كتاب الزكاة
كتاب الزّكاة
التي وجوبها من
ضروريّات الدين (١) ، ومنكره مع العلم به كافر ، بل في جملةٍ من الأخبار : أنّ
مانع الزكاة كافر.
ويشترط في
وجوبها أُمور :
______________________________________________________
كتاب الزّكاة
(١) لا إشكال
كما لا خلاف بين فرق المسلمين في وجوب الزكاة على كلّ مكلّف مع استجماع الشرائط
الآتية في الجملة.
وقد نطق به
الكتاب العزيز ، بل قُورنت الزكاة بالصلاة في غير واحدٍ من الآيات ، الكاشفة عن
مزيد العناية والاهتمام الأكيد بشأنها.
والأخبار بها
متظافرة ، بل متواترة ، بل قد عُدَّت في بعضها من مباني الإسلام على حدّ الصلاة
والصيام .
فهي إذن من
ضروريّات الدين الموجب لاندراج منكره في سلك الكافرين.
نعم ، قد ذكرنا
في كتاب الطهارة في مباحث النجاسة ، عند التكلّم حول
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الكفر والإسلام ـ : أنّ إنكار الضروريّ بمجرّده ومن حيث هو لا يستوجب الكفر
والارتداد ، إلّا إذا أدّى إلى إنكار الرسالة وتكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله)
فيما جاء به ، فيختصّ بالعالم دون من استند إنكاره إلى شبهةٍ أو جهل ، كمن كان
جديد عهد بالإسلام ولم يكن له مزيد اطّلاع بالأحكام.
وأمّا الإنكار
العملي بالامتناع عن دفع الزكاة ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونه موجباً للكفر وإن
أُطلق عليه هذا اللفظ في بعض النصوص وأنّ تارك الزكاة كافر ، كما أُطلق
على تارك سائر الواجبات أحياناً ، مثل : الصلاة والصيام والحجّ ، كما يفصح عنها
حديث المباني ، وقد عبّر الكتاب العزيز بالكفر عن تارك الحجّ فقال تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعالَمِينَ) .
فإنّ المراد
بالكفر في هذه الموارد ليس هو المقابل للإسلام الظاهري الموضوع للأحكام الخاصّة من
المناكح والمواريث وحقن الدماء ونحوها ، إذ المدار في ترتيب هذه الأحكام على ظاهر
الإسلام المتقوّم بإظهار الشهادتين ، وأضفنا عليهما الاعتراف بالمعاد أيضاً حسبما
استفدناه من سائر الأدلّة ، فمن شهد بالوحدانيّة والرسالة الخاصّة وبالمعاد فقد
خرج عن الكفر ودخل في حريم الإسلام.
بل المراد بالكفر
فيها : ما يقابل الإيمان والإسلام الكامل.
أو يراد : أنّه
يؤدّي إلى الكفر ولو حال الموت ، كما يفصح عنه ما ورد من أنّه يقال للممتنع عن
الحجّ : مت يهوديّاً شئت أو نصرانيّاً .
وعلى
الجملة : فمجرّد
الامتناع لا يستوجب الكفر الاصطلاحي يقيناً ، وإن ساغ قتله أحياناً كسائر أرباب
الكبائر من باب النهي عن المنكر ، عند وجود
__________________
الأوّل :
البلوغ. فلا تجب على غير البالغ (١) في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول ولا على
من كان غير بالغ في بعضه ،
______________________________________________________
الحاكم الشرعي المبسوط اليد ، كما ورد من أنّ القائم (عليه السلام) بعد
قيامه يضرب عنق مانع الزكاة .
وقد عرفت أنّ
الإنكار أيضاً لا يستوجبه ما لم يؤدّ إلى تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله)
وإنكار الرسالة ، كما في سائر الضروريّات حسبما تقدّم.
(١) بلا خلافٍ
فيه منّا في النقدين ، بل عن جماعة : دعوى الإجماع عليه ، وعلى المشهور في غيرهما
من الغلّات والمواشي ، وإن نُسِبَ الخلاف إلى الشيخين والسيّد المرتضى ونفر يسير.
والأقوى ما
عليه المشهور.
ويدلّنا على
الحكم في الجميع قبل كلّ شيء ـ : حديث رفع القلم عن الصبي ، الحاكم على
جميع الأدلّة الأوّليّة ، ومنها : وجوب الزكاة ، والموجب لتخصيصها بالبالغين ،
وخروج الصبي عن ديوان التشريع وقلم الجعل والتكليف.
ودعوى اختصاص
الحديث بالأحكام التكليفيّة ، وعدم تكفّله لرفع الحكم الوضعي ، الذي هو ثابتٌ
أيضاً في المقام بمقتضى ما دلّ على شركة الفقراء في العين الزكويّة بنحو الإشاعة
أو الكلّي في المعيّن ، وثبوت حقٍّ وسهمٍ لهم في الأموال وضعاً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عريّةٌ عن
الشاهد ؛ فإنّ إطلاق الحديث يعمّ الوضع والتكليف بمناطٍ واحد.
نعم ، بما أنّ
لسانه الامتنان فهو لا يعمّ الضمانات ، لأنّ شموله لها يستلزم خلاف الامتنان على
الآخرين ، وأمّا غير ذلك فلا قصور في شموله لكلّ ما يوجب الوقوع في الكلفة ، من
تكليفٍ أو وضع ، ولا ريب أنّ الزكاة نقصٌ في المال ، وموجبٌ لوقوع صاحبه في الكلفة
، فهو مرفوع عن الصبي بمقتضى إطلاق الحديث.
هذا ، ولو
سلّمنا الاختصاص بالتكليف ، فالمقتضي لشمول الوضع للصبيّ قاصرٌ في حدّ نفسه ، فإنّ
الآيات الدالّة على الزكاة كلّها متعرّضة للتكليف فقط ، ضرورة أنّ قوله تعالى (وَآتُوا الزَّكاةَ*) نظير قوله تعالى (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ*) وقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ) لا نظر في شيء منها إلّا إلى الحكم التكليفي فحسب ،
ولا مساس لها بالوضع بوجهٍ كما هو ظاهر جدّاً ، والمفروض أنّ حديث رفع القلم عن
الصبي موجبٌ لاختصاص هذه التكاليف بالبالغين.
وأمّا الروايات
، فهي وإن دلّت على الوضع وشركة الفقراء بنسبٍ مختلفة حسب اختلاف الموارد مثل قوله
(عليه السلام) : فيما سقته السماء العشر ، وفي كذا نصف العشر ، وفي كذا واحد في
أربعين ، وهكذا ممّا تضمّن ثبوت حقٍّ في المال وضعاً إلّا
أنّها برمّتها ليست إلّا في مقام بيان تعيين المقدار بعد الفراغ عن أصل ثبوت
الزكاة بشرائطها المقرّرة ، وليست متعرّضة لمورد الثبوت ومن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يتعلّق به الزكاة ليتمسّك بإطلاقها ، لعدم كونها في مقام البيان من هذه
الجهة ، فهي في أنفسها قاصرة الشمول للصبي ، فلا تصل النوبة إلى البحث حول الدليل الحاكم أعني
حديث الرفع وأنّه هل يعمّ التكليف والوضع أم لا ، إذ لا دليل على ثبوت الحكم
الوضعي في حقّ الصبي من أصله حسبما عرفت.
هذا ، ومع
الغضّ وتسليم الإطلاق في دليل الوضع كتسليم الاختصاص في حديث الرفع فتكفينا النصوص
الكثيرة وجملة منها معتبرة المتضمّنة أنّه : «ليس على مال اليتيم زكاة» بعد وضوح
تحديد اليتيم بالبلوغ ، كما في جملة من النصوص ، فإنّ النسبة بين هذه الرواية وبين
آحاد نصوص الوضع مثل قوله (عليه السلام) : فيما سقته السماء العشر ، وفي كذا نصف
العشر ، وفي كذا واحد في أربعين وهكذا وإن كانت هي العموم من وجه لأنّ هذه تعمّ ما
سقته السماء مثلاً وغيره ، كما أنّ تلك أيضاً تعمّ اليتيم وغيره إلّا أنّا لو
لاحظنا هذه مع مجموع تلك النصوص كانت النسبة بينهما نسبة الخاصّ إلى العامّ ، بحيث
لو جُمِعَ الكلُّ في دليلٍ واحد فقيل : في كذا العشر ، وفي كذا نصفه ، وفي كذا
واحد في أربعين ، وهكذا ، ثمّ ذيّلنا الكلام بقولنا : ليس على مال اليتيم زكاة ،
لم يكد يرى العرف أيّ تنافٍ بين الصدر والذيل ، ولم يبق متحيّراً ، بل يحكم
بقرينيّة الذيل ، وأنّ تلك الأحكام خاصّة بالبالغين ، فإذا كان الحال كذلك لدى
الاتّصال فمع الانفصال أيضاً كذلك ، لأنّ مرجع أدلّة وجوب الزكاة في أنواعها
الثلاثة إلى دليلٍ واحد كما لا يخفى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولو سلّمنا أنّ
النسبة عمومٌ من وجه ، كان الترجيح مع هذه الرواية ، لأنّها بلسان الحكومة كما لا
يخفى.
ومع الغضّ عن
كلّ ذلك ، فغايته التساقط بعد التعارض بالعموم من وجه. فلم يبق لنا دليلٌ على ثبوت
الزكاة في مال الصبي ، والمرجع في مثله أصالة العدم.
ولا سبيل
للرجوع حينئذٍ إلى عموم مثل قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ
صَدَقَةً) إذ مضافاً إلى أنّ في نفس الآية المباركة صدراً وذيلاً
شواهدَ تقضي بأنّ المراد من ضمير الجمع خصوص البالغين أنّ الآية المباركة وغيرها
كما تقدّم غير ناظرة إلّا إلى الحكم التكليفي فقط دون الوضعي ،
والمفروض التسالم على حكومة حديث الرفع بالنسبة إلى الحكم التكليفي المحض.
فتحصّل
: أنّه لا فرق
في عدم وجوب الزكاة في مال الصبي بين النقدين وغيرهما ، لعموم المستند من حديث
الرفع ، ومن قولهم (عليهم السلام) : «ليس على مال اليتيم زكاة» ، ولا سيّما
وقد وردت هذه الرواية في زكاة الفطرة أيضاً.
هذا ، وقد
نُسِبَ إلى الشيخين وجماعة كما تقدّم التفصيل بين المال الصامت أعني النقدين وبين غيرهما من
الغلّات والمواشي ، فتثبت الزكاة في مال الصبي في الثاني دون الأوّل ، بل عن
السيّد في الناصريات : دعوى الإجماع عليه .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولكن دعوى
الإجماع كما ترى موهونة جدّاً بعد ذهاب عامّة المتأخّرين وجماعة من أعاظم القدماء
إلى عدم الزكاة مطلقاً. وعليه فيطالَب بالدليل على هذا التفصيل.
وقد استدلّ له
بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم : «أنّهما قالا : ليس على مال اليتيم في الدين والمال
الصامت شيء ، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» .
بدعوى أنّها
وإن وردت في الغلّات إلّا أنّه يلحق بها المواشي بالإجماع المركّب وعدم القول
بالفصل.
ولكنّه كما ترى
، إذ قد عرفت حال الإجماع ، فلا أثر لعدم القول بالفصل الذي لم نتحقّقه بحيث يخرج
به عن عموم نفي الزكاة عن الصبي بعد اختصاص الدليل المزبور بالغلّات.
ونحوهما في
الضعف دعوى : أنّ مقتضى المقابلة بين الصامت وغيره : أنّ الاعتبار في ثبوت الزكاة
بعدم كون المال صامتاً ، وإنّما ذكر الغلّات من باب المثال ، فيعمّ المواشي أيضاً.
إذ ليست هذه
الدعوى بأولى من العكس بأن يقال : إنّ المدار في سقوط الزكاة بعدم كون المال من
الغلّات ، وإنّما ذكر المال الصامت من باب المثال ، فيراد به ما يعمّ المواشي في
مقابل الغلّات.
على أنّ الصحيحة
معارَضة في موردها برواية أُخرى صريحة في نفي الزكاة عن الغلّات ، فتدلّ على النفي
في المواشي بطريقٍ أولى ، لأنّهم استفادوا حكم المواشي من الغلّات إلحاقاً كما مرّ
، وهي موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه سمعه يقول : «ليس في
مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس
__________________
فيُعتَبَر ابتداء الحول من حين البلوغ (١).
______________________________________________________
على جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة» .
فإن أمكن الجمع
بالعمل على الاستحباب ، وإلّا فتُحمَل تلك على التقيّة ، لما قيل من ذهاب بعض
العامّة إلى ثبوت الزكاة في الغلّات.
وإن لم يمكن
هذا أيضاً ، فتسقطان ، ويرجع إلى إطلاق حديث الرفع ، وعمومات نفي الزكاة في مال
الصبي كما تقدّم .
فالصحيح ما ذهب
إليه عامّة المتأخّرين من عدم الزكاة في مال اليتيم مطلقاً ، لأنّ ما دلّ على
الثبوت معارَضٌ بمثله في مورده حسبما عرفت.
(١) قد عرفت
اعتبار البلوغ في وجوب الزكاة ، فلا تجب على الصبي مطلقاً ، وهذا ظاهرٌ بالإضافة
إلى ما لا يُعتَبر فيه الحول كالغلّات فإنّ الصبي إن كان بالغاً وقت تعلّق الزكاة
وهو زمان انعقاد الحبّ وصدق الاسم كما سيجيء إن شاء الله تعالى فكان الخطاب
عندئذٍ متوجّهاً إلى البالغ ، فتشمله العمومات حينئذٍ بطبيعة الحال ، ومعه لا مجال
بل لا موضوع للتمسّك بحديث الرفع ، ولا المعارضة بما دلّ على أنّه ليس على مال
اليتيم زكاة كما هو ظاهر.
وإن كان صبيّاً
آن ذاك لم تجب عليه الزكاة وإن بلغ متأخّراً ، عملاً بالحديث وبتلك الصحيحة
النافية للزكاة عن مال اليتيم.
وممّا ذكرنا
تعرف أنّ العبرة بالبلوغ وقت التعلّق لا قبله كما يظهر من المتن.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا فيما
يُعتبَر فيه الحول كالنقدين والأنعام فلا إشكال أيضاً فيما إذا كان صبيّاً في تمام
الحول ، إذ ليس في مال اليتيم زكاة ، فهذا المال الذي فيه الزكاة لو كان مالكه
بالغاً لا زكاة فيه بالنسبة إلى الصبي وإن بلغ بعد تماميّة الحول ، وهذا ظاهرٌ جدّاً
من غير خلافٍ فيه.
وأمّا إذا بلغ
أثناء السنة ، كما لو كان صبيّاً ستّة أشهر مثلاً وبالغاً في الستة أشهر الأُخرى ،
فتمّ عليه الحول ، ولكن مركّباً من البلوغ والصبا ، فهل تجب عليه الزكاة حينئذ؟
المعروف
والمشهور : عدم الوجوب حتى يحول الحول عليه بتمامه وهو بالغ ، أي يُعتبَر ابتداء
الحول من حين البلوغ ، فلا عبرة بما مضى.
ولكن ناقش فيه
المحقّق السبزواري ، نظراً إلى أنّه لا يستفاد من الأدلّة ، إلّا أنّه لا
زكاة في مال الصبي ما لم يبلغ ، ومعنى ذلك : أنّه حين الصبا لا أمر بالزكاة ، وهذا
كما ترى لا يستلزم نفي الوجوب حين البلوغ بعد استكمال الحول ولو كان الحول ملفّقاً
من عهدي البلوغ والصبا ، بل ولو كان بلوغه قبل ساعة من استكمال الحول ، لعدم
الدليل على اشتراط كون الحول في زمان البلوغ والتكليف.
وربّما يستدلّ
للمشهور بقوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير : «وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما
مضى زكاة» .
بدعوى أنّ
الموصول يعمّ تمام السنة وبعضها ، فيستفاد منها عدم احتساب دور الصبا من الحول.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولكن هذه
الاستفادة مشكلة جدّاً ، لأنّ ظاهر الكلام أنّه (عليه السلام) ينفي موضوع الزكاة ،
أي أنّ ما كان موضوعاً للزكاة مع قطع النظر عن الصبا وكان هذا صبيّاً فليس عليه
زكاة لما مضى ، فينفي الوجوب لما مضى ، ومن الواضح أنّ الستّة أشهر لم تكن موضوعاً
للزكاة حتى للبالغين.
وبعبارة اخرى :
مفاد الصحيحة أنّ المال الزكوي الذي مضى وكان متعلّقاً للزكاة مع قطع النظر عن
الصِّبا لا زكاة فيه بالنسبة إلى الصبي ، فالنفي راجع إلى الموضوع ، وتلك الستّة
لم تكن موضوعاً للنفي ، وليس هذا من رعاية الزمان في شيء.
وتدلّ عليه
رواية الشيخ بوضوح ، حيث إنّه (قدس سره) رواها هكذا : «ليس في مال اليتيم زكاة ،
وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة ، وإن بلغ
اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك» .
فموضوع الرواية
الغلّات ، وهي ناظرة إلى التفصيل بين ما قبل البلوغ وما بعده في مورد الغلّة ،
التي لا يعتبر فيها الحول ، فلا دلالة فيها بوجه على إلغاء الزمان السابق في مثل
النقدين والأنعام ممّا يُعتبَر فيه الحول.
إذن فمقتضى
الإطلاقات : ثبوت الزكاة في المال المعتبَر فيه الحول بعد بلوغ اليتيم ، وإن كان
استكمال الحول ملفّقاً من العهدين ، لعدم كونه صبيّاً وقتئذ ، ونتيجته احتساب
الزمان السابق ، لعدم الدليل على إلغائه.
هذا غاية ما
يمكن تقريره في تقريب مقالة المحقّق السبزواري.
ومع ذلك كلّه ،
فالصحيح ما عليه المشهور من احتساب مبدأ الحول من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
زمان البلوغ ، وذلك لأجل أنّ المستفاد ممّا دلّ على اعتبار الحول : أنّ
موضوع الزكاة لم يكن مجرّد الملكيّة كما كان كذلك في مثل الغلّات ممّا لا يعتبر
فيه الحول بل الملكيّة المقيّدة بكونها حولاً واحداً ، فالموضوع إنّما هو المالك
في مجموع السنة.
وعليه ، فلو
كان تمام السنة ملكاً للبالغ فلا إشكال ، كما لا إشكال فيما لو كان تمامها ملكاً
للصبي ، وأمّا الملفّق فهو مشمول لقوله (عليه السلام) في الصحيح المزبور : «ليس في
مال اليتيم زكاة» ، نظراً إلى أنّ مفاده إلغاء مال اليتيم وإسقاطه عن الموضوعيّة
للزكاة.
ومن البيّن أنّ
نفي الموضوعيّة كما يكون بنفي تمام الموضوع كذلك يكون بنفي بعضه وجزئه ، فتنفى
صلاحيّة مال اليتيم للموضوعيّة الناقصة كالتامّة بمقتضى الإطلاق ، وأنّ هذه
الملكيّة بالإضافة إلى وجوب الزكاة ملغية وفي حكم العدم ، وكأنّه لم تكن ، فكما لا
أثر في اعتبار الشارع لملكيّته في تمام السنة فكذا لا أثر لملكيّته في بعضها.
وعلى
الجملة : الملفّق من
العهدين وإن كان ملكاً شخصيّاً لمالكٍ شخصي ، إلّا أنّ الإضافة تختلف باختلاف
الوقتين ، فإنّه ملكٌ لليتيم في الستّة أشهر الاولى ، وللبالغ في الأخيرة ، ومقتضى
الإطلاق في الصحيح المزبور : أنّ الملكيّة الأُولى قد ألغاها الشارع بالإضافة إلى
وجوب الزكاة ، فكونه مال اليتيم في بعض العام يخرجه عن صلاحيّة الانضمام مع الستّة
الأخيرة ، إذ الموضوع للزكاة أن يكون المال عند ربّه سنة واحدة ، وبعد التقييد
بغير اليتيم ينتج أنّ الموضوع هو مال البالغ ، فكونه مال اليتيم في تمام العام أو
في بعضه يخرجه عن موضوع الزكاة بعد أن كانت الإضافة إلى اليتيم في حكم العدم ،
وكأنّه لا مال له حسبما عرفت ، فلا قصور في دلالة النصّ على ما فهمه المشهور ،
فلاحظ.
وأمّا ما لا
يعتبر فيه الحول من الغلّات الأربع ، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلّق (١) ، وهو
انعقاد الحبّ وصدق الاسم على ما سيأتي.
الثاني : العقل
، فلا زكاة في مال المجنون (٢)
______________________________________________________
هذا ، ومع
الغضّ عن ذلك فيكفينا حديث رفع القلم عن الصبي ، حيث إنّ مفاده : اختصاص الخطابات
بالبالغين ، فغير البالغ غير مشمول للأحكام ، من غير فرق بين المتعلّقة منها
بالموضوعات البسيطة أو المركّبة ، فكما أنّ خطاب الحجّ مثلاً متوجّهٌ نحو البالغ
المستطيع الظاهر في لزوم فعليّة كلا القيدين في تعلّق الوجوب ، فلا تنفع الاستطاعة
السابقة الزائلة عن البلوغ فكذلك الخطاب بالزكاة متوجّهٌ نحو البالغ المالك سنة ،
فلا تنفع الملكيّة السابقة على البلوغ ، فإنّها في حكم العدم ، إذ الحديث المزبور
بمثابة التقييد في دليل الزكاة كغيرها من أدلّة الأحكام ، فكأنه (عليه السلام) قال
: أيُّها البالغون إذا ملكتم سنةً وجبت عليكم الزكاة. الذي مقتضاه : عدم تأثير
للملكيّة السابقة في تعلّق هذا الحكم ، لعدم كونه مخاطباً آن ذاك بشيءٍ بعد
افتراض اختصاص تشريع الأحكام وتقنين القوانين بالبالغين. إذن لا مقتضي لضمّها بما
بعد البلوغ بتاتاً.
(١) بل يكفي
البلوغ حين التعلّق كما لا يخفى ، لخروجه وقتئذٍ عن موضوع اليتيم ، فتشمله
الإطلاقات من غير معارض.
(٢) لحديث رفع
القلم ، كما تقدّم في الصبي ، فإنّهما من وادٍ واحد ، حيث إنّ مفاده : أنّ قلم
التشريع لم يوضع على المجانين كما لم يوضع على الصبيان.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد ورد في غير
واحد من النصوص أنّه تعالى خاطب العقل فقال له : أقبِل فأقبَل ، ثمّ قال له :
أدبِر فأدبَر ، فقال تعالى : بك أُثيب وبك أُعاقب . ومن ثمّ كان
العقل من الشرائط العامّة ، وكان تشريع الأحكام ومنها الزكاة خاصّاً بالعقلاء.
وعليه ، فالأمر
المتعلّق بها الوارد في الكتاب والسنّة متوجّهٌ إلى خصوص العاقلين بطبيعة الحال ،
فإنّه وإن لم يرد نصٌّ خاصٌّ في المقام يحتوي على نفي الزكاة عن المجنون كما ورد
مثله في الصبي وأنّه «ليس على مال اليتيم زكاة» كما تقدّم إلّا أنّ
النتيجة هي النتيجة بعد ملاحظة حديث نفي القلم عن المجنون ، فبناءً على جواز
التمسّك بحديث الرفع كما مرّ في الصبي جاز التمسّك به في المقام أيضاً بمناطٍ واحد. ومعه لا
حاجة إلى بعض التكلّفات التي هي مصادرات ، كما ذكره في الجواهر .
هذا من حيث
التكليف.
وأمّا من ناحية
الوضع ، فقد تقدّم أنّ الحديث يشمله أيضاً كالتكليف ، ومع الغضّ
فلا إطلاق لدليل الوضع ليتمسّك به ، ضرورة عدم كون مثل قوله (عليه السلام) : «فيما
سقته السماء العشر» إلّا في مقام بيان المقدار فحسب ، فهو ناظر إلى ثبوت الوضع في
مورد وجوب الزكاة ، والمفروض أنّ الوجوب خاصّ بالعقلاء ، فلا مجال للتمسّك بإطلاقه
لإثبات تعلّق الزكاة بمال المجنون.
هذا ، مضافاً
إلى ورود روايتين في المقام ، إحداهما مؤكّدة للمطلوب ،
__________________
في تمام الحول أو بعضه ولو أدواراً (١).
______________________________________________________
والأُخرى مؤيّدة.
فالأُولى :
صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : امرأة من
أهلنا مختلطة ، أعليها زكاة؟ «فقال : إن كان عمل به فعليها زكاة ، وإن لم يعمل به
فلا» .
والثانية :
رواية موسى بن بكر المرويّة بطريقين ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليه زكاة؟ «قال : إن كان أخوها يتّجر به
فعليه زكاة» .
وهي ضعيفة
بمحمّد بن الفضيل في أحد الطريقين ، لتردّده بين الثقة وغيره ، وبسهل بن زياد في
الطريق الآخر.
نعم ، موردهما
هو المال الصامت ظاهراً ، أعني : الذهب والفضّة ، لقيام التعارف الخارجي على
الاتّجار بهما غالباً ، إلّا أنّه لا يبعد عدم الفرق بين الصامت وغيره من هذه
الجهة.
وكيفما كان ،
ففيما عرفت من القواعد العامّة كفاية.
(١) إذ بعد أن
كان موضوع الزكاة مقيّداً بالعاقل بمقتضى حديث الرفع الحاكم على جميع الأدلّة
الأوّلية حسبما عرفت ، فإذا ضممنا ذلك إلى دليل اعتبار الحول أنتج اختصاص الخطاب
بالعاقل المالك عاما ، فغير العاقل خارجٌ عن هذا الخطاب ولا أثر لملكيّته.
وعليه ، فلو
جنّ في بعضه كان المقدار من الحول المتّصف هو فيه بالجنون
__________________
بل قيل : أنّ عروض
الجنون آناً ما يقطع الحول (١).
______________________________________________________
ملغياً وفي حكم العدم ، كما مرّ نظيره في الصبي ، فلا بدّ إذن
من استئناف الحول ممّا بعده.
وهذا من غير
فرق فيه بين الإطباقي والأدواري ولو كان عاقلاً عند نهاية السنة ، فإنّه بعد أن لم
يكن في دور الجنون مخاطَباً بالزكاة فبطبيعة الحال لا يحسب ذاك الدور من الحول ،
إذ لا يصدق كون المال عنده بما هو عاقل حولاً كاملاً.
وممّا يؤكّد
ذلك : اقتران الزكاة بالصلاة في كثير من الآيات الشريفة ، كقوله تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكاةَ*) .
وقد صرّح
بالتلازم بين الأمرين في صحيحة يونس بن يعقوب ، قال : أرسلتُ إلى أبي عبد الله (عليه
السلام) : إنّ لي إخوة صغاراً فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ «قال : إذا وجب عليهم
الصلاة وجب عليهم الزكاة» .
وحيث إنّ
المجنون لا تجب عليه الصلاة حال جنونه ولو أدواراً كالصغير ، فكذا لا تجب عليه
الزكاة.
وعليه ، فلا
مجال لما نُسِبَ إلى بعض الأكابر من وجوب الزكاة في الجنون الأدواري.
(١) إذا كان
زمان الجنون قليلاً جدّاً كساعة ونحوها فهل حكمه حكم العاقل في تمام السنة في وجوب
الزكاة عليه؟
__________________
لكنّه مشكل ،
بل لا بدّ من صدق اسم المجنون وأنّه لم يكن في تمام الحول عاقلاً ، والجنون آناً
ما بل ساعة وأزيد لا يضرّ ، لصدق كونه عاقلاً.
______________________________________________________
أو أنّ الحول
ينقطع ولا بدّ من استئنافه بعد زوال الجنون ، كما هو الحال في زوال الملكيّة بلا
إشكال ، حيث إنّ العين الزكويّة لو خرجت عن الملكيّة أثناء الحول ولو آناً ما ثمّ
عادت بإرثٍ ونحوه ، يعتبر وقتئذٍ احتساب حولٍ جديد ، ولا ينضمّ ما قبله بما بعده
جزماً ، فهل المقام أيضاً كذلك؟.
استشكل فيه
الماتن ، بل قوّى الاحتمال الأوّل ، نظراً إلى عدم قدح الفصل اليسير في الصدق
العرفي ، فإنّه يطلق عليه لدى العرف أنّه عاقل في تمام الحول ، فتشمله الإطلاقات.
ولكنّه كما ترى
في غاية الإشكال ، لعدم ابتناء التحديدات الشرعيّة على المساهلات والمسامحات
العرفيّة حسبما هو مذكور في موارد كثيرة من الفقه ، مثل : عدّة الوفاة والمسافة
الشرعيّة والكرّ وأيّام الاعتكاف وأقلّ الحيض ، ونحو ذلك ممّا لا يتسامح فيه بعد
وضوح المفهوم ، بل يراعَى كمال التدقيق في مقام التطبيق ، لعدم الدليل على حجّيّة
نظر العرف في هذه المرحلة.
ومن ثمّ يحكم
ببطلان العقد بل الحرمة الأبديّة مع العلم فيما لو تزوّجت قبل انقضاء العدّة ولو
بساعة ، وبانفعال ما نقص عن الكرّ ولو بغرفة ، وبعدم التقصير فيما دون المسافة ولو
بخطوة ، وهكذا. مع ضرورة صدق تلك العناوين بالنظر العرفي ، توسّعاً وتسامحاً منهم
في مقام التطبيق ، غير أنّه لم ينهض أيّ دليل على اتّباعه بعد اتّضاح حدود المفهوم
من حيث السعة والضيق.
نعم ، قد يرى
العرف توسّعاً في نفس المفهوم ، فيكون الانطباق حينئذٍ من باب انطباق المفهوم
الواسع ، لا من باب المسامحة في التطبيق ، وهذا كما في
.................................................................................................
______________________________________________________
مفهوم الحنطة والشعير ، فإنّ العرف يرى سعة المفهوم وشموله للمشتمل على
الخليط من ترابٍ ونحوه غير المنفكّ عنه في الخارج غالباً ، ولا يخصّه بالخالص الذي
هو فردٌ نادرٌ جدّاً.
ومن ثمّ كان
المناط في النصاب بلوغ الخليط وإن كان الخالص بعد التصفية ناقصاً عنه ، كما أنّه
لو باع منّاً من الحنطة تحقّق التسليم بدفع المخلوط بالمقدار المتعارف.
ومن هذا القبيل
: ما تقدّم في مبحث الإقامة من صلاة المسافر ، من أنّ مفهوم الإقامة في البلد عشرة أيّام مفهومٌ
واسع عرفاً يعمّ البلد وضواحيه ، من أجل قيام العادة على أنّ المقيم في البلد لا
يقتصر على الإقامة داخل السور ، بل يخرج أحياناً للتنزّه أو لتشييع الجنائز أو
زيارة القبور ، ونحو ذلك ممّا لا يضرّ بصدق كونه مقيماً في البلد عرفاً.
وعلى
الجملة : فكلّ توسعة
عائدة إلى تشخيص المفهوم ومعرفة حدوده وجوانبه كان نظير العرف فيه متّبعاً ، وكان
الصدق حينئذٍ حقيقيّا عرفيّاً وإن لم يكن دقّيّاً ، وليس من المسامحي في شيء ،
وكلّ توسعة مبنيّة على التسامح في التطبيق بعد معرفة المفهوم فلا يُصغى إليها ولا
حجّيّة فيها وإن أقرّ عليها العرف.
ومقامنا من هذا
القبيل ، ضرورة أنّ مفهوم الحول كالشهر في العدّة وعشرة أيّام في الإقامة واضحٌ
ومبين لا تردّد فيه ، وأنّه لا يكاد يشمل الناقص عنه ولو ساعة ، فإذا عُلِّقَ عليه
وجوب الزكاة فكان الموضوع من كان عنده المال حولاً واحداً وكان المراد به العاقل
البالغ لا ذات المالك كما مرّ وقد نقص عن الحول فجنّ ولو ساعة ، فطبعاً لم يكن
المال عنده بما هو عاقلٌ حولاً كاملاً ، ومعه لا مناص من الاستئناف.
__________________
الثالث :
الحرّيّة ، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه (١).
______________________________________________________
فلا فرق إذن
بين كثرة الزمان وقلّته ، بل ينقطع الحول على التقديرين حسبما عرفت.
(١) وقع الكلام
بين الأعلام في أنّ العبد هل يملك وإن كان محجوراً وممنوعاً عن التصرّف إلّا بإذن
مولاه ، لكونه : كَلّاً لا يقدر على شيء؟
أو أنّه لا
يملك أصلاً وكلّ ما في يده من الأموال فهي لمولاه؟
والصحيح هو
الأوّل ، لاستفادته من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة التي منها المقام في
نصوص عديدة مضمونها أنّه : لا زكاة في مال المملوك .
فإنّ الظاهر
منها : أنّ النفي لجهة مملوكيّة المالك ، كالصغر والجنون المانعين عن تعلّق الزكاة
، فعدم الوجوب مستندٌ إلى وجوب المانع وهو المملوكيّة لا عدم المقتضي وهو
المالكيّة إذ هو خلاف الظاهر جدّاً من مثل تلك العبارة ، فإنّه قد فرض أنّ له
مالاً ، وبعد فرض الموضوع نفي عنه الزكاة ، لا أنّه من باب السالبة بانتفاء
الموضوع ، وإلّا لما اختصّ بالمملوك ، بل كلّ من لا مال له فلا زكاة عليه ، كما هو
ظاهر جدّاً.
ومنها : ما ورد
في باب الإرث من انتقال مال العبد إلى مولاه دون أقاربه ، وأنّ الرقّ
لا يرث ولا يورث ، فلو لم يكن العبد مالكاً فما معنى انتقال ماله إلى
مولاه وكونه وارثاً له؟! بل هو مال المولى حقيقةً ، لا أنّه يرثه وينتقل إليه ،
ونحو ذلك من سائر الموارد.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويقع الكلام في
المقام على كلٍّ من التقديرين :
أمّا على تقدير
القول بعدم المالكية ، فعدم وجوب الزكاة حينئذٍ لا يحتاج إلى الدليل ، لأنّ موضوعه
المال ، ولا مال للعبد حسب الفرض ، فالقضيّة سالبة بانتفاء الموضوع ، نظير أن نقول
بعدم وجوب الزكاة على الجار الفقير ، وهذا ظاهر من غير حاجة إلى ورود رواية تدلّ
عليه.
وهل تجب الزكاة
على هذا القول على المولى لكونه المالك الواقعي حقيقةً وشرعاً وإن أُضيف المال إلى
العبد مجازاً وصورةً؟
أو لا تجب عليه
أيضاً؟
فيه وجهان بل
قولان.
والأظهر :
الوجوب ، إذ ليس في الروايات الواردة في المقام عدا التعرّض لنفي وجوب الزكاة على
المملوك من حيث كونه مالاً للمملوك ، وأمّا المولى الذي فرضناه هو المالك الحقيقي
فليس في شيء من الروايات ما يقتضي عدم الوجوب بالإضافة إليه لدى تحقّق سائر
الشرائط ، ومجرّد كون المال بيد العبد ومضافاً إليه بإضافة مجازيّه أو بملكيّة
عرفيّة مسامحيّة لا يستدعي سقوط الزكاة عن المولى ، الذي هو المالك الشرعي كما
عرفت ، فالمال لدى التحقيق أمانة بيد العبد ، كالمال الذي بيد الوكيل أو بيد أخيه
، ونحو ذلك ، فهو ملك للمولى كسائر أمواله التي هي بيد العبد أو غيره.
والحاصل
: أنّه ليس في
شيء من هذه الروايات ما يدلّ على عدم الوجوب على المولى ، ومقتضى الإطلاقات هو
الوجوب بعد أن كان ملكاً له وتحت سلطانه وتصرّفه.
وأمّا صحيحة
عبد الله بن سنان الدالّة على عدم الوجوب على العبد والمولى معاً قال : قلت له :
مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ «قال : لا» قال : قلت :
.................................................................................................
______________________________________________________
فعلى سيّده؟ «فقال : لا ، لأنّه لم يصل إلى السيّد وليس هو للمملوك» .
فهي أجنبيّة
عمّا نحن فيه ، فإنّ محلّ الكلام : ما إذا كان المال للمملوك إمّا حقيقةً أو
مجازاً على القولين ومورد الرواية : أنّ هناك مالاً بيد العبد من غير أن يفرض أنّه
مال العبد ومضافٌ إليه ، ومن الجائز أنّه مالٌ للمولى كان بيد العبد للتجارة ،
فاتّجر وربح ولم يطّلع عليه المولى ، فحينئذٍ لا تجب الزكاة : لا على العبد ، لعدم
كونه ملكاً له ، ولا على المولى ، لأنّه لم يصل إليه ، كما علّل بذلك في الصحيحة ،
لما سيجيء من أنّ من شرائط وجوب الزكاة : كون المال تحت السلطنة والتصرّف ، فلا زكاة
فيما لا سلطنة عليه ، كالمال الغائب أو المدفون في مكان وهو لا يدري ، أو من انتقل
إليه مالٌ بإرثٍ وهو لا يعلم ، أو بتجارةٍ من وكيله أو أمينه وهو جاهل بذلك. ففي
جميع هذه الموارد بما أنّ المال لم يصل إليه مالكه ولم يكن تحت تصرّفه وسلطانه لا
زكاة عليه.
وبالجملة
: فالظاهر أنّ
الصحيحة ناظرة إلى مثل هذا المال ، وليس موردها مال العبد ، بل مال بيد العبد كما
عرفت.
إذن فلا توجب
الصحيحة تخصيص العمومات المقتضية لوجوب الزكاة على المولى بوجه.
فعلى هذا القول
أعني عدم مالكيّة العبد وإن كان ضعيفاً عندنا وجبت الزكاة على مولاه ، لإطلاق جميع
أدلّتها ممّا وردت في النقدين وفي الأنعام والغلّات كما هو ظاهر.
وأمّا على
القول بمالكيّة العبد كما هو الصحيح على ما مرّ فالمعروف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمشهور : عدم وجوب الزكاة عليه أيضاً ، فإنّ المقتضي وإن كان حينئذٍ
موجوداً وهو المالكيّة فلا محذور من هذه الجهة ، إلّا أنّه مقرونٌ بالمانع وهو
المملوكيّة فلا تجب على العبد ، كما لا تجب على الصغير والمجنون ، وذلك للأخبار
المعتبرة المستفيضة المتضمّنة أنّه : لا زكاة في مال المملوك ولو كان ألف ألف .
وقيل بالوجوب ،
وقد اعترف في الجواهر بعدم معروفيّة القائل به صريحاً ، غير أنّه يستظهر ذلك من
ابن حمزة في الوسيلة ، حيث إنّه لم يذكر الحرّيّة هنا من الشرائط ، بضميمة
ما يظهر منه في باب العتق من أنّ العبد يملك ، فيستظهر من ضمّ هاتين المقدّمتين
أنّه يرى وجوب الزكاة على العبد.
وكيفما كان ،
فقد نسب المحقّق الهمداني هذا القول إلى العلّامة في المنتهي والمحقّق في النافع
وإلى إيضاح النافع ، وأنّهم ذهبوا إلى الوجوب على القول بالملكيّة .
وهذا على تقدير
صدق النسبة لم يظهر له وجه صحيح أبداً ، بعد تظافر الأخبار كما عرفت بأنّه ليس في
مال المملوك شيء ، فإنّ ظاهر الأخبار عدم تعلّق الزكاة وإن ملك العبد باعتبار
إضافة المال إليه ، لا نفي الملكيّة حتى يلتزم بالوجوب على تقدير القول بالملك.
ومقتضى الإطلاق
في هذه النصوص : عدم الفرق بين ما إذا كان العبد مأذوناً في التصرّف من قبل المولى
أم لا ، بل ربّما يظهر من بعضها زيادةً على الإطلاق نوع ظهور في المأذونيّة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهي موثّقة
إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما تقول في رجل يهب
لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر فيقول : حلّلني من ضربي إيّاك ومن كلّ ما كان منّي
إليك وممّا [أخفتك] وأرهبتك ، فيحلّله ويجعله في حلٍّ رغبةً فيما أعطاه ،
ثمّ إنّ المولى بعدُ أصاب الدراهم التي كان أعطاه في موضعٍ قد وضعها فيه العبد ،
فأخذها المولى ، إحلالٌ هي له؟ قال : «فقال : لا تحلّ له ، لأنّه افتدى بها نفسه
من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة» قال : فقلت له : فعلى العبد أن
يزكّيها إذا حال عليه الحول؟ «قال : لا ، إلّا أن يعمل له فيها ولا يعطى العبد من
الزكاة شيئاً» .
دلّت على عدم
جواز الرجوع في هبته ، لأنّها كانت بإزاء التحليل ، فكانت في حكم الهبة المعوّضة
التي لا رجوع فيها ، ومعلومٌ أنّ ما يقع بإزاء التحليل ليس مجرّد الملكيّة ، إذ لا
أثر لها ولا ينتفع منها العبد ليحلّل مولاه ، بل ما كانت مقرونة بالمأذونيّة
والتسلّط على التصرّف كما لا يخفى.
ولكن المحقّق
الأردبيلي والفاضل القطيفي فصّلا في المسألة بين صورتي الإذن وعدمه ، وحملا
الروايات على صورة عدم الإذن ، فتجب الزكاة في فرض الإذن وعدم الحجر .
ولا شكّ أنّ
هذا التفصيل منافٍ لإطلاق النصوص ، بل ظهور موثّق إسحاق كما عرفت.
فبالنظر إلى
الروايات لم يُعرَف وجهٌ لذلك أبداً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فلا بدّ وأن
يكون منشأ التفصيل : محجوريّة العبد عن التصرّف ، التي ترتفع بالإذن ، وسيجيء إن
شاء الله اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة ، فالعبد
المأذون مالكٌ متمكّنٌ من التصرّف في ماله ، فتجب عليه الزكاة كسائر الملّاك ، دون
غير المأذون الذي لا سلطنة له على ماله.
فالتفصيل
المزبور مبنيٌّ على ذلك مع الغضّ عن الأخبار.
ومع ذلك لا
يتمّ ، والوجه فيه : أنّ المنع عن التصرّف المانع عن تعلّق الزكاة إنّما هو فيما
إذا كان المنع من جهة قصورٍ في المال لا قصورٍ في ناحية المالك المتصرّف.
فإنّ القصور تارةً : يكون في ناحية المال ، كما لو كان غائباً أو مدفوناً في
مكانٍ مجهول ، أو إرثاً لا يدري به الوارث ، أو مسروقاً أو مرهوناً فيما لو
تعدّينا عن المنع العقلي إلى الشرعي. ففي جميع هذه الموارد تكون الممنوعيّة
العقليّة أو الشرعيّة عن التصرّف مستندة إلى قصورٍ ونقصٍ في ذات المال ، وإلّا فلا
قصور في طرف المالك أبداً.
وأُخرى
: يكون في ناحية
المالك ، كما لو كان سفيهاً ، أو محجوراً عليه ، أو عبداً ، أو صغيراً ، ونحو ذلك.
والذي ثبتت مانعيّته عن تعلّق الزكاة إنّما هو الأوّل ، وإلّا فلم يدلّ أيّ دليل
على أنّ الحجر من ناحية المالك من حيث إنّه حجرٌ وإنّه ممنوعٌ عن التصرّف ، لا من
حيث عنوان آخر ملازم معه كالصغر مانع عن تعلّق الزكاة كما لا يخفى.
فلو فرضنا أنّا
لم نعمل بالروايات المتقدّمة كان مقتضى القاعدة على القول بالملكيّة وجوب الزكاة
على العبد مطلقاً ، أي سواء كان مأذوناً أم لا ، لأنّ النقص إنّما هو من ناحية
المالك ، لأنّه عبدٌ (كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) كما في السفيه ، وقد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
علمت أنّ مثله لا يضرّ بوجوب الزكاة.
فهذا التفصيل
لم يُعرَف له أيّ وجهٍ صحيح.
ثمّ إنّا لو
بنينا على تماميّة هذه الروايات المتضمّنة : أنّه لا زكاة في مال المملوك ، وهي
كثيرة جدّاً تامّة سنداً ودلالةً فلا موجب لرفع اليد عن ظهورها في أنّ العبد مالكٌ
حقيقةً وإن كان ممنوعاً عن التصرّف ، لكونه كَلّاً على مولاه لا يقدر على شيء ،
فهو ممنوعٌ عن التصرّف في ماله بغير إذن مولاه كما أنّه ممنوعٌ عن التصرّف في نفسه
بالتزويج ، فكما أنّه لو تزوّج مع الإذن فهو زوجٌ حقيقةً فكذلك هو مالكٌ لماله
حقيقةً وإن كان محجوراً من جهة أنّ الرقّيّة من أسباب الحجر.
وعليه ،
فاشتراط الحرّيّة واستثناء العبد عن الملّاك الذين تجب عليهم الزكاة صحيحٌ وفي
محلّه.
وأمّا لو فرضنا
أنّ العبد لا يملك وأنّ ملكه لمولاه حقيقةً ، فاشتراط الحرّيّة حينئذٍ غير وجيه ،
فإنّ الشرط موجودٌ إذ المالك حرّ ، غايته أنّ هذا الملك الذي هو ملك للمولى حقيقةً
يضاف إلى العبد بإضافة مجازيّةٍ وبنحوٍ من العناية ، كما يقال : هذا الجُلّ للفرس
، أو هذا الفرش للغرفة الفلانيّة. فلو أُريد نفي الزكاة عن هذا المال لم يحسن
التعبير عنه باشتراط الحرّيّة ، بل كان اللّازم أن يُعبّر باشتراط عدم إضافة المال
إلى العبد إضافةً مجازيّة ، لرجوع الشرط حينئذٍ إلى المال نفسه دون مالكه ، وأنّ
هذه الإضافة التي يتّصف بها المال توجب سقوط الزكاة.
وبعبارةٍ اخرى
: أموال المولى على قسمين :
قسم لا يرتبط
بالعبد بوجه.
وقسم تحت يده
ومضاف إليه عرفاً وملك له مجازاً.
من غير فرق بين
القنّ ، والمدبّر ، وأُمّ الولد (١) والمكاتب المشروط ، والمطلق الذي لم يؤدّ
شيئاً من مال الكتابة. وأمّا المبعّض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزّع على بعضه الحرّ
النصاب.
______________________________________________________
فلو كانت
النصوص ناظرة إلى نفي الزكاة عن هذا القسم من أموال المولى ، كان اللّازم أن يقال
: بأنّ ما يضاف إلى العبد من المال ولو إضافة مجازيّة لا زكاة فيه.
وهذا وإن
احتمله بعضهم كما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) ولكن لا وجه
له أبداً ، إذ لا موجب لرفع اليد عن هذه الأخبار الظاهرة في ملكيّة العبد ، ولا
سيّما الموثّقة الدالّة على عدم جواز الرجوع فيما وهبه إليه عوض الاستحلال خوفاً
من العقاب كما تقدّم .
(١) لإطلاق
الأدلّة الشامل لجميع هذه الأقسام ، فإنّ بعضها وإن كان في معرض التحرير كالمدبّر
وأُمّ الولد والمكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يؤدّ شيئاً من مال الكتابة إلّا
أنّه بالفعل عبدٌ محض فيشمله الإطلاق.
إنّما الكلام
في المبعّض ، كالمكاتب المطلق الذي أدّى مقداراً من مال الكتابة فتحرّر بعضه وبقي
البعض الآخر على الرقّيّة ، فهل تجب عليه الزكاة بمقدار حرّيّته أو تجب في جميع
أمواله؟
المعروف
والمشهور بل قيل : إنّه ممّا لا خلاف فيه ـ : أنّه يوزّع المال ، فما يملكه بإزاء
الجزء الحرّ تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب ، دون ما يقع بإزاء الجزء
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الرقّ. وعلّله في الجواهر بوجود المقتضي وهو بلوغ المال حدّ النصاب وعدم
المانع ، إذ المانع هي المملوكيّة المنتفية بنسبة هذا المال.
وناقش فيه
بعضهم بما يرجع إلى ما ذكره في الحدائق من أنّ الروايات المانعة عن تعلّق الزكاة
في مال المملوك منصرفة إلى المملوك التامّ والعبد المحض ، فالمبعّض
الذي هو فرد نادر غير مشمول لتلك الأخبار ، وعليه فمقتضى القاعدة : وجوب الزكاة في
تمام ما يملكه ، فلا يتوزّع ولا يختصّ بحصّة الجزء الحرّ ، لعدم دخول المبعّض في
دليل الاستثناء بتاتاً.
ولكن الصحيح ما
ذكره في الجواهر ، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تدلّنا على أنّ وجوب الزكاة إنّما
هو من جهة الحرّيّة وعدم الرقّيّة ، وذلك يقتضي التقسيط والتوزيع في فرض التبعيض
بطبيعة الحال كما لا يخفى.
ويؤكّده ما ورد
في غير واحدٍ من نصوص باب الحدود والقصاص من التوزيع فيما لو كان الجاني أو المجني
عليه مبعّضاً ، فلو زنى المبعّض وُزِّع الجَلد عليه بنسبة الحرّ والعبد ، فلو كان
نصفه حرّا ونصفه عبداً يُجلَد بمقدار النصف من كلٍّ من الحدّين .
ولو قتل أحدٌ
مكاتباً قد تحرّر نصفه مثلاً يؤخذ منه نصف دية الحرّ ونصف دية العبد .
إلى غير ذلك من
سائر الأحكام المذكورة في الموارد المتفرّقة من البابين المزبورين ، التي هي كثيرة
جدّاً ، ومذكورة في غير واحد من الأخبار ، بحيث
__________________
الرابع : أن
يكون مالكاً (١) ، فلا تجب قبل تحقّق الملكيّة ، كالموهوب
______________________________________________________
يظهر منها المفروغيّة عن التوزيع ، الذي هو الصحيح الموافق للمتفاهم العرفي
بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع حسبما عرفت.
(١) ذكر (قدس
سره) أنّ من جملة الشرائط : الملكيّة ، فلا زكاة على غير المالك ، ورتّب عليه أنّ
القبض لو كان دخيلاً في الملكيّة كما في الهبة فما لم يقبض لا زكاة عليه ، لعدم
تحقّق الملك ، ولذا لو مات الواهب قبل القبض انتقل إلى وارثه دون الموهوب له ، فلا
تجب الزكاة عليه ، بل تجب على الواهب إن كان واجداً للشرائط ، وإلّا فلا تجب
عليهما ، كما لو فرضنا أنّ شخصين ملك كلٌّ منهما كمّيّة من الدينار غير بالغة حدّ
النصاب ، فوهباه من زيد ، ولم يقبض ، فإنّه لا تجب الزكاة على الموهوب له ، لعدم
القبض ، ولا على الواهبين ، لعدم بلوغ حصّة كلّ منهما النصاب على الفرض ، وستعرف
أنّ النصاب يعتبر أن يكون في ملك مالك واحد .
وهذا الذي ذكره
(قدس سره) ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، بل لا إشكال فيه ولا خلاف ، كما عن غير واحد.
وتدلّ عليه قبل
التسالم والنصوص المتظافرة ظاهر الآية المباركة ، قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) دلّت على أنّ موضوع الزكاة إنّما هو أموال الناس ، فمن
كان ذا مالٍ تتعلّق به الزكاة ، وغير المالك غير مأمور بشيء ، فالأمر مشروطٌ
بالملكيّة ، ولا زكاة في غير المملوك. وهذا يُتصوّر على أقسام :
إذ تارةً : لا يكون الشيء ملكاً لأحد ، كما في المباحات الأصليّة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأُخرى
: مملوك لكن لا
لشخص خاصّ ، وإنّما هو ملك للجهة ، كما في نماء الوقف ، كالبستان الموقوف للمسجد
أو لتعزية الحسين (عليه السلام) ، أو للعنوان والجهات العامّة ، كالفقراء والعلماء
، ونحو ذلك من المصارف المشروعة. فلو بلغ حاصلها حدّ النصاب لا تجب الزكاة فيه ،
فإنّ الوقف وإن كان تمليكاً على ما هو المعروف ولكنّه مملوك للجهة أو للعنوان لا
لشخص معيّن ليؤمر بالزكاة على ما تقتضيه الآية (خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، الظاهرة في كون الشيء ملكاً لمالكٍ مشخّصٍ معيّن ،
بمقتضى مقابلة الجمع بالجمع كما لا يخفى.
وعلى
الجملة : فمثل هذه
الأوقاف التي هي وقف على الجهات العامّة بنحو الصرف أو ملكيّة العنوان لا زكاة
فيها إذا لم يقبضها شخصٌ معيّن.
نعم ، بعد
القبض وحصول الملكيّة للشخص على القول بأنّ الوقف تمليك وجبت الزكاة حينئذ.
وتؤكّد الآية
عدّة من الأخبار المتضمّنة أنّه : لا زكاة إلّا على صاحب المال ، الظاهر في
الصاحب المعيّن المتشخّص خارجاً.
ومن هذا القبيل
: باب الوصيّة فيما إذا أوصى أن يُصرَف نماء هذه النخيل مثلاً في جهة خاصّة ، فإنّ
الصحيح في باب الوصيّة أنّ المال الموصى به قبل أن يُصرَف في مصرفه باقٍ على ملك
الميّت ، وأنّه مالكٌ لثلث ماله والباقي للوارث ، ولا مانع من اعتبار الملكيّة حال
الممات كالحياة .. كما لا يخفى ، ولكن بما أنّ الميّت لا يخاطَب ولا يكلّف بشيء
فلأجله لا تتعلّق به الزكاة ، ضرورة أنّ الحياة من الشرائط العامّة كالبلوغ
والعقل.
فتحصّل
: أنّه يُعتبَر
في الزكاة أن يكون مملوكاً ، فلا زكاة على المباحات. وأن يكون مملوكاً لشخص ، فلا
زكاة على ما هو مملوك للعنوان ، كالأوقاف.
__________________
قبل القبض ، والموصى به قبل القبول (١) أو قبل القبض. وكذا في القرض لا تجب إلّا بعد القبض.
______________________________________________________
وأن يكون الشخص حيّاً ، فلا زكاة على الميّت كما في الوصيّة ، لا لعدم
الملكيّة ، بل لعدم قابليّة المالك لتعلّق الأمر به حسبما عرفت.
(١) وممّا فرّع
(قدس سره) على اعتبار الملكيّة : عدم تعلّق الزكاة بالموصى به قبل قبول الوصي ،
فلو أوصى أن يكون نماء البستان لزيد ، فمات ، وبعده خرج النماء ولم يقبل زيد ، لا
زكاة عليه ، لعدم دخوله في ملكه قبل قبوله ، وقد عرفت عدم وجوب الزكاة على الميّت
، فهذا المال ممّا لم تتعلّق به الزكاة أصلاً.
وما ذكره (قدس
سره) وجيه ، بناءً على اعتبار القبول في الوصيّة ، ولم ترد فيه أيّة رواية ولو
ضعيفة ، وإنّما ادُّعي عليه الإجماع وبعض الوجوه الاعتباريّة غير القابلة للاعتماد
، مثل : أنّه كيف يملك من غير رضاه مع أنّ الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم ،
والتملّك من غير القبول منافٍ للسلطنة على النفس ، وهو كما ترى ، لوضوح عدم
التنافي بين السلطنة والملكيّة غير الاختياريّة كما في الإرث ونحوه.
والحاصل
: أنّه لا دليل
على اعتبار القبول في نفوذ الوصيّة بوجه ، غايته أنّ الموصَى له له حقّ الردّ ، كي
لا ينافي السلطنة ، وهذا أمر آخر لا نضايق عن الالتزام به ، فالاشتراط بعدم الردّ
شيء ، والاشتراط بالقبول شيء آخر ، والذي ثبت إنّما هو الأوّل دون الثاني ، فهو
مالك ما لم يردّ ، ومعه ينكشف عدم الملكيّة من الأوّل كما لا يخفى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه ، فلا
يترتّب ما ذكره (قدس سره) على هذا الاشتراط ، بل تجب الزكاة قبل القبول ، لحصول
الملك.
وممّا يؤكّد
عدم احتياج الوصيّة إلى القبول ما دلّ من الروايات على أنّ الموصى له إذا مات قبل
القبول أو قبل أن يعلم يُعطَى لورثته ، فإنّ هذا لو كان حكماً تعبّديّاً في مورده لم يكن به
بأس ، ولكن بناءً على عدم اشتراط القبول فهو حكمٌ على القاعدة ، لأنّه ملكٌ للموصى
له فينتقل إلى وارثه.
وكيفما كان ،
فما ذكره (قدس سره) مبنيٌّ على اعتبار القبول ، وهو غير تامّ ، وتمام
الكلام في محلّه.
وأمّا ما ذكره (قدس
سره) من اعتبار القبض في الملكيّة في باب الوصيّة ولأجله حكم (قدس سره) بعدم
الزكاة قبل القبض فهو باطل ، بل وغير محتمل قطعاً ، لعدم اعتبار القبض في هذا
الباب بلا شبهة ولا إشكال ، ولا قائل به معروف ، بل ولا غير معروف.
نعم ، نسب ذلك
إلى بعض كلمات الشيخ ، ولم تثبت النسبة ، ولا دليل عليه بوجه ، فلو قلنا باعتبار
القبول لا نقول باعتبار القبض بتاتاً.
والظاهر أنّه
لا ينبغي الشكّ في أنّ هذه الجملة أعني قوله : أو قبل القبض سهوٌ من قلمه الشريف
أو من النسّاخ.
نعم ، هو معتبر
في القرض كما ذكره (قدس سره) بعد ذلك ، فلا يملك المقترض ما لم يقبض ، ولا زكاة
عليه وإن بقي سنة ، لعدم حصول الملك ، وتفصيل الكلام موكولٌ إلى محلّه.
__________________
الخامس : تمام
التمكّن من التصرّف ، فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرّف فيه (١)
، بأن كان غائباً ولم يكن في يده ولا في يد وكيله ، ولا في المسروق ، والمحجور ،
والمدفون في مكان منسي ، ولا في المرهون ، ولا في الموقوف ، ولا في المنذور
التصدّق به .
______________________________________________________
(١) رتّب (قدس
سره) على هذا الاشتراط عدم وجوب الزكاة في موارد سبعة :
أربعة منها
يجمعها عدم التمكّن من التصرّفات التكوينيّة الخارجيّة ، وهو المال الغائب بحيث لا
يكون في يده ولا في يد وكيله ، والمسروق ، والمدفون في مكان منسي ، والمحجور إمّا
غصباً أو اشتباهاً.
ففي هذه
الموارد لا يتمكّن المالك من التصرّفات الخارجيّة ، لخروج الملك عن تحت يده
وسيطرته ، وإن كان متمكّناً من التصرّفات الاعتباريّة ، من هبةٍ أو صلحٍ أو بيعٍ
ممّن يتمكّن من تسلّمه.
وثلاثة منها
يجمعها عدم التمكّن من التصرّف الاعتباري شرعاً وإن تمكّن خارجاً ، وهي : العين
الموقوفة ، والمرهونة ، والمنذور بها التصدّق.
فإنّ الوقف
ملكٌ للطبقة الحاضرة ، فلهم التصرّف فيه تكويناً ، ولكنّه ملك غير طلق ، فلا يجوز
لهم التصرّف الاعتباري من بيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك من التصرّفات الناقلة.
وكذلك العين
المرهونة ، فإنّه ربّما يتمكّن الراهن من التصرّف الخارجي كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لو جعلها المرتهن بعد قبضها عند الراهن لكنّه ممنوعٌ عن التصرّف شرعاً
ببيعٍ ونحوه.
وهكذا الحال في
منذور التصدّق من النقدين أو الأنعام ونحو ذلك ، فلو نذر أثناء الحول أن يتصدّق
بها على الفقراء أو على جهة خاصّة ، فقد سُلِبت قدرته الشرعيّة على التصرّفات
الاعتباريّة دون الخارجيّة ، وبذلك ينقطع الحول وتسقط عنه الزكاة في هذه الموارد
بأجمعها ، لعدم كون المالك تامّ التصرّف فيها إمّا تكويناً أو تشريعاً حسبما عرفت.
والذي ينبغي أن
يقال في المقام بعد أن كانت كلماتهم مختلفة في بيان هذا الشرط جدّاً ، فهذا
المحقّق في الشرائع يذكر اعتبار الملكيّة أوّلاً ثمّ تمام الملك ثمّ جواز التصرّف
أي التمكّن منه ، وغيره يذكر غير ذلك كما لا يخفى على المتتبّع ـ :
إنّ المتّبع هو
الروايات الواردة في المقام ، فقد ورد في عدّة من الأخبار عدم الزكاة في مالٍ لم
يصل إلى صاحبه ، أو الذي دفنه في مكانٍ لا يعلم به ، أو أنّه لا زكاة في مالٍ حتى
يكون عنده ، ونحو ذلك من التعابير.
منها : معتبرة
سدير الصيرفي ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في رجلٍ كان له مالٌ
فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر
الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمّ
إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّها فوقع على المال بعينه ، كيف يزكّيه؟ «قال
: يزكّيه لسنة واحدة ، لأنّه كان غائباً عنه وإن كان احتبسه» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قوله : «وإن
كان احتسبه» كما في الوسائل والكافي أي وإن كان هو المتصدّي لحبس المال ودفنه.
وذكر المحقّق الهمداني : أنّ النسخ مختلفة ، وفي بعضها «احتسب» أي وإن كان المالك
حسب المدفون من أمواله. وكيفما كان فلا دخل لهذه الجملة فيما نحن بصدده.
وقد دلّت على
أنّ المال الذي لا يتمكّن صاحبه من التصرّف فيه خارجاً لعدم السلطة عليه تكويناً
وإن تمكّن من التصرّف اعتباراً من بيع أو جعله مهراً ونحو ذلك لا زكاة فيه.
وموثّقة إسحاق
بن عمّار : عن الرجل يكون له الولد ، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ، ومات الرجل
، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ «قال : يعزل حتى يجيء» ، قلت : فعلى ماله زكاة؟
«قال : لا حتى يجيء» ، قلت : فإذا هو جاء أيزكّيه؟ «فقال : لا ، حتى يحول عليه
الحول في يده» .
فإنّ من
المعلوم أنّ المراد باليد ليس هو العضو والجارحة الخاصّة ، بل المراد ما هو
المتعارف من استعمالها ، أي يكون تحت استيلائه وسلطانه ، بحيث يتمكّن من التصرّف
التكويني خارجاً.
وموثّقته
الأُخرى وإن اشتمل سندها على إسماعيل بن مرار ، لكنّه مذكور في أسناد تفسير عليّ
بن إبراهيم ـ : عن رجلٍ ورث مالاً والرجل غائب ، هل عليه زكاة؟ «قال : لا ، حتى
يقدم» ، قلت : أيزكّيه حين يقدم؟ «قال : لا ، حتى يحول عليه الحول وهو عنده» .
فإنّ قوله (عليه
السلام) : «وهو عنده» عبارة أُخرى عن كونه تحت تصرّفه لا مجرّد كونه عنده ولو
اغتصبه ظالم وجعله وديعة عند مالكه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصحيحة عبد
الله بن سنان : «لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك» .
وصحيحة إبراهيم
بن أبي محمود : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما ، متى
تجب عليه الزكاة؟ «قال : إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي» .
إلى غير ذلك من
الأخبار كما لا يخفى على المراجع.
وهذه النصوص
كما ترى تدلّنا بأجمعها على أنّ المعتبر في تعلّق الزكاة : الاستيلاء الخارجي على
العين الزكويّة ، بإتلافٍ أو أكلٍ أو نقلٍ إلى مكان آخر ونحو ذلك من التصرّفات
التكوينيّة ، بحيث تكون تحت يده وسلطته.
وأمّا التمكّن
من التصرّفات الشرعيّة الاعتباريّة مثل : البيع أو الهبة أو الصلح ونحو ذلك فهي
أجنبيّة عن التعرّض لذلك رأساً ، ولا دلالة في شيء من هذه الأخبار على اعتبار
التمكّن من ذلك أو عدم اعتباره في تعلّق الزكاة بتاتاً.
وبذلك يندفع
الإشكال المعروف من أنّه إن أُريد التمكّن من جميع التصرّفات فهذا غير متحقّق في
كثير من موارد تعلّق الزكاة ، ولا إشكال في عدم اعتباره فيها ، فلو اشترى مقداراً
من الأنعام واشترط البائع أن لا يهبها أو لا يبيعها أو لا يؤجرها من زيد سنة واحدة
، لا يمنع ذلك عن تعلّق الزكاة قطعاً.
وإن أُريد
التمكّن من التصرّف ولو في الجملة ، فهذا متحقّق في كثير من الموارد المتقدّمة ،
من المسروق أو المحجور أو الغائب ونحو ذلك ، بأن يهبه أو يبيعه من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السارق أو من غيره المتمكّن من تسلّمه كابنه مثلاً أو يبيع المال الغائب أو
المحجور من شخصٍ آخر.
وجه الاندفاع :
ما عرفت من أنّ هذه الأخبار بأسرها ناظرة إلى التصرّفات الخارجيّة والتمكّن من
القلب والتقليب التكويني في قبال المال الغائب مثلاً الذي لا يتيسّر فيه ذلك ، ولا
نظر فيها بوجهٍ إلى التصرّفات الاعتباريّة حتى يقال : إنّ الاعتبار بجميع تلك
التصرّفات أو بعضها. فلا يرد شيء من الإشكالين المبنيّين على توهّم شمول الأخبار
للتصرّف الاعتباري.
ودعوى : أنّ
الممنوع الشرعي ملحق بالممتنع العقلي.
مدفوعةٌ بعدم
الدليل على هذا الإلحاق على سبيل الإطلاق.
نعم ، ثبت ذلك
في باب التكاليف بحكومة العقل ، فكما لا يمكن التكليف بغير المقدور عقلاً فكذا لا
يمكن الأمر بما هو ممنوع شرعاً ، إذ لا يعقل البعث نحو الحرام ، فالممنوع شرعاً
كالممنوع عقلاً من هذه الجهة ، وأمّا لو جُعِلَ المنع العقلي في موردٍ موضوعاً
لحكم شرعي كما في المقام فلا دليل على إلحاق المنع الشرعي به في موضوعيّته للحكم
أو كونه شرطاً فيه كما لا يخفى.
والمتحصّل من جميع ما سردناه لحدّ الآن : أنّ هذا الاشتراط تامٌّ
في الأربعة المذكورة أوّلاً أعني موارد العجز التكويني فلا تجب الزكاة فيها لأجل
هذه الأخبار.
وأمّا الثلاثة
الأُخر التي يجمعها العجز التشريعي والممنوعيّة عن التصرّف الاعتباري فلا بدّ من
التعرّض لكلّ واحدٍ منها بحياله بعد عدم اندراجها تحت هذه الأخبار كما عرفت ،
فنقول :
أمّا
الوقف : فلا تجب
الزكاة فيه ، لا لعدم التمكّن من التصرّف ، بل لقصور الملك من الأوّل ، فإنّ الوقف
وإن تضمّن التمليك على الصحيح إلّا أنّه نوع ملكيّة
.................................................................................................
______________________________________________________
محدودة مقصورة من جهة الانتفاع فقط ، وليس للموقوف عليه السلطنة على العين
من حث البيع أو الهبة أو الرهن ونحو ذلك ممّا يتمتّع الملّاك من أملاكهم ، فإنّه
على ما قيل في تعريفه : تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. فمفهوم الوقف متقوّم بالبقاء
والسكون وعدم الحركة ، كأنه واقفٌ في مكانه في عالم الاعتبار.
ولا شكّ أنّ
أدلّة الزكاة منصرفة عن مثل هذه الملكيّة ، فإنّ الأمر بالأخذ في مثل قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ظاهرٌ في اختصاصه بموردٍ يتمكّن المالك من إعطاء العين
عن رضى ورغبة دون ما لا يتمكّن من إعطائها كالوقف فإنّه منصرفٌ عن مثل ذلك جزماً.
ولو لم يكن بعض
عبارات المحقّق لأمكن أن يقال : إنّه يريد بقوله : تمام الملك ، في
قبال هذه الموارد التي يكون الملك فيها ناقصاً وقاصراً.
وهذا كما ترى
أجنبي عن عدم التمكّن من التصرّف ، للتمكّن من التصرّف في الوقف بما لا ينافيه ،
غير أنّ الملكيّة في حدّ ذاتها قاصرة من الأوّل كما عرفت ، لعدم كونه من الأموال
التي يتمكّن المالك من أن يعطيها باختياره وطوعه ورغبته ، فهناك قصور في المالكيّة
ذاتاً لا تشريعاً ، إذ لا يترتّب عليها إلّا الانتفاع بالمنافع فحسب حسبما عرفت ،
فيصحّ أن يقال : إنّ من شرائط الزكاة : الملك ، وأن يكون تامّاً لا قاصراً كما في
الوقف ، نظراً إلى أنّ المالك لا يتمتّع إلّا بالنماء دون العين ، فإنّها ساكنة
غير متحرّكة ، فكانت الملكيّة قاصرة ، وأدلّة الزكاة عن مثله منصرفة.
وأمّا
الرهن : فالمشهور شهرة
عظيمة عدم الزكاة فيه ، ونُسِبَ الخلاف إلى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الشيخ في بعض كلماته ، وإن وافق المشهور في بعضها الآخر.
ونُسِبَ إلى
الشهيد التفصيل : بين ما إذا كان الراهن متمكّناً من فكّ الرهن فتجب الزكاة ،
وإلّا فلا .
وكأنّ هذا
التفصيل مبنيٌّ على ما قدّمناه من اعتبار الاستيلاء الخارجي ، إذ عليه لو
لم يتمكّن من الفكّ لم يكن مستولياً على المال ، ومع التمكّن مستولٍ ، للقدرة على
المقدّمة.
ولكن الظاهر
عدم الزكاة مطلقاً ، لا لأجل تلك الأخبار لقصورها كما عرفت بل لأنّ موضوع الزكاة
الملك التامّ كما مرّ ، والعين المرهونة بما أنّها متعلّق لحقّ المرتهن وله
الاستيفاء منها وكانت وثيقة عنده فلا جرم كانت الملكيّة قاصرة ، ومجرّد القدرة على
الفكّ لا يجعل الملك الفعلي طلقاً.
فكما أنّ أدلّة
الزكاة منصرفة عن الوقف كذلك منصرفة عن الرهن بمناطٍ واحد ، إذ ليس للمالك بما هو
مالك أن يتصرّف فيه كيفما يشاء ، فالملكيّة في نفسها قاصرة وضعاً لا أنّه مجرّد
منعٍ تكليفاً.
وأمّا
منذور التصدّق : فالمشهور بل المنسوب إلى الأصحاب أنّ نذر الصدقة نذراً مطلقاً غير موقّت
ولا معلّق على شرط يمنع عن الزكاة.
قال في الشرائع
: إنّه لو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول ، معلّلاً بأنّه
متعيّن للصدقة بموجب النذر .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فوجوب الوفاء
بالنذر يمنع عن كلّ تصرّف ينافيه ، فيوجب ذلك قصور الملك وعدم تماميّته ، فلا
تشمله أدلّة الزكاة كما نصّ عليه في الجواهر بعد أن صرّح بعدم وجدان الخلاف في
المسألة .
وتبعه المحقّق
الهمداني (قدس سره) ، قال : بلا خلافٍ فيه ولا إشكال .
أقول
: دعوى عدم
الخلاف مشكلة ، بل في غير محلّها ، فإنّ المسألة غير معنونة في كلمات القدماء من
الأصحاب ، ولم يتعرّض إليها أحدٌ فيما نعلم بعد مراجعة الجوامع الفقهيّة ، عدا ما
نسبه في مفتاح الكرامة إلى جماعةٍ معلومين أوّلهم الشيخ في المبسوط وبعده
جماعة منهم المحقّق في الشرائع كما سمعت ، وإلّا فكلمات الأكثرين خالية عن التعرّض
لهذا الشرط ، حتى أنّ صاحب الحدائق الذي دأبه التعرّض لفروع كثيرة أهمل هذه
المسألة ولم يتعرّض لنذر الصدقة.
نعم ، الذي
تعرّضوا له وممّا لا خلاف فيه هو اعتبار التمكّن الخارجي ، فلا زكاة في المال
الغائب أو المسروق أو المدفون ، فإنّ هذا مذكورٌ في كلماتهم.
وأمّا التمكّن
الاعتباري ببيعٍ وهبةٍ ونحو ذلك بحيث لا يشمل ما وجب التصدّق به كما في المقام فلم
يعلم أنّ اعتباره متسالمٌ عليه بينهم ، بل مقتضى إطلاق كلامهم عند بيان شرائط
الزكاة وعدم التعرّض لذلك هو عدم الاعتبار ، فلا ينقطع الحول بفقده.
وكيفما كان ،
فلم يثبت أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها ، إذ كيف يمكن كشف عدم الخلاف في مسألةٍ
لم يتعرّض لها الأصحاب؟!
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وحينئذٍ نقول :
لو وفى بنذره فلا إشكال في سقوط الزكاة ، للخروج بذلك عن الملك ، ولا زكاة إلّا في
ملكٍ كما تقدّم .
إنّما الكلام
في انقطاع الحول بنفس الوجوب لا بالتصدّق الخارجي ، وأنّ وجوب التصدّق الناشئ من
قبل النذر هل يمنع عن تعلّق الزكاة أم لا؟
فنقول
: نذر الصدقة
على ما ذكره في المدارك ـ :
تارةً
: يكون بنحو نذر
النتيجة.
وأُخرى
: بنحو نذر
الفعل.
فإن كان الأوّل
، فلا ينبغي الشكّ في أنّه يقطع الحول ويمنع عن الزكاة ، لخروجه عن الملك ودخوله في
ملك الفقراء ، ولا زكاة إلّا في ملكٍ كما مرّ. إلّا أنّ الكلام في صحّة النذر بهذا
النحو فإنّه لم يدلّ عليه أيّ دليل.
والوجه فيه :
ما ذكرناه في محلّه من أنّ التمليك وإن أمكن إبرازه بأيّ مبرز ولا تعتبر
فيه صيغة خاصّة ، إلّا أنّه لا بدّ وأن يستند إلى سببٍ ويندرج تحت عنوان ، وليس
النذر بنفسه من أسباب التمليك وعناوينه بالضرورة ، بل العنوان المتصوّر في المقام
القابل للانطباق على التمليك المجّاني ليس إلّا الهبة ، فإنّ الصدقة فردٌ من
أفرادها لا يفترق عنها إلّا باعتبار قصد التقرّب ، فهي بالآخرة نوعٌ خاصٌّ من الهبة
، فيجري عليها أحكامها : من اعتبار القبول ، لكونها من العقود ، ومن اعتبار القبض
، فما لم يتحقّق شيء منهما كما هو المفروض لم تتحقّق الهبة الشرعيّة ، فلم يتحقّق
السبب الناقل لتخرج العين المنذورة عن الملك حتى تسقط الزكاة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعلى
الجملة : لو صحّ نذر
النتيجة فلا إشكال في قاطعيّته للحول ، إلّا أنّه لا يصحّ ، لعدم خروج التمليك
المجّاني صدقة عن الهبة ، ويعتبر فيها القبول والقبض ، ولم يتحقّق شيء منهما على
الفرض ، فكيف تدخل في ملك الفقراء ليمنع عن الزكاة؟! وإن كان الثاني أعني : نذر
الفعل ، الذي هو الظاهر من كلام المحقّق وغيره ممّن تعرّض للمسألة نذراً مطلقاً غير معلّق على
شرط ولا موقّت بوقت ، فلا إشكال في أنّه بمجرّد النذر لا يخرج عن الملك ، غايته
أنّه يجب عليه أن يفي بنذره ، عملاً بعموم أدلّته.
فهل يكون هذا
الوجوب مانعاً عن تعلّق الزكاة؟
نُسِبَ إلى
المشهور ذلك ، ويُستدَلّ له بوجوه :
أحدها
: ما ذكره في
الجواهر من أنّ وجوب الوفاء بالنذر يوجب قصراً في الملك وعدم كونه تامّاً ، فلا
تشمله أدلّة الزكاة .
وفيه ما لا
يخفى ، بل لا نعقل معنىً صحيحاً لذلك ، ضرورة أنّ مجرّد الإلزام والوجوب التكليفي
لا يستدعي قصوراً في الملك بوجهٍ بعد ترتّب آثار الملك التامّ : من الانتقال إلى
الوارث ، وضمان الغاصب ، ونحو ذلك.
فوجوب الصرف في
الصدقة كوجوب الصرف في النفقة أو في نجاة شخص عن الهلكة حكم تكليفي محض ، لا يترتّب
على مخالفته سوى العصيان ، ولا يوجب أيّ نقصان في الملك.
ولا مائز بين
هذا الوجوب وبين الوجوب الناشئ من جهات أُخر ، كالشرط في ضمن العقد ، فلو باعه
مشروطاً بأن لا يبيعه أو لا يهبه من زيد ، لم يستوجب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك قصر الملك بحيث لو خالف فباع أو وهب كان باطلاً ، بل غايته الإثم فقط.
وعلى
الجملة : فغاية ما
يترتّب على النذر وجوب الفعل ، فإذا لم يفعل فقد عصى ، ولكن الملكيّة لا قصور فيها
أبداً ، فلا موجب لانقطاع الحول بوجه.
ثانيها
: ما قد يقال من
أنّ تعلّق النذر بشيء الموجب للوفاء به يمنع عن كلّ فعل يضادّه وينافيه من
الأفعال التكوينيّة أو الاعتباريّة ، من بيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك ، فإنّها بأجمعها
ممنوعة ، فهي غير مقدورة شرعاً ، فكانت كالممنوع عقلاً ، فيوجب ذلك بطلان البيع لا
محالة ، لأنّ القدرة فيه على التسليم شرطٌ في صحّة المعاملة ، فلا جرم يكشف ذلك عن
قصور في الملك ، نظير الوقف الذي ليس له التسلّط على رقبة المال ، لعدم تماميّة
الملك ، فلأجله لا تتعلّق به الزكاة.
ويندفع بما تعرّضنا له في بحث المكاسب عند التكلّم حول منذور
التصدّق ، من أنّه لم يدلّ أيّ دليلٍ على اعتبار القدرة الشرعيّة على التسليم في
صحّة البيع بحيث لا يكون منافياً لواجبٍ آخر ، بل المعتبر إنّما هي القدرة
الخارجيّة التكوينيّة فقط ، نظراً إلى أنّ البيع ليس هو مجرّد الاعتبار النفسي
المبرَز ، فإنّه وإن حصلت الملكيّة بمجرّد العقد إلّا أنّ متمّمة في نظر العقلاء
إنّما هو الأخذ والعطاء والقبض والإقباض المعبّر عنه بالفارسيّة «داد وستد» فإنّه
الموجب لانقطاع علاقة الطرفين من العوضين ، بحيث لا عبرة بالتلف بعد ذلك ، وإلّا
فالتلف قبل القبض من مال بائعه ، فبالتسليم الخارجي يتحقّق تمام الملك ، ولأجله
كانت القدرة عليه شرطاً في الصحّة ، سواء استلزم التسليم المزبور ترك واجب أو فعل
حرام أم لا ، فإنّ ذلك لا دخل له في صحّة المعاملة بوجه ، بل هو من باب التضادّ ،
ولا يترتّب على مخالفته إلّا الإثم أو مع الكفّارة كما في موارد مخالفة النذر.
وعلى
الجملة : فالأمر
بالتصدّق الناشئ من قبل النذر لا يستوجب بطلان
.................................................................................................
______________________________________________________
المعاملة بوجه ، فلو باع وسلم إلى المشتري صحّ البيع وإن خالف النذر وعصى ،
فهو نظير ما لو وجب الإنفاق على الزوجة ولم يكن له عدا هذا المال فباعه ، فإنّ
البيع صحيح حينئذٍ بلا إشكال ، غايته أنّ هذا البيع ملازمٌ لترك واجب ، ولا ضير
فيه ، لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار القدرة الشرعيّة على التسليم ، بمعنى عدم
المزاحمة لواجب آخر في صحّة البيع.
وعليه ، فلا
يمكن القول بأنّ النذر يوجب سقوط الحول لقصور الملك ، إذ التكليف المحض لا يستتبع
نقصاً في الملك أبداً ، لبقاء آثار الملكيّة على حالها بجميع أحكامها ، فلو مات
قبل التصدّق بالمنذور ينتقل إلى وارثه ولا يجب عليه الوفاء ، لأنّ النذر أوجب
الوفاء على الناذر لا على الوارث كما هو ظاهر.
فهذا الوجه
الذي ربّما يظهر من الشيخ في بيع منذور التصدّق من كتاب المكاسب توجيهاً لقصور
الملك من عدم جواز التصرّف المنافي للمنذور ، لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، إذ
الوجوب التكليفي لا ينافي الجواز الوضعي أبداً ، والقدرة على التسليم ثابتة بمعنى
وغير لازمة بالمعنى الآخر حسبما عرفت.
ثالثها
: ما قد يقال
أيضاً من أنّ نذر التصدّق على الفقراء يوجب حقّا لهم في المال ، كما في حقّ
الرهانة ، فكما أنّ العين المرهونة موردٌ لحقّ المرتهن ، ولأجله كانت الملكيّة
قاصرة كما مرّ ، فكذلك الحال في منذور التصدّق ، فإنّه أيضاً موردٌ
لحقّ الفقير ، الموجب لقصر الملك ، المستتبع لسقوط الزكاة.
وفيه ما لا
يخفى ، لوضوح الفرق بين الموردين ، فإنّ العين المرهونة وثيقة بيد المرتهن وفي
قبضته ، وليس للمالك أن يتصرّف فيها بما ينافي الرهن ، فتعلّق حقّ المرتهن أوجب
خروج العين عن استيلاء المالك ، فيستلزم قصوراً في الملك بطبيعة الحال ، وأين هذا
من مورد النذر؟! إذ ليس للفقراء أخذ المال قهراً من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المالك ومنعه عن التصرّف بالضرورة ، كما هو الحال في النذر على غير الفقراء
، مثل ما لو نذر أن يهب ماله لزيد ، فكما لا يجوز لزيد أن يأخذ المال من صاحبه
قهراً فكذلك الفقراء.
وعلى
الجملة : لا يستتبع
النذر عدا تكليفاً محضاً متوجّهاً إلى الناذر ، وليس في البين أيّ حقّ للمنذور له
أبداً حتى يستوجب قصوراً في الملك ، كما لعلّه أوضح من أن يخفى.
رابعها
: أنّ الفعل
المتعلّق للنذر أعني التصدّق بما أنّه يجعله لله فهو ملك له تعالى ، وبما أنّ
المال موضوعٌ للتصدّق المملوك فهو متعلّق لحقّه تعالى ، ولأجله كانت الملكيّة
قاصرة وقاطعة للحول ، لاشتراط الزكاة بالملكيّة التامّة كما سبق .
وهذا أيضاً لا
يتمّ بكلا جزأيه :
أمّا
أوّلاً : فلأنّ النذر
لا يتضمّن التمليك بوجه ، بل معنى قوله : «لله عليّ» كقوله تعالى (لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ليس إلّا إيجاب الشيء وجعله على نفسه والتزامه به لله ، كما هو مقتضى لفظ
النذر لغةً ، حيث إنّه بمعنى : إيجابُ شيءٍ على النفس ، وإلّا فلا يحتمل أن يكون
الحجّ مثلاً مملوكاً لله تعالى بالملكيّة الاعتباريّة الثابتة في الأموال نظير
ملكيّة زيد للدار ، فليس معنى نذر الصدقة أنّ التصدّق ملكٌ لله تعالى ، بل هو واجب
ومجعول من قبل الناذر نفسه لا من قبل الله تعالى ابتداءً كما في الحجّ.
وثانياً
: لو سلّمنا ذلك
في الحجّ ، فلا نكاد نسلّمه في النذر ، ضرورة أنّ هذه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الملكيّة المزعومة إنّما حدثت بفعل الناذر وبالجعل الثانوي ، وليس حكماً
ابتدائيّاً كما في الحجّ ، فلا بدّ وأن يلتفت إليه الناذر ليفرضه على نفسه ، ولا
يكاد يلتفت أحدٌ من الناذرين إلى هذا المعنى بحيث يعتبر ملكيّة التصدّق لله كما
يعتبرها في مثل قوله : هذا لك بالضرورة ، فإنّه يعتبر الملكيّة في مثل الهبة
ويبرزها بمبرز ، ولا يحتمل ذلك في النذر جزماً ، وإنّما هو التزامٌ وتعهّدٌ بفعلٍ
لله وإيجابٌ له على نفسه لا يزيد عليه بشيء.
وثالثاً
: سلّمنا أنّ
التصدّق ملكٌ لله تعالى ، إلّا أنّه لا يستلزم بوجهٍ أن يكون موضوعه وهو المال
متعلّقاً لحقّه تعالى ، لعدم الدليل عليه ، فإنّ التصدّق وإن كان مقيّداً بالمال
إلّا أنّ التقيّد داخل والقيد خارج ، فلا المال مملوك ولا متعلّق لأحد.
نعم ، هو
متعلّق للتكليف بتسليم التصدّق إلى مالكه ، من غير أن يستتبع ذلك حقّا يمنعه عن
التصرّف فيه أبداً ليستوجب قصراً في الملك ، نظير ما لو آجر نفسه ليخيط ثوباً لزيد
في دار خاصّة أو بإبرة أو مكينة مخصوصة ، فإنّ المستأجر وإن ملك الفعل أعني
الخياطة إلّا أنّ ذلك لا يستتبع حقّا له في الدار أو الإبرة أو المكينة ، بحيث
يسلب السلطنة التامّة عن مالكها بنحوٍ لا يسعه التصرّف فيها من بيعٍ أو هبةٍ ونحو
ذلك ، فإنّ ذلك باطلٌ جزماً ولا قائل به قطعاً.
نعم ، يجب عليه
تكليفاً حفظها مقدّمةً للوفاء بالإجارة على الكيفيّة المقرّرة ، إلّا أنّ ذلك لا
يستلزم بطلان البيع وضعاً بالضرورة.
ونحوه ما لو
آجر نفسه ليصلّي عن زيدٍ في مكانٍ أو لباسٍ مخصوص ، فإنّ شيئاً من ذلك لا يستوجب
الحقّ في متعلّق التكليف بلا خلافٍ ولا إشكال.
ثمّ إنّ ممّا
يؤكّد ما ذكرناه من أنّ المال ليس مورداً لحقّ الفقراء وهم
.................................................................................................
______________________________________________________
أجنبيّون عنه ـ : أنّه لو تعلّق النذر بالتصدّق لفقيرٍ معيّن ، أفهل يجوز
له أن يطالب بحقّه؟! ليس له ذلك قطعاً ، فلو كان النذر مستوجباً لثبوت حقٍّ
للفقراء لكان ثابتاً فيما لو نذر التصدّق لشخصٍ خاصٍّ كزيد أو أشخاص معيّنين
كأولاده مثلاً وجاز له أو لهم المطالبة بالحقّ ، وليس كذلك قطعاً كما عرفت.
وممّا يؤكّد ما
ذكرناه من أنّ نذر التصدّق لا يمنع عن تعلّق الزكاة ـ : أنّ هذا لو تمّ لعمّ وجرى
في كلّ نذرٍ مشروع ، إذ مقتضى ذلك : أنّ النذر بنفسه يرفع موضوع الزكاة ، ولا
خصوصيّة لتعلّقه بالتصدّق ، بل يعمّ كلّ نذر سائغ راجح المتعلّق ، كما لو نذر أنّ
كلّ ما يملكه من ذهبٍ أو فضّةٍ يصرفه في توسعة معاش عياله أو في شراء دارٍ لولده ،
ونحو ذلك من الأُمور الراجحة شرعاً ، أفهل يمكن القول بأنّ هذا يوجب سقوط الزكاة؟!
نعم ، لو وفى بنذره قبل حلول الحول ، لا إشكال في السقوط ، لانعدام الموضوع وزوال
الملك كما هو واضح ، وإنّما الكلام فيما قبل الوفاء ، فإنّه لا يظنّ بأحدٍ
الالتزام بالسقوط بمجرّد النذر المزبور وإن لم يف بنذره حتى حال عليه الحول كما هو
محلّ الكلام.
فتحصّل
: أنّ الظاهر
عدم سقوط الزكاة بمجرّد النذر. وحينئذٍ فإن بقي المال إلى أن حال الحول فمقتضى
عموم أدلّة الزكاة وجوب زكاته ، كما أنّ مقتضى أدلّة الوفاء وجوب صرفه في النذر.
وفي تقدّم
أيّهما على الآخر كلامٌ سنتعرّض له بعد عدّة مسائل عند تعرّض الماتن له.
وكلامنا فعلاً
في أنّ هذا النذر لا يقطع الحول ولا يرتفع به موضوع الزكاة ما لم يف قبل الحول
حسبما عرفت.
والمدار في
التمكّن على العرف (١) ، ومع الشكّ يعمل بالحالة السابقة ، ومع عدم
العلم بها فالأحوط الإخراج.
______________________________________________________
(١) ذكر (قدس
سره) أنّه مع الشكّ في التمكّن فالعبرة بالصدق العرفي ، ومع الشكّ في الصدق أيضاً
فالمرجع استصحاب الحالة السابقة ، ومع الجهل بها أو تعارضها كما في تعاقب الحالتين
مع الشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر فالأحوط الإخراج.
أقول
: أمّا كون
المرجع لدى الشكّ في صدق التمكّن هو العرف فأمرٌ واضح لا غبار عليه ، كما هو الشأن
في كلّ عنوانٍ أُخذ في موضوع التكليف ، فإنّ العبرة في تشخيص مفهومه بالصدق
العرفي.
وفي المقام وإن
لم يرد عنوان التمكّن من التصرّف في شيءٍ من الأخبار إلّا أنّ هذا العنوان مذكورٌ
فيها ، ك : كون المال عنده ، أو : تحت يده ، أو : عند ربّه ، ونحو ذلك ممّا يرجع
إلى ذاك المفهوم.
وسيجيء قريباً
تفصيل الموارد التي يُشَكّ معها في الصدق العرفي ، ومنها : ما
لو فرضنا أنّ المال مسروق والمالك يتمكّن من أخذه بسهولة ، غير أنّه يتساهل في
الأخذ ، فهل يصدق عرفاً أنّه متمكّن من التصرّف مطلقاً أم لا لأنّه غائب وليس عنده؟
فالمرجع في أمثال ذلك هو العرف ، فإن صدق لديهم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أنّه حال الحول والمال عنده وجبت الزكاة ، وإلّا فلا كما عرفت.
وأمّا ما ذكره (قدس
سره) بعد ذلك من أنّه مع الشكّ يرجع إلى الاستصحاب إن أمكن وإلّا فإلى أصالة
الاحتياط ، فالظاهر أنّ هذين الأمرين لا يجتمعان في موردٍ واحد ، فإنّ الشبهة
المفروضة أمّا أنّها حكميّة مفهوميّة ، أو موضوعيّة خارجيّة.
فعلى
الأوّل كما لعلّه الظاهر
من العبارة بقرينة الرجوع إلى العرف الذي هو المرجع في الشبهات المفهوميّة لا
المصداقيّة كما لا يخفى ـ : فما ذكره (قدس سره) حينئذٍ من الاحتياط في وجوب الزكاة
هو الصحيح ، بل الأمر أوضح من ذلك ، وينبغي الفتوى به صريحاً ، لأنّ أدلّة وجوب
الزكاة مطلقة ، والدليل المنفصل قيّد الوجوب بما إذا كان المال عنده وتحت يده ،
فإذا شُكّ في هذا العنوان لشبهةٍ مفهوميّةٍ دائرةٍ بين الأقلّ والأكثر فلا محالة
يُشَكّ في التقييد الزائد على المقدار المتيقّن ، فيُرجَع فيه إلى الإطلاق.
ووجهه ظاهرٌ
على ما بيّناه في الأُصول ، فإنّ ظهور العامّ أو المطلق حجّة لا يُرفَع اليد عنها
إلّا بحجّةٍ أقوى ، والمخصّص أو المقيّد المنفصل إنّما يتقدّم ويكون أقوى فيما إذا
انعقد له الظهور وتمّت الدلالة ، أمّا إذا كان مجملاً دائراً بين الأقلّ والأكثر
كما هو المفروض في المقام فلا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن إرادته المحرز
دلالته ، وهو الأقلّ ، وأمّا الزائد المشكوك فلا موجب لرفع اليد عن ظهور العامّ أو
المطلق بالإضافة إليه ، لعدم نهوض حجّة أقوى على خلافه.
فلا بدّ من
الالتزام بوجوب الزكاة في المقام ، عملاً بظهور العامّ ، ما لم يحرز أنّ المال ليس
عنده كما هو المفروض.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولكن ما ذكره (قدس
سره) من الرجوع إلى الاستصحاب غير وجيه ، إذ لا مجال للرجوع إليه في الشبهات
المفهوميّة الدائرة بين الأقلّ والأكثر.
ووجهه : ما
تعرّضنا له في الأُصول مستقصًى .
وملخّصه
: أنّ الاستصحاب
ناظرٌ إلى إبقاء ما شكّ في بقائه من وجودٍ أو عدم ، وهذا غير متحقّق في موارد
الشبهات المفهوميّة ، لتعلّق الشكّ فيها بشيءٍ آخر أجنبي عن يقين المكلّف ، وشكّه
مثلاً إذا شكّ في بقاء النهار من أجل الشكّ في مفهوم الغروب وتردّده بين سقوط
القرص أو زوال الحمرة المشرقيّة ، فليس لدينا حينئذٍ أيّ شكٍّ في الموجود الخارجي
، لأنّ الغروب بمعنى السقوط متحقّق وجداناً ، وبمعنى الزوال غير متحقّق وجداناً
أيضاً ، فيستصحب أيّ شيءٍ بعد كون كلٍّ منهما متيقّناً؟! نعم ، يشكّ في مفهوم
الغروب عرفاً وأنّ اللفظ اسمٌ لأيٍّ منهما ، فالشكّ في الحقيقة شكٌّ في الوضع
اللغوي أو العرفي ، ومن البديهي خروج إثباته عن عهدة الاستصحاب.
وبالجملة
: فليس لدينا
موجود خارجي أو معدوم يُشَكّ في بقائه كي يُستصحَب.
نعم ، الحكم
الشرعي مشكوكٌ فيه ، وهو جواز الإتيان بالظهرين أو عدم جواز الإتيان بالعشاءين أو
الإفطار في المتخلّل ما بين الوقتين ، فإنّه في نفسه قابلٌ للاستصحاب ، لتماميّة
الأركان ، إلّا أنّه لا يجري من جهة الشكّ في الموضوع ، فإنّ جواز الإتيان
بالظهرين قبل ذلك إنّما كان من أجل بقاء موضوعه وهو النهار وهذا فعلاً مشكوكٌ فيه
حسب الفرض ، وكذا الحال في الحكمين الآخرين ، للشكّ في تحقّق موضوعهما ، وهو
الليل. وتفصيل الكلام في محلّه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه ، فإذا
شككنا في المقام في صدق مفهوم كون المال عنده عرفاً وأنّه متمكّن من تمام التصرّف
أم لا ، بشبهةٍ حكميّة ، لم يكن مجالٌ للرجوع إلى الاستصحاب بوجه.
وعلى
الثاني أعني كون
الشبهة موضوعيّة خارجيّة ، كما لو كان متمكّناً من التصرّف سابقاً ، واحتُمِل أنّه
سرقه سارقٌ أثناء السنة شهراً واحداً ، فلم يكن متمكّناً من التصرّف في تمام
الحول. أو عكس ذلك ، بأن كان مسروقاً سابقاً ثمّ أخذه المالك وشكّ في تأريخ الأخذ
وأنّه إن كان في شهر كذا فقد حال عليه الحول عنده وإلّا فلا ـ : ففي مثل ذلك لا
مانع من الرجوع إلى الاستصحاب لإحراز الموضوع ، فيحرز به أنّ المال حال عليه الحول
وهو عنده أو لم يحلّ.
ولكن لا وجه
لما ذكره (قدس سره) بعد ذلك من الرجوع إلى الاحتياط لو لم يجر الاستصحاب ، بل
المرجع حينئذٍ أصالة البراءة ، إذ الشكّ في الحقيقة إنّما هو في تحقّق شرط الوجوب
وهو التمكّن من التصرّف المستلزم للشكّ في فعليّة المشروط ، فبحسب النتيجة يشكّ في
تعلّق التكليف الفعلي بالزكاة ، فيرجع لا محالة إلى أصالة البراءة.
اللهمّ إلّا
إذا بنينا على جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، كما ربّما يُنسَب ذلك
إلى السيّد الماتن (قدس سره) وإن لم تثبت النسبة فإنّ مقتضى العموم وجوب الزكاة في
كلّ فرد ما لم يحرز دخوله في أفراد المخصَّص ، ولكن المبنى فاسد.
وكيفما كان ،
فلا بدّ من التفصيل بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة ، فيُرجَع في الاولى إلى
عمومات وجوب الزكاة ، وفي الثانية إلى الاستصحاب إن كان ، وإلّا فأصالة البراءة
حسبما عرفت.
السادس :
النصاب (١) ، كما سيأتي تفصيله.
[٢٦١٣] مسألة ١
: يستحبّ للوليّ الشرعي إخراج الزكاة في غلّات غير البالغ (٢)
يتيماً كان أو لا ، ذكراً كان أو أُنثى دون النقدين. وفي استحباب إخراجها من
مواشيه إشكال ، والأحوط الترك.
______________________________________________________
(١) فإنّه شرطٌ
في جميع الأجناس الزكويّة ، غير أنّ لكلّ منها نصاباً يخصّه ، كما سيأتي البحث
عنها عند تعرّض الماتن لها في محالّها.
(٢) لا إشكال
كما لا خلاف في عدم استحباب الزكاة في الصامت من أموال الصبي ، لعدم الدليل عليه.
وأمّا المواشي
، ففي إلحاقها بالغلّات التي ذهب المشهور فيها إلى الاستحباب كما ستعرف كلامٌ
وإشكالٌ ينشأ من عدم ورود دليلٍ فيه ، عدا ما يدّعى من عدم القول بالفصل بينه وبين
الغلّات ، ولكنّه لم يثبت ، فلا مخرج عن إطلاق ما دلّ على عدم الزكاة في مال
اليتيم ، مضافاً إلى أصالة عدم جواز التصرّف في مال الصغير من غير دليلٍ قاطع.
وأمّا الغلّات
، فالمشهور فيها هو الاستحباب ، بل نُسِبَ إلى السيّد المرتضى القول بالوجوب ، ولكن تقدّم
ضعفه مستقصًى .
