



المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة
والسلام على رسوله الأمين وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
وبعد : فقد كان القرآن الكريمُ ولايزال
موضعَ احترامِ المسلمين وتقديسهم ، فمنه يستمدّون أُسُسَ اعتقاداتهم ، ويستلهمونَ
من آياته ماتصلحُ به أُمورُ دينهم ودنياهم ، وينهلون من فيضه قِيمَهم وأفكارَهم ومعاييرَ
سلوكِهم ، فنشأتِ العلاقةُ بين القرآن والإنسان المسلم على هذا الأساسِ ، وظلّت
تتعمّقُ الصلات بينهما وتتجذّر الأَواصِرُ بتناسبٍ طردي مع وَعْي الإنسانِ والتزامِه.
ولقد استطاع القرآنُ الكريمُ أن يقفزَ
بالمؤمنين به قفزاتٍ عملاقةً على صَعيدِ الفكر والسلوك والبناءِ الحضاريّ والمحتوى
الداخلي للإنسانِ ؛ وبالتالي فقد جعل منهم أُمةً وسطاً شاهدةً على الخلقِ ، ونصبَ
من العاملين به خلفاءَ لله على أرضه وحُجَجاً على عباده.
وارتبط المسلمون بهذا الدستور الإلهي أيّما
ارتباطٍ ، ومنحوه من العنايةِ والاهتمام ماوسِعَتْهم الحيلةُ وأسعَفَهُم الجهدُ
والإمكان ، ولذلك انصبّت جُهودُ العلماء على اكتشاف خزائنِ عطائه وكنوزِ خيراته من
خلال توضيح معانيه واستنطاقِ آياتِه واستجلاءِ حقائِقِهِ وتبيانِ مفاهيمه ، وتنافسوا
في ذلك مستفرغين الوُسْعُ ، فتشعّبتْ مذاهبُهم وأتحفوا المكتبة
الإسلاميّة بما
لاحصر له من التفاسير التي ستبقى ـ رغم ما فيها من جوانبَ مشرقةٍ ـ قاصرةً عن إدراك
كُنْهِ المعجزة الإلهيّة وأسرار النصّ القرآني.
وقد حظي القرآن الكريم باهتمام المسلمين
جميعاً بمختلف مذاهبهم وطرائقهم ، إذ انبرى له من كلّ مذهب جمع من خِيرة العلماء
والمتخصّصين لدراسته والغوصِ في بحارمفاهيمه ومعانيه ؛ وقد كان للشيعة الإماميّة شرفُ
المساهمةِ في استجلاء معاني النصّ القرآني ، حيث تطوّع جمعٌ من علمائهم على مرّ
العصور المتعاقبة لتفسير القرآن الكريم ، وتوضيح آياته واستنباط أحكامه وتشريعاته.
وقد شهد القرن الخامس الهجري ولادةَ
كتابٍ يحتوي على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه لواحدٍ من أكبر علماء عصره هو الشيخُ
الطوسي ـ زعيم المذهب الإمامي آنذاك ـ الذي استطاع أن يقومَ بعمليّةِ تطويرٍ واضحةِ
المعالمِ في المنهجِ التفسيري الذي تَبنّاه في تبيانه.
وقد تصدّيتُ بعد التوكّل على الله تعالى
لخوض غمارِ دراسةٍ حولَ الشيخ الطوسي ومنهجه في التفسير ، فكانت رسالتي الموسومة الطوسي
مفسراً جُهداً متواضعاً على شواطِئ بحر العظمة
القرآنيّة التي غاص في عُباب رحمتِها الشيخُ الطوسي ؛ ليحمل من لآلِئها مايُزيّنُ
بها تبيانَهُ
، ويتقلّدها وِسامَ فخرٍ يغالبُ الزمنَ ، وتنقشه ريشةُ الخُلودِ عطاءً ثَراً وسِفْراً
خالداً وشجرةً مباركةً تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ ذِكراً حَسناً وثناءً جميلاً.
ولعلّ بواعثَ اختياري لهذا الموضوع هي
ما يلي :
١. كونُ تفسيرِ التبيان
أوَلَ محاولةٍ تفسيريّةٍ كاملةٍ عند الشيعةِ الإماميّةٍ.
٢. كونُ الشيخِ الطوسي ، فقيهاً مجتهداً
استطاعَ أن يتعاملَ مع النصّ القرآني بِذهْنيّةٍ إسلاميّةٍ ذات طابعٍ شُمُولي لإحاطة
المفسّر بأكثرِ جوانبِ العلومِ والثقافةِ الإسلاميّة فضلاً عن كونِه مؤسِّساً
للحوزةِ العلميّة في النجفِ الأشرفِ ، والتي أصبحتْ فيما بعد من أهمِّ وأكبرِ الجامعاتِ
في العالم الإسلامي.
__________________
٣. سلكَ المفسّرُ في تفسيره منهجاً
ثنائيَّ الاتّجاهِ جمع فيه منهجَ التفسير بالرأي إلى جانب منهج التفسير بالأثر ،
وبهذا يكون ُالشيخ الطوسي قد أقام التفسيرَ على دعامتي العقلِ والنقلِ بعد أن كان
مستنداً إلى دِعامةِ النقلِ وحدَها.
٤. استطاع الشيخُ الطوسي من خلال تَطرُّقه
إلى الأبواب المتعدِّدَةِ في تفسيره ، أن يحفظَ تُراثاً فكريّاً وثقافيّاً ولغويّاً
ضخماً سواء عندَ مناقشتهِ لآراء أصحاب المذاهبِ الإسلاميّة أو آراء النحاة واللغويّين
فيما يذهبون إليه.
٥. كان الشيخ الطوسي يتحلّى بروحٍ
موضوعيّةٍ عاليةٍ ونزعةٍ علميّةٍ نزيهةٍ ، ويظهرُ ذلك جليّاً من خلال سرده لآراءِ
من يختلف معهم من علماءِ المدارس الإسلاميّة وأصحاب المذاهب والمقالات وذلك أثناء
مناقشته لهم وردوده عليهم بعيداً عن كلّ تعصّبٍ ذميمٍ أو تحجّر ممقوت ، حيث كان
يقبل من آراء الآخرين ما يراه صحيحاً ، بينما يرفضُ أو يُضعّف مالاينسجم والمنهج
العلمي الذي آمن به ، وإن كان من المرويّات المنسوبة إلى أئمّة أهلِ البيت : وبهذا يكون الطوسي عالماً باحثاً عن
الحقيقةِ مؤمناً بها رافضاً لما سواها بغضِّ النظر عن كلّ اعتبارٍ آخر.
ولهذا فقد جاءت دراستي هذه محاولةً منّي
للكشف عن جوانب العَظمةِ في شخصيّةِ الشيخ الطوسي وآثارِه العظيمةِ التي يشكّل التبيانُ
أحدَ دعائمها.
وقد تناولت في هذه الدراسةَ ثلاثة أبوابٍ
وخاتمةٍ :
ففي البابِ الأوّلِ تحدّثتُ بفصلين عن
حياةِ الشيخ الطوسي وبيئته وعصره مبيِّناً ثقافَتهُ وهجراتهُ ومراحلَ دراستهِ
وشيوخَهُ وتلاميذَهُ وتأليفَهُ شارحاً بالتفصيلِ الظروفَ السياسيّةَ والفِتنَ
الطائفيّة التي عصفتْ به في بغدادَ ومن ثمّ هجرتَهُ إلى مدينةِ النجفِ الأشرف وإنشاءَهُ
لمدرستهِ الجديدةِ فيها.
وفي الباب الثاني قسّمتُ الحديث إلى فصول
أربعةٍ :
الفصل الأوّل ، أَجملْتُ فيه البحثَ حولَ
نشأةِ التفسيرِ وتطوّر مناهجِهِ ، ثمّ أردفتُهُ بوصفٍ مُجْملٍ عن التبيان.
أمّا الفصلُ الثاني ، فقد تكلّمت فيه عن
الجانبِ العقلي في التبيان
، وبيّنتُ منهجَ المفسّرِ
وآراءهُ وطريقتهُ في
التعامُلِ مع النصِّ القرآني بوحي من العقلِ والرأي المقبولِ موضحاً مناقشتَهُ لآراءِ
المفسرين ، وأصحابِ المذاهبِ من المعتزلةِ والمَشَبِّهةِ والمُجَسِّمَةِ والمُفوّضةِ
وغيرِهم.
وفي الفصل الثالث ، تناولتُ الجانب الأثري
في التبيانِ
موضّحاً تفسيرَهُ للقرآن بالقرآن وتفسيرَه للقرآن بالسنّةِ ، وطريقة استخدامِ
الشيخِ الطوسي للسياق والنظم بين الآياتِ في فهمِ النُصوصِ القُرآنيّةِ.
أمّا الفصلُ الرابعُ ، فقد تكلّمتُ فيه
بشيءٍ من التفصيلِ عن الجانبِ اللغوي في التبيان
موضّحاً طريقة استخدامِ المفسّرِ للّغةِ والإعرابِ والقراءةِ والشعرِ والأمثالِ في
استيضاحِ المعنى المرادِ بيانه.
وفي الباب الثالث تطرّقتُ بفصلينِ مستقلّينِ
عن علومِ القرآنِ وعقائدِ الإماميّةِ على التوالي :
ففي الفصلِ الأوّلِ تعرّضتُ لموقفِ
الشيخِ الطوسي من علومِ القرآن كالناسخ والمنسوخ والتأويلِ وأسبابِ النزولِ والمُحكَمِ
والمتشابهِ وآياتِ الأحكامِ.
أمّا الفصل الثاني من هذا البابِ فقد أفردتهُ
للحديث عن عقائدِ الإماميّة ، وتطرّقتُ فيه إلى أُصول الدين : التوحيد والعدلِ
والنُبُوّةِ والإمامةِ والمَعادِ ، وما يتفرّعُ من مسائلَ كالتقيّةِ والعِصمةِ
والصفاتِ وخَلْقِ القرآنِ وأَفعالِ العبادِ والحُسْنِ والقُبْحِ والمُتْعةِ وغيرِها.
وبهذا حاولتُ الكشفَ عن المنهجِ
التفسيري للشيخ الطوسي مُستعيناً بالله تعالى ومستمدّاً منه القوّةَ ؛ إذ لاحولَ
لي ولاقوّةَ بسواهُ ، واللهَ أسالُ أن يهديَنا سُبُلَ الرشادِ ، ويوفّقنا للعلمِ
والعملِ بكتابِ الله ، إنّه نِعمَ المولى ونِعْمَ النصيرُ ، والحمدلله ربّ
العالمين.
البابُ
الأوّل
الطوسي ، حياته ، ثقافته ،
عصره
|
الفصل الأوّل : حياته ، ثقافته
الفصل الثاني : عصره
|
الفصل الأول :
حياة الشيخ الطوسي وثقافته
حياة الشيخ الطوسي
الشيخُ الطوسي هو أبو جعفر محمّدُ بنِ
الحسنِ بنِ عليِ بنِ الحسنِ الطوسي.
« المولودُ في شهر رمضانَ عام ٣٨٥ ه » في طوس بإيران ، والذي كان قد نشأ فيها ، وترعرعَ وإلى أن بلغَ الثالثةَ
والعشرين من عُمرِهِ ، عندها عزم على الهِجرة إلى العراق ، فنزل بغداد عام ٤٠٨ ه.
وقد تعرّضتْ مدينةُ طوسَ للعديدِ من
النكبات ، وصارتْ هَدفاً لأعداءِ أهل البيتِ ، شأنها
__________________
شأن غيرها من المُدن
الإسلاميّة المقدّسةِ التي ضَمّتْ مراقدَ آلِ محمّدٍ 7
، فقد ضُربت هذه المدينة ثلاث مرّات : هدمها للمرّة الأُولىٰ الأمير سبكتكين
، وقوّضها للمرّة الثانية الغزنويّون ، وأتلفتها للمرّة الثالثة عاصفةُ الفتنة
المغوليّة عام ٧١٦ ه على عهد الطاغية جنگيزخان ، وقد تجدّدت أبنيتُها ، وأُعيدت آثارها
بعد كلّ مرّة
، وهي اليوم ـ مع ماحلّ فيها من تخريب ودمار ـ من أجلّ معاهد العلم عند الشيعة.
« وفيها خزانة كتب للإمام الرضا 7 » .
وقدكانت طوسُ إحدى المراكز العلميّة
المهمّةِ في إقليمِ خراسانَ ، والذي « يُنسبُ إليه خَلْقٌ كثيرٌ من العلماءِ في كلّ
فنٍّ »
، حيث نبغَ فيها فحولُ العلماءِ من المهاجرينَ إليها والمتولّدينَ فيها ، ومن بين
هـؤلاء أبو أحمدُ محمّد بن محمّدٍ بنِ أحمدَ الغزّالي صاحب كتاب إحياء
العلوم مدرّس النظاميّةِ ببغدادِ ، وحسن بن
فضل بن حسن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان
الذي يُعَدّ من مراجع كتب التفسير ، ومحمّد بن حسين بن عبدالصمدِ الحارثي العاملي
المعروف بالشيخِ البهائي ، أو بهاءِ الدينِ العاملي ، ومنهم الشيخُ محمّد بن الحسن
بن عليّ الحرّ العاملي صاحب وسائل الشيعة
، والجواهر
السنّية ، من مراجع كتب الحديث ، وأبوالقاسم
محمودُ بنُ عمر بن محمّد الملقّب بالزمخشري صاحب كتاب تفسير
الكشّاف ، وأبوجعفر محمّد بن الحسنِ الطوسي
صاحب التهذيب
والاستبصار
وتفسير
التبيان ـ مفسرنا ـ والفيلسوفُ العالم نصير الملّة
والدين محمّد بن محمدِ الطوسي الحكيم والفلكي المعروف ، والمحدّثُ الفقيه أبو
عبدالرحمن أحمد بن عليّ بن شعيب النسائي صاحبُ كتاب الخصائص والسنن
، وأبوبكر أحمدُ بن الحسينِ البيهقي ، الفقيهُ الشافعي ، وأبو الفتح محمّد بن عبدالكريم
الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنِحل
، والعالم اللغوي الشهير عبدالملك بن محمّد بن إسماعيل الثعالبي الملقّب بالفرّاء
صاحب كتاب فقه
اللغة ويتيمة الدهر وسحر البلاغة
، ثمّ
__________________
العالمُ المنطـقي المعروفُ
سعدُ بنُ عمرَ بن عبدالله التفتازاني مصنّفُ كتاب التهذيب
في المنطـق والمطوّل
في المعاني والبيان ، وأبو نصر إسماعيل بن حمّاد الفارابي المعلّم الثاني ، والعالمُ
الرياضي الحكيمُ الخيّامُ ؛ هؤلاء هم بعضُ الذين نبغوا من أرض طوسَ ، وتركوا
للعالم آثاراً أبديّة .
وممّا أضفى على هذهِ المدينةِ أهميّةً كُبرى
هو مرقدُ الإمام عليّ بن موسى الرضا 7
ثامن أئمّة الشيعةِ الاثني عشريّة ، وهي لذلك مهوى أفئدتِهم ، يؤمّونها من الأماكن
البعيدةِ والبلدانِ النائيةِ ، ويتقاطرون اليها من كلّ حدبٍ وصوبٍ للتبرّكِ
بالعتبةِ المقدّسةِ .
وقد ترعرعَ الشيخ الطوسيّ في مَسقَطِ رأسهِ
، ودرسَ فيها علومَ اللغة والأدبِ والفقهِ والحديثِ وعلمَ الكلامِ ؛ ليهاجر بعدها
إلى العراقِ
« حاملاً من الثقافةِ الإسلاميّةِ فنونَها » .
وهناك استقرّ الطوسي في بغدادَ ، حيث
كانتْ تعجُّ بالثقافةِ والعلومِ ، ويقصدُها طلابُ المعرفةِ من كلّ بلادٍ ، وصادفَ
وصولهُ إلى بغدادَ بعدَ تربّعِ الشيخ المفيدِ على كرسي الزعامةِ الفكريّةِ للمذهبِ
الجعفري ، وبعد أن قَطعَ شوطاً بعيداً في مجالِ العلمِ والمعرفة ، الأمرُ الذي جعلَ
حلقاتِ درسِهِ زاخرةً بطلبةِ العلومِ « فكان يحضر مجلسَهُ خَلْقٌ كثيرٌ من العلماءِ
من سائرِ الطوائفِ
».
مما يُؤكّدُ موضوعيّةَ الشيخِ المفيدِ
احترامُ الناسِ له ، وإنِ اختلفوا معه في الرأي أو الانتماء المذهبي ، فكان لهذهِ
الأجواءِ تأثيرٌ بالغٌ في اجتذابِ الطلاّب إلى بغدادَ والتي كانت في ذلك الوقت
عاصمةً للخلافةِ ، حتّى صار شيخُنا الطوسي واحداً من بين العديدينَ الذين
__________________
أمّوا بغداد وقَصَدوها
، وقد تتلمذَ صاحبُنا على يد الشيخِ المفيدِ آنذاك ونهل من معارِفِه وعلومهِ ماشاء
الله.
وَتْلمذةُ الطوسي على يدِ الشيخِ المفيدِ
، تدلّ على أنّ مفسّرنا كانَ قد قطعَ شوطاً كبيراً من دراستهِ في مَسقطِ رأسهِ قبل
هجرتهِ إلى بغدادَ ، ممّا أهّلَهُ لأن يَحظى بموقعٍ متقدِّمٍ في مَجال الدراسةِ
التي يَشرف عليها الشيخُ المفيدُ مباشرةً ، وهو صاحبُ الزعامةِ الفكريّةِ للشيعةِ
الإماميّةِ آنذاك.
وقد أثنى على الشيخِ الطوسي جمعٌ من
العلماءِ والمؤرّخينَ ، وهنا نورِدُ بعضَ أقوالِهم :
فالعلاّمةُ الحلّي ( ت ٧٢٦ ) يصفهُ بأنّه
:
|
شيخُ الإماميّةِ ووجهُهم ورئيسُ
الطائفة ، جليلُ القدر ، عظيمُ المنزلةِ ، ثقةٌ ، عينٌ ، صدوقٌ ، عارفٌ بالأخبار
والرجالِ والفقهِ والأُصولِ والكلامِ والأدبِ ، وجميعُ الفضائل تنسب إليه ، صنّف
في كلّ فنونِ الإسلامِ ، وهو المهذِّبُ للعقائد في الأُصول والفروع الجامعُ
لكمالاتِ النفسِ في العلمِ والعملِ .
|
وقال الشيخُ المجلسي بحقّه : « ثقة ،
وفضلُه وجلالتُه أشهرُ من أنْ يحتاجَ إلى بيان ».
وقال السيّد بحرُ العلومِ في الفوائد
الرجاليّة عند ترجمته للشيخ الطوسي :
|
شيخُ الطائفةِ المُحقّةِ ، ورافعُ أعلامِ
الشريعةِ الحقّةِ ، إمامُ الفرقةِ بعدَ الأئمّةِ المعصومينَ ، وعِمادُ الشيعةِ
الإماميّة ، في كلّ مايتعلّقُ بالمذهب والدين ، محقّقُ الأُصولِ والفروعِ ، ومهذِّبُ
فنون المعقولِ والمسموعِ ، شيخُ الطائفةِ على الإطلاقِ ، ورئيسُها الذي تُلْوى
إليه الأعناقُ ، صنّف في جميعِ علومِ الإسلامِ ، وكان القدوةَ في كلّ ذلك .
|
ويصفه الأردبيلي بأنّه « رئيسُ الطائفةِ
».
__________________
وابن كثير يصفه : « فقيهُ الشيعةِ » .
وابن الجوزي ينعتُه بعبارة : « متكلمُ
الشيعةِ »
، والمتكلّمُ يعني فيما يعني ، اهتمامُه بالعقائد والفلسفة ، ومثل هذه الأقوالِ أو
مايشبهُها من الثناء والإطراء اقترنتْ مع اسم الشيخِ الطوسي ، حال ذكره أو ترجمته
من قِبَلِ العلماءِ والرواة وأصحابِ التراجمِ والسيرِ ، وهنا نوردُ بعضاً ممن أطراهُ
من الأعلام :
أ) من أعلامِ أهلِ السنّة
١. ابن الأثير عزّالدين أبوالحسن علي بن
أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبدالكريم الشيباني الجزري ( ت ٦٠٦ ه ).
٢. ابن حجر شهابالدين أبوالفضل أحمد بن
عليّ العسقلاني
( ت ٨٥٢ ه ).
٣. ابن كثير عمادُالدين أبوالفداء إسماعيل
بن عمر القرشي
( ت ٧٧٤ ه ).
٤. أبوالفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي ( ت ٥٩٧ ه ).
٥. تاج الدين أبونضر عبدالوهاب بن عليّ
بن عبدالكافي السبكي ( ت ٧٧١ ه ) .
٦. الشيخ محمودُ أبو زهرة المصري .
٧. الدكتور محمودُ محمّد الخضيري .
__________________
ب) من أعلام الشيعة
١. معاصره الشيخ أبوالعبّاس النجاشي ( ت
٤٥٠ ه ) .
٢. العلاّمة الحلّي جمال الدين أبومنصور
الحسن بن يوسف الحلّي ( ت ٧٢٦ ه ) .
٣. الشيخ محمّد باقر المجلسي ( صاحب البحار
) ( ت ١١١١ ه ) .
٤. المحدّث الشيخ يوسف البحراني ( ت
١١٨٦ ه ) .
٥. الشيخ حسين بن الشيخ عبدالصمد الحارثي
( ت ٩٨٤ ه ) والد الشيخ البهائي.
٦. المحدّث الشيخ ميرزا محمّد حسين
النوريّ النجفي ( ت ١٣٢٠ ه ) .
٧. العلاّمة الشيخ محمّد باقر
الخوانساري ( ت ١٣١٣ ه ) .
٨. العلاّمة الميرزا محمّد بن عليّ
الاسترابادي ( ت ١٠٢٨ ه ) .
٩. الحافظ محمّد بن عليّ بن شهر آشوب
المازنداراني ( ت ٥٨٨ ه ) .
١٠. الشيخ أبو علي الحائري ( ت ١٢١٥ ه )
.
١١. العلاّمة السيّد حسن الصدر الكاظمي
( ت ١٣٥٤ ه ) .
هذا وقد حظي شيخنا الطوسي بعناية خاصّة
من لدنِ الكتّابِ والعلماءِ والباحثينَ ، حيث
__________________
تَرجم له الكثيرون ،
ويكفي أن نشيرَ هنا إلى ماكتبهُ الشيخُ الدكتور محمّد هادي الأميني تحت عنوان «
مصادر الدراسة عن شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي »
اذ ذكر في كتابه هذا (٢٤٠) مائتين
وأربعين مصدراً عربيّاً وفارسيّاً ، كان بعضُها مطبوعاً والبعضُ الآخرُ مخطوطاً ،
وكلُّها تُتَرجمُ للشيخ الطوسي ، أو تذكرُ شيئاً عن أحواله ، الأمرُ الذي يعكس مكانةُ الطوسي وعلوَّ
شأنِه ، فاستحوذَ على اهتمام الدارسين والمؤرخين وأصحاب التراجمِ والسِّيرِ ، وهذا
مالايحصل عليه إلاّ أولئك الخاصّةُ من العلماءِ والمهتمّين في التاريخ.
شيوخه
تتلمذَ الشيخُ الطوسي على يد جملةٍ من
العلماءِ والشيوخِ سواءً في طوسَ أو في بغدادَ ، وكان هؤلاء الأساتذةُ والشيوخُ
ينتمونَ إلى مذاهبَ إسلاميّةٍ مختلفةٍ ، ففيهم علماء الإماميّة والزيدية واهل
السنة ، الامر الذي ساهم وبشكل فعال في خلق الثقافة الموسوعيّة لمفسرنا ، كما وطبع
شخصيته بشيء من الانفتاح ، ومنحها خاصية التحري والاستقصاء ، بعد ان وقف على مالدى
جمعٍ من علماء الإسلام من مختلف المذاهب الإسلاميّة ، وبهذا يكون الطوسي قد درس
جملة من المذاهب والافكار على يد اصحابها وعلمائها ، لذا نجده حينما يناقش اراء
العلماء او يحاورهم يمتاز بالدقة والموضوعية وسعه الاطلاع ، وقداستفاد ذلك كله من
الاجواء العلمية المنفتحة والحرية الفكرية التي كانت سائدة في عصره ، وخاصةً ايام
العهدالبويهي ، فنهل من العلوم ماشاء الله على يد جمعٍ كثيرٍ من علماء المسلمين. ويبدو
ان مشايخ الطوسي في الرواية واساتذته في القراءة كثيرون ، وقدبلغ عدد هؤلاء
الشيوخ سبعةً وثلاثين شخصاً
، كان قد ذكرهم الشيخ الطوسي في مؤلفاته العديدة ، الا ان الذين اكثر الرواية عنهم
وتكرر ذكرهم في الفهرست
وفي كل من كتابيه : التهذيب
والاستبصار
، كانوا خمسةً ، وهم :
١. الشيخ ابو عبد الله احمد بن
عبدالواحد بن احمد البزاز المعروف بابن الحاشر ، او
__________________
ابن عبدون والمتوفّى
سنة ٤٢٣ هـ.
وفيه يقول الطوسي : « سمعنا منه واجاز
لنا بجميع مارواه ».
٢. الشيخ احمدبن محمد بن موسى المعروف
بابن الصلت الاهوازي ، المتوفّى سنة ٤٠٩ هـ.
٣. الشيخ ابوعبد الله الحسين بن
عبيداللّه بن الغضائري المتوفّى سنة ٤١١ هـ.
وقال فيه الطوسي : « سمعنا منه واجاز
لنا بجميع مارواه ».
٤. الشيخ ابوالحسين علي بن احمدبن محمد
بن ابي جيد القمي والمتوفى بعد سنة ٤٠٨ ، حيث كان حيا عند وصول الشيخ الطوسي إلى بغداد
في ذلك التاريخ.
٥. شيخ الامة ابوعبد الله محمد بن محمد
بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد والمتوفى سنة ٤١٣ هـ.
اما غير هؤلاء من شيوخه ، فقد ذكرهم ،
ولكن لا بهذه الكثرة ، وفيما يلي اسماء هؤلاء الشيوخ الذين روى عنهم والذين ذكرهم
أهل التراجم والسير
مرتبة على حروف الهجاء :
١. ابوالحسين الصفار ، أو ابن الصفار.
٢. ابوالحسين بن سوار المغربي ، وهو من
مشايخ الطوسي من علماء أهل السنة.
٣. الشيخ ابوطالب بن غرور.
٤. القاضي ابوالطيب الطبري الحويزي.
٥. ابو عبد الله اخو سروة.
٦. ابو عبد الله بن الفارسي.
٧. ابو علي بن شاذان المتكلّم ، وهو من
شيوخه من علماء أهل السنة.
__________________
٨. ابو منصور السكري وهو من علماء
الزيدية .
٩. احمد بن إبراهيم القزويني.
١٠. ابوالحسين وابوالعباس احمد بن علي
النجاشي ، صاحب كتاب الرجال
المتولد سنة ٣٧٢ ه والمتوفى سنة ٤٥٠ هـ.
١١. جعفربن الحسين بن حسكة القمي.
١٢. الشريف ابومحمد الحسن بن احمدبن
القاسم بن محمد بن علي بن ابي طالب 7
المحمدي نسبةً إلى محمد بن الحنفية بن الامام علي 7.
١٣. ابو علي الحسن بن محمد بن اسماعيل
بن محمد بن اشناس المعروف ، بابن الحمامي البزاز المولود سنة ٣٥٩ ه والمتوفى في
الثالث من ذي القعدة سنة ٤٣٩ ه .
١٤. ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن
داود الفحام المعروف بابن الفحام ، السرمن رائي ـ السامرائي ـ المتوفّى سنة ٤٠٨ هـ.
١٥. ابو الحسين حسنبش المقرئ.
١٦. ابو عبد الله الحسين بن إبراهيم القزويني.
١٧. ابو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن
على القمي المعروف بابن الخياط.
١٨. الحسين بن ابي محمد هارون بن موسى
التلعكبري.
١٩. ابو محمد عبدالحميدبن محمد المقرئ
النيسابوري.
٢٠. ابو عمرو عبدالواحدبن محمد بن عبد
الله بن محمد بن مهدي بن خشنام المولود سنة ٣١٨ ه ، والمتوفى سنة ٤١٠ ه ، وهو من
مشايخ الطوسي من علماء السنة.
٢١. ابو الحسن على بن احمدبن عمربن حفص
المقرئ المعروف بابن الحمامي المولودسنة ٣٢٨ ه والمتوفى سنة ٤١٧ هـ.
٢٢. السيد المرتضى علم الهدى ابوالقاسم
علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن
__________________
ابراهيم بن الامام
موسى الكاظم 7 المتوفّى سنة
٤٣٦ ه ـ ، وهو من اشهر اساتذته.
٢٣. ابوالقاسم على بن شبل بن اسد الوكيل
المتوفّى سنة ٤١٠ هـ.
٢٤. القاضي ابوالقاسم علي التنوخي ابن
القاضي ابي علي المحسن بن تميم القحطاني ، وهو من مشايخ الطوسي من علماء أهل السنة
، وكان قد ولد سنة ٣٧٠ ه ، وتوفي سنة ٤٤٧ ه .
٢٥. ابوالحسين علي بن محمد بن عبد الله
بن بشران المعروف بابن بشران المعدل ، وهومن علماء أهل السنة.
٢٦. محمد بن احمدبن ابي الفوارس الحافظ
، وهو من علماء أهل السنة.
٢٧. ابو زكريا محمد بن سليمان الحراني
من أهل طوس.
٢٨. محمد بن سنان وهو من مشايخ الطوسي
من علماء أهل السنة.
٢٩. ابو عبد الله محمد بن علي حموي
البصري المتوفّى سنة ٤١٣ هـ.
٣٠. محمد بن على بن خشيش بن نضربن
جعفربن إبراهيم التميمي ، وهو من مشايخ الطوسي من علماء أهل السنة ، وقد روى عنه
في اماليه اخباراً كثيرة.
٣١. ابوالحسن محمد بن محمد بن محمد بن
مخلد البزاز المولود سنة ٣٢٩ ه والمتوفّى سنة ٤١٩ ه ، وهو من مشايخه من علماء
أهل السنة .
٣٢. السيد ابوالفتح هلال بن محمد بن
جعفر الحفار المولود سنة ٣٢٢ ه والمتوفّى سنة ٤١٤ ه وهو من مشايخ الطوسي من
علماء أهل السنة .
وباضافة الخمسة الاوائل من شيوخه ، والذين
اكثر الرواية عنهم يبلغ عددهم سبعةً وثلاثين شخصاً ، وقداكد هذا العدد السيد محمد صادق
بحر العلوم ، عندما ترجم للشيخ الطوسي في مقدمة كتبها لرجال
الشيخ الطوسي ، ولكتاب الأمالي
، بشيء من التفصيل ،
__________________
واخرى مختصرة لكتاب الفهرست
للشيخ نفسه ، وبهذا يتفق مااورده السيد بحر العلوم مع مااورده المؤرخ الشهير اية
الله اغا بزرك الطهراني ، حينما كتب عن حياة الشيخ الطوسي رسالة قيمة ، قدم بها
لتفسير التبيان
المطبوع في النجف الاشرف.
تلاميذَ الشيخِ
الطوسي
ما ان استقلّ الشيخ الطوسي بزعامة
المذهب الامامي عند وفاة الشريف المرتضى عام٤٣٦ في بغداد حتّى صارت داره في الكرخ
مأوى الأُمّةٌ ومقصد الوفّاد وقد انهال العلماءعلى دروسه ، واجتمع تحت منبره جمعٌ من
التلاميذ بلغ عددهُم اكثر من ثلثمائةِ مجتهدٍ
، ومن العامّة مالا يُحصى كثرةً .
وقد اورد العلامة اية الله اغاز بزرك
الطهراني في مقدّمة التبيان
، وكذلك السيد محمّد صادق بحر العلوم في مقدّمة رجال الطوسي
واماليه
قائمةً باسماء تلامذة الشيخ الطوسي بلغ عددهم فيها ستة وثلاثين شخصاً ، ويبدو أنّ
هؤلاء الذين ذكرت أسماؤهم في كتب التراجم كانوا من المشاهير فعرفوا ، بينما خُفيت أسماءُ
غيرهم إمَا لقلَة آثارهم ، أو لضياعها ، او لأنّهم لم يتركوا أثراً أصلاً.
وهنا نورد ماذكره علماء الرجال
والمفهرسون من أسماءِ تلاميذِ الشيخِ الطوسي
حسب حروف الهجاء :
١. الشيخ الفقيه آدم بن يونس بن أبي
المهاجر النسفي.
٢. الشيخ المؤلف ابوبكر أحمد بن الحسين
بن احمد الخزاعي النيسابوري.
٣. الشيخ أبو طالب إسحاق بن محمد بن
الحسن بن الحسين بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي.
__________________
٤. الشيخ أبو إبراهيم إسماعيل شقيق إسحاق
بن بابويه القمّي المتوفّى سنة ٥٠٠ هـ.
٥. الشيخ الثقة أبوالخير بركة بن محمد
بن بركة الأسدي.
٦. الشيخ الثقة المصنّف أبوالصلاح تقي
بن نجم الدين الحلبي.
٧. السيد المحدث أبو إبراهيم جعفربن علي
بن جعفر الحسيني.
٨. الشيخ الإمام المصنّف أبو محمّد شمس الإسلام
الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بحسكا ، المتوفّى سنة ٥١٢ هـ.
٩. الشيخ الفقيه أبو محمّد الحسن بن عبد
العزيز بن الحسن الجبهاني.
١٠ ـ الشيخ أبو عليّ الحسن بن شيخ الطائفة
الشيخ الطوسي.
١١. الشيخ الإمام موفق الدين الفقيه
الحسين بن الفتح الواعظ البكر آبادي الجرجاني.
١٢. الشيخ الإمام محيي الدين أبو عبد
الله الحسين بن مظفر بن عليّ بن الحسين الحمداني نزيل قزوين.
١٣. السيد عمادالدين أبوالوضاح
ذوالفقاربن محمّد بن معبد الحسيني المروزي.
١٤. السيد الفقيه ابو محمّد زيد بن علي
بن الحسين الحسيني أو الحسني.
١٥. السيد الفاضل زين بن الداعي الحسيني.
١٦. الشيخ الفقيه سعدالدين بن البرّاج.
١٧. الشيخ الفقيه أبوالحسن سليمان بن
الحسن بن سليمان الصهرشتي.
١٨. الشيخ المحدّث شهرآشوب السروي
المازندراني ، جدّ الشيخ محمد بن علي مؤلف معالم العلماء
والمناقب.
١٩. الشيخ الفقيه صاعدبن ربيعة بن أبي
غانم.
٢٠.الشيخ أبوالوفاء عبدالجبار بن عبد
الله بن عليّ المقرئ الرازي المعروف بالمفيد المتوفّى سنة ٥٠٦ هـ.
٢١. الشيخ أبو عبد الله عبد الرحمن بن أحمد
الحسيني الخزاعي النيسابوري المعروف بالمفيد أيضاً.
٢٢. الشيخ الفقيه موفّق الدين أبو القاسم
عبيداللّه بن الحسن بن الحسين بن بابويه.
٢٣. الشيخ أبو القاسم سعد الدين عزّ المؤمنين
عبدالعزيز بن نحريربن عبدالعزيزالمعروف بابن البراج قاضي طرابلس المتوفّى سنة ٤١٨
هـ.
٢٤. الشيخ الفقيه عليّ بن عبدالصمد
التميمي السبزواري.
٢٥. الأمير الفقيه غازي بن أحمد بن أبي
منصور الساماني.
٢٦. الشيخ الإمام جمال الدين محمد بن أبي
القاسم الطبري الآملي.
٢٧. الشيخ الامين ابو عبد الله محمد بن أحمد
بن شهريار الخازن لمشهد الامام علي 7
وهو صهر الشيخ الطوسي على إحدى بناته .
٢٨. الشيخ محمّد بن الحسن بن عليّ الفتّال
صاحب كتاب ( روضة الواعظين ) المتوفّى سنة ٥٠٨.
٢٩. الشيخ الفقيه أبوالصلت محمّد بن
عبدالقادر بن محمد.
٣٠ ـ الشيخ المؤلف الفقيه ابوالفتح محمّد
بن على الكراچكي.
٣١. الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن
الحسن الحلبي.
٣٢. الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمّد بن
هبة الله الطرابلسي.
٣٣. السيد صدر الأشراف المرتضى أبوالحسن
المطهربن أبي القاسم علي بن أبي الفضل محمّد الحسيني الديباجي.
٣٤. السيّد الفقيه المنتهى بن أبي زيد بن
كيابكي الحسيني الجرجاني.
٣٥. العالم الفاضل الفقيه الوزير
ذوالمعالي زين الكفاة أبوسعيد منصوربن الحسين الآبي.
٣٦. السيد الثقة الفقيه المحدّث أبو
إبراهيم ناصر بن الرضا بن محمّد بن عبد الله العلوي الحسيني.
ثقافة الشيخ الطوسي
ابتدأ الشيخُ الطوسي حياتَه العلميّةَ
في طوسَ ، حيث كانت هذه المدينةَ إحدى مراكز
__________________
العلم المهمّةِ في
خراسانَ ، ذلك الإقليم الواسعُ الذي أنجب الكثير من العلماء والأُدباء والمفكرينَ
، وبها درس الطوسي علومَ اللغةِ والأدبِ والفقهَ واُصولَه والحديثَ وعلمَ الكلام ،
والتي هي مقدّماتٌ اساسيّةٌ لمن أراد أن يواصل دراستَه العلميّةَ العاليةَ في
الجامعاتِ الإسلاميّةِ ذاتِ النَمطِ الحوزوي.
وعندما اتقنَ الشيخُ الطوسي تلك المقدّماتِ
شدّ الرحالَ إلى بغدادَ ، وذلك عام ٤٠٨ ه ، حيث كانت هذه المدينةُ نقطةَ جذبٍ لكلّ
طامعٍ في الاستزادةِ من المعارفِ والعلومِ الإسلاميةِ.
وعندما نزل الشيخُ الطوسي بغدادَ كانت
الزعامةُ للمذهبِ الجعفري قد آلت للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري
البغدادي المعروف بالشيخ المفيد وبابن المعلّم ، وقد تتلمذَ شيخُنا الطوسي على يد
الشيخ المفيدِ ، وبقَي على اتصالٍ به حتّى وفاتِه سنة ٤١٣ ه .
ولاجل الوقوفِ على الحالةِ الثقافيّةِ
لمفسّرنا لابدّ من معرفةِ أحوال أساتيذِه ومكانِتهم العلميّةِ وسعة اطّلاعِهم التي
اغترفَ منها ، فكوّنتْ فيما بعد شخصيّته الثقافيّةَ والفكريّةَ :
فأُستاذُه الأوّلُ في بغدادَ الشيخُ
المفيد الذي كان موضعَ اعجابِ من ترجمَ له من الكتّابِ والمؤرّخينَ.
حيث يقول ابن كثير فيه :
|
محمّد بن محمّد بن نعمان أبو عبد الله
المعروف بابن المعلّم شيخ الإماميّة والمصنّف لهم والمحامي عن حوزتهم ، كانتْ
ملوك الأطراف تعتقدُ به لكثرة الميل للشيعة في ذلك الزمان ، وكان يحضر مجلسه خلقٌ
عظيمٌ من العلماء من جميع الطوائفِ والمللِ .
|
وأمّا ابن العماد الحنبلي ، فكان يصفه
بمايلي :
|
عالم الشيعة وإمام الرافضة ولسان
الإماميّة ، رئيس الكلام والفقه والجدل ، صاحب
|
__________________
وينعته ابن حجر العسقلاني بأنّه كثير
التقشّف والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج منه جماعة ، وبرع في المقالة
الإماميّة حتّى كان يقال : « له على كل امام مَنّةُ ».
أمّا الذهبي فقد امتدحه بقوله : « كان
ذاجلالة عظيمة وكان خاشعاًً متعبّداً متألّهاً ».
وقدترجم له أحد معاصريه وهو ابن النديم
فقال :
|
ابن المعلّم أبو عبد الله في عصرنا
انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة ، مقدّم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه ، دقيق
الفطنة ماضي الخاطر ، شاهدتُه فرايتُه بارعاً .
|
وذكره أبو حيان التوحيدي فقال : « كان
ابن المعلّم حسنَ اللسان والجدل ، صبوراً على الخصم ضنين السر جميل العلانيّة ».
وذكرُه أيضاً اليافعي فقال :
|
كان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة
والعظمة في الدولة البويهيّة ، وكان كثير الصدقات عظيمَ الخشوع كثيرَ الصلاة
والصوم ، حسن الملبس ، وكان شيخاً ربعةً نحيفاً أسمر ، عاش ستاً وسبعين سنةً ،
وله أكثر من مائتي مصنّفٍ ، وكان يوم وفاته مشهوراً ، وشيّعته ثمانون ألفاً .
|
ويقول ابن الجوزي فيه :
|
كان لابن المعلّم مجلس نظر بداره بدرب
رياح يحضره كافة العلماء ، وكانت له منزلة عند أُمراء الأطراف ، يميلهم إلى
مذهبه .
|
أما شيخنا الطوسي فقد ترجم لأُستاذه
الشيخ المفيد بما نصّه :
__________________
|
انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته ،
وكان مقدّماً في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ،
دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار ، وفهرست كتبه
معروف ، وتوفّي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ٤١٣ ه ، وكان يوم وفاته يوماً لم
يُرَ أعظمَ منه من كثرة الناس الذين حضروا للصلاة عليه ، وكثرة البكاء من
المخالف والموافق .
|
ثم عدّ الشيخ الطوسي بعض كتبه ، وذكر
قراءتها عليه وسماعها عنه.
وقد تتلمذ شيخنا الطوسي على يد اُستاذه
المفيد لمدّة خمس سنوات ، ابتدأها منذ أوّل نزوله بغداد عام ٤٠٨ ه ، ولم ينقطع عنه
حتّى وفاته عام ٤١٣ ه ، وكان خلال هذه الفترة قد درس الأُصول والكلام ، كما وأنّه شرع بالتأليف منذ ذلك
الوقت المبكر ، حيث شرح كتاب أُستاذه المفيد ، والمسمى بكتاب المُقْنِعة
، وقد سمّى كتابه ب تهذيب الأحكام
والذي ضمّنه الأدّلة الفقهية والأحاديث ، وردّ الشبه المثارةَ حولَ العقيدةِ والأحاديثِ
المرويّةِ عن أئمة أهل البيت :
، وقدظهر تأثُّر الشيخ الطوسي بأُستاذه المفيدِ واضحاً في هذا الكتاب الذي أصبح
فيما بعد أحدَ الأُصول الأربعةِ التي يرجُع إليها المجتهدون من الإماميّة عند
استنباطهم للأحكامِ الشرعيّةِ.
ومعلوم أنّ الشيخَ الطوسي كان قداستفاد
كثيراً من علوم أُستاذه المفيدِ ، خاصّةً إذا علمنا أنّ مجلسه كان يحضَره جماعة من
العلماءِ من مختلفِ المذاهبِ الإسلاميّةِ .
ومن الطبيعي أنّ الاحتكاكَ بمثل هؤلاءِ
العلماء من شأنهِ ان يمنحَ الشيخَ الطوسي فرصةً أكبَر في الاستزادةِ ممّا عند الآخرين
، ويوفّرَ له الكثيرَ من المجالاتِ في معرفةِ أفكارهم وآرائهم ومذاهبِهم ، خاصّةً
وإنّ تلك الفترَة كانت من أخصب الفتراتِ التاريخيّةِ التي مرّتْ بها الحياةُ الفكرّيةُ
بسببِ توفُّر الحريّةِ واستتبابِ الأمنِ والهدوءِ إبّانها ممّا طبعَ شخصيةَ مفسِّرنا
الثقافيةَ والعلميّةَ بطابعِ الشمولِ والعُمْق والموسوعيّةِ.
