتى اليوم .. فقد
رأينا ـ وللأسف الشديد ـ كثيراً من الدراسات والكتب لا تؤلَّف إلاّ لغرض نشر
الافتراءات وبثّ الأكاذيب ، ورأينا كثيراً من الكتّاب الذين يتناولون دراسة الفرق
والمذاهب وخاصة مذهب أهل البيت : ينطلقون من منطلقٍ غير علمي ومن دوافع غير نزيهة
، تحكمها عقد الماضي وأحابيل السياسة المناهضة لآل الرسول تأريخياً ، وتتحكم في
توجهاتها ومسارها وكتاباتها مقولات لا تقوم على أساس سليم وبالأخص آراء الوهابية
المخالفة لإجماع المسلمين.
وقد وصل الأمر إلى أن تتصدى بعض
الدراسات الجامعية لإظهار ما عليه مذهب أهل البيت : من آراء ومعتقدات بصورة مشوّهة
ومزيّفة ، تدعمها الوهابيّة المناهضة لجميع الفرق الإسلامية ، مع أنَّ تلك الآراء
والمعتقدات في أكثرها مشتركة بين عموم المسلمين ، كمسألة الشفاعة ، وزيارة قبور
النبي 6 والأئمة : والصالحين ... ونحوحوحو ذلك
من العقائد الحقّة ، فالمقصود مما تنشره الوهابيّة ـ وإن كان في الظاهر بعناوين
تتعلّق بالشيعة والتشيّع ـ إنّما هو عقائد الإسلام ومتبنياته ومقدساته ورموزه ..
وبعد ، فإنّ ما تقول به الشيعة الإمامية
الاثنا عشرية ثابت في كتب الفريقين ، عدا مسألة النصّ على الخليفة بعد النبيّ 6 ،
فإنّهم يتّجهون إلى الايمان به ، ويسوقونون مئات الروايات على ثبوته وإثباته ، مستندين
إلى ما ورد في صحاح العامّة ومسانيدهم ومجاميعهم الحديثية ، وبالطرق المعتبرة
لديهم ، فضلاً عن أدلة العقول.
وهذا الكتاب ـ الذي بين يديك ـ يتكفّل
بتوضيح واقع الأمر في أهم ما يثيره أُولئك المنحرفون عن وجه الإسلام الأصيل من
شبهات وأكاذيب ، ويتابعهم في اُمّهات المصادر وأعماق التاريخ ، حتى لا يترك لهم
منفذاً إلاّ أوصده ، ولا أملاً إلاّ بتره ، محققاً أهداف ( مركز الرسالة ) في
حماية الرسالة الإسلامية والذبّ عنها ، والله من وراء القصد وهو المسدّد إلى سواء
السبيل.
مركز
مقدِّمة الكتاب :
الحَمْدُ
لله ربِّ العالَمِينَ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى نبيِّ الهُدَى وإمَامِ
المُتَّقينَ مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرين وأصحَابِهم المُخْلِصِينَ ، وَمَن
اتّبعَهُم بإحْسَانٍ إلى قيامِ يَومِ الدِّينِ.
وبعد ..
إن ما يزعمه أعداء أهل البيت : على أتباعهم مفتريات وأوهام وشبهاتات
كثيرة امعاناً في محاربتهم وتبريراً للواقع التاريخي الذي اقصى الذرية الطاهرة عن
المرجعية السياسية في المجتمع الإسلامي. وقد كان من أشد الأسلحة وأكثرها تأثيراً
في ترويج الباطل سلاح الدعاية والاعلام الكاذب الذي استخدمته السلطات الغاشمة عبر
التاريخ وتزعمته أخيراً فرقة الوهابية البغيضة ، حتى بلغ من تطرفهم تكفير سائر أهل
الإسلام ، ويكفي ان بلغت ردود الاُمّة الإسلامية بجميع مذاهبها المعروفة أكثر من
ثلاثمائة وخمسين رداً عليهم كما في معجم مؤلفات الاُمّة الإسلامية في الرد على
الفرقة الوهابية.
ومن هنا سوف نتناول في هذه الدراسة أهم
ما يتصل من تلك الشبهات والاكاذيب بالفكر والعقيدة وذلك في مدخل وثلاثة فصول.
أما المدخل فسننطلق فيه من خطبة لأمير
المؤمنين 7 لكي نكشف من
خلالهاها الابعاد التاريخية العقيدية والفكرية التي انطوت وراء كلمات أمير
المؤمنين 7 في تلك
الخطبة العصماء.
ثم نتناول في الفصل الأول
: الإمامة والخلافة وقضية النص وتواتره على
تعيين الخليفة ، وما
أُثير في هذه القضية من إشكالات ونوّزع ذلك على أربعة مباحث.
نعرض في المبحث الأول
قضية النصّ والمنهج النبوي في ذلك ، ثم نناقش في المبحث الثاني
ثبوت تواتر النصّ على الأئمة من أهل البيت :
بعد أميرير المؤمنين الإمام عليّ 7
، ونتناول في المبحث
الثالث الاشكالات المثارة فيفي هذا الصدد ، وأخيراً
نعرض في المبحث
الرابع ما وقع فيه القوم من تهافت واضطراب في
مثل هذه القضية الخطيرة في تاريخ الإسلام والمسلمين.
أما الفصل الثاني
فخصصناه لمناقشة الافتراءات والأكاذيب التي اطلقت على الشيعة الإمامية في الفكر
والعقيدة ، وقد اشتمل على مبحثين تناولنا في المبحث الأول سلامة القرآن من التحريف
، الذي هو معتقد الإمامية وعليه إطباق واجماع العلماء المحققين منهم ونناقش ما
أُفتري على الشيعة الإمامية في هذا المجال.
وفي المبحث الثاني
، ناقشنا مسألة البداء وما رافقها من افتراءات على الشيعة وبيان أصول البداء
وفلسفته عند الشيعة الإمامية بالقدر الذي تسمح به صفحات هذه الدراسة ، ولأهمية
البحث عن تاريخ السُنّة النبوية المطهّرة ، لا سيّما من جهة تعرضها إلى المواقف
الشاذة في الصدر الأول من تاريخ الإسلام ، كالمنع من تدوينها ، وإتلاف ما جمع منها
، والنتائج الخطيرة التي ترتبت على ذلك بالنسبة إلى الفكر الإسلامي وعقائد
المسلمين. لذا ارتأينا أن نبحث ذلك كلّه في الفصل الثالث
والأخير من فصول هذا البحث وبشكل مركز ومختصر تحت عنوان : لمحات عن تاريخ
السُنّة النبوية المشرفة ، آملين أن
تكون هذه الدراسة منطلقاً لفهم الكثير من الحقائق على أساس علمي ، والله الموفق
للصواب.
المدخل :
نستهل البحث بخطبةٍ لأمير المؤمنين 7 لنهتدي بها في معالجةجة مالابدّ من
ذكره في هذا المدخل :
خطبة لأمير المؤمنين
7 حول بدء وقوع الفتن :
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 : « ألاَ إنّ أخوف ما أخافاف عليكم خلّتان : اتّباع
الهوى ، وطول الأمل.
أمّا
اتّباع الهوى فيصدُّ عن الحق ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة.
ألاَ
إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة ، وأنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة ، ولكلِّ واحدةٍ بنون ،
فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإنّ اليوم عمل ولا حساب ،
وأنّ غداً حساب ولا عمل.
وإنّما
بَدْءُ وقوع الفتن من أهواء تُتَّبع ، وأحكام تُبتدع يُخالَفُ فيها حكم الله ، يتولى
فيها رجالٌ رجالاً. ألاَ أنّ الحقّ لو خَلَصَ لم يكن اختلاف ، ولو أنّ الباطل
خَلَصَ لم يُخف على ذيحجى ؛ لكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ، فيمزجان فيجللان
معاً ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ...
».
أشهر مصادر الخطبة :
هذه الخُطبَةُ من مشهورات خُطَبِ أمير
المؤمنين الإمام عليّ 7
،
وهي طويلة ، اكتفينا
بإيراد بعضها لموضع حاجة البحث ، وقد أوردها العامّة والشيعة ، وممن أخرجها ـ كلاً
أو بعضاً ـ عن الإمام عليّ 7
:
١ ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( ت
٢٧٤ وقيل : ٢٨٠ ه ) .
٢ ـ الكاتب العباسي ابن واضح اليعقوبي
(ت ٢٨٤ ه ) .
٣ ـ ثقة الإسلام ، أبو جعفر محمّد بن
يعقوب الكليني (ت ٣٢٩ ه ) في أصول الكافي وروضته ، وقد نقلناها عن الكليني بصفته أوثق
الناس في الحديث وأثبتهم عند الشيعة الإمامية
، وبصفته الاُخرى مجدداً على رأس المائة الثالثة من الهجرة بشهادة علماء العامّة ،
فقد ذكره المبارك محمّد بن الأثير من مجددي المائة الثالثة ، واطراه آخرون .
__________________
٤ ـ أبو حيان التوحيدي ( ت ٤٠٠ ه ) .
٥ ـ السيد الشريف الرضي ( ت ٤٠٤ ه ) في
ما جمعه من خُطَبِ وكلمات الإمام عليّ 7
في نهج البلاغة .
٦ ـ سعيد بن هبة الله الشهير بالقطب
الراوندي ( ت ٥٧٣ ه ) .
٧ ـ ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ( ت
٦٥٦ ه ) .
إضاءات حول الخطبة :
وسوف ننطلق من أجواء هذه الخُطبَة
الشّريفة ـ التي عيّنت داء المسلمين وشخصت لهم الدّواء ـ لبحث ما يمس واقع عقائدهم
وأحكامهم في الصّميم ، عسى أن تكون في ذلك عبرة لمعتبر ، وذكرى لذوي الألباب ، من
الذين يسعون إلى معرفة الحقِّ ، ولا يَخشونَ في الله لومة لائم ، فنقول :
إنّ تاريخ الأديان السّماويّة دلَّ على
بعثة الله تعالى ـ بين حين وآخر ـ نبياً مبشِّراً ومنذراً وهادياً إلى صراط مستقيم
، حتى إذا ما عبثت يد الهوى بما جاء به من الحقِّ ، أو أشرفت دعوته النّاسَ إلى
الحقِّ على انتهاء أمدها المقدر في حكمة الله عز وجل ، قفّى عليه الله تعالى
بنبيٍّ آخر يدعو إلى ما دعا إليه الأنبياء والمرسلون :
قبله.
__________________
وهكذا سار موكب النور قروناً موغلة في
القِدَمِ ، يبلّغ رسالاتِ ربِّه ، وكلّ شعاع منه أضاء لقوم في زمنٍ محدودٍ. حتى
إذا ما بلغ الظلامُ أشدّه والجهلُ منتهاه ، واتّخذَ النّاسُ أرباباً من دون الله ،
وسجدوا سفاهةً لكلِّ حجر ومدر !! بُعث خاتم الأنبياء والمرسلين أبو القاسم محمّد 6 مُبشراً ، ومُنذراً ، وهادياً مهدياً ،
وداعياً إلى صراطٍ مستقيمٍ ، ومنقذاً للناس كافة (
ومَا
أرسَلنَاكَ إلاّ رَحمَةً للعَالَمِين
) ، فلا نبي ولا رسول بعد ( رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيينَ
) ، ولا يقبل غير دينه العظيم ( ومن يَبتَغِ غَيرَ الإسلام دِيناً فَلَن
يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرةِ مِنَ الخَاسِرِينَ
) .
ولا يخفى على أحدٍ أنَّ للمسلمين تجاه
هذا الدين القويم مذاهبَ ومشاربَ شتّى ، وطبقاً لحديث ( الفرقة النّاجية ) فإنَّ جميعها ـ من غير هذه ( الفرقة )
ـ لا يعبر عن واقع الدين ، لاستحالة ترسمها جميعاً محض الحقِّ ، لِمَا اشتملت عليه
من تناقضات لا يُتعقَّل كونها من الدين الخاتم.
والدينُ متى ما أدخل فيه ما ليس منه ، أو
أُخرج عنه ما هو منه بفتنة عمياء ، لم يكن ديناً ملبياً لحاجاتِ الإنسان ، ولا
مخاطباً لعقلهِ وسموّ تفكيره ؛ لأنَّه دين اختلط فيه السليم بالسقيم الّذي هو من
صنع أهل البدع والأهواء.
وأمّا الدين الحقّ الذي لم تكن فيه لأهل
البدع والأهواء يدٌ ، فلاشكَّ
__________________
ولا شُبهة في كونه
دينَ أهل بيتِ النبيِّ 6
؛ لأنه من صُنع الله المُتقَنِ ، وتبليغِ الصادق المؤتَمَن 6 ؛ ولأنّهم : عيبةُ علمهِ 6 ، ومعدنُ حكمتهِ ، وفي المثل السائر : « اهل البيت ادرى
بالذي فيه ».
وإذا عُدنا إلى دين أهل البيت : ـ الّذي هو الدين الحق الذي أمر الله تعالى
به ـ وجدنا أجزاءه مرتبطةً برباطٍ وثيقٍ محكمٍ ، يشتملُ على سلسلة من المعارف
العقائدية أوّلها المبدأ وما يتصل به ، وآخرها المعاد. ثم هناك العبادات
والمعاملات التي أُخذِت من طريق الوحي والنبوّة الثابت صدقها بالبرهان.
والمجموعة التي أخبر بها الصادق صادقة ،
واتّباعها اتّباع للعلم ؛ لأنّ المفروض العلم بصدق مخبرها.
ولقد أوجب أتباع أهل البيت : على أنفسهم أن لا يقبلوا من سلسلة
المعارف تلك حلقة واحدة من غير تدبّر ونظر في المنقول والمعقول فيها ، وسيرتهم
معروفة بذلك ، ولهذا كانوا من أكثر المسلمين قاطبة تأليفاً في العقائد . ولهم في تطبيق الأحكام الشرعية تقليد
الفقيه الأعلم
__________________
حتى مع فرض الاكتفاء
في مقام الفتوى بالإجمال الشرعي لو لم يتم العثور على دليل الحكم تفصيلاً.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ أتباع
أهل البيت : هم الشيعة الإمامية
الاثنا عشرية دون سائر المسلمين ، ويدلّ على ذلك احتفاظهم بتراث أهل البيت : ، ولولاهم لما وَجدتَ من هذا التراث
إلاّ القليل النّادر الّذي لا يفي ـ مع فرض سلامته من الدسّ والتزوير على أهل
البيت : ـ بتغطية
الاستدلال في العقائد والأحكام. ولهم على وجوب الاقتداء بأهل البيت : والتمسك بهم عشرات الأدلَّةِ التي
يشاركهم في نقلها جميعيع المسلمين ، وليس هنا محل تفصيلها ، ولو لم يكن منها إلاّ
( حديث الثقلين ) لكفى. ولكنّ شحة النفوس وخشونة طبعها تجرأت على النبي الأعظم 6 ، فأساءت إلى مقامه الشامخ في أهل بيته
قُبيل وبُعيد وفاتهته حتى منع 6
في ساعاته الأخيرة من تأكيد وصيته بهم :
، فودّعوه بأغلظ الألفاظ حتى قال 6
كما في صحاح القوم : «
قوموا عني » !
إنّهم أدركوا القصد جيّداً من : « إئتوني بدواةٍ »
في ذلك
الحين ،
__________________
وهكذا لم يلبث الدين
أن اصْطَبَغَ بغير صبغته ، أو كما يقول الكاتب المصريّ الشافعيّ المعروف ( عبد الفتاح
عبد المقصود ) عن أحداث السقيفة المروّعة التي مني بها الإسلام والمسلمون فيما بعد
: « كفاها خطورة أنْ غيّرت اتّجاه تاريخ الإسلام ، أو لوّنت صورته السياسية بغير
ما كان ينبغي ، أو ـ بأرفق تعبير ـ بغير ما كان يُظن أن تكون الصورة ، وتكون الألوان»
!.
وكيف لا ، وقد اُخرج عن الدين ما كان من
لبّه ، واُدخل فيه ما ليس هو منه ، وسار الخلف على ما رسم السلف إلى اليوم ، فترى
ـ وتلك هي المأساة الكبرى ـ بعض الناس يدعو باسم الدين إلى هدفٍ ليس من أهدافه ، وأدبٍ
غير أدبه ، وحكمٍ غير حكمه ، حتى عاد المنكر معروفاً يُتعصب له ؛ لموافقته هواهم
وشهوات أنفسهم ، والمعروف منكراً ليس له حامٍ يحميه ولا واقٍ يقيه ، وعاد الدين
غريباً كما كان ؛ لِمَا نشاهده من مفترياتٍ عليه باسمه. وهكذا كان بفضل اجتهاد من
اجتهد في إبعاد الحق عن أهله أن انهدمت ـ عبر اختلاف الرأي بتعاقب القرون ـ الوحدة
الدينيّة ، وبدت الفرقة ، ونفدت القوّة ، وذهبت الشوكة !
والأنكى من كلِّ ذلك ، أنَّك إذا ما
أوقفت طلاّب الحقّ والحقيقة على موطن الداء ، رجع بعضهم إلى مقولة السفهاء : ( رافضي
خبيث يسبّ الصحابة ) وسرعان ما يبرر تلك الموبقات على أساس من الاجتهاد ، وأنّ
لكلِّ مجتهدٍ أن يجتهد ولو في منع النبي الأعظم 6
من كتابة الكتاب
__________________
الذي لن تَضِلّ
الاُمّة فيما لو تمسكت به بعده
، وله أن يجتهد في إبعاد وصيّه
وباب علمه
، وله أيضاً أن يغضب بضعة المختار ، ويهدد من في الدار بالحرق بالنار وإنْ كانت فيها من يغضب الله لغضبها
ويرضى لرضاها
الطريد ، وطرد القريب
، ومصاهرة أعداء الله ورسوله ، والتفريط بحدود الله بإسقاطها وجلد الشهود العدول ، وصرف الخمس في الأقارب دون القربى ، ومنع المتعتين ، وإسقاط حي على خير العمل ، وحرق
__________________
الحديث والمنع من
تدوينه
والتطليق بغير السُنّة ، وإبداع العول والتعصيب ، ورضاعة الكبير ولو كان ذا لحية
وشهد بدراً كما سيوافيك ! والتلاعب بمقدرات الاُمّة بتولية الفساق على بيوت الأموال
بعد طرد الاُمناء الأبدال ، وتمهيد السبيل أمام الشجرة الملعونة ، وقطع الطريق أمام الآمرين بالمعروف
والناهين عن المنكر بإبعادهم إلى الربذة
!! بل وله أن يجتهد فيشرِّع كصلاة الضحى المبتدعة ، ولستُ أدري ما الذي أوجب على
من ابتدعها مدحها بقوله : « نِعْمَتِ البدعَةُ هي » !!.
ومن هنا ينبغي على طالب الحقيقة أن يعلم
أنَّ الامام علي 7
قد ألمح في خُطبَتِهِ الشريفة المتقدمة إلى كل هذا ، وذلك بإشارته إلى أنّ مبدأ
الباطل في تاريخنا الإسلامي إنّما كان هوىً يُتّبع ، وَبِدَعاً يُخالَفُ فيها كتاب
الله تعالى وسنة رسوله الكريم 6
، مع خلط ذلك بشيء من الحق لكي ينطلي على الأتباع والمؤيدين كما نلحظه في واقع
المسلمين ، حتى لكأنه 7
كان ينظر إلى هذا الواقع من ستر رقيق !
ولا شك أنَّ المتمسكين اليوم بحبل
الباطل ، لم يتعمدوا ذلك ؛ لأنّ كلَّ باطلٍ وَكَذِبٍ مالم يكن فيه شيء من الحقِّ
والصدق لم يقبله عاقلٌ ، كما أنَّ كلَّ مزيّفٍ فاسدٍ وكاسدٍ ما لم يكن بنقدٍ رائج
لم يُصِر رائجاً في سوق ذوي الأبصار ، فالباطل الصرف لا يقع في توهُّم ذي حجى إلاّ
إذا اقترن بالحقّ أو
__________________
شِبهِهِ ، وكذلك
الكَذِبُ المَحْضُ مما لا يصدّق به ذو عقلٍ إلاّ إذا امتزج بالصدق واستتر فيه.
ومن هنا أشار الإمام عليّ 7 إلى أنّه لو خَلَصَ الباطلُ عن لَبْسِ
الحقِّقِّ لم يشتبه على عاقل ، ولو تجرد الحقُّ عن مخالطة الباطل لما وُجد اختلاف ،
ولم يكن للشيطان الرجيم سبيلٌ إلى إيقاع الفتنة ، ولأذعن الكلُّ إلى الحقِّ بعد
خُلُوصه من مزج الباطل إلاّ من غوى وعلا في الأرض واستكبر وركب رأسه عناداً
وصلفاً.
ثمّ اعْلَمْ ـ أخي المسلم ـ أنَّ أمير
المؤمنين 7 أشار إلى
حقيقةٍ ثابتةٍ ، وسنّة لن تجد لها تبديلاً ، وهي أنَّ الدنيا دارُ اشتباكٍ بين
النّورِ والظُّلمَةِ ، وامتزاجٍ بين الحقّ والباطل ، وأخْذٍ للأقوالِ من الأولياءِ
والأشقياءِ.
وهذا هو عين الواقع الذي يعيشه كثير من
المسلمين ، فكم تراهم يأخذون بضغث من أقوال الأولياء الناهجين سُبُلَ الهُدى ، وبضغثٍ
آخر من أقوال المضلِّين أرباب الهوى ، حتى اذا ما امتزج الضغثان استولى على
أوليائه الشيطان.
وأمّا من عَلِمَ أنَّ البيوتَ لا تؤتى
إلاّ من أبوابها ، واقتصر على السليم دون السقيم ، فلا شكّ أنّه سبقت له العناية
بالحسنى وهو مبعدٌ عن شراك الشيطان.
ترى فهل يدرك اليوم من يدعو الناس
بإخلاص إلى معرفة الحق ـ ويزعم أنه ساعٍ إليه بكليّته وكما يجب لاستفراغ ما في
ذمته ـ أنّ المذاهب التي يفتتن بها الناسُ اليومَ هي من خَلْطِ هذين الضغثين ، ولو
محّصت أكثرها لوجدتها نداً للثقل الأصغر ، ونصيراً للشيطان ، وان
أخَذَتْ عن الأول
ضغثاً فقد أَخَذَتْ عن الآخر أضغاثاً ، ثم صُدَّ التّابع عن استعلام حال المتبوع
وحقيقته على طبق مشيئة وإرادة السياسات المتعاقبة في صياغة النظرية السياسية في الإسلام.
حتى صار التابع اليوم على استعدادٍ كافٍ لتقبل الجهل ، وتمرنٍ عجيبٍ على اتّباع
الهوى ، وزهدٍ في تحقيق الاُمور على وجوهها ، وبعدٍ عن أهل بيت نبيّه 6 ؛ تقليداًداً منه للأسلاف ، ومحبةً
ورغبةً لاتّباع ما ألِفَهُ الآباءُ والاجدادُ !
ثم يجب أن يُعلم أنَّ قصد أمير المؤمنين
7 بهذهِ
الخُطبَةِ العظيمة ، لملم يكن الا شكاية منه 7
عما آلَ إليه أمر هذا الدين في عصره ، إذ يرى أغلبَبَ الناس من أبناء الدنيا قد
تركوا الدخول بسفينة النجاة واعتصموا بمن لا عاصم له من الغرق ، ولو أنّهم اقتدوا
بربّان تلك السفينة لحملهم على المحجة الواضحة كما قاله عمر ، ولو تمسكوا به
لاستمسكوا بالعروة الوثقى في دينهم وانفسهم كما قاله الرازي في تفسيره لكنهم ـ والحديث ذو شجون ـ تركوا الهادي
بُعيد وفاة المنذر !! وكأنهم لم يسمعوا قوله 6
: « أنا
المنذر وعليّ الهادي ، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون من بعدي »
وقوله : « اللّهم أدِرِ الْحَقَّ
مع عليّ حيث دار » فتركوا الفارق بين الحق والباطل بحيث
لا اشتباه عنده بينهما قط لوضوحهما لديه ، كوضوح الشمس وهي في رائعة النهار عن
ظلمة الليل الحالك البهيم الاَلْيَل ، كما يدلك قوله 7
: « عَزَبَ
رَأْيُ امْرِىءٍ تَخَلَّفَفَ
__________________
نعم .. إنّها شكاية من اُولئك الذين
بخبخوا له بالأمس القريب
، و أنصارهم وأعوانهم الذين قال فيهم 7
: « احتجوا
بالشجرة وأضاعوا الثمرة » بأعينهم ، وراقهم زِبْرِجُهَا ، وقد
علموا ـ وأيمُ الله ـ محلَّه منها كمحل القُطب من الرَّحَا ، مما صار ذلك سببا
لوقوع الفتن حيث ابتدأت بأهواء اتّبعت ، وأحكام ابتُدِعَت مع ما ضُمّ إليها في
العاجل والآجل من متخيلات الأوهام ، ومخترعات الأفهام ، حتى حُمِلتِ النصوص على
غير وجوهها.
فترى أحدهم إذا ما مرّ بقوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبِّها
نَاظِرَةٌ )
ذهب إليه
قومُ موسى 7 ؛ لِمَا في
تراثهم من أضغاث الباطل كما فيفي كَذِبِهِمِ على النبيَّ بأنّه 6 رأى ربَّه بصورةِ شابٍ أمرد !!
وليتهم تأملوا قوله تعالى : ( مَا كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى
) اُسنِدت إلى الفؤاد ، لكنَّ العقولَ
القاصرة ، والأفهام المبتسرة لم تقف على حقيقة الحال ، ومن أمارة قلَّةِ تدبرهم أنَّ
الرؤية في الآية السابقة قد
__________________
أُسنِدت إلى الوجوه ،
لا إلى العيون ولا إلى الأبصار المنفيّة بآية صريحة اُخرى ، كما أنَّ الآية
الكريمة وما بعدها تتحدثان عن صنفين من الناس يوم القيامة :
صنف فرح مسرور ينتظر رحمة الله تعالى ، وهم
المؤمنون ، وصنف آخر ينتظر العذاب المهين ، وهم ممن استحق العذاب. ألا ترى قوله
تعالى بعد ذلك (
وَوُجُوهٌ
يَومَئذ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أنْ يُفعَلَ
بِهَا فَاقِرَةٌ )
عبوسة تعلم أنّه سيفعل بها ما يقصم الظهر.
فالمزاوجة بين حال هذه الوجوه وتلك يعلم
منها أنَّ المقام مقام انتظار لا نظر.
انتظار من رضي الله تعالى عنه لرحمة ربه.
وانتظار من سخط الله تعالى عليه لنقمته.
ومن ظريف ما وقع في عهد أمير المؤمنين 7 ، أنَّ زنديقاً سأل الإمام ( صلوات
الله تعالى وسلامه عليه ) قائلاً : أجد الله يقول : (
وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَاضِرةٌ * إلى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ )
وأجده يقول : (
لا
تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار
) فقال 7 : « إنَّ المؤمنين يؤمرون بدخول الجنّة ، فمن هذا
المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، أي : النظر إلى ما وعدهم ـ عزّ وجلّ ـ فذلك
قوله تعالى : ( إلى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ ). والناظرة : المنتظرة.
ثم قال 7
: ألَمْ تسمع
قوله تعالى : ( فَنَاظِرَةٌ بِمَ
يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ )
__________________
أي
: منتظرة » . وهذا من روائع الاستدلال.
وكم يعجبني قول ابن رشد في فصل المقال ،
قال : « إنّ ما من منطوق في الشرع مخالف في ظاهره لما أدّى إليه البرهان ، إلاّ
إذا اعتُبر وتصفحت سائر أجزائه ، وُجد في ألفاظ الشّرع ما يشهد بظاهره لذلك
التأويل أو يقارب أن يشهد » .
وتتأكد صحة قول ابن رشد من خلال تتبع
الآيات المتشابهة في تفسير أهل البيت :
التي تدل بظاهرها على التشبيه أو التجسيم ونحوهما. فإنَّ الأصل في تفسيرها ردّها
إلى المحكم كقوله تعالى : (
لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيءٌ ) .
وفي ذلك يقول ابن خلدون : « إنّ الآي
القليلة التي توهم التشبيه اتّبعها مبتدعة العصر ، وتوغلوا في التشبيه فوقعوا في
التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر مواردَ وأوضح دلالةً » .
وعلى الرغم من ذلك تجد من يتعصب لتلك
الآراء الفاسدة والمعتقدات الباطلة التي ليس لها نصيب من واقع الدين ، ويدافع عنها
الأتباع في كل عصر وجيل ؛ لأنهم كما وصفهم أمير المؤمنين 7 : « همجٌ رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلِّ
ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم
__________________
يلجؤوا
إلى ركن وثيق » .
وكيف لا ؟ وهم لم يفرقوا بين قول الأولياء
وقول الأشقياء ؛ لابتعادهم عن أهل بيت الوحي ومعدن الرسالة ، ومهبط التنزيل ، ولهذا
قال أمير المؤمنين ـ كما مرَّ في خُطْبَتِهِ 7
ـ : « فهنالك
استحوذ الشيطان على أوليائه ».
وأما العارفون بالله ( عزّ وجلّ ) بعين
الحقيقة ، والسالكون إليه بنور البصيرة من أهل الإسلام ، فهم العلماء الربّانيون
الذين عرفوا الحقَّ فاتّبعوه ، ولم ينازعوا فيه أهله ، والراجعون إليهم بعدما
اختلط الحابل بالنابل ، والآخذون عنهم بعدما امتزج الحق بالباطل.