والكلام فعلاً
في ثبوت الاستحباب ، ومستنده صحيحة زرارة ومحمّد بن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) : «أنّهما قالا : ليس على
مال اليتيم في الدين والمال الصامت شيء ، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» .
هكذا رواها
الشيخ ، وأمّا ما في الكافي من روايتها عن زرارة ومحمّد بن مسلم نفسهما من غير
الإسناد إلى الصادقَين (عليهما السلام) فهو سقطٌ إمّا من العبارة أو من الأصل.
وكيفما كان ،
فقد ذكروا أنّها دلّت على وجوب الزكاة في غلّات اليتيم ، ولكن تُرفَع اليد عن
الظهور بما دلّ على عدم الوجوب صريحاً ، وهي موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه
السلام) : «أنّه سمعه يقول : ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس على
جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة» .
فيجمع بالحمل
على الاستحباب كما هو الشائع في نظائره في جميع الأبواب.
ولكن ناقش فيه
جماعة فأنكروا الاستحباب أيضاً ، نظراً إلى أنّ الحمل عليه ليس بأولى من حمل ما
دلّ على الوجوب على التقيّة ، حيث إنّ العامّة يرون الزكاة في الغلّات مطلقاً ، أي
من غير فرقٍ بين القُصّر والبالغين على ما نُسِبَ إليهم.
وربّما يورد
عليه : بأنّ الحمل على التقيّة خاصٌّ بفرض استقرار المعارضة وعدم تيسّر الجمع
العرفي ، أمّا معه فلا تصل النوبة إلى التصرّف في الجهة ، والجمع العرفي هنا موجود
، فيُرفَع اليد عن ظهور إحدى الروايتين في الوجوب بصراحة الأُخرى في العدم ،
ونتيجته الاستحباب.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولا يخفى أنّ
هذا الكلام وجيهٌ بحسب الكبرى ، فلا يُحمَل على التقيّة إلّا مع تحقّق المعارضة
بنحوٍ يبقى العرف متحيّراً. أمّا لو كان أحد الدليلين قرينةً على التصرّف في الآخر
عرفاً كما لو ورد في دليلٍ آخر أنّه لا بأس بتركه فلا موجب للحمل على التقيّة ،
وهذا كثيرٌ في أبواب الفقه.
وأمّا بحسب
الصغرى ، فليس كذلك ، إذ لو كانت صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم متضمّنةً للأمر
بالزكاة بمثل قوله : «زكّه» لاتّجه حينئذ رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بقرينة
الرواية الأُخرى الصريحة في الترخيص في الترك ، فيُجمَع بالحمل على الاستحباب.
ولكن الوارد
فيها هكذا : «فعليها الصدقة واجبة» أي ثابتة كما لا يبعد وقد تضمّنت موثّقة أبي
بصير : أنّه ليس على غلّاته زكاة ، أي ليست بثابتة.
ومن الواضح أنّ
هذين الكلامين أعني قولنا : الزكاة ثابتة ، والزكاة غير ثابتة متهافتان ، بل لا
يبعد أن يكون من أظهر أفراد التعارض كما لا يخفى.
وقد ذكرنا في
الأُصول : أنّ المناط في المعارضة أن يُفرَض الدليلان المنفصلان متّصلين ومجتمعين
في كلامٍ واحد ، فإن كانا في نظر العرف بمثابة القرينة وذيها ، فكان أحدهما مانعاً
عن انعقاد الظهور في الآخر وشارحاً للمراد منه كما في مثل قولنا : زكّ ولا بأس
بتركه ، أو : اغتسل للجمعة ولا بأس أن لا تغتسل لم تكن ثَمّة معارضة ، وكانت
القرينيّة محفوظة في ظرف الانفصال أيضاً.
وأمّا إذا
عُدّا في نظر العرف متباينين ، وكان الصدر والذيل متهافتين ، فلا جرم تستقرّ
المعارضة في البين لدى الانفصال أيضاً.
ولا ريب أنّا
لو جمعنا بين هذين الكلامين فقلنا : إنّ الزكاة واجبة في مال اليتيم حتى لو قلنا :
إنّ «واجبة» بمعنى ثابتة كما لا يبعد وقلنا : إنّه لا زكاة في
.................................................................................................
______________________________________________________
مال اليتيم أي ليست بثابتة كما هو مقتضى نفي الجنس لكان الكلام في نظر العرف
متهافتاً ومتناقضاً ، فإنّ قولنا : ثابت وغير ثابت متعارضان ، ومعه كيف يمكن الحمل
على الاستحباب؟! وهذا نظير ما لو ورد الأمر بالإعادة في دليلٍ وورد نفي الإعادة في
دليلٍ آخر ، فإنّه لا يمكن الجمع بالحمل على الاستحباب ، لأنّ الأمر بالإعادة
إرشادٌ إلى الفساد ، والحكم بعدمها إرشادٌ إلى عدم الفساد ، والفساد وعدم الفساد
متعارضان في نظر العرف ، ومن المعلوم أنّه لا معنى لاستحباب الفساد.
وعليه ، فلا
سبيل إلى الجمع العرفي في المقام ، ولا مجال للحمل على الاستحباب ، بل الدليلان
متعارضان.
إذن فالمناقشة
المتقدّمة من أنّ الحمل على الاستحباب ليس بأولى من حمل صحيحة زرارة ومحمّد بن
مسلم على التقيّة في محلّها ، فلم ينهض دليلٌ على الاستحباب في الغلّات فضلاً عن
أن يتعدّى إلى المواشي بعدم القول بالفصل.
نعم ، يمكن أن
يناقَش في حمل الموثّقة على التقيّة الذي ذهب إليه صاحب الوسائل وغيره مدّعياً
موافقة الحديث لمذاهب أكثر العامّة بأنّا لم نجد بعد الفحص قولاً من العامّة
مطابقاً لما تضمّنته الصحيحة من التفصيل في مال اليتيم بين الغلّات فتجب فيها
الزكاة دون غيرها لتقبل الحمل على التقيّة ، فإنّ أكثرهم ذهبوا إلى وجوب الزكاة في
مال اليتيم مطلقاً من غير فرقٍ بين الغلّات وغيرها.
__________________
نعم ، إذا
اتّجر الولي بماله يستحبّ إخراج زكاته أيضاً (١).
______________________________________________________
وذهب جماعة
منهم إلى عدم الوجوب مطلقاً كالخاصة ، لقوله (صلّى الله عليه وآله) : «رفع القلم
عن الصبي حتى يحتلم» كما يظهر ذلك من الشيخ في الخلاف ومن بعض كتب
العامّة أيضاً على ما راجعنا ، فهم بين قولين مطلقين ولا قائل بالتفصيل ، ولعلّه
يوجد به قول شاذّ ، بل قد نسبه بعضهم إلى أبي حنيفة ، إلّا أنّا لم نجده .
وكيفما كان ،
فإن أمكن الحمل على التقيّة فهو ، وإلّا فتسقط الروايتان من هذه الجهة بالمعارضة ،
فلم يبق لنا أيّ دليلٍ على الاستحباب ، فالقول به مشكل جدّاً ، بل ممنوع ، للزوم
الرجوع بعد التعارض والتساقط إلى عموم قوله (عليه السلام) في بقيّة الروايات أنّه :
«ليس في مال اليتيم زكاة» ، فإنّ التصرّف في مال اليتيم وتزكيته ولو استحباباً
يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، ومقتضى الأصل : العدم.
(١) على
المشهور ، بل ادُّعي عليه الإجماع ، لجملةٍ وافرةٍ من النصوص المعتبرة السليمة عن
المعارض ، التي منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :
هل على مال اليتيم زكاة؟ «قال : لا ، إلّا أن يتّجر به أو تعمل به» ، ونحوها
غيرها.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بل إنّ ظاهر
هذه النصوص الوجوب ، ومن هنا نُسِبَ القول به إلى المفيد وإن لم تثبت
النسبة ، إذ قد حمل الشيخ كلامه على الاستحباب ، وهو أعرف بمراده من غيره.
وكيفما كان ،
فلا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب وإن تعاطاه ظواهر هذه الأخبار ، وذلك لجملةٍ
أُخرى من الروايات دلّت على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة ، وهي وإن كان موردها
إلّا ما شذّ غير اليتيم إلّا أنّا لا نحتمل أن يكون اليتيم أشدّ حالاً من البالغ ،
فإذا لم يثبت فيه بمقتضى هذه النصوص لم يثبت في اليتيم بطريقٍ أولى.
على أنّ الزكاة
من مباني الإسلام ، فهو ممّا لو كان لبان وكان من الواضحات ، فكيف لم يُنسَب القول
بالوجوب إلى أحدٍ ما عدا المفيد الذي عرفت حال هذه النسبة أيضاً؟! فلا ينبغي
التأمّل في حمل تلك الأخبار على الاستحباب ، ولا ضير في الالتزام به وإن أنكرنا
الاستحباب فيما لا يتّجر به من غلّات الصبي ، للفرق الواضح بين المالين حتى ثبوتاً
فضلاً عن الفارق الإثباتي ، بلحاظ قيام الدليل وعدمه كما عرفت ، فإنّ ما يتّجر به
مالٌ تعلّق باليتيم وحصل له من غير أن يعمل فيه كما لو ملكه بسبب الإرث مثلاً فلا
تستحبّ فيه الزكاة ، وهذا بخلاف ما اتّجر فيه ، فإنّ الربح العائد إنّما حصل بفعل
الولي ، وهو الذي تسبّب إلى تحصيله تبرّعاً ومن غير أن يكون واجباً عليه ، فلا
مانع حينئذٍ من الأمر بالزكاة استحباباً وإبقاء الباقي للصبي.
وعلى
الجملة : فأصل
الاستحباب ممّا لا إشكال فيه من غير فرقٍ بين اليتيم والبالغ.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإنّما الإشكال
فيما إذا كان الاتّجار بمال اليتيم على وجهٍ غير سائغ ، كما لو كان صادراً عن غير
الولي ولكنّه اتّجر لنفسه لا لليتيم من غير مجوّزٍ شرعي ، كما إذا لم يكن مليّاً
أو كان المال في معرض التلف ، فهل يثبت الاستحباب هنا أيضاً؟ أو أنّه يختصّ بما
إذا كان المتّجر وليّاً وكان الاتّجار سائغاً ولليتيم نفسه؟
قد يفرض أنّ
الولي استقرض المال من اليتيم وكان ذلك جائزاً في حقّه كما لو كان مليّاً لو قلنا
باعتبار هذا القيد في جواز الاقتراض للولي فكان القرض صحيحاً ، وأخذ المال واتّجر
به لنفسه ، ولا إشكال حينئذٍ في أنّ الربح له كالاتّجار ، فهو المأمور استحباباً
بإخراج الزكاة عن ماله ، إذ الاتّجار ليس بمال اليتيم ، بل بمالٍ كان لليتيم
سابقاً ، وأمّا فعلاً فهو ملك للولي المقترض ، فيشمله عموم دليل استحباب الزكاة في
مال التجارة كسائر البالغين ، وهذا واضحٌ جدّاً ، بل هو خارجٌ عن محلّ الكلام.
وأمّا إذا كان
بمال اليتيم مع فرض عدم كون الاتّجار سائغاً ، إمّا لعدم كونه وليّاً ، أو لأنّ
الولي تصرّف على غير الوجه الشرعي ، فقد يكون الاتّجار لليتيم ، وأُخرى للمباشر
نفسه.
فإن كان لليتيم
، فلا يبعد ثبوت الاستحباب ، بل هو الظاهر ، فإنّ المعاملة وإن لم تكن صحيحة من
الأوّل لعدم صدورها ممّن له أهليّة التصرّف على النهج الشرعي حسب الفرض ، فهي لا
تخرج عن كونها معاملة فضوليّة إلّا أنّه بعد ظهور الربح ولو من باب الاتّفاق يحكم
بالصحّة من غير حاجة إلى إجازة الولي ، لصدورها من الولي الأصلي وهو الشارع بمقتضى
الروايات الواردة في المقام المتضمّنة : أنّ الربح لليتيم والخسران على المتّجر ،
التي تدلّ بالالتزام على صحّة المعاملة ، المساوقة لحصول الإجازة كما لا يخفى ،
فتشمله حينئذٍ إطلاقات استحباب الزكاة في مال اليتيم مع الاتّجار.
فمن تلك
الروايات : معتبرة سعيد السمّان التي ليس في سندها من يغمز ،
.................................................................................................
______________________________________________________
عدا إسماعيل بن مرار ، الذي هو من رجال تفسير علي بن إبراهيم قال : سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) «يقول : ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ،
فإن اتّجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به» .
فإنّ موردها
التجارة غير النافذة شرعاً في نفسها ، بقرينة الحكم بضمان المتّجر لدى الوضع أي
الخسران وإلّا فلا ضمان على الولي في تجارة صحيحة كما هو ظاهر ، فتدلّ على ثبوت
الزكاة في الربح الحاصل في تلك التجارة بمقتضى الاستثناء.
ونحوها صحيحة
زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن
يتّجر به ، فإن اتّجر به ففيه زكاة ، والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال» .
فإنّ مضمونها
متّحد مع ما سبق.
وإن كان
للمتّجر نفسه ، فبما أنّ العين لليتيم فالبيع والربح يقعان له بطبيعة الحال وإن
قصد التاجر الفضولي خلافه ، لما ذكرناه في بحث الفضولي من عدم مدخليّةٍ لهذا القصد
، فإنّ البيع : مبادلة بين المالين ، فالركن فيه هو العوضان ، فلا جرم يقع
البيع لمالكهما الواقعي مع الإجازة ، ولا أثر لقصد البائع الفضولي خلاف ذلك ، ولذا
قلنا : إنّ بيع الغاصب أو شرائه يقع للمالك وإن قصد الغاصب الشراء لنفسه ، لعدم
مدخليّةٍ لهذا القصد في تحقّق البيع الذي هو مبادلة مال بمال ، فإذا كان البيع
لليتيم إمّا بإجازة الولي أو بدونه كان الربح له أيضاً ، لأنّ المال ماله حسب
الفرض وإن كان الضمان على المتّجر كما تقدّم.
__________________
ولا يدخل الحمل في غير البالغ (١) ، فلا يستحبّ إخراج زكاة غلّاته ومال
تجارته.
______________________________________________________
وعليه فهل
تستحبّ الزكاة هنا أيضاً؟
أمّا التاجر ،
فلا تجب ولا تستحبّ له جزماً ، لأنّ الربح ليس له ، مضافاً إلى ما في موثّقة سماعة
من قوله (عليه السلام) : «... لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة» .
وأمّا اليتيم ،
فقد صرّح المحقّق وغيره بنفي الاستحباب ، نظراً إلى أنّ المتيقّن أو الظاهر من الأدلّة أن تكون
التجارة بمال اليتيم لليتيم نفسه. وأمّا إذا لم تكن له وإن رجعت النتيجة إليه وكان
الربح له ، فأدلّة الاستحباب منصرفة عنه.
فإذن إخراج
الزكاة يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، فلا استحباب ، وما ذكروه جيّد كما لا يخفى.
(١) لأنّ
المذكور في لسان الأدلّة هو عنوان اليتيم ، وقد تعدّينا إلى غيره نظراً إلى أنّ
مناسبة الحكم والموضوع تستدعي إلغاء خصوصيّة اليتم ، وأنّ النكتة في تخصيصه بالذكر
لأنّه الغالب فيمن له المال من الصبيان ، وإلّا فالمال في غيره لوالده غالباً.
إلّا أنّ هذا
العنوان لا يصدق على الحمل بوجه ، إذ لم يولد بعدُ ليصدق عليه لفظ الصبي فضلاً عن
اليتيم الذي هو قسم منه ، فالعنوان المزبور منصرفٌ إلى
__________________
والمتولّي لإخراج الزكاة هو الولي (١) ، ومع غيبته يتولّاه الحاكم الشرعي.
ولو تعدّد الولي جاز لكلّ منهم ذلك ، ومن سبق نفذ عمله. ولو تشاحّوا في الإخراج
وعدمه قُدِّم من يريد الإخراج.
______________________________________________________
المولود الخارجي ، ولا يعمّ الحمل قطعاً ، فلا زكاة عليه وإن كانت له حصّة
من المال.
(١) فإنّ
الروايات الواردة في استحباب الزكاة في مال اليتيم مع الاتّجار خالية بأجمعها عن
تعيين المأمور بهذا الحكم ، ما عدا رواية واحدة ، التي خُوطِب فيها من يتّجر ب :
أن يزكّيه ، وإلّا فسائر الروايات تضمّنت : أنّ في ماله الزكاة ،
من غير تعيين شخص خاصّ.
ولا ريب أنّ
الزكاة مع الاختلاف في كيفيّة تعلّقها بالمال الزكوي من كونها بنحو الكلّي في
المعيّن أو الشركة في الماليّة كما هو الصحيح ، أو نحو آخر غير ثابتة في جميع
أجزاء المال ، بل هي على كلّ حال ثابتة في مجموع هذا المال بنحوٍ من تلك الأنحاء.
وعليه ، فلا
يجوز التصرّف في المال لغير الولي ، فبطبيعة الحال يكون المأمور هو الولي من أبيه
أو جدّه أو القيّم من قبلهما ، ولو لم يكن ذلك فوليّه الحاكم الشرعي الذي هو وليّ
من لا وليّ له.
ولو فُرِض أنّ
له وليّين أو قيّمين ، فطبعاً يجوز لكلّ منهما إخراج الزكاة ، عملاً بإطلاق دليل
ولايته. كما أنّه لو سبق أحدهما نفذ تصرّفه وإن استنكره الآخر ، لأنّه تصرّفٌ من
أهله في محلّه.
__________________
ولو لم يؤدّ الولي إلى أن بلغ المولّى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة
إليه (١).
[٢٦١٤] مسألة ٢
: يستحبّ للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره ، من النقدين كان
أو من غيرهما (٢).
______________________________________________________
ومنه يظهر أنه
لو تشاحّا فأراد أحدهما الإخراج والآخر عدمه ، قُدِّم من يريد الإخراج ، لأنّ منع
الآخر لا يصدّ من يريد الإخراج عن العمل ، بدليل الاستحباب الثابت بنحو الإطلاق.
(١) لما عرفت
من أنّ مفاد الأخبار : أنّ في هذا المال زكاة ، من غير أن تتضمّن الخطاب بشخصٍ
خاصّ.
وإنّما خصصنا
الحكم بالولي لأنّه القدر المتيقّن ممّن يجوز له التصرّف في مال اليتيم ، لا لأنّ
الخطاب متوجّه إليه ليسقط بانقطاع ولايته بعد بلوغ الصبي.
وعليه ، فمقتضى
الإطلاق في تلك الأدلّة : ثبوت الاستحباب للمولّى عليه بعد بلوغه.
(٢) فقد وردت
عدّة روايات تضمّنت الأمر بالزكاة في مال التجارة للمجنون كالصبي ، التي عمدتها
صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : امرأة من
أهلنا مختلطة ، أعليها زكاة؟ «فقال : إن كان عمل به فعليها زكاة ، وإن لم يعمل به
فلا» ، ونحوها غيرها ممّا تضمّن التفصيل بين العمل وغيره.
هذا ، وقد ألحق
بعضهم المجنون بالصبي في استحباب الزكاة في الغلّات ، وقد
__________________
[٢٦١٥] مسألة ٣
: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول ، وكذا السكران (١) ،
فالإغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ،
______________________________________________________
عرفت عدم ثبوت الحكم في الصبي فضلاً عن أن يتعدّى منه إلى المقام ، لمعارضة
دليل الإخراج مع ما دلّ على العدم كما تقدّم .
ولو سُلِّم
الحكم هناك فالتعدّي يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، فكيف يمكن الحكم بالاستحباب
بعد أن لم يكن المجنون مكلّفاً بشيء وليس لأحدٍ أن يتصرّف في ماله كغيره من
القاصرين من غير مجوّزٍ شرعي؟! ثمّ إنّ ظاهر صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة : وجوب
الزكاة في ماله ، كما تقدّم نظيره في مال الصبي ، ولكن يُرفَع
اليد عن هذا الظهور في كلا الموردين ، ويُحمَل على الاستحباب ، بعين الوجه الذي
تقدّم في الصبي ، فإنّ الكلام هنا هو الكلام هناك بمناطٍ واحد ، كما أنّه يثبت
الاستحباب للمجنون بعد ما أفاق لو لم يؤدّ وليّه ، كما كان ثابتاً للصبي بعد بلوغه
في الفرض المزبور ، لعين الوجه المذكور ثَمّة ، فلاحظ وتذكّر.
(١) فلا ينافي
الإغماء والسكر تعلّق الزكاة. وهذا هو المعروف والمشهور بين الفقهاء.
ونُسِب إلى
بعضهم إلحاق المغمى عليه بالمجنون ، فلا تجب الزكاة عليهما ، وأمّا النائم فالظاهر
أنّه لا خلاف في وجوب الزكاة عليه وأنّ النوم لا يلحق بالجنون كما في سائر
التكاليف.
__________________
ولا ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلّق في الغلّات.
______________________________________________________
وبيان
ذلك : أنّه قد يكون
شيءٌ شرطاً للتكليف ابتداءً من أجل تقييد الموضوع به ، وأنّ غيره غير مخاطب
بالحكم أصلاً ، وهذا كما في البلوغ والعقل ، حيث إنّ الصبي والمجنون قد وُضِع
عنهما قلم التكليف من أوّل الأمر بمقتضى حديث الرفع الوارد فيهما ، فلا يشملهما
الخطاب من أصله بتاتاً ، وهذا واضح.
وأُخرى : لا
يكون كذلك ، وإنّما يثبت فيه التكليف لأجل العجز وعدم القدرة ، كما في النائم ،
وكذلك المغمى عليه والسكران ، بل الغافل والناسي ، فكان غافلاً حين تعلّق التكليف
وناسياً أنّ له كذا مقداراً من الغلّة أو الذهب أو الفضّة مثلاً ، ففي هذه الموارد
لا تكليف قطعاً ، لأنّه مشروطٌ بالقدرة عقلاً ، المفقودة في هذه الفروض.
وحينئذٍ فإن
بنينا على ما بنى عليه غير واحد من الأعلام من أنّ القدرة في أمثال المقام شرطٌ
للتكليف عقلاً من غير دخل لها في الملاك ، وأنّ ملاك التكليف موجودٌ فعلاً وإن لم
يكن التكليف بنفسه متوجّهاً إلى المخاطب ، نظراً إلى أنّ المانع مانعٌ عنه لا عن
ملاكه ، فهو ثابتٌ في حقّه ، ولأجله لا يكون التكليف فعليّاً بعد ارتفاعه فعلى هذا
المبنى تثبت الزكاة في هذه الموارد بطبيعة الحال.
وعلى هذا
المبنى رتّب شيخنا الأُستاذ (قدس سره) عدم جريان الترتّب فيما كانت القدرة شرطاً
شرعاً ، لاختصاص جريانه بما كانت شرطاً عقلاً ، نظراً إلى أنّ القدرة على الأوّل حالها حال سائر
الشرائط المأخوذة في الموضوع ، التي ينتفي بانتفائها الحكم بملاكه ، كما في موارد
الوضوء والغسل ، حيث إنّ تقييد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التيمّم بقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا*) يعطينا بمقتضى المقابلة اشتراطهما بالقدرة شرعاً ، فلا
ملاك مع العجز ، ولذا لا يجري فيه الترتّب.
بخلافها على
الثاني ، حيث إنّ الساقط حينئذٍ ليس إلّا التكليف ، باعتبار أنّ العقل لا يجوّز
تكليف العاجز ، وإلّا فالملاك باقٍ على إطلاقه.
وكيفما كان ،
فلا ريب في ثبوت الزكاة في المقام على هذا المبنى.
ولكن المبنى في
نفسه غير تامّ كما تعرّضنا له في الأُصول ، إذ لا طريق لنا إلى استكشاف الملاكات
من غير ناحية الأحكام أنفسها ، فإنّ عدم ثبوت التكليف في موارد دخل القدرة عقلاً
كما يمكن أن يكون لأجل الاقتران بالمانع وهو العجز ، كذلك يمكن أن يكون لأجل عدم
المقتضي ، لدخل القدرة في الملاك في صقع الواقع وإن لم نعلم به ، فلا يمكن كشف
الملاك إلّا بدليلٍ خارجي ، مثل الحكم بالقضاء فيما فات من الصلاة في حال النوم.
وأمّا على نحو الكبرى الكلّيّة بحيث يُستكشَف الملاك في كلّ مورد كان التكليف
مشروطاً بالقدرة عقلاً فكلّا ، بل دون إثباته خرط القتاد كما لا يخفى.
وربّما
يُستدَلّ على وجوب الزكاة في هذه الموارد ب : أنّ القدرة إنّما هي شرطٌ بحكم العقل
في التكليف فقط دون الوضع ، لعدم المقتضي للتقييد بالنسبة إليه. وعليه ، فما دلّ
من الروايات على الوضع مثل : إنّ في خَمس من الإبل شاة ، أو : فيما
سقته السماء العشر ، ونحو ذلك عام يشمل أموال المغمى عليه والسكران
ونحوهما ، إذ لا يحكم العقل إلّا باشتراط القدرة في التكليف دون الوضع.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولكنّه أيضاً
لا يتمّ ، لما تقدّم من عدم الإطلاق في أدلّة الوضع ، لأنّها إنّما سيقت
لبيان مقدار الزكاة بالنسبة إلى من وجبت عليه الزكاة ، وأمّا أنّها على من تجب
وعلى من لا تجب فهي إلى ذلك غير ناظرة ، والدلالة من هذه الناحية قاصرة ، فهي في
مقام بيان تعيين المقدار لا في من تجب عليه الزكاة لينعقد لها الإطلاق.
إذن يبقى
الإشكال في تعلّق الزكاة في هذه الموارد على حاله.
والذي ينبغي أن
يقال : إنّ مورد الإشكال إنّما هي التكاليف الموقّتة المحدودة بما بين الحدّين
كالصلاة المقيّدة بما بين الطلوعين فلو عرضه الإغماء أو السكر أو النوم في تمام
الوقت فحينئذٍ يتّجه الإشكال في تعلّق القضاء ، نظراً إلى أنّ التكليف لم يثبت في
حقّه في الوقت ، لاشتراطه بالقدرة عقلاً ، المنتفية عند إحدى تلك العوارض.
فيجاب عنه
باستكشاف الملاك ، أو بنحوٍ آخر مقرّرٌ في محلّه.
وأمّا في
المقام ، فلم يكن التكليف مؤقّتاً إلّا من ناحية المبدأ فقط ، وهو بلوغ النصاب ،
وأمّا بقاءً ومن حيث المنتهي فلا أمد له. والمفروض أنّ هذا التكليف مشروطٌ بالقدرة
بحكم العقل ، فإذا كان عاجزاً أوّل زمان التعلّق ، لكونه نائماً أو مغمىً عليه أو
سكراناً ونحو ذلك ، ثمّ ارتفع العذر وتجدّدت القدرة ، فاستيقظ مثلاً بعد ساعة ،
فأيّ مانعٍ من التمسّك حينئذٍ بإطلاق الأمر بوجوب الزكاة؟! فإنّ التكليف وإن لم
يكن متعلّقاً بهذا الشخص في بدء حدوثه لمكان العجز إلّا أنّه لم يكن مقيّداً بهذا
الوقت حسب الفرض ، بل هو باقٍ ومستمرّ ، فلا مانع من شموله له بقاءً بعد أن حصلت
له القدرة.
__________________
[٢٦١٦] مسألة ٤
: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه (١) ، على المختار
من كونه مالكاً. وأمّا على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكّن العرفي من
التصرّف فيه.
[٢٦١٧] مسألة ٥
: لو شكّ حين البلوغ في مجيء وقت التعلّق (٢)
______________________________________________________
وهذا نظير سائر
التكاليف كوجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، ووجوب أداء الدين ، ووجوب الصلاة على
الميّت أو غسله ، ونحو ذلك فإنّه لو كان عاجزاً عن امتثال هذه التكاليف في أوّل
زمان تعلّقها ، كما إذا لم يجد ماءً لغسل الميّت ثمّ بعد ساعة أو ساعتين تجدّدت
القدرة ، فلا مانع من توجيه التكليف إليه فعلاً وإن كان ساقطاً سابقاً لمكان
العجز.
وعليه ،
فالتمسّك بهذه الإطلاقات لا مانع منه بوجه.
نعم ، تظهر
الثمرة فيما إذا استمرّ العذر من الإغماء أو السكر ونحو ذلك إلى أن مات أو إلى أن
جنّ بحيث لم يكن التكليف فعليّاً في حقّه بتاتاً ، فإنّه يقع الإشكال في وجوب الزكاة
حينئذٍ حتى لو كان العذر هو النوم ، إلّا إذا كان هناك إجماعٌ محقّق كما لا يبعد
ثبوته في النوم ، وإلّا فهو محلٌّ للإشكال ، لأنّه حين تعلّق الزكاة لم يكن
مكلّفاً لمكان العجز ، وبعده ارتفع الموضوع ومات ولم يبق في قيد الحياة أو عرضه
الجنون المانع عن تعلّق التكليف.
(١) كما تقدّم
الكلام فيه مستقصًى ، فلا نعيد.
(٢) قسّم (قدس
سره) مفروض المسألة إلى صور ، إذ :
تارةً
: يعلم زمان
البلوغ ويشكّ وقتئذٍ : إمّا في أصل التعلّق ، أو في وقته بعد
__________________
من صدق الاسم وعدمه أو علم تأريخ البلوغ وشكّ في سبق زمان التعلّق وتأخّره
، ففي وجوب الإخراج إشكال ، لأنّ أصالة التأخّر لا تُثبت البلوغ حال التعلّق ،
ولكن الأحوط الإخراج .
______________________________________________________
العلم بأصله ، فلا يدري هل كان حدوثه قبل زمان البلوغ فكان يوم الأربعاء
مثلاً والمفروض أنّ البلوغ يوم الخميس كي لا تجب عليه الزكاة ، أو كان بعده كيوم
الجمعة حتى تجب؟
وقد استشكل (قدس
سره) حينئذٍ في وجوب الإخراج ، وأخيراً احتاط فيه لزوماً ، رعايةً لما كان معروفاً
ومشهوراً لدى
جماعة من
الفقهاء من أصالة تأخّر الحادث بحيث كانت أصلاً برأسها ، بل لعلّ ذلك كان معدوداً
عندهم من المسلّمات على ما ذكره الشيخ (قدس سره).
ولكن
المتأخّرين لم يلتزموا بذلك ، نظراً إلى أنّ أساس الأصل المزبور إنّما هو
الاستصحاب لا غير ، ومن البيّن أنّ الاستصحاب إنّما يترتّب عليه آثار نفس المستصحب
دون لوازمه ، لعدم حجّيّة الأُصول المثبتة.
وعليه ، فإذا
كان يوم الخميس هو يوم البلوغ كما هو المفروض وشكّ حينئذٍ : إمّا في أصل التعلّق ،
أو في تقدّمه على هذا اليوم وتأخّره عنه ، فاستصحاب عدم التعلّق إلى يوم الجمعة لو
كان له أثرٌ شرعي ترتّب عليه ، ولكنّه لا أثر له ، وإنّما الأثر ترتّب على
الاصفرار أو الاحمرار أي التعلّق بعد البلوغ أو حاله ، ولا يمكن إثبات ذلك بالأصل
المزبور أعني أصالة عدم التعلّق
__________________
وأمّا إذا شكّ
حين التعلّق (١) في البلوغ وعدمه ، أو علم زمان التعلّق وشكّ في سبق البلوغ
وتأخّره ، أو جهل التأريخين ، فالأصل عدم الوجوب.
______________________________________________________
ما قبل البلوغ إذ لا يترتّب عليه أنّه أصفر أو أحمر حين البلوغ أو بعده
الذي هو الموضوع للأثر.
وحيث إنّه يشكّ
وقتئذٍ في تعلّق التكليف بالزكاة ، والمرجع ما لم يحرز موضوع التكليف أصالة
البراءة ، فلا موجب للاحتياط الوجوبي بالإخراج كما هو ظاهر عبارته (قدس سره).
(١) وتارةً اخرى : يفرض عكس ذلك ، فكان زمان التعلّق معلوماً ، وشكّ
حينئذٍ : إمّا في أصل البلوغ ، أو في تقدّمه وتأخّره. وقد جزم (قدس سره) هنا بعدم
الوجوب.
والوجه فيه
ظاهر ، لأنّا إذا لم نعتمد على أصالة تأخّر الحادث فالكلام هو الكلام المتقدّم ،
وإذا اعتمدنا عليها فكان مقتضى الأصل تأخّر البلوغ وسبق التعلّق عليه ، فعدم
الوجوب حينئذٍ واضح.
ومن ذلك يظهر
الحال في الصورة الثالثة أعني : ما لو علم بالبلوغ والتعلّق ، وشكّ في المتقدّم
منهما والمتأخّر ، لأجل الجهل بالتأريخين فإنّ الكلام هو الكلام المتقدّم ، إذ بعد
أن لم يحرز موضوع الوجوب وهو التعلّق بعد البلوغ كان مقتضى الأصل طبعاً هو عدم
الوجوب ، فلا تجب الزكاة حينئذ.
ولمزيد التوضيح
في المقام نقول : إنّا قد ذكرنا في الأُصول عند التكلّم حول توارد الحالتين والشكّ في المتقدّم
منهما والمتأخّر : أنّه لا يفرق في جريان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الاستصحاب بين معلوم التأريخ ومجهوله ، نظراً إلى أنّ المعلوم وإن لم يكن
مورداً للشكّ بالإضافة إلى عمود الزمان إلّا أنّه بالقياس إلى الحادث الآخر من حيث
التقدّم أو التأخّر عنه فهو مشكوك فيه بالوجدان ، فإنّ الشكّ واليقين حالتان
نفسيّتان لا واقع لهما وراء أُفق النفس ، فإذا فرضنا العلم بالبلوغ يوم الخميس
والشكّ في حدوث التعلّق قبله أو بعده ، فللبلوغ إضافةٌ إلى الزمان وإضافةٌ أُخرى
إلى التعلّق.
ولدي مراجعة
أنفسنا نرى أنّا وإن كنّا على يقين من حيث الإضافة الاولى فلا بلوغ يوم الأربعاء
جزماً ، كما أنّه قد بلغ يوم الخميس قطعاً ، إلّا أنّه لا يقين بلحاظ الإضافة
الثانية بالضرورة ، بل نحن شاكّون في أنّ البلوغ هل هو سابقٌ على الزمان الواقعي
للتعلّق الذي هو معلومٌ عند الله أو أنّه لاحق ، ومعه لا مانع من استصحاب بقاء
عنوان الصغر إلى زمان التعلّق ، المنتج لعدم وجوب الزكاة ، لأنّه في وقت التعلّق
مال الصغير بمقتضى الاستصحاب.
وهذا الاستصحاب
جارٍ في جميع الصور الثلاث المتقدّمة أعني : العلم بالبلوغ والشكّ في التعلّق
وعكسه والجهل بالتأريخين ولا يعارَض بأصالة عدم التعلّق إلى زمان البلوغ ، ضرورة
أنّ الموضوع للأثر إنّما هو صدق التعلّق بعد البلوغ لا عدمه قبله ، ومن البيّن أنّ
الأصل المزبور لا يتكفّل بإثباته إلّا على القول بالأصل المثبت.
وهذا بحثٌ كلّي
يترتّب عليه أحكامٌ كثيرة في أبواب الطهارات والمواريث والنكاح وغيرها.
فاتّضح أنّ
الحكم في جميع الصور هو عدم وجوب الزكاة ، لإحراز موضوع العدم باستصحاب بقاء المال
على ملك الصغير إلى زمان التعلّق من غير معارض ، ولا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.
وأمّا مع الشكّ
في العقل : فإن كان مسبوقاً بالجنون وكان الشكّ في حدوث العقل قبل التعلّق أو بعده
، فالحال كما ذكرنا في البلوغ (١) من التفصيل. وإن كان مسبوقاً بالعقل (٢) : فمع
العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب ، ومع العلم بزمان
حدوث الجنون والشكّ في سبق التعلّق وتأخّره فالأصل عدم الوجوب ، وكذا مع الجهل
بالتأريخين.
______________________________________________________
(١) حيث إنّ
العقل العارض بعد الجنون لمّا كان حادثاً مسبوقاً بالعدم فهو إذن كالبلوغ المسبوق
بالصبا ، فيجري فيه جميع ما مرّ.
وقد عرفت أنّ
الأظهر : عدم وجوب الزكاة في جميع الفروض الثلاثة المتقدّمة ، أعني : صورتي العلم
بتأريخ أحد الأمرين من العقل والتعلّق في المقام ، وصورة الجهل بالتأريخين
استناداً إلى استصحاب بقاء الجنون إلى زمان التعلّق ، السليم عن المعارض حسبما
تقدّم ، على خلاف ما اختاره في المتن من التفصيل.
(٢) وأمّا إذا
انعكس الأمر ، فعرضه الجنون بعد ما كان عاقلاً ، وشكّ في تقدّمه على التعلّق كي لا
تجب الزكاة ، وتأخّره كي تجب.
فقد فصّل في
المتن حينئذٍ :
بين ما إذا علم
زمان التعلّق وأنّه في شهر رجب مثلاً وشكّ في تأريخ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الجنون ، ففي مثله يستصحب بقاء العقل إلى هذا الزمان المعلوم ، الذي نتيجته
وجوب الزكاة.
وبين عكسه ،
بأن علم زمان الجنون وشكّ في وقت التعلّق ، فإنّه حيث يشكّ حينئذٍ في تعلّق
التكليف حال العقل ، كان المرجع أصالة عدم الوجوب. ومثله صورة الجهل بالتأريخين.
أقول
: بناءً على ما
عرفت من جريان الاستصحاب في المعلوم كالمجهول نظراً إلى أنّ معلوميّة التأريخ
إنّما تستوجب ارتفاع الشكّ بلحاظ عمود الزمان لا بالقياس إلى الزمان الواقعي
للحادث الآخر يظهر لك الحال في المقام أيضاً ، وأنّ المرجع أصالة عدم الجنون ، وإن
شئت فقل : استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق ، الذي نتيجته وجوب الزكاة باعتبار
عروض التعلّق في مال من هو محكومٌ بالعقل ببركة الاستصحاب ، سواء أكان تأريخ
الجنون معلوماً أم مجهولاً ، وهذا أصلٌ موضوعي يثبت به وجوب الزكاة.
ولا يعارَض
بأصالة عدم التعلّق إلى زمان الجنون ، إذ لا يثبت بها التعلّق بعد الجنون كي تنتفي
عنه الزكاة ، فإنّ موضوع الاستثناء هو مال المجنون ، ولا يثبت بالأصل المزبور أنّ
التعلّق كان بعد الجنون.
وعلى
الجملة : الاستصحاب
الأوّل يقتضي الوجوب بعد ضمّ الوجدان إلى الأصل ، حيث إنّ الاحمرار متيقّن ، وكونه
مال العاقل ثابت بالاستصحاب. والاستصحاب الثاني لا أثر له ، فلا مناص من الالتزام
بوجوب الزكاة.
ومنه يظهر
الحال في مجهولي التأريخ ، وأن أصالة عدم الاحمرار أو الاصفرار إلى زمان الجنون لا
أثر له ، إلّا أن يثبت بها عروض الاحمرار بعد الجنون ، ليكون داخلاً في موضوع مال
المجنون ، ولا نقول بالأصل المثبت ، بخلاف العكس ، فإنّه يجري بلا معارض حسبما
عرفت.
كما أنّ مع
الجهل بالحالة السابقة وأنّها الجنون أو العقل كذلك (١).
______________________________________________________
(١) أي يحكم
بعدم الوجوب ، استناداً إلى أصالة البراءة.
أقول
: قد يُفرَض
الكلام فيما إذا لم تكن الحالة السابقة معلومة بوجه ، فكانت هي كالحالة الفعليّة
مجهولة بقولٍ مطلق ، كما لو ملك شخصٌ مقداراً من المال وشكّ من أوّل أمره أنّه هل
كان عاقلاً أو مجنوناً.
والظاهر حينئذٍ
وجوب الزكاة عليه ، سواء أقلنا بأنّ الجنون مانع ، أم أنّ العقل شرط.
أمّا على
الأوّل : فلإطلاقات الزكاة بعد دفع الجنون المشكوك بأصالة العدم ، كما ذكرنا نظيره في
الميّت الذي يشكّ في إسلامه من وجوب تجهيزه ، استناداً إلى عمومات تجهيز الميّت ،
بعد دفع العنوان الخارج عنها وهو الكفر الذي هو بمثابة المانع بأصالة العدم ، فإنّ
الكفر وإن كان أمراً عدميّاً كالجنون في المقام إلّا أنّهما من قبيل الأعدام
والملكات كما لا يخفى ، فلا جرم كان أمراً حادثاً مسبوقاً بالعدم ، فلا مانع إذن
من نفيه بالأصل.
وأمّا على
الثاني أعني القول بشرطيّة العقل في وجوب الزكاة ، كشرطيّته في عامّة التكاليف ،
وأنّ ما دلّ على أنّه لا زكاة في مال المجنون حكمٌ تأكيدي يراد به شرطيّة العقل لا
مانعيّة الجنون ـ : فلاستقرار بناء العقلاء على أصالة السلامة في كافّة الموارد
التي يحتمل فيها نقصٌ في الخلقة الأصليّة التي من أبرز مصاديقها الجنون ، فإنّهم
لا يزالون يبنون على الصحيح في كلّ مورد دار الأمر بينه وبين المعيب ، فلا يُعتنى
باحتمال كون المبيع معيباً ، ولا تعدّ المعاملة غرريّة ، ولو ادّعاه المشتري
ليطالب بالفسخ أو الأرش كان عليه الإثبات. كما لا يُصغى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إلى دعوى جنون القاتل أو الجاني أو الشارب للخمر ليدرأ عنه الحدّ أو القصاص
ما لم تثبت بحجّة شرعيّة ، وهكذا.
وعلى
الجملة : أصالة السلامة
من الأُصول العقلائيّة المطّردة في جميع المقامات ، والتي جرى عليها ديدنهم في
كافّة الموارد ومنها المقام.
إذن فلا يُعتنى
باحتمال جنون من عنده عين زكويّة ، بل يُحكَم بوجوب إخراج زكاته ، استناداً إلى
أصالة السلامة ما لم يثبت خلافها.
ومنه يظهر
الحال فيما لو فُرِض الكلام في موردٍ عُلِم فيه بالجنون في زمانٍ وشُكّ في تقدّم
التعلّق عليه وتأخّره ولم تكن الحالة السابقة معلومة ، فإنّ الأمر حينئذٍ أيضاً
كذلك ، إذ أنّ أصالة السلامة تبيّن لنا أنّ الحالة السابقة هي العقل ، فيندرج
حينئذٍ في المسألة المتقدّمة ، أي ما كان العقل متيقّناً سابقاً وعُلِم بعروض
الجنون والتعلّق مع الشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر ، غاية الأمر أنّ التيقّن
بالعقل نشأ هنا من بناء العقلاء على أصالة السلامة ، التي هي بعد الحجّيّة بمثابة
العلم الوجداني.
ففي هذين
الموردين لم نعرف أيّ وجهٍ لما ذكره (قدس سره) من عدم وجوب الزكاة استناداً إلى
أصالة البراءة ، إذ لا تصل النوبة إليها بعد وجود الأصل الموضوعي الحاكم عليها
والمقتضي لوجوب الزكاة حسبما عرفت.
والمظنون
قويّاً أنّ الماتن أيضاً لا يريد ذلك ، إذ كيف تخفى عليه أصالة السلامة وقد ذكرها
مبسوطاً في حاشيته على المكاسب؟! وعليه ، فلا يبعد أن يريد بجهالة الحالة السابقة
في المقام مورداً لا تجري فيه أصالة السلامة ، بأن يكون مفروض كلامه صورة توارد
الحالتين مع الشكّ في المتقدّم والمتأخّر ، فكان عاقلاً في زمانٍ ومجنوناً في
زمانٍ آخر ، وتعلّق الزكاة بعدهما ، ولم يعلم أنّ التعلق كان في زمان الجنون أو
العقل.
[٢٦١٨] مسألة ٦
: ثبوت الخيار للبائع ونحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة (١) إذا كان في تمام الحول ،
ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه ، بناءً
______________________________________________________
فلنفرض أيّاماً
ثلاثة : فكان في يوم الثلاثاء عاقلاً أو مجنوناً وكذلك في يوم الأربعاء ، للشكّ في
المتقدّم والمتأخّر ، وقد عرض التعلّق في يوم الخميس. وحينئذٍ فبما أنّا نشكّ في
المتقدّم من الحالتين والمتأخّر :
فإمّا أن نبني
على أنّ الاستصحاب لا يجري من أصله كما هو خيرة صاحب الكفاية ، نظراً إلى عدم
إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
أو نبني على
جريانه في نفسه وسقوطه بالمعارضة كما هو الأصحّ.
وعلى كلا
التقديرين ، لا سبيل إلى استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق ليحكم بوجوب الزكاة
، إمّا لعدم المقتضي ، أو للمعارضة ، فلا جرم تنتهي النوبة إلى أصالة البراءة.
فما أفاده (قدس
سره) من عدم الوجوب وجيهٌ في خصوص هذا المورد ، أعني : ما إذا كان قبل زمن التعلّق
حالتان وشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر حسبما عرفت.
(١) لأنّها
متوقّفة على الملك الحاصل بمجرّد العقد وإن كان خياريّاً ، بناءً على ما هو
المعروف المشهور وهو الصحيح من أنّ الخيار المجعول في العقد لا ينافي انتقال الملك
، ولا يتوقّف حصوله على انقضاء زمان الخيار.
نعم ، بناءً
على التوقّف المزبور الذي هو مسلك الشيخ الطوسي (قدس
__________________
على المختار من عدم منع الخيار من التصرّف ، فلو اشترى نصاباً من الغنم أو
الإبل مثلاً وكان للبائع الخيار ، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه.
______________________________________________________
سره) لا إشكال في عدم الزكاة ما دام الخيار باقياً ، لانتفاء
الملك حسب الفرض ، ولا زكاة إلّا في ملك.
لكن المبنى
فاسد كما تعرّض له الشيخ الأعظم في المكاسب ، فإنّ الخيار حقٌّ متعلّقٌ بالعقد يوجب تزلزله وجواز
فسخه وإرجاع العين التي انتقلت إلى الطرف الآخر بمجرّد العقد ، كما هو الحال في
العقود الجائزة بالذات كالهبة ، فكما أنّ الموهوب له يملك بمجرّد الهبة غاية الأمر
أنّ الواهب يجوز له الرجوع ما لم يطرأ ما يقتضي اللزوم من قصد القربة أو كونه ذي
رحم ونحو ذلك. فكذا في المقام. نعم ، يفترقان في أنّ الجواز هنا حقّي ، وفي الهبة
حكمي لا يكاد يسقط بالإسقاط.
ثمّ إنّه بناءً
على حصول الملك ، فهل لمن عليه الخيار أن يتصرّف في المال تصرّفاً مالكيّاً من
بيعٍ أو هبةٍ أو وقفٍ ونحو ذلك ، أم لا؟ فيه كلام.
والصحيح كما
اختاره في المتن أنّه لا مانع من ذلك ما لم يشترط خلافه كما تعرّضنا له في بحث
المكاسب ، فإنّ الخيار متعلّق بالعقد ، ولذا فسّروه بملك فسخ العقد ، ولا تعلّق له
بالعين لتكون متعلّقاً لحقّ ذي الخيار ، غاية الأمر أنّه بعد الفسخ إن كانت العين
موجودة استردّها الفاسخ ، وإلّا انتقل إلى البدل من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مثلٍ أو قيمة.
وعلى هذا ، فلا
مانع من تعلّق الزكاة من هذه الناحية أيضاً ، فإنّه ملكٌ طلق يجوز التصرّف فيه ،
فتعلّق الخيار بالعقد الواقع على المال الزكوي لا يمنع عن تعلّق الزكاة بوجه.
نعم ، يمكن أن
يقال : إنّ بعض أقسام الخيار له نحو تعلّق بالعين ، وهو الخيار المشروط بردّ الثمن
، فيشترط عند البيع أنّه متى جاء بالثمن كان له الفسخ ، ويقال له : بيع الخيار ،
الذي هو متعارف حتى في العصر الحاضر ، فإنّ مثل هذا البيع مشروطٌ بحسب الارتكاز
بالتحفّظ على العين وعدم التصرّف فيها ، ليتمكّن ذو الخيار من استردادها خلال تلك
المدّة المضروبة والأجل المعيّن لو اختار الفسخ وردّ الثمن ، فليس له التصرّف
الاعتباري من بيعٍ أو نحوه ، بل يلزمه الإبقاء إلى زمان الانقضاء.
فحينئذٍ يمكن
أن يقال : إنّ الملك قاصر ، لكون العين متعلّقاً لحقّ الغير ، كما كان كذلك في حقّ
الرهانة ، ولا زكاة في الملكيّة القاصرة كما تقدّم .
ويندفع بما أسلفناك في منذور الصدقة من أنّ الحكم
التكليفي المحض لا يستوجب قصراً في الملك ولا نقصاً في الوضع والسيطرة على العين ،
بل غايته العصيان لو خالف لا البطلان ، فلو باع المنذور صحّ البيع وإن كان آثماً ،
لعدم كون العين المنذورة متعلّقاً لحقّ الفقير ولا لحقّ الله ليمنع عن التصرّف.
وإنّما يتحقّق
القصر في مثل الوقف ، حيث لا سلطنة للموقوف عليه على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الرقبة ليتمكّن من بيعها ، وملكيّته لها محدودة بالانتفاع بها من الأوّل ،
ولذا لو مات لا يورث ، بل يتلقّاها البطن اللاحق من نفس الواقف لا بإرث من السابق.
وكذلك الحال في
العين المرهونة ، فإنّها وثيقة وتحت سيطرة المرتهن ، وله منع الراهن عن التصرّف
فيها ، بل لا يسوغ تصرّفه إلّا بإذنه ، وهذا يستتبع بطبيعة الحال حقّا للمرتهن
متعلّقاً بشخص العين ، المستلزم لقصر الملك ونقصه.
وهذا بخلاف
المقام ، ضرورة أنّ الشرط الارتكازي المزبور المتعلّق بالمحافظة على العين لا
يتضمّن إلّا الحكم التكليفي بوجوب الإبقاء ، وإلّا فالعين تحت يد المشتري وفي
قبضته وتصرّفه ، فإنّها ملكه وليس لذي الخيار منعه ولا أخذه منه بغير إذنه ، ولو
مات المشتري انتقل إلى وارثه. فجميع أحكام الملك الطلق متحقّق ، غايته أنّه محكومٌ
شرعاً بأن لا يخرجه من ملكه بناقلٍ من بيعٍ أو هبة ونحو ذلك ، وهذا كما عرفت حكم
تكليفي لا يترتّب على مخالفته سوى العصيان ، وإلّا فالبيع صحيحٌ صادر من أهله في
محلّه ، فلو فسخ ذو الخيار بعد أن ردّ الثمن : فإن كانت العين موجودة استردّها ،
وإن كانت تالفة بتلفٍ حقيقي أو اعتباري انتقل إلى البدل من المثل أو القيمة ، كما
هو الشأن في سائر موارد الخيار.
وبالجملة
: فلم يثبت حقّ
في المقام متعلّق بالعين ليمنع عن التصرّف كي لا تثبت الزكاة. وعليه ، فلو اشترى
كمّيّة من الشياه بالغة حدّ النصاب في بيعٍ مشروطٍ بردّ الثمن وحال عليها الحول ،
وجبت الزكاة فيها ، ولا يكون الخيار المزبور مانعاً عنها ، فإنّه كما عرفت ملك فسخ
العقد ، فهو متعلّق بالعقد ولا يوجب حقّا في العين بوجه.
[٢٦١٩] مسألة ٧
: إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصّة
كلّ واحد (١) ، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً.
[٢٦٢٠] مسألة ٨
: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّاً أو
خاصّاً (٢).
______________________________________________________
(١) بلا خلافٍ
فيه ولا إشكال ، ووجهه ظاهر ، كما سيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى في المسألة
الثالثة من فصل زكاة الأنعام عند تعرّض الماتن له .
وملخّصه : أنّ
الحكم بوجوب الزكاة كسائر الأحكام انحلاليٌّ متوجّهٌ إلى آحاد المكلّفين ، كما هو
ظاهر قوله تعالى (خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، فإذا ضممنا ذلك إلى أدلّة اشتراط النصاب يظهر بوضوح
أنّ اللازم مراعاة النصاب في حصّة كلّ مكلّف بخصوصه لا بضميمة غيره ، وإلّا لوجبت
الزكاة فيمن ملك درهماً واحداً ، لأنّه بضميمة دراهم غيره يبلغ حدّ النصاب ، فيلغو
اعتباره. وهو كما ترى.
وقد صرّح في
بعض النصوص : إنّ من ملك تسعة عشر ديناراً ودرهماً لا تجب عليه الزكاة ، لكونها
دون النصاب .
(٢) تقدّم أنّ
من شرائط الزكاة : الملك ، وأن يكون الملك طلقاً ، أي
__________________
ولا تجب في نماء (١) الوقف العامّ ، وأمّا في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كلّ من بلغت
حصّته حدّ النصاب :
______________________________________________________
متمكّناً من تمام التصرّف. وعليه ، فلا زكاة في العين الموقوفة ، من غير
فرقٍ بين الوقف العامّ أو الخاصّ ، فإنّ الوقف وإن تضمّن الملك لكن الموقوف عليه
ليست له سلطنة على العين إلّا بمقدار الانتفاع منها ، وليس له التصرّف الصادر عن
المالك بما هو مالك من بيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك ، ولا يكاد يورث ، بل يتلقّاها البطن
اللّاحق من الواقف لا من السابق ، فيعتبر فيه الوقوف والسكون ، ومن هنا فُسِّر
بأنّه : تحبيس العين وتسبيل المنفعة ، فلا جرم كانت الملكيّة قاصرة غير تامّة ،
ومثلها لا زكاة فيها كما مرّ .
هذا كلّه في
نفس العين.
(١) وأمّا نماء
العين الموقوفة :
فتارةً
: يوقف للصرف في
جهة معيّنة ، كما لو أوقف البستان ليصرف نخيله في سبيل الله أو في تعزية الحسين (عليه
السلام) ونحو ذلك ، ولا شكّ هنا في عدم الزكاة ، فإنّ الجهة وإن كانت مالكة إلّا
أنّها غير مكلّفة بشيءٍ كما هو واضح.
وأُخرى
: يوقفه على
عنوان عامّ ، كالفقراء أو العلماء ، ولا زكاة هنا أيضاً ، لأنّ الموقوف عليه
حينئذٍ هو كلّي الفقراء مثلاً فالمالك هو هذا العنوان الكلّي ، ولا زكاة إلّا فيما
ملكه آحاد المكلّفين وأشخاصهم ، كما هو ظاهر قوله تعالى :
__________________
[٢٦٢١] مسألة ٩
: إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور بالاستعانة بالغير أو البيّنة
أو نحو ذلك بسهولة (١) ، فالأحوط إخراج زكاتها . وكذا لو مكّنه الغاصب من التصرّف فيه مع بقاء يده عليه
، أو تمكّن من أخذه سرقةً ، بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه مع فرض انحصار طريق
التخليص بذلك أبداً. وكذا في المرهون إن أمكنه فكّه بسهولة.
______________________________________________________
(خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، ولا يكون الفرد من ذلك الكلّي مالكاً إلّا بالقبض ،
لعدم تعيّن الكلّي إلّا بذلك ، حتى إذا انحصر الفرد في واحدٍ فلم يكن في البلد
إلّا فقير واحد فإنّه لا يكون مالكاً ما لم يقبض ، إذ لا ينطبق عليه العنوان إلّا
بذلك ، بحيث لو مات قبل القبض لم ينتقل إلى وارثه ، فلا يملكه إلّا إذا كان فقيراً
أيضاً ، فيملكه حينئذٍ بالقبض لا بالإرث.
وثالثةً
: يوقفه على
فردٍ أو أفراد معيّنين ، وحينئذٍ فبما أنّ الموقوف عليه يملكه من حين الانعقاد من
غير حاجة إلى القبض فلا جرم تجب عليه الزكاة فيما إذا بلغت حصّته بخصوصه حدّ
النصاب مع استجماع سائر الشرائط ، ولا يكفي بلوغ حصّة المجموع ، لأنّ الخطاب
متوجّه إلى آحاد المكلّفين كما تقدّم .
(١) لو كان له
مالٌ لا يمكنه التصرّف فيه فعلاً ، لكونه غائباً أو مغصوباً أو مسروقاً ونحو ذلك ،
ولكن يتمكّن من تحصيله بسهولةٍ ومن غير مشقّة ، فلعلّ المشهور حينئذٍ عدم وجوب
الزكاة ، لفقدان الشرط ، وهو التمكّن الفعلي من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التصرّف ، ولا يجب تحصيل شرط الوجوب.
ولكن الماتن
احتاط وجوباً بإخراج الزكاة ، وفرّق بين هذه المسألة والمسألة الآتية أعني ما لو
كان له دين على غيره وأمكن استيفاؤه بسهولة ولم يفعل حيث حكم (قدس سره) هناك تبعاً
للمشهور بعدم وجوب الإخراج حتى لو أراد المديون الوفاء ولم يستوف مسامحةً أو
فراراً من الزكاة.
وفرّق (قدس سره)
بين المسألتين ب : أنّ الملكيّة في المغصوب ونحوه حاصلة ، فشرط الوجوب محقّق ،
بخلاف الدين ، فإنّه لا يدخل في ملكه إلّا بعد القبض ، ولا يجب تحصيل شرط الوجوب.
ولكن الفرق كما
ترى ، بل لا يرجع إلى محصّل ، لحصول الملك في كلتا المسألتين ، غايته أنّ المملوك
هنا شخصي وفي المسألة الآتية كلّي في ذمّة الغير ، ومجرّد ذلك لا يستوجب الاختلاف
في الحكم ما لم يقم برهان على اعتبار الملك الشخصي في تعلّق الزكاة ، فكما أنّ
المملوك الكلّي يتعلّق به الخمس مثل ما لو كان له مال في ذمّة الغير فاتّجر وربح
فإنّه يجب تخميسه بلا إشكال فهلّا تكون الزكاة أيضاً كذلك؟! إذن لا بدّ لنا من
التكلّم في كلٍّ من المسألتين على ضوء ما يستفاد من النصوص.
أمّا المسألة
الأُولى : فقد سبق أن ورد في غير واحد من الأخبار إناطة الزكاة بكون المال
عنده حتى يحول الحول أو ما يؤدّي هذا المعنى من كونه تحت يده وفي تصرّفه ، فلا تجب
الزكاة إذا لم يكن المال عنده ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما لو أمكن تحصيله
بسهولة أو لم يمكن ، فلا وجوب على التقديرين.
وبعبارةٍ اخرى
: كون المال عنده وتحت تصرّفه من شرائط الوجوب ، ولا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يجب تحصيل شرائط التكليف ، فإنّ ظاهر تلك الأدلّة اعتبار اليد الفعليّة من
غير أيّ مانع ، لا مجرّد القدرة على تحصيل اليد.
نعم ، هناك
رواية واحدة عبّر عنها المحقّق الهمداني (قدس سره) بموثّقة زرارة ربّما يتراءى
أو يستظهر منها ذلك ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن بكير ، عمّن رواه (عن
زرارة) ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر
على أخذه «قال : فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعامٍ واحد ، فإنّ كان
يدعه متعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» .
فإنّ قوله (عليه
السلام) : «فإن كان يدعه» ظاهرٌ في أنّ العبرة بمجرّد القدرة على الأخذ وإن فُقِدت
اليد الفعليّة.
ولكنّها مخدوشة
سنداً ودلالة.
أمّا السند :
فلتطرّق احتمال الإرسال المسقط لها عن الاستدلال ، وذلك لتردّد من روى عنه ابن
بكير ، الناشئ من اختلاف النسخ ، فالمذكور في الوافي روايته عن زرارة ، ولكن
الموجود في التهذيب والاستبصار بدل «عن زرارة» قوله : عمّن رواه ، وقد جمع في
الوسائل الطبعة الجديدة بين النسختين ، وحيث لا ترجيح في البين فلا دافع لاحتمال
الإرسال.
وأمّا الدلالة
: فلأنها إلى قوله (عليه السلام) : «لعام واحد» مطابقة لبقيّة الأخبار ، المتضمّنة
عدم الزكاة في المال الغائب الذي لا يقدر على أخذه حتى
__________________
[٢٦٢٢] مسألة
١٠ : إذا أمكنه استيفاء الدين (١) بسهولة
______________________________________________________
يخرج من الغيبة إلى الظهور كما هو ظاهر. إنّما الكلام في قوله بعد ذلك : «فإن
كان يدعه متعمّداً» ، والاستدلال مبني على أن يكون ذلك ناظراً إلى تجدّد القدرة
أثناء الحول وأنّ الغائب الذي لم يكن قادراً على أخذه لو حصلت القدرة عليه وجبت
الزكاة فيه ، وهو غير واضح.
بل الظاهر منه
أنّه ناظرٌ إلى فرضٍ آخر ، الذي هو بمثابة المفهوم للصدر ، وهو ما إذا كان المال
الغائب مع غيبته غير خارجٍ عن تحت قدرته واختياره ، بل كان بحيث مهما أراد أن
يأخذه أخذه ، مثل المال المستودع أو المدفون تحت الأرض ونحو ذلك من الموارد التي
لم تؤثّر الغيبة في الخروج عن تحت السلطنة الفعليّة عرفاً من أوّل الأمر ، لا أنّه
كان خارجاً فتجدّدت القدرة ، ولا ريب أنّ هذا النحو من الغيبة غير مانع عن تعلّق
الزكاة جزماً ، إذ لم توجب قطع سلطنة المالك بوجهٍ من الوجوه.
والذي يكشف
عمّا استظهرناه من أنّها ناظرة إلى هذا الفرض قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية :
«فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» فإنّه لا يستقيم لو أُريد به الفرض
السابق ، إذ لا وجه لاحتساب الزمان السابق على تجدّد القدرة وعدّه من الحول ، لفرض
عجزه عن التصرّف آن ذاك ، فكيف يقول (عليه السلام) : «لكلّ ما مرّ به من السنين»؟!
وإنّما يتّجه لو أُريد به ما ذكرناه ، لحصول القدرة في جميع تلك الأزمنة من أوّل
الأمر ، فلا بدّ من احتسابها بتمامها.
ومع التنزّل
فلا أقلّ من تطرّق هذا الاحتمال الموجب للإجمال ، فتسقط عن صلاحيّة الاستدلال.
(١) تقدّم
الكلام حول المسألة الأُولى.
ولم يفعل لم يجب إخراج زكاته ، بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف
اختياراً ، مسامحةً أو فراراً من الزكاة. والفرق بينه وبين ما ذكر من المغصوب
ونحوه : أنّ الملكيّة حاصلة في المغصوب ونحوه ، بخلاف الدين ، فإنّه لا يدخل في
ملكه إلّا بعد قبضه.
______________________________________________________
وأمّا هذه
المسألة ، وهي المسألة الثانية : فقد سبق أن أشرنا إلى ضعف الفارق الذي ذكره
الماتن بين المسألتين ، وأنّ القبض لا دخل له إلّا في تشخيص الكلّي وتعيين ما
في الذمّة من الدين فيه لا في حصول الملكيّة ، فإذا كان تعلّق الزكاة بالمال
الزكوي بنحو الكلّي كما قد يعطيه ظواهر جملة من النصوص فأيّ مانع من ثبوتها في
الكلّي المملوك؟! إذن فلا مناص من التكلّم في المسألة على ضوء ما يستفاد من النصوص
، فنقول : مقتضى غير واحد من الأخبار عدم ثبوت الزكاة في الدين على سبيل الإطلاق ،
التي منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : لا صدقة
على الدين» ، ونحوها غيرها.
وبإزائها طائفة
أُخرى تضمّنت التفصيل بين ما يقدر على أخذه ففيه الزكاة دون ما لا يقدر ، بحيث لو
تمّت أسانيدها كان مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمل الطائفة الأُولى على دينٍ لا
يقدر على أخذه ، لأنّ النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق ، المستلزم
لارتكاب التقييد.
فمنها : ما
رواه الشيخ بإسناده عن ميسرة ، عن عبد العزيز : عن الرجل يكون له الدين ، أيزكّيه؟
«قال : كلّ دين يدعه هو إذا أخذه فعليه زكاته ، وما كان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة» .
والدلالة وإن
كانت ظاهرة لكن السند ضعيف ، لأنّ عبد العزيز العبدي وإن كان معروفاً إلّا أنّه لم
يوثّق ، بل ضعّفه النجاشي . نعم ، ميسرة بن عبد العزيز ممدوح.
والرواية
مذكورة في الوسائل والتهذيب كما أثبتناه ، غير أنّ الأردبيلي حاول تصحيحها ،
فاستظهر أنّ النسخة مغلوطة والصواب : ميسرة بن عبد العزيز الذي عرفت أنّه ممدوح لا
: ميسرة عن عبد العزيز .
وما ذكره (قدس
سره) محتملٌ في نفسه ، غير أنّه عريٌّ عن أيّ شاهد وإن استصوبه
معلّق الوسائل أيضاً ، ومجرّد أنّ والد ميسرة مسمّى بعبد العزيز لا يستدعي الخدش
في النُّسخ بعد اتّفاقها على الضبط كما ذكرناه.
ومنها : ما
رواه الكليني بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : ليس
في الدين زكاة ، إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره ، فإذا كان لا يقدر على
أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» .
والدلالة
واضحة.
وأمّا السند :
فليس فيه من يُغمَز فيه عدا إسماعيل بن مرار ، وقد تقدّم غير مرّة أنّه موثّق ،
لوجوده في تفسير علي بن إبراهيم. وعدا عمر بن يزيد ، فإنّه قد يستشكل فيه ، نظراً
إلى اشتراكه بين عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابري
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الذي وثّقه النجاشي صريحاً وكذا الشيخ وإن نسبه إلى جدّه وحذف اسم أبيه فقال : عمر بن يزيد
بيّاع السابري وبين عمر بن يزيد بن ظبيان الصيقل ، الذي له كتابٌ كما ذكره النجاشي
أيضاً ، غير أنّه لم يوثّق. فهذا الاسم مردّد بين رجلين كلاهما له كتاب ومن
أصحاب الصادق (عليه السلام) ، أحدهما ثقة ولم يوثّق الآخر ، ولا قرينة على التعيين
، فتسقط عن الحجّيّة.
ولكنّه توهّمٌ
باطل لعلّ منشأه أنّ الأردبيلي ذكر في ترجمة ابن ظبيان المزبور عدّة أخبار ومنها
هذه الرواية كما أنّه (قدس سره) ذكر طائفة أُخرى من الأخبار في ترجمة السابري .
وهذا غفلة منه (قدس
سره) ، إذ لم يذكر في شيء من الروايات التي ذكرها في الموردين ما يدلّ على أنّ
المراد به الصيقل أو السابري ، بل ذكر لفظ عمر بن يزيد فقط ، والأردبيلي بنفسه
اجتهد وارتأى أنّ تلك الطائفة لذاك وهذه لهذا من غير أيّة قرينة ترشدنا إليه بوجه.
هذا ، والظاهر
أنّ المراد به في الجميع هو السابري ، الذي عرفت أنّه ثقة ، وذلك لأنّه المعروف
ممّن يراد من لفظ عمر بن يزيد من بين الرواة ، حتى أنّ الشيخ (قدس سره) في الفهرست
والتهذيب اقتصر على ذكره فقط ولم يذكر الصيقل بتاتاً ، وجميع ما يرويه في
التهذيب فإنّما يرويه بعنوان عمر بن يزيد ، المراد به السابري ، الذي تعرّض له في
المشيخة ، وعليه فلم يثبت أنّ للصيقل رواية أصلاً ، وإنّما عنونه النجاشي لبنائه
على التعرّض لكلّ من له أصل أو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كتاب ، سواء أكان من الرواة أم لا ، وهذا له كتابٌ كالسابري على ما عرفته.
إذن لا ينبغي
التأمّل في صحّة الرواية ، وأنّ المراد بالرجل إنّما هو السابري الثقة.
ومنها : ما
رواه الحميري بإسناده عن إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) : أعلى الدين زكاة؟ «قال : لا ، إلّا أن تفرّ به» .
فإنّ الفرار لا
يكون إلّا مع التمكّن والاقتدار على الاستيفاء.
وهي صحيحة
السند أيضاً ، فإنّ الطيالسي الموجود فيه مذكورٌ في أسناد كامل الزيارات.
فبهاتين
الروايتين المعتبرتين ترفع اليد عن إطلاق الطائفة الأُولى النافية للزكاة على
الدين لولا المحذور الآتي كما ستعرف.
وأمّا صحيحة
أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل ينسئ أو يعين فلا
يزال ماله ديناً ، كيف يصنع في زكاته؟ «قال : يزكّيه ، ولا يزكّي ما عليه من الدين
، إنّما الزكاة على صاحب المال» .
فهي محمولة على
الاستحباب وليست من هذه الطائفة ، إذ في النسيئة أو بيع العِيْنَة ليس لصاحب المال
الدائن حقّ المطالبة قبل حلول الأجل ، فلا يقدر على أخذ الدين ، وصريح الأخبار
المتقدّمة عدم الزكاة في هذه الصورة ، فحكمه (عليه السلام) هنا بالزكاة مبنيٌّ على
الاستحباب قطعاً.
وأمّا ما في
بعض النسخ من كلمة «يعير» بدل «يعين» وهو موجود في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الوسائل أيضاً فهو غلطٌ كما يفصح عنه قوله بعد ذلك «فلا يزال ماله
ديناً» ، إذ لا دين في العارية ، بل المملوك نفس العين الخارجيّة المستعارة ، لا
الدين في الذمّة كما هو ظاهر ، والصواب : «يعين» كما أثبتناه عن الوسائل حسبما
سمعت.
والمراد : بيع
العِيْنَة ، وهو على ما حكاه في مجمع البحرين عن السرائر ـ : أن يشتري سلعةً بثمن
مؤجّل ، ثمّ يبيعها بدون ذلك الثمن نقداً ، ليقضي دَيناً عليه لمن قد حلّ له عليه
، ويكون الدين الثاني وهو العِيْنَة من صاحب الدين الأوّل. مأخوذ من العَين ، وهو
النقد الحاضر .
وهو الذي عنونه
الفقهاء وحكموا بصحّته من دون شرط ، وفساده مع الشرط.
وكيفما كان
فهذه الصحيحة محمولة على الاستحباب جزماً ، وليست هي ممّا نحن فيه.
فالعمدة
: الروايتان
المعتبرتان المتضمّنتان لإناطة الزكاة في الدين على القدرة على الاستيفاء.
ولكن بإزائها
طائفة ثالثة جعل الاعتبار فيها بالقبض وأنّه ما لم يقبض الدين لا زكاة فيه وإن كان
قادراً على الأخذ.
كمعتبرة إسحاق
بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الدين ، عليه زكاة؟ «قال : لا
، حتى يقبضه» قلت : فإذا قبضه ، أيزكّيه؟ «قال : لا ، حتى يحول عليه الحول في يده»
.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وموثّقة سماعة
: قال : سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس ، تجب فيه الزكاة؟ «قال : ليس
عليه فيه زكاة حتى يقبضه ، فإذا قبضه فعليه الزكاة» . ونحوهما
غيرهما.
هذا ، وحيث إنّ
هذه الطائفة صريحة أو لها قوّة ظهور يجعلها كالصريح في نفي الزكاة ما لم يتحقّق
القبض خارجاً وإنّ مجرّد القدرة ما لم تقترن بالقبض لا أثر لها في الوجوب ، فلا
جرم تتقدّم على الطائفة السابقة التي أقصاها الظهور في الوجوب مع القدرة تقدّم
النصّ أو الأظهر على الظاهر ، فتحمل تلك على الاستحباب ، إذ أنّ مقتضى الجمع
العرفي بين ما دلّ على الأمر بالزكاة في الدين الذي يقدر على أخذه وبين ما دلّ على
عدم الوجوب ما لم يتسلّمه ويقبضه هو رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ، بقرينه ما
دلّ على جواز الترك ، ونتيجته الاستحباب كما عرفت.
فإنّ النسبة
بين القدرة والقبض عمومٌ من وجه ، إذ القادر قد يقبض وقد لا يقبض ، كما أنّ القابض
قد يكون قادراً قبل قبضه وأُخرى لا يقدر إلّا حين القبض ، كما قد يتّفق في مثل
المحاكم أحياناً وإن كان هذا فرداً نادراً ، ولأجله ذكرنا أنّ نصوص القبض أقوى
وأظهر من نصوص الاقتدار ، فلاحظ.
ومع الغضّ
وتسليم المعارضة بين الطائفتين ، فتتساقطان ، والمرجع حينئذٍ إطلاق الطائفة
الأُولى النافية للزكاة عن الدين ، فما دام كونه ديناً ولم يخرج عن الذمّة إلى
العين الخارجيّة بالقبض ، لا زكاة فيه وإن كان قادراً على أخذه واستيفائه بمقتضى
الإطلاق.
على أنّ هناك
مرجّحاً آخر لنصوص القبض ، وهو أنّا لو قدّمناها على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نصوص الاقتدار لم يلزم منه أيّ محذور ، عدا حمل تلك النصوص على الاستحباب
كما سمعت ، الذي هو حملٌ شائع ذائع. وقد تحفّظنا حينئذٍ على نصوص الطائفة الأُولى
النافية للدين ، وحكمنا من أجلها بأنّ الدين ما دام كونه ديناً ثابتاً في الذمّة
لا زكاة فيه ، غير أنّه يستحبّ مع القدرة ، وتجب مع القبض الذي يخرج به عن كونه
ديناً.
وأمّا لو
قدّمنا نصوص الاقتدار وجعلنا المدار في وجوب الزكاة على القدرة على الأخذ ، كان
لازمه إلغاء عنوان الدين المأخوذ في الطائفة الأُولى ، إذ لا خصوصيّة حينئذٍ للدين
، بل العين الخارجيّة والملك الشخصي أيضاً كذلك ، إذ لا تجب فيها الزكاة أيضاً ،
إلّا إذا كان قادراً عليه متمكّناً من التصرّف فيه في قبال غير المقدور ، كالمال
الغائب أو المسروق أو المغصوب ونحو ذلك ممّا تقدّم وعرفت عدم تعلّق الزكاة بها ما
لم يتمكّن من التصرّف فيها .
مع أنّ ظاهر
تلك النصوص : أنّ الدين من حيث إنّه دينٌ وبعنوانه الخاصّ موضوعٌ لهذا الحكم أعني
: عدم تعلّق الزكاة فلا بدّ وأن يكون شاملاً لصورة الاقتدار ليمتاز عن العين
الشخصيّة.
ومع الغضّ عن
جميع ما ذكرناه فتكفينا في المقام صحيحة علي بن جعفر الناصّة على نفي الزكاة في
محلّ الكلام أعني : صورة الاقتدار على الأخذ ما لم يتحقّق القبض خارجاً قال :
سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه ، هل عليه زكاة؟ «قال
: لا ، حتى يقبضه ويحول عليه الحول» .
وقد رويت
بطريقين :
__________________
[٢٦٢٣] مسألة
١١ : زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض (١) ، فلو اقترض نصاباً من أحد
الأعيان الزكويّة وبقي عنده سنة وجب عليه الزكاة.
______________________________________________________
أحدهما
: ضعيف من أجل
عبد الله بن الحسن ، لعدم ثبوت وثاقته وإن كان جليلاً.
والآخر
: ما رواه صاحب
الوسائل عن كتاب علي بن جعفر ، وطريقه إليه صحيح.
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى ما عليه المشهور بل
إجماع المتأخّرين كما في الجواهر من عدم وجوب الزكاة في الدين وإن كان قادراً على
الاستيفاء ولم يستوفه مسامحةً أو فراراً ، لإطلاق النصوص النافية للزكاة غير
القابلة للتقييد كما عرفت.
نعم ، يستحبّ
مع القدرة.
وعلى أيّ تقدير
فلا يجب إلّا بعض القبض ، وبذلك يمتاز الدين عن العين حسبما بيّناه ، فلاحظ.
(١) أمّا إذا
صرف المال ولم يبق عنده سنة فلا إشكال في عدم الوجوب لا على المقرض ولا المقترض
كما هو ظاهر.
وأمّا إذا بقي
حتى حال عليه الحول والمفروض بلوغه حدّ النصاب وكونه من أحد الأعيان الزكويّة فهل
زكاته حينئذٍ على المقرض أو المقترض؟
لا ينبغي
الإشكال في عدم الوجوب على المقرض ، لخروجه عن ملكه بالإقراض ، ودخوله في ملك
المقترض ، ولا زكاة إلّا في الملك كما مرّ .
__________________
نعم ، يصحّ أن
يؤدّي المقرض عنه تبرّعاً ، بل يصحّ تبرّع الأجنبي أيضاً. والأحوط الاستئذان من
المقترض في التبرّع عنه ، وإن كان الأقوى عدم اعتباره.
______________________________________________________
نعم ، يملك هو
كلّيّاً في ذمّة المقترض وديناً على عهدته ، فبناءً على وجوب الزكاة في الدين يجب
، وقد عرفت عدم الوجوب.
وعليه ، فلا
تجب الزكاة إلّا على المقترض ، الذي هو المالك للعين كما تشير إليه صحيحة يعقوب بن
شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة
والسنتين أو الثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة ، على المقرض ، أو على
المستقرض؟ «فقال : على المستقرض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته» .
فإنّ التعليل
إشارةٌ إلى أنّه المالك للعين ، لأنّ منافعه له ، إذن فزكاته عليه. ونحو هذه
الصحيحة غيرها.
والحكم متسالم
عليه ولا إشكال فيه في الجملة.
وإنّما الكلام
في جهات :
الجهة
الأُولى : هل يصحّ
للمقرض أن يؤدّي الزكاة عن المقترض بتبرّعٍ ونحوه بحيث يسقط الوجوب عنه؟
لا ريب أنّ هذا
على خلاف مقتضى القاعدة الأوّلية الحاكمة بلزوم المباشرة في سقوط الواجبات وحصول
امتثالها ، فإنّ سقوط الواجب بفعل الغير يحتاج إلى الدليل.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إلّا أنّا نخرج
عن مقتضى القاعدة في خصوص المقام بمقتضى صحيحة منصور ابن حازم الصريحة في السقوط
بأداء المقرض عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجلٍ استقرض مالاً فحال عليه
الحول وهو عنده «قال : إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا
يؤدّي أدّى المستقرض» .
ومقتضى إطلاقها
: عدم الحاجة إلى الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه.
وتوضيح الحال
في هذه الجهة يستدعي التكلّم تارةً فيما تقتضيه القاعدة ، وأُخرى بلحاظ الروايات
الخاصّة.
أمّا
القاعدة : فلا ريب أنّ
مقتضاها عدم السقوط عمّن تجب عليه الزكاة ، وهو المقترض بأداء المقرض ، لا لمجرّد
أنّها عبادة لا تسقط إلّا بصدورها عن قصد القربة ممّن خوطب بها ، ولا يجدي التقرّب
من الغير وإن كان هذا الوجه أيضاً لا بأس به بل لما ذكرناه في الأُصول في بحث
التعبّدي والتوصّلي من أنّ إطلاق الخطاب تعبّديّاً كان أو توصّليّاً يستدعي
اعتبار المباشرة وعدم السقوط بفعل الغير ما لم يثبت خلافه من الخارج ، فإنّ توجيه
الخطاب نحو أحدٍ على سبيل الإطلاق مرجعه إلى لزوم صدوره منه سواء أتى به غيره أم
لا ، فلا يجزئ صدور الفعل من غير مَن خوطب به سواء أكان أجنبيّا أو نائباً ، بل
حتى وإن كان وكيلاً إلّا أن يثبت من الخارج عدم اعتبار المباشرة وكفاية التسبيب أو
التوكيل.
وعليه ، فمقتضى
القاعدة في المقام : عدم السقوط عن المقترض المكلّف بالزكاة بأداء المقرض.
وقد يقال : إنّ
مقتضى القاعدة في خصوص المقام ونظائره من الحقوق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المتعلّقة بالأموال هو السقوط ، لأنّها بمثابة الديون ، إذ الفقير الذي
يستحقّ العين الزكويّة في حكم الدائن ، فكما يسقط الدين بالتبرّع فكذا الزكاة
بمناطٍ واحد.
ويندفع
: ببطلان القياس
، لوجود الفرق بين الزكاة والدين من ناحيتين :
إحداهما
: من ناحية
المالك ، فإنّه في الدين شخصٌ معيّن ، وهو الدائن ، فيجري فيه التبرّع بمقتضى
القاعدة ، إذ للمالك إسقاط حقّه ابتداءً بلا عوضٍ بإبراءٍ ونحوه ، فمع العوض الذي
يتسلّمه من المتبرع بطريقٍ أولى ، فيجوز الدفع إليه تفريغاً لذمّة المديون ، فتبرأ
ذمّته بطبيعة الحال.
نعم ، إلزام
الدائن بذلك على خلاف القاعدة ، إذ له أن يقول : لا أتسلّم حقّي إلّا ممّن لي عليه
الحقّ ، وهو المديون بشخصه ، إلّا أنّ بناء العقلاء قائمٌ على عدم الاعتناء
بامتناعه عن الأخذ ، وأنّه ليس له هذا الحقّ ، وأنّ ذمّة المديون تبرأ بدفع
المتبرّع ، نظراً إلى أنّه لا يستحقّ إلّا طبيعيّ المال المنطبق على ما يدفعه
المتبرّع ، فجواز التبرّع المستتبع لبراءة الذمّة ثابتٌ في الدين مقدارٌ منه
بمقتضى القاعدة ، ومقدارٌ ببناء العقلاء حسبما عرفت.
وليس كذلك في الزكاة
، إذ المالك هنا كلّي الفقير لا شخص معيّن ، ولذلك ليس لأحدٍ من الفقراء إبراء مَن
عليه الزكاة وإسقاط الحقّ عنه ، لعدم كونه مالكاً كي يسوغ له ذلك ، فلأجله لا أثر
للتبرّع من الفقير في حصول البراءة لمن اشتغلت ذمّته بالزكاة.
الثانية
: من ناحية
المملوك ، فإنّه في الدين كلّي في الذمّة ، قابلٌ للانطباق على كلّ ما كان مصداقاً
له ولو كان صادراً من المتبرّع ، وهذا بخلاف الزكاة فإنّها متعلّقة بالعين
الزكويّة ، على الخلاف في كيفية التعلّق من كونها بنحو الإشاعة أو الكلّي في
المعيّن أو الشركة في الماليّة ، وعلى أيّ حال فمتعلق الحقّ هي تلك العين
الخارجيّة ، فلا بدّ وأن يدفع النصاب منها.
.................................................................................................
______________________________________________________
نعم ، قام الدليل الخارجي على أنّ من عليه الزكاة يجوز له دفع مقدار النصاب
من ماله الآخر ولا يلزمه الدفع من نفس العين ، ولم يقم مثل هذا الدليل بالنسبة إلى
شخصٍ آخر ليسوغ التبرّع منه بماله حتى ولو كان ماله من الأعيان الزكويّة ،
فالاجتزاء بدفعه بدلاً عمّا تعلّقت به الزكاة على خلاف مقتضى القاعدة.
فاتّضح أنّه لا
وجه لإلحاق الزكاة بالدين في صحّة التبرّع بعد وجود الفرق بينهما من هاتين
الناحيتين.
فالأوجه ما
عرفت من أنّ مقتضى القاعدة : عدم السقوط بفعل الغير ، من غير فرقٍ بين الزكاة
وغيرها من سائر الواجبات.
وأمّا بحسب
الروايات : فقد عرفت أنّ صحيحة منصور بن حازم صريحة في السقوط بفعل المقرض ، وأنّ
تعلّق الزكاة على المستقرض منوطٌ بعدم الأداء من المقرض ، ومن المعلوم أنّ المال
الواحد لا يزكّى في العام الواحد مرّتين ، فبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة الأوّلية.
كما وعرفت
أيضاً : أنّ مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الحاجة إلى الاستئذان ، بل يكفي ولو مع جهل
المقترض أو غفلته ، بل حتى مع منعه وعدم رضاه ، كلّ ذلك لإطلاق النصّ.
فما عن الشهيد
في الدروس والبيان من اعتبار الاستئذان .
غير ظاهر الوجه
، عدا احتمال دخله في صحّة الاستناد إليه كي يسقط التكليف عنه. وهو كما ترى ،
فإطلاق النصّ هو المحكّم وإن كان الاعتبار أحوط.
الجهة
الثانية : هل يختصّ
التبرّع بالمقرض ، أو يصحّ من الأجنبي أيضاً؟
مقتضى الجمود
في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على النصّ هو الأوّل ، ولكن
__________________
ولو شرط في عقد القرض (١) أن يكون زكاته على المقرض : فإن قصد أن يكون خطاب
الزكاة متوجّهاً إليه لم يصحّ ، وإن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ.
______________________________________________________
الأقوى هو الثاني ، نظراً إلى أنّ مقتضى الفهم العرفي عدم خصوصيّة للمقرض ،
إذ لا فرق بينه وبين الأجنبي ، إلّا في أنّه كان مالكاً للعين سابقاً ، ولكن
العلاقة السابقة قد انقطعت فعلاً وتبدّلت بما في ذمّة المقترض ، فهو فعلاً أجنبي
كسائر الناس ، وقد زالت علاقته عن العين بالكلّيّة ، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي
صحّة التبرّع من الكلّ بمناطٍ واحد كما لا يخفى.
(١) الجهة الثالثة : لو شرط المقترض في عقد القرض أن تكون الزكاة على المقرض
، فهل يصحّ ذلك أو لا؟
قسّمه (قدس سره)
على قسمين :
فتارةً
: يشترط أن
يؤدّي عنه.
وأُخرى
: أن يكون
الخطاب متوجّهاً ابتداءً إلى المقرض بدلاً عن المقترض.
أمّا
الأوّل : فهو صحيحٌ كما
ذكره في المتن ، لأنّه شرطٌ لأمرٍ سائغ في نفسه ، فيشمله عموم دليل نفوذ الشرط.
أجل ، ربّما
يتوهّم أنّ الشرط المزبور يستوجب الربا ، للزوم الزيادة ، لأنّها إنّما تجيء من
قبل الشرط ، لا مجرّد الزيادة الخارجيّة من دون شرط ، كما يفصح عنه ما صحّ عنهم (عليهم
السلام) من أنّه إنّما جاء الربا من قبل الشروط .
ولكنّه واضح
الدفع ، ضرورة أنّ الشرط الموجب للزيادة في باب القرض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هو الذي يجلب نفعاً للمقرض كما لو أقرض واشترط على المقترض أن يخيط ثوباً
مثلاً لا ما أوجب ضرراً عليه وكان النفع للمقترض كما في المقام ، فإنّ تأدية
الزكاة المشترط عليها نقصٌ في مال المقرض لا أنّها زيادة كي تستلزم الربا ، مثل ما
لو أصرّ على أحدٍ أن يقرضه لداعٍ من الدواعي فامتنع الآخر من قبول الاقتراض إلّا
بشرط أن يخيط المقرض ثوباً ، فإنّه ليس من الربا في شيء ، لكونه عليه لا له.
وعلى
الجملة : فلا ينبغي
التأمّل في صحّة الشرط المزبور.
نعم ، لا تفرغ
ذمّة المقترض عن الزكاة إلّا بأداء المقرض خارجاً لا بمجرّد الشرط كما هو واضح.
وأمّا
الثاني : فهو إن صحّ
ترتّب عليه فراغ الذمّة عن الزكاة بمجرّد الاشتراط ، سواء أدّى المقرض خارجاً أم
لا كما لا يخفى. ولكنّه لا يصحّ كما ذكره في المتن ، لا لأجل أنّ الشرط حينئذٍ
مخالفٌ للكتاب والسنّة أي إطلاق ما دلّ على أنّ الزكاة على المالك في ماله كما قيل
بل لأنّه شرطٌ لأمرٍ غير مقدور.
وتوضيحه
: أنّ اعتبار
عدم مخالفة الكتاب والسنّة إنّما ورد في ذيل دليل نفوذ الشرط في روايات عديدة ،
التي منها موثّقة إسحاق بن عمّار : «المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم ، إلّا شرطاً
خالف الكتاب والسنّة» فدلّ الصدر على أنّ المؤمن عند شرطه وملاصقٌ به أي يجب
الوفاء به فمورده ما إذا كان الفعل في حدّ نفسه لولا الشرط ممّا يمكن أن يصدر عن
المشروط عليه وأن يفعله وأن لا يفعله ، فيحكم بوجوب صدوره منه مع الشرط إلّا إذا
تعلّق بفعل حرام أو ترك واجبٍ ممّا خالف الكتاب والسنّة ، مثل أن يشترط أن لا
يصلّي صلاة الفجر أو يفطر شهر رمضان أو يشرب الخمر ونحو ذلك.
__________________
[٢٦٢٤] مسألة
١٢ : إذا نذر التصدّق بالعين الزكويّة (١) : فإن كان مطلقاً غير مؤقّت ولا معلّقاً
على شرط لم تجب الزكاة فيها وإن لم تخرج عن ملكه بذلك ، لعدم التمكّن من التصرّف فيها ، سواء تعلّق
بتمام النصاب أو بعضه.
نعم ، لو كان
النذر بعد تعلّق الزكاة وجب إخراجها أوّلاً ثمّ الوفاء بالنذر.
______________________________________________________
وهذا كما ترى
غير منطبق على المقام ، لوضوح أنّ تعلّق الوجوب وتوجيه الخطاب بالزكاة فعلٌ من
أفعال الشارع ، وخارجٌ عن تحت قدرة المشروط عليه واختياره بالكلّيّة ، فلا يمكن
صدوره من هذا الشخص بتاتاً كي يكون موافقاً للكتاب والسنّة مرّةً ومخالفاً أُخرى ،
لأنّ الفعل الاختياري من كلّ أحدٍ ولا سيّما الشارع غير اختياري بالإضافة إلى
الآخرين.
وعليه ، فعدم
نفوذ مثل هذا الشرط ليس لأجل المخالفة للكتاب أو السنّة لخروجه عن المقسم أعني
الفعل الاختياري بل لأجل أنّه شرطٌ لأمرٍ غير مقدور ، فهو مثل ما لو شرط في ضمن
العقد أن لا يرث من أبيه أو أن يرثه الأجنبي ، ونحو ذلك ممّا يوجب قلب الحكم في
مقام التشريع ، فإنّ الإرث أو عدمه كوجوب الزكاة على المقترض فيما نحن فيه حكمٌ
شرعي خارج عن تحت الاختيار ، فلأجله لا يشمله دليل نفوذ الشرط.
(١) تقدّمت
الإشارة إلى هذه المسألة في كلام الماتن عند التكلّم حول الشرط الخامس من شرائط
وجوب الزكاة ، وقد عنونها هنا مستقلا وباحَثَ حولها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تفصيلاً بما يتفرّع عليها من الخصوصيّات.
فذكر (قدس سره)
: أنّ نذر التصدّق بالعين الزكويّة قد يكون مطلقاً أي غير مؤقّت بوقتٍ ولا معلّقاً
على شرط وقد يكون مؤقّتاً أو معلّقاً.
والكلام فعلاً
في القسم الأوّل. وهو على نوعين ، إذ :
تارةً
: يكون النذر
أثناء الحول ، أي قبل تعلّق الزكاة.
وأُخرى
: بعد حلول
الحول وصيرورة الأمر بالزكاة فعليّاً.
أمّا
النوع الأوّل : فقد استوفينا الكلام حوله مستقصًى وبنطاقٍ واسعٍ في المحلّ المشار إليه
آنفاً ، وقلنا : إنّ مجرّد الوجوب التكليفي والحكم الشرعي بالصرف في الصدقة لا
يستوجب العجز عن التصرّف كي يمنع عن تعلّق الزكاة ، فراجع إن شئت ولا نعيد .
وأمّا
النوع الثاني : فلا إشكال فيه فيما إذا تعلّق النذر بما عدا العين الزكويّة ، كما لو
تعلّق الزكاة بالعشر من هذا المال وقد نذر التصدّق بتسعة الأعشار أي ما بقي من
المال لعدم التنافي بين الأمرين كما هو واضح.
وإنّما الكلام
والإشكال فيما إذا تعلّق النذر بما يعمّ العين الزكويّة ، كما لو نذر التصدّق
بتمام هذا المال أو على نحوٍ يشمل بعض النصاب وإن لم يستوعَب كلّه ، فهل ينعقد مثل
هذا النذر؟ وعلى تقدير الانعقاد فهل يصحّ في المجموع أو فيما عدا العين الزكويّة؟
قد يقال بعدم
الانعقاد ، نظراً إلى أنّ المال المنذور مشتركٌ فيه بينه وبين الفقراء ، وليس كلّه
ملكاً له ، فلا سلطنة له على تمام العين ليتمكّن من جعله متعلّقاً للنذر.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نعم ، له
السلطنة على حصّته التي يملكها من هذا المجموع ، إلّا أنّ النذر لم يتعلّق بها حسب
الفرض ، بل تعلّق بالمجموع المؤلّف من ماله ومال غيره ، فما تعلّق به النذر لم يكن
ملكاً له ، وما هو ملكه لم يتعلّق به النذر ، فلا مناص من البطلان.
ويندفع
أوّلاً : أنّا لو
سلّمنا عدم انعقاد النذر في المجموع ولا نسلّمه كما ستعرف فلا مانع من صحّته في
حصّته المملوكة ، فإنّها وإن لم تكن متعلّقاً للنذر بحيالها واستقلالها ، إلّا أنّ
النذر ينحلّ إليها بالارتكاز العقلائي حسبما هو مطّرد في أمثال هذه المقامات من
الالتزامات والمعاملات.
كما لو باع
الصفقة التي تخيّل أنّ كلّها له ، أو آجر داراً مشتركة بينه وبين غيره ولم يُجِز
الشريك ، أو أصدق الزوجة مالاً ثمّ تبيّن أنّ بعضه لغيره ، أو التزم بنذرٍ أو عهدٍ
أو يمينٍ أن يتصدّق أو يهب هذا المجموع فبان أنّ بعضه غير مملوك له ، أو طلّق
زوجته والأجنبيّة بطلاقٍ واحد ، أو زوجتيه وإحداهما حائض ، أو نذر عملين أحدهما
راجح دون الآخر ، وهكذا.
ففي جميع هذه
الموارد تنحلّ تلك المعاملة أو الالتزام بمقتضى الارتكاز الثابت عند العقلاء من
غير حاجةٍ إلى ورود دليلٍ بالخصوص فتكون نافذة في حصّته باطلة في غيرها ، فليكن
المقام من هذا القبيل.
وثانياً
: أنّا نمنع
بطلان النذر في المجموع ، بل الظاهر صحّته في خصوص المقام ، وذلك لما سيجيء
قريباً إن شاء الله من أنّ الزكاة وإن كانت متعلّقة بالعين الزكويّة إمّا بنحو
الإشاعة أو الشركة في الماليّة أو الكلّي في المعيّن حسب اختلاف المسالك والمشارب
إلّا أنّه يمتاز المقام بأنّ لصاحب المال الولاية على التبديل ، ولا يلزمه الأداء
من نفس العين ، بل يجوز له دفع البدل إمّا من النقود وهو القدرة المتيقّن أو ولو
من عين اخرى.
وإن كان مؤقّتاً بما قبل الحول (١) ووفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم
يبق
______________________________________________________
وعليه ، فلا
مزاحمة ولا منافاة بين الحكمين أعني : وجوب الزكاة ووجوب الوفاء بالنذر فيمكنه دفع
الزكاة أوّلاً من نقدٍ أو عينٍ اخرى ليتمكّن من التصرّف في العين المنذورة ثمّ
يتصدّق بها.
وهذا كما لو
نذر التصدّق بمالٍ مأذونٍ في التصرّف فيه أو نذر الولي التصدّق بمال الصبي ، فإنّه
حيث له الولاية على التبديل إمّا لكونه وليّاً أو للإذن الخاصّ من المالك صحّ
النذر وإن كان متعلّقاً بملك الغير ، فيتصدّق ويفي بنذره ويدفع بدله للمالك.
فما ذكره في
المتن من وجوب إخراج الزكاة أوّلاً ثمّ الوفاء بالنذر غير ظاهر ، لعدم التنافي بين
الحكمين كما عرفت ، بل يجب الوفاء بالنذر وإخراج الزكاة ولو من القيمة كما نبّه
عليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة.
فتحصّل
: أنّ في حكم
النذر في هذا الفرض وجوهاً ثلاثة :
الصحّة مطلقاً.
البطلان
مطلقاً.
التفصيل بين
مقدار الزكاة وغيره ، فيبطل في الأوّل دون الثاني.
وقد عرفت أنّ
الصحيح هو الأوّل ، ومع الغضّ عنه فالأخير ، ولا وجه للثاني.
(١) تقدّم
الكلام في القسم الأوّل ، أعني : النذر المطلق.
وأمّا القسم
الثاني وهو المؤقّت بوقتٍ خاصّ فقد يكون الوقت قبل الحول كما لو نذر أن يتصدّق به
في شهر رجب والحول يتحقّق بحلول رمضان ـ
بعد ذلك مقدار النصاب ، وكذلك إذا لم يف به وقلنا بوجوب القضاء بل مطلقاً
لانقطاع الحول بالعصيان .
نعم ، إذا مضى
عليه الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء. وكذا إن كان مؤقّتاً
بما بعد الحول ، فإنّ تعلّق النذر به مانعٌ عن التصرّف فيه.
______________________________________________________
وأُخرى يكون بعده ، كما لو كان الوقت شهر شوّال في المثال.
أمّا
الأوّل : فإن وفى فيه
بالنذر فلا إشكال في سقوط الزكاة ، لانتفاء الموضوع بعد فرض عدم بقاء مقدار النصاب
بعد الوفاء كما هو ظاهر.
وأمّا إذا لم
يف به : فإن قلنا بوجوب القضاء ، كان حكمه حكم النذر المطلق الحاصل أثناء الحول ،
لوحدة المناط ، وحينئذٍ : فإن بنينا كما عليه المشهور أنّه يمنع عن تعلّق الزكاة ،
نظراً إلى أنّ الحكم التكليفي بوجوب التصدّق والعجز التشريعي عن سائر التصرّفات
بمثابة العجز التكويني ، قلنا به هنا أيضاً ، إذ الاعتبار في هذا المناط بمانعيّة
الوجوب الفعلي ، سواء أكان بعنوان الأداء أم القضاء ، وحيث عرفت ثَمّة أنّ الأقوى
عدم المانعيّة فكذا فيما نحن فيه.