__________________
وبعد وفاة الشيخِ المفيدِ انتهتْ الزعامةُ
الفكريّةُ للشيعةِ الإماميّةِ إلى الشريفِ المرتضى ( ٣٣٥. ٤٣٦ ه ) ، والذي كان في
وقتها يتولّى نقابةَ الطالبيّينَ
وإمارةَ الحجِّ وديوانَ المظالمِ
، ويشغل منصَب قاضي القضاةِ
، كما وانّه يتصل من حيثَ النسب بالإمام عليّ بن أبي طالبٍ 7 ، ومع هذا كلَّه فهو يمتلكُ من الثقافةِ
والمعارِف والعلومِ ماتجعلهُ مؤهَّلاً ، لأنّ يَحظى بمكانةٍ خاصّةٍ على الصَعِيدَين
الشعبي والرسمي ، إذ أنّه كان قدحارْ على العلومِ مالمْ يدانِه فيه أحدٌ في زمانِه
.
« وكان اكثرُ أهل زمانه ادباء وفضلاء ».
« كما وأنه اخذ يجري على تلامذته رزقاً
كلٌّ بنسبته ».
ويمكننا هنا ان تُدرِكَ مدى فضل مفسرنا ومقدار علمه ، اذا ماعرفنا ان راتبه كان
اثني عشر ديناراً شهريّاً ، بينما كان راتب القاضي ابن البراج عبدالعزيزبن نحرير
ثمانية دنانير شهريّاً .
« وكان للمرتضى مجلسٌ يناظر عنده في كل
المذاهب »
، مما وفّر لشيخنا الطوسي فرصة أُخرى للاستفادة في هذا المجال ، حيث الاجواء
الفكرية المشبعة بالابداع والمهارة في فن المخاطبة والحوار وطرح الراي والدفاع عنه.
وفي ايام تلمذة الشيخ الطوسي على يد
الشريف المرتضى شرع مفسرنا في تلخيص كتاب الشافي لاستاذه المرتضى ، ووضع له عنواناً
تلخيص الشافي ، وقدبسط فيه المسائل بغية تقريبها لاذهان المتعلمين ، وذلك نظراً لأهمية
الكتاب الذي نقض به الشريف المرتضى
__________________
كتاب المغني
لعبد الجباربن احمد الهمداني احد شيوخ المعتزلة المتوفّى سنة ٤١٥ ه .
« وقد انهى الشيخ الطوسي تلخيص
الشافي في رجب سنة اثنتين وثلاثين واربعمائة » ويبدو ان الشيخ الطوسي كان قدنشط في
مجال التاليف ابان حياة استاذه المرتضى ، اذ كتب مجموعة من اهم مؤلفاته ، منها
كتاب الرجال
الذي بحث فيه عن احوال الرجال الذين رووا عن الرسول الاكرم (ص) ، او عن احد الائمة
من أهل البيت :
، او الذين رووا عنهم بالواسطة ، وعند ترجمته لاستاذه المرتضى نجده يقول : « ادام
الله ايامه ، او عبارة مد الله في عمره »
، مما يؤكد ان الشريف المرتضى لازال حيّاً وقت كتابة الرجال
، وإلا لترحّمَ عليه كعادته حينما يمر على ذكر المتوفين من الرجال اثناء ترجمته
لحياتهم ، وفي ذلك وجدناه يقول عندما يترجم لاستاذه الشيخ المفيد :
« والشيخ ابو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان المفيد ، رضي الله عنهم جميعاً ».
كما كتب الشيخ الطوسي كتاباً اخر بعنوان الفهرست
في حياة الشريف المرتضى ، حيث كتب فيه : « واخبرنا به الاجل المرتضى على بن الحسين
الموسوي ( ادام الله تاييده ) ».
وكان الشريف المرتضى قدعنى بتلميذه
الطوسي ، وبالغ في توجيهه اكثر من سائرتلامذته ، لماشاهده فيه من اللياقة التامة ،
وبقي الطوسي ملازماً لاستاذه المرتضى ثلاثةً وعشرين عاما من سنة ٤١٣ ه ، حيث
توفّي الشيخ المفيد ، والى عام ٤٣٦ ه ـ ، حيث وفاة الشريف المرتضى ، وقد افاد
الشيخ الطوسي من هذه الصحبة والتلمذة شيئاً كثيراً ، خاصّةً وان الشريف المرتضى
كان يعيش اجواء الانفتاح الفكري بين مختلف المذاهب الإسلاميّة ، يناظر العلماء ،
ويرد الشبهات ، ويدافع عن مذهبه بكل ما أُتي من علم ومعرفةٍ ، وقدكانت للشريف
المرتضى مكتبةٌ عامرةٌ يقول عنها ابوالقاسم التنوخي : « حصرنا كتبه فوجدنا
__________________
ثمانين الف مجلد من
مصنفاته ومحفوظاته ومقرواته »
حتى قيل : « انها قد قومت بثلاثين الف دينارٍ ، بعد ان اخذ منها الوزراء والرؤساء
شطراً عظيماً »
، ومعلومٌ انّ الشريف المرتضى كان شاعراً مجيداً ، له ديوان
شعرٍ في ثلاثة اجزاء ، طبع بمصر سنة ١٩٥٨ م ، وقد حققه ورتب قوافيه وشرح معانيه
المحامي رشيد الصفار ، وترجم اعيانه الدكتور مصطفى جواد ، وقدم له الشيخ محمدرضا
الشبيبي.
ان كل تلك المؤهلات التي اتصف بها
الشريف المرتضى والجو الفكري السائد في ذلك العصر وتوفر النادر من الكتب
والمخطوطات اثرت تاثيراً مباشراً وكبيراً على شخصية مفسرنا ، ومنحته القدرة في ان
يبلغ مرحلة النضوج العلمي ، واهلته لان يكون فيما بعد شيخاً للطائفة وعلماً من
اعلام التشيع.
ولعلَّ معارضة الشيخ الطوسي لاراء
استاذه الشريف المرتضى في بعض المسائل مثل حجية خبر الواحد والاجماع تدلُّ وبشكلٍ
واضحٍ على مدى تعمق الشيخ الطوسي وطول باعه في علم الاصول ، وكذلك تؤكد مدى
استيعاب اجواء الحرية الفكرية انذاك لمثل هذه الخلافات التي قد تحدث بين التلميذ
واستاذه دون ان تثير شيئاً من عدم الرضا لدى أيٍّ من المتعارضين ، وفي هذا المجال
يقول الشريف المرتضى :
|
ابطلنا في الشريعة العمل باخبار
الاحاد ، لانها لاتوجب علماً ولاعملاً ، واوجبنا ان يكون العمل تابعاً للعلم ،
لان خبر الواحد اذا كان عدلاً فغاية مايقتضيه الظن لصدقه ، ومن ظننت صدقه يجوز
ان يكون كاذبا ، وان ظننت به الصدق ، فان الظن لايمنع من التجويز ، فعاد الامر
في العمل باخبار الاحاد إلى انه اقدامٌ على مالانأمن من كونه فساداً .
|
كما واكد الاجماع في ذلك بقوله « ان
اصحابنا كلهم سلفهم وخلفهم ومتقدمهم ومتاخرهم يمنعون من العمل باخبار الاحاد ».
____________
وقد عارضه الشيخ الطوسي على ذلك تماماً
فقال بحجية خبر الاحاد ، واكد الاجماع أيضاً بقوله :
|
اما ما اخترته من المذهب فهو ان خبر
الواحد اذا كان واردا عن اصحابنا القائلين بالامامة ، وكان ذلك مروياً عن النبي 9 او عن احد الائمة 7 ، وكان ممن لايطعن في روايته ، ويكون
سديداً في نقله ، ولم يكن هناك قرينةٌ تدل على صحة ماتضمنه الخبر ، لانه ان كان
هناك قرينةٌ تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجباً للعلم ،
ونحن نذكر القرائن فيما بعد جاز العمل بها والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة
المحقة ، فاني وجدتها مجمعةً على العمل بهذه الاخبار التى رووها في تصانيفهم
ودونوها في اصولهم ، لايتناكرون ذلك ولايتدافعونه ، حتى ان واحداً منهم اذا افتى
بشيء لايعرفونه سالوه من اين قلت هذا؟ فاذا احالهم على كتابٍ معروفٍ او اصلٍ مشهورٍ
، وكان راويه ثقةً لاينكر حديثه سكتوا ، او سلموا الامر في ذلك ، وقبلوا قوله ،
وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي 9 ومن بعده من الائمة 7 : ومن زمن الصادق جعفر بن محمدٍ 7 الذي انتشر العلم عنه ، وكثرت
الرواية من جهته ، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزاً لما اجمعوا على ذلك
ولانكروه ، لان اجماعهم فيه معصومٌ لايجوز عليه الغلط والسهو .
|
ومثل هذه الاجواء العلمية الحرة التي
تبيح للتلميذ ان يعارض استاذه مازال يملك في معارضته دليلاً ، هي التي منحت الشيخ
الطوسي قدراً كافياً من الاقدام لان يضم إلى حلقات الدرس التي كان يشرف عليها بعض
اعلام أهل السنة من امثال : هلال بن محمد جعفر الحفار المتوفّى سنة ٤١٤ ه .
ومحمد بن محمد بن محمد بن مخلد المتوفّى
سنة ٤١٩ ه .
واحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر
المتوفّى سنة ٤٣٢ ه .
__________________
ومحمد بن احمد بن شاذان المتوفّى سنة
٤٢٥ ه .
وكان لهذه الحلقات اكبر الاثر في تفهم
الشيخ الطوسي للمذاهب الإسلاميّة المختلفة ، والاحاطة بها عن قربٍ ، وعلى السنة
ائمتها واعلامها المشهورين.
والمتتبع لحياة الشيخ الطوسي سواء في
ايام دراسته الاولى بمدينة طوس ، او اثناء وجوده في بغداد يستطيع القول بان عوامل
عديدةٍ استطاعت ان تصقل ثقافة الشيخ الطوسي ، وتمنحه هذه المكانة العلمية الكبيرة
والمتميزة التي يمكننا اجمالها في مايلي :
١. المؤهلات الذاتية التي يمتلكها الشيخ
الطوسي من ذكاء وفطنة وسرعة حافظةٍ ، ولعل نظرةً واحدةً في كتابه الأمالي توضح
للقارى ء ماحظي به الشيخ من موهبةٍ عقليةٍ عاليةٍ ، فهو يروي خطباً او رسائل كاملة
او احاديث مطوّلةٍ على ظهر قلبٍ مع ذكر السند واسماء الرواة وابائهم واجدادهم والقابهم
حتى يوصلهم إلى مصدر الحديث او الخطبة اوالرسالة سواء كانت عن النبي 9 او عن احد الائمة : ، مثال ذلك قوله : وعنه عن شيخه 2 قال : حدثني ابوعبد الله محمد بن محمد
بن النعمان ; قال :
|
اخبرني ابوالحسن علي بن محمد بن الحسن
الكاتب ، قال : اخبرني الحسن بن علي الزعفراني ، قال :
اخبرني ابواسحاق إبراهيم بن محمد
الثقفي ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال : حدثنا علي بن محمد بن
ابي سعيد عن فضيل بن جعد عن ابي اسحاق الهمداني قال : لما ولى اميرالمؤمنين علي
بن ابي طالب ( صلوات الله عليه ) محمد بن ابي بكر مصر واعمالها كتب له كتاباً ،
وامره ان يقراه على أهل مصر ، وليعمل به ، اوصاه به فيه ، وكان الكتاب : بسم
الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب إلى أهل مصر
ومحمد بن ابي بكر .
|
ثم يستمر في قراءة رسالةٍ مطوّلةٍ
استغرقت اكثر من ست صفحاتٍ من كتاب الأمالي ، الامرالذي يؤكد قوة الحافظة لديه ،
وتمكنه من الاستيعاب ، وقدرته على التلقي.
٢. توفر للشيخ الطوسي من الاساتذة مالم
يتوفر مثلهم لغيره من الطلبة كالشيخ المفيد
__________________
والشريف المرتضى
واخرين كثيرين ، فنهل من علومهم ماشاء اللّه.
٣. توفرت للشيخ الطوسي مكتباتٌ ودور علمٍ
زاخرةٍ بجميع المصنفات النفيسة ، وفي مختلف الفنون والعلوم والاداب ما اهله لان
يغترف من محتوياتها وكتبها ماوهبه ثقافةً موسوعيةً رائعةً ، ومن اهم تلك المكتبات
مكتبةٌ الوزير البويهي سابور بن اردشير ، والتي كانت تضم اكثر من عشرة الاف مجلّدٍ
. والمكتبة
الاخرى هي مكتبة الشريف الرضي ، والتي كانت تمنح الطلاب ما يحتاجون إليه من وسائل ماديّةٍ
، ثم مكتبة الشريف المرتضى ، والتي كان فيها ثمانون الف مجلّدٍ .
٤. التقارب بين علماء المذاهب الإسلاميّة
المختلفة ، وماسبب ذلك من انفتاح فكري بين مختلف الطوائف الإسلاميّة يظهر جليّاً
من خلال المناظرات والمناقشات وشيوع الجدل والحوار في المسائل المختلف عليها ، مما
يشجع على التعمق والاستقصاء لاثراء الموضوعات واشباعها بحثاً وتفصيلاً « وكان لدى
الشيخ المفيد مجلس يحضره خلقٌ كثيرٌ من العلماء من سائر الطوائف » ، « وكان للشريف المرتضى أيضاً مجلس
يناظر عنده في كل المذاهب ».
٥. جاء اختيار بغداد من قبل الشيخ
الطوسي لان تكون مكاناً لدراسته موفقاً جداً ، حيث كانت هذه المدينة في وقتها
ملتقى لرجال الفكر والعلم والادب وعاصمةً للدولة ومقرّاً للخلافة ومركزاً للحضارة الإسلاميّة
العظيمة
، وكان التنافس فيها بين الدارسين على اشده ، لذلك نبغ فيها الكثيرون من الفقهاء ،
بالاضافة إلى ذلك فقد كانت التسهيلات للطلبة الوافدين إلى بغداد مبذولةً ، حيث يجد
الطلاب المقام والماوى .
__________________
٦. كان باب الاجتهاد مفتوحاً على
مصراعيه بسبب الحرية واتساع الفكر ومرونته ، الامر الذي حفز الشيخ الطوسي لان يكمل
الاشواط الدراسية المطلوبة ، وفعلاً فقد تم له ما اراد بعد جهدٍ جهيدٍ ومثابرةٍ
عالية ، حتى صار « شيخ الطائفة وعمدتها
، ولقب بالامام الاعظم ».
مؤلفات الشيخ الطوسي
استطاع الشيخ الطوسي ـ بما يملك من
ثقافةٍ وموهبةٍ وسعة اطّلاعٍ ـ ان يثري المكتبة الإسلاميّة بمؤلفاتٍ هي غاية في
الاهمية والجودة ، حيث استقى مادة مؤلفاته من تصانيف القدماء التي تتميز باهمية
خاصّةٍ بسبب قربها من عصر الرسالة ، والتحامها بفترةٍ وجودِ الائمة من أهل البيت : ، وتاثرها باجواء العلم والمعرفة التي
كانوا يشيعونها في الأوساط الإسلاميّة انذاك ، ومن هنا اتسمت مؤلفات الشيخ الطوسي
بميّزاتٍ خاصة لاتوجد فيما عداها من مؤلفات السلف ومن تلك المميّزات :
١. اصبحت بمثابة المنبع الاول والمصدر
الوحيد لمعظم مؤلفي القرون الوسطى ، حيث استقوا منها مادتهم وكتبوا كتبهم.
٢. حوت مؤلفات الشيخ الطوسي خلاصة الكتب
المذهبية القديمة ، حيث كانت مكتبة سابور في الكرخ ومكتبات بغداد الاخرى تحتضن
الكتب القديمة الصحيحة التي هي بخطوط مؤلفيها واقلامهم ، وقدكانت استفادة الشيخ
الطوسي من تلك الكتب والمكتبات كبيرةً جداً ، اذ لم يدع كتاباً فيها الا وعمد إلى مراجعته
واستخراج ما فيه من منفعةٍ ، وبهذا يكون الطوسي قد اسدى للعلم خدمةً جُلّى من خلال
انتقائه لافضل ما حوى عصره من علوم ، ومن ثم عرضها بلغةٍ ميسرةٍ وفي كتب مبوبةٍ
وباسلوبٍ متين ، فحفظ بذلك ارثاً ثقافياً وتراثاً حضاريّاً نادراً ، خاصة بعد ان
تحولت مكتبة سابور في الكرخ إلى طعمةٍ للنار ابان
__________________
العهد السلجوقي.
٣. كما وتميزت مؤلفات الشيخ الطوسي
بالتنوع والكثرة ، حيث بلغ تعداد ما توصل إليه الباحثون من كتبه (٤٧) مؤلفاً في
مختلف الفنون والعلوم والاداب ، اذ لم يدع باباً من العلم إلا وطرقَه ، فقد كتبَ
في الفقهِ والأُصولِ وعلمِ الكلامِ والتفسير وعلم الحديث والرجال والادعية
والعبادات وغيرها.
وفيما يلي قائمة باسماء الكتب التي
الفها الشيخ الطوسي مرتبةً حسب حروف الهجاء:
١. الابواب ويسمى كتاب
الرجال ، وهو في تراجم الرجال الذين رووا عن النبي
9 والائمة : ، ومن تاخر عنهم وهو احد الاصول المعتمدة عند علماء
الامامية.
٢. اختيار الرجال وهو كتاب
الرجال المتداول المشهور برجال
الكشي المطبوع سنة ١٣١٧ ه ، الذي ذكر في
اوله الاحاديث السبعة في فضل الرواة ، واول السبعة حديث ابي عبد الله 7 : « اعرفوا منازل الرجال منا على قدر
رواياتهم عنا » ، وهو مختارٌ من رجال الكشي
الذي اسمه معرفة
الناقلين .
٣. الاستبصار فيما
اختلف من الاخبار ، وهو احد الكتب الاربعة والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط
الأحكام الشرعية عند الفقهاء الاثني عشرية ، منذ عصر المؤلف حتى اليوم ويحتوي على
خمسة الافٍ وخمسمائة واحدعشر (٥٥١١) حديثاً ، وقد طبع في الهند سنة ١٣٠٧ ه ، وفي
ايران سنة ١٣١٧ ه ، ثم في النجف الأشرف سنة ١٣٧٥ هـ..
٤. أُصول العقائد
وهو كتاب في
الاصول كبير خرج منه الكلام في التوحيد والعدل.
٥. الاقتصاد
الهادي إلى طريق الرشاد وهو فيما يجب على العباد من اصول العقائدوالعبادات الشرعية
على وجه الاختصار .
__________________
٦. الأمالي
في الحديث
ويقال له : المجالس
، لانه املاه مرتبا في عدة مجالس وقدطبع لاول مرة في طهران عام ١٣١٣ هـ.
٧. انس الوحيد
مجموعة للشيخ الطوسي ، عده في فهرسه من تصانيفه .
٨. الايجاز
في الفرائض ، وهو كتاب مختصر ، وقد احال فيه التفصيل إلى كتابه النهاية
، وقدشرحه قطب الدين الراوندي فسماه الانجاز
.
٩. التبيان في
تفسير القرآن
، يقع في عشرة مجلدات ، وطبع لمرات عديدة في طهران والنجف.
١٠ ـ تلخيص الشافى
في الامامة
وهو اختصار لكتاب الشافي
الذي كتبه علم الهدى السيد المرتضى ;
، وقد طبع في ايران سنة ١٣١١ هـ.
١١. تمهيد الاصول
، وهو شرح كتاب جمل
العلم والعمل لاستاذه الشريف المرتضى ، ولم يخرج منه
الا شرح ما يتعلق بالاصول.
١٢. تهذيب الأحكام
، في الحديث
وهو احد الكتب الاربعة والمجامع القديمة المعول عليها عند الإماميّة من تاريخ
تاليفها وحتى اليوم ، وقد استخرجه الشيخ الطوسي من الاصول المعتمدة للقدماء ، وللتهذيب
شروح وحواشى عديدة ، ذكر منها الشيخ الطهراني ستة عشر شرحا وعشرين حاشية مع ذكر
اسماء مؤلفيها.
١٣. الجمل والعقود
، في العبادات
: وقد الفه بطلب من القاضي الشيخ عبدالعزيزبن
__________________
نحريربن عبدالعزيزبن
البراج قاضي طرابلس ( ت ٤٨١ ه ).
١٤. الخلاف
، في الأحكام
ويقال له : مسائل
الخلاف وقد ناظر فيه المخالفين جميعاً ، وذكر
اراء كل مذهبٍ ثم بين الصحيح منها.
١٥. رياضة العقول
، وقدشرح فيه المقدمة في المدخل إلى علم الكلام .
١٦. شرح الشرح
في الاصول
وقد صنفه في اخر ايام حياته ، وفيه يقول تلميذه الحسن بن مهدي السليقي : « كتاب
مبسوط ، املى علينا منه شيئاً صالحاً ، ومات ;
ولم يتمه ».
١٧. العدة
في الاصول
وقدقسمه إلى قسمين : الاول في اصول الدين والثاني في اصول الفقه ، وهو ابسط ما ألّف
في هذا الفن عند القدماء.
١٨. الغيبة
في غيبة الامام الحجة المهدي المنتظر 7
وقدكتبه
الطوسي في سنة سبعٍ واربعين واربعمائة.
١٩. الفرق بين النبي
والامام ، في علم الكلام ، وقدذكره الشيخ
الطوسي في الفهرست.
٢٠ ـ الفهرست
في تراجم اصحاب الكتب والاصول
، وقد شرحه العلامة المحقق الشيخ سليمان الماحوزي ( ت ١١٢١ ه ) وسماه معراج
الكمال إلى معرفة الرجال.
٢١. مالايسع المكلف
الاخلال به ، في علم الكلام ، وقدذكره الشيخ الطوسي في الفهرست.
٢٢. مايعلل ومالايعلل
، في علم الكلام
، وقدذكره الشيخ الطوسي في الفهرست.
__________________
٢٣. المبسوط ،
في الفقه ويشتمل على نحو سبعين بابا من ابواب الفقه ، وقدطبع في ايران سنة ١٢٧٠ ه
.
٢٤. مختصر اخبار
المختاربن ابي عبيدة الثقي ويعبر عنه
باخبار المختار
.
٢٥. مختصر المصباح في الادعية والعبادات
، ويقال له : المصباح
الصغير ، وقداختصر فيه كتابه الكبير مصباح
المتهجد .
٢٦. مختصر في عمل يوم
وليلة : في العبادات ، وقد ذكره الشيخ الطوسي
في الفهرست
، وقداقتصر فيه على الفرائض والنوافل وبعض التعقيبات في غاية الاختصار.
٢٧. مسالة في الاحوال
، وقد ذكرها الشيخ الطوسي في الفهرست
ووصفها بانها : « مليحة ».
٢٨. مسالة في تحريم
الفقاع ، وقدذكرها الشيخ الطوسي في الفهرست.
٢٩. مسالة في العمل بخبر
الواحد وبيان حجيته.
٣٠ ـ مسائل في وجوب
الجزية على اليهود والمنتمين إلى الجبابرة.
٣١. مسائل ابن البراج
، وقدذكرها في الفهرست.
٣٢. المسائل الالياسية
، وهي مائة مسالة في فنون مختلفة
، وقدذكرها الطوسي في الفهرست.
٣٣. المسائل الحنبلائية
في الفقة ، وهي اربع وعشرون مسالة
، وقدذكرهاالطوسي في الفهرست.
٣٤. المسائل الحائرية
، وهي نحو من ثلثمائة مسالة في الفقه .
__________________
٣٥. المسائل الحلبية
في الفقه .
٣٦. المسائل الدمشقية
، وهي اثنتي عشرة مسالة ، في تفسير القرآن
وقد ذكرها في الفهرست.
٣٧. المسائل الرازية
وهي خمس عشرة مسالة في الوعيد
وردت من الري إلى استاذه السيد المرتضى فاجاب عنها ، واجاب عنها الشيخ الطوسي
أيضاً ، وذكرها في الفهرست.
٣٨. المسائل
الرجبية في التفسير ، وقد ذكرها الطوسي في الفهرست
، وقال بانها لم يصنف مثلها.
٣٩. المسائل القمية
.
٤٠ ـ مصباح المتهجد
من اعمال السنة والادعية والزيارات
وقدطبع في طهران سنة ١٣٣٨ هـ.
٤١. المفصح
في الامامة : وتوجد منه نسخة مكتبة راجه فيض اباد في الهند .
٤٢. مقتل الحسين
7 وقد ذكره
الطوسي في الفهرست.
٤٣. مقدمة في المدخل إلى
علم الكلام ، وقد ذكرها الشيخ
الطوسي في الفهرست
ووصفها فيه بقوله : لم يعمل مثلها .
٤٤. مناسك الحج
في مجرد العمل ، وقد ذكرها الطوسي في الفهرست.
٤٥. النقض على ابن شاذان
في مسالة الغار ، وقد ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست.
__________________
٤٦. النهاية
في مجرد الفقه والفتوى .
٤٧. هداية المسترشد
وبصيرة المتعبد في الادعية
والعبادات ، وقد ذكره الطوسي في الفهرست.
هذا وقد عثرنا على نموذج بخط الشيخ
الطوسي ، فصورناه كما في نموذج رقم ١. وهومن كتاب الطهارة من التهذيب والموجود
حاليا في مكتبة المرحوم اية الله العلامة محمدحسين الطباطبائي صاحب تفسير
الميزان.
كما وعثرنا أيضاً على نموذج اخر بخط
الشيخ الطوسي كتبه في الصفحة الاولى من الجزء الثالث من كتاب التبيان ، واصله
مخطوط في المكتبة العامة لاية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي المرعشي في
مدينة قم بايران ، وكما هو مبين في النموذج رقم .
مخطوطة
مخطوطة

الشيخ الطوسي وزعامته الفكريّة
للإماميّة
بعد وفاة الشريف المرتضى عام ٤٣٦ ه ـ
استقل الشيخ الطوسي بالزعامة الدينيّة للمذهب الشيعي الإمامي ، وأصبح علماً من أعلام
الإماميّة وزعيماً لهم ، وكانت داره في الكرخ ببغداد ماوى الأُمّة ومقصد الوفاد
يؤمونها لحلِّ مشاكلهم وإيضاح مسائلهم
، ولقب بالإمام ، وهو أسمى الألقاب العلميّة عند الشيعة الإماميّة ، وقدتقاطر
العلماء للحضور تحت منبره حتّى بلغ عدد تلاميذه أكثر من ثلاثمائة من مختلف المذاهب
الإسلاميّة .
وقد أدركَ العباسيون مكانة الشيخ الطوسي
العلمية فقام الخليفة العباسي القائم بأمر الله ( ٤٢٢. ٤٦٧ ه ) بمنح شيخنا كرسي
الكلام ، وكان هذا الكرسي لايعطى إلا لرئيس علماء وقته وقدحصل عليه الشيخ الطوسي رغم الاختلاف
المذهبي القائم بينه وبين الخليفة العباسي ، ممايؤكد علو كعب الشيخ في بغداد ،
وعدم وجود من يصلح له غيره ، ولا حتّى من يدانيه في العلم والمعرفة ، الأمر الذي
اضطر معه القائم بأمر الله أنْ يمنح الكرسي العلمي لواحدٍ من علماء الشيعة
وفقهائها ، ولم يَرقْ لحساد الطوسي ومخالفيه ان يتربع على كرسي الكلام ، فأثار ذلك
حسدهم فوشوا به إلى الخليفة بتهمة شتم الصحابة وسبهم في كتابه المصباح ، فى زيارة
عاشوراء حيث يقول فيها :
« اللهم خصّ أنت أول ظالمٍ باللعن منّي
وإبدأ به أولاً ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع والعن يزيد خامساً .
فارسل عليه الخليفة واستجوبه عنها ،
فنفى عن نفسه التهمة قائلاً :
|
المراد بأول ظالم قابيل قاتل هابيل ،
وهو أول من بدأ بالقتل وسنه ، والمراد بالثاني
|
__________________
|
عاقر ناقة صالح ، واسمه قيدار بن سالف
، والثالث قاتل يحيى بن زكريا ، وبالرابع عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي 7 .
|
فاقتنع الخليفة بالجواب وأكرم الشيخ
الطوسي ، وانتقم ممن سعى به .
ولم يكن شيخنا الطوسي أوّل من اتُّهِمَ
من علماء الإماميّة بشتم الصحابة وسبهم ، بل هي ورقة طالما لعب بها أعداء التشيع
لخلق الفتن وإثارة المشاكل والمتاعب لعلماء الشيعة وفقهائها ، وظلت مثل هذه الأساليب
تُستغل وتُفتعل حتّى بلغت المحنة أشدها عندما دخل السلاجقة بغداد عام ٤٤٧ ه ،
فاستفحلت المشاكل ، وثارت القلاقل ، وحدثت الفتن بين جهلة الشيعة والسنة ، وامتدت لتصبح دار الطوسي ومكتبته ضحيّةً
لها ، حيث كُبستْ داره ، ونهبت وأُحرقت ، كما وأُحرقت كتبه وآثاره ودفاتره مراتٍ عديدةٍ
وبمحضرٍ من الناس ،
وأُحرق كرسى التدريس الذي منحه الخليفة القائم له .
وقدكتب الشيخ الطوسي أكثر مؤلفاته أثناء
زعامته للمذهب الإمامي ، حيث كتب العدّة في أصول الفقه ، وقد تعرّض فيه لآراء من
سبقه في هذا العلم ، وقفز به إلى مرحلة متطورةٍ من مراحل التكامل والنضج دون أن
يقلّد في ذلك أحداً ، وإنّما كان مجتهداً مبدعاً في كلّ ماطرحه من المسائل في هذا
الكتاب ، اذ لم يصنّف مثله قبله ، في غاية البسط والتحقيق .
وأقرّ فيه حجية خبر الآحاد بعد أن أبطل
العمل بها أُستاذه الشريف المرتضى ، ممّا يدلّ على ثقة الشيخ الطوسي بنفسه وأصالة
تفكيره ، ثمّ ألّف بعد العدّة
كتابه الآخر والموسوم بالمقدمة إلى علم الكلام
حيث فرغ منه في رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة في مدينة
__________________
السلام .
ثمّ ألّف الشيخ الطوسي بعد ذلك المصباح
الكبير وكان المقصود من هذا الكتاب مجرد العمل
وذكر الأدعية .
وقد أكثر الشيخ الطوسي من التأليف في
هذه الفترة ، حيث كتب المبسوط
في الفقه ، وهومن أهمّ الكتب الفقهية ، اذ اشتمل على ثمانين كتاباً ، فيه فروع
الفقه كلّها
، ويعتبركتاب المبسوط تحولاً كبيراً في هذا المجال ، يشبه التحوّل الذي أحدثه كتاب
العدّة
في مجال الأُصول ، حيث كان الشيخ قد بلغ قمة النضوج الفكرى ، فكان مجتهداً في آرائه
التي طرحها في كتابه الجديد ، ومن ذلك استدلاله بالأدلّة العقلية والبراهين
القطعية وتجدد الرأي في المجتهدين
، وبذلك يكون الشيخ الطوسي قد قفزةً كبيرةً في هذا المضمار ، بعد أن كان كتابه النهاية
لايعدو كونه محاولة لتجميع الروايات الفقهية ، فلنستمع إليه وهو يقول :
|
وكنتُ عملتُ على قديم الوقت كتاب النهاية ، وذكرت فيه جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم من
المسائل ، وفرقوه في كتبهم ، ورتبته ترتيب الفقه .
|
ويظهر من خلال النقلة التى أوجدها كتاب المبسوط
أنّ شيخنا الطوسي كان صاحب مدرسة فقهية استطاعت أنّ تسهم في دفع الفقه الإمامي إلى
الأمام وتطويره ، حيث العمق والأصالة والاتّساع ، ويعتبر كتاب المبسوط
آخر كتب الفقه التي ألفّها الشيخ الطوسي ، وبهذا يشير ابن ادريس حين يقول :
|
وهذا الكتاب آخر ماصنّفه شيخنا أبو
جعفر في الفقه ، فإنّه بعد النهاية
والتهذيب
والاستبصاروالجمل
والعقود ومسائل الخلاف .
|
__________________
كما كتب الشيخ الطوسي كتاباً قيّما في
الفقه المقارن حمل اسم الخلاف
أو مسائل
الخلاف مع الكلّ في الفقه وكانت أجواءُ
الانفتاح في بغداد هي التي دفعت الشيخ الطوسي لكتابه هذا الكتاب حيث كانت المناضرة
والجدل والحوار سمةً من سِماتِ الحركةِ العلميّة في بغداد آنذاك ، وبذلك فإنّ
كتابَ الخلافَ قد تضمّن الكثير من آراء المذاهبِ الإسلاميّة إضافةً إلى ما اجتمعت
عليه الفرقةُ ـ الإماميّة ـ من مسائل الدينِ .
وفي مسائل الخلاف
مع الكلّ في الفقه تألَّق نجم الشيخ الطوسي في دنيا الاجتهاد ، حيث كان يناقش الآراء
، وينتقدها مستنداً
إلى الأدلّة العلميّة ، وقد بين ذلك في مقدمة كتابه إذ يقول :
|
وذكر مذهب كلّ مخالفٍ على التعيين
وبيان الصحيح منه وماينبغي أن يعتقد ، وأن أقرن كلّ مسألةٍ بدليلٍ نحتج به على
من خالفنا موجب للعلم من ظاهر قرآن أو سنةٍ مقطوعٍ بها أو اجماع أو دليل خطابٍ أو
استصحاب حالٍ ـ على مايذهب إليه كثيرٌ من أصحابنا ـ أودلالة أصلٍ أو محتوى خطابٍ
.
|
ومما ألّف الشيخ الطوسي ـ إبّان زعامته
الفكرية للإمامية وأثناء إقامته في بغداد ، والتي دامت اثنتي عشرةً سنةً من ٤٣٦ ه
ـ والى سنة ٤٤٨ ه كتاب المفصح في الإمامة
والغيبة
والإيجاز
في الفرائض والاقتصاد
والجمل والعقود
كما لايستبعد ضياع بعض آخر بسبب الفتن والاضطرابات التي عصفت ببغداد بعد دخول
السلاجقة إليها عام ٤٤٧ ه ، الأمر الذي اضطرمعه الشيخ الطوسي للهجرة إلى مدينة
النجف الأشرف ، ليرسي هناك دعائم مدرسته الجديدة فيها ، والتي كتب لها أن تكون من أهم
الجامعات الإسلاميّة في العالم وإلى يومنا هذا.
الشيخ الطوسي
ومدرسته في النجف الأشرف
غادر الشيخ الطوسي بغداد مرغماً ، وتوجه
صوب مدينة النجف ، حيث قبر أميرالمؤمنين علي بن ابي طالبٍ 7 ، وقددخل المدينة عام ٤٤٨ ه ، ويبدو أنّ
اختيار الشيخ
__________________
الطوسي مدينة النجف
الأشرف ، لأنَّ تكون مستقرّاً له كان له مرجحاتٌ عديدةٌ منها :
١. وجود نواةٍ لحركةٍ علميةٍ في تلك
المدينة ، قد تسدّ فراغاً بعد بغداد ، فيجد فيها الشيخ الطوسي بديلاً عن مدرسته
في دار السلام.
٢. وقوع النجف الأشرف على مقربةٍ من
الكوفة والتي هي موطن التشيع ، حيث سيجد الشيخ الطوسي فيها قاعدةً جماهيريّةً
تتجاوب مع أفكاره ومتبنّياته ووجهات نظره المذهبية ، وبالتالي سوف لن يواجه مشكلةً
أُخرى كتلك التي عانى منها كثيراً في بغداد بسبب الخلافات المذهبية.
٣. الموقع الجغرافي لمدينة النجف الأشرف
، وبعدها عن مركز الأحداث المتفاقمة عن العاصمة بغداد يؤهلها لأنْ تكون مكاناً آمناً
خاصّةً لاولئك الذين صاروا وقوداً للفتنة ، وسُلِّطَت عليهم الأضواء ، وأصبحوا تحت
المراقبة.
كلّ هذه الأُمور حفزت الشيخ الطوسي لأنّ
يختار مدينة النجف الأشرف مكاناً لاستقراره ، وفعلاً فقدكان اختياره صائباً ، حيث
استطاع أن يخلق من تلك المدينة مدرسةً علميةً كبرى يؤمها الناس من شتى أنحاء
الدنيا.
وقدبقي الشيخ الطوسي في مدينة النجف
الأشرف اثني عشر عاماً منذ أن نزلها عام ٤٤٨ ه وحتى وفاته فيها سنة ٤٦٠ ه ، ولا زال
بيته موجوداً فيها ، وقدتحول فيما بعد إلى مسجد يحمل اسم الشيخ الطوسي ، ويقع شمال
ضريح الامام علي 7
وعلى مقربةٍ منه في الجهة اليسرى من شارع يحمل اسم الشيخ الطوسي أيضاً.
يعود تاريخ الحركة العلمية في النجف
الأشرف إلى نهاية القرن الثاني الهجرى ، وبعد بناء مدينة بغداد على وجه التحديد ،
حيث شيّد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عاصمته الجديدة على نهر دجلة في النصف
الثاني من القرن الهجري الثاني
واتخذها عاصمةً له ، فاستقطبت تلك المدينة الحديثة علماء الكوفة وفقهاءها ، ونزلوا
بها ، وتبعهم بذلك جمعٌ من طلبة العلوم ، مما اضعف مدرسة الكوفة ، وقد تزامن ذلك
مع بدء الحركة العمرانية في النجف
__________________
الأشرف وتشييد
مدرستها ، فانتقلت البقية الباقية من مدرسة الكوفة إليها وعند ذلك استوعبت النجف
كلّ ما كان في الكوفة .
وفي نفس الوقت أيضاً أمر الداعي الصغير
محمد بن زيدبن محمد العلوي
وكان يؤمها ملكاً لطبرستان بأن يبني في النجف الأشرف قبةً وحائطاً وحصناً فيه
سبعون طاقاً
وهي على هيئة غرفٍ ليسكن بها طلاب العلوم ، كما وأنه قد وردت إشاراتٌ أُخرى تؤكد
وجود حركةٍ علميةٍ في النجف الأشرف قبل وصول الشيخ الطوسي إليها ، حيث يقول صاحب
كتاب فرحة
الغري :
|
بأنّ عضد الدولة البويهي ( ٣٦٧. ٣٧٢ ه
) كان قد زار النجف الأشرف عام ٣٧١ ه ، وطرح في ضريح الإمام علي 7 دراهم ، فاصاب كل واحدٍ منهم واحداً
وعشرين درهما ، وكان عدد العلويين ألفاً وسبعمائة اسمٍ ، وفرق على المجاورين
وغيرهم خمسمائة الف درهمٍ ، وعلى الفقراء والفقهاء ثلاثة آلاف درهمٍ .
|
وقد بنى عضد الدولة الرواق العلوي في
النجف الأشرف ، وإلى هذا البناء يشير صاحب كتاب تاريخ الجامعات
فيقول :
|
أصبحت مدينة النجف عاصمة التدريس
للفقه الجعفري وعلوم الدين منذ عصر آل بويه بعد إعمارهم المرقد العلوي واجزالهم
الصلات والرواتب للمقيمين به .
|
بالاضافة إلى ماتقدم فأنّ هناك بعض الأُسر
العلمية المعروفة ، كانت قدسكنت أرض النجف الأشرف في القرن الهجري الرابع ، وقبل
وصول الشيخ الطوسي لمدينة النجف ، ومن تلك الأُسر :
|
( آل شهريار ) ، وهم من البيوت
النجفية الذين خدموا العلم والدين خدمة جليلةً ، وقضوا
|
__________________
|
أياماً عديدةً في السدانة العلويّة .
|
وقدنبغ من تلك الأُسرة السيد شريف الدين
المعروف بابن سدرة المتوفّى سنة ٣٠٨ ، وأحمد بن عبدالملك الغروي الذي كان معاصراً للشيخ المفيد .
بالإضافة لذلك فقدسكن النجف عدد من
العلماء المشهورين قبل هجرة الشيخ الطوسي إليها ، ومن أُولئك العلماء أبوغالب أحمد
بن محمد بن سليمان الشيباني الزراري المتوفّى سنة ٢٦٨ ، حيث كان مقيماً في مدينة
النجف الأشرف ، والزراري هذا من أفاضل الثقاة والمحدثين وشيخ علماء عصره وأُستاذهم
، وله مؤلفات عديدة منها : كتاب التاريخ وآداب
السفر ، والإفضال
، ومناسك
الحج ، ورسالة في ذكر آل أعين
.
من كلّ ماتقدم يستنتج الباحث أنّ الشيخ
الطوسي كان قد وصل النجف ، وفيها بذرةٌ علمية وحركةٌ دراسيةٌ ، استطاع أن يطورها ،
ليجعل بذلك مدينة النجف الأشرف مثابة العلماء ومحطَّ الفقهاء ومنتجع الأفاضل ، وليتخرّج منها
|
خلال القرون المتطاولة مايعد بالآلاف
من أساطين الدين وأعاظم الفقهاء وكبار الفلاسفة ونوابغ المتكلمين وأفاضل
المفسرين ، وأجلاء اللغويين وغيرهم ممن خبرالعلوم الإسلاميّة بأنواعها .
|
ويبدو أن الشيخ الطوسي كان قد أنشأ
مدرسته الجديدة في النجف الأشرف كما يحب ، وكماكان يتمنى مستفيداً من تجربته
الطويلة في بغداد ومدارسها ، ومستثمراً الجو الهادئ الذي كانت تنعم به هذه المدينة
بسبب بعدها عن مسارح الأحداث والتيّارات السياسية المتصارعة ، فقصر الدراسة في مدرسته
الحديثة على مذهب أهل البيت (ع) فقط ليعطيه
__________________
مايستحقّه من الدرس
والبحث والتوسعة والاستقصاء ، ولذلك كثف جهوده في هذا المجال ، وظلّ ملازماً
لحلقات التدريس حتّى آخر سني حياته ، وفي ذلك يقول تلميذه ابن شهريار أبو عبد الله
محمد بن أحمد الخازن :
|
حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن
بن علي الطوسي ;
بالمشهد المقدس الغروي ، وعلى ساكنه أفضل الصلوات في شهر رمضان من سنة ثمان
وخمسين وأربعمائة .
|
ولعلّ انشغال الشيخ الطوسي بالتدريس
وعمله المتواصل في بناء وتطوير مدرسته الجديدة كان السبب وراء الانتاج الفكري
للشيخ وقلة التاليف عنده ، إذ أنّه لم يكتب غير الأمالي
واختيار
الرجال وشرح الشرح
رغم أنّه عاش اثني عشر عاماً في النجف الأشرف ( ٤٤٨. ٤٦٠ ه ) منذ هجرته إليها وحتّى
وفاته ; فيها.
وقد انفردت مدرسة الشيخ الطوسي في النجف
بمميزات خاصة منها :
١. إنها أحادية الإتجاه ، حيث كان مذهب
أهل البيت هو المادة الأساسية في تلك المدرسة ، بعد أن كانت مدرسته في بغداد تشتمل
على أكثر من اتجاهٍ من مختلف المذاهب الإسلاميّة ، ولعل هذا يعود إلى أسباب عدة منها
: انعدام التنافس المذهبي والصراع الفكري ، لأنّ سكان النجف وطلبتها كلهم من
المنتمين لمذهب أهل البيت.
ثمّ خلو النجف الأشرف من العلماء الكبار
الذين كان يجد أمثالهم في مدارس بغداد ، والذين كانوا يشكلون عنصر التحدي الذي
لايملك الشيخ الطوسي أمامه إلا الدفاع عن كلّ شبهة ، أو الرد على أي رأي لايعتقد
بصوابه ، وذلك من خلال المناظرات وحلقات الجدل والحوار التي كانت تزخر بها بغداد ومدارسها
، بالاضافة إلى ذلك فإنّ ابتعاد النجف الأشرف عن مركز الخلافة ساهم إلى حدٍّ بعيد
في خلق أجواء هادئة قليلة التاثر بالمنازعات والصراعات السياسية التي كانت لها
انعكاساتها المباشرة على الآراء المذهبية.
٢. ومما امتازت به مدرسة النجف الأشرف الجديدة
كونها تسير ضمن حلقاتٍ دراسيةٍ
____________
خاصّةٍ ، يجتمع فيها
الشيخ بتلاميذه ، ويملي عليهم معارفه في التفسير والحديث وعلم الرجال والفقه والأُصول
، وهو مالم تشهد مثيله الدراسة من قبل ، ولعل كتاب الأمالي
للشيخ الطوسي يعطينا صورةً واضحةً عن سير تلك الدراسة ، حيث تضمن الكتاب موضوعاتٍ
مختلفةٍ في شتى العلوم والفنون الإسلاميّة.