اُولئك هم المؤمنون حقاً الذين سبقت لهم
العناية بالحُسنى ؛ لاقتدائهم بمن خلف فيهم النبي الأعظم 6 رايةَ الحقِّ ، من تقدّمهاها مَرَقَ ، ومن
تخلَّف عنها زَهَقَ ، ومن لَزِمَها لَحِقَ.
وكيف لا ؟ وقد هَجَمَ بِهِمُ العْلِمُ
على حقيقةِ البصيرةِ ، وباشروا روحَ اليقينِ ، واستلانوا ما اسْتَوْعَرَهُ
المترفون ، وأنِسُوا بما استَوْحَش منه الجَاهِلُونَ ، وَصَحِبُوا الدُّنْيا ـ بعد
طلاقها ثلاثاً ـ بأبدانٍ أرواحُها معلَّقةٌ بالمحلِّ الأعلى.
__________________

المبحث الأول
قضيّة النصّ والمنهج النبوي في ترسيخه
مقدمة
إنَّ تثبيت أحقية الإمام عليّ 7 والنصّ عليه التي قام بها النبي محمّد 6 وإعدادهِ الاَُمّة وتثقيفها وتوعيتها
بذلك ، قد تمّت وفق منهج دقيق ومحكم ، تضافرت الروايات والوقائع التاريخية
المؤكدّة على نقله.
ولقد كانت عملية تثبيت النصّ وترسيخه في
أحقية الإمام عليّ 7
بالخلافة تسير في خطين متوازيين ومتكاملين ، وهما إعداد الإمام عليّ 7 للخلافة ، وإعداد الاَُمّة لتقبلها في
آن واحدٍ. فبينما نجدُ الرسول القائد 6
يتعهد الإمام عليّاً 7
ـ برعايةٍ خاصة ـ وفق برنامج دقيق ويومي متواصل ، نجده صلوات الله عليه يتولّى
تهيئة ذهنية الاَُمّة المسلمة ، وتربيتها فكرياً وعقائدياً لترسيخ النصّ على خلافة
الإمام عليّ 7 ، وتأكيد
أهليته لقيادة المسيرة الإسلامية بعده مباشرةً. وقد كان تدخّل الوحي المباشر في
كثير من الموارد والمناسبات ـ كما سيأتي ـ يجري في هذا الاتجاه.
لقد كانت آيات من القرآن تنزل دائماً
تحمل الإشادة بفضل الإمام عليّ 7
تارةً ، وتشير إلى خصائصه تارةً ، وتشخّصه دون غيره إلى أن
يصل الأمر إلى تعليق
إكمال تبليغ الرسالة على الاعلان عن ولايته ، والتصريح بها للاَُمة ـ كما سيأتي
البيان ـ.
وهذا ما سنحاول استيضاحه وتوثيقه ، ولذا
سنوزّع المبحث على مطلبين نتناول في المطلب الأول المنهج النبوي في إعداد الإمام
عليّ 7 للخلافة ، ونعرض
في المطلب الثاني مسألة إعداد الاُمّة وتهيئتها لخلافة الإمام عليّ 7.
المطلب الأول
الإعداد الفكري
والتربوي
للإمام عليّ 7
وتثبيت أحقيّته بالخلافة
نستطيع القول بكلِّ تأكيد : إنَّ الرسول
الأعظم 6 ، قد قامَ
بعملية الإعداد الرسالي « التربوي والفكري » للإمام عليّ بن أبي طالب 7 والنصّ عليه منذ صدع بالوحي ، وكان
صلوات الله عليه يضع الخطوات العملية من أجل بلوغ الغاية المتوخاة من ذلك ، وهي
تولي الإمام عليّ 7
للمهمة القيادية « الاجتماعية والسياسية » بعده مباشرةً. ويظهر لنا من سير الأحداث
، وما تناقلته كتبُ السيرة والتواريخ ، وما نقله الرواة الثقاة ، أنَّ ذلك تمَّ
بمرحلتين ، وهما :
المرحلة الأولى : ابتدأ تاريخ
هذه المرحلة ـ باتفاق كتب السيرة والتاريخ ـ قبل بزوغ شمس الإسلام ثم اتصلت بفجره
المبارك إلى أن اتصلت بالمرحلة الثانية والتحمت معها.
فقد تعهد الرسول القائد 6 نفسه بكفالة الإمام عليّ 7 منذ صغره ، وتولي تربيته ورعايته ، والحرص
البالغ على أن لا يفارقه إلاّ لضرورة.
وهذا من أوضح ما تزخر به سيرته الشريفة ويكفي أن نوردَ ما بيّنه
__________________
الإمام عليّ 7 نفسه في خطبته الشهيرة بالقاصعة إذ
يقول : « وقد
علمتم موضعي من رسول الله 6 بالقرابة القريبة ، والمنزلة
الخصيصة ، وضعني في حِجره وأنا وَلدٌ ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسُني
جسده ، ويُشِمني عَرْفَه. وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه ، وما وَجَدَ لي كذبةً في
قولٍ ، ولا خطلةً في فعل ... ولقد كنتُ أتّبعهُ اتّباعَ الفصيل اثرَ اُمِه ، يرفع
لي في كلِّ يومٍ من أخلاقه عَلَماً ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاورُ في
كلِّ سنةٍ بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذ في الإسلام غيرَ
رسول الله 6 وخديجةَ وأنا
ثالثُهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُ ريح النبوة ... »
.
إنَّ هذه الصورة التي ينقلها لنا الإمام
عليّ 7 نفسه عن
كيفية وطريقة التعامل التي كان يتبعها النبي 6
معه ، تكشف لنا عن حقيقة وأبعاد الهدف الأعظم من ذلك.
الرعاية النبوية الخاصة
للإمام عليّ 7 :
إنَّ هذه التربية المخصوصة للإمام عليّ 7 ، والرعاية الفائقة ، والحرص على أن
يكون الإمام عليّ 7
قريباً جداً من أنوار الوحي ، وأن يكون متعرضاً لنفحات النبوة ، وأن يكون ثالث
ثلاثة في بيت الرسول القائد حيثُ مهبط الوحي ، إنّما لكي يتلقّى الإمام عليّ 7 في هذا المكان المشرّف الدروس الأولى ،
والتوجيهات النبوية المباشرة ، فينعكس ذلك على تكوينه الفكري والعقيدي «فلا يسجد
لصنم قط»
ولا يخالط عقله
__________________
لحظة شرك ، وينعكس
على سلوكه « فلا كذبة
في قول ، ولا خطلة في فعل .. ».
وهذا يكشفُ عن إعدادٍ تربوي خاص بلا أدنى شك مع اننا نعتقد اعتقاداً جازماً بكون الإمام
عليّ وذريته الطاهرة :
معصومين بمقتضى آية التطهير وحديث الثقلين.
ومما يلاحظ في هذا الصدد أنّ تعهد
الرسول القائد 6
للإمام عليّ 7 بالرعاية
والعناية الخاصتين لم يقتصر على فترة الطفولة والصبا ، ولم يتوقف عند مرحلةٍ معينة
، لأننا نجدُ أنّ الرسول القائد كان حريصاً على أن يكون الإمام عليّ 7 إلى جانبه دائماً لا يفارقه ليلاً ولا
نهاراً ، كما ورد عن الإمام عليّ 7
قال : « كان لي
مع النبي 6 مدخلان ، مدخل بالليل
، ومدخل بالنهار .. » بل نجد الرسول القائد لا يفارق الإمام
عليّ 7 ولايتركه
إلاّ لضرورةٍ تتصل بحفظ حياة الرسول نفسه ، أو بحفظ الدعوة الإسلامية وحمايتها من
أخطار محتملة.
ونذكر على كلِّ موردٍ مثالاً واحداً ، لتأكيد
المطلب.
أ
ـ المورد الأول :
وهو ما يتصل بحفظ حياة الرسول القائد نفسه ، وذلك عندما تركَ رسولُ الله الإمام
عليّ 7 ليبيت في
فراشه ليلة هجرته
المباركة إلى المدينة ، إيهاماً لقريش المترصدين ، وإنجاءً لنفسه صلوات الله عليه
وآله وسلّم من مؤامرتهم لقتله .
وقد نزل في ذلك قوله تعالى :
__________________
(
وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَشْري نَفْسَهُ ابتِغآءَ مَرْضَاتِ اللهِ
.. ) كما صرّح الفخر الرازي.
ب
ـ المورد الثاني :
وهو ما يتصل بحفظ الرسالة وحمايتها ؛ وذلك عندما أراد رسول الله 6 أن يخرج إلى بعض مغازيه ـ قيل تبوك ـ
ترك الإمام عليّ 7
في المدينة خليفةً
عنه ، لأنّ ابن أُبيّ بن سلول رأس المنافقين كان قد تخلّف في المدينة ، فاقتضى
الموقف أن يُترك الإمام عليّ 7
لمواجهة أي تطور غير محسوب قد يهدد دولة الرسول القائد في المدينة ، قال الطبري : «
إنّه لما سارَ رسول الله ـ إلى تبوك ـ تخلّف عنه ابن أُبيّ فيمن تخلف من المنافقين
وأهل الريب ـ وكان عبدالله بن أُبيّ أخا بني عوف ابن الخزرج ـ وعبدالله بن نَبْتَل
أخا بني عمرو بن عوف ، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع ، وكانوا ـ أي
المذكورون ـ من عظماء المنافقين ، وكانوا ممن يكيد الإسلامَ وأهله.
ـ قال الطبري ـ وفيهم ـ فيما حدثنا ابن
حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن اسحاق ، عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري ـ أنزل
الله تعالى : (
لَقَدِ
ابتَغَواْ الفِتْنَةَ مِن قَبلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الاَُمورَ
.. ) ... وهنا أدرك المنافقون أنَّ بقاء
عليّ في المدينة سيفوّت الفرصة عليهم ـ قال الطبري في تتمة الخبر ـ فأرجف
المنافقون بعليٍّ بن أبي طالب ، وقالوا : ما خلّفه إلاّ استثقالاً له وتخففاً منه.
فلما قال ذلك المنافقون ، أخذ عليٌّ سلاحه ثم
__________________
خرج حتى أتى رسول
الله 6 وهو بالجُرف
ـ موضع على مسافة من المدينة ـ فقال : « يا نبي الله ؛ زعم المنافقون أنّك إنما
خلفتني أنّك استثقلتني وتخففت مني »
! فقال 6 : « كذبوا ، ولكني إنما
خلفتك لما ورائي ... أفلا ترضى أن تكون مني ـ يا عليّ ـ بمنزلة هارون من موسى إلاّ
أنه لا نبيَّ بعدي » ! فرجع عليٌّ إلى
المدينة ومضى رسول الله 6
على سفره » .
وقد نقل البخاري ومسلم المنزلة هذا ، وفي الرواية عن سعد بن
أبي وقاص : قال : « خلّف رسولُ الله عليّاً ـ في بعض مغازيه ـ في المدينة ، فقال
عليٌّ : « يا رسول
الله قد خلفتني مع النساء والصبيان »
؛ فسمعت رسول الله يقول : «
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوةَ بعدي »
.
ومن الاَُمور الملفتة للنظر أن الرسول الأعظم
6 كان يعبّرُ
عن تلهفه وهواجسه عندما يغيب الإمام عليّ 7
عنه ، ويتطلع إلى رؤيته والاطمئنان عليه ، فعن أمّ عطية على ما أخرجه ابن كثير وحسنه ، قالت : بعثَ النبيُّ 6 جيشاً ، وفيهم عليٌّ. قالت : فسمعتُ
النبي 6 يقول : « اللّهم لا تمتني حتى
تريني عليّاً » .
__________________
ويصلُ الأمر أحياناً إلى أنَّ النبي 6 عندما يُخصُّ بأكلةٍ لا يطيق أن يأكلها
لوحده ، ثم هو لا يكتفي بأن يدعو الله إلى أن يشاركه الإمام عليّ 7 بتلك الأكلة ، بل يجعلها مناسبةً لبيان
مقام الإمام عليّ 7
ومنزلته ، فعن أنس بن مالك قال : « كان عند النبي طيرٌ ـ وفي بعض الروايات طائر
مشوي ـ فقال 6 : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا
الطير » ، فجاء عليٌّ فأكل معه .. » . ومن. الملفت للنظر أن بعض الروايات
تنقل أن محاولةً جرت لصرف عليّ عند مجيئه إلى بيت الرسول 6 بعد دعوته تلك ، ولكنها فشلت بتدخل
الرسول نفسه على ما نقله ابن كثير.
ويستفاد من هذه الرواية ـ كما هو ظاهر ـ
أن النبي 6 أراد أن
يُرسّخ ويؤكد أنَّ الإمام عليّاً 7
هو أحب الخلق إلى الله تعالى أيضاً .
كل ذلك يدلُ بما لا يدعُ مجالاً للشك
على أنَّ التربية التي خصَّ بها نبينا محمّد 6
الإمام عليّ 7 ، كانت تهدف
إلى إعداده وتهيئته لمسؤولية قيادة الاُمّة ، وليس لمجرد أن يكون أحد أركانها
ورجالها البارزين. إذ وجدنا الرسول القائد 6
يتعهد جمعاً من صحابته بالتربية والتثقيف والرعاية ، ولكن ليس بمستوى العناية
والرعاية التي اتّبعت مع الإمام عليٍّ 7
، مما يكشف أن المسؤولية المنوطة بالإمام عليٍّ 7
هي
__________________
أكبر بكثير من
مسؤولية الآخرين.
المرحلة
الثانية :
وتبدأ هذه المرحلة بتسليط الاضواء النبوية الشريفة الكاشفة عن شخص الإمام عليّ 7 ومقامه الشريف ومنزلته الرفيعة من
الرسول الأعظم 6.
فقد أفرد 6
الإمام عليّاً 7
من بين أهله وسائر أصحابه ، وخصه بعلوم الشريعة كلّها زيادة على المواقف الحاسمة
في تاريخ الرسول والرسالة التي تشهد بتقديمه ، ومن يراجع كتب الحديث والسيرة
والتواريخ
يظفر بالكثير جداً.
ونذكر أمثلةً منها تثبيتاً للمطلب :
لقد تولّى رسول الله 6 بنفسه ، وبأمرٍ إلهي مهمة الإعداد
الفكري والعلمي للإمام عليّ 7
، وتزويده دون سواه بالمعرفة القرآنية الشاملة ، وباُصول العلوم وينابيعها ، وبالحكمة
وآدابها ، وأحكام الشريعة الإسلامية جميعاً.
وقد جاء عن الإمام عليٍّ 7 ما يؤيد هذا ، فقال صلوات الله عليه : « علّمني رسول الله 6
ألف باب من العلم ، يفتح لي من كلِّ باب ألف باب ... »
. وكان الإمام
عليّ 7 تارةً يبادر
هو بالحصول على المعارف والعلوم والأحكام من الرسول الأعظم ، وتارةً يبادر الرسول 6 نفسه بذلك ؛ قال الإمام عليّ 7 : « كنت إذا سألتُ النبي 6
أعطاني ، وإذا
__________________
سكتُّ
ابتدأني .. » . ثم قال 7
مرةً : إنَّ الله وهبَ لي لساناً سؤولاً ، وقلباً عقولاً .. وفي حديث طويل تحدّث الإمام عليّ 7 في هذا الصدد قائلاً : « ما نَزلت على رسول
الله 6 آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ
فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ،
وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيتُ آية من كتاب
الله تعالى ولا علماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك رسول
الله علماً علّمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمرٍ ولا نهي كان أو يكون .. إلاّ
علّمنيه وحفظته ، ولم أنسَ حرفاً واحداً منه .. »
.
وقد صرّح السيوطي أن معمراً روى عن وهب
بن عبدالله عن أبي الطفيل قال : «شهدتُ عليّاً يخطب وهو يقول : « سلوني فوالله لا
تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم به ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلاّ
وأنا أعلمُ أبليلٍ نزلت أم في نهار أم في سهل أم في جبلٍ ... »
.
قال السيوطي : «إنَّ أحداً من الصحابة
لم يجرؤ على أن يقول سلوني غير عليّ ... » .
وكل ما تحدّث به الإمام عليّ 7 ، ونقله لنا التاريخ نقلاً أميناً ، شهد
به
__________________
أجلاء الصحابة وأقرَّ
به علماؤهم وكبارهم ؛ فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قال : « إنَّ
القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطن ، وإنَّ عليّ بن
أبي طالب عنده من الظاهر والباطن .. » .
وجاء عن ابن عباس أنه قال : « والله لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم
» وورد عنه
أيضاً قوله : « كنا نتحدّث أنَّ النبي 6
عهد إلى عليٍّ سبعين عهداً ، لم يعهد إلى غيره » .
وعملياً كان أمير المؤمنين 7 مرجع الصحابة في كلِّ ما يعترضهم من
المسائل العلمية والمشاكل الإدارية ، والمعضلات القضائية. فلقد ثبتَ عن عمر بن
الخطاب أنه قال : « لولا عليٌّ لهلك عمر »
، وأنه كان يقول : « أعوذ بالله من معضلةٍ ، ولا أبو حسن لها .. » ، وثبتَ عنه أنه قال : « أقضانا عليٌّ ..
» . والقضاء
يعني العلم بكلِّ أحكام الشرع. وكذلك غيره من كبار الصحابة ، فقد كثر رجوعهم إليه
في مختلف القضايا المشكلة حتى قال الحافظ النووي : « سؤال كبار الصحابة له ورجوعهم
إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور » .
__________________
المطلب الثاني
إعداد الاَُمّة
وتهيئتها لتولي
الإمام عليّ 7
الخلافة وترسيخ النصّ عليه
لقد بدأت عملية إعداد الاَُمة وتربيتها
لقبول واستقبال خلافة الإمام عليّ 7
، وقيادته للمسيرة الإسلامية بعد النبي 6
وبالنصّ عليه منذ وقتٍ مبكّر ، وآية الانذار خير دليل على ذلك. إذ من الثابت عند
جميع المفسرين ان النبي 6
قد أُمر في السنة الثالثة من البعثة المشرفة باظهار دعوته جهرة لقوله تعالى : ( فاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِض عَنِ
المُشْرِكينَ )
لأنه 6 كان ـ كما
يقول ابن قتيبة الدينوري ـ متستراً على دعوته متخفياً في أمره ، متوقياً بعض
التوقي .
وقد بدأ بانذار عشيرته الأقربين لقوله تعالى : (
وَأنذِر
عَشِيرَتَكَ الأقرَبِينَ )
وفي الخبر الصحيح عن عبدالله بن عباس عن الإمام عليّ بن أبي طالب 7 ، قال : « لما نزلت هذه الآية على رسول الله 6 ( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ
الأقرَبِينَ )
دعاني رسول الله 6 ، فقال لي يا عليّ
إنَّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقتُ بذلك ذرعاً ، وعرفتُ أني متى
أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليه حتى جاءني جبريل ، فقال يا
محمّد إلاّ تفعل ما
__________________
تؤمر
به يعذّبك ربُّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رِجلَ شاة ، وأملاَ لنا
عسّاً من لبنٍ ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى اُكلّمهم واُبلغهم ما اُمرتُ به ، ففعلتُ
ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم
أعمامه أبو طالب والحمزة والعباس وأبو لهب .. »
... فلما أكلوا وشربوا ، قال الطبري : « فتكلم رسول الله 6 فقال : « يا بني عبدالمطلب إني والله ما أعلمُ شاباً
في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به ، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني
الله تعالى أن ادعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم ». قال ـ أي الإمام
علي 7 ـ : « فأحجم القوم عنها
جميعاً ، فقلتُ وإنّي لاَحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً .. أنا يا نبي الله أكون
وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثم قال 6 : إنَّ هذا أخي ووصيي
وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، قال ـ أي الإمام عليّ 7
ـ فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمعَ لابنك وتطيع .. »
.
ومن هذه الرواية يتضح لنا أن أول عملية
لإعداد الاَُمّة من أجل قبول الإمام عليّ 7
، وصيّاً وخليفةً ، قد تمت في الوسط الخاص ، ( عشيرة النبي المقربين ) وكان ذلك
جنباً إلى جنب مع التبشير برسالته والإعلان عن نبوته وبعثته صلوات الله وسلامه
عليه وعلى آله.
ثم اتخذت عملية إعداد الاَُمة منحىً آخر
يوم كان ابن عم الرسول صلوات الله عليهما متفانياً بكلِّ ما يملك من أجل الرسالة ،
مستبسلاً في
__________________
الدفاع عنها ، ومجاهداً
في سبيلها بقلبه ولسانه ويده ، وقد تجسّد ذلك في جملة وافرة من الآيات المشيرة إلى
فضل الإمام علي 7
ومشيدة بفضائله ؛ لأجل تحقيق الهدف القرآني نفسه الذي استُهلَّ بآية الانذار.
أخرج ابن عساكر على ما نقله السيوطي : «
أنّه ما نزل في أحدٍ من كتاب الله كما نزل في عليٍّ .. » ، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أيضاً «
إنّه نزلت في عليٍّ ثلاثمائة آية » .
ونورد هنا بعض الآيات التي ذكر غيرُ
واحدٍ أنها نزلت في الإمام عليّ 7
وهي تدخل في هذا الإطار ، أي تؤشر حقيقة إعداد الاَُمة وتربيتها في هذا الاتجاه
بالنصّ عليه 7.
أ ـ جاء قوله تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدّاً
) أخرج غير واحد من الحفاظ بأسانيد
مختلفة أنها نزلت في الإمام عليّ 7
، لأنّ ما من مسلم إلاّ ولعلي في قلبه محبة ... .
فعن البراء بن عازب قال : « قال رسول
الله 6 لعلي بن أبي
طالب « يا عليّ :
قل اللّهم اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة ».
فأنزل الله : ( إنَّ الَّذِينَ امَنُوا
.. ) قال : نزلت
في عليٍّ » .
__________________
ب ـ قوله تعالى : ( هَذَانِ خَصْمَانِ اختَصَمُوا في رَبِّهِم
.. ) عن الإمام
عليّ 7 قال : « أنا أول من يجثو بين
يدي الرحمـن للخصومة يوم القيامة »
، قال قيس : وفيهم نزلت (
هَذَانِ
خَصمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم
.. ) قال : « هم
الذين بارزوا يوم بدر عليّ وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة .. » .
ج ـ قوله تعالى : ( وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ
لَمْ يَنَالُوا خيْراً وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ
.. ) روى غير واحدٍ أن عبدالله بن مسعود كان
يقرأ هذه الآية هكذا : (
وَكَفَى
اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ
) بعليّ بن
أبي طالب .
د ـ قوله تعالى : ( يَآ أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
) .
ذكر غير واحدٍ من الحفاظ والمحدّثين عن
ابن عباس قال : هو عليّ بن أبي طالب 7
خاصةً .
ه ـ قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ
وَالمُؤمِنَاتِ بَغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإثَماً مُبِيناً
) .
__________________
وورد بعدة طرق أنها نزلت في الإمام عليّ
7 ، وذلك أنَّ
نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه .
إنَّ مما يؤكد أن الآيات السابقة قد
جاءت لبيان منزلة الإمام عليّ 7
وعظمة شخصيته ، ودوره الكبير في حياة الرسالة والرسول ، وأنَّ المؤمنين يلزمهم وعي
هذه الحقائق والانقياد إليها ؛ هو ما جاء من الأحاديث النبوية في تثبيت هذه
المعاني.
فقد روى الصحابي سعد بن أبي وقاص قال : «أمرني
معاوية أن أسبَّ أبا تراب ، فقلت : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله ، فلن
أسبّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليَّ من حُمر النّعم ، قد خلّفه رسولُ
الله في بعض مغازيه ، فقال عليٌّ : « يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان »
، فسمعتُ رسول الله يقول : «
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوةَ بعدي »
، وسمعته
يقول يوم خيبر : لأعطين الرايةَ رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويُحبُّه اللهُ ورسوله ،
قال : فتطاولنا لها فقال
: « ادعو لي
عليّاً » ، فأُتي به أرمد ، [ فمسح النبي 6 بريقه الشريف عينَ الإمام علي 7 ] ودفع
الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ ما جَآءَكَ
مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أبنَآءَنَا
__________________
وَأبنَآءَكُم
وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُم وَأنفُسَنَا وَأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل
لعنَةَ اللهِ عَلى الكَاذِبينَ
) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً
وحسيناً ، وقال : اللّهم هؤلاء «
أهلي رواه مسلم » والترمذي .
إنَّ هذه الرواية التي رواها سعد تؤكد
أموراً منها :
أ ـ نزول آية المباهلة ـ وهي الآية
المذكورة في نص الرواية ـ في الإمام عليّ وفاطمة الزهراء وولديهما الحسن والحسين :.
ب ـ تؤكد أن هؤلاء هم أهل البيت دون
سواهم . وبالتالي
نفهم أنهم هم المقصودون في آية التطهير التي هي قوله تعالى : ( ... إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً
) تلك الآية التي بينت لنا نزاهة الإمام
عليّ 7 وأمانته ، وسمو
ذاته وطهارته ، بل عصمته.
ومن هنا يبدأ الاستحقاق لأن يحتلَّ الإمام
عليّ 7 مقام
الخلافة والولاية وقيادة المسيرة ، قال الراغب الأصفهاني : « لا يصلح لخلافة الله
__________________
ولا يكمل لعبادته ، وعمرة
أرضه إلاّ من كان طاهر النفس قد أُزيل رجسها ونجسها ، فللنفس نجاسة كما إنّ للبدن
نجاسة ، لكن نجاسة البدن قد تدرك بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلاّ بالبصيرة ... وإنما
لم يصلح لخلافة الله إلاّ من كان طاهر النفس ، لأنّ الخلافة هي الاقتداء به تعالى
على الطاقة البشرية ، ومن لم يكن طاهر القول والفعل فكل إناء بالذي فيه يرشح ... »
.
يتبين لنا من ذلك أنَّ القرآن الكريم
بعد أن أشادَ بفضل الإمام عليّ 7
وبفضائله ، ارتقى به إلى منزلة التزكية المطلقة « التطهير » ثم صعدَ به إلى منزلةٍ
على غاية من الأهمية ، إذ جعل نفسَ الإمام عليّ 7
كنفس النبي محمّد 6
كما هو صريح آية المباهلة. وتأسيساً على ذلك ، أكدّ النبي 6 مراراً وكراراً قائلاً : « عليٌّ مني وأنا من
عليّ »
وعندما حاول بعض الناس الشكوى من الإمام عليّ 7
بغيةَ التشويش على مقامه هذا ومنزلته ، قال رسول الله 6 : « ما تريدون من عليّ .. ؟ »
ردّدها ثلاثاً ، ثم قال : «
إنَّ علياً مني وأنا منه » .
ومن أجل قطع الطريق أمام المتشككين بهذه
المنزلة الرفيعة التي أنزل الله تعالى فيها الإمام عليّ 7 ، ولترسيخ وتأكيد ولايته وخلافته بعد
النبي 6 ، في كلِّ
ما يهم المسلمين من أجل ذلك جاء قوله تعالى :
__________________
(
إنَّمَا
وَلَيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُم رَاكِعُون
) فقد ذكر الزمخشري أن هذه الآية
المباركة نزلت في الإمام عليّ 7
حين سأله سائل ، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه .. ولإزالة الالتباس ، وقطعاً لدابر
أيّ تأويل في المراد بالولي وتشخيصه في مثل هذه الموارد ، صرّح النبي 6 في أكثر من مناسبة قائلاً : « إنَّ عليّاً مني ، وأنا
منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي ... »
ولتأكيد
ولاية الإمام عليّ 7
، ودوره الهام بالنسبة إلى الرسالة الإسلامية قال رسول الله 6 : « عليٌ مني وأنا من عليّ ولا يؤدي عني ـ
أي بصفته نبيّاً رسولاً ـ
إلاّ أنا أو عليّ ... » ثم رسّخ هذا المفهوم عمليّاً جهاراً
نهاراً في قصة تبليغ سورة براءة ، كما أخرج هذه الرواية الإمام أحمد بن حنبل في
مسنده عن أبي بكر أنه قال : « إنَّ النبي بعثه ببراءة إلى أهل مكة ، فسارَ ثلاثاً
ثم قال لعليٍّ : الحقه ، فردَّ عليٌّ أبا بكر وبلّغها ، فلما قدم أبو بكر على رسول
الله 6 قال : يا
رسول الله حدثَ فيَّ شيء ، قال 6
: « ما وجدتُ
فيك إلاّ خيراً ، لكنني اُمرت أن لا يبلّغ إلاّ أنا أو رجلٌ مني .. »
وفي الكشاف :
روي أنَّ أبا بكر لما كان ببعض الطريق ـ أي
__________________
لتبليغ سورة براءة ـ
هبط جبرئيل 7 ، فقال : « يا محمّد : لا
يبلّغنَّ رسالتك إلاّ رجلٌ منك ، فأرسل عليّاً .. »
.
وأخيراً ختم القرآن الكريم هذا الموضوع
الحيوي والمهم أي عملية الإعداد الفكري والتربوي في آخر ما نزل منه في آية التبليغ
ثم في آية إكمال الدين بعد حديث الغدير المشهور ، وعنده لم يعد هناك عذرٌ لمعتذر.