وأمّا إذا لم
نقل بوجوب القضاء ، فهل يكون النذر بنفسه حينئذٍ موجباً لانقطاع الحول كما ذكره في
المتن فلا تجب الزكاة إلّا بعد مضيّ الحول من حين العصيان؟
الظاهر عدم
القطع ، حتى بناءً على أنّ العجز التشريعي مانعٌ عن تعلّق الزكاة ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لعدم الدليل عليه بوجه ، ضرورة أنّ الحكم التكليفي لو كان ثابتاً فعلاً
أمكن أن يقال : إنّ العجز التشريعي ملحقٌ بالعجز التكويني عن التصرّف في المنع عن
الزكاة ، وأمّا الحكم التكليفي العارض أثناء الحول الزائد بانعدام الموضوع لكونه
مؤقّتاً بوقتٍ قد مضى وسقط التكلف فقاطعيّته للحول ومانعيّته عن تعلّق الزكاة لدى
استجماع الشرائط مشكلة جدّاً ، لعرائها عن أيّ دليل ، فلو كان له مالٌ وجب صرفه
أثناء الحول ساعة أو ساعتين في أداء الدين للمطالبة أو لنفقة واجبة ، فعصى ولم
يصرف ، فالحكم بالقاطعيّة بمجرّد ذلك في غاية الإشكال كما لا يخفى.
هذا ، وأمّا ما
في المتن من قوله (قدس سره) : بل مطلقاً لانقطاع الحول بالعصيان فلا تخلو العبارة
عن قصورٍ ومسامحة كما أُشير إليه في التعليقة ، ضرورة أنّ العصيان لا يوجب انقطاع الحول جزماً ، فلو
كان هناك قاطع فإنّما هو نفس الوجوب التكليفي الناشئ من قبل النذر ، وقد عرفت أنّ
قطعه لا يخلو عن الإشكال في الفرض المزبور ، لانتفاء الوجوب فعلاً وزواله حسبما
بيّناه.
وأمّا
الثاني أعني : ما إذا
كان الوقت بعد الحول ـ : فحكمه حكم النذر المطلق في المنع عن تعلّق الزكاة على
القول به ، فإنّ زمان الواجب وإن كان متأخّراً إلّا أنّ العبرة في هذا المنع بنفس
الوجوب الحاصل من حين تعلّق النذر الذي كان قبل حلول الحول ، لوجوب حفظه مقدّمةً
لصرفه في ظرفه ، فتعلّق النذر مانعٌ عن التصرّف فيه ، فبناءً على أنّ هذا المنع
التشريعي بمثابة العجز التكويني في المانعيّة عن تعلّق الزكاة كما تقدّم في النذر
المطلق ، لم تجب الزكاة في المقام أيضاً ، لوحدة المناط ، لكن المبنى غير تامّ كما
مرّ غير مرّة.
__________________
وأمّا إن كان
معلّقاً على شرط (١) : فإن حصل المعلّق عليه قبل تمام الحول لم تجب ، وإن حصل بعده
وجبت ، وإن حصل مقارناً لتمام الحول ففيه إشكال ووجوه ، ثالثها : التخيير بين
تقديم أيّهما شاء ، ورابعها : القرعة.
______________________________________________________
(١) قد عرفت الحال
في النذر المطلق والمؤقّت.
وأمّا المعلّق
على شرط كما لو نذر التصدّق بهذا المال على تقدير شفاء المريض أو قدوم المسافر
ونحو ذلك فقد يفرض حصول المعلّق عليه قبل تمام الحول ، وأُخرى بعده.
فإن حصل قبل
الحول كان حكمه حكم النذر المطلق ، لما هو المعروف من أنّ الواجب المشروط بعد حصول
الشرط ينقلب إلى الواجب المطلق ، فإنّ التعبير بالانقلاب وإن لم يكن خالياً عن
المسامحة لوضوح أنّ المشروط لا ينقلب عمّا هو عليه أبداً ولكن المراد : أنّ حكمه
بعد حصول الشرط حكم الواجب المطلق ، وهو كذلك ، إذ لا حالة منتظرة لفعليّة الحكم بعد
فرض حصول المعلّق عليه. وعليه ، فإن قلنا بأنّ النذر المطلق مانعٌ عن التصرّف قلنا
به في المقام ، لوحدة المناط ، وإلّا فلا.
وإن حصل بعد
الحول ، فقد حكم في المتن بوجوب الزكاة ، نظراً إلى استجماع شرائط التكليف حين
حلول الحول من غير أيّ مانع آن ذاك ، إذ المانع عن التصرّف إنّما هو الوفاء بالنذر
، ولم يتحقّق ، لعدم تحقّق المعلّق عليه في ظرف تعلّق الزكاة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أقول
: الظاهر عدم
الفرق بين حصول المعلّق عليه قبل الحول أو بعده في المانعيّة عن تعلّق الزكاة ،
فلو بنينا على أنّ الحكم التكليفي أعني : وجوب الصرف في الصدقة يمنع عن تعلّق
الزكاة لم يفرق فيه بين الصورتين.
وذلك لأنّ
المانع على هذا المبنى إنّما هو نفس الوجوب المتحقّق عند انعقاد النذر وإن كان ظرف
الامتثال وزمان الواجب متأخّراً ، لكون الالتزام النذري مرتبطاً ومعلّقاً على قيدٍ
يحصل فيما بعد ، فإنّ الواجب المعلّق هو الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ، ولا فرق
بينهما إلّا في مجرّد العبارة كما هو موضح في محلّه ، فكما أنّ الوجوب فعليٌّ فيما
لو كان القيد هو نفس الزمان المتأخّر مثل ما لو نذر في رجب أن يتصدّق في شهر رمضان
، غايته أنّ زمان الواجب وظرف الوفاء استقبالي فكذا فيما لو كان القيد أمراً
زمانيّاً ، كشفاء المريض أو قدوم المسافر ونحو ذلك.
فلا وجوب لو لم
يتحقّق ذلك الزماني في المستقبل أبداً ، لفرض ارتباط الالتزام النذري به ، ومتى
تحقّق كشف ذلك عن تحقّق الوجوب من الأوّل بمقتضى الشرط المتأخّر كما هو الشأن في
جميع الواجبات التعليقيّة لا عن حدوثه من الآن ، إذ لم يكن نفس النذر معلّقاً عليه؟
كيف؟! وقد تحقّق هو في ظرف الإنشاء وانعقد صحيحاً حسب الفرض ، وإنّما المعلّق هو
المنذور والوفاء بما التزم به ، فزمان حصول القيد هو زمان الوفاء وظرف امتثال
المنذور وأداء الواجب ، أمّا الوجوب نفسه فهو حاصلٌ من ذي قبل ولدي انعقاد النذر
لو كان القيد حاصلاً في ظرفه.
وعليه ، فلا
فرق بين حصول المعلّق عليه قبل الحول أو بعده ، إذ لا عبرة به في المنع ، وإنّما
الاعتبار بنفس الوجوب المتحقّق حين النذر وقبل حلول الحول على التقديرين.
.................................................................................................
______________________________________________________
ولا ينافي ما
ذكرناه جواز التصرّف في منذور التصدّق قبل حصول المعلّق عليه المشكوك تحقّقه من
شفاء المريض ونحوه لأنّ ذلك هو مقتضى الحكم الظاهري المستند إلى أصالة عدم تحقّقه
لدى الشكّ فيه ، كما هو الشأن في كلّ قيدٍ زماني.
وبذلك يفترق عن
الزمان ، كقدوم رمضان ، فإنّه محقّق الوقوع ، فلا مجال لإجراء الأصل فيه ، فلا
يسوغ في مثله التصرّف في المنذور.
بخلاف الزماني
، فإنّه قابل للتشكيك ، ومعه يجري الأصل ويسوغ التصرّف ظاهراً ، ما لم ينكشف
الخلاف ، ومعه ينتقل إلى البدل أو يحكم بحكمٍ آخر.
وممّا قدّمناه
يظهر حكم صورة المقارنة وأنّه لا تجب فيها الزكاة بطريقٍ أولى ، لأنّها إذا لم تجب
لا في فرض تقدّم المعلّق عليه على الحول ولا في فرض تأخّره لعدم الفرق بين
الصورتين في ذلك حسبما عرفت فلا جرم لا تجب في فرض التقارن أيضاً بطبيعة الحال.
ولكن هذا كلّه
على تقدير القول بمانعيّة الحكم التكليفي أعني : وجوب التصرّف في التصدّق المنذور
عن تعلّق الزكاة كما عليه المشهور. وأمّا على المختار من عدم المانعيّة ، فلا موجب
لسقوط الوجوب عن الزكاة إلّا فيما إذا حصل المعلّق عليه قبل تماميّة الحول وصرف
المال في الوفاء بالنذر ، كما علم ذلك ممّا مرّ ، فلاحظ.
ثمّ إنّا لو
بنينا على التفرقة بين الصورتين كما اختاره في المتن فما هو حكم صورة المقارنة؟.
ذكر الماتن (قدس
سره) أنّ فيه وجوهاً أربعة :
وجوب الزكاة.
عدم الوجوب.
.................................................................................................
______________________________________________________
التخيير بين
تقديم أيّهما شاء من الزكاة أو الصدقة.
القرعة.
أمّا الأخير :
فلا مجال لها في المقام بتاتاً ، لا لاحتياج العمل بدليل القرعة إلى الجابر وهو
عمل الأصحاب إذ لا قصور في حجّيّته ليحتاج إلى الجبر ، ولا يلزم من الأخذ بعمومه
تخصيص الأكثر.
لأنّ الشبهات
الحكميّة بأسرها غير داخلة من الأوّل ليحتاج خروجها إلى التخصيص ، نظراً إلى أنّ
موردها خصوص الشبهات الموضوعيّة ، فهي في حدّ ذاتها قاصرة الشمول للشبهات الحكميّة
كما لا يخفى.
وأمّا الشبهات
الموضوعيّة المعلوم حكمها ولو ظاهراً بأصلٍ أو أمارة من استصحابٍ أو بيّنةٍ أو يدٍ
ونحو ذلك فهي أيضاً غير داخلة ، لعدم كونها من المشكل ولا المشتبه ، فلم يبق تحتها
إلّا الشبهات الموضوعيّة غير المعلوم حكمها رأساً ، وهي قليلة جدّاً ، فلا يلزم من
الأخذ بعموم دليل القرعة تخصيص الأكثر بوجه.
بل لأجل أنّ
الشبهة في المقام شبهة حكميّة ، إذ لم يعلم حكم صورة المقارنة في الشريعة المقدّسة
، وقد عرفت آنفاً أنّ مثل ذلك غير مشمول لدليل القرعة في نفسه.
وأمّا التخيير
: فإن أُريد به التخيير الثابت في باب التعارض ، فيرد عليه :
أوّلاً
: إنّ المقام
ليس من باب التعارض في شيء ، لعدم انطباق ضابطه عليه ، فإنّ مناط المعارضة على ما
تقرّر في محلّه التنافي بين الدليلين وتكاذبهما في مقام الجعل ، بحيث
لا يمكن اجتماعهما في الشريعة المقدّسة في أنفسهما ، مع قطع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
النظر عن مرحلة الفعليّة وتحقّق الموضوع خارجاً ، فكان كلٌّ منهما يكذب
الآخر بمدلوله الالتزامي ، كما لو دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته أو
عدم وجوبه ، أو أحدهما على نجاسة شيء كعرق الجنب من الحرام والآخر على طهارته ،
فكان بين الدليلين تناقضٌ أو تضادّ الراجع بالآخرة إلى التناقض إمّا ذاتاً أو
عَرَضاً.
وهذا الضابط
كما ترى غير منطبق على المقام ، إذ لا تنافي بوجهٍ بين ما دلّ على وجوب الزكاة لمن
كان مالكاً للنصاب في تمام الحول وبين دليل وجوب الوفاء بالنذر ، غايته أنّ في
صورة المقارنة بين تماميّة الحول وبين حصول المعلّق عليه النذر لا يتمكّن المكلّف
من الجمع بين صرف المال في الزكاة وفي الصدقة ، نظراً إلى أنّ تقديم كلٍّ منهما
يعدم موضوع الآخر ، لأنّه لو صرفه في الزكاة ينعدم موضوع النذر ، إذ لا يمكن التصدّق
بمال الغير ، ولو صرفه في الصدقة لا موضوع للزكاة ، لزوال النصاب ، فهو غير متمكّن
من صرف هذا المال خارجاً في كلا الموردين ، لا أنّ بينهما تكاذباً في مرحلة الجعل
ليكونا من المتعارضين.
فالمقام يكاد
يلحق بباب التزاحم ، الذي ضابطه تنافي الدليلين في مرحلة الفعليّة دون الجعل
الناشئ من عجز المكلّف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، مثل ما لو لم يتمكّن من
الجمع بين الصلاة وبين إزالة النجاسة عن المسجد لضيق الوقت ، أو كان له ماء ولم
يتمكّن من صرفه إلّا في حفظ النفس عن الهلاك أو الوضوء بحيث لو اختار كلّاً منهما
عجز عن امتثال الآخر.
وعلى
الجملة : فلا مساس
للمقام بباب التعارض أبداً ليرجع فيه إلى التخيير.
وثانياً
: سلّمنا ذلك ،
ولكن التخيير غير ثابت في هذا الباب من أصله ، لضعف مستنده حسبما بيّناه في محلّه ، بل حكم
المتعارضين : الترجيح إن كان ، وإلّا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فالتساقط والرجوع إلى دليلٍ آخر من عمومٍ أو إطلاق إن كان ، وإلّا فإلى
الأصل العملي.
وثالثاً
: إنّ التخيير
على تقدير تسليمه خاصٌّ بالمتعارضين بالتباين ، دون ما كان بالعموم من وجه كما في
المقام ، لكون التعارض حينئذٍ بين إطلاق الدليلين لا بين السندين ، ولذا يجري حتى
في مقطوعي الصدور ، فلو فرضنا أنّا سمعنا من الباقر (عليه السلام) أنّه : أكرم كلّ
عالم. وسمعنا عن الصادق (عليه السلام) أنّه : لا تكرم كلّ فاسق. فلا محالة
يتعارضان في العالم الفاسق ، فلا مناص من التساقط والرجوع إلى دليلٍ آخر إن كان ،
وإلّا فإلى ما تقتضيه الأُصول العمليّة.
هذا كلّه لو
أُريد به التخيير في باب التعارض.
وإن أُريد به
التخيير الثابت في باب التزاحم كما ظهر تقريره ممّا مرّ فله وجهٌ في بادئ الأمر ،
إلّا أنّ التحقيق خلافه ، نظراً إلى التمكّن من الجمع بين التكليفين وامتثال كلا
الأمرين من غير أيّ مزاحمة في البين ، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً ويأتي تفصيله إن
شاء الله تعالى لاحقاً من أنّ الزكاة وإن كانت متعلّقة بالعين إلّا أنّها بنحو
الشركة في الماليّة لا في العين نفسها ، ولذا كانت له الولاية على التبديل ويجوز
له الأداء من مالٍ آخر نقداً أو ولو عيناً على الخلاف.
وعليه ، فالجمع
بين دليلي الزكاة والوفاء بمكانٍ من الإمكان ، فيدفع الزكاة أوّلاً من مالٍ آخر ،
لتخلص العين من الحقّ ، ثمّ يصرفها في الوفاء عن النذر ، كما تقدّم نظيره فيما لو
انعقد النذر بعد حلول الحول ، حيث عرفت لزوم الجمع حينئذٍ بين الزكاة من مالٍ آخر
وبين الصدقة .
وممّا ذكرنا
تعرف أنّ مقتضى القاعدة : الجمع بين الأمرين بدفع الزكاة من
__________________
[٢٦٢٥] مسألة ١٣ : لو استطاع الحجّ بالنصاب (١) : فإن تمّ الحول
قبل سير القافلة والتمكّن من الذهاب وجبت الزكاة أوّلاً ، فإن بقيت
الاستطاعة بعد إخراجها وجب ، وإلّا فلا. وإن كان مضيّ الحول متأخّراً عن سير
القافلة وجب الحجّ وسقط وجوب الزكاة.
______________________________________________________
القيمة وصرف العين في الصدقة ، لعدم التنافي بين الدليلين لا بنحو المعارضة
ولا المزاحمة لتصل النوبة إلى التخيير.
نعم ، بناءً
على المشهور الذي بنى عليه الماتن من أنّ الوجوب التكليفي ولزوم الصرف في الصدقة
مانعٌ عن تعلّق الزكاة لم تجب الزكاة في المقام ، لأنّ تماميّة الحول وحصول
المعلّق عليه وإن كانا متقارنين ، إلّا أنّ وجوب الوفاء بالنذر حاصلٌ بمجرّد
انعقاده ، الذي كان ثابتاً قبل تماميّة الحول حسب الفرض ، ومعه لا مجال لوجوب
الزكاة بوجه ، بل يتعيّن الصرف في الصدقة.
(١) قسّم (قدس
سره) من حصلت له الاستطاعة بملكيّة النصاب على ثلاثة أقسام :
فتارةً
: يكون سير
القافلة والتمكّن من الذهاب قبل تماميّة الحول.
__________________
نعم ، لو عصى
ولم يحجّ وجبت بعد تمام الحول. ولو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة
أوّلاً ، لتعلّقها بالعين ، بخلاف الحجّ.
______________________________________________________
وأُخرى
: عكس ذلك.
وثالثةً
: يتقارنان ،
فيكون زمان سير القافلة وخروج الرفقة متّحداً مع زمان حلول الحول.
أمّا القسم
الأوّل : فيجب فيه الحجّ ، لتحقّق شرطه ، وهو الاستطاعة والتمكّن من الذهاب مع
القافلة ، فقد استقرّ عليه الحجّ بذلك ، ولأجله يجب عليه حفظ الاستطاعة ، فإن
تمكّن من الحجّ ولو متسكّعاً أو بالاستدانة من مال آخر فهو ، وإلّا فلو توقّف على
صرف هذا المال بخصوصه بحيث لو أبقاه حال عليه الحول وتعلّقت به الزكاة الموجب
لزوال الاستطاعة وجب عليه الصرف ولو ببيع الجنس الزكوي وتبديله بغيره ، حذراً عن
تعلّق الزكاة ، فيجب عليه حفظاً للاستطاعة إعدام موضوع الزكاة ، لأنّها إنّما
تتعلّق إذا حال الحول على شخص هذا المال لا ولو على بدله كما لا يخفى.
وعليه ، فلو لم
يعدم الموضوع ، فعصى ولم يحجّ ، وأبقى العين حتى مضى عليها الحول ، وجبت عليه
الزكاة كما ذكره في المتن ، لفعليّة موضوعها وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه أيضاً.
فإن
قلت : ما الفرق بين
المقام وبين ما تقدّم من النذر المؤقّت بما قبل الحول إذا لم يف به ولم نقل بوجوب
القضاء ، حيث حكم الماتن هناك بانقطاع الحول وعدم وجوب الزكاة ، ولم يحكم به
في المقام ، فإذا لم يكن وجوب الحجّ مانعاً عن تعلّق الزكاة فكيف صار وجوب الوفاء
بالنذر حتى بعد زواله مانعاً عنها؟
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قلت
: الفرق واضح ،
فإنّ منذور التصدّق كان ممنوعاً عن التصرّف فيه مطلقاً ، ولأجله تسقط الزكاة عنه ،
بناءً على أنّ ممنوعيّة التصرّف شرعاً مانعةٌ عن تعلّق الزكاة وإن كان ذلك على
خلاف التحقيق كما مرّ.
وأمّا في
المقام ، فلا منع عن التصرّف في العين بوجه ، ما عدا التصرّف المزيل للاستطاعة من
هبةٍ ونحوها ، وإلّا فلا مانع من البيع أو الإجارة أو المصالحة ونحوها من أنواع
التصرّفات والتقلّبات المتعلّقة بالعين ، ممّا يتضمّن المحافظة على أصل الماليّة
وإن تبدّلت الشخصيّة ، رعايةً لبقاء الاستطاعة وعدم زوالها.
وممّا لا
يعتريه الشكّ أنّ من يرى مانعيّة المنع من التصرّف عن تعلّق الزكاة يريد به المنع
منه بقولٍ مطلق لا عن خصوص تصرّفٍ واحدٍ كما في المقام ، كيف؟! وكثيرٌ من الأعيان
الزكويّة قد لا يخلو عن مثل هذا المنع الناشئ من نذرٍ أو شرطٍ في ضمن عقد ، ونحو
ذلك من سائر التعهّدات أو العوارض الطارئة المانعة عن التصرّف في جهة خاصّة ، ولا
يكاد يكون مثله مانعاً عن تعلّق الزكاة عند أحد.
هذا ، مضافاً
إلى الفرق من ناحيةٍ أُخرى ، وهي أنّ منذور التصدّق ربّما يقال بأنّه متعلّق للحقّ
إمّا لحقّ الفقراء أو لحقّ الله سبحانه ، فيوجب ذلك قصوراً في الملك ، كما في حقّ
الرهانة المانع عن تعلّق الزكاة ، وهذا بخلاف الحجّ ، فإنّه تكليفٌ محض ولا يستتبع
الحقّ بوجه ، فلا مقتضي لمانعيّته عن تعلّق الزكاة بتاتاً.
وأمّا القسم
الثاني أعني ما لو تمّ الحول قبل مسير القافلة وخروج الرفقة : فقد ذكر الماتن (قدس
سره) أنّه تجب عليه الزكاة أوّلاً ، ثمّ إن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب الحجّ
أيضاً ، وإلّا فلا.
والوجه فيه :
عدم وجوب حفظ المال قبل التمكّن من السفر إلى الحجّ ، ولازمه
.................................................................................................
______________________________________________________
جواز التصرّف فيه وإن زالت به الاستطاعة ، فالمقتضي لوجوب الصرف في الزكاة
موجودٌ من غير مانع ، فلا جرم تتعلّق به الزكاة ، ومعه ينتفي موضوع الحجّ أعني :
الاستطاعة إذ ليس المال بعدئذٍ خالصاً له ، بل مشتركٌ بينه وبين الفقير ، فلم يكن
مالكاً لما يحجّ به كي يجب عليه الحجّ.
وعلى هذا رتّب (قدس
سره) تقديم الزكاة في القسم الثالث وهو صورة المقارنة لفعلية شرط الزكاة أعني :
ملك النصاب في تمام الحول ، فتجب ، بخلاف الحجّ ، لتعلّقه بالمستطيع أي من يكون
مالكاً لما يحجّ به وهذا ليس كذلك ، لأنّه في آن تعلّق الحجّ لم يملك إلّا المال المشترك
بينه وبين الفقير من غير أن تكفي حصّته للحجّ حسب الفرض.
أقول
: لو كان وجوب
الحجّ منوطاً بخروج الرفقة وسير القافلة لكان ما ذكره (قدس سره) جيّداً ، ولكن
الأمر ليس كذلك وإن ذكره جماعةٌ من الأصحاب ، لعدم نهوض أيّ دليل عليه ، ولم ترد
به رواية أبداً ، كما أنّ ما ذكره جماعة أُخرى من إناطة الوجوب بدخول أشهر الحجّ
أي عند ما هلّ هلال شوّال عارٍ أيضاً عن كلّ شاهد.
والذي نطقت به
الآية المباركة المعتضدة بالنصوص المتظافرة تعليق الوجوب على مجرّد
الاستطاعة ، من غير دخالةٍ لخروج الرفقة ولا حلول تلك الأشهر ، فمن حصلت له
الاستطاعة المفسّرة في غير واحدٍ من النصوص بالزاد والراحلة وتخلية السرب في أيّ
زمان كان ولو كان شهر محرّم وجب عليه الحجّ على سبيل الواجب التعليقي ، فيجب عليه
حفظ المال ، ولا يجوز صرفه فيما تزول به الاستطاعة ، كما أنّه لو لم يتمكّن من
المسير إلّا في هذا الزمان بحيث لو أخّر الخروج إلى قدوم أشهر الحجّ لم يتهيّأ له
السير بعدئذٍ لمانعٍ من الموانع
__________________
[٢٦٢٦] مسألة
١٤ : لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرّف فيه بأن كان مدفوناً ولم
يعرف مكانه ، أو غائباً ، أو نحو ذلك ثمّ تمكّن منه ، استحبّ زكاته لسنة ، بل يقوى
استحبابها بمضيّ سنة واحدة أيضاً (١).
______________________________________________________
ولو من أجل أن حكومة الوقت لا تسمح بالخروج عن المنطقة في تلك الآونة وجب
عليه الخروج في هذا الوقت فيما إذا كانت الاستطاعة باقية في تمام المدّة ولم يلزم
العسر والحرج المسقطين للتكليف.
وعلى
الجملة : فالاعتبار في
تعلّق الحجّ بمجرّد الاستطاعة المفسّرة بما عرفت.
وعليه ، فلا
يعقل فرض المقارنة بين حلول الحول الموجب لتعلّق الزكاة وبين حدوث ما يوجب الحجّ
أعني : الاستطاعة بل الثاني مقدّمٌ دائماً ، لسبق الملكيّة على حلول الحول على ما
يملك بالضرورة.
ومنه تعرف عدم
إمكان فرض تقديم حلول الحول ، فوجوب الحجّ مقدّمٌ على وجوب الزكاة في جميع تلك
الأقسام.
نعم ، يمكن فرض
المقارنة فيما لا يعتبر فيه الحول ، كالغلّات ، فلو حصلت الاستطاعة بنفس انعقاد
الحبّة أو الاصفرار أو الاحمرار الذي هو بنفسه زمان تعلّق الزكاة فقد تقارن
الوجوبان وحدثا في زمانٍ واحد ، والواجب حينئذٍ تقديم الزكاة كما ذكره في المتن ،
لأنّ الاستطاعة لا تحصل إلّا بملكه لا بما هو شريكٌ فيه مع غيره ، فتعلّق الزكاة
بالعين وشركة الفقراء فيها تمنع عن حدوث الاستطاعة ، فلا موضوع لها ، بخلاف الزكاة
، فإنّها تتعلّق بالعين من غير إناطة بشيء كما لا يخفى. فالمقارنة إنّما تتصوّر
في هذا النوع من الجنس الزكوي ، دون غيره ممّا يعتبر فيه الحول ، كالنقدين
والأنعام.
(١) يقع الكلام
:
تارةً
: في اختصاص
الحكم بالمدفون والغائب ، فلا زكاة في غيرهما ممّا لم
.................................................................................................
______________________________________________________
يكن متمكّناً من التصرّف فيه لسرقةٍ أو غصبٍ أو جحدٍ ثمّ تجدّدت القدرة لا
وجوباً ولا استحباباً ، أو أنّ الحكم عامٌّ يشمل جميع ذلك.
وأُخرى
: في أنّ
الاستحباب هل يختصّ بما إذا كان زمان العجز عن التصرّف سنتين أو أزيد ، أو أنّه
يعمّ ولو كان سنة واحدة؟
وقد اختار
الماتن (قدس سره) الإطلاق في كلٍّ من الجهتين ، وهو الصحيح ، لعموم المستند.
فإنّ بعض
الروايات وإن كانت قاصرة سنداً وهي ما رواه عبد الله بن بكير عن زرارة ، أو عمّن
رواه ، حسب اختلاف النسخ لمكان احتمال الإرسال المسقط لها عن صلاحيّة الاستدلال
كما تقدّم .
والبعض الآخر
قاصرة الدلالة على العموم ، لاختصاصها بخمس سنين ، وهي صحيحة رفاعة بن موسى : عن
الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمّ يأتيه فلا يرد رأس المال ، كم يزكّيه؟ «قال :
سنة واحدة» .
ولكن العمدة
صحيحة سدير الصيرفي وهي وافية بالمقصود ـ : في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في
موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ
المال فيه مدفونٌ فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي
من جوانبه كلّه فوقع على المال بعينه ، كيف يزكّيه؟ «قال : يزكّيه لسنة واحدة ، لأنّه
كان غائباً عنه وإن كان احتبسه» .
__________________
[٢٦٢٧] مسألة
١٥ : إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكّناً
، فقد استقرّ الوجوب (١) ، فيجب الأداء إذا تمكّن بعد ذلك ، وإلّا فإن كان مقصّراً
يكون ضامناً ، وإلّا فلا.
______________________________________________________
فإنّ التعليل
يعطينا التعميم من كلتا الناحيتين ، وأنّ المناط في التزكية مجرّد الغيبوبة ، التي
لا ريب في صدقها على كلّ مالٍ لم يكن تحت تصرّف صاحبه واستيلائه ، وإن كان لسرقةٍ
أو غصبٍ أو جحد ، ولا يختصّ بالغائب في مقابل الحاضر أي البعيد عنه كما لا يخفى.
كما أنّ هذا
التعليل نفسه يستوجب التعدّي من حيث الزمان أيضاً ، فيشمل حتى ما إذا كان زمان
الغيبة لسنة واحدة ، ولا يختصّ بمورد الصحيحة أعني : ثلاث سنين لأنّ الاعتبار
إنّما هو مجرّد الغياب كما عرفت.
نعم ، ظاهرها
وجوب الزكاة ، إلّا أنّه محمولٌ على الاستحباب ، لا لمجرّد الإجماع على عدم الوجوب
، بل لأجل النصوص المتقدّمة في محلّها ، الناطقة باشتراط الوجوب بالتمكّن من التصرّف وأن يحول
الحول والمال عنده ، الموجبة لحمل هذه الصحيحة على الاستحباب جمعاً ، كما تقدّمت
الإشارة إليه سابقاً ، فلاحظ.
(١) لحصول شرطه
، وهو التمكّن من التصرّف في الحول ، الموجب لفعليّة الوجوب واستقراره ، فلا أثر
بعدئذٍ للعجز الطارئ ، لعدم دخله في تعلّق الوجوب كما هو ظاهر.
وعليه ، فيجب
الأداء لو تمكّن بعد ذلك ، فلو سرق أو غصب بعد مضيّ الحول ثمّ ظفر عليه أدّى
زكاته.
وأمّا لو
استمرّ العجز ، فيبتني الضمان لمقدار الزكاة وعدمه على التفريط في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الحفظ وعدمه ، فيضمن لو فرّط ، وإلّا كما لو انتهى الحول آخر النهار فتحفّظ
عليه إلى أن يجد صباحاً من يؤدّي الزكاة إليه فسرق جوف الليل فلا شيء عليه ، كما
هو الشأن في كافّة الأمانات الشرعيّة من التفصيل في الضمان بين التفريط وعدمه ،
وهذا ممّا لا إشكال فيه.
غير أنّ الزكاة
ويلحقها الوصيّة يمتازان عن سائر الأمانات الشرعيّة باستقرار الضمان لو تلفت العين
الزكويّة أو الموصى بها بمجرّد عدم الصرف في موردهما مع التمكّن وإن لم يكن
التأخير مستلزماً للتفريط ، كما لو أخّر الدفع إلى المستحقّ لكي يجد الأفضل الذي
هو أمر مستحبّ فعرض التلف من غير تقصير ، فإنّه يضمن ، للنصوص الخاصّة الدالّة على
ذلك ، التي يظهر منها إلحاق مثل هذا بالتفريط في خصوص هذين الموردين وأنّ معناه
فيهما أوسع من غيرهما ، وسيجيء التعرّض لذلك في مطاوي المسائل الآتية إن شاء الله
تعالى.
فمنها : صحيحة
محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجلٌ بعث بزكاة ماله
لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها
إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها
فليس عليه ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي» .
وصحيحة زرارة :
عن رجلٍ بعث إليه أخٌ له زكاته ليقسّمها فضاعت «فقال : ليس على الرسول ولا على
المؤدّي ضمان» قلت : فإنّه لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها؟ «قال : لا ،
ولكن إن (إذا) عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» .
__________________
[٢٦٢٨] مسألة
١٦ : الكافر تجب عليه الزكاة (١) ، لكن لا تصحّ منه إذا أدّاها.
______________________________________________________
(١) تبتني هذه
المسألة على الكبرى الكلّيّة ، وهي أنّ الكفّار هل هم مكلّفون بالفروع كما أنّهم
مكلّفون بالأُصول ، أو لا؟
والمعروف
والمشهور بين الفقهاء هو الأوّل ، بل حكي عليه الإجماع ، ويستدلّ له بعموم أدلّة
التكاليف ، وخصوص جملة من الآيات ، مثل قوله تعالى (لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) ، وقوله تعالى (وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ، حيث علّل عذاب المشرك بتركه الصلاة وعدم الإطعام
المفسّر بترك الزكاة ، وكذا الويل في الآية الثانية.
ويندفع بمنع العموم في تلك الأدلّة ، كيف؟! والخطاب في كثيرٍ
من الآيات خاصٌّ بالمؤمنين ، كقوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ
وَآتُوا الزَّكاةَ*) وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) وقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ
كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) فلو كان عمومٌ في بعضها مثل قوله تعالى :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
(وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ) فبإزائها هذه الآيات الخاصّة.
ولا دلالة في
الآيتين المتقدّمتين على تكليف الكفّار بالفروع ، لجواز كون المراد من عدم الكون
من المصلّين ومطعمي المسكين : الإشارة إلى عدم اختيار الإسلام والتكذيب بيوم الدين
كما في ذيل الآية الأُولى ، وكذا يراد من عدم إيتاء الزكاة : تركها بترك الإسلام
والكفر بالآخرة كما في ذيل الآية المباركة ، فلا تدلّ على تعلّق العقاب بترك هذه
الفروع بأنفسها كما لا يخفى.
وممّا يدلّ على
الاختصاص قوله تعالى (الزّانِي لا يَنْكِحُ
إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) .
فإنّ المراد
بالنكاح ليس هو العقد قطعاً لعدم جوازه بين المسلمة والمشرك أو المسلم والمشركة
باتّفاق المسلمين قاطبةً بل المراد نفس الوطء الخارجي ، فتشير الآية المباركة إلى
ما هو المتعارف خارجاً بمقتضى قانون السنخيّة من أنّ الزاني لا يجد من يزني بها
إلّا زانية مثله أو مشركة ، فإنّ الطيور على أمثالها تقع ، والجنس إلى الجنس يميل
، وإلّا فالمؤمنة لا تطاوعه على ذلك أبداً ، وكذا الحال في الزانية ، ثمّ قال
تعالى (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ) ، فخصّ سبحانه حرمة الزنا بالمؤمن دون الكافر.
هذا ، مضافاً
إلى ورود رواية معتبرة عن الكافي تضمّنت : أنّ الكافر يؤمَر أوّلاً
بالإسلام ثمّ بعده بالولاية ، فإذا لم يكن مكلّفاً حال كفره بالولاية التي هي أعظم
الفروع وأهمّها وإنّما يؤمَر بها بعد اختيار الإسلام ، فما ظنّك بسائر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأحكام ؟!
أضف إلى ذلك
كلّه : قيام سيرة المسلمين قاطبةً خَلَفاً عن سلف على عدم مؤاخذة الكفّار حتى
الذمّي منهم بشيءٍ من الأحكام ، فلا يؤمَرون بالصلاة ولا بالصيام ولا بالحجّ ،
كما لا يُنهَون عن شرب الخمر أو القمار أو الإفطار في شهر رمضان ، ولا تجري عليهم
الحدود إلّا فيما دلّ عليه دليلٌ بالخصوص ، مع أنّهم لو كانوا مكلّفين بالفروع
لوجب ذلك ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالحقّ : أنّ
الكفّار غير مكلّفين إلّا بالأُصول ، ولم يوضع عليهم قلم التكليف بالفروع التي
منها الزكاة إلّا بعد اعتناق الإسلام ، فيؤمَرون عندئذٍ بسائر الأحكام ، وأمّا قبل
ذلك فهم يقرّون على أديانهم ومذهبهم.
نعم ، لا يسوغ
لهم الإجهار بالمنكرات في بلد المسلمين كشرب الخمر علناً ونحو ذلك ، ويُردعون عن
ارتكابها ، حفظاً لشعائر الإسلام. وهذا مطلبٌ آخر غير مرتبط بمحل الكلام.
ولم يُنقَل في
تأريخٍ أو روايةٍ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو أحد المعصومين
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
(عليهم السلام) المبسوطة أيديهم جبايةُ الزكوات من الكفّار ومطالبتهم
إيّاها ، ولو كان لبان ونُقِل إلينا بطبيعة الحال ، بل كانوا يقرّون على مذاهبهم
كما يقرّون على سائر أموالهم وإن لم يكن مالاً بنظر الإسلام ، كثمن الخمر والخنزير
، وما يكسبون من الربا والقمار ، وما يرثونه على خلاف قانون الإسلام ممّا يثبت في
أديانهم ، ونحو ذلك ممّا لا يخفى.
وأمّا
الاستدلال على تعلّق الزكاة بهم برواية صفوان وابن أبي نصر ، قالا : ذكرنا له
الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته «فقال : من أسلم طوعاً
تُرِكت أرضه في يده إلى أن قال : وما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي
يرى كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيبر ، وعلى المتقبّلين سوى قبالة
الأرض العُشر ونصف العشر في حصصهم» ، حيث إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وضع على
المتقبّلين من يهود خيبر سوى الخراج العُشر ونصفه الذي هو الزكاة.
فيرده
أوّلاً : أنّ الرواية
ضعيفة السند بعليّ بن أحمد بن أشيم ، فإنّه لم يوثّق ولم يُمدَح .
وثانياً
: أنّه لم يظهر
منها كفر المتقبّل ، ولعلّ القبالة كانت مع من أسلم منهم ، فإنّها مجملة من هذه
الناحية كما لا يخفى.
وثالثاً
: سلّمنا كون
الطرف كافراً ، ولكن مفادها وجوب العشر عليهم بمقتضى الشرط في ضمن العقد الواقع
على قبالة الأرض ، وهو أجنبي عن تعلّق الزكاة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عليهم ابتداءً الذي هو محلّ الكلام ، فلا مساس لها بتكليف الكفّار بالفروع
بوجه.
هذا كلّه ، مع
أنّ في إمكان توجيه الخطاب بوجوب الزكاة نحو الكافر إشكالاً جيّداً جدّاً قد تقدّم
التعرّض لنظيره من صاحب المدارك في مبحث قضاء الصلوات ولعلّه أوّل
من تنبّه إليه.
وملخّصه
: أنّ تكليف
الكافر بالأداء في الوقت ممكنٌ بأن يختار الإسلام فيصلّي أداءً ، وأمّا تكليفه
بالقضاء فمتعذّر ، لعدم التمكّن من امتثاله لا في حال الكفر لعدم صحّته منه بعد
فقد شرط الطهارة وعدم قصد القربة ، مضافاً إلى اشتراط العبادة بالولاية فضلاً عن
الإسلام ولا في حال الإسلام ، لسقوطه عنه عندئذٍ بمقتضى حديث الجبّ ، فالتكليف
غير قابل للامتثال في كلتا الحالتين ، ومعه كيف يصحّ تعلّقه به؟! وعلى ضوء ذلك
يناقش في المقام : بأنّه إن أُريد من تكليف الكافر بالزكاة وجوب أدائها حال الكفر
فهو تكليفٌ بما لا يصحّ ، لما عرفت من اشتراط صحّة العبادة بالولاية فضلاً عن
الإسلام. وإن أُريد بعد الإسلام فهو منافٍ لحديث جبّ الإسلام لما قبله. وهذا
الإشكال حسنٌ لا مدفع عنه.
أجل قد يجاب
عنه :
تارةً
: بأنّه كان
متمكّناً من القضاء باختيار الإسلام في الوقت فيصلي أداءً وإن فاته فقضاءً ، كما
كان متمكّناً من الزكاة بإسلامه قبل أوان تعلّق الزكاة ، وقد فوّت على نفسه هذا
التكليف بسوء الاختيار المستند إلى عدم قبول الإسلام ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومن الواضح أنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه
خطاباً ، فالتكليف وإن كان ساقطاً بمناط امتناع خطاب العاجز إلّا أنّ الملاك
الفعلي الملزم موجود ، وتفويته مستوجب للعقاب بحكومة العقل ، ولأجله لا مانع من
تعلّق الزكاة كالقضاء بالكافر كالمسلم بمناطٍ واحد.
ويندفع
: بأنّ هذا وإن
كان ممكناً ثبوتاً إلّا أنّه عارٍ عن الدليل في مرحلة الإثبات ، إذ لا طريق لنا
إلى استعلام ملاكات الأحكام من غير ناحية الأوامر أنفسها ، والمفروض امتناع تعلّق
الأمر في المقام ، لعدم قبوله للامتثال في حالٍ من الحالات كما عرفت ، ومعه كيف
يستكشف تحقّق المناط والملاك ليكون تفويته المستند إلى سوء الاختيار مستوجباً
للعقاب؟! وهل يمكن دلالة قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ.
الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ولو مع الغضّ عن ذيلها على ثبوت الأمر بالزكاة الذي هو
أمرٌ مستحيل كما عرفت؟!
وأُخرى : بأنّ
دليل التكليف بالزكاة وإن كان قاصر الشمول بالإضافة إلى الكافر كما ذكر ، إلّا أنّ
أدلّة الوضع التي مرجعها إلى شركة الفقراء معه في المال غير قاصر الشمول له ،
لعرائه عن أيّ محذور ، ونتيجته جواز انتزاع المال منه قهراً أو اختياراً.
ويندفع
أيضاً : بما مرّ
مراراً من عدم الإطلاق في هذه الأدلّة ، لعدم كونها في مقام البيان إلّا من ناحية
المقدار بعد الفراغ عن أصل تعلّق الزكاة وأنّها في أيّ مورد ثبتت فمقدارها هكذا ،
وأمّا أنّها في أيّ مورد تثبت وتجب وفي أيّ مورد لا تجب فليست في مقام البيان من
هذه الناحية أبداً ليُتمسّك بإطلاقها ويُدّعى شمولها للكافر.
__________________
نعم ، للإمام (عليه السلام) أو نائبه أخذها منه قهراً (١) ، ولو كان قد
أتلفها فله أخذ عوضها منه.
______________________________________________________
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّه لا دليل على تكليف الكفّار بالزكاة ولا بغيرها من سائر الأحكام
المختصّة بالإسلام وأنّها إنّما تتعلّق بالمسلمين خاصّة.
وأمّا الكفّار
حتى الذمّي منهم فلم يكلّفوا إلّا بالأُصول ، إلّا إذا اشتُرِطت عليهم الزكاة كما
احتملناه في الرواية المتقدّمة الواردة في قبالة خيبر .
نعم ، لا يجوز
للذمّي الإجهار بالمنكرات ونحو ذلك ممّا يخالف شرائط الذمّة ، وهو أجنبي عمّا نحن
بصدده كما هو ظاهر.
(١) قد عرفت
أنّ الأقوى عدم وجوب الزكاة على الكافر ، وأمّا لو بنينا على الوجوب لتكليفه
بالفروع كالأُصول كما عليه المشهور فقد ذكر الماتن تبعاً لجماعة من الأصحاب ، أنّ
للإمام (عليه السلام) أو نائبه أخذها قهراً ، فتبرأ بذلك ذمّة الكافر بطبيعة الحال
، لانتفاء الموضوع.
وقد يناقَش فيه
:
تارةً
: بأنّ الزكاة عبادةٌ
تفتقر إلى قصد التقرّب المتعذّر من الكافر ، فكيف يسوغ أخذها قهراً ممّن لا تصحّ
عبادته؟! والجواب : إنّ تعذّر رعاية العباديّة لا تسوّغ إهمال حقوق الفقراء
وعدم استنقاذها من الممتنع بعد أن كان الحاكم الشرعي وليّاً عليهم في استيفاء
أموالهم ، كما هو الحال في المسلم الممتنع.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وبعبارةٍ اخرى
: إنّ في الزكاة حيثيّتين ، حيثيّة الصدور عبادةً ، وحيثية الوصول إلى المستحقّ ،
فإن أمكن الجمع وإلّا فامتناع الأوّل لا يسوّغ إهمال الثاني ممّن وظيفته التصدّي
لحقوق الفقراء واستنقاذها من أيدي الممتنعين من غير فرق بين الكافر والمسلم.
ونتيجة ذلك براءة ذمّة الممتنع ، لزوال الموضوع بطبيعة الحال.
وأُخرى
: بأنّ الزكاة
تتعلّق بالعين ، على الخلاف في كيفيّة التعلّق من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو
الشركة في الماليّة ، وعلى أيّ تقدير فاختيار التطبيق والتعيين في المدفوع بيد
صاحب المال دون غيره ، فكيف يعيّنه الحاكم الشرعي فيما يأخذه منه قهراً ، وما هو
الدليل على صحّة هذا التعيين الصادر من غير صاحب المال؟
ويندفع
: بإمكان
الاستدلال عليه بأدلّة التقاصّ من الممتنع وفي بعضها أنّه يدعو بالمأثور إذ لا قصور
في شمولها للمقام ، الذي هو في الحقيقة من صغريات ذاك الباب ، فكما أنّ المالك أو
من له الولاية على المال المغصوب كولي الصغير يجوز له الاستنقاذ والتقاصّ ولو من
غير الجنس ممّا يعادله في المالية ، وتعيين الحقّ فيه نافذ وممضى بمقتضى تلك
الأدلّة ، فكذا فيما نحن فيه ، لوحدة المناط كما لا يخفى.
نعم ، تمكن
المناقشة بوجه ثالث ، وهو أنّا ولو سلّمنا تكليف الكفّار بالفروع إلّا أنّ المفروض
سقوط الزكاة بمجرّد اختيار الإسلام ، ولا سيّما إذا كانت العين تالفة ، إذ في
السقوط مع البقاء تأمّل كما ستعرف ، وأمّا مع التلف فلا كلام ولا خلاف في السقوط ،
وعليه فبأيّ موجب يؤخذ الزكاة منه قهراً بعد أن لم تصحّ منه حال الكفر ولم يطلب
منه حال الإسلام؟!
.................................................................................................
______________________________________________________
إذن فتكليفه
بالزكاة لو سُلِّم لا يستدعي المطالبة منه قهراً بوجه ، ولا سيّما بعد ما ورد في
جملة من النصوص من أنّ الكافر ليس عليه شيء غير الجزية ، التي منها
صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم
ومواشيهم شيء سوى الجزية؟ «قال : لا» .
فأخذ الزكاة
منه منافٍ لصراحة هذه النصوص في أنّه لا شيء عليه ما عدا الجزية الشامل نفي الجنس
للزكاة ، بل لعلّها أظهر الأفراد.
على أنّ السيرة
العمليّة خَلَفاً عن سَلَف قائمة على عدم مطالبته بها ، إذ لم يُعهَد لا في عصر
النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا في عهد الخلفاء جباية الزكوات من الكفّار ، ولم
ينقل ذلك في تأريخٍ ولا رواية ، بل كانت الجباية خاصّة بمن يعتنق الإسلام فحسب.
وعلى
الجملة : فأخذ الزكاة
من الكافر منافٍ لمقتضى القاعدة وللنصوص الحاصرة وللسيرة العمليّة حسبما عرفت.
وأشكلُ من ذلك
: أخذُ عوضها منه لو أُتلف والحكم بضمانه لها ، ضرورة أنّ القدر المتيقّن من
السيرة المزبورة وكذا من حديث جبّ الإسلام هو صورة التلف وعدم بقاء العين ، إذ لم
تُعهَد مطالبة الكافر ولا سيّما بعد أن أسلم بزكوات السنين الماضية يقيناً ، فما
ذكره في المتن من الحكم بأخذ العوض منه لو أُتلف مشكلٌ جدّاً.
__________________
[٢٦٢٩] مسألة
١٧ : لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة ، سقطت عنه وإن كانت العين موجودة ،
فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله (١).
______________________________________________________
(١) لا إشكال
كما لا خلاف في السقوط لو أسلم وكانت العين تالفة ، للسيرة القطعيّة القائمة على
ذلك في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) وغيرهما من
المتصدّين للأمر ، إذ لم يُعهَد من أحدٍ منهم مطالبة من أسلم بدفع ما فاته من
الزكوات في حال الكفر ، لا زكاة أموالهم ولا زكاة أبدانهم أي زكاة الفطرة ولم يُنقَل
ذلك ولا في رواية ضعيفة ، بل كانوا يقرّون على ما كانوا عليه آن ذاك ولا يُسألون
عمّا كانوا يفعلون ، وهذا واضح لا سترة عليه ولا شبهة تعتريه.
وأمّا لو أسلم
والعين الزكويّة بعدُ باقية ، فلا إشكال أيضاً في عدم الوجوب لو قلنا بعدم تعلّق
الزكاة حال الكفر ، لعدم تكليف الكفّار بالفروع على ما هو الصحيح كما مرّ إذ على
هذا المبنى لا مقتضي للوجوب ، لأنّ المقتضي هو حولان الحول أو انعقاد الحبّ وصدق
الاسم ونحو ذلك ، والمفروض أنّه كان في حال الكفر المرفوع عنه التكليف آن ذاك ،
ولم يحدث موجبٌ آخر ومقتضٍ جديد لتعلّق الزكاة حسب الفرض ، وهذا ظاهر.
وأمّا لو قلنا
بمقالة المشهور من وجوب الزكاة عليه لتكليفه بالفروع كالأُصول ، فالمشهور والمعروف
سقوط الزكاة عنه أيضاً بعد ما أسلم وإن كانت العين موجودة ، بل ادُّعي عليه
الإجماع في بعض الكلمات.
ويُستَدلّ له
بالنبويّ المشهور : «الإسلام يجبّ ما قبله ويهدم» لكنّه من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أجل ضعف السند غير صالح لأن يُستَند إليه ، لعدم روايته من طرقنا لا في كتب
الحديث ولا في الكتب الاستدلاليّة للفقهاء المتقدّمين كالشيخ ومن سبقه ولحقه ، ما
عدا ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي ، الذي لا يخفى ما في المؤلِّف
والمؤلَّف ، حتى طَعَن فيه من ليس من شأنه الطعن كصاحب الحدائق.
ودعوى الانجبار
موهونة جدّاً ، بل غير قابلة للتصديق ، إذ كيف يُحتَمل استنادُ المشهور إلى روايةٍ
لم يذكروها لا في كتبهم الروائيّة ولا الاستدلاليّة كما سمعت ، على أنّ الانجبار
ممنوعٌ كُبرويّاً كما هو المعلوم من مسلكنا.
ويؤيّد ما
ذكرناه من أنّ الرواية إنّما هي من طرق العامّة لا من طرقنا ما رواه الشيخ بإسناده
عن جعفر بن رزق الله ، قال : قُدِّم إلى المتوكّل رجلٌ نصراني فجر بامرأة مسلمة
وأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله ،
وقال بعضهم : يُضرَب ثلاث حدود ، وقال بعضهم : يُفعَل به كذا وكذا ، فأمر المتوكّل
بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وسؤاله عن ذلك ، فلمّا قدم الكتاب كتب
أبو الحسن (عليه السلام) : «يُضرَب حتى يموت» فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء
العسكر ذلك ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، سله عن هذا ، فإنّه شيءٌ لم ينطق به
كتاب ولم تجئ به السنّة ، فكتب : إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا : لم
تجئ به سنّة ولم ينطق به كتاب ، فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب (عليه
السلام) : «بسم الله الرّحمن الرّحيم (فَلَمّا رَأَوْا
بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ.
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) قال : فأمر به المتوكّل فضُرِب حتى مات .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فإنّها صريحةٌ
في عدم اعتناء الإمام بمضمون حديث الجبّ ، وإنّما هو أمرٌ معروفٌ عند العامّة ومرويٌّ من طرقهم
، ولذا أنكروا عليه (عليه السلام) حكمه ، ولم يثبت عندنا ، والمسألة التي تضمّنتها
هذه الرواية محرّرة في الفقه ، وقد أفتى الأصحاب بعدم سقوط الحدّ عن الزاني ، سواء
أسلم قبل صدور الحكم من الحاكم أم بعده.
إذن فالحديث
المزبور ساقطٌ لا يمكن الاستناد إليه في حكمٍ من الأحكام ، بل المتّبع في كلّ
موردٍ قيامُ الدليل على مضمون الجبّ وسقوط ما وجب باختيار الإسلام من نصّ كما في قضاء
الصلوات أو سيرة كما في الزكوات فإن ثبت وإلّا كان التكليف باقياً لو قلنا بأنّهم
مكلّفون بالفروع كالأُصول.
ثمّ إنّا لو
بنينا على تماميّة الحديث ، فلا شكّ في أنّه ناظرٌ إلى الأحكام المختصّة بالإسلام
، فهي المجبوبة والمحكومة بالسقوط لو حصل مناشئوها حال الكفر ، كفوات الصلوات أو
حولان الحول الحاصل قبل الإسلام ونحو ذلك ، وأمّا الأحكام المشتركة بين جميع
الأديان فضلاً عمّا يعمّ المتديّن ومن لا يعتنق الدين ممّا جرت عليه سيرة العقلاء
كالعقود والإيقاعات والديون والضمانات وما شاكلها فالحديث غير ناظر إلى جبّها جزماً
، فالإشكال عليه بأنّ البناء على عموم حديث الجبّ يستوجب تخصيص الأكثر في غير
محلّه ، ولا ينبغي الالتفات إليه.
ثمّ لا يخفى
أنّ الحديث رواه في مجمع البحرين بمتنٍ آخر ، وهو «الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة
تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب» .
__________________
[٢٦٣٠] مسألة
١٨ : إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة ، وجب عليه إخراجها
(١).
______________________________________________________
وقصور الدلالة
على هذا وكونها أجنبيّة عمّا نحن بصدده واضحٌ لا يخفى ، فإنّها تشير حينئذٍ إلى
مطلبٍ آخر ، وهو الغفران عن ذنب الكفر كما أنّ التوبة توجب العفو عن سائر الذنوب ،
فيكون الإسلام بعد الكفر نظير الارتداد بعد الإسلام ، فكما أنّ الثاني يوجب الحبط
ومحو الأعمال السابقة بمقتضى قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) فكذلك الأوّل يوجب العفو عمّا سبق وجبّ ما وقع.
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّ الأظهر عدم تعلّق الزكاة بالكفّار من أصلها ، لعدم تكليفهم بالفروع.
وعلى تقدير القول بالوجوب ، فلا يسقط بالإسلام لو كانت العين باقية كما نبّه عليه
الأُستاذ في تعليقته الشريفة.
(١) فإنّ
الزكاة حقٌّ ثابتٌ في العين على الخلاف في كيفية التعلّق ، ولا يكاد يسقط بالبيع ،
بل العين الزكويّة مشتركةٌ بين المالك والفقير ، فلا ينفذ البيع إلّا في حصّته ،
ويكون فضوليّاً في حصّة الفقير ، فلا محيص من إخراجها ودفعها إليه.
نعم ، في باب
الخمس لا يجب إخراجه لو انتقل ما فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكافر ونحوه ،
لنصوص التحليل وأنّهم (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم ذلك ، وأمّا في
باب الزكاة فلم يرد مثل تلك النصوص ، فلا جرم وجب إخراجها على المشتري.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا كلّه بناءً
على المشهور من وجوب الزكاة على الكافر.
وأمّا بناءً
على ما هو الأظهر من عدم الوجوب كما مرّ فلا مقتضي للإخراج ، لأنّه انتقل إلى المشتري
مالٌ سليمٌ عن الزكاة عند البائع ، ولم يحدث موجبها عند المشتري حسب الفرض ، فلا
شيء عليه.
فصل
في
الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة
تجب في تسعة
أشياء (١) : الأنعام الثلاثة وهي الإبل والبقر والغنم والنقدين وهما الذهب والفضّة
والغلّات الأربع وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا تجب فيما عدا ذلك على
الأصحّ.
نعم ، يستحبّ
إخراجها من أربعة أنواع أُخر :
______________________________________________________
(١) بلا إشكالٍ
ولا خلاف فيه بين المسلمين ، بل عُدَّ من ضروريّات الدين ، وقد نطقت به جملة وافرة
من النصوص قد ادّعى في الجواهر تواترها .
لكن دعوى
التواتر مشكلة ، لاستدعائها أن يبلغ عدد الرواة في كلّ طبقة حدّا يمتنع عادةً
اشتباههم أو تواطؤهم على الكذب ، وليس في المقام كذلك ، فإنّ الرواة في طبقة
الإمام (عليه السلام) لا يزيدون على أربعة عشر ، على أنّ الطبقة في أوّل السند لا
تشتمل على أكثر من ثلاثة أنفار الشيخ والكليني والصدوق فإنّ كلّها تنتهي إليهم ،
وما بينهما من الطبقات متوسطات ، وهذا المقدار لا ينطبق عليه ضابط التواتر كما لا
يخفى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نعم ، الروايات
مستفيضة ومتظافرة لا أنّها متواترة دلّت على وجوب الزكاة في التسعة دون غيرها.
فمنها : صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سئل عن الزكاة «فقال : الزكاة على
تسعة أشياء : على الذهب والفضّة ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والإبل والبقر
والغنم ، وعفا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عمّا سوى ذلك» .
وصحيحة أبي
بصير والحسن بن شهاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : وضع رسول الله (صلّى
الله عليه وآله) الزكاة على تسعة أشياء وعفا عمّا سوى ذلك : على الذهب والفضّة ،
والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والإبل والبقر والغنم» ، ونحوها
غيرها.
وفي بعضها
كرواية الطيّار بعد الحصر في التسعة والعفو عمّا سواها يسأل الراوي عن الأرز أفيه
الزكاة؟ قال : فزبرني «ثمّ قال : أقول لك : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
عفا عمّا سوى ذلك وتقول : إنّ عندنا حبّا كثيراً أفيه الزكاة؟!» .
وبإزائها طائفة
أُخرى دلّت على ثبوت الزكاة في كلّ ما يكال أو يوزن أو ما أنبتت الأرض إلّا
الفواكه.
كصحيحة محمّد
بن مسلم قال : سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ «قال (عليه السلام) : البرّ والشعير
والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كلّ هذا يزكّى وأشباهه» .
وصحيحة زرارة :
«كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة. وقال : جعل رسول الله (صلّى الله
عليه وآله) الصدقة في كلّ شيء أنبتت الأرض إلّا ما كان في الخضر والبقول وكلّ شيء
يفسد من يومه» .
وصحيحة أبي
بصير : هل في الأرز شيء؟ «فقال : نعم ، ثمّ قال : إنّ المدينة لم تكن يومئذٍ أرض
أُرز ، فيقال فيه ، ولكنّه قد جعل فيه ، وكيف لا يكون فيه وعامّة خراج العراق منه؟!»
.
وصحيحة زرارة
قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : في الذرة شيء؟ «فقال : في الذرة والعدس
والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق
التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» ، وغيرها.
وقد نُقِل عن
ابن الجنيد أنّه أفتى بالوجوب استناداً إليها ، ولكن المشهور حملوها على الاستحباب ، جمعاً بينها
وبين الطائفة الأُولى الحاصرة في التسعة والعافية عمّا عداها.
ولا يخفى أنّ
هذا النوع من الجمع وإن كان مطّرداً في أبواب الفقه ، ولكنّه غير منطبق على المقام
، للتدافع بين مضمون الطائفتين وكونهما من المتناقضين في نظر العرف ، بحيث لا
قرينيّة لإحداهما على الأُخرى أبداً ، فإنّا لو جمعنا في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كلامٍ واحد بين قولنا : فيه الزكاة ، و : ليس فيه الزكاة ، أو بين قولنا :
عفا عن الزكاة ، و : أنّه فيه الزكاة ، لكان الصدر منافياً ومضادّاً للذيل بحسب
الفهم العرفي بالضرورة.
ومن هنا أنكر
الاستحباب في الحدائق وأصرّ على الجمع بالحمل على التقيّة .
والإنصاف أنّ
ما ذكره (قدس سره) وجيهٌ كما ذكرناه ، غير أنّ هناك رواية واحدة من أجلها تحكم
بالاستحباب ، وهي صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمّد
إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك ، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنّه «قال : وضع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة
والشعير والتمر والزبيب ، والذهب والفضّة ، والغنم والبقر والإبل ، وعفا رسول الله
(صلّى الله عليه وآله) عمّا سوى ذلك» فقال له القائل : عندنا شيءٌ كثير يكون
أضعاف ذلك «فقال : وما هو؟» فقال له : الأرز «فقال له أبو عبد الله (عليه السلام)
: أقول لك : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا
عمّا سوى ذلك ، وتقول : عندنا أُرز وعندنا ذرة ، وقد كانت الذرة على عهد رسول الله
(صلّى الله عليه وآله)؟!» فوقّع (عليه السلام) : «كذلك هو ، والزكاة على كلّ ما
كيل بالصاع» وكتب عبد الله : وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
انّه سأله عن الحبوب «فقال : وما هي؟» فقال : السمسم والأرز والدخن وكلّ هذا غلّة
كالحنطة والشعير «فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : في الحبوب كلّها زكاة» وروى
أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه «قال : كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى
الحنطة والشعير والتمر والزبيب» قال : فأخبرني جعلت فداك ، هل على هذا الأرز وما
أشبهه من الحبوب الحمّص والعدس زكاة؟ فوقّع (عليه السلام) :
__________________
أحدها
: الحبوب (١)
ممّا يكال أو يوزن ، كالأُرز ، والحمّص ، والماش ، والعدس ، ونحوها.
وكذا الثمار ،
كالتفّاح ، والمشمش ، ونحوهما (٢) ، دون الخضر والبقول ، كالقَتّ والباذنجان ،
والخيار ، والبطّيخ ، ونحوها.
______________________________________________________
«صدِّقوا الزكاة في كلّ شيء كيل» .
فإنّ تصديق
الإمام (عليه السلام) لتلك الروايات المتعارضة المرويّة عن الصادق (عليه السلام)
ليس له وجه صحيح عدا إرادة الاستحباب فيما عدا التسع ، وإلّا فلا يمكن في مثله
الحمل على التقيّة بالضرورة ، إذ لا معنى للتقيّة في تصديق الخبرين المتعارضين.
وعلى
الجملة : فالروايات في
أنفسها لولا دليل التصديق متعارضة غير قابلة للحمل على الاستحباب ، لعدم كونه من
الجمع العرفي في مثلها ، إلّا أنّه بعد ملاحظة التصديق الصادر من الإمام (عليه
السلام) الذي تضمّنته هذه الصحيحة يحكم بأنّ المراد الجدّي هو الاستحباب ، وإلّا
لم يكن وجهٌ للتصديق أبداً ، فتدبّر جدّاً.
إذن فما ذهب
إليه المشهور من الحكم بالاستحباب في سائر الحبوب ما عدا الحنطة والشعير ممّا يكال
أو يوزن هو الصحيح.
(١) كما ظهر
وجهه ممّا مرّ آنفاً.
(٢) على
المشهور ، بل بلا خلافٍ أجده كما في الجواهر إلّا من شيخه في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كشف الغطاء ، استناداً إلى صحيحة محمّد بن مسلم : في البستان يكون
فيه الثمار ما لو بيع كان مالاً ، هل فيه الصدقة؟ «قال : لا» .
وفيه ما لا
يخفى ، إذ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة النافية وبين دليل الإثبات لو كان هو الحمل
على الاستحباب ، بأن يكون المراد من النفي نفي الوجوب غير المنافي لثبوت الاستحباب
الذي يراه المشهور ، كما هو مطّرد في كثير من الأبواب.
والصحيح ما
اختاره (قدس سره) من إنكار الاستحباب ، لا لما علّله في الجواهر من إبداء المانع أعني : صحيحة
ابن مسلم لما عرفت ما فيه ، بل لقصور المقتضي ، وعدم ورود دليل يقتضي تعلّق الزكاة
في الثمار كي يحمل على الاستحباب.
أمّا النصوص
المتضمّنة لثبوت الزكاة في الحبوب وما يكال ويقفز ، فقصور شمولها للثمار ظاهر ،
لعدم كونها من الحبوب ولا من المكيل ، إذ لم يتعارَف بيع الثمار بالكيل لا في
القرى ولا البلدان أبداً ، وإنّما هي تباع وزناً أو عدداً أو بالخرص والتخمين
والمشاهدة ، ولم يعهَد بيعها كيلاً.
وأمّا النصوص
المتضمّنة لثبوتها في كلّ شيءٍ أنبتت الأرض فكذلك ، فإنّ هذا العنوان وإن كان
صادقاً على الثمار ولا يصغي إلى ما ادّعاه المحقّق الهمداني (قدس سره) من الانصراف
، إذ لا وجه له كما لا يخفى إلّا أنّ تلك النصوص بأنفسها تضمّنت استثناء
الخضر ، كما في صحيح زرارة : «قال : وجعل رسول الله
__________________
الثاني
: مال التجارة
على الأصحّ (١).
______________________________________________________
(صلّى الله عليه وآله) الصدقة في كلّ شيءٍ أنبتت الأرض ، إلّا ما كان في
الخضر والبقول ، وكلّ شيءٍ يفسد من يومه» .
فإنّ الخضر
شاملٌ للثمار لغةً وعرفاً ، مضافاً إلى تفسيره بها صريحاً في صحيحة أُخرى لزرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) «أنّهما قالا : عفا رسول
الله (صلّى الله عليه وآله) عن الخضر» قلت : وما الخضر؟ «قالا : كلّ شيء لا يكون
له بقاء : البقل والبطّيخ والفواكه وشبه ذلك» إلخ .
إذن لا تشمل
تلك النصوص الفواكه والثمار في حدّ أنفسها ، وعليه فلا دليل على استحباب الزكاة
فيها.
نعم ، لا بأس
بها بعنوان مطلق الصدقة ، فإنّها برٌّ وإحسان ، وهو حسن على كلّ حال ، وأمّا
الاستحباب الشرعي بعنوان الزكاة بالخصوص فغير ثابت كما عرفت.
وممّا ذكرنا
تعرف عدم الاستحباب في الخضر والبقول كما ذكره في المتن.
(١) بل الأصحّ
عدم الاستحباب ، لتعارض النصوص على وجهٍ لا تقبل الجمع ، فقد ورد في جملةٍ منها
ثبوت الزكاة فيما لو أمسك لكي يجد الربح في مقابل من تربّص به ، لأنّه لا يجد من
يشتريه برأس المال.
كصحيحة إسماعيل
بن عبد الخالق ، قال : سأله سعيد الأعرج وأنا أسمع فقال : إنّا نكبس الزيت والسمن
نطلب به التجارة فربّما مكث عندنا السنة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والسنتين ، هل عليه زكاة؟ «قال : إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك
فعليك زكاته ، وإن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة حتى
يصير ذهباً أو فضّة ، فإذا صار ذهباً أو فضّة فزكّه للسنة التي اتّجرت فيها» .
ونحوها صحيحة
محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعاً فكسد
عليه متاعه ، وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع ، متى يزكّيه؟ «فقال : إن كان
أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله
فعليه الزكاة بعد ما أمسكه من بعد رأس المال» .
وبإزائها ما
دلّ على عدم الزكاة وإن قوبل برأس المال أو أكثر ما لم يبعه ويحول الحول على
الثمن.
كصحيحة سليمان
بن خالد : عن رجلٍ كان له مالٌ كثير فاشترى به متاعاً ثمّ وضعه فقال : هذا متاعٌ
موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي وأفضل منه ، هل عليه فيه صدقة وهو متاع؟
«قال : لا ، حتى يبيعه» قال : فهل يؤدّي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعاً؟ «قال
: لا» .
وصحيحة زرارة :
«إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال عثمان :
كلّ مال من ذهب أو فضّة يُدار به ويعمل به ويُتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه
الحول ، فقال أبو ذرّ : أمّا ما يُتّجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة ، إنّما
الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً ، فإذا حال
__________________
الثالث
: الخيل الإناث
، دون الذكور ، ودون البغال والحمير (١)
______________________________________________________
عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذر» .
وهاتان
الطائفتان كما ترى متعارضتان ، لأنّ قوله (عليه السلام) : «فيه الزكاة» وقوله : «ليس
فيه الزكاة» متهافتان في نظر العرف ، وغير قابلين للتصرّف بالحمل على الاستحباب.
وإنّما التزمنا
به أي بالاستحباب فيما تقدّم من الحبوب لدليل التصديق الثابت من الخارج كما مرّ ، ولم يرد مثل
ذلك الدليل في المقام.
إذن تستقرّ
المعارضة هنا ، فإمّا أن يُحمل ما دلّ على الزكاة على التقيّة كما لا يبعد أو
تسقطان ، وعلى التقديرين فلم يثبت الاستحباب الشرعي بعنوان الزكاة.
نعم ، لا بأس
بعنوان مطلق البرّ والتصدّق كما مرّ في الثمار .
(١) بلا خلافٍ
فيه كما تشير إليه صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) جميعاً : «قالا
: وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ
عام دينارين ، وجعل على البرازين ديناراً» .
وصحيحة زرارة :
هل في البغال شيء؟ «فقال : لا» ، فقلت : فكيف صار
__________________
والرقيق (١).
______________________________________________________
على الخيل ولم يصر على البغال؟ «فقال : لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن
، وليس على الخيل الذكور شيء» قال : قلت : فما في الحمير؟ «قال : ليس فيها شيء» .
لوضوح قصور
دلالتهما على الوجوب :
أمّا الاولى :
فلأنّ إسناد الوضع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يوعز إلى عدم ثبوته في أصل
الشرع ، وإلّا لأسنده إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) كما في بقيّة الأعيان
الزكويّة ، فلعلّ ذلك منه (عليه السلام) كان لمصلحةٍ وقتيّة وسياسة اقتضتها آن
ذاك.
وأمّا الثانية
: فلأنّ غايتها الدلالة على التفرقة بين إناث الخيل وذكورها بالانتاج ، وهو كما
يصلح فارقاً للوجوب يصلح فارقاً للاستحباب أيضاً.
ولو سُلّم
دلالتهما على الوجوب فتحملان على الاستحباب ، جمعاً بينهما وبين النصوص المستفيضة
المتقدّمة الحاصرة للزكاة الواجبة في الحيوانات في الأنعام الثلاثة وأنّه (صلّى
الله عليه وآله) عفا عمّا سوى ذلك ، فتدبّر.
(١) فلا زكاة
فيها إلّا إذا اتّجر بها ، كما تضمّنته موثّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
: «قال : ليس على الرقيق زكاة ، إلّا رقيق يبتغي به التجارة ، فإنّه من المال الذي
يزكّى» ، فيستحبّ بذاك العنوان لو قلنا به.
__________________
الرابع
: الأملاك
والعقارات التي يراد منها الاستنماء ، كالبستان ، والخان ، والدكان ونحوها (١).
[٢٦٣١] مسألة ١
: لو تولّد حيوان بين حيوانين ، يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة وعدمها (٢) ،
سواء كانا زكويّين أو غير زكويّين أو مختلفين ، بل
______________________________________________________
وأمّا ما في
صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) : أنّهما
سُئلا عمّا في الرقيق «فقالا : ليس في الرأس شيءٌ أكثر من صاع من تمر إذا حال
عليه الحول ، وليس في ثمنه شيء حتى يحول عليه الحول» .
فيمكن حمله على
الاستحباب ، كما يمكن حمل الصاع على زكاة الفطرة. ويراد من حلول الحول : مضيّ
رمضان وحلول عيد الفطر الذي قد يُعبّر عنه بابتداء سنة جديدة ، وهذا غير بعيد كما
لا يخفى.
(١) هذا وإن
كان معروفاً إلّا أنّه لا دليل عليه كما اعترف به غير واحد ، عدا ما ذكره في
الجواهر من دخولها في مال التجارة ، نظراً إلى أنّ التكسّب والاتّجار كما يكون بنقل العين
كذلك قد يكون باستنمائها مع بقائها.
ولكنّه كما ترى
، لظهور مال التجارة في نفس الأعيان ، فلا يصدق على النماءات بوجه ، ولا سيّما إذا
كان الاستنماء بقصد التعيّش بالنماء لنفسه وعائلته وضيوفه ونحو ذلك.
(٢) فإن أُطلق
عليه اسم الحيوان الزكوي وجبت فيه الزكاة ، وإلّا فلا ، سواء
__________________
سواء كانا محلّلين أو محرّمين أو مختلفين ، مع فرض تحقّق الاسم حقيقةً لا
أن يكون بمجرّد الصورة ، ولا يبعد ذلك ، فإنّ الله قادر على كلّ شيء.
______________________________________________________
وافق في ذلك أبويه أو أحدهما أم خالفهما وسواء تولّد من محلّلين أو محرّمين
أو مختلفين.
وعن المسالك :
إنّ المتولّد من حيوانين محرّمين محرّم الأكل وإن خالفهما في الاسم.
ولكنّه غير ظاهر
، لعدم الدليل على التبعيّة في الأحكام ، إلّا فيما عُدَّ من الأجزاء ولو بنحوٍ من
التوسعة ، كما في البيض الذي ورد فيه أنّه من محلّل الأكل محلّل ومن محرّمه محرّم.
وأمّا المولود
الذي هو موجودٌ مستقلّ ولا يكاد يعدّ بعد الولاة جزءً ممّن تولّد منه بتاتاً فلا
دليل على متابعته لوالديه في الأحكام أبداً ، بل مقتضى القاعدة حينئذٍ : ملاحظة
الاسم كما هو الشأن في جميع الأحكام المتعلّقة بموضوعاتها الدائرة مدار صدق
عناوينها ، سواء طابق من تولّد منه أم خالف.
نعم ، ربّما لا
يقع الفرض خارجاً في المتخالفين إلّا إذا كانا متقاربين في الجنس ، كأن يتولّد من
الفرس والحمار بغل ، أو من الكلب والذئب ما يشبه بعض أجزائه لهذا والبعض الآخر
لذاك ، دون أن يتولّد من الكلب والخنزير شاة مثلاً ، فإنّ مثل هذا الفرض لعلّه لا
وقوع له خارجاً وإن كان الله تعالى قادراً على كلّ شيء.
وكيفما كان ، فلا
نزاع لنا في المصداق والاعتبار على تقدير التحقّق بصدق الاسم في ترتّب الأحكام
بأجمعها من تعلّق الزكاة أو حلّيّة الأكل وغيرهما.
فصل
في
زكاة الأنعام الثلاثة
ويشترط في وجوب
الزكاة فيها مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة أُمور :
الأوّل :
النصاب ، وهو في الإبل اثنا عشر نصاباً (١) :
الأوّل
: الخمس ، وفيها
شاة.
الثاني
: العشر ، وفيها
شاتان.
الثالث
: خمس عشرة ،
وفيها ثلاث شياه.
الرابع
: العشرون ،
وفيها أربع شياه.
الخامس
: خمس وعشرون ،
وفيها خمس شياه.
السادس
: ستّ وعشرون ،
وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.
السابع
: ستّ وثلاثون ،
وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.
______________________________________________________
(١) بلا خلاف ،
بل عليه إجماع المسلمين كما ادّعاه غير واحد ، تشرع من
الثامن
: ستّ وأربعون ،
وفيها حقّة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.
التاسع
: إحدى وستّون ،
وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.
العاشر
: ستّ وسبعون ،
وفيها بنتا لبون.
الحادي
عشر : إحدى وتسعون ،
وفيها حقّتان.
______________________________________________________
الخمس فلا زكاة فيما دونه وفيه شاة ، وفي العشر شاتان ، وهكذا إلى خمس
وعشرين وفيها خمس شياه ، ثمّ ستّ وعشرون وفيها بنت مخاض ، إلى آخر ما ذكره في المتن.
ويدلّ عليه غير
واحد من النصوص ، وجملة منها صحاح ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال
: ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء ، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة ، فإذا
كانت عشراً ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين
ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت
واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر
، فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت
واحدة ففيها حقّة وإنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها إلى ستّين ، فإن
زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى
تسعين ، فإن زادت فحقّتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة
ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونحوها صحيحة
أبي بصير وعبد الرّحمن بن الحجّاج وغيرها.
هذا ، وقد نسب
الخلاف إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد في النصاب السادس وهو الستّ والعشرون بإنكاره
رأساً وإسقاطه ، وإيجاب بنت المخاض في النصاب الخامس ، وهو الخمس والعشرون .
ولكن النسبة
وإن صحّت في ابن أبي عقيل إلّا أنّها غير تامّة بالإضافة إلى ابن الجنيد ، فإنّه
لم ينكر النصاب السادس ، وإنّما خلافه مع المشهور فيما يجب في النصاب الخامس ،
فذكر أنّ الواجب حينئذٍ بنت مخاض إن أمكن وإلّا فابن لبون وإن لم تكن فخمس شياه ،
خلافاً للمشهور حيث ذهبوا إلى وجوب خمس شياه ابتداءً ، فهو مذعن بالنصاب السادس ،
والمنكر لموضوعه هو ابن أبي عقيل خاصّة كما صرّح به العلّامة في المختلف عل ما
حكاه في الحدائق .
وكيفما كان ،
فمستندهما في ذلك أي في إيجاب بنت مخاض في النصاب الخامس صحيحة الفضلاء ، عن أبي
جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) : «قالا في صدقة الإبل : في كلّ
خمس شاة إلى أن تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثمّ ليس فيها
شيء حتى تبلغ خمساً وثلاثين ، فإذا بلغت خمساً وثلاثين ففيها ابنة لبون» إلخ .
وقد أُجيب عنها
:
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تارةً
: بالحذف
والإضمار بتقدير جملة : وزادت واحدة ، بعد قوله : «فإذا بلغت ذلك» وإنّما لم يذكر
في اللفظ للعلم بفهم المخاطب.
وأُخرى
: بالحمل على
ضربٍ من التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة.
وأورد المحقّق
في المعتبر على الثاني بأنّه كيف يُحمَل على التقيّة ما صار إليه جماعةٌ من محقّقي
الأصحاب وما رواه أحمد بن محمّد البزنطي ؟! أقول
: لم يتّضح لنا
المراد من الإيراد ، فإنّ مضمون الصحيحة لم يُنسَب إلّا إلى ابن أبي عقيل وابن
الجنيد كما سمعت ، فكيف يسنده (قدس سره) إلى جماعة من محقّقي الأصحاب؟! على أنّ
رواية البزنطي لها كيف تمنع عن الحمل على التقيّة بعد أن عرفت من موافقتها لمذهب
العامّة كما يفصح عنه ما في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج بعد ذكر النصاب السادس
من قوله : وقال عبد الرّحمن هذا فرق بيننا وبين الناس .
والظاهر أنّه
لا بدّ من الالتزام بالحذف والإسقاط ، لأنّه هب أنّا عالجنا هذه الفقرة بالحمل على
التقيّة ، ولكن ما هو العلاج في بقيّة الفقرات من سائر النصب حيث جعل الحدّ فيها
أيضاً خمساً وثلاثين وخمساً وأربعين وستّين وهكذا؟ مع أنّه يعتبر في جميع هذه
النصب زيادة واحدة باتّفاق الخاصّة والعامّة ، فلا مناص من الالتزام بالسقط في
جميعها ، لسهوٍ من الراوي أو من الكتّاب والنسّاخ.
والذي يكشف عنه
أو يؤيّده : أنّ الصدوق في معاني الأخبار روى نفس هذه الرواية بعين السند والمتن
إلّا أنّه قال على ما في بعض النسخ الصحيحة ـ : «فإذا بلغت خمساً وعشرين فإذا زادت
واحدة ففيها بنت مخاض إلى أن قال : ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فإذا بلغت خمساً وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون» وهكذا زيدت هذه
الجملة في جميع تلك الفقرات ، فلاحظ الوسائل .
وعليه ، فلا
ينبغي التأمّل في ضعف ما نسب إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد.
ثمّ إنّ هناك
خلافاً آخر في النصاب العاشر أعني : ستّاً وسبعين منسوباً إلى الصدوقين ، وهو
أنّهما ذكرا أنّها إذا بلغت إحدى وستّين التي فيها جذعة ليس بعد ذلك فيها شيء إلى
أن تبلغ ثمانين ، فإن زادت واحدة ففيها ثني .
وهذا لم يُعرَف
له مستندٌ عدا الفقه الرضوي ، ولكن في حجّيّته بل في كونه رواية تأمّل ، بل منعٌ
كما مرّ مراراً ، فلا يصلح لمعارضة ما سبق.
نعم ، روى
المحقّق الهمداني مضمونه عن خبر الأعمش المرويّ عن الخصال في حديث شرائع
الدين ، لكن الرواية غير مذكورة لا في الحدائق ولا الجواهر ، وكأنهما غفلا عن
مراجعة الوسائل أو لم يجداها فيه ، كما أنّ صاحب الوسائل أيضاً غفل عن أن يذكرها
في هذا الباب المناسب أعني : تقدير نصب الإبل بل ذكرها في الباب العاشر من أبواب
ما تجب فيه الزكاة ح ١ ، من غير أن يشير هنا إلى ما تقدّم مع أنّ الأولى ذكرها هنا
، ولا أقلّ من الإشارة إلى ما مضى ، وهي مذكورة في الخصال .
وكيفما كان ،
فهي ضعيفة السند كما أشار إليه المحقّق الهمداني (قدس سره) ، لاشتمال طريق الصدوق
إلى الأعمش على عدّة من المجاهيل.
__________________
الثاني
عشر : مائة وإحدى
وعشرون ، وفيها في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ، بمعنى : أنّه يجوز
أن يحسب أربعين أربعين (١) وفي كلٍّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلٍّ منها حقّة ، ويتخيّر
بينهما مع المطابقة لكلٍّ منهما أو مع عدم المطابقة لشيءٍ منهما ، ومع المطابقة
لأحدهما الأحوط مراعاتها ، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفواً ، ففي المائتين يتخيّر
بينهما لتحقّق المطابقة لكلٍّ منهما ، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار الخمسين ،
وفي المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين ، وفي المائتين وستّين يكون الخمسون
أقلّ عفواً ، وفي المائة وأربعين يكون الأربعون أقلّ عفواً.
______________________________________________________
(١) لا ريب
بمقتضى النصوص المتقدّمة في أنّ الواجب في النصاب الأخير وهو ما زاد على المائة
والعشرين في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون. إنّما الكلام في تفسيره ،
وقد فسّره في المتن بالتخيير بين الاحتسابين وجواز لحاظ كلٍّ منهما.
وتفصيل الكلام
في المقام : أنّ هذا النصاب ينقسم على ثلاثة أقسام :
أحدها
: أن يكون
الزائد على المائة والعشرين قابلاً للانقسام على كلٍّ من الخمسين والأربعين ، وهذا
كالمائتين فإنّه يتضمّن أربع خمسينات وخمس أربعينات ، ولا إشكال كما لا خلاف في
جواز الاحتساب بكلٍّ منهما شاء ، فيجوز أن يحسب أربعين أربعين وفي كلٍّ منها بنت
لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلٍّ منها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حقّة ، ومن الواضح عدم وجوب الجمع بأن يحسب تارةً بهذا النحو وتارةً اخرى
بذاك النحو ، ضرورة أنّ المال الواحد لا يزكّى في العام الواحد إلّا مرّة واحدة ،
وهذا واضح لا سترة عليه ، فهو مخيّر بين العدّين فيما إذا كان كلٌّ منهما عادّاً
له.
ثانيها
: أنّ يكون
قابلاً للانقسام على أحدهما دون الآخر ، فيكون العادّ له خصوص الخمسين أو خصوص
الأربعين ، وهذا كالمائة والخمسين المتضمّنة لثلاث خمسينات أو المائة والستّين
المتضمّنة لأربع أربعينات ، وقد ذكر الماتن أنّ الأحوط مراعاة المطابقة لأحدهما ،
فيحسب بما هو عادّ له كي لا يبقى شيء لا يزكّى ، ففي المثال الأوّل يحاسب في كلّ
خمسين خمسين ، وفي الثاني في كلّ أربعين أربعين ، فهو (قدس سره) يرى جواز الاحتساب
بكلٍّ منهما إلّا أنّ مراعاة المطابقة أحوط.
ثالثها
: أن لا يكون
قابلاً للانقسام على شيءٍ منهما ، وهذا كالمائة والسبعين ، حيث إنّه لو قُسِّم
على الخمسين يزيد عشرون ، ولو قُسِّم على الأربعين يزيد عشرة ، وقد ذكره (قدس سره)
أنّ الأحوط هنا مراعاة الأقلّ عفواً ، فيختار الأربعين في المثال الذي عفوه أقلّ
من الآخر ، هكذا ذكره الماتن وصاحب الجواهر وغيرهما.
ولكن غير واحدٍ
من الأعلام ذكروا : أنّ اللّازم في مثل ذلك أي فيما لم ينطبق على شيءٍ منهما
التلفيق ، بأن يلاحَظ مقدارٌ بحساب الخمسين ومقدارٌ آخر بحساب الأربعين ، الذي
لازمه انتفاء موضوع العفو ، لعدم تصور الزيادة حينئذٍ في العقود أي العشرات أبداً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ووجه عدم
الزيادة ظاهر ، لأنّ هذا النصاب أعني : مائة وواحدة وعشرين يتألف من ثلاث أربعينات
، فإن كان الزائد عشرة تضاف على واحد منها فيصير خمسيناً وأربعينين ، وإن كان
عشرين يضاف على اثنين منها فيصير أربعين وخمسينين ، وإن كان ثلاثين يضاف على كلٍّ
منها فيصير ثلاث خمسينات ، وإن كان أربعين فيحاسب بحياله في قبال تلك الثلاثة ،
فلا تُتصوّر زيادة عقدٍ ليُتكلّم في العفو عنه ويراعَى الأقلّ عفواً ، اللهمّ إلّا
الزيادة فيما بين العقود أعني : من الواحد إلى التسعة كما لو كان المجموع ١٦٥
مثلاً ، إلّا أنّ ذلك معفوٌّ قطعاً وعلى أيّ تقدير ، للنصّ الخاصّ الدالّ عليه كما
ستعرف ، وإلّا فلا تكاد تُتصوّر الزيادة في نفس العقود ، فلو كان المجموع ١٧٠
فهو مؤلّف من ثلاث أربعينات وخمسين ، ولو كان ١٣٠ فمؤلّف من خمسين وأربعينين
وهكذا.
وهل تلزم
مراعاة التلفيق أو أنّه مخيّر بين الاحتسابين زاد أم لا؟
الظاهر أنّه لا
بدّ من التلفيق. وعليه لا يمكن فرض الزيادة إلّا فيما بين العقود كما عرفت.
والوجه فيه :
أنّا لو فرضنا أنّ الإبل الموجود مائة وأربعون ، بحيث لو حاسب بحساب الأربعين لزاد
عشرون ، ولو حاسب بحساب الخمسين لزاد أربعون ، أفهل يمكن في مثله المصير إلى
التخيير وإن استلزم زيادة الأربعين مع أنّ هذا الأربعين الزائد بنفسه مصداقٌ لقوله
(عليه السلام) : «في كلّ أربعين ابن لبون»؟ فكيف لا يزكّى هذا العدد مع ذاك العموم؟!
ولا وجه لتخصيص الحساب في هذا المثال بالأربعين ليكون الزائد عشرين ، فإنّه مخالفٌ
لفرض التخيير المدّعى كما لا يخفى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فمن هذا نستكشف
أنّه لا يلزم أن يكون الحساب بأحدهما فقط ، بل هذه كبرى كلّيّة مجعولة كسائر
الأحكام الشرعيّة على سبيل القضايا الحقيقيّة المتعلّقة بالموضوع المقدّر وجوده ،
وأنّ فيما زاد على المائة والعشرين لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون ، أي
كلّ فرد فُرِض في الخارج وكان مصداقاً لذلك فهو محكومٌ بهذا الحكم ، إلّا أن يكون
قد عرضه المُسقِط من ناحيةٍ أُخرى ، كما لو كان العددان كلّيهما عادّين مثل
المائتين ، فإنّه لو حاسب بحساب الخمسين فقد عرض المسقط بهذا العنوان ، فلم يبق
مجال للحساب بملاحظة الأربعين ، لما عرفت من أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين ،
وكذا الحال في العكس.
ونحوه ما لو
كان أحدهما خاصّة عادّاً كالمائة والخمسين مثلاً فإنّه لو حاسب بحساب الخمسين فقد
استوعب وسقط ولم يبق بعدُ مجال لملاحظة الأربعين ، لما عرفت من أنّ المال الواحد
لا يزكّى مرّتين ، وهذا بخلاف ما لو حاسب الأربعين ، لأنّه يزيد حينئذٍ ثلاثون ،
فبأيّ مسوّغ لا يدفع زكاة هذا العدد بعد أن كان يمكنه دفع زكاته بعنوان كلّ خمسين
وكان مشمولاً للإطلاق؟! وفي المائة والستّين بعكس ذلك ، أي يتعيّن الحساب بملاحظة
الأربعين دون الخمسين.
وأمّا إذا لم
يكن مُسقِطٌ في البين ، كما إذا لم يكن شيء من العددين عادّاً كالمائة والسبعين ،
فإنّه لا مناص في مثله من التلفيق ليستوعب كلّ خمسين أو أربعين يمكن فرضه فيها.
وعلى
الجملة : يكفي في إثبات
التلفيق عموم قوله (عليه السلام) : «لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون» ،
فإنّه يدلّنا على أنّ كلّ فَرضٍ فُرِض في الخارج وكان مصداقاً لذلك فهو محكومٌ
بهذا الحكم ، فلو فرضنا أنّ عدد الإبل مائة وثلاثون ، وقد قسّمناها في الخارج
ثلاثة أقسام ، فوضعنا في جانبٍ خمسين ،
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي جانبٍ آخر أربعين ، وفي جانبٍ آخر أيضاً أربعين ، كان هذا التقسيم
مصداقاً لذلك العام ، فيشمله لا محالة ، ولأجله يجب دفع حقّة وبنتي لبون ، ومع هذا
كيف يسوّغ لنا أن ندفع عن كلّ خمسين حقّة ولا ندفع الزكاة عن الثلاثين الباقية ،
إذ بعد أن شملها العموم بذاك العنوان أي بعنوان أربعين وأربعين وخمسين فبأيّ موجب
يحاسب بحساب كلّ خمسين كي لا يدفع زكاة هذه الكمّيّة أعني : الثلاثين؟! فإنّ سقوط
الزكاة يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل هنا ، وإنّما الدليل كان في الفرضين الأوّلين
أعني : ما لو كان كلّ منهما أو أحدهما عادّاً باعتبار أنّ المال الواحد لا يزكّى
مرّتين كما عرفت ، فقد عرض المسقط هناك بعنوانٍ آخر ولا مسقط في المقام.
والحاصل
: أنّ مقتضى
العموم المزبور المجعول على سبيل القضيّة الحقيقيّة : لزوم الدفع عن كلّ خمسين
حقّة وعن كلّ أربعين بنت لبون ، وهذا تختلف مصاديقه وتطبيقاته خارجاً حسب اختلاف
الموارد من حيث كون العددين عادّاً وعدمه.
فقد ينتج
التخيير ، كما لو كانا معاً عادّين كالمائتين ، فيجوز الدفع بأيّ عنوانٍ شاء ، ولا
يبقى بعدُ مجال للدفع بالعنوان الآخر ، بل ربّما يجوز له الجمع بين العنوانين
بالتقسيط ، كما لو كان عدد الإبل أربعمائة ، فإنّه كما يجوز له دفع ثمان حقّق أي
عن كلّ خمسين حقّة أو دفع عشرة بنات لبون أي عن كلّ أربعين بنت لبون كذلك يجوز له
التنصيف بأن يدفع في نصفه عن كلّ خمسين حقّة وفي نصفه الآخر عن كلّ أربعين بنت
لبون ، فيدفع أربع حقق وخمس بنات لبون ، كلّ ذلك للإطلاق.
وقد ينتج لزوم
العدّ بأحدهما خاصّة فيما إذا كان هو عادّاً دون الآخر ، كما في المائة والخمسين
أو المائة والستّين ، فيتعيّن لحاظ الخمسين في الأوّل والأربعين
.................................................................................................
______________________________________________________
في الثاني المستوعب للجميع ، ولا مجال للعكس ، للزوم إلغاء الثلاثين في
الأوّل والعشرة في الثاني من غير موجبٍ يقتضيه ، ولا دليل يدلّ على السقوط.
وقد ينتج
التلفيق أي لزوم العدّ بهما معاً كما إذا لم يكن شيءٌ منهما عادّاً حسبما عرفت ،
وفي جميع التقادير لا تلزم زيادة في نفس العقود أبداً ، فلا موضوع للعفو ليراعى
الأقلّ عفواً.
وممّا يؤكّد ما
ذكرناه واستظهرناه من جواز التلفيق : قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء : «وليس
على النيف شيء ، ولا على الكسور» .
فإنّ الاقتصار
في العفو على التعرّض للنيف وهو ما بين العقود ، أي من الواحد إلى التسع وترك
التعرّض لنفس العقود أقوى شاهد على صحّة التلفيق ، إذ عليه لا موضوع لتصوّر
الزيادة في نفس العقود ليتعرّض للعفو ، وإلّا فعلى القول الآخر لماذا أهملها مع
أنّها أولى بالتعرّض ممّا بينها كما لا يخفى؟!
فإن
قلت : لزوم الاحتساب
بخصوص العدد المستوعب فيما إذا كان أحدهما عادّاً وانتفاء التخيير لا ينطبق على
النصاب الأخير الذي هو مورد الصحيح أعني : مائة وواحداً وعشرين إذ عليه كان اللازم
الاقتصار على ذكر الأربعين فقط ، وإلّا لزم تخصيص المورد المستهجن ، فانطباق
التخيير على المورد يدلّنا على جواز الاحتساب بحساب كلّ خمسين ، المستلزم للعفو عن
العشرين الزائد.
قلت
: لو كان النصاب
الأخير مختصّاً بما ذكر لاتّجه ما أُفيد ، ولكنّه كلّي يشرع من مائة وواحد وعشرين
فما زاد ، وهذا العدد فردٌ من ذاك الكلّي لا أنّه بنفسه مورده المختصّ ، وعليه
فالواجب فيما قبله من سائر النصب شيءٌ مشخّص معيّن كبنت مخاض أو ابن لبون أو جذعة
وهكذا ، وأمّا في هذا النصاب فالواجب
__________________
[٢٦٣٢] مسألة ١
: في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزئ عنها ابن اللبون (١) ، بل لا
يبعد إجزاؤه عنها اختياراً أيضاً ، وإذا لم يكونا معاً عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء.
______________________________________________________
عنوانٌ كلّي وهو أنّ في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين ابن لبون ، وهذا
مطّرد في جميع أفراد الكلّي من هذا النصاب على اختلاف مراحل التطبيق ونتائجها ،
التي هي التخيير فيما كان كلٌّ منهما عادّاً ، وتعيّن عدّها بهما إذا لم يكن شيء
منهما عادّاً ، وتعيّن عدّها بخصوص ما يكون عادّاً من الخمسين أو الأربعين ، وهذا
لا ينافي انطباق مبدأ الشروع على الأربعين ولزوم عدّه به كما هو ظاهر جدّاً.
ولا ينافي ما
ذكرناه الاقتصار على الخمسين في بعض النصوص ، المستلزم لجواز الاحتساب في مائة
وواحد وعشرين عن كلّ خمسين حقّة والعفو عن العشرين الزائد ، وذلك للزوم تقييدها
بالنصوص الأُخر المشتملة على ضمّ الأربعين إلى الخمسين ، والناطقة بأنّ في كلّ
خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون.
وعلى
الجملة : فما ذكرناه
واستظهرناه من الروايات من تفسير «لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون» بما
بيّناه هو الظاهر المتفاهم عرفاً من مثل هذه العبارة ، دون التخيير الذي ذكره
الماتن وصاحب الجواهر وغيرهما كما لا يخفى.
(١) بلا خلافٍ
فيه ولا إشكال كما نطقت به صحيحتا زرارة وأبي بصير المصرّحتان بأنّه : «إن لم يكن
عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وكذا صحيحة
زرارة الأُخرى ، قال (عليه السلام) فيها : «ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده
وكان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه» .
وهذا في الجملة
ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في جهات :
الاولى
: هل الحكم خاصّ
بمن لم تكن عنده بنت مخاض فالبدليّة طوليّة. أو أنّ أحدهما في عرض الآخر فيجزئ
عنها حتى اختياراً ومع كونه واجداً لها؟
المشهور هو
الثاني كما اختاره في المتن ، ولكن ظواهر النصوص المتضمّنة للجملة الشرطيّة وتعليق
ابن اللبون بما إذا لم تكن عنده بنت مخاض هو الأوّل ، ومن هنا صرّح جماعة بعدم
الإجزاء مع الاختيار.
وعلّل في
الجواهر ما اختاره المشهور بعد أن قوّاه ـ :
تارةً
: بقيام علوّ
السنّ مقام الأنوثة.
وفيه : ما لا
يخفى ، فإنّه مجرّد استحسان لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكمٍ شرعي ، ولعلّ في
الأنوثة خصوصيّة لا نعرفها ، فالاكتفاء بغيرها يشبه الاجتهاد في مقابلة النصّ.
وأُخرى
: بأنّ الشرط
المذكور في النصوص يراد به صورة الشرط لا حقيقته ليدلّ على المفهوم ، وإلّا كان
اللازم عدم جواز دفع بنت المخاض فيما إذا لم تكن موجودة عنده حال الوجوب ثمّ حصلت
عنده بعدئذٍ بيومٍ أو يومين مثلاً لأنّ التكليف قد انتقل إلى ابن اللبون آن ذاك
حسب الفرض فكيف يجزئ عنه دفع بنت المخاض؟! مع انّها تجزى بلا إشكال ، بل صرّح في
المدارك بتعيّنها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حينئذٍ وعدم كفاية ابن اللبون .
ويندفع
أوّلاً : بابتنائه على
أن يكون الشرط عدم كونه واجداً لبنت المخاض حالة تعلّق الوجوب خاصّة ، وهو غير
ظاهر ، بل الشرط عدم وجدانه لها في مجموع الوقت إلى زمان الدفع ، وعليه فلا موجب
لرفع اليد عن ظهور القضيّة الشرطيّة في كونها شرطاً حقيقيّا دالّاً على المفهوم.