٣. كان الشيخ الطوسي يُلقي دروسه بمشهد
الإمام علي 7 ، وبذلك أصبحت
مدرسته متصلةً اتصالاً وثيقاً بالمسجد ، وليست من المدارس المستقلة عن الجوامع كما هوالحال في مدارس بغداد ، وقد ظلت هذه
الميزة قائمةً إلى يومنا هذا لتصبح تقليداً خاصاً بمدرسة النجف الأشرف وحوزتها العلمية
على غرار الحوزة التي أنشأها الشيخ الطوسي قبل مايقرب من ألف عام ، والتي صارت فيما
بعد شجرةً مباركةً تؤتي أُكلها كلّ حين علماء وكُتّاباً وفقهاء وأُ دباء وخطباء
وشعراء ، ساهموا في إغناء المكتبة الإسلاميّة والإنسانية ، وتركوا آثارهم وبصماتهم
واضحةً على كل مجتمعٍ عاشوا فيه.
أولاده
خلّف الشيخ الطوسي ولده الشيخ أبا علي
الحسن بن أبي جعفر محمد الطوسي ، وقدخلف أباه في العلم والعمل والتدريس والفتيا وإلقاء
الحديث ، وكان من مشاهير رجال العلم وكبار رواة الحديث ، قرأ على والده جميع
تصانيفه .
وأجازه والده في النجف سنة ٤٤٥ هـ. وقدكان
عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاً جليلاً ثقة .
تتلمذَ عليه جماعةٌ كثيرةٌ من أعيان الأفاضل
، وإليه ينتهي كثير من طرق الإجازات إلى المؤلفات القديمة والروايات .
كما وخلّف الشيخ الطوسي ابنتين كانتا
عالمتين من أهل الرواية والدراية ، أجاز لهما
__________________
أبوهما الشيخ الطوسي
رواية ماصنّف .
وفاة الشيخ الطوسي
تباينت الروايات في تحديد سنة وفاة الشيخ
الطوسي ، فرواية تقول : أنّه توفّي سنة ٤٥٨ ه
، وأُخرى تقول : إنّ سنة وفاته كانت ٤٥٩ ه
، وثالثةٌ تقول : إنّ الشيخ الطوسي توفّي عام ٤٦٠ ه ، ويبدو أن الرواية الثالثة هي أصدق
الروايات وأدقها ، لأنّ المعروف عن الشيخ الطوسي أنّه بقي بعد وفاة أُستاذِه
الشريف المرتضى أربعة وعشرين عاماً
، وحيث إنّ الشريف المرتضى كان قد توفّي سنة ٤٣٦ ه ، فهذا يعني أن وفاة الشيخ الطوسي
كانت في سنة ٤٦٠ ه ، باضافة أربعةٍ وعشرين سنةً عاشها بعده ، وبهذا يكون الشيخ
الطوسي قد عمر خمسة وسبعين عاماً من عام ٣٨٥ ه وحتّى عام ٤٦٠ ه ، والذي يؤكد هذه
الرواية أيضاً هو إقامة الشيخ الطوسي مدة اثنتي عشرة سنة في النجف من ٤٤٨ إلى سنة
٤٦٠ ه .
وكما اختلف الرواة في تعيين عام وفاته ،
فإنّهم اختلفوا أيضاً في تحديد يوم وفاته ، فمنهم من يقول :
إنّها كانت في ليلة الثاني عشر من
المحرم
، بينما يقول غيرهم : إنّها كانت في الثاني والعشرين منه ، وقدتولى غسل الشيخ ودفنه جماعةٌ من
خيارتلاميذه ، حيث يقول الحسن بن مهدي السليقي :
__________________
|
توليت انا والشيخ أبو محمد الحسن بن
عبدالواحد العين زربي والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه .
|
وقد دُفن في الموضع المعروف اليوم ، وهو
بيته الذي تحول
فيما بعد إلى مسجدٍ أُطلق عليه اسم مسجد الشيخ الطوسي ، والذي أصبح من المزارات
المعروفة
، إضافةً إلى كونه مدرسة يدرس فيها طلبة العلوم الدينية في حوزة النجف الأشرف ضمن
حلقاتٍ خاصّةً مختلف العلوم الإسلاميّة ، وقبر الشيخ الطوسي يتوسط المسجد ، ويرتفع عن سطح الأرض حوالي مترٍ واحد
، وعلى جدار المسجد الذي يرقد فيه شيخنا الطوسي كتبت أبياتٌ من الشعر ، تؤكّد أنّ
وفاة الشيخ كانت سنة ٤٦٠ ه ، والأبيات هي :
يامَرْقَدَ الطوسيَّ فيك قَدِ انطوى
|
|
محيي العلوم فكنت أَطْيَبَ مَرْقَدِ
|
بك شيخ طائفة الدعاة إلى الهدى
|
|
ومُجَمَّعُ الأحكام بعد تَبَدُّدِ
|
أودى بشهرِ محرمٍ فأضافَهُ
|
|
حُزناً بفاجع رزئه المُتَجَدِّد
|
وبكى له الشرُع الشريف مؤرِّخاً
|
|
( أبكى الهدى والدين فقدُ محمّدِ )
|
ويقع قبر الشيخ الطوسي في محلة المشراق
، وهي أقدم محلةٍ في مدينة النجف الأشرف.
__________________
الفصل الثاني :
عصر الطوسي
عصر الشيخ الطوسي
تميز القرنان الرابع والخامس بعد الهجرة
النبوية الشريفة بتلاحق الأحداث المختلفة والمتأرجحة بين الشدة والرخاء والحرية
والاضطهاد تبعاً للظروف السياسية ، وحسب طبيعة الخلفاء المتعاقبين على السلطة ،
وكانت تلك المتغيرات والتقلبات السياسية قدتركت بصماتها على الشيخ الطوسي ، كما
تركت آثارها على غيره من أبناء ذلك العصر.
وقدشهد إقليم خراسان نوعاً من الاضطهاد
والقهر بسبب السياسة المتزمّتة التي اتّسمت بطابعٍ قمعي أبان حكم السلطان محمود
الغزنوي ، والتي نال من ويلاتها طلبة العلوم العقلية نصيباً ليس بالقليل باعتبارهم
انداداً ومعارضين للسلفيين من أتباع المذهب السني ، حيث قد بالغ السلطان محمود
الغزنوي في تعذيبهم والإساءة إليهم ، فنفي خلقاً كثيراً من المعتزلة والرافضة والإسماعيلية
والجهمية والمشبهة ، وأمر بلعنهم على المنابر .
كما لم يسلم الفلاسفة من اضطهاده ، حيث قد جدّ في تعقبهم وإبادتهم ، وكان كذلك متمّماً
لسياستِه في تعقب القرامطة الذين تغلب عليهم ، حتى شنق بأمره في يومٍ واحدٍ مئتان
بتهمةِ
__________________
الاعتزال وسوءِ
المذهب.
ثم أعقب ذلك تفاقم الأوضاع وسوء الحالة
، حينما تضاعفت حالة الاضطهاد المذهبي ، واشتدّت في خراسان خاصّةً بعد وصول الدعوة
الإسماعيليّة المصريّة إليها
، الأمرالذي أدى بالشيخ الطوسي كما أدى بغيره من العلماء وطلاب العلوم من غيرِ أبناء
المذهب السني لأن يهربوا من جحيم الاضطهاد إلى بلد آخر ، فكانت بغداد محط الرحال
لهم ، والتي لم تكن هي أيضاً بمنجى عن آثار هذه السياسة الجائرة ، وإن كانت أحسن
حالاً من غيرها بسبب وجود البويهيين على رأس الحكم فيها.
ولعل تاريخ الاضطهاد الفكري في العصر
العباسي يعود إلى ماقبل وصول الشيخ الطوسي إلى بغداد بكثيرٍ ، حيث كان السبب في
هذا الاضطهاد هو الصراع الفكري القائم بين المدارس الكلاميّة والفقهيّة ، والتي
يشكل الخلاف الحاد بين أصحاب النزعة السلفيّة والنزعة العقليّة أهم مظاهره ، مما أثار
غـضب السلطة العباسية أيام المتوكّل على الله ( ٢٣٢. ٢٤٧ ه ) ، والذي كان منحازاً
وبشكل متطرفٍ إلى المدرسة السلفية ، تلك المدرسة التي أخذت تضطهد الفئات المخالفة
لها كالمعتزلة والشيعة ، وكل من يحاول التوفيق بين أحكام العقل وأحكام الشرع ، وبانحياز الخليفة لهذا الإتجاه يكون
السلفيون قد زادوا من نفوذهم ، وصاروا يُلَوِّحون بعصا التهديد لمن خالفهم ، حتى
صاروا « حكومةً داخل حكومةٍ ».
وقد تدخّلوا في شؤون الناس الخاصة ، مما
سبب الاستياء العام بعد أن عجزت السلطة عن ردعهم ، الأمر الذي شجع الاُمراء على
الخروج عن أوامر السلطة المركزيّة ، فاعلنوا استقلالهم ، مما أثار غـضب الخليفة
المستكفي باللّه ( ٣٣٣. ٣٣٤ ه ) على الأتراك الذين كانوا يتولون اُمور البلاد ، وضبط
الأمن فيها ، واضطر عندها للاستنجاد بالبويهيين ليتسلّموا
__________________
السلطة في العراق ،
ووضع حدّ للارتباك والفوضى .
وقدكان البويهيون آنذاك قوةً لايستهان
بها ، لذلك أصبحوا فيما بعد السادة الجدد للخلافة العباسية ، عام ٣٣٤ ه مستفيدين من تجربة القمع
الفاشلة والتي لم يجن أصحابها نفعا ، فسلكوا طريقاً وسطاً بانتهاجهم سياسيةً
معتدلةً مع كل الفرق وأصحاب المدارس والاتجاهات ، بغية إقرار الأمن وبسط النظام وإعادة
هيبة الدولة ، وقد أرادوا أن يثبتوا للناس انفتاحهم وعدم انحيازهم لفئةٍ من خلال
فرضهم الأوامر المشددة ضد الشيعة ، رغم انتمائهم المذهبي للتشيّع ، حيث قد بلغوا
حدّاً منعوهم معه من إقامة شعائرهم الدينية .
كما وأقدموا على نفي الشيخ المفيد عن بغداد ، فغادرها عام ٣٩٣ ه .
وقد تبيّن لعامة الناس أن البويهييّن
كانوا أفضل ممن سبقهم من الحكّام ، إذ أنهم ورغم كونهم شيعةً ، لم يحاولوا تسليط أبناء
مذهبهم على أهل السنة ، فساد الهدوء في عصرهم ، وازدهرت العلوم بسبب سياسة الانفتاح
واللين التي مارسوها ، ولاطلاقهم الحرية الدينية والحرية الفكرية والحرية القلميّة
. وقد ظهر
ذلك واضحاً في عهد عضد الدولة
( ٣٦٧ ـ ٣٧٢ ) الذي كان يؤثر مجالسة الاُدباء على منادمة الأُمراء . وله دار بشيراز وخزانة للكتب عليها
وكيلٌ وخازنٌ ومشرفٌ من عدول البلد ، ولم يبق كتاب صنّف إلى وقته من أنواع العلوم
كلها ، إلا وحصّله فيها ، والدفاتر منضدة على الرفوف ، ولكلّ نوع بيوتٌ ، وفهرستات
__________________
فيها أسامي الكتب .
وقد كرم عضد الدولة العلماء من الفلاسفة
، وأفرد لهم في داره موضعاً يقرب من مجلسه ، يجتمعون فيه للمفاوضة ، وكان هو نفسه
مشاركاً في عدة من فنون الأدب ، وأخرج من بيت المال أموالاً عظيمة صرفت في أبواب
العلم وتحصيله ، وعلى الصدقات لذوي الحاجة من أهل الملة ، وتجاوزهم إلى أهل الذمة .
كما عمل على النهوض بمرافق بلاده بشكل
مثير ، فعمد إلى تشجيع العلماء والقراء ، وشيّد المساجد والمستشفيات
وغيرها من المنشات العامة ، وأصلح القنوات والآبار ، فامتلأت بالمياه ، كما خصص جزءاً
من أموال الدولة للترفيه عن الفقراء .
وقد صحب عضد الدولة عدد كبير من العلماء
والكتاب ، وصنّفوا له كتباً قيمةً مثل كتابي الايضاح
وكتاب التكملة
في النحو الذي صنفه الشيخ أبوعلي الحسن بن أحمد بن
عبدالغفارالفارسي النحوي ( ٢٨٨. ٣٧٧ ه ) .
وكان إمام زمانه في علم النحو ، وكذلك
كتاب التاجي
في أخبار بني بويه لأبي إسحاق إبراهيم
بن هلال بن هارون الحراني الصابي ( ٣٢٠ ـ ٣٨٤ ه ) ، الذي كان كاتب الإنشاء ببغداد في عهد
الدولة البويهية.
ولا غرابة أن تزدهر العلوم في مثل هذا
العهد ازدهاراً سريعاً ، وينبغ العديد في مختلف العلوم والفنون والآداب ، سيما وأن
العهد البويهي جاء بعد فترة من الاضطهاد الفكري الخانق ، فتفتقت الطاقات ونمت
المواهب في ظل عهد يحترم العلم ، ويكرم العلماء ، ولذلك تزخرُ أيام البويهيين بأصحاب
الفكر والأدب والفقه والتفسير والشعر والحديث ، وغيرها من
__________________
أمثال الشيخ المفيد أبوعبد
الله محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦. ٤١٣ ه )
، والشريف الرضي أبوالحسن محمد بن الحسين ( ٣٥٩. ٤٠٦ ) ، حيث كان نقيب النقباء وشاعرعصره ، وإليه
كانت إمارة الحج والمظالم.
وكذلك الشريف المرتضى أبوالقاسم علي بن
الحسين الموسوي المعروف بعلم الهدى ( ٣٥٥. ٤٣٦ ه ) ، ومن ثمّ صاحبنا الشيخ الطوسي ، ومن
قبله كان أبوجعفر محمدبن يعقوب الكليني ( ت سنة ٣٢٩ ه ) ، وهو أحد شيوخ الشيعة الإماميّة وصاحب
كتاب الكافي ، أحد الأصول الأربعة عندهم ، وكذلك أبوالقاسم جعفربن محمد بن جعفربن
موسى بن قولويه
، والذي يعتبر من كبار علماء الإماميّة ، وأُستاذ الشيخ المفيد والمدفون حالياً في
مدينة الكاظمية ببغداد بجوار الإمامين موسى الكاظم ومحمدالجواد 8 ، والذي كانت وفاته سنة ٣٦٨ ه ، وكذلك
الشيخ الصدوق أبوجعفر محمد بن على بن بابويه القمي الذي يعتبر رئيس المحدثين واحد شيوخ
الشيعة الإماميّة ، ويعد كتابه من لايحضره الفقيه
أحد الأصول الأربعة عند الإماميّة ، وقد توفّي عام ٣٨١ ه ، كما ونبغ في هذا العصر
الكثيرون من شيوخ وأصحاب الفرق الكلاميّة مثل :
الماوَردي ابوالحسن علي بن محمد بن حبيب
البصري
صاحب كتاب الأحكام
__________________
السلطانية
، وهو أحد فقهاء الشافعية ، وقد توفّي في بغداد سنة ٤٥٠ هـ.
والجويني امام الحرمين أبوالمعالي
ضياءالدين عبدالملك بن عبد الله بن يوسف ( ٤١٩. ٤٧٨ ه ) ، وهو أحد فقهاء الشافعية ، والباقلاني
أبوبكر محمد بن الطيب بن محمد ، توفّي في بغداد عام ٤٠٣ ه ، وهو أشعري المذهب ، وقد انتهت إليه رياسة
المذهب الأشعري ، وكان ممن صنّف في علم الكلام ، والبصري أبوالحسين محمد بن علي
الطيب المتوفّى سنة ٤٣٦ ه
، ويعتبر من أكبر شيوخ المعتزلة ، وكان إمام وقته في علم الكلام ، وابن الصباغ أبونصر
عبدالسعيد بن محمد بن عبدالواحد ( ٤٠٠ ـ ٤٧٧ )
، وقد درس في المدرسة النظاميّة ببغداد ، واعتبر فقيه العراقيين في عصره ، وكان
شافعي المذهب ، والدامغاني أبوعبد الله محمدبن علي ( ٣٩٨. ٤٧٨ ه ) ، وكان أُستاذ المذهب الحنفي ، وقد عين
بمنصب قاضي القضاة سنة ٤٤٧ ه ، والبغدادي أبوالوفاء علي بن محمد بن عقيل الظفري
المقرئ ( ٤٣١. ٥١٣ ه )
، وهو أحد شيوخ الحنابلة وكان فقيهاً وأُصولياً متكلماً وواعظاً.
ومثل هذا الخليط من العلماء والفقهاء
والمتكلمين والمنتمين إلى مذاهب شتى يعكس لنا بوضوح طبيعة الأجواء العلمية السائدة
في العصر البويهي ، ويؤكد وجود الحرية الفكرية والانفتاح العلمي على كل المذاهب ،
دون أن يختص الاهتمام البويهي بطائفة من الناس على حساب غيرهم ، حيث كان الإمامي
والشافعي والحنفي والحنبلي والأشعري والمعتزلي كلهم يلقون الرعاية والعون والحماية
، ومما يؤكد هذا أن عضد الدولة نفسه كان يكرم العلماء أَوْفَى إكرامٍ ، وينعم
عليهم أهنأَ إنعامٍ ويُقربهم من حضرته ، ويُدنيهم من خدمته ،
__________________
ويعارضهم في أجناس
المسائل ، ويفاوضهم في أنواع الفضائل ، فاجتمع عنده من كلّ طبقةٍ أعلاها ، وجنى له
من كلّ ثمرةٍ أحلاها .
كما كان الوزير البويهي سابور بن أردشير
نفسه أديباً فقيهاً ، من أهل الفضل والأدب
عفيفاً عن الأموال كثير الخير سليم الخاطر
، ولذلك كان اهتمامه كبيراً بالعلوم والآداب ، واحترامه جماً للعلماء والاُدباء ،
وكانت دار العلم التي أنشأها مكاناً لتجمعهم ونقطة اجتذاب لهم ، وقد آلت تلك الدار
بعد وفاة مؤسسها سابور بن أردشير عام ٤١٦ ه إلى الشريف المرتضى الذي عين عليها أبا
عبد الله بن أحمد مشرفاً
، وقدبقيت هذه الدار عامرةً بالعلماء وطلاب العلوم إلى أن احترقت عام ٤٥١ ه عند
دخول طغرلبك
أول سلاطين السلاجقة إلى بغداد ، بعد أن قضى على حركة مقدّم الأتراك ببغداد أبو
الحرث أرسلان بن عبد الله البساسيري
، ولم تكن دار العلوم قد احترقت وحدها ، وإنما احترق قسم كبير من محال بغداد في وقتها ، هذا وقد امتاز عهد آل بويه
بالتقدم الكبير في مجال العلوم والآداب سواء بتأثير البويهيين أنفسهم أو بتاثير
وزرائهم الذين كان جلهم من العلماء والشعراء والكتاب ، مما حول بغداد إلى كعبة للعلم والعلماء
، يقصدها طلاب العلوم من كلّ مكانٍ ، خاصة بعد أن شيد الوزير البويهي أبو نصر سابور
بن أردشير ( ٣٣٦. ٤١٦ ه ) دارالعلم ، وأبو نصر هذا كان يلقب بهاء الدولة ، وهو من
أكبر الوزراء لدى أبي نصر بن عضد الدولة
____________
البويهي ، حيث جمعت
فيه الدراية والكفاية
وكان بابه محط الشعراء والأُدباء .
وتعتبر دار العلم أوّل مدرسةٍ وقفت على
الفقهاء
منذ أن تأسست عام ٣٨١ ه
في منطـقة الكرخ ببغداد في محلة تسمى بين السورين وكانت هذه المدرسة ملتقى الأُدباء
والعلماء والباحثين ، وكان قد تردد عليها الشاعر المعروف أبو العلاء المعري عام ٣٩٩
ه ، وأقام فيها سنة وسبعة أشهرٍ ، ثم غادرها إلى وطنه ، لينشد لهاقصيدة يقول فيها :
وغنت لنا في دار سابور قينة
|
|
من الورق مطراب الاصايل مهياب
|
وقد كانت هذه الدار على غرار بيت الحكمة
الذي أنشأه الخليفة العباسي هارون الرشيد ( ١٧٠ ـ ١٩٣ ه ) حيث استطاع سابور بن أردشير
أن ينقل إليها كتباً كثيرةً ابتاعها ، وجمعها ، وعمل لها فهرستاً ، وردّ النظر في
اُمورها ومراعاتها والاحتياط عليها إلى الشريفين أبي الحسين محمد بن الحسين بن أبي
شيبة ، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني والقاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون
الضبي ، وكلف الشيخ أبابكر محمد بن موسى الخوارزمي ، فضل عناية بها وكان فيها أكثر من عشرة الآف مجلدٍ ولعل الاختلاف الذي وقع بين ما أورده
ابن الجوزي في تاريخ إنشائها عام ٣٨١ ه
، وبين ماذكره ابن العماد في
__________________
شذرات الذهب
عندما حدّد عام تأسيسها في ٣٨٣ ه
، سبُبه المدّة التي قضاها الوزير البويهي سابوربن أردشير بجمع الكتب والمخطوطات إليها
، لكي تحتوي فيما بعد على اصناف العلوم ، وتضم مائة مصحف بخطوط بني مقلة ، اذا لم تكن في الدنيا أحسن كتباً
منها كلها بخطوط الأئمة المعتبرة واُصولها المحررة .
وطبيعي جداً لإنشاء مكتبةٍ كهذه أنْ
يستغرق إنشاؤها وجمع كتبها سنتين من الزمان ، فقدجمع فيها الوزير البويهي ماتفرق من
كتب فارس والعراق ، واستكتب تأليف أهل الهندوالصين والروم ، كما وأخذ العلماء يهدون للوزير
البويهي سابور بن أردشير مؤلفاتهم ، لأنّه كان من أهل الفضل والأدب ، فاصبحت
مكتبته من أغنى دور الكتب ببغداد .
كما واُنشئت دار اُخرى في بغداد من قبل
الشريف الرضي ، وسماها دار العلم
، وفيها سكن للطلاب ، وقد وفر لهم جميع مايحتاجون إليه ، حيث يتبع الدار مخزنٌ كبيرٌ يحوي على
كلّ الوسائل المادية التي يحتاجها الطلاب ، كما وتوجد إلى جانب هذا خزانةٌ كبيرةٌ
منظمة تنظيماً حسناً
وكانت تعرف بخزانة دار العلم. وقد ضمت بغداد مكتبة اُخرى للشريف المرتضى تحتوى على
ثمانين ألف مجلدٍ ، .
كان يؤمها الباحثون والعلماء والأُدباء
بالاضافة إلى ذلك فقد دفع الشريف المرتضى
__________________
الحركة العلمية شوطاً
بعيداً عندما أَوقف قرية على كاغد الفقهاء
، هذا إلى جانب ماكان يقدم عليه المحسنون في بغداد من إنشاء المدارس ، ثم يوقفون
عليها بعض أملاكهم لسد حاجات المدرسين والطلبة .
كل هذه الأُمور أوجدت حركةً ثقافيةً
وعلميةً ممتازةً في بغداد شجعت طلاب المعرفة إلى الهجرة إليها والاستزادة من علوم
المدارس فيها ، وكان شيخنا الطوسي واحداً من بين العديدين من أولئك الذين آثروا
الهجرة إلى بغداد والدراسة فيها.
ولم يكتب لهذه الحياة الرغيدة أن تدوم إذ
تكدر صفو الأمن والهدوء في بغداد ، حيث إن الازدهار الثقافي والحركة العلمية التي
تمت في أجواء الحريّة كانت قد أوجدت ردة فعلٍ معاكسةٍ وخطيرةٍ في نفوس السلفيين الذين
جهدوا للحيلولة دون نمو التيار العقلي واستطاعوا فعلاً إقناع السلطة الحاكمة آنذاك
لأن تضيق على رجال العلم وطلبة العلوم العقلية بعد أن صدّقوا مقولات السلفيين فيهم
، وعندها بدأت سياسة الإرهاب والكبت تأخذ طريقها إلى أكثر قطاعات الأُمّة على أوسع
نطاقٍ ، بعد أن صعّد السلفيون من حملتهم على طلبة العلوم واعتبروهم خطراً على
الدين ، فأصبح اضطهادهم ومطاردتهم أمراً يتمّ تحت أعين السلطة وعلمها ، حيث بعث
الخليفة القادر باللّه ( ٣٨١. ٤٢٢ ) إلى السلطان محمود الغزنوي في بلاد فارس عام ٤٠٨ ه ، يأمره ببث
السنة بخراسان .
ففعل ذلك وبالغ وقتل جماعة ونفى جماعة من
المعتزلة
، والرافضة
__________________
والإسماعيلية والجهمية والمشبهة ، وأمر بلعنهم على المنابر ، وقد استجاب السلطان الغزنوي لأوامر
الخليفة العباسي ، واستن بسنته في قتل المخالفين ونفيهم وحبسهم ، وقد اعدم الكثيرين من رعاياه بتهمة
الالحاد
، ولم يكتف بذلك ، بل قام هذا السلطان عام ٤٢٠ ه باحراق ماوصلت إليه يداه من كتب
المعتزلة والفلاسفة والروافض .
ولعلّ من أهم الأسباب التي دعت
العباسيين لأن يدعموا موقف السلفية هو رغبتهم في جعلها قوة مناوئة بوجه النفوذ
الفاطمي الذي قويت شوكته في مصر ، ومن ثَمّ وجدتْ لها طريقاً سالِكاً باتجاه
العراق ، فانتشرت دعوتهم في كلّ مكان منه
، الأمر الذي اغضب الخليفة العباسي واقلقه ، فحرض الغزنويين على البطش والفتك بكل
من خرج عن المنهج السلفي ، ولذلك دعا الخليفة القادر ذوي المكانة الدينية والعلماء
لشن حملة تشكيك مكثفةٍ ضد الفاطميين ، سواء من خلال الطعن بعلويتهم ، أو نسبهم إلى
الكفر والفسق ونحو ذلك
، وأخذ يضطهد كل من له صلة بخليفة القاهرة.
__________________
إلا أن مثل هذه السياسة المتشددة التي أقدم
عليها العباسيون لم تَحُلْ دون نجاح الدعوة الفاطمية ، وإنّما ازداد اقبال الناس
عليها ، حتى في عاصمة الخلافة العباسية نفسها ، وقد تضاعف هذا الإقبال بشكل أشد بعد
انتزاع البساسيري بغداد من أيدي العباسيين ودعوته الناس بشكلٍ علني للخليفة
الفاطمي وذلك سنة ٤٥٠ ه ، حيث خطب للمستنصرباللّه.
وقبل ذلك كان داعي الدعاة الفاطمي هبة
الله الشيرازي
يعمل لتكوين جبهةٍ معارضةٍ للعباسييّن من أُمراء العرب والأكراد ، فخلع عليهم
الخلع الفاطمية النفيسة التي لم يشاهدوا لها مثيلاً ، كما واستطاع الشيرازي هذا أن يضم
إبراهيم
أخاطغرلبك إلى الفاطميين .
وبهذا اشتد الصراع السياسي ، ولم يكن
بمقدور السلطة القائمة انذاك السيطرة على الموقف ، وفي سنة ٤١٦ ه كثرت أعمال
السلب والنهب ، وقد زاد من سوء الأوضاع سيطرة الأتراك على بغداد عام ٤١٧ ، فاكثروا
مصادرات الناس ، وعظم الخطب ، وزاد الشر
، واستمرت الحالة في التردي حتى وصلت أوجها عندما استولى السلاجقة الذين كانوا يمتازون
بالتطرف والانحياز لصالح الاتجاه السلفي على بغداد عام ٤٤٧ ه ، فاسرفوا في البطش
والإرهاب بكل من خالف مذهبهم ، وعاش العراقيون أشد سنيهم بين عامي ( ٤٤٧ و ٤٤٩ ه )
، حيث عمت المجاعة ، وكثر الغلاء ، وأكل الناس الميتة ، ولحقهم وباء عظيم ،
فكثرالموت ، حتى دفن الموتى بغير غُسلٍ ولاتكفين بعد أن عجز الناس عن دفن موتاهم ،
__________________
وقد فقد الأمن واضطرب
النظام فنهبت الرصافة وتَرِبَ الخلفاءُ .
كلّ هذا كان يجري وإلى جانبه يضيع
الكثير من التراث الإسلامي ، ويأفل نجم الفكروالعلم والأدب ، ويتعرض رجاله
للاضطهاد والتعذيب ، وكان شيخنا الطوسي واحداً من بين العديدين من العلماء الذين
تعرضوا للأذى ، حيث كبست داره واُحرقت كتبه
، وفي عام ٤٥١ ه اُحرقت بغداد الكرخ وبين السورين واحترقت فيه خزانة الكتب التي أَوقفها
أردشير الوزير .
ومن الجدير بالذكر أن مكتبة الوزير
البويهي سابور بن أردشير غدت من أهم مراكزالتشيع واهم الوسائل لبث الدعوة الشيعية آنذاك
.
مما حمل السلاجقة على شن هجوم عنيفٍ ضد كل
المؤسسات الدينية والتعليمية للشيعة بما فيها أوقاف التعليم ، الأمر الذي أفقد المكتبة الإسلاميّة نفائس
الكتب التي صارت هدفاً لأطماع الموظـفين وأصحاب الغنائم الخاصة ، بالإضافة إلى ذلك فقدعمد السلاجقة
إلى تأسيس المدرسة النظاميّة في بغداد كوسيلة لمقاومة التشيع على الصعيد الفكري ، ولغرض إيقاف التيار العقلي الذي كان
ينتهجه الشيعة والمعتزلة أيضاً ، وقد بذل الوزير السلجوقي في هذا السبيل جهوداً كبيرة
وأموالاً كثيرة ، يظهر ذلك بوضوحٍ من خلال قراءة بعض ماجاء برسالته إلى ألب أرسلان
والتي يقول فيها :
|
جعلت لك من خراسان
جنداً ينصرونك ولايخذلونك ، ويرمون دونك بسهامٍ لاتخطئ ، وهم العلماء والزهاد ،
فقد جعلتهم بالإحسان إليهم من أعظم أعوانك .
|
__________________
وقد لقيت المدارس النظاميّة موجة من
المقاومة أثارها الحنابلة
، لأن تلك المدارس كانت تدعو للمذهب الشافعي ، فاشتدّ الصراع بين المذهبين ، وأصبحت
بغداد كغيرها من الأمصار الإسلاميّة ميداناً للخلافات المذهبية التي عصفت بالهدوء
والنظام معاً.
أما شيخُنا الطوسي فقد اضطر إلى الهجرة
باتجاه النجف الأشرف بعد ما رأى الخطرمحدقاً به ، حيث توسعت الفتنة لتشمل شيخ الطائفة
وأصحابه ، فاحرقوا كتبه وكرسيه الذي كان يجلس عليه.
يقول ابن الأثير الجزري في التاريخ
الكامل في حوادث سنة ٤٤٩ ه :
|
نهبت دار أبي جعفر
الطوسي بالكرخ ، وهو فقيه الإماميّة ، وأخذ مافيها ، وكان قدفارقها إلى المشهد
الغروي.
|
ويبدو أن كتب الشيخ الطوسي قد اُحرقت
عدة نوبٍ بمحضرٍ من الناس في رَحبةِ جامع النصر.
وفي عام ٤٤٩ ه ـ كبست دار أبي جعفر
الطوسي متكلّم الشيعة بالكرخ ، وأُخذ ماوجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام
، واُخرج إلى الكرخ ، وأُضيف إليه ثلاثة سناجق
بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأُحرق
الجميع .
وهناك في مدينة النجف الأشرف استقر
الطوسي ، حيث وجد فيها حركةً علميةً ، فسعى إلى تنميتها ، وقد تمكن بعد سنواتٍ
قليلةٍ من أن يجعل هذه المدينة مركزاً للتخصص في الفقه والأُصول ، بعد أن أنشأ
الحوزة العلمية فيها والتي تحولت بفضلها إلى واحدة من اكبر الجامعات الإسلاميّة في
العالم.
ولعلّ أهمّ مايثير انتباه الباحث في
دراسته لأحوال الشيخ الطوسي ، هو إصراره على
__________________
مواصلة الدَرْب في
منهجه التعليمي رغم كلّ مالقيه من متاعب ومشاكل على هذا الطريق ، فلم تُثْنِ المحنُ
والمشاكلُ من عزمه ، بل عاودَ نشاطه في موطنه الجديد في مدينة النجف الأشرف ، وجمع
حوله العديد من طلبة العلوم الدينية ، ليكمل رسالته التي هَجَرَ مسقطَ رأسه من أجلها.
الباب
الثاني
منهجية الشيخ الطوسي في
تفسيره
|
الفصل الأول : نشأة التفسير وتطوّر مناهجه ، وصف
مجمل لتفسير التبيان
الفصل الثاني : الجانب العقلي في التبيان
الفصل الثالث : الجانب الاثري في التبيان
الفصل الرابع : الجانب اللغوي في التبيان
|
الفصل الاول :
نشأة التفسير وتطوّر مناهجه
وصف مجمل لتفسير التبيان
لما كان القرآن الكريم كتاب الله الذي أنزله
على رسوله الأمين محمد 9
، ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، فإنّه لابد للمسلمين من أنْ يتفهموا
معانيه ، ويفقهوا آياته ليتمكنوا من العمل على ضوء تعاليمه ووفق مفاهيمه وعلى وحي
من هداه ، وكان لابد لرسول الله 9
من أن يبين للناس ما في هذا الكتاب العزيز (
وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
)
، خاصة وأنّ القرآن الكريم قداحتوى المحكم والمتشابه من الآيات والمطلق والمقيّد
من الأحكام ، فضلاً عن تضمنه الحقيقة والمجازوالتصريح والكناية ، وفعلاً فقد تولّى
رسول الله 9 مسؤولية
التفسير والشرح لآيات الكتاب طيلة سنِّي حياته ، ليوضح أسباب النزول ويبين مايحتاج
إلى البيان من المجمل والمتشابه والناسخ والمنسوخ ، كما ويشرح عمليّاً بعض الأحكام
العبادية والواجبات الشرعية التي جاء بها الكتاب المجيد ، وفي هذا الصدد كان هناك
رأيان حول ما إذا كان الرسول 9
قد بيّن للصحابة كتاب الله كلّه ، ألفاظه ومعانيه أم لا؟ فابن تيمية يؤكّد أنّ
الرسول 9 كان قد بيّن
__________________
للصحابة القرآن كلّه
ألفاظَه ومعانيه
، في حين يؤكدالزركشي أنّ تفسير القرآن وتأويله بجملته لم ينقل الينا عن الصحابة ،
فنحن نحتاج إلى ماكانوا يحتاجون إليه
، والواقع أنّ فهماً إجماليا للقرآن كان قد توفر للعديد من الصحابة ، ولكن فجوات
التباين بين أفهامهم بقيت كبيرة ، وتشهد كتب الصحاح بذلك ، وهي تروي لنا ماوقع فيه
الصحابة من أخطاء في تفسير آيات القرآن الكريم ، ومردّ ذلك إلى اختلاف مداركهم
ومعارفهم واستيعابهم للغة ومدى التصاقهم بالرسول الأكرم 9 وقربهم منه.
فقد روي عن عدي بن حاتم قوله :
|
لمّا نزلت (
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) عمدت إلى عقال أبيض فجعلته تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في
الليل فلايستبين لي ، فغدوت على رسول الله 9 ، فذكرت له ذلك ، فقال : إنما ذلك سواد الليل وبياض
النهار .
|
وعن ابن عباس روي قوله :
|
كنت لا أدري ما ( فاطِر السَّمواتِ والأَرضِ ) حتّى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا
فطرتها ، أي أنا ابتدأتها .
|
ورغم كلّ ذلك فقدكان القرآن في عصر
الرسالة قريباً إلى عقول الناس وأفهامهم ، وإن تفاوتت تلك الأفهام في درجة المعرفة
والإدراك .
وعندما فجع المسلمون بوفاة المفسر الأوّل
9 لجأوا بعد
ذلك إلى صحابته الذين عاشروه وسمعوا منه وتفقهوا على يديه ، يسألونهم تفسير
مايستغلق على أذهانهم فهمه من مفردات القرآن الكريم وآياته ، فيروي لهم الصحابة
ماسمعوه من رسول الله 9
في ذلك ،
__________________
ولايتردد بعضهم من
الاعتراف بجهله في معاني بعض الكلمات تنزيهاً للقرآن من التفسير بالرأي والظن ، ومن ذلك ماروي عن الخليفة الثاني
عمربن الخطاب أنّه قرأ (
وَفاكِهةً
وأبّاً )
فقال : هذه الفاكهة قدعرفناها فما الأبّ؟ ثم قال : « قد نُهينا عن التكلف » ومع كثرة الصحابة الذين عايشوا رسول
الله وعاصروه وسمعوا منه الحديث إلا إننا لانكاد نجد من بينهم نسبةً عالية من
المفسّرين ، وفي هذا المجال يصرّح السيوطي في الإتقان بقوله :
|
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة :
الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس وأُبي بن كعب وزيدبن ثابت وأبو موسى
الأشعري وعبد الله بن الزبير. أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي
طالب ، والرواية عن الثلاثة الآخرين نزرة جداً ، وكان السبب في ذلك تقدّم وفاتهم
كما أن ذلك هو السبب في قلّة رواية أبي بكر للحديث ولا أحفظ عن أبي بكر في
التفسير إلا آثاراً قليلة جداً لاتكاد تجاوز العشرة .
|
أمّا روايات أهل البيت : وروايات اُخرى عن الصحابة ، فإنّها
تؤكد أنّ رسول الله 9
قد اختصّ الإمام عليّاً 7
بالتعليم وبيان كتاب الله ، وأنّ أهل البيت :
قد ورثوا علوم رسول الله 9
، وهم رفقاء القرآن ، لاينفكون عنه ، فقد روى المسلمون بالتواتر عن رسول الله 9 قوله : إنّي مخلف فيكم الثقلين : كتاب
الله وعترتي أهل بيتي...
لذا فهم المرجع بعد رسول الله 9 في التفسير وبيان الأحكام ، ومع ذلك
فقد برزت مدرستان في التفسير : مدرسة تعتمد على ما صدر عن أئمة أهل البيت : كمراجع للتفسير ، ومدرسة تعتمد على ما صدر
عن الصحابة وحدهم فيما لم يرد فيه بيان عن النبي 9.
ومدرسة التفسير عند الصحابة تعتمد
المصادر التالية :
١. القرآن الكريم : لمايشتمل عليه من
عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وإجمال وتبيين وإيجاز وإطناب ، وفي ذلك يقول الإمام علي 7 في معرض وصفه للقرآن ينطق بعضه
__________________
ببعض ، ويشهد بعضه على
بعض ، وإلى هذا
المعنى يشير الزمخشري في الكشاف
إلى أنّه « أسد المعاني مادل عليه القرآن »
، وفي هذا الصدد جاءت الآيات الكثيرة وهي تفسر أخواتها وتشرح مفرداتها ومضامينها
فابن كثير مثلاً يذكر في تفسيره قول الله تعالى (
وَفِصالُهُ
في عامَيْنِ ... ) الآية :
|
إنّ جماعة من الصحابة استنبطوا أنّ أقل
مدة للحمل ستةِ أشهر لقوله تعالى ( وَحَمْلُهٌ
وَفِصالُهُ ثَلاثُون شَهْراً
) .
|
٢. الرسول الأكرم 9 : حيث كان 9 يبيّن للصحابة ماخفي عليهم ولذلك حفظوا
عنه من الاحاديث شيئاً كثيراً كانوا قد استعانوا بها فيما بعد على تفسير آيات الكتاب
العزيز وبذلك صار الحديث النبوي الشريف مصدراً مهمّاً من مصادر التفسير في عصر
الصحابة ومابعده أيضاً.
٣. الاجتهاد في الرأي : ـ والصحابة
لايلجؤون إلى هذا اللون من التفسير إلا بعد أنْ عدم التيسير لهم للأخذ عن القرآن أو
النبي 9 ، لذلك يضطرّون
إلى إعمال رأيهم في تفسير بعضٍ من آيات القرآن المجيد يساعدهم في ذلك معرفتُهم
بمفردات اللغة وصياغتها وأسرارها.
٤. كتب الديانات الاُخرى كالإنجيل
والتوراة : حيث اعتمد الصحابة عليها في معرفة قصص الأنبياء والاُمم الغابرة ،
وقدكان الصحابة يرجعون في ذلك إلى من دخل في الإسلام من أهل الكتاب مثل كعب الأحبار
وعبدالله بن سلام وأمثالهما.
وفي عهد التابعين أُضيف إلى هذه المصادر
الأربعة مصدر آخر في التفسير ، كان التابعون يولونه شيئاً من الاهتمام ، وهو أقوال
الصحابة فصارت مصادرهم التفسيرية القرآن الكريم وروايتهم عن الصحابة أحاديث النبي 9 وأقوال الصحابة واجتهاد التابعين أنفسهم
__________________
واستنباطهم وأهل
الكتاب .
ثم جاء عهد الفتوحاتِ الإسلاميّة ،
فاحدثت تلك الفتوحاتُ تغييراً مهمّاً في ثقافة المسلمين وحياتهم ، إذ أن التلاقح الفكري
والحضاري الذي حدث بين أفكار الشعوب المفتوحة والفكر الإسلامي كان عاملاً مهمّاً
في التاثير على المسلمين أنفسهم حيث امتزجت العاداتُ والتقاليد والنظم ، فنشأت
مذاهب جديدةٌ طغت على بعضها الخرافات والبدع .
وفي أواخر أيام الحكم الاُموي بدأ عصر
التدوين لأحاديث الرسول 9
، وكان التفسير باباً من الأبواب التي شملها تدوين الحديث ، حيث لم يُفرًد له في
بداية الأمر تأليف خاص يفسر القرآن من البداية إلى النهاية ، ولكن ذلك لم يدمْ
طويلاً حيث بدأ التفسير ينفصل عن الحديث فأصبح علماً قائماً بنفسه ، ووضع لكلّ آية
من القرآن تفسير ، ورتب ذلك على حسب ترتيب المصحف ، كما هو الحال في جامع
البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري (
ت ٣١٠ ه ) .
وهنا لابد لنا من ذكر المناهج التفسيرية
التي درج عليها المفسرون في تفاسيرهم والتي يمكن تقسيمها من حيث الأساس إلى :
١. التفسير بالماثور
٢. التفسير بالراي
٣. التفسير اللغوي
١ ـ التفسير بالمأثور
: ويشمل هذا النوع من التفسير كل ماجاء في القرآن نفسه من تفسير الآيات بعضها للبعض
الآخر ، ومانقل عن الرسول 9
ومانقل عن الصحابة
وعن التابعين
__________________
أيضاً ، وهذا النوع من التفسير هو أوّل أنواع
التفسير ظهوراً
، ويبدو أنّ هناك اعتراضات من قبل بعض المفسرين حول اعتبار ماينقل من التابعين من
قبيل المأثور ، وفي هذا الصدد يقول ابن تيميّة وهو يتحدث عن أقوال التابعين :
|
انها ليست بحجة على غيرهم ممن خالفهم
، أما إذا اجتمعوا على الشيء فلايرتاب في كونه حجةً ، فإن اختلفوا فلايكون قول
بعضهم حجةً على بعض ولاعلى من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو
عموم لغة العرب أو أقوالِ الصحابة.
|
وهناك من يعتبر أقوال التابعين من قبيل
الرأي ولايعدُّها
من المأثور.
ويعتبر تفسير الطبري
من أهم وأول كتب التفسير بالمأثور ، ويمتاز تفسيره بإسناد الأقوال إلى أصحابها
مسلسلة ، والتعويل على ماروي عن الرسول 9
والصحابة والتابعين.