وقصة الغدير ـ كما تناقلها الرواة مع بعض الاختلاف ـ هي كما يأتي :
لما رجع رسول الله 6 من حجة الوداع ، نزل عليه الوحي
مُشدِّداً ( يآ أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
) فحط الركبُ عندَ غدير خمّ ، وجمع الناس
في منتصف النهار ، والحرُّ شديد ، وخطب فيهم قائلاً ، « كأني قد دُعيت
فأجبتُ وإني تركتُ فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتابَ الله وعترتي ـ
وفي رواية مسلم
وأهل بيتي ـ فانظروا
كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ... »
ثم قال : « إنَّ
الله مولاي ، وأنا مولى كلِّ مؤمن »
، ثم أخذ بيد عليٍّ فقال : «
من كنتُ مولاه فهذا وليُّه ـ فهذا مولاه
ـ اللّهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُل من خذله ،
__________________
وانصر
من نصره .. وأدر الحقَّ معه
حيثما دار .. » وقد أعقبَ هذا الحدث الكبير نزول الوحي
مرة أُخرى بقوله تعالى : (
... اليَومَ
أَكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتمَمتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام
دِيناً .. )
.
وقد ورد في بعض الروايات أن الرسول
القائد 6 قال بعد
نزول هذه الآية في ذلك اليوم المشهود وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم الغدير قال : اللهُ أكبر ، الحمدُ
لله على اكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي بعدي .
وفي رواية لأحمد : « فلقيه عمر بن
الخطاب ـ أي لقي الإمام عليّ ـ بعد ذلك ، فقال له هنيئاً أصبحت وأمسيتَ مولى كلّ
مؤمن ومؤمنة ... » .
ومما يؤسف له حقاً أن بعض الناس كان لا
يرضيهم أن يُعطى الإمام عليّ 7
مثل هذه الامتيازات والمقامات ، وكان بعض الناس يكثر لغطه واعتراضه عندما يخصُّ
الرسول القائد الإمام عليّاً 7
بذلك ، فيضطر الرسول الأكرم 6
أن يذكرّهم بأنه رسول ربِّ العالمين الذي يصدع بما
__________________
يؤمر وأنه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى
* إنْ هُوَ
إلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى ) .
ومن الشواهد على ذلك ، ما رواه الترمذي
وحسّنه ، عن جابر بن عبدالله قال : « دعا رسولُ الله 6
عليّاً يوم الطائف فانتجاه ـ أي كلّمه سرّاً ـ فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن
عمّه ، فقال الرسول 6
: « ما انتجيته
ولكن الله انتجاه ... » .
وعن ميمون عن زيد بن أرقم قال : «كان
لنَفرٍ من أصحاب رسول الله 6
أبواب شارعة في المسجد قال : فقال رسول الله 6
يوماً : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ ، قال : فتكلّم في ذلك الناس ، قال : فقام
رسول الله فحمدَ اللهَ وأثنى عليه ، ثم قال : « أما بعدُ فإني أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب ، إلاّ
باب عليّ ، وقال فيه قائلكم ، وإني والله ما سددتُ شيئاً ولا فتحتُهُ ، ولكني
اُمرتُ بشيء فاتبعتُه ... » .
وهكذا كان رسول الله 6 كلّما يخصُّ الإمام عليّاً 7 بموقف ـ دون سواه ـ يصرّحُ ويبين للأمة
أنَّ ذلك إنما هو بأمر من الله تعالى. وقد حدث ذلك في إرسال الإمام عليّ 7 لتبليغ سورة براءة بدلاً من أبي بكر ، وحدث
ذلك يوم المناجاة في الطائف ، وحدث ذلك يوم الغدير ، إلى غير ذلك من الوقائع. ومما
يلاحظ أيضاً أن المواقف الحاسمة في تاريخ الإسلام ، وفي حياة الرسول الأعظم 6 ، بما فيها ما يتصل بحماية
__________________
التجربة الإسلامية
ومستقبلها ، يلاحظ أن الرسول القائد كان يقدّم الإمام عليّاً 7 ويدعوه شخصياً دون غيره لحسم تلك
المواقف ودفع الخطر الداهم ، حدث ذلك في معركة بدر الكبرى ، إذ كان الإمام عليّ
صاحب الراية ، وقتل من صناديد المشركين من قتل ، وحدث ذلك يوم اُحد ، روى الطبري
قال : « لما قتلَ عليٌّ بن أبي طالب أصحاب الالوية ، أبصرَ رسولُ الله جماعةً من
المشركين فقال لعلي : «
احمل عليهم » ، فحمل عليهم ففرق
جمعهم ، وقتل عمرو الجمحي ، ثم أبصرَ رسولُ الله 6
جماعةَ من المشركين ، فقال لعلي : « احمل عليهم »
، فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل شيبة بن مالك ، فقال ( جبريل ) : « يا رسولَ الله إنَّ
هذه للمواساة » ، فقال رسول الله 6 : إنه منّي وأنا منه ، فقال ( جبريل )
وأنا منكما ، قال الطبري ثم سمعوا صوتاً يهتف :
« لا سيف إلاّ ذو الفقار
|
|
ولا فتى الا علي »
|
ويكفي ما رواه جملة من الصحابة عن النبي
6 إنّه قال
يوم خيبر : « لأعطين
الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .. ».
وكان علي 7 ـ بعد ان
بات الناس يدركون أيُّهم يعطاها ـ صاحبها إلى أن فتح الله على يديه .
وقد يكون من المناسب أن نذكر هنا ما
أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم
__________________
عن ابن عباس قال : «
ولقد عاتبَ اللهُ أصحاب رسول الله 6
في غير موضع وما ذكر علياً إلاّ بخير »
وفي ذلك ما فيه من الكناية التي هي أبلغ من التصريح عن أحقية الإمام عليّ 7 ، وأهليته دون غيره لمنصب الخلافة ، وقد
صرّح بذلك القرآن الكريم : (
قَالَ إنّي
جَاعِلُك للنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيّتي قَالَ لا يَنَالُ عَهدي
الظَّالِمينَ ) .
__________________
المبحث الثاني
ثبوت تواتر النصّ
على الأئمة :
إنَّ المتتبع المنصف والطالب للحقيقة ، يستطيع
أن يتبين من خلال ما عرضناه ، أنَّ عملية تثبيت النصّ وترسيخه في أحقية الإمام
عليّ 7 بالخلافة والإمامة
بعد رسول الله 6
مباشرة قد تمَّ معه في عين الوقت النصّ على الأئمة من بعده ، وأنّ ما تواتر عن
الرسول 6 في هذا
الأمر كاشف عن هذه الحقيقة ، وإليك البيان :
إنَّ اثبات تواتر إمامة أئمتنا : والنصّ عليهم لم يتمّ عن طريقٍ واحدٍ
بل كان ذلك بطرق نوجز لك بعضها باختصار :
أولاً : الطرق الإجمالية
لإثبات إمامة الأئمة من أهل البيت : :
وتتمثل بالأحاديث المنقولة في أصح كتب
السُنّة من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها ، وسوف نختار منها حديثين لا أكثر ، وهما
:
الحديث
الأول :
حديث « من مات
ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية »
وما يفيد معناه ويكون بمضمونه ، كحديث : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية »
، وحديث « من مات
وليس عليه إمام فإن موتته موتة جاهلية »
، وحديث « من مات
بغير إمام مات ميتةً جاهلية »
وإليك بعض من أخرجه من العامّة :
مصادره :
١ ـ البخاري في باب الفتن من صحيحه : ٥ :
١٣.
٢ ـ مسلم في صحيحه ٦ : ٢١ ـ ٢٢ / ١٨٤٩.
٣ ـ أحمد بن حنبل في مسنده ٢ : ٨٣ ، ٣ :
٤٤٦ ، ٤ : ٩٦.
٤ ـ ابن حبان في صحيحه ، الاحسان بترتيب
صحيح ابن حبان ٧ : ٤٩ / ٤٥٥٤.
٥ ـ الطبراني في المعجم الكبير ١٠ : ٣٥٠
/ ١٠٦٨٧ طبعة بغداد.
٦ ـ الحاكم النيسابوري في المستدرك ١ : ٧٧.
٧ ـ أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء
٣ : ٢٢٤.
٨ ـ ابن الأثير الجزري في جامع الاصول ٤
: ٧٠.
٩ ـ الطيالسي في مسنده : ٢٥٩.
١٠ ـ الدولابي في الكنى والاَسماء ٢ : ٣.
١١ ـ البيهقي في سننه ٨ : ١٥٦ و ١٥٧.
١٢ ـ السرخسي في المبسوط ١ : ١١٣.
١٣ ـ ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي في
شرح النهج ٩ : ١٥٥.
١٤ ـ النووي في شرح صحيح مسلم ١٢ : ٤٤٠.
١٥ ـ الذهبي في تلخيص المستدرك ١ : ٧٧ و
١٧٧.
١٦ ـ ابن كثير في تفسيره ١ : ٥١٧.
١٧ ـ التفتازاني في شرح المقاصد ٢ : ٢٧٥.
١٨ ـ الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ : ٢١٨ و
٢١٩ و ٢٢٣ و ٢٢٥ و ٣١٢.
١٩ ـ المتقي الهندي في كنز العمال ٣ : ٢٠٠.
٢٠ ـ ابن الربيع الشيباني في تيسر
الوصول ٢ : ٣٩.
٢١ ـ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة :
١١٧.
٢٢ ـ الاسكافي المعتزلي في خلاصة نقض كتاب
العثمانية للجاحظ : ٢٩.
دلالته :
أما دلالته فلا تستقيم إلاّ على أصول الإمامية
الاثني عشرية ، ولا تنطبق إلاّ على أئمة أهل البيت :
، فمن ادعى أن المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتةً جاهلية هو السلطان أو
الحاكم أو الملك مهما كانت صفته ولو كان فاسقاً ظالماً فاجراً ، فعليه أنْ يثبت
بالدليل أن معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وثانياً أن يبيّن الثمرة
المترتبة على هذه المعرفة بمثل هؤلاء الذين كان منهم من سبى ذراري رسول الله 6 وقتلهم ومنهم من قتل حجر بن عدي
وأصحابه ظلماً وعدواناً ، كمعاوية فويل له من أصحاب حجر على ما قاله الحسن البصري ،
فكيف يكون إماماً يا تُرى ؟!
إنّ الشرع المقدس الذي أكّد على وجوب
توفر العدالة في شاهد الدعوى واعتبرها أساساً لقبول شهادته ، هو أرفع من أن يأتمن
خائناً يتحكم في نفوس رعيته وفي مقدرات الاَمّة ، ثمّ يأمر بلزوم طاعته ،
ويحذر من مخالفته ، ويجعله
إماماً من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية !
اتهام زرارة بعدم
معرفته لإمام زمانه :
ومن الجهل العجيب بحال زرارة بن أعْين
رضي الله تعالى عنه هو ما زُعم من أنّه مات ولم يعرف إمام زمانه ، ثم تقوّلهم : بأنه
لو كان النص متواتراً عند الشيعة بإمامة الأئمة لما جهله من مثل زرارة.
الردّ على هذا
الاتهام وبيان زيفه :
إعلم أن اتّهام زرارة بهذا ، هو اتهام للإمام
الصادق 7 ؛ لأنّ الثّابت
عنه 7 وبأصح
أسانيد الشيعة أنّه قال بحق زرارة ونظرائه : « والله إنَّهم أحبّ النّاس إليّ أحياءً
وأمواتاً » .
وقد تواتر عن الإمام الصادق قوله 7 : « من مات وليس له إمام ، فميتته ميتة جاهلية »
.
وهل يعقل أن يفرِّط الإمام الصادق 7 بزرارة ، ويتركه هملاً فيموت ميتة
جاهلية ؟
ثم كيف يقول 7 : إنّه أحب الناس إليّ حياً وميتاً ، ولا
يخبره بمن هو الإمام ـ إن كان لا يعلم ذلك ـ ويدعه على ضلالةٍ بعده 7 ؟
ثم ما بال زرارة لا يسأل الإمام الصادق
في حياته عمن سيكون إماماً
__________________
بعده إن كان لا يعرف
حقاً من هو الإمام ؟ كما نجده في مبادرة من جهل هذا من الرواة ، أو أحبّ التأكّد
من سلامة الروايات في مُسآئلة إمام زمانه عمن سيكون بعده في جملة من الأخبار ؟
هذا مع أنَّ زرارة روى عن الإمام الصادق
7 قوله : « إعرف إمامك فإنَّك
إذا عرفته ، لم يضرك تقدّمَ هذا الأمر أو تأخر »
.
ترى ، هل يرى هؤلاء أنّ زرارة كان
عالماً بوقوع وفاته قبل وفاة إمام زمانه ( الصادق 7
) ؟ فلأجل ذلك استغنى عن معرفة من سيكون بعده !
وهل من مثل زرارة ، وهو في مقدمة فقهاء
مدرسة أهل البيت :
، يجهل أو يتجاهل مثل هذا الأمر الخطير ، على فرض عدم علمه المسبق بالنص ؟!
إنّه جهلٌ بحال زرارة ، وبمكانته عند
أهل البيت : وشيعتهم ، وافتراء
عليه عظيم ، وهل يعلم أنَّ من زعم أن زرارة مات ولم يعرف إمامة الإمام الكاظم 7 ، أن زرارة يعلم بالإمام المهدي في
زمان الإمام الصادق 8
، وله في ذلك أبيات شعرية معروفة نقلها الجاحظ في كتاب الحيوان .
فهل يعقل من رجل شيعي يعلم بالإمام
المهدي قبل ولادته بقرنين من الزمان ثم يجهل آباءه :
!! ولا يتتبع ماورد من آثار في تشخيصهم بالاسم والوصف والعنوان ؟
__________________
وأما كونه افتراء على زرارة فهو من
الواضح جداً ؛ لأنّ لسان الروايات الواردة في هذا الشأن برجال الكشي ، خلاصتها : أنّ
زرارة أرسل ابنه عُبيداً من الكوفة إلى المدينة على أثر وفاة الإمام الصادق 7 ، ليسأل عن الخبر ، إذ ورد الخبر إلى
الكوفة بوفاة الصادق 7
سنة ١٤٨ ه ، واختلف بعض عوام الشّيعة في معرفة الإمام بعده.
وهذا ليس شيئا نُكْراً ، ولا يقول أحد
من الشيعة أنَّ جميع الشّيعة في جميع عصور الأئمة :
يعلمون بتواتر النص على إمامة الأئمة الاثني عشر وبأسمائهم :.
وإنما نقول : إنَّ الرسول الأعظم 6 قد أخبر بأنَّ الخلفاء من بعده اثنا
عشر ـ كما سيأتي في الحديث الثاني ـ ، ثمَّ عيّن لجابر الأنصاري ، وسلمان الفارسي ،
وحذيفة ( رضي الله عنهم ) وغيرهم. بأنَّ هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر ، كما روى ذلك
القندوزي في ينابيع المودة ، والزرندي في نظم درر السمطين ، والخوارزمي الحنفي في
مقتل الإمام الحسين 7
، وتواتر ذلك عند علماء الشيعة ، فرووا النصّ بأسمائهم : ، وليس من المُنْكَرِ أن يجهله بعضهم؛
لظروف الأئمة :
في ذلك العصر ، لا سيما في عصر الإمام الكاظم 7
الذي اشتدت فيه البلية على الشيعة بزج فرعون هذه الاُمّة هارون إمام الاُمّة في
ظلمات السجون ، حتى قضى نحبه شهيداً ينادى على جثمانه الطاهر ـ من على جسر بغداد ـ
: هذا إمام الرافضة !!
أوَ ينكر هذا ؟!
فلا غرو إذن أن يحصل لبعض الشيعة في
المدينة المنورة وغيرها شيء من الجهل المؤقت في إمامة الإمام الكاظم 7 ، بل وقد حصل أكثر منه
في إمامة غيره 7 كما هو معلوم في عقائد فرق الشيعة
المنحرفة عن جادة الصواب ، للسبب المذكور ، وأسباب اُخرى يطول شرحها ، كحبهم
للعاجلة دون الآجلة ، وخلطهم أضغاث الحقّ بأضغاث الباطل ، ونحوها كما هو مسطور في
المطوّلات وأُمّهات كتب الشّيعة.
وإذا ما علمت هذا ، فاعلم أنّ في شيعة
الكوفة أيضاً مَنْ لم يصل إليه النصّ بالإمام بعد جعفر الصادق 7 ، وإنْ عَلِم إجمالاً بأنّه لابد وأنْ
يكون من ولده. وهؤلاء لا تثريب عليهم أن يسألوا بعد ورود الخبر بوفاة إمامهم 7 ، عن الإمام الذي سيليه ، ولا شكّ أنهم
لا يسألون غير علماء الشيعة وثقاتهم المقربين من الأئمة : كزرارة وأضرابه.
ومن هنا ابتلي زرارة 2 ، إذ كان يُسأل في ذلك الحين ـ كما
يظهر من الخبر الصحيح التالي ـ عن الإمام بعد أبي عبد الله 7 ؟ فيمتنع من الإجابة دون أمر من الإمام
موسى بن جعفر الكاظم 7
؛ لشدة التقية في ذلك الحين ، فأرسل ابنه ـ من الكوفة إلى المدينة ـ ليرى رأي الإمام
الكاظم 7 في ذلك.
ويدلّ عليه ، ما رواه الشيخ الصدوق بسند
معتبر قال : « حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني 2
، قال : حدثنا
عليّ بن إبراهيم بن هاشم
__________________
قال : حدثني محمّد
بن عيسى بن عبيد
، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني 2
. قال : قلت
للرضا 7 : يابن رسول
الله ! أخبرني عن زرارة ، هل كان يعرف حقَّ أبيك 7
؟ قال : نعم ، فقلت له : فلم بعثَ ابنه عُبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق
جعفر بن محمّد 7
؟ فقال 7 : « إن زرارة كان يعرف
أمر أبي 7 ، ونصَّ أبيه عليه ، وإنما
بعث ابنه ليتعرف من أبي 7 ، هل يجوز له أن يرفع
التقية في اظهار أمرهِ ، ونص أبيه عليه ، وأنّه لما أبطأ عنه ابنه ، طولب باظهار
قوله في أبي 7 ، فلم يُحب أن يُقْدِم
على ذلك دون أمره ، فرفع المصحف ، وقال : اللّهم إنّ إمامي من أثبت هذا المصحف
إمامته من ولد جعفر بن محمّد 8 »
.
ولنا فيما يؤيد التزام زرارة
بالتقية في ذلك الظرف دليلان :
أحدهما
: وصية الإمام الصادق 7 بعد وفاته ، فعن أيّوب النحوي قال : « بعث
إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل ، فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين
يديه شمعة وفي يده كتاب .. فقال لي : هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن
محمّد قد مات .. ثم قال لي : اكتب ، قال : فكتبت صدر الكتاب ، ثم قال : اكتب إن
كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدّمه واضرب عنقه ، قال : فرجع إليه الجواب : أنّه
قد أوصى
__________________
إلى خمسة وأحدهم أبو
جعفر المنصور ، ومحمّد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة » .
وقد وردت الرواية هذه بطريق آخر ثابت
الصحّة ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سُويد بنحو من هذا ، إلا أنه
ذكر أنّه أوصى إلى أبي جعفر المنصور ، وعبد الله ، وموسى ، ومحمّد بن جعفر ، ومولى
لأبي عبد الله 7.
فقال أبو جعفر : «ليس إلى قتل هؤلاء سبيل » .
ويستفاد من هذه الرواية
أمران مهمان للغاية :
الأول
: احتراز الإمام الصادق 7 من فتك المنصور بالإمام الكاظم 7 فيما لو كانت الوصيّة له فقط ، لذا
أدخل فيها ما يبطل كيد الخائنين.
الثاني
: إنّ حجم التقية واضحٌ في الوصيّة ، وإلا
فأيّ صلة بين صادق أهل البيت :
والمنصور الدوانيقي ، حتى يجعله وصياً ؟
ومن هذا يعلم أنّ احتفاظ زرارة بمعرفة الإمام
لنفسه لم تكن اعتباطاً.
والآخر
: ما رواه الكشي بسنده عن زرارة ، أنّه
قال : « والله لو حدّثت بكل ما سمعته من أبي عبد الله 7 ؛ لانتفخت ذكور الرجال على الخشب » كناية عن صَلْبهم على جذوع النخيل ، كما
هو فعل الطّغاة مِنْ قَبلُ كزياد بن سميّة وأسياده وأتباعه.
__________________
وأخيراً لا بدّ من التذكير
بأمرين :
الأول
: شهادة الشيخ المتفق على جلالته أبي
القاسم الحسين بن روح ( رضي الله تعالى عنه ) لآل زرارة ـ مطلقاً ـ بكلِّ خير ، ابتداء
من عميدهم زرارة ، ثم أولاده وأحفاده وصولاً إلى زمان الشيخ الجليل أبي غالب
الزراري ، فقال عنهم : « أهل بيتٍ جليل ، عظيم القدر في هذا الأمر » .
ترى ، وهل يعني 1 ب ( هذا الأمر ) غير أمر الإمامة ؟
وهل يكون الرجل جليلاً وعظيم القدر في أمر الإمامة ، وهو لا يعرف إمام زمانه ؟!!
الثاني
: التّنبيه على أن زرارة هو من أصحاب الإمام
الكاظم 7 وأنه مات بعد سنتين من إمامة الإمام
الكاظم 7 .
ولو فرض أنّ زرارة لم يكن عالماً بالنص
على إمامة الإمام الكاظم في حياة أبيه الصادق 8
، وأنّه علم بذلك خلال السنتين اللتين أمضاهما في عهد الإمام الكاظم 7. فإنّ هذا لا يلغي النصّ ، خصوصاً وأنّ
اعتقاد من مثل زرارة به ـ ولو في وقت غير مبكر ـ يكشف عن اعتقاد زرارة بوجود النص
بنحو قاطع وهذا يكفي لاثبات ما نحن فيه ، وهو لا يضر بزرارة على الفرض المذكور.
هذا ما وسعنا أن نقوله بشأن زرارة رضي
الله تعالى عنه ، لا بقصد الإيضاح لما خفي على الزاعم ؛ لأنّ ما في هذا البحث يكفي
لطالب الحق معرفته ، وللنصّ إثباته ، ونحن نرجوا تأثيره في القلوب المنصفة إذْ لم
__________________
نزجه لكلِّ مفتر
كذاب.
لي حيلةٌ في من ينمُّ ، فإنّني
|
|
أطوي حديثي دونه وخطابي
|
لكنّما الكذّاب يخلُقُ قولَه
|
|
ما حيلتي في المُفترِي الكذّابِ
|
الحديث
الثاني :
حديث « الخلفاء
اثنا عشر كلهم من قريش » ، وإليك بعض
من أخرجه من العامّة :
مصادره :
١ ـ البخاري في صحيحه ٤ : ١٦٤ ، كتاب
الاحكام باب الاستخلاف.
٢ ـ مسلم في صحيحه بتسعة طرق ٢ : ١١٩ ، كتاب
الامارة.
٣ ـ أحمد في مسنده ٥ : ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٧ ، ١٠٠
، ١٠٦ ، ١٠٧ ، دار صادر.
٤ ـ سنن أبي داود ٤ : ١٠٦ / ٧٢٧٩ ، ٤٢٨١.
٥ ـ المعجم الكبير للطبراني ٢ : ٢٣٨ /
١٩٩٦.
٦ ـ سنن الترمذي ٤ : ٥٠١.
٧ ـ حلية الأولياء لأبي نعيم ٤ : ٣٣٢.
٨ ـ مستدرك الحاكم ٣ : ٦١٨.
٩ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٣ : ٢١١.
١٠ ـ صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٠١.
١١ ـ مشكاة المصابيح للتبريزي ٣ : ٣٢٧ /
٥٩٨٣.
١٢ ـ السلسلة الصحيحة للالباني حديث رقم
٣٧٦. وغيرها كثير جداً.
دلالته :
أما دلالة الحديث : فنقول :
هل يمكن أن نحمل الخليفة هنا على كل من
تولّى الحكم من خلفاء بني اُميّة وبني مروان ومن على شاكلتهم ؟
لقد اختلف أئمة الحديث أيّما اختلاف في
أسمائهم واضطربوا كلّ الاضطراب ، فدونك ابن قيم الجوزية في شرحه على سنن أبي داود ودونك ما عند ابن كثير في تفسيره ، وهذا المقريزي لم يُدخل أحداً من بني
اُميّة إطلاقاً في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك .
ثم الحديث يفيد استمرار الأمر إلى آخر
الدهر ، وما ذكروه من أسماء الملوك وسلاطين الجور منقوض متهافت ، وما ذكره العامّة
لا يمكن أن ينطبق مع الواقع ، وأنّ المصداق الوحيد الصحيح هو أئمة أهل البيت : فراجع في سيرتهم وصلاحهم واستمرار
وجودهم الشريف بوجود مهدي آل محمّد 6
: الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي. ودونك ما نقله عن الإمام زين العابدين إذا
أردت الحق ، قال : قال الإمام 7
: « فإلى من
يفزع خلف هذه الاُمّة وقد درست أعلام هذه الملّة ، ودانت الاُمّة بالفرقة
والاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول : ( وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ
__________________
تَفَرّقُوا
وَاختَلَفُوا ... ) ؟ فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل
الحكم إلاّ أبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى الذين احتجّ الله بهم على عباده ، ولم
يدع الخلق سدىً من غير حجّة ، هل تعرفونهم أو تجدونهم اِلا من فروع الشجرة
المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وبرأهم من
الآفات وافترض مودتهم في الكتاب .. »
.
هذا ، وأما عن احتجاج الخصوم باختلاف
الشيعة بعد استشهاد الإمام الحسين 7
فهم لم يبينوا لنا طبيعة هذا الاختلاف حتى نجيب عليه ، فكأنهم لا يعلمون بالدم
الشيعي المراق أخذاً بثارات الإمام الحسين 7
، وربما أرادوا بذلك دعوى مهدوية ابن الحنفية ، فإن كان مرادهم هذا فاعلم أن مدّعي
ذلك هم الكيسانية لا الشيعة الإمامية ، ونحسبهم أرادوا بهذا ما يُروى عن منازعة
ابن الحنفية للإمام عليّ بن الحسين 7
بشأن الإمامة ، وهذا لم يثبت بخبر صحيح ، بل الثابت عندنا قوله بإمامة ابن أخيه الإمام
زين العابدين 7
، ثم اعلم أنَّ المتمسِّك بهذه الذريعة الواهية ، لا يعلم بالاختلافات الواصلة إلى
درجة التناقض في مسائل شتى هي من صلب عقائد المسلمين ، بدءاً من صفات الله تعالى
إلى المعاد إلى غير ذلك من العقائد ، فهل يقدح ذلك في اُصولها ؟! وهل يكون مدعاةً
للرفض ؟! ثم الاُمّة المسلمة افترقت ثلاث وسبعين فرقة ، فعلى ماذا كان الافتراق ؟
وهل يعني هذا التشكيك بأصل الإسلام وعقائده لمجرد وقوع الافتراق ؟!!
__________________
ثانياً : تواتر
النصّ عند الشيعة :
تواتر النقل عند الشيعة الإمامية خلفاً
عن سلف بخصوص النصّ من رسول الله 6
على الأئمة ، ابتداءً من الإمام عليٍّ 7
وانتهاء بالإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ). زيادة على تواتر النقل عندهم في
نصّ أمير المؤمنين 7
على من بعده ، وهكذا نصّ كلُّ إمام سابق على من يليه وصولاً إلى مهدي هذه الأمة 7. ومن راجع كتب الحديث الشيعية علم بصحة
هذا ولا حاجة إلى التطويل في إبراز ذلك ..
إلاَّ أنَّه من المهم الإشارة إلى بعض الرشحات التي أفرزتها كتب العامّة وهي صريحة
في التنصيص على إمامة أهل البيت :
بعد النبي 6 مع ذكرهم
بالاسم ، وقد نقل بعضها القندوزي الحنفي في ينابيع المودة أخرجها عن سلمان الفارسي ، وابن عباس ،
وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهم.
ولا يخفى بأنَّ العادة جرت بأنّ كلَّ من
اعتقد مذهباً طريق صحته النقل ، فَإنَّ دواعيه تتوفر على نقله ، وتتوفر دواعي
مخالِفِهِ على طيّه وكتمانه ، والطعن عليه ، والإنكار له. وقد رأينا اتفاق من
خالفنا في ذلك معنا في رواية ما يدل على إمامة أئمتنا كما تقدم في الطريق الأول ، وهذا
يعني أنّ الله عز وجلّ قد أعمى أبصارهم ، وسخَّرهم بنقل هذا ! ولو فطنوا إليه لأعرضوا
عن روايته ، وفي هذا كفاية لكل متدبر منصف يُؤمن بيوم الحساب.
__________________
المبحث الثالث
الإشكالات المثارة
حول قضية النصّ
قد تجد من يزعم ان الاعتقاد بمخالفة
الصحابة للنصّ كفرٌ
! وكأنه لم يقرأ تاريخ الصحابة قط ، ولم يسمع بمخالفة رؤوسهم للنبي الأكرم 6 صراحة وفي أكثر من موقف ، وهذا من
العجب ؛ لأنّ النصَّ على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب 7 والتأكيد على خلافته من لدن النبي 6 وفي مناسبات شتى كحديث الغدير وعشرات
غيره لم تثبت من طرق شيعته فحسب ، بل عرفته صحاح العامة ومسانيدهم ومستدركاتهم
وزوائدهم وغيرها من كتبهم المشهورة حتى بلغ النصّ من طرقهم فقط حد التواتر ، إلاّ
أن أكثرهم حاول تأويل تلك النصوص الجلية والتشويش عليها والمشاغبة وإثارة الإشكالات
حولها ، فاعتقد الخلف بصحة ما ذهب إليه السلف ولم يكلفوا أنفسهم بمعرفة الحق
الصريح عن طريق النقد والتمحيص ليتبين لهم أنَّ تلك الآراء الموروثة لا تقوى على
قلب الحقيقة فضلاً عن مواجهتها.