وثانياً
: سلّمنا أنّ
الشرط صوري وأنّه لا دلالة له على المفهوم ، بل لنفرض أنّ القضيّة لم تكن على صيغة
الجملة الشرطيّة ، إلّا أنّه لا ريب في أنّها إنّما دلّت على البدليّة في تقديرٍ
خاصّ ، وهو أن لا تكون عنده بنت المخاض ، لا في كلّ تقدير ، لعدم تضمّنها الإطلاق
جزماً ، فغاية ما هناك أنّها لا تدلّ على عدم الإجزاء مع التمكّن ، لفرض أنّها لا
تدلّ على المفهوم ، إلّا أنّه ما هو الدليل على الإجزاء بعد أن كانت الوظيفة
الأوّلية هي بنت المخاض؟! ولم يثبت إجزاء ابن اللبون بمقتضى تلك النصوص إلّا فيما
إذا لم تكن عنده بنت المخاض ، لا حتى فيما إذا كانت عنده ، فما ذكره جماعة من عدم
الإجزاء مع الاختيار لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط ، لخلوّ ما عليه المشهور عن
مستندٍ صحيحٍ حسبما عرفت.
الثانية
: إذا لم تكن
عنده بنت المخاض ولكن كان متمكّناً من شرائها ، لم يجب وجاز دفع ابن اللبون الذي
هو عنده لأنّ الشرط المذكور في تلك النصوص هو أن لا تكون عنده بنت المخاض ، لا أن
لا يكون متمكّناً من تحصيلها ليجب الشراء من باب المقدّمة ، كما في سائر المقامات
التي علّق الحكم فيها على العجز الغير الصادق مع القدرة على المقدّمة ، إذ الشرط
هنا كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عرفت أن لا تكون عنده ، الظاهر في نفي الفعليّة ، والصادق حتى مع التمكّن
من الشراء.
الثالثة
: لو لم تكن
عنده لا بنت المخاض ولا ابن اللبون ، فهل هو مخيّر في شراء أيّهما شاء ، أو أنّه
يتعيّن شراء بنت المخاض؟
اختار الماتن
وغيره : الأوّل ، نظراً إلى الإطلاق في دليل البدليّة.
واعترض عليه في
الجواهر بأنّ دليل البدليّة على تقدير كون الشرط حقيقيّا لا صوريّاً ناظرٌ إلى فرض
وجود ابن اللبون كما هو المنساق من النصّ ، فلا بدليّة في فرض عدمهما ، بل اللّازم
حينئذٍ وجوب شراء بنت المخاض ، عملاً بإطلاق دليل الإلزام بها .
وأُجيب عنه :
بأنّه بعد شرائه يصدق أنّه واجدٌ له أي لابن لبون وليس واجداً لبنت مخاض ، فيندرج
حينئذٍ في النصّ ويشمله دليل البدليّة.
وردّه في
الجواهر بأنّ الكلام في أنّ الواجب عليه قبل شرائه ماذا ، فإذا كان الواجب عليه آن
ذاك شراء بنت المخاض لقصور دليل البدليّة كما سمعت فبأيّ مسوّغ يجوز له تركه وشراء
ابن اللبون ليدّعى البدلية حينئذ ؟! أقول
: الظاهر صحّة
ما أفاده في المتن من التخيير ، عملاً بالإطلاق في دليل البدليّة. ولا يُصغى إلى
ما ذكره في الجواهر من اختصاصه بصورة وجود ابن اللبون ، إذ لا موجب للاختصاص بعد
إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحتي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
زرارة وأبي بصير : «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» ، فإنّه يعمّ
صورتي وجود ابن اللبون وعدمه.
نعم ، صحيحة
أُخرى لزرارة مقيّدة بالوجود ، قال (عليه السلام) فيها : «... ومن وجبت عليه ابنة
مخاض ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون» .
إلّا أنّ من
الواضح أنّها ناظرة إلى مقام الامتثال والدفع والأداء خارجاً ، بقرينة قوله (عليه
السلام) : «فإنّه يقبل منه» ، ولا شكّ في لزوم فرض الوجود حينئذ ، وإلّا فأيّ شيء
يقبل منه ، فالقيد مسوق لبيان تحقّق الموضوع ، ومثله لا مفهوم له أبداً ، فلا يدلّ
بوجه على اختصاص البدليّة بما إذا كان واجداً لابن اللبون من الأوّل ، بل يعمّ ما
لو شراه في مقام الأداء بعد أن كان فاقداً له سابقاً.
فتلحق هذه
الصحيحة بالصحيحتين المتقدّمتين في الدلالة على الإطلاق ، ولا أقلّ من عدم الدلالة
على التقييد.
فظهر أنّ
الأقوى : التخيير في شراء أيّهما شاء كما ذكره في المتن ، ويترتّب عليه أنّه بناءً
على جواز دفع القيمة بدلاً عن العين على ما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى يجوز له دفع
القيمة عن أيّ منهما شاء ، فإنّ التخيير بين العينين يستدعي التخيير بين القيمتين
بعد البناء على جواز التقويم بطبيعة الحال.
__________________
وأمّا في البقر فنصابان :
الأوّل
: ثلاثون (١) ،
وفيها تبيع أو تبيعة ، وهو ما دخل في السنة الثانية.
الثاني
: أربعون ،
وفيها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.
______________________________________________________
(١) لا خلاف
كما لا إشكال في أنّ للبقر نصابين :
أحدهما
: ثلاثون ، فلا
شيء فيما دونه.
والآخر
: أربعون ،
وفيها مسنّة ، أي البقرة التي حدث لها السنّ بالدخول في السنة الثالثة ، لا
بالمعنى الذي ربّما يطلق على الإنسان ، أي كثير العمر.
والمعروف
والمشهور أنّ الواجب في النصاب الأوّل : تبيع أو تبيعة ، وهو الذي أكمل حولاً ودخل
في السنة الثانية ، ويطلق عليه الحولي أيضاً ، بمعنى ما أكمل الحول لا ما هو في
الحول ، وقد فسّره بذلك جماعة من الأصحاب مضافاً إلى تصريح اللغويّين.
واستدلّ له في
الجواهر أيضاً بصحيح ابن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
«التبيع ما دخل في الثانية» ، ولكن هذه العبارة لم تكن جزءاً من الحديث ، بل
الحديث هكذا : «أسنان البقر تبيعها ومسنّها في الذبح سواء» ، وتلك
العبارة زيادة من صاحب الوافي بياناً للحديث كما نبّه عليه معلّق الجواهر.
وكيفما كان ،
فقد عرفت أنّ المشهور هو التخيير بين التبيع والتبيعة ، وعن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جماعة من الأصحاب الاقتصار على التبيع.
ويستدلّ
للمشهور :
تارةً
: بصحيحة
الفضلاء التي رواها المحقّق في المعتبر هكذا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة»
.
ولكنّها مرويّة
في الكافي والتهذيب والوسائل هكذا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي» من غير ضمّ
التبيعة.
إذن لم يبق
وثوق بنقل المحقّق لها بتلك الصورة ، ولعلّ ذلك كان اجتهاداً منه بزعم عدم الفرق ،
لا عثوراً على ما كان عنده من الأُصول أو أنّه سهوٌ من قلمه الشريف ، وإلّا فكيف
يمكن التعويل على ما تفرّد هو (قدس سره) بنقله ، ولم يذكر في شيء من كتب الحديث
ولا غيرها؟!
وأُخرى
: بما في
الجواهر من أنّ التبيعة أكثر نفعاً باعتبار الدرّ والنسل .
وفيه : ما لا
يخفى ، إذ مضافاً إلى أنّ هذا أمرٌ غالبي لا دائمي ، إذ قد يكون التبيع أنفع لمكان
الحرث والضراب أنّه لا دليل على الإجزاء بكلّ ما هو أنفع بحيث يرفع اليد عن ظهور
الدليل في الوجوب التعييني لأجل هذه العلّة ، فتدفع الحنطة مثلاً في مقام تفريغ
الذمّة عن التبيع الواجب فيما لو كانت أنفع منه.
وثالثةً
: بما ذكره في
الجواهر أيضاً من قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء على رواية الكافي والتهذيب
في المرتبة الرابعة أي التسعين ـ : «فإذا بلغت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات» فإنّ هذا التعبير يكشف عن جواز دفع الأُنثى
، لأنّ تبايع جمعٌ لتبيعة كما يشهد له تذكير ثلاث ، ولا يحتمل الفرق بين هذه
المرتبة وبين المراتب السابقة .
ويندفع
: بأنّ الصحيحة
وإن نُقلت في الوسائل كذلك ، إلّا أنّها مرويّة في الحدائق بلفظة : «تبيعات» بدل : «تبايع»
التي هي في غير ذوي العقول جمعٌ للأعمّ من المذكّر والمؤنّث ، فلا تدلّ هذه الهيئة
على أنّ مفردها هل هو تبيع أو تبيعة ، وأمّا الكافي فلم يذكر فيه لا «تبيعات» ولا «تبايع»
، بل اقتصر فيه على قوله : «ثلاث حوليات».
فإن
قلت : كفى في
الدلالة على الأُنوثة تذكير الثلاث ، فإنّ تمييز الأعداد فيما بين الثلاث والعشر
تخالف المميّزات في الذكورة والأُنوثة ، وقد قيل : ذكّر أنّث بعكس ما اشتهرا.
قلت
: يمكن أن يكون
ذلك باعتبار تأنيث الجمع في «تبايع» أو «تبيعات» أو «حوليات» على اختلاف النسخ من
جهة التأويل إلى الجماعة لا باعتبار تأنيث المفرد ، كما وقع نظيره في بعض النصوص ،
كروايتين وردتا في باب الشهادة على الزنا قد عبّر فيهما بأربع شهود مع عدم ثبوته بشهادة أربع
نسوة جزماً ، فكان اللّازم أن يعبّر فيهما بأربعة شهود كما في قوله (عليه السلام)
: «أربعة من الشهداء» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعلى
الجملة : فالتعبير
بالثلاث هنا كالتعبير بالأربع هناك ، إمّا مبني على المسامحة أو السهو في كلام
الراوي أو التأويل إلى الجماعة. وعلى أيّ تقدير فلا يكشف عن التأنيث في مفرد
التمييز.
بل أنّ سياق
الصحيحة يشهد بأنّ المراد إنّما هو التبيع لا التبيعة ، وذلك لأنّ الحكم في
المراتب اللّاحقة ليس حكماً ابتدائياً ، وإنّما هو تطبيقات وتفريعات على الضابط
المذكور في الصدر من أنّ في كلّ ثلاثين تبيع وفي كلّ أربعين مسنّة ، ولأجله تنحصر
أُصول نُصُب البقر في نصابين كما مرّ ، فالستّون والسبعون والثمانون والتسعون والمائة
والعشرون كلّها مصاديق لتلك الكبرى ، لا أنّها تتضمّن حكماً جديداً ، وحيث إنّ
المذكور في الصدر تبيع في الثلاثين ولأجله ذكر تبيعان في الستّين فلا جرم يكون
المراد ثلاثة تبايع ذكور في التسعين.
ومنه تعرف أنّ
ما تضمّنه الصحيح من الاقتصار في المائة والعشرين على الثلاث مسنّات إنّما هو لأجل
كونها إحدى فردي التخيير لا لخصوصيةٍ فيها ، إذ هي كما تتضمّن ثلاث أربعينات
تتضمّن أربع ثلاثينات فيجوز دفع أربع تبيعات أيضاً.
ورابعةً
: بما ورد في
الفقه الرضوي ورواية الأعمش في الخصال من التصريح
بجواز التبيعة.
ولكنّهما
ضعيفان وغير صالحين للاستناد كما مرّ مراراً.
نعم ، روى
المحدّث النوري في المستدرك والعلّامة المجلسي في البحار عن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كتاب عاصم بن حميد الحنّاط رواية تتضمّن التخيير ، والرجل
موثّق وكتابه معتبر ، ومن ثمّ قد يتوهّم الاستناد إليها في الفتيا بمقالة المشهور.
ولكن الذي
يصدّنا عن ذلك عدم إحراز طريق النوري ولا المجلسي إلى الكتاب المزبور ، فإنّ الكتاب
في نفسه وإن كان معتبراً كما عرفت ولكن الشأن في تطبيقه على الذي وصل إليهما ، ومن
الجائز أنّهما وجدا تأليفاً مكتوباً على ظهره أنّه كتاب عاصم بن حميد من غير أن
يكون هو ذاك الكتاب بحسب الواقع ، إذ بعد جهالة الطريق يتطرّق هذا
الاحتمال بطبيعة الحال من غير دافع ، فيكفينا نفس عدم الثبوت لو لم يكن ثابت
العدم.
كما لم يكن
ثابتاً عند الشيخ أيضاً ، إذ هو مع أنّه عنونه في الفهرست وذكر أنّ له
كتاباً وذكر طريقه إلى الرجل نفسه وطريقه إليه صحيح وروى عنه في التهذيب روايات
كثيرة ، لم يرو عن كتابه ولا رواية واحدة ، فيكشف ذلك عن عدم ثبوت الكتاب عنده (قدس
سره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وبالجملة
: فحال هذا
الكتاب حال الأشعثيّات المنقولة إلى النوري من الهند ، الذي لم يعلم كون المنقول
إليه هو ذاك الكتاب المعتبر في نفسه من جهة الشكّ في التطبيق المستند إلى جهالة
الطريق.
وكيفما كان ،
فالتخيير بين التبيع والتبيعة الذي ذكره المشهور لا يمكن إثباته بدليل ، ومناقشة
صاحب الحدائق (قدس سره) في ذلك في محلّها ، فالأحوط بل الأظهر لزوم الاقتصار على
التبيع.
ثمّ إنّك عرفت
أنّ التبيع مفسّر في كلمات الأصحاب وبعض اللغويين بما دخل في الثانية ، فإن تحقّق
ذلك فهو ، وإلّا نظراً إلى معارضته بقول بعضٍ آخر من اللغويين من أنّه ولد البقر
سمّي به لأنّه يتبع امّه في الرعي ، الصادق على ما في الحول أيضاً ، فلم تركن
النفس إلى ما تثق به في معنى اللفظ فيكفينا حينئذٍ في صحّة التفسير المزبور توصيف
التبيع بالحولي في صحيحة الفضلاء.
فإنّ معنى
الحول ليس هو السنة كي يناقَش في اعتبار الخروج عنها والدخول في السنة الأُخرى ،
بل معناه منطبقٌ على السنة ، فإنّه من التحويل والانتقال والدوران ، فلا يطلق
الحول إلّا بعد أن دارت السنة وتحوّلت إلى أُخرى ، فلو كانت الولادة في رأس الحمل
أو أوّل رمضان لا يقال : إنّ له حولاً ، أو : إنّه حولي ، إلّا فيما إذا دارت
السنة ودخل المولود في رمضان القابل ، ومنه إطلاق الحوليّات على قصائد السيّد حيدر
(قدس سره) باعتبار أنّ نظمها وتنسيقها استوعب من الوقت حولاً كاملاً.
على أنّ الحولي
لو كان يطلق على ما في الحول لكان توصيف التبيع به في الصحيح مستدركاً ، فإنّ
المولود منذ ولادته موصوفٌ بأنّه في الحول إلى أن
__________________
وفيما زاد يتخيّر بين عدّ ثلاثين ثلاثين (١) ويعطي تبيعاً أو تبيعة ،
وأربعين أربعين ويعطي مسنّة.
______________________________________________________
تكمل السنة ، فأيّ حاجة إلى هذا التقييد؟! فلا مناص من أن يكون المراد
إكمال الحول بالدخول في السنة الثانية ، احترازاً عمّا لم يكمل ولم يدخل بعدُ فيها
، فالعمدة في التفسير المذكور هي هذه الصحيحة حسبما عرفت.
(١) لا يخفى ما
في العبارة من المسامحة الظاهرة ، فإنّ التخيير وإن أمكن المصير إليه في نُصُب
الإبل وأفتى به جماعة منهم الماتن كما مرّ إلّا أنّه غير محتمل في المقام بعد تنصيص الإمام (عليه
السلام) بالتلفيق في صحيحة الفضلاء عند بلوغ العدد سبعين بدفع تبيع ومسنّة ، فإنّه
كالصريح في لزوم العدّ على وجهٍ يستوعب العدد وإن استلزم التلفيق ، ومعه لا يبقى
عفو إلّا فيما بين العقود كما مرّ في الإبل .
وعليه ، فلا
مجال للتخيير إلّا فيما إذا كان كلٌّ من العددين أعني : الثلاثين والأربعين عادّاً
كالمائة والعشرين المتضمّنة لأربع ثلاثينات وثلاث أربعينات ، فيتخيّر بينهما كما
أنّه يتخيّر في ضعف هذا العدد أعني : في المائتين والأربعين بين ما ذكر وبين
التقسيط بأن يراعي في نصفه الثلاثينات وفي النصف الآخر الأربعينات فيدفع ثلاث
مسنّات وأربع تبيعات.
وأمّا فيما عدا
ذلك أعني : ما إذا كان أحدهما خاصّةً عادّاً كالستين والثمانين والتسعين ، أو لم
يكن شيء منهما كذلك كالسبعين والمائة والمائة والعشرة وهكذا ـ
__________________
وأمّا في الغنم
فخمسة نُصُب (١) :
الأوّل
: أربعون ،
وفيها شاة.
الثاني
: مائة وإحدى
وعشرون ، وفيها شاتان.
الثالث
: مائتان وواحدة
، وفيها ثلاث شياه.
الرابع
: ثلاثمائة
وواحدة ، وفيها أربع شياه.
الخامس
: أربعمائة فما
زاد ، ففي كلّ مائة شاة.
وما بين
النصابين في الجميع عفو ، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.
______________________________________________________
فلا مجال للتخيير ، بل لا بدّ من الاستيعاب بالعدد العادّ أو بالملفّق
منهما ، فيدفع تبيعين ومسنّتين وتباع ثلاثة في الفرض الأوّل ، وتبيعاً ومسنّة
وتبيعين ومسنّة ومسنّتين وتبيعة في الفرض الثاني ، وهكذا. ومعه لا يبقى مورد للعفو
إلّا فيما بين العقود ما عدا الخمسين كما لا يخفى.
(١) المعروف
والمشهور أنّ للغنم خمسة نصب :
أحدها
: أربعون وفيها
شاة ، وليس فيما دونها شيء.
وعن الصدوقين :
أنّ مبدؤها واحد وأربعون ، وليس له مستندٌ عدا الفقه الرضوي غير الصالح
للاستناد.
ثانيها
: مائة وإحدى
وعشرون ، وفيها شاتان.
ثمّ مائتان
وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ثمّ ثلاثمائة
وواحدة ، وفيها أربع شياه.
ثمّ أربعمائة
فما زاد ، ففي كلّ مائة شاة.
وتشهد له صحيحة
الفضلاء الناطقة بعين هذا المضمون.
هذا ، وعن
جماعة من أجلّاء الأصحاب كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى والصدوق وابن أبي عقيل
وسلّار وابني حمزة وإدريس إنكار النصاب الخامس وأنّها إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة
فعلى كلّ مائة شاة.
وتشهد لهم
صحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : ليس فيما دون الأربعين
من الغنم شيء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة
ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاثة من الغنم إلى ثلاثمائة ،
فإذا كثرت الأغنام ففي كل مائة شاة» .
وهذه الصحيحة
معارضة بظاهرها مع الصحيحة السابقة ، لأنّ الواجب في مثل ثلاثمائة وخمسين بل
ثلاثمائة وواحدة أربعة شياه بمقتضى صحيحة الفضلاء ، وثلاث شياه بمقتضى هذه الصحيحة
، لأنّها تتألّف من ثلاث مئات ، والمفروض أنّ في كلّ مائة شاة بعد التجاوز عن
ثلاثمائة.
والأقوى ما
عليه المشهور.
أمّا
أوّلاً : فلإمكان الجمع
الدلالي ، فإنّ الصحيحتين متطابقتان في النُّصُب إلى الثلاثمائة ، وأنّ الواجب إلى
هذا العدد هو ثلاث شياه ، كما أنّهما متطابقتان أيضاً في الأربعمائة فما زاد ،
وأنّه حينئذٍ في كلّ مائة شاة ، وإنّما الاختلاف فيما زاد على الثلاثمائة إلى
الأربعمائة ، فإنّ صحيحة ابن قيس ساكتة عن التعرّض لذلك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إلّا بالظهور الإطلاقي ، فغايته أنّها ظاهرة الدلالة في ثلاث شياه بمقتضى
أنّ في كلّ مائة شاة ، وأمّا صحيحة الفضلاء فهي ناصّة في هذا المورد وصريحة في أنّ
الواجب حينئذٍ شياه أربع ، ولا ريب في تقدّم النصّ على الظاهر.
وبالجملة
: فتلك ساكتة وهذه ظاهرة
واضحة فلا تعارض ، ومن الجائز أن يكون السكوت والإهمال مستنداً إلى التقيّة كما
سنبيّن ، ولأجله قصر (عليه السلام) النظر على نفس المئات وأهمل ما بينها.
وثانياً
: سلّمنا
المعارضة إلّا أنّه لا ينبغي الشكّ في لزوم تقديم صحيحة الفضلاء ، لمخالفتها
للعامّة ، فإنّ جمهورهم قد أفتوا بما يطابق صحيحة ابن قيس ، ما عدا أحمد بن حنبل ،
حيث نُسِبَ إليه موافقة الخاصّة ، إذن يكون الترجيح لتلك الصحيحة بمقتضى أنّ الرشد في
خلافهم ، فتُحمَل صحيحة ابن قيس على التقيّة.
نعم ، يبقى هنا
سؤال الفائدة في تشريع النصاب الخامس وأنّه إذا كان الواجب في أربعمائة ما يجب في
ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟ وهذا بحث آخر سنتعرّض له ، وإلّا
فصحيحة الفضلاء صريحة في تشريع النُّصُب الخمسة ، وهي سليمة عن المعارضة حسبما
عرفت.
ثمّ إنّه لا
ريب في العفو عمّا بين النصابين في جميع النُّصُب ، للتصريح به في كلتا الصحيحتين
، فلاحظ.
ثمّ إنّ ههنا
سؤالاً مشهوراً ، وهو أنّه ما هي الفائدة في جعل النصاب الخامس وهو الأربعمائة
وعدّه نصاباً بحياله مع اتّحاد الفرض بينه وبين النصاب الرابع؟ فإنّه إذا وجب أربع
شياه عند بلوغها ثلاثمائة وواحدة ولم تتغيّر هذه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الفريضة حتى تبلغ خمسمائة فأيّ فائدة تترتّب على جعل الأربعمائة نصاباً
مستقلا؟
وبعبارة أُخرى
: إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟
وينسحب مثل هذا
السؤال في الثلاثمائة وواحدة على القول الآخر أي قول الصدوق المنكر للنصاب الخامس
إذ لا يجب فيها إلّا ما يجب في النصاب الذي قبلها أي المائتين وواحدة وهي ثلاث
شياه ، ولا تتغيّر الفريضة حتى تبلغ الشياه أربعمائة ، فحينئذٍ يتوجّه السؤال على
هذا القول أيضاً عن فائدة جعل الثلاثمائة وواحدة نصاباً مستقلا.
وما أجاب عنه
في الجواهر من التفرقة بالكلّيّة والشخصيّة وإن اتّحدت الفريضة ، وأنّ الواجب في
شخص ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ، وأمّا في الأربعمائة فالواجب كلّي ، وهو أنّ في
كلّ مائة شاة وإن انطبق على الأربع أيضاً في هذا المورد بالخصوص .
غير حاسم
لمادّة الإشكال ، إذ السؤال عن ثمرة التفرقة والفائدة المترتّبة على جعلهما نصابين
مع وحدة الأثر ، وأنّه ما هو الفرق بين ذلك وبين ما لو أهمل الأربعمائة رأساً
وانتقل من الثلاثمائة وواحدة إلى الخمسمائة وأنّ الواجب حينئذٍ على كلّ مائة شاة ،
فما الفائدة في لحاظ الأربعمائة نصاباً بحياله؟ ومن البيّن أنّ التفرقة بالكلّيّة
والشخصيّة لا تجدي في دفع هذا السؤال ولا ينفع في حلّ الإشكال أبداً.
وقد أُجيب عن
الاشكال بجوابين تعرّض لهما المحقّق (قدس سره) في الشرائع :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أحدهما
: أنّ الثمرة
تظهر في محلّ الوجوب من حيث جواز التصرّف وعدمه ، فإنّ الأربعمائة إذا كانت نصاباً
فمحلّ الوجوب هو هذا المجموع ، لأنّ المجموع نصاب ، فلا يجوز التصرّف فيها قبل
إخراج الزكاة ، ولو فرض أنّه نقص منها واحدة فمحلّ الوجوب عندئذٍ هي الثلاثمائة
وواحدة ، لأنّها النصاب وما بينهما عفو يجوز التصرّف فيه ، فلو كانت له ثلاثمائة
وخمسون مثلاً يجوز له التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة أعني : التسعة
والأربعين الباقية وهكذا إلى الثلاثمائة وتسعة وتسعين ، فإذا بلغت أربعمائة فلا
يجوز التصرّف في شيء منها كما عرفت.
هذا إذا كانت
الأربعمائة نصاباً مستقلا ، وإلّا جاز التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة والواحدة
إلى أن تبلغ الخمسمائة إلّا واحدة. فجواز التصرّف في الأربعمائة وعدمه ثمرة بارزة
تترتّب على اعتبارها نصاباً مستقلا وعدمه.
ومنه يظهر
الحال على القول الآخر كما لا يخفى.
وهذه الثمرة
وجيهة ، غير أنّها مبنيّة على القول بعدم جواز التصرّف في العين الزكويّة قبل
الإخراج ، الذي مستندة دعوى الشركة الحقيقيّة بين المالك والفقير في نفس العين ،
وأنّ المال مشتركٌ بينهما بنسبة الزكاة على سبيل الإشاعة ، لوضوح عدم جواز التصرّف
في المال المشاع قبل الإفراز.
ولكنّه خلاف
التحقيق ، بل الشركة كما سيأتي عند التعرّض لكيفيّة تعلّق الزكاة إن شاء الله
تعالى إنّما هي في الماليّة كما هو الأظهر ، ولازمه جواز التصرّف في الكلّ ودفع
الزكاة من جنسٍ آخر.
أو أنّ تعلّق
الزكاة على سبيل الكلّي في المعيّن كما عليه الماتن (قدس سره) ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الذي لازمه جواز التصرّف في النصاب إلى أن يبقى مقدار الكلّي ، نظير ما لو
باع صاعاً من صبرة على نحو الكلّي في المعيّن ، حيث يجوز للبائع التصرّف في تلك
الصبرة إلى أن يبقى منها مقدار الصاع.
فهذه الثمرة
إنّما تتّجه على بعض المباني لا على سبيل الإطلاق.
ثانيهما
: أنّ الثمرة
تظهر في الضمان الذي هو أيضاً متفرّعٌ على محلّ الوجوب فيما لو تلف جزءٌ من
المجموع بعد الحول من غير تفريط ولو لأجل التأخير في الدفع ، فإنّ المجموع إن كان
نصاباً وُزِّع التالف على المالك والفقير بنسبة الزكاة فيسقط بتلك النسبة جزءٌ من
الوجوب ، وإن كان زائداً على النصاب اختصّ التلف بالمالك ، لأنّ النصاب كلّي ولم
يطرأ تلفٌ على هذا الكلّي ، فلو كانت عنده ثلاثمائة وخمسون مثلاً فتلفت منها شاة
واحدة أو اثنتان إلى تسعة وأربعين ، كان من المالك ، لأنّ مورد النصاب ثلاثمائة
وواحدة من هذا المجموع ، وهذا كلّي غير متشخّص في معيّن ، ومعه لم يطرأ التلف على
هذا الكلّي بعد بقاء مقداره في المجموع ، كما لو باع صاعاً من صبرة مشتملة على
صياع عديدة ، فتلف منها صاع ، فإنّه يحسب على البائع ، لعدم عروض التلف على الصاع
الكلّي الذي يملكه المشتري في ضمن هذا المجموع.
وعليه ، فلو
كانت الشياه أربعمائة وقد تلفت منها بعد الحول شاة من غير تفريط :
فإن كان هذا
العدد نصاباً بحياله سقط من الفرض جزءٌ من مائة جزء من شاة ، وبعبارة أُخرى :
أربعة أجزاء شاة من أربعمائة جزء ، إذ الواجب بعد أن كان في كلّ مائة شاة فكلّ شاة
مشتركة في الماليّة أو في العين بين المالك والفقير بنسبة الأربعة في الأربعمائة ،
فأربعة أجزاء للفقير وثلاثمائة وستّة وتسعون جزءاً للمالك ، فيكون التلف بهذه النسبة
في حصّة الفقير لا محالة.
[٢٦٣٣] مسألة ٢
: البقر والجاموس جنسٌ واحد (١) ،
______________________________________________________
وهذا بخلاف ما
إذا لم يكن العدد المزبور نصاباً ، فإنّ حاله حال ما لو كان العدد ناقصاً عن
الأربعمائة ولو بواحدة في احتساب التلف من المالك وعدم السقوط من الفريضة شيء ما
دام النصاب السابق ، أعني : الثلاثمائة والواحدة باقية ، لما عرفت من أنّ النصاب
إنّما هو كلّي هذا العدد ، ومثله سليمٌ عن ورود التلف عليه ما دام يوجد مصداق منه
في الخارج.
ومنه يظهر
الجواب عمّا قد يقال من أنّ مقتضى الإشاعة توزيعُ التالف على الحقّين وإن كان
الزائد على النصاب عفواً.
وذلك لأنّه
إنّما يتّجه لو كان النصاب حصّة مشاعة في مجموع المال ، وليس كذلك ، وإنّما هو
عنوان كلّي وأنّ في الأربعين مثلاً شاة ، فطالما صدق هذا العنوان ولو لبقاء فرد من
الكلّي فقد تحقّق مخرج النصاب.
ومن المعلوم
أنّ التلف العارض لجزءٍ من المجموع لا يكون مانعاً عن صدق الكلّي ، فلا يكون
عارضاً عليه ما دام الفرد باقياً كما عرفت ، نظير الصاع من الصبرة على وجه الكلّي
في المعيّن فيما لو طرأ التلف على بعض أجزائها على ما مرّت الإشارة إليه.
وهذه الثمرة
وجيهة جدّاً وبها يُدفَع الإشكال ويُجاب عن السؤال ، ويزيدها وضوحاً ما لو كان
التلف كثيراً ، كما لو تلف من الأربعمائة خمسون شاة أو أكثر ، فإنّ الاختلاف
حينئذٍ فاحش ، ولأجله تكون الثمرة أنفع وأظهر كما لا يخفى.
(١) إذ مضافاً
إلى صدق الاسم عليهما لغةً وعرفاً الكاشف عن اتّحاد الجنس ، دلّت عليه صريحاً
صحيحة زرارة ، قال : قلت له : في الجواميس شيء؟ «قال :
كما أنّه لا فرق في الإبل بين العِراب والبَخاتي (١) ، وفي الغنم بين المعز
والشاة والضأن (٢) ، وكذا لا فرق بين الذكر والأُنثى في الكلّ (٣).
[٢٦٣٤] مسألة ٣
: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجبت عليهم (٤) ،
______________________________________________________
مثل ما في البقر» .
(١) ويُطلَق
عليه : الخراساني أيضاً ، لإطلاق الأدلّة بعد صدق الإبل ، مضافاً إلى ما في صحيحة
الفضلاء ، قال : قلت : فما في البخت السائمة شيء؟ «قال : مثل ما في الإبل
العربيّة» .
(٢) لأنّ موضوع
الحكم هو الغنم أو الشاة كما في صحيحة الفضلاء ، الصادق على الكلّ بمناطٍ واحدٍ لغةً وعرفاً.
(٣) لإطلاق
الأدلّة.
وبالجملة
: مقتضى إطلاق
الأدلّة عدم الفرق في جميع المذكورات ، مضافاً إلى ورود النصّ في بعضها كما عرفت.
هذا كلّه فيما
يجب فيه الزكاة ، أي يكون مكمّلاً للنصاب.
وأمّا الذي
يُخرَج ويُدفَع في مقام الأداء والوفاء فسيجيء البحث عنه وما يعتبر فيه في محلّه
إن شاء الله تعالى.
(٤) بلا إشكالٍ
فيه ولا خلاف ، وكذا فيما لو كان نصيب بعضهم فقط كذلك ،
__________________
وإن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط ، وإن كان المجموع نصاباً وكان نصيب كلّ
منهم أقلّ ، لم يجب على واحد منهم.
______________________________________________________
لعدم اعتبار الإفراز في تعلّق الزكاة بمقتضى إطلاق الأدلّة.
وأمّا إذا لم
يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب وإن كان المجموع بالغاً حدّ النصاب ، فلا زكاة فيه
قطعاً ، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر .
ووجهه ظاهر ،
فإنّ الخطاب بالزكاة انحلالي كما في سائر الأحكام وتقدير النُّصُب ملحوظٌ بالإضافة
إلى مال من خوطب بالزكاة دون غيره ، فكلّ مكلّف يراعي مال نفسه ، فإن كان بالغاً
حدّ النصاب تعلّقت به الزكاة ، وإلّا فلا ، لا أنّه يلاحظ مال نفسه مع مال غيره ،
كيف؟! ومن الواضح أنّ مقدار النصاب كأربعين شاة مثلاً موجود دائماً ، فما هي
الحاجة إلى اشتراط النصاب؟! إذن فنفس تقدير النُّصُب كاشفٌ عن الاعتبار بمال من
خوطب بالزكاة ، أعني : آحاد المكلّفين لا مع ضمّ السائرين كما هو واضح جدّاً.
وقد صرّح بذلك
في رواية زرارة ، قال : قلت له : مائتي درهم بين خمس أُناس أو عشرة حال عليها
الحول وهي عندهم ، أيجب عليهم زكاتها؟ «قال : لا هي بمنزلة تلك يعني جوابه في
الحرث ليس عليهم شيء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم» قلت : وكذلك في الشاة
والإبل والبقر والذهب والفضّة وجميع الأموال؟ «قال : نعم» .
ولعلّه إلى هذا
يشير ما في ذيل صحيحة محمّد بن قيس من قوله (عليه السلام) :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«ولا يفرّق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرّق» أي المجتمع
والمتفرّق في الملك.
فكما أنّ
الأموال المتفرّقة في الأماكن المتعدّدة كالبلدان المختلفة التي يجمعها أنّ الكلّ
لمالكٍ واحد ، لا يفرّق بينها أي يعتبر بلوغ المجموع حدّ النصاب وإن كان كلّ واحد
بحياله دونه فكذا الأموال المجتمعة التي تفترق في الملك لتعدّد ملّاكها كالمال
المشترك ، فإنّه لا يجمع بين هذه المتفرّقات في الملك في لحاظ النصاب ، بل لا بدّ
من بلوغ حصّة كلّ مالك بخصوصه حدّ النصاب .
__________________
[٢٦٣٥] مسألة ٤ : إذا كان مال المالك الواحد متفرّقاً (١) ولو
متباعداً يلاحظ المجموع ، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ، ولا يلاحظ كلّ واحد على
حدة.
[٢٦٣٦] مسألة ٥ : أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم والإبل من
الضأن : الجَذَع ، ومن المعز : الثني (٢).
والأوّل
: ما كمل له سنة
واحدة ودخل في الثانية.
والثاني
: ما كمل له
سنتان ودخل في الثالثة .
______________________________________________________
وعليه ، فلو
مات من يملك النصاب فانتقل إلى الورثة ولم يبلغ نصيب كلّ وارث حدّ النصاب فلا زكاة
على أيّ واحد منهم ، وإن بلغ نصيب أحدهم اختصّ الزكاة به ، وإن بلغ نصيب الكلّ
فعلى الكلّ.
(١) لا إشكال
في المسألة بمقتضى الإجماع وإطلاق الأدلّة كما ظهر ممّا قدّمناه آنفاً.
(٢) كما هو
المعروف والمشهور ، حيث قيّدوا الشاة التي تُدفَع زكاةً بذلك ، إلّا أنّه ليس عليه
دليل ظاهر ، ومن ثمّ اختار جمعٌ من المتأخّرين عدم الاشتراط ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عملاً بإطلاق الشاة الواردة في النصوص.
والمضايقة عن
انعقاد الإطلاق كما عن صاحب الجواهر بدعوى عدم ورود الأدلّة في مقام البيان من هذه الجهة ،
فلا إطلاق يعوّل عليه.
لعلّها واضحة
الفساد ، لعدم قصور المقام من غيره من موارد التمسّك بالإطلاق من سائر الأدلّة ،
فإنّ الحكم بوجوب شاة في كلّ أربعين مثلاً من غير تقييد لها بالجذع أو الثني وهو
لا محالة في مقام البيان يكشف عن الإطلاق بطبيعة الحال كما في سائر المقامات.
وأوضح فساداً :
المنع عن صدق الشاة قبل أن يكون جذعاً أو ثَنيّاً اي قبل أن يدخل في الثانية أو
الثالثة بل أنّ هذا مقطوع العدم ، أفهل يحتمل أنّه باختلاف يومٍ يتغيّر الجنس بأن
لم يكن الحيوان قبل يومٍ من دخوله في السنة الثانية شاةً وبعد مضيّ اليوم صار شاةً
واندرج تحت هذه الطبيعة؟! فالإنصاف أنّ الإطلاقات غير قاصرة الشمول ولا مانع من
التمسّك بها ، فيجوز له دفع كلّ ما صدق عليه الشاة وإن كان دون الجذع.
نعم ، لا يمكن
فرض ذلك من نفس ما تعلّق به الزكاة لاعتبار الحول ، إلّا أنّه لا مانع من الدفع من
الخارج ، لعدم اشتراط الإخراج عن نفس الأعيان ، كما أنّه يجوز دفع دون الثنيّ في
المعز كما لو كان عمره سنة ونصف مثلاً لما عرفت من الإطلاق.
نعم ، ربّما
يستدلّ للتقييد بوجهين :
أحدهما
: رواية سويد بن
غفلة ، أتانا مصدّق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال : نُهينا أن نأخذ
المراضع ، وأُمرنا أن نأخذ الجذعة والثنيّة .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومن المعلوم
أنّ المقصود صدور الأمر والنهي ممّن بيده الأمر والنهي ، المنحصر في النبيّ (صلّى
الله عليه وآله) في ذلك العصر.
ويندفع
: بأنّ الرواية
عامّيّة وغير مرويّة من طرقنا ، فهي ضعيفة السند لا تصلح للتعويل عليها بوجه.
ودعوى الانجبار
بعمل المشهور يردّها القطع بعدم استنادهم إلى مثل هذه الرواية ، التي لم توجد في
شيءٍ من كتب الأصحاب ، لا الروائيّة ولا الاستدلاليّة ، فكيف يمكن استنادهم إليها؟!
على أنّ مضمونها من الجذعة والثنيّة أي اعتبار الأُنوثة لم يلتزم به أحدٌ فيما
نعلم ، فإنّهم اكتفوا بالجذع والثنيّ ولم يشترطوا الأُنوثيّة.
هذا ، مع أنّ
كبرى الانجبار ممنوعة عندنا كما هو المعلوم من مسلكنا.
ثانيهما
: ما أرسله في
غوالي اللئلئ عنه (عليه السلام) : أنّه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن والثنيّ
من المعز. قال : ووجد ذلك في كتاب علي (عليه السلام) .
ولكنّها من جهة
الإرسال والطعن في المؤلِّف والمؤلَّف حتى ناقش فيه من ليس من شأنه المناقشة كصاحب
الحدائق غير صالحة للاستدلال ، ولا يحتمل استناد قدماء الأصحاب
إلى الرواية الموجودة في هذا الكتاب المتأخّر تأليفه عنهم بزمانٍ كثير كي يحتمل
فيه الانجبار لو سلّم الكبرى.
وعلى
الجملة : فاعتبار هذا
القيد مبنيٌّ على الاحتياط ، حذراً عن مخالفة المشهور.
والأقوى : عدم
الاعتبار عملاً بإطلاق الأخبار السليم عمّا يصلح للتقييد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حسبما عرفت.
ثمّ إنّا لو
بنينا على اعتبار هذا القيد أعني : اعتبار الجذع في الضأن فتفسير الجذع بما ذكر أي
ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية غير ظاهر ، فإنّ هذا وإن كان قد ذكره جماعة
من الأصحاب ، إلّا أنّه معارَضٌ بتفاسير أُخر ذكرها جماعة آخرون :
منها : أنّه ما
كمل السبع ودخل في الثمان.
ومنها : أنّه
ما كمل الستّ ودخل في السبع.
ومنها : أنّه
ما كمل الثمان وفي في التسع.
ومنها :
التفصيل بين المتولّد من هرِمين والمتولّد من شابّين أو من مختلفين.
إلى غير ذلك
ممّا يوجد في كلمات الفقهاء واللغويّين.
ومع هذا
الاختلاف الفاحش والمعارضة الظاهرة في كلمات القوم في تفسير اللفظ كيف يبقى لنا
وثوق بالمعنى المتقدّم؟! فلا جرم يصبح اللفظ مجملاً دائراً مفهومه بين الأقلّ
والأكثر.
وقد تقرّر في
الأُصول لزوم الاقتصار في المخصِّص المنفصل المجمل الدائر بين
الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن ، إذ العامّ حجّة لا يُرفَع اليد عنه إلّا
بحجّة أقوى ودليل قاطع ، ولا حجّيّة للمجمل المزبور إلّا في المقدار المتيقّن الذي
يقطع معه بالتخصيص فيقتصر عليه بطبيعة الحال.
وهذا من غير
فرق فيه بين العام والخاصّ والمطلق والمقيّد ، لوحدة المناط حسبما بيّناه أيضاً في
الأُصول .
__________________
ولا يتعيّن عليه أن يدفع الزكاة من النصاب ، بل له أن يدفع شاةً أُخرى (١)
، سواء كانت من ذلك البلد أو غيره ، وإن كانت أدون قيمةً من أفراد ما في النصاب ، وكذا
الحال في الإبل والبقر.
______________________________________________________
والمتيقّن ممّا
لا يطلق عليه الجذع هو الذي لم يكمل الستّ ، فهذا المقدار ممّا يقطع بخروجه عن تحت
الإطلاقات ، وأمّا الزائد على ذلك ممّا يُشَكّ في صدق المفهوم عليه فهو مشكوك
الخروج ، ومعه كان المرجع أصالة الإطلاق.
ومع الغضّ عن
هذا أيضاً وتسليم عدم جواز الرجوع إلى الإطلاق ، أو عدم كونه في مقام البيان من
هذه الجهة كما ربّما يظهر من صاحب الجواهر في غير هذا المقام فتكفينا أصالة
البراءة عن التقييد الزائد على المقدار المعلوم الشرعيّة والعقليّة ، أو الشرعيّة
فقط ، على الخلاف المقرّر في محلّه ، فإنّ تقيد الشاة بعدم كونها دون الستّ معلوم
، وأمّا الزائد على ذلك بأن يكون قد أكملت السنة مثلاً فهو كلفة زائدة يُشكّ في
اعتبارها ، والمرجع في نفيها أصالة البراءة ، بناءً على ما هو المحقّق في محلّه من
عدم الفرق في الرجوع إليها في الأقلّ والأكثر بين الاستقلالي والارتباطي.
وملخّص
الكلام : أنّ التقييد
بالجذع غير ثابت ، فهو مشكوك فيه من أصله ، فيتمسّك في نفيه بأصالة الإطلاق. ومع
التسليم فحدّ المفهوم مجمل يُقتَصر فيه على المتيقّن ، ويُتمسّك في الزائد بأصالة
الإطلاق إن أمكن ، وإلّا فبأصالة البراءة حسبما عرفت.
(١) أمّا إذا
كانت الشاة المدفوعة زكاةً عن نصاب الإبل فظاهر ، وأمّا إذا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كانت عن نصاب الشياه فكذلك فيما إذا اعتبرنا دفع الجذعة وفسّرناها بما دون
السنة كإكمال السبع مثلاً لاعتبار حلول الحول في تعلّق الزكاة ، فلا يمكن دفع
الجذعة بالمعنى المتقدّم من نفس النصاب ، فلا مناص من دفع شاةٍ أُخرى من غير
الشياه التي فيها الزكاة.
فمحلّ الكلام
ما إذا فُسِّرت الجذعة بما أكملت السنة أو لم نعتبرها أو كان المدفوع ثنيّاً في
المعز ونحو ذلك ممّا يمكن الدفع من نفس النصاب وتمكن دعوى التقييد به.
وحينئذٍ فلا
ينبغي التأمّل في جواز الإخراج من غير النصاب بعنوان القيمة ، للنصوص الآتية
الدالّة على ذلك ، بناءً على عدم الفرق في المدفوع قيمةً بين النقدين وغيرهما كما
سيجيء إن شاء الله تعالى .
إنّما الكلام
في جواز إخراج جنس النصاب من غيره بدون اعتبار القيمة ، فقد ناقش فيه في الجواهر ، نظراً إلى
عدم الدليل على كفاية مطلق الجنس ولو من غير عين النصاب ، فإنّ الإطلاقات لا يثبت
بها إلّا كفاية المطلق ممّا في العين التي تعلّقت بها الزكاة لا المطلق ولو من
غيره.
ولكن الظاهر
جواز الدفع من غير العين حتى بعنوان نفس الواجب دون القيمة ، لعدم قصورٍ في
الإطلاقات عن الشمول لذلك ، فإنّ قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاةٍ شاةٌ»
مطلقٌ يشمل الشاة المدفوعة من نفس الأربعين ومن غيرها ، لعدم دلالتها على التقييد
بالأوّل بوجه.
فإنّ هذا
التعبير بعينه مثل التعبير في قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمسٍ من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الإبل شاةٌ» ، أفهل يحتمل أن يكون المراد الشاة التي في الإبل الخمسة التي
هي خالية عنها بالمرّة؟ فوحدة اللسان واتّحاد السياق يكشف عن الإطلاق وعدم التقييد
بالعين الزكويّة في كلا المقامين بمناطٍ واحد.
ومنه تعرف عدم
الفرق في الشاة المدفوعة من خارج النصاب بين ما إذا كانت من ذلك البلد أو من غيره
، كما لا فرق أيضاً بين ما كانت مساوية لأفراد ما في النصاب على اختلاف قيمتها أم
كانت أدون منها في القيمة ، كلّ ذلك للإطلاق.
وملخّص
الكلام في المقام : أنّ الشاة المدفوعة من خارج النصاب قد تكون ملحوظة بعنوان القيمة المترتّب
عليها لزوم التتميم إن كانت أقلّ ، وجواز استرجاع الزائد إن كانت أكثر.
وأُخرى :
بعنوان أنّها بنفسها مصداق للزكاة.
أمّا الأوّل :
ففيه خلافٌ وإشكال ، نظراً إلى أنّ المتيقّن من دفع القيمة هو النقدان دون غيرهما
، وسيجيء البحث حول ذلك قريباً إن شاء الله تعالى ، فهذا خارجٌ
عن محلّ الكلام.
وكلامنا فعلاً
متمحّضٌ في الثاني ، وقد عرفت أنّ المشهور جواز الدفع كذلك ، بل ادُّعي عليه
الإجماع ، غير أنّه نُسِب الخلاف إلى شاذّ ، فحَكَم بلزوم الدفع من نفس النصاب ،
باعتبار أنّ هذا هو مقتضى تعلّق الزكاة بالعين.
ولكن الأقوى ما
عليه المشهور ، عملاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة» وغيره من
سائر الأدلّة ، إذ لم يتقيّد شيءٌ منها بلزوم كون الشاة المدفوعة من نفس النصاب ،
بل قد لا يعقل ذلك كما في قوله (عليه السلام) : «في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
خمس من الإبل شاة» مع وحدة اللسان واتّحاد السياق.
ولا ينافي ذلك
تعلّق الزكاة بالعين الذي هو مستفاد من دليل آخر مثل ما دلّ على المنع عن المضاربة
قبل دفع الزكاة ، وما دلّ على أنّه إذا اشترى النصاب قبل دفع الزكاة وجب دفعها على
المشتري ورجع بها إلى البائع ، الكاشف عن عدم نفوذ البيع في مجموع العين ، لأجل
تعلّق الزكاة بها ، وغير ذلك ممّا سيجيء إن شاء الله تعالى إذ لا تنافي بين ذلك
وبين جواز التبديل بعينٍ اخرى ، كما ثبت ذلك في القيمة نقداً بلا إشكال.
وعلى
الجملة : فالزكاة وإن
كانت متعلّقة بالعين بنحوٍ من أنحاء التعلّق كما ستعرف ، إلّا أنّ هذا لا يستلزم
أن يكون الدفع أيضاً من نفس العين ، بل مقتضى الإطلاق جواز الدفع ولو من خارج
النصاب ، كما يعضده لزوم دفع الجذعة المفسّرة في كلام المشهور بما أكمل السبع ،
فإنّه غير موجود في النصاب المعتبر فيه الحول.
ويعضده أيضاً :
أنّه قد لا يمكن مراعاة الإخراج من العين في سائر النُّصُب ، كالتبيع المعتبر في
نصاب البقر ، وبنت المخاض أو بنت اللبون في نصاب الإبل ، فيما إذا لم يوجد شيء من
ذلك فيما عنده من البقر أو الإبل المتعلّقين للزكاة.
وممّا ذكرنا
يظهر عدم الفرق في الشاة المدفوعة بين ما كانت من نفس البلد أو من خارجه ، لما
عرفت من الإطلاق.
وما عن الشيخ
من اعتبار الأوّل ، نظراً إلى لزوم الاتّحاد مع ما فيه الزكاة في الخصوصيّات
كالمكّيّة والعربيّة والبَخاتيّة ونحو ذلك .
مدفوعٌ بأنّ
بين الأمرين عموماً من وجه ، فقد لا يوجد في البلد من خارج
__________________
فالمدار في
الجميع الفرد الأوسط من المسمّى (١) ، لا الأعلى ولا الأدنى ، وإن كان لو تطوّع
بالعالي أو الأعلى كان أحسن وزاد خيراً.
______________________________________________________
النصاب ما يتّحد معه ، وقد يوجد المتّحد من خارج البلد ، فمراعاة الاتّحاد
المزبور لا تستلزم التقييد بالبلد.
مضافاً إلى عدم
الدليل على لزوم التطابق والاتّحاد في هذه الخصوصيّات ، بل مقتضى الإطلاق جواز دفع
كلّ ما صدق عليه عنوان الشاة ما لم تكن الشاة المدفوعة متّصفةً بشيءٍ من العناوين
الممنوعة من هَرَمٍ أو مرضٍ ونحو ذلك ممّا سيجيء إن شاء الله .
كما أنّ ما
نُسِب إلى المسالك وغيره من التفصيل بين فريضتي الإبل والغنم ، فيجوز من خارج
البلد في الأوّل دون الثاني ، إلّا مع التساوي في القيمة .
غير قابل
للتصديق ، لما عرفت من اتّحاد لسان الدليل في الموردين ، فإن بُني على الدلالة على
اعتبار كون المدفوع من البلد ففيهما معاً ، وإلّا ففيهما أيضاً بمناطٍ واحد ،
والأقوى عدم الاعتبار لإطلاق الدليل حسبما عرفت.
وعلى
الجملة : فكلّما صدق
عليه عنوان الشاة يجوز احتسابه من الزكاة ، ولا تلزم مراعاة الخصوصيّات المشتمل
عليها النصاب ، بشهادة دفع الجذعة المفسّرة في كلام المشهور بما أكمل السبع كما
مرّ.
(١) أمّا إذا
كان المدفوع من نفس النصاب فلا ينبغي التأمّل في جواز دفع الأدنى بعد فرض صدق
الطبيعة عليها كصدقها على المتوسّط ، فمقتضى الإطلاق
__________________
والخيار للمالك
لا الساعي أو الفقير (١) ، فليس لهما الاقتراح عليه.
______________________________________________________
جواز الاجتزاء به ولا موجب للتقييد بالمتوسّط بوجه.
بل الحال كذلك
في المدفوع من خارج النصاب أيضاً ، فإنّ الإطلاق غير قاصر الشمول له كالمتوسّط
والأعلى بمناطٍ واحد.
ودعوى الانصراف
إلى المتوسّط لا نعرف لها وجهاً أبداً ، فإنّ الاجتزاء بالأدنى لم يكن من أجل
ملاحظة القيمة ليُدّعى انصرافها إلى الأفراد المتعارفة ، بل من أجل الإطلاق
والانطباق وكونه مصداقاً للطبيعة المأمور بها.
ولا ريب في عدم
الفرق في هذه المرحلة بين كلّ فرد تصدق عليه الطبيعة ما لم يكن من الأفراد
الممنوعة التي قام الدليل على عدم الاجتزاء بها بالخصوص كما مرّت الإشارة إليه .
وبالجملة
: بعد فرض
الاجتزاء من خارج النصاب فلا فرق بينه وبين الداخل في جواز دفع كلّ فرد شاءه
المكلّف ممّا تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها ، سواء كان من الأفراد المتوسّطة أو
الأدنى أو الأعلى ، لوحدة المناط.
(١) فليس
للساعي معارضة المالك ، سواء أكان تعلّق الزكاة بنحو الشركة في الماليّة أو الكلّي
في الذمّة أو الكلّي في المعيّن ، إذ الواجب على جميع التقادير حقٌّ في عهدة
المكلّف ، فله الخروج عنه بالتطبيق على أيّ فردٍ شاء ، فالخيار ثابتٌ له بمقتضى
القاعدة.
نعم ، بناءً
على القول بالشركة الحقيقيّة وأنّ المال مشتركٌ فيه بنحو الإشاعة بين المالك وبين
مصرف الزكاة ، فلا خيار حينئذٍ له ولا للساعي ، كما هو الحال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في كلّ مالٍ مشترك ، حيث لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف فيه بدون إذن الآخر
، بل لا بدّ من التراضي إن أمكن ، وإلّا فإلى القرعة التي هي لكلّ أمرٍ مشكل.
ولكن المبنى
ضعيفٌ غايته ، كما سيجيء التعرّض له إن شاء الله تعالى .
بل الظاهر ثبوت
الخيار للمالك حتى بناءً على هذا المبنى الفاسد ، لأنّه الشريك الأعظم ، فله الحكم
والأمر بمقتضى صحيحة بريد الناطقة بذلك في خصوص المقام ، وبها يخرج عمّا تقتضيه
قاعدة الشركة قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «بعث أمير المؤمنين (عليه
السلام) مصدّقاً من الكوفة إلى باديتها ... إلى أن قال (عليه السلام) : فإذا أتيت
ماله فلا تدخله إلّا بإذنه ، فإنّ أكثره له ، فقل : يا عبد الله ، أتأذن لي في
دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّطٍ عليه فيه ولا عَنِفٍ به ، فاصدع
المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرض له ، ثمّ اصدع
الباقي صدعين ، ثمّ خيّره فأيّهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما
فيه وفاءً لحقّ الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه ، وإن استقالك
فأقله ، ثمّ اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلاً حتى تأخذ حقّ الله في ماله» .
فإنّها صريحة
في امتياز هذا الشريك لمكان أوفريّة حظّه عن بقيّة موارد الشركة في ثبوت الخيار له
، حتى أنّه يقال : إن استقال فلا يزال الخيار باقياً حتى بعد الإفراز.
إذن فلا ينبغي
التأمّل في عدم جواز معارضة الساعي على جميع المباني في تعلّق الزكاة.
__________________
بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقيّة من النقدين أو
غيرهما (١) ، وإن كان الإخراج من العين أفضل.
______________________________________________________
فما عن الشيخ
من أنّ له المعارضة واقتراح القرعة ليس له وجهٌ ظاهر.
هذا كلّه في
الساعي.
وأمّا في
الفقير ، فالأمر أوضح ، لعدم كونه مالكاً ، بل هو مصرف محض ، والمالك إنّما هو
الكلّي دون الشخص ، فليس له المطالبة فضلاً عن المعارضة.
وعلى
الجملة : دعوى الخيار
للساعي لها وجه ، باعتبار أنّه يمثّل الإمام (عليه السلام) أو نائبه الذي هو وليٌّ
عن المالك ، فكأنه يمثّل المالك وإن كان ضعيفاً كما مرّ.
وأمّا في
الفقير ، فلا وجه لها أصلاً ، إذ ليس هو إلّا مصرفاً صرفاً لا يكاد يملك إلّا بعد
التسليم ، باعتبار كونه مصداقاً للطبيعي ، فلا علاقة له بالمال قبل ذلك كي يكون له
حقّ المعارضة ، فلو سلّمناه في الساعي لا نسلّمه في الفقير أبداً.
(١) لا ريب في
جواز إخراج الجنس من غير النصاب ودفعه بعنوان الزكاة على ما تقدّم .
وأمّا الإخراج
من غير الجنس بعنوان القيمة ، فيقع الكلام :
تارةً
: فيما هو
متمحّض في الماليّة ، أعني : أعيان الأثمان كالدرهم والدينار
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وما في حكمهما كالأوراق النقديّة المتداولة في هذه الأعصار.
وأُخرى
: في التقويم
بجنسٍ آخر ، كأن يدفع عن قيمة التبيع فرساً أو عن قيمة الشاة كتاباً وهكذا.
أمّا
الأوّل : فلا إشكال كما
لا خلاف فيه بالإضافة إلى الغلّات والنقدين ، للنصّ فيهما كما ستعرف ، بل ادُّعي
عليه الإجماع في كلمات غير واحد.
وأمّا الأنعام
، فهي وإن لم يرد فيها نصٌّ خاصٌّ إلّا أنّ الظاهر أنّها أيضاً كذلك ، حيث يستفاد
حكمها من النصّ المشار إليه ، بعد القطع بمقتضى الفهم العرفي بعدم خصوصيّةٍ للمورد
، وأنّ الحكم عامٌّ لمطلق الأعيان الزكويّة.
ففي صحيحة
محمّد بن خالد البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : هل يجوز أن
أُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو العشير وما يجب عليه الذهب دراهم قيمته ما
يسوى؟ أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب : «أيّما تيسّر يخرج» .
والمراد بأحمد
بن محمّد الواقع في السند هو أحمد بن محمّد بن عيسى لا ابن خالد ، وإلّا لقال : عن
أبيه ، بدل قوله : عن محمّد بن خالد ، وإن كان ثقة على التقديرين.
وصحيحة علي بن
جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم
دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك؟ «قال : لا بأس به» .
فإنّ موردهما
وإن كان هو الحنطة والشعير والدراهم والدنانير ، لكن سياقهما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بمقتضى الفهم العرفي ربّما يشرف الفقيه على القطع بعدم خصوصيّةٍ للمورد ،
وأنّ الاعتبار في الانتقال إلى القيمة نفياً وإثباتاً بمطلق الجنس الزكوي من غير
خصوصيّةٍ للحنطة والشعير وما شاكلهما ، وكان هذا هو المنقدح في ذهن السائل أيضاً ،
ولذا عبّر بصيغة العموم في صحيحة البرقي حيث قال : أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ
شيء ما فيه. أي يخرج من كلّ جنسٍ من الأجناس الزكويّة ما فيه عيناً دون أن ينتقل
إلى القيمة.
وإن أبيتَ إلّا
الجمود على ظاهر النصّ فلازمه الاقتصار على مورده من الحنطة والشعير وعدم التعدّي
لا إلى الأنعام ولا إلى غيرهما من سائر الغلّات أعني : التمر والزبيب مع أنّ
الأصحاب قد تعدّوا إلى سائر الغلّات قولاً واحداً.
وعلى الجملة :
لا نعرف وجهاً للتفكيك بين الأنعام وبين التمر والزبيب ، فإن بُني على التعدّي
فإلى الكلّ ، وإلّا فلا يتعدّى أبداً ، وليقتصر على مدلول النصّ فحسب.
وحيث إنّ
الأظهر الأوّل فاللازم سريان الحكم للأنعام أيضاً حسبما عرفت.
وأمّا
الثاني أعني : إخراج
القيمة من جنسٍ آخر غير النقدين ـ : فالمشهور جوازه كما ذكره في المتن ، بل ادُّعي
الإجماع عليه ، استناداً إلى ما رواه في قرب الإسناد عن محمّد بن الوليد ، عن يونس
بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : عيال المسلمين ، أُعطيهم من
الزكاة ، فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً ، وأرى أنّ ذلك خيرٌ لهم ، قال : «فقال :
لا بأس» .
أمّا من حيث
السند ، فالظاهر هو الاعتبار ، فإنّ المراد بمحمّد بن الوليد هو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الخزّاز البجلي الذي له كتاب ووثّقه النجاشي صريحاً بقرينة روايته
عن يونس ، دون الشباب الصيرفي الغير الثقة وإن كان في نفس الطبقة ، لعدم روايته عن
يونس ، مضافاً إلى معروفيّة الأوّل واشتهاره ، الموجب لانصراف اللفظ عند الإطلاق
إليه ، فلا مناقشة في السند.
إنّما الكلام
في الدلالة ، والظاهر أنّها قاصرة وأجنبيّة عن محلّ الكلام ، فإنّها ناظرة إلى ما
إذا عيّن زكاته وأفرزها خارجاً وعزلها ليعطيها لعائلة من عوائل المسلمين.
وبما أنّ
العيال يتضمّن النساء والقاصرين بطبيعة الحال ، ولا يتيسّر لهم غالباً الانتفاع من
عين الزكاة التي هي من النقدين في غالب الأحوال إلّا بالتبديل بطعامٍ أو ثيابٍ
ونحوهما ، ومن المعلوم عدم جواز التصرّف في الزكاة بعد الإفراز والعزل إلّا بإذن
ممّن بيده الأمر.
فلأجل ذلك
احتاج السائل إلى الاستجازة من الإمام (عليه السلام) في التصرّف المزبور ، ولذا
قال : فأشتري لهم منها أي من تلك الزكاة لا أن يشتري لهم من ماله فيعطيه زكاةً كما
هو محلّ الكلام ، فلم يقل : فاشتري لهم من مالي ، بل قال : منها أي من الزكاة فهو
بيانٌ لكيفيّة الإعطاء ممّا عيّنه في الزكاة ، لا إعطاء نفس الزكاة.
وعلى
الجملة : فرقٌ واضحٌ
بين إعطاء القيمة بعنوان الزكاة ، وبين تبديل الزكاة المتعيّنة المفرزة خارجاً
بجنسٍ آخر ، ومحلّ الكلام هو الأوّل ، ومورد الرواية الثاني ، فأحدهما أجنبي عن
الآخر ، فلا يمكن الاستدلال بها للمطلوب بوجه.
__________________
[٢٦٣٧] مسألة ٦
: المدار في القيمة على وقت الأداء (١) سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب
، ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة ، وإن كانت موجودة فالظاهر
أنّ المدار على قيمة البلد التي هي فيه.
______________________________________________________
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّه كما يمكن دفع الزكاة من نفس النصاب يمكن دفعه من خارجه من نفس الجنس
بلا حاجة إلى مراعاة القيمة ، ولو قصدها يلغو القصد ، إذ لا أثر له بعد أداء نفس
الواجب. كما يمكن دفعه أيضاً من غير النجس بعنوان القيمة إذا كان من النقدين أي
متمحّضاً في أعيان الأثمان دون غيرهما من سائر الأجناس ، بل ولا من نفس الجنس بهذا
العنوان لو بنينا على عدم كفايته من خارج النصاب ، وإن كان المبنى خلاف التحقيق
كما مرّ.
ولا فرق في
جميع ما ذكرناه بين أنحاء الأجناس الزكويّة من الأنعام والغلّات والنقدين حسبما
عرفت بما لا مزيد عليه. كما لا فرق بين القدرة على الإخراج من نفس العين وعدمها
بمقتضى الإطلاق.
(١) بعد ما
تقدّم من جواز الإخراج بالقيمة بمقتضى صحيحة البرقي إمّا من خصوص النقدين أو ولو
من غيرهما ، تعرّض (قدس سره) لتعيين القيمة من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حيث الزمان والمكان وأنّ الاعتبار هل هو بوقت الأداء ، أم بزمان الوجوب
وتعلّق الزكاة؟ وبالنظر إلى المكان ، هل المدار ببلد الإخراج ، أم ببلد العين؟ إذ
لا ريب في جواز اختلاف القيمة باختلاف الأزمنة والأمكنة.
فذكر (قدس سره)
أنّ الاعتبار من حيث الزمان بزمان الأداء سواء أكانت العين موجودة أم تالفة ، ومن
حيث المكان ببلد العين إن كانت موجودة ، وببلد الإخراج إن كانت تالفة.
أقول
: يقع الكلام في
موردين ، والظاهر أنّ المتن ناظر إلى أوّلهما ، ونذكرهما معاً تتميماً للفائدة :
أحدهما
: لحاظ القيمة
قبل إفراز الزكاة وعزلها خارجاً.
والثاني
: بعد العزل.
أمّا المورد
الأوّل : فقد يفرض أنّ العين موجودة ، وأُخرى تالفة.
فإن كانت
موجودة ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ الاعتبار بوقت الأداء كما ذكره في المتن ، لأنّ
متعلّق الزكاة من مال الفقير أو غيره من سائر المصارف الثمانية موجودٌ في العين
الخارجيّة ، فإنّ ذلك وإن لم يكن على نحو الشركة الحقيقيّة إلّا أنّه بالآخرة ليس
المال بأجمعه ملكاً للمالك ، بل مقدارٌ منه للزكاة ، فإذا كانت العين الخارجيّة
متعلّقة للزكاة فهو الآن مكلّفٌ بأداء نفس العين وإلّا فقيمتها ، فلا بدّ بطبيعة
الحال من ملاحظة القيمة الفعليّة التي هي بدل عن العين الموجودة ، ولا عبرة
بملاحظة القيمة السابقة التي قد تكون أكثر أو أقلّ.
وعلى
الجملة : يجب عليه أن
يعطي فعلاً شاةً واحدة ، فإمّا أن يعطيها بنفسها أو يؤدّي قيمتها ، ومن المعلوم
أنّ مراعاة قيمة الشاة الفعليّة تستدعي لحاظ القيمة الحاليّة ، ولا اعتبار بما سبق
، فاحتمال كون العبرة بزمان الوجوب لو فرضنا وجود القائل به وهو غير معلوم لا نعرف
له وجهاً أبداً.
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا باعتبار
البلد ، فلم يُعرَف وجهٌ لما ذكره الماتن من جعل العبرة ببلد وجود العين ، إذ بعد
ما تقدّم من أنّه لا يجب الإخراج من عين المال الزكوي ، بل يجوز الدفع من خارج
النصاب ، وأنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون من ذاك البلد أو بلد
آخر كما صرّح به (قدس سره) ، فمال الفقير بناءً على هذا وإن كان موجوداً في العين
الخارجيّة إلّا أنّه لا يجب الإعطاء من نفسها ، بل الواجب دفع الشاة الكلّيّة ،
الأعمّ من أن تكون من النصاب أو من غيره ، فله أن يدفع شاة أُخرى من بلدٍ آخر ،
فإذا جاز جاز دفع قيمته بمقتضى صحيحة البرقي المتقدّمة.
وعلى
الجملة : فما ذكره (قدس
سره) من لزوم مراعاة قيمة بلد العين لا يجتمع مع ما تقدّم منه من جواز الإعطاء من
خارج النصاب.
ومقامنا هذا
أشبهُ شيءٍ بإرث الزوجة من البناء وغيره ممّا لا ينقل ، حيث إنّ المعروف أنّها
ترث قيمةً لا عيناً ، بمعنى : أنّ للوارث ولاية التبديل بالقيمة ، لا أنّها ترث القيمة
ابتداءً ، لوضوح أنّ الميّت لم يترك إلّا العين دون القيمة ، فالزوجة ترث من نفس
العين ، إلّا أنّ للورثة ولاية التبديل بالقيمة كما عرفت ، فلا جرم تكون العبرة
بقيمة يوم الأداء ، فما لم تستوف حصّتها فهي شريكة مع سائر الورثة في ماليّة العين
، بداهة أنّها لم تأخذ القيمة مجّاناً ، بل بعنوان الإرث ، فشركتها معهم شركة في
الماليّة لا في العين.
فهي أشبهُ شيءٍ
بالفقير وغيره من مصارف الزكاة فيما نحن فيه ، فإنّ الزكاة وإن كانت ملكاً له إلّا
أنّ للمالك الذي هو الشريك الأعظم ولاية التبديل بالقيمة ، أو من مالٍ آخر من نفس
الجنس.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه ، فحينما
يريد الإعطاء لا بدّ من ملاحظة القيمة حال الأداء ليكون بدلاً عمّا هو ملك الفقير
، فكما أنّ العبرة من جهة الزمان بزمان الأداء فكذا من ناحية المكان ، فما ذكره (قدس
سره) من أنّ العبرة ببلد العين إنّما يتّجه لو وجب الإخراج من نفس العين ، وليس
كذلك ، بل الواجب الجامع بين أحد أُمور ثلاثة : من نفس النصاب ، وخارجه ، والقيمة.
ومع التخيير بين هذه الأُمور لا موجب لمراعاة بلد العين بوجه.
هذا كلّه مع
وجود العين.
وأمّا مع التلف
، فقد لا يوجب الضمان ، كما لو كان بآفة سماويّة من غير تفريط ، فلا كلام ، إذ لا
يجب حينئذٍ شيءٌ ليبحث عن تعيين القيمة.
وأُخرى يوجب ،
لتفريط ، أو لاستناد التلف إليه.
وقد ذكر (قدس
سره) أنّ العبرة حينئذٍ بقيمة وقت الأداء وبلد الإخراج ، وهو الصحيح كما ظهر وجهه
ممّا مرّ ، فإنّ متعلّق الزكاة وإن كان هو العين الخارجيّة والفقير شريكٌ مع
المالك شركة ما ، إلّا أنّ الواجب ليس هو الأداء من خصوص هذه العين ، فكما أنّه
كان مخيّراً حال وجود العين في إعطاء شاة أُخرى من خارج النصاب فكذا الآن ، إذ لا
أثر للتلف من هذه الناحية.
وبعبارة اخرى :
فرقٌ واضحٌ بين ما يملكه الفقير أو غيره من سائر أصناف الزكاة وبين ما يجب على
المالك ، فالذي يملكه الفقير هو ما يتعلّق بالعين الخارجيّة بنحوٍ من الشركة ،
ولكن الواجب على المكلّف ليس العطاء من نفس هذه العين بالخصوص كما عرفت في إرث
الزوجة من جواز التبديل بالقيمة وإن كان حقّها متعلّقاً بالعين ، فالوجوب المتوجّه
بمن عليه الزكاة قد تعلّق بالأعمّ من دفع الشاة من عين النصاب أو من خارجه أو من
القيمة ، ولم يتغيّر هذا الوجوب ولم يتبدّل بالتلف ، فيجوز عليه الآن أيضاً دفع
شاة أُخرى ، فإذا جاز
.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك جاز دفع القيمة أيضاً بمقتضى صحيحة البرقي كما تقدّم.
إذن تكون
العبرة بزمان الأداء ووقت تفريغ الذمّة من الزكاة.
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّه في مقام الأداء لا بدّ من مراعاة القيمة الفعليّة من جهة الزمان
والمكان ، بلا فرقٍ في ذلك بين أن يكون المال الزكوي موجوداً أو تالفاً.
وأمّا المورد
الثاني أعني : ما لو كان قد عزل الزكاة وأفرزها خارجاً وبعدئذٍ أراد دفع القيمة ـ :
فقد يفرض أنّه موجود وأُخرى تالف ، وهذا أمر آخر أجنبي عن مورد كلام الماتن كما
مرّ ، وسيجيء إن شاء الله : أنّ للمالك الإفراز ورفع الشركة بالعزل لغايةٍ من
الغايات ، وبعد ما عزل تتعيّن الزكاة فيه ، وهو أمانة شرعيّة في يده لا يجوز
التصرّف فيه ولا التبديل بالقيمة ، لأنّ دليل التقويم منصرفٌ عن المقام ، فإنّه
ناظرٌ إلى جعل القيمة زكاةً لا جعل الزكاة قيمةً كما لا يخفى.
وإذا فرضنا في
موردٍ جواز التصرّف كما ذكرناه في الصحيحة المتقدّمة المرويّة عن
قرب الإسناد كانت العبرة بقيمة وقت التبديل بطبيعة الحال ، لأنّ شخص المال ملك
الفقير ، غايته أنّه جاز له التصرّف فيه فيخرجه بقيمته الفعليّة لا محالة.
وكيفما كان ،
فليس له التبديل بالقيمة بعد العزل ما لم يقم عليه دليل من الخارج ، وليس له
الإعطاء من الخارج لا من الجنس ولا من غيره.
هذا إذا كان
موجوداً.
وأمّا مع التلف
، فإن لم يستند إليه ولم يفرّط فلا ضمان أصلاً ، وإلّا فيجري
__________________
[٢٦٣٨] مسألة ٧
: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأُنثى وبالعكس (١) ، كما
أنّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن وبالعكس وإن اختلفت في القيمة
، وكذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء ، كما أنّ في البقر يجوز أن
يدفع الجاموس عن البقر وبالعكس ، وكذا في الإبل يجوز دفع البَخاتي عن العِراب
وبالعكس ، تساوت في القيمة أو اختلفت.
______________________________________________________
فيه ما ذكروه في ضمان المثلي والقيمي :
فيضمن المثل في
الأوّل ، ولا تلاحظ معه القيمة أبداً ، فلو كانت العين الزكويّة التالفة بعد العزل
خمسة دنانير مثلاً ضمن خمسة أُخرى مثلها.
ويضمن القيمة
في الثاني ، كما في مثل الحنطة والشعير ، ويجري فيه ما ذكروه في القيميّات من أنّه
هل العبرة بزمان التلف أو زمان الأداء كما اختاره الماتن في حاشية المكاسب ، أو أعلى
القيم من التلف أو الأداء.
وقد ذكرنا في
محلّه : أنّ الأحوط مراعاة أعلى القيم ، ولكن الأظهر ضمان يوم الغصب ويوم الخيانة
، وفي المقام ضمان يوم التفريط والتفويت ، وذلك لصحيحة أبي ولّاد الدالّة على أنّ
العبرة بقيمة بغل يوم خالفته ، الذي هو يوم الضمان ، على تفصيلٍ ذكرناه في بحث
المكاسب .
(١) لا ريب انّ
عنوان الشاة المأخوذة في قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة» كلّي طبيعي
صادق على الذكر والأُنثى والمعز والضأن بمناطٍ واحد.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا ، وقد
تقدّم عدم وجوب الدفع من نفس النصاب ، بل يجوز إعطاء الشاة الكلّيّة المأمور بها من خارج
النصاب ، بل حتى من بلدٍ آخر كما مرّ .
ونتيجة ذلك :
أنّ النصاب في الغنم لو كان جميعه من الذكور جاز دفع الأُنثى وبالعكس.
وكذلك الحال
بالنسبة إلى المعز والضأن.
وكذا الحال في
صورة الاختلاف من غير ملاحظة القيمة في شيءٍ من ذلك ، فله الدفع من أيّ الصنفين
شاء كما ذكره في المتن.
وكذلك الحال في
البقر والجاموس ، فيجوز دفع كلّ منهما عن الآخر ، لأنّ الدليل الأوّلي الحاصر
للزكاة في التسعة وإن خصّ الحكم بالبقر مصرّحاً بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله)
وضع الزكاة فيها وعفا عمّا عداها ، إلّا أنّ صحيحة زرارة المتضمّنة : أنّ في الجاموس مثل
ما في البقر ، كشفت عن أنّهما طبيعة واحدة في هذا الحكم وإن اختصّ
أحدهما باسم خاصّ نظير المعز والضأن ، ومقتضى ذلك إجزاء كلّ منهما عن الآخر ، ومعه
لا حاجة إلى ملاحظة التقسيط في القيمة كما ذكره في الجواهر ، إذ لا وجه
له بعد ما عرفت من اتّحادهما في الحكم بمقتضى الصحيح المتقدّم ، فيجزئ تبيع
الجاموس في نصاب البقر وبالعكس.
وما ذكره في
الجواهر من أنّ هناك خطابين تعلّق أحدهما بالبقر والآخر بالجاموس ، فلكلّ منهما
نصاب مستقلّ ، فمع التلفيق يتّجه التقسيط ومراعاة
__________________
[٢٦٣٩] مسألة ٨
: لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشاب والهرم في الدخول في النصاب
والعدّ منه (١).
لكن إذا كانت
كلّها صحاحاً لا يجوز دفع المريض ، وكذا لو كانت كلّها سليمة لا يجوز دفع المعيب ،
ولو كانت كلّ منها شابّاً لا يجوز دفع الهرم ، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط إخراج
الصحيح ، من غير ملاحظة التقسيط.
______________________________________________________
الأمرين .
غير ظاهر الوجه
، كيف؟! ولازم تعدّد الخطابين واستقلال النصابين عدم وجوب شيء أصلاً لدى التلفيق
، لكون كلّ من الجنسين دون النصاب ، فلو كان عنده خمسة عشر من البقر ومثلها من
الجاموس ، فحيث لم يكمل بعدُ شيء من النصابين لا زكاة عليه بتاتاً ، كما لو كان
عنده عشرون من الشياه وعشرون من البقر ، فلازمه سقوط الزكاة دون التقسيط.
وممّا ذكرناه
يظهر الحال في الإبل البخاتي والعرابي ، فيجوز دفع كلّ منهما عن الآخر ، سواء
تساوت القيمة أو اختلفت.
(١) فالكلّ
محسوب من النصاب بلا خلاف ، لإطلاق الأدلّة.
وأمّا في مقام
الدفع والأداء ، فهل يعتبر أن يكون المدفوع من قسم الصحيح فلا يجزئ المريض أو
المعيب؟
للمسألة صورٌ
ثلاث ، إذ :
تارةً
: تكون الشياه
أو غيرها ممّا يتألف منها النصاب كلّها شباباً صحاحاً.
وأُخرى
: كلّها مراضاً
أو معيبة.
__________________
نعم ، لو كانت
كلّها مراضاً أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها.
______________________________________________________
وثالثةً
: بالاختلاف ،
فبعضها صحيح والبعض الآخر مريض أو معيب.
أمّا في الصورة
الاولى : فلا خلاف كما لا إشكال في عدم جواز دفع الهرم أو المريض ، فإنّها القدر
المتيقّن من صحيحة أبي بصير الناطقة بذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث
زكاة الإبل : «قال : ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق» .
وموردها وإن
كان هو الإبل إلّا أنّه لا ينبغي التأمّل في عدم خصوصيّةٍ لها ، وأنّ الحكم عامٌّ
لجميع الأنعام بمقتضى الفهم العرفي ، فالتخيير في التطبيق الذي تقدّم أنّه ثابتٌ
للمالك دون الساعي مقيّدٌ بهذه الصحيحة ، فلا خيار له من هذه الناحية ،
والعوار : مطلق العيب ، كما في اللغة ، فيشمل المرض.
وأمّا في
الصورة الثالثة : فالمشهور هو التقسيط على الصحيح والمعيب ، وهو وجيه ، بناءً على
الإشاعة والشركة الحقيقيّة ، بأن يكون كلّ فرد من الشياه مشتركاً بالنسبة بين
المالك والفقير ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من الشركة في الماليّة ، أو على ما
اختاره الماتن من الكلّي في المعيّن فلا وجه لملاحظة التقسيط أبداً ، بل مقتضى
إطلاق صحيح أبي بصير المتقدّم لزوم دفع الصحيح ، لعدم قصوره عن الشمول للمقام كما
لا يخفى.
وأمّا في
الصورة الثانية : فالمشهور جواز دفع الهرمة أو المعيبة ، بل في الحدائق دعوى
الإجماع عليه ، وناقش فيه غير واحد بمنافاته للإطلاق المتقدّم.
__________________
الشرط الثاني :
السوم طول الحول (١) ، فلو كانت معلوفة ولو في بعض الحول لم تجب فيها ولو كان
شهراً بل أُسبوعاً.
______________________________________________________
والصحيح ما
عليه المشهور ، فإنّ الزكاة حقٌّ متعلّقٌ بالعين كيفما قلنا في كيفيّة التعلّق ،
فالواجب ابتداءً الدفع من نفس العين وإن جاز التبديل بالقيمة ، بمقتضى الدليل
الثانوي الدالّ على جواز الإخراج من أيّما تيسّر كما في صحيح البرقي المتقدّم ، ومقتضى
الإطلاقات جواز الدفع من العين كيفما كان ، سواء أكان صحيحاً أم معيباً ، وقد
خرجنا عنها بمقتضى صحيح أبي بصير ، ولأجله حكمنا بلزوم كون المدفوع من قسم الصحيح
، ولا ينبغي التأمّل في أنّ هذه الصحيحة ناظرة إلى صورة وجود القسم الصحيح في
النصاب فيلزم حينئذٍ أن يختاره وليس له أن يعدل عنه إلى المعيب ، وأمّا لو كان
الموجود في النصاب كلّه معيباً كما هو المفروض فإطلاق الصحيحة منصرفٌ عن هذه
الصورة جزماً ، فتبقى الإطلاقات الأوّلية على حالها.
ولا يقاس ذلك
أعني : قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة» بقوله (عليه السلام) : «في كلّ
خمس من الإبل شاة» ، لعدم المسانخة بين الخارج والمخرَج عنه في الثاني ، فلا مقتضى
لدعوى الانصراف فيه ، ولأجله نحكم بلزوم دفع الشاة الصحيحة في زكاة الإبل وإن كانت
الآبال كلّها معيبة.
وهذا بخلاف
الأوّل ، الذي يكون فيه الخارج من سنخ النصاب نفسه ، فإنّ الانصراف المزبور لعلّه
غير قابل هنا للإنكار كما يظهر بأدنى تأمّل.
(١) بلا خلافٍ
فيه منّا ، بل من الفريقين ، فعليه إجماع المسلمين على ما حكي ، ولا إشكال فيه في
الجملة كما تشهد به جملة وافرة من النصوص :
__________________
نعم ، لا يقدح
في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين.
______________________________________________________
كصحيح الفضلاء
في حديث زكاة الإبل ـ : «قال : وليس على العوامل شيء ، إنّما ذلك على السائمة
الراعية» .
وصحيحهم الآخر
في حديث زكاة البقر ـ : «ولا على العوامل شيء ، وإنّما الصدقة على السائمة
الراعية» .
وصحيحهم الثالث
الوارد فيهما معاً عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) : «قالا : ليس على
العوامل من الإبل والبقر شيء ، إنّما الصدقات على السائمة الراعية» .
وصحيح زرارة : «ليس
على ما يعلف شيء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها
فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء» .
إنّما الكلام
في تحديد السوم ، فقد حُدِّد بين إفراطٍ وتفريط ، فعن الشيخ والمحقّق في المعتبر :
التحديد بالغلبة في مجموع السنة ، فلو كانت سائمة سبعة أشهر ومعلوفة في خمسة أشهر كفى
في صدق السوم.
وبإزائه ما
اختاره المحقّق في الشرائع وجملة ممّن تأخّر عنه من لزوم استمرار
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السوم في تمام الحول ، بحيث يقدح العلف في الأثناء ولو يوماً واحداً ،
فيوجب ذلك انقطاع الحول الموجب لاستئناف السوم.
وذهب المشهور
إلى إناطة الوصفين بالصدق العرفي ، فيتبع الحكم صدق عنواني السائمة أو المعلوفة
عرفاً ، كما هو الحال في بقيّة العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام.
ولا يخفى أنّ
هذا الأخير غير قابل للإنكار ، فإنّ المتّبع في تشخيص المفاهيم الواردة في
متعلّقات الخطابات الشرعيّة إنّما هو الصدق العرفي كما هو واضح ، إنّما الكلام في
تشخيص الصدق المزبور بعد وضوح امتناع إرادة الاستمرار الحقيقي من مبدأ الحول إلى
منتهاه ليلاً ونهاراً ، لاحتياج الحيوان إلى النوم والراحة ، فلا يكاد يتّفق وقوعه
بهذا المعنى خارجاً.
فالمراد : أن
تكون سائمة في أوقات أكلها والساعات المعدّة لذلك بحسب المتعارف الخارجي ، بحيث لا
يقدح العلف اليسير الذي ربّما يتّفق خلالها أحياناً.
وهل يلزم
الاستمرار في ذلك بحيث يضرّ تخلّف يومٍ مثلاً أو يومين؟
الظاهر : العدم
، لعدم قدح ذلك في صدق السوم بنظر العرف كما هو الحال في سائر العناوين ، فكما أنّ
الحدّاد والبنّاء والنجّار ونحو ذلك من الأوصاف العنوانيّة تصدق وإن تخلّف المتّصف
بها عن التصدّي لها يوماً أو يومين بل وأكثر لعذرٍ أو غير عذر ، فكذا الحال في
عنوان السائمة ، فلا يقدح في الصدق عدم ذهاب الدابّة إلى الاستيام يوماً أو يومين
لعذرٍ من مرضٍ أو مطرٍ أو ثلج ، بل لغير العذر أيضاً.
فالمناط : أن
تكون الشاة بحيث لو سُئل المالك عن كيفيّة إعاشتها لأجاب بأنّها تعيش بالسوم ، في
قبال الأُخرى التي تعيش بعلف المالك ، فالعلف في كلّ شهر يوماً بحيث تعتلف في
السنة اثني عشر يوماً لا يضرّ بصدق السوم ولا ينقطع به الحول.
ولا فرق في منع
العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار (١) لمنع مانعٍ من السوم
، من ثلج أو مطرٍ أو ظالمٍ غاصبٍ أو نحو ذلك ولا بين أن يكون العلف من مال المالك
أو غيره بإذنه أو لا بإذنه (٢) ، فإنّها تخرج بذلك كلّه عن السوم.
______________________________________________________
وأمّا لو اعتلف
مقداراً أكثر بحيث شُكّ معه في صدق السوم كالاسبوع أو العشرة أيّام مستمرّة؟
فالظاهر وجوب
الزكاة أيضاً ، للزوم الاقتصار في المخصِّص المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر
لشبهةٍ مفهوميّة على المقدار المتيقّن الذي يقطع بخروجه عن تحت العامّ كما هو
محرّر في الأُصول .
وقد دلّت
المطلقات على وجوب الزكاة في كلٍّ من الأنعام الثلاثة ، خرجنا عن ذلك بالدليل
المنفصل في المعلوفة ، فما قطع بصدق المعلوفة عليه حكمنا بسقوط الزكاة عنه ،
ورجعنا في ما عداه إلى المطلقات ، لسلامتها عمّا يصلح للتقييد.
ولا ريب أنّ
الشكّ المزبور شخصي يتبع تحقّقه نظر الفقيه ، ولا يندرج تحت ضابط كلّي ، والحكم في
فرض حصوله ما عرفت من التمسّك بالمطلقات.
(١) كنزول مطرٍ
أو ثلج ، أو بالإكراه كمنع جائر أو ظلم غاصب ، كلّ ذلك لإطلاق الدليل ، إذ بالآخرة
لم تكن الشاة سائمة بأيّ سببٍ كان ، فينتفي موضوع الوجوب.
(٢) للإطلاق
أيضاً.
__________________
وكذا لا فرق
بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز ، أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع
المملوك (١).
نعم ، لا تخرج
عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه إذا لم يكن مزروعاً ، كما أنّها لا تخرج عنه بمصانعة
الظالم على الرعي في الأرض المباحة.
______________________________________________________
وما يقال من
إلحاق الثاني بالسوم ، لاشتراكه معه في المجّانيّة وعدم المئونة فيكون واجداً
لملاك الوجوب.
مدفوعٌ بأنّ
العلّة المستنبطة لا يعوّل عليها بحيث ترفع اليد بها عن إطلاق الدليل كما هو موضح
في محلّه.
(١) لما عرفت
من الإطلاق بعد صدق عنوان المعلوفة على التقديرين ، إذ لا فرق في الصدق بين تقديم
الطعام إلى الحيوان أو تقديم الحيوان إلى الطعام المملوك.
ودعوى إلحاق
الثاني بالسوم ، لمشاركته معه في رعي الحيوان بنفسه مباشرةً فيصدق أنّها مرسلة في
الرعي الذي هو المناط في السوم.
مدفوعةٌ وإن
قوّاها في الجواهر بعدم كفاية مطلق الإرسال للرعي في صدق السوم ، بل
اللازم بمقتضى صحيحة زرارة المتقدّمة أن تُرسَل لترعى في مرجها.
والمرج كما في
اللغة : الأرض الواسعة التي فيها عشب كثير.
فالاعتبار
بالرعي في تلك الأراضي والانتفاع من زرعها المباح ، فلا يكفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الرعي من زرع المالك ، والصدق العرفي أيضاً مساعدٌ على ما ذكرناه ، فلا
تصدق السائمة على ما ترتزق من الزرع المملوك كما لا يخفى.
نعم ، لا يضرّ
بصدق السوم مصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة ، بأن يأخذ شيئاً من المالك
ظلماً ليسمح له في الرعي ، كما نبّه عليه في المتن ، فإنّ ذلك لا يضرّ بما هو
الملاك في صدق السوم من الرعي في الأرض الواسعة المباحة ، لأنّ المال مبذولٌ بإزاء
المقدّمات لا بإزاء نفس الزرع ، فهو كالمال المبذول لنفس الراعي اجرةً لرعيه ،
وكالمال الذي يأخذه الظالم عن كلّ رأس من الأغنام أو الأنعام لدى الخروج عن البلد
للرعي أو لغيره ، وكما لو توقّف الخروج إلى الرعي على استطراق أرض الغير ولم يرض
إلّا ببذل المال ففي جميع ذلك لا يقدح صرف المال في صدق السوم ، لما عرفت من أنّه
مبذولٌ بإزاء مقدّمات السوم الخارجة عن حقيقته.
نعم ، ربّما
يشكل الصدق فيما لو استأجر المرعى أو اشترى أرضاً غير مزروعة فنبت فيها الزرع ،
نظراً إلى صدق الرعي في المملوك عيناً أو منفعة.
والإنصاف :
أنّه لو كنّا نحن وإطلاق جملة من النصوص المشتملة على التعبير بالسائمة الراعية أي
المرسلة في رعيها لحكمنا بصدق السوم في المقام كما هو كذلك لغةً ، ولكن صحيحة زرارة
المتقدّمة تضمّنت حصر الصدقة في السائمة المرسلة في مرجها وأنّ ما سوى ذلك ليس فيه
شيء.
والمرج كما
عرفت : هي الأرض الواسعة التي فيها نبت كثير.
فيختصّ الحكم
بالرعي في الأراضي المباحة ، ولا تعمّ المملوكة مثل البساتين ونحوها عيناً أو
منفعة ، فلا يصدق السوم المأخوذ في لسان الشارع في هذه الموارد ، فلا زكاة فيها.
الشرط الثالث :
أن لا تكون عوامل (١) ولو في بعض الحول ، بحيث لا يصدق عليها أنّها ساكنة فارغة عن
العمل طول الحول ، ولا يضرّ إعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مرّ في السوم.
______________________________________________________
نعم ، لو فُرِض
الشكّ فقد مرّ حكمه من وجوب الزكاة ، عملاً بالإطلاقات بعد الاقتصار في المخصِّص المجمل
المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن ، ولكن لا تصل النوبة إلى
الشكّ كما لا يخفى.
(١) لا بدّ من
فرض الكلام في العوامل من السوائم ، وإلّا فالعاملة المعلوفة لا زكاة فيها ،
لعلفها ، وإن لم تكن عاملة فلا أثر فيها لهذا الشرط ، ولأجله قيّده في الشرائع
بذلك فقال : الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل ، فإنّه ليس في العوامل زكاة ولو
كانت سائمة .
وكيفما كان ،
فلا خلاف في المسألة ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كثيرٍ من الكلمات ، وتدلّ عليه
جملة من النصوص التي تقدّمت في السوم وغيرها ، كصحاح الفضلاء الثلاث المتقدّمة
وصحيحة زرارة .
نعم ، بإزائها
موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الإبل تكون للجمّال أو تكون في بعض
الأمصار ، أتجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البريّة؟ «فقال : نعم» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فإنّ إسناد
الإبل إلى الجمّال ظاهرٌ في مراعاة الوصف العنواني ، فيراد به الإبل المعدّ للعمل
بطبيعة الحال.
وموثّقته
الأُخرى : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الإبل العوامل ، عليها زكاة؟ «فقال :
نعم ، عليها زكاة» .
وقد حملهما
الشيخ تارةً على التقيّة نظراً إلى أنّ المشهور عند الجمهور عدم اعتبار هذا الشرط
وأُخرى على الاستحباب .
لكن الأظهر هو
الأوّل ، لأنّ تقدّم الجمع الدلالي على التصرّف في الجهة خاصٌّ بما إذا تيسّر
الجمع المزبور لا في مثل المقام ممّا يتعذّر فيه الحمل على الاستحباب ، لما أشرنا
إليه سابقاً من أنّ بين قوله : فيه زكاة ، وقوله : ليس فيه زكاة ، مناقضة ومدافعة
في نظر العرف ، بحيث لا يصلح أحدهما للقرينيّة ، فلا مناص من الحمل على التقيّة
بعد أن كان الحكم ممّا انفردت به الإماميّة.
ثمّ إنّ
المعتبر : عدم كونها عوامل في تمام الحول ، فيقدح العمل ولو في البعض ، والمتّبع
في ذلك الصدق العرفي كما تقدّم في السوم ، فلا يقدح العمل اليسير المتّفق أحياناً ، كما لو ركب
البعير السائمة للزيارة مثلاً إلّا أن يكون معدّاً للاكتراء في أيّام الزيارة ،
فيقدح حينئذٍ ، لصدق أنّها عوامل ولو في خصوص هذه الأيّام التي هي قليلة بالإضافة
إلى باقي أيّام السنة ، فينقطع الحول بذلك ، والمرجع في فرض الشكّ في المخصِّص
المجمل الدائر بين الأقلّ والأكثر إطلاقات الزكاة كما تقدّم في السوم .
__________________
الشرط الرابع :
مضيّ الحول عليها (١) جامعةً للشرائط ، ويكفي الدخول في الشهر الثاني عشر (٢) ،
فلا يعتبر تمامه ، فبالدخول فيه يتحقّق الوجوب ، بل
______________________________________________________
(١) بلا خلافٍ
فيه عند الأصحاب ، بل المسلمين عامّة كما قيل ، فلو خرج عن الملك أثناء الحول ثمّ
رجع ثانياً بشراءٍ أو إرثٍ ونحوهما استأنف الحول.
وتشهد له جملة
من النصوص :
منها : صحيحة
الفضلاء : «... وكلّ ما لم يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه ، فإذا حال
عليه الحول وجب عليه» .
ورواية زرارة :
«لا يزكّى من الإبل والبقر والغنم إلّا ما حال عليه الحول ، وما لم يحلّ عليه
فكأنه لم يكن» .
وصحيحة عبد
الله بن سنان ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أُنزلت آية الزكاة في شهر
رمضان ، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس : إنّ الله
قد فرض عليكم الزكاة إلى أن قال : ثمّ لم يعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم
الحول» .
(٢) بلا خلافٍ
فيه ، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر .
ومستنده مصحّح
زرارة ومحمّد بن مسلم ، قالا : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أيّما رجل كان
له مال فحال عليه الحول فإنّه يزكّيه» قلت له : فإن
__________________
الأقوى استقراره أيضاً ، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه ، لكن الشهر
الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل ، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه.
______________________________________________________
وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ «قال : ليس عليه شيء أبداً» قال : وقال زرارة
عنه أنّه «قال : إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ خرج
في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه. وقال : إنّه
حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم
يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثمّ أفطر» إلخ .
ولا معارضة
بينها وبين نصوص الحول ، فإنّ لسانها لسان الحكومة كما لا يخفى.
والمناقشة في
سندها بإبراهيم بن هاشم ضعيفةٌ جدّاً ، إذ قد وثّقه ابن طاوس في فلاح السائل
صريحاً مدّعياً اتّفاق الأصحاب عليه ، وهو ممدوحٌ بلا إشكال ، فغايته أن تُعدّ الرواية من
الحسان المحكومة بالاعتبار وإن لم تكن من الصحيح الأعلائي ، كيف؟! وروايات علي بن
إبراهيم تتجاوز الخمسة آلاف ، وقد روى أربعة آلاف منها بواسطة أبيه إبراهيم بن
هاشم ، فلو بُني على هذه المناقشة لزم رمي طائفة كبرى من النصوص وإلغاؤها عن
الحجّيّة ، وهو كما ترى لا يلتزم به الأصحاب جزماً.
وكيفما كان ،
فلم يوجد مخالف في المسألة إلّا المحدّث الكاشاني (قدس سره) ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حيث يظهر منه عدم الوجوب ، غايته أنّه لا يجوز تفويت الزكاة بعد دخول الشهر
الثاني عشر ، ويجب التحفّظ عليها ، ولا يسوغ التصرّف ببيعٍ ونحوه ممّا ينافي بقاء
المال ، أمّا الوجوب فلا يتأتّى إلّا بعد مضيّ الحول بكامله ، قائلاً : إنّ هذا من
الضروريّات التي ثبتت بالروايات ، فكيف يمكن رفع اليد عن هذا الحكم الضروري بالخبر
الواحد المتقدّم آنفاً الذي فيه ما فيه؟! مشيراً بذلك على الظاهر إلى اشتمال السند
على إبراهيم بن هاشم كما عرفت.
واستجوده صاحب
الحدائق لولا أنّ الإجماع على خلافه ، وأيّده بصحيحة عبد الله
بن سنان ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : لمّا نزلت آية الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِها) في شهر رمضان ، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
مناديه فنادى في الناس : إنّ الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم
الصلاة إلى أن قال : ثمّ لم يتعرّض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل
فصاموا وأفطروا ، فأمر (صلّى الله عليه وآله) مناديه فنادى في المسلمين : أيّها
المسلمون ، زكّوا أموالكم» .
حيث إنّها دلّت
صريحاً على أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يطالب المسلمين بشيء قبل انقضاء السنة
بكاملها ، فتدلّ لا محالة على عدم تعلّق الوجوب إلّا بعد مضيّ الحول التام.
أقول
: أمّا ما أفاده
من أنّ الحكم الضروري لا يرفع اليد عنه فلا يكاد يتحصّل منه معنىً صحيح ، لأنّه (قدس
سره) إن أراد أنّ الاشتراط بالحول بمعنى السنة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الكاملة ضروري ، فيمكن أن يقال : إنّ عدمه ضروري ، إذ لم يخالف أحدٌ من
الفقهاء في الاكتفاء بدخول الشهر الثاني عشر كما مرّ .
وإن أراد
بالحول أعمّ من ذلك الشامل لدخول الشهر المزبور ، فلا منافاة بينه وبين الخبر
الواحد المتقدّم بوجه كما هو ظاهر.