وقد توسع بعض المفسرين في هذا المنهج ،
ونقلوا عن أهل الكتاب شيئاً كثيراً ، وخاصّةً في مجال القصص النبوي وأحوال الاُمم
الغابرة مبررين كثرة النقل عن هؤلاء بأنّ مثل هذه المنقولات ليست مما يرجع إلى
الأحكام والعقائد ، فتساهلوا في ذلك ، وملأوا تفسيراتهم بمنقولات عن عامة أهل التوراة
، ولعل التفسير
الكبير لأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعالبي
النيسابوري ( ت ٤٢٧ ه ) كان واحدا من بين اكثر كتب التفسير نقلاً عن أهل الكتاب ،
وكان لكثرة النقل عن أهل الكتاب أكبر الأثر في تضعيف التفسير بالمأثور ، وذلك بسبب
ماخالطه من الوضع والإسرائيليات التي كانت لاتعبر عن وجهة نظر إسلامية إطلاقاً ،
والتي كانت تحمل بين طياتها أهدافاً شريرةً ، القصد منها الإساءة للإسلام ولرسوله
ولسائر الأنبياء 7
، كما ساهم في تضعيف التفسير بالمأثور أيضاً حذف الأسانيد من الروايات ، وخاصّة
بعد
__________________
تفسير الطبري
، وهو مالجأ
إليه بعض المفسرين بقصد الاختصاركماحدث للبغوي الفراء ( ت ٥١٠ ه ) وابن كثير ( ت
٧٧٤ ه ) والسيوطي ( ت ٩١١ ه ) الذي يقول في مقدّمة الدر المنثور :
|
فلمّا ألفت كتاب ترجمان القرآن ، وهو
التفسير المسند عن رسول الله 9 وأصحابه رضي الله عنهم ، وتم بحمداللّه في مجلدات ، فكان
ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها ورأيت قصور أكثر الهمم عن
تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله فلخصت منه
هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر مصدّراً بالعزو والتخريج إلى كلّ كتاب
معتبر وسميته بالدرّ المنثور في التفسير بالمأثور .
|
ويقف مفسرو الإماميّة من المأثور
ولايعتبرون إلا بما جاء في القرآن الكريم من بيان وتفصيل ، وماروي عن النبي 9 وعن الأئمة من أهل البيت : ، وهذا ما أشار إليه الشيخ الطوسي في
تفسيره فقال :
إنّ الرسول 9 حث على قراءة القرآن والتمسّك بما فيه
، ورد إليه مايرد من اختلاف الاخبار في فروع ، ثم اردف قائلاً :
إنّ أصحابنا ـ يعني الإماميّة ـ ذكروا بأنّ
تفسير القرآن لايجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي 9
وعن الائمة 7 الذين هم
قولهم حجة كقول النبي 9
.
وفيما عدا ذلك فالإمامية لاتعتبر أي نقل
حجة ، وفي ذلك يقول السيد محمدتقي الحكيم : وأما ما نقل عن الصحابة والتابعين فليس
بحجة في ذاته
، ولدى الإماميّة تفاسير عديدة عنيت بالمأثور منها :
١. تفسير العياشي
لمحمد بن مسعود بن عياش ، وهو من فقهاء الشيعة الإماميّة في القرن
__________________
الثالث الهجري ،
وللعياشي هذا أكثر من مائتي مصنّف .
٢. تفسير فرات
لفرات بن محمد بن فرات الكوفي ، وهو من علماء القرن الثالث للهجرة .
٣. تفسير القمي
لعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، وهو من رجال القرن الثالث والرابع للهجرة النبوية
الشريفة .
٢ ـ التفسير بالرأي
: ويعني تفسير القرآن بالاجتهاد
، والراي لغة هو الاعتقاد والقياس والاجتهاد ، ويعتبر أصحاب القياس من أصحاب الرأي
، لأنّهم يقولون برأيهم فيمالم يجدوا فيه حديثا أو أثراً ، واعتماد الرأي في التفسير جاء متأخّراً
، وان كانت هناك محاولات تفسيرية من قبل بعض المسلمين في عصر النبوة ، حيث كانوا
يعملون نظرهم في القرآن ، عندما لم يتيسر لهم لقاء الرسول 9 ، فوجد في تلك الفترة من كان يفسر القرآن
برأيه .
وهذا اللون من التفسير قد تعرض إلى هجوم
شديد من قبل بعض المسلمين ، حتّى كان بعضهم يحرمونه وينهون عنه مستندين في ذلك إلى قول الرسول 9 :
من قال في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ ، بينما أجاز هذا النوع من التفسير قوم
آخرون مستدلين بما جاء في القرآن الكريم من دعوة وحثٍّ على النظر في كتاب الله ،
كما في قوله تعالى ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ
) .
__________________
وقوله تعالى ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
) .
وقد فسر المجوزون نهي الرسول 9 بأنّه واقع على من قال برأيه في نحو
مشكل القرآن ومتشابِهِه ، أو أُريد بالرأي الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم
عليه أو مجمل النهي ، أو من يقول في القرآن بظاهر العربية دون أن يرجع إلى المأثور
، وبالتالي فإنّ المفسر بالرأي الذي يستعين بالمأثور وأدوات التفسير الأُخرى من
اللغة العربية وعلومها وعلوم القرآن والتاريخ والفقه وأُصوله وعلى العقائد وغيرها
، مما ذكرها الباحثون شروطاً للمفسرين
لايمكن أن يكون مشمولاً بالنهي الوارد في الحديث ، وهذا يعنى ـ حسب رأي هذا الفريق ـ أن
هناك نوعين من التفسير بالرأي : أحدهما جائز معتبر ، وهوالذي تراعى فيه الأُصول
والمعايير المعتبرة لدى المفسرين ، والتي لايخرج منها المفسر من أحكام الشريعة
وروح القرآن الكريم ، والنوع الآخر هو النوع المنهي عنه والذي لايلتزم فيه المفسر
بالمعايير والضوابط المعروفة التي درج عليها المفسرون ، وبالتالي فسوف تأتي
تفسيراتهم ، وهي تحمل معها بذور التناقض والخلاف مع الأحكام الإسلاميّة والمنطق القرآني.
هذا وإن التفسير بالرأي قد اتّخذ مسارات
وطرقاً مختلفة تتناسب ونوع الثقافة التي حصل عليها المفسر وطريقة التفكير في
المدرسة التي ينتمي إليها ، ويمكن ذكر أهم المناحي التفسيرية في هذا المجال وهي :
١. المنحى الفقهي في التفسير : وهو
المنهج الذي سلكه المفسرون في بيان آيات الأحكام ، وتوضيح المراد منها ، وقد اتسع
هذا الإتجاه من التفسير بعد أن ظهرت المذاهب الإسلاميّة المختلفة ، والتي اختلف
معها المفسّرون كلّ حسب مايعتقده ومايتبناه من أفكارٍ ومفاهيم ، فلأهل السنة
بمذاهبهم الأربعة تفسير فقهي متنوع تبعاً لهذه المذاهب الفقهية ، وكذلك الظاهرية
والخوارج ،
وآخرون غيرهم.
____________
فللحنفية كتاب أحكام
القرآن لأبي بكر الرازي المعروف بالجصاص ( ت
٣٧٠ ه ) ، وعند الشافعية كتاب أحكام القرآن
لأبي الحسن الطبرى ( ت ٥٤٠ ه ) ، ولدى المالكية كتاب ( أحكام
القرآن ) لأبي بكربن العربي ( ت ٥٤٣ ه ).
٢. المنحى العقيدي : والذي نشأ بسبب
اتجاه رجال كلّ فرقة إلى إعمال عقولهم في تأويل النص القرآني ، وتحكيم معتقداتهم
فيه ، ومِن ثمّ استخراج الأدلة منه على سلامة اتّجاههم .
وقدكان هذا المنحى خطيراً جداً حيث ظهرت
امتدادات الصراع الفكري والعقائدي بشكلٍ مؤثر حاول الكثير من الفرق تسخير كتاب
الله وجره بما ينسجم ومتبنياتها واتجاهاتها ، فتأولت آيات الكتاب بشكل قسري ،
وكثيرا ماكانت تبتعد فيه عن الروح الموضوعية والنزاهة ، وقدكان للمعتزلة دورٌ كبيرٌ
في هذا الميدان ، حيث إنّهم حاولوا تطويع النص القرآني لما يخدم أفكارهم ، وركبوا
عامل اللغة للوصول إلى هذا الهدف ، وتفسير الكشاف
للزمخشري
حافل بهذا النوع من التأويل والتفسير الذي تطفح فيه النزعة الاعتزالية بشكل جلّي ،
يقابله في الجانب الآخر الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب
، والذي دافع فيه عن أهل السنة وأبرز النزعة الأشعرية ، وهاجم المعتزلة ، وأشبع تفسيره
نقداً لهم واحتجاجاً عليهم ، كما ودخل علماء المدرسة الإماميّة حلبة الصراع وطرحوا
أراءهم ومعتقداتهم في كتب التفسير ، حيث لم يكونوا متفقين مع المعتزلة في جميع معتقداتهم
، وكذلك مع أهل السنة
، إلى جانب ذلك فقد ظهرت فرقٌ اُخرى عديدة أخذت تتوسّل بالقرآن في إثبات عقائدها وأفكارها
كالخوارج والجهمية والمرجئة وغيرهم .
__________________
٣. المنحى الفلسفي : وقدنشأ هذا المنهج
بعد اتصال المسلمين بغيرهم فيما بعد عصرالفتوحات ، وكذلك بعد أن نشطت حركة الترجمة
من الكتب والثقافات الأُخرى كاليونانية والفارسية والهندية ، فقام الفلاسفة المسلمون بمحاولة
التوفيق بين الثقافة الإسلاميّة وغيرها من الثقافات الأُخرى ، كما حاولوا التوفيق
بين الفلسفة وبين الدين الإسلامي من خلال تأويل النصوص الدينية ، وحملها على معان
تتفق وماتقول به الفلسفة .
فالفارابي فسر الملائكة بأنّها صورٌ
علميةٌ ، جواهرها علوم ابداعيّةٌ قائمةٌ بذواتها ، تلحظ الأمر الأعلى فينطبع في
هوياتها ماتلحظ ، وهي مطلقةٌ لكن الروح القدسية تخاطبها في اليقظة ، والروح
النبوية تعاشرها في النوم
وفسر ابن سينا قوله تعالى (
الله الصَّمد
) فقال :
للصمد في اللغة تفسيران : أحدهما الذي لاجوف له ، والثاني : السيد ، فعلى التفسير الأول
معناه سلبي ، وهو إشارةٌ إلى نفي الماهية ، فإن كان ماله ماهية فله جوف وباطن ،
وهوتلك الماهية ، ومالابطن له ، وهو موجود فلاجهة ولا اعتبار في ذاته إلا الوجود ،
والذي لااعتبار له إلا الوجود فهو غيرُ قابلٍ للعدم ، فإنّ الشيء من حيث هو هو
موجود غير قابل للعدم ، إذ الصمد الحق واجب الوجود مطلقاً من جميع الوجوه ، وعلى
هذا التفسير الثاني معناه إضافي ، وهو كونه سيّداً للكلّ أي مبدأ للكلّ .
٤. المنحى الباطني : وأصحاب هذا المذهب
هم من الإسماعيليّة الذين قالوا بإمامة إسماعيل بن الإمام جعفرالصادق ، والباطنية
كانت قد ظهرت أيام حكم الأامون العباسي ، وانتشرت في زمان المعتصم .
وقد أسرفت هذه الفرقة في التمسك بباطن
الآيات القرآنية دون ظاهرها المعلوم من اللغة ، وقالوا : إنّ نسبة الباطن إلى الظاهر
كنسبة اللب إلى القشور متشبثين بقوله تعالى :
__________________
( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ
لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) .
وقد أفرد الغزالي كتاباً خاصّاً لنقض أفكارهم
والتشهير بهم سماه فضائح الباطنية ، يقول في بعض فقراته :
|
ولمّا عجزوا عن صرف الخلقِ عن القرآن
والسنة صرفوهم عن المراد بهما إلى مخاريق زخرفوها ، واستفادوا إبطال معاني الشرع
، وكلّ ماورد من الظواهر في التكاليف والحشر والنشر والأُمور الإلهية ، فكلها أمثلة
ورموزٌ إلى بواطن .
|
وذكر بعضاً من نماذجهم التفسيرية منها :
|
الزنى هو القاء نطفة العلم
الباطن في نفس مَنْ لم يسبق معه عقد العهد.
والاحتلام : هو أن يسبق لسانه إلى إفشاء
السر في غير محله ، فعليه الغسل ، أي تجديد المعاهدة.
أما نار إبراهيم فهي غضب نمرود لا
النار الحقيقية.
وذبح إسماعيل معناه أخذ العهد عليه .
|
ومثل هذا التفسير لم يجد رواجاً واسعاً
، خاصة وأنّه يخالف النصوص القرآنية مخالفةً صريحة ، كما ولم يدعمه أصحابه بما
يوثقه من أحاديث النبي 9
، أو أحاديث الأئمة من أهل البيت باعتبارهم من القائلين بإمامة علي والحسنين وعلي
بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق :.
٥. المنحى الصوفي : وأصحاب هذا المذهب
من المتصوفة الذين عرفوا بالاتجاه الروحي ، والذين يغلب عليهم طابع الزهد والتقشّف
، وقد حاول هؤلاء اخضاع القرآن الكريم إلى مايعتقدونه ، شأنهم بذلك شأن غيرهم من أصحاب
المذاهب المختلفة ، وقدجاء تفسيرهم لآيات القرآن الكريم متميزاً بالرمزيّة واستعمال
الإشارة في التعبير ، وهم في ذلك يلتقون مع الباطنية في بعض المواقف التفسيرية إزاء
النصوص ، وهم في منحاهم هذا
__________________
يستندون إلى ما في
القرآن من دعوة للتامل والتدبر ، والى ماروي عن رسول الله 9 : لكل آية ظهرٌ وبطنٌ ، ولكلّ حرفٍ حدٌّ
، ولكلِّ حدٍّ مطلعٌ و ...
، وبذلك تأولوا آيات القرآن الكريم ، وفسروها بما يتناسب ورؤاهم ، ومن ذلك تفسير
قوله تعالى ( وَإنَّ مِنَ الحِجارَةِ
لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهارُ وإنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ
الماءُ وإنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله )
، فذكروا أن مراتب القلوب في القسوة مختلفة فالتي يتفجر منها الأنهار قلوب يظهر
عليها الغليان أنوار الروح بترك الملذات والشهوات وبعض الأشياء والمشبهة بخرق
العادات ، كما يكون لبعض الرهبانيين واليهود.
والتي تشقق ( فَيَخْرُج مِنْهُ المَاءُ
) هي التي
يظهر عليها في بعض الأوقات عند انخراق الحُجُب البشرية من أنوار الروح فيريه بعض
الآيات والمعاني المعقولة كما يكون لبعض الحكماء والتي ( يَهْبِطُ مِن خَشيَةِ الله ) مايكون لبعض أهل الأديان والملل من
قبول عكس أنوار الروح من وراء الحُجُب ، فيقع فيها الخوف والخشية وهذه المراتب
مشتركةٌ بين المسلمين وغيرهم .
٣ ـ التفسير اللغوي : وقد تبنى أصحاب
هذا المنهج استخدام اللغة كاداةٍ أساسيةٍ في فهم النص القرآني واستخلاص معاني
الآيات منه باعتباره نصّاً أدبيّاً معجزاً ، ومن أشهر أصحاب هذا الاتجاه الفراء (
ت ٢٠٧ ) ، ومن ثمّ جاء أبو عبيده ( ت ٢١٠ ) ، واعقبهم في ذلك ثعلب ( ت ٢٩١ ) ،
وغيرهم ممن كتبوا في معاني القرآن ، وقد أوجد هذا الاتجاه حركةً واسعةً في مجال
الدراسات اللغوية ، فظهرت بعد ذلك آثار علمية في غريب القرآن وأمثال القرآن
ومصادرهاوغيرها
، وقد أكثر أصحاب هذا الإتجاه من الاستشهاد بالشعر العربي على الآيات القرآنية ،
وعنوا عنايةً خاصّةً باللغة صرفتهم عن الاشتغال بالقصص القرآني وتفصيل القول فيه ،
__________________
وقد أثر هذا الاتجاه
تاثيراً خاصّاً في استحصال التحليل الذي لايدع النصَّ مخلقاً أو مطوّياً على نفسه
دون الاستفادة بكل ما فيه من إيثار لفظةٍ على اُخرى أو حرف على آخر ، ولعل أوّل من حفز على انتهاج هذا
السبيل هو ابن عباس حينما قال : إذا سالتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ،
فإنّ الشعر ديوان العرب .
وصف مجمل للتبيان
يقع التبيان
في عشرة مجلدات ضخمة تحتوي على (٥٣١٢) صفحةً ، وقد افتتح الشيخ الطوسي تفسيره
بمقدمةٍ قصيرة أشار فيها إلى الأسباب التي دعته أن يكتب هذا التفسير ، حيث قال :
|
ان الذي حملني على الشروع في عمل هذا
الكتاب ، إني لم أجد أحداً من أصحابنا ـ قديماً وحديثاً ـ من عمل كتاباً يحتوي
على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه ، وإنّما سلك جماعةٌ منهم في
جميع مارواه ونقله وانتهى إليه في الكتب المروية في الحديث ، ولم يتعرض أحدٌ
منهم لاستيفاء ذلك وتفسير مايحتاج إليه ، فوجدت من شرع في تفسير القرآن من علماء
الأُمة ، بين مطيل في جميع معانيه ، واستيعاب ماقيل فيه من فنونه كالطبري وغيره
، وبين مقصّرٌ اقتصر على ذكر غريبه ومعاني ألفاظه ، وسلك الباقون المتوسطون في
ذلك مسلك ماقويت فيه منتهم ، وتركوا مالامعرفة لهم به ، فإنّ الزجاج والفراء ومن
اشبههما من النحويين افرغوا وسعهم في الإعراب والتصريف ، ومفضل بن سلمة وغيره
استكثروا من علم اللغة واشتقاق الألفاظ ، والمتكلمين كأبي علي الجبائي وغيره
صرفوا همتهم إلى مايتعلق بالمعاني الكلامية ، ومنهم من أضاف إلى ذلك الكلام في
فنون علمه ، فأدخل فيه مالايليق به من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاء كالبلخي
وغيره ، وأصلحُ من سلكَ في ذلك مسلكاً جميلاً مقتصداً محمد بن بحر أبومسلم الإصفهاني
وعلي بن عيسي الرماني ، فإنّ كتابيهما أصلح ماصنّف في هذا
|
__________________
|
المعنى ، غير أنهما أطالا الخطب فيه ،
وأوردا فيه كثيراً مما لايحتاج ، وسمعت جماعةً من أصحابنا ـ قديماً وحديثاً ـ
يرغبون في كتابٍ مقتصدٍ يجتمع على جميع فنون علم القرآن من القراءة والمعاني والإعراب
والكلام على المتشابه والجواب عن مطاعن الملحدين فيه وأنواع المبطلين كالمجبرة
والمشبهة والمجسمة وغيرهم ، وذكرمايختص أصحابنا به من الاستدلال بمواضع كثيرة
منه على صحة مذاهبهم في أُصول الديانات وفروعها.
|
بناءً على ذلك كتب الشيخ الطوسي تفسيره
الذي يمكننا أنْ نصفه بما يلي :
١. من حيث المنهج استطاع المفسر أن ياتي
بتفسيرٍ يعتمد على الأثر والمنقول كمايعتمد على المعقول ، واعتماده الأثر كان يتم
وفق ضوابط ومعايير خاصةٍ ، أساسها النقد والمحاكمة والترجيح وفي خصوص التفسير
يشترط الطوسي مراعاة الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية ، وبذلك رسم الخطوط العامّة
لهذا المنهج التفسيري الذي لم يتجاوزها أثناء التفسير ، بل ظل ملازماً لها وملتزماً
بها في تبيانه.
٢. في بداية كلّ سورةٍ يريد تفسيرها
يشيرُ الطوسي إلى عدد آياتها وينبه إلى الاختلاف الحاصل بين القراء في العدد إنْ
وجد.
ففي سورة الحج قال : وهي ثمانٌ وسبعون آيةً
في الكوفي ، وستٌ في المدنيين ، وخمسٌ في المكّي
بينما أكّد عدم وجود الخلاف في عدد آيات
سورة الزخرف فقال : وهي تسعٌ وثمانونَ آيةً بلاخلافٍ .
وهكذا يعمل في بداية كلّ سورة.
٣. ينبّه المفسّر إلى المكّي والمدني من
الآيات في كلّ سورةٍ ، مع ذكر أسماء بعض المفسرين وآراءهم بذلك.
__________________
ففي سورة المنافقون قال : مدنية بلاخلاف
، وهو قول ابن عباس وعطاء والضحاك.
وعن سورة عبس قال : مكية في قول ابن
عباس والضحاك .
كما يبين الشيخ الطوسي الأقوال المختلفة
في كون الآيات مكية أم مدنية ، كما في سورة الأنفال حيث قال : هذه السورة مدنية في
قول قتادة وابن عباس ومجاهد وعثمان ، وقال : هي أول مانزل على النبي 9 ، وحكى عن ابن عباس أنّها مدنية إلا
سبع آيات أولها (
وَإنْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِين كَفَرُوا ) إلى آخر سبع آيات بعدها .
ومثل هذا الاختلاف بين المفسرين ذكره
الطوسي عند تفسيره لسورة النحل فقال :
|
وهي مكية إلا آية هي قوله ( وَالَّذِينَ هاجَرُوا في الله مِنْ بَعْدِ ما
ظُلِمُوا ).
وقال الشعبي : نزلت النحل كلّها بمكة إلا
قوله ( وإن عاقَبتُم ) ... إلى آخرها.
وقال قتادة : من أوّل السورة إلى قوله
( كُنْ فَيَكُون ) مكّي والباقي مدني.
وقال مجاهد : أوّلها مكّي وآخرها مدني
.
|
٤. يشير المفسر في اوائل السور أحياناً
إلى وجود النسخ أو عدمه في السورة ، فهو في تفسيره لسورة السجدة قال : ليس فيها
ناسخٌ ولامنسوخٌ
ومثل ذلك قاله في تفسيره لسورة الرعد .
بينما نجده في سورة الأعراف يذكر اختلاف
المفسّرين حول وقوع النسخ فيها فيقول:
|
وقال قوم : هي محكمةٌ كلّها ، وقال آخرون
: حرفان منها منسوخان :
أحدهما : قوله ( خُذِ العَفْو ) يريدُ من أموالهم وذلك قبل الزكاة.
والآخر : قوله ( وَأعرِضْ عَنِ الجاهِلين ) نسخ بآية السيف .
|
__________________
|
وقال قوم : ليس واحد منهما منسوخاً ،
بل لكلِّ منهما موضع والسيف له موضعٌ.
|
وهنا قال الطوسي مرجحاً للرأي الثاني :
وهو الأقوى ، لأن النسخ يحتاج إلى دليلٍ .
٥. يشرح المفسر آراء اللغويين
والاختلافات الواردة في آرائهم ، وقد يرد على بعضها ، ويرجح البعض الآخر ، كما
ويطرح رأياً خاصّاً به مخالفاً بذلك كلّ الآراء المطروحة وقد يستعينُ الشيخ الطوسي بذكر الآراء
اللغويّة لكشف المقصود من الآية ولبيان المعنى المستودع فيها.
٦. يذكر المفسر من الآعراب وآراء النحاة
مايعينه على استيضاح معنى الآية ، وفهم المراد منها ، وهو في هذا المجال يناقش آراء
النحاة ، ويرد على بعضهم ، وقد يرجح آراء البعض الآخر ، كما يورد احياناً آراء خاصّةً
به مما يؤكد قدرته العالية في هذا الباب .
٧. لايحظى الشعر عند الطوسي باهميةٍ خاصّةٍ
في تفسيره ، وإن أكثر من الاستشهاد به ، كما وأنّه لايرقى لأن يكون حجّة لإثبات
حقيقةٍ دينيّةٍ ، وإنّما يذكره لتأكيد المعنى ، أو تاييداً لاستعمال لغوي ضمن
السياق القرآني ، وقد لايذكر أسماء الشعراء الذين يستشهد بشعرهم ، وربما يعود ذلك
إلى قلة إكتراثه بهم .
٨. استخدم عدداً من الأمثال مما قالتهُ
العربُ في استيضاح بعض المعاني أو المفاهيم ، ولكنّه لم يكثر منها
٩. اكثر من الحديث حول القراءات وبين آراء
جمع من القراء والاختلاف في قراءتهم ولكنّه أجاز القراءة بأيٍّ من القراءات
المشهورة ، ولم يعترض على واحدةٍ منها .
__________________
١٠ ـ تخفّف الشيخ الطوسي في تفسيره من
البلاغة ، ولم يسهب في الكلام حولها ، وربماكان يشير إليها أحياناً دون عناية
مشهودة ، ولم اجد في التبيان ما يؤكد اهتمام المفسر بها ، كماهو الحال في القراءة أو
اللغة والإعراب ، وقد ذكرها في موارد معدودة كما في تفسيره لقوله تعالى :
( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ
الله وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
)
فقال :
|
والمكر وان كان قبيحاً ، فإنّما أضافه
تعالى إلى نفسه لمزاوجة الكلام ، كما قال : ( فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) وليس باعتداء ، وإنما هو جزاءٌ ، وهذا أحدُ وجوه البلاغة
، لأنه على أربعة أقسام :
أحدها : المزاوجة نحو ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله ).
والثاني : المجانسة نحو قوله : (
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) بالنصب على مجانسة الجواب للسؤال.
والثالث : المطابقة نحو قوله (
مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا ) وبالنصب على مطابقة يتبع الجواب للسؤال.
والرابع : المقابلة نحو قوله : (
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ). و
|
١١. استعان الشيخ الطوسي في تفسير
الآيات بذكر آياتٍ اءخرى ليفسر بعضها بالبعض الاخر وفقا لمبدا تفسير القرآن بالقرآن
كما واستفاد
من السياق والنظم بين الآيات
__________________
لاستجلاء الكثير من
المعاني من خلال ربط الآيات القرآنية بما قبلها من آيات كريماتٍ.
١٢. يكثر الشيخ الطوسي من ذكر آراء
المفسرين ، فيفند بعضها ويناقش بعضها الآخر ، ليردَّ ما يردُّ عن بينة ، ويقبل ما
يقبل عن بيّنةٍ ، وقد كانت الثقة العالية بالنفس تدعوه أحياناً ، لأنّ يخالف جمهور
المفسرين داعماً رأيه بالدليل والبرهان.
١٣. ردّ الشيخُ الطوسي على أهل الكتاب
وناقشهم في معتقداتهم ، كما ناقش أصحاب المدارس الكلاميّة من الإسلامييّن ، واعترض
على الكثير من مقولاتهم ، كما هو الحال في رده على المعتزلة والأشاعرة والخوارج والمجبرة
والمشبهة والمجسمة والقائلين بأن المعارف ضرورية وما شاكلهم ، كما ودافع بحماسٍ
منقطع النظير عن الإماميّة ومعتقداتهم .
١٤. عند تفسيره للآية القرآنية كان
يذكرها ثم يورد ما يتعلّق بها من القراءة وأسباب النزول ـ إن وجدت ـ واللغة ومن ثمّ
المعنى ، وهنا نورد هذا النموذج من تفسيره :
|
قوله تعالى :
( وَلاَ
تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ
مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ
الله مِن فَضْلِهِ إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )
القراءة :
قرأ ابن كثير والكسائي ( وسلوا ) بغير
همزة ، وكذلك كلّما كان أمر للمواجهة في جميع القرآن ، الباقون بالهمزة ، ولم يختلفوا في ( وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ) ، لأنّه أمرٌ لغائبٍ ، قال أبوعلي الفارسي : كلاهما جيد
، إنْ ترك الهمزة او أثبتها .
النزول :
وقيل في سبب نزول هذه الآية إنّ اُم
سلمة قالت : يا رسول الله لانغزو مع الرجال ولنا نصفُ الميراث ، يا ليَت كنّا
رجالاً ، فكنا نقاتل معهم ، فنزلت هذه الآية في قول مجاهد.
|
____________
|
وقال الزّجاج : قال الرجال ليتنا كنا
فضلنا في الآخرة على النساء ، كما فضلنا عليهن في الدنيا ، وبه قال السدي.
اللغة :
والتمني هو قول القائل : ليت كان كذا
لِما لم يكن ، وليت لم يكن كذا لِما كان ، وفي الناس من قال : هو معنى في القلب
، وقال الرماني : هو ما يجب على جهة الاستمتاع به. ومن قال : هو معنى في القلب ،
قال : ليس هو من قبيل الشهوة ، ولا من قبيل الإرادة ، لأنّ الإرادة لاتتعلّق إلا
بما يصح حدوثه ، والتمنّي قد يتعلّق بما مضى ، والشهوة أيضاً كالإرادة في أنها
لاتتعلّق بما مضى.
المعنى :
وظاهر الخطاب يقتضي تحريم تمني ما فضل
الله به بعضنا على بعض ، وقال الفراء : هوعلى جهة الندب والاستحباب ، والأوّل هو
حقيقة التمني ، والذي قلناه هو قول أكثر المفسرين ووجه تحريم ذلك أنّه يدعو إلى
الحسد ، وأيضاً فهو من دنايا الأخلاق ، وأيضاً فأنّ تمني الإنسان لحال غيره ، قد
يؤدي إلى تسخّط ما قسم الله له ، ولايجوز لأحدٍ أن يقول ، ليت مال فلان لي ، وإنّما
يحسن أن يقول : ليت مثله لي.
وقال البلخي : لايجوز للرجل أن يتمنى إن
كان امرأةً ، ولا للمرأة ان تتمنى لو كانت رجلا بخلاف ما فعل الله ، لأنّ الله لايفعل
من الأشياء إلا ما هو أصلح ، فيكون قد تمنى ما ليس باصلح ، او ما يكون مفسدة ،
ويمكن أنّ يقال : إنّ ذلك يحسن بشرط أنْ لايكون مفسدة ، كما يقول في حسن السؤال
سواء.
|
ومثل هذا الطرح في التفسير نجده في أغلب
صفحات التبيان عند تفسيره لآيات القرآن الكريم.
١٥. تجنب الطوسي التكرار الممل
والاختصار المخلّ ، وكذلك الاسهاب من غيرضرورةٍ ، وبهذا كان المفسِّر معتدلاً
مقتصداً في كلّ ما طرح.
ويبقى الشيخ الطوسي أحد أولئك الرواد في
التفسير الذين أسدوا خدمةً جُلّى لتوضيح معاني الكتاب العزيز واستجلاءِ أسراره ،
وفي ذلك يصرّح أبوعلي الفضل بن الحسن
__________________
الطبرسي (٥٤٨) ،
الذي هو أحد تلامذة الشيخ الطوسي وصاحب تفسير مجمع البيان
، حيث يقول في معرض وصفه للتبيان
:
|
إنّه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق
ويلوح عليه رواء الصدق ، قد تضمن من المعاني الأسرار البديعة ، واحتضن من الألفاظ
اللغة الوسيعة ، ولم يقتنع بتدوينها دون تبيينها ، ولابتنميقها دون تحقيقها .
|
وبهذا يكون التبيان
أوّل محاولة تفسيرية كاملةٍ عند الشيعة الإماميّة التي لازالت موضع تقدير العلماء
وإجلالهم.
__________________
الفصل الثاني :
الجانب العقلي في التبيان
إنّ معرفة الطرق التي يسلكها المفسر ـ أي
مفسر ـ لتبيان المعنى المراد من النص القرآني ، تسهم مساهمةً حادة وفعالة في
استيضاح منهجه في التفسير ومنحاه في استنطاق آيات الكتاب العزيز.
ولعل الحديث حول مسلكي الرأي والأثر عند
الشيخ الطوسي ، والمحصلة النهائية التي نستخلصها من طبيعة التفاعل القائم بين
المسلكين ، والعلاقة الناشئة من خلال ربط احدهمابالاخر ، سوف تسلط الأضواء على
منهجية مفسّرنا ، وتُعيننا بالتالي على تحديد تلك المنهجية ، والتعرف على خصائصها
ومميزاتها الأساسية ، ولذلك جهدت في أن أعرض للجانب العقلي في التبيان
بفصل خاص ، ثم خصصت الحديث في الفصل
التالي للجانب الأثري من التفسير عند الطوسي ، مبيّناً طريقته في تفسير القرآن بالقرآن
، وتفسير القرآن بالسنّة ، بعدها تحدثت عن استخدام الشيخ الطوسي للجانب اللغوي في
الكشف عن مدلول الآيات القرآنية ومعانيها ، والصفحات التالية في هذا الباب ستوضح
منهج الطوسي في التفسير وأُسلوب تناوله للآيات القرآنية الكريمة وطريقته في
التعامل مع النص القرآني لمعرفة معناه.
أكد الشيخ الطوسي على اهمية التفكر ،
واعتمد أُسلوب النظر في فهم النصوص القرآنية
واستعمال العقل في
معرفة آيات الله وأحكامه ، وقد حفل التبيان
بالعديد من الإشارات التي تنم عن المنهجية العقلية التي كان يتبعها مفسرنا في
تصديه لتفسير آيات الكتاب العزيز والتي يمكن تلخيصها فيما يلي :
موقف الطوسي من
النظر والاستدلال في آيات اللّه
تبنى الشيخ الطوسي موقفاً مؤيداً
لاستخدام العقل والنظر في فهم أُمور الشريعة ، وقد أورد الكثير من الردود في
تفسيره على الذين يقولون بحرمة النظر ، كما استدل بالقرآن على صحة رأيه القائل
بضرورة النظر وإعمال العقل ، وهنا نورد بعض الأمثلة التي امتلأبها تفسير التبيان
منها :
مثال :
فى تفسيره للآية الكريمة :
(
إِنَّ مَثَلَ
عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
) قال الشيخ الطوسي :
|
والمَثَلُ ذكرٌ سائر يدل على أنّ سبيل
الثاني سبيل الأوّل ، فذكر الله آدم بأن أنشأه من غير والدٍ ، يدل على أنّ سبيل
الثاني سبيل الأول في باب الإمكان والقدرة ، وفي ذلك دلالةٌ على بطلان قول من
حرم النظر ، لأنّ الله تعالى احتج به على المشركين ، ولا يجوز أن يدلهم إلا بما
فيه دليلٌ ، فقياس خلق عيسى من غير ذكرٍ كقياس خلق آدم ، بل هو فيه أوجب ، لأنّه
في آدمُ من غير أُنثى ولا ذكرٍ .
|
مثال : وعند تفسيره لقوله تعالى :
(
أَفَمَن يَمْشِي
مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
)
قال الطوسي :
__________________
|
وفي الآية دلالة على وجوب النظر في
الدين لأنّه تعالى ضرب المثل بالناظر في مايسلكه ، حتّى خلص إلى الطريق المستقيم
، فمدحه بهذا ، وذم التارك للنظر مكبّاً على وجهه ، لايثق بسلامة طريقه .
|
مثال : وعند تفسيره لقوله تعالى :
(
أَوَلَمْ يَرَ
الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ )
قال الطوسي :
|
وفي الآية دلالة على صحة استعمال
النظر ، لأن الله ( تعالى ) أقام الحجة على المشركين بقياس النشأة الثانية على
النشأة الأُوّلى ، وأنّه يلزم من أقر بالأُوّلى أن يقر بالثانية .
|
كما وقد تبنى الشيخ الطوسي مبدأ الأخذ
بالقياس العقلي واعتباره حجّةً ، كما في تفسيره لقوله تعالى :
(
أَلَيْسَ ذَلِكَ
بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى
)
|
فقال : وفي الآية دلالة على صحة
القياس العقلي ، وهو أنّ من قدر على إحياء الإنسان قادر على إحيائه بعد الإماتة .
|
وفي الوقت الذي نجد الشيخ الطوسي يدلل
على صحة القياس العقلي ، نجده لايقرّ بصحّة القياس في الشريعة ، فيقول عند تفسيره
لقوله تعالى :
(
... فَأَتَاهُمُ الله مِنْ
حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
)
|
ومن استدلّ بهذه الآية على صحّة
القياس في الشريعة فقد أبعد ، لأنّ الاعتبارَ ليس من القياس في شيء وإنّما معناه
الاتّعاظُ ولايليقُ بهذا الموضع قياس في الشرع ، لأنّه لو قال
|
__________________
|
بعد قوله : ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيدْيِ
المُؤْمِنِينَ ) فقيسوا الأَرُزَ على الحنطة لما كان
كلاماً صحيحاً ، ولا يليق بما تقدم ، وإنّما يليق بما تقدم الاتعاظ والانزجار عن
مثل أفعال القوم من الكفر باللّه.
|
٢.
رفضه للفكرة القائلة بأنّ المعارف ضرورية
وقد استدل المفسر بأُسلوب عقلي رائع على
القائلين بها وفند مزاعمهم ، ومن ذلك قوله عند تفسيره للآية الكريمة :
(إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ
بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
فقال :
|
وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال
: إنّ المعارف ضرورةٌ ، لأنّها لو كانت ضرورةً لماجاز أن يدعوهم إلى خلافها ،
كما لايدعوهم إلى خلاف ما هم مضطرون إليه من أنّ السماء فوقهم والأرض تحتهم ،
وما جرى مجراه مما يعلم ضرورة .
|
كما ورد الشيخ الطوسي على القائلين بأنّ
المعارف ضرورة عند تفسيره لقوله تعالى :
(
وًإذا ذُكِرَ
الله وَحْدَهُ أشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ
) .
فقال : وفي قوله اشمأزّتْ قلوبهم دليلٌ
على فسادِ قول من يقول : المعارف ضرورة.
وقال الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى :
(
وَإذا قِيلَ
لَهُم تَعالَوا إلى ما أنزَل الله وإلى الرَّسولِ قَالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيهِ
آباءَنا أوْ لَوْ كانَ أباؤُهُم لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُونَ
)
|
وفيها دلالة على وجوب المعرفة ، وأنّها
ليست ضروريّة ، لأنّ الله تعالى بيّنَ الحِجاجَ
|
__________________
|
عليهم في هذه الآية ، ليعرفوا صحة ما
دعا الرسول إليه ، ولو كانوا يعرفون الحق ضرورةً لم يكونوا مقلدين لآبائهم ،
وكان يجب أن يكون آباؤهم أيضاً عارفين ضرورة ولو كانوا كذلك لماصح الإخبار عنهم
بأنّهم لايعلمون شيئاً ولايهتدون ، وإنّما نفى عنهم الاهتداء والعلم معاً ، لأن
بينهما فرقاً ، وذلك أنّ الاهتداء لايكون إلا عن بيان وحجة .
|
٣. رفضه التقليد في أُصول
الدين
رفض الشيخ الطوسي التقليد في الأُمور
الاعتقادية شأنه في ذلك شأن كل أتباع المذهب الإمامي القائل بعدم صحة الاعتقاد المبني
على التقليد والاتّكال على تقليد المربين أو الآباء :
|
بل يجب على الإنسان بحسب الفطرة
العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن يفحص ويتأمل في أُصول اعتقاداته المسماة بأُصول
الدين ، التي أهمها التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد ، ومن قلد آباءه أو نحوهم
في اعتقاده هذه الأُصول فقد ارتكب شططاً وزاغ عن الصراط المستقيم ، ولايكون
معذوراً أبداً .
|
وقد أكّد الشيخ الطوسي رفضه التقليد في
ثنايا تفسيره ، ورد على القائلين به في أكثر من مناسبة ، فهو عند تفسيره لقوله
تعالى :
(إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا
عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)
قال :
|
والتقليدُ قبيح بموجب العقل ، لأنّه
لو كان جائزاً للزم فيه أن يكون الحق في الشيء ونقيضه ، فيكون عابد الوثن يقلّد أسلافه
، وكذلك يقلّد أسلافه اليهودي والنصراني والمجوسي ، وكلّ فريق يعتقد أنّ الآخر
على خطإٍ وضلال ، وهذا باطل بلاخلافٍ ، فإذاً
|
__________________
|
لابدّ من الرجوع إلى حُجّةِ عقل أو
كتابٍ منزلٍ من قبل الله تعالى .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً
قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ الله لاَ
يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
قال :
|
وفي الآية حجة على أصحاب المعارف وأهل
التَقْليد لأنّه ذم الفريقين ، ولو كان الأمرعلى مايقولون لماتوجه عليهما الذم .
|
وفي تفسيره قوله تعالى :
(قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ
الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ الله حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ
وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)
قال :
|
معنى هذه الآية أنْ الحِجاجَ بأنْ
الطريق الموصل إلى صِحّة مذهبهم غير مسند .... ؟ اذالم يثبت مِن جهة حجّة عقلٍ
ولاسمعٍ ، وما لم يصح أن يثبت من أحد هذين الوجهين باطل لامحالة .
|
ثم يردف الطوسي قائلاً :
|
وفي الآية دلالة على فساد التقليد ، لأنّه
لو كان التقليدُ جائزاً لما طالب الله الكفار بالحجة على صحة مذهبهم ، ولما كان
عجزهم على الإتيان بها دلالة على بطلان ما ذهبوا إليه .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
__________________
( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا
أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ... )
قال الطوسي : وفي الآية دلالة على فساد قول من يقول بالتقليد وتحريم النظروالحِجاجَ.
وقد هاجم الشيخ الطوسي من يرفض المناظرة
والحِجاجَ في الدين والدعوة إلى توحيد الله تعالى فقال :
|
أخبر الله تعالى أنّ الحُجج التي
ذكرها إبراهيم لقومه آتاها الله إيّاه ، وأعطاها إيّاه بمعنى أنّه هداه لها ، فإنّه
احتجّ بها بأمر الله ورضيَها منه وصوّبهُ فيها ، ولهذا جَعلها حجّةً على الكفار
... وفي ذلك دلالة على صحّة المحاجة والمناظرة في الدين والدعاء إلى توحيد الله والاحتجاج
على الكافرين لأنّه تعالى مدح ذلك واستصوبه ومن حرم الحِجاجَ فقد ردّ صريح
القرآن .
|
٤ ـ تأكيده على أهمية
العقل واعتباره حجّةً
أكّد الشيخ الطوسي من خلال تفسيره لآيات
الكتاب العزيز على أهمية العقل واعتباره الحجّةَ الأقوى فيما يعتقد الإنسان ويعتد
به. وهو مايراه الإماميّة ، حيث يقولون :
إنّ عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في
الخلق ومعرفة خالق الكون ، كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي
معجزته .
ومن هنا نجد الشيخ الطوسي يقول عند
تفسيره الآية الكريمة :
(
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا
)
|
هذه الآية الكريمة تدل على أشياء :
أحدها : على بطلان التقليد وصحّة
الاستدلال في أُصول الدين ، لأنّه حثَّ ودعا إلى
|
|
التدبر ، وذلك لايكون إلا بالفكر
والنظر.
الثاني : يدل على فساد مذهب من زعم أنّ
القرآن لايفهم معناه إلا بتفسير الرسول من الحشوية والمجبرة لأنّه تعالى حث على
تدبره ليعملوا به .
|
وعند تفسيره للآية الكريمة :
(رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ
الله عَزِيزًا حَكِيمًا )
اكد الشيخ الطوسي على حجية العقل
واهميته ، فقال :
|
فأمّا من لم يعلم من حاله أنّ له في إنفاذ
الرسل إليه لطفاً فالحجة قائمةً عليه بالعقل ، وأدلّته على توحيده وصفاته وعدله
، ولو لم تقم الحجّةُ بالعقل ولاقامت إلا بانفاذ الرسل لفسد ذلك من وجهين :
أحدهما : إنّ هدف الرسل لايمكن العلم
به إلا بعد تقدم العلم بالتوحيد والعدل ، فإنْ كانت الحجة لم تقم عليه بالعقل ،
فكيف الطريق له إلى معرفة النبي 9 وصدقه؟ والثاني : إنّه لو كانت الحجة لاتقوم إلا بالرسول
لاحتاج الرسول أيضاً إلى رسولٍ آخر ، حتى تقوم عليه الحجة ، والكلام في رسوله
كالكلام في هذا الرسول ، ويؤدي ذلك إلى مالايتناهى ، وذلك فاسد .
|
ويصرّح الشيخُ الطوسي على ضرورة التدبر
في القرآن الكريم فيقول عند تفسيره لقوله تعالى :
( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
)
|
معناه أفلا يتدبرون القرآن بأنْ
يتفكروا فيه ويعتبروا به ، أَمْ على قلوبهم قفلٌ يمنعهم من ذلك تنبيهاً لهم على أنْ
الأمر بخلافه ، وليس عليها مايمنع من التدبّر والتفكّر والتدبر في النظر في موجب
الأمر وعاقبته وعلى ذلك دعاهم إلى تدبّر القرآن.
|
__________________
|
وفي ذلك حجّة على بطلان قول من يقول :
لايجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبرٍ وسمعٍ .
|
وهذا مما يؤكّد وبشكل جليّ أنّ الشيخ
الطوسي يتبنى منهجيّةً عقليّةً في تفسيره ، إضافة إلى اعتماده على المأثور الصحيح.