ولهذا سنورد أهم إشكالاتهم ثم نناقشهم
عليهاونبين تهافتهم فيها وكما يأتي :
__________________
الإشكال الأول :
لو كان النصّ موجوداً لعمل
به الصحابة :
وزعم من أشكل بهذا : إنَّ الصحابةَ ـ
بعقيدة الشيعة الإمامية ـ لم يعملوا بهذا النصّ الالهي الثابت ، واستحلّوا خلافه ..
وهذا المعتقد في كلِّ مذهب منطقي مستقيم التفكير كفر ، فهو جحود وإنكار لبعض الدين
المعلوم بالضرورة ، وإذا كان ذلك كذلك فكيف تستقيمُ هذه النتيجة مع عظمة معلّمهم
سيدنا محمّد 6 ؟ فهل
أنفَقَ سيدنا محمّد عليه وعلى آله الصلاة والسلام أكثر من عشرين سنةً يربّيهم من أجل
أن يصبحوا خونةً في النهاية ؟!
جواب الإشكال الأول :
خروج الصحابة على أوامر
الرسول 6 :
إنَّ خروجَ كثير من الصحابة على أوامر
الرسول الأعظم 6
، التي هي أوامر إلهية ، وتلكّؤهم في العمل بها ، بل عملهم على خلافها ، أمرٌ
مشهور في سيرتهم في حياة الرسول الأكرم 6
كما حدثَ في مخالفتهم أمره بقتل ذي الثدية
، وفي واقعة اُحد
وما ترتب على ذلك من نتائج خطيرة كادت أن تودي بحياة الرسول الأكرم 6 ، وفي واقعة حنين
__________________
حيثُ ولّى بعضهم الأدبار
، ثم ألم يسمع هذا الزاعم بالرزية كل الرزيّة على حدّ تعبير حبر الاُمّة عبد الله
بن عباس ؟! وذلك : أن الرسول 6
طلب دواةً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده ـ على حد تعبيره صلوات الله وسلامه عليه
ـ فاختلفوا وتنازعوا ، وقالوا قولةً منكرة : إنه هَجَرَ ، حتى اضطر أنصاره فلطفوها
بعبارة ( قد غلبَ عليه الوجع ) ، وإليك ذلك في صحاحهم :
جاء في صحيح البخاري « لما حُضر رسول
الله 6 وفي البيت
رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي 6
: « هلمّ
أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده »
، فقال عمر : إنَّ النبي قد غَلَبَ عليه الوجع وعندكم القرآن : حسبنا كتاب الله ، فاختلف
أهل الدار فاختصموا ، منهم من يقول قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم
من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي 6 قال رسول الله 6 « قوموا ... »
.
ثم أين صاحب الإشكال من قضية سرية
أُسامة ، ومخالفتهم له 6
في أكثر من مورد فيها ، حتى اضطر 6
إلى أن يخرج وهو في شدة مرضه ويجمعهم ويخطب فيهم قائلاً : « أنفذوا جيش اُسامة ،
لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة »
.
وأما مخالفاتهم بعد موته صلوات الله
وسلامه عليه وآله وتبديلهم
__________________
وتحريفهم فدونك حديث
الحوض يحكي لك هذه القصة ، وينبئك بهذه المسألة ، فقد أخرج البخاري في باب الحوض
عن أبي هريرة أيضاً أنّه كان يحدّث : أنَّ رسولَ الله 6 قال : « يردُ عليَّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيحلأون
عن الحوض فأقول يا ربّ أصحابي فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم
ارتدوا على أعقابهم القهقرى »
.
الإشكال الثاني :
ثناء القرآن على الصحابة
وذلك لا يتسق مع اعتقاد مخالفتهم النصّ :
من إشكالاتهم المتهافتة الاحتجاج بثناء
القرآن على الصحابة من المهاجرين والأنصار ، ثم أخذوا يتساءلون : كيف يتسق هذا مع
المخالفة الكبيرة للنصّ لو كان موجوداً ؟
جواب الإشكال الثاني :
القرآن لم يثن إلاّ على
المخلصين من الصحابة :
إنَّ في الصحابة كراماً بررة رضي الله
عنهم قاتلوا بين يدي الرسول الأكرم 6
فنالوا شرف الشهادة ، في بدرٍ واُحدٍ وحنين وغيرها ، ومنهم من استقاموا على سنته ،
واتبعوا أقواله ، وتعبّدوا بأمره ونهيه ، فهؤلاء لاريب إنّهم محل ثناء القرآن
الكريم ، وتقديس المسلمين. ومنهم من عارضوه وخالفوه ، وأغضبوه وآذوه ، فاُولئك
الذين وصفهم القرآن الكريم
__________________
ب ( الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرضٌ
) وب « النفاق ». قال تعالى : ( وَمِن أهلِ المَدِينةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفاقِ )
.
ونضيف إلى ذلك : إنَّ أصحاب النبي موسى 7 ، قد عبدوا العجلَ ( وأضَلّهُمُ السَّامِرِيُّ
) فلم يقدح ذلك في عظمة النبي موسى 7 ، ولا في جهده وجهوده التربوية التي
بذلها في تربية أصحابه ، ولكنْ زيّنت لهم أنفسهم أمراً وأكثرهم للحق كارهون.
الإشكال الثالث :
حول ثناء الإمام عليّ 7
على الصحابة :
إنَّ الإمام عليّاً 7 قد أثنى عليهم كثيراً عندما كان يذمّ
في خطبه من يدّعون أنهم أصحابه ، ويقارنهم بأصحاب رسول الله 6 ، فكيف يصحّ مثل هذا الثناء عليهم مع
فرض اغتصابهم حقه ؟
جواب الإشكال الثالث :
توضيح موقف الإمام عليّ 7
وشيعته من الصحابة :
نعم ، كان لرسول الله 6 أصحاب بررة ، استشهد كثيرٌ منهم في
معارك الإسلام الاولى في حياة الرسول 6
كما إنَّ كثيراً منهم ظلَّ مع أمير المؤمنين متبّعاً أوامر الرسول العظيم في
موالاة الإمام عليّ 7
، وفي
__________________
معاداة من يعاديه ، وكان
منهم عمّار الذي قتلته الفئةُ الباغية ( معاوية وأتباعه ) ، وكان منهم كثيرون
استشهدوا في صفين والنهروان
فهؤلاء جميعاً هم محلّ ثناء الإمام عليّ 7
وتبجيله ، وهم ممن نجلّهم ونعظّمهم. أما من أنكر النصّ وتقدّم على الإمام أو بغى
عليه أو نكث بيعته أو مرق عن الدين ، فهؤلاء جميعاً يتحملون وِزرَ ما ارتكبوا من
البغي والعدوان ، ونحن نتبرأ من أعمالهم ، فمعاوية مثلاً أحد هؤلاء قال فيه الحسن
البصري وهو من أجلة التابعين : « أربع خصال كُنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه اِلا
خصلة واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاَُمّة بالسيف حتى أخذَ الأمر من غير
مشورة ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكيراً ، وادعاؤه
زياداً ، وقتله حجر بن عدي الكندي وأصحاب حجر ، فيا ويلاً له من حجر » .
نعم ، إنَّ الشيعة تفتخر وتقدّس وتعظّم
من وقفَ من الصحابة الأجلاء مع الإمام عليّ 7
في حروبه ، إتباعاً لقول رسول الله 6
: « حربُ
عليٍّ حربي وسلمه سلمي » . وقوله 6
: « اللّهم
والِ من والاه وعادِ من عاداه ، واخذل من خذله وانصر من نصره »
.
فلا ريبَ ولا شك بأنَّ من نَصَرَ الإمام
عليّاً ووالاه وعادى من يعاديه
__________________
نحن نفتخر به ، وأمّا
من تقمّص الخلافة عن رسول الله 6
، ومن قاتل الإمام عليّاً 7
وعاداه وبغى عليه ونكثَ بيعته ومَرَق عن الدين كمعاوية وكالخوارج الذين أمرَ رسول
الله 6 بقتالهم ، فلا شك بان شيعة الإمام عليّ 7 ترى أنّ من العدل أن لا يتساوى هؤلاء
واُولئك قال تعالى : (
أفَمَن
كَانَ مُؤمنِاً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَستوونَ
) .
وأما عن موقف أمير المؤمنين عليّ 7 من الثلاثة ، فالثابت تبرمه وشكايته
المتكررة منهم وقد مرَّ ما يدل عليه في مقدمة البحث وسيأتي ماله صلة وثيقة بمواقفه
معهم.
الإشكال الرابع :
قبول الإمام علي 7
بمبدأ الشورى :
واشكلوا أيضاً بان للإمام عليّ 7 أقوالاً ثابتة عند الشيعة ( منقولة في
نهج البلاغة ). ومنها قوله 7
: « إنما
الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً
.. » .
جواب الإشكال الرابع :
لم تكن شورى بل كانت فلتة :
إنَّ الحجة في كلام الإمام 7 قائمة على المحتج ؛ فكلام الإمام هنا
__________________
صريح وواضح ، وهو
أقربُ إلى التعريض والاِنكار منه إلى الاِقرار ، إذ متى اجتمع المهاجرون والأنصار
على رجلٍ يا تُرى ؟!
أفي السقيفة ؟! ، ونزاعهم مشهور ، وقولتهم
معروفة « منّا أمير ومنكم أمير .. » ثم كانت الفلتة حينَ صفق عمر بن الخطاب على يد
أبي بكر مبايعاً وتلاه أبو عبيدة
:
وكان ما كان مما لستُ أذكره ..
أو ليس من العجب أن ينسى طالب الحق
ومدّعي الانصاف امتناع سيد الخزرج سعد بن عبادة ، ومقولة الحباب بن المنذر : اِن
شئتم لنعيدنّها جذعة .
ثم امتناع بني هاشم والزبير وطلحة وغيرهم كثير ، فأين الاجتماع المزعوم ؟!
وقد قال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة
وقى الله المسلمين شرها
، وقال : فمن عادَ لمثلها فاقتلوه ، فلو كانت باجماعٍ لما صحَّ هذا القول من عمر.
هذا وقد قالت الزهراء بنت رسول الله 6
في خطبتها : « خوفَ
الفتنة زعموا ، ألا في الفتنةِ سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين »
.
تبرّم أمير المؤمنين
7 من خرافة الشورى :
وأما خلافة عمر بن الخطاب وعثمان بن
عفان فهذا كلام أمير المؤمنين
__________________
عليّ 7 فيها :
«
فيا عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاتِه ، لشدّ ما
تشطَّرا ضرعيها ! فصيّرها في حوزةٍ خشناء ... فَمُني الناسُ ـ لعمرُ اللهِ ـ بخبطٍ
وشماس وتلوّن واعتراضٍ ، فصبرتُ على طول المدّة ، وشدّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله
جعلها في جماعةٍ زعمَ أني أحدهم فيا لله وللشورى .. »
.
فكفى بذلك إنكاراً من الإمام عليّ 7 ، ولا يُقال إذن لماذا سكتَ الإمام ؟
ولماذا قبلَ الدخول في الشورى ؟! فاسمع جوابَه واضحاً صريحاً في نفس الخطبة :
«
أما واللهِ لقد تقمّصها فلان (يعني : أبا
بكر) وإنّه
ليعلم أنَّ محلِّي منها محلُّ القطب من الرحا ، ينحدرُ عنّي السيل ولا يرقى إليَّ
الطير فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كَشْحاً ، وطفقتُ أرتأى بين أن اُصولَ
بيدٍ جَذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدحُ
فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ..
ثم يقول : فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول
منهم حتى صِرتُ أقرن إلى هذه النظائر ! لكنّي أسْفَفْتُ إذ أسفّوا ، وطِرتُ إذ
طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغْنِه ومالَ الآخرُ لصهره مع هَنٍ وهَنٍ .. الخ »
.
فإن قالوا : إنّ هذه الخطبة ربما تكون
غير صحيحة.
__________________
فنقول : إنَّ هذه الخطبة ما هي إلاّ
واحدة من كلمات الإمام عليّ 7
التي تفصح عن شكايته ، فإن شئتم أن تصدّقوا بها فشأنكم ، وإن شئتم تكذيبها فليس
لكم أن تحتجّوا بأيّ كلام في النهج ، إذ ليس من الانصاف الإيمان ببعض الكتاب
والكفر ببعض ، وعلى الرغم من هذا سنحيل القارئ إلى من أخرج تلك الخطبة وهم :
١ ـ ابن النديم في الفهرست : ٢٢٤.
٢ ـ ابن عبد ربه الاندلسي ( ت ٣٢٨ ه )
في العقد الفريد.
٣ ـ ابن الجوزي في المناقب.
٤ ـ الآبي في نثر الدرر ونزهة الأديب.
٥ ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٣٣
وغيرهم.
وتفسير هذه الخطبة واضح لا يحتاج إلى
بيان ، فهو ينطق بالحجة على المحتج.
الإشكال الخامس :
حول بيعة الإمام علي 7
للثلاثة :
وأشكلوا ببيعة الإمام عليّ 7 للثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ
وزعموا انه لا يجاب عن تلك البيعة بتوخي المصلحة ، أو بالتقية ، أو بالاكراه ، فكلّ
ذلك يؤدي إلى انتقاص في حقِ سيدنا الإمام عليّ 7.
جواب الإشكال الخامس :
سبب بيعة الإمام 7
بعد الامتناع :
أما مسألة الاكراه على البيعة ، وعدم
مبادرته إليها بنفسه ، فقد تناقلها أهل التواريخ والسير :
أخرج البخاري : «أن علياً امتنَع عن
البيعة لمدة ستة أشهر حتى توفيت فاطمة الزهراء 3
» .
وفي خطبةٍ للإمام عليّ 7 يبين بوضوح أسباب بيعته ، ويفصح عن
سرّها فلا يبقى تأويل لمتأوّل : فاستمع أيُّها المنصف لما يقول 7 :
أ ـ « وأيمُ الله لولا مخافة الفرقة ، وأن يعود
الكفر ويبور الدين ، لغيّرنا ذلك ، فصبرنا على بعض الألم »
.
ب ـ وقال 7
في نهج البلاغة : «
فنظرتُ ، فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننتُ بهم عن الموت ، وأغضيتُ على
القذى وشربتُ على الشجا ، وصبرتُ على أخذ الكظم وعلى أمرَّ من طعم العلقم »
فهل يمكن أن
يُؤتى ببيان أوضح من هذا ؟!
وإذن ، فما وجه الانتقاص بعد هذا التذمر
والشكوى ؟ وهو 7
أعلم بالحال وبالمآل.
__________________
نعم ، لو لم يحتج عليهم وخرج إلى
السقيفة يسعى ، وترك الجسدَ الطاهر مسجّىً وصفق على أيديهم فوراً لكان ثمة وجه
لمثل هذا الاحتجاج.
الإشكال السادس :
حول حديث الغدير وعدم دلالته
على النصّ بالخلافة :
ومن إشكالاتهم الواردة حول النصّ زعمهم
أن لا دلالة في حديث الغدير على الخلافة مع أنّه عمدة الشيعة في المقام ، وحجتهم
في ذلك ـ كما تجدها في بعض الكتابات الهزيلة المتهافتة ـ ما نُسب إلى الحسن المثنى
بن الحسن السبط من أنّهم سألوه عن حديث من كنتُ مولاه ، هل هو نصٌّ على خلافة الإمام
عليّ 7 ؟ قال : لو
كان النبي 6 أرادَ
خلافته بذلك الحديث لقالَ قولاً واضحاً هكذا : « يا أيُّها الناس هذا ولي أمري
والقائم عليكم بعدي فاسمعوا واطيعوا .. » ثم قال الحسن ( المثنى ) « أقسم بالله لو
آثر عليّاً لأجل هذا الأمر ولم يمتثل عليّ لأمر الله ورسوله ولم يُقدم على هذا
الأمر لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر الله ورسوله به ... ».
جواب الإشكال السادس :
وبيان تهافته وما نقوله في
تفنيده :
إنّه على فرض صحة ما نُسب إلى الحسن هنا
، فإنَّ الاعتراض على حديث الغدير بمثل ذلك لمن أعجب العجاب ، ولا يتصور أن يصدرَ
ممن
له معرفة بفقه العربية ، فضلاً عمّن
أحاط علماً بأجواء حديث الغدير ، والقرائن الحافة به ، والشواهد المعززة والفهم
العرفي للصحابة وغيرهم منه ، فالقوم شهدوا يومَ الغدير ، بعد رجوعهم من حجة الوداع
، بطلب الرسول الأعظم 6
الاجتماع في ذلك المكان ، وفي مثل ذلك الحرّ القائظ وفي الهجيرة ، وفي مفترق الطرق
ليبلّغهم ما أمره به ربُّه جلَّ وعلا وبعد أن مهّد لهم قائلاً : « ألستُ أولى بكم من
أنفسكم » ؟ قالوا بلى يا رسول الله. ثم كررها
عليهم ثم أعقبها قائلاً : «
من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من
نصره ، واخذل من خذله » .
ولقد فهم الصحابة من ذلك بدون عناءٍ
وتكلف أنه مولاهم بمعنى أميرهم ، فأسرعوا يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين ، واستأذن
الشاعر حسان بن ثابت أن يقول شعراً بالمناسبة وفيه تصريح وتهنئة بإمرة المؤمنين .
هذا ، وقد نزل قول الله تعالى بعد ذلك
التبليغ مباشرةً (
اليَومَ
أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأتممتُ عَلَيكُم نِعمَتي ورَضِيتُ لَكُم الإسلام دِينا
) نقل
__________________
ذلك الواحدي ، وهي رواية عند السيوطي .
هذا ولم يكن حديث الغدير الأول والأخير
في هذه المسألة أعني في استخلافه صلوات الله وسلامه عليه الإمام عليّاً 7 ، وتنصيبه عليهم وليّاً وأميراً
ووصيّاً.
ولا شك هذا يدلُّ على الافتراء المكشوف
على الحسن المثنى وتلفيق هذا الكلام عليه ؛ لأنّ العلويين من الحسنيين والحسينيين
هم أعرف الناس بهذه الحقيقة التي يعرفها الأصحاب النجباء البررة ، وقد قدمنا
التصريحات على ما نقله أصحاب السير والتواريخ في المباحث السابقة ، وما أوردته
الصحاح والمسانيد في هذه القضية مثل حديث الدار ، وحديث خاصف النعل ، وحديث
المنزلة ، وحديث الثقلين المتواتر وغيرها كثير .
أما لماذا لم يقم ـ أو لم يُقدم على هذا
الأمر ، ولم يمتثل ـ كما أشار إليه المحتج بما نسب إلى الحسن المثنى ؟
فقد يحسن أن تُراجَع الخطبة الشقشقية للإمام
عليّ 7 كما في نهج
البلاغة وشرحها عند ابن أبي الحديد.
ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أنّ
رسول الله 6 قد عهد إليه
ووصّاه بوصايا لم يعهد بمثلها لاَحد ، على ما ذكر ابن عباس. فقد روى في
__________________
الحلية عنه : قال كُنّا نتحدث أن النبي 6 عَهِد إلى عليٍّ سبعين عهداً لم يعهد
إلى غيره .. وقد قال أمير المؤمنين 7
في هذا المقام بعد أن ذكر قصة تولّي القوم الخلافة قال : « فرأيتُ الصبرَ على
هاتا أحجى ... ».
ثم ليعلم : ان كلام الحسن المثنى ـ على
فرض ثبوته ـ هو ليس كما تأوله البعض « بأن الله تعالى ورسوله 6 لو آثرا عليّاً لأجل هذا الأمر ( يعني
الخلافة ) ولم يمتثل له ، ولم يقدم عليه ، لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر
الله ورسوله به » !!.
وذلك : أنّا لو سلّمنا أنه لم يقع الإحتجاج
بالنصّ ، فلا نسلّم أنّ ذلك دليل على عدمه أولاً ، ولا على أنّ عدم الإحتجاج به
خطأ ؛ لأنّ من يتجرأ على بيت فاطمة 3
ويتطاول على باب الإمام عليّ 7
ويقول ومعه رجاله : « والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فيها » !!
فقيل له : يا أبا حفص إنَّ فيها فاطمة. فقال : وإنْ !!! لا يبعد منه إطلاقاً دفع النص فيما
لو احتج به الإمام عليّ 7
، ولو بمكابرته ، وتكذيبه ، فيحصل من الضرر بالاحتجاج به أضعاف ما يحصل بتركه ، فطرح
ذلك كان حكمة وتدبيراً في وقت توجه الضرر إليه حتى قال في مناسبة أُخرى « لأسلِمَنَّ ما
سَلِمَت أمورُ المُسلمِينَ » .
لا يقال : إنّه 7 لو احتج بالنصّ لعرفه جمهور أهل
السُنّة.
لأنّا نقول : اطراح غير الشيعة لمثل هذا
وارد ؛ لأنّ الاحتجاج بالنصّ
__________________
لابدَّ وأنْ تكون
فيه حجة لشيعته ، ويلزم منه أن يكون كل ناقل له شيعياً ، لوجود الصارف الأموي عنه.
الإشكال السابع :
مدح الإمام علي 7
للثلاثة ومصاهرته لبعضهم ، وتسمية أولاده باسمائهم ومعاتبتهم بلين ورفق :
ومن أتفه اشكالاتهم على النصّ ، قولهم :
وماذا يُقال عن مدحهم في ( النهج ) ، وعن
مصاهرتهم ( كتزويج ابنته أم كلثوم من عمر ) ، وعن تسمية أولاده بأسمائهم حتى
معاتبة عثمان في النهج معاتبة الأخ المحبّ المشفق ؟!!.
جواب الإشكال السابع :
أولاً : بطلان حجة المدح
لثبوت القدح فيهم :
أما عن هذه الحجة الباردة فعلى القائل
أن يتذكر قوله تعالى دائماً : (
أفَتُؤمِنُونَ
بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فما جَزآءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إلاَّ
خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا
.. ) .
فما نقله عن النهج ، ولم يفهم حقيقته ، يبينه
قول أمير المؤمنين 7
: « فيا
عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخرَ بعد وفاتِه ، لَشَدَّ ما
تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزةٍ خشناء يغلظُ كلْمُها ، ويخشن مسّها ،
__________________
ويكثر
العثار فيها » .
أما مسألة التأويلات الفاسدة التي يلجأ
البعض اليها في مثل هذه الموارد ، فلا تجدي نفعاً لمن ألقى السمع وهو شهيد ، ولمن
رام الحقيقة ، وإلا فإنّه لا يضيع على من اتبع الهوى مخرجٌ وتأوّل.
ثم ما المانع أن يكون المدح من الإمام
عليّ 7 لهم ووصفه
لهم بالخلافة ، قد صدر منه تقية ؟
لا يقال : إنَّ التقية مرتفعة.
لأنّا نقول : كيف وقد أُخرج 7 من منزله يقاد قهراً ليكره على البيعة .
ثم كيف ، وقد اتقى قبله رسول الله 6 كما في الأثر الصحيح : « بئس أخو العشيرة »
لما في خلق ذلك الرجل من الشكاسة والخشونة .
وهل يستلزم المدح على فعل معين أكثر من
التشجيع على المثابرة عليه ، ومتى كان الممدوح أحق من المادح بالخلافة ؟!! ثم هل
أبقت الشقشقية للمدح عيناً أو أثراً ، وهنا لابدّ من الاشارة إلى نكتة طريفة وهي
أنّ المدح لا يدلّ على تعديلٍ وفي الشقشقية جرح ، وأن الجرح هو المتعيَّن للأخذ مع
كونه المتقدم في حالة التساوي.
هذا ، وقد ورد من طرقٍ صحيحة تقريعُهم
ولومُهم وبيانُ خطئهم وما
__________________
ارتكبوه في حق الامة
عندما حرموها من إمامة وخلافة أمير المؤمنين 7
، وما جرَّ على الامة ذلك من الويلات والنكبات وتسلّط الفسّاق والفجّار على رقاب
المسلمين ، وهذا ما أشارت إليه عائشة زوجة الرسول الأكرم 6 .
وكلّ هذا مسطور في محاورة عبد الله بن
عباس لعمر كما نقلها الزبير بن بكار في الأخبار الموفقيات ، ونقلها ابن أبي الحديد
في شرح النهج .
ما أشارت إليه الزهراء 3
في خطبتها :
وأما عن خطبة سيدة النساء سلام الله
عليها كما نقلها ابن طيفور في بلاغات النساء. فقد كشفت الكثير ونبّهت الامة إلى ما
سيلحقها من الويلات ويكفي أنها صلوات الله عليها ماتت غاضبة عليهما ، ودفنت ليلاً دون أن يحضروا جنازتها ، وفي ذلك أبلغ دليل وأقوى حجة على ما
كانوا عليه من الحال .
ثانياً : حجة
المصاهرة :
وأما عن خبر تزويج أم كلثوم من عمر فقد
طال الكلام حوله ، ولم يلتفت المستدل إلى أنَّ أهل البيت : قد أصّلوا قاعدة عامة اقتداء بجدهم
رسول الله 6 خلاصتها التعامل
مع المسلم على ظاهر إسلامه
__________________
دون الفحص عن خفاياه
ونواياه ، ويكفي في التزويج الإسلام على أنَّ في بعض طرقنا ما يدل على الاتقاء في
ذلك التزويج على فرض صحته ، وذهب فريق آخر إلى إنكار الموضوع واستدلوا عليه بجملة
من الأدلة.
ومهما يكن فان المصاهرة لا تدل على أكثر
من اتصال الوشائج والروابط وإحياء السُنّة أما أن تدل على أرجحية الصهر فدون
إثباته خرط القَتاد.
ولقد كان من أصهار النبي 6 أبناء أبي لهب ، واُمهما حمالة الحطب !
ثالثاً : حجة
التسمية :
وأما عن حجتهم بتسمية أهل البيت : باسماء الثلاثة فهو من المضحكات حقاً
لأنك واجد في أسماء أخلص الموالين لأهل البيت :
من تسمى باسم يزيد ، أو معاوية ، أو مروان ، أو عبيدالله ، أو زياد وغيرها من
الاسماء التي صادف وأن حملها طواغيت الاُمة وفراعنتها ، كما أنَّك واجد في الطرف
المقابل من تسمى بعلي مع بغضه لأمير المؤمنين عليّ 7
، كعليّ بن الجهم الشاعر المشهور بنصبه.
رابعاً : حجة
المعاتبة :
أما معاتبة عثمان في النهج فهو منهج عند الإمام في إدانة
المتعاقبين على الخلافة ، والكشف عن أعمالهم باسلوبه الخاص الذي يتحرّى فيه ـ كما
هو دأبه ـ مصلحة الإسلام العليا ، فتقديم النصح والمشورة لهم هو أحق بها من غيره.
__________________
ولهذا نجد الإمام الحسن 7 يقول لرسول معاوية بعد أن دعى الرسول
على معاوية : « لا تخن
من ائتمنك ، وحسبك أن تحبني لحبّ رسول الله ولأبي ولاُمّي ، ومن الخيانة أن يثق بك
قوم وأنت عدوّ لهم وتدعو عليهم »
.
فهل يحمل هذا على حبّ السبط 7 لابن آكلة الأكباد ؟ فهذا نظير لذاك.
الإشكال الثامن :
عدم معرفة زيد الشهيد بالنصّ
لعدم تواتره :
قالوا : لو كانت الإمامة بالنص معروفة
عند أهل البيت :
فكيف دعا زيد بن عليّ بن الحسين :
لنفسه .. وهذا يتعارض مع دعوى الشيعة بتواتر النصّ ، وعلى فرض وجوده فهو من الآحاد
ولا عبرة بالآحاد في الاُصول.
جواب الإشكال الثامن :
معرفة زيد الشهيد بالنصّ
واثبات تواتره :
إنّ هذا من الافتراء على زيد الشهيد 2 ، وخير دليل على ذلك هو أنَّ الإمام
عليّ بن موسى الرضا 8
قال للمأمون وهو يحدّثه عن زيد بن عليّ بن الحسين 8
الشهيد : « إنه كان
من علماء آل محمّد ، غضِبَ لله تعالى فجاهدَ أعداءه ، حتى قُتل في سبيله ، ولقد
حدثني أبي موسى بن جعفر أنه
__________________
سمع
أباه جعفر بن محمّد يقول : رَحِمَ اللهُ عمي زيداً ، إنه دعا إلى الرضا من آل
محمّد ، ولو ظفر به لوفى بما دعا إليه .. إنَّ زيد بن عليّ لم يدع ما ليس له بحق ،
وإنه كان أتقى لله تعالى من ذلك ، إنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد 6
» .
وفي رواية أنه ذُكر بين يدي الإمام
الصادق من خرج من آل محمّد ، فقال 7
: « لا أزال
أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمّد ، ولوددتُ أنَّ الخارجي من آل محمّد
خرج وعليَّ نفقة عياله » .
ومواقف الصادق 7 مع أولاد عمومته من بني الحسن تعرب عن
شدة أسفه وحزنه لما لا قوه من كيد الظالمين ، وفي الكافي وغيره عشرات الروايات
الدالة على ذلك.
أما كون النص متواتراً فنعم هو متواتر
عند المسلمين ، فلقد جاءت الروايات تترى في مناسبات جمةٍ ، وفي موارد لا تحصى كثرة
، فدونك حديث الدار
، وحديث المنزلة
، وحديث الثقلين
، وحديث الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش
، وحديث من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية فضلاً عن حديث الغدير الذي اعترف
بتواتره
__________________
الجمُّ الغفير من
الفريقين ، وكلها نصوص صريحة قطعية متواترة في المقام ، ولكنّ منهج المخالفين لأهل
البيت : ، يصرفون
النصوص عن ظواهرها ، ويتأوّلونها كما يشتهون ، وكذلك كانت نظريتهم وقانونهم كلما
جوبهوا بالحق لجأوا إلى التأويل الباطل
أو تكذيب الاحاديث كلما أعوزهم الدليل على ما يقولون كابن تيمية ونظرائه.