وبعبارة أُخرى
: لا ريب أنّ ظاهر الأخبار اعتبار الحول الكامل ، فإنّ إطلاقه على السنة باعتبار
دورانها وتحويلها عند انتهاء سيرها من نقطة كأوّل الربيع مثلاً إلى ما بعدها ،
إلّا أنّ الصحيحة الحاكمة دلّتنا على أنّ المراد بالحول مجرّد الدخول في الشهر
الثاني عشر ، فلا بدّ من الأخذ به بعد حجّيّته وعمل الأصحاب به قديماً وحديثاً من
غير خلافٍ من أحدٍ أبداً.
وأمّا مناقشته
في الصحيحة بقوله : فيه ما فيه ، فقد عرفت ما فيه.
وأمّا استشهاد
صاحب الحدائق بصحيحة عبد الله بن سنان فلا شهادة لها على مسلك المحدّث الكاشاني
بوجه ، فإنّها إنّما دلّت على تأخير المطالبة إلى ما بعد تماميّة السنة ، وهو
أجنبي عن محلّ الكلام من وجوب الزكاة على المالك ، ولعلّه (صلّى الله عليه وآله)
أخّر إرفاقاً أو لمصلحةٍ أُخرى وإن تعلّق الوجوب قبل ذلك.
بل هو (صلّى
الله عليه وآله) أخّر المطالبة عن ظرف التعلّق على كلّ تقدير ، لأنّ وجوب الزكاة
قد نزل في شهر رمضان بمقتضى نفس هذه الصحيحة ، وحلول الحول الكامل يستدعي المطالبة
في رمضان القابل ، مع أنّه (صلّى الله عليه وآله) أخّرها إلى ما بعد الفطر كما
صرّح به فيها ، فقد أخّر المطالبة بأيّامٍ عديدة عن الوقت الذي حدث فيه الوجوب
بإجماع المسلمين أعني : مضيّ السنة التامّة ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فلا فرق بين القول بحدوث الوجوب بعد مضيّ السنة أو بدخول الشهر الثاني عشر
في أنّ المطالبة قد تأخّرت عن ظرف الوجوب على التقديرين ، فالإشكال مشترك الورود ،
والحلّ ما عرفت من أنّ المطالبة شيء ، والوجوب شيء ، وأحدهما أجنبي عن الآخر.
وكيفما كان ،
فالصحيحة واضحة الدلالة على حدوث الوجوب بحلول الشهر الثاني عشر ، ولا سيّما
بملاحظة ما تضمّنته من تشبيه المقام بالإفطار في شهر رمضان ، حيث جعل الهبة بعد
حلول الشهر بمنزلة السفر بعد الإفطار ، والهبة قبله بمنزلة الإفطار بعد السفر ، فإنّه
كالصريح في حدوث وجوب الزكاة في هذا الوقت ، لا أنّه مجرّد حرمة التفويت ، بل
الحرمة مترتّبة على وجوب الزكاة ، فكلام المحدّث الكاشاني لا يمكن المساعدة عليه
بوجه.
نعم ، يبقى
الكلام في بعض الجهات :
منها : أنّ
الصحيحة قد دلّت كما عرفت على تحقّق الحول بدخول الشهر الثاني عشر ، فهل ذلك من
أجل أنّ الحول حقيقة شرعيّة في باب الزكاة في أحد عشر شهراً بحيث يحتسب الشهر
الثاني عشر مبدأ لسنة جديدة كي ينقضي حولان بمضيّ اثنين وعشرين شهراً وتجب عندئذٍ
زكاة اخرى لسنة جديدة كما ذهب إليه فخر المحققين على ما نُسِبَ إليه ؟
الظاهر أنّ
الأمر ليس كذلك ولا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه بوجه ، إذ لم يظهر من الصحيحة
أنّ للحول معنىً شرعيّاً غير معناه اللغوي ، بل غايتها الدلالة على أنّه قد حال
عليه الحول المبنيّ لا محالة على ضربٍ من العناية ، كما هو المتعارف في
الاستعمالات الدارجة عند أهل العرف ، فيقال فيمن بقي في بلدة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تسعة وعشرين يوماً وبعد أن دخل في يوم الثلاثين : أنّه أقام فيها شهراً
باعتبار تلبّسه بالجزء الأخير.
وعلى
الجملة : فلم يظهر من
الصحيحة التصرّف في معنى الحول ، بل حكم فيها أنّه حال الحول وأنّه يكفي هذا
المقدار في وجوب الزكاة. وأمّا أنّه حقيقة شرعيّة فيه كي تؤخذ منه ويلحق بالسنة
الجديدة فكلّا ، مضافاً إلى الروايات الدالّة على أنّ المال الواحد لا يزكّى في
سنة مرّتين.
على أنّ صحيحة
عبد الله بن سنان المتقدّمة ظاهرةٌ في ذلك ، إذ لم يطالبهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلّا بعد
ما أفطروا ، فحاسبهم بكلّ سنة سنة ، فليتأمّل.
إذن فلا موجب
لاحتساب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية ، بل لكلّ سنة زكاة واحدة ، فيلحق
الشهر الثاني عشر بالسنة الأُولى ، غاية الأمر أنّ هذا الوجوب ليس فوريّاً ، بل
يجوز تأخيره إلى آخر السنة ، لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) طالب بعد انقضاء
السنة ، فليس الحول في لسان الشرع غير الحول في لسان العرف.
ومنها : أنّه
هل الوجوب العارض بحلول الشهر الثاني عشر منجّز مستقرّ؟ أو أنّه مراعى ببقاء سائر
الشرائط إلى آخر السنة ، فلو ارتفع بعضها كما لو جنّ أو نقص المال عن النصاب ونحو
ذلك سقط الوجوب؟
__________________
[٢٦٤٠] مسألة ٩
: لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول (١) ،
كما لو نقصت عن النصاب أو لم يتمكّن من التصرّف فيها أو عاوضها بغيرها وإن كان
زكويّاً من جنسها ، فلو كان عنده
______________________________________________________
ذهب جماعة إلى
الأوّل ، ونُسِبَ الثاني إلى الشهيدين والمحقّق الثاني .
ولم يظهر له
وجهٌ صحيح ، فإنّ الصحيحة ولا سيّما بملاحظة التشبيه بمن أفطر ثمّ سافر ظاهرة في
الوجوب المستقرّ ، فلا دليل على اعتبار بقاء الشرائط إلى نهاية السنة بعد ورود مثل
هذا الدليل الحاكم ، المتضمّن لتفسير الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر ، الكاشف
عن أنّ هذا هو المراد ، ممّا دلّ على بقاء الشرائط إلى نهاية الحول.
نعم ، ما
اختاره الشهيد الثاني في المسالك وجيهٌ على مسلكه ، حيث ارتأى ضعف الرواية ، وعوّل
في المسألة على الإجماع ، وهو دليل لبّي يقتصر على المتيقّن منه ، وهو أصل
الوجوب دون الاستقرار ، فما دلّ على لزوم كون الغنم سائمة في تمام الحول مثلاً هو
المحكّم.
وأمّا على ما
ذكرناه من صحّة الرواية وحجّيّتها فلا قصور لها ، وقد عرفت أنّ مقتضى إطلاقها هو
الوجوب المستقرّ ، فلا موجب لكونه مراعى والالتزام بالشرط المتأخّر كما لا يخفى.
(١) كما هو
ظاهرٌ ممّا تقدّم بعد وضوح انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وإنّما الكلام في موردين
:
__________________
نصابٌ من الغنم مثلاً ومضى ستّة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى عليه ستّة أشهر
أُخرى لم تجب عليه الزكاة ، بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة وإن كانت بقصد الفرار
من الزكاة.
______________________________________________________
أحدهما
: ما لو بدّل
جنساً زكويّاً بمثله في أثناء الحول ، كما لو كانت عنده أربعون من الغنم وقد مضى
ستّة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى ستّة أشهر أُخرى.
فإنّ المنسوب
إلى الشيخ في المبسوط وجوب الزكاة حينئذٍ ، ووافقه فخر المحقّقين في شرحه على الإرشاد بعد أن
نسبه إلى الشيخ وأنّه استدلّ بالرواية .
ولكن الرواية
لا وجود لها ، والشيخ أيضاً لم يستدلّ بها ولم يذكرها لا في كتب الحديث ولا
الاستدلال ، وإنّما استند إلى الإطلاق ، لصدق أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول وإن
لم ينطبق على شخص معيّن بل كان منطبقاً على جنسه.
ولكنّك عرفت
عدم الإطلاق في شيءٍ من النصوص ، وأنّها ظاهرة في حلول الحول على شخص العين
الزكويّة ، وأن يكون عند ربّه طول الحول ، فاستظهار الاكتفاء بالجنس دون الشخص في
غير محلّه.
فالصحيح ما
عليه المشهور شهرة عظيمة بل كادت تكون إجماعاً ، من سقوط الزكاة حينئذٍ ، عملاً
بظواهر النصوص الدالّة على لزوم مراعاة الشرائط في نفس العين إلى تمام الحول كما
عرفت.
الثاني
: لا ريب في عدم
وجوب الزكاة فيما لو خرج عن الملك أثناء الحول بسببٍ غير اختياري وكذا الاختياري
لغاية أُخرى غير الفرار.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإنّما الكلام
فيما لو أخرجه عن الملك بهبةٍ ونحوها بقصد الفرار من الزكاة ، فإنّ المشهور حينئذٍ
سقوط الزكاة أيضاً أي عدم تعلّق الوجوب فلا فرق في ذلك بين قصد الفرار وبين غيره
من سائر الدواعي ، لإطلاق النصوص ، بل التصريح في جملة منها بالسقوط عمّن فرّ عنها
بالتبديل ، كما في صحيحة عمر ابن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :
رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه شيء؟ «فقال : لا ، ولو
جعله حليّاً أو نقراً فلا شيء عليه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ
الله الذي يكون فيه» .
وعن جماعة
كثيرين : ثبوت الزكاة حينئذٍ وعدم سقوطها فيما إذا كان بقصد الفرار ، ومنهم السيّد
المرتضى (قدس سره) ، مستدلّاً عليه بعد دعوى الإجماع بجملة من الأخبار ، مدّعياً
أنّها أقوى وأوضح طريقاً من النصوص المتقدّمة ، وأنّها محمولة على التقيّة ، لأنّ
عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين .
أقول
: أمّا ما أفاده
من أنّ عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين فليس الأمر كذلك ، بل المسألة عندهم أيضاً
خلافيّة وهي ذات قولين ، فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم الوجوب ومالك وأحمد بن
حنبل إلى الوجوب كما نبّه عليه في الحدائق
، والمذاهب الأربعة وإن لم تكن كلّها مشهورة في زمن
الصادقين (عليهما السلام) إلّا أنّه يعلم من ذلك وجود الخلاف بين العامّة آن ذاك ،
المانع عن الحمل على التقيّة كما لا يخفى ، فليتأمّل.
وأمّا ما ذكره (قدس
سره) من أنّ نصوص الثبوت أوضح طريقاً من نصوص
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السقوط فليس كذلك أيضاً ، فإنّ نصوص السقوط كثيرة وجملة منها صحاح كصحيحة
عمر بن يزيد المتقدّمة آنفاً ، وأمّا روايات الثبوت فهي أربع :
إحداها
: ما رواه الشيخ
بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد ابن عبد الله ، عن محمّد بن أبي عمير
، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل
يجعل لأهل الحلي إلى أن قال : قلت له : فإنّه فرّ به من الزكاة «فقال : إن كان فرّ
به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» .
ولا مجال لحملها
على ما إذا كان الفرار بعد حلول الحول ، لعدم الفرق حينئذٍ بين ما إذا كان بقصد
الفرار أو بقصد التجمّل ، فلا يستقيم ما تضمّنته من التفصيل بينهما كما هو ظاهر ،
فهي صريحة الدلالة ، غير أنّ سندها قابلٌ للخدش ، لمكان محمّد بن عبد الله ، فإنّ
المسمّى بهذا الاسم الواقع في هذه الطبقة أعني : طبقة مشايخ ابن فضّال مشتركٌ بين
الثقة وهو محمّد بن عبد الله بن زرارة بن أعين وبين الضعيف وهو محمّد بن عبد الله
بن مهران ، فإنّه أيضاً معروفٌ وله كتاب ولكنّه كذّاب غال كما عن النجاشي وبين مجهول
الحال وهو محمّد بن عبد الله بن عمرو ، الذي هو أيضاً معروف وله كتاب فالاسم
مردّدٌ بين الثقة والضعيف والمجهول.
وما عن صاحب
الحدائق من توصيفها بالصحّة ، نظراً إلى أنّ ابن إدريس رواها في مستطرفات السرائر
نقلاً عن كتاب معاوية ابن عمّار نفسه ، فليس في الطريق محمّد بن عبد الله ليتأمّل
من أجله .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كما ترى ،
ضرورة أنّ ابن إدريس لم يكن معاصراً لمعاوية بن عمّار ، فبينهما واسطة لا محالة
وهي مجهولة ، إذ لم يعلم طريقه إلى الكتاب ، لعدم تعرّضه إليه لا في السرائر ولا
في غيره.
هذا ، ولكن
الظاهر أنّ المراد به هو الثقة أعني : محمّد بن عبد الله بن زرارة ابن أعين
الموثّق عندنا ولا أقلّ من أجل وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، فإنّ المسمّى بهذا
الاسم الواقع في هذه الطبقة وإن كان كثيراً إلّا أنّ من يروي عنه علي بن الحسن بن
فضّال هو هذا الرجل ، لروايته عنه في مواضع كثيرة تبلغ نيفاً وثلاثين موضعاً ، فهو
كثير الرواية عن هذا الرجل ، بل لم نظفر على روايته عن غيره ممّن يسمّى بهذا
الاسم.
أجل ، روى في
التهذيب عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبد الله الحلبي ، إلّا أنّ في
نسخة اخرى من التهذيب : عبيد الله ، بدل : عبد الله ، كما أنّه روى في مواضع أُخر
أيضاً عن عبيد الله الحلبي ، فلم تثبت روايته عن غير محمّد ابن عبد الله بن زرارة
، فهذه القرينة تورث الاطمئنان بأنّ المراد به في المقام هو ابن زرارة كما ذكره
الأردبيلي ، إذن فالمناقشة في السند في غير محلّها.
الثانية
: موثّقة زرارة
، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ أباك قال : «من فرّ بها من الزكاة
فعليه أن يؤدّيها» «فقال : صدق أبي ، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب
عليه فلا شيء عليه منه» إلخ .
ولكن الدلالة
كما ترى قاصرة ، بل يمكن أن يقال : إنّها ظاهرة في العدم ، حيث فسّر الصادق (عليه
السلام) ما قاله أبوه ونزّله على ما إذا كان الفرار بعد استقرار الوجوب عليه أي
بعد حلول الحول وأنّ عليه أن يؤدّي حينئذٍ ما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجب عليه ولا ينفعه الفرار ، بخلاف ما إذا كان ذلك قبل أن يجب عليه أي قبل
حلول الحول فإنّه لا شيء عليه منه أي من فراره فهي إذن على خلاف المطلوب أدلّ
وتلحق بالطائفة الأُولى الدالّة على السقوط كما لا يخفى.
وممّا ذكرنا
يظهر الجواب عن الرواية.
الثالثة
: وهي موثّقة
محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي ، فيه زكاة؟ «قال
: لا ، إلّا ما فرّ به من الزكاة» .
لوضوح أنّها
مطلقة من حيث كون الفرار بعد الحول أم أثنائه ، فتحمل على ما بعد الحول ، بقرينة
نصوص الطائفة الأُولى المصرّحة بسقوط الزكاة فيما إذا كان الفرار أثناء الحول.
الرابعة
: موثّقة إسحاق
بن عمّار : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليه زكاة؟ «فقال : إن كان فرّ
بها من الزكاة فعليه الزكاة» .
وهي مضموناً
تقارب سابقتها ، فيجري فيها الجواب المتقدّم من أنّها مطلقة من حيث كون الفرار قبل
الحول أم بعده ، فتحمل على ما بعده بقرينة النصوص المتقدّمة النافية للزكاة لو كان
الفرار قبله.
وغير خفي أنّ
هذه الرواية معتبرة ، لصحّة طريق الشيخ إلى إسحاق بن عمّار المنتهى إلى محمّد بن
علي بن محبوب كما ذكره في الفهرست .
نعم ، لم
يتعرّض له في المشيخة.
فما في جامع
الرواة من أنّ طريق الشيخ إلى إسحاق بن عمّار صحيحٌ في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الفهرست والمشيخة . سهوٌ من قلمه الشريف ، إذ لم يتعرّض للطريق المزبور في
المشيخة.
وقد أكثر
الأردبيلي من هذا النوع من الاشتباه ، وقد أحصيناه فبلغ تسعة وثلاثين مورداً ، ذكر
فيها أنّ الطريق صحيح في المشيخة والفهرست مع أنّه مذكور في الفهرست فقط ، التي
منها طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب ، فإنّه صحيح في الفهرست ، وأمّا في المشيخة
فهو وإن كان مذكوراً إلّا أنّه ليس بصحيح ، لأنّ فيه أحمد بن محمّد بن يحيى
، وفيه كلام.
وبالجملة
: فهذه الروايات
ما عدا الاولى منها قاصرة الدلالة وإن صحّت أسنادها ، فكيف تكون أقوى وأوضح طريقاً
كما ادّعاه السيّد (قدس سره)؟! هذا ، ومع الغضّ عمّا ذكر ، فإن أمكن الجمع بالحمل
على الاستحباب كما هو ليس بكلّ البعيد ، نظراً إلى أنّ هذا الجمع وإن ناقشنا فيه
سابقاً باعتبار أنّ بين قوله : فيه الزكاة ، و : ليس فيه الزكاة ، تهافتاً في نظر
العرف ، فلا يقبل الحمل المزبور ، إلّا أنّه في خصوص المقام غير بعيد ، من أجل
التعليل في بعض تلكم النصوص بأنّ ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله ،
كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة .
وبالجملة
: فإن أمكن هذا
الجمع فهو ، وإلّا فقد عرفت فيما مرّ عدم استقامة الحمل على التقيّة.
وعليه ، فبعد
تعارض الطائفتين وتساقطهما يرجع إلى إطلاقات أدلّة اعتبار الحول ، التي مقتضاها
عدم تعلّق الزكاة فيما لم يمرّ عليه الحول ، سواء أكان ذلك
__________________
[٢٦٤١] مسألة ١٠ : إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من
النصاب شيء (١) ، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن ، وإن كان بتفريط منه ولو
بالتأخير مع التمكّن من الأداء ضمن بالنسبة .
نعم ، لو كان
أزيد من النصاب وتلف منه شيء مع بقاء النصاب على حاله ، لم ينقص من الزكاة شيء
وكان التلف عليه بتمامه مطلقاً على إشكال .
______________________________________________________
بقصد الفرار أم بغير ذلك ، ومع الغضّ عن ذلك فالمرجع أصالة البراءة.
(١) تارةً
يُفرَض الكلام فيما لو عرض التلف بعد العزل ، وأُخرى قبله.
أمّا الأوّل :
فحكمه ظاهر من كون التلف من المالك إن عرض على المعزول عنه ، ومن الزكاة إن عرض
على المعزول بشرط عدم التفريط ، وإلّا كان ضامناً ، وسيجيء التعرّض له في كلام
الماتن قريباً إن شاء الله تعالى.
والكلام فعلاً
متمحّض في الثاني أعني : حكم التلف قبل الإفراز والعزل وهذا قد يفرض فيه عروض
التلف على جميع المال الزكوي ، وقد يفرض على مقدارٍ منه ، كشاة واحدة من أربعين
شاة.
أمّا
الأوّل : فلا ريب أنّ
مقتضى القاعدة فيما لو تلف الكلّ بحرقٍ أو غرقٍ أو سرقةٍ ونحوها ولم يكن بتفريط من
المالك ولو بالتأخير في الدفع مع وجود المستحقّ هو : عدم الضمان ، على اختلاف
المباني في كيفيّة تعلّق الزكاة ، من كونها بنحو الشركة الحقيقيّة أي الإشاعة أو
الشركة في الماليّة أو الكلي في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المعيّن ، إذ على الأوّل قد تعلّق التلف بالمال المشترك ، وعلى الثاني لا
ماليّة ليشترك فيها الفقير ، وعلى الثالث قد تلف مخرج الكلّي.
وعلى
الجملة : فالزكاة على
التقادير الثلاثة حقٌّ متعلّق بالعين لا موضوع له عند فناء العين وانعدامها غير
المستند إلى التفريط حسب الفرض ، فإنّ الزكاة حينئذٍ أمانة شرعيّة في يد المالك ،
ومثلها لا ضمان فيها.
نعم ، يتّجه
الوجوب على مبنى واحد ، وهو أنّ تعلّقها بالعين من قبيل تعلّق حقّ الرهانة ،
فالواجب كلّي في الذمّة ، والعين الخارجيّة وثيقة كما في الرهن لا يجوز التصرّف
فيها ما لم تبرأ الذمّة ، إذ على هذا المبنى لم يطرأ التلف على الزكاة ، لأنّ
موطنها الذمّة ، ومثله مصون عن التلف.
لكن المبنى
المزبور فاسدٌ جدّاً وغير قابل للتصديق بوجه ، لتطابق النصوص طرّاً على أنّ الزكاة
كيفما كان حقٌّ متعلّق بالعين الخارجيّة ، فهي الموطن له دون الذمّة ، ونتيجته ما
عرفت من عدم الضمان حسبما ذكرناه.
وتؤيّده مرسلة
ابن أبي عمير الواردة في مفروض الكلام عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل
يكون له إبل أو بقر أو غنم فيحول عليه الحول فتموت الإبل والبقر والغنم ويحترق
المتاع «قال : ليس عليه شيء» .
فإنّها ظاهرة
في موت الأنعام أو احتراق المتاع من قبل أنفسها من غير تفريط ، إذ التعبير بالموت
والاحتراق ظاهرٌ في ذلك كما لا يخفى ، فلا إطلاق لها يقتضي نفي الضمان ولو مع
التفريط ليحتاج إلى التقييد بالإجماع.
وهي دليلٌ على
المطلوب ، بناءً على المشهور من أنّ مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد ، وأمّا
على المختار من أنّها كمراسيل غيره لا حجّيّة لها فلا تصلح إلّا للتأييد.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وكيفما كان ،
فالحكم ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، والمسألة موردٌ للإجماع والتسالم.
هذا كلّه فيما
إذا لم يكن مفرّطاً.
أمّا مع
التفريط ، فهو ضامن لتمام الزكاة كما هو الحال في سائر موارد التفريط المتعلّق
بمال الغير.
وأمّا
الثاني أعني : ما لو
تلف بعض النصاب كما لو تلف من الأربعين شاة نصفها ـ : فإن لم يكن عن تفريطٍ فلا
ضمان على المالك ، بل يقسّط التلف عليهما بالنسبة ، فينقص عن الزكاة في المثال نصف
الشاة ، إذ نسبة التلف إلى أحدهما دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجّح ، فلا مناص من
التقسيط.
وإن كان
بتفريطٍ منه ولو بالتأخير في الأداء مع التمكّن منه ، فقد ذكر في المتن أنّه يضمن
بالنسبة ، فإن كان هناك إجماعٌ كما لا يبعد ، وإلّا فلا يتمّ على جميع المباني ،
إذ لو بنينا على أنّ تعلّق الزكاة بالعين من قبيل الكلّي في المعيّن كما عليه
الماتن لم يطرأ تلف على الزكاة ليحكم بالضمان ، كما لو باع صاعاً من صبرة مشتملة
على صياع فتلف بعضها ، فإنّه محسوب من المالك بلا إشكال ، لعدم عروض التلف على
الكلّي الذي هو حقّ المشتري ، فيلزم في المقام دفع الزكاة من الباقي.
نعم ، يتّجه
ذلك بناءً على الشركة الحقيقيّة أو في الماليّة كما لا يخفى ، ولكن الحكم المزبور
موردٌ للإجماع ظاهراً.
هذا كلّه فيما
إذا كان الموجود بمقدار النصاب.
وأمّا لو كان
أزيد منه وتلف منه شيء مع بقاء النصاب على حاله ، كما لو كان عنده خمسون من
الشياه فتلف منها خمسة أو عشرة ، فحينئذٍ كان التلف على المالك ولم ينقص من الزكاة
شيء كما ذكره في المتن.
[٢٦٤٢] مسألة ١١ : إذا ارتدّ الرجل المسلم : فإمّا أن يكون عن
ملّة ، أو عن فطرة ، وعلى التقديرين : إمّا أن يكون في أثناء الحول أو بعده (١).
فإن كان بعده
وجبت الزكاة سواء كان عن فطرة أو ملّة ، ولكن المتولّي لإخراجها الإمام (عليه
السلام) أو نائبه .
______________________________________________________
والوجه فيه ما
أشرنا إليه فيما مرّ عند التعرّض لدفع الإشكال المعروف في نصاب الغنم ، وملخّصه :
أنّ موضوع النصاب وهو أنّ في كلّ أربعين شاة متحقّقٌ في المقام بمقتضى الإطلاق ،
لصدقه على الموجود الخارجي ، فيعمّه الحكم.
وبعبارة
اخرى : تتألّف الشياه
الخمسون في المثال من أربعين وفيها شاة ومن عشرة ولا شيء فيها ، وبما أنّ النصاب
أعني : الأربعين ملحوظٌ بنحو الكلّي الطبيعي ، وهو صادق على الموجود الخارجي بعد
التلف ، فلا جرم يشمله إطلاق الدليل ، فإنّ كلّيّة النصاب تستدعي سلامته عن التلف
بعد وجود مصداقه في الخارج ، ونتيجته احتساب التلف بتمامه على المالك كما ذكرناه.
ومنه تعرف أنّ
استشكال الماتن (قدس سره) في غير محلّه ، إذ لم يُعرَف له وجهٌ عدا احتمال كون
النصاب الثابت في المجموع المشتمل عليه وعلى الزائد من قبيل الجزء المشاع ، إذ
عليه لا وجه لاحتساب التلف من خصوص الزائد ، وقد ظهر جوابه ممّا مرّ ، فلاحظ.
(١) تارةً يفرض
الارتداد أثناء الحول ، وأُخرى بعده ، وعلى التقديرين : فإمّا أن يكون عن فطرة أو
عن ملّة ، وعلى التقادير : فإمّا أن يكون رجلاً أو امرأة ، فهذه صور لا بدّ من
التعرّض لحكمها.
__________________
وإن كان في
أثنائه وكان عن فطرة انقطع الحول ولم تجب الزكاة واستأنف الورثة الحول ، لأنّ
تركته تنتقل إلى ورثته.
وإن كان عن
ملّة لم ينقطع ووجبت بعد حول الحول ، لكن المتولّي الإمام (عليه السلام) أو نائبه
إن لم يتب ، وإن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه ، وأمّا لو أخرجها بنفسه قبل التوبة
لم تجزئ عنه ، إلّا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النية ، أو كان
الفقير القابض عالماً بالحال ، فإنّه يجوز له الاحتساب عليه لأنّه مشغول الذمّة
بها إذا قبضها مع العلم بالحال وأتلفها ، أو تلفت في يده.
وأمّا المرأة
فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقاً.
______________________________________________________
أمّا إذا كان
بعد الحول : فقد استقرّت عليه الزكاة ، إذ لا يقتضي الارتداد سقوطها بوجه ، فيجب
عليه أداؤها ، ولكن بما أنّها عبادة لا تصحّ من الكافر فلا جرم يتصدّى لإخراجها
الإمام (عليه السلام) أو نائبه.
وهذا في
المرتدّ الملّي واضح ، لتمكّنه من الأداء باختيار التوبة والرجوع إلى الإسلام ،
لقبول توبته بلا كلام ، فهو قادر على أداء الزكاة بالقدرة على مقدّمتها وهي التوبة
والرجوع فلو لم يرجع دخل في الممتنع ، ولا شكّ أنّ الحاكم الشرعي وليُّ الممتنع في
أخذ الزكاة منه ولو قهراً ، كما يشير إليه قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وتبرأ ذمّته بذلك.
ويلحق به
الفطري إن كان امرأة ، لقبول توبتها كالملّي بلا إشكال ، فيجري
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عليها حكمه.
وأمّا الرجل
الفطري : فهو محكوم بأحكام ثلاثة : القتل ، وبينونة الزوجة ، وانتقال ماله إلى
الورثة. ولا كلام كما لا إشكال في عدم قبول توبته بالإضافة إلى شيء من هذه
الأحكام ، فتنفذ في حقّه ، ولا تنفع التوبة في سقوط شيء منها.
وهل تقبل توبته
بالإضافة إلى سائر الأحكام التي منها أداء الزكاة في المقام؟
الظاهر هو
القبول.
ويدلّنا عليه
مضافاً إلى إطلاقات أحكام الإسلام من كلّ معترف بالشهادتين أنّه لا شكّ في أنّ هذا
الشخص أعني : التائب عن الارتداد الفطري مكلّف بالصلاة والصيام ، إذ لا يحتمل أن
يبقى مطلق العنان غير مكلّف بشيء كالبهائم ، فإنّ هذا خلاف المقطوع به من الشرع
كما لا يخفى ، ولا تكاد تصحّ منه هذه التكاليف إلّا مع افتراض قبول التوبة ، لعدم
صحّتها من الكافر.
وعليه ، فحاله
حال الملّي في كونه متمكّناً من أداء الزكاة بالرجوع والتوبة واختيار الإسلام ،
فلو لم يرجع كان من الممتنع ، وقد عرفت أنّ الحاكم الشرعي وليُّ الممتنع ، فيكون
هو المتصدّي للإخراج.
فتحصّل أنّه في
جميع هذه الفروض يكون المتولّي هو الإمام أو نائبه.
هذا كلّه فيما
إذا لم يتب.
وأمّا لو تاب
فإمّا أن يكون قبل الإخراج أو بعده ، ففي الأوّل يتولّى الإخراج بنفسه.
وأمّا الثاني
أعني : ما لو أخرجها بنفسه حال الارتداد ثمّ تاب فهو على صور : لأنّه إمّا أن تكون
العين باقية في يد الفقير أو تالفة ، وعلى الثاني فإمّا أن
.................................................................................................
______________________________________________________
يكون الفقير القابض عالماً بالحال أي حالة ارتداد الدافع أو جاهلاً.
فمع بقاء العين
يجدّد النيّة ، إذ لا اثر للدفع السابق الصادر حال الارتداد.
وأمّا مع التلف
: فإن كان عن علمٍ من القابض جاز الاحتساب عليه ، لأنّه مدين للمالك وضامن للمال ،
إذ مع علمه بارتداد المالك المستلزم لعدم اتّصاف المدفوع بالزكاة وبقائه على ملك
مالكه فتصرّفه فيه تصرّفٌ في مال الغير ، وليس التسليط من المالك إلّا بعنوانٍ وهو
الزكاة يعلم القابض بعدم صحّته من المالك حسب الفرض ، وعليه فلو أتلفها أو تلفت في
يده كان الفقير القابض مشغول الذمّة ومديناً ، فيجوز للمالك أن يحتسب هذا الدين من
الزكاة ، فلا يجب عليه الدفع ثانياً.
نعم ، يجب ذلك
في الصورة الثالثة أعني : ما إذا كان القابض جاهلاً بالحال لعدم ضمانه حينئذٍ بعد
أن كان مغروراً من قبل المالك ، إذ هو الذي سلّطه على المال مجّاناً وغرّره في
إتلافه ، فكان قرار الضمان عليه لا على الفقير الجاهل ، فلا دين ليحتسب من الزكاة
، فلا مناص من تكرارها ودفعها ثانياً ، فلا حاجة إلى التكرار إلّا في صورة واحدة
من هذه الصور الثلاث ، وأمّا في الصورتين الأُخريين فيجدّد النيّة أو يحتسب حسبما
عرفت.
وأمّا إذا كان
الارتداد أثناء الحول : فإن كان عن فطرة انقطع الحول وسقطت عنه الزكاة ، لخروج
المال عن ملكه وانتقاله إلى الورثة ، ووجب استئناف الحول على كلّ وارثٍ بلغت حصّته
النصاب. وعلى أيّ حال ، لا موضوع للزكاة بالإضافة إلى المرتدّ نفسه.
وإن كان ملّة
أو كان امرأة وإن كان ارتدادها عن فطرة ، فبما أنّ المال باقٍ على ملك المالك
حينئذٍ فلا موجب لانقطاع الحول ، بل ينتظر إلى ما بعد حلول
.................................................................................................
______________________________________________________
الحول ، فإن تاب ورجع كان هو المتولّي للإخراج ، وإلّا دخل في الممتنع ،
وكان المتصدّي حينئذٍ هو الحاكم الشرعي حسبما عرفت.
وكيفما كان ،
فسقوط الزكاة عن الكافر على القول به كما تقدّم يراد به الكافر الأصلي ، وإلّا
فالارتداد لا يوجب سقوط الأحكام الثابتة في الإسلام ، لإطلاقات الأدلّة ، مضافاً
إلى بعض النصوص الخاصّة الواردة في الموارد المتفرّقة ، غاية الأمر أنّ كفره مانعٌ
عن تصدّيه بنفسه ، فيتولّاه الحاكم الشرعي حسب التفصيل الذي عرفت بما لا مزيد
عليه.
نعم ، في
المرتدّ الفطري لا يبعد القول بأنّ الولاية للوارث دون الحاكم كما أشار إليه
سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة ، نظراً إلى ما تقدّم من أنّ
الخيار إنّما هو للمالك لا للساعي ولا للفقير ، بمقتضى صحيحة بريد المعلّلة
بأنّه الشريك الأعظم وإنّ أكثره له ، حيث يستفاد منها أنّ الاختيار في باب الزكاة
أي ولاية التطبيق إنّما هي بيد الشريك الأعظم الأوفر نصيباً ، ومصداقه في المقام
هو الوارث ، لانتقال المال إليه بعد الارتداد عن فطرة ، فإنّه الشريك فعلاً مع
الفقير بدلاً عن المالك قبل الارتداد ، فالمقام نظير الموت الحقيقي ، فكما أنّ
المالك لو مات بعد حلول الحول كان الخيار للوارث بلا خلافٍ فيه ولا إشكال وهو
موردٌ للإجماع والتسالم ظاهراً ، فكذا في الارتداد الذي هو موتٌ معنوي ، وكيفما
كان فشمول النصّ المتقدّم للمقام غير بعيد.
__________________
[٢٦٤٣] مسألة
١٢ : لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلاً فحال عليه أحوال (١) ، فإن
أخرج زكاته كلّ سنة من غيره تكرّرت ، لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب. ولو أخرجها
منه أو لم يخرج أصلاً لم تجب إلّا زكاة سنة واحدة ، لنقصانه حينئذٍ عنه.
______________________________________________________
(١) فإمّا أن
يكون قد أخرج زكاته كلّ سنة من غير النصاب إمّا من الجنس أو من القيمة أو أخرجها
من نفس النصاب ، أو لم يخرج أصلاً.
ففي القسم
الأوّل : تتكرّر الزكاة لكلّ سنة ، لعدم نقصان المال عن النصاب بعد فرض الدفع من
خارجه ، لكن مبدأ الحول للسنة الثانية إنّما هو من زمان الدفع ، فإنّه الزمان الذي
يملك فيه النصاب تامّاً ، إمّا قبله فناقص ، للاشتراك بينه وبين الفقير كما هو
ظاهر.
وفي القسم
الثاني : لم تجب إلّا زكاة السنة الأُولى ، لنقصه بذلك عن النصاب ، فلا موضوع
للزكاة في السنين اللّاحقة.
وكذا الحال في
القسم الثالث ، إذ بعد شركة الفقير معه في السنة الأُولى بمقتضى تعلّق الزكاة فقد
نقص عن النصاب ، فلا موضوع للوجوب بعدئذ.
وهذا بناءً على
الشركة الحقيقيّة أو في الماليّة أو الكلّي في المعيّن واضح ، لتعلّق الزكاة
حينئذٍ بالعين على جميع هذه المباني ، فينقص عنها بالنسبة حسبما عرفت.
وأمّا بناءً
على أنّها بنحو الكلّي في الذمّة ولا تعلّق لها بالعين إلّا بنحو الوثيقة
المتحقّقة في حقّ الرهانة ، فربّما يتوهّم أنّ اللازم حينئذٍ تكرار الزكاة لكلّ
سنة ، لعدم نقص شيء من العين بعد تعلّق الحقّ بالذمّة ، فيبقى النصاب على حاله.
ويندفع
: بأنّ العين
وإن كانت بأجمعها للمالك ولم يكن شيء منها ملكاً للفقير
ولو كان عنده
أزيد من النصاب (١) كأن كان عنده خمسون شاة وحال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها ، وجب
عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب.
فلو مضى عشر
سنين في المثال المفروض وجب عشر.
ولو مضى إحدى
عشرة سنة وجب أحد عشر شاة ، وبعده لا يجب عليه شيء ، لنقصانه عن الأربعين.
______________________________________________________
على هذا المبنى ، إلّا أنّها متعلّق لحقّه سنخ حقّ الرهانة كما هو المفروض
، فلا يكون الملك طلقاً تامّ التصرّف ، إذ لا يجوز للمالك التصرّف قبل فكّ الرهن
وأداء الحقّ ، وقد تقدّم اعتبار الملك الطلق في تعلّق الزكاة .
على أنّ هذا
المبنى فاسد جدّاً كما سيجيء التعرّض له في محلّه إن شاء الله تعالى.
(١) فيجب في
هذه الصورة دفع الزكاة عن كلّ سنة ، لعدم النقص بذلك عن النصاب كما كان كذلك في
الصورة السابقة ، فيدفع لو كان عنده أربعون مثقالاً من الذهب عن كلّ سنة ديناراً
إلى أن ينقص عن العشرين ، أو كان عنده مائة شاةٍ عن كلّ سنة شاة إلى أن ينقص عن
الأربعين ، فلو كان عنده خمسون من الغنم ومضى عليه إحدى عشرة سنة وجب أحد عشر شاةً
لكلّ سنة شاة وبعده لا يجب شيء ، لنقصانه حينئذٍ عن الأربعين كما ذكره في المتن.
__________________
ولو كان عنده
ستٌّ وعشرون من الإبل ومضى عليه سنتان ، وجب عليه بنت مخاض للسنة الأُولى ، وخمس
شياه للثانية. وإن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع شياه ، وهكذا إلى
أن ينقص من خمس فلا تجب.
______________________________________________________
نعم ، ربّما
يتفاوت الحال كما في نصاب الإبل ، فلو كان عنده ستٌّ وعشرون من الإبل ومضى عليه
سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الأُولى ، فينتقل حينئذٍ إلى النصاب السابق أعني :
خمساً وعشرين فيجب حينئذٍ خمس شياه للسنة الثانية ، ولكنّه يتوقّف على أن تكون
قيمة بنت مخاض مساوية لقيمة الواحدة من الإبل أو أقلّ ، إذ لو كانت أزيد لم يملك
حينئذٍ خمساً وعشرين تامّات ليجب خمس شياه.
كما أنّه لو
مضت ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع شياه التي هي النصاب الرابع ، ولكنّه أيضاً
يتوقّف على أن يكون قيمة بنت المخاض وخمس شياه أكثر من قيمة الواحدة ، وإلّا فلو
كان في الإبل ما تساوي قيمته ذلك لم يبعد وجوب خمس شياه للسنة الثالثة أيضاً ،
لكونه مالكاً حينئذٍ خمساً وعشرين من الإبل تامّة.
وهذا بناءً على
المختار في كيفيّة التعلّق من أنّها بنحو الشركة في الماليّة كما سيجيء تحقيقه في
محلّه إن شاء الله تعالى .
__________________
[٢٦٤٤] مسألة
١٣ : إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملكٌ جديد ، إمّا بالنتاج وإمّا بالشراء أو
الإرث أو نحوها ، فإن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق (١) فلا
إشكال في ابتداء الحول للمجموع إن كمل بها النصاب اللاحق.
وأمّا إن كان
في أثناء الحول : فإمّا أن يكون (٢) ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو ولم يكن
نصاباً مستقلا ولا مكمّلاً لنصابٍ آخر ، وإمّا أن يكون نصاباً مستقلا ، وإمّا أن
يكون مكمّلاً للنصاب.
______________________________________________________
(١) الظاهر
أنّه (قدس سره) يريد بذلك حصول الملك الجديد في الشهر الثاني عشر الذي هو متوسّط
بين الحولين ، بناءً على ما مرّ من تعلّق الوجوب بل استقراره وانتهاء الحول بدخول
الشهر الثاني عشر وإن كان ابتداء الحول اللاحق من الشهر الثالث عشر.
ولم يذكر (قدس
سره) في هذا القسم إلّا صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الملك الجديد مكمّلاً للنصاب
اللاحق ، كما لو كان مالكاً لسبعةٍ من الإبل ، فملك في الشهر الأخير ثلاثة أُخرى ،
ولم يتعرّض لما إذا كان عفواً أو نصاباً مستقلا.
وكيفما كان ،
فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع فيما إذا كان الملك الجديد في آنٍ تمّ به الحول
الأوّل أي مجموع اثني عشر شهراً فيستأنف للجميع حولاً واحداً كما ذكره في المتن ،
وهذا ظاهر.
(٢) قسّم (قدس
سره) الملك الجديد الحاصل أثناء الحول على ثلاثة أقسام : فإمّا أن يكون بمقدار
العفو ، أو النصاب المستقلّ ، أو المكمّل.
أمّا الأوّل :
فلا شيء عليه ، وحاله حال ما لو ملك الكلّ ابتداءً ، وهذا كما لو
أمّا في القسم
الأوّل : فلا شيء عليه ، كما لو كان له هذا المقدار ابتداءً ، وذلك كما لو كان
عنده من الإبل خمس فحصل له في أثناء الحول أربع أُخرى ، أو كان عنده أربعون شاة
ثمّ حصل له أربعون في أثناء الحول.
______________________________________________________
كان عنده خمس من الإبل وبعد ستّة أشهر ملك أربع أُخرى ، فإنّه لا تجب عليه
إلّا شاة واحدة.
ونحوه ما لو
كان مالكاً في ابتداء الحول أربعين شاةً وبعد ستّة أشهر مثلاً ملك أربعين أُخرى ،
فإنّ حاله حال ما لو ملك الثمانين من أوّل الأمر ، وليست فيه إلّا شاة واحدة.
ولكن نُسِبَ
إلى الشهيد أنّه استقرب هنا رعاية النصاب المستقلّ ، نظراً إلى أنّ الأربعين
الحادث ملكٌ جديد وموضوعٌ آخر غير الأوّل ، فتجب فيه الزكاة ولا ينضمّ إلى السابق
، بل هو نصابٌ برأسه بمقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «في كل أربعين شاة» ، فتجب
عليه شاة أُخرى غير الاولى ، مراعياً لكلّ أربعين حولها .
واعترض عليه في
الجواهر بأنّ العموم ناظرٌ إلى المالك ، وأنّ كلّ فرد من الملّاك لو ملك أربعين
فيجب على كلّ أحد أو في كلّ حول شاة ، لا بمعنى أنّ الغنم الموجود عند مالكٍ واحدٍ
يُحسَب أربعين أربعين كما ورد في نصاب البقر من أنّه في كلّ ثلاثين تبيع ، وإلّا
فقد انعقد الإجماع على أنّه لا شيء بعد الأربعين إلى أن يزيد على مائة وعشرين ،
وعليه فلا أثر للأربعين الثاني ، بل هو عفو كما لو وجد الثمانين معاً في ابتداء الحول
.
__________________
وأمّا في القسم
الثاني : فلا يضمّ الجديد إلى السابق ، بل يُعتَبر لكلٍّ منهما حولٌ بانفراده ،
كما لو كان عنده خمس من الإبل ، ثمّ بعد ستّة أشهر ملك خمس اخرى ، فبعد تمام السنة
الأُولى يخرج شاة ، وبعد تمام السنة للخمس الجديدة أيضاً يخرج شاة ، وهكذا.
وأمّا في القسم
الثالث : فيستأنف حولاً واحداً بعد انتهاء الحول الأوّل ، وليس على الملك الجديد
في بقيّة الحول الأوّل شيء ، وذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر ، فملك في
أثناء حولها إحدى عشرة ، أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك في أثناء حولها اثنتين
وأربعين.
______________________________________________________
وما ذكره (قدس
سره) متين جدّاً ، للتصريح في صحيح الفضلاء بأنّه لا شيء بعد الأربعين إلى أن
يبلغ مائة وواحداً وعشرين ، فليس في الثمانين إلّا شاة واحدة ، سواء حصلت دفعةً
وفي ابتداء الحول أو تدريجاً ، بمقتضى الإطلاق ، فالصحيحة ناظرة إلى كلّ من يملك
الأربعين لا إلى أنّ المالك الواحد يحسب ماله أربعين أربعين.
فما ذكره
الماتن تبعاً للمشهور من العفو في المثال هو الصحيح.
وأمّا الثاني
أعني : النصاب المستقلّ فاللّازم فيه مراعاة الحول لكلّ نصابٍ بحياله ، أخذاً
بإطلاق الدليل في كلٍّ منهما. ولا وجه لانضمام الجديد إلى السابق ، فلو كان له
خمسٌ من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر خمساً اخرى وجبت شاة بعد تمام السنة الأُولى
، وشاة اخرى بعد تمام الثانية ، كما ذكره في المتن ، وهذا واضح.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إنّما الكلام
في القسم الثالث أعني : ما إذا كان مكمّلاً لنصابٍ آخر ـ : كما لو كان عنده أوّل
محرّم أربعون من الغنم ، ثمّ حصل له في شهر رجب اثنان وثمانون ، بحيث بلغ المجموع
النصاب الثاني ـ ، أعني : مائة وواحداً وعشرين.
وإنّما أضفنا
واحدة رعايةً لإخراجها عن النصاب الأوّل ، وهو الأربعون.
أو كانت له
أوّل محرّم اثنتان وعشرون من الإبل فحصلت له أربع أُخرى في شهر رجب البالغ مجموعها
ستّ وعشرين التي هي النصاب السادس وفيها بنت مخاض.
فهل يلاحظ
الحول بالإضافة إلى النصاب الأوّل وليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شيء؟
أو يلاحظ
بالإضافة إلى النصاب الثاني وليس على ما تقدّمه من أجزاء الحول الأوّل شيء؟
أو هناك وجهٌ
آخر؟
لا ريب أنّا لو
كنّا نحن والأدلّة ولم يكن في البين ما دلّ على أنّ المال الواحد لا يزكّى في عام
واحدٍ من وجهين ، كان مقتضى القاعدة رعاية كلا النصابين وأداء كلتا الزكاتين ،
عملاً بإطلاق الدليلين كما أفتى به بعضهم.
إلّا أنّه
بالنظر إلى ما دلّ على ذلك من الروايات وعمدتها صحيحة زرارة مضافاً إلى
الإجماع والتسالم فاللازم حينئذٍ إمّا العمل بدليل النصاب الأوّل بإلغاء بقيّة
الحول بالإضافة إلى الملك الجديد أعني : ما بين رجب ومحرّم أو بدليل النصاب الثاني
بإلغاء ما تقدّمه من الحول الأوّل ، أعني : ما بين محرّم ورجب.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهل المقام
داخل في باب التعارض أو التزاحم؟
الظاهر : أنّه
لا ينبغي التأمّل في الأوّل ، لانطباق ضابطه عليه دون الثاني ، فإنّ المناط في
التزاحم على ما نقّحناه مفصّلاً في الأُصول عدم قدرة المكلّف على الجمع بين التكليفين في مقام
الامتثال من غير تنافٍ بين نفس الحكمين في مرحلة الجعل ، كإزالة النجاسة عن المسجد
وأداء الصلاة في ضيق الوقت ، فإنّ كلّاً منهما حكم متعلّق بموضوعه المقدّر وجوده ،
وهو البالغ العاقل القادر ، غاية الأمر أنّ المكلّف ليست له إلّا قدرة واحدة لو
صرفها في كلٍّ منهما عجز عن امتثال الآخر.
وهذا بخلاف
التعارض ، فإنّ مناطه التعاند والتكاذب بين الدليلين في مرحلة الجعل مع قطع النظر
عن مقام الامتثال إمّا ذاتاً ، كما لو دلّ دليل على نجاسة العصير العنبي ودليل آخر
على طهارته أو عدم نجاسته ، فإنّ النجاسة وعدمها أو هي مع الطهارة متناقضان أو
متضادّان لا يعقل اجتماعهما في حدّ أنفسهما.
أو عرضاً نشأ
من العلم الإجمالي الحاصل من الخارج ، كما لو دلّ دليلٌ على وجوب القصر في موردٍ
ودليلٌ آخر على التمام أو على الظهر ، والآخر على الجمعة ، فإنّه وإن لم يكن أيّ
تنافٍ بين نفس الدليلين بالذات لجواز ثبوتهما معاً ، إلّا أنّ القطع الخارجي القائم
على عدم وجوب الصلاتين معاً في يومٍ واحد أوجب العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين ،
بحيث إنّ صدق كلّ منهما يستلزم كذب الآخر ، نظير البيّنتين القائمتين في الشبهات
الموضوعيّة على طهارة الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما إجمالاً ، فالفرق بين البابين
واضحٌ جدّاً.
ومن المعلوم
انطباق هذا الضابط على المقام دون السابق ، لوضوح قدرة المكلّف على الجمع بين
النصابين كما في الجمع بين القصر والتمام مثلاً فليس
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
من باب التزاحم في شيء ، ولكن بما أنّا علمنا من الخارج أنّ المال الواحد
لا يزكّى في عام من وجهين فلأجله نعلم إجمالاً بكذب أحد الدليلين وانتفاء الإطلاق
في أحد النصابين ، بحيث إنّ صدق كلٍّ منهما مستلزمٌ لكذب الآخر ، فكان بينهما
التعاند والتكاذب في مقام الجعل عرضاً وإن لم يكن كذلك ذاتاً.
وعليه ، فلا
ينبغي التأمّل في كون المقام من باب التعارض كما ذكرناه.
ومن الغريب ما
أفاده شيخنا الأُستاذ (قدس سره) من إدراج المقام في باب التزاحم ، مع أنّه
المشيّد لتوضيح الفرق بين البابين.
ثمّ إنّا لو
بنينا على أنّ المقام من صغريات هذا الباب كان اللازم الرجوع إلى مرجّحات التزاحم
من الأهمّية جزماً أو احتمالاً وغير ذلك ، ومع التكافؤ فالمرجع التخيير بحكومةٍ من
العقل على ما هو المقرّر في هذا الباب.
وأمّا بناءً
على ما عرفت من إدراجه في باب التعارض ، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات السنديّة إن
كانت ، وإلّا فالتساقط دون التخيير ، لضعف مستنده حسبما بيّناه في الأُصول في باب
التعادل والتراجيح ، فيرجع بعد التساقط إلى دليلٍ آخر من إطلاقٍ إن كان ،
وإلّا فالأصل العملي ومقتضاه في المقام أصالة الاحتياط ، إذ بعد تساقط الدليلين
نعلم إجمالاً بوجوب زكاةٍ في البين مردّدة بين النصاب الأوّل والثاني ، فيلزمنا
الجمع بينهما عملاً بالعلم الإجمالي غير المنافي لما دلّ على أنّ المال الواحد لا
يزكّى في عام واحد مرّتين ، لعدم التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري كما هو ظاهر.
ولعلّ هذا هو
مستند الفتوى بالجمع في المقام كما تقدّم نقله عن بعض ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا عدم الالتفات إلى دليل عدم تزكية المال الواحد من وجهين الذي تقدّم
احتمال استناد هذه الفتوى إليه ، فلاحظ.
وكيفما كان ،
فهل اللازم مراعاة كلا النصابين أو خصوص الأوّل ، فيعتبر الحول بالإضافة إليه
ويلغى الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل كما اختاره في المتن تبعاً لجماعة
كثيرين؟
أو خصوص الثاني
، فيسقط اعتبار النصاب الأوّل عند ملك الزائد ويكون المجموع نصاباً واحداً ابتداء
حوله من حين حصول الملك الجديد كشهر رجب مثلاً كما اختار العلّامة في المنتهي ؟
أو يسقط كما عن
العلّامة في القواعد ، فتدفع فريضة النصاب الأوّل عند حلول حوله ، ويجب جزء
من فريضة النصاب الثاني عند حلول حوله أيضاً ، فإذا تمّ الحول الثاني للنصاب
الأوّل أكمل فريضة النصاب الثاني وهكذا؟ مثلاً : إذا ملك أوّل محرم اثنين وعشرين
من الإبل ثمّ ملك في أوّل رجب أربعاً أُخرى مكمّلة للنصاب السادس الذي فيه بنت
مخاض فحينئذٍ تجب عليه في أوّل محرم أربع شياه زكاةً عن العشرين ، والثنتان
الزائدتان عليها عفو ، ثمّ في شهر رجب تجب عليه بنت مخاض ، لصدق أنّه مضى عليه
الحول وهو مالك لستّ وعشرين من الإبل ، ولكن بما أنّه دفع زكاة العشرين منها في
شهر محرّم حسب الفرض فلا يجب عليه حينئذٍ إلّا دفع ستّة أجزاء من ستّة وعشرين
جزءاً من بنت مخاض ، وفي أوّل محرّم يجب عليه عشرون جزءاً من ستّة وعشرين جزءاً من
بنت مخاض ، وهكذا.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجوه ، بل
أقوال.
لكن الوجه
الأخير ساقطٌ جزماً ، إذ لا دليل على هذا النوع من التوزيع والتقسيط.
نعم ، ثبت ذلك
فيما لو تلف بعض الإبل فينقص جزء من بنت المخاض بنسبة التالف.
وأمّا في مثل
المقام فلا دليل عليه أصلاً ، ضرورة أنّ الستّة الزائدة على العشرين إنّما تستوجب
دفع ستّة أجزاء من ستّة وعشرين جزءاً من بنت مخاض فيما إذا كان حلول الحول عليها
منضمّةً إلى العشرين ، لا ما إذا حال عليها بنفسها ، وإلّا فليس فيها إلّا شاة
واحدة فقط بمقتضى كونها مصداقاً للنصاب الأوّل.
وقد تقدّم ضعف
الوجه الأوّل أيضاً .
فيدور الأمر
بين الوجهين المتوسّطين ، والصحيح هو الأوّل منهما المطابق لما ذكره في المتن ، إذ
لا موجب لإلغاء الحول بالإضافة إلى النصاب الأوّل بعد تحقّق موضوعه وفعليّة حوله
وكونه مشمولاً لإطلاق دليله ، فرفع اليد عنه طرحٌ للدليل بلا موجب ومن غير سبب
يقتضيه ، فلو كان عنده أوّل محرّم اثنتان وعشرون من الإبل ، وحصلت له أربع أُخرى
في شهر رجب ، فعند مجيء محرّم الثاني يصدق عليه أنّه حال الحول ولديه اثنتان
وعشرون من الإبل ، فيشمله بالفعل إطلاق دليل النصاب الرابع وأنّ فيه أربع شياه ،
فتجب فيه الزكاة بطبيعة الحال ، لفعليّة الموضوع من غير أيّة حالة منتظرة.
وبعد أن تعلّقت
الزكاة بتلك الإبل أو الشياه فلا يبقى بعدئذٍ موضوعٌ لملاحظة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
النصاب الثاني في شهر رجب ، لأنّ ذاك الوجوب سواء امتثله وادّى الزكاة
خارجاً أم لا مُعدِمٌ لهذا الموضوع ، وذلك فلأجل أنّه بعد حلول شهر رجب وإن صدق
أنّه حال عليه الحول ولديه ستّ وعشرون من الإبل وفيها بنت مخاض إلّا أنّها بعد أن
كانت متعلّقة للزكاة في شهر محرّم أي في نفس الحول لم يكن بعد هذا مجالٌ لتعلّق
الزكاة ثانياً ، لأنّها إنّما تتعلّق بإنعامٍ لم تكن متعلّقة للزكاة ، إذ لا يزكّى
المزكّى أي المحكوم عليه بوجوب الزكاة ثانياً ، ولا زكاة في مالٍ في حولٍ من وجهين
، كيف؟! ولو تمّ ذلك للزم فيمن كانت عنده أربعون شاة مثلاً ومضى الحول وادّى
الزكاة وهي الشاة الواحدة أو لم يؤدّ أن تجب عليه بعد شهرين مثلاً شاة أُخرى ،
لصدق أنّه مضى حول وعنده أربعون ، وهو مقطوع الفساد ، وليس إلّا لأجل ما عرفت من
أنّ الزكاة إنّما تتعلّق بشياه لم تكن متعلّقة للوجوب.
وعلى
الجملة : فتعلّق النصاب
الأوّل وحلول حوله لا يُبقي مجالاً للثاني ، فلا جرم يتقدّم ، لا لأجل الترجيح
بالسبق الزماني ، لعدم كونه من المرجّحات في باب التعارض ، بل لأجل أنّ الأوّل
مُعدِمٌ لموضوع الثاني دون العكس ، فهو بمثابة الدليل الحاكم ، والدوران بينهما
كالدوران بين التخصّص والتخصيص الذي لا ريب في تقدّم الأوّل كما لا يخفى.
فالأقوى ما
ذكره في المتن من تقديم الحول الأوّل واستئناف الحول لهما بعد انتهائه ، وإن كان
الاحتياط في مراعاة النصابين ممّا لا ينبغي تركه.
وملخّص
الكلام : أنّ الدليل قد
قام على أنّ المال لا يزكّى في العام من وجهين :
المعتضد بفعل
النبي (صلّى الله عليه وآله) ، حيث لم يطالب بالزكاة التي
.................................................................................................
______________________________________________________
نزلت آيتها في شهر رمضان إلّا في العام القابل بعد الفطر كما نطق به النصّ .
والمعتضد أيضاً
بالتسالم الخارجي القائم على أنّ من ملك النصاب وفي أثناء الحول ملك نصاباً آخر ،
كما لو ملك في أوّل محرّم خمساً من الإبل ، وفي شهر رجب خمساً اخرى ، فأدّى زكاة
النصاب الأوّل في محرّم القابل وهي شاة ثمّ عند حلول شهر رجب لا تجب إلّا شاة
أُخرى لا شاتان وإن صدق عليه أنّه حال الحول وهو مالك لعشرة من الإبل وزكاتها
شاتان ، وليس ذلك إلّا لأجل أنّه قد أدّى زكاة الخمس الاولى فلا تؤدّى ثانياً.
وعليه ، فالأمر
دائر في محلّ الكلام بين احتمالين هما العمدة من بقية الاحتمالات ـ :
فإمّا أن يراعى
النصاب الأوّل ويستأنف حول واحد للمجموع بعد انتهاء الحول الأوّل ، المستلزم
لإلغاء بقيّة الحول بالإضافة إلى الملك الجديد.
أو يعكس ،
فيراعى النصاب الثاني المستلزم لإلغاء ما تقدّمه من الحول.
ولا ينبغي
التأمّل في أنّ المتعيّن هو الأوّل ، لفعليّة موضوعه ، وشمول الإطلاق له ،
المستوجب لإعدام الموضوع بالإضافة إلى الثاني ، ولأجله يكون الإطلاق في الأوّل
أظهر فيتقدّم نحو تقدّم الأظهر على الظاهر لدى الجمع بين المتعارضين.
وممّا يؤيّد
ذلك بل يدلّ عليه أنّ فرض العكس يستلزم سقوط الزكاة سنين عديدة ، وهو مقطوع الفساد
، مثلاً : لو فرضنا أنّ عنده أوّل محرّم ستّ وعشرين من الإبل وبعد عشرة أشهر أي
أوّل ذي القعدة ملك عشرة أُخرى ، فصار المجموع ستّ وثلاثين ، فعلى ما ذكرناه يلغى
الشهران الباقيان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويجب عليه عند حلول الحول أي أوّل محرّم الثاني بنت مخاض ، ثمّ يستأنف
الحول لهما من الآن ويدفع بعد تماميّته بنت لبون التي هي فريضة النصاب السابع ،
ولا محذور فيه.
وأمّا على
القول الآخر بأن يكون مبدأ الحول زمان حدوث الملك الجديد المكمّل لنصاب آخر أي
أوّل ذي القعدة المستلزم لإلغاء ما تقدّمه من الأشهر العشرة السابقة ، فلو فرضنا
أنّه بعد عشرة أشهر من هذا المبدأ المنطبق على أوّل رمضان ملك عشراً اخرى من الإبل
بحيث صار المجموع ستّ وأربعين الذي هو النصاب الثامن وفيها حقّة كان اللازم إلغاء
الأشهر العشرة المتقدّمة عليها بعين المناط المذكور أوّلاً ، لأنّ حكم الأمثال
فيما يجوز وما لا يجوز سواء ، فيكون مبدأ الحول من هذا الوقت ، وينتقل الأمر إلى
النصاب الثامن من غير أن يدفع أو تجب عليه أي زكاة.
ثمّ لو فرضنا
أنَّه بعد مضيّ عشرة أشهر أُخرى من هذا الوقت المنطبق على شهر رجب ملك خمس عشرة من
الإبل ، بحيث صار المجموع إحدى وستّين وهي النصاب التاسع وفيها جذعة كان اللازم
إلغاء العشرة أشهر المتقدّمة وابتداء الحول من هذا الوقت ، وهلمّ جرّا ، فينتقل
ابتداء الحول من نصابٍ إلى نصابٍ إلى نصابٍ وهكذا ، فيلزم إلغاء الزكاة وسقوط
وجوبها سنين عديدة ، وهو ممّا لا نظنّ أن يلتزم به متفقّةٌ فضلاً عن الفقيه ، بل
هو مقطوع الفساد ، فيكشف ذلك عن بطلان المبنى بطبيعة الحال.
ثمّ إنّا أشرنا
فيما مرّ إلى أنّ الماتن لم يذكر في القسم السابق أعني : ما إذا حصل الملك الجديد
بعد تمام الحول السابق وقبل الدخول في اللّاحق إلّا صورةً واحدة ، وهي ما إذا كان
مكمّلاً لنصابٍ آخر دون العفو ودون النصاب المستقلّ.
ولعلّ السرّ في
ذلك : الإيعاز إلى أنّ الذي هو محلّاً للخلاف والكلام ومورداً
ويلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصاباً مستقلا
ومكمّلاً للنصاب اللاحق ، كما لو كان عنده من الإبل عشرون فملك في الأثناء ستّاً
أُخرى (١) ، أو كان عنده خمس ثمّ ملك إحدى وعشرين. ويحتمل إلحاقه بالقسم الثاني .
______________________________________________________
للنقض والإبرام من هذه الصور الثلاث إنّما هي هذه الصورة أعني : المكمّل
وإلّا فالحكم في صورتي العفو والنصاب المستقلّ واضحٌ لا كلام ولا نقاش فيهما حسبما
عرفت.
فأشار بتخصيص
المكمّل بالذكر إلى أنّ محلّ الخلاف فيه هو ما لو كان أثناء الحول كما عرفت الحال
فيه مستقصًى ، وأمّا الحاصل بعد تماميّة الحول السابق وقبل الدخول في اللاحق أعني
: خلال الشهر الثاني عشر الذي هو متخلّل بين الحولين فلا خلاف ولا إشكال في أنّه
ينضمّ أحدهما إلى الآخر ويُحسَب للجميع حولٌ واحد مبدؤه السنة الجديدة ، أعني :
الشهر الثالث عشر.
والظاهر أنّ
الأمر كذلك ، أي لا خلاف ولا إشكال من أحدٍ في احتساب الحول الجديد مبدأً لهما ،
لانتهاء الحول السابق بالإضافة إلى المكمَّل بالفتح بدخول الشهر الثاني عشر ، فلا
وجه لاحتسابه ثانياً ، فطبعاً يكون الحول اللاحق حولاً لهما كما هو واضح.
(١) تقدّم حكم
كلٍّ ممّا إذا كان الملك الحاصل أثناء الحول عفواً أو نصاباً مستقلا أو مكمّلاً
لنصابٍ آخر.
بقيت هناك صورة
واحدة ، وهي الحاوية للصورتين الأخيرتين ، أعني : ما إذا كان مكمّلاً وفي عين
الحال نصاباً مستقلا ، كما لو كان في أوّل محرّم مالكاً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لعشرين من الإبل ، ثمّ حصلت له في شهر رجب مثلاً ستّ اخرى ، التي هي مكمّلة
للعشرين وفيها بنت مخاض ، وهي بنفسها أيضاً نصاب ، لأنّ في كلّ خمس من الإبل شاة.
فهل يجري عليها
حكم المكمّل ، فينتظر حلول الحول وتُدفَع شياهٌ أربع زكاةً عن العشرين ، ثمّ
يستأنف الحول للمجموع ويلغى بقيّة الحول الأوّل بالإضافة إلى الملك الجديد ، وبعد
انتهاء هذا الحول يُدفَع بنت مخاض؟
أو يجري حكم
المستقلّ ، فلكلّ نصاب حولٌ بحياله ، فيُدفَع عند حلول محرّم أربعة عن العشرين ،
وعند حلول رجب شاة عن الستّ ، بعد وضوح عدم إمكان الجمع بين الأمرين ، لأنّ المال
الواحد لا يزكّى في عام من وجهين كما تقدّم.
اختار الماتن (قدس
سره) : الأوّل ، كما أنّ صاحب الجواهر وجماعة كثيرين ذهبوا إلى الثاني.
والصحيح ما
اختاره الماتن (قدس سره). والوجه فيه : أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) : «في
كلّ خمس من الإبل شاة» بعد ملاحظة أنّ في ستّ وعشرين بنت مخاض ـ : أنّ كلّ خمس من
الخمسات ملحوظة بنحو اللااقتضائيّ بشرط موضوعاً للنصاب ، إلّا الخمس الأخيرة
المسبوقة بالعشرين التي يتكوّن منها النصاب الخامس ، فإنّها ملحوظة بنحو بشرط لا
بالإضافة إلى زيادة الواحدة عليها ، وأمّا معها فليس فيها شاة ، بل بنت مخاض ،
فالخمس الاولى فيها شاة ، سواء زيد عليها شيء أم لا ، والثانية شاتان ، وهكذا إلى
الخامسة فإنّ فيها خمس شياه لأنّ في كلّ خمس شاة بشرط أن لا يضاف عليها واحدة ،
وإلّا ففيها بنت مخاض.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه ، فالستّ
من الإبل إذا كانت وحدها مجرّدة عمّا عداها كان فيها شاة ، لاشتمالها على النصاب
باعتبار قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ، فهي نصاب مستقلّ.
وكذا الحال
فيما لو كانت منضمّة إلى خمس أُخرى أو عشرٍ أو خمس عشرة.
وأمّا لو كانت
مسبوقة بالعشرين فليست هي حينئذٍ نصاباً مستقلا ، ولا يصحّ أن يقال : إنّ فيها
شاةً باعتبار أنّ في كلّ خمسٍ شاةً ، بل هي متمحّضة حينئذٍ في كونها مكمّلة لنصاب
الستّ والعشرين التي فيها بنت مخاض ، فالخمس الأخيرة من نصب الإبل بوصف كونها
أخيرة تمتاز عمّا تقدّمها من الخمسات في اختصاص كونها نصاباً مستقلا بحالة عدم
زيادة شيء عليها ، ومعها تخرج عن الاستقلال إلى الاستكمال ، فيجري عليها حكم
مكمّل النصاب دون المستقلّ.
فإن
قلت : هذه مناقشة
صغرويّة تختصّ بهذا المثال ، فلِمَ لا يُنقَل الكلام إلى بقيّة الأمثلة من موارد
نُصُب الأنعام ممّا يكون مستقلا وفي عين الحال مكمّلاً للنصاب؟
قلت
: لا يختصّ
الإشكال بالمقام ، بل يجري في الكلّ بمناطٍ واحد ، ولا يوجد قطّ مثالٌ للمكمّل
المستقلّ أبداً ، بل إمّا مكمّل ، أو مستقلّ ، أو عفو ، ولا رابع كما يظهر
للمتأمّل.
فإن
قلت : على فرض وجود
صغرى لهذه الكبرى ، فهل تلحق بالمستقلّ أو المكمّل؟
قلت
: لا يظهر حكمها
من الأدلّة الاجتهاديّة ، والمرجع حينئذٍ الأصل العملي ، فإن احتملنا أن يكون
الحكم الواقعي هو التخيير كان المرجع أصالة البراءة البراءة عن تعيّن كلٍّ منهما
فينتج التخيير الظاهري ، وإلّا فبما أنّ المال الواحد
[٢٦٤٥] مسألة ١٤ : لو أصدق زوجته نصاباً وحال عليه الحول (١) وجب
عليها الزكاة.
ولو طلّقها بعد
الحول قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج ، ووجب عليها زكاة المجموع في نصفها.
ولو تلف نصفها
يجب إخراج الزكاة من النصف الذي رجع إلى الزوج ويرجع بعد الإخراج
عليها بمقدار الزكاة.
هذا إن كان
التلف بتفريطٍ منها.
وأمّا إن تلف
عندها بلا تفريط ، فيخرج نصف الزكاة من النصف الذي عند الزوج ، لعدم ضمان الزوجة
حينئذٍ لعدم تفريطها.
نعم ، يرجع
الزوج حينئذٍ أيضاً عليها بمقدار ما أخرج.
______________________________________________________
لا يزكّى في عام واحدٍ مرّتين فنعلم إجمالاً بوجوب هذا أو ذاك ، ومقتضى
القاعدة حينئذ الاحتياط عملاً بالعلم الإجمالي.
(١) ينبغي
التكلّم في جهات :
الاولى
: لو أصدق
الزوجة نصاباً كأربعين شاة وحال عليه الحول قبل الدخول ، فهل يجب عليها الزكاة
عملاً بإطلاق الأدلّة؟
أم لا ، نظراً
إلى أنّ المال في معرض الزوال بالطلاق الموجب لرجوع النصف الذي هو دون النصاب حسب
الفرض فلا يكون الملك مستقرّاً؟
الظاهر هو
الأوّل ، فإنّ شرط الزكاة هو مطلق الملك سواء أكان مستقرّاً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لازماً أم متزلزلاً جائزاً ، وسواء أكان الجواز حكميّاً كما في الهبة أم
حقّيّا كما في العقد الخياري ، كلّ ذلك لإطلاق دليل اعتبار الملك.
نعم ، بناءً
على القول بأنّ الزوجة لا تملك بالعقد إلّا للنصف وأمّا النصف الآخر فإنّما تملكه
بالدخول ولا ملك قبله حتى متزلزلاً ، اتّجه عدم وجوب الزكاة قبل الدخول ، لعدم
كونها مالكة للنصاب حينئذ ، لكن المبنى ضعيف كما هو محقّق في محلّه.
الثانية
: لو طلّقها قبل
الدخول وبعد حلول الحول : فإمّا أن يكون بعد إخراجها الزكاة ، أو قبلها.
فإن كان بعد
الإخراج فالمعروف والمشهور أنّ الزوج يرجع بنصف الموجود كتسعٍ وثلاثين من الغنم في
المثال وبنصف قيمة التالف إن كان قيميّاً كما في المثال فيرجع بنصف قيمة الشاة
المدفوعة زكاةً وبنصف المثل إن كان مثليّا كما لو كان الصداق ذهباً أو فضّة.
وهذا مبنيٌّ
على ما هو المشهور من أنّ شركة الزوج مع الزوجة في الصداق بعد الطلاق شركة حقيقيّة
في العين أي بنحو الإشاعة كما لعلّه الظاهر من قوله تعالى (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) أي يرجع الزوج إلى نصف العين التي جُعِلت فريضةً
وصداقاً.
وأمّا على
القول بأنّه يملك بعد الطلاق النصف من الصداق على سبيل الكلّي في المعيّن ، فيرجع
حينئذٍ بتمام النصف ، لسلامته عن عروض التلف عليه ليرجع إلى المثل أو القيمة ،
فيرجع إلى عشرين من الشياه الموجودة على نحو الكلّي في المعيّن ، مثل ما لو كان
مالكاً لصاعٍ من صبرة كذلك فتلف بعضها فإنّه يرجع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إلى تمام الصاع ولا يردّ التلف عليه كما هو ظاهر.
لكن المبنى
ضعيف ، والصحيح ما عليه المشهور كما عرفت ، ففي كلّ فرد من الشياه تشترك فيه
الزوجة مع الزوج بنحو الإشاعة ، لأنّ محلّ الكلام في عنوان المسألة ما إذا كان
الصداق عيناً شخصيّةً بالغةً حدّ النصاب لا الكلّي كما هو واضح ، فإذا طلّق الزوج
ووجد العين تالفة حسب الفرض لصرفها في الزكاة الصادرة من أهلها في محلّها رجع في حصّته
إلى القيمة بطبيعة الحال.
وإن كان قبل
الإخراج ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب زكاة المجموع عليها في نصفها وعدم ورود تلف
في حصّة الزوج بوجهٍ لينتقل إلى البدل ، لعدم التنافي بين وجوب الزكاة ودفع حصّة
الفقير وبين الرجوع إلى النصف على جميع المباني في تعلّق الزكاة بالعين حتى
الإشاعة والشركة الحقيقيّة.
وبعبارة
اخرى : يكون الصداق
بعد الطلاق وحلول الحول مشتركاً فيه بين ثلاثة : فنصف للزوج ، وجزء من أربعين جزء
للفقير ، والباقي للزوجة. ولا تنافي بين هذه السهام بوجه ، فيدفع النصف للزوج وشاة
للفقير والباقي وهي تسعة عشر شاة للزوجة.
الثالثة
: لو تلف قبل
الإخراج نصف الصداق ، فقد فصّل الماتن (قدس سره) حينئذٍ بين ما إذا كان ذلك
بتفريطٍ من الزوجة وما كان بلا تفريط.
فحكم (قدس سره)
في الأوّل بوجوب الإخراج من النصف الذي رجع إلى الزوج ، لأنّ الزكاة متعلّقة
بالعين ونسبتها متساوية إلى النصفين ، فمع تعذّر أحدهما يتعيّن الإخراج من الثاني
، ثمّ تضمن هي للزوج قيمة الزكاة.
وفي الثاني
يسقط نصف الزكاة ، إذ لا ضمان مع عدم التفريط ، فيكون تلفه من مال الفقير ، ويخرج
النصف الآخر من النصف الذي عند الزوج ، ثمّ يرجع الزوج إليها حسبما عرفت.
[٢٦٤٦] مسألة
١٥ : إذا قال ربّ المال : لم يحل على مالي الحول. يُسَمع منه بلا بيّنة ولا يمين (١).
وكذا لو ادّعى
الإخراج ، أو قال : تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب.
______________________________________________________
أقول
: لا يستقيم ما
أفاده (قدس سره) على جميع المباني في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين ، لما تقدّم من أنّ
الولاية واختيار التطبيق بيد المالك دون الساعي ودون الفقير ، بمقتضى
صحيحة بريد المتقدّمة ، المعلّلة بأنّه الشريك الأعظم.
وعليه ، فبعد
أن قُسِّم المال وأعطت النصف للزوج تعيّن الحقّ في النصف الباقي ، فتدفعه منه كما
لها أن تدفعه من مالٍ آخر ، بناءً على الشركة في الماليّة كما هو الصحيح ومع فرض
التلف يتعيّن الدفع من مالٍ آخر إن كان مع التفريط ، وإلّا فلا شيء عليها كما لو
تلف المال بأجمعه من غير تفريط.
وبالجملة
: بعد فرض
التنصيف وصحّة التقسيم ، كما هو مقتضى الصحيحة المتقدّمة لا وجه للالتزام بالإخراج
من نصف الزوج أبداً كما لا يخفى.
(١) لقوله (عليه
السلام) في صحيحة بريد بن معاوية : «... فهل لله في أموالكم من حقٍّ فتؤدّوه إلى
وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه» .
فإنّها تدلّ
على سماع الدعوى من صاحب المال في جميع الصور المذكورة في المتن ، بمقتضى الإطلاق
، من غير حاجة إلى الإثبات ببيّنةٍ أو يمين ، وإن كان مقتضى القاعدة المطالبة في
بعض صور المسألة كما لا يخفى.
__________________
[٢٦٤٧] مسألة
١٦ : إذا اشترى نصاباً وكان للبائع الخيار (١) :
فإن فسخ قبل
تمام الحول فلا شيء على المشتري ، ويكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين
الفسخ.
وإن فسخ بعد
تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة.
وحينئذٍ فإن
كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما أخرج ، وإن أخرجها من مالٍ آخر
أخذ البائع تمام العين .
وإن كان قبل
الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين ويغرم للبائع ما أخرج وأن يخرجها من مال آخر
ويرجع العين بتمامها إلى البائع.
______________________________________________________
(١) قد يفسخ
البائع قبل تمام الحول ، وأُخرى بعده.
فعلى الأوّل :
لا شيء على المشتري ، لزوال الملك وانتقاله إلى البائع من حين الفسخ ، فهو
المخاطب بوجوب الزكاة بعد حلول الحول على حصول الملك الذي مبدؤه زمان الفسخ.
وعلى الثاني :
فلا ريب في وجوب الزكاة على المشتري لدى حلول الحول وإن كان ملكه متزلزلاً ، فإنّ
ثبوت الخيار للبائع لا يمنع من تعلّق الزكاة كما مرّ التعرّض له في المسألة
السادسة من مسائل الشرائط العامّة .
وحينئذٍ فقد
يفرض الفسخ بعد الإخراج ، وأُخرى قبله.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعلى الأوّل :
فقد يكون الإخراج من العين ، وأُخرى من مالٍ آخر.
أمّا الأوّل
أعني : ما لو كان الإخراج ، السابق على الفسخ ، من العين ـ : فبما أنّ مقدار
الزكاة قد أتلفه المشتري بالإخراج بل قد تلف بنفس تعلّق الزكاة كما لا يخفى فلا
جرم يضمن للبائع قيمة ما أخرج إن كان قيميّاً ، وإلّا فمثله ، وهذا واضح.
وأمّا الثاني
وهو ما لو كان الإخراج من مالٍ آخر ـ : فقد ذكر في المتن أنّ البائع يأخذ حينئذٍ
تمام العين.
ولكنّه لا
يستقيم ، بناءً على ما هو المعروف من زمن الشيخ وهو الصحيح من أنّ الفسخ حلّ العقد
من حين العقد ، ورجوع العينين المملوكتين بنفس الملكيّة السابقة إن كانتا موجودتين
كذلك ، وإلّا فينتقل إلى البدل. فلو كانت العين مملوكة بملكيّة جديدة كانت في حكم
التالف في الرجوع إلى البدل ، كما لو انتقل العين من المشتري مع فرض ثبوت الخيار
للبائع إلى شخصٍ آخر ببيعٍ أو هبةٍ أو نحوهما ، ثمّ عاد إليه ثانياً بشراءٍ أو
إرثٍ ونحو ذلك ، ففسخ البائع عندئذ ، فإنّ العين وإن كانت موجودة حينئذٍ إلّا
أنّها مملوكة بملكيّة جديدة غير الملكيّة الثابتة عند العقد ، فلا وجه لرجوعها إلى
المالك السابق ، بل هي في حكم التالف يرجع فيها إلى البدل.
ومقامنا من هذا
القبيل ، فإنّ تعلّق الزكاة موجبٌ لخروج مقدارها من العين إلى ملك الفقير ،
والإخراج من مالٍ آخر الذي هو بمثابة المبادلة مع ما في العين موجبٌ لعوده إلى
الملك ، فيكون هذا المقدار مملوكاً بملكيّة جديدة ، وقد عرفت أنّها في حكم التالف
، فيكون مقدار المخرج له ويغرم للبائع مثله أو قيمته.
وممّا ذكرنا
يظهر الحال في الصورة الثالثة أعني : ما إذا كان الفسخ قبل
.................................................................................................
______________________________________________________
الإخراج إذ قد خرج مقدار الزكاة عن الملك بمجرّد الوجوب وتعلّق الزكاة ،
فعند الفسخ يكون هذا المقدار خارجاً عن ملك المشتري ، غاية الأمر أنّ له أن يعيده
إلى الملك بالمبادلة الحاصلة من الإخراج من مالٍ آخر ، فهو مخيّر بين الدفع من
العين فيغرم للبائع حينئذٍ البدل ، وبين الدفع من الخارج ، كما أنّه يتخيّر حينئذٍ
أيضاً بين دفع العين إلى البائع وبين دفع البدل ، لما عرفت من أنّ المملوك بملكيّة
جديدة في حكم التالف من حيث الرجوع إلى البدل.
فتحصّل
: أنّه لا ملزم
لأخذ البائع تمام العين في جميع التقادير.
فصل
في
زكاة النقدين
وهما : الذهب
والفضّة.
ويشترط في وجوب
الزكاة فيهما مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة أُمور :
الأوّل
: النصاب (١) ،
ففي الذهب نصابان :
الأوّل : عشرون
ديناراً ، وفيه نصف دينار.
والدينار مثقال
شرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي.
فعلى هذا
النصاب الأوّل بالمثقال الصيرفي : خمسة عشر مثقالاً ، وزكاته ربع مثقال وثمنه.
______________________________________________________
فصل
في زكاة النقدين
(١) لا إشكال
كما لا خلاف في اعتباره في النقدين ، مضافاً إلى الشرائط العامّة المتقدّمة ، بل
عليه إجماع المسلمين ، وتشهد به النصوص الآتية.
كما لا إشكال
ولا خلاف أيضاً في حدّه بالنسبة إلى الفضّة وأنّه في كل مائتي درهم خمسة دراهم على
ما نطقت به النصوص المتظافرة.
.................................................................................................
______________________________________________________
وإنّما الكلام
في تعيين الحدّ في نصاب الذهب ، فالمعروف والمشهور بين الخاصّة والعامّة أنّه
عشرون ديناراً أي مثقالاً يعبّر بهذا تارةً وبذلك اخرى ، والمرجع واحد ، لأنّ
الدينار مثقال شرعي ، فلا زكاة ما لم يبلغ هذا لحدّ ، وفيه ربع العشر أي نصف دينار
وعن جماعة : دعوى الإجماع عليه.
وذهب بعض العامّة
إلى أنّ حدّه أربعون ديناراً ، وفيه دينار ، ولا زكاة فيما دون هذا الحدّ. وقد
نُسِب هذا القول إلى ابني بابويه وجماعة من الأصحاب.
ومنشأ الخلاف
اختلاف الروايات الواردة في المقام ، فقد ورد في جملة وافرة من النصوص المستفيضة
التحديد بالعشرين :
إمّا تصريحاً ،
كصحيح الحسين بن بشّار في حديث : «قال : في الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار
، فإن نقص فلا زكاة فيه» .
وموثّق سماعة :
«ومن الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار ، وإن نقص فليس عليك شيء» ونحوهما
غيرهما ، وهي كثيرة.
أو تلويحاً ،
كصحيح الحلبي : عن الذهب والفضّة ، ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ «قال : مائتا درهم
وعدلها من الذهب» .
وصحيح ابن مسلم
: عن الذهب ، كم فيه من الزكاة؟ «قال : إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة» .
فإنّ عدل مائتي
درهم وقيمتها من الذهب إنّما هو عشرون ديناراً ، إذ أنّ كلّ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
دينار يسوى عشرة دراهم في صدر الشريعة كما نصّ عليه الأصحاب ، بل شهدت به
الآثار التي منها ما ورد في باب الدّيات من التصريح بالتخيير بين ألف دينار وبين
عشرة آلاف درهم .
وإنّما جعل
الاعتبار في هاتين الروايتين بالدرهم لكونه كالأصل في النقود ، حيث إنّه أكثر
تداولاً وتعارفاً ، إذ يشترك فيه الفقير والغني ، بخلاف الدينار الذي لا يتعاطاه
غالباً إلّا الأغنياء.
بل قد يظهر من
بعض النصوص التسالم على هذا الحكم والمفروغيّة عنه عند الرواة ومغروسيّته في
أذهانهم ، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليه
زكاة؟ «فقال : إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» .
فإنّ ظاهرها
المفروغيّة عن ثبوت الزكاة في عشرين ديناراً ، وإنّما السؤال عن صورة التلفيق من
نصفين يبلغ مجموعهما العشرين.
وتدلّ عليه
أيضاً صحيحة أحمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّا أخرج المعدن
من قليلٍ أو كثير ، هل فيه شيء؟ «قال : ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله
الزكاة عشرين ديناراً» .
فإنّ ظاهرها
الفراغ عن أنّ النصاب هو العشرون.
إلى غير ذلك من
الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها ، بل يضيق عن نقلها المقام.
وبإزائها
روايتان :
إحداهما
: صحيحة الفضلاء
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«قالا : في الذهب في كلّ أربعين مثقالاً مثقال إلى أن قال : وليس في أقلّ
من أربعين مثقالاً شيء» .
وقد حملها
الشيخ .
تارةً
: على أنّ الشيء
المنفي مطلقٌ يعمّ المثقال فما دون ، فليحمل على الأوّل ، جمعاً بينها وبين النصوص
المتقدّمة المصرّحة بأنّ في العشرين نصف دينار ، لارتفاع التنافي بذلك.
وفيه : ما لا
يخفى ، فإنّ ظاهر النفي الوارد في مقام التحديد عدم تعلّق الزكاة فيما دون
الأربعين بتاتاً ، لا خصوص المثقال ، لبعده عن الفهم العرفي جدّاً ، ولذا لو قال :
في كل ثمانين مثقالان وليس في أقلّ من ثمانين شيء ، لا يفهم منه عرفاً إلّا نفي
الزكاة عن الأقلّ رأساً ، لا خصوص المثقالين.
وأُخرى على التقيّة ، لموافقتها لبعض العامّة.
وهذا أيضاً
بعيد ، لعدم تأتّي التقيّة لمجرّد الموافقة لقول بعض العامّة وإن كان شاذّاً
نادراً كما في المقام ، بل لا بدّ وأن يكون معروفاً عندهم كي يصدق عنوان الاتّقاء
كما لا يخفى.
وعليه ، فيدور
الأمر بين وجهين آخرين.
إمّا حمل
النصوص السابقة على الاستحباب بقرينة صراحة هذه في نفي الزكاة عمّا دون الأربعين.
أو المعارضة
والتصدّي للترجيح.
وحيث لا سبيل
إلى الأوّل ، لما عرفت سابقاً من أنّ قوله (عليه السلام) :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«فيه الزكاة» و : «ليس فيه الزكاة» متعارضان عرفاً ومتهافتان ، ولا يصلحان
للقرينيّة بوجه ، مضافاً إلى التسالم على الوجوب في العشرين من أكثر الأصحاب حسبما
عرفت. فيتعيّن الثاني ، وستعرف الحال فيه.
ثانيتهما
: صحيحة زرارة ،
قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهماً
وتسعة وثلاثون ديناراً ، أيزكّيهما؟ «فقال : لا ، ليس عليه شيء من الزكاة في
الدراهم ولا في الدنانير حتى يتمّ أربعون ديناراً والدراهم مائتي درهم» هكذا في
التهذيب .
ولكن الشيخ
الصدوق رواها بعين السند والمتن إلّا أنّ المذكور فيها : «تسعة عشر ديناراً» بدل :
«تسعة وثلاثون» كما نبّه عليه في الحدائق ، فيظهر من ذلك وقوع التحريف في التهذيب إمّا من الشيخ
نفسه أو من النسّاخ ، وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ.
وممّا يرشدك
إلى وقوع التحريف من النسّاخ لا من الشيخ أنّه (قدس سره) نقل هذه الصحيحة ولم
يعلّق عليها بشيء كما علّق على صحيحة الفضلاء من التوجيه والحمل على التقيّة أو
غيرها كما سمعت ، فإنّه يكشف عن أنّ الرواية كانت عنده مثل ما في الفقيه وإلّا
لعلّق عليها كما علّق على أُختها ، فهذا ينبئ عن أنّها لم تكن مخالفة لمذهبه ، وإنّما
وقع الاشتباه من النسّاخ في نقلها.
ومع الغضّ عمّا
ذكر فغايته إجمال الرواية من أجل تردّد النسخة وتعدّدها ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إذ لا يحتمل أن تكونا روايتين صدرتا عن المعصوم مرّتين ، وإنّما هي رواية
واحدة قد تردّد الصادر عنه (عليه السلام) بين إحدى النسختين فلا يمكن الاعتماد
عليها.
فلم يبق إلّا
الرواية الأُولى أعني : صحيحة الفضلاء وقد عرفت أنّها معارضة مع النصوص السابقة ،
ولكن لا ينبغي التأمّل في أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لأنّها معروفة مشهورة ،
وهذه رواية شاذّة نادرة لا تكاد تنهض للمقاومة معها فتطرح ويردّ علمها إلى أهله.
ومع التنزّل عن
هذا أيضاً ، فتلك الروايات موافقة لعموم الكتاب ، وهذه مخالفة ، فتتقدّم.
وتوضيحه
: أنّه قد ورد
في تفسير قوله تعالى (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أنّ المراد : الامتناع عن أداء الزكاة ، كما رواه ابن
الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ،
«قال : لمّا نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : كلّ مالٍ يؤدّى
زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وكلّ مالٍ لا يؤدّى زكاته فهو كنزٌ وإن
كان فوق الأرض» .
ونقل أيضاً في
مجمع البيان ما يقرب من ذلك من روايات الخاصّة والعامّة .
وعليه ، فالآية
المباركة ناظرة إلى النهي عن الامتناع عن أداء الزكاة ، وإلّا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فمجرّد كنز الذهب وادّخاره تحت الأرض أو فوقه لا حرمة فيه ما لم يمتنع عن
أداء ما تعلّق به من الحقّ الشرعي.
إذن فمفاد
الآية المباركة وجوب أداء زكاة الذهب والفضّة.
ومقتضى إطلاقها
وجوب الزكاة في مطلق الذهب والفضّة حتى لو كان بمقدار دينار أو أقلّ.
إلّا أنّا نقطع
بعدم الوجوب فيما دون العشرين دينار ، للتسالم وتطابق النصوص عليه ، فالآية بهذا
المقدار مخصّصة يقيناً.
وأمّا العشرون
فما زاد فالنصوص المتقدّمة تدلّ على ثبوت الزكاة فيه ، وهو مطابق لإطلاق الآية.
وهذه الصحيحة
أي صحيحة الفضلاء تدلّ على العدم ما لم يبلغ الأربعين ، وهذا مخالف لإطلاقها ، فلا
جرم تتقدّم تلك عليها ، لأنّ الموافقة لعموم الكتاب أو إطلاقه من المرجّحات ، فتطرح هذه
الصحيحة ويردّ علمها إلى أهله.
فتحصّل
: أنّ الصحيح ما
عليه المشهور من أنّ النصاب الأوّل للذهب عشرون ديناراً ، وخلافُ ابني بابويه لا
يُعبأ به.
__________________
والثاني :
أربعة دنانير (١) وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ، وفيه : ربع العشر أي من أربعين واحد
فيكون فيه قيراطان ، إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً.
ثمّ إذا زاد
أربعة فكذلك.
وليس قبل أن
يبلغ عشرين ديناراً شيء ، كما أنّه ليس بعد العشرين قبل أن يزيد أربعة شيء ،
وكذلك ليس بعد هذه الأربعة شيء ، إلّا إذا زاد أربعة أُخرى ، وهكذا.
والحاصل : أنّ
في العشرين ديناراً ربع العشر ، وهو نصف دينار.
وكذا في الزائد
إلى أن يبلغ أربعة وعشرين وفيها ربع عشره ، وهو نصف دينار وقيراطان.
وكذا في الزائد
إلى أن يبلغ ثمانية وعشرين ، وفيها نصف دينار وأربع قيراطات ، وهكذا.
وعلى هذا ،
فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ،
وفي بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل ، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة
السهولة.
وفي الفضّة
أيضاً نصابان :
الأوّل : مائتا
درهم ، وفيها خمسة دراهم.
الثاني :
أربعون درهماً ، وفيها درهم.
______________________________________________________
(١) على المشهور
بين الأصحاب ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، فلو أُضيفت الأربعة على العشرين
وجب فيها ربع العشر وهو قيراطان ، وكذا لو أُضيفت أربعة أُخرى ، وهكذا.
والدرهم نصف
المثقال الصيرفي وربع عشره.
وعلى هذا ،
فالنصاب الأوّل مائة وخمسة مثاقيل صيرفيّة ، والثاني أحد وعشرون مثقالاً.
وليس فيما قبل
النصاب الأوّل ولا فيما بين النصابين شيء على ما مرّ.
وفي الفضّة
أيضاً بعد بلوغ النصاب إذا أخرج من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وقد يكون
زاد خيراً قليلاً.
______________________________________________________
ونسب الخلاف
هنا إلى ابن بابويه أيضاً ، فجعل النصاب الثاني أربعين مثقالاً ، فليس بينه وبين
العشرين شيء ، وهذه النسبة تخالف النسبة المتقدّمة في النصاب الأوّل ، حيث نُسِب
إليه أنّ الأربعين هو النصاب الأوّل كما عرفت .
وكيفما كان ،
فلم يُعرَف وجهٌ لهذا القول ، صَحّت النسبة أم لا.
اللهمّ إلّا أن
يستظهر من قوله (عليه السلام) في غير واحد من النصوص : «في كلّ عشرين ديناراً نصف
دينار» أنّ النصاب كلّي منطبق على كلّ عشرين عشرين فصاعداً ،
ففي العشرين الأوّل نصف دينار ، وفي الثاني البالغ مجموعة أربعين دينار ، وفي
الثالث البالغ مجموعة ستّين دينار ونصف ، وهكذا ، نظير ما تقدّم في النصاب الثاني
عشر للإبل من أنّه في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولكنّه كما ترى
، فإنّ هذا العموم ناظرٌ إلى أفراد العشرين المتحقّقة خارجاً والمضافة إلى الأشخاص
، أعني : عشرين ديناراً لزيد ، وعشرين ديناراً لعمرو ، وهكذا من الأفراد العرضيّة
دون الطوليّة ، فإنّها خلاف المنسبق إلى الذهن بحسب الفهم العرفي جدّاً كما هو
ظاهر.
على أنّه لو
سُلِّم فلا دلالة لها بوجه على نفي الزكاة فيما بين العشرينين ، إذ أقصى مفادها
ثبوت نصف دينار آخر في العشرين الثاني أي تعلّق دينار لدى بلوغ الأربعين وأمّا عدم
تعلّق الزكاة في المتخلّل بينهما أي في أربعة وعشرين أو ثمانية وعشرين وهكذا فلا
دلالة لها ولا تعرّض فيها لذلك أبداً ، فلا تنافي بينها وبين النصوص الأُخر
الصريحة في ثبوت الزكاة في كلّ أربعة زيدت على العشرين بنسبة واحد في الأربعين أي
ربع العشر وهو قيراطان كما سبق.
ثمّ إنّه لو
راعى في الزائد على العشرين هذا المقدار أي ربع العشر الذي هو أسهل تناولاً ،
فأدّى من كلّ أربعين واحداً ، فقد أدّى ما عليه وبرئت الذمّة ، بل زاد خيراً
قليلاً في بعض الأوقات ، وهو ما لو زاد على النصاب السابق ولم يبلغ اللاحق ، كما
لو كان ما عنده اثنين وعشرين أو خمسة وعشرين ديناراً مثلاً كما أشار إليه في المتن
، وهذا ظاهر.
يبقى الكلام في
تحديد الدرهم والدينار بحسب الوزن بعد وضوح تعذّر معرفة الوزن الحقيقي بحسب
المداقّة العقليّة ، وأنّ المراد تشخيص الوزن العرفي المبنيّ على نوعٍ من المسامحة
ولو يسيراً حتى في مثل الذهب ، فإنّ الصائغين أيضاً يسامحون في أوزانهم شيئاً ما ،
بل يختلف أوزان بعضهم مع بعض كما أخبر به بعض الثقات.
وكيفما كان ،
فالمراد بالدينار هو المثقال الشرعي الذي هو ثلاثة أرباع المثقال
.................................................................................................
______________________________________________________
الصيرفي ، فإنّ المثقال الصيرفي المتداول في عصرنا الحاضر أيضاً أربع
وعشرون حمّصة بالحمّصة المتعارفة ، فيكون الشرعي ثماني عشرة حمّصة أي يكون الصيرفي
مثقالاً شرعيّاً وثلثه كما نصّ عليه غير واحد من الأعلام ووصل إلينا كذلك خلفاً عن
سلف.
وعلى هذا فيكون
النصاب الأوّل خمسة عشر مثقالاً بالمثقال الصيرفي ، وزكاته ربع مثقال وثمنه الذي
هو ثلاثة أرباع النصف.
كما أنّهم
ذكروا أيضاً أنّ الدرهم سبعة أعشار المثقال الشرعي ، أي أنّ كلّ عشرة دراهم تساوي
سبعة مثاقيل شرعيّة ، فإذا كان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي كان الدرهم نصف
المثقال الصيرفي وربع عشره.
ونتيجة ذلك :
أنّ النصاب الأوّل للفضّة الذي هو مائتا درهم مائة وخمسة مثاقيل صيرفيّة ، كما أنّ
النصاب الثاني الذي هو أربعون درهماً واحد وعشرون مثقالاً صيرفيّاً على ما ذكره في
المتن.
فإن تمّ ما
ذكره الأصحاب من التحديد المزبور كما هو الصحيح لأنّهم تلقّوها كذلك خلفاً عن سلف
كما سمعت فلا كلام ، وإلّا بحيث شككنا فيما هو المراد من المثقال المجعول موضوعاً
للنصاب ، حيث إنّ تفاوت الحمّصات وإن كان يسيراً لدى الانفراد لكنّه تفاوتٌ فاحش
لدى الاجتماع ، ولا سيّما إذا كانت الكمّيّة كثيرة كألف دينار مثلاً فالمرجع
حينئذٍ عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) ، حيث عرفت أنّ مقتضاه وجوب الزكاة في مطلق النقدين ،
خرجنا عن ذلك فيما يقطع بكونه أقلّ من عشرين ديناراً ، وأمّا الزائد عليه المشكوك
فيه بشبهةٍ مفهوميّة فالمرجع فيه عموم الآية المباركة المقتضية لوجوب دفع الزكاة.
الثاني : أن
يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة (١) ،
______________________________________________________
(١) إجماعاً
كما عن غير واحد.
ولا يكفي في
إثبات هذا الشرط التقييد بالدينار أو الدرهم في جملة من النصوص غير المنفكّين عن
كونهما مسكوكين ، وذلك للإطلاق في جملة أُخرى ، حيث جعل فيها مطلق الذهب والفضّة
موضوعاً للزكاة إذا بلغت القيمة مائتي درهم أو عدلها من الذهب ، كما في صحيحتي
الحلبي وابن مسلم وغيرهما.