٥ ـ وجود بعض الإشارات
العلميّة في تفسير التبيان
فقد تضمن التبيان على إشارات علميّة تنمُّ
عن الروح العلمية التي اتسمت بها ثقافة الشيخ الطوسي ، وتوحي بانتهاجه منهجاً
عقلياً منفتحاً على ما في الكون من معارف وعلوم ، ومن ذلك قبوله لفكرة كرويّة الأرض.
فعند تفسيره لقوله تعالى : ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً
)
قال :
|
واستدل أبوعلي الجبائي بهذه الآية ،
على أنّ الأرض بسيطةٌ ليست كرة ، كما يقول المنجمون والبلخي بأنْ قال : جعلها
فراشاً ، والفراش البساط ، بسط الله تعالى إياها ، والكرة لاتكون مبسوطة ، قال :
والعقل أيضاً يدل على بطلان قولهم ، لأنّ الأرض لايجوزان تكون كروية مع كون
البحار فيها ، لأنّ الماء لايستقر إلا فيما له جنبان يتساويان ، لأنّ الماء
لايستقر فيه كاستقراره في الأواني ، فلو كانت له ناحية في البحر مستعليةٌ على
الناحية الأُخرى لصار الماء من الناحية المرتفعة إلى الناحية المنخفضة ، كما يصير
كذلك إذا إمتلأ الإناء الذي فيه الماء.
|
وهنا رد الشيخ الطوسي على الجبائي قائلاً
:
|
وهذا لايدل على ماقاله ، لأنّ قول من
قال : الأرض كرويّة ، معناه أنّ لجميعها شكل الكرة.
|
__________________
مثال آخر عند تفسيره
لقوله تعالى :
(
... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
) قال:
|
وقال الرماني :
السماوات غير الأفلاك ، لأنّ الأفلاك
تتحرك وتدور ، وأما السماوات لاتتحرك ولاتدورلقوله تعالى : ( إنّ الله يُمْسِكُ السماواتِ والأرضَ أنْ تَزُولا ) وهذا لبس ، لأنّه يمتنع أن تكون السماوات هي الأفلاك ، وإن
كانت متحركة ، لأنّ قوله تعالى : ( يُمْسِكُ
السماواتِ والأرضَ أنْ تَزُولا
) معناه
لاتزول عن مراكزها التي تدور عليها ، ولولا إمساكها لهوت...؟ بما فيها من الإعمالات
سفلاً .
|
مثال ثالث :
لم يستبعد الشيخ الطوسي فكرة نشوء
السحاب من تبخر مياه الأرض ، ويتضح ذلك من تفسيره لقوله تعالى :
(
... وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ
السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
... ) فقال في معرض طرحه لآراء المفسرين :
|
فإنْ قيل : هل السحاب بخارات تصعد من
الأرض؟
قلنا : ذلك جائز لايقطع به ، ولامانع
أيضاً من صحته من دليل عقل.
|
٦ ـ موقف الشيخ الطوسي
من عقائد الإماميّة
استطاع الشيخ الطوسي أنْ يدعم مذهبه الإمامي
بكل ما أُوتي من حولٍ وقوّةٍ وقدرةٍ علمية ومنهجٍ عقلي رصينٍ مستفيداً من آيات الكتاب
العزيز لبيان صواب وجهات النظر
__________________
التي يؤمن بها
الإماميّة في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد وكل مايتصل بها من فروع
ومسائل كالتقية وعصمة النبى 9
والأئمّة والمتعة ، وكذلك مسألة خلق القرآن وغيرها ، وقد دافع الشيخ الطوسي عنها
دفاعاً متّسماً بالحماس والقناعة الثابتة ، ورد كل الإشكالات والأقوال التي كانت
تثار حول تلك المسائل ، وبما يؤكّد منهجه المتطور وإبداعه والقدرة على المناظرة
والحوار ، فاعطى كلّ موضوعٍ من موضوعات العقائد لدى الإماميّة مايستحقه من الحديث
، وكانت النزعة العقلية بارزةً إلى حدٍ كبير في كل ماتحدث به الشيخ الطوسي ، وقد
أفردنا لموقف الشيخ الطوسي من عقائد الإماميّة فصلاً خاصاً وبشيء من التفصيل تحت
عنوان ( الشيخ الطوسي وعقائد الإماميّة ).
٧ ـ ردوده على
المفسرين ومناقشته لآرائهم
تعرض الشيخ الطوسي لآراء جملة من
المفسرين ، وأشكل على الكثير من آرائهم وأقوالهم التي عرضوها في تفاسيرهم ،
وقدتناول في التبيان
كُلاً من تفسير البلخي والطبري والرماني والجبائي ، وبين الأخطاء التي وقعوا فيها
عند تفسيرهم لآيات القرآن الكريم ، وردهم رداً عقلياً هادئاً ، وقديتضح لنا ـ من
خلال متابعتنا لتصديه لهم ـ منهجه العقلي في التفسير حيث كان يعرض رأي المفسر ، ثم
ياتي عليه بالنقد فيسنده بالدليل والحجة ، ثمّ يعرض رأيه مدعوماً بالدليل والحجة
أيضاً.
وقدكان يعمد أحياناً إلى ترجيح رأي لأحد
المفسرين على آراء غيره ، ويدعم الرأي الذي يميل إليه بما يملكه من حجةٍ ودليلٍ ،
وبهذا يكون الشيخ الطوسي قد أتحف المكتبة الإسلاميّة بالعديد من الآراء التي قالها
المفسرون القدامى ، والتي لولا ذكره لها لضاعت مع ماضاع من تراث فكري وثقافي إسلامي
، ولم نحصل على شيء منها بغير ذكره لها.
وهنا نورد بعضاً من ردوده ومناقشاته لآراء
جملة من المفسرين :
الطوسي والبلخي
رد الشيخ الطوسي على البلخي في مواضع
كثيرة من التبيان
نعرض بعضاً منها : ففى
تفسيره لقوله تعالى
:
(
... رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا
إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ
عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا
... ) قال :
|
كان يجوز ان يؤاخذ الله العبد بما
يفعله ناسياً أو ساهياً ، ولكن تفضل بالعفو في قوله تعالى ( لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
)
، ذكر ذلك
البلخي وهذا غلط ، لأنّه كما لم يجزتكليف فعله ولاتركه لم يجز أنْ يؤاخذ به
ولايشبه ذلك المتولد الذي لايصح تكليفه بعد وجود سببه لأنّه لايجوز أنْ يتعمد
سببه وليس كذلك مايفعله من جهة السهووالنسيان
|
وعند تفسيره لقوله تعالى : ( وَإِن مِّنْ
أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ
)
قال الطوسي :
|
واستدل أبوالقاسم البلخي بهذه الآية
على أنّ العوض دائمٌ بأن قال : بيّن الله تعالى أنّه يحشر الحيوان كلّها ويعوضها
، فلوكان العوض منقطعاً لكان إذا أماتها استحقّت أعواضاً أُخر على الموت وذلك
بتسلسلٍ ، فدلّ على أنّه دائم ، وليس هذا بشيء ، لأنّه يجوز أنْ يميت الله الحيوان
على وجه لايدخل عليهم الألم ، فلايستحقون عوضاً ثانياً ، فالأوّلى أنْ يقول : إنْ
دام تفضلاً منه تعالى .
|
وفي تفسيره لقوله تعالى :
(
وَإِلاَّ تَصْرِفْ
عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ )
قال الطوسي :
|
وقال البلخي: في الآية دلالة على أنّه
لاينصرف أحد عن المعصية إلا بلطف الله عز وجل،
|
__________________
|
لأنّه لو لم يعلم ذلك لماصح خبره به ،
وليس في الآية ما يدل على ذلك ، بل فيها ما يدل على أنّ منع يوسف كان لطفٌ ،
ولولاه لفعل المعصية ، وأمّا أنْ يدل على أنّه لا أحدٌ ينتهى عن معصية إلا بلطفٍ
، فلا .
|
وفي معرض تفسيره لقوله تعالى : (إِنَّ الله
عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ
تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
قال الطوسي
:
|
وسأل البلخي نفسه فقال : إذا قلتم : إنّ
من اعتقد الشيء على ما هو به تقليداً أو تخميناً أوتنجيماً يكون عالماً ، فلو أنّ
الإنسان اعتقد أنّ امرأة تلد ذكراً أو اُنثى أو رجلاً يموت في بلدٍ بعينه ،
ويكسب في الغد كذا ، فوافق ذلك اعتقاده فيجب أن يكون عالماً ، ويبطل الاختصاص في
الآية.
|
وأجاب : إنّ ذلك وإن كان جائزاً فإنّه
لايقع لظاهر الآية.
فرده الطوسي بقوله :
|
وهذا غيرصحيح ، لأنّ من المعلومٍ
ضرورةً أنّ الإنسان يخبر شيئاً فيعتقده فيكون على ما اعتقد من هذه الأشياء
الخمسة ، وإنّما لايكون علماً ، لأنّه لاتسكن نفسه إلى ذلك ، فأمّا المنع من
وقوعه فمعلوم خلافه .
|
٢. الطوسي والطبري
كما رد الشيخ الطوسي في التبيان
على الطبري وآرائه في التفسير ومن ذلك نذكر ماياتي :
قال الشيخ الطوسي عند تفسيره للآية الكريمة
:
__________________
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)
|
وقال ابن عباس : نزلت في قوم بأعيانهم
من أحبار اليهود ذكرهم بأعيانهم من اليهودالذين حول المدينة ، وقال قوم : نزلت
في مشركي العرب. واختار الطبري قول ابن عباس والذي نقوله : إنّه لابد أن تكون
الآية مخصوصة ، لأن حملها على العموم غيرممكن ، لأنا علمنا أنّ في الكفار من
يؤمن ، فلا يمكن العموم ، وأما القطع على واحدٍ مما قالوه فلادليل عليه.
|
وقد لايردّ الشيخ الطوسي أحياناً بنفسه
على الطبري ، وإنّما يكتفي بذكر ما رده به غيره من المفسرين ، كما هو الحال في
تفسير قوله تعالى :
(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ)
فقال الطوسي :
|
وقال الأخفش وعد بإتمام
أربعين ليلةً أو انقضاء أربعين ليلةً كقولك :
اليوم أربعون يوماً منذ خرج فلان
واليوم يومان ، أي تمام يومين.
وقال الطبري :
لايجوز ماقاله الأخفش ، لأنّه خلاف ظاهر التلاوة وماجاءت به الرواية.
|
وهنا نجد الشيخ الطوسي يتبنى رأياً
للرماني ويستشهد به للرد على ماقاله الطبري في رده على الأخفش فيقول مفسرنا :
|
قال الرماني : في هذا ـ أي رأي الطبري
ـ غلط ظاهر ، إنّ الوعد لايتصل وقوعه في الأربعين كلها ، اذا كان الوعدُ هو الإخبار
الموعود بما فيه النفع ، فلم يكن ذلك الخبر في أول تلك المدة ، فلا يدل على ذلك أن
يكون التقدير على ماقاله الأخفش ، أو على وعدناه إقامة أربعين ليلة للمناجاة أو
غيبته أربعين ليلة من قومه للمناجاة ، وما أشبه ذلك من التقدير .
|
وردّ الطوسي رأياً للطبري كان قد أورده
عند تفسيره لقوله تعالى :
__________________
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن
مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)
|
فقال : وقال ابن زيد والبلخي والجبائي
والرماني : المراد به مشركي العرب ، وضعف هذا الوجه الطبري من بين المفسرين بأن
قال : إنّ مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب مسجد الحرام ، وهذا ليس بشيء ، لأنّ
عمارة المساجد بالصلاة فيها ، وخرابها بالمنع من الصلاة فيها.
|
ورد عليه أيضاً عند مروره على ذكر
الشهادة في قوله تعالى :
(
... وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء
إِذَا مَا دُعُواْ ... )
فقال وهو يعرض الآراء التي قيلت فيها :
|
الثالث في رواية عن ابن عباس والحسن وأبي
عبد الله 7 لإقامتها
وإثباتها ، وهو أعم فائدة.
وقال الطبري : لايجوز إذا دعوا
لاقامتها ، لأنّ قبل أن يشهدوا لايوصفون بأنهم شهداء ، وهذا باطل ، لأنه تعالى
قال : ( واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ
مِنْ رِجالِكُمْ ) فسماهما شاهدين قبل إقامةِ الشهادة .
|
ورد الشيخ الطوسي في موضع آخر على
الطبري وهو يفسر قوله تعالى :
(
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ
وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ )
فقال :
|
وقال الطبري : أنّه لايجوز تأويل من
قال : أنْ تقبل توبتهم عند حضور موتهم.
قال : لأنّه لاخلاف بين الأُمة ، إنّ
الكافر إذا أسلم قبل موته بطرفة عينٍ في أن حكمه حكم الإسلام في وجوب الصلاة
عليه ومواريثه ودفنه في مقابر المسلمين وإجراء جميع أحكام الإسلام عليه ، ولو
كان إسلامه غيرصحيحٍ لَما جاز ذلك.
|
__________________
وهنا رد الشيخ الطوسي عليه بقوله :
|
وهذا الذي قاله ليس بصحيح ، لأنّه
لايمتنع أنْ تتعبد بإجراء أحكام الإسلام عليه ، وإنْ كان إسلامُه على وجه من
الالجاء لايثبت معه استحقاق الثواب عليه ، كما أنّا تعبدنا بإجراء أحكام الإسلام
على المنافقين وإن كانوا كفاراً. وإنّما لم يجز قبول التوبة في حال الإلجاء إليه
لأنّ فعل الملجأ كفعل المكره في سقوط الحمد والذم ، وقد قال الله تعالى :
( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ) .
|
٣. الشيخ الطوسي
والرماني
وقد تصدى الشيخ الطوسي للرد على الرماني
في آرائه التي كان يتبناها ، ومن ذلك نورد الأمثلة التالية :
|
قال الرماني : النسخ الرفع لشيء قد كان
يلزمه العمل به إلى بدل ، وذلك كنسخ الشمس بالظل ، لأنّه يصير بدلاً منها في
مكانها.
|
فرد الطوسي عليه بقوله :
|
وهذا ليس بصحيح ، لأنّه ينتقض بمن
تلزمه الصلاة قائماً ، ثم يعجز عن القيام فإنّه يسقط عنه القيام لعجزه ، ولايسمى
العجز ناسخاً ولا القيام منسوخاً وينتقض بمن يستبيح بحكم العقل عند من قال
بالاباحة ، فإذا ورد الشرع بحظره لايقال الشرع نسخ حكم العقل ، ولاحكم العقل
يوصف بأنّه منسوخٌ.
|
واعترض الطوسي على فصل الرماني بين
العلم والمعرفة بأن قال :
|
المعرفة هي التي يتبيّن بها الشيء من
غيره على جهة التفصيل ، والعلم قديتميّز به الشيء عن طريق الجملة دون التفصيل
كعلمك بأنّ زيداً في جملة العشرة ، وإنْ لم تعرفه بعينه وإن فصّلت بين الجملة
التي هو فيها والجملة التي ليس هو فيها.
|
فاعترضه الشيخ الطوسي قائلاً :
__________________
|
وهذا غير صحيح ، لأنّ المعرفة أيضاً
قد يتميز بها الشيء على طريق الجملة ، فلا فرق بينهما .
|
كما خطأ الشيخ الطوسي الرماني عند
تفسيره لقوله تعالى :
(وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
حيث يقول :
|
ومعنى إله : إنّه يحقّ له العبادة ،
وغلط الرماني ، فقال : هو المستحق للعبادة ، ولو كان كماقال لماكان تعالى إلهاً
فيما لم يزل ، لأنّه لم يفعل مايستحق به العبادة ، ومعنى ماقلناه : إنّه قادر
على ما إذا فعله استحق به العبادة .
|
كما إنّنا نجد الشيخ الطوسي في موضع آخر
يرد على الرماني حين أشكل على البلخي وهويقول : « لايجوز الوعد والوعيد بغير شرط ،
لأنّ فيه يأساً من الإيمان أو الكفر ، وذلك بمنزلة الصد عنه ».
وقال الرماني :
|
وهذا لايصح من قبل أنّ السورة قد دلت
على معنى الوعد من غير شرطٍ يوجب الشك ، فلوكان في قطع الوعيد يأس بمنزلة الصد
عن الإيمان لكان في قطع الوعد بأمان مايوجب الاتكال عليه دون مايلزم من الاجتهاد
، والذي يخرجه من ذلك أنّ العقاب من أجل الكفر كما أن الثواب من أجل الإيمان.
|
فرد الشيخ الطوسي على الرماني قائلاً :
|
وهذا ليس بشيء ، لأنّ للبلخي أن يشرط
الوعد بالثواب بانتفاء مايبطله من الكبائر ، كما أنّه شرط الوعيد بالعقاب
بانتفاء مايزيله من التوبة فقد سوى بين الأمرين .
|
كما اعترض الشيخ الطوسي على الرماني وهو
يتحدث عن قبح الجهل فقال :
|
وقال الرماني : إنّما يكون قبيحاً ـ
يعني الجهل ـ إذا وقع عن تعمد ، فأما إذا وقع غلطاً أوسهواً لم يكن قبيحاً
ولاحسناً.
|
فرد عليه الطوسي بقوله :
|
وهذا ليس بصحيح ، لأنّ استحقاق الذم
عليه يشرط بالعمد فأما قبحه فلا كما نقوله في الظلم سواء.
|
٤ ـ الشيخ الطوسي
والجبائي
هذا وقد أكثر الشيخ الطوسي من ردوده
واعتراضاته على الجبائي ، وهو يطرح آراءه في جملة من المسائل المختلفة ، نذكر هنا
بعضها :
في مسالة صاحب موسى قال الجبائي :
|
لايجوز أن يكون صاحب موسى الخضر ، لأنّ
خضراً كان من الأنبياء الذين بعثهم الله من بني إسرائيل بعد موسى.
قال : ولايجوز أيضاً أنْ يبقى الخضر
إلى وقتنا هذا ، كما يقوله من لايدري ، لأنّه لانبي بعدنبينا ، ولأنّه لو كان
لعرفه الناس ولم يخف مكانه.
|
وقد ردّ عليه مفسّرنا بقوله :
|
وهذا الذي ذكره ليس بصحيحٍ ، لأنّا
نعلم أوّلاً أنّ خضراً كان نبياً ، ولو ثبت ذلك لم يمتنع أن يبقى إلى وقتنا هذا
، لأنّ تبقيته في مقدور الله تعالى ، ولا يؤدي إلى أنّه نبي بعد نبينا ، لأن
نبوته كانت ثابتة قبل نبينا ، وشرعه ـ إن كان شرعاً خاصاً ـ فإنّه منسوخ بشرع
نبينا 9 ، وإن كان
يدعو إلى شرع موسى 7 ، أو من تقدم من الأنبياء ، فإنّ جميعه منسوخٌ بشرع
نبينا 9 ، فلا يؤدي
ذلك إلى ما قال ، وقوله لو كان باقياً لرؤي ولعرف غيرصحيح ، لأنّه لايمتنع أن
يكون بحيث لايتعرف إلى أحد منهم ، وإن شاهدوه لايعرفونه.
|
وفي تفسيره لقوله تعالى :
__________________
( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ
تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي
عَنكُم مِّنَ الله مِن شَيْءٍ
)
اعترض شيخنا الطوسي على الجبائي عندما
قال :
|
إنّه خاف عليهم حسد الناس لهم ، وأن
يبلغ الملك قوتهم وشدة بطشهم ، فيقتلهم خوفاً على ملكه ، وأنكر العينَ وقال : لم
تثبت بحجة ، وإنّما هو شيء يقوله الجهال العامة.
|
فرد الطوسي عليه قائلاً :
|
والذي قال غيرصحيح في أمر العين ، بل
غير منكر أن يكون ما قال المفسرون صحيحاً ، وقد روي عن النبى 9 أنّه قال : العين حق وأنّه عوذ الحسن
والحسين 8 ، فقال في
عوذته : « وأُعيذُ كما من كلِّ عينٍ لامّةٍ » ، وقد رويتٍ فيه أخبارُ كثيرةٌ ،
وقدجرت العادة به.
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى
قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ الله
بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ...
)
قال :
|
وقوله ( فَأماتَهُ
الله مائةَ عامٍ ثُم بعثَهُ ) قال أبوعلي : لايجوز أن يكون الذي أماته ثم أحياه نبياً
، لأن الله تعالى عجب منه ، ولولا ذلك لجاز أن يكون نبياً على أنّه شك في ذلك
قبل البلوغ لحال التكليف ، ثم نُبّئ فيما بعده ، وعلى هذا لايمنع أن يكون نبياً
في ما تقدم ، والأوّل أقوى وأقرب ، ويجوز هذه الآية أن تكون في غير زمان نبيٍّ.
وقال الجبائي : لايجوز ذلك ، لأنّ
المعجزات لاتجوز إلا على الأنبياء ، لأنّها دالةٌ عليهم فلو وقعت المعجزة في غير
زمن نبيٍّ لم يكن وقوعهاً دليلاً على النبوة ، وهذا ليس بصحيح عندنا ـ لأنّ
المعجزات تدل على صدق من ظهرت على يده ، وربما كان نبياً ، وربما كان إماماً أو
وليا للّه.
|
__________________
كما وردّ الشيخ الطوسي على مجاهد لقوله
: إنّ الحدَّ كفارةٌ.
فقال مفسّرنا :
|
وهذا غيرصحيح ، لأنّ الله ( تعالى )
دل على معنى الأمر بالتوبة وإنّما يتوب المذنب من ذنبه ، والحد من فعل غيره ، وأيضاً
فمتى كان مصراً كان إقامة الحد عليه عقوبةً ، والعقوبة لاتكفر الخطيئة ، كما
لايستحق بها الثواب .
|
وخطّأ الشيخ الطوسي رأي السدي عند
تفسيره لقوله تعالى :
( وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ
الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ )
فقال :
|
وقوله (وَأُشِربُوا فِي قُلُوبِهُم
العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) فيه وجوه :
أحدها : ماقال قتادة وأبوالعالية : وأُشربوا
في قلوبهم حب العجل.
وقال السدي : لمارجع موسى إلى قومه أخذ
العجل الذي وجدهم عاكفين عليه فذبحه ، ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذرّاه في اليم ، فلم
يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه ، ثم قال : أُشربوا فشربوا ، فمن كان
يحبه خرج على شاربه الذهب.
|
ثم قال الشيخ الطوسي :
|
والأول عليه أكثر محصلي المفسرين وهو
الصحيح ، لأنّ الماء لايقال فيه : أُشرب منه فلان في قلبه وإنّما يقال ذلك في حب
الشيء .
|
٥ ـ مناقشته لأهل
الكتاب والفرق الإسلاميّة
أسهب الشيخ الطوسي في مناقشته مع اليهود
والنصارى وأظهر ما هم عليه من تناقض واختلاف ، كما وردّ على الكثير من آراء الفرق
والمذاهب الإسلاميّة المختلفة كالمعتزلة والأشاعرة والخوارج والمجبرة والمفوضة
والمشبهة وغيرهم ، وقد اتسعت ردوده
__________________
وإشكالاته التي أوردها
عليهم بالصراحة والموضوعية والدقة العلمية التي أظهر فيها مفسرنا قدرةً فائقةً في
المحاججة والمناظرة والحوار بأُسلوب علمي ومنهج عقلائي رائع يتجلى للقارئ من يتجلى
خلاله كفاءة الشيخ العلمية ومنهجه الرصين الذي لايدع مجالاً أمام الخصم فلايقوى
معه على الرد ولايملك بعدها إلا الإذعان والإقرار ومن ذلك :
رده على ما أدعاه اليهود والنصارى
ووصمهم بالتناقض فقال في تفسيره للآية الكريمة (
قَالُواْ كُونُواْ
هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
روي عن عبد الله بن عباس ، أنّه قال :
|
قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول
الله 9 : ما
الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يامحمد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل
الله تعالى : (
وَقَالُوا
كُونُوا هُوداً أو نَصارى تَهْتَدُوا
).
|
فقال الشيخ الطوسي :
|
وكان في اليهودية والنصرانية تناقض
وذلك لايكون من عند الله فصارت ملة إبراهيم أحقُ بالإتّباع من غيرها.
والتناقض في اليهودية مثل منحهم من
جواز النسخ مما في التوارة ، وفي التوراة ما يدل على جواز ذلك ، وامتناعهم من
العمل بما تقدمت به البشارة في التوراة من اتباع النبي الأُمي ، مع إظهارهم
التمسك بها وامتناعهم من الإذعان ، لمادلت عليه المعجزة من نبوة محمد 9 ، مع اقرارهم بنبوة موسى من أجل
المعجزة إلى غير ذلك من أنواع التناقض .
وأما النصارى فقد قالوا : أبُ وابنٌ
وروحً قدوسٍ إلهٌ واحد مع زعمهم أنّ الأب ليس هوالابن وأنّ الأب إله والابن إله
وروح القدس إله ، فاذا قيل لهم قولوا ثلاثة آلهة امتنعوا من ذلك ، إلى مايصفون
به الباري تعالى مما يوجب الحاجة والحدث ، ويقولون مع ذلك : إنّه قديم لم يزل ،
إلى غير ذلك من مناقضاتهم التي لا تحصى.
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
__________________
(
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا
فِي الله وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ
وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ )
قال :
|
وكانت محاجتهم له 9 أنّهم زعموا أنّهم أولى بالحق ، لأنّهم
راسخون في العلم وفي الدين ، ولتقدم النبوة فيهم ، والكتاب ، فهم أولى بأنْ يكون
الرسول منهم ... وغرضهم بذلك الاحتجاج بأنْ الدين ينبغى أن يلتمس من جهتهم ، وأن
النبوة أولى أن تكون فيهم ، وليس الأمر على ماظنوا ، لأنّ (
الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ
) .
ومن الذي يقوم باعبائها ويتحملها على
وجهٍ يكون أصلح للخلق واُولى بتدبيرهم .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(وَقَالُواْ اتَّخَذَ
الله وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ
قَانِتُونَ )
قال :
|
وفي هذه الآية دلالة على أنه لايجوز له
الولد على وجه من الوجوه ، لأنّه إذا كان جميع مافي السماوات والأرض ملكاً له ،
فالمسيح عبد مربوبٌ ، وكذلك الملائكة المقربون ، لأن الولد لايكون إلا من جنس
الوالد ولايكون المفعول من جنس الفاعل ، وكل جسمٍ فعل للّه فلامثل ولانظير على
وجه من الوجوه .
|
وعند تفسيره للآية الكريمة :
(إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)
.
قال الطوسي :
|
وفي الآية حجة على النصارى بما قال له
المسيح مما يقرون به أنّه في الإنجيل من نحو
|
__________________
|
هذا الكلام لأنّ فيه ( أذهبُ إلى إلهي
وإلهكم ) كقوله هاهنا : (إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ )
|
في تفسيره لقوله تعالى :
(إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ
بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ)
قال الطوسي :
|
وفي الآية دلالةٌ على أن الوعيد
بالنار قدكان في زمن آدم بخلاف ما يدعيه جماعةٌ من اليهود والنصارى .
|
من كل هذا تبين لنا أُمور عدة كان الشيخ
المفسر يمتازبها في تفسيره منها :
١. سعة اطلاعه على ما في كتب أهل الكتاب
من اليهود والنصارى ، حيث كان يقارن ما فيها مع ما في القرآن الكريم ، ويحتج عليهم
بما احتوته كتبهم ، حتى أصبح يرد أهل الإنجيل بانجيلهم وأهل التوراة بتوراتهم.
٢. تمكنه من المحاججة والمناظرة بالدرجة
التي لايترك للخصم فرصة الدفاع بها عن آرائه ، ويأتي عليها وفق أُسسٍ منطقيةٍ
مثبتةٍ ، فينسفها نسفاً ، ويقيم عليها الحجة ، ويدعم رأيه بالدليل القاطع الذي
لاينكره إلا مكابرٌ أو معاندٌ.
٣. استخدامه للاسلوب العقلي في المناقشة
والحجاج ، الأمر الذي يفحم فيه الخصم ولايقوى معه على الردّ.
كل هذه المميزات جعلت من الشيخ الطوسي
جديراً بأن يتربّع على كرسيّ الكلام في بغداد ، ومن ثمّ مدافعاً عن مذهبه وآرائه
ومعتقداته ، وإذا ما حُرم الشيخ الطوسي من المناظرة مع الخصوم مشافهةً بسبب الفتن
الطائفية التي عصفت به في مركز الخلافة ، فإنّه قدوجد له في التبيان متنفساً لعرض آرائه
وأفكاره ، وسبيلاً للدفاع عن مذهبه ومعتقداته ، لذلك جاء تفسيره مشحوناً بروح
المناظرة والجدل العلمي الرفيع ، ليناقش من يرى ضرورة مناقشته من أصحاب الديانات
الأُخرى ، أو حتى المنتمين للفرق الإسلاميّة المختفلة ، بل والملحدين
__________________
والكفار أيضاً.
وقد ردّ الشيخ الطوسي على المجسمة الذين
قالوا : إنّ الوجه في خلق الله للكرسي أنْ يجلس عليه فقال :
|
إنّه عز وجل يتعالى عن ذلك ، لأنّ ذلك
من صفات الأجسام ، ولواحتاج إلى الجلوس عليه لكان جسما ومحدثا وقدثبت قدمه .
|
كما فَنَّد مزاعمَ الغلاة الذين تعلقوا
بقوله تعالى :
(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَـكِنَّ الله رَمَى)
فزعموا أنّ
الله حال بمحمدٍ 9
فقالوا : لماقال (وَلَـكِنَّ الله رَمَى) ـ وكان النبى هو الرامي ـ دل ذلك على أنّه
الله تعالى ، فردّ عليهم الطوسي معنفاً ، ووصفهم بالجهل وقلة المعرفة بوجوه الكلام
فقال :
|
لو كان ماقالوه لكان الكلام متناقضاً
، لأنّه خطاب للنبىّ 9 بأنّه لم يرم ، فإن كان هو الله تعالى فإلى من توجه
الخطاب؟ وإن توجه إليه الخطاب دل على أنّ الله غيره ، وأيضاً فإذا كان هو الله فقد
نفى عنه الرمي ، فإذا أضافه إلى الله بعد ذلك كان متناقضاً ، على أنه قد دلت الأدلة
العقلية على أن الله ليس بجسم ، ولاحال في جسم ، فبطل قول من قال : إنّ الله حل
في محمد 9.
|
وقد ردّ الشيخ الطوسي على المشبهة الذين
قالوا : إنّ معنى قوله تعالى :
(إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ)
إنّهم يشاهدونه ، فقال مفسرنا :
|
وهذا فاسد ، لأنّ المشاهدة لاتجوز إلا
على الأجسام أو على ما هو حال في الأجسام وقدثبت حدوث ذلك أجمع ، فلايجوز أن
يكون تعالى بصفة ما هو محدثٌ.
|
ثم قال :
|
وقد بيّنا أن المراد بذلك : وقوفهم
على عذاب ربهم وثوابه وعلمهم بصدق ما أخبرهم به
|
__________________
|
في دار الدنيا دون أن يكون المراد به
رؤيته تعالى ومشاهدته ، فبطل ما ظنوه .
|
واستدل الشيخ الطوسي بقوله تعالى : ( الله
أحّدٌ
) على فساد
مذهب المجسمة قائلاً بأنّ الجسم ليس بأحد ، إذ هو أجزاءٌ كثيرة ، وقد دلَّ الله بهذا
القول على أنّه أحدٌ ، فصحّ أنّه ليس بجسم .
وأنكر الشيخ الطوسي على الخوارج قولهم :
إنّ مرتكب الكبيرة كافرٌ ، فقال عند تفسيره لقوله تعالى :
(فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا
تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى )
|
الإنذار بنار هذه صفتها وهي درك مخصوص
مَن أدراكَ جهنم ، فهي تختص بهذا المتوعد الذي كذب بآيات الله وجحد توحيده ( وتوَلّى ) عنها بأن لم ينظر فيها ، أو رجع عنها
بعد أن كان نظر فيها ، فصار مرتدّاً. والثاني محذوفٌ لماصحبه من دليل الآي الآخر
، كأنّه قال ومن جرى مجراه ممن عصى ، فعلى هذا لامتعلق للخوارج في أنّ مرتكب
الكبيرة كافر .
|
كما واعترض الشيخ الطوسي على التناسخية
الذين استدلوا بقوله تعالى :
(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي
الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)
ليقولوا إنّ البهائم والطيور مكلفة ، فرد الشيخ قائلاً :
|
وهذا باطل ، لانا قد بينا من أي وجه
قال : إنّها (
أُمَمٌ أمثالُكُم
)
ولو وجب حملها على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها ناساً وفي مثل صورنا وأخلاقنا
فمتى قالوا لم يقل أمثالنا في كل شيء ؟ قلنا : وكذلك الامتحان والتكليف ، على أنهم
مقرّون بأنّ الأطفال غير مكلفين ولاممتحنين ، فما يحملون به امتحان الصبيان
بعينه نحمل بمثله امتحان البهائم ، وكيف يصح تكليف البهائم والطيور ، وهي غير
عاقلة ، والتكليف لايصح إلا
|
__________________
|
لعاقل ، على أنّ الصبيان أعقل من
البهائم ، ومع هذا فليسوا مكلفين ، فكيف يصح تكليف البهائم؟
|
وقد تصدى الشيخ الطوسي للمعتزلة ،
وناقشهم في الآراء التي يختلفون فيها مع الإماميّة ، ودحض أدلتهم التي أقاموها
ليستدلوا بها على بعض آرائهم ، وبين وجوه الخطأ في متبنياتهم بأُسلوب عقلي ينم عن
روح علمية نزيهةٍ موضوعيةٍ متناهية ، حيث لاينكر عليهم شيئاً إلا بدليل ، ولايعرض
رأياً إلا ويدعمه بحجة من القرآن أو العقل ، فقال عند تفسيره لقوله تعالى :
(وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)
|
واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أنّ
فاسق أهل الصلاة مخلد في النار ومعاقبٌ لامحالة.
|
فرد الشيخ الطوسي قائلاً :
|
وهذا لادلالة لهم فيه من وجوه ، لأنّ
قوله ( وَيَتَعدّ حُدُودَهُ
)
إشارةٌ إلى من يتعد جميع حدود الله ، ومن كان كذلك فعندنا يكون كافراً ، وأيضاً
فلا خلاف إنّ الآية مخصوصةٌ بصاحب الصغيرة ، وإنّ كان فعل المعصية ، وتعدّى حداً
، فإنّه خارج منها ، فإنّ جاز لهم إخراج الصغيرة منها بدليل جاز لنا أنْ نخرج من
يتفضّل الله عليه بالعفو ، أو يشفع فيه النبى 9 ، وأيضاً ، فإنّ التائب لابدّ من اخراجه من هذه الآية ،
لقيام الأدلّة على وجوب قبول التوبة ، فكذلك يجب أن يشترط من يتفضل الله باسقاط
عقابه ، فإنْ قالوا : قبول التوبة واجب ، والعفو ليس بواجبٍ ، قلنا : قبول
التوبة واجب إن حصلت ، وكذلك سقوط العقاب واجب إذا حصل العفو ، فإن قالوا : يجوز
أن لايختار الله العفو ، قلنا : وكذلك يجوز أن لايختارالعاصي التوبة ، فإن جعلوا
الآية دالّةً على أن الله لايختار العفو ، جاز لغيرهم أن يجعل الآية دالة على أن
العاصي لايختار التوبة على أن هذه الآية معارضة باياتٍ كثيرة في وقوع العفو
كقوله : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) وقوله (إِنَّ الله يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ
|
____________
|
جَمِيعاً ) وقوله : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو
مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) .
فإنْ شرطوا في آياتِنا التوبة شرطنا
في آياتهم ارتفاع العفو .
|
وفي هذه المناظرة تتجلى قدرة الشيخ
الطوسي على الحوار العلمي الهادئ المتين الذي يتلمس فيه الباحث سعة اطلاع المفسر
وقدرته في استخدام الدليل العقلي في البرهنة السليمة الموفقة ، واستشهاده بالنص القرآني
الجلي الواضح الذي يعكس المنهج العقلي بكل ما فيه من عمقٍ وواقعيةٍ واستيعابٍ اذ
لم يترك أمام محاوره باباً للاستدلال إلا وسده عليه بالحجة الدامغة والدليل القاطع
الذي لايملك معه الخصم إلا الإذعان لمنطق الحق وقوة الدليل.
وعند تفسيره للآية الكريمة :
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ
وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
|
قال : وقال الرماني ومن تابعه من المعتزلة
: لايجب هذا الوعد إذا ارتكب صاحبها الكبيرة من الجرم ، كما لايجب إن ارتدّ عن
الإيمان إلى الكفر وإنّما يجب لمن أّخلصها مما يفسق بها.
|
فرد الطوسي قائلاً :
|
وهذا عندنا ليس بصحيحٍ ، لأنّ القول
بالإحباط باطل ، ومفارقة الكبيرة بعد فعل الطاعة لاتحبط ثواب الطاعة بحال ، وإنّما
يستحق بمعصيته العقاب وللّه فيه المشيئة .
|
كما وأشكل الشيخ الطوسي على المعتزلة
استدلالهم بالآية الكريمة :
__________________
(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا
مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
... )
فقالوا بخلود مرتكب الكبيرة في النار ،
وأنّه إذا قتل مؤمناً فإنه يستحق الخلود ولا يعفى هذه بظاهر اللفظ فاحتج عليهم الطوسي
بقوله :
|
وإنّا إن نقول : ما أنكرتم أنْ يكون
المراد بالآية الكفار ومن لاثواب له أصلاً فأمّا من هومستحق للثواب ، فلا يجوز
ان يكون مراداً بالخلود أصلاً.
|
ثم أكّد ذلك بقوله وقد روي عن أصحابنا :
أنّ الآية متوجهةٌ إلى من يقتل المؤمن لإيمانه وذلك لايكون إلا كافراً .
هذا وقد حضي المجبرة بالقسط الأوفر من
ردود الشيخ الطوسي وإشكالاته عليهم حيث كان مرة يفند مزاعمهم ويدحض أقاويلهم ويسقط
ما في أيديهم ، فقال عند تفسيره للآية الكريمة :
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ
أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ)
|
وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة
من ثلاثة وجوه :
أحدها : قوله ( هُدَىً للنّاس ) فَعَم بذلك كلّ إنسان مكلف ، وهم
يقولون ليس يهدي الكفار.
الثاني : قوله تعالى ( يُرِيدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
العُسْرَ ) والمجبرة تقول : قد أراد تكليف العبد
ما لايطيق مما لم يعطه عليه قدرة ولايعطيه ، ولا عسر أعسر من ذلك.
الثالث : لو أنّ الإنسان حمل نفسه على
المشقة التي يخاف معها التلف في الصوم لمرض شديد لكان عاصياً ولكان قد حمل نفسه
على العسر الذي أخبر الله : أنّه لايريده بالعبد ، والمجبرة تزعم أنّ كلّ ما
يكون من العبد من كفرٍ أو عسرٍ أو غير ذلك من أنواع الفعل
|
__________________
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ
آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
قال الطوسي :
|
وفي الآية دليل على فساد قول المجبرة
في المخلوق والإرادة لأنه تعالى نسب الإخراج من نور الهدى إلى ظلمة الكفر
والضلال إلى الطاغوت منكراً لتلك الحال ، ولم يكن لينكر شيئاً أراده ولايغيب
شيئاً عنه فَعَلَه تعالى الله عن ذلك .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
قال المفسر :
|
وفي الآية دلالة على بطلان مذهب
المجبرة في أن الله تعالى يريد الظلم ، لأنّه قال : (لاَ
يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وإذا لم يحب الظالم لم يحب فعل الظلم ، لأنّه إنّما لم
يجز محبة الظالم لظلمه .
|
وعند تفسيره للآية الكريمة :
(يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ
يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ
رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ
غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ
يَفْتَرُونَ)
__________________
قال مفسرنا :
|
وفي الآية دلالة على فساد مذهب
المجبرة من وجهين :
أحدهما : إنهم كانوا قادرين على الإيمان
في الدنيا ، فلذلك طلبوا تلك الحال ، ولولم يكونوا قادرين لما طلبوا الرد إلى
الدنيا والى مثل حالهم الأُولى.
والآخر : بطلان مذهب المجبرة في تكليف
أهل الآخرة ... وهو خلاف القرآن والإجماع ، ولو كانوا مكلفين لما طلبوا الرجوع
إلى الدنيا ، ليؤمنوا ، بل كانوا يؤمنون في الحال.
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
فَمَن شَاء ذَكَرَهُ )
قال الطوسي :
|
وقواه (فَمَن شَاء ذَكَرَهُ) دليلٌ على بطلان مذهب المجبرة في أن
القدرة مع العقل ، وأن المؤمن لاقدرة له على الكفر ، وأن الكافر لايقدر على الإيمان
، لأنّه تعالى بيّن أن من شاء أن يذكره ذكره ، لأنّه قادر عليه.
|
ولم يكتف الشيخ الطوسي بالرد على أصحاب
الآراء من أتباع الفرق والمذاهب الإسلاميّة المختلفة ، وكذلك أهل الكتاب ، وإنّما
حاور الملحدين أيضاً ، وأبطل مزاعمهم فلنستمع إليه يقول :
|
وقصة أصحاب الفيل من الأدلة الواضحة
والحجج اللائحة على الملحدين ومن أنكر الصانع ، لأنّه لايمكن نسب ذلك إلى طبيعة
ولاموجبٍ ، وكما تأولوا الزلازل والرياح والخسوف وغير ذلك مما اهلك الله به الأُمم
، لأنّه ليس في الطبيعة اقبال طيرٍ بأحجارٍ ، وتقصد أقواماً دون غيرهم حتى
تهلكهم بما ترميهم به ، ولاتعدّى إلى غيرهم ، بل ذلك من أوضح الأدلة على أنه من
فعل الله تعالى ، وليس لأحدٍ أن يضعف ذلك ، وينكر الخبر به ، لأنّ النبي (ص) لما
قرأ على أهل مكة هذه السورة ، كانوا قريبـي العهد بالفيل ، فلو لم يكن كذلك ،
ولم يكن له أصلٌ لأنكروه ، فكيف وهم أرخوا به كما أرخوا بنيان الكعبة وموت
|
__________________
|
قصي وغيره؟ وقد نظم الشعراء في قصة
الفيل الشعر ونقلته الرواة ، فلايمكن جحد ذلك لأنّه مكابرةٌ .
|
ومثل هذه اللفتات الذكية نجدها مبثوثةً
في تفسير الشيخ الطوسي ، ويزدحم بها تبيانه
ممايؤكد انتهاجه نهجاً عقلياً متميزاً في التفسير ، حيث ترك هذا السلوك العقلي أثراً
واضحاً على صفحات التبيان
، وما زخرت به بحوثه تشكل بمجموعها منهجاً عقلياً بحث المفسر فيه عن الحقيقة ، وظل
ينشد مصاديقها ، ويتحرى الأدلة عليها ليحاور ويناقش من يختلف معه في الرأي بروية
وهدوء وانضباطٍ مما يدلل على ثقة المفسر بنفسه وقوة الحجة التي يمتلكها ، الأمر
الذي أضفى على تفسير التبيان
صيغة موضوعية ومسحة عقلية تركت بصماتها الواضحة في ذهن كل من طالع التبيان
وتدبر بحوثه ، فاستحق بذلك الشيخ الطوسي كل ماحصل عليه من مديحٍ وثناءٍ وإطراءٍ ، إذ
استطاع وبجدارة أن يسهم في عملية تطوير التفسيرو الإنتقال به من التقليد والانشداد
للأثر والرواية إلى حيث التدبر والنزعة العقلية ، مع الأخذ بالحديث الصحيح المعتبر
، فتمكن من أن يجمع ما في المنهجين ( النقلي والعقلي ) من مزايا ومحاسن.
__________________
الفصل الثالث :
الجانب الأثري في التبيان
تفسير القرآن بالقرآن
تشهد كتب التفسير القديمة والحديثة على أن
هذا اللون من التفسير قد مارسه المفسرون القدامى والمحدثون ، بل واعتبره العلماء أوّل
الطرق في تفسير القرآن الكريم التي ينبغي للمفسر أنْ يسلكها وينتهجها عند أيّةٍ
محاولة تفسيريةٍ لكتاب الله ، وبذلك قالوا :
|
من أراد تفسير الكتاب العزيز يطلبه أوّلاً
من القرآن ، فإن أعياه ذلك طلبه من السنة ، فإنّها شارحة للقرآن وموضحة له .
|
وكان رسول الله 9 أوّل من عمد إلى هذا السبيل ، فانتهجه
، حيث كان يستعين ببعض آيات القرآن الكريم ليشرح بها البعض الآخر ، ومن ذلك تفسيره
9 للظلم في
قوله تعالى : (
وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ )
بالشرك ،
واستدل بقوله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ )
.