ثم ليعلم هنا أنَّ هذا الادعاء واضح
الفساد من أصله ؛ لأن المخالف لشيعة الإمام عليّ 7
قسمان : قسم ينظر في أخبار الشيعة ويطّلع على أقوالهم ، وفي هذا القسم من يمنعه
اعتقاده عن اعتقاد صحتها ، ومنهم المكابر ظاهراً لا باطناً طلباً لحطام الدنيا
وتوصّلاً إلى المقاصد العاجلة ، ومنهم المقرُّ المعترف الساتر لأمره ، ومنهم
المقرُّ المعترف الصادح بالحق.
وأما القسم الثاني ، فهم من دعاة التعصب
الذين لا ينظرون في أخبارنا ألبتة ويطرحونها حتى كأن ـ في عقيدتهم ـ لا تجتمع
الوثاقة والتشيّع في شخص مسلم ولذلك فهم لا يعملون بأخبارنا لإهمالهم لها ، والمنكر
لتواتر النصّ لا يصعب علينا تشخيص موقعه بينهم.
أما زعمهم إنَّ النصَّ لم يعرفه أهل
البيت ، وإنّهم أنكروه ! فهو قولٌ في غاية الغرابة ، بل هو مُنْكَرٌ للغاية ، لأنّ
المطّلع على التاريخ وكتب الصحاح والسيرة تتجلى أمامه الحقيقة الناصعة بمعرفة خصوم
أهل البيت :
__________________
للنصّ فكيف بأهل
البيت ومن ينتمي إليهم ؟! ، ودونك المحاورة التي جرت بين عمر بن الخطاب وبين ابن
عباس ، ونقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج .
ننقلها حرفياً كالآتي : « روي أنَّ ابن عباس 2
قال : دخلتُ على عمرَ في أول خلافته وقد اُلقي إليه صاع من تمر فدعاني إلى الأكل ...
قال : ( عمر ) : يا عبدالله عليك دماءُ
البُدن إن كتمتَها ، هل بقي في نفس ( عليّ ) شيء من أمر الخلافة ؟ قلتُ : نعم ، قال
: أيزعم أنّ رسول الله 6
نصَّ عليه ؟ قلتُ ( والقول لابن عباس ) نعم ، وأزيدك ، سألتُ أبي عمّا يدعيه ، فقال
: صَدَق ، فقال عمر : لقد كان من رسول الله 6
في أمره ذرْوٌ من قول لا يثبت حُجّة ، ولا يقطع عُذراً ولقد أراد في مرضه أن يصرّح
باسمه فمنعتُ من ذلك »
وفيه إشارة إلى قوله هجَر رسول الله أو غلبه الوجع حسبنا كتاب الله ، على ما نقل
البخاري .
وراجع : المحاورة في تاريخ الطبري وما
نقله عن عمر بن الخطاب من قوله لابن عباس : « إنّ قومكم يكرهون أن تجتمع فيكم
النبوّة والخلافة .. ».
وهناك ما هو أصرح وأبلغ ، وهو حديث
المناشدة. فراجعه في مسند أحمد من أكثر من طريق وفيه : فقام ثلاثون صحابياً فشهدوا
بحديث الغدير .
__________________
الإشكال التاسع :
انقطاع سلسلة الإمامة عند
الشيعة بالإمام العسكري 7 :
وقد زعموا بان عقيدة الشيعة بوجود الإمام
المهدي 7 تقوم على
ادعاء نائب واحد وبه يثبتون وجوده وامامته.
جواب الإشكال التاسع :
وما نقول في جواب هذا الإشكال : أنه قد
أثبت الشيعة بمئات الكتب المطبوعة أدلّتهم على تواتر ولادة الإمام المهدي 7 واستمرار وجوده الشريف وغيبته ، فهل
يريد منّا المفترون أن نكتب لهم موسوعة في الإمام المهدي 7 كجواب على افتراء نمّقوه بسطر واحد ؟!
إنّنا نذّكر بأنّ من جملة أدلتهم على ما
أنكروه ، استدلالهم باعترافات علماء العامّة بذلك وعلى حسب القرون ، ابتداءً من
القرن الرابع الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري ، حتى بلغوا مائة وثمانية وعشرين
شخصاً بين عالمٍ وفقيهٍ ومحدثٍ ومفسرٍ ومؤرخٍ ، وقد ذُكرت اسماؤهم ، وبُيِّنت
أقوالهم في بعض الدراسات تفصيلاً .
__________________
المبحث الرابع
تهافت العامّة
واضطرابهم في الإمامة والخلافة
لقد وقعت بعض المذاهب والفرق الإسلامية
بتهافت كثير وتناقضات صارخة في كثير من معتقداتها ومقولاتها .. ونعني بها : المرجئة
، والأشاعرة ، والحشوية ، والمجسمة ، والسلفية ، ووريثة ذلك الخليط الوهابية
المعاصرة.
وقد سطّر كلٌّ منهم من بدع الآخر الشيء
الكثير جداً ..
وهي منازعات معروفة بينهم ، وقد يحاول بعض علمائهم إخفاءها والتنكّر لها مخادعةً
للبسطاء الذين لا يقرءون ولا يبحثون عن الواقع !
ولعلّ من أهمّ ما وقعوا فيه من تهافت : مقولاتهم
المتذبذبة في الإمامة والخلافة ، يتنقّلون من قولٍ إلى قول مع تقلّب الصيغ
التاريخية ، كاشفين عن فراغ تامّ في الرؤية لهذا الموضوع المهمّ ، فكلّما وصلت
حالة أفرزت خليفة في التاريخ المتقدّم جعلوها تشريعاً ، حتّى انتهى بهم الأمر إلى
القول بشرعية الفوضى والفتن والتقاتل على الخلافة ، والقول بشرعية إمامة الفاسق
والجاهل والظالم !
__________________
يقول أحمد بن حنبل : « الإمامة لمن غلب »
!!
ويقول : من غلبهم بالسيف حتّى صار
خليفةً وسُمّي أمير المؤمنين فلا يحلّ لاَحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا
يراه إماماً ، برّاً كان أو فاجراً !!
فتابعه فقهاؤهم بالقول : « والأمر
مطَّرد ، فلو ثبتت الإمامة لواحد بالقهر والاستيلاء ، فيجيء آخر يقهره ويستولي على
الأمر ، ينعزل الأول ويصير الإمام هو الثاني »
!!
إنّها الأطروحة التي لا يقرّها دين ولا
يرتضيها ذو عقل سليم ، إنّما هي من شرائع الجاهلية الجهلاء قديماً وحديثاً ، وهي
أنسب بالغاب وساكنيها منها ببني الإنسان !! لكنّهم ارتضوا أن يشوّهوا صورة الإسلام
العظيم عصبيّةً لخلفاء فسّاق وطواغيت جعلوا الخلافة الإسلامية ملكاً يتنازعون عليه
، وليس أكثر من ذلك !
إنّهم احتجّوا لهذه العقيدة الباطلة
بأنّ عبد الله بن عمر قد صلّى بأهل المدينة في وقعة الحَرَّة التي حدثت على إثر
المعارضة والانتفاضة من أهل المدينة المنورة على يزيد بن معاوية ، وقد قال ابن عمر
في وقتها : « نحن مَعَ مَن غلب »
!!
وهكذا اتّخذوا هذه المقولة سنّة وديناً
يدينون به لكلِّ سلطان ، ولسبب واحد ، وهو أنّ الغالب قد صار سلطاناً ، فهم في
طاعة السلطان ، برّاً كان أو
__________________
فاجراً ، عادلاً كان
أو ظالماً ، عالماً كان أو جاهلاً ، انّما الطاعة للسلطان وحسب !!
لقد تمسّكوا بعبد الله بن عمر وتركوا
الحسين سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنّة الذي قال فيه جدّه المصطفى 6 : « حسين منّي وأنا من حسين ، أحبَّ اللهُ من
أحبَّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط »
.
فإذا وجدنا للحسين 7 أثراً فهو من سنّة رسول الله 6 بلا كلام لقوله 6 « حسين منّي وأنا من حسين .. حسين سبط من الأسباط
» ، والحسين 7 هو القائل في يزيد نفسه :
«
أيّها الناس إن رسول الله 6 قال : من رأى سلطاناً
جائراً مستحلاً لحُرَم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل
في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله
أن يدخله مُدْخَلَه ..
ألا
وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا
الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غَيَّر
... » .
فكيف أتوا إذن بتلك المقولة المتخاذلة «
نحن مع من غلب » واتّخذوها ديناً ، وأعرضوا عن الدين الذي أُمروا أن يتمسّكوا به ،
ويعضّوا عليه
__________________
بالنواجذ ؟!!
كيف لا ، والحسين هو الذي قرأنا فيه قول
رسول الله 6 المتقدم ؟..
وهو أحد النفر الأربعة الذين جمعهم رسول الله 6
تحت كسائه وقال : «
اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ؟ »
وأنزل الله تعالى فيهم : (
إنّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّركُم تَطهِيرا
) ؟! وقد مرّ أكثر من ثلاثين مصدراً من
مصادر الفريقين المعتبرة في الحديث والتفسير التي صرّحت بهذه الحقيقة .
والحسين 7
هو أحد العترة الطاهرة التي خاطب النبي أمته فيها فقال 6 : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا
بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض »
.
إذن قد ارتكب هؤلاء أمراً عظيماً ووقعوا
في انحراف خطير حين تركوا الدين الذي أُمروا باتّباعه ، واتبعوا خلافه !! وليتهم
وقفوا عند هذا الحد فقبلوا مقولةً وتركوا أخرى ، لكنّهم بالغوا في الانحراف حين
جعلوا الإمام الحسين 7
رجلاً في هامش التاريخ له جملة من الفضائل ، ثمّ اتّخذوا
__________________
عبد الله بن عمر
إماماً لهم في العلم والفتيا !! ومال بعضهم إلى أقبح العقائد وأبغضها إلى الله
ورسوله ، فاتّهموا الإمام الحسين نفسه ودافعوا عن الفاجر المريد ، يزيد بن معاوية
بكل صلافة ووقاحة ، هذا وهم يدّعون بكل ما يملكونه من حماس وهياج بأنّهم على صواب
كما صنع شيخهم ابن تيمية وسار على أثره وهّابية العصر الحديث ! فإن كانوا يدّعون
أنهم من أهل السُنّة ، فتلك سُنّة بني اُميّة وجماعتهم ، فقد صدقوا وما عدوا
الحقيقة ، وأما إن كانوا يعنون سنة النبي وجماعة المؤمنين ، فقد كذبوا وافتروا
وخابوا.
لقد فارقوا في هذا الاتجاه من لا يفارق
القرآن ، وحالفوا عدوّه !!
فارقوا من قال فيهم رسول الله 6 : « أنا حربٌ لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم »
.
فارقوا هؤلاء وحالفوا أعداءهم الذين
أبغضوهم وانتقصوا من شأنهم ، فاتخذوهم أولياء ، من دون أولياء الله ورسوله ، فأصبحوا
بعقيدتهم ومواقفهم هذه حرباً على الله ورسوله بنص النبي 6 ونظائره ، كقوله
__________________
الشريف : « اللّهم عادِ من
عاداهم ووالِ من والاهم » .
وأشهر منه قوله 6 المتواتر في الإمام عليٍّ 7 : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ من
والاه وعادِ من عاداه » .
__________________
والنصوص المتقدّمة توجب التمسّك بأهل
البيت : وطاعتهم.
إلاّ أنّ من افتتن بالبدع والأهواء وامتزج عليه الحق بالباطل ولم يعرف من أي
الضغثين يأخذ أو يدع ، نراه ومن وافقه وقلّده قد تركوا خلفاء الرسول 6 الراشدين المهديين الذين قال فيهم رسول
الله 6 : « عليكم بسُنّتي
وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ »
وقال 6 : « الخلفاء بعدي اثنا
عشر كلّهم من قريش ». وقال 6 : « إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا
بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».
وقال 6 : « من كنت مولاه فهذا
عليٌّ مولاه ». قال ذلك كلّه ليفسّر بعضه بعضاً ولا يبقي عذراً
لمعتذر.
انهم لم يتركوا المحجة الواضحة وينكروا
أهلها فحسب ، بل حرّفوا الواقع وقلبوه ، فجعلوا خلفاءهم الذين استولوا على الخلافة
بنحو أو بآخر وأبعدوا عنها أهلها ، جعلوهم المعنيين بالخلفاء الراشدين !! من غير
دليل ولا سلطان ولا برهان !!
__________________
وعلى هذه المغالطات والاَباطيل أسّس
المتقدّمون عقائدهم فجاءت بعدهم أجيال مستضعفة مسكينة مخلصة لكنّها لم تعرف من
الدين إلاّ هذه الصورة المقلوبة ، فأخذت تتعصّب لأوهام تظنّ أنّها الحقائق ، وأنّ
كلّ ما خالفها فهو الباطل !!
ومن علمائهم المعاصرين من إذا وقف على
هذه المغالطات ازداد عصبيّة وعنجهيّة وأزبد وأرعد ، أيكذّب بهذا ويتنكّر لذاك ، عبودية
للهوى ليس إلاّ ..
لكنّ منهم من وقف مواقف الأحرار ونجا من
طوق الهوى والعصبية إلى قدر جيّد ، فانتقدوا بشدّة تلك الآراء المتهافتة في اتّباع
الغالب وإعذار السلف ، ووضع جنايات المفسدين منهم تحت عنوان الاجتهاد والتأويل ، وسخروا
من ذلك كلّه.
ومن أجل تبرير ما صنعه بعض الصحابة أعني
المتنازعين على الخلافة ، قالوا : إنّ النبي 6
مات وترك الاُمّة هكذا هملاً بغير إمام ، وترك الأمر إلى الاُمّة. وهذا أعظم شيء
افتروه على الله والرسول 6
، لكنّ العجيب أنّه لمّا يأتي ذكر أبي بكر وعمر وغيرهم ينزّهونهم عن هذه الخلّة ، ويقولون
: إنّهم لا يمكن أن يتركوا هذه الاُمّة بلا إمام فتقع الفتنة !!
فاذا كان الخليفة منزّهاً عن أن يترك الاُمّة
هملاً بلا إمام ، أفليس النبي 6
أولى بهذا التنزيه ؟! هل أدرك الخلفاء أمراً غاب عنه 6
؟ أم كان هو 6 أقلّ منهم
حرصاً على هذا الدين وعلى الاُمّة ؟!
__________________
وعندما قال أهل الدين الحقّ ، أتباع
النبي 6 وآله : : إنَّ هذا محال ، وإنّ النبي 6 لا يمكن أن يعرّض دينه للاضطراب
واُمّته للفتن والنزاع ، فلا يدعهم بلا إمام قادر على حملهم على المحجّة البيضاء ،
عالم بتفصيل ما في الكتاب والسنّة لا يجهل منهما شيئاً ، مُنزّه عن الميل إلى
الدنيا ومتابعة الهوى .. وهذا هو الذي جاء عنه 6
بأمر ربه تعالى فإنّه (
وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاَّ وَحيٌّ
يُوحَى )
، وهو الذي
قرأناه في جملة من أحاديثه الشريفة الصحيحة آنفاً .. .
عندما قال أهل الدين الحقّ بهذا ، وأسموه
« الوجوب العقلي على الله تعالى » أي أنّه تعالى يستحيل أن يترك ذلك ، فقد كتب على
نفسه الرحمة .. خالفهم المتسمّون بغير إسمهم ، وقالوا : لا يجب على الله شيء ولا
يستحيل منه شيء ، فنسبوا إليه حتى القبائح تعالى الله عمّا يصفون ، فقالوا : « إنّه
عز وجل قادر على أن ينسخ التوحيد !! وعلى أن يأمر بالتثنية والتثليث وعبادة الأوثان
!! وأنّه تعالى لو فعل ذلك لكان حكمة وعدلاً وحقّاً ، ولكان التوحيد كفراً وظلماً
وعبثاً !! ... وأنّه لو أراد أن يتّخذ ولداً لاصطفى ممّا يخلُق ما يشاء» !! هكذا جوّزوا أقبح المنكرات على الله
تبارك وتعالى لجاجة وعناداً وعصبيّةً !!
وإذا قيل لهم كيف يجوز أن تنسبوا إلى
الله تعالى القبائح ؟! قالوا إنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء ، وإذا قلتم يمتنع
نسبة القبائح إليه فقد أوجبتم على الله تركها ، ولا يجب على الله شيء !! انظر هذه
السطحية في التفكير ،
__________________
لتعلم أنّه ما سار
عليها الخَلَف إلاّ عصبيّةً لما قاله أسلافهم !
وإذا قيل إنّ الله تعالى لطيف بعباده
فهو يفعل ما يقرّبهم إلى طاعته ويبعّدهم عن المعاصي ـ لا إلى حد الإلجاء ، بل لأجل
التقريب والتمكين والتيسير ـ خالفوا في ذلك أيضاً وقالوا : لا يجب على الله فعل
شيء يقرّب العباد إلى طاعته أو يبعدهم عن معصيته ! ثم احتجّوا بما يدل على اللجاج
والسطحية ، فقالوا : لو وجب اللطف لما بقي كافر ولا فاسق !! هذا ، وهم ينقلون عن أصحاب الحق
القائلين باللطف أنّهم لا يعنون باللطف حد الإلجاء والقهر ، وإنّما هو ( اللطف
المقرّب إلى الطاعة ) مثله مثل الباب تُفتح لدخول الدار ، فلا يقول عاقل أن الباب
لو فتحت لما بقي أحد خارج الدار إلاّ ودخلها !! فبين الأمرين فرق شاسع لا يخفى على
عاقل وإن خفي على مقلّد متعصّب همّه التقليد لا غير.
والذي صرفهم إلى كل هذا هو قضية الإمامة
أيضاً ، فكل دين وعقيدة ونصّ يقدح باُولئك المتغلّبين على منصب الإمامة ، فعليهم
أن يردّوه ويكذّبوا به دفاعاً عن أولئك الأمراء الخلفاء ، لا غير ! فهم يعلمون أنّ
الإيمان بأن الله تعالى لطيف بعباده يفتح أمامهم الأبواب إلى طاعته ، فبعث الأنبياء
لطفاً ليتوصل العباد إلى معرفته وطاعته ، وجعل من ورائهم أوصياء يحملون رسالتهم
يبلّغونها حق تبليغها ، إذ لا يخفى عليهم شيء من علومها وأحكامها ، وكما فعل مع
تلك الاَُمم فهو فعّال مع خير الاَمم ، أمّة خاتم النبيّين ، فاصطفى منها أوصياء
ليكونوا الأمناء على هذا الدين وعلى الاُمّة بعد نبيّها الأكرم 6.
__________________
فإذا آمنوا بذلك علموا علم اليقين أنّ
خلفاءهم كانوا منحرفين عن أمر الرسول ونصوص الرسالة .. فلأجل ذلك كذّبوا ونسبوا
حتّى القبائح إلى الله تعالى تنزيهاً لخلفائهم ، فارتضوا أن ينسبوا إلى الله تعالى
كل قبيح لكنّهم لم يرتضوا أن يوصف خلفاؤهم بفعل قبيح ارتكبوه.

المبحث الأول
مفتريات حول تحريف
القرآن الكريم
كلمة موجزة عن كتب
الحديث عند الفريقين :
اِعلم ـ أخي المسلم ـ أنَّ كتب الحديث
الأساسية عند الشيعة هي أربعة كتب ، أولها الكافي لثقة الإسلام الكليني ( ت ٣٢٩ ه
) ، ثم كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ه ) ثم الاستبصار والتهذيب
وكلاهما للشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ه ) ، وقد سميت هذه الكتب بالاُصول الأربعة.
والشيعة لا تنظر لأيِّ منها على أنَّه
أصحُّ كتاب بعد كتاب الله عز وجل ، بخلاف ما يراه العامّة في صحيحي البخاري ومسلم
كما يبدو من تتبع أقوالهم قديماً وحديثاً ، ويكفي تسميتهم لها ب ( الصحاح ) !
ناهيك عن غلوهم بالصحيحين.
فالذهبي مثلاً ، والسرخسي ، وابن تيمية ،
وابن الصلاح قد صرّحوا بأنّ ما في الصحيحين يفيد القطع ، ذكر هذا الكشميري في فيض
الباري على صحيح البخاري تحت عنوان : ( القول الفصل في أنَّ خبر الصحيحين يفيد
القطع ). وقال : ( واعلم
أنّه انعقد الإجماع على صحّة البخاري ومسلم ) .
ونجد ابن خلدون يصرح في تاريخه بأنَّ الإجماع
قد اتّصل في الاُمّة على تلقي الصحيحين بالقبول والعمل بما فيهما ، ثم قال : « وفي
الإجماع أعظم حماية ، وأعظم دفع »
يريد بهذا دفع أي قول بخلاف هذا باجماع العامّة !
وفي عمدة القاري ( اتّفق علماء الشرق
والغرب ( يعني : علماء العامّة ) على أنّه ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي
البخاري ومسلم ) .
ومن راجع مقدمة فتح الباري ، وعمدة القاري ، وإرشاد الساريٍ ، ووفيات الاعيان ، وصحيح مسلم بشرح النووي ، وكشف الظنون سيجد فيها اتفاق علماء العامّة على ذلك
، بل والاكثر من هذا أنّه اتفق مترجمو البخاري وشارحو كتابه على أنّه قال : أخرجت
هذا الكتاب من مائتي ألف حديث صحيح وما تركته من الصحيح أكثر ..!!
وفي مقابل هذا نجد الشيعة قديماً وحديثاً
قد وقفوا موقفاً معتدلاً من
__________________
الكتب الأربعة وعلى
رأسها الكافي ابتداءاً من الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه باب الرجلين
يوصى اليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة
وباب صوم التطوع وثوابه
، والشيخ المفيد في جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية ، والسيد الشريف المرتضى في جوابات
المسائل الرسيّة
، وجوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة
، والطرابلسيات
، والتبّانيّات
، وغيرهم ممن جاء بعدهم من علماء الشيعة وإلى يومنا هذا.
فقد بينوا موقفهم الصريح المتحرر من
قيود التعصب إزاء روايات الكافي وغيره من كتبهم الحديثية ، ولم يَغْلُ واحد منهم
في أيٍّ منها ويُسَمِّها بغير اسمها ، إذ لا يوجد في قاموس الشيعة كتاب لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه غير كتاب الله العزيز وكفى ، ولم يدّع أحد بأنَّ
أخبار الكافي تفيد القطع ، ولا الإجماع على صحة جميع ما فيه ، اللّهم إلاّ إذا
استثنينا ما ذهب إليه الأخباريون كالأسترابادي الذي رام أن يجعل أحاديث الكافي
قطعيّة الصدور لما اعتمده من قرائن لا تنهض بذلك باتفاق من عاصره وتأخر عنه ، ويكفي
أنّه قد أنكر عليه هذا خاتمة
__________________
المحدثين وشيخ الأخباريين
الميرزا النوري ؛ في مستدرك الوسائل .
هذا ، والكليني 1 لم يصرّح بصحة أحاديث الكافي ، كما
صرّح البخاري بصحة جميع أحاديث كتابه ، وتابعه على ذلك أهل العامّة حتى صرّحوا
بإجماعهم عليه كما مرَّ.
أكاذيب حول كتاب
الكافي بشأن شبهة التحريف :
فإذا علمت هذا ، فاعلم أنّه قد زعم
بعضهم سكوت الشيعة المعاصرين عن أخطاء علمائهم السابقين ، بل ومحاولة الدفاع عن
تلك الأخطاء التي توجب الكفر كروايات شبهة التحريف في كتاب الكافي للشيخ الكليني ،
متسائلاً : أهنالك مجال للشك في تكفير من يروي التحريف ، والله تعالى يقول : ( إنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وإنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ )
؟
رد هذه الاكاذيب
ومعالجة تلك الشبهة :
أقول : إنّ تدارك الخطأ ـ ما لم يكن عن
عَمْدٍ ـ في أيِّ كتاب من كتب التراث عند جميع المسلمين بشتى مذاهبهم لا يتم
بتكفير مؤلفه ، وإنّما يُكتفى في ذلك بالتنبيه على الخطأ لكي يُجتنب.
وأمّا لو كان ذلك الخطأ عن عَمْدٍ من
مؤلفه ، فالأمر مختلف ، كلٌ بحسب نوعية الخطأ وحجمه ومقدار تأثيره ، وفي كل ذلك
تفصيل.
فلو فُرِضَ أنَّ ذلك الخطأ مما يستلزم
الردّة ، وعَلِمَ صاحبُه بهذا وأصرَّ
__________________
عليه ، فحكمه هنا
ليس كحكم رِدّة الغالط ، والغافل ، والسّاهي ، والمُكرَه وإنْ لم يكن في الواقع
كذلك لكنه ادّعاه فيقبل منه ولا يحكم بردّته ولا يراق دمه. للأصل الثابت عند جميع
المسلمين في رفع حكم هذه الأشياء كلها ، أعني : قوله 6
: « رفع عن
اُمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما
لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما
لم ينطق بشفة » هذا ما لم يثبت العكس ، فإنْ ثبت فينظر
في إسلام المرء قبل ردته.
هل كان عن فطرة ، حتى يقتل من دون
استتابة ؟ ؛ لحديث : «
من بدّل دينه فاقتلوه ».
أم عن ملة فيستتاب ؟ فإنْ تاب فهو ، وإلاّ
فالقتل بعد اليأس منه.
وعلى أية حال فإنَّ من يزعم نفي الشكّ
في تكفير العلماء لمجرد فرض تحقق قولهم بشبهة تحريف القرآن الكريم ، قد أثبت لنا
جهله بما لا مزيد عليه ، فهو لم يكن له سابق عهد لا بالقرآن الكريم ، ولا بفقه
المسلمين ، ولا بكتب الحديث ، ولا بسيرة أرباب المذاهب وعلماء الإسلام في التعامل
مع الفرض المذكور ، فلا جرم عليه إذن فيما زعم ، للأصل المذكور ، أعني : حديث رفع
التسعة ، ومنها ( ما لايعلمون ).
__________________
إنّ علماء الشيعة الإمامية قد اتفقوا
على تكفير بعض من كان من أصحاب الأئمة :
، كأبي الخطّاب وأصحابه لعنهم الله ، وأطلقوا لقب ( الكذّاب ) على جعفر ابن الإمام
الهادي 7 على الرغم
من كونه ابن إمام وأخا إمام وعم إمام من أئمة أهل البيت :. فهم لا يخشون في الله لومة لائم في
تكذيب الكاذب ولعن الضال المنحرف الكافر ، بل يكفّرونه كائناً من كان ، ولهذا
تراهم يلعنون من أخرج له البخاري في صحيحه حديث لبس الحرير ، أعني : عمران بن حطان
السدوسي شاعر الخوارج الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله لقتله مولى المتقين 7 ، بقصيدته التي يقول فيها :
يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها
|
|
الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
|
في حين نرى من يدافع عنه من الطرف الآخر
وينقل عن العجلي وغيره توثيقه
!!!
فاين ذهب الإنصاف يا ترى ؟! وما عدا مما
بدا ؟! ومَنِ السّاكت على الباطل والمدافع عنه منا ؟
ما بال عينك لا ترى أقذائها
|
|
وترى الخفيّ من القذى بجفوني
|
مناقشة أصل الشبهة
واثبات تهافت حججهم :
هذا ، وأمّا إذا عدنا إلى أصل الشّبهة
فإنّا لا نجد ما يدلّ عليها في كتاب الكافي على نحو يقطع به على ترسّخ مقولة
التحريف عند الكليني ، ويشهد لذلك أنّ المستدلين على أن مذهب ثقة الإسلام هو
التحريف قد
__________________
تمسكوا بحجّتين :
الحجة الاُولى : رواية
الكليني لروايات التحريف :
زعم مثيروا هذه الشبهة أنّ الكليني روى
روايات في هذا المعنى ولم يتعرض لقدحها.
مناقشة الحجة
الاُولى :
اعلم ان جواب حجتهم الاُولى يكون من
الكافي نفسه ، مع التنبيه بأنا لا نسلّم بأنَّ الكليني 1 روى صريحا في هذا المعنى إلاّ في رواية
واحدة ( اشتبه النسّاخ فيها ) ذكرها في باب أطلق عليه اسم ( النوادر ) ، وأما ما
عداها فلا دليل على أنه مسوق في دائرة التحريف ، وإليك التفصيل :
أما
الرواية التي شُنَّع بها على الكافي والشيعة أيضاً ، فهي ما ورد
في باب النوادر من اُصول الكافي ٢ : ٤٦٣ / ٢٨ بسنده عن أبي عبد الله 7 أنّه قال : « إنَّ القرآن الذي
جاء به جبرئيل 7 إلى محمّد 6
سبعة عشر ألف آية ».
وبغض النظر عن مناقشة سند الرواية ، فإنّها
لم تخرج إلاّ من طريق واحد وفي الكافي فقط دون جميع كتب الحديث الشيعية ، فهي إذن
من أخبار الآحاد. كما أنها مخرّجة في باب النوادر ، والنادر هو الشاذ الذي لا عمل
عليه ، وقد ورد تصريح الإمام الصادق 7
وفي الكافي نفسه بترك الشاذ الذي ليس بمشهور ، والأخذ بالمجمع عليه ؛ لأن المجمع
عليه لا ريب فيه .