بل عمدة
المستند روايات ثلاث :
الأُولى
: صحيحة علي بن
يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال : قلت له : إنّه يجتمع عندي الشيء
الكثير قيمته فيبقى نحواً من سنة ، أنزكّيه؟ «فقال : لا ، كلّ ما لم يحلّ عليه
الحول فليس عليك فيه زكاة ، وكلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شيء» قال : قلت
: وما الركاز؟ «قال : الصامت المنقوش ثمّ قال : إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في
سبائك الذهب ونقار الفضّة شيء من الزكاة» .
أمّا من حيث
السند ، فهي صحيحة ولا أقلّ من أنّها حسنة بإبراهيم بن هاشم في طريق الكليني ، كما
أنّها كذلك بطريق الشيخ أيضاً وإن اشتمل على محمّد بن عيسى العبيدي ، فإنّه وإن
استثناه ابن الوليد إلّا أنّه اعترض عليه ابن نوح وغيره وقال : من مثل العبيدي.
فهو ثقة على الأظهر ، كما مرّ غير مرّة ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فتعبير الجواهر عنها بالخبر المشعر بالضعف في غير محلّه.
كما أنّها
واضحة الدلالة ، إذ المراد بالمنقوش إنّما هو المسكوك لا مطلق النقش ، إذ قلّما
يوجد ذهب ولا سيما الحلي خالٍ عن النقش نوعاً ما ، فيكشف ذلك عن أنّ المراد هو
المنقوش المعهود ، أعني : خصوص المسكوك كما هو ظاهر.
الثانية
: مرسلة جميل
أنّه : «قال : ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم» .
وهي واضحة
الدلالة بمقتضى الحصر فيما لا يكون إلّا مسكوكاً ، غير أنّها ضعيفة السند من جهة
الإرسال أوّلاً ، ومع الغضّ بدعوى أنّ جميلاً من أصحاب الإجماع فلا أقلّ من أجل
علي بن الحديد ، فإنّه ضعيف ، فلا يعتمد عليها.
الثالثة
: ما رواه الشيخ
بإسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام) أنّه : «قال
: ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم» .
وهي واضحة
الدلالة ، غير أنّ في السند جعفر بن محمّد بن حكيم ، ولم يوثّق في كتب الرجال ، بل
حكى الكشّي روايةً في ذمّه وإن كان الراوي لتلك الرواية مجهولاً.
وكيفما كان ،
فهذه الرواية ضعيفة عند القوم ، وتعبير المحقّق الهمداني عنها
__________________
سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر (١) ، بكتابةٍ أو غيرها ،
______________________________________________________
بالموثّقة في غير محلّه على مسلكه.
نعم ، الظاهر
صحّة الرواية ، لوجود الرجل في أسناد كامل الزيارات ، فلا بأس بالاعتماد عليها .
(١) لا فرق
بمقتضى إطلاق النصوص في المسكوك بين سكّة الإسلام أو الكفر ، كما لا فرق فيها بين
أن تكون بكتابة أو غيرها من سائر النقوش من عمارة أو منارة ونحوها ، لوحدة المناط
في الكلّ ، فإنّ العقلاء قد بنوا رعايةً لرواج المعاملات وسهولتها على وضع شيء
متمحّضاً في الثمنيّة لينتفع به في كافّة المعاملات والمبادلات ، إذ لو اقتصروا
على تبادل البضائع والأمتعة أنفسها بعضها مع بعض كما في بعض أهل القرى النائية عن
الحضارة اختلّ بذلك نظامهم ، فإنّ الإنسان مدني بالطبع يحتاج في إدارة شؤون معاشه
من مأكله وملبسه ومسكنه وسائر حاجياته إلى بني نوعه ليتعاون الكلّ في الوصول إلى
الأهداف الاجتماعيّة ، فربّما يتعلّق غرض شخص ببضاعة خاصّة ككتاب مثلاً فيريد
شراءها وليس لديه ما يتعلّق به غرض الآخر كالغنم أو بالعكس ، فمن ثمّ دعتهم
الضرورة إلى وضع شيء متمحّض في الثمنيّة ، ولولاه لا نسدّ باب أكثر المعاملات ،
فاخترعوا النقود وجعلوها أثماناً في معاملاتهم بما لها من الهيئات الخاصّة ، سواء
أكانت مادّتها من الذهب والفضّة كالدراهم والدنانير أو من غيرهما كصفر ونحوه مثل :
عشرة أفلس الدارجة في عصرنا الحاضر ـ
__________________
بقيت سكّتها أو صارا ممسوحين (١) بالعارض. وأمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة
فلا تجب فيهما ، إلّا إذا تعومل بهما فتجب على الأحوط.
______________________________________________________
وسواء أكانت مادّتها لها ماليّة تقدّر بنفس تلك النقود كالدرهم والدينار
أيضاً أم لا كالأوراق النقديّة من الدينار والتومان ونحوهما فإنّ مادّتها قرطاس لا
يسوى بشيء ، وجعلوا تلك الأثمان ممّا يقدّر به ماليّة سائر الأموال. وهذا كما ترى
لا يفرق فيه بين كون تلك الهيئة المحصّلة للسكّة مستندة إلى الإسلام أو الكفر وأنّ
نقشها بكتابة كانت أم بغيرها.
(١) أمّا في
الممسوح بالأصالة ، فقد احتاط الماتن بأداء الزكاة في صورة جريان المعاملة.
والاحتياط وإن
كان حسناً إلّا أنّ الأقوى عدم الوجوب ، لتقييد الصامت بالنقوش في صحيحة علي بن
يقطين المتقدّمة ، المراد به المسكوك كما مرّ ، فلا يشمل
الممسوح بالأصل وإن كان مضروباً ، ومجرّد جريان المعاملة لا يجدي بعد عدم صدق
المنقوش وعدم كونه من الدرهم والدينار كما هو المفروض.
وأمّا الممسوح
بالعارض ، فالظاهر وجوب الزكاة فيه ، لعدم تقييد المنقوش في صحيحة ابن يقطين بكونه
تامّاً ، وجريان العادة على مسح السكّة على أثر كثرة الاستعمال والمداولة في مثل
خمسين سنة أو أكثر.
هذا فيما إذا
لم يكن المسح بمثابةٍ يخرج عن صدق اسم الدرهم والدينار ، وإلّا سقط وجوب الزكاة ،
لحصر الوجوب في صحيحة جميل ابن درّاج المتقدّمة فيما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كان مصداقاً لأحدهما وعدم كونه بعدئذٍ من المنقوش في شيء.
وربّما يستدلّ
حينئذٍ للوجوب بالاستصحاب ، بدعوى أنّه قبل المسح كانت زكاته واجبة والآن كما كان.
وفيه
أوّلاً : إنّا لا نرى
جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ولا سيّما التعليقي منه كما في المقام ، حيث
إنّ الوجوب السابق لم يكن منجّزاً ، بل كان مشروطاً بحلول الحول وغيره من سائر
الشرائط ، فهو كان معلّقاً بطبيعة الحال ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب على أيّ
حال.
وثانياً
: أنّ الموضوع
قد تبدّل حتى عرفاً ، فإنّ معروض الوجوب لم يكن مطلق الذهب والفضّة ، بل خصوص
المتّصف بعنوان الدرهم والدينار على نحوٍ يكون الوصف العنواني مقوّماً للموضوع ،
وقد زال هو حسب الفرض وتبدّل بموضوعٍ آخر ، فلا معنى للاستصحاب.
هذا ، ويمكن
أنّ يُستَدلّ لعدم الوجوب مضافاً إلى ما عرفت بالتعليل الوارد في صحيحة علي بن
يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) : «قال : لا تجب الزكاة فيما سُبِك فراراً
به من الزكاة ، ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة» .
فإنّها صحيحة
السند وإن اشتمل على إسماعيل بن مرار المجهول الحال ، لوجوده في أسناد تفسير علي
بن إبراهيم.
وقد علّل فيها
نفي الزكاة فيما لو أُبدلت السكّة بالسبيكة بذهاب المنفعة التي هي بمعنى ما
يُنتفَع به ، فإنّها تأتي في اللغة بمعنيين :
أحدهما
: من النفع الذي
هو مصدر ، والمنفعة اسم للمصدر.
والثاني
: ما يُنتَفع به
، كما يقال : الثمرة منفعة الشجرة ، والسكنى منفعة الدار ،
__________________
كما أنّ الأحوط ذلك أيضاً إذا ضُرِبت للمعاملة ولم يتعامل بهما (١) أو
تُعومِل بهما لكنّه لم يصل رواجهما إلى حدٍّ يكون دراهم أو دنانير.
______________________________________________________
أي شيء يُنتفَع به.
وحيث لا سبيل
للمعنى الأوّل في المقام ، ضرورة عدم زوال النفع رأساً بتبديل السكّة سبيكة ،
فيتعيّن الثاني ، أي قد زال بالتبديل المزبور الشيء الذي يُنتفَع به وهو كونه
ديناراً الذي كان متمحّضاً في الثمنيّة وممّا يُنتفَع به في شراء الأموال فقد أصبح
الآن مجرّد ذهب محض لا يُنتفَع به ما كان ينتفع به حال كونه ديناراً. فبهذه
العناية يصحّ أن يقال : إنّه قد زالت المنفعة.
فإذا كان هذا
هو المناط في سقوط الزكاة لا يفرق في ذلك بين أن يكون بالاختيار ولغاية الفرار كما
هو مورد النصّ ، أم صار كذلك قهراً لأجل المسح العارض الناشئ من كثرة الاستعمال
على نحوٍ سقط عنه اسم الدرهم والدينار كما هو محلّ الكلام.
(١) قد عرفت
أنّه يعتبر في الزكاة أن تكون المادّة من الذهب والفضّة ، وأن يكونا مسكوكين ، اي
على هيئة الدرهم أو الدينار بحيث يكون متمحّضاً في الثمنيّة ويُقدّر بها الأموال ،
فلا زكاة عند انتفاء أحدهما.
وحينئذٍ نقول :
إنّ للدرهم أو الدينار حالات ثلاثاً :
إحداها
: أن يكون
المسكوك متّصفاً بهذا العنوان فعلاً ، بحيث يعامَل معهما خارجاً معاملة دارجة ،
فيعدّان من الأثمان ويقدّر بهما الأموال. ولا إشكال في وجوب الزكاة في مثل ذلك ،
فإنّه القدر المتيقّن من الأدلّة المتضمّنة لتعلّق الزكاة بالدرهم والدينار كما هو
ظاهر.
الثانية
: أن تكون
السكّة قد ضُرِبت للمعاملة إلّا أنّ التعامل بالمسكوك لم يقع بعدُ أمّا أصلاً ، أو
لو كان فهو قليل نادر ، بحيث لم يكن فعلاً رائج المعاملة
.................................................................................................
______________________________________________________
على حدٍّ يكون من الدرهم أو الدينار ، وإنّما يتّصف بهذا العنوان في
المستقبل ، كشهرٍ مثلاً.
والظاهر أنّه
لا ينبغي التأمّل في عدم تعلّق الزكاة بمثل ذلك ، لعدم الاكتفاء بمطلق المنقوش ،
بل اللازم الاتّصاف بعنوان الدرهم أو الدينار على ما يقتضيه الحصر في صحيحة جميل
المتقدّمة ، المنفيّ في المقام حسب الفرض إلّا بنحوٍ من التجوّز والعناية باعتبار
ما يؤول ، وظاهر الدليل اعتبار الاتّصاف الفعلي الحقيقي كما لا يخفى.
والظاهر أنّ
هذه الصورة متسالَمٌ عليها بين الأصحاب ، وإنّما لم يتعرّضوا لها إيكالاً على
وضوحها وعدم الخلاف فيها.
الثالثة
: أن يكون
المسكوك رائج المعاملة ومندرجاً في مسمّى الدرهم والدينار سابقاً ، أمّا الآن فقد
زال العنوان وهجرت المعاملة وسقطت السكّة عن درجة الاعتبار ، إمّا لتغيير الحكومة
، أو لغير ذلك من مناشئ الهجر والسقوط ، فلا يعدّ فعلاً من الأثمان ، وإنّما يُرغب
فيه لمادّته ، أو لأجل كون السكّة من الآثار العتيقة.
والمعروف
والمشهور حينئذٍ وجوب الزكاة ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، وفي
الجواهر : لم أرَ فيه خلافاً .
ويُستَدلّ له
بوجوه :
أحدها
: الاستصحاب ،
فإن هذا المسكوك كان يجب فيه الزكاة سابقاً والآن كما كان.
وفيه
أوّلاً : أنّ الموضوع
قد تبدّل ، إذ لم يكن معروض الوجوب ذات المسكوك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بحيث يكون الاتّصاف بالدرهم أو الدينار من قبيل تبدّل الحالات ، بل الوصف
العنواني دخيل ومقوّم للموضوع كما لا يخفى ، ومعه لا مجرى للاستصحاب.
وثانياً
: أنّ الاستصحاب
تعليقي ، إذ الوجوب لم يكن ثابتاً وفعليّاً سابقاً ، بل معلّقاً على تقدير حلول
الحول وبقاء العين واستجماع الشرائط العامّة ، فلم يكن حكماً منجّزاً ليُستصحَب ،
ولا نقول بالاستصحاب التعليقي كما هو محرّر في محلّه .
وثالثاً
: أنّ الشبهة
حكميّة ، ولا نقول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مطلقاً ، من غير فرق بين
التنجيزي والتعليقي ، للمعارضة بين مقام الجعل والمجعول ، كما حقّقناه في الأُصول .
الثاني
: الإجماع.
وفيه : أنّ
التعبّدي منه الكاشف عن رأي المعصوم لعلّه مقطوع العدم ، لاستناد أكثر المجمعين
إلى الاستصحاب المزبور ، ومعه لا وثوق بمثل هذا الاتّفاق ، فالمحصّل غير حاصل ،
والمنقول غير مقبول.
الثالث
: دعوى أنّ
المشتق وما يلحق به من الأوصاف الجارية على الذوات كالحرّ والرقّ والملك ، ومنه
الدرهم والدينار كما في المقام حقيقةٌ في الأعمّ من المتلبّس وما انقضى عنه المبدأ
، وعليه فيشمله إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في الدرهم والدينار.
وفيه : أنّ
المبنى خلاف التحقيق ، ولا يكون المشتقّ حقيقة إلّا في خصوص المتلبّس كما هو موضح في
محلّه .
__________________
ولو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة (١) : فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب
فيه الزكاة ، وإلّا وجبت .
______________________________________________________
إذن لا دليل
على وجوب الزكاة في المقام ، لضعف هاتيك الوجوه حسبما عرفت.
بل يمكن إقامة
الدليل على العدم ، وهو التعليل الوارد في صحيحة ابن يقطين المتقدّمة ، حيث علّل
سقوط الوجوب في السبيكة بذهاب المنفعة ، أي ما ينتفع به كما مرّ وهو كونه ديناراً
، الجاري بعينه في المقام ، لسقوطه بعد الهجر عن الثمنيّة والاتّصاف بكونه درهماً
أو ديناراً أو غيرهما من النقود كما هو المفروض.
فإن تمّ هذا
الوجه فهو ، وإلّا فيكفينا عدم الدليل على الوجوب حسبما عرفت.
فالأقوى
: عدم الوجوب
وإن كان الاحتياط الذي ذكره في المتن ممّا لا ينبغي تركه.
(١) لو اتّخذ
المضروب بالسكّة للزينة كالحلي أو غيرها فقد يفرض أنّ التزيّن المزبور استوجب
تغييراً بحيث خرج عن مسمّى الدرهم والدينار ، ولا ينبغي الإشكال حينئذٍ في عدم
الوجوب ، لدوران الحكم مدار الوصف العنواني المفروض زواله.
وقد يفرض عدم
التغيّر وبقاؤها على ما كانا عليه قبل التزيّن من صدق العنوان ورواج المعاملة كما
هو محلّ الكلام.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد وقع الخلاف
في وجوب الزكاة حينئذٍ ، ولعلّ الأشهر هو الوجوب ، ولكن الأظهر عدمه ، فإنّ المورد
وإن كان مشمولاً لإطلاقات أدلّة الدرهم والدينار المحكومة بوجوب الزكاة ولا ينبغي
التشكيك في ذلك ، ولكنّه مشمولٌ أيضاً لإطلاقات الأدلّة النافية للزكاة عن الحلي
كما سيجيء إن شاء الله تعالى ، إذ هي تشمل الدرهم والدينار المتّخذ حليّاً
كغيرهما بمناطٍ واحد.
ولا يبعد تقديم
الثاني ، نظراً إلى التعليل الوارد في بعض هذه النصوص ، وهي صحيحة يعقوب بن شعيب ،
قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي؟ أيزكّى؟ «فقال : إذن لا يبقى منه
شيء» .
المؤيّدة بخبر
علي بن جعفر وإن كان ضعيفاً بعبد الله بن الحسن قال : سألته عن الزكاة في الحلي «قال
: إذن لا يبقى» .
حيث يظهر من
هذا التعليل أنّ الزكاة إنّما شُرِّعت في المسكوك الذي من شأنه الصرف والتبديل
والنقل والتحويل كالنقود المصروفة في الأثمان ، وأمّا ما يكون المطلوب منه البقاء
والتمتّع بالتزيّن بها كالحلي فلا زكاة فيها ، وإلّا لأدّى إلى الزوال والاضمحلال
ولم يبق منه شيء بعد سنين عديدة ، وهذه العلّة تستدعي عدم تعلّق الزكاة بالدينار
المتّخذ للحلية ، إلّا إذا خرج عن التحلّي وصار كسائر النقود بحيث لا يكون المطلوب
في نوعه البقاء.
فإن تمّ هذا
الوجه ، وإلّا فمن الواضح أنّ النسبة بين الدليلين عمومٌ من وجه ، فإنّ أدلّة
الدينار تعمّ المتّخذ للحلي ، كما أنّ أدلّة الحلي تعمّ ما كان من الدينار ،
فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي الدرهم أو الدينار المتّخذ للحلي فتجب الزكاة
بمقتضى الطائفة الأُولى ، ولا تجب بمقتضى الثانية.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فقد يقال
حينئذٍ : أنّهما يتساقطان بعد التعارض ، فيرجع بعد ذلك إلى العامّ الفوق ، وهي
النصوص الدالّة على وجوب الزكاة في مطلق الذهب والفضّة لعدم العلم بخروج مثل هذا
الفرض عنها من الكتاب والسنّة ، كقوله تعالى (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) إلخ ، وقوله (عليه السلام) : «في عشرين مثقال من الذهب
نصف دينار» ، وغير ذلك.
ولكن الظاهر
عدم وصول النوبة إلى التعارض ، ولزوم تقديم نصوص الطائفة الثانية ، أعني : نصوص
الحلي.
وذلك لما
ذكرناه مراراً من أنّه لو كان بين عنوانين عمومٌ من وجه ، وكان تقديم أحدهما
مستلزماً للغويّة العنوان في الجانب الآخر دون العكس ، قُدِّم الثاني الذي هو سليم
عن هذا المحذور ، وذكرنا لهذه الكبرى موارد :
منها : ما دلّ
على عدم انفعال الماء القليل ، فإنّ النسبة بينه وبين أدلّة اعتصام الجاري عمومٌ
من وجه ، ويتعارضان في مادّة الاجتماع وهو القليل الجاري الذي له مادّة ولكن
المتعيّن تقديم الثاني أعني : أدلّة الاعتصام إذ لا محذور فيه عدا ارتكاب التقييد
في أدلّة الانفعال ، فتحمل على القليل غير الجاري ، وهذا بخلاف العكس ، إذ لو
قدّمنا أدلّة الانفعال وحملنا دليل الاعتصام على الجاري غير القليل أي الكرّ لم
يبق لوصف الجريان مدخل في هذا الحكم ، لأنّ غير الجاري الكرّ أيضاً معتصم.
ومنها : قوله (عليه
السلام) : «كلّ طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه» ، فإنّ النسبة
بينه وبين ما دلّ على نجاسة بول غير مأكول اللحم مثل قوله (عليه السلام) : «اغسل
ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» ـ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عمومٌ من وجه ، لأنّ الأوّل يعمّ غير المأكول ، كما أنّ الثاني يعمّ الطائر
، فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي الطائر غير مأكول اللحم كالباز والصقر إذ مقتضى
كونه طائراً طهارة بوله ، كما أنّ مقتضى كونه غير مأكول اللحم نجاسته.
ولكن المتعيّن
تقديم الأوّل ، إذ لا محذور فيه عدا تقييد الثاني بغير الطائر ، فيفصل في غير
المأكول بين الطائر وغيره ، وتكون النجاسة مختصّة بالثاني. وأمّا لو قدّمنا الثاني
المستلزم لحمل الأوّل على مأكول اللحم ، كان لازمه إلغاء العنوان وإهمال وصف الطيران
، إذ لا فرق حينئذٍ في طهارة المأكول بين الطائر وغيره ، مع أنّ ظاهر الدليل أنّ
لهذا الوصف العنواني خصوصيّة في تعلّق الحكم.
ومنها : المقام
، فإنّ النسبة بين أدلّة عدم تعلّق الزكاة بالحلي وبين أدلّة تعلّقها بالدرهم
والدينار وإن كانت عموماً من وجه إلّا أنّ المتعيّن ترجيح الأوّل ، إذ لا محذور
فيه عدا تقييد الثاني وحمله على الدرهم والدينار غير المستعملين في الحلي ، وهذا
بخلاف العكس ، إذ لو قدّمنا الثاني وقيّدنا أدلّة الحلي بغير الدرهم والدينار لم
تبق حينئذٍ خصوصيّة لعنوان الحلي في الحكم بعدم الزكاة ، ضرورة أنّ غير الحلي
أيضاً من غير الدرهم والدينار لا زكاة فيه ، فالحلي وغير الحلي سيّان من هذه الجهة
بعد فرض كون الموضوع غير الدرهم والدينار كما هو مقتضى التقييد المزبور فيلزم
إلغاء هذا العنوان ، مع أنّ ظاهر الدليل لزوم رعايته وأنّ له دخلاً في تعلّق الحكم
، ومعه لا مناص من ترجيح أدلّة الحلي وتقييد أدلّة الزكاة في الدرهم والدينار بغير
المتّخذ للحلية كما عرفت.
فالأقوى ما
اختاره غير واحد من عدم تعلّق الزكاة بالدرهم والدينار المتّخذين للزينة وإن كان
الوجوب الذي عليه المشهور هو الأحوط.
الثالث : مضيّ
الحول (١)
______________________________________________________
(١) بلا خلاف
فيه ولا إشكال كما كان معتبراً في زكاة الأنعام أيضاً على ما تقدّم .
وتدلّ عليه
جملة وافرة من النصوص المعتبرة :
منها : صحيحة
محمّد الحلبي : عن الرجل يفيد المال «قال : لا يزكّيه حتى يحول عليه الحول» .
وصحيحة علي بن
يقطين قال : قلت له : إنّه يجتمع عندي الشيء فيبقى نحواً من سنة ، أنزكّيه؟ «قال
: لا ، كلّ ما لم يحلّ عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة» .
وصحيحة زرارة :
«الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه» .
وصحيحة الحلبي
، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما في الخضر؟ «قال : وما هي؟» قلت :
القضب والبطّيخ ومثله من الخضر «قال : ليس عليه شيء ، إلّا أن يباع مثله بمال
فيحول عليه الحول ففيه الصدقة» .
وصحيحة رفاعة
النخّاس ، قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال : إنّي رجل صائغ أعمل
بيدي ، وإنّه يجتمع عندي الخمسة والعشرة ، ففيها زكاة؟
__________________
بالدخول في الشهر الثاني عشر (١) ، جامعاً للشرائط التي منها النصاب ، فلو
نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب ، وكذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره ، وكذا
لو غُيِّر بالسبك ، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على
الأقوى (٢) ، وإن كان الأحوط الإخراج على الأوّل.
______________________________________________________
«فقال : إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإنّ عليها الزكاة» .
ونحوها غيرها
كما لا يخفى على من لاحظها.
(١) فيكفي مضيّ
أحد عشر شهراً بكاملها ، فمتى هلّ هلال الشهر الثاني عشر استقرّ الوجوب ، ولا يجوز
له التصرّف والتغيير حينئذٍ ، فلا عبرة بمضيّ هذا الشهر ، كما أنّه لا يحسب من
السنة الجديدة أيضاً ، بل مبدؤها الشهر الثالث عشر كما دلّت عليه صريحاً صحيحة
زرارة ومحمّد بن مسلم ، حيث قال (عليه السلام) فيها : «... إنّه حين رأى هلال
الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» وقد تضمّنت تشبيه من وهب ماله بعد رؤية هذا الهلال بمن
سافر بعد الإفطار ، كما شُبِّهت فيها الهبة خلال السنة أي قبل هذه الرؤية بمن أفطر
بعد ما سافر ، حيث يجوز الثاني دون الأوّل.
وقد تقدّم
الكلام حول ذلك مستقصًى في زكاة الأنعام ، فلاحظ .
(٢) لا يخفى
أنّ مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة ـ : سقوط الزكاة مع التبديل أو
السبك ولو كان ذلك بقصد الفرار من الزكاة ، عملاً بإطلاق أدلّة اعتبار مضيّ الحول
والعين باقية بحالها ، إذ مفادها أنّها لو لم تكن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
باقية فتغيّرت خلال السنة بتبديلٍ أو تسبيكٍ أو الصرف في الحلي ونحو ذلك
فلا زكاة ، سواء أكان ذلك لحاجة ماسّة أو لمجرّد الفرار من الزكاة ، إذ يصدق معه
أيضاً أنّه لم يحلّ عليه الحول ، كما يقتضيه إطلاق ما دلّ على أنّ السبائك والحلي
ليس فيها زكاة.
وأمّا بالنظر
إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام ، فقد ورد في غير واحد من الأخبار سقوط
الزكاة ولو كان بقصد الفرار ، التي منها صحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه
شيء؟ «فقال : لا ، ولو جعله حليّاً أو نقراً فلا شيء عليه ، وما منع نفسه من
فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» ، ونحوها
صحيحتا علي بن يقطين وصحيحة ابن خارجة وغيرها.
وبإزائها
روايات اخرى دلّت على عدم السقوط ، التي منها صحيحة محمّد ابن مسلم ، قال : سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي ، فيه زكاة؟ «قال : لا ، إلّا ما فرّ به من
الزكاة» .
فلو كنّا نحن
وهاتان الطائفتان لأمكن الجمع بالحمل على الاستحباب ، نظراً إلى أنّه وإن كان في
نفسه متعذّراً في أمثال المقام ممّا تضمّن النفي والإثبات فيه زكاة وليس فيه زكاة
لكونهما متهافتين في نظر العرف ، وإنّما يتيسّر في مثل : افعل ، و : لا بأس بتركه
، كما أشرنا إليه مراراً.
إلّا أنّ صحيحة
زرارة تدلّنا على إمكان هذا الجمع في خصوص المقام ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حيث ورد في ذيلها : ... ثمّ قال زرارة : قلت له : إنّ أباك قال لي : «من
فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» «فقال : صدق أبي ، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه
، وما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه».
فإنّها تكون
شارحة لنصوص عدم السقوط مثل : صحيحة ابن مسلم وأنّ المراد ما لو كان الفرار بعد
استقرار الوجوب عليه أي بعد مضيّ الحول وأمّا لو كان قبله فلا شيء عليه ، غير
أنّه فوّت على نفسه الأفضل كما صرّح به في صحيحة عمر بن يزيد ، فتكون نتيجة الجمع
حينئذٍ هو الاستحباب.
إلّا أنّ صحيحة
معاوية بن عمّار آبية عن ذلك ، قال : قلت له : الرجل يجعل لأهله الحلي إلى أن قال
: قلت له : فإن فرّ به من الزكاة؟ «فقال : إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ،
وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» ، ورواها ابن إدريس في آخر السرائر
نقلاً عن كتاب معاوية بن عمّار .
لامتناع حملها
على ما بعد مضيّ الحول ، إذ يبطل حينئذٍ ما تضمّنته من التفصيل بين صورتي قصد
الفرار أو التجمّل ، ضرورة عدم جواز التبديل بالحلي بعد تماميّة الحول واستقرار
الوجوب ، سواء أكان بقصد الفرار أم بقصد التجمّل كما هو ظاهر.
ولا يمكن
التفكيك بين الشقّين بحمل قصد الفرار على ما بعد الحول ، وقصد التجمّل على ما قبله
، إذ فيه من الاستبشاع بحسب الفهم العرفي ما لا يخفى ، فلا مناص من كونها ناظرة
إلى ما قبل مضيّ الحول ، فتستقرّ المعارضة حينئذٍ بينها وبين نصوص السقوط ، مثل :
صحيحة عمر بن يزيد ونحوها.
وهذه الرواية
وصفها في الحدائق بالصحّة باعتبار طريق ابن إدريس ، حيث
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قال : وعن معاوية بن عمّار في القوي بل الحسن ، ثمّ قال : ورواه ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب معاوية بن عمّار مثله فيكون الحديث صحيحاً .
وغير خفي ما في
هذا الطريق من الضعف ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى الكتاب المزبور ، ولم تقم قرينة
تغنينا عن رعاية الطريق مثل ما ينقل أحياناً عن كتابٍ ويقول مثلاً : وجدته بخطّ
الشيخ.
نعم ، هي صحيحة
كما وصفناها ولكن بطريق الشيخ ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ، عدا محمّد بن عبد الله
المردّد بين الثقة والضعيف ، ولكن الظاهر أنّ المراد به هو محمّد بن عبد الله بن
زرارة ، الذي هو ثقة على الأظهر ، بقرينة روايته عن محمّد بن أبي عمير ، فإنّ
الراوي عنه غالباً هو هذا الشخص كما صرّح به في غير واحد من الموارد.
وكيفما كان ،
فالرواية معتبرة ، والمعارضة مستقرّة كما عرفت ، وفتاوى العامّة مختلفة ، ولعلّ
المشهور بينهم آن ذاك هو الوجوب ، إذ لم ينقل الخلاف إلّا عن أبي حنيفة والشافعي ، فإنّ حصر
المذاهب في الأربعة إنّما حدث متأخّراً وقبله كان ينقل فتاوى ابن أبي ليلى وابن
عيينة وأضرابهما من الفقهاء المعاصرين للصادقين (عليهما السلام) ، حتى ورد عن
الصادق (عليه السلام) : «إنّي لا أقدر على مخالفة ابن أبي ليلى» ويظهر من صاحب
المغني أنّ جماعة كثيرين من هؤلاء العامّة كانوا يفتون بعدم السقوط . إذن لا يبعد أن
يكون المشهور بين العامّة هو ذلك.
__________________
ولو سبك
الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة (١) ووجب الإخراج بملاحظة
الدراهم والدنانير إذا فرض نقص القيمة بالسبك.
______________________________________________________
وعليه ،
فروايات عدم السقوط أشبه بالتقيّة فتُحمَل عليها ويُؤخَذ بنصوص السقوط ، فإن تمّ
هذا فهو ، وإلّا فتتساقط الطائفتان بالتعارض ، فيرجع حينئذٍ إلى ما تقتضيه القاعدة
الأوّليّة من السقوط ولو كان بقصد الفرار ، أخذاً بإطلاقات أدلّة اعتبار الحول حسبما
مرّت الإشارة إليه ، والأدلّة النافية للزكاة في الحلي والسبائك وفي غير
الدرهم والدينار ، الشاملة لصورة الفرار ، التي هي تقيّد الإطلاقات الأوّليّة
المتضمّنة لوجوب الزكاة من الكتاب والسنّة ، مثل قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) وقوله (عليه السلام) : «في كلّ عشرين مثقال نصف دينار»
، فإنّ المرجع تلك الأدلّة النافية ، لا هذه المطلقات المثبتة كما هو ظاهر ،
فلاحظ.
فتحصّل
: أنّ الأقوى ما
ذكره في المتن من السقوط ولو كان بقصد الفرار من الزكاة ، وإن كان الاحتياط
بالإخراج ممّا لا ينبغي تركه.
(١) لاستقرار
الوجوب بحلول الحول جامعاً للشرائط ، فيجب الخروج عن عهدته ، سواء بقي النقدان
بحالهما أم سُبِكا.
ويترتّب عليه :
أنّه لو فرض نقص القيمة بالسبك ضمنها ، لأنّ متعلّق الفرض إنّما هو نفس الدراهم
والدنانير ، فيجب الإخراج بملاحظتهما كما هو واضح.
__________________
[٢٦٤٨] مسألة ١
: لا تجب الزكاة في الحلي (١) ولا في أواني الذهب والفضّة وإن بلغت وما بلغت ، بل
عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم والدينار إذا اتُّخِذا للزينة وخرجا عن رواج المعاملة
بهما.
نعم ، في جملة
من الأخبار : أنّ زكاتها إعارتها (٢).
______________________________________________________
(١) بلا خلافٍ
فيه ولا إشكال ، للنصوص الكثيرة التي تقدّمت الإشارة إليها ، التي منها صحيحة
الحلبي : سألته عن الحلي ، فيه زكاة؟ «قال : لا» ونحوها صحيحة يعقوب بن شعيب
ورفاعة وغيرهما .
قال المحقّق في
الشرائع : ولا تجب الزكاة في الحلي ، محلّلاً كان كالسوار للمرأة وحلية السيف
للرجل ، أو محرّماً كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتّخذة من الذهب
والفضّة.
والظاهر أنّ
نظره (قدس سره) في التعميم إلى الخلاف الصادر من أهل الخلاف ، حيث فصّلوا بين
المحلّل والمحرّم ، وخصّوا السقوط الأوّل ، فكأنّ الحلي عندهم بالإضافة إلى الزكاة
كالمئونة عندنا بالإضافة إلى الخمس ، فكما أنّها خاصّة بالمقدار اللازم اللائق
بالشأن ، فكذا الحلي يختصّ لديهم بما كان سائغاً محلّلاً ، واستدلّوا على ذلك
بحججٍ واهية لا تليق بالذكر.
وكيفما كان ،
فلا خلاف بين علمائنا أجمع في شمول الحكم لكلا القسمين ، عملاً بإطلاق النصوص
الشامل للسائغ والمحظور وإن أطبق الجمهور على التفصيل المزبور ، إذ لا يصغي إليه
تجاه الإطلاق المذكور.
(٢) لا يبعد أن
يكون هذا سهواً من قلمه الشريف ، إذ لم يرد ذلك إلّا في
__________________
[٢٦٤٩] مسألة ٢
: لا فرق في الذهب والفضّة بين الجيّد منها والرديء (١) ، بل تجب إذا كان بعض
النصاب جيّداً وبعضه رديئاً.
______________________________________________________
مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : زكاة الحلي
عاريته» ، وكذا في الفقه الرضوي الذي لم يثبت
كونه رواية كما أشرنا إليه مراراً ، فلم ترد إلّا في رواية واحدة مرسلة لا في جملة
من الأخبار كما ذكره.
وكيفما كان ،
فيختصّ الاستحباب بما إذا لم يكن معرّضاً للفساد ، وإلّا فلا يستحبّ أيضاً على ما
هو الشأن في مطلق العارية ، كما ورد ذلك في رواية أبي بصير في حديث ـ : أنّه قال
لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه
، فعلينا جناحٌ أن نمنعهم؟ «فقال : لا ، ليس عليكم جناح أن تمنعهم» .
(١) لإطلاق
الأدلّة الشامل لما إذا كان النصاب كلّه جيّداً أو رديئاً أو ملفّقاً منهما ، بعد
صدق عنوان الذهب أو الفضّة على الجميع بمناطٍ واحد.
ولا يخفى أنّ
الذهب وكذا الفضّة حسب ما ينقل عن مَهَرة الفنّ ذات واحدة ، ولا يختلف في حدّ نفسه
باختلاف المعادن أو الأزمان والأماكن ، فلا ينقسم في ماهيّته إلى الجيّد والرديء
كما ينقسم إليهما غيره من المأكولات والملبوسات وغيرهما ، وإنّما يُنتزَع هذا
التقسيم من خارج مقام الذات ، أي من كمّيّة الخليط الذي يمتزج بالذهب والفضّة ،
فإنّ الذهب الجيّد أي الخالص عن كلّ مزيج لا يُستعمَل خارجاً ، إذ هو ليّنٌ في
طبعه ، فيحتاج بطبيعة الحال إلى
__________________
ويجوز الإخراج
من الرديء (١) وإن كان تمام النصاب من الجيّد ، لكن الأحوط خلافه ، بل يخرج
الجيّد من الجيّد ويبعّض بالنسبة مع التبعّض ، وإن أخرج الجيّد عن الجميع فهو
أحسن.
______________________________________________________
مزيجٍ من نحاسٍ أو غيره يستوجب صلابته وتماسك أجزائه ، غاية الأمر أنّ ذاك
الخليط كلّما كان أقلّ كان الذهب أجود.
فالذهب الجيّد
الراقي هو ما كان خليطه حمّصة ونصف في كلّ مثقال ، فإنّ المثقال أربع وعشرون حمّصة
، فإذا كان المثقال منه مشتملاً على اثنتين وعشرين حمّصة ونصف من الذهب الخالص
والباقي أي الحمّصة والنصف خليطه فهو الذهب الأرقى الذي لا أجود منه كالليرة
العثمانيّة ، فإذا كان الخليط أكثر فهو دونه في الجودة ، وكلّما ازداد الخليط نقص
جودةً وازداد رداءةً ، وكذا الحال في الفضّة ، فالجودة والرداءة فيهما منتزعان من
كمّيّة الخليط قلّةً وكثرة ، وإلّا فكلّ منهما في حدّ ذاته طبيعة واحدة.
(١) تارةً
يُفرَض أنّ النصاب كلّه جيّد ، وأُخرى كلّه رديء ، وثالثةً مؤلّفٌ منهما كما لو
كانت عشرة دنانير جيّدة والعشرة الأُخرى رديئة.
أمّا في
الفرضين الأخيرين فلا ينبغي الإشكال في جواز دفع الرديء وإخراجه زكاةً ، لوضوحه
في الأوّل منهما وكذا الثاني ، بناءً على ما هو الصحيح في كيفيّة التعلّق بالعين
من أنّها بنحو الشركة في الماليّة ، والمتولّي للإخراج هو المالك دون الفقير ، فله
اختيار التطبيق على الرديء كالجيّد.
نعم ، بناءً
على الإشاعة والشركة الحقيقيّة لا مناص من التبعيض ، لأنّ كلّ
__________________
نعم ، لا يجوز دفع الجيّد عن الرديء بالتقويم (١) بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوى ديناراً رديئاً عن
دينار ، إلّا إذا صالح الفقير بقيمة في ذمّته ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من
الزكاة ، فإنّه لا مانع منه ،
______________________________________________________
جزء من النصاب مشتركٌ على هذا بين المالك والفقير بنسبة الواحد إلى
الأربعين ، فالدفع من الرديء تفويتٌ لحقّ الفقير بالإضافة إلى الجيّد.
لكن المبنى
فاسد كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله تعالى.
نعم ، الأولى
والأحسن دفع الجيّد حينئذٍ ، ولا أقلّ من التبعيض كما ذكره في المتن.
وأمّا في الفرض
الأوّل أعني : ما لو كان كلّه جيّداً فقد ذكر الماتن جواز دفع الرديء حينئذٍ
أيضاً.
ولكنّه مشكلٌ
جدّاً ، فإنّ متعلّق الحقّ هو هذه العين الخارجيّة التي كلّها جيّد فكيف يسوغ
الدفع من خارج مورد الحقّ الذي هو دونه في الوصف؟! ودليل جواز التبديل والإخراج من
مالٍ آخر لا إطلاق له يشمل مثل ذلك كما لا يخفى ، بل المتيقّن منه ما لو كان الفرد
الآخر مماثلاً لما في النصاب ومشاركاً له في الماليّة فله دفع فرد آخر جيّد من
خارج النصاب لا كلّ فرد من الطبيعة وإن كان أدون ممّا في النصاب كما مرّ نظيره في
زكاة الأنعام .
(١) فصّل (قدس
سره) بين دفع الجيّد عن الرديء المساوي معه في القيمة وبين العكس ، فمنع عن
الأوّل وجوّز الثاني.
__________________
كما لا مانع من دفع الدينار الرديء عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك.
______________________________________________________
فلو كانت عنده
أربعون ديناراً رديئاً التي فيها دينار واحد لا يجوز له دفع نصف دينار جيّد وإن
كانت قيمته مساوية مع قيمة الدينار الواحد من الرديء كما لو كان كل منهما يسوى
عشرة دراهم مثلاً إلّا إذا صالح الفقير بقيمته في ذمّته على نحو ما ذكره في المتن.
وأمّا عكس ذلك
، كما لو كانت عنده عشرون ديناراً جيّداً التي فيها نصف الدينار جاز له حينئذٍ دفع
دينار واحد رديء عن نصف الدينار الذي هو فرضه فيما إذا تساويا في القيمة.
وكأنّ الوجه
فيما ذكره (قدس سره) ملاحظة الكمّيّة الواردة في لسان الأدلّة ، إذ في الفرض
الأخير يشتمل المخرج على الفرض وهو نصف دينار وزيادة ، فلا نقص في المقدار
والكمّيّة كما لا نقيصة في القيمة والماليّة بعد فرض التساوي ، فلا قصور في شمول
الأدلّة لمثله.
وهذا بخلاف
الفرض الأوّل ، لنقصان في الكمّ ، إذ الواجب دفع الدينار وقد دفع النصف فلم يؤدّ
الفرض وإن تساويا في القيمة ، ومثله غير مشمول للنصوص ، إلّا أن يدفع نصف دينار
إلى الفقير عوضاً عن شيء في ذمّته بصلحٍ ونحوه بحيث تسوى قيمته ديناراً رديئاً ،
فيملك المالك حينئذٍ هذا الشيء في ذمّة الفقير ثمّ يحتسبه زكاةً بعنوان القيمة ،
فإنّ هذا لا إشكال في صحّته كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى.
وما أفاده (قدس
سره) وإن كان وجيهاً بحسب الصورة وفي بادئ الأمر ، إلّا أنّ دقيق النظر يقضي
بخلافه ، فإنّ الفقير وإن كان شريكاً مع المالك في العين
[٢٦٥٠] مسألة ٣ : تتعلّق الزكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة إذا
بلغ خالصهما النصاب (١).
______________________________________________________
بنحو الشركة في الماليّة إلّا أنّ الاختيار بيد المالك ، وله ولاية التبديل
والإخراج من غير العين من درهمٍ أو دينارٍ ونحوهما من النقود المتمحّضة في
الثمنيّة مع مراعاة القيمة.
نعم ، في دفع
القيمة من غير النقدين كلامٌ أقواه : العدم ، كما هو مذكور في محلّه.
وأمّا منهما
فلا إشكال فيه ، فيجوز دفع الدرهم بدلاً عن الدينار أو الدينار بدلاً عن الدرهم ،
بل في بعض النصوص التصريح بجواز الدفع بما تيسّر.
فهذه الأدلّة
تدلّنا على أنّ ملاحظة الكمّيّة غير معتبرة وأنّ العبرة بمراعاة القيمة ، غايته من
نفس النقدين لا من جنس آخر ، فلو جاز دفع خمسة دراهم بدلاً عن نصف دينار لتساويه
له في القيمة إذ كلّ دينار من الذهب يسوى عشرة دراهم من الفضّة فدفع نصف دينار
جيّد بدلاً عن دينار رديء بطريقٍ أولى كما لا يخفى.
فالأظهر عدم
الفرق بين الصورتين ، وجواز دفع كلّ منهما ، أي من الجيّد والرديء عن الآخر بدلاً
عن قيمته حسبما عرفت.
(١) كما ذكره
غير واحد من الأصحاب ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومحلّ الكلام
ما لو كان الغشّ بغير الجنسين كالنحاس مثلاً أمّا لو كان بهما كما لو كان الدينار
ممزوجاً بشيء من الفضّة أو الدرهم بشيء من الذهب فسيجيء البحث عنه فيما بعد إن
شاء الله تعالى .
فنقول
: قد يفرض بلوغ
الغشّ حدّا لا يخرج المغشوش معه عن صدق اسم الدرهم والدينار ، فإنّ الدينار الخالص
كما عرفت لا يكاد يوجد خارجاً وإن كان فهو نادر جدّاً ، لكونه ليّناً في طبعه
فيحتاج إلى مزيجٍ يوجب تماسك أجزائه أقلّه حبّة ونصف في كلّ مثقال ، وربّما يبلغ أكثره
ثلث المثقال ، فهو مشتمل على الخليط والمزيج على كلّ حال حسب اختلاف المراتب التي
منها تنتزع الجودة والرداءة كما مرّ ، وعرفت أنّ أرقى أنواعها الليرة العثمانيّة.
وكيفما كان ،
فإن كان كذلك أي كان المغشوش من مصاديق الدرهم والدينار عرفاً ، لكون الغشّ قليلاً
لا يضرّ بصدق اسم الذهب والفضّة فالظاهر وجوب الزكاة حينئذٍ لدى بلوغ المجموع من
المزيج والممزوج حدّ النصاب وإن لم يبلغ خالصهما النصاب ، فإنّ الموضوع لهذا الحكم
كغيره من سائر الأحكام كحرمة لبس الذهب للرجال ، ووجوب التقابض في المجلس في بيع
الصرف ، ووجوب دفع ألف دينار في الدّية وهو ما صدق عليه عرفاً اسم الذهب والفضّة
وإن كان مشتملاً على الغشّ والخليط ، عملاً بإطلاق الأدلّة ، إذ لم تتقيّد حرمة
لبس الذهب مثلاً بالخلوص كما قُيِّد الحرير بذلك.
على أنّها قد
دلّت على أنّ في كلّ عشرين مثقالاً نصف دينار ، مع أنّ نفس العشرين التي هي خمسة
عشر مثاقيل صيرفيّة يشتمل كلّ مثقال منها على حبّة ونصف من المزيج على الأقلّ كما
مرّ ، فيكون في مجموع العشرين من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المثاقيل الشرعيّة اثنان وعشرون حبّة من المزيج ، أي يكون خالص الذهب من
العشرين أقلّ من تسعة عشر مثقالاً بحبّتين ونصف ، ومع ذلك يجب فيها الزكاة بلا
إشكال.
فيكشف هذا عن
عدم قدح المزيج المزبور وعدم لزوم مراعاة النصاب في خالص الذهب الذي يشتمل الدينار
عليه ، بل المناط ملاحظة حال الموجود الخارجي على ما هو عليه.
وقد يفرض بلوغ
الغشّ من الكثرة حدّا لا يصدق معه اسم الذهب والفضّة ولا يطلق عليه عنوان الدرهم
والدينار منهما ، كما لو كان المزيج بمقدار النصف ، ولا سيّما إذا كان أكثر
كالليرات الاستامبوليّة حيث إنّ ذهبها الخالص لا يتجاوز الثلث ، أي يشتمل كلّ
مثقال منها على ثمان حبّات من الذهب وكالدراهم المتداولة في عصرنا الحاضر. ففي مثل
ذلك يشكل وجوب الزكاة وإن بلغ خالصهما النصاب ، بل لا يبعد العدم ، لحصر الوجوب في
صحيحة جميل بالدرهم والدينار ، أي بما كان مصداقاً للذهب والفضّة المسكوكين غير
المنطبق على المقام حسب الفرض ، ولا دليل على أنّ الفضّة أو الذهب الخالصين
المنبثّين في مطاوي تلك المغشوشات يتعلّق بهما الزكاة.
وبعبارة
اخرى : إنّما تجب
الزكاة في الدينار من الذهب لا في كلّ مسكوك تضمّن بعض أجزائه الذهب ، فإنّه لا
يصدق عليه العنوان إلّا بنحوٍ من العناية والتجوّز ، فإن كان هناك إجماع فهو ،
ويلتزم من أجله بثبوت الحكم في غير مورد الدرهم والدينار أيضاً ، وهو المسكوك
المشتمل على الذهب أو الفضّة ولو في بعض أجزائه ، فيثبت الحكم في موردٍ ثالث بدليل
آخر ، وهو الإجماع ، دون النصوص ، لقصورها عن الشمول لذلك كما هو ظاهر.
والظاهر عدم
تحقّق الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ،
.................................................................................................
______________________________________________________
وإنّما استند القائل بذلك إلى مقتضى القواعد الأوّليّة بزعم صدق الدرهم
والدينار على المغشوش الذي عرفت منعه في الفرض.
نعم ، دلّت على
ذلك رواية زيد الصائغ ، حيث تضمّنت وجوب الزكاة في الدرهم الذي ثلثه فضّة
وثلثاه مسّ ورصاص ، إلّا أنّه لا يمكن رفع اليد بها عن الروايات
النافية للزكاة عن غير الدرهم والدينار ، فإنّه وإن أمكن الجمع بارتكاب التقييد في
تلك النصوص والالتزام بثبوت الزكاة أيضاً في النقود التي يكون جزءٌ من مادّتها
ذهباً أو فضّةً فيما لو بلغ حدّ النصاب ، إلّا أنّ هذه الرواية في نفسها ضعيفة
السند ، لأنّ محمّد بن عبد الله بن هلال فيه كلام ، وزيد الصائغ مجهول.
ودعوى الانجبار
بعمل الأصحاب ممنوعةٌ كبرى على ما حقّقناه في الأُصول ، وصغرىً
أيضاً ، إذ لم يُعلَم استناد الأصحاب الأقدمين إليها الذين هم المناط في الاستناد
، وإن ذُكِرت في كتب المتأخّرين ، إذ لعلّهم جروا على مقتضى القواعد الأوّليّة
بزعم ثبوت الزكاة في مطلق المسكوك المشتمل جزء من مادّته على الذهب والفضّة ، كما
أنّ جماعة كثيرة ممّن تأخّر عن الشيخ كانوا يتبعون الشيخ فيما يقول ولم يتجرؤوا
على مخالفته حتى سُمّوا بالمقلّدة.
وعلى
الجملة : المدار في
حجّيّة الخبر على أحد أمرين : إمّا وثاقة الراوي ، أو الوثوق بصدور الرواية لأجل
الاحتفاف بقرائن تورث الاطمئنان بصدورها ، وشيءٌ منهما لم يثبت في المقام.
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّ الدراهم والدنانير المغشوشة إن صدق
__________________
ولو شكّ في
بلوغه ولا طريق للعلم بذلك (١) ولو للضرر لم تجب.
وفي وجوب
التصفية ونحوها للاختبار إشكالٌ أحوطه ذلك ، وإن كان عدمه لا يخلو عن قوّة.
______________________________________________________
عليها عرفاً عنوان الذهب والفضّة وجبت زكاتها متى بلغ المجموع من المزيج
والممزوج حدّ النصاب ، لا خصوص الخالص منهما ، لعدم الدليل على اعتبار الخلوص بعد
فرض الصدق المزبور.
وإن لم يصدق
لكثرة المزيج من غير الجنسين ، ولا سيّما إذا كان بحدٍّ يستهلك فيه الذهب أو
الفضّة لم تجب وإن فرض بلوغ الخالص منهما حدّ النصاب ، لعدم وجوبها في مطلق الذهب
والفضّة ، بل في خصوص المسكوكين المعنونين بعنوان الدرهم أو الدينار ، المنفي في
المقام ، لأنّ النقد المسكوك لم تكن مادّته ذهباً ولا فضّة ، بل يصحّ سلبهما حسب
الفرض ، والخالص من تلك المواد وإن كان ذهباً أو فضّة إلّا أنّه غير مسكوك ، بل
سبيكة محضة ولا زكاة فيها. فعلى هذا ، لو كانت عنده ستّون من الليرات
الاستامبوليّة التي ثلثها ذهب خالص لم تجب فيها الزكاة وإن كان الخالص بالغاً حدّ
النصاب.
(١) لو بنينا
على وجوب الزكاة في الخالص من الدراهم والدنانير المغشوشة ، فشككنا في بلوغ الخالص
حدّ النصاب ، أو كانت عنده دراهم ودنانير غير مغشوشة وشُكّ في بلوغها حدّ النصاب ،
فهل يجب الفحص والتفتيش؟ وعلى تقدير الوجوب فهل يسقط بالعجز؟ فهنا جهتان :
أمّا
الجهة الأُولى : فقد يقال بالوجوب بالرغم من كون الشبهة موضوعيّة اتّفق الأُصوليّون
والأخباريّون على عدم وجوب الفحص فيها ، نظراً إلى أنّ ترك الفحص في المقام
وأمثاله كما في موارد الشكّ في بلوغ المال حدّ الاستطاعة ـ
.................................................................................................
______________________________________________________
يوجب الوقوع في مخالفة الواقع غالباً ، كتأخير الحجّ عن أوّل عام الاستطاعة
عند ترك المحاسبة وتضييع حقّ الفقراء أو السادة لدى ترك الفحص عن حصول الربح في
التجارة أو بلوغ المال حدّ النصاب ، ومن هذا القبيل ترك الاستهلال في شهر رمضان.
وبذلك يمتاز المقام عن سائر موارد الشبهات الموضوعيّة.
ويندفع بما ذكرناه في الأُصول من عدم العلم بالوقوع في خلاف
الواقع بالإضافة إلى شخص المكلّف المجري للأصل ، لفرض عدم تنجّز التكليف عليه في
المورد الذي هو محل ابتلائه ، إذ هو شاكٌّ حسب الفرض لا قاطع ، وإنّما يحصل العلم
بالمخالفة القطعيّة لو لوحظ المكلّف المزبور بضميمة غيره من سائر المكلّفين
المجرين لهذا الأصل ، فيعلم إجمالاً بأنّ كثيراً من هذه الأُصول مخالفٌ للواقع ،
ومن المعلوم أنّ مثل هذا العلم الإجمالي المتعلّق به وبغيره من سائر المكلّفين لا
يستوجب التنجيز ولا يكاد يؤثّر في إيجاب الاحتياط على من لا يعلم بتنجيز التكليف
عليه ، فحال المقام حال سائر موارد الأُصول الجارية في الشبهات الموضوعيّة من أصل
البراءة والحلّ والطهارة ونحوها ، حيث إنّ العلم بمخالفة كثير منها للواقع غير
ضائر في جريانها.
وأمّا
الجهة الثانية : وهي أنّا لو سلّمنا وجوب الفحص ، فهل يسقط بالعجز التكويني كما لو كان
محبوساً ، أو كان النقدان في خزانة قد ضاع مفتاحها أو التشريعي ، كما لو كان الفحص
مستوجباً للضرر ، إذ لو سبك الدنانير والدراهم المغشوشة وأذابها ينعدم مقدارٌ
معتدٌّ به منها؟
الظاهر : عدم
السقوط ، لأنّ وجوب الفحص على تقدير ثبوته لم يكن حكماً تكليفيّاً نفسيّاً أو
غيريّاً كي يسقط بالعجز ، وإنّما هو حكم طريقي بمناط المحافظة على الواقع ، ومرجعه
إلى عدم جريان أصالة البراءة بحيث يكون المنجّز حينئذٍ نفس
احتمال العقاب
غير المقترن بالمؤمّن الشرعي أو العقلي ، لاستقلال
[٢٦٥١] مسألة ٤
: إذا كان عنده نصاب من الجيّد (١)
______________________________________________________
العقل حينئذٍ بوجوب دفع الضرر أي العقاب المحتمل ، وهذا الملاك لا يفرق فيه
بين صورتي التمكّن من الفحص وعدمه. فيجب عليه الاحتياط بأداء الزكاة ولو من مالٍ
آخر.
ولكن عرفت أنّ
الفحص غير واجب من أصله ، فلا موجب للاحتياط.
نعم ، رواية
زيد الصائغ المتقدّمة واضحة الدلالة على الوجوب ، فإنّ موردها وإن كان هو
العلم بأصل النصاب والشكّ في مقداره دون الشكّ في أصله الذي هو محلّ الكلام ، إلّا
أنّ الفرض الأوّل يرجع إلى الثاني لدى التحليل ، لأنّ مرجع الشكّ في المقدار بعد
العلم بأصل النصاب إلى الشكّ في النصاب الثاني بعد العلم بالأوّل ، فهو بالإضافة
إلى النصاب الثاني للنقدين شاكٌّ في أصل وجوده ، فإذا حكم فيه بوجوب الفحص يعلم
أنّ هذا من أحكام الشكّ في أصل النصاب الذي لا يفرق فيه بين النصاب الأوّل والثاني
بالضرورة.
إلّا أنّ
الرواية في نفسها ضعيفة السند كما مرّ ، فلا يمكن التعويل عليها في الحكم بوجوب
الفحص.
(١) أشرنا فيما
سبق إلى أنّ الزكاة حقٌّ متعلّق بالعين على نحو الشركة في الماليّة ، فيساهم
الفقير مع المالك في ماليّة العين وقيمتها ، وأنّه يجوز الدفع والإخراج من خارج
العين كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) : «أيّما تيسّر فلا بأس» ولكن بشرط
التساوي مع ما في العين في القيمة ، كما هو مقتضى طبيعة
__________________
لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش ، إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه
من الخالص ، وإن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه ، إلّا إذا دفعه بعنوان
القيمة ، إذا كان للخليط قيمة.
[٢٦٥٢] مسألة ٥
: وكذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش ، إلّا مع العلم على
النحو المذكور.
______________________________________________________
طبيعة الشركة في الماليّة ، المقتضية لمراعاة الخصوصيّات التي تشتمل عليها
العين الدخيلة في القيمة.
وقد عرفت أيضاً أنّه لا اعتداد بوصفي
الغشّ والخلوص في تعلّق الزكاة ، بل المدار على صدق اسمي الدرهم والدينار ، فمتى
صدق وجبت وإن لم يبلغ خالصهما النصاب ، ومتى لم تصدق لم تجب وإن بلغ خالصهما النصاب.
وذكرنا أنّ
الجودة والرداءة إنّما تنتزعان من كمّيّة الخليط ، فكلّما كان أقلّ كان الذهب أو
الفضّة أجود ، وإلّا فهما في حدّ نفسهما ذاتٌ واحدة.
ومن ذلك كلّه
يظهر الحال في جملة من الفروع المذكورة في المتن ، التي منها ما ذكره في هذه
المسألة من عدم جواز دفع المغشوش أي الرديء عن الجيّد لأنّه لو كان عنده نصابٌ من
الجيّد فاللازم الدفع إمّا من نفس العين أو من الخارج ممّا كان مشاركاً ما في
العين في الماليّة ، بمقتضى تعلّق الحقّ على نحو الشركة في الماليّة حسبما عرفت.
وبما أنّ ماليّة الرديء دون الجيّد وقيمتها أقلّ فلا تجتزئ به ، إلّا إذا فرض
تساويهما في القيمة وقد دفع بعنوان القيمة سواء أكان التساوي من أجل أنّ للخليط
قيمة يتدارك بها التفاوت ما بين الجودة والرداءة ، أم لم يكن للخليط قيمة أصلاً ،
وإنّما نشأ التدارك من السكّة التي يتّصف بها الرديء ، فكان مسكوكاً بسكّة راقية
، إمّا لكونها عتيقة أو لغير ذلك
[٢٦٥٣] مسألة ٦
: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب (١) وشكّ في أنّه خالصٌ أو مغشوش ،
فالأقوى عدم وجوب الزكاة وإن كان أحوط.
[٢٦٥٤] مسألة ٧
: لو كان عنده نصابٌ من الدراهم المغشوشة بالذهب (٢) أو الدنانير المغشوشة بالفضّة
لم يجب عليه شيء ، إلّا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب ، فيجب في
البالغ منهما أو فيهما ، فإن علم الحال فهو ، وإلّا وجبت التصفية.
______________________________________________________
من الاعتبارات الموجبة لازدياد القيمة ، فلا يشترط في جواز دفع الرديء
بعنوان القيمة فرض أنّ للخليط قيمة كما صنعه في المتن.
وممّا ذكرنا
يظهر الحال في المسألة الآتية ، فلاحظ.
(١) وقد ظهر
الحال في هذه المسألة أيضاً ممّا مرّ ، فإنّ المغشوش إن كان بحيث يصدق عليه اسم
الدرهم والدينار وعنوان الذهب والفضّة وجبت فيه الزكاة وإن لم يبلغ الخالص النصاب
، وإن لم يصدق لا تجب وإن بلغ.
ولو شكّ في
الصدق لم تجب أيضاً ، لأصالة البراءة الجارية في الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة
باتّفاق الأُصوليّين والأخباريّين.
(٢) ما قدّمناه
لحدّ الآن كان في الدراهم والدنانير المغشوشة بغير الذهب والفضّة من سائر الفلزات
كالنحاس مثلاً.
والكلام فعلاً
يقع في خلط كلّ منهما بالآخر ، بأن تكون الدراهم مغشوشة بالذهب أو الدنانير مغشوشة
بالفضّة ، والمعروف بين الصاغة أنّ الذهب إن كان يميل إلى الحمرة فهو مغشوش
بالنحاس ، وإن كان يميل إلى الصفرة فهو مغشوش بالفضّة.
.................................................................................................
______________________________________________________
وكيفما كان ،
فلا إشكال فيما لو كان الغشّ قليلاً جدّاً بحيث كان أحدهما مندكّاً ومستهلكاً في
الآخر ، كما لو كان عنده عشرون ديناراً وكان الجزء الواحد من خمسين جزء من كلّ
دينار فضّة ، أو بالعكس فيما لو كان عنده مائتا درهم ، فإنّ الحكم حينئذٍ تابعٌ
للعنوان المستهلك فيه ، وهذا ظاهر.
وأمّا لو كان
الغشّ كثيراً فامتزج أحدهما بالآخر على نحوٍ لا يصدق على المركّب منهما شيء من
العنوانين ، لعدم حصول الاستهلاك ، كما لو كان نصفه ذهباً ونصفه فضّة بنحوٍ لا
يطلق عليه فعلاً اسم الذهب ولا الفضّة ، فالظاهر وجوب الزكاة أيضاً مع بلوغ النصاب
، فإنّ الأدلّة وإن لم تشمله بمدلولها اللفظي لعدم كون المورد لا من الذهب ولا من
الفضّة حسب الفرض ، ولا زكاة إلّا فيما صدق عليه أحد العنوانين إلّا أنّ المستفاد
منها بمعونة الفهم العرفي شمول الحكم لذلك ، فإنّهم لا يشكّون في أنّه لو تألّف
مركّبٌ من عدّة أجزاء مشاركة في الحكم فذاك الحكم يثبت للمركّب أيضاً وإن لم يكن
في حدّ نفسه مندرجاً في شيءٍ من عناوين أجزائه.
فلو صنعنا
معجوناً مؤلّفاً من الطحال والدم المتخلّف في الذبيحة ودم ميتة السمك وسائر ما في
الذبيحة من الأجزاء الطاهرة المحرّم أكلها كالقضيب والأُنثيين والفرث والنخاع
والمرارة ونحو ذلك ، فإنّه لا يرتاب العرف في استفادة تحريم المركّب من أدلّة
تحريم الأجزاء وإن لم يستهلك بعضها في بعض ولم يكن المركّب معنوناً بشيءٍ منها.
نعم ، لا ريب
في زوال الحرمة في فرض الاستهلاك في الحلال ، كما لو استهلك التراب في الدقيق ،
فإنّه يجوز أكل الخبز منه وإن اشتمل كلّ رغيف على كمّيّة من التراب كمثقال مثلاً
بحيث يحرم أكله لو كان مستقلا.
وأمّا في فرض
عدم الاستهلاك فالمركّب لا يعدو أجزاءه في أحكامها المماثلة ،
ولو علم
أكثريّة أحدهما مردّداً ولم يمكن العلم (١) وجب إخراج الأكثر من كلٍّ منهما ، فإذا
كان عنده ألف وتردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة والذهب ستمائة وبين
العكس ، أخرج عن ستمائة ذهباً وستمائة فضّة. ويجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستمائة
عن الذهب وأربعمائة عن الفضّة بقصد ما في الواقع.
______________________________________________________
بل يشاركها فيها بمقتضى الفهم العرفي حسبما عرفت.
وعليه ،
فالمركّب من الذهب والفضّة محكومٌ بوجوب الزكاة أيضاً كالأجزاء ، بشرط بلوغ النصاب
في كلٍّ منهما أو في أحدهما بحسابه ، وإلّا فلا زكاة وإن كان المجموع بمقدار
النصاب ، كما هو الحال في حال الانفراد أيضاً ، فلو كان له مقدارٌ من النقود قد
امتزج ما يعادل مائة درهم من الفضّة منها بما يعادل عشرة دنانير من الذهب بحيث كان
المجموع بمقدار عشرين ديناراً ، لم تجب الزكاة ، كما دلّت عليه النصوص على ما
سيأتي ، فيعتبر مراعاة النصاب في كلٍّ منهما بحياله ، وحينئذٍ فإن علم بالحال فهو
، وإلّا بأن شكّ في بلوغ النصاب فيهما أو في أحدهما فقد حكم في المتن بوجوب الفحص
والاختبار بالتصفية.
ولكنّه غير
ظاهر ، لعدم الملزم للفحص بعد كون الشبهة موضوعيّة ، ورواية زيد الصائغ قد عرفت
ضعفها ، فلا تصلح للاستناد إليها.
نعم ، لو أراد
أن يحتاط أمكنه الدفع من الخارج بعنوان القيمة بمقدارٍ يتيقّن معه بالفراغ على
تقدير الاستقلال ، بلا حاجة إلى التصفية ، وإلّا فله الاكتفاء بالمقدار المتيقّن
لو كان والرجوع فيما عداه إلى أصالة البراءة المتّفق عليها في مثل المقام بين
الأُصولي والأخباري كما مرّ.
(١) فكانت عنده
كمّيّة من النقود قد غشّ الذهب منها بالفضّة وهو يعلم
.................................................................................................
______________________________________________________
بأنّ أحدهما أكثر ولكنّه مردّد بينهما ، فحينئذٍ يجب إخراج الأكثر من كلٍّ
منهما ، عملاً بالعلم الإجمالي.
أقول
: للمسألة
صورتان ، إذ :
تارةً
: يفرض أنّ
الأكثر أي المقدار الزائد على الآخر غير بالغ حدّ النصاب إلّا على تقديرٍ دون
تقدير ، فلا تجب الزكاة فيه بقولٍ مطلق.
وهذا كما لو
كانت عنده ثمانمائة وعشرون من النقود : أربعمائة منها من الذهب ، وأربعمائة من
الفضّة ، وتردّد العشرون الزائد بينهما ، فإنّه إن كان عشرين مثقالاً من الذهب كان
نصاباً ، وأمّا إذا كان من الفضّة فهو دون النصاب لأنّ نصابه أربعون درهماً
والعشرون مثقالاً أقلّ منه فلا تجب فيه الزكاة على هذا التقدير. ولا ينبغي التأمّل
في عدم وجوب الزكاة في هذا المقدار الزائد المشكوك كونه نصاباً ، لأصالة البراءة
عن تعلّق الزكاة به الجارية في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة بلا كلام. فليكن هذا
الفرض خارجاً عن محلّ البحث.
وأُخرى
: يفرض بلوغه
حدّ النصاب على كلّ تقدير ، فوجبت فيه الزكاة مطلقاً ، كما لو كانت تلك النقود
ثمانمائة وأربعين ، أو يفرض أنّها كانت ألفاً كما افترضه في المتن ، فكانت
أربعمائة ذهباً وأربعمائة فضّة ، وتردّدت المائتان الباقية بينهما التي هي نصابٌ
على كلّ تقدير.
وقد حكم في
المتن بوجوب إخراج الأكثر ، أي بدفع زكاة المائتين مرّتين : تارةً بحساب الذهب
وأُخرى بحساب الفضّة ، عملاً بالعلم الإجمالي بتعلّق أحد التكليفين ، فيدفع عن
ستمائة ذهباً وستمائة فضّة.
ثمّ ذكر أنّه
يجوز الاقتصار في المائتين على حساب الذهب بعنوان القيمة ، أي بقصد ما اشتغلت به
الذمّة واقعاً ، المردّد بين كونه نفس الفريضة إن كان ذهباً وقيمتها إن كان فضّةً
، فيدفع ستمائة عن الأكثر قيمة وهو الذهب ، وأربعمائة عن الفضّة.
[٢٦٥٥] مسألة ٨
: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة ،
______________________________________________________
ولكن الظاهر جواز
الاقتصار على الأقلّ قيمةً وهو الفضّة ، فإنّ الزكاة وإن كانت حقّا متعلّقاً بشخص
العين الخارجيّة إلّا أنّها على سبيل الشركة في الماليّة ، وللمالك ولاية التبديل
والإخراج من غير العين بعنوان القيمة ، فهو مخيّر بين الأمرين أي دفع العين
والقيمة فالحقّ وإن كان متعلّقاً بالعين إلّا أنّ الواجب هو الجامع بين الأمرين ،
وبما أنّ القيمة التي هي عدل الواجب التخييري مردّدة بين الأقلّ والأكثر لتردّدها
بين قيمة الذهب التي هي أكثر ، والفضّة التي هي أقلّ فلا علم باشتغال الذمّة إلّا
بالمقدار المتيقّن ، وهو الأقلّ ، وأمّا الزائد عليه فتعلّق التكليف به مشكوك من
أوّل الأمر ، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة ، فيكون المقام مثل ما لو لم يكن
عنده من أوّل الأمر إلّا مقدار النصاب وكان مردّداً بين الذهب والفضّة الذي يقتصر
فيه على الأقلّ قيمةً ويدفع الزائد بأصالة البراءة.
فما ذكره في المتن
من لزوم دفع الأكثر عملاً بالعلم الإجمالي مبنيٌّ على قصر النظر على ما في العين ،
الذي هو دائر بين المتباينين أعني : نفس الذهب والفضّة ولا مناص حينئذٍ من
الاحتياط رعايةً لتنجيز العلم الإجمالي كما أفاده (قدس سره) ، وأمّا بملاحظة
القيمة وجواز دفعها بدلاً عن العين الموجب لقلب التكليف من التعييني إلى التخييري
وتعلّقه بالجامع بينهما ، فالواجب حينئذٍ دائر بين الأقلّ والأكثر باعتبار تردّد
القيمة بينهما ، المحكوم بلزوم الاقتصار على الأقلّ ودفع الزائد بالأصل ، لا أنّه
دائر بين المتباينين ليجب الاحتياط ، فإخراج الأكثر مبنيٌّ على الاحتياط
الاستحبابي.
وعلم أنّ الغش ثلثها (١) مثلاً على التساوي في أفرادها يجوز له أن يخرج
خمسة دراهم من الخالص ، وأن يخرج سبعة ونصف من المغشوش.
وأمّا إذا كان
الغشّ بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع لا على التساوي فيها فلا بدّ من تحصيل
العلم بالبراءة : إمّا بإخراج الخالص ، وإمّا بوجهٍ آخر.
______________________________________________________
(١) فبما أنّ
الثلثين الباقيين فضّة خالصة بالغة حدّ النصاب فتجب زكاتها وهي خمس دراهم ، بناءً
على تعلّق الزكاة بمثل هذه الدراهم بملاحظة ما فيها من خالص النقدين كما عليه
الماتن (قدس سره) ، وحينئذٍ فإن أدّى الزكاة من الخارج أي من الدراهم الخالصة فلا
كلام.
وأمّا لو أراد
الأداء من نفس العين المغشوشة :
فإن كان الغشّ
في الدراهم على التساوي وبنسبة واحدة أي كان المزيج في كلّ درهم بمقدار الثلث
أجزأه دفع سبعة دراهم ونصف ، لأنّ نسبتها إلى الثلاثمائة نسبة الخمسة إلى المائتين
، أي الواحد إلى الأربعين.
وأمّا لو كانت
الدراهم مختلفة الغشّ ، فكان المزيج في بعضها ثلثاً وفي بعضها ربعاً أو نصفاً أو
خمساً وهكذا ، فليس له حينئذٍ دفع سبعة ونصف ، لجواز كونها أكثر غشّاً ، الموجب
لعدم تساويها مع خمسة دراهم خالصة ، بل اللازم الدفع بوجهٍ آخر ، أي بمقدارٍ يقطع
باشتماله على خمسة خالصة ، تحصيلاً للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم ، لرجوع
الشكّ حينئذٍ إلى مرحلة الامتثال بعد القطع بالاشتغال.
هذا ، ولكنّ
الظاهر جواز دفع سبعة دراهم ونصف حتى في فرض الاختلاف
[٢٦٥٦] مسألة ٩
: إذا ترك نفقة لأهله ممّا يتعلّق به الزكاة ، وغاب وبقي إلى آخر السنة بمقدار
النصاب ، لم تجب عليه (١) ، إلّا إذا كان متمكّناً من التصرّف فيه طول الحول مع
كونه غائباً.
______________________________________________________
وعدم التساوي فيما إذا دفعها بعنوان القيمة وكانت قيمتها مساوية مع خمسة
دراهم خالصة ، ولو لأجل السكّة التي تتّصف الدراهم المغشوشة بها ، وإن كان وزنها
أقلّ من الخمسة الخالصة ، إذ الاعتبار في التقويم بالماليّة لا بالكمّيّة.
(١) كما هو
المشهور ، ولم يُنسَب الخلاف إلّا إلى ابن إدريس ، حيث لم يفرّق في الوجوب بين
الغيبة والحضور .
وتشهد للمشهور
روايات ، منها : موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) ، قال :
قلت له : رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين ، عليها زكاة؟ «قال : إن كان شاهداً
فعليه زكاة ، وإن كان غائباً فليس عليه زكاة» ، ونحوها مرسلة ابن أبي عمير ورواية أبي
بصير .
وقد ناقش في
إسنادها صاحب المدارك ورماها بالضعف . وهو وجيهٌ بناءً على مسلكه من تخصيص الحجّيّة بالصحيح
الأعلائي ، أي ما كان راويه عدلاً إماميّاً ، فإنّ إسحاق فطحي وإن كان موثّقاً ،
بل من أجلّاء الثقات.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا بناءً
على المشهور المنصور من عدم اعتبار العدالة والاكتفاء في الحجّيّة بمطلق الوثاقة ،
فالتشكيك في السند في غير محلّه.
وإنّما الكلام
في الدلالة ، فنقول : لا ينبغي التأمّل بحسب الفهم العرفي في أنّ الشبهة المنقدحة
في ذهن السائل الباعثة له على السؤال ليست هي احتمال أن تكون للغيبة بما هي غيبة
خصوصيّة في سقوط الزكاة لكي يكون تعلّقها منوطاً بالحضور ، ضرورة أنّ هذين الوصفين
بما هما لا علاقة بينهما وبين الزكاة نفياً ولا إثباتاً كما هو واضح ، كما لا
يحتمل أن يكون للمصرف الخاصّ أي الإنفاق على العيال ، الذي هو مورد هذه الروايات
خصوصيّةٌ في هذا الحكم بحيث لو كان بدل ذلك مصرفٌ آخر كما لو عيّنه لشراء الدار أو
الكتب أو الزواج ونحو ذلك لم يثبت الحكم ، فشيء من الغيبة والإنفاق لا مدخل لهما
بحسب الفهم العرفي في تعلّق الحكم بتاتاً.
بل الذي دعا
الراوي على السؤال هو كون المالك منقطعاً عن ماله غير متمكّن من التصرّف فيه طول
الحول ولو كان ذلك مستنداً إلى اختياره بترك النفقة عند الأهل واختيار السفر ،
فإنّ الذي يسافر سفراً طويل المدّة ولا سيّما في الأزمنة السابقة التي لم تحدث
فيها الطائرات ولا وسائل المخابرات ممّا هو دارج في هذا العصر كأنه منقطعٌ عن ماله
، خارجٌ عن تحت سلطنته ، غير متمكّن من التصرّف فيه ، فلم يكن ماله عنده.
وعليه ، فيكون
مفاد هذه النصوص مساوقاً لما دلّت عليه الروايات الكثيرة التي تقدّمت في محلّها من
اشتراط التمكّن من التصرّف في تعلّق الزكاة وأن يكون المال عنده وتحت تصرّفه في
تمام الحول ، ولا تتضمّن حكماً جديداً مخالفاً لمقتضى القواعد.
[٢٦٥٧] مسألة
١٠ : إذا كان عنده أموالٌ زكويّة من أجناس مختلفة ، وكان كلّها أو بعضها أقلّ من
النصاب ، فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر (١) ، مثلاً : إذا كان عنده تسعة عشر
ديناراً ، ومائة وتسعون درهماً ، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم ، ولا العكس.
______________________________________________________
(١) بلا خلافٍ
فيه ولا إشكال ، بل هو مورد للإجماع على ما ادّعاه غير واحد.
ويدلّ عليه
مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على اعتبار النصاب في كلّ جنس ، المقتضي لعدم الاجتزاء
بالناقص وإن بلغ النصاب بالضمّ ، فالحكم مطابق للقاعدة ، لعدم الدليل على كفاية
الضمّ النصوص الخاصّة ، وهي عدّة روايات ، منها : صحيحة زرارة : أنّه قال لأبي عبد
الله (عليه السلام) : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهماً وتسعة عشر ديناراً ، أيزكّيها؟
«فقال : لا ، ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتمّ» ، ونحوها
غيرها.
فالحكم واضح لا
غبار عليه.
هذا تمام الكلام
في زكاة النقدين.
وبه ينتهي ما
أردنا إيراده في هذا الجزء ، ويتلوه الجزء الثاني مبتدأً بفصل زكاة الغلّات الأربع
إن شاء الله تعالى.
والحمد لله ربّ
العالمين.
__________________
فصل
في
زكاة الغلّات الأربع
وهي كما عرفتَ
: الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وفي إلحاق السُّلت الذي هو كالشعير في طبعه
وبرودته وكالحنطة في ملاسته وعدم القشر له إشكال ، فلا يُترَك الاحتياط فيه ،
كالإشكال في العَلَس الذي هو كالحنطة ، بل قيل : إنّه نوع منها في كلّ قشر حبّتان
، وهو طعام أهل صنعاء فلا يُترَك الاحتياط فيه أيضاً.
ولا تجب الزكاة
في غيرها ، وإن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن من
الحبوب ، كالماش والذّرة والأرز والدُّخن ونحوها ، إلّا الخضر والبقول.
وحكمُ ما
يُستحَبّ فيه حكمُ ما يجب فيه في قدر النصاب وكمّية ما يخرج منه وغير ذلك.
______________________________________________________
لا إشكال كما
لا خلاف في وجوب الزكاة في الغلّات الأربع المذكورة في المتن كما دلّت عليه النصوص
المستفيضة التي تقدّمت سابقاً .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كما لا إشكال
أيضاً في عدم الوجوب فيما عداها ، لما في بعض تلك النصوص من الحصر في التسعة
الأنعام الثلاثة ، والغلّات الأربع والنقدين وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
قد عفا عمّا سوى ذلك.
وما في بعض
النصوص من الأمر بالإخراج ممّا سوى ذلك ممّا تنبته الأرض محمولٌ على الاستحباب أو
التقيّة على كلامٍ قد تقدّم .
وإنّما الكلام
والخلاف في موردين :
أحدهما
: السُّلت
بالضمّ فالسكون وهو طعام يشبه الشعير في طبعه وبرودته وطعمه وخاصّيّته ، والحنطة
في ملاسته وعدم القشر له.
ثانيهما
: العَلَس
بالتحريك الذي هو كالحنطة ، أو قسم رديء منه في كلّ كمام حبّتان ، وهو طعام أهل
صنعاء ، وتستعمله أهالي باكستان غالباً.
فقد ذهب جمعٌ
من الأصحاب منهم الشيخ (قدس سره) إلى الوجوب.
واختار جماعة
آخرون منهم المحقّق في الشرائع عدم الوجوب ، بل عن كشف الالتباس والمصابيح : نسبته إلى
المشهور.
ومنشأ الخلاف :
الاختلاف في اندراجهما في مفهوم الحنطة والشعير والخروج عنه ، فقد اختلفت في ذلك
كلمات اللغويين.
فيظهر من جماعة
منهم : أنّهما ضرب منهما والمفهوم يشملهما ، وأنّ العَلَس نوع من الحنطة ، كما أنّ
السّلت نوعٌ من الشعير.
ففي القاموس :
السّلت بالضمّ الشعير أو ضربٌ منه. وفيه أيضاً العلس
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
محرّكة ـ : ضربٌ من البُرّ يكون حبّتان في قشر وهو طعام صنعاء .
ونحوه ما عن
الصحاح ونهاية ابن الأثير وغيرهما .
ويظهر من جماعة
آخرين : أنّهما خارجان عن الحقيقة ، غير أنّهما يشبهان الحنطة والشعير.
فعن ابن دريد
ان السُّلت : حَبٌّ يشبه الشعير .
وعن المغرب :
إنّ العَلَس حبّةٌ سوداء إذا أجدب الناس طحنوها وأكلوها .
وقيل : هو مثل
البُرّ إلّا أنّه عسر الاستنقاء ، تكون في الكمامة حبّتان.
وعن المحيط :
العَلَس : شجرة كالبُرّ .
وعن الفائق :
السُّلت : حَبٌّ بين الحنطة والشعير لا قشر له .
هذا ، ولو كان
اللغويون متّفقين على المعنى الأوّل لأمكن أن يقال بكشف ذلك عن التوسعة في مفهوم
الحنطة والشعير بحيث يشمل هذين الفردين أيضاً.
ولا يُصغى إلى
ما ادّعاه المحقّق الهمداني (قدس سره) من منع التعويل على قول اللغويين في مثل
المقام ، بزعم أنّ اللغة إنّما يُرجَع إليها في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق
ماهيتها .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولا إشكال
هاهنا في تفسير مفهوم السُّلت والعَلَس ، ولا في مفهوم الحنطة والشعير ، فإنّه
معروف ومبيّن لدى أهل كلّ لغةٍ بلغته ، فليس الإجمال هنا في مدلول اللّفظ وشرح
الاسم الذي بيانه وظيفة أهل اللغة.
وإنّما الإشكال
في أنّ الماهيّتين هل هما متّحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف بالحنطة والشعير؟
أم أنّهما متغايرتان بالذات وإن تشابهتا في الصورة وبعض الخواص؟
وقول اللغوي في
هذه المرحلة اجتهادٌ منه ولا دليل على حجّيّته ، إذ فيه ما عرفت من أنّ قول اللغوي
كاشفٌ عن أنّ المفهوم واسع ، ومدلول اللفظ عامٌّ يشمل الفردين أيضاً وإن كانا
خفيّين ، والأفراد الشائعة غير هذين. فليس هذا تحقيقاً منه واجتهاداً ، بل إخبارٌ
عن المراد كما في سائر موارد شرح اللفظ.
لكن الذي يهوّن
الخطب أنّهم بأنفسهم مختلفون وأقوالهم معارضة بالمثل كما سمعت ، فلا يمكن التعويل
عليها لهذه العلّة.
وبالجملة
: فلم يتحصّل
لدينا شيء من أقوال اللغويّين.
كما أنّ
المفهوم بحسب الصدق العرفي أيضاً غير واضح.
ودعوى انصراف
الحنطة والشعير عن السُّلت والعَلَس عُهدتها على مدّعيها.
نعم ، الأفراد
الشائعة منهما غير هذين ، إلّا أنّ الشيوع والغلبة شيء ، والانصراف شيءٌ آخر ،
ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى ، فاللفظ غير بيّن ولا مبيَّن لا لغةً ولا عرفاً.
نعم ، ربّما
يستشعر المغايرة من المقابلة بينهما في بعض الأخبار ، حيث تضمّن صحيح ابن مسلم عطف
السّلت على الشعير ونحوه غيره .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولكنّه مجرّد
استشعار ، ومن الجائز أن يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ، كما في مثل قوله
تعالى (فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ
وَرُمّانٌ) غايته أنّ المعطوف في الآية فردٌ جلي وهنا فردٌ خفي.
وكيفما كان ،
فلم يحصل الوثوق من شيءٍ ممّا ذكر بحيث يتناولهما إطلاق الاسم.
إذن تصل النوبة
إلى مرحلة الشكّ والرجوع إلى ما تقتضيه الأُصول ، لتضارب الأقوال وعدم وضوح الحال.
وبما أنّنا
نشكّ وجداناً في تعلّق الزكاة بما يسمّى بالسلت والعلس زائداً على الأفراد
المتيقّنة من الحنطة والشعير ، فيتمسّك في نفيه بأصالة البراءة كما نصّ عليه غير
واحد ، منهم المحقّق الهمداني (قدس سره) .
غير أنّ دقيق
النظر يقضي بوجوب الزكاة فيهما وإن شككنا في تناول اسم الحنطة والشعير لهما ، وذلك
من أجل أنّ هناك إطلاقاتٌ تضمّنت وجوب الزكاة في كلّ ما يكال ، التي منها صحيحة
زرارة : «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ...» إلخ ، ونحوها غيرها
ممّا مرّت الإشارة إليها في محلّها .
وقد ورد التقييد
عليها بما دلّ على حصر الزكاة في الغلّات الأربعة وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك.
فإنّ هذا
المقيّد ينحل إلى عقدين :
عقد إيجابي ،
وهو تعلّق الزكاة بالأربعة.
وعقد سلبي ،
وهو عدم التعلّق بما سوى ذلك.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وواضحٌ أنّه لا
تقييد بلحاظ العقد الأوّل ، لكونهما متوافقين ، بل لو لم يرد مثل هذا الدليل لكانت
الإطلاقات وافية لإثبات تعلّق الزكاة بالغلّات ، لكونها ممّا يكال كما هو ظاهر.
وإنّما التقييد
بلحاظ العقد السلبي الذي هو مخالف للمطلقات ، أعني قوله : «عفا عمّا سوى ذلك» ، أي
ما سوى الحنطة والشعير وغيرهما من التسعة.
وبما أنّ هذا
المفهوم أي مفهوم ما سوى الحنطة والشعير مردّدٌ بين ما يشمل السلت والعلس وما لا
يشمل ، نظراً للتردّد في مفهوم الحنطة والشعير ، فهو بطبيعة الحال مجملٌ دائرٌ بين
الأقلّ والأكثر ، والمخصّص متّصل حسب الفرض وقد تقرّر في الأُصول أنّ المخصّص
المتصل المجمل مفهوماً الدائر بين الأقلّ والأكثر يقتصر في التخصيص به على المقدار
المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عموم العامّ ، لعدم العلم بالخروج عن تحت العموم
زائداً على المقدار المعلوم.
وعليه ، فلا
مناص من الحكم بوجوب الزكاة في السُّلت والعَلَس ، تمسّكاً بالمطلقات المتقدّمة
الناطقة بوجوب الزكاة في كلّ ما يكال ، لعدم العلم بخروجهما عن هذه الإطلاقات
زائداً على الأفراد المتيقّنة من الحنطة والشعير.
فتحصّل
: أنّا وإن كنّا
نصافق الشيخ وجماعة ممّن التزموا بوجوب الزكاة فيهما ، إلّا أنّنا نفارقهم في
أنّهم استظهروا شمول لفظي الحنطة والشعير لهما ، ونحن نكتفي بمجرّد الشكّ من غير
حاجة إلى الاستظهار المزبور ، الذي هو عريٌّ عن الشاهد حسبما عرفت.
وملخّص
الكلام في المقام : أنّه لا ريب ولا خلاف في أنّ السلت والعلس بعنوانهما غير متعلّقين للزكاة
، للاتّفاق على عدم تعلّقها بغير الغلّات الأربع كما مرّ .
__________________
ويعتبر في وجوب
الزكاة في الغلّات أمران :
الأوّل : بلوغ
النصاب (١)
______________________________________________________
وإنّما الخلاف
في اندراجهما في مفهوم الحنطة والشعير ليتناولهما الخطاب المتعلّق بهما ، فالقائل
بالوجوب يدّعي الاندراج ، والقائل بالعدم أمّا يدّعي عدم الاندراج ، أو يكتفي
بالشكّ فينكر الوجوب حينئذٍ ، استناداً إلى أصالة البراءة.
وقد عرفت عدم
تحقّق شيء من الدعويين ، وإنّا لا نزال في شكّ من الاندراج وعدمه. ومع ذلك
فالأقوى هو الوجوب ، نظراً إلى أنّ العمومات المتضمّنة لتعلّق الزكاة بكلّ ما يكال
قد خُصِّصت بما دلّ على عدم وجوبها فيما سوى الغلّات الأربع ، وبما أنّ المفروض
إجمال مفهومي الحنطة والشعير من حيث الشمول لما يسمّى بالسلت والعلس ، الموجب
لدورانه بين الأقل والأكثر ، فبطبيعة الحال يسري هذا النوع من الإجمال إلى عنوان
المخصّص أعني مفهوم ما سوى الحنطة والشعير فيكون المقام من صغريات المخصّص المنفصل
، المجمل ، الدائر بين الأقلّ والأكثر ، المحكوم بلزوم الاقتصار فيه على المتيقّن
وهو الأقلّ والتعلّق فيما عداه بعموم العامّ كما هو موضّح في محلّه.
ففي المقام
يتمسّك بعموم تعلّق الزكاة بكلّ ما يكال في الحكم بوجوبها في السلت والعلس ، للشكّ
في خروجهما عن العموم زائداً على المقدار المعلوم ، فتدبّر جيّداً.
(١) بلا خلافٍ
فيه ولا إشكال ، فلا زكاة في غير البالغ حدّ النصاب ، كما نطقت به النصوص
المتظافرة ، التي لا يبعد فيها دعوى التواتر الإجمالي ، بل المعنوي ، وقد تضمّنت
تحديده بخمسة أوساق ، وأنّ كلّ وسق ستّون صاعاً ، فيكون المجموع ثلاثمائة صاعاً ،
وهذا أيضاً ممّا لا خلاف فيه نصّاً وفتوى.
فمن تلك النصوص
: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : ما
.................................................................................................
______________________________________________________
أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ، والوسق
ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة ، ففيه العشر» إلى أن قال : «وليس فيما دون الثلاثمائة
صاع شيء» إلخ ، ونحوه غيره ، وهو كثير جدّاً فيه الصحيح والموثّق ،
فلاحظ.
والظاهر عدم
الخلاف في ذلك حتّى من العامّة وإن لم نلاحظ ما عدا كتاب عمدة العدّة لبعض
الحنابلة المتضمّن للتصريح بذلك .
نعم ، يظهر من
المغني مخالفة أبي حنيفة ومجاهد وأنّهما يريان الزكاة في القليل والكثير ، الراجع
إلى إنكار النصاب رأساً وأنّ المشهور بين العامّة هو التحديد بخمسة أوساق كما يراه
الأصحاب .
وبإزائها
روايات دلّت على خلاف ذلك ، وهي بين ما تدلّ على تعلّق الزكاة بكل ما خرج قليلاً
كان أو كثيراً ، الذي مرجعه إلى نفي النصاب رأساً ، كرواية إسحاق بن عمار
المتضمّنة لقوله : «زكّ ما خرج منه قليلاً كان أو كثيراً» .
وما تدلّ على
التحديد بوسق واحد ، كمرسلة ابن سنان .
وما تدلّ على
التحديد بوسقين ، كروايتي يحيى بن القاسم وأبي بصير .
ولكنّها
بأجمعها ضعيفة السند أمّا بعلي بن السندي أو بمحمّد بن علي المردّد بين الثقة
والضعيف أو بالإرسال ، ما عدا رواية واحدة ، وهي صحيحة الحلبي
__________________
وهو بالمنّ الشاهي (١) وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً صيرفيّاً مائة
وأربعة وأربعون منّاً إلّا خمسة وأربعين مثقالاً ، وبالمنّ التبريزي الذي هو ألف
مثقال مائة وأربعة وثمانون منّاً وربع مَنّ وخمسة وعشرون مثقالاً ، وبحقّة النجف
في زماننا سنة ١٣٢٦ وهي تسعمائة وثلاثة وثلاثون مثقالاً صيرفيّاً وثلث مثقال ثمان
وزنات وخمس حقق ونصف إلّا ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال ، وبعيار الإسلامبول
وهو مائتان وثمانون مثقالاً سبع وعشرون وزنة وعشر حقق وخمسة وثلاثون مثقالاً ،
______________________________________________________
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة
والشعير والزبيب والتمر؟ «قال : في ستّين صاعاً» ، فجعل
الاعتبار فيها بالوسق الواحد.
وحيث إنّها
رواية واحدة شاذّة غير صالحة للمقاومة مع هاتيك النصوص المتظافرة بل المتواترة كما
عرفت فلتطرح ويردّ علمها إلى أهله.
ولا بأس بالحمل
على الاستحباب بإرادة الثبوت من الوجوب ، حذراً من الطرح ، وجمعاً بين الأخبار
الذي هو مهما أمكن أولى.
وأمّا التقيّة
فلا سبيل إليها لمجرّد فتوى أبي حنيفة ومجاهد بعد أن كان المشهور بين العامّة
موافقتهم معنا حسبما عرفت.
(١) قد عرفت
أنّ النصاب بحسب الكيل خمسة أوسق ، التي هي عبارة عن ثلاثمائة صاعاً.
وأمّا تطبيق
ذلك على الوزن : فقد ذكر غير واحد من الأصحاب : أنّ الصاع تسعة أرطال عراقيّة ،
كما أنّها ستّة مدنيّة ، واثني عشر مكّيّة ، حسبما مرّ التعرّض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لذلك مستقصًى في مباحث الكرّ ، وذكرنا : أنّ الأصحاب تلقّوا الوزن هكذا يداً بيد
وخلفاً عن سلف ، فلا بدّ من تصديقه ، للعناية بشأنه بعد أن كانت الزكاة واجبة في
جميع الأعصار والأدوار ، مضافاً إلى التصريح بذلك في بعض النصوص أيضاً وإن كنّا في
غنى عن الاستدلال بها كما عرفت.
وذكروا أيضاً :
أنّ كلّ رطل يعادل مائة وثلاثين درهماً ، غير أنّ العلّامة ذكر في التحرير : أنّ
وزنه مائة وثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع الدرهم ، ولكنّه سهو
من قلمه الشريف ، أو أنّه تبع فيه بعض العامّة كما احتمله بعض الأصحاب.
ويستفاد ذلك من
روايتين وإن كانتا ضعيفتين ، ولا حاجة إلى التمسّك بهما بعد أن كان المتلقّى عن
الأصحاب يداً بيد وجيلاً بعد جيل هو التحديد بالمائة والثلاثين كما عرفت.
هذا ، وقد
ذكروا أيضاً : أنّ كلّ عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع المثقال ، وهذا
أيضاً موردٌ للاتّفاق الذي لا بدّ من تصديقه بالبيان المتقدّم.
وعلى هذا ،
فالرطل الواحد يحتوي على ثمانية وستّين مثقالاً وربع المثقال ، لأنّ المائة
والثلاثين تتضمّن من العشرات ثلاث عشرة مرّة ، فإذا ضربنا هذا الرقم في الخمسة
والربع كانت النتيجة ما ذكرناه.
وبما أنّ الصاع
الواحد يشتمل على تسعة أرطال عراقيّة ، فهو إذن يتضمّن ستمائة وأربعة عشر مثقالاً
صيرفيّاً وربع المثقال ، الحاصلة من ضرب التسعة في الثمانية والستّين مثقالاً وربع
المثقال الذي كان هو وزن الرطل الواحد كما عرفت وحينئذٍ فلو ضربنا هذا العدد في
الثلاثمائة أصوع التي هي حدّ النصاب كيلاً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كما تقدّم فإنّ
المجموع مائة وأربعة وثمانين ألف مثقال ومائتين وخمسة وسبعين مثقالاً كما هو واضح.
ولمزيد التوضيح
لاحظ هذا الفرمول :

حدّ النصاب
بحسب المثقال الصيرفي.
وهذا الحدّ هو
الأساس في التطبيق على سائر الأوزان من المنّ الشاهي الذي هو ١٢٨٠ مثقالاً ،
والمنّ التبريزي الذي هو نصفه في اصطلاحٍ وألف مثقال في اصطلاحٍ آخر ، ولعلّه
المسمّى بالعطّاري ، وحقّة النجف التي هي ١٣ ٩٣٣ مثقالاً ، وحقّة الإسلامبول التي
هي ٢٨٠ مثقالاً ، وقد حسبناه موزّعاً على هذه الأوزان فوجدنا الحساب كما أثبته في
المتن بالضبط.
ولا تجب في الناقص عن النصاب ولو يسيراً (١) ، كما أنّها تجب في الزائد
عليه يسيراً كان أو كثيراً (٢).
______________________________________________________
(١) لمنافاته
لنفس أدلّة النصاب ، الظاهرة في التحديد ، كما كان هو الحال في النقدين والأنعام.
مضافاً إلى
التصريح به في غير واحدٍ من النصوص ، بل لا يجزئ الناقص ولو بلغ بالضمّ إلى جنسٍ
آخر حدّ النصاب ، لظهور مثل قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة وبكير : «... وليس
في شيء من هذه الأربعة أشياء شيء حتّى تبلغ خمسة أوساق» في اعتبار
لحاظ النصاب في كلٍّ من الأجناس الزكويّة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب بحياله
، فلا يكفي الضمّ والتلفيق.
مضافاً إلى
التصريح به في صحيحة زرارة الواردة في محلّ الكلام ، قال : قلت لأبي جعفر ولابنه (عليهما
السلام) : الرجل تكون له الغلّة الكثيرة من أصنافٍ شتّى ، أو مال ليس فيه صنف تجب
فيه الزكاة ، هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ «فقال : لا ، إنّما تجب عليه إذا تمّ ،
فكان يجب في كلّ صنف منه الزكاة ، يجب عليه في جميعه في كلّ صنفٍ منه الزكاة» إلخ .
هذا ، ومقتضى
إطلاق الأدلّة : عدم الفرق في الناقص عن النصاب بين ما كان النقص يسيراً أو كثيراً
كما هو ظاهر.
(٢) لإطلاق
الأدلّة ، إذ لا تعرّض فيها للتحديد إلّا من ناحية النقص دون الزيادة ، فمتى بلغ
الحدّ وجب إخراج العشر أو نصفه من المجموع ، سواء وقف عليه أم زاد ، فليس للغلّات
إلّا نصاب واحد ، على خلاف النقدين والأنعام وهذا النصاب ملحوظٌ بالإضافة إلى
الزائد على نحو اللااقتضائيّ بشرط.
__________________
الثاني :
التملّك بالزراعة فيما يزرع (١) ، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة
، وكذا في الثمرة ، كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلّق ، أو انتقالها إلى ملكه
منفردة ، أو مع الشجر قبل وقته.
[٢٦٥٨] مسألة ١
: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف (٢) ، فالمشهور على أنّه في الحنطة والشعير
عند انعقاد حبّهما ، وفي ثمر النخل حين اصفراره واحمراره ، وفي ثمرة الكرم عند
انعقادها حِصرماً.