وبهذا يكون رسول الله 9 قد أرسى لمن بعده قواعد منهجٍ تفسيريّ
لايستغني عنه أي مفسر وعلى هذا النهج سار أئمة أهل البيت 7 ، كما شهد عصر الصحابة مثل هذا اللون من
__________________
التفسير ، فيقول
الذهبي :
« وهو يعني تفسير القرآن بالقرآن ماكان
يرجع إليه الصحابة في تعرف بعض معاني القرآن » .
وتذكر روايات عديدة أن عمربن الخطاب أُحضرت
عنده امرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها ، فنهاه الإمام علي 7 عن ذلك ، وأوضح أنّ مدة حملها جاء وفق أحكام
القرآن ، واستدل بهاتين الآيتين ، فخلى سبيلها ، فقال : « لولا علي لهلك عمر ».
وإلى هذا أشار ابن كثير في تفسيره
فقال في معنى قوله تعالى :
|
(وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) إنّ جماعة من الصحابة استنبطوا أنّ أقل
مدة للحمل ستّة أشهر لقوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ
ثَلَاثُونَ شَهْرًا) .
|
ويقول ابن عباس في تفسيره لقوله تعالى :
( ربَّنا أَمَتَّنا اثْنَتَيْنِ
وَأَحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ )
|
بأنهم كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم
، أو كانوا ترابا قبل أن يخلقوا فهي ميتة ، ثم أحياها فهذه إحياءة ، ثم يميتهم
الميتة التي لابد منها في الدنيا وهي ميتة أُخرى ، ثم يحييهم ويبعثهم يوم
القيامة ، وهذه احياءة أُخرى ، وعلى هذا تحصل ميتتان وحياتان ، فهو قول الله تعالى
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً
فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .
|
بعد عصر الصحابة تابعهم التابعون على
نفس المنهج التفسيري ، حيث كانوا يفسرون بعض آيات القرآن الكريم باياتٍ كريمةٍ أُخرى
، ومن ذلك تفسير قوله تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
) .
فعن محمد بن كعب القرظي وسعيدبن جبير أنّ
الغاشية هي النار ، تغشى وجوه الكفار ،
__________________
وهو قوله تعالى : (َتَغْشَى وُجُوهَهُمْ
النَّارُ)
.
ويأتي اهتمام المفسرين بهذا اللون من
التفسير ، لأنّ القرآن وكما قال عنه الإمام علي 7
: ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض .
وبهذا يقول الزمخشري مادحاً لهذا النوع
من التفسير : « أسد المعاني ما دل عليه القرآن ».
ويقول ابن تيمية :
|
ان أصح الطرق في ذلك ـ يعني التفسير ـ
أن يفسر القرآن بالقرآن فما أُجمِلَ في مكان قد فسر في موضع آخر ، وما أُختصر في
مكان فقد بسط في موضع اخر .
|
والشيخ الطوسي اعتمد هذا الأُسلوب في
تفسيره لآيات الكتاب المبين ، فتراه أحياناً يفسر مفردة قرآنية بجمع القرائن
الدالة على معناها ، من خلال إحضاره لعدد من الآيات التي تشكل بمجموعها دليلاً
قاطعاً على المراد ، كما نجده أحياناً يثبت حكماً شرعياً تنص عليه آية بضمه آيات أُخرى
إليها فتتكامل الصورة الداخلة على الحكم من خلال آياتٍ قرآنيةٍ متفرقة يعمل الطوسي
على جمعها في المورد ، كما يستعين بالآيات القرآنية أحياناً في دعم رآي له ، أو رد
آراء غيره من المفسرين عندما يراهم قد ابتعدوا في تفسيرهم عن الصواب ، كما يحاول
في مناسباتٍ عديدة من أن يحل إشكالاً ظاهريا أو تناقضاً بدويّاً بين بعض الآيات القرآنية
، وبهذا يكون الطوسي قد استفاد من القرآن أيما استفادة في شرحه لمعاني الآيات ومفاهيمها
، وهنا نورد جملة من الشواهد التي تؤكد انتهاجه لهذا النوع من التفسير ، فهو عند تفسيره
لكلمة الرب في قوله تعالى (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ)
قال :
|
أمّا الرب فله معنيان في اللغة ،
فيسمى السيد المطاع ربا ، ومنه قوله تعالى : (أَمَّا أَحَدُكُمَا
|
__________________
|
فَيَسْقِي
رَبَّهُ خَمْرًا) يعني سيده ، ومنه قيل : رب ضيعةٍ ، اذا كان يحاول
اتمامها ، و (
الربانيون ) من هذا من حيث كانوا مدبرين لهم.
وقوله : ( رب
العالمين ) اي المالك لتدبيرهم والمالك للشيء يسمى ربه ، ولايطلق
هذا الاسم إلا على الله ، أما في غيره فيقيد ، فيقال : رب الدار ، وقيل : انه
مشتق من التربية ، ومنه قوله : (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي
فِي حُجُورِكُم) .
ومتى قيل في الله : انه رب بمعنى انه
سيد فهو من صفات ذاته ، واذا قيل بمعنى انه مدبرٌ مصلح ، فهو من صفات الافعال .
|
وعند تفسيره للختم في قوله :
(خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهمْ
وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)
قال الشيخ الطوسي :
|
(خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهمْ) اي شهد عليها بأنها لاتقبل الحق يقول
القائل : أراك تختم على كل مايقول فلان ، أي تشهد به وتصدقه.
وقيل : المعنى في ذلك إنّه ذمهم بأنها
كالمختوم عليها في أنها لايدخلها الإيمان ولايخرج منها الكفر.
والختم اخر الشيء ومنه قوله تعالى (خِتَامُهُ
مِسْكٌ) ومنه (َخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) أي اخرهم .
|
وعند تفسيره لكلمة ( استوى ) في قوله
تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ )
__________________
قال المفسر :
|
وقال قومٌ : معنى (اسْتَوَى) اي استولى على السماء بالقهر كما قال
(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) أي تقهروه.
ومنه قوله تعالى (وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) أي تمكن من أمره وقهر هواه بعقله فقال ( ثم استوى إلى السماء ) في تفرده بملكها ، ولم يجعلها كالأرض ملكاً لخلقه .
|
وعند تفسيره ( للظلم ) في قوله تعالى (فَتَكُونَا
مِنَ الْظَّالِمِينَ)
.
قال الطوسي :
|
وأصل الظلم انتقاص الحق لقوله تعالى :
(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ
تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) أي لم تنقص ، وقيل : أصله وضع الشيء في غير موضعه من
قولهم : من يشبه أباه فما ظلم أي فما وضع الشبه في غير موضعه ، وكلاهما مطرد
وعلى الوجهين فالظلم اسم ذمٍّ ، ولايجوز أن يطلق إلا على مستحق اللعن لقوله : (أَلاَ
لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
|
وقوله (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
حكاية عن يونس من حيث بخس نفسه الثواب بترك المندوب إليه .
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ
الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) .
قال في معنى الفرق :
|
والفرق : الطائفة من كل شيء ، ومن
الماء إذا انفرق بعضه عن بعض ، وكل طائفة من ذلك
|
____________
|
فرق ، وقوله : (فَكَانَ
كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) يعني الفرق من الماء ، والفريق الطائفة من الناس ،
والفرقان : اسم للقرآن ، وكل كتاب انزل الله ، وفرق به بين الحق والباطل
فهوفرقان ، وسمى الله التوراة فرقاناً ، وقوله : (يَوْمَ الْفُرْقَانِ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) كان يوم بدرٍ ويوم احد ، فرق الله بين الحق والباطل.
وقوله : (وَقُرْآناً
فَرَقْنَاهُ) معناه احكمناه كقوله : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ) وتقول :
مفرق ما بين
الطرفين .
|
وعند تفسيره لكلمة العقاب في قوله تعالى
: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ
الله شَدِيدُ الْعِقَابِ )
حاول الشيخ
الطوسي ان يجمع ما تشابه في اللفظ مع العقاب ، واستشهد لبيان ذلك بايات من القرآن
الكريم ، فقال في معرض شرحه لمعنى العقاب :
|
عقب الشيء بمعنى خلف بعد الاول ،
واعقب اعقاباً ، وتعقب الراي تعقباً (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
)
اي
الاخرة. (وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا) اي نعقب بالشر بعد الخير ، والعقبة : ركوبٌ اعقبه المشي
و ( لَهُ مُعَقَّباتٌ ) : ملائكة الليل تخلف ملائكة النهار ، وعقب الإنسان :
نسله ، وعقبه مؤخر قدمه ... والعقاب : الطائر ... (لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) اي لاراد لقضائه .
|
__________________
وقد يتوسع الشيخ الطوسي ويسهب في شرح
بعض المفردات القرآنية ، وياتي بالشواهد القرآنية العديدة على توضيح المعنى المراد
كما في قوله تعالى : (وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .
فقال :
|
يعني في العدل من غير حاجة إلى خطٍ
ولاعقد ، لانه ـ عز وجل ـ عالمٌ به ، وانمايحاسب العبد مظاهرةً في العدل ،
واحالةً على مايوجبه الفعل من خيرٍ او شر ... ونقول من الحساب : حسب الحساب
يحسبه حسباً ... واحسبني من العطاء احساباً اي كفاني (عَطَاء
حِسَابًا) اي كافياً.
والحسبان : سهام قصار ومنه (وَيُرْسِلَ
عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء) .
(يَرْزُقُ مَن يَشَاء
بِغَيْرِ حِسَابٍ) اي بغير تضييقٍ.
(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
بِحُسْبَانٍ) اي قدر لها مواقيت معلومةً لايعدونها .
|
وهكذا نجده ياتي بكل لفظ مشابهٍ او قريبٍ
من الحساب ، فيعطيه مايستحقه من التوضيح والبيان ، وبهذا يكون الشيخ الطوسي ، قد منح
قارئ التبيان
اوسع فرصةٍ للاستفادة من المفردة القرآنية من خلال ربطها بغيرها ، فتتكامل الصورة
عن الكلمة ومشتقاتها ، ومايقرب منها فى الذهن مع شد القارئ لاستحضار العديد من
الآيات القرآنية ، والتي من شانها ان تخلق في ذهنه نوعاً من المران ، يستطيع من خلالها
ان يربط بين المتشابه في الالفاظ القرآنية ، ويخلق منها وحدة متكاملة ، لاشباع
الموضوع واغنائه ، وهو اسلوبٌ عملي عال لايستبعد ان يكون الشيخ الطوسي هادفاً
لخلقه ، سيّما وانّه قد مارس طريقة الحوار ردحاً من الزمن ، واعطته المناظرات
العقائدية المستمرة مع علماء عصره مثل هذه
__________________
التجربة التي ربما
حاول تعميمها وترويجها عبر تداول مثل هذا الطرح الشمولي في الفاظ الكتاب العزيز.
وهذا الاسهاب المقصود والربط الهادف بين
آيات القرآن الكريم نجده في اكثر من مكان بين صفحات التبيان
فهو في تفسيره لقوله تعالى :
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا
صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .
وضح المعنى لكلمة (رَبَّنَا أَفْرِغْ) بشيء من التفصيل : فقال :
|
وقوله : (أَفْرِغْ) فالافراغ : صب السيال على جهة اخلاء
المكان منه ، واصله الخلو ، وانما قيل :
(أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا) تشبيهاً بتفريغ الاناء من جهة انه
نهاية ماتوجبه الحكمة ، كما انه نهاية ما في الواحد من الانية.
وقوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا
الثَّقَلَانِ) معناه سنعمد ، لانه عملٌ مجردٌ من غير شاغل.
ومنه قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ
فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) اي خاليا من الصبر ، والفرغ مفرغ الدلو .
|
ومثل هذه الاطالة النافعة نجدها في
تفسير الشيخ الطوسي لكلمة الاعصار في قوله تعالى :
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن
تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء
فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ)
فقال :
|
وقوله : (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ
فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) فالعصر عصر الثوب ونحوه من كل شيء رطبٍ عصرته عصراً فهو
معصورٌ.
والعصر : الدهر وفي التنزيل (وَالْعَصْرِ
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) والعصر ، العشي ، ومنه صلاة
|
__________________
|
العصر ، لانها تعصر اي تؤخر الشيء
بالتعصر فيه.
والعصر النجاة من الجدب ، ومنه قوله
تعالى : (فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) ، لانه كعصر الثوب في الخروج من حالٍ إلى حالٍ.
والاعصار غبار يلتف بين السماء والارض
كالتفاف الثوب في العصر ، والمعصرات السحاب ، ومنه قوله تعالى (وَأَنزَلْنَا
مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا) .
|
كما ونجد شيخنا الطوسي يطيل في توضيحه
كلمة ( الهوى ) في قوله تعالى : ( كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ
فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ) .
فقال :
|
والهوى هو لطف محل الشيء من النفس مع
الميل إليه بما لاينبغي ، فلذلك غلب على الهوى صفة الذم ، كما قال تعالى : (وَنَهَى
النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) .
ويقال : منه هوى يهوى ، ويقال : هوى
يهوي هوياً ، اذا انحط في الهواء ... (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
)
أي جهنم ،
لانه يهوي فيها.
وقوله (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) قيل : فيه قولان :
احدهما : انها منحرفة لاتقي شيئاً
كهواء الجو.
والاخر : انه قد اطارها الخوف.
ومنه قوله : (كَالَّذِي
اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ ) اي استهوته من هوى النفس .
|
__________________
وقد يعمد المفسر احياناً إلى تسليط
الاضواء على جوانب من المفردة القرآنية ، ويشبعها بحثاً بعد ان يجمع الاشتات ،
فيكون منها صوراً مختلفةً ، قد تتباين احياناً لتؤدي اكثر من معنى من خلال
استعمالاتٍ متعددةٍ ، تقتضيها طبيعة السياق والصياغة القرآنية ، كما في قوله تعالى
: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)
. اذ نجد
الشيخ الطوسي يفترض اشكالا على النص بغية استجلاء الحقيقة وابرازها فيقول :
فان قيل : كيف يجمع بين قوله : (وَلَا يُسْأَلُ
عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
وقوله :
(
فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
) ؟ ثم يجيب
الطوسي على هذا الاشكال الذي افترضه بقوله :
|
قلنا فيه قولان :
احدهما : انه نفى ان يسالهم سؤال
استرشادٍ واستعلامٍ ، وانما يسالهم سؤال توبيخ وتبكيتٍ.
الثاني : تتقطع المسالة عند حصولهم
على العقوبة ، كما قال : (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ
عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) وقال في موضع اخر : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم
مَّسْئُولُونَ) والوجه ما قلناه : انه يسالهم سؤال توبيخ قبل دخولهم في
النار ، فاذا دخلوها انقطع سؤالهم .
|
ثم ياتي الشيخ الطوسي بالعديد من الآيات
القرآنية الكريمة التي تعرضت لموضوع السؤال فيصنفها تصنيفاً رائعاً ويضع كلّاً
منها في مكانه الطبيعي الذي تتجلى من خلاله روعة النص القرآني واسلوب التعبير
الفني الذي جاءت به الآيات البينات فيقول :
|
وقوله : (وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ
الْمُجْرِمُونَ) المراد به لايسالون سؤال استعلام واستخبارٍ ليعلم ذلك من
قولهم ، لانه تعالى عالم باعمالهم قبل خلقهم ، واما قوله : (فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) وقوله : (فَوَرَبِّكَ
لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . فهو
|
__________________
|
مسالة توبيخ وتقريعٍ كقوله : (
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ) وسؤاله للمرسلين ، ليس للتوبيخ ولاللتقريع ، لكنه توبيخ
للكفار ، وتقريع لهم أيضاً ، واما قوله : (فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ
يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ) فمعناه سؤال تعاطي واستخبار عن الحال التي جهلها بعضهم
لتشاغلهم عن ذلك ، وقوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ) فهو سؤال توبيخٍ وتقريعٍ وتلاومٍ ، كما قال : (فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ) .
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي يعطي الكلمة القرآنية
حقها من التوضيح ، كما ويحل اي تناقضٍ بدوي يتوهمه القارئ لهذه الآيات المباركة ،
وقد يستعين مفسرنا ببعض الآيات القرآنية الكريمة ، ليفرق بين كلمتين متشابهتين في
اللفظ ومتغايرتين في المعنى ، كما في كلمتي الريح والرياح ، فيورد الطوسي حديثاً
شريفاً يوضح الفرق بينهما ، ثم يردف ذلك بعدد من النصوص القرآنية التي تفيد
التمييز بين هذين اللفظين فيقول :
|
ان النبى 9 كان يقول اذا هبت ريح اللهم اجعلها
رياحاً ولاتجعلها ريحاً.
وهذا يوضح ان لفظ الرياح دلالة على
السقيا والرحمة كقوله : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ
لَوَاقِحَ ) .
وقوله : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن
يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) .
وقوله : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء) وماجاء بخلاف ذلك كقوله : (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وقوله : (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ)
|
__________________
|
وقوله : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم
بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
|
كما يستعين المفسر بايات القرآن الكريم
لحل اشكالٍ ، قد يرد في عدد من الآيات وتبدو وكأنها متناقضةً او مختلفة النتائج ،
ومن ذلك قوله في تفسيره للآية الكريمة (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .
قال الطوسي :
|
فان قيل : قوله : (خَلَقَ
الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (وَخَلَقَ الجِبالَ
والأقوات في أربَعَةِ أيّامٍ) وخلق السماوات في يومين يكون ثمانية ايام ، ذلك مناف
لقوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) .
قلنا : لاتنافي بين ذلك ، لانه خلق
السماوات والارض ، وخلق الجبال والاشجار والاقوات
في اربعة ايام ، منها اليومان المتقدمان ، كما يقول القائل : خرجت من البصرة إلى
بغداد في عشرة ايامٍ ، ثم إلى الكوفة في خمسة عشر يوما ، اي في تمام هذه العدة ،
ويكون قوله :
(فقضاهن سبع سموات في
يومين) تمام ستة ايام ، وهو الذي ذكره في قوله : (فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ) وزال الاشكال .
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي يجمع الاشتات ،
فيوحد بينها ، ويعطي السورة القرآنية وجهها الصحيح مزيلاً لما يعلق في الذهن من
لبسٍ او اشكال ، وهو منهج سليم يفسر فيه الطوسي القرآن بالقرآن ، ويوضح معاني
اياته باياتٍ اخر.
مثل هذه التوضيح كان الطوسي ، قد بينه
على قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم
__________________
بِذِكْرِ
الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) .
فقال :
|
ووصف الله تعالى ـ هاهنا ـ المؤمن
بانه يطمئن قلبه إلى ذكر الله ، ووصفه في موضع آخر بانه اذا ذكر الله وجل قلبه ، لان المراد بالاول انه يذكر ثوابه
وانعامه فيسكن إليه ، والثاني يذكر عقابه وانتقامه فيخافه ، ويجل قلبه .
|
وبذلك ابعد الشيخ الطوسي اي منافاة بين
الايتين الكريمتين ، كما ويستعين الشيخ الطوسي بالقرآن الكريم في رده على اقوال
المفسرين والفرق الاخرى كأهل الحشو ، حينما يوردون شبهةً او وجهاً لايرى فيه صواباً
، عندها يستشهد بايات من القرآن الكريم ، فيدحض كل ما اوردوه ومن ذلك قوله في (عَبَسَ وَتَوَلَّى)
بعد مافسرها البعض بان المراد به النبي 9
يوم جاءه الاعمى عبد الله بن ام مكتوم ، فردهم الطوسي قائلا :
|
وهذا فاسد ، لان النبى 9 قد اجل الله قدره عن هذه الصفات ،
وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب ، وقد وصفه بانه (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وقال : (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) .
وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله
تعالى (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) .
|
وهكذا يستشهد الطوسي بالقرآن لينفي شبهةً
، او يدحض راياً فاسداً ، لان القرآن اقوى حجةٍ يمتلكها مناظر او مجادلٌ.
وقد يستدلّ الشيخ الطوسي بايات القرآن
الكريم لاثبات حكمٍ شرعى ، او موقفٍ
__________________
اسلامي تشير إليه آيةٌ
ما ، كما فعل مع قوله تعالى : (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ
مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله
نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ
) .
فقال :
|
وفي الآية دلالةٌ على انه لايجوز
ملاطفة الكفار.
قال ابن عباس : نهى الله سبحانه
المؤمنين ان يلاطفوا الكفار ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً) . وقال:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ) وقوله تعالى : (فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ
الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) . وقال : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) . وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) .
وقال تعالى : (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) . وكل ذلك يدل على انه ينبغي ان يعاملوا بالغلظة والجفوة
دون الملاطفة ، والملاينة الا ماوقع من النادر لعارضٍ من الامر .
|
والطوسي هنا يسوق العديد من الآيات القرآنية
الكريمة دون تعليقٍ مفصّلٍ ، لانّ جملة الآيات تعطي تصوّراً واضحاً عمّا يجب ان
تكون عليه العلاقة بين المؤمنين والكفّار ، وبهذا المنهج استطاع المفسر ان يوضّح
الكثير من المفاهيم ، ويحدّد جملةً من الأحكام الشرعيّة ، ومثل ذلك تجده يصنع في
تفسيره لقوله تعالى : (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ
__________________
فَأَجْرُهُ
عَلَى الله إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) .
فيقول :
|
قال : (َجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) قال ابو نجيح والسدي : معناه اذا قال
اخزاه الله متعديا قال له مثل ذلك اخزاه الله ، ويحتمل ان يكون المراد ماجعل
الله لنا الا الاقتصاص منه من (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ
وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) .
فان للمجني عليه ان يفعل بالجاني مثل
ذلك من غير زيادة وسماه سيئةً للازدواج ، كما قال :
(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) . وقال :
(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) .
|
وقد اكثر الشيخ الطوسي من الاستشهاد
بالايات القرآنية في تفسيره لاياتٍ اخرى ومن خلال قراءتنا لتفسير التبيان
، لم نجده يفوت فرصة الا ويستثمر بها ايةً قرآنيةً لشرح اخرى.
اعتماده مبدا السياق
والنظم في القرآن
استعان الشيخ الطوسي بنظم الآيات القرآنية
والعلاقة القائمة بين الآيات السابقة والايات اللاحقة لاستجلاء الكثير من المعاني
، واستطاع من خلال عملية الربط بين الآيات المتجاورة ضمن السياق القرآني ان يبرز
مفهوماً ماكان بمقدوره ان يوصل إلى ذهن القارئ بغير عملية الربط هذه بين الآية وماسبقها
من الآيات ، وهذا مايؤكد اهتمام المفسر بمبدا السياق باعتباره احد القرائن الحالية
في فهم الكلام .
اذن لابد للمفسر من ان يبحث عن كل
مايكشف اللفظ الذي يؤيد فهمه من دوالٍ اخرى
سواء كانت لفظية
كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي يريد فهمه كلاماً مترابطاً او حالياً كالظرف
والملابسات التي تحيط بالكلام ، وتكون ذات دلالةٍ في الموضوع .
وحينما يغفل المفسر سياق الآيات القرآنية
وطريقة الصياغة والنظم المسلسل الذي جاءت به تلك الآيات فمن الطبيعي ان يقع في
مطبات ضخمةٍ اثناء تفسيره للنصوص القرآنية ، وكما حصل للمجبرة حين اقتطعوا نصّاً قرآنيّاً
وفسّروه بعيداً عن مبدا الاخذ بالسياق فقالوا في تفسير قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ)
: انّ ذلك
يدلّ على انّ الله خالقٌ لافعالنا .
في حين ان الملاحظ في السياق انّها جاءت
حكايةً لقول إبراهيم مع قومه واستنكاره لعبادتهم الاصنام والتي هي اجسام ، واللّه
تعالى هو المحدث لها .
وكذلك الحال في قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ
أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
.
اذ كانت تدل بسياقها على انه الذليل
الحقير .
من هنا فان ملاحظة السياق والتناسب
والترابط بين الفصول والمجموعات القرآنية ضرورةٌ ومفيدةٌ جداً في فهم مدى القرآن
ومواضيعه واهدافه .
ولذلك فان الشيخ الطوسي يستعين بنظم
الآيات القرآنية واسلوب صياغتها لتعيين بعض المعاني والكشف عن المقاصد والنكات القرآنية
او دعم مايتبنّاه من راي تفسيريّ ، وقد احتوى التبيان
على شواهد عديدة كان يؤكد فيها المفسر على العلاقة القائمة بين الآيات ويستخرج
منها معنى او مفهوماً فقال :
__________________
|
ان وجه اتصال قوله تعالى : ( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) بما قبله انه لما قال : ( بَلِ
الله يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ) نفى عن نفسه الظلم لئلا يظن ان الامر بخلافه .
|
وقال أيضاً : عند ما قرا (مَّنْ يُطِعِ
الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا
) .
|
ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها ، انه
لماذكر الحسنة التي هي نعمةٌ من الله ، بيّن ان منها إرسال نبي الله ، ثم بيّن
ان منها طاعة الرسول التي هي طاعةُ الله فهي في ذكر نعم الله مجملةً ومفصلةً ،
وفيها تسلية للنبى 9 في تولّي الناس عنه وعن الحقّ الذي جاء به مع تضمُّنها
تعظيم شانه تكون طاعته طاعة الله .
|
وذكر الطوسي بعد قراءته للآية الكريمة :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ
يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ
الْمُتَّقِينَ)
|
ان وجه اتصال هذه الآية بما قبلها ان
الله تعالى اراد ان يبين ان حال اليهود في الظلم ونقض العهد وارتكاب الفواحش من
الامور كحال ابن ادم قابيل في قتله اخاه هابيل ، وما عاد عليه من الوبال بتعدّيه
، فامر نبيّه ان يتلو عليهم اخبارهما ، وفيه تسليةٌ للنبى 9 لما ناله من جهلهم بالتكذيب في جحوده
وتبكيت اليهود .
|
وعندما قرا قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ
مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ )
قال :
__________________
|
هذا عطفٌ على الآية الاولى ، فكانه
قال : قل : وليي الله القادر على نصرتي عليكم وعلى من اراد بي ضراً ، والذين
تتخذونهم انتم الهةً لايقدرون على ان ينصرونكم ولا ان يدفعوا عنكم ضررا ،
ولايقدرون ان ينصروا انفسهم أيضاً لو ان انساناً اراد بهم سوءً من كسر اوغيره.
وانما كرر هذا المعنى ، لانه ذكره في
الآية التي قبلها على وجه التقريع ، وذكره هاهنا على وجه الفرق بين صفة من تجوز
له العبادة ممن لاتجوز ، كانه قال :
ان ناصري الله ولاناصر لكم ممن تعبدون
.
|
وقال أيضاً عند تفسيره لقوله تعالى :
(وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ
قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ الله
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
قال :
|
قال مجاهد : وجه اتصال هذه الآية بما
قبلها هو انه لماحرم الله تعالى على المؤمنين الاستغفار للمشركين بين انه لم يكن
الله ليؤاخذكم الا بعد ان يدلكم على تحريمه وانه يجب عليكم ان تتقوه
|
وعند ذكره لقوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ
الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ )
قال :
|
لماذكر الله تعالى الكفار ومايستحقونه
من المصير إلى النار في الآيات الاول ذكر في هذه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ) يعني صدقوا باللّه ورسوله ، واعترفوا
بهما ، واضافوا إلى ذلك الاعمال الصالحات ، ( يهديهم
)
الله تعالى جزاءً بايمانهم إلى الجنة (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ
الأَنْهَارُ فِي
|
__________________
|
جَنَّاتِ
النَّعِيمِ) يعني البساتين التي تجري تحت اشجارها الانهار التي فيها
النعيم .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ
مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ
الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ)
قال الطوسي
:
|
ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها انه
تعالى لمابين عظيم اياته بما في مقدوراته ممالايقدر عليه سواه ، دل على انه
ينبغي ان تكون الرغبة في ماعنده وعند اوليائه من المؤمنين دون اعدائه الكافرين ،
فنهى عن اتخاذهم اولياء دون أهل التقوى الذين سلكواطريق الهدى .
|
وفي ذكره لقوله تعالى : (وَلِلّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأُمُورُ ) .
قال :
|
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها وجه اتّصال
الدليل بالمدلول عليه ، لانه لما قال:
( وما
الله يريد ظلما ) وصله بذكر غناه عن الظلم ، اذ الغني
عنه العالم بقبحه ، ومعناه لايجوز وقوعه منه .
|
التفسير بالسنة
تعني السنة عند الإماميّة الاثني عشرية
قول المعصوم وفعله وتقريره ، ولافرق بين ان يكون المعصوم النبي 9 او الائمة الاثني عشر .
__________________
والعصمة عند
الإماميّة تشمل النبي والائمة الاثني عشر ، حيث قالوا :
|
ان الامام كالنبى ، يجب ان يكون
معصوما من جميع الرذائل والفواحش ماظهر منها ومابطن ، كما يجب ان يكون معصوما من
الخطا والسهو والنسيان ، لان الائمة حفظة الشرع والقوامون عليه ، حالهم في ذلك
حال النبى ، والدليل الذي اقتضانا ان نعتقد بعصمة الانبياء هو نفسه يقتضينا ان
نعتقد بعصمة الائمة .
|
وقد حظي الائمة من أهل البيت على هذه
المنزلة باعتبارهم احد الثقلين اللذين تركهما رسول الله 6 في الامة ، وامر باتباعهما حينما قال 9 :
« يا ايها الناس اني تارك فيكم ما ان
اخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».
وقد استدل الشيخ الطوسي بهذا الحديث في
كون العترة حجّةً كما ان الكتاب حجّةٌ
لياخذ برواياتهم بعد ثبوت صحة نسبتها اليهم :
شانه في ذلك شان سائرالعلماء الإماميّة في اخذهم عن الائمة : والذين قيدوا مايروى عنهم : بموافقته للكتاب عطفاً على الحديث
النبوي الشريف اذا جاءكم عني حديثٌ فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فاقبلوه
، وماخالفه فاضربوا به عرض الحائط كما وانه قد روي مثل هذاالحديث عن ائمّتنا : .
وقد حدّد الشيخ الطوسي اسس منهجه الاثري
في التفسير ، وفقاً لماكان يراه من ان معاني القرآن على اربعة اقسامٍ :
|
احدها : ما اختصّ الله تعالى بالعلم
به فلايجوز لاحد تكلّف القول فيه ولاتعاطي معرفته وذلك مثل قوله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ
عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا
لِوَقْتِهَا
|
__________________
|
إِلاَّ
هُوَ)
ومثل قوله
تعالى : (إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) .
|
وفي مثل هذا القسم لايجيز الشيخ الطوسي
لاحدٍ ان يقول فيه شيئاً حيث يؤكد ذلك بقوله : فتعاطي معرفة ما اختص الله تعالى به
خطا.
|
وثانيها : ماكان ظاهره مطابقا لمعناه
فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناه ، مثل قوله تعالى :
(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ ) .
ومثل قوله تعالى :
(قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ) وغير ذلك.
وثالثها : ما هو مجمل لاينبئ ظاهره عن
المراد به مفصّلاً ، مثل قوله تعالى :
(أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ
وَآتُواْ الزَّكَاةَ) .
وقوله : (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) وقوله : (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ ) وقوله : (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
مَّعْلُومٌ ) ومااشبه ذلك.
فان تفصيل اعداد الصلاة وعدد ركعاتها
، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ومقاديرالنصاب في الزكاة ، لايمكن استخراجه الا
ببيان النبى 9
ووحي من جهة الله تعالى ، ولهذا اكد الطوسي منع القول فيه بقوله : فتكلف القول
في ذلك خطاٌ ممنوعٌ منه ويمكن ان تكون الاخبارُ متناولةً له.
|
__________________
|
ورابعها : ماكان اللفظ مشتركاً بين
معنيين فما زاد عنهما ، ويمكن ان يكون كلُّ واحدٍ منهما مراداً ، فانه لاينبغي
ان يقدم احدٌ به فيقول :
ان مراد الله فيه بعض مايحتمل الا
بقول نبى او امامٍ معصومٍ ، بل ينبغي ان يقول :
ان الظاهر يحتمل لامور ، وكل واحد
يجوز ان يكون مراداً على التفصيل.
ومتى كان اللفظ مشتركا بين شيئين ، او
مازاد عليهما ، ودل الدليل على انه لايجوز ان يريد الا وجها واحدا ، جاز ان يقال
: انه هو المراد .
|
لذا يذكر الشيخ الطوسي ان مثل هذا
التقسيم يُبرز لنا قبول الاخبار ، ولم نردها على وجه يوحش نقلتها والمتمسكين بها .
ثم يضع مفسرنا شروطه لقبول الاخبار
والتي هي : الاجماع او النقل المتواتر عمن يجب اتباع قوله ، ولايقبل في ذلك خبر
واحد .
... ثم قال :
|
واما طريقة الاحاد من الاخبار الشاردة
والالفاظ النادرة فانه لايقطع بذلك ، ولايحمل شاهدا على كتاب الله ، وينبغي ان
يتوقف فيه ، ويذكر مايحتمله ، ولايقطع على المراد فيه بعينه ، بانه متى قطع
بالمراد كان مخطئاً ، وان اصاب الحق كما روي عن النبى 9 ، لانه قال تخميناً وحدساً ، ولم
يصدر ذلك عن حجّةٍ قاطعة وذلك باطل بالاتفاق .
|
ويبدو ان المفسر كان متشدّداً في قبول
الرواية ، لذلك اشترط ان يكون الحديث متواتراً اي ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً
احالت العادة تواطؤهم على الكذب واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات ، حيث تتعدد
فيكون اوله كاخره ووسطه كطرفيه ، وهو يقيد العلم ويجب
__________________
العمل به .
كما بين موقفه من اخبار الاحاد الشاردة
، وينبغي ان نشير هنا إلى ان الشيخ الطوسي يذهب إلى ان خبر الاحاد لايوجب العلم
غير انه حجة يجب العمل به وفق شروطٍ محدودة ، لوجود ادلة قطعية على ذلك.
وقد ذهبت الحنفية والشافعية وجمهور
المالكية إلى وجوب العمل به وفق جملة من الشروط ، فيشترط في الراوي لصحة التحمل
والتمييز والضبط ، كما يشترط فيه لصحة الاداء البلوغ والإسلام والعدالة والضبط ،
واما بالنسبة إلى لفظ الخبر ، فيشترط فيه الا يحذف الراوي منه مايتوقف تمام المعنى
عليه ، ويشترط في معناه الا يعارضه ما هو اقوى منه ، واشترط الكرخي وبعض الحنفية
الا يكون موضوع الحديث مما تعم به البلوى ، اذا لو كان كذلك لذاع واشتهر فعدم
ذيوعه حينئذٍ يورثه شكّاً.
وقيل :
ان خبر الواحد العدل يوجب العلم ، لانه
يوجب العمل بالدليل ، ولاعمل الا عن علمٍ ، وهو مذهب داود الظاهري ، وحكي عن مالك
، وروي عن احمد ، واختاره ابن حزم ، واطال الاحتجاج له ، وقال الخوارج والمعتزلة :
انه لايوجب العمل ، لانه لايوجب العلم ، ولاعمل الا عن علم .
والذي عليه الإماميّة هو الاخذ بحجية
خبر الواحد في الأحكام العملية فقط
وهذا ما أكّده أيضاً السيد الطباطبائي صاحب الميزان بقوله :
|
واما الشيعة ، فالذي ثبت عندهم في علم
اصول الفقه حجية خبر الواحد الموثوق
|
__________________
|
الصدور في الأحكام الشرعية ولايعتبر
في غيرها .
|
وقد تضمن التبيان
عددا لاباس به من الاحاديث والروايات والاخبار عن النبي 9 والائمة من أهل البيت ليستعين بها
المفسر في شرحه لاية ، او توضيحه لمفهومٍ او طرحه لراي ، وهنا نورد بعضا من تلك
الاحاديث والاخبار التي اعتمدها الطوسي في تفسيره ، فمثلاً اورد ، ثلاثة اقوالٍ في
معنى العفو وهي :
|
قال ابن عباس ، وقتادة : هو ما فضل عن
الغنى.
وقال الحسن وعطاء : هو الوسط من غير
اسراف ولا اقتارٍ.
وقال مجاهد : هو الصدقة المفروضة.
|
ثم ذكر مفسرنا ما روي عن الائمة من أهل البيت
: لتفسير معنى
العفو فقال :
|
وروي عن ابي جعفر 7 ان العفو مافضل عن قوت السنة. فنسخ
ذلك باية الزكاة.
وروي عن ابي عبد
الله 7 ان العفو
ها هنا : الوسط .
|
وهكذا يستعين المفسر بروايات عن الائمة
سلام الله عليهم لشرح معنى او تاكيد قول من الاقوال التي اوردها المفسرون بهذا
الشان.
مثال اخر :
وقال عند تفسيره لكلمة الاعسار الذي
تضمنته الآية الكريمة :
(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) .
وروي عن ابي عبد الله 7 هو ـ اي الاعسار ـ اذا لم يقدر على
مايفضل من قوته وقوت عياله على الاقتصاد
وقد نقل قول الجبائي في بيان معناه ،
فقال :
__________________
« قال الجبائي
التعذر بالاعدام او بكساد المتاع وغيره » .
وهذا يعكس لنا ما يتحلى به الشيخ الطوسي
من سعة افق واستفادة مما عند الاخرين وان اختلفوا معه في الراي والمعتقد وهو ما اعطى
تفسير التبيان
ميزة اضافية فضلا عما فيه من المزايا والمواصفات.
ومثل هذا المنهج تجده في مكان اخر من
التبيان حيث يستعين المفسر في شرح معنى السحت بروايات متعددة ، واحدة عن النبى 9 ، وثانية عن الامام على 7.
كما يورد أيضاً تفسيراً عن ابي هريرة وعبد
الله بن عمر ، ويبقى الطوسي مع الكلمة ، ليوفيها حقها من التوضيح والبيان ، اذ
لابد للمفسر ـ بحكم منهجيته ذات الطابع الاستقصائي ـ ان يذكر الروايات والاراء المتعلقة
بالايضاح ، ليضع القارئ امام جملة من المعاني خاليةً من المتناقضات والاختلافات ، لذلك
لايرى الشيخ المفسر ضيراً من الجمع بين الروايات في تفسيره ثم يعرض ماتوصل إليه من
معنى اجمالي لكلمة ( السحت ) حيث قال :
وقوله : (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)
معناه انه يكثر اكلهم للسحت وهو الحرام ، ثم يسردالروايات التي اعتمدها فيقول :
|
وروي عن النبى 9 انه قال : السحت الرشوة في الحكم ،
وروي عن علي 7
انه قال : السحت الرشوة في الحكم ، ومهر البغي ، وعسب الفحل ، وكسب الحجام ،
وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، وثمن الميتة ، وحلوان الكاهن ، والاستعجال في
المعصية.
وروي عن ابي هريرة مثله.
وقال مسروق :
سالت عبد الله عن الجور في الحكم قال
:
ذلك كفر ، وعن السحت ، فقال الرجل
يقضي لغيره الحاجة فيهدي له الهدية
|
وعند تفسيره لكلمة ( انحر ) في قوله
تعالى :
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)
|
قال معنى : (وَانْحَرْ) انحر البدن متقرباً إلى الله لنحرها خلافاً لمن نحرها
للاوثان وقيل : استقبل القبلة بنحرك.
|
ثم يروي المفسر مايستعين بها على توضيح
المعنى فيقول :
|
وروي عن علي 7 ، ان معناه ضع اليمنى على اليسرى
حذاء النحر ـ وهذه الرواية غيرصحيحة ـ والمروي عن ابي جعفر وابي عبد الله 8 ، ان معناه وانحر البدن والاضاحي .
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي يقف ناقداً
للرواية التي رويت عن علي 7
، ويصفها بانها غيرصحيحة ، لشكه في صحة سندها ، مما يؤكد تحريه للحقيقة ورفضه لكل
مالايتفق والمنهج الموضوعي الذي تبناه في تفسيره.
ويبدو ان الشيخ الطوسي كان يعطي لمتن
الرواية اكبر الاهمية في فحص مايروى عن النبى والائمة : وسائر الصحابة ، ولن يجعل من روايات
النبي 9 والائمة
شاهداً على التفسير الا بعد ثبوت صحتها وذلك فقد كان متقيداً بالمبدا القائل
بضرورة عرض الاخبارعلى الكتاب فما وافقه يؤخذ به وما خالفه فهو زخرف ومطروح .
|
ولذلك لم يتحرج الشيخ الطوسي في رفضه
لما روي عن علي 7
في معنى قوله تعالى:
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
مثال اخر :
عند تفسيره لقوله تعالى :
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ) .
يذكر الشيخ الطوسي اراء المفسرين
المختلفة في معنى الانفال فيقول :
|
__________________
|
اختلف المفسرون في معنى الانفال ـ
هاهنا ـ فقال بعضهم :
هي الغنائم التي غنمها النبي 9 يوم بدر فسالوه لمن هي؟ وقال قوم :
وهو ماشذ من المشركين إلى المسلمين من
عبد او جارية من غير قتال او ما اشبه ذلك.
وعن ابن عباس : انه ماسقط من المتاع
بعد قسمة الغنائم .
|
وهكذا يورد الشيخ المفسر اقوال واراء
جملة من المفسرين ، ثم يذكر الطوسي روايةً عن الباقر والصادق 8 فيقول :
|
وروي عن ابي جعفر وابي عبد الله 8 ، ان الانفال كل ما اخذ من دار الحرب
بغير قتال اذا انجلى عنها اهلها ويسميه الفقهاء فيئا ، وميراث من لاوارث له ، وقطائع
الملوك اذا كانت بايديهم من غير غصب ، والاجام وبطون الاودية ، والموات .
|
ثم يعقب الطوسي بعد ذلك بعبارة وغير ذلك
مما ذكرناه في كتب الفقه عملاً برواية الامامين ابي جعفر وابي عبد الله 8 وبهذا نجد الشيخ الطوسي حينما يطمئن
للرواية يعتمدها في استنباط الحكم الشرعي ، فضلاً عن كونها تفسيراً ، لماورد في القرآن
الكريم من الفاظ خاصّة ، وان مفسرنا فقيه مجتهدٌ .
اعتماده للاحاديث في
بيان الاحكام
استفاد الشيخ الطوسي من الاحاديث
والاخبار التي تروى عن النبى 9
او عن احد الائمة من أهل البيت :
في بيان العديد من الأحكام الشرعية ، حيث كانت تلك الاحاديث والاخبار تؤدي غرضاً
غاية في الاهمية عندما ياتي لبيان ما اجمل من آيات الأحكام ، او لتوضيح مقاصدها
ومعانيها ، وهنا نورد بعض الامثلة التي تدلّل على استخدام الطوسي
__________________
للاحاديث والروايات
في فهم آيات الأحكام منها :
١. اعتمد المفسر رواية عن النبي 9 لبيان حلية المتعة ، فقال :
وذكر البلخي عن وكيع عن اسماعيل بن ابي
خالد عن قيس بن ابي حازم ، عن عبد الله بن مسعود : قال كنا مع النبي 9 ونحن شبابٌ ، فقلنا : يا رسول الله الا
نستخصي ، قال : لا ، ثم رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب إلى اجل .
وقد اورد الشيخ الطوسي هذه الرواية في
معرض دفاعه عن المتعة عندما فسر قوله تعالى :
(
وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ
لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ).
٢. اعتمد الطوسي مارواه المثنى عن النبي
9 في بيان
الرخصة باكل المحرم من الطعام حال الخوف على النفس ، فقال :
|
روى المثنى قال : قلنا : يا رسول الله
انا بارضٍ يصيبنا فيها مخمصةٌ ، فما يصلح لنا من الميتة؟
قال 9 : اذا لم تصطحبوا او تعتبقوا او تختفئوا بها بقلاً ، فشانكم بها .
|
وكان الشيخ الطوسي قد اورد هذه الرواية
عن النبي 9 ، واستند
اليها في بيان حلية اكل الميتة عند الاضطرار ، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى :
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)
... إلى قوله (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ
لِّإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
.