وهذا يعني أنَّ الكليني ;
كان على بيّنة تامة من شذوذ تلك
__________________
الرواية ؛ لأنه هو
نفسه الذي صنفها في باب النوادر ، وهو نفسه الذي روى حديث ترك الشاذ النادر ، فكيف
يُعقل بعدئذ القول باعتقاده بصحة ما رواه في خصوص ذلك المورد الشاذ النادر ؟!
فاذا ضُمّ هذا إلى ما تقدم من عدم وجود
القائل بقطعية صدور أخبار الكافي ، وعدم تصريح الكليني ولا شهادته بصحة جميع ما في
كتابه ، مع ما ذكره من قواعد تمييز الخبر الصحيح من غيره في باب كامل من أبواب
أصول الكافي ، ذكر فيه اثني عشر حديثاً بمعرفة تلك القواعد ، وأولاها الأخذ بما وافق شواهد الكتاب
العزيز ، والسُنّة الثابتة. عُلِمَ حقيقة موقف الكليني من أخبار الآحاد النّادرة
الشّاذة التي لم تعتضد بقرينة عقلية أو نقلية مع مخالفتها لاجماع الشيعة الإمامية
على نفي التحريف عن ساحة القرآن الكريم نفياً باتاً كما هو صريح كلام الشيخ الصدوق
( ت ٣٨١ ه ) ، والشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ه ) ، والسيد المرتضى ( ت ٤٣٦ ه ) ، والشيخ
الطوسي ( ت ٤٦٠ ه ) ، وغيرهم الكثير من أعلام الطائفة وشيوخها كما استقرأه
العلاّمة السيّد عليّ الميلاني في كتابه ( التحقيق في نفي التحريف عن القرآن
الشريف ) .
ولكن قد يقال : بأنه إذا كان رأي
الكليني كما ذكرتم إزاء هذا الخبر فلماذا رواه اذن ؟! وهل هنالك من فائدة في رواية
خبر مكذوب مثلاً ؟!
__________________
والجواب : أنا لا نسلّم أن خبر الكافي
هذا قد كان بعين لفظه المذكور ( سبعة عشر الف آية ) عند الكليني ، بل الظاهر
تحريفه اشتباها من النساخ ، والصحيح كما في بعض النسخ المعتمدة ( سبعة آلاف آية ) ،
فكأن الناسخ لهذا الخبر استقل العدد ( سبعة الاف ) فكتب بدلاً عنه : ( سبعة عشر
الف آية ).
ومما يدلّ على ذلك هو نقل علماء الشيعة ،
وبعض العامّة لهذه الرواية بالذات عن الكافي سنداً ومتناً وبلفظ ( سبعة آلاف آية ).
وهذا صريح بوقوع الاختلاف في نسخ الكافي
بخصوص هذا المورد وفي تلك العبارة بالذات ، ومع اختلاف نسخ الكافي بخصوص المورد
المذكور يسقط الاحتجاج بما هو مخالف لمبنى الكليني ؛ في ترك الشاذ النادر الذي ليس
بمشهور والاخذ بالمجمع عليه كما مرّ بتصريح الكليني نفسه.
وأما من نقل العدد ( سبعة آلاف آية ) عن
الكافي فهم :
١ ـ المحقق الفيض الكاشاني ( ت ١٠٤١ ه )
.
٢ ـ موسى جار الله التركستاني ( ت ١٣٦٩
ه ) .
٣ ـ عبد الله بن عليّ القصيمي الوهابي .
__________________
٤ ـ ابو زهرة ( ت ١٣٩٤ ه ) .
٥ ـ الدكتور الوهابي أحمد محمّد أحمد
جلي .
٦ ـ إحسان إلهي ظهير .
وإذا تقرر هذا لاستحالة اتفاق هؤلاء ـ
وهم من أقطار شتى ـ على شيء لصالح الكافي وفيهم من هو رافع عقيرته للتشنيع على
مؤلفه ومذهبه ، فأعلم أنَّ ظاهر العدد ( سبعة آلاف آية ) ليس مسوقاً لغرض الإحصاء
المنطبق مع عدد الآي ، بل جاء ذلك من باب إطلاق العدد التّام المتناسب مع الواقع
بعد حذف الكسور أو تتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال من باب التسامح
بعدم تعلق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد ، إذ المعلوم أن عدد آيات القرآن
الكريم لا يبلغ السبعة آلآف آية وإنّما هو (٦٢٣٦) آية .
وهذا نظير ما اشتهر في الرواية من أن الإمام
زين العابدين 7
لم يزل باكياً بعد شهادة أبيه الحسين 7
أربعين سنة ، مع أنّ الإمام زين العابدين 7
لم يعش بعد واقعة كربلاء أكثر من خمس وثلاثين سنة بالاتفاق.
وهذا بخلاف ما لو أريد التصريح بالعدد
المطابق للواقع كما في روايات
__________________
تلك الشبهة في كتب
العامّة ، والتي سنذكر طرفاً منها تحت عنوان :
نظائر رواية الكافي
في كتب العامّة :
أخرج السجستاني عن يحيى بن آدم أنّه قال
عن أسباع القرآن : إنَّ السُّبعَ الأول ( ٥٤٧ ) آية ، والسبع الثاني ( ٥٩٠ ) آية ،
والسبع الثالث ( ٦٥١ ) آية ، والسبع الرابع ( ٩٥٣ ) آية ، والسبع الخامس ( ٨٦٨ )
آية ، والسبع السادس ( ٩٨٦ ) آية ، والسبع الآخِر ( ١٦٢٤ ) آية.
قال في المصاحف بعد أن أخرج ذلك عن يحيى
بن آدم : « فجميع آي القرآن ستة آلآف آية ومائتا آية وتسع وعشرون ، في الجملة
نقصان ثلاثون آية خطأ في الحساب » .
أقول
: العدد ليس كما ذكره ، إذ حاصل مجموع
الآيات في هذه الأسباع هو ( ٦٢١٩ ) آية ، ومع إضافة الثلاثين آية إلى هذا العدد
يكون الناتج : ( ٦٢٤٩ ) آية ، وأما مع إضافة الثلاثين إلى العدد الذي ذكره
السجستاني سيكون المجموع ( ٦٢٥٩ ) آية ، هذا في صورة فرض التحريف في العدد الأول
سهواً من الناسخ ، ولا يخفى أنَّ تلك الأعداد برمتها لا تنطبق مع الواقع على الرغم
من إرادة الانطباق بدليل ذكر الكسور. والموجود في المصحف الشريف بحسب النسخة
المطبوعة بمجمع الملك فهد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة لسنة ( ١٤١٤ ه ) هو : (
٦٢٣٦ ) آية. ولا شك ان هذا الفارق له أثره ؛ لان المراد من إحصائهم لآيات القرآن
الكريم بحسب الأسباع ليس هو العدد النسبي المقارب لآيات المصحف ، وإنّما أرادوا
__________________
العدد المنطبق معها
، فكان من الضروري التنبيه عليه !
على أن مشكلة إحصاء العامّة لِمَا في
القرآن الكريم من سور أو آيات لم تقف عند هذا الحد كما سيتضح من رواياتهم :
فعن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت : «
كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي 6
مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاَّ ما هو الآن » .
وعن زر بن حبيش قال : « قال لي أبيُّ بن
كعب : كم تقدّرون سورة الأحزاب ؟ قلت : إمّا ثلاثاً وسبعين آية ، أو أربعاً وسبعين
آية. قال : إنْ كانت لتقارن سورة البقرة ، أوْلهيَ أطول منها » !!
قال ابن حزم في المحلّى عن إسناد هذه
الرواية : « هذا إسناد صحيح لا مغمز فيه »
!!
وإذا ما علمت أنّ في سورة البقرة ( ٢٨٦ )
آية ، وفي الأحزاب ( ٧٣ ) آية فإنّه سيكون المقدار الناقص من آياتها بموجب هذه
الرواية ( صحيحة الاسناد !! ) هو ( ٢١٣ ) آية أو أكثر من ذلك « أو لهي أطول منها »
أمّا مقداره في قول عائشة فهو ( ١٢٧ ) آية ، بينما نجد ابن حبّان في صحيحه يروي عن
أبيُّ بن كعب بأن سورة الأحزاب توازي سورة النور ، وسورة النور ( ٦٤ ) آية.
__________________
ومن مراجعة صحيح مسلم ، والبرهان
للزركشي ، والدر المنثور في تفسير سورة البينة ، يعلم أنّ إحصاءهم ـ أو قل : تقديرهم
لعدد آيات سورة البينة ـ ينقص عما هو عليه اليوم (١٢١) آية ؛ لأنّهم رووا عن أبي
موسى الأشعري وغيره ، بأنَّها في الطُّول كسورة براءة أي : (٩٢١) آية ! بينما المصحف الشريف
يشهد على كونها ثمان آيات فقط.
على أنّ ما قدمناه أهون بكثير من إحصاء
عمر بن الخطاب لحروف القرآن الكريم كما في رواية الطبراني ، وقد شهد على ذلك
السيوطي في الإتقان ، وإليك نص ما نسبه إلى عمر من أنَّه قال :
« القرآن ألف ألف حرف ، من قرأه صابراً
محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين » .
وهنا لابدّ من وقفة قصيرة فنقول :
إنّ المنقول في احصاء حروف القرآن هو :
عن ابن مسعود : ( ٣٢٢٦٧٠ ) حرفاً.
وعن ابن عباس قولان :
أحدهما : ( ٣٢٣٦٢١ ) حرفاً.
والآخر : ( ٣٢٣٦٧٠ ) حرفاً.
وعن مجاهد : ( ٣٢٠٦٢١ ) حرفاً.
__________________
وعن إبراهيم التيمي : ( ٣٢٣٠١٥ ) حرفاً.
وعن عبد العزيز بن عبدالله : ( ٣٢١٢٠٠ )
حرفاً.
وعن غير هؤلاء ( ٣٢١٠٠٠ ) حرفاً.
وكلّ هذه الاستقراءات ذكرها الفقيه أبو
الليث نصر بن محمّد السمرقندي الحنفي في كتابه بستان العارفين .
بيد أنّ المنقول عن أكثر القراء هو : ( ٣٢٣٦٧١
) حرفاً.
ولكنّ الاحصاء الكومبيوتري يشير إلى أن
عدد حروف القرآن الكريم يساوي ( ٣٣٠٧٣٣ ) حرفاً ، ومنه يعلم عدم مطابقة استقراءات
العامّة باجمعها لواقع حروف القرآن الكريم.
وقد مرَّ عن عمر بأنَّ حروف القرآن
مليون حرف. ومع مقارنة هذا العدد مع أي عدد آخر مما ذكرنا يكون الناقص من حروف
القرآن الكريم ـ بموجب هذه الرواية العاميّة الخبيثة ـ يزيد على ضعفي القرآن الكريم.
(
كَبُرَتْ
كَلِمَةً تَخرُجُ مِنْ أفواهِهِمْ إن يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً
) .
هذا ما علمته عن رواية الكافي في باب
النوادر ، والغرض منها حقيقة وواقعاً يختلف اختلافاً كلياً بالقياس إلى ما سمعته
من الاستقراءات الباطلة بأجمعها.
__________________
عودة إلى بعض روايات الكافي :
هذا وأمّا ما قيل في حجتهم الاُولى
بزعمهم أنّ في الكافي روايات كثيرة بهذا المعنى ( أي التحريف ) ، فهو قول باطل ؛
لأنّ جميع الروايات الاُخرى لا دلالة فيها على المدّعى ، ولكنها لم تفهم دلالتها
كما ينبغي ، فهي إمّا بخصوص اختلاف القراءة القرآنية ، او زيادة توضيحية ، أو
تأويل النص أو تفسيره كما بيّن كلّ في محله بدراسة نقدية تفصيلية لجميع تلك
الروايات ومناقشتها سنداً ودلالة .
وإليك بعضها :
١ ـ روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله 7 قال : « قرأ رجل على أمير المؤمنين 7 ( فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ
الظَّالِمينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ )
فقال : بلى والله لقد كذبوه أشدّ التكذيب ، ولكنها مخففة
( لا يُكْذِبُونَكَ ) :
لا يأتون بباطل يكذبون به حقك »
.
وقد بين الطبرسي في مجمع البيان أنّ
قراءة التخفيف هي قراءة نافع ، والكسائي ، والأعشى عن أبي بكر ، وأنها قراءة أمير
المؤمنين عليّ 7
، وهو المروي عن الصادق 7
، أمّا الباقون فقد قرأوا بفتح الكاف مع التشديد . ونظير هذه الرواية في الكافي روايات
اُخَر أيضاً ، كقراءة ، ( ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم
) ب ( ذو عدل منكم ) وغيرها ، ولا يخفى ان هذا
__________________
من الاختلاف في
القراءة ولا علاقة له بدعوى التحريف ، ولكن من مثل إحسان الهي ظهير وغيره لا
يستبعد منهم التشهير بمثل هذه الروايات على الكافي . بسبب جهلهم أو ارادتهم الشغب والتشويه.
٢ ـ وعن أبي جعفر 7 انه قرأ (
ولَوْ
أنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُون بِهِ (
في عليّ ) لَكَانَ
خَيْراً لَّهُم )
، وقد وردت روايات اُخَر فيها التصريح باسم الإمام عليّ 7 إمّا في وسط الآي ، أو في موضع آخَر
منها ما روي عن أبي عبد الله 7
: ( هَذَا صِرَاطٌ
) عليّ ( مُستَقِيمٌ
) .
وهذه الزيادات لا شك ولا شبهة في كونها
زيادات توضيحية لا أنها من أصل المصحف الشريف ، والدليل على ذلك ما رواه الكليني
نفسه من طريقين عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن قول الله عز وجل : ( أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُول واُوِلي
الأمر مِنكُم ) فقال
7 : « نزلت في عليٍّ بن
أبي طالب والحسن والحسين : »
( فقلت له : إنّ الناس يقولون : فماله لم يسمِّ عليّا وأهل بيته : في كتاب الله عز وجل ؟ فقال 7 : « قولوا لهم : إنّ رسول الله 6
نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتى كان رسول الله 6
هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهمٌ ،
حتى كان رسول الله 6 ـ هو الذي فسر ذلك
لهم ـ ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا اسبوعاً
__________________
حتى
كان رسول الله 6 هو الذي فسر ذلك لهم ،
ونزلت (
اطيعوا
اللهَ واطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر مِنكُم
) نزلت في عليّ والحسن والحسين فقال رسول الله 6
: في عليّ : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ؛ وقال 6
: أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فاني سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرق بينهما حتى
يوردهما عليَّ الحوض ، فأعطاني ذلك »
.
ولو كانت تلك الزيادات من أصل المصحف في
نظر أهل البيت :
لكان الجواب بها أولى من حوالة السائل على ما فسرته السُنّة المطهّرة كما لا يخفى.
٣ ـ وعن الإمام الصادق 7 قال : « كان عليّ بن الحسين 7
يقول : (
إنَّا
أنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ
) صدق الله
عزّ وجل انزل الله القرآن في ليلة القدر (
وَمَآ
أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ
) قال رسول
الله 6 : لا ادري ،
قال الله عز وجل (
لَيْلَةُ
القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهرٍ
) ليس فيها
ليلة القدر » .
أقول : إنَّ وضوح هذه الزيادات لا يخفى
على أحد أنها زيادات ليست من أصل المصحف في عقيدة الكليني وقد ورد نظيرها من
الزيادات التوضيحية في صحيحي البخاري ومسلم ، من ذلك ما أخرجاه عن ابن عباس ، أنه
قال : « كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم إذا اُنزِل جبريل بالوحي وكان
مما يحرك به لسانه وشفتيه ، فيشتد عليه ، وكان يعرف منه فأنزل الله : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ
) أخذه ( إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ
) ان علينا أن
نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرأه (
فَإذَا
قَرَأنَاهُ
__________________
فَاتَّبِع
قُرآنَهُ )
.
على أنّ السيوطي أخرج في الدر المنثور
عن عبدالرزاق ، وعبد بن حميد وابن جرير ، ومحمّد بن نصر ، وابن المنذر ؛ عن قتادة
في قوله تعالى : (
لَيْلَةُ
القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ
) قال : خير
من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .
وأخيراً ، فإنّ الكليني نفسه قد أورد سورة القدر كاملة من غير هذه الإيضاحات
بتلاوة الإمام الصادق 7
.
وما يقال عن غير ما ذكرنا هو عين ما
يقال هنا فلا حاجة إلى التطويل.
الحجة الثانية : احتجاجهم
بعناوين أبواب الكافي :
فقد احتجوا بما عنونه الكليني في اُصول
الكافي من الأبواب ، ويقصدون بذلك ( باب أنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الأئمة : ) ، بتقريب أنّ مذاهب العلماء تعلم
غالباً من عناوين أبواب كتبهم.
وهذا هو ما تمسك به مثيرو هذه الشبهة
حول كتاب الكافي كإحسان إلهي ظهير ، ومن سبقه ، أو من جاء بعده ، ولا حجة ثالثة لهم على ما يزعمون
فيما استقصيناه وتتبعناه.
__________________
جواب الحجة الثانية :
وأمّا عن حجتهم الثانية ، وهي ـ كما
عرفت ـ التمسك بعناوين الأبواب فنقول في جوابها : إنّها ينبغي أن تكون تلك الحجة
للكليني بعد عكسها لا عليه.
ولتوضيح ذلك نقول : إنّه عنون قدس سره
في الكافي باباً بعنوان ( الأخذ بالسُنّة وشواهد الكتاب ) وقد أودع فيه جملة من
الروايات نذكر منها :
١ ـ عن أبي عبد الله 7 قال : « قال رسول الله 6
: إنّ على كل حقٍّ حقيقةً ، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما
خالف كتاب الله فدعوه » .
وواضح أنّ المراد من الترك لما خالف
الكتاب هو ترك العمل به بعد ثبوت كون المخالفة على نحو اليقين وليس المخالفة
المشكوك فيها والتي يمكن معالجتها.
٢ ـ وعن أبي عبد الله 7 : « كل شيء مردود إلى الكتاب والسُنّة ، وكل حديث
لا يوافق كتاب الله فهو زخرف »
.
٣ ـ وعنه 7
قال : « خطب
النبي 6 بمنى ، فقال : أيّها الناس ما جاءكم عني يوافق
كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله »
.
__________________
وإذا كانت مذاهب العلماء تعرف من خِلال
أبوابهم كما يدعي هؤلاء ، فَلِمَ لا يكون مذهب الكليني هو رد كل حديث لا يوافق
كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم 6
، والحكم عليه بأنه من زخرف القول ، وأنّه لم يقله نبيٌّ ولا وصيٌّ ؟
ومن ثم فإن الباب الذي عقده الكليني في
اُصول الكافي بعنوان : « إنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الأئمة : وإنّهم يعلمون علمه كله » لا دلالة في
العنوان على وجود نقص في آيات القرآن الكريم الموجود عندنا ولا زيادة فيها في ما
جمعه الأئمة : ، وهذا ما
أوضحه الكليني نفسه في أحاديث الباب المذكور ، وربما قد لا يتفطن لذلك إلاّ النابه
الذكي.
فقد جاء في الحديث الأول من الباب
المذكور بسند صحيح عن الإمام الباقر 7
أنّه قال : « ما ادّعى
أحدٌ من النّاس أنّه جمع القرآن كله كما اُنزِل إلاّ كذابٌ ، وما جمعه وحفظه كما
نزّله الله تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب 7 والأئمة من بعده :
» .
وفهم هذا الحديث على حقيقته لا يتم إلاّ
ببيان جهتين :
الاُولى : إثبات أنّ للإمام عليٍّ 7 مصحفاً.
والاُخرى : بيان ماهية هذا المصحف.
فنقول :
أمّا إثبات أنّ للإمام عليٍّ 7 مصحفاً ، فهذا ما صرّح به أعلام
العامّة أنفسهم ، فقد أخرج السجستاني بسنده عن ابن سيرين قال : « لما توفي النبي
صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم أقسم عليٌّ أن لا يرتدي برداء الا لِجُمْعَةٍ
__________________
حتى يجمع القرآن في
مصحف ، ففعل » .
وقد صَرّح بهذا ابن النديم ، كما ذُكر في اتقان السيوطي ، وسنن
أبي داود ، وحلية الأولياء لأبي نعيم ، والأربعين للخطيب البغدادي وغيرها فيما
تتبعه السيد حسن الصدر .
إذن ، هناك من وافق الكليني من العامّة
بأنّ للإمام عليٍّ 7
مصحفاً جمع فيه آيات القرآن الكريم ، ولم يسبقه أحدٌ من الصحابة إلى ذلك كما هو
صريح رواية ابن سيرين.
وأمّا عن طبيعة هذا المصحف الشريف
وماهيّته ، فإنَّ ذلك يُعرف من تدبّر رواية الكافي المتقدمة ، فإنَّ عبارة ( كما
اُنْزِل ) و ( كما نَزَّله الله تعالى ) فيهما إشارة واضحة إلى أنّ طريقة الجمع
كانت على ترتيب نزول الآيات ، وليس على الترتيب المتعارف اليوم من وجود بعض السور
المدنية التي تحتوي على آيات مكية ، وبالعكس.
ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي ، فنقول
:
إنّ آية التطهير وهي قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً
) لا يوجد نصٌ واحد في جميع كتب الحديث
والتفسير قط يشير إلى نزولها مع آية اُخرى ، بل جميع النصوص المرويّة في المقام
لدى الفريقين تصرح بنزولها مستقلة ، ومن كان له أدنى
__________________
حظٍّ في متابعة كتب
الحديث والتفسير يسلّم بهذه الحقيقة. وهي إمّا أنْ تكون نزلت في بيت أم سلمة وهو
الارجح لكثرة الروايات في ذلك ، وإما في بيت عائشة ، كما هو صريح الروايات الخاصة
بحديث الكساء ، إذْ فيها تصريح كل منهما : ( نزلت هذه الآية في بيتي ) ثم تقرأ
الآية ، ولكنك ـ على الرغم من كثرة الروايات البالغة درجة التواتر والتي تصرح بهذه
الحقيقة
تجد أنّ الآية في سورة الأحزاب قد اتّصلت بكلام من الذكر الحكيم ، فكانت جزءَ آيةٍ
لا آية ، حتى صار الجزآن آية واحدة ، وهي : (
وَقَرْنَ
في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليَّةِ الأولى وَأقِمْنَ
الصَّلاةَ وَءَآتِينَ الزَّكاةَ وَأطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ
اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجَس أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً
) ثم قال
تعالى بعد ذلك مباشرة (
وَاذْكُرْنَ
ما يُتلَى فِي
__________________
بُيُوتِكُنَّ
مِن آياتِ اللهِ وَالحِكمَةِ إنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً
) .
ويلاحظ هنا اُمور عدّة ، نكتفي بذكر
واحدٍ منها ، وهو :
إنَّ صدر الآية الاُولى ـ وهي الثالثة
والثلاثون من سورة الأحزاب ـ يختلف عن ذيلها اختلافاً كليّاً ، فلسان الصدر لسان
الانذار والتهديد والوعيد ، ولسان الذيل لسان المدح والثناء والتعظيم.
فلو رفع الذيل ووصلت الآية الرابعة
والثلاثون بصدر الثالثة والثلاثين لما حصل أدنى اختلاف في النظم البياني ، ولا
البلاغي ، ولا الإيقاعي ، ولا النغمي المعهود في فواصل الآيات ، ولجاء المعنى
تامّاً خالياً من أدنى ملاحظة يمكن أن تترتب على رفع ذيل الثالثة والثلاثين. وهذا
يدل على أنّ آية التطهير لم تكن في أصل النزول جزء آية بل آية تامة وإنّ وضعها في
هذا المكان من سورة الاحزاب إمّا أنْ يكون بتوقيفٍ من النبي الأعظم 6 أو بتصويب من جامعي القرآن الكريم بعده.
ونظير هذا بالضبط قوله تعالى ( اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ
عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً
) فقد اتفق الطرفان على نزول هذه الآية
الكريمة في غدير خمٍّ بعد إتمام البيعة لأمير المؤمنين 7 بروايات كثيرة لا مجال لدفعها بحال من الأحوال
. بينما نجد
هذا القول
__________________
الكريم هو جزء من
آية من سورة المائدة ، على أنّ الجزء المتقدم عليه والذي بعده هو في بيان أحكام
اللحوم.
فلو اتّصل الجزءان معاً ، ورفع ما يخص
إتمام الدين ، لكان المعنى تامّاً ، والنظم سالماً من أدنى ملاحظة تقال.
أمّا ما هو السرّ في جعل تلك الآيات
أجزاء آياتٍ اُخرى ؟ فيمكن توضيحهُ فيما يأتي ، فنقول :
لا يخفى على أحد له حظ من العلم ، أنّ
قوله تعالى : (
إنَّمَا
وَلِيُكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والذَّيِنَ آمَنُوا الذَّيِنَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ
) . قد نزل في أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب 7 بالاتفاق
على أثر التصدّق بخاتمه 7
، وهو راكع لله عزّ وجل .
__________________
والسؤال : لماذا لم يذكر الله عز وجل
أمير المؤمنين 7
باسمه الشريف في هذه الآية ، بينما عبّر عنه بصورة الجمع ، مما كان ذلك مدعاة
لحثالة من النواصب أن يصرفوها عن الإمام عليّ 7
ما استطاعوا ؟!
والجواب على الاِيجاز والاختصار ـ وهو
للسيد شرف الدين في مراجعاته الخالدة ـ : إنّ الجمع هنا يفيد التعظيم حيث يستوجب ،
ونكتة ألطف وأدق وهي إنّما جاء التعبير بالجمع مع إرادة المفرد بقياً منه تعالى
على كثير من النّاس الذين لا يطيقون سماعها بصيغة المفرد ، فالحكمة اقتضت مراعاة
هؤلاء ؛ لكي لا يصدر منهم ما تخشى عواقبه من التضليل والتمويه.
ولا يبعد أنْ تكون آية التطهير وآية
إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب سبحانه ، قد وضعت على ما هي عليه اليوم لنفس
تلك الحكمة ، هذا مع القول بالترتيب التوقيفي الذي لم يثبت تواتره ، وأما مع القول
الآخر ، فإنَّ ذا الحجى يدرك غايته.
وإذا ما عرفت هذا ، فاعلم أنّ المراد
برواية الكافي هو جمع القرآن الكريم على ترتيب نزول آياته ، ويدل عليه ما أخرجه
الشيخ المفيد بسنده عن الإمام الباقر 7
أنّه قال : « اذا قام
قائم آل محمّد 6 ضربت فساطيط لمن
يُعَلِّم الناس القرآن على ما انزله الله جلّ جلاله ، فأصعب ما يكون على من حفظه
اليوم ؛ لأنه يخالف التأليف »
أيّ : الترتيب.
ومعلوم من لسان روايات كثيرة أنّ مصحف الإمام
المهدي ( عجلّ الله
__________________
تعالى فرجه الشريف )
هو عين المصحف الذي جمعه جدّه الإمام أمير المؤمنين عليّ 7 ، ومن هنا يتضح المراد من عنوان باب
الكافي والحديث الذي ورد فيه ، وهو ـ والله العالم ـ أنّ جمع القرآن الكريم على
ترتيب نزوله لم يتم على يد أحدٍ غير أمير المؤمنين 7
، ومن ادعى ذلك غير الإمام عليّ وولده :
وحفظه على ذلك الترتيب فهو كاذب. وليس المراد أنّه لم يجمع أحد القرآن الكريم
مطلقاً غير الإمام عليّ 7
، فافهم.
روايات التحريف في
أهم كتب العامّة :
ولكن هلمّ معي ننظر معاً ما في الصحيحين
من روايات ، فهل يمكن لمنصف عاقل ان يتأولها بغير ما هو ظاهر من معناها بل وصريح
فيه أيضاً.
ولعمري إذا لم تكن تلك الروايات مكذوبة
على الله ورسوله ، فإنّ رواتها في الصحيحين لا يمكن إثبات نزاهتهم من خرافة تحريف
القرآن الكريم ، وأما عن مذاهب العامّة فلم يسلم منهم أحد إلاّ بقدر همل النعم لما
تقدم من إجماعهم على صحة ما في الصحيحين ، بل وتصريحهم بأن خبرهما لا سيما البخاري
يفيد القطع ، ولو كان فوق القطع أمر أعلى حجّة من القطع لنحلوه ـ على الأقل ـ إلى
ما اجتمع عليه الشيخان !
أمثلة أضغاث الباطل
في كتب الصحاح :
وسوف نضرب لك من أضغاث الباطل المسكوت
عنه ـ حتى صار حقاً ؛ لأنه من ( الصحيحين ) ـ بعض الامثلة ، وعلى ذلك فقس ما سواه
إلاّ ما ندر.
١ ـ في صحيح البخاري في كتاب المحاربين
باب رجم الحبلى من الزنا بالإسناد إلى عمر بن الخطاب ، قال : ( .. ثم كنا نقرأ
فيما نقرأ من كتاب الله :
أنْ لا ترغبوا عن
آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم )
.
والغريب في هذه الآية أنّا وجدناها
حديثاً من أحاديث أبي هريرة في صحيح مسلم في كتاب الإيمان باب بيان حال من رغب عن
أبيه وهو يعلم .
ولا يخفى أنّ في هذا المورد ما يقطع بتهافت الصحيحين !!
٢ ـ في صحيح مسلم في كتاب الرضاع باب
التحريم بخمس رضعات بالإسناد إلى عائشة ، قالت : « كان فيما اُنزل من القرآن : عشر
رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخت بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه ( وآله
) وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن » .
أقول : وكانت عائشة تفتي دون سائر أزواج
النبي 6 ودون سائر
الصحابة : بجواز رضاعة الكبير استناداً لآية الرضاع المزعومة ، وقد حصل هذا فعلاً
لسهلة بنت سهيل حيث أرضعت من كان ذا لحية وشهد بدراً وهو سالم حليف زوجها أبي
حذيفة ؛ لكي يصير له ابناً من الرضاعة ؛ حتى يذهب ما كان في نفس أبي حذيفة من دخول
سالم عليها
!!!
٣ ـ في صحيح البخاري في كتاب المحاربين ،
باب رجم الحبلى من الزنا بالإسناد إلى عمر ، قال : « فكان مما أنزل الله آية الرجم
، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ورجمنا
__________________
بعده ، فأخشى إن طال
بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك
فريضة أنزلها الله»
!!!.
وفي موضع آخر من صحيح البخاري في كتاب الأحكام
باب الشهادة تكون عند الحاكم ، والقول قول عمر : « لولا أن يقول الناس زاد عمر في
كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي »
!!!.
وآية الرجم في فتح الباري بشرح صحيح
البخاري هي : « الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله » والظاهر أنّ هذه الآية لم تحفظ كما
ينبغي أن تحفظ ؛ لأنّها وردت بألفاظ اُخر لا يعنينا أمرها.
أقول : هب أنَّ عفريتا من الجنّ ـ اسمه
( نسخ التلاوة ) ـ ابتلع هذه الرواية أفلا يدلّ قول عمر : ( فاخشى إن طال بالناس
زمان ... ) وقوله : ( لولا أن يقول الناس زاد عمر .. ) على أنّه كان يرى أنّ
المصحف الماثل بين يديه ناقص من آية الرجم ، أو لا يدل على ذلك ؟!
« أفهنالك مجال للشك ؟ ( إنَا نَحنُ نَزَلنَا الذِكرَ وإنّا لَهُ
لحافِظُون )
» !!
ومن لم تكن له عين بصيرة
|
|
فلا شك أن يرتاب والصبح مسفرٌ
|
٤ ـ في صحيح البخاري في كتاب الجهاد والسير ، بالإسناد إلى أنس في
خبر إرسال النبي 6
سبعين صحابيا من القراء إلى بعض القبائل العربية كرعل ، وذكوان ، وعصيّة ، وبني
لحيان. قال البخاري « قال قتادة :
__________________
وحدثنا أنس أنهم
قرأوا بهم قرآناً : ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنّا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا )
ثم رفع بعد ذلك »
!
والعجيب في هذا الخبر أنّ البخاري قد
صرح فيه أنَّ الأعراب قد غدروا بجميع القّراء وقتلوهم حين بلغوا بئر معونة.
بمعنى أنّهم إمّا لم يتمكنوا من أداء
مهمتهم ، لأنّهم قُتِلوا قبل ذلك ، وأمّا أنّهم أدّوا مهمتهم ثم قتلوا قبل الوصول
إلى المدينة.
والسؤال المحير هنا : كيف عَلِمَ أنس
بهذه الآية التي قرأوها ولم يصل أحد منهم إلى المدينة ليخبر أنس بهذه الآيات
النازلة ! التي قرأت ثم رفعت ؟ هذا مع أنّ الخبر موقوف على أنس ولم يرفعه إلى النبي
6 حتى يقال
مثلاً أنّه من أخبار صاحب الوحي 7
، وهل بعد هذا يكون خبر الواحد الموقوف على صحابي من القرآن ؟
والسؤال الآخر : كيف رفع هذا القرآن ؟
من المكتوب ( وهو المصحف ) ؟ أم من القلوب ؟ والاحتمال الأول باطل ، إذْ لا نصّ
عليه ولو برواية مكذوبة ، والثاني كذلك زيادة على عدم رفعه من قلب أنس أو غيره
بدليل روايته ونقله.
٥ ـ في صحيح البخاري في باب من لم ير
بأساً أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا. بالإسناد إلى عائشة قالت : « سمع النبي
صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قارئاً يقرأ من الليل في المسجد فقال : يرحمه الله ، لقد
ذكرني كذا وكذا آية ، أسقطتها من سورة كذا وكذا » .
__________________
ولست أدري هل توجد أعظم من هذه الفرية
؟. فالنبي يسقط آيات من القرآن !!!
وَمَن يَتَّبِع في أَمْرِهِ رأيَ
جَاهلٍ
|
|
يُقِدْهُ إلى أمْرٍ مِنَ الغَيِّ
مُنكَرِ
|
فَعَوِّدْ مَقَال الصِّدقِ نَفْسَكَ وارْضِهِ
|
|
تُصَدَّق ، وَلا تَرْكَنْ إلى قَوْلِ
مُفتَري
|
٦ ـ في صحيح مسلم في كتاب الزكاة عن أبي موسى الأشعري ، أنّه قال
لقرّاء أهل البصرة ـ يعني بعد وفاة النبي 6
بسنين ـ : « .. وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنّا نشبّهها في الطُول والشِدَّة ببراءة
فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً
ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التُّراب » .
والغريب جداً من مسلم صاحب الصحيح أنه
أخرج هذه الآية المزعومة على انها حديث ولم يتعرض لنقدها . والأغرب من كل هذا انه نسب إلى ابن
عباس ( ترجمان القرآن ) انه قال بشأن ( لو كان لابن آدم ) : « فلا أدري أمن القرآن
هو ، أم لا »
؟.
٧ ـ في صحيح البخاري وصحيح مسلم من كتاب
الزكاة بالإسناد إلى أبي موسى الاشعري ، قال : « وكنا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى
المسبّحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا
تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة » .
__________________
أقول : إنَّ ضياع سور من القرآن في تلك
المدعيات الباطلة ، أو إسقاط اُخَر منه ونحو ذلك مما مرَّ ليس بأعظم من المفتريات
الاَُخَر التي احتضنتها روايات كتب الذين يتبجحون بالصراحة ويزعمون أنّهم لا
يسكتون عن الباطل بل يشهّرون بأصحابه ويكفرونهم !!
من أمثال ما روي عن ابن عمر أنَّه قال :
« لا يقولن أحدكم : قد أخذت القرآن كُلّه ، وما يدريه ما كُلّه ؟ قد ذهب منه قرآن
كثير !! ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر » .
كما روى ابن أبي داود ، وابن الأنباري ،
عن ابن شهاب ـ كما في منتخب كنز العمال ـ أنّه قال : « بلغنا أنه كان أُنزل قرآن
كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يُعلم بعدهم ولم يكتب
» !!
وأما عن إنكار ابن مسعود لسورة الفاتحة
والمعوذتين فحدّث ولا حرج ، حتى قال السيوطي : « قال ابن حجر : فقول من قال : أنّه
كُذب عليه ( أي على ابن مسعود ) مردود ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا
يقبل ، بل الروايات صحيحة ، قلت : وإسقاطه من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسند صحيح » . على أن هذه الرواية الموصوفة بالصحة
عن العامّة ، قد كذّبها الشيعة منذ أقدم العصور كما سنشير إليه وقد
__________________
ردها من العامّة
السيالكوتي في حاشيته .
كما ان سورة الخلع ، وسورة الحفد قد كان
أبو حفص عمر يقرأهما في صلاته وقنوته كما صرح بذلك السيوطي في تفسيره فإذا ما أضفنا هذا إلى الرواية المسندة
إليه بوجود مليون حرف في القرآن علمنا أنَّ آية الرجم التي عقلها ووعاها كما تقدم
عن الصحاح إنما هي من القرآن المزعوم الذي هو في لغة الاعداد ومنطق الارقام يزيد
على حروف كتاب الله العزيز حسب آخر إحصائية ب ( ٦٧٨٨٢٠ ) حرفاً ، أي بما يعادل
القرآن الكريم ثلاث مرات !! ولهذا ذهب ابن عمر ـ بعد أن انطلت عليه هذه الاكاذيب ـ
إلى القول بضياع الكثير من القرآن كما مرّ آنفاً !
وأخيراً ، لابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ
الفضل بن شاذان ( ت ٢٦٠ ه ) وهو من فضلاء وفقهاء أصحاب الأئمة من أهل البيت : ، قد أنكر على العامّة رميهم الصحابة
بمثل هذه المفتريات الباطلة وعدّها من باب الوقيعة في أصحاب رسول الله 6 .
فانظر إلى تحرّج الأصحاب.
ومن لطيف ما احتج به الفضل رحمه الله
تعالى على العامّة بكتابه الإيضاح أنّه أورد ما نسبوه إلى عائشة بأنها قالت « لقد
نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلما مات
رسول الله 6 وتشاغلنا
بموته دخل داجن فأكلها »
!!
__________________
فقد أنكر عليهم الفضل بن شاذان بما
حاصله :
بانه ما استطاعت الاِنس والجنّ على أن
تأتي بمثل القرآن ولو في آية من آياته ، ولا تمكن أعداء القرآن من تحريفه ، فكيف
استطاع داجنكم أن يأكل من القرآن ، ويبطل فرضه ويسقط حجته ؟!
وأغرب ما وقفت عليه هو أنَّ الزمخشري في
كشّافه ـ لمّا لم يستطع أن يجد تأويلا أو تبريراً مقنعاً يبين من خلاله كيف استطاع
هذا الداجن الشيطان أن يتسلل إلى بيت النبي 6
ويفعل فعلته ـ حاول التملّص من الخبر واتهام الروافض في تلفيقه ؟ .
أقول : بعد أن عرفت من أخرجه من الصحاح
والصحابة ، ومن ردّه وهو ( الفضل بن شاذان ) من ( الرافضة ) ، فاعلم أنّا مع الزمخشري
في اعتقاد تلفيقه فافهم.
هذا ، وقد ذكر السيد الميلاني في ( التحقيق
في نفي التحريف عن القرآن الشريف ) كلمات عِدّة من أعلام العامّة المتقدمين
والمتأخرين يصرحون بأنَّ هذه زيادات موضوعة من بعض الزّنادقة.
إلى غير ذلك من الروايات المكذوبة عند
العامّة ، والتي تمس القرآن الكريم صراحة .
__________________
المبحث الثاني
البَدَاءُ وعلم الله
تعالى
إعلم بأنَّ إنكار اليهود للنسخ إنّما هو
لاعتقادهم بأنّه خلاف الحكمة ولا يصدر إلاّ عن جهلٍ بالمصالح والمفاسد ، وهذا هو
ما صرّح به الغزالي ، والرازي وغيرهما من رؤوس الاشاعرة .
ولما كان البداء ـ بمعناه السلبي ـ
يلتقي مع فهم اليهود للنسخ ، فعدّوه أيضاً دالاً على خلاف الحكمة كالنسخ ايضاً.
بل تذرعوا في إنكار النسخ بكونه بَدَاء ،
والبَدَاء إنّما يتصور بحق من يجهل عواقب الاُمور ، والله تعالى منزّه عنه. وهذا
القدر مصرّح به في كتب الأشاعرة وغيرهم .
__________________
الافتراء على الشيعة
بتعريف البَدَاء
فإذا علمت هذا ، فاعلم أنَّ خصوم الشيعة
تدّعي زوراً بأنّ البداء عند الشيعة يستلزم تغيير علم الله عزّ وجل ، وهذا لا يجوز
، بل وذهبوا إلى أنّ لازمه الجهل على الله تعالى ؛ لأنّ معنى البداء لغة ظهور
الشيء بعد خفائه.
بل افترى بعضهم على الشيعة بوقاحة عجيبة
فقال ما نصه : « والبداء عند الشيعة أن يظهر ويبدو لله عزّ شأنه أمر لم يكن عالماً
به ».
وهذا المفتري هو محمّد مال الله
البحريني افترى ذلك في كتابه ( موقف الشيعة من أهل السُنّة ) ص٢٨ ، وكرّر هذا
الافتراء في كتابه ( الشيعة وتحريف القرآن ) ص ١٢ بلا أدنى تغيير مشيراً في هامش
الكتابين إلى كتاب أصل الشيعة واصولها ص ٢٣١ مع حصر ما ذكره بين قوسين لإعلام القارئ
بنقل هذا الكلام من كتاب ( أصل الشيعة واُصولها ) للشيخ محمّد الحسين آل كاشف
الغطاء ;.
وللأسف أنْ نجد عند غيره هذا الافتراء
نفسه .
تزييف هذا التعريف
وبيان وقاحة مفتريه :
ولكنّك إذا ما عدت إلى ( أصل الشيعة
واُصولها ) ستجد الشيخ آل كاشف الغطاء قد قال ما نصه : « ومما يشنع به الناس على
الشيعة ويزدرى
__________________
به عليهم أمران :
الأول : قولهم بالبداء ، تخيّلا من
المشنعين : أن البَدَاء الذي تقول به الشيعة هو عبارة عن أن يظهر ويبدو لله عز
شأنه أمراً لم يكن عالماً به » !
راجع أصل الشيعة واُصولها :
١ ـ طبعة القاهرة لسنة ١٩٥٨ م ، ص ٢٣١.
٢ ـ طبعة ايران ـ قم لسنة ١٤١٠ ه ، ص ٢٣١
( اُوفست عن طبعة القاهرة ).
٣ ـ طبعة النجف الاَشرف لسنة ١٩٦٩ م ، ص
١٧٩.
٤ ـ طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت لسنة
١٩٨٣ م ، ص ١٤٨.
٥ ـ طبعة مؤسسة الإمام عليّ 7 ، بتحقيق الاُستاذ علاء آل جعفر ، لسنة
١٤١٥ ه ، ص ٣١٣.
فانظر كيف تلاعب بالنص فحذف صدره ، وأطلق
ذيله غير آثم ولا متحرج ، مع أنّ الشيخ آل كاشف الغطاء عقّب على ذلك التشنيع في
أصل كتابه مباشرة فقال : « وهل هذا الا الجهل الشنيع ، والكفر الفظيع ؟ لاستلزامه
الجهل على الله تعالى ، وأنّه محل للحوادث والتغيرات ، فيخرج من حضيرة الوجوب إلى
مكانة الامكان .. ».
وهكذا تجد المشنّعين على الشيعة يفترون
عليهم بالأباطيل التي لا أصل لها في عقائدهم ولا في تفكيرهم ، منهم البلخي على ما نقله
الشيخ
الطوسي في تفسيره ، والغزالي ، والرازي ، والآمدي ، مع أنّ إمامهم الأشعري صرّح بأنّ ( الرافضة
) افترقت في هذا على ثلاث فرق ، ونسب إلى الثالثة أنّها لا تجوّز على الله تعالى
البداء قال : « وينفون ذلك عنه » .
نفي الجهل عن ساحته تعالى :
أقول : لا يوجد في تاريخ الشيعة من ينسب
البداء ـ بمعنى ظهور الشيء بعد الجهل به ـ إلى الله تعالى قط ، لا قديماً ولا
حديثاً ، بل حتى فرق الشيعة البائدة التي كفّرها أئمة اهل البيت : مع سائر علماء الإمامية ، لم يؤثر عنهم
ذلك الا ما ينقله بعض المتعصبين والمشنعين من مخالفيهم.
نعم نسب هذا إلى فرق المجسمة والمشبهة
لما لديهم من المقالات التي هي أشبه بالخرافات منها بالديانات حتى قال بعضهم كما
في ملل الشهرستاني : « اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك » !! تعالى الله عما يقول المبطلون علواً
كبيراً ، وكبر مقتا ان يقولوا على الله زوراً وكذباً ما لا يعلمون.
__________________
هذا ، وإذا ما رجعت إلى كتب الشيعة
العقائدية بل وحتى الحديثية ستجد التصريح بخلاف هذا المدّعى تماماً ، مع تكفيرهم
لكلِّ من يزعم بأنّ الله سبحانه يبدو له عن جهل.
ففي الكافي بسنده عن أبي عبد الله 7 « ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن
يبدو له » .
وعنه 7
« إنّ الله
لم يبدُ له من جهل » .
وعنه أيضاً وقد سأله منصور بن حازم ( هل
يكون اليوم شيءٌ لم يكن في علم الله بالأمس ؟ قال 7
: « لا ، من
قال هذا فأخزاه الله ». قلت : أرأيت ما
كان وما كائن إلى يوم القيامة ، أليس في علم الله ؟ قال : « بلى ، قبل أن يخلق
الخلق » .
علم الله تعالى عند
الشيعة الإمامية :
فإذا انضم هذا إلى أقوال علماء الشيعة
في علمه تعالى ، علم المقصد بأنّه ليس كما يزعم هؤلاء المفترون ، قال الشيخ المفيد
: « إنّ الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه ، وأنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل
حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلاّ وهو عالم بحقيقته ، وأنّه سبحانه لا
يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وبهذا اقتضت دلائل العقول ، والكتاب المسطور
والأخبار المتواترة من آل الرسول 6
، وهو مذهب
__________________
جميع الإمامية » .
ولا حاجة لنقل أقوال علماء الشيعة في
هذا ، ولا بأس بالإشارة إلى بعض المصادر والمراجع المهمة التي أشارت إلى فرية
العامّة وردتها بأنصع الأقوال ، مصرحة بأنّ علم الله تعالى أحاط بالأشياء قبل
خلقها إحاطة تامّة بل وفوق مستوى الإحاطة إنْ صحَّ التعبير.
راجع : الذريعة للسيد المرتضى ( ت ٤٣٦ ه
) ١ : ١٢٨ ، وتقريب المعارف للحلبي ( ت ٤٤٧ ه ) : ٤١ ، والرسائل العشر للشيخ
الطوسي ( ت٤٦٠ ه ) : ٩٤ ، والاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد له أيضاً : ٣٩ ، ومتشابه
القرآن لابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ ه ) ١ : ٥٠ ، وتجريد الاعتقاد لنصير الدين الطوسي (
ت ٦٧٢ ه ) : ١٩٢ ، وكشف المراد للعلامة الحلي ( ت ٧٢٦ ه ) : ٣١٠ ، والباب الحادي
عشر له أيضاً : ١٣ ، والنافع في يوم الحشر للمقداد السيوري ( ت ٨٢٦ ه ) : ١٣ ، وإرشاد
الطّالبين له أيضاً : ١٩٧ ، والقبسات للسيد الداماد ( ت ١٠٤١ ه ) : ١٣٥ و ٣٢٥ و
٤١٨ ، والحكمة المتعالية في الاَسفار العقلية الأربعة لصدر المتألهين ( ت ١٠٥٠ه )
٦ : ١٧٥ ، وحق اليقين للسيد عبد الله شبر ( ت ١٢٤٢ ه ) ١ : ٦٣ ، والاء الرحمن
للشيخ البلاغي ( ت ١٣٥٢ ه ) ١ : ٢٢٧ ، ومسألة في البداء له أيضاً : ١٨ ، ونقض
الوشيعة للسيد الأمين ( ت ١٣٧٣ ه ) : ٥١٥ ، ومعالم الفلسفة الإسلامية لمحمّد جواد
مغنية ( ت ١٤٠١ ه ) : ١١٢ و ١١٤ ، وبداية الحكمة للسيد الطباطبائي ( ت ١٤٠٢ ه ) :
١٦٤ ، والميزان له أيضاً ١٥ : ١٨٩ ، والبداء عند الشيعة للعلاّمة السيّد عليّ
الفاني
__________________
الاصفهاني ( ت ١٤٠٩
ه ) : ٦٣ ، ومبحث البداء في التكوين في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي
( ت ١٤١٣ ه ) : ٣٩٠ ، والبداء عند الشيعة للسيد محمّد كلانتر : ٥٦ ، والبداء في
ضوء الكتاب والسُنّة للشيخ السبحاني : ١٢١ ، ودفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي ٢
: ٧ ـ ٢١٣ وغيرها ، وإذا ما قورِنَت أقوالهم بعقيدتهم في الصفات على ما هو معلوم
من جعلهم صفة العلم صفة ذاتية .. بالإجماع ، تأكّد لك أنّه يستحيل في عقيدة الشيعة
تغيير علم الله عز وجل بالبداء الذي يقولون به.
توضيح في اطلاق
البداء على الله تعالى :
إنّ إطلاق البَدَاء على الله تعالى لا
يلزم منه أدنى محذور بعد شرح هذه اللفظة بما يناسب أقوال أهل البيت : التي مرّت آنفاً ، فهم قد نفوا ما زعمه
خصوم الشيعة نفياً قاطعاً ، وكفّروا من خالفه ، وعلى هذا أفتى الفقهاء من الشيعة
بأنّ القائل بجواز الجهل على الله تعالى من حيث إطلاق البداء عليه بمعنى الظهور
بعد الجهل فهو كافر ، وفي الكتب التي أشرنا إليها سابقاً تصريحات ضافية بهذه
الحقيقة مع بيان فتاوى فقهاء الشيعة بهذا فلا حاجة إلى إعادة ما فيها ، غير أنّا
نريد أن نبين بأنّ المعنى المقصود من لفظة ( البَدَاء ) في كلمات أئمة أهل البيت : ، وكما أعلنته المصادر الشيعية
المتقدمة هو معنىً آخر غير المعنى المحال على الله سبحانه ، نظير ما ورد في القرآن
الكريم من ألفاظ ( المخادعة ) و ( المكر ) و ( النسيان ) و ( الكيد ) ونحوها من الأوصاف
التي يتنزه عنها تعالى بالاتفاق .
__________________
ولهذا جاء في الصحيح عن الإمام الباقر 7 بعد أنْ سأله زرارة عن قوله تعالى : ( وَما ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أنفُسهم
يَظلِمُون )
، قال 7 : « إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن
يُظلَم ، ولكنّه خَلَطَنَا بنفسه فَجَعَلَ ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته حيث يقول :
( إنّما وَلِيُكُم اللهُ ورَسُولُهُ والَّذينَ
آمَنُوا ) يعني : الأئمة منا »
.
وقد روي نظير هذا عن الإمام الصادق ، والإمام
الكاظم 8 .
وقد اعتمد هذا البيان بعض مفسري العامّة
في تفاسيرهم ، فالنحّاس مثلاً يرى أنّ معنى قوله تعالى : ( إن تَنصُروا اللهَ يَنصركُم
) هو : « إن تنصروا دين الله وأولياءه ، فجعل
ذلك نصرة له مجازاً » .
هذا وقد صرّح علماء الشيعة بأنّ
البَدَاء بمعناه اللغوي الذي يعني ظهور شيءٍ بعد عدم العلم به ، يختلف عن البَدَاء
بمعنى النسخ ، والأول يتنزه عنه تعالى : بخلاف الثاني الذي لا يستلزم منه محذوراً.
من ذلك قول شيخ الطائفة الطوسي 2 :
« فأمّا إذا أضيفت هذه اللفظة ـ أي : البداء
ـ إلى الله تعالى ، فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه ما لا يجوز.
__________________
فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ
بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع ، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما
ورد عن الصادقين 8
من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء لله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم
بعد أن لم يكن. ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى. والتشبيه ، هو أنّه إذا كان ما يدل
على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهراً لهم ، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم
يكن حاصلاً لهم أطلق على ذلك لفظ البداء » .
وقد قال استاذه الشيخ المفيد 2 ما نصه :
« أقول في معنى البَدَاء ما يقوله
المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله : من الافتقار بعد الإغناء ، والإمراض بعد الإعفاء
، والإماتة بعد الإحياء ، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق
والنقصان منها بالأعمال ، فأما إطلاق لفظ البداء فإنّما صرت إليه بالسمع الوارد عن
الوسائط بين العباد وبين الله عز وجل ، ولو لم يرد به سمع أعلم بصحته ما استجزت
إطلاقه ، كما أنّه لو لم يرد عليَّ سمع بأنّ الله تعالى : يغضب ، ويرضى ، ويحب ، ويعجب
لما أطلقت ذلك عليه سبحانه ، ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا
تأباها العقول.
وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا
الباب خلاف ، وإنّما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه .. وهذا مذهب الإمامية
بأسرها ، وكل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى ولا
__________________
يرضاه .
أقول : ما يقول هؤلاء المفترون على
الشيعة عن تفسير الزجّاج لقوله تعالى : (
وَلنبلُونَّكُم
حتَّى نَعلَمَ المُجاهِدينَ مِنكُم والصّابِرِينَ
) قال
: « وهو عزَّ وجل قد علم قبل خلقهم المجاهدين منهم والصابرين ، ولكنه أراد العلم
الذي يقع به الجزاء ، لأنه إنّما يجازيهم على أعمالهم.
فتأويله : حتى يعلم المجاهدين علم شهادة
، وقد علم عزَّ وجل الغيب ، ولكن الجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة » .
ولا يخفى على من له أدنى فَهمٍ بأنَّ
الزجّاج أراد بهذا : أنَّ لله عزَّ وجل علمين :
علم
غيب : وهو العلم الذي أحاط بكل شيءٍ في هذا
الكون من الذَّرَّة إلى المجرّة وإلى آخر الأبد ، وهو ما تقوله الشيعة برمتهم.
وعلم
شهادة : وهو بمعنى علم حضور ، وهذا العلم يكون
بمرحلة لاحقة على الأول ، فهو يريد في تأويله : حتى نعلم جهادكم موجوداً فعلاً
فنجازيكم عليه ، مع علمنا به قبل أن نخلقكم ؛ لأنّ الجهاد كان موجوداً في علم
الغيب ، وأما بعلم الشهادة فلا ، لانتفاء موضوعه أصلاً ؛ لتعلقه بمعدوم ، وإنّما
يكون العلم به حضوريا بعد حصوله ، فلا جرم أنْ يقال إذن لهذا النوع من العلم أنّه
يظهر لله عزَّ وجل لا عن جهل بل عن علم تام.
__________________
وإذا اتضح هذا فاعلم أنّه إذا كان إسناد
البَدَاء إلى الله عزَّ وجل إسناداً مجازياً ، فهو إنّما يكون كذلك في صورة
التسليم بأنّ إسناده بنحو الحقيقة يستلزم الجهل.
وأمّا إذا لم يسلَم ذلك ، على أساس
القول بأنّ البَدَاء أعم من كونه ظهور رأي بعد الجهل ، فالأمر أوضح ، ولا يكون
حينئذ في إسناده حقيقةً أدنى محذور لما علمت على طبق رأي الزجاج من أنَّ ظهور
قعقعة السلاح في ساحة الجهاد والقتل في سبيل الله لا يكون ظهوراً لله عزَّ وجل بعد
الجهل به ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنّما يكون ظهوراً لله عزَّ وجل بعد
مرحلة لاحقة من العلم التفصيلي به ، ذلك هو علم الغيب الذي أحاط بالأشياء قبل
إيجادها والذي لا حدّ له ولا أمد ، فأين التغيير في علم الله ( عزَّ وجل ) يا ترى
؟!
ومن روائع الكافي ما أخرجه عن الكاهلي ،
قال : « كتبت إلى أبي الحسن ( الإمام الكاظم ) 7
في دعاء : الحمد لله منتهى علمه !!
قال : فكتب إليَّ 7 : « لا تقولن منتهى علمه ، فليس لعلمه ( عزَّ وجل
) منتهى. ولكن قل : منتهى رضاه »
» .
إعتقاد العامّة
بتغيير وتبديل ما قُضي وقُدّر :
ثم أين هؤلاء من أحاديث البخاري وأقوال
علمائهم ؟ :
كحديث المعراج الصريح بتغيير ما فرض
وقدر أربع مرات متوالية في
__________________
آن واحد ، مع ما فيه من علّة قادحة إذ تضمن
الطعن الصريح على الأنبياء بالإقدام على المراجعة تلو المراجعة في الأوامر المطلقة
كما لا يخفى.
ومثله حديث الاستسقاء الذي دلَّ على أن تغيير الطقس المفاجئ
قد اختص بما كان مشترطاً في التقدير.
وحديث أنّ الله يُحدث من أمره ما يشاء . وأحاديث تأثير صلة الرحم والصدقة عن
أبي هريرة وغيره .
وحديث غفران الذنوب في ليلة القدر عن
أبي هريرة أيضاً .
وحديث ( اعملوا فكلٌّ ميسر ) .
وحديث الصخرة التي أطبقت على ثلاثة رجال
حتى استيقنوا الموت ثم رفعت بدعائهم .
وحديث البداء الصريح عن أبي هريرة في
البخاري والمسند إلى
__________________
النبي 6 وفيه : « إنّ ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص ، وأقرع ، وأعمى
بَدا لله أنْ يبتليهم .. » .
وهل من الإنصاف أن لا يُرى ( بداء
البخاري ) ويرى ( بداء الكليني ) ؟ قاتل الله الاهواء وأهلها.
ولعمري ، ليتهم رجعوا إلى الذي ذكره
الآلوسي في تفسير قوله تعالى : (
يَمحُو
اللهُ ما يَشاءُ ويُثبِتُ وعِندُه أُمُّ الكِتَابِ
) .
فقد أورد في تفسيره نصّ رسالة كتبت في
بغداد لأحد أفاضل علماء بغداد من العامّة بخصوص تغيير القضاء الأزلي ، قال : « وفيها
: أنه ما من شيء إلاّ ويمكن تغييره وتبديله حتى القضاء الأزلي !! واستدلّ لذلك
بأمور » .. .
ثم ذكر استدلالات مطولة لا حاجة لنا بها.
ومن الجدير ذكره ، أن أبا الحسن الأشعري
إمام الأشاعرة قد صَرَّح بأنّ حديث ( العشرة المبشرة ) مشروط بأن لا يتغيّروا عما
كانوا عليه في حياة النبي 6
وأن يموتوا على الإيمان .