______________________________________________________
(١) كما هو
واضح ، ضرورة أنّ الخطاب بالزكاة متوجّهٌ إلى الملّاك حال التعلّق ، سواء أكان التملّك
بالزراعة أم بالانتقال إلى الملك قبل وقت التعلّق ، فمن لم يكن مالكاً آن ذاك
كالذي أخرجه عن ملكه قبل الوقت ببيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك فهو غير مشمول للخطاب ، كما
أنّ من عرضت له الملكيّة بعد هذا الوقت خارجٌ أيضاً ، فلو كان حال التعلّق ملكاً
لزيد ، فأدّى زكاته ، ثمّ باعه من عمرو ، لم يجب على عمرو ، لتأخّر ملكيّته عن
زمان التعلّق ، والمال الواحد لا يزكى في عام مرّتين.
ولعلّ هذا
الشرط كان غنيّاً عن التعرّض ، لوضوحه ، بل استدراكه كما لا يخفى.
(٢) اختلفت
الأنظار في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات بعد الاتّفاق على أنّ وقت الإخراج إنّما هو
عند الحصاد والجذاذ ، أي بعد التصفية على قولين :
فالمنسوب إلى
المشهور بل ادُّعي عليه الإجماع ـ : أنّه في الحنطة والشعير عند انعقاد الحبّ
واشتداده ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً ، وفي ثمر النخل عند الاصفرار أو
الاحمرار. فالاعتبار إنّما هو ببدو الصلاح إمّا بالاشتداد أو بالاصفرار والاحمرار
وإن كان الاعتبار في النصاب باليابس منها.
وذهب جماعة إلى
أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة والشعير والتمر ، وصدق اسم العنب في
الزبيب. وهذا القول لا يخلو عن قوّة وإن كان القول الأوّل أحوط ، بل الأحوط مراعاة
الاحتياط مطلقاً ، إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط.
______________________________________________________
واختار جماعة
منهم المحقّق في الشرائع ـ : أنّ المناط صدق الاسم وانطباق العنوان ، فمتى
تحقّقت التسمية واندرج في مسمّى الحنطة والشعير والتمر والزبيب تعلّقت به الزكاة ،
ولا وجوب قبل ذلك.
واختار الماتن
هذا القول وذكر أنّ الأوّل أحوط ، بل الأحوط منه مراعاة أحوط القولين ، إذ قد يكون
القول الثاني أحوط ، كما لو كان عند انعقاد الحبّ ملكاً للصغير ، فمات وانتقل إلى
الوارث الكبير ، فإنّ الأحوط وجوب الزكاة عليه متى صدق عليه الاسم وإن لم يكن مالكاً
حال الانعقاد.
وكما لو ملك
نصفين من النصاب بعد الانعقاد بشراءٍ أو إرث ونحوهما ، بحيث لم يكن كلّ منهما
مستقلا متعلّقاً للزكاة لكونه دون النصاب ، فإنّ الأحوط أداء الزكاة بعد صدق
الاسم.
وهذا القول هو
الأقوى ، لتعليق الحكم في لسان الروايات بأجمعها على نفس هذه الأسماء والعناوين ،
ولم يرد في شيء منها ولا في رواية ضعيفة الإناطة بما قبل هذه الحالة من بدو
الصلاح ونحوه.
ودعوى صدق اسم
التمر حال الاحمرار أو الاصفرار والحنطة والشعير حال الانعقاد ، خاطئةٌ جدّاً ، إذ
لا يساعدها اللفظ لا لغةً ولا عرفاً ، لتنصيص غير واحد من اللغويّين بأنّ التمر
اسمٌ لليابس من ثمر النخل ، بل عن المصباح : أنّه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
موردٌ لإجماع اللغات. وفي الصحاح : إنّ ثمر النخل أوّله طلعٌ ثمّ خلالٌ ثمّ
بسرٌ ثمّ رطبٌ ثمّ تمر.
وأمّا العرف ،
فلا ينبغي التأمّل في انصراف إطلاق أساميها في محاوراتهم وغيرها إلى اليابس منها ،
بحيث لا ينسبق من اللفظ غير ذلك.
وكذا الحال في
الحنطة والشعير ، فإنّهما لا يعمّان حالة الانعقاد بوجه ، إذ هي مادّة الحنطة
والشعير فيها لين يشبه العجين ومقدّمة لتكوّنهما ، وليست فعلاً منهما في شيء.
وعلى
الجملة : فالظاهر من
اللفظ هو اليابس من المذكورات ولا يعمّ ما قبله من سائر الحالات.
ومع التنزّل
فغايته الشكّ ، والمرجع حينئذٍ أصالة البراءة.
ومن المعلوم
أنّها حالة الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار لا تعدّ عرفاً من قسم المكيل وإن أمكن
كيلها خارجاً ، لجريان الاكتيال في جميع الأجسام ليصحّ التعلّق بإطلاقات ثبوت
الزكاة في كلّ ما يكال في صورة الشكّ ، كما كنّا نتمسّك بها في السلت والعلس
بالبيان المتقدّم فيهما .
والحاصل
: أنّ اللفظ
إمّا ظاهرٌ في اليابس منها ، أو لا أقلّ من الشكّ ، وليس له ظهورٌ قطّ في الانعقاد
أو الاشتداد ، وعلى التقديرين لا وجوب قبل صدق الاسم.
هذا ، ويستدلّ
للمشهور بعدّة وجوه مزيّفة لا يرجع غالبها إلى محصّل ، مثل ما ذكروه من أنّ الزكاة
لو كانت مقصورة على التمر والزبيب لأدّى ذلك إلى ضياع الزكاة وإتلاف حقّ الفقراء ،
لأنّهم كانوا يحتالون بجعل العنب والرطب دبساً وخلّاً ، وكانوا يبيعونها كذلك
تفصّياً عن الزكاة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إذ فيه : أنّ
الفرار عن الزكاة بالاحتيال الشرعي غير عزيز ولا محذور فيه كما في تسبيك النقدين ،
على أنّ تلك الحيل مهما كثرت لا تكاد تقوى على إفناء التمر كي تنعدم حصّة الفقير
كما لا يخفى.
مع أنّ
الاحتيال المزبور قلّما يتحقّق خارجاً ، لاستلزامه تضييع المال وإتلافه وتنقيص
القيمة ، فيتضرّر المالك أكثر من المقدار الواجب في الزكاة ، لأنّه لو تحفّظ عليه
إلى أن يصير تمراً أو زبيباً ثمّ أدّى زكاته كان نفعه أعظم من الاحتيال المزبور
الموجب لتنقيص المال بطبيعة الحال ، فيشبه الفرار من المطر إلى الميزاب كما لا
يخفى.
كما أنّ
التسبيك في النقدين أيضاً يستلزم نوعاً من الإتلاف والتنقيص.
ومثله
الاستدلال بصحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديثٍ
قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ «قال
: إذا ما صرم وإذا خرص» ، فإنّ وقت الخرص حين بدو الصلاح لا زمان التسمية ،
فيكشف عن تعلّق الوجوب آن ذاك.
ولكنّه واضح
الفساد ، إذ المفروض في السؤال صدق الحنطة والشعير والتمر والزبيب والبلوغ حدّا
ينطبق عليه الاسم ، فلا نظر إلى ما قبل حصول التسمية. وحيث لا معنى لإناطة الوجوب
بالصرم أو الخرص الذي هو فعل اختياري للمكلّف فلا محالة يكون المراد التوسعة في
وقت الأداء ، وأنّه لا يلزم بالإخراج ساعةً صدق الاسم حتى لو كان ذلك جوف الليل
مثلاً ، بل له التأخير إلى زمان الصرم لو أراد الإخراج من نفس العين ، أو الخرص
والتخمين لو أراد الأداء من القيمة ، فلا دلالة لها بوجه على تعلّق الوجوب حالة
الانعقاد والاشتداد وعند بدو الصلاح.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وملخّص
الكلام : أنّ مقتضى
الجمود على ظواهر النصوص إناطة الوجوب بصدق أسماء المذكورات بحيث يطلق عليه عرفاً
أنّه حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب ، فلا وجوب قبل ذلك. ومعه لا مانع من التصرّف ،
لعدم كونه متعلّقاً لحقّ الفقير ، فإن قام دليلٌ على تعلّق الوجوب من ذي قبل يؤخذ
به ، وإلّا فلا موجب لرفع اليد عن ظواهر الأدلّة. وقد عرفت عدم ورود دليل على ذلك
حتّى رواية ضعيفة.
نعم ، في خصوص
الزبيب وردت روايات دلّت على تعلّق الوجوب منذ اتّصافه بكونه عنباً فيما إذا بلغ
النصاب حال صيرورته زبيباً ، فيكون الاعتبار في الوجوب بحال العنبيّة ، وفي النصاب
بحال الزبيبيّة ، وبذلك يفترق الزبيب عن سائر الغلّات. ولأجله فصّل الماتن بينهما
، حيث جعل المناط في الزبيب بصدق اسم العنب ، وفيما عداه بصدق أسمائها من الحنطة
والشعير والتمر.
وهذه الروايات
عمدتها ثلاثة وكلّها معتبرة :
إحداها
: صحيحة سعد بن
سعد ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن العنب ، هل عليه زكاة؟ أو إنّما تجب
عليه إذا صيّره زبيباً؟ «قال : نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» .
فإنّ ظاهرها
رجوع قوله «نعم» إلى الصدر الذي هو عقد إيجابي ، دون الذيل الذي هو في حكم العقد
السلبي كما لا يخفى ، ومقتضاه تعلّق الزكاة من لدن كونه عنباً الذي هو شيءٌ مؤكل.
الثانية
: صحيحة سليمان
بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة
أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة
__________________
[٢٦٥٩] مسألة ٢
: وقت تعلّق الزكاة وإن كان ما ذكر على الخلاف السالف ، إلّا أنّ المناط في اعتبار
النصاب هو اليابس من المذكورات (١) ، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه
بعد الجفاف واليبس فلا زكاة.
______________________________________________________
أوساق زبيباً» .
الثالثة
: معتبرة عبيد
الله الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ
خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيباً» .
وهذه معتبرة ،
فإنّ محمّد بن عبد الله بن زرارة الواقع في السند ثقة على الأظهر وإن ناقش فيه
الشهيد الثاني ورماه بالجهالة .
والمراد
بالصدقة في الأخيرتين : الزكاة ، وبالنخل : ثمره الذي هو التمر ولو بقرينة سائر
الأخبار كما هو ظاهر.
فتحصّل
: أنّ ما اختاره
الماتن هو الأقوى وإن كان القول المشهور أحوط ، بل الأحوط منه مراعاة أحوط القولين
حسبما عرفت.
(١) إجماعاً ،
مضافاً إلى ورود النصّ في العنب كما مرّ.
ويدلّ على
الحكم قبل الإجماع تحديد النصاب في الغلّات في لسان الروايات بالأوساق والأصواع
التي هي من الأكيال ، إذ لا يعدّ شيءٌ من المذكورات من المكيل إلّا بعد اليبس
والجفاف وقبله يباع خرصاً أو وزناً ، ولم يعهد ببيع مثل العنب والرطب كيلاً ،
فلأجل هذه القرينة القطعيّة يعلم بأنّ المناط في النصاب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بمراعاة حال اليبس ، فهذا هو المستند دون الإجماع كما لا يخفى.
بقي شيءٌ لا
بدّ من التنبيه عليه ، وهو أنّ النصوص قد تضمّنت تحديد النصاب بالكيل وأنّه خمسة
أوسق ، وكلّ وسق ستّون صاعاً كما تقدّم .
وقد عرفت أنّهم
ذكروا لدى تطبيق الكيل على الوزن : أنّ كلّ صاع تسعة أرطال عراقيّة أو ستّة مدنيّة
واثني عشر مكّيّة ، وأنّ العامّة أيضاً يرون ذلك وإن ذكر بعضهم أنّ الصاع خمسة
أرطال وثلثي الرطل ، الذي يريد به ظاهراً الرطل المدني ، فيكون قريباً ممّا ذكر ،
لكون الاختلاف جزئيّاً وهو الثلث وإن كان فاحشاً في المجموع.
وأنّهم ذكروا
أيضاً : أنّ كلّ رطل مائة وثلاثون درهماً ، على خلافٍ بينهم وبين العلّامة ، وأنّ
كلّ عشرة دراهم خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع حسبما تقدّم كل ذلك مستقصى .
إلّا أنّ
الظاهر أنّ تطبيق الكيل على الوزن على نحو الكلّيّة والاطّراد بأن يقال : إنّ كذا
كيلاً يعادل كذا وزناً أمرٌ لا ينضبط ، بل لا يكاد يتيسّر خارجاً ، لاختلاف
الأجسام خفّةً وثقلاً وإن تساوت حجماً ، فالصاع من التراب أو الجصّ ولا سيّما
الرمل أثقل وأكثر وزناً من الصاع من الحنطة بالضرورة وإن تساويا في الحجم ، بل أنّ
نفس الحنطة والشعير مختلفتان وتتفاوتان بمقدار الثلث تقريباً ، فلو فرضنا مكيالاً
معيّناً كلنا به الحنطة ثمّ كلنا الشعير بنفس المكيال ثمّ وزنّاهما كانت الحنطة
أكثر وزناً بما يقرب من الثلث كما شاهدناه عياناً.
وأوضح حالاً
مقايسة التمر مع الحنطة مثلاً ، فإنّ الأوّل أخفّ وزناً ، لما بين
__________________
[٢٦٦٠] مسألة ٣ : في مثل البربن وشبهه من الدَّقَل الذي يؤكل رطباً
، وإذا لم يؤكل إلى أن يجف يقلّ تمرة أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضاً
المدار فيه على تقديره يابساً ، وتتعلّق به الزكاة إذا كان بقدرٍ يبلغ النصاب بعد
جفافه (١).
______________________________________________________
أفراده من الخلل والفرج الناشئ من أطوليّة التمر من حبّة الحنطة ، فلا
يستوعب فضاء المكيال مثل ما يستوعبه من حبّات الحنطة ، والمفروض أنّ المكيال في
جميع الغلّات شيءٌ واحد.
وعلى
الجملة : فتطبيق الكيل
على الوزن على نحو يطّرد في الغلّات الأربع بنسقٍ واحد غير ممكن ، وقد عرفت خلوّ النصوص
المعتبرة عن التعرّض للوزن ولم يرد فيها إلّا التحديد بالكيل ، أعني : خمسة أوسق
المعادلة لثلاثمائة صاعاً.
وعليه ، فإن
أحرزنا أنّ الكمّية الموجودة من الغلّات بالغة هذا المقدار من الصاع بالصاع
المتعارف في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقد أحرزنا النصاب ، وإلّا فمع
الشكّ بما أنّ الشبهة موضوعيّة كان المرجع أصالة البراءة.
(١) تعرّض (قدس
سره) لبعض أقسام التمر ممّا تعارف أكله رطباً كالبربن ، بل وبعضها بسراً ، ولا
ينتظر حالة الجفاف إمّا لأنّه يقلّ تمره عندئذ ، أو لا يصدق عليه اسم التمر بوجه ،
بل هو بمثابة خشبة يابسة لا تصرف إلّا للوقود أو لأكل الحيوانات ، فلا ينتفع به
إمّا أصلاً أو إلّا نادراً.
فذكر (قدس سره)
أنّ الاعتبار في مثل ذلك أيضاً بحال اليبس فإن ثبت بالخرص أنّه لو قُدِّر جافّاً
يبلغ حدّ النصاب تعلّقت به الزكاة ، وإلّا فلا.
ولكنّك خبيرٌ
بأنّ هذا لا يستقيم على ما بنى (قدس سره) عليه وقوّيناه من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الإناطة بالتسمية وعدم تعلّق الزكاة قبل صدق اسم التمر ، فإن لازم ذلك
إنكار الزكاة هنا رأساً إلّا فيما صدق عليه الاسم ، فبعد الصدق يجب لو كان بالغاً
حدّ النصاب ، وقبله لا وجوب أصلاً.
وذلك لأنّه حال
كونه رطباً أو بسراً لا وجوب على الفرض ، وبعد الجفاف لا يطلق عليه التمر ، فلا
يتّصف بعنوان التمريّة في شيءٍ من الحالات ، ولا زكاة إلّا في التمر ، لا في
الرطب أو الخشب ، إلّا إذا عُدّ حينئذٍ من التمر ولو من القسم الرديء منه حسبما
عرفت.
نعم ، يتّجه ما
في المتن على المسلك المنسوب إلى المشهور من التعلّق قبل التسمية وحال الانعقاد أو
الاحمرار والاصفرار.
بل يمكن منعه
حتّى على هذا المبنى فيما لم يصدق اسم التمر على اليابس منه ، نظراً إلى أنّ
التعلّق في هذه الحالات وقبل صدق الاسم لم يثبت إلّا بالإجماع كما ادُّعي ، ومورده
ما لو صدق اسم التمر على اليابس منه دون ما لم يصدق ، لحصر الزكاة في الأربع من
الغلّات بمقتضى النصوص الحاصرة لها في التسعة ، وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك ، فإنّ المقام مندرج فيما سوى ذلك.
فتحصّل
: أنّ الرطب
المزبور لا زكاة فيه على المختار. وأمّا على المسلك المشهور فيفصّل بين ما يصدق
على يابسه التمر ففيه الزكاة ، وإلّا فلا.
نعم ، لو فرض
مثل ذلك في العنب بأن لم ينتفع بالجافّ منه ولم يطلق عليه اسم الزبيب ، تعلّقت به
الزكاة على القولين ، لما عرفت من أنّ العبرة فيه بصدق العنب ، بمقتضى النصوص
الخاصّة الواردة فيه ، غير المنافية للنصوص الحاصرة في التسعة التي منها الزبيب ،
إذ الزبيب لغةً ليس إلّا العنب الجافّ ، سواء انتفع به وكان من قسم المأكول أم لا.
[٢٦٦١] مسألة ٤
: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات (١) بُسراً أو رُطباً أو حِصرِماً أو
عنباً بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن وجب عليه ضمان حصّة الفقير،
______________________________________________________
نعم ، تظهر
الثمرة بين القولين حال كونه حصرماً ، فإنّه متعلّق للزكاة عندئذٍ على المشهور دون
القول المختار حسبما عرفت.
(١) لا ريب في
جواز التصرّف في هذه المذكورات بالمقدار المتعارف ممّا جرت السيرة عليه ، كصرفه
لنفسه أو أهله أو ضيفه ونحو ذلك ممّا يحتاج إليه ، فإنّه محسوب من المؤن
المُستثناة عن تعلّق الزكاة بلا كلام كما سيجيء إن شاء الله .
وأمّا الزائد
على المقدار المتعارف كبيع الرطب أو الحصرم ونحوه ممّا لا يعدّ من المؤن ، فهل
يكون سائغاً؟
لا ينبغي
التأمّل في جوازه ، بناءً على المختار من القول بالتسمية ، إذ لم يكن بعدُ
متعلّقاً للزكاة ، فله أن يفعل في خالص ماله ما يشاء.
وأمّا على
القول المشهور من كون زمان التعلّق عند الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار وإن كان
زمان وجوب الأداء عند التصفية أو الاجتذاذ والاقتطاف كما ستعرف فالظاهر هو الجواز
أيضاً ، لما سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى من أنّ العين الزكويّة وإن كانت
مشتركة بين المالك والفقير إلّا أنّها شركة في الماليّة وللمالك ولاية التطبيق كما
أنّ له الإخراج من مالٍ آخر ، وليست بنحو الشركة الحقيقيّة كي لا يجوز التصرّف قبل
إخراج حصّة الشريك.
__________________
كما أنّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذٍ بعد
فرض بلوغ يابسها النصاب (١).
______________________________________________________
فالتصرّف في
العين جائز على المختار من الشركة في الماليّة ، وكذا على مختار الماتن من كونها
بنحو الكلّي في المعيّن إلى أن يبقى مقدار حصّة الفقير.
نعم ، يضمن
المالك حصّة الفقير ، بمعنى : أنّ المقدار الذي يتصرّف فيه محسوب من النصاب ولا
تسقط الزكاة عنه بالتصرّف ، فيجب عليه أن يدفع العشر أو نصف العشر من مجموع الباقي
والتالف ، وهذا من ثمرات الخلاف بين القول بالتسمية والمسلك المنسوب إلى المشهور.
ثمّ إنّ في
عبارة الماتن حيث قال : وجب عليه ضمان حصّة الفقير مسامحة ظاهرة ، لعدم كون الضمان
الذي هو حكم وضعي متعلّقاً للوجوب الذي هو حكم تكليفي كما هو واضح ، والأولى
التعبير باحتساب الزكاة من مجموع الباقي والمقدار المتصرّف فيه حسبما عرفت.
(١) هذا أيضاً
مبني على المسلك المشهور من التعلّق حال الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار ، إذ ما
دلّ على جواز الإخراج إلى زمان التصفية أو اجتذاذ التمر أو اقتطاف الزبيب خاصّ بما
إذا بقي على الشجر إلى أن يصير تمراً أو زبيباً ، وأمّا لو لم يتحفّظ عليه فاقتطفه
بسراً أو رطباً أو حصرماً فلا دليل على جواز التأخير حينئذٍ بعد تعلّق الزكاة بها
حسب الفرض ، بل ربّما لا تتّصف بعدئذٍ بالتمريّة والزبيبيّة كما قيل.
وأمّا على
المختار من القول بالتسمية فلا تجب الزكاة في محلّ الكلام أبداً ، لعدم صدق التمر
أو الزبيب على ما اقتطفه من البسر أو الرطب أو الحصرم ، وهذا من ثمرات الخلاف بين
القولين.
[٢٦٦٢] مسألة ٥
: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك (١) فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة
منه قبل اليبس ، لم يجب عليه القبول ، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسراً أو
حصرماً مثلاً فإنّه يجب على الساعي القبول.
______________________________________________________
نعم ، في خصوص
العنب تجب الزكاة بعد الاقتطاف ، لكفاية صدق اسم العنب من غير حاجة إلى صدق الزبيب
، بمقتضى النصوص الخاصّة كما تقدّمت ، مع بلوغ اليابس حدّ النصاب كما هو المفروض في المسألة
في جميع المذكورات على ما مرّ .
(١) فصّل (قدس
سره) فيما لو كانت الثمرة مخروصة على المالك قبل يبسها كما لو كانت بسراً أو
حصرماً بين مطالبة الساعي للزكاة ، وبين بذل المالك الزكاة ابتداءً.
ففي
الأوّل : لم يجب القبول
على المالك ، وهذا واضح ، لما سيأتي في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى من تأخّر
وقت الإخراج إلى زمان التصفية أو الاجتذاذ والاقتطاف ، فلم يكن المالك ملزماً
بالدفع قبل هذا الزمان ليجب عليه القبول.
وأمّا
في الثاني : فيجب على الساعي القبول ، لمشروعيّة الدفع من المالك من لدن زمان التعلّق
وحصول الشركة بينه وبين الفقير ، وإن ساغ له التأخير إلى وقت الإخراج إرفاقاً عليه
فله التأدية وتفريغ الذمّة خلال هذه المدّة إمّا عيناً أو قيمةً ، ليكون الثمر
بتمامه ملكاً طلقاً له ، إذ لا دليل على وجوب حفظ مال الغير أعني : حصّة الفقير
وتربيته وتنميته ثمّ التسليم إليه ، فالدفع الصادر منه
__________________
[٢٦٦٣] مسألة ٦
: وقت الإخراج الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه وإذا أخّرها عنه ضمن ، عند
تصفية الغلّة (١) واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فوقت وجوب الأداء غير وقت
التعلّق.
______________________________________________________
واقع في محلّه فلا محيص للساعي من القبول.
أقول
: هذا وجيه على
المسلك المشهور من تعلّق الزكاة لدى الانعقاد أو الاصفرار والاحمرار ، دون المسلك
المختار من القول بالتسمية ، لعدم صدق اسم التمر والزبيب على البسر والحصرم ، فلم
تتعلّق الزكاة بعدُ كي يصحّ فيه البذل.
بل أنّ لازم
مقالة المشهور الالتزام بتطرّق الإضرار نوعاً ما بمال الفقير ، ضرورة أنّ قيمة
البسر أو الحصرم أقلّ غالباً من قيمة التمر أو العنب ، فلو أدّى الزكاة فعلاً قلّت
حصّة الفقير طبعاً ، فيتوجّه الإضرار به قهراً ، ولا يظنّ منهم الالتزام بذلك ، بل
لعلّه مقطوع الفساد ، وليكن هذا من موهنات المبنى ، فلاحظ.
(١) قد عرفت
الخلاف في وقت التعلّق وأنّه زمان التسمية أو قبل ذلك حسبما مرّ.
وأمّا وقت
الإخراج أي الزمان الذي يتعيّن فيه الأداء بحيث لو أخّر عنه ضمن وللساعي حقّ
المطالبة فلا خلاف في أنّه متأخّر عنه ، فوقت التعلّق أي زمان حصول الشركة التي هي
حكم وضعي شيء ، ووقت الإخراج والأداء الذي هو زمان تعيّن الحكم التكليفي شيء
آخر.
فوقت وجوب
الزكاة موسّع يمتدّ عن زمان التعلّق إلى أن يتضيّق في وقت الإخراج. وهذا ممّا لا
إشكال فيه ولا خلاف كما عرفت.
وأنّه في التمر
والزبيب زمان الاجتذاذ والاقتطاف فلا يلزم الإخراج قبل ذلك.
[٢٦٦٤] مسألة ٧
: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.
[٢٦٦٥] مسألة ٨
: يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو من قيمته.
______________________________________________________
وتدلّ عليه
السيرة القطعيّة المتّصلة إلى زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، إذ لم يعهد منه
(صلّى الله عليه وآله) ولا ممّن بعده من المتصدّين للأمر إرسال الساعي لمطالبة
الزكاة قبل هذا الوقت.
مضافاً إلى أنّ
ذلك هو مقتضى صحيحة سعد بن سعد الأشعري ، قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير
والتمر والزبيب ، متى تجب على صاحبها؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص» .
فإنّ زمان
الصرم هو زمان الجذّ والقطف ، فلا تجب أي لا تتعيّن الزكاة قبل ذلك.
هذا ، وما في
بعض الكلمات من أن وقت الإخراج في التمر هو بعد التيبيس والتشميس والجفاف ، غير
واضح ، لعدم الدليل عليه ، فإن كان هناك إجماع كما ادّعي فهو ، وإلّا فالتأخير إلى
هذا الوقت خروجٌ عن ظاهر صحيح سعد من غير شاهد.
ونحوه الكلام
في الزبيب.
وأمّا في
الحنطة والشعير فلا كلام في أنّه بعد التصفية ، فلا تجب قبل ذلك لا عند الحصاد ولا
بعده وهو في سنبله.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويدلّ عليه
مضافاً إلى السيرة وصحيحة سعد المتقدّمة نفس الأدلّة المتكفّلة لتحديد النصاب
بالكيل أعني : الوسق والصاع ضرورة عدم الاتّصاف بالكيليّة إلّا بعد التصفية.
وتدلّ عليه
أيضاً معتبرة أبي مريم الأنصاري الذي هو من أجداد الشيخ الأنصاري (قدس سره) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) : في قول الله عزّ وجلّ (وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصادِهِ) «قال : تعطي المسكين يوم حصادك الضغث ، ثمّ إذا وقع في البيدر ، ثمّ إذا
وقع في الصاع العشر ونصف العشر» .
دلّت على أنّ
المراد بالحقّ في الآية المباركة الصدقة المستحبّة ، فيعطي للمسكين يوم الحصاد
ضغثاً من الحنطة وهي في السنبلة. وأمّا الصدقة الواجبة المكنّى عنها بالعشر ونصف
العشر أعني الزكاة فوقتها ما لو وقع في البيدر والصاع ، أي بعد التصفية.
فهي واضحة
الدلالة ، كما أنّها معتبرة السند كما عرفت ، فإنّ الحسين بن محمد الذي هو شيخ
الكليني ثقة على الأظهر ، وكذلك معلّى بن محمّد وإن قال النجاشي : إنّه مضطرب
الحديث . فإنّ الظاهر أنّ المراد به أنّه يروي المناكير وغيرها
وعن الضعيف وغيره ، فيحدّث بكل ما سمع ، ولأجله كان حديثه مضطرباً ، أي لم يكن
مستقيماً وعلى نسق واحد ، فهذا التعبير لا يوجب قدحاً في الرجل نفسه كي يعارض به
التوثيق العامّ المستفاد من وقوعه في إسناد كامل الزيارات.
__________________
[٢٦٦٦] مسألة ٩
: يجوز دفع القيمة حتّى من غير النقدين (١) من أيّ جنس كان ، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلاً
وتسليمها بتسليم العين إلى الفقير.
[٢٦٦٧] مسألة
١٠ : لا تتكرّر زكاة الغلّات بتكرّر السنين إذا بقيت أحوالاً ، فإذا زكّى الحنطة
ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شيء ، وكذا التمر وغيره (٢).
______________________________________________________
(١) تقدّم في
زكاة الأنعام أنّه لا دليل على هذه الكلّيّة ، فإنّ الشركة وإن كانت في الماليّة دون العين نفسها
ومتعلّق حقّ الفقير هو ماليّة العين الزكوية ، إلّا أنّ مقتضاها ليس إلّا التعدّي
إلى ما هو متمحّض في القيمة والماليّة من الدراهم والدنانير وما شاكلها من النقود
المتمحّضة في الثمنيّة ، إذ ليس للدليل المتكفّل للولاية على التبديل إطلاق يتمسّك
به ، بل المتيقّن منه ما عرفت ، فالتعدّي إلى غير النقدين من أيّ جنس كان من
الأعيان مشكلٌ فضلاً عن التعدي إلى المنافع كسكنى الدار أو الأعمال كخدمة الفقير
أو البناية له مثلاً بما يساوي قيمة الزكاة ، فإنّ هذا كلّه لا دليل عليه كما مرّ
فيه الكلام في زكاة الأنعام.
(٢) تحصّل من
مطاوي ما تقدّم أنّه يشترط في وجوب الزكاة في الغلّات تملّك الزرع وما أنبتته
الأرض قبل وقت التعلّق ، فموضوع الحكم ملكيّة الزرع ، فلو لم يصدق هذا العنوان كما
لو اشترى كمّيّة من الحنطة أو الشعير أو التمر والزبيب بعد التصفية أو بعد
الاجتذاذ والاقتطاف وبعد أن أدّى البائع زكاته لم تجب على المشتري ، إذ لا يقال :
إنّه مالك للزرع وما أنبتته الأرض ، فلا تشمله
__________________
[٢٦٦٨] مسألة
١١ : مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلّات هو العُشر فيما سقي بالماء الجاري أو
بماء السماء (١) أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل والشجر بل الزرع أيضاً في بعض
الأمكنة ، ونصف العُشر فيما سقي بالدلو والرشاء والنواضح والدوالي ونحوها من
العلاجات.
______________________________________________________
الأدلّة ، فلو فرضنا أنّ المالك بنفسه أصبح كذلك كما لو أدّى زكاة الغلّة
وبقيت عنده سنة فإنّه لا تجب عليه الزكاة في السنة الآتية ، لما عرفت من عدم صدق
كونه مالكاً للزرع عندئذ ، فلا يكون مشمولاً للنصوص.
ومنه تعرف أنّه
لا تتكرّر الزكاة بتكرّر السنين ، لعدم الدليل ، ومقتضى الأصل البراءة ، فالحكم
مطابق للقاعدة.
مضافاً إلى
أنّه مورد للنصّ ، وهو صحيح زرارة وعبيد بن زرارة جميعاً عن أبي عبد الله (عليه
السلام) «قال : أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شيء وإن حال
عليه الحول عنده إلّا أن يحوّل مالاً ، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن
يزكّيه وإلّا فلا شيء عليه وإن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه ، فإنّما عليه فيها
صدقة العُشر ، فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شيء عليه فيها حتّى يحوّله مالاً ويحول
عليه الحول وهو عنده» .
(١) ما ذكره (قدس
سره) من التفصيل بين السقي بالعلاج كالدلو والنواضح ففيه نصف العشر وبين السقي
بغيره كالماء الجاري أو المطر ومصّ العروق ففيه العشر بكامله موردٌ للتسالم
والاتّفاق كما ادّعاه غير واحد وإن وقع الكلام في بعض الصغريات كما سنبيّن.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وتدلّ عليه
جملة وافرة من النصوص ، كصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «في
الصدقة فيما سقت السماء والأنهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلاً العُشر ، وما سقت
السواني والدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر» .
وصحيحة زرارة
وبكير جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في الزكاة : «ما كان يعالج بالرشاء
والدوالي والنضح ففيه نصف العُشر ، وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل
أو سماء ففيه العُشر كاملاً» ، ونحوهما غيرهما .
فالحكم ممّا لا
إشكال فيه.
وإنّما الكلام
فيما لو توقّف السقي على شقّ النهر أو حفر العين أو تنظيف المجرى ونحو ذلك من
المقدّمات ، فهل يعدّ ذلك من السقي بالعلاج ، أو بدونه؟
الظاهر هو
الثاني ، فإنّ المنسبق إلى الذهن من النصوص أنّ التقسيم ملحوظ في نفس السقي لا في
مقدّمته ، وبما أنّ السقي بعد الشقّ أو الحفر يكون بطبعه وليس مثل ما بالنواضح
والدوالي بحيث يحتاج إلى الاستعانة والعلاج في نفس العمل ، فلا جرم كان السقي
المزبور من صغريات غير العلاج ، كما يشهد له التمثيل للسقي من غير علاج في صحيحة
زرارة المتقدّمة بالسقي من النهر أو العين ، مع أنّ إطلاقه يشمل ما لو أحدثهما
بشقٍّ أو حفرٍ ونبشٍ ونحو ذلك ، فيكشف عن أنّ الاعتبار بنفس السقي لا بمقدّمته كما
عرفت.
__________________
ولو سقي بالأمرين فمع صدق الاشتراك في نصفه العُشر وفي نصفه الآخر نصف
العشر ، ومع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (١).
______________________________________________________
(١) ما صنعه (قدس
سره) من دوران الحكم مدار الصدق لأحد الأمرين بحيث يندكّ في جنبه الآخر فإن كان
فالحكم لما غلب ، وإلّا بحيث اشتركا في الصدق فالتنصيف أحسن ممّا في جملة من
الكلمات من التعبير بالتساوي وعدمه ، لعدم الاعتبار بهما كما سنبيّن.
وكيفما كان ،
فالحكم المزبور متسالم عليه بينهم من غير خلاف.
ويستفاد ذلك
بمتقضى الفهم العرفي من نفس نصوص الباب ، إذ ما من مزرعة تسقى بالعلاج إلّا
وتستسقى من ماء السماء وجبة أو وجبتين على الأقلّ إلّا نادراً ، لنزول المطر أيّام
الزراعة التي تدوم ثلاثة أو أربعة أشهر مرّة أو مرّتين غالباً ، ومع ذلك فقد حكم
في النصوص بأنّ فيه نصف العُشر.
فيظهر من ذلك
أنّ السقي القليل المستهلك في جنب السقي بالعلاج لا أثر له ولا يغيّر حكمه ، وإلّا
لم يتحقّق مصداق لهذه الكبرى أعني : السقي بالعلاج محضاً أبداً إلّا في غاية
الندرة كما عرفت.
ويستفاد من ذلك
حكم العكس بمناط واحد ، وأنّه لو كان السقي بماء النهر أو المطر ونحوهما ممّا لم
يكن بالعلاج فاتّفق السقي مرّة أو مرّتين بالنواضح أو الدوالي الذي هو مندكّ في
جنب ذلك النوع من السقي لا أثر له وملحق بالعدم ، فالحكم طبعاً يتبع لما هو الغالب
في الصدق من أحد الأمرين.
وأمّا لو
اشتركا في الصدق وتساويا في الإسناد بحيث كان كلّ نوع من السقيين دخيلاً في
الإنبات ومؤثّراً في نموّ الزرع ويستند النبت إلى كلّ من النوعين بنسبة واحدة ،
فبطبيعة الحال يفهم العرف من نفس الدليلين إعمال كلا
.................................................................................................
______________________________________________________
الحكمين في مجموع ما تحصّل وتكوّن من السقيين بنسبة واحدة ، وهي المناصفة ،
فيكون العُشر في نصف المجموع ونصفه في النصف الآخر ، أي جزء من خمسة عشر جزءاً من
المجموع الذي هو متوسّط بين المقدارين ، بل أنّ دقيق النظر يقضي بأن يكون فيه
ثلاثة أرباع العُشر الحاصلة من ضمّ العُشر من النصف إلى نصف العُشر من النصف
الآخر. فلو فرضنا أنّ مجموع الغلّة أربعون وسقاً كانت زكاته ثلاثة أوسق التي هي
ثلاثة أرباع العشر ، لأنّ الأربعين مؤلّف من عشرينين في أحدهما عُشر وهو اثنان ،
وفي الآخر نصف العشر وهو واحد فيصير المجموع ثلاثة التي هي ثلاثة أرباع العشر من
الأربعين كما نبّه عليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في بعض رسائله العمليّة ومنتخب
الرسائل وهذا المقدار كما ترى يقلّ من جزء من خمسة عشر جزءاً
بمقدار الثمن ، لأنّ الثلاثة إنّما تكون جزءاً من الخمسة عشر جزءاً إذا كان
المجموع خمسة وأربعين ، والمفروض أنّه أربعون ، فينقص خمسة التي هي ثُمن الأربعين.
وقد ظهر ممّا
ذكرناه أنّ المراد بالمساواة : التساوي في الصدق والإسناد ، إذ هو المناط بمقتضى
الفهم العرفي المزبور ، دون التساوي في العدد ، فلو كان أحدهما أكثر كما لو سقي
عشر مرّات من السماء وتسع مرّات أو ثمانية مثلاً بالدوالي كان الصدق مشتركاً قطعاً
والإسناد إليهما معاً ، فيجري ما عرفت من التنصيف ، نظير ما لو اشترك شخصان في قتل
ثالث بالسكّين مثلاً بحيث كانت الضربة الصادرة من كلّ منهما دخيلة في القتل بنحو الجزء
من العلّة إلّا أنّ ضربات أحدهما كانت أكثر من الآخر ، فإنّ هذه الأكثريّة لا أثر
لها ولا توجب اختصاص الإسناد بأحدهما ، بل القتل مستند إليهما معاً بنسبة واحدة
بعد كون كلّ منهما جزء من العلّة كما هو المفروض.
وكيفما كان ،
فهذا الحكم مطابق للقاعدة حسبما عرفت.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المؤيّدة
برواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ـ : فقلت له :
فالأرض تكون عندنا تُسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء وتُسقى سيحاً «فقال : إنّ ذا
ليكون عندكم كذلك؟» قلت : نعم «قال : النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر»
إلخ .
وهي صريحة في
المطلوب ، كما أنّ ذيلها قد تضمّن أنّ السقية أو السقيتين سيحاً خلال ثلاثين أو
أربعين ليلة لا أثر له في جنب السقي بالدوالي ستّة أو سبعة أشهر وأنّ فيه نصف
العشر كما ذكرناه ، فلاحظ.
غير أنّ السند
مخدوش بمعاوية نفسه ، سواء أُريد به معاوية بن ميسرة بن شريح بأن كان شريح جدّه ،
أو معاوية بن شريح وكان والده ، إذ لم يوثّق على التقديرين.
ولا أدري لماذا
عبّر في الجواهر عن الرواية بالحسنة ، ولا يخطر بالبال شيء عاجلاً عدا أنّ الراوي عنه ابن
أبي عمير الذي قيل في حقّه أنّه لا يروي إلّا عن الثقة ، ولكنّا أشرنا مراراً إلى
ما في هذه الدعوى ، لأنّا عثرنا على روايته عن الضعاف أيضاً ، فلا أساس لهذه
الكبرى.
وكيفما كان ،
فالرواية ضعيفة ولا تصلح إلّا للتأييد.
وملخّص
الكلام في المقام : أنّ الفعل الصادر من شخصين أو المعلول الحاصل من سببين قد يكون مركّباً
وأُخرى بسيطاً ، ففي الأوّل كعمارة دار مثلاً يمكن أن يكون استناده إلى الفاعلين
مختلفاً حسب اختلافهما في مقدار التصدّي لأجزاء المركّب ، فلو كانت الدار ذات
طوابق ثلاثة قد بنى أحدهما طابقاً والآخر طابقين ، يستند ثلث المركّب إلى فاعل
والثلثان إلى فاعل آخر.
__________________
ولو شكّ (١) في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي الأقلّ والأحوط
الأكثر.
______________________________________________________
وأمّا لو كان
بسيطاً فحيث إنّه غير قابل للتبعيض والتوزيع فلا جرم يستند إلى الشخصين بنسبة
واحدة وإن كان التصدّي للمقدّمات في أحدهما أكثر من الآخر ، فلو اشترك شخصان في
القتل الذي هو أمر وحداني بسيط استند إليهما معاً وإن طعنه أحدهما بسهم والآخر
بسهمين ، فيقتصّ منهما أو تؤخذ الدّية منهما بالمناصفة.
ومقامنا من هذا
القبيل ، فإنّ نموّ الزرع ونبته من الأرض أمر بسيط لا يتجزّأ ولا سبيل في مثله إلى
التوزيع ، فلا محالة يستند إلى السقي بالعلاج وبدونه بنسبة واحدة وإن كان العدد في
أحدهما أكثر. وعليه ، لا بدّ من التنصيف حسبما عرفت.
(١) للشكّ
المزبور صور :
إذ
تارةً : يتردّد بين العُشر
ونصف العُشر ، للشكّ في أنّ المزرعة هل سقيت بالعلاج أم بدونه ، كما لو لم يعلم
بأنّ وكيله مثلاً كيف سقاها ولم يمكن الاستعلام منه لموته فرضاً.
وأُخرى
: يتردّد بين
العُشر وثلاثة أرباع العُشر ، كما لو علم أنّ نصفها سقي بغير العلاج ولم يدر أنّ
النصف الآخر هل سقي بغير العلاج أيضاً ليكون المجموع محكوماً بالعُشر ، أم أنّه
سقي بالعلاج ليكون فيه نصف العشر الذي هو بضميمة العشر الثابت في النصف الأوّل
يبلغ ثلاثة أرباع العشر في مجموع الغلّة.
وثالثةً
: يتردّد بين
نصف العشر وثلاثة أرباع العشر ، كما لو علم أنّ نصفها سقي بالعلاج ففيه نصف العشر
ولم يدر أنّ النصف الآخر هل سقي كذلك ليتّحد معه في الحكم ، أم أنّه سقي بغير
العلاج ليكون فيه العشر البالغ بضميمة ما في
[٢٦٦٩] مسألة
١٢ : لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي ومع ذلك سقي بها من غير
أن يؤثّر (١) في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العُشر ، وكذا لو كان سقيه بالدوالي
وسقي بالنهر ونحوه من غير أن يؤثِّر فيه فالواجب نصف العُشر.
[٢٦٧٠] مسألة
١٣ : الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه (٢) ، إلّا
إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلاً ، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة
فحينئذٍ يتبعهما الحكم.
______________________________________________________
النصف السابق ثلاثة أرباع العشر في المجموع.
ورابعةً
: يتردّد بين
الكل أعني : العشر ونصفه والثلاثة أرباع ، كما لو لم يعلم أنّ المزرعة هل سقيت
كلّها بالعلاج أم كلّها بغير العلاج ، أم نصفه بالعلاج ونصفه بغيره ليجب نصف العشر
في الأوّل والعشر في الثاني وثلاثة أرباع العشر في الثالث.
والحكم في جميع
هذه الصور ما ذكره في المتن من الاقتصار على الأقلّ الذي هو المتيقّن ، والرجوع في
الزائد المشكوك إلى استصحاب بقاء الملك الذي كان ثابتاً يقيناً قبل تعلّق الزكاة ،
على الخلاف المتقدّم في وقت التعلّق من كونه الانعقاد والاشتداد أو التسمية ، فإنّ
المتيقّن خروجه عن الملك لدى التعلّق هو الأقلّ ، فيرجع فيما عداه إلى استصحاب
الحالة السابقة أعني : عدم الخروج عن الملك ومع الغضّ عنه فأصالة البراءة وإن كان
الأكثر أحوط.
(١) لأنّ
المنسبق من النصوص خصوص السقي المؤثّر في زيادة النمو وما يحتاج إليه الزرع ، لا
مطلق السقي كيفما اتّفق كما هو واضح.
(٢) كيف؟!
وإلّا لم يبق مصداق للسقي بالدوالي ، لعدم خلوّ المزارع عن هذه
[٢٦٧١] مسألة
١٤ : لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مُباحة (١) مثلاً عبثاً أو لغرضٍ فزرعه
آخر وكان الزرع يشرب بعروقه فالأقوى العشر ، وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرضٍ آخر
غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه ، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع
الكذائي ، ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرعٍ فزاد وجرى على أرض أُخرى.
______________________________________________________
الأمطار غالباً ، كما مرّ في المسألة الحادية عشرة ، فلاحظ.
(١) لو تصدّى
شخص لإخراج الماء بالعلاج على أرضٍ مباحة إمّا عبثاً أو لغاية أُخرى من تجمع بحيرة
ونحو ذلك فاستفاد شخص آخر من هذه الموقعيّة واغتنم الفرصة فزرع بحيث استقى الزرع
بعروقه من تلك المياه ، حكم (قدس سره) حينئذٍ بأنّ فيه العشر. وهو الصحيح ، لصدق
عدم التكلّف والعلاج في سقي الزرع الذي هو المناط في العشر بمقتضى الأدلّة.
نعم ، عالج في
الإخراج في بادئ الأمر ، إلّا أنّه لم يكن للسقي ، لعدم كونه ناوياً له آن ذاك حسب
الفرض ، والاعتبار في العلاج بكونه للسقي للزرع ، لاختصاص النصوص بذلك بمقتضى
الفهم العرفي.
ونحوه ما لو
كان الزارع هو المخرج نفسه لا شخص آخر ، بأن بدا له في الزرع بعد أن أخرجه عبثاً
أو لغايةٍ أُخرى لعين ، المناط المتقدّم ، ضرورة عدم الفرق بينهما من هذه الجهة.
وهذا بخلاف ما
إذا كان الإخراج لغرض الزرع الكذائي كما عبّر به في المتن أي لغرض الزرع الذي يشرب
بعروقه ، كما لو جمع المياه المخرجة بالدوالي في موضعٍ قاصداً به الزرع في موضعٍ
أسفل عنه يشرب بعروقه من تلك المياه النافذة في جوف الأرض ، فإنّ هذا فيه نصف
العُشر ، لصدق أنّه سقي بالعلاج ،
[٢٦٧٢] مسألة ١٥ : إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان
باسم المقاسمة (١) ، بل ما يأخذه باسم الخراج أيضاً ، بل ما يأخذه
العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً إذا لم يتمكّن من الامتناع جهراً
وسرّاً ، فلا يضمن حينئذٍ حصّة الفقراء من الزائد.
______________________________________________________
لانتهاء السقي بالآخرة إلى تلك الدوالي التي كانت بنيّة السقي حسب الفرض ،
ولا فرق في السقي بالعلاج بين ان يكون مع الواسطة أو بدونها.
فمراده (قدس
سره) بالزرع الكذائي هو ما ذكرناه ، ومعه يستقيم الفرق بين الصورتين.
كما أنّ مراده (قدس
سره) بقوله : ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه ... إلخ ، ما لو أخرج الماء لسقي
كمّيّة خاصّة من المزرعة كألف متر مثلاً فزاد وسقى به ألفين ، وأنّ حكمه حكم الفرض
الثاني الذي كان فيه نصف العشر ، لصدق السقي بالعلاج في المقدار الزائد كالمزيد
عليه ، فإنّه وإن لم يكن حين الإخراج ناوياً لهذا المقدار من الزرع إلّا أنّه كان
ناوياً لأصل الزرع ، وهو كافٍ في صدق السقي بالعلاج في كلّ زرع يُسقى بهذا الماء ،
إذ لا يلزم العلم بكمّيّة الزرع حين التصدّي للإخراج ، وربّما لا يعلم بذلك أصلا.
(١) لا إشكال
كما لا خلاف في استثناء ما يأخذه السلطان من نفس العين باسم المقاسمة ، سواء أكان
سلطان عدل أم جور.
أمّا
الأوّل : فظاهر ، لخروج
حصّته عن الملك من أوّل الأمر ، فلم تكن ملكاً للزارع كي تجب فيه الزكاة ، فحال
هذه المقاسمة حال المزارعة التي لم تدخل في
__________________
ولا فرق في ذلك
بين المأخوذ من نفس الغلّة أو من غيرها إذا كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا كان
شخصيّاً فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها ، بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً وإن كان
الظلم عامّاً ، وأمّا إذا أخذ من نفس الغلّة قهراً فلا ضمان ، إذ الظلم حينئذٍ
وارد على الفقراء أيضاً.
______________________________________________________
ملك الزارع إلّا حصّته من الزرع والباقي لصاحب الأرض.
وأمّا
الثاني : فلعدم التمكّن
من التصرّف فيما يأخذه السلطان الذي هو شرطٌ في تعلّق الزكاة كما تقدّم ، فأخذه
بمثابة التلف الوارد على العين أو الغصب أو السرقة ونحو ذلك ممّا هو محسوب على
المالك وعلى الفقير معاً.
وعلى
الجملة : فالحكم
المزبور مطابق لمقتضى القاعدة ومورد للاتّفاق ، مضافاً إلى شهادة جملة من النصوص
عليه التي منها صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) ،
أنّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ، ما ترى فيها؟ «فقال : كلّ أرض
دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ،
وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد
مقاسمته لك» ، ونحوها صحيحة صفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وصحيحة
أحمد بن أبي نصر .
وإنّما الكلام
في موردين :
أحدهما
: في استثناء ما
يأخذه السلطان باسم الخراج ، وهو المقدار الذي يأخذه من خارج العين من النقود أو
غيرها كالضريبة الدارجة في هذا العصر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وبذلك يفترق عن المقاسمة التي تختصّ بما يأخذه من نفس الغلّة كما عرفت.
الثاني
: في استثناء
المؤن التي يصرفها في سبيل تحصيل النتاج من البذر والسقي وأُجرة الحارس ونحو ذلك ،
فهل هي مستثناة في باب الزكاة كما أنّها مستثناة في باب الخمس بلا إشكال؟ لأنّه
إنّما يتعلّق بالربح ولا ربح إلّا في الزائد على المؤنة.
فنقول
: أمّا المورد
الأوّل فالمصرّح به في كلمات غير واحد : أنّ الخراج عند الأصحاب بحكم المقاسمة في
الاستثناء عمّا يتعلّق به الزكاة ، بل لم يُنسَب الخلاف إلّا إلى العلّامة في
المنتهي ، فكأنّ الحكم مورد للإجماع ، إلّا أنّ دليله غير ظاهر
بعد عدم تعلّق الخراج بنفس العين الزكويّة ، بل بخارجها كما سبق.
نعم ، روى
الشيخ في الصحيح عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن
الرجل يرث الأرض أو
يشتريها فيؤدّي
خراجها إلى السلطان ، هل عليه فيها عشر؟ «قال : لا» .
ورواها الكليني
أيضاً ، إلّا أنّها ضعيفة في هذا الطريق بسهل بن زياد.
وبمضمونها
رواية سهل بن اليسع ورواية أبي كهمس ، وإن كانتا ضعيفتي السند ، أمّا الأُولى فبعبد الله بن
مالك وفي أبي قتادة كلام ، وأمّا الثانية فبأبي كهمس أو كهمز فإنّه كابن مالك
المزبور لم يوثّق.
ولكن ظاهرها
عدم تعلّق الزكاة رأساً بالأرض التي يؤدّي خراجها إلى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السلطان لا استثناء مقدار الخراج عما يتعلّق به الزكاة كما هو مورد الكلام
، وهذا لعلّه مقطوع البطلان ، إذ لم يقل به أحد من الأصحاب ، بل ولا من العامّة ،
عدا ما يُنسَب إلى أبي حنيفة من سقوط الزكاة عن الأراضي الخراجيّة .
على أنّها
معارضة بما دلّ صريحاً على لزوم إخراج الزكاة بعد أداء الخراج ، كصحيحة صفوان وابن
أبي نصر ، قالا : ذكرنا له الكوفة إلى أن قال : «وما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام
يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيبر ، وعلى
المتقبّلين سوى قبالة الأرض العُشر ونصف العُشر في حصصهم» .
دلّت على لزوم
أداء العُشر غير ما عليهم من وجه القبالة الذي يشمل الخراج والمقاسمة ، فإنّ
التعبير بالقبالة يشملهما معاً كما لا يخفى.
وفي السند وإن
كان علي بن أحمد بن أشيم ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في إسناد
كامل الزيارات.
ونحوها غيرها
ممّا تقدّم في روايات المقاسمة ، فإنّ المراد بها وبالخراج شيء واحد في لسان
الروايات ، والتفكيك اصطلاح حادث في لسان الفقهاء.
فهذه الروايات
وعمدتها صحيحة رفاعة روايات شاذّة لا يمكن الأخذ بها بعد حكاية الإجماع على خلافها
، فهي إمّا مطروحة يردّ علمها إلى أهله ، أو محمولة على التقيّة ، وإن كان هذا
بعيداً جدّاً ، لعدم القول بمضمونها من العامّة ما عدا أبو حنيفة ، وهذا بمجرّده
لا يستوجب الحمل على التقيّة.
وقد حملها
الشيخ على نفي الزكاة فيما أخذه السلطان وإن وجبت فيما يبقى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في يده ، فالمراد نفي الزكاة في مجموع الحصّتين الغير المنافي لثبوتها في
الباقي ، واستشهد له بما تقدّم في أحاديث زكاة حصّة العامل مثل صحيحة أبي بصير
ومحمد بن مسلم الواردة في المقاسمة ، التي دلّت على لزوم أداء العُشر فيما يحصل في
اليد بعد المقاسمة ، نظراً إلى أنّ الخراج والمقاسمة شيء واحد لغةً وفي لسان
الروايات ، والتفكيك اصطلاح من الفقهاء كما تقدّم.
ولكن هذا الحمل
بعيدٌ غايته ، فإنّ قوله في صحيح رفاعة : هل عليه فيها عشر ، بعد قوله : فيؤدّي
خراجها ، كالصريح في السؤال عن تعلّق الزكاة بعد أداء الخراج وفيما يبقى من حصّته.
وأصرح منها
رواية سهل ، فإنّها صريحة في إناطة الزكاة بعدم أخذ السلطان وإلّا فلا شيء عليه ،
فإنّ الشيء المنفي في صورة الأخذ هو الذي أثبته في صورة عدمه الذي صرّح بأنّه
العُشر ، فيكون هذا منفيّاً عن الغلّة رأساً لدى أداء الخراج. ونحوها رواية أبي
كهمس.
فهذا الحمل
ساقط جدّا.
ولعلّ أحسن
المحامل لهذه الروايات حمل الخراج فيها على ما يعمّ الزكاة ، بأن يعامل السلطان مع
الزارع على أن يدفع إليه هذا المقدار عن جميع ما يستحقّه من الزرع الحاصل في هذه
الأرض ، أعمّ من الخراج والزكاة ، فيكون تقبيله بهذا المقدار في قوّة الاشتراط بأن
تكون زكاته عليه ، كما هو المتداوَل إلى عصرنا الحاضر في المملكة العربيّة
السعوديّة ، حيث يدفع الملّاك زكواتهم إلى عمّال الملك في ضمن ما يأخذونه منهم من
الخراجات ، فيكون السؤال فيها ناظراً إلى الاجتزاء بذلك عن أداء الزكاة ثانياً إلى
الإمام العادل.
فإنّ هذه
المسألة محلّ للكلام ومورد للابتلاء لم يتعرّض إليها الماتن
.................................................................................................
______________________________________________________
ظاهراً ولعلّنا نتكلّم فيها في فرصة مناسبة.
وقد وردت فيها
روايات متعارضة قد دلّ بعضها على السقوط معلّلاً بأنّه إذن لا يبقى له شيء ، ودلّ
بعضها الآخر على عدم السقوط. والروايات المتقدّمة تحدّ من الطائفة الأُولى التي لا
بدّ لها من العلاج ، وتمام الكلام في محلّه إن شاء الله.
وكيفما كان ،
فقد تحصّل من جميع ما قدّمناه أنّه لم ترد في المقام رواية تدلّنا على استثناء
الخراج كما وردت في المقاسمة على ما عرفت. إذن لم يثبت هذا الاستثناء بعنوانه.
فالصحيح ما ذكره العلّامة (قدس سره) من أنّ حكم الخراج حكم سائر المؤن. فإن قلنا
بالاستثناء فيها ثبت فيه أيضاً ، وإلّا فلا.
وتوضح المقام
أنّ هنا مسألتين :
إحداهما
: في أنّ الزكاة
هل تتعلّق بالأراضي الخراجيّة أم أنّها ساقطة عنها بالكلّيّة ويغني أداء الخراج عن
أداء الزكاة؟ وهذا ما تكلّمنا فيه لحدّ الآن ، وعرفت أنّ المجمع عليه بين الخاصّة
والعامّة ما عدا أبي حنيفة هو عدم السقوط ، وعرفت وجهه بما لا مزيد عليه.
الثانية
: في أنّ ما
يأخذه السلطان باسم الخراج من خارج النتاج من نقدٍ وغيره الذي هو بإزاء مقاطعة
الأرض كإجارة لها سواء كانت ملكاً للمسلمين أو من المباحات الأصليّة ، بمثابة
الضريبة في عصرنا الحاضر ، هل يستثني ممّا تتعلّق به الزكاة كما يستثني ما يأخذه
من نفس العين باسم المقاسمة بلا إشكال ، أم لا؟
المشهور هو
الاستثناء ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع ، ولم يُنسَب الخلاف إلّا إلى العلّامة
في المنتهي كما عرفت.
ويستدلّ
للمشهور بوجوه :
.................................................................................................
______________________________________________________
أحدها
: التصريح
بالاستثناء في روايات المقاسمة المتقدّمة من صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم وغيرها
، إذ لا فرق بينها وبين الخراج في لسان الأخبار ، والتفكيكُ باختصاص
المقاسمة بما يأخذه من نفس العين والخراج بخارجه اصطلاحٌ من الفقهاء ، فتلك
الأخبار كافية في إثبات المطلوب.
وفيه : أنّ
التفكيك وإن كان اصطلاحاً حادثاً من الفقهاء كما ذُكِر ، إلّا أنّ المراد في هذه
الروايات خصوص المقاسمة المصطلحة ، أعني المقاطعة مع الزارع في نفس الحين بدفع
حصّة منها للسلطان ، لأجل التعبير في صحيحتي أبي نصر بقوله : «في حصصهم» وبقوله في
صحيحة أبي بصير : «فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» ، فإنّها ظاهرة في أنّ
المستثنى خصوص الحصّة التي يأخذها السلطان من نفس الغلّة ، دون ما يأخذه من الخارج
المسمّى باسم الخراج الذي هو محلّ الكلام.
الثاني
: ما تقدّم من
الروايات النافية للزكاة عن الأراضي الخراجيّة (باب ١٠ زكاة الغلّات) من صحيحة
رفاعة وغيرها ، بعد الحمل الذي ارتكبه الشيخ كما مرّ من إرادة النفي في مجموع
الغلّة ، الأعمّ ممّا يأخذه السلطان وما يبقى ، غير المنافي لتعلّقها في حصّة
الزارع ، فتكون النتيجة استثناء الخراج عمّا تتعلّق به الزكاة كما مرّ المطلوب.
وفيه ما لا
يخفى ، فإنّ ظاهر تلك النصوص نفي الزكاة رأساً عن تلك الأراضي ، ولا قائل به كما
مرّ ، ولا معنى لتأويلها ثمّ الاستدلال بها ، فإنّ مناط الحجّيّة هي الظهورات
والمفروض عدم إمكان الأخذ بها في المقام ، ولا سبيل للاحتجاج بالرواية المؤوّلة
كما هو واضح.
الثالث
: ما ورد في
الفقه الرضوي من التصريح باستثناء الخراج ، حيث قال :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أخرج منه
العُشر» إلخ ، وقد عبّر بمثله الصدوق في الفقيه ، بل قيل في
الهداية والمقنع أيضاً وكذا المقنعة التي من شأنها التعبير بمتون الأخبار.
وفيه ما مرّ
مراراً من عدم حجّيّة الفقه الرضوي ، إذ لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون
معتبرة ، ولعلّها مجموعة حاوية لفتاوى بعض فقهاء الشيعة كعليّ بن بابويه وغيره ،
وإن تضمّنت الرواية عن المعصوم (عليه السلام) أيضاً أحياناً ، فلا يمكن التعويل
على هذا الكتاب بوجهٍ حتّى على القول بالانجبار ، إذ لا صغرى له في المقام بعد ما
عرفت من عدم إحراز كونه رواية عن المعصوم (عليه السلام) من أصله.
وأمّا الصدوق
فهو يتبع في فتاواه والده كما أنّه يتبع في التصحيح والتضعيف للأسانيد مشيخة ابن
الوليد كما صرّح هو بنفسه قدس سره بذلك ، فمن الجائز أنّه (قدس سره) وجد تلك العبارة في فتاوى
والده علي بن بابويه فأثبتها في كتبه جرياً على عادته.
وعلى
الجملة : فهذه الوجوه
ساقطة ، ولم يبق في البين عدا الشهرة المحقّقة والإجماعات المنقولة وفي الخروج بها
عن الإطلاقات المتضمّنة أنّ فيما سقته السماء من كلّ ما أنبتته الأرض العُشر
الظاهر في تعلّقه بمجموع الغلّة تأمّل ، بل منع ، بعد عدم حجّيّة شيء منهما ، ولا
مجال للخروج عن الإطلاق إلّا بدليل
__________________
[٢٦٧٣] مسألة
١٦ : الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (١) من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان
التعلّق واللاحقة.
______________________________________________________
قاطع وحجّة معتبرة ، المفقودة في المقام. وعليه ، فالأقوى ما بنى عليه
العلّامة من إنكار الاستثناء وإلحاق الخراج بسائر المؤن ، فإن ثبت الاستثناء فيها
قلنا به فيه أيضاً ، وإلّا فلا.
(١) المورد
الثاني ممّا وقع فيه الكلام بين الأعلام استثناء المؤن ، والمشهور وإن كان هو
الاستثناء إلّا أنّ المخالف هنا أكثر ممّا مرّ في المسألة السابقة أعني : الخراج
فقد نُسب الخلاف إلى الشيخ في الخلاف وابن سعيد في الجامع والشهيد الثاني في فوائد
القواعد وصاحب المدارك وصاحب الذخيرة ، وقوّاه الشيخ الأنصاري (قدس سره) ولكنّه في ذيل
كلامه نفى البُعد عمّا ذهب إليه المشهور.
وكيفما كان ،
فالمسألة ذات قولين وإن كان المشهور هو الاستثناء.
هذا ، ويدلّ
على عدم الاستثناء إطلاقات العُشر ونصف العُشر الظاهرة في تعلّقه بمجموع الغلّة
وما تنبته الأرض من غير لحاظ المؤن التي يصرفها في سبيل تحصيل النتاج من سقي أو
كري النهر ونحو ذلك.
وأصرح رواية من
هذه المطلقات هي الروايات المتقدّمة الواردة في المقاسمة ، مثل قوله (عليه السلام)
في صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم : «إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد
مقاسمته لك» ، ونحوها صحيحة صفوان وابن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أبي نصر.
فإنّ الاقتصار
على استثناء حصّة السلطان الكاشف عن كونه في مقام التحديد كالصريح في عدم
الاستثناء ، وإلّا لتعرّض للمؤن أيضاً ، والمقام مقام البيان كما عرفت. فإن ثبت
الاستثناء بدليلٍ قاطع وإلّا فهذه المطلقات بل العمومات بناءً على أنّ «ما»
الموصولة في قوله (عليه السلام) : «فيما يحصل» من أدوات العموم هي المحكّم.
وقد استدلّ
للمشهور بوجوهٍ لا طائل تحت غالبها ، قد تقدّم جملة منها في المسألة السابقة :
منها
: الإجماع ، وهو
كما ترى ، لوهن دعواه بعد مخالفة جمّ غفير من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم كما عرفت.
ومنها
: الفقه الرضوي
المتضمّن للتصريح بذلك كما مرّ ، ومرّ جوابه.
ومنها
: أنّ الزكاة
إنّما تجب في النماء والفائدة العائدة من الغلّة فلا تتناول المؤنة ، إذ لا تلاحظ
الفائدة إلّا بعد إخراجها ، فحالها حال الخمس الذي لا يجب إلّا بعد المئونة ، بل
ربّما تكون المئونة المصروفة في سبيل تحصيل الغلّة معادلة لها فلا موضوع في مثله
للزكاة.
وفيه
: أنّ هذا أوّل
الكلام ، بل عين الدعوى ، إذ لم يظهر من شيء من الأدلّة تعلّق الزكاة بالفائدة
لتلاحظ بعد إخراج المؤنة ، بل ظواهر النصوص تعلّقها بمطلق ما تنبته الأرض من
الغلّات ، فلا تقاس بالخمس الذي مورد الربح المختصّ بما يحصل في اليد بعد إخراج
المؤن المصروفة في سبيل تحصيله ، فلو اشترى متاعاً بمائة وباعه بمائة وعشرة دنانير
وأعطى دينارين للدلّال فالربح ثمانية دنانير لا عشرة كما هو واضح.
مضافاً إلى ما
ورد من أنّه لا خمس إلّا بعد المئونة ، بناءً على أنّ المراد مئونة
.................................................................................................
______________________________________________________
الإخراج لا مئونة السنة.
وعلى
الجملة : فالزكاة حقّ
إلهي متعلّق بالزرع وما تنبته الأرض من غير لحاظ عنوان الربح أو الفائدة لتقتضي
استثناء المئونة ، ولعلّه بإزاء ما أعدّه سبحانه في سبيل تحصيل الغلّة من إشراق
الشمس والماء والهواء ، ونحو ذلك من المعدّات نظير المزارعة المصطلحة الواقعة بين
الزارع وصاحب الأرض بنسبة معيّنة من الغلّة من نصف أو ثلث ونحوهما ، التي هي
بمثابة الأُجرة للأرض ، فهل ترى أنّ الزارع لو كثرت مئونته المصروفة في سبيل
النتاج ولو لعارض خارجي من أخذ جائر ونحوه بحيث استوعب النفع المترقب من الزرع في
حصّته أفيؤثّر ذلك في سقوط ما يستحقّه صاحب الأرض بدعوى عدم حصول الربح؟! والحاصل : أنّ هذه الوجوه الاستحسانيّة لا تصلح مدركاً للأحكام
الشرعيّة ، والمتّبع فيها ظواهر الأدلّة ، وحيث لم يعلّق الحكم فيها على الفائدة
كما عرفت فلا وجه لاستثناء المئونة.
ومنها
: التعليل
الوارد في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : يترك للحارس
أجراً معلوماً ، ويترك من النخل معافارة وأُمّ جعرور ، ويترك للحارس يكون في
الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إيّاه» هكذا في التهذيب ، وذكر في الكافي : «ويعطى للحارس
أجراً» إلخ ، بدل «ويترك» ، وأمّا ما في الوسائل من إضافة كلمة «لا» قبل «يترك»
فهو غلط من النسّاخ كما لا يخفى .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومعافارة وأُمّ
جعرور نوعان رديّان من التمر غير قابلين للأكل.
ومحلّ
الاستشهاد ذيلها المتضمّن لتعليل الترك للحارس يحفظه إيّاه ، فإنّ استثناء حصّة
الحارس معلّلاً بكونها مئونة الحفظ يدلّنا على استثناء سائر المؤن أيضاً المصروفة
في سبيل الاستنتاج من الزرع بمناط واحد بمقتضى عموم التعليل.
والجواب : أنّ
مئونة الحفظ تمتاز عن سائر المؤن ، نظراً إلى أنّ الحاجة الماسّة إلى الحراسة لا
تكون إلّا بعد بلوغ الثمر ، حذراً من السرقة أو التلف ، فهي مئونة حفظ العين بعد
تحقّقه وتكوّنه ، وتصرف من نفس العين بعذق أو عذقين ، وأين هذا من المؤن السابقة
على زمان التعلّق المصروفة في سبيل تحصيل العين وتكوينه؟! سيّما على القول المشهور
في وقت التعلّق من أنّه زمان الاحمرار أو الاصفرار ، فإنّ استثناء مئونة الحفظ لا
يلازم استثناء سائر المؤن المبذولة من الخارج ، بل أحدهما أجنبي عن الآخر ، ولا
إشعار في البين فضلاً عن الدلالة.
ومنه يظهر
الجواب عن عموم التعليل ، فإنّه تعليلٌ في مورده أعني : مئونة الحفظ التي هي من
المؤن المتأخّرة عن زمان الخرص الذي هو بعد تعلّق الوجوب ولا ربط له بالمؤن
السابقة كما لا يخفى.
وعلى
الجملة : حفظ الثمر
المستتبع لحقّ النظر يستلزم الانتفاع من العين بعذق أو عذقين بطبيعة الحال يصرفه
لنفسه وعياله كما أُشير إليه في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
في زكاة التمر والزبيب «قال : يترك للحارس العذق والعذقان ، والحارس يكون في النخل
ينظره فيترك ذلك لعياله» ، نظير ما يعطى من العين ضغثاً أو ضغثين يوم حصاد
الحنطة والشعير للقانع والمعتر على ما نطقت به النصوص ، ونظير حصّة
السلطان المدفوعة عن نفس العين
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فلا يُقاس عليها سائر المؤن.
ومنها
: ما ذكره
المحقّق الهمداني (قدس سره) ، وملخّصه : أنّ مسألة الاستثناء وعدمه من الفروع
العامّة البلوى الكثيرة الدوران في جميع الأعصار والأمصار ، فلا بدّ من معرفتها
والفحص عنها على كلّ من يجب عليه الزكاة ، ومنهم أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ،
لامتناع الغفلة عنها عادةً بعد ما عرفت من شدّة الابتلاء ، فبطبيعة الحال يكون
الحكم واضحاً لديهم من غير خفاء فيه يوجه.
وحينئذٍ فإمّا
كانوا قائلين بالاستثناء ، أو بعدمه :
فعلى الأوّل :
لم يكن ذلك إلّا لوصوله إليهم من الإمام (عليه السلام) ، لقضاء العادة بامتناع
قيام السيرة في مثل هذا الحكم عن اجتهادٍ ورأي بمرأى منه ومسمع من غير مراجعته (عليهم
السلام).
وعلى الثاني :
فهو من غرائب التأريخ ، بل غير قابل للتصديق ، إذ كيف يمكن الشهرة في العصور
المتأخّرة على خلاف السيرة الجارية في عصر الإمام (عليه السلام)؟! بل أنّ هذا شيء
ممتنع عادةً كما لا يخفى.
وعليه ، فيصحّ
أن يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الإمام (عليه السلام) بطريق الحدس من رأي
أتباعه المطابق لما عليه المشهور.
بل ذكر (قدس
سره) أنّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم (عليه السلام) من فتوى الأصحاب في شيء من
الموارد فهذا من أظهر مصاديقه .
ويندفع
: بأنّ المتصدّي
لأمر الزكاة في عصرهم (عليهم السلام) كان هو حكّام الجور والعمّال المنصوبون من
قبلهم القائمون بجباية الزكوات ، والمشهور بين فقهاء العامّة بل المتسالم عليه
لديهم ، ما عدا عطاء هو عدم الاستثناء ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فكانت السيرة العمليّة الجارية عليها عامّة الناس هو ذلك والناس على دين ملوكهم
إذن لم يكن يتيسّر للإمام (عليه السلام) إبراز ما عنده في هذه المسألة نفياً أو
إثباتاً ، فبطبيعة الحال كان الحكم الواقعي مخفيّاً ، أو لا أقلّ من أنّه لم يكن
بتلك المثابة من الظهور كما يدّعيه المحقّق المزبور بحيث تكون السيرة جارية عليه ،
ولا غرابة في ذلك فإنّ استثناء حصّة السلطان المتسالم عليه الآن كان خفيّاً آن ذاك
على مثل محمّد بن مسلم على جلالته وعلوّ شأنه بحيث تصدّى للسؤال عنه في صحيحته
المتقدّمة ، فليكن استثناء المئونة أيضاً كذلك.
بل قد يظهر من
بعض النصوص المفروغيّة عن عدم الاستثناء ومغروسيّته في الأذهان ، وهي رواية محمّد
بن علي بن شجاع النيسابوري : أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب
من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكّى ، فأخذ منه العُشر عشرة أكرار ، وذهب منه
بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً ، وبقي في يده ستّون كرّاً ، ما الذي يجب لك من
ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع (عليه السلام) : «لي منه الخمس ممّا
يفضل من مئونته» .
فإنّ تعيين
الزكاة في العشرة دون السبعة دليلٌ على اعتقاد عدم الاستثناء ، امّا اعتقاد الأخذ
لو قرئ : «فأُخذ منه» مبنيّاً للمجهول ، أو اعتقاد المأخوذ بأن يكون هو بنفسه أفرز
الزكاة في هذه الكمّيّة ليصرفها في محلّها لو قرئ مبنيّاً للمعلوم ، إذ لا يؤثّر
ذلك فرقاً فيما هو مناط الاستشهاد بهذه الرواية من المفروغيّة والمغروسيّة حسبما
عرفت ، ولا سيّما مع التقرير وعدم الردع.
نعم ، الرواية
في نفسها ضعيفة السند ، لعدم ثبوت وثاقة النيسابوري ، فلا تصلح إلّا للتأييد.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّا لم نجد ما يصلح سنداً لمسلك المشهور كي يعوّل عليه في الخروج عن
إطلاقات العُشر ونصف العُشر حسبما عرفت. إذن فالأقوى هو القول بعدم الاستثناء ،
الذي اختاره جمع من الأعاظم من القدماء والمتأخّرين كما تقدّم.
ومن غريب ما
استدلّ به للقول بالاستثناء الاستدلال بقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) بتقريب : أنّ العفو هو الزيادة من المال ، ولا زيادة
إلّا بعد استثناء المئونة.
إذ
فيه أوّلاً : أنّ العفو إنّما يكون بمعنى الزيادة إذا قيِّد بالمال ، فالعفو من المال
هو الزيادة ، دون العفو المطلق الغير المضاف إليه كما في الآية المباركة ، فإنّه
على هذا بمعنى العمل الطيّب.
قال في الأقرب
: العفو خيار الشيء وأجوده ، ومن المال ما يفضل من النفقة .
فكأنّ الآية
المباركة بصدد بيان منهج الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) والطريقة التي
يسلكها في نفسه ومع غيره بالعقد الإيجابي والسلبي ، فأمره تعالى باتّخاذ العفو في
عمل نفسه بالإتيان بصالح الأعمال وأطيبها وخيار الفعال وأجودها ، وأن يأمر غيره
أيضاً بالمعروف وأن يترك ما يفعله الجاهلون ويعرض عنهم ، الذي هو العقد السلبي.
وعليه ، فلا مساس للآية المباركة بباب الزكاة بتاتاً.
وثانياً
: سلّمنا أنّ
المراد من العفو هو الزيادة من المال ، إلّا أنّ الآية المباركة لم تختصّ بالمال
الزكوي ، كما أنّ الزيادة لم تختصّ بالعُشر ولا بنصفه ، بل مقتضى الإطلاق دفع تمام
الزائد حتّى من الأجناس غير الزكويّة ، وهو كما ترى ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتخصيص بالعُشر أو نصفه من خصوص الزكوي يستوجب تخصيص الأكثر والحمل على
الفرد النادر كما لا يخفى. فيستكشف من ذلك كلّه أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى
باب الزكاة بوجه.
ثمّ إنّ مقتضى
الإطلاقات التي استندنا إليها في الحكم بعدم الاستثناء عدم الفرق بين المؤن
السابقة على زمان التعلّق وبين اللاحقة.
ولكن قد يفصل
بينهما فيلتزم بالاستثناء في اللاحقة ، ولا وجه له ، فإنّ العين وإن كانت مشتركة
بعد التعلّق بين المالك والفقير ولم يجب على المالك حفظ حصّة الفقير إلى أن تبلغ
حدّ الكمال والنتاج كما بعد الحصاد مثلاً إلّا أنّه لو صرف مئونة في سبيل ذلك فلا
ولاية له على الفقير في احتسابها عليه ليحكم باستثنائها.
نعم ، تحمّل
هذه المئونة في سبيل حفظ مال الغير أعني : حصّة الفقير ضرر عليه ، إلّا أنّه بنفسه
أقدم عليه ، ويمكنه التخلّص عنه ، إمّا بتسليم حصّة الفقير من عين المال أوّل زمان
التعلّق ليكون هو المتصدّي لمئونة حفظ ماله مستقلا أو بنحو الشركة مع المالك ، أو
بالاستئذان من وليّه وهو الحاكم الشرعي في صرف تلك المؤن ثمّ الاحتساب عليه فيتّجه
الاستثناء في أحد هذين التقديرين ، وإلّا فلا فرق بين اللاحقة والسابقة في عدم
الاستثناء بمناط واحد حسبما عرفت.
والمتحصّل
من جميع ما سردناه لحدّ الآن : أنّا لم نجد بعد إمعان النظر في الأدلّة ما يستوجب
الخروج عن إطلاقات العُشر ونصف العشر ليقتضي استثناء المؤن بحيث لو كانت مستوعبة
للحاصل من الغلّة لم يبق موضوع للزكاة كما هو كذلك في الخمس ، بل الزكاة حقّ إلهي
متعلّق بتمام ما تنبته الأرض بمنزلة الأُجرة عليها ، فكما أنّ الاستيعاب المزبور
لا يستوجب سقوط الأُجرة ولا
كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب أيضاً بعد خروجها (١) وإن كان الأحوط اعتباره قبله
، بل الأحوط عدم إخراج المؤن خصوصاً اللاحقة .
______________________________________________________
ينقص عنها شيء من المؤن المصروفة في سبيل الاستنتاج منها ، فكذا الزكاة من
غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق واللاحقة.
وقياسها على
الخمس مع الفارق ، فإنّ موضوعه الغنيمة والفائدة التي لا موضوع لها إلّا بعد
استثناء المؤن ، مضافاً إلى النصّ الخاصّ المتضمّن أنّ الخمس بعد المئونة ، وليست
الزكاة كذلك كما عرفت ممّا لا مزيد عليه ، ولم يتحقّق في المسألة إجماع تعبّدي
كاشف عن رأي المعصوم.
إذن ، فالأقوى
هو القول بعدم الاستثناء.
(١) قد عرفت
حال المؤن بالإضافة إلى الفرض نفسه من العشر ونصفه ، وعلمت أنّ الأقوى عدم
استثنائها.
وأمّا حالها
بالقياس إلى النصاب ، فهل يعتبر بلوغه بعد خروجها فيلاحظ النصاب بعد استثناء المؤن
، فلو أوجب النقص عنه كما لو بلغ خمسة أوسق مع المئونة وبدونها أربعة لم يجب عليه
شيء ، أم يلاحظ قبل الخروج فلا يستثني شيء من المؤن ، أم يفصّل بين المؤن
السابقة فتستثنى دون اللاحقة؟
فيه خلاف وإشكال
، والمسألة ذات أقوال ثلاثة.
وقد ذهب جمع
كثير من الأعاظم إلى عدم الاستثناء هنا ، وليست هذه كالمسألة السابقة التي ذهب
المشهور فيها إلى الاستثناء ، بل لعلّها كانت مظنّة
__________________
والمراد
بالمئونة كلّ ما يحتاج إليه الزرع والشجر من اجرة الفلّاح والحارث والساقي ،
وأُجرة الأرض إن كانت مستأجرة ، وأُجرة مثلها إن كانت مغصوبة وأُجرة الحفظ والحصاد
والجذاذ وتجفيف الثمرة وإصلاح موضع التشميس وحفر النهر ، وغير ذلك كتفاوت نقص
الآلات والعوامل حتّى ثياب المالك ونحوها. ولو كان سبب النقص مشتركاً بينها وبين
غيرها وزّع عليهما بالنسبة.
______________________________________________________
الإجماع والتسالم على ما ادّعي وإن كان في حيّز المنع.
وكيفما كان ،
فالمسألة خلافيّة ، والأقوى هنا أيضاً عدم الاستثناء على خلاف خبرة الماتن (قدس
سره).
والوجه فيه ما
سبق في تلك المسألة من التمسّك بإطلاقات الأدلّة السليمة عمّا يصلح للتقييد ، فإنّ
نصوص النصاب واردة في مقام البيان ، وصرف المؤن في سبيل النتاج أمر شائع متعارف
مورد للابتلاء غالباً ، ولا أقلّ من البذر الذي لا محيص عنه ، فإنّ السقي مثلاً
وإن أمكن الاستغناء عنه لكون الأرض جبليّة أو في ساحل البحر لكن البذر ليس كذلك
قطعاً ، ومع ذلك فتلك النصوص وردت مطلقة وقد تضمّنت أنّه إذا بلغ الحاصل خمسة
أوساق ففيه العُشر من غير أن تقيّد الخمسة بما بعد خروج البذر ، فلو كان النصاب
ملحوظاً بعد خروج المؤن وجب التنبيه عليه وهي في مقام البيان ، ولم يحسن إيرادها
على سبيل الإطلاق ، فنفس الإطلاق في هذه الأدلّة بمنزلة الدليل على العدم كما لا
يخفى.
ثمّ إنّا لو
تنازلنا وبنينا على الاستثناء فغايته استثناء المؤن السابقة على زمان التعلّق ،
وأمّا اللاحقة فلا وجه لاستثنائها بتاتاً ، إذ بعد أن تعلّق الوجوب واستقرّت
الزكاة في عهدة المالك وصار المال مشتركاً بينه وبين الفقير أي
[٢٦٧٤] مسألة
١٧ : قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن (١)
، والمناط قيمة يوم تلفه وهو وقت الزرع.
[٢٦٧٥] مسألة
١٨ : أُجرة العامل من المؤن ، ولا يحسب للمالك اجرة إذا كان هو العامل ، وكذا إذا
عمل ولده أو زوجته بلا اجرة ، وكذا إذا تبرّع به أجنبي ، وكذا لا يحسب أُجرة الأرض
التي يكون مالكاً لها ، ولا اجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.
[٢٦٧٦] مسألة
١٩ : لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة ، وكذا لو ضمن النخل والشجر ، بخلاف ما إذا
اشترى نفس الأرض والنخل والشجر ، كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.
______________________________________________________
مصرف الزكاة فبأيّ دليل يرفع اليد عن الوجوب بعد ثبوته؟! وكيف تؤثّر المؤن
اللاحقة في سقوط الوجوب الثابت من ذي قبل؟! والشرط المتأخّر وإن كان معقولاً إلّا
أنّه خلاف ظواهر الأدلّة جزماً لا يصار إليه من غير دليل قاطع ، فالقول بالاستثناء
مطلقاً كما عليه المتن في غاية الضعف ، والأقوى عدم الاستثناء مطلقاً حسبما عرفت.
نعم ، للمالك
التخلّص عن المؤن اللاحقة في حصّة الفقير بتسليم حقّه إليه أوّل زمان التعلّق أو
الاستئذان من الحاكم الشرعي الذي هو وليّه أو من وكيله ثمّ الاحتساب عليه ونقصه من
الفرض لا من النصاب كما تقدّمت الإشارة إليه.
(١) فيستثنى
بناءً على القول باستثناء المؤن.
هذا ، ولم
يتعرّض (قدس سره) لصورة ثالثة ، وهي ما إذا كان من المال الذي فيه الزكاة ولم يؤدّ
زكاته.
[٢٦٧٧] مسألة
٢٠ : لو كان مع الزكوي غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين ، وإذا كان
المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن ،
وإذا كان بالعكس حسب منها.
[٢٦٧٨] مسألة
٢١ : الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزّع على الزكوي وغيره.
[٢٦٧٩] مسألة
٢٢ : إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة
الأُولى وإن كان الأحوط التوزيع على السنين.
[٢٦٨٠] مسألة
٢٣ : إذا شكّ في كون شيء من المؤن أو لا لم يحسب منها.
______________________________________________________
والمظنون
قويّاً أنّ الوجه في الإهمال خروجها عن موضوع المؤن ، بناءً على مسلكه (قدس سره)
في تعلّق الزكاة بالعين من أنّه بنحو الكلّي في المعيّن.
وتوضيحه
: أنّا لو فرضنا
أنّ البذر عشرة أمنان فهذه الكمّيّة مشتركة بين المالك والفقير أي مصرف الزكاة
بنسبة الواحد إلى العشرة ، ولا يملك المالك إلّا تسعة أعشارها والعشر الباقي ملك
للغير وغير داخل في ملك الزارع من الأوّل ، غاية الأمر أنّ الشركة ليست بنحو
الإشاعة بل بنحو الكلّي في المعيّن ، نظير بيع الصاع من الصبرة الذي يكون اختيار
التطبيق بيد المالك دون الفقير.
وعليه
، فالنتاج
الحاصل من هذا البذر والغلّة العائدة منه مشتركة أيضاً بنفس هذه النسبة ، لتبعيّة
الفرع للأصل ، والربح للعين ، وكون الزرع للزارع أي صاحب البذر فلا يملك الزارع
إلّا تسعة أعشار الغلّة ، والعشر الباقي للفقير ، كما هو الحال فيما لو كان مقدار
من البذر مغصوباً من أوّل الأمر ، فإنّ الزارع لا يملك من النتاج إلّا بمقدار
حصّته من البذر.
[٢٦٨١] مسألة
٢٤ : حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ، فيضمّ
الثمار بعضها إلى بعض (١) وإن تفاوتت في الإدراك بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد
وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ، وعلى
______________________________________________________
وعليه ، فالعشر
من الغلّة لم يكن داخلاً في ملكه من الأوّل ليتكلّم في استثناء المؤن المصروفة في
سبيلها وعدمه ، فهي خارجة عن موضوع الكلام ، فإنّ محلّ البحث المؤن التي يصرفها في
نتاج مملوك له لا ما هو مملوك لغيره ، وأمّا التسعة أعشار فهي في حكم المزكّى أو
ما لا زكاة فيه كما لا يخفى ، وقد تعرّض لهما في المتن.
وأمّا بناءً
على المختار في كيفيّة التعلّق بالعين من أنّها بنحو الشركة في الماليّة لا الكلّي
في المعيّن فلا يستقيم ما أُفيد ، بل النتاج كلّه للزارع كنفس البذر ، فإنّ المملوك
للفقير ماليّة العين لا نفسها وقد أتلف البذر بتمامه بالزرع ، وبذلك تنتقل حصّته
من الماليّة إلى الذمّة ويكون تمام البذر للمالك. ومن البديهي أنّ النتاج نتاجٌ
لنفس البذر لا لماليّته ، وقد عرفت أنّ كلّه للمالك بعد الإتلاف ، فلا جرم كانت
الغلّة بتمامها له ، فعلى القول باستثناء المؤن ينبغي استثناء البذر أيضاً بكامله
حسبما عرفت.
ثمّ إنّ الماتن
ذكر في المقام وكذا في ذيل المسألة السابقة فروعاً مترتّبة على الاستثناء لا
يهمّنا التعرّض إليها بعد إنكار المبنى فالإعراض عنها أحرى.
(١) لا إشكال
كما لا خلاف في عدم اعتبار الاتّحاد فيما يتعلّق به الزكاة من الزروع والنخيل
ونحوهما من حيث المكان ، ولا الزمان والإدراك ، فيلاحظ بلوغ المجموع حدّ النصاب
ولو كانت في مزارع أو بساتين متعدّدة بل بلدان متباعدة ، أو كانت في أزمنة مختلفة
فتفاوتت من حيث الإدراك بفاصل شهر أو شهرين
هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصاباً أُخذ منه ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر
، وإن كان الذي أدرك أوّلاً أقلّ من النصاب ينتظر به حتّى يدرك الآخر ويتعلّق به
الوجوب فيكمل منه النصاب ويؤخذ من المجموع ، وكذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين
يضمّ الثاني إلى الأوّل ، لأنّهما ثمرة سنة واحدة ، لكن لا يخلو عن إشكال ،
لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل.
______________________________________________________
بعد أن كان المجموع ثمراً لعام واحد. فالاعتبار في بلوغ النصاب بمراعاة
الكلّ واجتماعها في ملك واحد وإن كانت متفرّقة زماناً أو مكاناً بمقتضى إطلاق
الأدلّة.
ونتيجة ذلك :
لزوم ضمّ الثمار بعضها إلى بعض ، فمتى بلغ المجموع حدّ النصاب وجبت الزكاة وإن كان
كلّ منها لولا الضمّ دون الحدّ وناقصاً عنه.
وهذا في الجملة
ممّا لا ارتياب فيه ولا غبار عليه ، والعمدة إطلاق الأدلّة كما عرفت بعد عدم نهوض
دليل على اعتبار الاتّحاد في شيء من تلك الجهات.
وإنّما الكلام
في موضعين :
أحدهما
: لو أثمر النخل
في عام واحد مرّتين بفاصل ستّة أشهر مثلاً فهل ينضمّ أحدهما بالآخر ويلاحظ النصاب
في المجموع ، أم أنّهما في حكم ثمرة عامين ويعتبر النصاب في كلّ منهما بحياله ولا
يكمل نقص أحدهما بالانضمام إلى الآخر؟
ثانيهما
: هل يعتبر في الانضمام اجتماع النصاب في الملك في زمان
واحد ، أم يكفي ولو خرج السابق عن ملكه بتلف أو إتلاف قبل بلوغ اللاحق ، فلو
تفاوتت في الإدراك بفاصل شهر مثلاً وكان الذي أدرك أوّلاً دون النصاب فأخرجه عن
ملكه ببيع أو إتلاف ونحو ذلك ، فهل ينضمّ ذلك بالنتاج الوارد متأخّراً ويتشكّل
منهما النصاب أم لا؟
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد ناقش صاحب
الجواهر (قدس سره) في كلّ من الموضعين :
أمّا في الموضع
الأوّل : فقد استشكل (قدس سره) في الانضمام ، معلّلاً ذلك بما لفظه : إنّ أهل
العرف لا يشكّون في صدق التعدّد عليهما خصوصاً إذا فصل بين الثمرتين زمان معتدّ به
.
أقول
: لا ريب في صدق
التعدّد في نظر العرف ، بل هو من الواضحات ، إلّا أنّ الكلام في منع ذلك عن
الانضمام ، فإنّه أوّل الكلام ، بل ممنوع ، لعدم الدليل على اعتبار الوحدة
المكانيّة ولا الزمانيّة في ملاحظة النصاب كما عرفت.
فإنّ من كانت
له مزرعتان إحداهما في شرق البلد والأُخرى في غربه فضلاً عمّا إذا كانتا في بلدين
متباعدين ، لا يشكّ العرف في أنّ الغلّة من إحداهما تغاير الأُخرى وأنّهما
متعدّدان ، كما لا يشكّ في ذلك فيما لو اختلفا من حيث الجودة والرداءة ، ولا سيّما
إذا كانت إحداهما في منتهى الجودة والأُخرى في منتهى الرداءة ، ومع ذلك لا يتأمّل
فقيه في انضمامهما لدى ملاحظة النصاب.
بل لولا
الارتكاز والفهم العرفي والتسالم الخارجي من جميع المسلمين لحكمنا بالانضمام حتّى
ولو كانت الثمرتان من عامين أو أكثر ، عملاً بإطلاقات نصوص النصاب ، غير أنّ
المنسبق منها إلى الأذهان بحسب الفهم العرفي إرادة الوارد من عام واحد ، مضافاً
إلى التسالم من عامّة المسلمين كما عرفت.
وعلى
الجملة : لا قصور في
إطلاقات النصاب عن الشمول للمقام كغيره من سائر موارد الانضمام ، ولا ينبغي
التشكيك فيه بوجه.
وأمّا في
الموضع الثاني : فقد ناقش أيضاً في الانضمام بدعوى أنّ المنسبق من أدلّة النصاب
مملوكيّته بتمامه في زمان واحد ، فلو خرج البعض عن الملك قبل استكمال الباقي
واستنتاجه بتلفٍ أو إتلاف سقط عن صلاحيّة الانضمام ليتشكّل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
منه النصاب .
وهذه الدعوى
كما ترى عهدتها على مدّعيها ، فإنّا لم نجد في تلك الأدلّة ما يستشعر منه الاجتماع
في الملك في آن واحد فضلاً عن الدلالة ، بل مقتضى إطلاقها أنّه متى بلغ النتاج حدّ
النصاب وجبت الزكاة ، سواء بقيت على الملك أم لا ، بل لعل الغالب في مثل الثمار
عدم البقاء ، فإنّ الغلّات وإن كان إدراكها دفعيّاً غالباً ولكن الثمار من العنب
والرطب حتّى من بستان واحد تدريجي الحصول ولو لأجل الاختلاف في النوع أو في الجودة
والرداءة ، ولا يكون إدراكها في زمانٍ واحد إلّا شاذّاً ، بل يستمرّ النتاج الوارد
من البستان بمقدار شهر أو شهرين ، والعادة جارية على صرف ما يستورده تدريجاً بأكلٍ
أو بيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك ولا ينتظر في الصرف إدراك الكلّ.
فلو فرضنا أنّ
ما يتحصّل لديه في كلّ وجبة كان دون النصاب ، والمفروض صرفه قبل استنتاج الوجبة
اللاحقة ، فاللازم من عدم الانضمام عدم وجوب الزكاة في كثير من الموارد. وهو كما
ترى ، لا يظنّ أن يلتزم به الفقيه.
وعلى
الجملة : مقتضى
الإطلاقات الأوّلية وجوب الزكاة في كلّ ما أنبتته الأرض ، خرجنا عن ذلك بمقتضى
أدلّة اعتبار النصاب فيما إذا كان الثابت دونه فلا زكاة فيه ، والمتيقّن من
التقييد اعتبار النصاب فقط ، وأمّا الزائد عليه بأن يكون باقياً في الملك أيضاً
فلا دليل عليه ، فيقتصر على المقدار المتيقّن من التقييد ويرجع فيما عداه إلى تلك
المطلقات التي مفادها وجوب الزكاة ، سواء بقي النصاب على الملك أم لا.
ثمّ إنّ
المحقّق الهمداني (قدس سره) وافق صاحب الجواهر في اعتبار بقاء الملك ، فلا ينضمّ
اللاحق المتجدّد بعد زوال الحاصل السابق ، لكن في خصوص
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ما لو كان زواله مستنداً إلى سببٍ غير اختياري من سرقة أو غصب أو آفة
سماويّة ونحو ذلك من مناشئ التلف ، دون الإتلاف المستند إلى الاختيار من أكل أو
بيع ونحوهما ، لنقصان الملكيّة حال تعلّق الوجوب في الأوّل ، وأمّا في الثاني فحيث
كان خروجه بالاختيار فهو بحكم الباقي عنده في كونه مشمولاً لعمومات أدلّة الزكاة.
ولكنّه أيضاً
كما ترى مخالف لإطلاقات الأدلّة ، حيث إنّ مفادها ثبوت الحكم الوضعي وهي الشركة مع
الفقير ويتبعه الحكم التكليفي بمجرّد بلوغ النابت من الأرض حدّ النصاب ، أي تحدث
في ملكه هذه الكمّيّة من حاصل الزرع أو الثمر ، وأمّا اعتبار أن يكون هذا الحادث
باقياً فلا دليل عليه.
وبعبارة اخرى :
لا دليل إلّا على اعتبار ملكيّة النصاب حدوثاً لا حتّى بقاءً ، فإنّه مخالف
للإطلاق كما عرفت ، ولم يقم عليه دليل بالخصوص ، فزوال الحاصل السابق وخروجه عن
الملك لا يمنع عن الانضمام باللاحق ، وكونه بسبب قهري أو اختياري لا يستوجب فرقاً
من هذه الجهة أبداً ، إذ كلاهما مشمول للإطلاق المزبور.
نعم ، بينهما
فرق من ناحية أُخرى ، وهي أنّ التالف في السبب القهري محسوب على المالك والفقير ،
إذ لا وجه لتحميل الضرر على المالك فقط ، بل يقسّط عليهما بالنسبة كما هو مقتضى
الشركة ، مضافاً إلى النصّ الخاصّ الوارد في باب المقاسمة.
ونتيجة ذلك :
أداء زكاة الباقي فقط دون التالف. وأمّا في الإتلاف فبما أنّه بالاختيار فاللازم
إخراج الزكاة من المجموع ، وأين هذا من عدم الانضمام الذي هو محلّ الكلام؟! وبالجملة : انضمام اللاحق المتجدّد بعد زوال الحاصل السابق بسبب
قهري
[٢٦٨٢] مسألة ٢٥ : إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن
يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه (١) وإن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من
التمر ، وذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به. نعم ، يجوز دفعه على وجه القيمة.
وكذا إذ كان
عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب ، إلّا على وجه القيمة . وكذا العكس
فيهما.
نعم ، لو كان
عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة ، وكذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب
فريضة.
وهل يجوز أن
يدفع مثل ما عليه من التمر والزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة ، أو لا؟
لا يبعد الجواز
، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً ، لأنّ الوجوب
تعلّق بما عنده ، وكذا الحال في الحنطة والشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أُخرى أو
شعير آخر.
______________________________________________________
وتكميل النصاب به شيء ، والإخراج من خصوص اللاحق واحتساب الخسارة عليهما
شيء آخر ، وبينهما بون بعيد ، والاستناد إلى الاختيار أو عدمه إنّما يؤثّر فارقاً
في الثاني فقط دون الأوّل حسبما عرفت.
(١) لخروجه عن
أفراد الفريضة وعدم كونه من المأمور به كما ذكره في المتن ، إلّا أن يدفع بعنوان
القيمة ، بناءً على جواز دفع القيمة من غير النقدين كما عليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الماتن. وأمّا بناءً على المختار من الاختصاص بهما لكونهما أنفع بحال
الفقير كما في النص على ما مرّ فلا يجوز الدفع لا فرضاً ولا قيمةً.
وكذا الحال في
دفع العنب عن الزبيب وفي العكس من كلّ منهما بمناط واحد كما هو ظاهر.
ثمّ ذكر (قدس
سره) أنّه لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب ، أي من نفس العين بقرينة
المقابلة لما بعده بعنوان الفرض ، فلا يجب الصبر إلى أن يصير تمراً.
وهذا مبني على
القول بتعلّق الزكاة قبل التسمية وصدق كونه تمراً ، وقد مرّ أنّ الأقوى خلافه .
هذا ، ولم
يستبعد الدفع فرضاً من تمر أو زبيب آخر عمّا عليه من التمر أو الزبيب وإن احتاط
بالدفع من باب القيمة ، لما تقدّم من الخروج عن أفراد المأمور به.