٣. استفاد الشيخ الطوسي من حديث النبي 9 الذي قاله عند نزول قوله تعالى (فَسَبِّحْ
__________________
بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
في تفسيره
للآية الكريمة ، فقال :
|
وقوله : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ) امر من الله تعالى لنبيه ان ينزه الله تعالى عما لايليق
به ، ويذكره باسمه العظيم ، وقيل : انه لمانزلت هذه الآية قال النبي 9 ضعوها في ركوعكم وقولوا سبحان ربي
العظيم .
|
٤. اعتمد الروايات عن الائمة من أهل البيت
في معرفة الحكم الشرعي الذي ورد في آيات الكتاب المجيد ، كما هو الحال مع روايةٍ
عن علي 7 بخصوص حكم
المحصن فقال الطوسي :
عند تفسيره لقوله تعالى :
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ
فِي دِينِ اللَّهِ)
« روي عن علي
7 : ان المحصن
يجلد مائة مرةٍ بالقرآن ، ثم يرجم بالسنة ، وانه امر بذلك ».
كما واعتمد رواية عن الامام ابي جعفر
الباقر 7 في مسالة
الزواج من الزانية فقال : عندتفسيره لقوله تعالى : (الزَّانِي لَا يَنكِحُ
إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )
فقال الطوسي :
|
وعن ابي جعفر 7 : ان الآية نزلت في اصحاب الرايات ،
فاما غيرهن فانه يجوز ان يتزوجها ، وان كان الافضل غيرها ، ويمنعها من الفجور .
|
اعتماده الاحاديث
والاخبار في معرفة اسباب النزول
عول الشيخ الطوسي كثيراً على الروايات
والاخبار لمعرفة اسباب نزول الآيات
__________________
القرآنية الكريمة ،
ولذلك كان يعتمد الروايات التي تروى عن النبي 9
او الائمة : والصحابة
رضوان الله عليهم في هذا الخصوص ، وقداكثر الشيخ المفسر من تلك الروايات في هذا
الصدد واعتمدها اساساً في معرفة اسباب النزول وهنا نذكر بعض الامثلة التي اوردها
في تفسيره :
فهو عندما ذكر قوله تعالى :
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ
وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
قال :
|
ذكر ابن عباس ان هذه الآية نزلت في
علي بن ابي طالب 7 كانت معه اربعة دراهم ، فانفقها على هذه الصفة بالليل
والنهار وفي السر والعلانية ، وهو المروي عن ابي جعفر وأبي عبد الله 8 .
|
وعند تفسيره للآية الكريمة : (أَفَغَيْرَ
دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )
.
استند في معرفة سبب نزولها على
|
ماروي عن ابي عبد الله 7 من انها نزلت في الحارث بن سويد
الصامت ، وكان قد ارتد بعد قتله المحذر بن ديار البلوي غدراً في الإسلام وهرب ،
ثم ندم فكاتب قومه : سلوا رسول الله 9 هل لي توبة؟ فنزلت الآيات إلى قوله ( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) فرجع واسلم .
|
ومثل ذلك ماروي عن ابي عبد الله 7 واعتمده المفسر في معرفة سبب نزول قوله
تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ
__________________
يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
.
فقال الطوسي :
|
نزلت هذه الآية في أهل الكتاب الذين
كانوا يؤمنون بالنبي 9 قبل مبعثه بما يجدونه في كتبهم من صفاته ودلائله ، فلما
بعثه الله جحدوا ذلك وانكروه ... وقال مجاهد والسدي : نزلت في رجلٍ من الانصار
يقال له : الحارث بن سويد ارتد عن الإسلام ، ثم تاب وحسن اسلامه ، فقبل الله اسلامه.
|
ثم ذكر الشيخ الطوسي عبارة وكذلك رويناه
عن ابي عبد الله 7
.
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ
الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ)
قال الطوسي :
|
وروي عن ابي جعفر وابي عبد الله 8 ان الآية نزلت في امير المؤمنين
والعباس.
وروى الطبري باسناده عن ابن عباس :
انها نزلت في العباس حين قال يوم بدر:
ان سبقتمونا إلى الإسلام والهجرة لم
تسبقونا إلى سقاية الحاج وسدنة البيت ، فانزل الله الاية.
وروى الطبري باسناده عن الحسن : انها
نزلت في علي والعباس وعثمان وشيبة ، وقال الشعبي :
نزلت في علي والعباس ، وبه قال ابن
وهب والسدي .
|
وهكذا نجد مفسرنا يتبع كل الروايات التي
قيلت حول سبب نزول الآية مستفيداً من كل اثر يسهم في استبيان الواقع واستجلاء
الحقيقة صارفا نظره عن كل ما هو شاذ من الاراء
__________________
والاقوال ، فلايكاد
يذكر منه شيئاً في معرض حديثه عن اسباب النزول.
اعتماده الحديث والاخبار
في تفسيره للايات القرآنية
حوى التبيان عددا كبيرا من الاحاديث
والاخبار التي رويت عن النبي الاكرم 9
والائمة من أهل بيته :
، وقداعتمدها الشيخ الطوسي عند تفسيره للايات القرآنية ، واعطاها اهتماماً خاصّاً
، سيما وان تلك الاحاديث والاخبار قد جاءت بصدد توضيح آيات الكتاب العزيز ، وتفسير
معانيه وبيان مقاصده ومراميه ، وقد انزل الشيخ الطوسي ـ شانه شان سائرالامامية ـ
الاخبار التي رويت عن الائمة :
منزلة الاحاديث المروية عن النبي الاكرم 9
، حيث اكد هذا المعنى في مقدمة تفسيره فقال :
|
واعلم ان الرواية ظاهرة في اخبار
اصحابنا بان تفسير القرآن لايجوز الا بالاثر الصحيح عن النبي 9 وعن الائمة : الذين قولهم حجة كقول النبي 9 .
|
ولذلك اكثر الشيخ الطوسي من الاحاديث
والاخبار المرويّة عن النبي 9
واهل بيته : ليستعين بها
في فهم المعنى لايات القرآن الكريم ، وسنعرض لبعض ما اورده ـ في تفسيره :
فقال :
|
وقوله : (أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) قيل في معناه قولان :
احدهما : قال ابن عباس وسعيد بن جبير
والحسن : ان الله تعالى انزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، ثم
انزل على النبي 9
بعد ذلك نجوما ، وهو المروي عن ابي عبد الله 7 .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
__________________
(ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
قال :
|
قيل في معنى هذه الآية قولان :
احدهما ـ قال ابن عباس وعائشة وعطاء
ومجاهد والحسن وقتادة والسدي والربيع ، وهو المروي عن ابي جعفر 7 : انه امر لقريش وحلفائهم ، لانهم
كانوا لايقفون مع الناس بعرفة ، ولايفيضون منها ، ويقولون : نحن أهل حرم الله لانخرج
عنه ، فكانوا يقفون بجمع ، ويفيضون منه دون عرفة ، فامرهم الله تعالى ان يفيضوا
من عرفة بعد الوقوف بها .
|
وعند تفسيره للآية الكريمة :
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ
يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)
قال الطوسي :
الظلم المذكور في الآية هو الشرك عند
اكثر المفسرين ثم اكد هذا المعنى بذكره رواية عن عبد الله بن مسعود انه قال :
|
لمانزلت هذه الآيةُ شقَّ على الناس ،
وقالوا :
يارسول الله واينا لايظلم نفسه ، فقال
: انه ليس الذي تعنون ، الم تسمعوا إلى ما قاله العبدالصالح (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ
بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .
|
وفي معنى (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى
بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ)
قال الطوسي
:
|
روي عن ابي جعفر 7 في معنى قوله : (يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) ان الشياطين يلقى بعضهم بعضا ، فيلقي إليه مايغوي به
الخلق ، حتى يتعلم بعضهم من بعضٍ.
|
__________________
وفي معنى قوله تعالى :
(وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ
لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ)
قال الطوسي :
|
روي انه قيل لرسول الله 9 : مايغنيهم اسرار الندامة ، وهم في
النار؟
قال : يكرهون شماتة الاعداء.
وروي مثله عن ابي عبد الله 7 .
|
و عند تفسيره للآية الكريمة :
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء
الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
قال الشيخ الطوسي :
|
روي عن الحسين 7 : انهم الذين ادوا فرائض الله واخذوا
بسنن رسول الله وتورعوا عن محارم الله ، وزهدوا في عاجل الدنيا ورغبوا فيما عند
الله ، واكتسبوا الطيب من رزق الله لمعايشهم ، لايريدون به التفاخر والتكاثر ،
ثم انفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة ، فاولئك الذين يبارك الله لهم فيما
اكتسبوا ، ويثابون على ماقدموا منه لاخرتهم .
|
وفي معنى قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
قال الطوسي :
|
روي عن النبي 9 في قوله (وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ) ان جبرئيل قال له : معناه تصل من قطعك وتعطي من حرمك
وتعفو عمن ظلمك .
|
وفي معنى قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ
مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)
.
__________________
قال المفسر :
|
وماروي عن ابي جعفر وابي عبد الله 8 ان الهادي هو امام كل عصرٍ معصوم
يؤمن عليه الغلط وتعمد الباطل.
وروى الطبري باسناده عن عطاء عن
سعيدبن جبير عن ابن عباس ، قال : لمانزلت (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ
وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) وضع رسول الله 9 يده على صدره وقال :
انا المنذر (وَلِكُلِّ
قَوْمٍ هَادٍ) واوما بيده إلى منكب علي 7 فقال : انت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ
يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ) .
قال : شيخنا الطوسي :
|
وروي عن النبي 9 انه قال : مايتجرعه يقرب إليه
فيتكرهه ، فاذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروه راسه ، فاذا شربه قطع امعاءه حتى
يخرج من دبره .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
|
قال مفسرنا : وقال ابوجعفر وابو عبد
الله 8 : الآية
متناولة لمن يقوم إلى صلاة الليل عن لذيذ مضجعه وقت السحر .
|
وكما اخذ الشيخ الطوسي بروايات عن النبى
9 وائمة أهل البيت
: ، كذلك نجده
ياخذ برواية غيرهم ، اذا ما حصل عليها اجماع او تواترٌ ، ومثال ذلك نراه عند
تفسيره لقوله تعالى :
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ
عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ
جَزَاء
وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا )
فيقول :
|
وقد روت الخاصة والعامة ان هذه الآيات
نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين : ، فانهم اثروا المسكين واليتيم والاسير ثلاث ليالٍ على
افطارهم ، وطَوَوا ولم يفطروا على شيء من الطعام ، فاثنى الله عليهم هذا الثناء
الحسن ، وانزل فيهم هذه السورة .
|
ورغم الاهمية الكبرى التي اولاها الشيخ
الطوسي على النقل والاثر في تفسيره ، الا انه لم يكن ممن يتقبل الرواية والحديث
دون تمحيصٍ وتدقيقٍ ومحاكمة وترجيحٍ ، لانه كان يرى ان من المفسرين من حمدت طرائقه
ومدحت مذاهبه ، كابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم ، ومنهم من ذمت مذاهبه ،
كابي صالح والسدي والكلبي وغيرهم .
وحتى اولئك الذين قال عنهم : ان طرائقهم
محمودةٌ ومذاهبهم ممدوحة لم يتلق سائرماروي عنهم بالقبول ولم يجز لنفسه الانسياق
مع سائر مروياتهم ، الا بعد الاطمئنان لصحة مايروون ومن هنا نجده يضعف بعض اراء
هولاء ، ويرد اقوالهم ، او يرجح غيرهم عليهم ، ومن ذلك مافعله مع مجاهد وابن جريح
، حينما قالا في تفسير قوله تعالى :
(وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم
مِّن دُونِ اللّهِ)
اراد قوما يشهدون لكم بذلك ممن يقبل
قولهم.
فقال الشيخ الطوسي : وقول ابن عباس اقوى
.
وكان ابن عباس قد قال : اراد اعوانكم
على ما انتم عليه.
كما ورد قولاً لقتادة وهو يفسر قوله
تعالى :
__________________
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا
عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ)
عندما قال قتادة : معناه اي لانكاح الا
بولي وشاهدين وصداقٍ ، والا يتجاوز الاربع فرده الشيخ الطوسي قائلاً :
|
وعندنا ان الشاهدين ليسا من شرط صحة
انعقاد العقد ، ولا الولي اذا كانت المراة بالغةً رشيدةً ، لانها ولية نفسها .
|
وقد رد الشيخ الطوسي على الحسن ومجاهد
ضعف قولهما في ابن نوح عند تفسيرهما لقوله تعالى :
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ).
|
فقال : قال الحسن ومجاهد : انه كان
لغيره ، وولد على فراشه فسال نوح على الظاهرفاعلمه الله باطن الامر ، فنفاه منه
على ماعلمه ، فيكون على هذا هو نفسه عملٌ غيرصالح ، كما يقولون : الشعر زهير.
|
فاستهجن الشيخ الطوسي هذا القول ورده
قائلاً :
وهذا الوجه ضعيفٌ ، لان في ذلك طعناً
على نبي واضافة مالايليق به إليه .
كما ورد الطوسي على ابن عباس في نفس
الموضع حينما قال : ان المعنى : ان سؤالك اياي هذا عمل غير صالحٍ ، فاشكل عليه
مفسرنا قائلا :
|
وهذا ضعيفٌ : لان فيه اضافة القبيح
إلى الانبياء :،
وذلك لايجوز عندنا على حال.
|
ومثل هذه الردود قد وردت كثيراً على
صفحات التبيان
، مما يؤكد التزام الشيخ الطوسي بمنهجه الذي تبناه والقائم على البحث عن الواقع
والصواب ، ورد كل ما لم تتوفر فيه المواصفات التي ذكرها الشيخ الطوسي شروطاً لقبول
الرواية والنقل المعتبر.
__________________
ومن ذلك ماقاله في تفسيره للآية الكريمة
:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)
|
وقال ابن عباس : نزلت في قوم باعيانهم
من احبار اليهود ذكرهم باعيانهم من اليهود الذين حول المدينة.
وقال قومٌ : نزلت في مشركي العرب.
|
فقال الشيخ الطوسي رافضاً لكل الاقوال
التي قيلت في هذا المعنى :
|
والذي نقوله : انه لابد من ان تكون
الآية مخصوصةً ، لان حملها على العموم غير ممكنٍ ، لانا علمنا ان في الكفار من
يؤمن فلا يمكن العموم ، واما القطع على واحدٍ مما قالوه ، فلادليل عليه .
|
ولعل تردد الشيخ الطوسي في قبوله لاقوال
ابن عباس يعود إلى ماقيل عن طرق الرواية عنه من انها غير مرضية ورواتها مجاهيل .
ومن تلك الطرق ، طريق جويبر عن الضحاك
عن ابن عباس.
وجويبر هذا شديد الضعف متروك .
وطريق الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس
منقطعة ، لان الضحاك لم يلقه .
وقدروى الطبري عن مشاش انه قال : قلت
للضحاك : سمعت من ابن عباس شيئاً؟ قال : لا .
ومن طرق ابن عباس ، مارواه المفسرون عن
ابن جريح الذي يقول عنه السيوطي :
__________________
لم يقصد الصحة ،
وانما روى ماذكر في كل اية من الصحيح والسقيم .
ومن تلك الطرق أيضاً : طريق العوفي عن
ابن عباس : « والعوفي ضعيف وليس بواهٍ ».
« واوهن طرق ابن عباس طريق الكلبي عن
ابي صالح عن ابن عباس ، فاذا انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي
سلسلة الكذب
».
والى هذا المعنى اشار الشيخ الطوسي في
مقدمة كتابه عندما قال :
|
ولاينبغي لاحد ان ينظر في تفسير اية
لاينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلا ، او يقلد احداً من المفسرين ، لان من المفسرين
... من ذمت مذاهبه كابي صالح ، والسدي ، والكلبي وغيرهم .
|
وابو صالح هذا كان يمر به الشعبي :
فياخذ باذنه فيعركها ويقول :
« تفسر القرآن وانت لاتقرا القرآن ».
واما السدي فقد قيل فيه انه ضعيف وكذاب
وشتام .
وقدروى الطبري عن الشعبي انه مر يوما
على السدي وهو يفسر فقال :
«لان يضرب على استك بالطبل خير لك من
مجلسك هذا
».
ومثل هذه العبارة القاسية تنبئ عن
المرارة التي كان يعاني منها من عاصر السدي واطلع على احواله من المفسرين والعلماء.
ولكننا مع ذلك نجد الشيخ الطوسي ياخذ عن
السدي شيئا كثيرا ، وان كان هذا لايعني انه ياخذ منه كل شيء ودون محاكمةٍ وتدقيقٍ
خاصّةً ، وانه قد سبق له ان ذم مذهبه في
__________________
التفسير ، مما يدلل
على انه كان يراعي في النقل عنه ، وقد لاينقل من اقواله الا مايرى فيه وجها حسنا.
واذا كان موقف الشيخ الطوسي من اقوال
الطبقة الاولى على هذا النحو من الدقة في التحري والتمحيص والغربلة ، فان موقفه من
اقوال المفسرين المتاخرين لايقل شاناً عن موقفه ممن سبقهم ، لانه كان يتهمهم
بالانحياز لمذاهبهم ، وهو امر غاية في الخطورة ، اذلم يكن طلب الحقيقة هو المقصود
في تفاسيرهم ، وانما كان كل واحد منهم قد نصر مذهبه وتاول على مايطابق اصله ولهذا
قال الطوسي فيهم : ولايجوز لاحد ان يقلد احدا منهم . لذلك نجده يقف من تفاسيرهم موقف
المتامل ، فياخذ منها ماياخذ بعد رؤيةٍ وتمعنٍ ويرفض منها مايستحق الرفض ، ويناقش
ماينبغي مناقشته من اقوالهم وارائهم ، وكما فعل مع الطبري والبلخي والجبائي والرماني .
ومن متابعة موقف الطوسي من الاعتماد على
الماثور يتضح لنا ان للتفسير بالماثورلدى الشيخ الطوسي حدوداً ثابتةً ، قائمةً على
تدقيق الروايات وتمحيصها وقبول الاثرالصحيح منها ، دون الشعور بضرورة السير وراء
النقول والمرويات في كل الفروض ، وبهذا يكون الشيخ الطوسي قد ارسى قواعد اساسيةٍ
في قبول الرواية لمن جاء بعده من المفسرين ، واسهم إلى حدٍ كبير في عملية تطوير
المنهج التفسيري المعتمد اساساً على النقل والاثر.
موقفه من التوراة
والانجيل
تطرق الشيخ الطوسي في معرض حديثه عن
اليهود والنصارى ، وهو يفسر الآيات القرآنية التي ذكرتهم بما هم عليه ، وقد رد
عليهم كثيراً من ارائهم واقوالهم ، كما واستنكر
__________________
مواقفهم من الدعوة الإسلاميّة
، ونبيها العظيم محمد 7
، وكذلك تطرق إلى ذكر عقائدهم والانحرافات التي اتسمت بها حياتهم الفكرية
والعقائدية ومنحاهم السلوكي الخاص ، وهوعبر كل تلك الملاحظات التي يوردها عليهم ،
لم يعتمد نصّاً من كتبهم ، وانما احتج عليهم بايات من القرآن ، كانت تحذرهم او
توبخهم ، بشيء من التقريع واللوم ، وتصفهم بمايستحقون من النعوت والصفات ، ولعل
قلة اعتماد الشيخ الطوسي على ما تنص عليه كتبهم أي التوراة والإنجيل ـ ربما يكون
ذلك ناجماً عن عدم توفر القناعة لدى المفسر بصحة ماجاءت به تلك الكتب خاصة وانها
قد تعرضت إلى المزيد من التحريف والتزوير على ايديهم ، وصاغوها تبعا لاهوائهم
ومصالحهم ، ومع ذلك نجد الشيخ الطوسي احياناً قد يستشهد ببعض النصوص من التوراة
والانجيل الواضحة الصحة عنده ، وكما ذكر عند تفسيره لقوله تعالى :
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنْجِيلِ)
|
ومعنى (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) انهم يجدون نعته وصفته ولانه مكتوبٌ
في التوراة (اتانا الله من سينا واشرق من ساعير واستعلن
من جبال فاران) وفيها : ساقيم لهم نبيا من اخوتهم ، مثلك واجعل كلامي في
فمه ، فيقول لهم كل ما اوصيه به وفيها :
واما ابن الامة فقد باركت عليه جداً
جداً ، وسيلد اثني عشر عظيماً ، واؤخره لامةٍ عظيمةٍ.
وفي الانجيل بشارة بالفارقليط في
مواضع منها : يعطيكم فارقليط اخر يكون معكم اخرالدهر كلّه.
وفيها : انه اذا جاء فنّد أهل العلم.
وفيها : انه يدبركم بجميع الخلق
ويخبركم بالامور المزمعة ويمدحني ويشهدلي . وهكذا لم نجد الشيخ الطوسي مكثراً من استشهاداته بنصوص
التوراة والانجيل ولم يعرهما اهتماماً خاصاً في تفسيره ، ولم يلتفت اليها الّا
نادراً.
|
__________________
الفصل الرابع :
الجانب اللغوي في التبيان
اللغة
اظهر الشيخ الطوسي اهتماماً خاصاً
باللغة في تفسيره ، حيث كان يستعين بها لتوضيح النص القرآني واستخراج المعنى
المطلوب من المفردات التي احتواها القرآن الكريم ، ولماكان القرآن قد نزل بلغة العرب
، وهم أهل الفصاحة وارباب اللغة ، فمن الطبيعى جدّاً ان يكون لاستعمالاتهم اللغوية
الخاصة مايهيئ للمفسر ـ اي مفسر ـ مادة اساسيّةً في فهم النصوص والايات القرآنية
الكريمة ، ويمنحه الفرصة المناسبة في استنطاق آيات الكتاب العزيز ، واستجلاء اسرار
معانيها ، ولذلك جهد الشيخ الطوسي في تعقب اقوال علماء اللغة البارزين وجملة من
الشعراء الذين يحتج باشعارهم ، وهو ازاء تلك الاقوال كان يقف موقف الراصد الخبير ،
فيناقشها ويرجح بعضها على بعض ، ويترك مالايصلح منها ولايفيد.
كما نجده يسهب في التفاصيل احياناً
لضرورة يراها ، وقديوجز في موضع اخر من تفسيره ، فلايذكر الا اشاراتٍ مقتضبة من
اقوال علماء اللغة وارائهم.
كما نراه في مواقف عديدةٍ يطرح رايه في
الكلمة ، بينما يطرح اراء غيره فقط في مواضع اخرى ، او قد يجمع بين رايه وارائهم
احياناً ، ليخرج من ذلك كله بما يعينه على معرفة النص واكتشاف ما فيه ، وبهذا يكون
الشيخ الطوسي قدحفظ لنا في تفسيره ثروةً لغويّةً كبيرة
لايستغني عنها متخصصٌ
او باحثٌ ، حيث اسدى للعربية خدمةً جُلّى تستحق كل الثناء والتقدير.
ونحن هنا نورد بعض الامثلة التي كان
الشيخ الطوسي قدذكرها في تبيانه
بشيء من التفصيل :
١. اورد في حد الكلام وتقسيمه عند تفسيره
لقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ
عَلَيْهِ)
:
|
الكلمة : اسم جنس لوقوعها على الكثير
والقليل ، يقولون : قال امرؤ القيس في كلمته يعني في قصيدته ، وقال قس في كلمته
يعنون في خطبته ، فوقوعها على الكثير ، نحو ماقلناه ، ووقوعها على القليل قال
سيبويه : ( قال ) قد اوقعها على الاسم المفرد والفعل المفرد ، والحرف المفرد ،
فاما الكلام فان سيبويه قد استعمله فيما كان مؤلّفاً من هذه الكلم ، فقال :
لوقلت : ان تضرب ناسا لم يكن كلاماً ، وقال أيضاً : انما ، فقلت ، ونحوه ، ماكان
كلاماً ، بل قولاً ، واوقع الكلام على المتالف والذي صوره المتكلمون ، ان حد
الكلام ما انتظم من حرفين فصاعدا من هذه الحروف المنقولة ، اذا وقع فمن يصح منه
او من قبله الافادة ، ثم ينقسم إلى قسمين : مفيد ومهمل.
فالذي اراد سيبويه انه لايكون كلاماً
، انه لايكون مفيداً ، وذلك صحيحٌ ، فاما تسميته بانه كلامٌ ، صحيحٌ ، وكيف لا يكون
صحيحاً وقد قسموه إلى قسمين : مهمل ومفيد؟ فادخلوا المهمل الذي لايفيد في جملة
الكلام.
والكلمة والعبارة والابانة ، نظائر ،
وبينهما فروقٌ ، والفرق بين الكلمة والعبارة ان الاظهر في الكلمة هي الواحدة من
جملة الكلام ، وان قالوا في القصيدة : انها الكلمة ، والعبارة تصلح للقليل
والكثير ، واما الابانة فقد تكون بالكلام والحال ، وغيرهما من الادلة ، كالاشارة
والعلامة وغير ذلك ، واما النطق فيدل على ادارة اللسان بالصوت وليس كذلك الكلام
ولهذا يقولون : ضربته فما تكلم ، ولايقولون فما نطـق ، اذا كان صاح ، وكذلك
لايجوز ان يقال في الله : انه ناطقٌ ، واما اللفظ فهو من قولك : لفظت الشيء :
اذا اخرجته من فمك ، وليس في الكلام مثل ذلك ، ويقال : كلمته تكليماً وكلاماً ـ
وتكلّم تكلّماً
|
__________________
|
ولذلك لايجوز ان يقال فيه تعالى لفظ ،
ولا انه لافظ ـ والكلم : الجرح والجمع الكلوم.
يقال : كلمته اكلمه كلماً ، فأنا كالم
، وهو مكلومٌ ، وكليمك الذي يكلمك.
ويقال : كلمة وكلمة لغة تميمية ، وقيل
: انها حجازية وتميم حكي عنها كلمة ـ بالكسرالكاف وتسكين اللام ـ ، وحكي تسكين
اللام مع فتح الكاف ، واصل الباب انه اثر دال ، والكلم اثرٌ دالٌ على الجارح ،
والكلام اثرٌ دال على المعنى الذي تحته ، والمتكلم من رفع ماسميناه كلاما بحسب
دواعيه واحواله ، وربما عبر عنه بانه الفاعل للكلام ، وليس المتكلم من حله
الكلام ، لان الكلام يحل اللسان والصدر ولايوصفان بذلك .
|
٢. وورد قوله في بيان الفرق بين « إنّ »
و « أنّ » :
|
والفرق بينهما ان المفتوحة موصولة
والموصولة تقتضي صلتها فصارت لاقتضائها الصلة اشد اتصالاً بما بعدها من المكسورة
، فقدر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها وليست المكسورة كذلك ، لأنّ « أنّ » المفتوحة
بمعنى المصدر ، فلابد لها من اسم وخبر ، لانها تلتقي بان يكون دخولها كخروجها
وليس كذلك « إنّ » ومن المفتوحة قول الاعشى :
|
في فتية كسيوف الهند قد علموا
|
|
ان هالك كل من يحفى وينتعل
|
|
واما قراءتهم في النور (أَنَّ
غَضَبَ اللَّهِ) فان « ان » في موضع رفع بانه خبر المبتدا واما قراءة
نافع (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) فحسن وهو بمنزلة قوله : (وَآخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ ) وليس لاحدٍ ان يقول : هذا لايستحسن ، لان المخففة من
الشديدة لا يقع بعدها الفعل حتى يقع عوض من حذف « ان » ومن انها تولي مايليها من
الفعل يدل على ذلك (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ
مِنكُم) وقوله (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ
الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ ) وذلك انهم استجازوا ذلك ، وان لم يدخل معه شيء من هذه
الحروف ، لانه دعا وليس شيء من هذه الحروف يحتمل
|
|
|
|
|
|
الدخول معه ، ونظير هذا في انه كما
كان دعاء لم يلزمه العوض قوله : (نُودِيَ أَن بُورِكَ
مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا
) فولي قوله ( بُورِكَ ) ( ان ) وان لم يدخل معها عوض كما لم
يدخل في قراءة نافع (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) والدعاء قد استجيز معه مالم يستجز مع
غيره ، الاترى انهم قالوا : « أما إن جزاك الله خيرا من » ، حمله سيبويه على
اضمار القصة في « إن » المكسورة ولم يضمر القصة مع المكسورة الا في هذاالموضع .
|
وكما فصل الحديث في مواضع مختلفة من التبيان
نجده يوجز في مواضع اخرى ومن امثلة ذلك مايلي :
١. ورد قوله في بيان الفرق بين « الاكثر
» و « الاعظم » : « والفرق بين الاكثر والاعظم ، ان الاعظم قد يوصف به واحد
ولايوصف بالاكثر واحد بحال ، ولهذا يقال في الله تعالى : انه عظيم واعظم من كل شيء
ولايقال اكثر ، وانما يقال : اكبر بمعنى اعظم ».
٢. وعند تفسيره لقوله تعالى : (وَلاَ تَتَّبِعُواْ
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)
قال الطوسي
:
|
وقوله (خُطُوَاتِ) يجوز فيه ثلاثة اوجهٍ ـ بضم الخاء
والطاء ، وضم الخاء وسكون الطاء ، وضم الخاء وفتح الطاء .
|
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى : (مِن دُونِهِ
فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ)
قال :
|
والفرق بين الانظار والتاخير ان
الانظار امهالٌ لينظر صاحبه في امره والتاخير خلاف التقديم من غير تضمينٍ .
|
٤. وفي بحثه عن كلمة « عمر » قال مفسرنا
:
|
وفي « عمر » ثلاث لغات : ضم الميم
واسكانها مع ضم العين ، وفتح العين وسكون الميم
|
__________________
|
ومنه قوله ( لَعَمْرُكَ ) وعمر الإنسان بالفتح لاغير ، وفي
القسم أيضاً بالفتح لاغير .
٥. وقال في حسبان
:
و « حسبان » مصدر حسبته احسبه حسباناً
نحو السكران والكفران ، وقيل : هو جمع حساب كشهاب وشهبان .
|
وقد ذكر المفسر اراء جملة من علماء
اللغة دون ان يسهم في طرح رايه في المسائل التي ذكروها ، وقد يرجع ذلك إلى قبولها
كلها عنده وعدم اعتراضه على شيء منها ، ومن ذلك اورد الشيخ الطوسي مثالاً اوضح فيه
:
١. الفرق بين اللقاء والاجتماع في قوله
تعالى : (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ)
نقلاً عن الرماني حيث يقول :
|
الفرق بين اللقاء والاجتماع ان اللقاء
لايكون الا على وجه المجاورة ، والاجتماع قد يكون كاجتماع العزمين في محل .
|
٢. وحول « السلم » ذكر راياً للاخفش
يقول :
|
« السلم » بكسر السين الصلح ، وبفتحها
وفتح اللام : الاستسلام ، وقال الزجاج : « السلم جميع شرائعه ». ويقال :
السلم والسلم معناهما الإسلام ،
والصلح ، وفيه ثلاث لغات : كسر السين وفتحها مع تسكين اللام وفتحها ، وقال ابو
عبيدة : السلم بكسر السين ـ والإسلام واحد ، وهو في اخر المسالمة والصلح .
|
٣. وكذلك اورد في بيان وزن اشياء جملة
اقوال فقال :
|
وقيل في وزن « اشياء » ثلاثة اقوال :
الاول : قال الكسائي : هو افعال الا
انه لم يصرف ، لانهم شبهوه بحمراء ، فالزمه الزجاج إلا
|
__________________
|
يصرف اسماء ولا انباء.
الثاني : قال الاخفش والفراء هي « فعلاء
» كقولك هين واهوناء فالزمه المازني ، وقال : سله كيف يصغرها؟ فقال الاخفش : « اشياء
» فقال : يجب ان يصغرها شيئات كمايصغراصدقاء في المؤنث صديقات في المذكر صديقون.
قال الزجاج : انما قيل في هين :
اهوناء لان هين اصله « هيين » على وزن فعيل فجمع على افعلاء كنصب وانصباء.
الثالث : قال الخليل وسيبويه : « افعاء
» مقلوبة كما قلبوا « انيق » عن انوق ، وقسي عن قؤوس .
|
٤. ومثل ذلك ذكر مفسرنا :
حول كلمة « الرؤيا » اراء للعلماء فقال
:
|
قال : ابو علي النحوي « الرؤيا » مصدر
كالبشرى والسقيا والبقيا والشورى ، الا لما صار اسما لهذا التخيل في المنام ،
جرى مجرى الاسماء ، كما ان « درّ » لماكثر في كلامهم في قولهم للّه درك جرى مجرى
الاسماء وخرج من حكم الاعمال ، فلايعمل واحد منهما اعمال المصدر ، ومما يقوى
خروجه عن احكام المصادر تكسيرهم لها « درّى » فصار بمنزلة « ظلم » والمصادر في
الاكثر لاتكسر ، والرؤيا على تحقيق الهمزة ، فان خذفت قلبتها في اللفظ واوا ولم
يدغم الواو في الياء ، لان الواو في تقدير الهمزة فهي لذلك غير لازمة ، فلايقع
الاعتداء بها فلم تدغم ، وقدكسر اولها قوم ، فقالوا « ريا » فهؤلاء قلبوا
الواوقلبا لا على وجه التخفيف ، ومن ثم كسروا الفاء كما كسروا من قولهم : قرن
لوى وقرون لي .
|
٥. وجاء قوله عند تفسير قوله تعالى : ( غُلِبَتِ الرُّومُ )
:
|
في « الغلب » قال الزجاج :
الغلب والغلبة مصدران ، مثل الحلب
والحلبة ، والغلبة الاستيلاء على القرن بالقهر ، غلب
|
__________________
|
يغلب فهو غالب ، وذاك مغلوب وتغلب
تغلباً اذا تعرض للغلبة ، غالبه مغالبة .
|
٦. ورد قوله في بحثه لكلمة « ريحان » :
|
واصل ريحان روحان ، لانه من الواو الا
انه خفف واهمل التثقيل للزيادة التي لحقته من الالف والنون ـ ذكره الزجاج .
|
٧. كما ورد قوله في تفسيره لقوله تعالى
: (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ)
في كلمة (هَاؤُمُ) :
|
واهل الحجاز يقولون : « هايا رجل ،
وللاثنين هاؤما ، وللجمع هاؤموا ، وللمراه هاء ـ بهمزة ـ وليس بعدها ياء ، وللمرأتين
هاؤما وللجماعة هاؤن يانسوة ، وتميم وقيس يقولون : هايا رجل مثل قول أهل الحجاز
، وللاثنين ، هائا وللثلاثة هاءوا وللمراة هائي ، وربما قالوا :
هاء يا هذه وللثلاثة هان ، وبعض العرب
يجعل مكان الهمزة كافاً فيقول هاك بغير همزة ويامر بها ولاينهـى « وهاء » ،
بمنزلة خذ وتناول ، ووقف الكسائي على هاؤم وابتدا (اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ) .
|
وكما ذكر اراء اللغويين وحدهم وفي مواقع
نجده هنا يذكر اراءه إلى جنب ارائهم مما يؤكد قدرته على مناقشة علماء اللغة
ومجاراتهم في هذا الميدان ومن ذلك :
١. قال الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى :
( رَبِّ العالَمِين ) :
|
وقوله : ( رب العالمين ) اي المالك
لتدبيرهم ، والمالك للشيء يسمى ربه ولايطلق هذا الاسم الا على الله ، واما في
غيره فيقيد ، يقال : رب الدار ورب الضيعة ، وقيل : انه مشتق من التربية ومنه
قوله تعالى : (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم) ومتى قيل في الله انه ربٌّ بمعنى انه سيد فهو من صفات
ذاته ، واذا قيل بمعنى انه مدبّرٌ مصلحٌ فهو من صفات الافعال ، (العالَمِين) جمع عالم لا واحد له من لفظه كالرهط
والجيش وغير ذلك ، والعالم
|
__________________
|
في عرف اللغة عبارة عن الجماعة من
العقلاء ، لانهم يقولون :
جاءني عالم من الناس ولايقولون :
جاءني عالمٌ من البقر ، وفي عرف الناس عبارة عن جميع المخلوقات ، وقيل : انه
أيضاً اسم لكل صنف من الاصناف ، واهل كل زمنٍ من كل صنفٍ يسمّى عالماً ، ولذلك
جمع ، وقيل : عالمون لعالم كل زمان ، قال العجاج :
فخندف هامة هذا العالم .
|
٢. واورد في استعمال « او » من الآية : (أَوْ كَصَيِّبٍ
مِّنَ السَّمَاءِ)
اقوالاً
منها :
|
قيل : ان « او » قدتستعمل بمعنى الواو
كماتستعمل للشك بحسب مايدل عليه سياق الكلام ، قال توبة بن الحمير :
|
وقد زعمت ليلى باني فاجرٌ
|
|
لنفسي تقاها او عليها فجورها
|
|
ومعلوم ان توبة لم يقل ذلك على وجه
الشك ، وانما وضعها موضع الواو ، وقال جرير :
|
نال الخلافة او كانت له قدراً
|
|
كما اتى ربه موسى على قدر
|
|
ومثله كثير ، قال الزجاج : معنى « او »
في الآية التخيير ، كانه قال : انكم مخيرون بان تمثلواالمنافقين تارة بموقد
النار ، وتارة بمن حصل في المطر.
يقال : جالس الحسن او ابن سيرين ، اي
انت مخير في مجالسة من شئت منهما .
|
|
|
|
|
٣. ورد في بحثه لـ « سبأ » قوله :
|
وقرا ابن كثير وابو عمرو ( مِنْ سِبِأَ بِنَبَأَ ) غير مصروف ، الباقون مصروفاً منوّناً ، من لم يصرفه ،
فلانّه معرفة ومؤنث ، لانه قيل : ان « سبا » حي من احياء اليمن ، وقيل هو اسم
امهم ، وقدقال الزجاج : « سبا » مدينةٌ تعرف بمارب من اليمن وبينها وبين صنعاء
مسيرة ثلاثة ايامٍ ، فاذا صرفته فعلى البلد ، واذا لم تصرفه فعلى المدينة ، وقيل
: من صرفه جعله اسماً للمكان ومن لم يصرفه جعله اسما للبقعة ، قال جرير :
|
الواردون وتيم في ذوي سبا
|
|
قدعض اعناقهم جلد الجواميس
|
|
وقال اخرون في ترك صرفه :
|
|
|
|
|
__________________
من سبأ الحاضرين مارب اذ
|
|
يبنون من دون سيله العرما .
|
٤. جاء في بحثه لكلمة « ردف » قوله :
|
ردف من الافعال التي تتعدى بحرف وبغير
حرف كما قال الشاعر :
|
فقلت لها الحاجات تطرحن بالفتى
|
|
وهم يعناني معنا ركائبه
|
|
وقيل : ان الباء انما دخلت للتعدية ،
وقيل : انما دخلت لما كان معنى تطرحن : ترمين ، وكذلك.
لما كان معنى ( رَدِفَ لَكُمْ ) دنا ، قال « لكم » قال المبرد :
معناه ردفكم واللام زائدة .
|
|
|
|
|
٥. وعند تفسيره للآية الكريمة (اسْلُكْ يَدَكَ
فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ
الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ
كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )
قال في ذلك
:
|
وقيل في تشديد ( ذانك ) ثلاثة اقوال : احدها : للتوكيد ،
الثاني : للفرق بين النون التي تسقط للإضافة وبين هذه النون ، الثالث : للفرق
بين بنية الاسم المتمكن وغير المتمكن ، وروي عن ابن كثير انه قرا (فَذَانِكَ) قال ابو علي : وجه ذلك انه ابدل من
احدى النونين ياء كماقالوا : تظنيت وتظننت .
|
٦. وجاء في تفسيره لقوله تعالى : (تِلْكَ إِذًا
قِسْمَةٌ ضِيزَى)
.
|
قوله في (ضِيزَى) والضيزة الجائرة الفاسدة ، ووزنه « فعلى
» الا انه كسر اوله لتصبح الياء من قبل انه ليس في كلام العرب « فعلى » صفة ،
وصفة « فعلى » نحو حبلى يحمل على ماله نظير ، واما الاسم فانه يجيء على « فعلى »
كقوله ( فَإِنَ الذِّكرى ) وتقول العرب : ضِزْته
|
__________________
|
حقه اضيزه ، وضازته ـ لغتان ـ اذا
انقصته حقه ومنعته ، ومنهم من يقول : ضزته ـ بضم الضاد ـ اضوزه ، وانشد ابو
عبيده والاخفش :
|
فان تناعنا ننتقصك وان تغب
|
|
فسهمك مضئوز وانفك راغم
|
|
ومنهم من يقول : « ضيزى » ـ بفتح
الضاد ـ ومنهم من يقول « ضازى » بالفتح والهمزة ومنهم من يقول : « ضؤزى » ـ بضم
الضاد ـ والهمزة .
|
|
|
|
|
وقد استعان مفسرنا بالشعر ليستشهد به في
ترجيح راي لغوي وتاييده ومن ذلك :
١. في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ)
يذكر :
|
( من ) لفظ يخبر به عن الواحد من العقلاء واثنين وجماعة فلما قال
: (وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ) دل على انه اراد الجمع ، وانما قال (يَقُولُ) بلفظ الواحد حملاً له على اللفظ.
قال الشاعر :
|
تكن مثل من ياذئب يصطحبان .
٢. وفي بيان الفرق بين الال والاهل يقول
:
|
والفرق بين الال والاهل ان الاهل اعم
منه يقال : أهل الكوفة ، ولايقال : ال الكوفة ، ويقال أهل البلد ، ولايقال ال
البلد.
وال فرعون : قومه واتباعه ، وقال صاحب
العين : الال كل شيء يؤول إلى شيء اذا رجع إليه ، تقول طبخت العصير حتى ال إلى
كذا.
و ( أولى
)
كلمة وعيد على وزن فعلى والال : السراب وال الرجل ، قرابته واهل بيته ، وال البعير
، الواحه ، وما اقترب من اوطار جسمه ، وال الخيمة عمدها ، والالة :
شدة من شدائد الدهر ، قالت الخنساء :
|
ساحمل نفسي على الة
|
|
اما عليها واما لها
|
|
|
|
|
٣. وفي بيانه الفرق بين القتل والذبح
والموت يقول :
__________________
|
فالقتل والذبح والموت نظائر ، بينهما
فرق : فالقتل نقض بنية الحياة ، والذبح فري الاوداج ، والموت عند من اثبته معنى
عرض يضاد الحياة ، يقال : قتل بقتل قتلاً ، واقتتلوا اقتتالا ، وتقاتلوا تقاتلاً
، واستقتل استقتالا ، وقتل تقتيلاً ، وقاتله مقاتلةً ، وقوله تعالى : ( قاتَلَهُمُ الله ).
معناه لعنهم الله ، قوم اقتال : اي هم
أهل الوتر ، والترة : اي هم اعداء وتراة وتقول :
تقتلت الجارية للفتى ، يصف به العشق
وقال الشاعر :
|
تقتلت لي حتى اذا ماقتلتني
|
|
تنسكت ما هذا بفعل النواسك
|
|
واقتل فلان فلانا ، اذا عرضه للقتل ،
والمقتل من الدواب الذي قد ذل ومرن على العمل وقلب مقتلٌ ، اي قتل عشقا ومنه قول
امرئ القيس :
في اعشار قلبٍ مقتل
قال ابن دريد : قتلت الخمر بالماء اذا
مزجتها ، قال الشاعر :
|
ان التي ناولتني فرددتها
|
|
قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
|
|
وتقتل الرجل لحاجة اي ياتي لها ،
ويقتل الرجل للمراه : اذا خضع لها في كلامه وقتل الرجل عدوه ، والجمع اقتال ،
وفلان قتل فلان ، اي نظيره وابن عمه وقتله قتلة سوء واقتتلوا بمعنى تقاتلوا ومثله
قتلوا قال ابو النجم : ندافع الشيب ولم يقتل .
|
|
|
|
|
٤. وفي قوله تعالى : (وَابْتَغُواْ
إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ)
يقول الشيخ
الطوسي حول كلمة (
الْوَسِيلَةَ) :
|
وهي على وزن فعيلة من قولهم : توسلت
اليك اي تقربت ، قال عنترة بن شداد :
|
ان الرجال لهم اليك وسيلةٌ
|
|
ان ياخذوك فلجلجي وتخضبي
|
|
وقال الاخر :
|
اذ اغفل الواشون عدنا لوصلنا
|
|
وعاد التصافي بيننا والوسائل
|
|
|
|
|
__________________
|
يقال منه سلت اسال اي طلبت وهما
يتساولان اي يطلب كل واحدٍ منهما من صاحبه ، والاصل الطلب والوسيلة التي ينبغي
ان يطلب مثلها .
|
٥. وجاء قوله في تفسيره للآية (وَجَعَلَ لَكُم
مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)
:
|
واصل الحفد الاسراع في العمل ، ومنه
يسعى ويحفد ومر البعير يحفد حفداناً ، اذا مريسرع في سيره ، وحفد يحفد حفداً
وحفداناً ، قال الراعي :
|
كلفت مجهولها نوقا يمانية
|
|
اذا الحداة على اكسائها حفدوا
|
|
|
|
|
٦. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَأَنكِحُوا
الْأَيَامَى مِنكُمْ)
، قال
الطوسي :
|
ووزن ايم فيعل بمعنى فعيل فجمعت كجمع
يتيم ويتيمة ويتامى ، وقال جميل :
|
احب الايامى اذ بثينة ايم
|
|
واحببت لما ان غنيت الغوانيا
|
|
|
|
|
٧. وجاء قوله في النشاة عند تفسيره
لقوله تعالى : (فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ الله
يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ )
:
|
والنشاءة والنشاة بالمد والقصر ،
لغتان ، كقولهم : رافة ورافة ، وكابة وكابة وهما مصدران فالنشاة المرة الواحدة ،
يقال : نشا الغلام فهو ناشئٌ وامراة ناشئةٌ ، والجمع نواشئٌ ويقال للجواري
الصغار : نشأٌ ، قال نصيب :
|
ولولا ان يقال صبا نصيب
|
|
لقلت بنفسي النشا الصغار
|
|
|
|
|
وكان للطوسي اراء خاصة به في اللغة ، قد
يخالف بها اراء غيره من العلماء ، وهذا واضح في تفسير التبيان
، حيث نجده يطرح رايه فقط ، دون ذكر لاراء غيره من اللغويين ومن ذلك :
١. ففي قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ
اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا
كَذَلِكَ يُرِيهِمُ
__________________
اللّهُ
أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) .