ومن هنا كان عمر يقول : « لو نادى مناد : كل الناس في الجنة الا واحداً لظننت أني
ذلك الواحد »
!!.
__________________
ونظير هذا ما نقله القرطبي عن مالك بن
دينار أنه دعا لامرأة حاملٍ فقال : « اللّهم إنْ كان في بطنها جارية فأبدلها
غلاماً فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب » .
كان على هؤلاء المشنّعين أن يَعُوا ما
في عقيدتهم جيداً ويعرفوا رأي علمائهم في علم الله عزَّ وجل ، ولو وقفوا عليه
لاستحيوا من هذه المقالة الباطلة ؛ فإنّ في عقيدة الأشعرية أنّ التغيير في القضاء
لا يوجب جهلاً ولا تغيراً في الذات الالهية ، لأنّ التغيير عندهم إنّما هو في الإضافات
، وهم يرون أنّ صفة العلم إضافة مخصوصة وتعلّقٌ بين العالم والمعلوم ، أو أنّها
صفة حقيقية ذات إضافة.
وعلى الأول كما صرّح به الآلوسي يتغير
نفس العلم وعلى الثاني تتغير إضافته فقط. قال : وعلى التقديرين لا يلزم تغير في
صفة موجودة بل في مفهوم اعتباري .
ولهذا نجد في الرسالة التي نقل نصّها الآلوسي كما أشرنا إليها سابقاً الاعتقاد
المطلق بجواز تغيير وتبديل كل شي في هذا الكون حتى ما كان منه مقدّراً مكتوبا في
الأزل !
وقد وقفت على تصريح للاستاذ الكبير حامد
حفني داود المصري المعروف بما نصه : « والشيعة الإمامية براء مما فهمه الناس عن
البداء إذ المتفق عليه عندهم ، وعند علماء العامّة أنّ علم الله قديم منزه عن
التغيير والتبديل والتفكير الذي هو من صفات المخلوقات ، أمّا الذي يطرأ عليه
التغيير والمحو بعد الاِثبات فهو ما في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالى
__________________
(
يَمحُو
اللهُ مَا يشاءُ ويُثبِتُ ) » .
ونظير هذا تماماً ما قاله محمّد عبد
الكريم عتوم ، حتى لكأنكَ تشعر بنقله عن الدكتور حامد حفني داود مع تغيير طفيف .
أقول
: هذا باطل ، لم يقل به أحد من الشيعة الإمامية
قط ، نعم قالوا عن البَدَاء ما قالوا كما عرفت ولكنهم لم يقولوا أنّ التغيير
والتبديل يكون في علم الله المحفوظ ، فذلك العلم عندهم لا يجوز عليه التبديل ولا
التغيير مطلقاً ، وهم متفقون على ذلك خلفاً عن سلف اقتداءاً بأئمتهم :.
بل ذهبوا إلى أنّ ما يحصل فيه التغيير
إنّما هو لوح المحو والإثبات الذي يمثل مظهراً من مظاهر علمه تعالى ، وقد أطلق
عليه بعضهم اسم العلم الفعلي ، قال الشيخ السبحاني : « وأمّا علمه الفعلي ، فهو
عبارة عن لوح المحو والإثبات ، فهو مظهر لعلم الله تعالى في مقام الفعل ، فإذا قيل
: بَدا لله في علمه : فمرادهم البَداء في هذا المظهر » .
وقد ناقشهم السبحاني مناقشات مطولة في
ثلاثة من كتبه .
وقد توسع فيها لاسيّما في كتابه ( البَدَاء في ضوء الكتاب والسُنّة ) لإثبات أن
التغيير والتبديل في بعض مراتب القضاء لا يستلزم منه تغيير العلم ، وقد سبقه إلى
ذلك أكثر من أشرنا إلى مصادرهم ومراجعهم من علماء الشيعة.
__________________

نصيب السُنّة النبوية الشريفة عند العامّة
أعني بعض هؤلاء الذين انتحلوا لقب ( أهل
السُنّة ) ولم يشهد التاريخ أعداءً للسنّة مثلهم !! وتراهم يرفعون أصواتهم بالدعايات
والضجيج والشتائم والتهريج حتّى يخيّل لك أنّهم أهل السُنّة بحق ، فمثلهم كما قال
القائل :
« رَمَتْنِي بِدَائِهَا
وَانْسَلَّتِ » !!
وإليك بضعة أرقام وشواهد على عدائهم
الصريح للسنّة النبوية الشريفة ، وما تعرّضت له على أيديهم :
حسبنا كتاب الله :
إنّ أوّل بدعة منكرة فرّقت بين الكتاب
والسُنّة ، ورمت صاحب السُنّة 6
بالهجر !! كانت من نصيبهم وعلى يد عمر بن الخطاب حين كان رسول الله 6 يقول قُبيل وفاته : « ائتوني اكتب لكم
كتاباً لا تضلّوا بعدي » فيمنع من
ذلك عمر ويقول : « ما لَهَ ؟ أهجَرَ ؟! حسبنا كتاب الله » فجاء أصحابه فلطّفوا من
قولته هذه ، فقالوا : إنّه قال : « لقد غلب عليه الوجع » ، ونقلوا بصحاحهم ـ بعد
رواية هذه المصيبة ـ عن ابن عباس 2
انه كان يقول : « الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله 6 وبين أن يكتب
لهم ذلك الكتاب
لاختلافهم ولغطهم » .
ومع هذا فقد زينت لهم أنفسهم صنيع عمر ،
فدافعوا عنه وتابعوه على كلمته ، رغم كلّ ما فيها ، ثمّ قالوا إنّهم هم أهل
السُنّة !!
إنّ كلمة عمر هذه هي اللبنة الاُولى ، بل
الأساس الذي قامت عليه مذاهبهم .. فإذا كانوا من هنا قد ابتدأوا فإلى أين سينتهون
؟
حديث الأريكة :
تسنّم أبو بكر الخلافة ، فابتدأ بالمنع
من التحدّث بأحاديث رسول الله 6
ومن الرجوع إلى السُنّة النبوية في أية قضية من القضايا ، فقال ما نصّه : « إنكم
تحدّثون عن رسول الله 6
أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً ، فلا تحدّثوا عن رسول الله
شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلّوا حلاله وحرّموا
حرامه » .
فجعل اختلاف بعضهم ذريعةً إلى المنع من
الحديث خشية الرجوع إلى السُنّة ، وعاد إلى مقولة عمر الاُولى « حسبنا كتاب الله »
!
وهذا بعينه ما تنبّأ به النبي 6 وحذّر منه ، إذ قال 6 : « يوشك الرَّجل متّكئاً على أريكته يُحَدَّث
بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله عز وجلّ ، فما وجدنا فيه من حلال
استحللناه وما وجدنا فيه من
__________________
حرام
حرّمناه !! ألا وإنّ ما حرّم رسول الله مثل ما حرَّمَ الله »
.
أرأيت هذه النبوءة الصادقة كيف تحقّقت
مبكّراً ؟
إتلاف الأحاديث :
ثمّ حاول أبو بكر أن يكتب الحديث فكتب
عنده خمسمائة حديث ، لكنّه لم يصبح حتّى أحرقها جميعاً !!.
ولنا ان نناقش أبا بكر على حرقه أحاديث
رسول الله 6 ما دمنا في
عصر لم تكمّ فيه الأفواه ، فنقول : إنّ تصرفه بجمع خمسمائة حديث يكذّب أقوالهم بأن
المنع عن تدوين الاحاديث كان قد صدر من النبي 6
، مع التذكير بان ( الجمع ) لا يعني سوى التدوين بقرينة ( فأحرقها ) ، وهذه شهادة
منه بعدم وجود النهي السابق عن التدوين ، وشهادة أُخرى منه ايضاً بأنه أحرقها لا
بذريعة النهي السابق عن تدوينها ، بل بذريعة الخوف من عدم مطابقة تلك الاحاديث
للواقع وخوفه من المشاركة في حمل أوزارها لئلا تكون مكذوبة بزعمه على النبي 6 !.
وهذا من العجائب والغرائب :
أما
أولاً : فإنّ من كان مثله لا يحتاج إلى مثل هذه
الطريقة في جمع
__________________
الأحاديث قطعاً ، إذ
بإمكانه ـ وهو الرأس الحاكم ـ ان يوعز إلى كبار الصحابة وحفّاظ السُنّة منهم أن
يجمعوا ما لديهم من الحديث سواء الذي كتبوه أو حفظوه سماعاً عن النبي 6 ، ثم يوكِل لهم فحص المجموع وتحري صدقه
والتأكد من سلامته لو كان هناك حرص عليه ، لا أن يجمع الاحاديث عن فرد واحد لم
يسمّه !
وأما
ثانياً : إنّه بالقياس إلى فترة إسلامه المبكر
لا يحتاج إلى الواسطة في الرواية عن النبي 6
في جمع خمسمائة حديث ، إذ من غير المعقول أن لا تكون له مسموعات عن النبي 6 بلا واسطة ، ولو في ضمن المقدار الذي
جمعه ، وهذا يعني أنّه أقدم على حرق بعض مسموعاته عن النبي 6 ، ولو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إنّ ما
أحرقه لم يسمعه عن النبي 6
! فالسؤال هنا لماذا لم يجمع ما سمعه بإذنه عن صاحب الوحي 6 فهل كان شارد الذهن في العهد النبوي
فلم يعِ ما يسمع ! أم انه خشي من تدوين السُنّة اطلاع الاجيال على ما منعه عمر ؟!
وأما
ثالثاً : فإنّ أبا بكر صرّح بلسانه بوثاقة من
سمع تلك الاحاديث عن النبي 6
، فكيف شك به بعد أن ائتمنه ؟ ولِمَ لمْ يقم بواجبه فيعرضها على الصحابة للتأكد من
صدق من ائتمنه فيمضها ، أو يعرف كذبه فيؤدبه ؟ ألا يدلّ هذا الاغماض عن تهاون في
الشرع ، ويكشف عن أسباب غير معلنة وراء حرق الاحاديث ؟
على أنَّ هذا الموقف العجيب بالنسبة إلى
السُنّة المطهّرة قد نبّه من لا ينطق عن الهوى ، على كونه وشيك الوقوع بعده كما
تقدم في حديث الأريكة.
وأعجب من هذا أنهم رووا عن النبي 6 بطرق عدّة تحذيره من الاكتفاء بالقرآن
عن السُنّة ، وتنديده باليهود والنصارى لأنّهم يقرؤون التوراة والانجيل فلا
ينتفعون مما فيهما بشيء ؛ لأنّهم لم يتعلقوا بحرفٍ مما جاءتهم به أنبياؤهم .
موقف عمر من السُنّة
المطهّرة :
وجاء عمر ، فأكّد المنع من الحديث وشدّد
على الصحابة الذين يخرجون من المدينة إلى الأمصار ، يقول لهم : « إنكم تأتون أهل
قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل ، فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جرّدوا
القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم » .
حتى أن كعب بن قرضة كان يسأله أهل
الكوفة عن أحاديث الرسول 6
فلا يجيبهم ويقول لهم : نهانا عمر بن الخطاب .
ثم استشار الصحابة في كتابة حديث رسول
الله 6 وجمعه ، فأجمعوا
على ذلك ، لكنّه جاء بعد ذلك فأمر كلّ من كتب شيئاً أن يمحه !
__________________
ثم دعا بعد ذلك كل من عنده كتاب أو لوح
كتب فيه حديثاً أن يأتيه به ، فظنّوا أنه يريد أن يوحّدها ، فلمّا اجتمعت عنده
أحرقها بالنار
!!
ثمّ حَبَسَ جماعة من كبار الصحابة في
المدينة حتى مات ؛ لأنهم لم يلتزموا أمره في كتم الأحاديث كابن مسعود ، وأبي
الدرداء
، وعبدالله ابن حذافة ، وعقبة بن عامر ، وأبي هريرة .
ولم يكتف عمر بكلِّ هذا بل حاول الدفاع
عن فعله باتهام جميع الصحابة بالكذب في رواية الأحاديث حتى قام خطيباً فيهم يسمعهم
أقذع الكلام فقال مخاطباً لهم : « إنّ حديثكم هو شرّ الحديث ، وإنّ كلامكم هو شرّ
الكلام ، من قام منكم فليقم بكتاب الله ، وإلاّ فليجلس » .
ومن عجائب عمر إنّه لم يمنع من الحديث
فحسب ، بل منع فقهاء الصحابة من الإفتاء وحاول أن يجعل الفتوى من حق السلطة فقط.
فعن ابن سيرين أنّ عمر قال لأبي موسى : « أما إنّه بلغني أنّك تفتي الناس ولست
بأمير ؟
قال : بلى.
قال : فولِّ حارها من تولى قارها » .
وكلّ الذي تقدم متّفق عليه عند ( العامّة
) لكنهم دافعوا عنه بدعوى
__________________
كاذبة نسبوها إلى
النبيّ 6.
إذ زعموا : أنّ النبي 6 قد نهى عن كتابة الحديث !!
فكيف قام أبو بكر بكتابة الحديث إذن حتى
جمع خمسمائة حديث ، ثم أحرقها ؟!
وكيف استشار عمر الصحابة في الكتابة
فأجمعوا عليها ، وكتبوا ، ثم حرّقها ؟!
وما معنى حديث الاريكة إذن ؟
ولماذا النهي من التشبّه بأهل التوراة
والانجيل ؟
أسئلة شتى ، ولكن بلا جواب !!
وغير هذا كثير مما يكشف لك تهافت
دعاواهم وكلّ ما أتوا به لترميم مذهبهم !
موقف عثمان ومعاوية
من السُنّة الشريفة :
وجاء دور عثمان ، فقام خطيباً وقال : « لا
يحلّ لأحد يروي حديثاً لم يُسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر ... » .
أمّا معاوية فله مع السُنّة شأن آخر ، قد
مهّد له وساعده عليه هذا المنع الطويل من رواية الحديث وتدوينه .. فقام بدورين :
في
الأول : منع من كلّ حديث إلا حديثا ظهر في عهد
أبي بكر وعمر
__________________
وعثمان !!
أمّا الأحاديث التي ظهرت في عهد الإمام
عليّ 7 فهي ممنوعة ،
لأنّ الإمام عليّاً وابن عباس وغيرهم قد حدّثوا بالأحاديث التي كانت ممنوعة قبلهم.
وفي
الثاني : دعا الناس إلى وضع الأحاديث زوراً في
فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة الذين لهم خصومة ما مع الإمام عليّ 7 وأهل بيت النبي 6 ! حتّى كثرت في ذلك الأحاديث ونقلها
الخطباء على المنابر وعلّمها الآباء أبناءهم ، وحتّى ظنّ كثير من أهل الصدق
والعبادة أنّها حقّ فحدّثوا بها ، ولو علموا أنّها باطلة لما حدّثوا بها.
وهو في أثناء ذلك وبعده كان قد وظّف
جنده وشرطته بمطاردة كلّ من يروي حديثاً في فضل الإمام عليّ وأهل البيت : ، وأن لا يقبلوا لهم شهادة ، ويكذّبونهم
ويرمونهم بالابتداع في الدين !
فصار عندهم كلّ من يروي أحاديث الإمام
عليّ وأهل البيت أو أحاديث النبي 6
يُعدُّ كذّاباً منكر الحديث ! لأن أحاديثه لا تنسجم مع الأحاديث التي أذاعها أنصار
الخلافة الأموية حتّى صارت مشتهرة
!
__________________
إدراك العامّة فداحة
المواقف السابقة :
أدرك بعض علماء العامّة بعد نهاية القرن
الأول فداحة الخطورة الناجمة عن منع تدوين الحديث بشكل رسمي فاستغلوا أمر عمر بن
عبدالعزيز بجمع الحديث وتدوينه ، ولكن بعد أن أصابه ما أصابه وداخله ما داخله ، فانطلق
هؤلاء ـ وعلى رأسهم الزهري وهو من ألصق الناس بقصور الأمويين ـ يدوّنون ما في
جُعَب أصحابهم من تلك الموضوعات والمزوّرات وكثير منهم يظنّ أنّها الحقّ ، وأسقطوا
ما خالفها ؛ لأنه من حديث (الشيعة) الذين لم يطاوعوا بني اُميّة عقيدياً ولا
سياسياً.
على أن عمر بن عبدالعزيز الذي كان عهده
بداية الانفتاح على التدوين عند ( العامّة ) لم يأمر بأخذ السُنّة عن أهلها بل كتب
إلى أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أن يكتب إليه بما ثبت عنده من حديث النبي 6 وحديث عمر . ولا يخفى عليك ان حديث النبي 6 إنما هو عند أهله الذين اجتباهم الله
وطهّرهم ، ولهم من الفضائل في صحاح القوم ما لا يحصى ، وليس عند غيرهم من الحديث
حتى يطلب سوى أضغاث من الحق والباطل ، ولو أحبّ ابن عبدالعزيز الحق فعلاً لطلبه من
أهله لاممن وقف موقف الخصم اللدود من السُنّة النبوية المطهّرة ، فهو لم يعرف الحق
لأنه تجاهل أهله ، لكنه على كلِّ حال فسح المجال أمام رواة الحديث بعد أن أدرك
تحقق أغراض المنع بأوضح صورة من ابتعاد الناس عن سُنّة أهل البيت : ، وتعلقهم بالسُنّة العمرية التي انتدب
الناس لتدوينها تحت ستار حديث الرسول 6
!!
__________________
ومن هنا تجمّعت دواوين الحديث لديهم ، الصحاح
والسنن والمسانيد ، فاختلط بالصحيح كذب وباطل كثير ، ابتلوا به إثر تلك السياسة
الظالمة الجاهلة الجائرة التي صوّرت لهم الحقّ باطلاً والباطل حقاً !
مخالفتهم للسُنّة
العملية :
أمّا في السُنّة العمليّة ، فلقد خالفها
أئمة العامّة كثيراً ، عامدين ، وعن علم ، كما فعل عمر بحذف « حيّ على خير العمل »
من الأذان ، وكما فعل عثمان بترك التقصير في الصلاة في موسم الحجّ ، وفي زيادة الأذان
يوم الجمعة ، وغسل القدمين في الوضوء بدل المسح ، وغيرها كثير ، وكما عمد إليه
معاوية من تعمّد تبديل السنن خلافاً للإمام عليّ 7
فنقّص التكبير في الصلاة ، ومنع التلبية في الحج ، ورسّخ ما ابتدعه المتقدّمون ، وجاء
أنصاره فوضعوا في ذلك أحاديث كثيرة تدعيماً لما أشاعوه.
فممّا حفظته مصادرهم الموثّقة : أنّ
الحجاج السفاك قام خطيباً يعلّم الناس الوضوء ! فأمرهم بغسل القدمين ثلاثاً وشدّد
على ذلك ، حتى قام أنس بن مالك ، الصحابي خادم الرسول 6 فقال : صدق الله ، وكذب الحجّاج ! قال
الله : ( وامسَحُوا بِرُؤوسِكم
وأرجُلَكُم ) .
وهكذا خلطوا السُنّة العملية بالباطل والبدع
كما صنعوا بالسُنّة القولية
__________________
الشريفة !
نتيجة منع الحديث :
ولما كان في ما جمعوه من السنن نقصاً
وتشويهاً وتهافتاً حتى اشتهر عن أبي حنيفة النعمان رأس المذهب الحنفي أنّه كان
يترك السنن وحديث رسول الله 6
ويعمل برأيه وقياسه
مع وجود الحكم الشرعي الذي نطقت به السُنّة الشريفة المحفوظة عند أهل البيت : عدل القرآن الكريم ، كما اضطرّ غالب
فقهائهم أيضاً إلى الرأي ، والقياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسدّ
الذرائع فأدخلوا هذه العناصر كمصادر جديدة للتشريع ، وسموّها ( أُصول الفقه ) ومن
تتبع جذور تلك الاَُصول نجدها قد أسهمت وبشكل مباشر في هدم السُنّة ومحاولة إماتتها
؛ ذلك لأن مانعي تدوين الحديث قد منحوا أنفسهم صلاحية واسعة جداً في ميادين
الاجتهاد في مقابل نصوص الشريعة الإسلامية ، فقاسوا الاَُمور باشباهها واستحسنوا
أموراً أُخرى بأذواقهم ، مما أدّى ذلك إلى تعرّضهم المستمر في بداية الأمر إلى
انتقادات الصحابة الآخرين وإثبات أنّ تلك الاجتهادات إنّما هي بدع في الدين
لمخالفتها الواضحة لأحاديث الرسول 6
، فكان التراجع عما اجتهدوا به حليفهم ، مما حملهم على اتخاذ الإجراءات الحاسمة
لوقف حالة الاعتراض والتذمر عند رؤوس الصحابة ، وذلك بحسم مادتها واقتلاع مصدرها
وهو الحديث الشريف ؛ لكي يسلم بذلك قياس زيد واستحسان عمر.
نعم كان من المناسب جداً لبقاء تلك
الاجتهادات ـ بل التصرفات التي
__________________
لم توزن بميزان
الشرع الحنيف ، وقد بيّنا بعضها في المقدمة ـ بلا معارضة من أحد أن تقوم السلطة
بمنع تدوين السُنّة وروايتها ، وتبرير هذا المنع تارةً بحفظ القرآن الكريم وأُخرى
بعدم إهماله ونحو هذا من المبررات الواهية ؛ لأن التراجع عن الرأي ـ كلّما بان
الخطأ فيه ـ يشكّل إدانة قوية لهم في احتلال غير مواقعهم ، فلا محيص إذن من مخاطبة
الصحابة « إنّ
حديثكم شرّ الحديث » !! فضلاً عن الخوف
من تفشي الواقع في نشر الحديث المنطوي على حق أهل البيت : المغتصب ، ذلك الواقع الذي لا تستسيغه
السلطة قطعاً ، فكان لابدّ لها من منع الحديث رواية وتدويناً لكي لا يكون بيد
الصحابة أدنى سلاح حديثيّ يلوّح به في وجه السلطة اعتراضاً على نمط سياستها ومنهج
فقهها.
وبهذا يعلم أنّ أُصول فقههم إنّما نمت
على محاولات هدم السُنّة وإماتتها في مهدها ، ومع هذا فإنّك ترى إلى اليوم من
يتشدقون بأنّهم متقدّمون على غيرهم في تأسيس علم الاَُصول ! فتنبه إلى ذلك ، واعرف
الحق تعرف أهله.
يتضح مما عرضناه وناقشناه في الفصول
المتقدمة مدى عدم الموضوعية والانصاف فيما أثاره القوم وسقوط مدعياتهم وتأويلاتهم
الفاسدة ، ونترك للقارئ المنصف أن ينظر في المعالجات العلمية الموضوعية بكلِّ ما
أُثير من إشكالات وافتراءات على التشيع وما قدمناه من إجابات وحجج أسقطت دعاوى
الخصوم وأبانت تهافتهم سواء على مستوى الفكر أو العقيدة.
(
واللهُ
يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم
)
والحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة
على محمّد وآله الطاهرين
المحتويات
مقدِّمة المركز............................................................... ٥
مقدِّمة الكتاب............................................................. ٧
المدخل.................................................................... ٩
خطبة لأمير المؤمنين 7 حول بدء وقوع الفتن................................ ٩
أشهر مصادر الخطبة........................................................ ٩
إضاءات حول الخطبة...................................................... ١١
الفصل الأول
الإمامة والخلافة
وقضية النص.......................................... ٢٥
ـ ٩٩
المبحث
الأول : قضيّة النصّ والمنهج
النبوي في ترسيخه.......................... ٢٧
مقدمة................................................................... ٢٧
المطلب
الأول : الإعداد الفكري
والتربوي للإمام عليّ 7..................... ٢٩
المرحلة الأولى من
عملية الأعداد............................................ ٢٩
الرعاية النبوية
الخاصة للإمام عليّ 7...................................... ٣٠
المورد الأول.............................................................. ٣١
المورد الثاني.............................................................. ٣٢
المرحلة الثانية............................................................. ٣٥
المطلب
الثاني : إعداد الاَُمّة
وتهيئتها لتولي الإمام عليّ 7 الخلافة................. ٣٨
المبحث
الثاني : ثبوت تواتر النصّ على الأئمة
:............................. ٥١
أولاً : الطرق الإجمالية
لإثبات إمامة الأئمة من أهل البيت :............... ٥١
الحديث الأول : من مات
ولم يعرف امام زمانه............................... ٥١
مصادره ، ودلالته................................................. ٥٢
ـ ٥٣
اتهام زرارة بعدم
معرفته لإمام زمانه......................................... ٥٤
الردّ على هذا الاتهام
وبيان زيفه............................................ ٥٤
الحديث الثاني : الخلفاء
اثنا عشر كلهم من قريش............................. ٦١
مصادره ، ودلالته................................................. ٦١
ـ ٦٢
ثانياً : تواتر النصّ
عند الشيعة.............................................. ٦٤
المبحث
الثالث : الإشكالات المثارة حول
قضية النصّ............................ ٦٥
الإشكال
الأول : لو كان النصّ موجودا
لعمل به الصحابة....................... ٦٦
جوابه
: خروج الصحابة على
أوامر الرسول 9.............................. ٦٦
الإشكال
الثاني : ثناء القرآن على
الصحابة..................................... ٦٨
جوابه
: القرآن لم يثن إلّا
على المخلصين من الصحابة............................ ٦٨
الإشكال
الثالث : حول ثناء الإمام علي 7 على الصحابة...................... ٦٩
جوابه
: توضيح موقف الإمام علي
7 وشيعته من الصحابة..................... ٦٩
الإشكال
الرابع : قبول الإمام علي 7 بمبدأ الشورى.......................... ٧١
جوابه
: لم تكن شورى بل كانت
فلتة......................................... ٧١
تبرّم أمير المؤمنين 7 من خرافة الشورى................................... ٧٢
الإشكال
الخامس : حول بيعة الإمام علي 7 للثلاثة........................... ٧٤
جوابه
: سبب بيعة الإمام علي 7 بعد الإمتناع............................... ٧٥
الإشكال
السادس : حول حديث الغدير وعدم
دلالته على النص بلاخلافة........ ٧٦
جوابه
: بيان تهافت الإشكال
وما نقوله في تنفيده............................... ٧٦
الإشكال
السابع : مدح الإمام علي 7 وعلاقته بهم........................... ٨٠
جوابه
:.................................................................... ٨٠
ثانياً : حجة المصاهرة...................................................... ٨٢
ثالثاً : حجة التسمية...................................................... ٨٣
رابعاً : حجة المعاتبة....................................................... ٨٣
الإشكال
الثامن : عدم معرفة زيد الشهيد
بالنص لعدم تواتره..................... ٨٤
جوابه
: معرفة زيد الشهيد
بالنصّ واثبات تواتره................................ ٨٤
الإشكال
التاسع : إنقطاع سلسلة الإمامة
عند الشيعة بالإمام العسكري 7...... ٨٨
جوابه
: إثبات الشيعة تواتر
ولادة الإمام المهدي 7............................ ٨٨
المبحث
الرابع : تهافت العامّة
واضطرابهم في الإمامة والخلافة..................... ٨٩
الفصل الثاني
أكاذيب وافتراءات على
الشيعة الإمامية.................................... ١٠١
المبحث
الأول : مفتريات حول تحريف
القرآن الكريم.......................... ١٠٣
كلمة موجزة عن كتب
الحديث عند الفريقين.............................. ١٠٣
أكاذيب حول كتاب
الكافي بشأن شبهة التحريف.......................... ١٠٦
رد هذه الاكاذيب
ومعالجة تلك الشبهة.................................... ١٠٦
مناقشة أصل الشبهة
واثبات تهافت حججهم............................... ١٠٨
الحجة الاُولى : رواية
الكليني لروايات التحريف............................. ١٠٩
مناقشة الحجة الاُولى..................................................... ١٠٩
أما الرواية التي
شُنَّع بها على الكافي والشيعة أيضاً........................... ١٠٩
نظائر رواية الكافي في
كتب العامّة......................................... ١١٣
عودة إلى بعض روايات الكافي............................................ ١١٧
الحجة الثانية : احتجاجهم
بعناوين أبواب الكافي............................ ١٢٠
جواب الحجة الثانية..................................................... ١٢١
روايات التحريف في أهم
كتب العامّة..................................... ١٢٨
أمثلة أضغاث الباطل في
كتب الصحاح.................................... ١٢٨
المبحث
الثاني : البَدَاءُ وعلم الله
تعالى......................................... ١٣٦
الافتراء على الشيعة
بتعريف البَدَاء........................................ ١٣٧
تزييف هذا التعريف
وبيان وقاحة مفتريه................................... ١٣٧
نفي الجهل عن ساحته تعالى.............................................. ١٣٩
علم الله تعالى عند
الشيعة الإمامية......................................... ١٤٠
توضيح في اطلاق البداء
على الله تعالى..................................... ١٤٢
إعتقاد العامّة بتغيير
وتبديل ما قُضي وقُدّر.................................. ١٤٦
الفصل الثالث
لمحات عن تاريخ السنّة
النبوية الشريفة............................. ١٥١ ـ ١٦٤
نصيب السُنّة النبوية
الشريفة عند العامّة.................................... ١٥٣
حسبنا كتاب الله........................................................ ١٥٣
حديث الأريكة......................................................... ١٥٤
إتلاف الأحاديث....................................................... ١٥٥
موقف عمر من السُنّة
المطهّرة............................................. ١٥٧
موقف عثمان ومعاوية من
السُنّة الشريفة................................... ١٥٩
إدراك العامّة فداحة
المواقف السابقة....................................... ١٦١
مخالفتهم للسُنّة
العملية................................................... ١٦٢
نتيجة منع الحديث...................................................... ١٦٣
المحتويات............................................................... ١٦٥
|