والصحيح هو
التفصيل في المسألة بوجه آخر لا يبعد أن يكون هو مراد المتن وإن لم يكن صريحاً
فيه.
وهو الفرق بين
الدفع من عين ما تعلّقت به الزكاة وبين الدفع من خارجه ، فيجوز الأوّل وإن لم يكن
المدفوع مماثلاً لما فيه الزكاة ، ولا يجوز الثاني وإن كان مماثلاً فضلاً عن غير
المماثل.
فلو فرضنا أنّ
النصاب مؤلّف من التمر والرطب أو العنب والزبيب كما لو كان الحاصل من أحد
البستانين نصف النصاب وقد أنتج أوّلاً وصار تمراً أو زبيباً وبعد فاصل زماني أنتج
البستان الثاني بقيّة النصاب وهي بعدُ عنب أو رطب ويمكن فرضه من بستان واحد أيضاً
فحينئذٍ بما أنّ الزكاة غير متشخّصة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في سنخ واحد وإنّما اللازم دفع العشر من هذا المجموع المركّب منهما فله
اختيار التطبيق والدفع كيفما شاء ، إمّا من التمر ، أو من الرطب أو الملفّق منهما
حتّى على مسلك الإشاعة فضلاً عن الكلّي في المعيّن ، أو الشركة في الماليّة التي
هي المختار ، لقيام الدليل الخاصّ على أنّ اختيار التطبيق بيد المالك الذي هو
الشريك الأعظم كما تقدّم ، فلا يتعيّن دفع الفرض من صنف خاصّ.
هذا ، لو كان
الدفع من داخل ما فيه النصاب ، أعني نفس العين الزكويّة.
وأمّا لو دفع
من خارج العين فلا يجوز حتّى في المماثل بأن يدفع مثل ما عليه من التمر مثلاً من
تمر آخر فضلاً عن غير المماثل ، كأن يدفعه من الرطب بمقدار لو جفّ كان بقدر ما
عليه من التمر ، لأنّ ظاهر الأدلّة دفع العشر من نفس العين الخارجيّة التي تعلّقت
به الزكاة لا مجرّد مقدار العشر حتّى من خارج العين ، فإنّ هذا خلاف ظاهر التعبير
بلفظ العشر كما لا يخفى.
فجواز الدفع من
الخارج يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل إلّا بعنوان القيمة ، وقد عرفت ما فيه.
ومنه تعرف
الفرق بين المقام وما تقدّم في نصب الأنعام من جواز الدفع من خارج العين في مثل
قوله : «في كلّ أربعين شاة شاة واحدة» ، حيث عرفت أنّ الشاة المخرجة مطلقة من حيث
كونها من العين أو خارجه ، فإنّ هذا الإطلاق ثابت في العدد الصحيح لا في الكسر
المشاع من مثل العشر ونحوه كما في المقام كما لا يخفى.
وكيفما كان ،
فليس الاعتبار بكون المدفوع مماثلاً لما فيه الزكاة أو مخالفاً كما ربّما يظهر من
المتن ، بل بكونه من داخل العين الزكويّة وخارجها ، فيجوز في الأوّل دون الثاني ،
مماثلاً كان أم مخالفاً حسبما عرفت.
[٢٦٨٣] مسألة
٢٦ : إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الرِّبا (١) ، بل
هو من باب الوفاء.
______________________________________________________
(١) لو بنينا
على جواز دفع القيمة من غير النقدين كما عليه الماتن ، فلو اختلف المدفوع عمّا
عليه من الزكاة في الكم بزيادة أو نقص ، كما لو كانت العين الزكويّة ، من القسم
الجيّد فكانت عليه مثلاً خمسة أمنان يسوى كلّ مَنّ ديناراً فدفع من القسم الرديء
الذي يسوى كلّ مَنّ منه بنصف دينار ، المستلزم لدفع عشرة أمنان بطبيعة الحال ، فهل
يكون هذا التفاوت مستوجباً للربا باعتبار أنّه عاوض ما عليه من خمسة أمنان بعشرة؟
لا ينبغي
التأمّل في عدم توهّم الربا بتاتاً ، بناءً على ما هو الصحيح في كيفيّة التعلّق من
أنّها بنحو الشركة في الماليّة ، لوضوح أنّه على هذا المبنى لا حقّ للفقير إلّا في
مالية العين ، لا فيها بالذات ولا فيما لها من الخصوصيّات ، وقد تبدّل فرد من هذه
الماليّة بفرد آخر ، فماله فيه الحقّ وهي الماليّة لم تتفاوت بزيادة ولا نقيصة ،
وما تفاوت وهو الفرد لم يتعلّق به الحقّ من غير ناحية الماليّة كما عرفت ليتطرّق
فيه احتمال الرِّبا ، وهذا ظاهر.
نعم ، على
المسلك الآخر من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن فلهذا الإشكال مجال ، إذ يمكن
حينئذٍ أن يقال بأنّ تلك العمليّة تستوجب المعاوضة بين حصّة الفقير المتحقّقة في
العين الخارجيّة وبين ما هو من جنسها مع التفاضل ، فيلزم منه الرِّبا.
ولكنّه يندفع
بخروج المقام بحسب الفهم العرفي والارتكاز العقلائي عن باب المعاوضات ، وإنّما هو
من باب الوفاء والتطبيق بالتراضي ، نظير من كان مديناً لزيد بمثقال من الذهب فدفع
له ما يتضمّن المثقال وزيادة ، فإنّ الفهم العرفي آبٍ
[٢٦٨٤] مسألة
٢٧ : لو مات الزارع مثلاً بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب (١) ،
أمّا لو مات قبله وانتقل إلى الوارث : فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ
زكاة نصيبه ، وإن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه ، وإن لم يبلغ
نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.
[٢٦٨٥] مسألة
٢٨ : لو مات الزارع أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين (٢) فإمّا أن يكون الدين
مستغرقاً أو لا ، ثمّ إمّا أن يكون الموت
______________________________________________________
عن درج ذلك في باب المعاملة والمعاوضة ، بل يرى أنّ هذا تطبيقٌ لما في
الذمّة على العين الخارجيّة بالمراضاة وفاءً عمّا في عهدته ، فلا موضوع للمعاوضة
في أمثال هذه الموارد ومنه المقام ليتوهّم فيه الرِّبا.
(١) فلا تنتقل
إلى الورثة إلّا تسعة أعشار المال الزكوي ، لعدم كون العشر الباقي من التركة بعد
أن لم يكن داخلاً في ملك الميّت من الأوّل ، وإنّما هو ملك للفقير بمقتضى فرض
تعلّق الزكاة حال الحياة.
نعم ، لو مات
قبل التعلّق بحيث انتقل المال بكامله إلى الوارث يلاحظ النصاب حينئذٍ في حصّة
الورثة ، فمن بلغت حصّته النصاب وجبت عليه الزكاة دون الآخر ، فلو مات وخلّف ذكراً
وأُنثى وبلغت حصّة الولد النصاب دون البنت وجبت عليه خاصّة ، ولو لم تبلغ حصّة
واحد منهم لم تجب على أحدهم وإن كان المجموع بالغاً حدّ النصاب ، للزوم ملاحظة
النصاب في ملك مالك واحد ولا يضمّ ملك إلى ملك كالشريكين على ما تقدّم سابقاً ،
فلاحظ .
(٢) قد يفرض
حصول الموت بعد تعلّق الوجوب ، وأُخرى قبله بعد ظهور
__________________
بعد تعلّق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً.
فإن كان الموت
بعد تعلّق الوجوب وجب إخراجها ، سواء كان الدين مستغرقاً أم لا ، فلا يجب التحاص
مع الغرماء ، لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين.
نعم ، لو تلفت
في حياته بالتفريط وصارت في الذمّة وجب التحاص بين أرباب الزكاة وبين الغرماء
كسائر الديون.
وإن كان الموت
قبل التعلّق وبعد الظهور : فان كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال
آخر فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب وعدمه ، وإن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق
ففي الوجوب وعدمه إشكال ، والأحوط الإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.
وأمّا إن كان
قبل الظهور وجب على مَن بلغ نصيبه النصاب من الورثة ، بناءً على انتقال
التركة إلى الوارث وعدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه وأنّه للوارث من غير
تعلّق حقّ الغرماء به.
______________________________________________________
الثمر من بدو
الصلاح ونحوه ، وثالثةً قبل الظهور أيضاً ، وعلى التقادير : فإمّا أن يكون الدين
مستغرقاً أو لا.
أمّا إذا كان
الموت بعد التعلّق فلا ريب في وجوب إخراج الزكاة كان الدين مستغرقاً أم لا ، لكون
الزرع أو الثمر مشتركاً فيه لدى الموت بين المالك والفقير بنحو من أنحاء الشركة ،
فمقدار الزكاة لم يكن جزءاً من التركة من أوّل الأمر ولم يخلّف الميّت إلّا تسعة
أعشار النتاج ، فيخرج الزكاة أوّلاً ثمّ يؤدّي الدين ، فإن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بقي شيء كان للوارث وإلّا فلا.
وعلى
الجملة : فلا مزاحمة بين
الزكاة وبين الدين ليجب التحاص بين الفقراء والغرماء ، فإنّ الزكاة متعلّقة بالعين
الخارجيّة ، والدين موطنه الذمّة ، فلم يردا في موضوع واحد ليزاحم أحدهما الآخر.
نعم ، لو تلفت
الزكاة حال الحياة بالتفريط فانتقلت إلى الذمّة كانت حينئذٍ كسائر الديون المحكومة
بالتحاص بين الغرماء.
وأمّا إذا كان
الموت قبل التعلّق وبعد الظهور فلا إشكال فيما لو أدّوا الورثة الدين قبل تعلّق
الوجوب من مال آخر ، أو تبرّع به متبرّع أو أبرأ المالك بحيث انتفى موضوع الدين
وانتقل المال بكامله إلى الورثة ، فإنّه يلاحظ بعد التعلّق بلوغ حصّة كلّ منهم
النصاب وعدمه ، إذ التعلّق إنّما يحدث في ملك الوارث فلا بدّ من رعاية الشرط في
ملكه ، فمن بلغت حصّته النصاب وجبت عليه الزكاة دون من لم تبلغ ، وهذا ظاهر.
إنّما الكلام
فيما إذا لم يؤدّ الدين وبقي إلى وقت التعلّق ، فإنّ في وجوب الإخراج حينئذٍ وعدمه
إشكالاً كما ذكره في المتن. ومنشأ الإشكال التردّد في بقاء مقدار الدين على ملك
الميّت ، فلا موضوع للزكاة أو انتقاله إلى الوارث وإن كان متعلّقاً بحقّ الديّان ،
فإنّ هذا الحقّ لا يمنع من تعلّق الزكاة وإنّما يمنع من تصرّف الوارث في ماله لا
في حصّة الفقير التي هي متعلّق الزكاة كما لا يخفى.
وكيفما كان ،
فقد احتاط الماتن (قدس سره) بالإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.
وغير خفي أنّ
الإخراج المزبور وإن كان احتياطاً من جهة ولكنّه مخالف للاحتياط من جهة أُخرى ،
ضرورة أنّا لو بنينا على أنّ مقدار الدين باقٍ على ملك الميّت ولم ينتقل إلى
الورثة فبأيّ مسوّغ يتصرّف فيه الوارث بالإخراج
.................................................................................................
______________________________________________________
حتّى مع الغرامة؟! فإنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ولا يكاد يسوّغه
التغريم كما هو واضح.
نعم ، الاحتياط
التامّ يتحقّق بما ذكره من الاسترضاء أو بالأداء من مال آخر أو بالإبراء ثمّ
التصدّي للإخراج.
والتحقيق
: عدم وجوب
الإخراج مع الاستغراق وملاحظة النصاب في حصّة الوارث مع عدمه.
والوجه فيه :
ما ذكرناه في محلّه من أنّه لا إرث إلّا بعد الدين ، ولا يعدّ من التركة إلّا ما
زاد عليه كما نطقت به الآيات والروايات ، قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ*) إلخ ، فما يقابل الدين لم ينتقل إلى الوارث بتاتاً ،
لأنّ الناقل هي أدلّة الإرث ، وهي في أنفسها مقيّدة بما بعد الدين كما سمعت ، وبما
أنّ الملك بلا مالك أمر غير معقول فلا جرم يبقى على ملك الميّت ولا محذور في إسناد
الملكيّة التي هي أمر اعتباري إلى الميّت والحكم ببقاء علاقته بالإضافة إلى المال
ميّتاً كعلاقته حيّاً متى ساعده الارتكاز العقلائي كما لا يخفى.
وعليه ، فإن
كان الدين مستغرقاً لا موضوع للإرث من أصله ، وإلّا كان الزائد عليه للوارث ،
فطبعاً يكون المال مشتركاً بينهما.
وذكرنا في
محلّه أيضاً : أنّ هذه الشركة إنّما هي بنحو الكلّي في المعيّن فلا يقسّط التلف
عليه. فلو فرضنا أنّه ترك ألفاً وكان الدين مائة وتلف نصف المجموع كان الدين
محفوظاً بكامله في النصف الباقي.
وعلى هذا ، فإن
كان الدين مستغرقاً لم تجب الزكاة بعد التعلّق أبداً لا على الوارث ، لفقد الملك
ولا زكاة إلّا على المالك ، ولا على الميّت ، لعدم كونه قابلاً للخطاب حال التعلّق
وإن كان مالكاً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نعم ، لو أدّى
الدين من مال آخر أو تحقّق الإبراء بحيث انتقل المال إلى الورثة وجبت الزكاة على
كلّ من بلغت حصّته النصاب.
وإن لم يكن
مستغرقاً فلا جرم تتحقّق الشركة بين الوارث والميّت وتجب الزكاة على الوارث إن
بلغت حصّته النصاب دون الميّت لفقد الحياة ، فهو كالمال المشترك بين الكبير
والصغير ، حيث تختصّ الزكاة بالكبير إن بلغت حصّته النصاب.
وأمّا إذا كان
الموت قبل التعلّق وقبل الظهور أيضاً فقد يقال بوجوب الزكاة حينئذٍ على من بلغ
نصيبه النصاب من الورثة ، نظراً إلى أنّ النماء إنّما حدث في ملك الوارث لا الميّت
، فهو إذن سليم عن تعلّق حقّ الغرماء ، وإنّما يختصّ حقّهم بما تركه الميّت لا بما
يحدث فيه من النماء.
ولكن الظاهر
عدم الفرق بين هذه الصورة وسابقتها أعني : الموت قبل الظهور أو بعده فإنّ النماء
يتبع العين ، والفرع يلحق بالأصل ، فلا يملك النماء إلّا من كان مالكاً للعين.
وعليه ، فمع
الاستغراق لا إرث كما عرفت ، بل المال كلّه باقٍ على ملك الميّت ليصرف في دينه
فطبعاً يكون النتاج له أيضاً ، ومع عدمه بما أنّ المال مشترك حينئذٍ بين الميّت
والورثة فبقانون التبعيّة يكون النتاج والنماء أيضاً مشتركاً بينهما فتجب الزكاة
حينئذٍ فيمن بلغت حصّته النصاب من الورثة ، وأمّا في فرض الاستغراق فلا تجب الزكاة
على أحد أبداً لا الميّت ولا الورثة حسبما عرفت.
تذييل تلحق الوصيّة بالدين في جميع ما مرّ بمناط واحد ،
لاشتراكهما في التقدّم على الإرث ، قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ*) .
__________________
[٢٦٨٦] مسألة
٢٩ : إذا اشترى نخلاً أو كرماً أو زرعاً مع الأرض أو بدونها قبل تعلّق الزكاة
فالزكاة عليه بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط ، وكذا إذا انتقل إليه بغير الشراء ،
وإذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع ، فإن علم بأدائه أو شكّ في ذلك
ليس عليه شيء (١).
______________________________________________________
وعليه ، فلو
أوصى بثلث ما عنده من النخل أو الكرم أو الزرع أو بتمامه الذي لا يكون نافذاً إلّا
في الثلث فقد يفرض موته بعد تعلّق الوجوب ؛ وأُخرى قبله ، إمّا قبل الظهور أو بعده
، وقد عرفت أنّهما في حكم واحد.
فإن مات بعد
التعلّق وجب إخراج الزكاة من الأصل أوّلاً ثمّ يقسّم المال أثلاثاً ، فثلث للوصيّة
، وثلثان للورثة.
وإن مات قبل
التعلّق بقي الثلث على ملك الميّت تصرف في وصيّته ، ولا زكاة في نتاجه بعد مجيء
وقت التعلّق ، لفقد الحياة حال الخطاب ، وإنّما تجب في الثلثين الآخرين المنتقلين
إلى الورثة مع استجماع الشرائط ، فمن بلغ نصيبه النصاب وجبت عليه وإلّا فلا حسبما
تقدّم ، فلاحظ .
(١) تقدّم
سابقاً أنّ الزكاة إنّما تجب على من كان مالكاً للزرع أو الثمر حال التعلّق دون
غيره .
وعليه ، فلو
انتقل النخل أو الكرم أو الزرع بشراء أو بغيره من هبة ونحوها وكان ذلك قبل التعلّق
فالزكاة إنّما تجب بعد التعلّق على المنتقل إليه ، دون المنتقل عنه وهو البائع
مثلاً لعدم كونه مالكاً حال التعلّق الذي هو المناط في الوجوب كما عرفت ، وهذا
ظاهر.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا لو كان
الشراء بعد وقت التعلّق فالزكاة حينئذٍ على البائع ، لكونه المالك آن ذاك.
ولا بدّ من فرض
الكلام فيما لو باع المالك جميع العين الزكويّة من الزرع أو الثمر ، وإلّا فلو كان
المبيع مقداراً منها بحيث بقي منه ما يعادل الزكاة لم تجب الزكاة في المبيع ، لأنّ
اختيار التطبيق بيد المالك الذي هو الشريك الأعظم حتّى على مسلك الإشاعة كما تقدّم
، فله التصرّف في العين الزكويّة ببيعٍ ونحوه والإخراج من الباقي.
وحينئذٍ ، فإن
علم المشتري بأداء البائع الزكاة ولو من مال آخر عيناً أو قيمةً أو بالتضمين من
قبل الحاكم الشرعي فلا كلام ، وإن علم بالعدم فسيجيء .
وأمّا لو شكّ
في ذلك فقد ذكر في المتن أنّه ليس عليه شيء وهو الصحيح.
لا لأصالة
الصحّة الجارية في البيع ، لما ذكرناه في محلّه من أنّ الحمل على الصحيح بمعنى
ترتّب الأثر على العمل في مقابل الفاسد لا الصحيح بمعنى عدم ارتكاب القبيح لم يدلّ
عليه دليل لفظي لنتمسّك بإطلاقه ، وإنّما ثبت ذلك بالسيرة القطعيّة العمليّة من
المتشرّعة المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام).
ومن الواضح أنّ
السيرة دليل لبّي لا إطلاق له فيقتصر على المقدار المتيقّن منه ، وهو ما لو شكّ في
صحّة المعاملة بعد إحراز القابليّة وسلطنة البائع وقدرته على البيع لكونه مالكاً
أو وكيلاً فكان الشكّ في الصحّة لجهات خارجيّة من كونها غرريّة أو ربويّة ونحو ذلك
، وأمّا مع عدم الإحراز واحتمال عدم تسلّط البائع على البيع وعجزه عنه فلم تثبت
السيرة في مثل ذلك أبداً ، فلو شكّ في أنّ البائع أصيل أو فضولي ولم تكن العين تحت
يده لم يمكن إحراز الأصالة بأصالة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الصحّة ، لعدم قيام السيرة في مثل ذلك حسبما عرفت.
ومقامنا من هذا
القبيل ، للشكّ في قدرة البائع وتسلّطه على النقل بالإضافة إلى عشر المبيع أعني :
ما يعادل الزكاة فلا مجال للتمسّك بأصالة الصحّة في أمثال المقام.
بل
الوجه فيه : الاستناد إلى قاعدة اليد التي هي أمارة شرعيّة على الملكيّة ، وبها يحرز
أنّ البائع مالك حين البيع لتمام المبيع الذي هو تحت يده وتصرّفه ، ويرتفع الشكّ
بعدئذٍ عن صحّة المعاملة.
نعم ، لا
حجّيّة لليد الفعليّة المسبوقة بكونها يد عدوان أو يد أمانة ، كما لو كانت العين
في يده وديعة أو عارية أو إجارة وقد ادّعى الآن الملكيّة بشراءٍ ونحوها مع اعترافه
بعدم الملك سابقاً ، لانقلابه بذلك عن المنكر إلى المدّعى ، ولا بدّ له من إثبات
النقل وإلّا كان المرجع أصالة عدم الانتقال.
وبعبارة
اخرى : مورد حجّيّة اليد وكشفه عن الملكيّة ما إذا كان ذو اليد
منكراً فلا تسمع الدعوى في مقابل اليد ما لم تقم عليه البيّنة ، وأمّا لو أصبح
مدّعياً لإقراره بكون يده أمانيّاً سابقاً وادّعائه النقل إليه لاحقاً وله خصم
ينكر هذه الدعوى ، فلا محيص له من إقامة البيّنة على صحّة ما يدّعيه ، ولا تجديد
اليد الفعليّة ، لعدم كشفها والحال هذه عن الملكيّة أبداً ، بل يرجع إلى استصحاب
عدم الملكيّة كما عرفت.
إلّا أن هذا
إنّما يتّجه فيما إذا لم يحرز تسلّط ذي اليد وقدرته على الانتقال إلى نفسه ، وأمّا
لو أحرز ذلك كما لو فرض العلم في المثال المزبور بكونه وكيلاً عن المالك في انتقال
ما في يده إلى نفسه متى شاء والمالك أيضاً يعترف بذلك فلا قصور في دليل حجّيّة
اليد وأنّه لولا هذا لما قام للمسلمين سوق عن الشمول للمقام ، سيّما إذا لم تقم
دعوى مضادّة بإزائه.
وإن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي (١) ، فإن أجازه
الحاكم الشرعي طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة ، وإن دفعه إلى البائع رجع
بعد الدفع إلى الحاكم عليه ، وإن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع.
______________________________________________________
والمقام من هذا
القبيل ، فإنّ يد البائع على عشر المبيع وإن كانت يد أمانة سابقاً لكونه حصّة
الفقراء إلّا أنّه كان مسلّطاً على انتقاله إلى نفسه إمّا بدفع الزكاة من خارج
النصاب جنساً أو قيمةً أو بالتضمين والاستجازة من الحاكم الشرعي ، فهو قادر على
تملّك هذه الحصّة على الوجه الشرعي ، وليست ثمّة دعوى مضادّة في مقابله ، فإذا تصدّى
مع هذه الحالة لبيع تمام العين فلا نرى أيّ محذور في التمسّك بقاعدة اليد لإحراز
كون العين بتمامها ملكاً طلقاً له والحكم بصحّة المعاملة الصادرة منه.
(١) لكونه
ملكاً للفقراء فتنوط صحّة البيع بالإضافة إليه بإجازة الحاكم الشرعي الذي هو وليّ
الفقراء ، فإن أجاز نفذ البيع وطالب المشتري بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة.
وللمشتري
مراجعة البائع واسترداد جزء من الثمن المقابل لمقدار الزكاة لو كان قد دفع الثمن
إليه لعدم استحقاق البائع بعد أن لم يكن مالكاً ، ولا يكون الرجوع المزبور مقيّداً
بما بعد الدفع إلى الحاكم كما هو ظاهر عبارة المتن ، بل له مراجعة البائع
والاسترداد حتّى قبل الدفع ، لعدم استحقاق البائع على كلّ حال بعد عدم ملكيّته
لهذا المقدار ، فهو كمن باع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة عالماً أو جاهلاً ،
حيث إنّ للمشتري استرداد المقابل لما لا يملكه البائع ، سواء أجاز مالكه الواقعي
ودفع الثمن إليه أم لا.
ولو أدّى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري وعدم الحاجة إلى
الإجازة من الحاكم إشكال (١).
______________________________________________________
وأمّا لو لم
يجز الحاكم وطالب مقدار الزكاة من المبيع وجب دفعه إليه أو الشراء منه ثانياً ،
وربّما تتفاوت القيمة ولا يرضى الحاكم إلّا بأزيد ممّا اشتراه من البائع.
وكيفما كان ،
فليس للمشتري الامتناع من دفع العين ، إذ لا ولاية له على الدفع من مال آخر كما
كان ذلك ثابتاً للبائع ، لعدم الدليل عليه هنا كما هو ظاهر.
(١) لا ينبغي
الإشكال في الاستقرار وعدم الافتقار إلى إجازة الحاكم الشرعي ضرورة أنّ ولايته
كانت مراعاة من الأوّل ببقاء التكليف بالزكاة وعدم دفعها ولو من خارج النصاب ،
وأمّا مع الدفع وسقوط التكليف فلا موضوع للولاية ولا مقتضي للمراجع كما هو واضح
جدّا.
والظاهر أنّ في
العبارة تصحيفاً ، والصحيح ذكر «البائع» بدل «الحاكم» فيستقيم المعنى ، لاندراج
المقام حينئذٍ في مسألة : من باع شيئاً ثمّ ملك ، إذ البائع بعد دفع الزكاة من
الخارج يملك ما يعادلها من المبيع بعد أن لم يكن مالكاً له حال البيع ، فيكون
مصداقاً لمن باع شيئاً ثمّ ملكه ، فهل يستقرّ ملك المشتري أم يحتاج إلى إجازة البائع
الذي أصبح مالكاً لاحقاً؟ استشكل فيه الماتن ، والمسألة محلّ للكلام بين الأعلام ،
وهي محرّرة في محلّها.
وقد ذكرنا عند
التعرّض لها ما ملخّصه : أنّ مقتضى القاعدة هو الاحتياج إلى الإجازة كغيره من سائر
موارد البيع الفضولي ، نظراً إلى أنّ أدلّة نفوذ البيع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصحّته مثل قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ونحو ذلك ناظرة بمقتضى الفهم العرفي إلى البيوع الصادرة
ممّن له الولاية على البيع كالمالك والوكيل والولي بحيث يصحّ إسناد البيع إليه دون
غيره ممّن هو أجنبي عنه كالفضولي ، فإنّ البيع الصادر منه غير مشمول لإطلاقات
الأدلّة.
نعم ، بعد
التعقّب بالإجازة يصحّ إسناده إلى المالك بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، فلو وهب
زيد مال عمرو فضولةً ثمّ أجازه عمرو يصحّ أن يقال : إنّ عمرواً وهب ماله ، ولا
محذور في أن تكون الإجازة في الأُمور الاعتبارية منشأً لصحّة الإسناد ، فيكون
المالك بعد الإجازة مورداً للخطاب ومشمولاً لإطلاقات الأدلّة ، وهل الإجازة كاشفة
أو ناقلة؟ فيه كلام محرّر في محلّه.
ومن ثمّ كان
صحّة البيع الفضولي المتعقّب بالإجازة مطابقاً لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى
الأدلّة الخاصّة ، مضافاً إلى ورودها في الموارد المتفرّقة كما هي مذكورة في
محلّها.
ومنه تعرف أنّ
من باع شيئاً ثمّ ملكه الذي هو من أحد مصاديق البيع الفضولي كما عرفت يحتاج نفوذ
بيعه إلى الإجازة ، إذ حين صدور البيع لم يكن مستنداً إلى المالك ، وبعده لم يصدر
منه بيع آخر ، فلا تشمله الإطلاقات إلّا بعد التحاق الإجازة. هذا ما تقتضيه
القاعدة.
ولكن صحيحة عبد
الرحمن دلّت على عدم الحاجة إلى الإجازة ، وموردها الزكاة التي هي محلّ الكلام ،
فإن ألغينا خصوصيّة المورد عمّ الحكم لمطلق موارد : من باع ثمّ ملك ، وإن تحفّظنا
عليها جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ اختصّ الحكم به ولم
يتعدّ عنه ، وعلى التقديرين فالحكم في محل
__________________
[٢٦٨٧] مسألة
٣٠ : إذا تعدّد أنواع التمر مثلاً وكان بعضها جيّداً أو أجود وبعضها الآخر رديء
أو أردأ ، فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصّته (١) ، ولكن الأقوى الاجتزاء بمطلق
الجيّد وإن كان مشتملاً على الأجود ، ولا يجوز دفع الرديء عن الجيّد والأجود على
الأحوط.
______________________________________________________
الكلام منصوص ولأجله يخرج عن مقتضى القاعدة.
روى الكليني
بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :
رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال
: نعم ، تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» .
وهي واضحة
الدلالة ، حيث جعل فيها بدل الأخذ من المشتري أداء البائع ، فيظهر أنّه متى أدّى
البائع لا شيء على المشتري ، وظاهره أنّ تمام العين ملكٌ طلقٌ للمشتري من غير
توقّف على إجازة البائع الذي صار مالكاً بمقتضى الإطلاق ، كما أنّها صحيحة السند
أيضاً. إذن فالأظهر هو الاستقرار في ملك المشتري من غير حاجة إلى إجازة البائع
حسبما عرفت.
(١) فلو كان
مشتملاً على الجيّد والأجود والرديء يقسّم أثلاثاً ويؤخذ من كلّ ثلث عشراً ، ولا
ريب أنّ هذا أحوط ، لانطباقه حتّى على مسلك الإشاعة والشركة الحقيقيّة بأن تكون
كلّ حبّة من الحنطة مثلاً مشتركاً فيها بين المالك والفقير بنسبة الواحد إلى
العشرة ، ولكنّه غير لازم ، لضعف هذا المسلك كما سيجيء إن شاء الله ، بل هي إمّا
بنحو الشركة في الماليّة كما هو الصحيح
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أو الكلّي في المعيّن كما عليه الماتن (قدس سره) ، وعلى التقديرين فيجتزئ
بمطلق الجيّد وإن كان مشتملاً على الأجود ، لانطباق الطبيعة المأمور بها عليه بعد
كونه مصداقاً لمسمّى الحنطة أو التمر ونحوهما ، وقد مرّ أنّ اختيار التطبيق بيد
المالك فله اختياره في مقام الدفع والإخراج .
بل الأقوى
الاجتزاء بدفع الرديء عن الجيّد والأجود بعين هذا البيان ، لاتّحاد المناط ، ولم
يقيّد المدفوع في شيء من نصوص الباب بصنف خاصّ كما كان كذلك في زكاة الأنعام ،
حيث ورد المنع عن دفع الشاة الهرمة أو المريضة أو المعيبة كما تقدّم ، ولم يرد مثل
هذا التقييد في زكاة الغلّات بوجه. إذن مقتضى الإطلاقات جواز الإخراج من كلّ فرد
شاء بعد أن كان مصداقاً لمسمّى التمر مثلاً وفرداً للعنوان المأمور به.
نعم ، في بعض
النصوص : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منع عن خرص الجعرور ومعافارة ولم
يقبلهما عن الزكاة .
ولكن هذين من
أردأ أنواع التمر قليلة اللحي عظيمة النوى لا تستعمل غالباً إلّا للإحراق أو أكل
الحيوانات ولا يعدّان من المأكول ، بل ربّما ينصرف عنهما اسم التمر لشدّة الرداءة
وعدم الصرف في الأكل. ومثل هذا خارج عن محلّ الكلام ، فلا ينافي ما قدّمناه من
الاجتزاء بالرديء الذي يعدّ من القسم المأكول ويطلق عليه اسم التمر ، عملاً
بإطلاقات الأدلّة حسبما عرفت.
وأما ما في بعض
النصوص المعتبرة الواردة في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا
__________________
[٢٦٨٨] مسألة
٣١ : الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين لكن لا على وجه الإشاعة بل على وجه الكلّي في المعيّن (١).
______________________________________________________
الْخَبِيثَ
مِنْهُ تُنْفِقُونَ) من تطبيق الخبيث على الجعرور والمعافارة وعدم جواز
إخراجهما عن الزكاة ، فالآية المباركة في حدّ نفسها مع الغض عمّا ورد في تفسيرها
ناظرة إلى مطلق الإنفاقات ولا ارتباط لها بباب الزكاة ، فإنّ المراد من الطيّب
والخبيث في غير واحد من الآيات التي منها قوله تعالى (يُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) هو الحلال والحرام أي ما هو منشأ للحلّيّة والحرمة
فظاهر الآية المباركة لزوم كون الإنفاق من حلال الكسب لا من حرامه كما قيل : لا
تزني ولا تتصدّقي ، وهي بإطلاقها شاملة لعامّة الصدقات والإنفاقات ولا اختصاص لها
بباب الزكاة ، إلّا أنّ الروايات المفسّرة طبّقتها على هذا الباب وجعلت مصداق
الخبيث ذينك النوعين الرديئين من التمر ، ولكنّك عرفت أنّ عدم الاجتزاء بهما على
القاعدة وفي الحقيقة هما خارجان عن محلّ الكلام ، فلا يقاس عليهما سائر أقسام
الرديء التي تعدّ من المأكول ولا ينصرف عنها اسم التمر وكانت من مصاديق الطبيعة
عرفاً وإن كانت رديئاً.
فالأقوى جواز
دفع ذلك عن الجيّد والأجود وإن كان الأحوط خلافه كما عرفت.
(١) هل الزكاة
حقّ متعلّق بالذمّة والأداء من العين وفاءً عمّا في الذمّة؟ أم أنّها متعلّقة بنفس
العين الزكوية ابتداءً؟ وعلى الثاني فهل التعلّق على سبيل الإشاعة أم بنحو الكلّي
في المعيّن ، أو بوجه آخر؟
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
اختار الماتن (قدس
سره) ما هو المعروف بين الفقهاء قديماً وحديثاً من أنّها متعلّقة بالعين على نحو
الكلّي في المعيّن.
فيقع الكلام
أوّلاً في أصل التعلّق بالعين ، ثمّ في كيفيّة التعلّق ، فنقول :
أمّا أنّها
متعلّقة بالعين دون الذمّة فهو المشهور بل يشبه المتسالم عليه بين الأصحاب ، إذ لم
ينقل الخلاف فيه صريحاً عن أحد ، بل نُسب إلى الشذوذ أو إلى قائل مجهول.
ويدلّنا عليه
ظواهر النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» و : «في أربعين
شاة شاة» ، و : «في عشرين مثقالاً من الذهب نصف مثقال» ونحو ذلك.
فإنّ كلمة «في»
حقيقة في الظرفيّة ، فيكون المعنى : أنّ العشر مظروف وظرفه ما سقته السماء ممّا
أنبتته الأرض ، وهكذا الحال في الشاة ونصف المثقال ، فوعاء هذه الأُمور وموطنها
والمحلّ الذي ترتكز فيه هو نفس العين الزكويّة الخارجيّة بمقتضى التعبير بأداة
الظرف دون الذمّة.
ولا يقاس ذلك
بمثل قولهم (عليهم السلام) «في القتل خطأً الدية» أو : «في إفطار شهر رمضان
الكفّارة» ونحو ذلك ممّا تستعمل فيه كلمة «في» للسببيّة ، للفرق الواضح بين
الموردين ، إذ الحمل على الظرفيّة التي هي ظاهر كلمة «في» متعذّر في أمثال هذه
الموارد ، ضرورة أنّ الدية وكذا الكفّارة من سنخ الأموال ، والقتل أو الإفطار من
قبيل الأفعال ، ولا معنى لظرفيّة الفعل للمال ، إذ لا محصّل له كما لا يخفى ،
فلأجله لم يكن بدّ من الحمل على السببيّة التي هي أيضاً استعمال شائع ذائع ويستعمل
فيها كلمة «في» كثيراً وإن كان على خلاف الظهور الأوّلي.
وأمّا في أمثال
المقام فلا مقتضي للعدول عن ظاهر اللفظ بعد أن كانت إرادة الظرفيّة التي هي مقتضى
الوضع الأوّلي بمكانٍ من الإمكان ، فإنّ ما أنبتته الأرض
.................................................................................................
______________________________________________________
مالٌ كما أنّ العشر أيضاً مال ، فكلاهما من سنخٍ واحد ، فلا محذور في أن
يكون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً له.
ولا ينافيه
التعبير بـ «على» في بعض النصوص بقوله (عليه السلام) في موثّق سماعة «... ليس عليه
فيه زكاة حتّى يقبضه» إلخ .
فإنّه من أجل
أنّ الزكاة نقص في المال فهو ضرر على المالك بطبيعة الحال فلا يكشف ذلك عن التعلّق
بالذمّة بوجه ليدلّ على التكليف المحض ، كيف؟! وقد جمع بينه وبين التعبير بـ «في»
في نفس هذا الموثّق ، فيدلّ أنّ الزكاة التي هي مالٌ ظرفه العين منفي عن الدين
حتّى يقبضه ولا يتضرّر به المالك.
ويدلّ عليه
أيضاً ما في غير واحد من الروايات من قوله (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ جعل
للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ، بنفس التقريب المتقدّم ، فإنّ مصداق الموصول هو المال
، وهو مظروف ظرفه نفس أموال الأغنياء لا ذممهم ، فتدلّ على التعلّق بنفس العين.
وأوضح من الكلّ
ما تضمّن التعبير بالشركة كموثّقة أبي المعزى : «إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين
الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» .
إذ لا شركة
إلّا في العين الخارجيّة ولا معنى لها في الذمّة كما هو واضح جدّا.
ويدلّ عليه
أيضاً صحيح عبد الرحمن : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها
أن يزكّيها لما مضى؟ «قال : نعم ، تؤخذ منه زكاتها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» .
فإنّ الأخذ من
المشتري يكشف عن أنّ البائع لم يملك من المبيع إلّا ما عدا مقدار الزكاة وأنّ هذا
المقدار من العين ملك للغير ، ولأجله يؤخذ من المشتري ويدفع إليه ، فلو كانت الزكاة
متعلّقة بذمة المالك وكانت العين كلّها ملكاً خالصاً له فلما ذا تؤخذ من المشتري؟!
واحتمال التعبّد المحض كما ترى بعيدٌ عن الفهم العرفي جدّا.
والمتحصّل
من جميع ما قدّمناه : أنّ النصوص كادت أن تكون صريحة في التعلّق بالعين والاشتراك بين المالك
والفقير نحو شركة ، غاية الأمر أنّ المالك لأجل كونه الشريك الأعظم وذا حظّ أوفر
له اختيار التطبيق كيفما شاء ، بل له الدفع من الخارج عيناً أو قيمةً إمّا من خصوص
النقدين أو مطلقاً على كلامٍ قد تقدّم.
وأمّا كيفيّة
التعلّق فغير خفي أنّ المستفاد من النصوص كموثّقة أبي المعزى المتقدّمة آنفاً أنّ
التعلّق بالإضافة إلى جميع الأجناس الزكويّة بنسقٍ واحد ، فالكيفيّة بأيّ معنى
كانت وكيفما فُسِّرت يشترك فيها الكلّ وتنطبق على جميع الأصناف بمناط واحد ، لا
أنّها في بعض الأعيان الزكويّة بمعنى وفي البعض الآخر بمعنى آخر ، لمنافاته مع
ظاهر قوله (عليه السلام) في الموثّق المزبور : إنّ الله أشرك الفقراء مع الأغنياء
في أموالهم ، الظاهر في أنّ الشركة في جميع الأموال بمعنى واحد كما عرفت.
وحينئذٍ
نقول : لا شكّ أنّ
ظواهر بعض النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» ، وقوله : «في
كل أربعين مثقال من الذهب نصف مثقال» هي الإشاعة والشركة الحقيقيّة ، لظهور الكسر
المشاع في ذلك ، ومع التنزّل فلا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أقلّ من الظهور في الكليّ في المعيّن الذي هو أيضاً نحو من الشركة.
كما لا ريب أنّ
ظاهر بعضها هو الكلّي في المعيّن دون الإشاعة ، مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ
أربعين شاة شاة» ، إذ لو أُريد الإشاعة بأن كان كلّ فرد من تلك الشياه مشتركاً فيه
بين المالك والفقير في جميع أجزائها بنسبة الواحد إلى الأربعين لكان دفع الشاة
الواحدة دفعاً لما يعادل تلك الأجزاء المتشتّتة في كلّ فرد وإخراجاً لما يساويها
في المقدار لا إخراجاً لنفس الفرض بالذات ، وظاهر الدليل هو الثاني ، وهو الملائم
للكلّي في المعيّن حسبما عرفت.
وعلى
الجملة : فالجمود على
ظواهر النصوص وإن كان يعطينا الإشاعة مرّة والكلّي في المعيّن مرّة أُخرى ، إلّا
أنّ في طائفة أُخرى منها ما يستحيل إرادة شيء من ذينك المعنيين ، مثل قوله (عليه
السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ونحو ذلك ممّا كان الفرض مبايناً مع العين ،
كموارد دفع الحقّة أو الجذعة أو ابن اللبون ممّا لا يوجد شيء منه في العين
الزكويّة ليتصوّر فيه الكلّي في المعيّن فضلاً عن الإشاعة ، وقد عرفت لزوم تفسير
التعلّق بمعنى ينطبق على الكلّ بنمط واحد ، فبهذه القرينة القاطعة لا بدّ من رفع
اليد عن الظهور المزبور الموجود في بعض النصوص والحمل على إرادة الشركة في
الماليّة.
ومعنى ذلك :
أنّ الفقير يشارك المالك في العين لكن لا من حيث إنّه عين ، بل من حيث إنّه مال ،
فلا يستحقّ شيئاً من الخصوصيّات الفرديّة والصفات الشخصيّة ، وإنّما يستحقّ ماليّة
العشر مثلاً من هذا الموجود الخارجي التي اختيار تطبيقها بيد المالك.
وهذا نظير إرث
الزوجة ممّا يثبت في الأرض من بناء وأشجار وآلات وأخشاب قيمةً لا عيناً ، فإنّ
الذي يدفع إليها لم يكن عطيّة محضة وبعنوان المجّانيّة ، وإنّما نتلقّاه من الميّت
بعنوان الإرث ، والمفروض حرمانها عن العين ، ومرجع ذلك في الحقيقة إلى أنّها تشارك
الورثة في ماليّة العين بمقدار الثمن ،
.................................................................................................
______________________________________________________
فيطبّق الوارث مقدار حصّتها من الماليّة في ضمن مال آخر بعد أن لم تكن
الخصوصيّات مورداً لاستحقاقها.
والمقام من هذا
القبيل ، فإنّ الفقير يملك حصّة معيّنة من عشرٍ ونحوه من ماليّة العين الزكويّة ،
ولا يملك المالك من ماليّتها إلّا ما عدا هذه الحصّة ، وبالأداء إلى الفقير من
العين أو من خارجه بدفع نفس ما يستحقّه الفقير لتحقّق الماليّة المملوكة له في ضمن
الفرد المدفوع فيؤدّي نفس الفرض بالذات لا شيئاً آخر يعادله في المقدار عوضاً عن
الفرض ، وهذا معنى عام يشترك فيه جميع الأعيان الزكويّة وينطبق على الكلّ بمناط
واحد.
فالمقام وإرث
الزوجة من وادٍ واحد وإن كان بينهما فرق من جهة أُخرى كما لا يخفى.
وملخّص
الكلام في المقام : أنّ القول بتعلّق الزكاة في الذمّة وأنّ العين مصدرٌ للوفاء وموردٌ للحقّ
فقط مع كونه بتمامه ملكاً للمالك خاطئ جدّاً ، بل هي متعلّقة بنفس العين ولا يملك
المالك إلّا ما عدا مقدار الزكاة والباقي ملك للفقير على ما يساعده ظواهر النصوص
حسبما عرفت. فلا جرم يكون بينهما نوع من الشركة.
كما أنّ القول
بالإشاعة والشركة الحقيقيّة بحيث يكون كلّ جزء من العين الزكويّة مشتركاً فيه بين
المالك والفقير بنسبة معيّنة أيضاً بعيدٌ عن الصواب وإن كان ربّما يساعده التعبير
بالعشر ونصف العشر ونحوهما ممّا هو ظاهر في الكسر المشاع.
أمّا
أوّلاً : فلتسالم
الأصحاب بل اتّفاق الخاصّة والعامّة على أنّ كيفيّة التعلّق مهما كانت فهي في جميع
الأجناس الزكويّة بنسق واحد ، ومن الضروري عدم انطباق هذا الضابط على مثل قوله (عليه
السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ونحوه ممّا كان الفرض مبايناً مع العين.
وحينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب (١) صحّ إذا كان مقدار الزكاة
باقياً عنده ، بخلاف ما إذا باع الكلّ فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون
فضوليّاً محتاجاً إلى إجازة الحاكم على ما مرّ.
______________________________________________________
وأمّا
ثانياً : فلأجل أنّ
لازم الإشاعة أن يكون للفقير في كلّ جزء من أجزاء العين سهم معيّن ، فكلّ حبّة من
الحنطة والشعير مثلاً له فيها سهم فحصّته منبثّة منتشرة كما هو مقتضى قانون الشركة
والإشاعة الحقيقيّة ، ولازم ذلك أن يكون المدفوع إليه من العين كطنّ من عشرة أطنان
من الحنطة معادل حصّته لا نفس الفرض بالذات. وهو كما ترى مخالف لظواهر النصوص ،
فإنّها كادت تكون صريحة بمقتضى الفهم العرفي في أنّ المدفوع هو نفس الفرض بعينه لا
شيء آخر بدلاً عنه.
فهذان القولان
ساقطان ولا يمكن المصير إلى شيء منهما ، فيدور الأمر بين الكلّي في المعيّن
والشركة في الماليّة.
والأوّل منهما
وإن كان ربّما يساعده ظواهر بعض النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين
شاة شاة واحدة» إلّا أنّه أيضاً ساقط ، لعين الوجه الأوّل المتقدّم آنفاً ،
فيتعيّن الثاني ، أعني : القول بالشركة في الماليّة المنطبقة على جميع الأعيان
الزكويّة بمناط واحد حسبما عرفت.
(١) لا يخفى
أنّ مقتضى القاعدة على القول بالإشاعة عدم جواز التصرّف في العين حتّى بمثل الأكل
ونحوه قبل أداء الزكاة ، كما هو الشأن في كلّ مال مشترك بين شخصين أو أشخاص من عدم
الجواز إلّا مع التراضي ، فيحتاج التصرّف في المقام إلى دليل بالخصوص ، وقد ثبت
ذلك بمقتضى السيرة العمليّة ونصوص العزل وما دلّ على أنّ للمالك ولاية التطبيق
لأنّه الشريك الأعظم.
وأمّا على
القول بالكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة فجواز التصرّف إلى أن
ولا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط (١).
______________________________________________________
يبقى مقدار الزكاة مطابقٌ لمقتضى القاعدة ، لعدم استحقاق الفقير إلّا
الكلّي أو حصّة معيّنة من المالية قابلة للانطباق على أيّ فرد شاءه المالك ، فتسعة
أعشار العين مثلاً ملك له فله التصرّف إلى أن يبقى العشر الباقي.
ويستفاد ذلك من
بعض النصوص أيضاً ، التي منها صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة في ص ٣٨٢ ، فإنّ إمضاء
البيع فيما عدا حصّة الزكاة يدلّ على جواز تصرّف المالك فيما عدا هذا الحدّ.
وما دلّ على
الاستئذان من المالك لدى أخذ الزكاة منه معلّلاً بأنّه الشريك الأعظم كما تقدّم .
وأمّا لو تصرّف
في الكلّ فباع الجميع كان البيع بالإضافة إلى حصّة الزكاة فضوليّاً طبعاً ،
فيتوقّف نفوذه على إجازة الحاكم الشرعي الذي هو ولي الفقراء ، فإن أجاز انتقلت
الزكاة إلى الثمن وأخذه من المشتري ورجع هو إلى البائع ، وإلّا أخذ منه نفس العين
وبطل البيع بالإضافة إليه كما تقدّم كلّ ذلك .
نعم ، لو أدّى
البائع الزكاة بعد البيع من الخارج استقرّ البيع كما صرّح به في صحيحة عبد الرّحمن
المتقدّمة ، وكان من قبيل : من باع ثمّ ملك ، من غير حاجة إلى إجازة جديدة من
المالك كما مرّ قريباً.
(١) لا نعرف
وجهاً للتوقّف والاحتياط ، بل ينبغي الجزم بالعدم كما هو الشأن في كلّ مال مشترك
فيه بين شخصين أو أشخاص بأيّ معنى كانت
__________________
[٢٦٨٩] مسألة
٣٢ : يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل والكرم بل والزرع (١) على
المالك ، وفائدته جواز التصرّف للمالك بشرط
قبوله كيف شاء ، ووقته بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الوجوب ، بل الأقوى جوازه من المالك
بنفسه إذا كان من أهل الخبرة أو بغيره من عدل أو عدلين ، وإن كان الأحوط الرجوع
إلى الحاكم أو وكيله مع التمكّن ، ولا يشترط فيه الصيغة فإنّه معاملة خاصّة ، وإن كان لو
جيء بصيغة الصلح كان أولى ، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له وإن نقص كان عليه.
______________________________________________________
الشركة ، فإنّ من الضروري أنّ العزم على الأداء من الخارج لا يسوّغ التصرّف
بتمامه من غير مراجعة الشريك حتّى لو كان صادقاً في عزمه جازماً على الأداء بعد
مدّة قليلة كنصف ساعة مثلاً. اللهمّ إلّا أن يثبت في المقام أنّ للمالك ولاية
النقل من العين إلى الذمّة كما له الولاية على التطبيق ، إلّا أنّ دون إثباته خرط
القتاد ، إذ لم يدلّ عليه أيّ دليل قطّ كما هو أوضح من أن يخفى.
(١) لا إشكال
كما لا خلاف في جوازه بالإضافة إلى النخل والكرم ، بل عليه الإجماع في كثير من
الكلمات ، بل قد وافق عليه أكثر العامّة أيضاً إلّا القليل منهم كالشعبي حيث ادّعى
أنّ الخرص بدعة .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومعناه : أن
يبعث الإمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمر أو اشتدّ الحبّ فيخمّن الموجود ويستعلم
كمّيّة الحاصل ويعرف بذلك قدر الزكاة فيأخذه من المالك ويستباح له التصرّف حينئذٍ
في تمام الباقي.
وقد دلّت عليه
الروايات الكثيرة وإن كان أكثرها بل تمامها ضعيفة السند ما عدا رواية واحدة وهي
صحيحة أبي بصير المتضمّنة لنهي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن خرص الجعرور
والمعافارة اللذين هما من أردأ أقسام التمر ، فإنّ تخصيص النهي بهذين القسمين يكشف عن أنّ الخرص في
التمر كان أمراً شائعاً متعارفاً بين الناس وقد أقرّه (صلّى الله عليه وآله) غير
أنّه منع عنه في هذين القسمين.
ويدلّ عليه في
الكرم صحيحة سعد بن سعد في حديث قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن العنب ، هل
عليه زكاة ، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ «قال : نعم ، إذا خرصه أخرج
زكاته» .
وأمّا بالإضافة
إلى الزرع فجواز الخرص فيه محلّ للخلاف وقد منعه جماعة من الأصحاب ، وإن كان
المشهور هو الجواز إلّا أنّه ليس عليه دليل ظاهر بعد أن كان على خلاف مقتضى
القاعدة ، إذ تعيين ما عليه من حقّ الفقراء فيما يخرصه الخارص بحيث يجتزئ به في
مقام أداء الفرض يحتاج إلى دليل قاطع ، وليس في البين إجماع ولا عدم قول بالفصل
بينه وبين النخل والكرم ، لثبوت الخلاف كما عرفت.
بل قد يدّعى
تعذّر الخرص في مثل الزرع ، لاستتاره وتبدّده واختفائه في سنبلته ، بخلاف النخل
والكرم ، فإنّ ثمرتهما ظاهرة فيتمكّن الخارص من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إدراكهما والإحاطة بها ، فيستدلّ بذلك كما عن العلّامة وغيره على
بطلان الخرص في الزرع.
ولكنّه كما ترى
، لعدم اختفاء مثله على أهل الخبرة ومهرة الفن. نعم ، تطرّق احتمال الاشتباه فيه
أكثر من غيره ، إلّا أنّه بمقدار يسير لا يلتفت إليه ، غير الصالح للمنع عن الخرص
كما لا يخفى.
والعمدة ما
عرفت من أنّ الحكم على خلاف مقتضى القاعدة لا بدّ من الاقتصار على مورد قيام النصّ
، ولم يرد في المقام نصّ يعتمد عليه ، عدا ما توهّم من الاستدلال بصحيحة سعد بن
سعد ، قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على
صاحبها؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص» .
ولكن سبق
التعرّض لهذه الصحيحة عند التكلّم حول وقت التعلّق وقلنا : إنّ ظاهرها غير قابل
للأخذ ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، ضرورة أنّ وقت تعلّق الوجوب إمّا عند
انعقاد الحبّ وحال الاحمرار والاصفرار كما عليه المشهور ، أو حال التسمية كما هو
الصحيح ، وكلاهما ولا سيّما الأوّل منهما سابق على زمان الصوم والخرص قطعاً.
فكيف يناط
الوجوب بذلك؟! فإنّ السؤال بقوله : متى تجب على صاحبها سؤالٌ عن وقت الوجوب ، وقد
علّقه (عليه السلام) في الجواب بالصرم والخرص بحيث يظهر أنّ هذا شرط في الوجوب
ينتفي بانتفائه ، أفهل ترى أنّ الزرع أو الثمر لو لم يصرم ولم يخرص قطّ لم يتعلّق
به الوجوب؟! وعلى
الجملة : ظاهر الصحيحة
غير قابل للأخذ ، وما نحن بصدده من جريان الخرص في الزرع ليست الصحيحة في مقام
بيانه ، فلا يصحّ الاستدلال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بها ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله كما عرفت.
إذن فثبوت
الخرص في الزرع محل إشكال ، بل منع ، لعرائه عن دليلٍ يعتمد عليه ، فيبقى تحت
أصالة عدم الجواز التي هي مقتضى القاعدة الأوّلية حسبما عرفت ، ويختصّ الجواز
بالنخل والكرم.
ولكن هذا كلّه
مبني على تفسير الخرص بما هو المتعارف من معناه عرفاً المنسبق من اللفظ عند
الإطلاق وهو التخمين والحدس ليعرف به كمّيّة المال ومقدار النصاب بدلاً عن الكيل
والوزن ، حيث إنّ الاطّلاع على ذلك بواسطة المكيال أو الميزان لم يكن متيسّراً
غالباً أو صعب جدّاً ولا سيّما في الأزمنة السابقة وفي مثل القرى ونحوها ، فجعل
بدله الخرص والتخمين مقدّمة لمعرفة مقدار الحاصل فيقدّره المخمِّن في كمّيّة
معيّنة من العين ويتّفقان عليه ويجعل ذلك طريقاً لاستعلام الواقع.
وفائدته جواز
الاجتزاء على هذا المقدار في تعيين حصّة الزكاة وإن خالف الواقع ، ولكن بشرط عدم
انكشاف الخلاف وما دام الجهل باقياً ، أمّا مع الانكشاف فالاعتبار بنفس الواقع كما
هو الشأن في حجّيّة كلّ طريق منصوب إلى الواقع ، فيدفع الباقي إن كان ناقصاً ، ولا
يدفع الزائد إن كان الخرص زائداً. ففائدة الخرص جواز الاعتماد عليه بلا حاجة إلى
الكيل أو الوزن ما لم ينكشف الخلاف.
وأمّا التصرّف
في العين فليس من آثاره وفوائده ، لثبوته بدونه أيضاً ، فإنّه مع الشكّ في بلوغ
النصاب يتصرّف في الكلّ ، استناداً إلى أصالة البراءة.
ومع العلم به
يجوز التصرّف إلى حدٍّ يعلم معه ببقاء مقدار الزكاة ، بناءً على ما اختاره (قدس
سره) من الكلّي في المعيّن ، وكذا على مسلك الشركة في الماليّة كما هو الصحيح على
ما تقدّم ، كما ويمكنه التوصّل إلى ذلك بإخراج زكاة ما يتصرّف فيه ولو تدريجاً
فيأخذ من العين شيئاً فشيئاً ، وكلّ ما يأخذ يدفع
.................................................................................................
______________________________________________________
زكاته ثمّ يتصرّف فيه وهكذا ، إذ معه يقطع بدفع زكاة المجموع وإن لم يعلم
مجموع مقدار الزكاة ، لعدم لزوم معرفته كما هو واضح.
وبالجملة
: فلا يتوقّف
التصرّف على الخرص بوجه.
فعلى هذا
المعنى من الخرص وهو المنسبق منه إلى الذهن عرفاً ، المنزّل عليه النصوص يترتّب ما
عرفت من جوازه في النخل والكرم دون الزرع ، لقيام النصّ عليه في الأوّلين دون
الأخير حسبما عرفت.
وأمّا بناءً
على ما فسّره في المتن من كونه معاملة خاصّة قائمة بين الخارص والمالك مشتملة على
الإيجاب والقبول تنتقل الحصّة بموجبها من العين إلى ذمّة المالك.
وفائدته جواز
التصرّف له بعدئذ في تمام العين كيفما شاء ، لكونه ملكاً طلقاً له بعد الانتقال
المزبور ، فجواز الخرص بهذا المعنى مشكل حتّى في النخل والكرم فضلاً عن الزرع بحيث
يترتّب عليه ما ذكره في المتن من أنّه إن زاد ما في يد المالك كان له ، وإن نقص
كان عليه ، لعدم نهوض دليل على هذا المعنى من الخرص بعد كون النصوص منزّلة على
المعنى الأوّل الذي هو المعهود المتعارف كما عرفت.
نعم ، لو رأى
الحاكم الشرعي مصلحة في ذلك فبعث الساعي ليخرص هكذا تحفّظاً على مال الفقير وحذراً
من التلف والتبذير ، جاز بلا كلام ، بمقتضى ولايته الشرعيّة ، بل جاز ذلك حتّى في
الزرع فضلاً عن النخل والكرم.
وأمّا بدون ذلك
بحيث يكون للساعي أو لغيره من أهل الخبرة من عدل أو عدلين بل ونفس المالك كما صرّح
في المتن ولاية التبديل والنقل من العين إلى الذمّة ويكون الاعتبار بها لا بالواقع
، فإن زاد كان له ، وإن نقص كان عليه ، فإثبات ذلك بحسب الصناعة والاستفادة من
الأدلّة مشكل جدّاً.
ويجوز لكل من المالك والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش (١).
______________________________________________________
وأيّ دليل
يدلّنا على أنّ للمالك ولاية النقل إلى الذمّة؟! فإنّ ما ثبت إنّما هي ولايته على
التطبيق لا على النقل المزبور.
أضف إلى ذلك
عدم وجود مدفع لاحتمال تطرّق الرِّبا ، فإنّ العين الزكويّة من المكيل والموزون ،
فلو باع الخارص حصّة الفقير من الحنطة مثلاً بشيء من جنسه في ذمّة المالك : فإن
تطابقت الكمّيّتان بحسب الواقع فلا كلام ، وأمّا مع الاختلاف بزيادة أو نقصان
فليزم منه الرِّبا بطبيعة الحال ، فلم تحرز المماثلة في المقدار في بيع الجنس
بمثله لتندفع به شبهة الرِّبا ، اللهمّ إلّا أن يفرض المعاملة المزبورة على سبيل
المصالحة دون البيع ، بناءً على عدم جريان الرِّبا فيها ، ولكن الأظهر جريانه في
عامّة المعاملات حتّى الصلح ، لإطلاق دليل منعه ، وأنّه لا معاملة في المتجانسين
لا مثلاً بمثل كما في بعض النصوص.
وكيفما كان ،
فصحّة الخرص بنحو المعاملة حتّى بشكل المصالحة في غاية الإشكال.
والمتحصّل
من جميع ما ذكرناه : أنّ الأظهر عدم دخول الخرص في المعاملات ، وإنّما هو طريق إلى تعيين
المقدار الواجب ، ومع انكشاف الخلاف كانت العبرة بنفس الواقع.
(١) قد عرفت
عدم اندراج الخرص في المعاملات ، ولكن على القول بكونه منها فلا ينبغي التأمّل في
جواز الفسخ للمغبون منهما لو كان هناك غبن فاحش ، لثبوت خيار الغبن في كافّة المعاملات
بمناط واحد من غير حاجة إلى دليل بالخصوص ولا يختصّ بالبيع.
والوجه فيه :
ما أشرنا إليه في بحث الخيارات ، وملخّصه : أنّ بناء المعاملة
ولو توافق المالك والخارص على القسمة رطباً جاز (١). ويجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك
أو غيره (٢).
______________________________________________________
على المحافظة على الماليّة والمبادلة في العين بحيث إنّ هذا الشرط ارتكازي
ملحوظ في عامّة المعاملات بشتّى أنواعها.
وعليه ، فلو
تبيّن النقص : فإن كان يسيراً يتسامح في مثله عرفاً لم يكن به بأس ، لبناء
المعاملة أيضاً لدى العقلاء على الغضّ عن مثل هذا التفاوت غير الملتفت إليه الذي
لا يخلو عنه حتّى سوق واحد غالباً ، فترى دكّاناً يبيع البضاعة بسعر يبيع تلك
البضاعة بنفسها من بجنبه بأقلّ أو أكثر بتفاوت يسير ، لعدم انضباط الأسعار في هذا
المقدار.
وأمّا لو كان
الغبن فاحشاً فلأجل أنّه يستوجب الإخلال بذاك الشرط الارتكازي ، فلا جرم يستتبع
الخيار للمغبون ، وهذا المناط كما ترى عام يشمل المقام أيضاً ، فلا يحتاج إلى دليل
بالخصوص.
(١) هذا وجيه
على المسلك المشهور من تعلّق الزكاة قبل التسمية تمراً ومن حين الاصفرار أو
الاحمرار ، إذ الحقّ مشترك حينئذٍ بينهما ، فلا مانع من الخرص.
وأمّا على
المختار من عدم الوجوب قبل صدق الاسم فلا موقع له ، إذ لا وجوب بعد للخرص.
(٢) لعموم
ولايته عليهم ، فله التصرّف بالبيع ونحوه من المالك أو غيره بما يرى فيه المصلحة
لهم.
__________________
[٢٦٩٠] مسألة
٣٣ : إذا اتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة (١) ، وإن خسر يكون خسرانها عليه.
______________________________________________________
(١) لا شكّ أنّ
البيع كغيره من الأُمور الاعتباريّة من هبة أو إجارة ونحوهما إنّما يكون نافذاً
فيما إذا كان صادراً من المالك أو من في حكمه من الوكيل أو الولي ، والجامع أن
يكون مالكاً لزمام البيع أصالةً أو وكالةً أو ولايةً ، فلا أثر للبيع الصادر من
الأجنبي كالفضولي ، سواءً أكانت التجارة رابحة أم خاسرة ، بل يكون نفوذه منوطاً
بإجازة المالك.
وعليه ، فمن
يتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها فالبيع بالإضافة إلى حصّة الزكاة فضولي
تتوقّف صحّته على إجازة الحاكم الشرعي الذي هو ولي على الفقراء.
وحينئذٍ فإن
أدّى البائع الزكاة بعد البيع من الخارج ملك حصّة الفقير من المبيع بذلك واندرج في
كبرى : من باع ثمّ ملك ، وتقدّم أنّ هذا لو كان محتاجاً إلى الإجازة بمقتضى
القاعدة فلا ريب في الصحّة وعدم الحاجة إلى الإجازة ، إمّا في المقام أو مطلقاً ،
بمقتضى النصّ الخاصّ الوارد في المقام أعني : صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة وعليه ، فيكون
البيع نافذاً في تمام المبيع لنفس البائع ، ويكون الربح كلّه له كما أنّ الخسران
عليه بطبيعة الحال.
وأمّا لو لم
يؤدّ فالبيع بالإضافة إلى تلك الحصّة فضولي ، فإن أجازه الحاكم الشرعي نفذ وانتقلت
الزكاة إلى الثمن ، وكان الربح للفقير بالنسبة ، وإلّا كانت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المعاملة باطلة كما في صورة الخسران ، وأخذ الحاكم نفس الحصّة من عين البيع
ورجع المشتري بالثمن إلى البائع كما تقدّم سابقاً.
هذا ما تقتضيه
القاعدة ورعاية الصناعة في المقام.
نعم ، لو ثبتت
إجازة من المالك الحقيقي وهو المعصوم (عليه السلام) حكم بصحّة البيع للفقير من غير
توقّف على إجازة الحاكم الشرعي ، كما ثبت مثل ذلك في التصرّف في مال اليتيم ، حيث
وردت نصوص تضمّنت صحّة الاتّجار بماله وأنّ الربح له والخسران على المتصرّف ، كما
تعرّض إليها شيخنا الأنصاري (قدس سره) في كتاب المكاسب .
ولكن لم يرد
مثل تلك النصوص في المقام ما عدا رواية واحدة ، وهي رواية علي بن أبي حمزة ، عن
أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا
يمكنني أن أُؤدّيها «قال : اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح» إلخ
.
غير أنّها
ضعيفة السند لا لأجل علي بن أبي حمزة ، إذ ليس هو البطائني الضعيف الكذّاب ، فإنّه
من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، وهذا يروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ،
وإنّما هو أبو حمزة الثمالي الموثّق هو وابنه علي.
بل الوجه في
الضعف : الإرسال أوّلاً ، لأنّ علي بن محمد يرويه عمّن حدّثه ، وجهالة يعلى أو
معلّى بن عبيد ثانياً ، فلا يمكن الاعتماد عليها في الخروج عن مقتضى القاعدة.
وممّا ذكرنا
تعرف عدم استقامة عبارة المتن على إطلاقها ، فلاحظ.
__________________
[٢٦٩١] مسألة
٣٤ : يجوز للمالك عزل الزكاة (١) وإفرازها
______________________________________________________
(١) لا ريب أنّ
العزل على نحوٍ يتعيّن به حصّة الفقير وتبرأ به ذمّة المالك بحيث لا يكون ضامناً
من غير تفريط على خلاف القاعدة ، لعدم ثبوت ولاية للمالك إلّا على التطبيق بالدّفع
إلى المستحقّ ، أعني الفقير نفسه أو وكيله أو وليّه فإنّ هذا قد ثبت بالأدلّة وأنّ
الاختيار بيد المالك ولا يجوز للفقير مزاحمته في ذلك ، سواء أقلنا بالكلّي في
المعيّن أو بالشركة في الماليّة ، أو حتّى على القول بالإشاعة كما تقدّم .
وأمّا الولاية
على الإفراز والعزل بحيث يتعيّن فيه الحقّ ويترتّب عليه ما مرّ فهو على خلاف مقتضى
الأصل ، ولا بدّ في إثباته من قيام الدليل ، بل الأمر كذلك حتّى في بيع الصاع من
الصبرة بنحو الكلّي في المعيّن ، فلا يتعيّن سهم المشتري بعزل البائع.
إلّا أنّ هناك
روايات خاصّة جملة منها معتبرة دلّت على جواز العزل في المقام ، وهي :
صحيحة أبي بصير
عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها
لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه» .
وصحيحة عبيد بن
زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد
فقد برئ منها» .
وموثّقة يونس
بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : زكاتي
__________________
من العين أو من مال آخر (١) مع عدم المستحقّ ،
______________________________________________________
تحلّ عليّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني
يكون عندي عدّة؟ «فقال : إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، لا تخلطها بشيء ثمّ
أعطها كيف شئت» ، قال : قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتّها ، يستقيم لي؟ «قال : نعم ،
لا يضرّك» .
هذا ، وربّما
يتوهّم الوجوب ، نظراً إلى الأمر بالإخراج في هذه الموثّقة وبالعزل في رواية علي
بن أبي حمزة المتقدّمة ، وظاهر الأمر الوجوب.
ويندفع
: بأنّ الأمر
بالإخراج واقع موقع توهّم الحظر ، لوروده بعد قول السائل : أيصلح لي أن أحبس ...
إلخ ، فكأنه تخيّل المنع عن الحبس وعدم كونه صالحاً ، ومثله لا يدلّ إلّا على
مجرّد الجواز ، بل أنّ قوله في الذيل : فإن أنا كتبتها وأثبتّها ... إلخ ، كاد أن
يكون صريحاً في عدم وجوب العزل ، وأنّه لا يضرّه مجرّد الاقتصار على الكتابة
والثبت في الذمة كما لا يخفى.
ومثله الأمر
بالعزل في خبر ابن أبي حمزة ، إذ مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ واقعٌ موقع توهّم
الحظر أيضاً ، لأنّ سياق السؤال يشهد بأنّه قد تخيّل عدم جواز التصرّف لدى عدم
إمكان الأداء ، فلا يدلّ على الوجوب أيضاً. فلا ينبغي التأمّل في جواز العزل وعدم
وجوبه حسبما عرفت.
(١) من النقدين
أو ولو من غيرهما على الخلاف المتقدّم من اختصاص القيمة بالأوّل كما هو الأظهر
وعدمه كما عليه المتن.
ويدلّ على ذلك
أي عدم اختصاص العزل بالعين إطلاق النصوص الواردة في القيمة ، وعمدتها صحيحة
البرقي : هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير وما يجب على
الذهب دراهم قيمة ما يسوى؟ أم لا يجوز
__________________
بل مع وجوده أيضاً على الأقوى (١) ،
______________________________________________________
إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب : «أيّما تيسّر يخرج» .
حيث يستفاد
منها أنّ الزكاة الواجب دفعها لم تكن مختصّة بالعين بل تجوز القيمة أيضاً ،
فالواجب هو مطلق ما تيسّر ، الجامع بين الأمرين من القيمة والعين.
فيجوز الإخراج
من كلّ منهما ، ومعنى الإخراج : تعيين الزكاة وتمييزها بحيث يكون الباقي خالصاً له
، وهذا قد يكون مقارناً للدفع إلى الفقير ، وأُخرى سابقاً عليه.
نعم ، لو كان
السؤال فيها عن الإعطاء بدلاً عن الإخراج لاختصّ بالأوّل ، لكن الإخراج يشملهما
كما عرفت.
فإذا كان
الواجب هو مطلق الإخراج عيناً أو قيمةً فبعد ضمّ ذلك إلى نصوص المقام الناطقة
بجواز العزل والتأخير إلى أن يجد من يدفع إليه يظهر أنّ العزل المرخّص عليه يشمل
القيمة كالعين ، إذ هو عزل للزكاة ، والزكاة الواجب إخراجها يعمّ الأمرين حسب
الفرض ، فيجوز العزل من كلّ منهما.
(١) لعدم تقييد
العزل بعدم وجود المستحقّ في شيء من النصوص.
نعم ، هو مذكور
في رواية ابن أبي حمزة المتقدّمة ، إلّا أنّه مورد للرواية ومفروض في كلام السائل
لا أنّ الحكم مختصّ به ، فإطلاق النصوص محكم.
بل أنّ بعض
النصوص كموثّق يونس ظاهر بل كالصريح في وجود المستحقّ لقوله : أن أحبس منها ، حيث
فرض أنّه دفع بعض الزكاة وأبقى الباقي ، فلو لم يكن المستحقّ موجوداً فكيف دفع
البعض؟! فما عن المحقّق في الشرائع من التخصيص بعدم المستحقّ غير ظاهر
الوجه
__________________
وفائدته : صيرورة المعزول ملكاً للمستحقّين قهراً (١) حتّى لا يشاركهم
المالك عند التلف ويكون أمانة في يده ، وحينئذٍ لا يضمنه إلّا مع التفريط أو
التأخير مع وجود المستحقّ (٢) ،
______________________________________________________
بل الصحيح ما قوّاه الماتن تبعاً لصاحب الجواهر من الإطلاق
حسبما عرفت.
(١) لتعيّن
الحقّ فيه بعد فرض صحّة العزل وتمحّض الباقي في ملك المالك بعد خلوصه عن الشركة
بذلك ، ويكون أمانة في يده. وعليه ، فالتلف الوارد على كلّ مال محسوب على مالكه
ولا يسري إلى الملك الآخر ، بخلاف التلف الوارد قبل العزل فإنّه يقسّط على المالين
معاً بالنسبة ، فلا ضمان للزكاة بعد العزل بمقتضى القاعدة ، لكونها أمانة في يده
كما عرفت ، ولا ضمان فيها من دون تفريط ، كما أنّ النماء متّصلاً كان أم منفصلاً
للمستحقّ أيضاً ، بمقتضى تبعيّة الفرع للأصل كما أُشير إليه في المتن.
ويعضد القاعدة
التصريح بالبراءة في بعض النصوص ، كصحيح عبيد بن زرارة المتقدم : «إذا أخرجها من
ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها».
(٢) فإنّ مقتضى
القاعدة وكذا إطلاق الصحيح المتقدّم آنفاً وإن كان عدم الفرق في انتفاء الضمان بعد
فرض صحّة العزل بين وجود المستحقّ وعدمه ، إلّا أنّ هناك روايات خاصّة دلّت على
الضمان لو كان التأخير مع وجود المستحقّ ، فيلتزم بأنّ التأخير وإن كان في نفسه
سائغاً إلّا أنّه مع ذلك ضامن بمقتضى هذه النصوص ، وبذلك تقيد القاعدة وكذلك النصّ
المتقدّم جمعاً.
وقد تضمّن بعض
هذه النصوص انسحاب الحكم للوصي وأنّه أيضاً يضمن
__________________
وهل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال وإن كان الأظهر عدم الجواز (١)
ثمّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقّين متّصلاً كان أو منفصلاً.
______________________________________________________
لو أخّر العمل بالوصيّة مع وجود المستحقّ مع أنّه لا ضمان عليه بمقتضى
القاعدة ، لكون يده أمانيّاً.
مثل صحيحة ابن
مسلم ، قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت
، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها
ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه
ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع
إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان» ، ونحوها
غيرها.
إذن يقيّد
إطلاق نصوص عدم الضمان بالعزل مثل صحيح أبي بصير وعبيد ابن زرارة وغيرهما بما إذا
لم يجد المستحقّ وإلّا فعليه الضمان وإن كان العزل سائغاً وجائزا.
(١) لوضوح أنّه
بعد صيرورته ملكاً للفقير بالعزل وأمانة تحت يده فإبداله تصرّفٌ فيه من غير إذن
مالكه فيحرم ولم تثبت له الولاية على التبديل ، لفقد الدليل كما هو ظاهر جدّا.
ثمّ إنّ الماتن
تعرّض في فصل مستقلّ لما يستحبّ فيه الزكاة وقد أهمله سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه)
جرياً على عادته من عدم التعرّض لباب المستحبّات والمكروهات إلّا نادرا.
__________________
فهرس الموضوعات
فهرس الموضوعات
الزكاة
وجوبها على كل مسلم
مكلف وهي من ضروريات الدين ، ومنكره كافر......... ٣
حكم مانع الزكاة........................................................... ٤
شروط
وجوب الزكاة :
أولا : البلوغ.............................................................. ٥
الاستدلال بحديث رفع
القلم ، وهل يعم إطلاقه الوضع والتكليف؟............... ٥
تحديد اليتيم بالبلوغ
والاستدلال بحديث «ليس على مال اليتيم زكاة»............ ٧
حكم زكاة مال الصبي
بين القدمين وغيرهما.................................... ٨
اعتبار ابتداء الحول
من حين البلوغ.......................................... ١٠
المناط فيما لا يعتبر
فيه الحول من الغلات الأربع ، البلوغ قبل وقت التعلق....... ١٤
ثانيا : العقل.............................................................. ١٤
لم يوضع قلم التشريع
على المجانين كما لم يوضع على الصبيان.................. ١٤
لا فرق في عدم وجوب
الزكاة في مال المجنون بين الاطباقي والأدواري.......... ١٦
حكم ما لو عرض عليه
الجنون آنا ما........................................ ١٧
ثالثا : الحرية............................................................. ٢٠
هل يملك العبد وإن كان
محجورا وممنوع عن التصرف إلا بإذن مولاه أم لا؟..... ٢٠
هل تجب الزكاة على
المولى على القول بعدم مالكية العبد أو لا؟................ ٢١
عدم وجوب الزكاة على
العبد على القول بمالكيته............................ ٢٢
تفصيل فيما إذا كان
العبد مأذونا في التصرف من قبل المولى أم لا.............. ٢٣
لا زكاة على العبد من
غير فرق بين القن ، والمدبر ، وأم الولد ، والمكاتب المشروط ، والمطلق الذي لم
يؤدي شيئا من مال المكاتبة........................................................................ ٢٧
رابعا : أن يكون مالكا.................................................... ٢٩
عدم وجوب الزكاة في
الموصى به ، والقرض إلا بعد القبض................... ٣١
خامسا : تمام التمكن
من التصرف.......................................... ٣٣
موارد في عدم التمكن
من التصرف الاعتباري شرعا وأن تمكن خارجا.......... ٣٣
الروايات الواردة في
موارد العجز التكويني................................... ٣٤
عدم وجوب الزكاة في
الوقف.............................................. ٣٧
هل تجب الزكاة في
الرهن أم لا؟........................................... ٣٨
هل تجب الزكاة في
منذور التصدق أم لا؟................................... ٣٩
سقوط الزكاة عن منذور
التصدق بالوفاء بالنذر.............................. ٤١
كلام في نذر الصدقة
تارة بنحو نذر النتيجة وأُخرى بنحو نذر الفعل............ ٤١
الاستدلال بوجوه من أن
وجوب الوفاء بالنذر مانعا عن تعلق الزكاة............ ٤٢
عدم سقوط الزكاة بمجرد
النذر............................................ ٤٧
المدار في التمكن من
التصرف هو الصدق العرفي.............................. ٤٨
حكم الشك في صدق
التمكن من التصرف من جهة الشبهة الحكمية المفهومية... ٤٩
حكم الشك في صدق
التمكن من التصرف من جهة الموضوعة الخارجية......... ٥١
سادسا : النصاب......................................................... ٥٢
يستحب للولي الشرعي
إخراج الزكاة من غلات غير البالغ دون النقدين وعلى اشكال في مواشيه ٥٢
قول في التعارض بين
الزكاة ثابتة والزكاة غير ثابتة في غلات غير البالغ......... ٥٤
ذهاب جماعة إلى عدم
وجوب الزكاة في مال اليتيم مطلقا...................... ٥٦
استحباب اخراج الزكاة
أيضا من مال الصبي إذا تجر به........................ ٥٦
هل يثبت الاستحباب
فيما إذا كان الاتجار بمال الصبي على وجه غير سائغ أو لا؟ ٥٨
عدم دخول الحمل في غير
البالغ من جهة استحباب اخراج زكاة غلاته ومال تجارته ٦٠
الحاكم الشرعي يتولى
اخراج الزكاة من مال الصبي مع غيبة وليه............... ٦١
حكم ما لو لم يؤد
الولي اخراج الزكاة من مال الصبي مع غيبة وليه............. ٦١
استحباب اخراج زكاة
مال التجارة للمجنون دون غيره....................... ٦٢
هل الاغماء والسكر
ينافيان وجوب الزكاة إذا عرضا حال التعلق؟.............. ٦٣
الاستدلال بوجوب
الزكاة في موارد الاغماء والسكر.......................... ٦٥
عدم وجوب الزكاة على
المولى فيما ملكه عبده............................... ٦٧
حكم ما لو شك حين البلوغ
في مجيء وقت التعلق ، أو علم تأريخ البلوغ وشك في زمان التعلق ٦٧
حكم ما لو شك حين
التعلق في البلوغ وعدمه ، أو علم زمان التعلق وشك في سبق البلوغ وتأخره أو جهل
التأريخين ٦٩
حكم ما لو كان مسبوقا
بالجنون وشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده وبالعكس ، وكذا في مجهول التأريخ ٧١
حكم ما لو كان الجهل
بالحالة السابقة وأنها الجنون أو العقل................... ٧٣
هل يمنع ثبوت الخيار
للبائع من تعلق الزكاة إذا كان في تمام الحول؟............. ٧٥
هل لمن عليه الخيار أن
يتصرف في المال تصرفا مالكيا ، أم لا؟.................. ٧٦
عدم وجوب الزكاة في
النصاب الواحد إذا كان مشتركا بين اثنين أو أكثر...... ٧٩
عدم وجوب الزكاة في
العين الموقوفة ، من غير فرق بين الوقف العام أو الخاص.. ٧٩
حكم نماء الوقف العام
والخاص إذا بلغ حد النصاب........................... ٨٠
إذا تمكن من تخليص
المال المغصوب أو المسروق ونحو ذلك بسهولة ، فهل يجب إخراج زكاته أم لا؟ ٨١
حكم ما لو أمكنه استيفاء
الدين بسهولة ولم يفعل ، وكذا لو أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختيارا ٨٤
زكاة القرض على
المقترض بعد قبضه لا على المقرض......................... ٩٢
هل يصح للمقرض أن يؤدي
الزكاة عن المقترض بتبرع ونحوه أم لا؟............ ٩٣
هل يختص التبرع
بالمقرض ، أو يصح من الأجنبي أيضا؟....................... ٩٦
هل يصح اشتراط المقترض
في عقد القرض أن تكون الزكاة على المقرض؟....... ٩٧
حكم ما لو نذر التصدق
بالعين الزكوية إن كان مطلقا غير مؤقت ولا معلقا على شرط ٩٩
حكم ما لو نذر التصدق
بالعين الزكوية إن كان مؤقتا بما قبل الحول ووفى بالنذر ١٠٢
حكم ما لو كان معلقا
على شرط......................................... ١٠٥
وجوه في الفرق بين
حصول المعلق عليه قبل الحول أو بعده................... ١٠٧
حكم ما لو استطاع الحج
بالنصاب........................................ ١١١
وجوب الحج إن كان مضي
الحول متأخرا عن سير القافلة.................... ١١١
حكم ما لو عصى ولم يحج
وأبقى العين حتى مضي الحول عليها............... ١١٢
حكم ما لو تقارن خروج
القافلة مع تمام الحول.............................. ١١٤
استحباب الزكاة على ما
لم يتمكن من التصرف فيه لو مضت سنتان أو أزيد ثم تمكن منه ١١٥
حكم ما لو عرض عدم
التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضي الحول متمكنا ١١٧
هل تجب الزكاة على
الكافر أم لا ، وهل تصح منه إذا أداها؟................ ١١٩
للإمام (عليه السلام)
أو نائبه أخذ الزكاة من الكافر قهرا ، ولو كان قد أتلفها فله أخذ العوض منه ١٢٥
حكم ما لو أسلم الكافر
بعد ما وجبت عليه الزكاة والعين موجودة........... ١٢٨
وجوب اخراج الزكاة على
المسلم إذا اشترى من الكافر تمام النصاب بعد تعلق الزكاة ١٣١
فصل
في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة............................. ١٣٣
ـ ١٤٤
وجوب الزكاة في تسعة
أشياء : الأنعام الثلاثة والنقدين والغلات الأربع....... ١٣٣
الروايات الدالة على
وجوب الزكاة في التسعة دون غيرها.................... ١٣٤
استحباب الزكاة في
الحبوب مما يكال أو يوزن.............................. ١٣٧
هل تستحب الزكاة في
الثمار دون الخضر أو لا؟........................... ١٣٧
هل تستحب الزكاة في
مال التجارة أو لا؟................................. ١٣٩
استحباب الزكاة في
الإناث من الخيل دون الذكور ، ودون البغال والحمير والرقيق إلا إذا اتجر في الأخير ١٤١
هل تستحب الزكاة في
الأملاك والعقارات التي يراد منها الاستنماء............ ١٤٣
فصل
في زكاة الأنعام الثلاثة...................................... ١٤٥
ـ ٢٥٤
شروط وجوبها : أولا :
النصاب ، وهو في الإبل اثنا عشر نصابا.............. ١٤٥
كيفية احتساب الزكاة
في النصاب الثاني عشر.............................. ١٥٠
هل يجزئ ابن اللبون في
النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض......... ١٥٦
لو لم تكن عنده لا بنت
المخاض ولا ابن اللبون ، فهل هو مخير في شراء أيهما شاء؟ ١٥٩
في البقر نصابان......................................................... ١٦١
بيان المرد من التبيع...................................................... ١٦٦
فيما زاد عن النصاب
الثاني هل يتخير بين عد ثلاثين ثلاثين وأربعين أربعين؟... ١٦٧
في الغنم خمسة نصب.................................................... ١٦٨
انكار جماعة من أجلاء
الأصحاب للنصاب الخامس.......................... ١٦٩
ما هي الفائدة في
تشريع النصاب الخامس وجعله مستقلا؟.................... ١٧٠
البقر والجاموس جنس
واحد ، كما لا فرق بين الإبل العراب والبخاتي ، وكذا الغنم بين المعز والشاة
والضأن ، وفي الكل لا فرق بين الذكر والأنثى.......................................................... ١٧٤
وجوب الزكاة في المال
المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب............. ١٧٥
ملاحظة مجموع المال
المتفرق للمالك الواحد................................ ١٧٨
أقل أسنان الشاة التي
تؤخذ في الغنم والإبل................................. ١٧٨
هل يتعين دفع الزكاة
من النصاب أو لا؟................................... ١٨٢
المدار في دفع الزكاة..................................................... ١٨٦
هل الخيار للمالك دون
الساعي أو الفقير................................... ١٨٧
جواز اخراج الزكاة من
غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية من النقدين أو غيرهما ١٨٩
المدار في قيمة الزكاة..................................................... ١٩٣
جواز دفع الأنثى إذا
كان جميع النصاب في الغنم من الذكور وبالعكس ، وكذا مع اختلاف القيمة أو تساويها
بالنسبة للمعز والضأن ، والبقر والجاموس ، والإبل البخاتي والعراب جاز الدفع من أي
الصنفين شاء.. ١٩٨
عدم الفرق بين الصحيح
والمريض والسليم والمعيب والشاب والهرم في دخوله النصاب والعد منه ٢٠٠
هل يعتبر أن يكون
الدفع من قسم الصحيح فلا يجزئ المريض أو المعيب؟...... ٢٠٠
ثانيا : السوم طول
الحول................................................. ٢٠٢
حكم ما لو كانت معلوفة
ولو في بعض الحول.............................. ٢٠٢
كلام في تحديد السوم.................................................... ٢٠٣
عدم الفرق في منع
العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار ٢٠٥
هل مصانعة الظالم على
الرعي في الأرض المباحة تخرج عن صدق السوم؟...... ٢٠٧
ثالثا : أن لا تكون
عوامل................................................ ٢٠٨
هل يقدح العمل ولو في
بعض الحول في صدق عدم كونها عوامل؟............ ٢٠٩
رابعا : مضي الحول
عليها جامعة للشرائط.................................. ٢١٠
حكم ما لو خرج عن
الملك أثناء الحول ثم رجع ثانيا......................... ٢١٠
هل يتحقق الوجوب
بالدخول في الشهر الثاني عشر قبل تمامه؟................ ٢١٠
هل الوجوب العارض بحلول
الشهر الثاني عشر منجز مستقر أو أنه مراعى ببقاء سائر الشرائط إلى آخر السنة؟ ٢١٥
اختلال بعض الشروط في
أثناء الحول قبل الدخول في الشهر الثاني عشر....... ٢١٦
هل تسقط الزكاة فيما
لو أخرجه عن الملك بهبة ونحوها بقصد الفرار منها؟.... ٢١٨
حكم ما لو تلف شيء من
النصاب بعد حلول الحول مع اجتماع الشرائط فيه.. ٢٢٣
حكم عروض التلف على
جميع المال الزكوي قبل الإفراز والعزل بعد حلول الحول من غير تفريط المالك ٢٢٣
حكم ما لو كان المال
الزكوي أكثر من النصاب وتلف منه شيء مع بقاء النصاب على حاله ٢٢٥
ارتداد المسلم أو
المسلمة عن فطرة أو ملة في أثناء الحول أو بعده.............. ٢٢٦
تصدي الإمام (عليه
السلام) أو نائبه في اخراج الزكاة إن لم يتب المرتد........ ٢٢٧
حكم ما لو أخرج الزكاة
بنفسه حال الارتداد ثم تاب....................... ٢٢٨
حكم ما إذا كان
الارتداد أثناء الحول...................................... ٢٢٩
حكم ما لو كان مالكا
للنصاب لا أزيد فحال عليه أحوال................... ٢٣١
هل يجب عليه الزكاة
بمقدار ما مضى من السنين وكان عنده أزيد من النصاب وحال عليه أحوال لم يؤد زكاتها؟ ٢٣٢
حكم ما لو حصل لمالك
النصاب في الأنعام مالك جديد..................... ٢٣٤
أقسام الملك الجديد
الحاصل أثناء الحول.................................... ٢٣٤
قيام الدليل على أن
المال لا يزكى في العام من وجهين....................... ٢٤٢
حكم ما لو كان الملك
الجديد نصابا مستقلا ومكملا للنصاب اللاحق......... ٢٤٥
حكم ما لو أصدق زوجته
نصابا وحال عليه الحول.......................... ٢٤٨
حكم ما لو طلق زوجته
قبل الدخول وبعد حلول الحول...................... ٢٤٩
حكم ما لو تلف نصف
الصداق قبل اخراج الزكاة......................... ٢٥٠
سماع قول المالك بلا
بينة ولا يمين في عدم وجوب الزكاة في ماله.............. ٢٥١
حكم ما لو اشترى نصابا
وكان للبائع الخيار............................... ٢٥٢
فصل
في زكاة النقدين........................................... ٢٥٥
ـ ٣٠٥
شروط وجوبها : أولا :
النصاب ، ففي الذهب نصابان...................... ٢٥٥
الخلاف الوارد في
تحديد النصاب الأول باختلاف الروايات الواردة في المقام.... ٢٥٦
النصاب الثاني في
الذهب ومخالفة ابن بابويه (قدس سره) فيه.................. ٢٦٢
المراد من الدينار
والدرهم إذا بلغا حد النصاب وجبت فيهما الزكاة........... ٢٦٤
تحديد نصابا الفضة...................................................... ٢٦٥
ثانيا : أن يكونا
مسكوكين بسكة المعاملة.................................. ٢٦٦
عدم الفرق في المسكوك
بين سكة الإسلام أو الكفر......................... ٢٦٨
هل تجب الزكاة في
المسكوكين الممسوحين بالأصالة؟........................ ٢٦٩
حكم الممسوح بالعارض................................................. ٢٦٩
حكم المسكوك للمعاملة
ولم يقع التعامل بعد فيه............................ ٢٧١
هل تجب الزكاة في
المسكوك إذا هجرت المعاملة به وسقط عن درجة الاعتبار؟. ٢٧٢
حكم اتخاذ الدرهم أو
الدينار للزينة....................................... ٢٧٤
ثالثا : مضي الحول...................................................... ٢٧٨
استقرار وجوب الزكاة
برؤية هلال الشهر الثاني عشر مع اجتماع الشرائط.... ٢٧٩
سقوط الزكاة مع
التبديل بغيره من جنسه أو غير جنسه ولو بقصد الفرار...... ٢٧٩
عدم سقوط الزكاة بسبك
الدراهم أو الدنانير بعد حلول الحول............... ٢٨٣
عدم وجوب الزكاة في
الحلي ، وكذا في أواني الذهب والفضة مهما بلغت..... ٢٨٤
لا فرق في وجوب الزكاة
بين الجيد والردئ من المسكوكين.................. ٢٨٥
حكم اخراج الزكاة إن
كان النصاب كله جيد ، وأُخرى كله ردئ ، وثالثة مؤلف منهما ٢٨٦
هل يجوز دفع الجيد عن
الردئ بالتقويم؟................................... ٢٨٧
تعلق الزكاة بالدراهم
والدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب........... ٢٨٩
هل تجب الزكاة إذا بلغ
الغش مقدار لا يصدق معه اسم الذهب والفضة ، أو عنوان الدرهم والدينار منهما وإن
بلغ خالصهما النصاب................................................................ ٢٩١
هل يجب الفصح والتفتيش
لو شك في بلوغ الخالص منهما حد النصاب؟...... ٢٩٣
عدم جواز اخراج زكاة
الجيد من المغشوش إلا مع العلم باشتماله على ما يكون عليه من الخالص ٢٩٥
هل يجوز دفع المغشوش
عن المغشوش؟..................................... ٢٩٦
حكم ما لو شك في
النصاب أنه خالص أو مغشوش......................... ٢٩٧
حكم ما لو كان عنده
نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضة ٢٩٧
حكم ما لو علم أكثرية
أحد المخطوطين مرددا ولم يمكن العلم به............. ٢٩٩
كيفية اخراج الزكاة من
الدراهم والدنانير المغشوشة......................... ٣٠٢
حكم ما لو ترك نفقة لأهله
من الأجناس الزكوية وغاب وبقي منها إلى آخر السنة بمقدار النصاب ٣٠٣
إذا كانت عنده أموال
زكوية من أجناس مختلفة ، فهل يجبر الناقص منها بالجنس الآخر ٣٠٥
فصل
في زكاة الغلات الأربع..................................... ٣٠٦
ـ ٤٠٥
عدم وجوب الزكاة في
غير الغلات الأربع.................................. ٣٠٦
معنى السلت والعلس
والكلام في وجوبهما وعدمه........................... ٣٠٧
اعتبار وجوبها أمران :
أولا : بلوغ النصاب................................ ٣١٢
مقدار حد النصاب...................................................... ٣١٢
جدول في حد النصاب
بحسب المثقال الصيرفي.............................. ٣١٦
للغلات نصاب واحد على
خلاف النقدين والأنعام.......................... ٣١٧
ثانيا : التملك حال
التعلق................................................ ٣١٨
اختلاف الأنظار في وقت
تعلق الزكاة بالغلات............................. ٣١٨
إناطة وجوب الزكاة
بصدق أسماء الغلات من حيث الاطلاق العرفي عليه...... ٣٢٢
هل المناط في اعتبار
النصاب هو اليابس من الغلات؟......................... ٣٢٣
حكم البرين وشبهه من
الدقل الذي يؤكل رطبا وإذا جف لا يصدق على اليابس منه التمر ٣٢٥
جواز تصرف المالك في
الغلات قبل جفافها فيما يحسب من المؤن ويضمن بما يزيد على المتعارف ٣٢٧
عدم وجوب الدفع على
المالك قبل اليبس وإن كانت الثمرة مخروصة عليه ، وإن دفعها حينئذ وجب على الساعي
قبولها منه....................................................................... ٣٢٩
الوقت الذي يجب فيه
إخراج الزكاة بحيث يضمن لو أخرها عنه............. ٣٣٠
جواز المقاسمة للمالك
مع الساعي والتراضي بينهما قبل الجذاذ................. ٣٣١
جواز دفع الزكاة
والثمر على الشجر منه أو من قيمته....................... ٣٣١
هل يجوز دفع القيمة من
أي جنس كان حتى من غير النقدين؟................ ٣٣٣
عدم تكرر زكاة الغلات
بتكرر السنين إذا بقيت أحوالا..................... ٣٣٣
مقدار الزكاة فيما سقي
بدون علاج وفيما سقي بعلاج...................... ٣٣٤
مقدار الزكاة فيما سقي
بعلاج وبدونه معا ، وفيما غلب الصدق لأحد الأمرين. ٣٣٦
حكم الشك في صدق
الاشتراك أو غلبة صدق أحدها....................... ٣٣٩
حكم ما لو كان الزرع
أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي ومع ذلك سقي بها وبالعكس لو كان سقيه
بالدوالي وسقي بالنهر ونحوه.................................................................. ٣٤٠
الأمطار العادية في
أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه........... ٣٤٠
حكم ما لو أخرج شخص
الماء بالدوالي على أرض مباحه عبثا أو لغرض فزرعه آخر وكان الزرع يشرب بعروقة ٣٤١
وجوب الزكاة بعد اخراج
ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة................... ٣٤٢
كلام فيما يأخذه
السلطان باسم الخراج.................................... ٣٤٤
هل تستثنى المؤن
جميعها قبل زمان التعلق وبعده؟............................ ٣٥٠
هل يعتبر النصاب بعد
خروج المؤن أم قبله؟................................ ٣٥٨
المراد بالمؤونة............................................................ ٣٥٩
استثناء قيمة البذر
على القول باستثناء المؤن................................. ٣٦٠
احتساب أُجرة العامل
من المؤن ، وعدمها إذا كان المالك هو العامل أو تبرع به أجنبي ٣٦٠
ثمن الزرع وضمان النخل
والشجر من المؤونة ، بخلاف ثمن الأرض والنخل والشجر ٣٦٠
إذا كان مع الزكوي
غيره فالمؤونة موزعة عليهما ، وكذا الخراج ، إلا إذا كان أحدهما المقصود والآخر
تبعا ٣٦١
حكم ما لو كان للعمل
مدخلية في ثمر سنين عديدة.......................... ٣٦١
عدم احتساب المشكوك في
كونه شيء من المؤن أو لا........................ ٣٦١
حكم النخيل والزروع في
البلاد المتباعدة................................... ٣٦٢
هل يجوز دفع الرطب عن
التمر والعنب عن الزبيب على أنه فرضه إذا وجب فيهما الزكاة؟ ٣٦٧
حكم ما لو أدى القيمة
من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة................... ٣٧٠
حكم ما لو مات الزارع
قبل أو بعد زمان تعلق الوجوب..................... ٣٧١
حكم ما لو مات الزارع
أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين............. ٣٧١
وجوب الزكاة على من
كان مالكا للزرع أو الثمر بشراء أو بغيره حال تعلق الزكاة ٣٧٦
حكم ما لو اشترى العين
الزكوية بعد وقت التعلق وعلم بعدم أداء البائع لها.... ٣٧٩
هل يشكل استقرار ملك
المشتري وعدم الحاجة إلى إجازة الحاكم إذا أدى البائع الزكاة؟ ٣٨٠
حكم ما لو تعددت أنواع
العين الزكوية في الجودة والرداءة.................. ٣٨٢
هل الزكاة حق متعلق
بالعين على وجه الإشاعة ، أم على وجه الكلي في المعين؟ ٣٨٤
حكم ما لو باع قبل
أداء الزكاة كل النصاب أو بعضه...................... ٣٩٠
جواز خرص ثمر النخل
والكرم بل والزرع على المالك من قبل الحاكم الشرعي. ٣٩٢
جواز الفسخ لكل من
المالك والخارص مع الغبن الفاحش..................... ٣٩٧
توافق المالك والخارص
على القسمة رطبا................................... ٣٩٨
جاز للحاكم أو وكيله
بيع نصيب الفقراء من المالك أو غيره................. ٣٩٨
حكم اتجار المالك
بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها.......................... ٣٩٩
هل يجوز للمالك عزل
الزكاة وافرازها من العين أو من مال آخر؟............ ٤٠١
عدم تقييد العزل بعدم
وجود المستحق..................................... ٤٠٣
بيان قاعدة العزل........................................................ ٤٠٤
هل يجوز للمالك إبدال
الزكاة بعد عزلها؟.................................. ٤٠٥
|