يقول في حسرات :
|
والحسرات جمع الحسرة ، وهي اشد من
الندامة ، والفرق بينهما وبين الارادة.
ان الحسرة تتعلق بالماضي خاصة
والارادة تتعلق بالمستقبل ، لان الحسرة انما هي مافات بوقوعه او ينقضي وقته ،
وانما حركت السين ، لانه اسم على فعله اوسطه ليس من حروف العلة ولوكان صفة لقلت
: صعبات فلم يحرك ، وكذلك جوازات وبيضات ، وانماحرك الاسم لانه على خلاف الجمع
السالم ، والحسرة والندامة نظائر وهي نقيض الغبطة ، وتقول : حسرت العمامة عن
راسي اذا كشفتها ، وحسر عن ذراعيه حسرا ، وانحسرانحساراً وحسره تحسيراً ،
والحاسر في الحرب الذي لادرع عليه ، ولامغفر وحسر يحسر حسرة وحسراً ، اذا كمد
على الشيء الفائت وتلهف عليه وحسرت الناقة حسوراً ، اذا اعيت وحسر البصر اذا كل
عن البصر ، والمحسرة المكنسة ، والطير يتحسر ، اذا خرج من ريشه العتيق إلى
الحديث ، واصل الباب الحسر : الكشف .
|
٢. ورد قوله في بيان الفرق بين « من » و
« الذي » في تفسير قوله تعالي (وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ)
:
|
والفرق بين « من » و « الذي » من
ثلاثة اوجه :
احدها : « ان » من لمايعلل و « الذي »
مشتركة ، و « من » في الجزاء لمايستقبل ، وهي في معنى « ان » وليس كذلك « الذي »
، وثالثها ان « من » تجزم ولاتحتاج في الجزاء والاستفهام إلى صلة ولايكون جوابها
الا بالفعل والفاء .
|
٣. وفي بيانه الفرق بين « الرسول » و « النبي
» يقول :
|
والفرق بين « الرسول » و « النبي » ،
ان « النبي » لايكون الا صاحب المعجز الذي ينبئ عن الله اي يخبر ، و « الرسول » اذا
كان رسول الله ، فهو بهذه الصفة ، وقد يكون الرسول رسولاً لغير الله ، فلايكون
بهذه الصفة ، والانباء عن الشيء قديكون من غير تحميل النبا ، والارسال
|
|
لايكون الا بتحميل الرسالة .
|
٤. وفي تفسيره لقوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا
كَيْفَ يُبْدِئُ الله الْخَلْقَ)
جاء قوله :
|
في « يبدئ » و « يبدي » فيه لغتان ،
اتى بها القرآن بدا الله الخلق وابداهم ، قال الله تعالى ( وَهُوَالَّذِي يَبْدَاُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
)
فمصدر ابدا يبدىء ابداء ، فهو مبدى ء ومن قرا ( بدا ) « يبدؤ بدءا » فهو بادئ
وذلك مبدوءٌ ، ويقال : رجع عوده على بدئه بالهمز ، و « بدا يبدو » ، بغيرهمز :
ظهر ، وقال ابو عمرو « غلام ثعلب » يجوز رجع عوده على بده ـ بغير همز. ـ بمعنى
الظهور كقولهم : « ماعدا مما بدا » .
|
٥. وجاء قوله في « هلم » عند تفسيره
لقوله تعالى : (وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا)
:
|
« هلم » بمعنى اقبل ، واهل الحجاز
يقولون للواحد والاثنين والجمع والانثى ( هلم ) بلفظواحد ، وانما هي « لم » ضمت
اليها « ها » التى للتنبيه ، ثم حذفت الالف من « ها » اذ صارا « شيئاً » واحداً
كقولهم « ويلمه » واصله « ويل امه » فلما جعلوهما شيئا واحدا حذفوا ، وغيروا .
|
٦. وعند تفسيره لقوله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)
قوله في ( ظاهر ) :
|
ويقال فيه : ظاهر فلان من امراته
ظهاراً ومظاهرةً ، واظهاراً فلان ظاهر ، وتظاهر تظاهراً الا انه ادغم ، واظهر
اظهاراً ، واصله تظهر تظهرا الا انه ادغمت التاء في الظاء .
|
٧. وفي كلمه « احد » جاء قوله :
|
واصل « احد » وحد فقلبت الواو همزة ،
كما قيل : وناه واناه ، لان الواو مكروهة اوّلاً ،
|
__________________
وقدجاء وحد على الاصل ، قال الشاعر :
كان
رجلي وقد زال النهار بنا
|
|
بذي الجليل على مستانس وحد
|
النحو
للنحو ميدان واسع في تفسير الطوسي ،
فقداحتوى على كثيرٍ من الاراء النحوية ، حيث رجع الشيخ إلى اراء الاعلام البارزين
في هذا المجال من علماء مدرستي البصرة والكوفة كالخليل الفراهيدي وسيبويه والكسائي وقطرب والفراء وابي عبيدة والاخفش وثعلب والزجاج وابي علي الفارسي وغيرهم ، ونجده حين يذكر اراءهم في
النحو لايلتزم بها الا بعد غربلةٍ وتمحيصٍ وقد يرد على بعضها لرجحان راي اخر ،
ويوضح بعض الاراء حول خطا احدهم ، ويشير إلى الراي المفضل ، وهنا دليل على تضلعه
بهذا العلم واتساع افاقه النحوية والادبية ، ونراه احياناً يجتهد برايه دون
الاستشهاد باي راي من اراء الاخرين ، كما يورد احياناً شواهد نحوية دون التعليق
عليها ، مما يدل على مطابقتها لرايه :
١. فنراه مثلا يتفق مع الفراء في اعراب
لولا من الآية : (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ
__________________
وَلَـكِن
قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
حيث يقول :
|
قال الفراء كلما رايت في الكلام « لولا
» ولم تر بعدها اسما فهي بمعنى « هلّا » كقوله (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي
إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) و (فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ) .
واذا كان بعدها اسم فهي بمعنى « لو » التي
تكون في جوابها اللام و « لوما » فيها ، مافي « لولا » من الاستفهام والخبر .
|
٢. وفي قوله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ)
.
|
يقول الشيخ الطوسي :
وقوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ
اللّهِ) معناه فبرحمةٍ.
و « ما » زائدة باجماع المفسرين ذهب
إليه قتادة والزجاج والفراء ، وجميع أهل التاويل ، ومثله قوله (عَمَّا
قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ) .
فجاءت « ما » مؤكدة للكلام وسبيل
دخولها لحسن النظم كدخولها لاتزان الشعر .
|
٣. وفي قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ الله ) .
|
يقول قال الزجاج : الويل كلمةٌ
يستعملها كل واقعٍ في هلكة ، واصله في اللغة العذاب والهلاك وارتفع بالابتداء ،
وخبره الذين .... والرفع على معنى ثبوت الويل للذين ، ومثله الويح ، والويس ،
اذا كان بعدهن لامٌ رفعتهن ، واما التعس والبعد وما اشبههما ، فهو نصبٌ ابدا ،
فان اضفت « ويل » و « ويح » و « ويس » نصب من غير تنوين ، تقول : ويل زيدٍ ،
|
__________________
|
وويس زيد ، ولايحسن في « التعس » و « البعد
» الاضافة بغير لام ، فلذلك لم ترفع ، وقد نصبه قوم مع اللام فيقولون ويلا لزيد
ويحاً لخالدٍ .
|
وقد يختلف الاعراب عند الشيخ ايجازاً
وتفصيلاً واستشهاده بالشعر وعدمه بين ايةٍ واخرى فمن ايجازه ، نذكر الامثلة
التالية :
١. عند تفسيره لقوله تعالى :
(يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) .
يقول : (إِلاَّ أَنفُسَهُم) نصب على الاستثناء .
٢. وفي قوله تعالى (الَّذِينَ قَالُواْ
إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ
تَأْكُلُهُ النَّارُ ... )
يقول الشيخ الطوسي :
(الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ
الله فَقِيرٌ)
.
٣. وقوله تعالى : (حَقِيقٌ عَلَى
أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الْحَقَّ)
فيقول :
|
وقوله (إِلاَّ الْحَقَّ) نصب بانه مفعول القول على غير
الحكاية ، بل على معنى الترجمة عن المعنى دون حكاية اللفظ .
|
٤. وفي الآية (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ
الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى)
يقول : « فقول
ان بدل من الكذب ، وموضعه النصب » .
__________________
٥. وفي قوله تعالى : (يُضِلُّ
الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله بِغَيْرِ
سُلْطَانٍ )
. قوله :
وموضع (الَّذِينَ) نصب لانه بدلٌ من ( من ) ويجوز ان يكون
رفعاً بتقدير ( هم ) .
٦. وفي قوله تعالى (يَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، يقول و (الَّذِينَ) في موضع نصبٍ .
وكما عمد الشيخ الطوسي إلى الاختصار في
اعراب بعض الآيات نراه يعمد إلى الاسهاب والتفصيل احياناً ، وفي تفصيله في الاعراب
نورد بعض الامثلة :
فعند تفسيره لقوله تعالى : (وَلاَ تَقُولُواْ
لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء)
|
قال : وقوله : (أَمْوَاتٌ) رفع بانه خبر ابتداءٍ محذوفٌ كانه
قال : لاتقولوا هم امواتٌ ، ولايجوزفيه النصب على قولك : قلت خيرا لان الخير في
موضع المصدر كانه قال : قلت قولاً حسناً ، فاما قوله : (وَيَقُولُونَ
طَاعَةٌ) . فيجوز فيه الرفع والنصب في العربية : الرفع على منا
طاعة والنصب على نطيع طاعةً ، والفرق بين « بل » و « لكن » ان لكن نفي لاحد الشيئين
واثبات للاخر كقولك : ما قام زيد ، لكن عمرو ، وليس كذلك « بل » لانها للاضراب
عن الاول والاثبات للثاني ، ولذلك وقعت في الايجاب كقولك : قام زيد بل عمرو ،
فاما اذا قصد المتكلم فانما هو ليدل على ان الثاني احق بالاخبار عنه من الاول
كقولك : « قام زيدٌ بل عمرو » ، كانه لم يعتد بقيام الاول .
|
٧. وفي قوله (وَحَرَامٌ عَلَى
قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)
، يورد الشيخ الطوسي تفصيلاً في اعراب لا فيقول :
__________________
|
ومثله قوله تعالى: (
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) وهو يحتمل امرين:
احدهما : ان تكون « لا » زائدةً و « ان
» في موضع رفع بانه خبر المبتدا الذي هو « حرام » وتقديره :
وحرام على قريةٍ مهلكةٍ رجوعهم ، كما
قال : (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى
أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ).
والثاني : ان تكون لا غير زائدةٍ ، بل
تكون متصلة باهلكنا ، والتقدير بانهم لايرجعون اي اهلكناهم بالاستئصال ، لانهم
لايرجعون إلى اهليهم للاستئصال الواقع بهم ، وخبرالابتداء محذوف وتقديره حرام
على قرية اهلكناها بالاستئصال بقاؤهم او حياتهم ونحو ذلك .
|
٧. وعند اعرابه اللام في قوله تعالى : (لِّتَكُونُواْ
شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)
. قال :
|
لام كي كانه قال : كي تكونوا ، واصلها
لام الاضافة ، واللام في قوله : (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً) لام تاكيد ، وهي تلزم « ان » المخففة
من الثقيلة ، لئلا تلتبس بـ « أنْ » التي بمعنى « ما » كقوله تعالى :
(إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا
فِي غُرُورٍ) ، وهي لام الابتداء اخرت إلى الخبر في باب « ان » خاصة ،
واما اللام الثالثة في قوله (وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ
إِيمَانَكُمْ) فلام الجحد واصلها لام الاضافة ، والفعل نصب باضمار « ان
» ولايظهر بعدها « ان » لان التاويل : ماكان الله مضيّعاً ايمانكم ، فلما حمل
معناه على التاويل ، حمل لفظه أيضاً على التاويل من غير تصريحٍ باظهار « ان ».
|
كما يورد الشيخ الطوسي رايه وراي
العلماء واختلافهم في الاعراب مما يؤكد سعة اطلاعه في هذا المجال ، وقدرته على
منافسة النحاة المشهورين واصحاب الراي من اصحاب المدارس النحوية ، ومن ذلك نورد
مايلي :
__________________
١. في قوله تعالى (فَرِيضَةً مِّنَ
اللّهِ)
يذكر الشيخ
الطوسي :
|
وقوله (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) نصب على الحال من قوله : ( لأَبَوَيْهِ ) وتقديره. فلهؤلاء الورثة ماذكرناه
مفروضاً ، فـ (فَرِيضَةً) مؤكدة لقوله : ( يُوصِيكُمُ الله ) هذا قول الزجاج ، وقال غيره : هو نصب
على المصدر من قوله : (يُوصِيكُمُ الله فِي
أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ). فرضا مفروضاً ، وقال غيره : يجوز ان
يكون نصباً على التمييز من قوله : ( فَلأُمِّهِ
السُّدُسُ ) فريضة كما تقول : هو لك صدقة او هبة.
|
٢. ومن الآية (وَإِن كَانَ
رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ)
فيذكر الشيخ الطوسي في اعراب (كَلاَلَةً) بقوله :
|
(كَلاَلَةً) نصبه يحتمل امرين :
احدهما : على انه مصدر وقع موقع الحال
، وتكون كان تامة وتقديره : يورث متكلل النسب كلالةً.
والثاني : بان يكون خبر كان ، ذكره
الرماني والبلخي ، وتقديره « فان كان » ، رجلٌ : اسم كان ويورث : صفته ، وكلالة
: خبره.
|
وهنا يتقدم الطوسي برايه فيقول :
|
والاول هو الوجه ، لان (يُورَثُ) هو الذي اقتضى ذكر الكلالة ، كما
تقول : يورث هذا الرجل كلالة ، بخلاف من يورث ميراث الصلب ويورث كلالةً عصبةً
وغيرعصبةً .
|
٣. في الآية (مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ الله وَاللّهُ
عَلِيمٌ حَلِيمٌ)
، يذكر
الشيخ الطوسي :
|
وقوله : (غَيْرَ مُضَآرٍّ) نصب على الحال بمعنى : يوصي بذلك غير
مضار ، وقال الزجاج : يجوز ان يكون نصباً على انه مفعولٌ به.
|
__________________
٤. وفي قوله تعالى (وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ
قِصَاصٌ )
. يذكر الشيخ
الطوسي :
|
وقوله : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ
)
من نصب جميع ذلك عطفه على المنصوب بواو الاشتراك ، ثم استانف ، فقال : (وَالْجُرُوحَ
قِصَاصٌ) ، ومن نصب الجروح عطفها على ماقبلها من المنصوبات ، ومن
لم ينصب غير النفس فعلى ان ذلك هو المكتوب عليهم ، ثم ابتدا مابعده بياناً
مبتداءً ، ويحتمل ان يكون الواو عاطفة جملة على جملة ، ولايكون الاشتراك فيمن
نصب ، ويحتمل ان يكون حمل على المعنى ، لان التقدير قلنا لهم : ان (النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ) فحمل (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) على المعنى دون اللفظ ، ويحتمل ان
يكون عطف على الذكر المرفوع في الظرف الذي هو الخبر ، وان لم يؤكد المعطوف عليه
بضمير منفصل ، كما قال : (لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا
وَلاَ آبَاؤُنَا) فلم يؤكدكما اكد في قوله : (يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) ذكر الوجوه الثلاثة الزجاج وابو علي الفارسي ، ومن نصب
الجميع جعل الكل فيما كتب عليهم .
|
وقد يطيل الطوسي نقاشه مع العلماء ويقف
كثيرا على ماقالوه مؤيدا تارة ومعترضا اخرى كما في قوله تعالى :
٥. (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ
أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ
قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم
مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) .
يشير إلى اعراب (لَئِنِ) من هذه الآية فيقول :
|
اختلف النحويون في ان جواب (لَئِنِ) كان جواب ( لو ) ، فقال الاخفش ومن
تبعه :
اجيبت بجواب « لو » لان الماضي وليها
كمايلي « لو » ، فاجيبت بجواب « لو » ودخلت كل واحدة منهما على صاحبتها ، قال
الله تعالى :
|
__________________
|
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا
رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) فجرى مجرى ولو ارسلنا وقال : (وَلَوْ
أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه) على جواب (لَئِنِ) وقال سيبويه وجميع اصحابه :
ان معنى (لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ
يَكْفُرُونَ) ليظلن ومعنى (لَئِنِ) غير معنى « لو » في قول الجماعة ،
وان قالوا ان الجواب متفق لانهم لايدفعون ان معنى (لَئِنِ) مايستقبل ومعنى « لو » مامضى وحقيقة
معنى « لو » انها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره ، كقولك : لو اتيتني لاكرمتك ، اي
لم تاتني فلم اكرمك ، فامتنع الاكرام لامتناع الاتيان ومعنى « ان » و « لئن » إنّما
يقع بهما الشيء لوقوع غيره تقول : ان تاتني اكرمك ، فالاكرام يقع بوقوع الاتيان
، وقال بعضهم : ان كل واحدة منهما على موضعها ، وانما لحق في الجواب هذا التداخل
لدلالة اللام على معنى القسم ، فجاء الجواب بجواب القسم ، فاغنى عن جواب الجزاء
لدلالته عليه ، لان معنى (لَّظَلُّوا) « ليظلن » ، وهذا هو معنى قول سيبويه
:
ويجوز ان تقول : ان اتيتني لم اجفك ،
ولايجوز ان تقول : ان اتيتنى ماجفوتك ، لان ـ « ما » منفصلة ، و « لم » كجزء من
الفعل ، الا ترى انه يجوز ان تقول : زيداً لم اضرب ولايجوز زيداماضربت ، وانما
يجاب الجزاء بالفعل او الفاء ، فاذا تقدم لام القسم جاز فقلت لئن اتيتني ماجفوتك
.
|
وقد يطرح الشيخ الطوسي رايه فقط ، من
دون ان يستشهد براي لغيره من النحاة ومن ذلك الامثلة التالية :
١. في قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
. يقول الشيخ
الطوسي في اعراب (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) :
|
وفتحت الواو في (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) لامرين :
احدهما : للعلة التي فتحت الراء في
لننصرنكم وهو انه بني على الفتحة لانها اخف اذا استحق البناء على الحركة ، كما
استحق ( يا ) في النداء حكم البناء على الحركة.
|
__________________
|
الثاني : انه فتح لالتقاء الساكنين
اذا كان قبل معتلاً لايدخله الرفع .
|
٢. وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ )
، يقول
الشيخ الطوسي في اعرابها :
|
وقوله : (إِن تُطِيعُواْ) جزم بانه شرطٌ ، وقوله (يَرُدُّوكُمْ) جزم بانه جواب الشرط ، وقوله : (فَتَنقَلِبُواْ) جزم بالعطف عليه ، وقوله : (خَاسِرِينَ) نصب على الحال .
|
وقد يستعين الطوسي بالشعر العربي ليدعم
به راياً يتبناه في الاعراب ، فيستشهد ببيتٍ من الشعر يتناسب والمقام ، وقديذكر
اسم قائله احياناً كما يغفله في احايين اخرى ، ومن استشهاداته بالشعر على الاعراب
نورد الامثلة التالية :
١. في الآية (أَلاَّ خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). يذكر الشيخ الطوسي في اعراب «ان»
|
قيل في موضع « ان » قولان :
احدهما : انه خفض بالباء وتقديره بان
لاخوف ، هذا قول الخليل والكسائي والزجاج والثاني : ان يكون موضعه نصباً على انه
لماحذف حرف الجر نصب بالفعل كما قال الشاعر :
|
امرتك الخير فافعل ما امرت به
|
|
فقد تركتك ذا مال وذا نشب
|
|
|
|
|
٢. في قوله تعالى : (وَمَا كَانَ
قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي
أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .
ويقول الشيخ الطوسي :
|
وقولهم نصب بانه خبر (كَانَ) والاسم (أَن قَالُواْ) وانما اختير ذلك ، لان مابعد الايجاب
معرفة ، فهو احق بان يكون الاسم كقول الشاعر :
|
وقدعلم الاقوام ماكان داءها
|
|
بثهلان الا الخزي ممن يقودها
|
٣. وقوله تعالى : (وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا)
:
|
عطف على موضع ان المحذوفة في (تَعْبُدُونَ
إِلاَّ الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) فرفع لاتعبدون لماحذفت « ان » ، ثم
عطف بالوالدين على موضعها : كما قال الشاعر :
|
معاوي اننا بشر فاسجح
|
|
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
|
|
|
|
|
٤. وفي قوله تعالى : (يَقُصُّ الْحَقَّ
وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)
. يقول الشيخ
الطوسي :
|
والحق في قوله : (يَقُصُّ
الْحَقَّ) يحتمل امرين :
احدهما : ان يكون صفة لمصدر محذوفٍ
وتقديره يقضي القضاء الحق او يقص القصص الحق.
والثاني : ان يكون مفعولاً به يعجل
الحق كقوله الهذلي :
|
وعليهما مسرورتان قضاهما
|
|
داود او صنع السوابغ تبع
|
|
|
|
|
اي صنعها داود .
٥. وفي قوله تعالى : ( وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ
... ) ، يقول الشيخ الطوسي:
|
( واللام في قوله (لَّمَّا) يحتمل ان تكون لام القسم ، دخلت على «
ما » التي للتوكيد ، ويحتمل ان تكون لام الابتداء ، دخلت على « ما » بمعنى الذي
كقوله (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ) . ومثله ( وَإِنَّ
مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ
) ، قال الشاعر :
|
__________________
فلو ان قومي لم يكونوا اعزةً
|
|
لبعد لقد لاقيت لابد مصرعا
|
٦. وفي الآية (الَّذِينَ قَالُواْ
لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ
الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
، يقول الشيخ
الطوسي :
|
موضع (الَّذِينَ) يحتمل ثلاثة اوجهٍ من الاعراب :
احدهما : ان يكون نصباً على البدل من
الذين نافقوا.
الثاني : الرفع على البدل من الضمير
في يكتمون.
الثالث : الرفع على خبر الابتداء ،
وتقديره : هم (الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ) .
|
٧. في قوله تعالى : (وَلَئِن مُّتُّمْ
أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ)
. يرى الشيخ
الطوسي:
|
اللام في قوله : (وَلَئِن
مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) يحتمل امرين :
احدهما : ان يكون خلفا من القسم ويكون
اللام في قوله : (لإِلَى الله) جواباً ، كقولك :
واللّه ان متم او قتلتم لتحشرون إلى
اللّه.
والثاني : ان تكون مؤكدة لمابعدها كما
تؤكد ان مابعدها وتكون الثانية جواباً لقسم محذوف ، والنون مع لام القسم في فعل
المضارع لابد منها ، لان القسم احق بالتاكيد من كلما تدخله النون من جهة ان ذكر
القسم دليلٌ انه من مواضع التاكيد فاذا جاءت في غيره من الامر والنهي والاستفهام
والعرض والجزاء مع ما اذا كان ذكر القسم قد انبا انه من مواضع التاكيد ، لزمت
فيه ، لانه احق بهما من غيره .
|
٨. ويذكر الشيخ الطوسي في اعراب (ما) من قوله (مَا
فَرَّطتُمْ
فِي يُوسُفَ)
قائلاً :
|
( ما
) في قوله (مَا
فَرَّطتُمْ) يحتمل ثلاثة اوجه من الاعراب :
احدها : ان تكون منصوبة بـ ( تعلموا
) كانه قال
الم تعلموا تفريطكم في يوسف.
|
__________________
|
الثاني : رفع بالابتداء والخبر ( من قبل ).
الثالث : ان تكون صلة لاموضع لها من
الاعراب ، لانها لم تقع موقع اسم معربٍ .
|
٩. ويذكر في اعراب ( ما
) من قوله
تعالى (وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ)
:
|
وقوله : (وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ) ، ( ما ) في قوله ( ولهم
ما ) يحتمل وجهين من الاعراب :
احدهما : ان يكون في موضع نصبٍ ،
والمعنى ويجعلون لهم البنين الذين يشتهون.
والثاني : ان يكون في موضع رفعٍ
والتقدير ولهم البنون ، على الاستئناف .
|
١٠ ـ وقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ
مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا
) . يقول المفسر :
|
وقوله (شَيْئًا) نصب على احد وجهين :
احدهما : ان يكون بدلا من (رِزْقًا) والمعنى مالايملك لهم رزقاً قليلاً
ولاكثيراً.
والثاني : ان يكون منصوبا بـ (رِزْقًا) كما قال : (أَوْ
إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا) كانه قال لايملك لهم رزق شيء .
|
وقديورد الشيخ بعض اراء العلماء على ما
فيها من اختلاف دون ان يبدي برايه او بتعليق عليها ، وهذه بعض الامثلة على ذلك :
١. في اعراب (مُّفَتَّحَةً
لَّهُمُ الْأَبْوَابُ)
يقول :
|
ورفعت (الْأَبْوَابُ) لان تقديره مفتحة لهم ابوابها ،
فدخلت الالف واللام بدلاً من الاضافة كما يقولون : مررت برجلٍ حسنةٍ عينه ، قبيحٍ
انفه ، يريدون قبيح الانف ـ ذكره الفراء ـ وقال الزجاج : تقديره مفتحة لهم
الابواب منها ولو نصب (الْأَبْوَابُ) لجاز كقول الشاعر :
|
__________________
فما قومي بتغلبة بن سعد
|
|
ولا بفزارة الشعث الرقابا
|
٢. وفي اعراب « ما » من قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ
بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ الله بَغْياً أَن يُنَزِّلُ الله)
|
يقول :
واختلفوا في ( ما
) فقال قوم
من البصريين : هي وحدها اسم (أَن يَكْفُرُواْ) تفسير له نحو نعم رجلا زيد و (أَن
يُنَزِّلُ اللّهُ) بدل من انزل.
وقال الفراء بئس الشيء اشتروا به
انفسهم ان يكفروا ، فـ ( ما ) اسم بئس (أَن يَكْفُرُواْ ) الاسم الثاني .
|
٣. وفي الآية (ص وَالْقُرْآنِ
ذِي الذِّكْرِ)
. يقول
المفسر :
|
واختلفوا في جواب القسم فقال قوم : هو
محذوفٌ وتقديره : جاء الحق وظهر ، لان حذف الجواب في مثل هذا ابلغ ، لان الذكر
يقصر المعنى على وجه والحذف يصرف إلى كل وجهٍ فيعم ، وقال قوم : جوابه مادل عليه
قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) كانه قال :
والقرآن ذي الذكر ما الامر على
ماقالوا ، ذكر ذلك قتادة ، وقال الفراء والزجاج :
الجواب ( كم
)
وتقديره لكم اهلكنا ، فلما طال الكلام حذفت اللام وصارت ( كم ) جواباً للقسم واليمين .
|
٤. وجاء في اعرابه (مَنَاصٍ) من قوله تعالى (وَلَاتَ حِينَ
مَنَاصٍ)
. قوله :
|
وقيل : ان (مَنَاصٍ) جر بـ (لَاتَ) وانشدوا لابي زيد :
|
طلبوا صلحنا ولات اوان
|
|
فاجبنا ان ليس حين بقاء
|
|
وقال الزجاج : انشده ابوالعباس بالرفع
، وقد روي بالكسر ، وقال الزجاج : من كسر راى
|
|
|
|
|
__________________
|
ان يجعله مبنيا بمنزلة نداء ذلك
الاقوام وبناه فحذف المضاف إليه دون ان يضم لانه نونه فاجراه على نظائره من المنون
المبني واراد ولات اواناً .
|
٥. وفي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ
وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ الله
عَلِيمًا حَكِيمًا ) .
يقول الشيخ الطوسي :
|
واختلفوا في نصب (خَيْرًا
لَّكُمْ) فقال الخليل وجميع البصريين :
ان ذلك محمول على المعنى ، لانك اذا
قلت : انته خيرا لك ، فانت تدفعه عن امرٍ وتدخله في غيره ، كانك قلت : انته وات
خيراً لك ، وادخل فيما هو خير لك وانشد الخليل وسيبويه قول عمربن ابي ربيعة :
|
فواعديه سر حتي مالك
|
|
او الربا بينهما اسهلا
|
|
وتقديره واتى مكانا اسهلا ، وقال
الكسائي : انتصب بخروجه من الكلام.
قال : وهذا تفعله العرب في الكلام
التام نحو قولك لتقومن خيرا لك وانته خيرا لك فاذاكان الكلام ناقصا لم يجز غير
الرفع تقول :
ان تنته خير لك وان تصبروا خير لكم.
وقال الفراء : انتصب ذلك لانه متصل
بالامر ، وهو من صفته ، الا ترى انك تقول : انته خيرٌ لك ، فلما اسقطت هو اتصل
بما قبله ، وهو معرفة فانتصب ، وقال ابو عبيدة انتصب ذلك على اضمار كان ، كانه
قال : فامنوا يكن الايمان خيراً لكم ، قال : وكذلك كل امر ونهي ، قال الفراء :
يلزم على ذلك مايبطله ، الا ترى انك تقول : « اتق الله تكن محسناً » ، ولايجوز
ان تقول : « اتق الله محسنا » باضمار « كان » ولايصلح ان تقول : « انصرنا اخانا »
، وانت تريد تكن اخانا ، وقال قوم : انتصب ذلك بفعل مضمرٍ اكتفى في ذلك المضمر
بقوله : لاتفعل ذلك وافعل صلاحاً لك .
|
|
|
|
|
__________________
٦. وفي قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) .
يقول الشيخ الطوسي :
|
وذكروا في موضع ( من
) وجهين من
الاعراب :
قال بعضهم : موضعه نصب على حذف الباء
، وتقديره اعلم بمن يضل ؛ ليكون مقابلاً لقوله (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
وقال الفراء والزجاج : موضعها الرفع
لانها بمعنى « اي » كقوله (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) وصفة « افعل » من كذا لاتتعدى لانها غير جارية على الفعل
، ولامعدولة عن الجارية كعدل ضروب عن ضارب ومنحار عن ناحر ، وقال قوم : ان ( أعْلَم ) هاهنا بمعنى يعلم كماقال حاتم الطائي
:
|
فخالفت طي من دوننا خلفا
|
|
واللّه اعلم ماكنا لهم خولا
|
|
وقالت الخنساء :
|
القوم اعلم ان جفنته
|
|
تغدو غداة الريح او تسري
|
|
قال الرماني : هذا لايجوز ، لانه
لايطابق قوله : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فمعنى الآية ان الله تعالى اعلم بمن
يسلك سبيل الضلال المؤدي إلى الهلاك بالعقاب ومن سلك سبيل الهدى المفضي به إلى
النجاة والثواب .
|
|
|
|
|
القراءة
ضل الشيخ الطوسي ملتزماً بما التزم به
سلفه من علماء الإماميّة ولايكاد يختلف معهم في شيء الا ماندر.
وقد سرى التزامه وتبنيه لاراء اولئك
الاعلام في المدرسة الإماميّة حتى في موضوع القراءة اذ يقول في هذا الصدد :
__________________
|
ان العرف في مذهب اصحابنا والشائع من
اخبارهم ورواياتهم ان القرآن نزل بحرفٍ واحد ، على نبى واحد ، غير انهم اجمعوا
على جواز القراءة بما يتداوله القراء وان الإنسان مخير باي قراءة شاء قرأ.
وكرهوا تجويز قراءة بعينها ، بل اجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء ،
ولم يبلغوا بذلك حد التحريم والحظر .
|
ومن ثم يردف مرجّحاً لهذا الراي فيقول :
|
الوجه الاخير اصلح الوجوه على ماروي
عنهم (ع) من جواز القراءة بما اختلف القراء فيه .
|
ولكن تبني الشيخ الطوسي لهذا الراي
لايعني انه قد غض الطرف عن كل ماقاله القراء وانماكان ـ وفق نزعته التحقيقية ـ
لايقبل اقوالهم الا بعد النظر والتدقيق ، فيمحص اراءهم ويضعف بعضها ويرد على البعض
الاخر ، ومن ذلك ماورد في تفسيره لقوله تعالى : (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ).
فقال مفسرنا : لايمد القراء الالف من « ما
» الا حمزة فانه مدها. ثم يقول :
« وقد لحن في ذلك » .
كما نجد الطوسي يخطئ قراءة ابي وعبد
الله في معرض تفسيره لقوله تعالى :
(وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ
الْجَحِيمِ)
. فيقول :
« واعتلوا « ان » في قراءة ابي : ( وماتسئلُ ) وفي قراءة عبد الله : ( ولن تسئل ) » فقال الطوسي : مفندا : « وهذا غير
صحيح » .
وقد اظهر الشيخ الطوسي اهتماماً كبيراً
في موضوع القراءات عند تفسيره للايات القرآنية اذ قلما يذكر اية ولايذكر ماقيل
فيها من اراء القراء ، وقد اورد الطوسي جملةً من
__________________
القرّاء المشهورين
في تبيانه واعتمد قراءاتهم ومن اولئك :
عبد الله بن عامر الدمشقي ( ت ١١٨ ه ).
ابن كثير المكي ( ت ١٢٠ ه ).
عاصم الكوفي ( ت ١٢٧ ه ).
ابو عمرو بن العلاء ( ت ١٥٤ ه ).
حمزة الكوفي ( ت ١٥٦ ه ).
نافع المدني ( ت ١٦٩ ه ).
والكسائي الكوفي ( ت ١٨٩ ه ).
يعقوب بن اسحاق ( ت ٢٠٥ ه ).
وخلف بن هشام ( ت ٢٨٦ ه ).
كما تعرض المفسر إلى ذكر الاختلافات
الواردة بين اراء القراء ، مع ايراد حجة كل واحد منهم ، اذ كان يرجح احياناً بعض
الاراء على البعض الاخر ، وقد استعان الطوسي بشعرالشعراء في تاييد راي من الاراء
التي قالها القراء ، وقد نجده يسهب احياناً ويستطرد في القراءة بينما نجده يوجز في
مواضع اخرى في التفسير ، والذي يستنتجه الدارس لتفسير الشيخ الطوسي ، هو تضلع
الرجل بمختلف الفنون التي تقتضيها العملية التفسيرية ، حيث نراه يعارض القراء
ويناقش اراءهم ، ويدلي برايه في القراءة كما هو الحال في اللغة والنحو والشعر
وصنوف الاداب التي تضمنتها لغة القرآن الكريم.
ونحن هنا نورد بعض النماذج التي يمكنها
ان تعطينا صورةً واضحةً عن طريقة تعامل مفسرنا مع القراءة والقراء :
فنشاهده عبر الامثلة التالية كيف يذكر
اختلاف القراء واراءهم مع تناوله لادلتهم التي اعتمدوها :
١. فقد جاء تفسيره لقوله تعالى : (اهدِنَا الصِّرَاطَ
المُستَقِيمَ)
قوله :
|
قرا ابن كثير في رواية ابن مجاهد عن
قنبل والكسائي عن طريق ابن حمدون ويعقوب من طريق رويس بالسين ، وكذلك في سراط ،
في جميع القرآن. الباقون بالصاد واشم الصاد زاياً حمزة في الموضوعين ، خاصة في رواية علي بن سالم ، وفي
رواية الدوري وخلاد اشمامها الزاي ماكان فيه الف ولام ، واما الصاد اذا سكنت
وكان بعدها دال نحو : يصدر ، وفاصدع ، ويصدقون ، فاشم الصاد الزاي حيث وقع ،
حمزة والكسائي وخلف ورويس .
|
ويذكر الشيخ الطوسي حجج هذه الاراء
بقوله :
|
فمن قرا بالسين فلانه الاصل ، من غير
سبب يمتنع منه ومن قرا باشمام الزاي فللمؤ اخاة بين السين والطاء بحرف مجهور من
مخرج السين وهو الزاء من غير ابطال للاصل. ومن قرا بالصاد بين الصاد والطاء
بالاستعلاء والاطباق .
|
ثم يرجح الطوسي القراءة بالصاد وبين ذلك
بقوله :
« والقراءة بالصاد احسن لان فيها جمعا
بين المتشاكلين في المسموع » .
٢. وجاء في تفسيره لقوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )
قوله :
|
(قِيلَ) ضم القاف فيها وفي اخواتها الكسائي
وهشام ورويس.
ووافقهم ابن ذكوان في السين والحاء ،
مثل : حيل وسيق وسيئت ، ووافقهم أهل المدينة في سيق وسيئت .
|
ويذكر الشيخ الطوسي مجمع الاراء التي
قيلت في قراءة القاف بقوله :
|
فمن ضم ذهب إلى ماحكي عن بعض العرب :
قد قول ، وقد بوع المتاع ، بدل قيل وبيع ،
|
__________________
|
ومن كسرها قال : لان ياء الساكنة
لاتكون بعد حرف مضموم ، ومن اشم قال : اصله قول ، فاستثقلت الضمة فقلبت كسرة ،
واشمت ليعلم ان الاصل كانت ضمة .
|
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى : (إِن تُبْدُواْ
الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)
جاء قوله في
( نعما
) وضعف
النحويون باجمعهم قراءة ابي عمرو ، وبين الشيخ حجتهم في ذلك بقوله:
|
وقالوا لايجوز اسكان العين مع الادغام
وانما هو اخفاء يظن السامع انه اسكان ، وانمالم يجز الاسكان مع الادغام لانه جمع
بين ساكنين في غير حروف المد واللين في نحودابة وغير ذلك ، وقد انشد سيبويه في
الجمع بين ساكنين مثل اجتماعهما في نعما قول الشاعر :
|
كانها بعد الزاجر
|
|
ومسحه مر عقاب كاسر
|
٤. وجاء في تفسيره لقوله تعالى : (فَالَّذِينَ
هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ)
فقال :
|
قرا حمزة والكسائي وخلف (وَقَاتَلُواْ
وَقُتِلُواْ) بتقديم المفعولين على الفاعلين والباقون (وَقَاتَلُواْ
وَقُتِلُواْ) بتقديم الفاعلين على المفعولين ، وشدد التاء من (قُتِلُواْ) ابن كثير وابن عامر ، وقرا عمربن عبد
العزيز (وَقُتِلُواْ) بلا الف (وَقُتِلُواْ) .
ثم يرد الشيخ على قول الطبري ويبين
حجته في ذلك فيقول :
وقال الطبري : القراءة بتقديم
المفعولين لاتجوز ، وهذا خطا ظاهر ؛ لان من اختار اسم الفاعلين على المفعولين ،
وجه قراءته ان القتال قبل القتل ، ومن قدم المفعولين على الفاعلين وجه قراءته
يحتمل امرين :
احدهما : ان يكون المعطوف بالواو
ويجوز ان يكون اولاً في المعنى ، وان كان مؤخراً في اللفظ ، لان الواو لايوجب
الترتيب وهي تخالف الفاء في هذا المعنى وهكذا خلافهم في
|
|
سورة التوبة.
والثاني : ان يكون لماقتل منهم قاتلوا
ولم يهنوا ولم يضعفوا لمكان من قتل منهم ، كما قال تعالى : (فَمَا
وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ
وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) وقوله : ( فَاسْتَجابَ
لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي ) اي باني وحذف الباء ولو قرئ بكسر الهمزة كان جائزاعلى
تقدير : قال لهم (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ
عَامِلٍ مِّنكُم) .
|
٥. وفي تفسيره لقوله تعالى : (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ
الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ)
يقول الشيخ الطوسي :
|
قرا ( عاقَّدتُّم ) بالالف ابن عامر ، و (عَقَّدتُّمُ) بلا الف مع تخفيف القاف حمزة
والكسائي ، وابوبكر عن عاصم ، والباقون بالتشديد ، ومنع من القراءة بالتشديد
الطبري ، ثم يوردالشيخ حجة الطبري في ذلك بقوله : لانه لايكون الا مع تكرير
اليمين والمؤاخذة تلزم من غير تكرير بلاخلافٍ ، الا ان الشيخ يرد عليه بقوله :
وهذا ليس بصحيح ، لان تعقيد اليمين ان يعقدها بقلبه ولفظه ولوعقد عليها في
احدهما دون الاخر ، لم يكن تعقيداً ، وهوكالتعظيم الذي يكون تارة بالمضاعفة ،
وتارة بعظم المنزلة ، وقال ابو علي الفارسي من شدد احتمل امرين :
احدهما : ان يكون الفعل لقوله : (وَلَـكِن
يُؤَاخِذُكُم) مخاطباً الكثرة فهو مثل ( وَغَلَّقَتِ
الأَبْوابَ ).
والاخر : ان يكون عقد مثل « ضعف » لايراد
به التكثير كما ان ضاعف لايراد به فعل من اثنين ، ومن قرا بالتخفيف جاز ان يريد
به الكثير في الفعل والقليل الا ان « فعل » يختص بالكثير كما ان الركبة تختص
بالحال التي يكون عليها الركوب وقالوا : عقدت الحبل والعهد واليمين عقداً ، الا
ترى انها تتلقّى بما يتلقى به القسم .
|
ثم يستشهد الشيخ بقول الشاعر :
__________________
|
قوم اذا عقدوا عقداً لجارهم
|
« ويقال : اعقدت العسل فهو معقد وعقيد ،
وحكى ابو اسحاق عقدت العسل »
، ويذكرالشيخ رايه هنا فيقول :
« والاول اكثر » .
٦. وفي تفسيره لقوله تعالى (مَن يُضْلِلِ
الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
يذكر الشيخ الطوسي :
|
قرا أهل العراق (وَيَذَرُهُمْ) بالياء واسكن الراء منه حمزة
والكسائي وخلف الباقون بالنون وضم الراء .
ويبين الشيخ حجة كل من هذه الاراء
قائلاً :
من قرا بالنون قال : لان الشرط من
الله ، فكانه قال : (مَن يُضْلِلِ اللّهُ) فذرهم ، ومن قرا بالياء رده إلى اسم
الله تعالى ، وتقديره الله يذرهم ، ومن ضم الراء قطعه عن الاول ، ولم يجعله
جوابا ، ويجوز ان يكون اضمر المبتدا ، وكان تقديره ونحن نذرهم فيكون في موضع
الجزم ، ويجوز ان يكون استانف الفعل فيرفعه ، ومن جزمه فانه عطفه على موضع الفاء
وما بعدها من قوله : (فَلاَ هَادِيَ لَهُ) لان موضعه جزم ، فحمل ( وَنَذَرُهُمْ ) على الموضع ومثله في الحمل على
الموضع ، قوله تعالى ( فَأَصَّدَّقَ
وَأَكُنْ ) لانه لو لم يلحق الفاء لقلت لولا اخرتني اصدق لان معنى ( لَوْلا أَخَّرْتَنِي ) اخرني اصدق ، فحمل قوله تعالى (وَأَكُنْ) على الموضع .
|
وهكذا تعامل الطوسي مع القراء وارائهم
المختلفة ، بشيء من التفصيل ، بينما نجده وكما في الامثلة التالية يوجز كثيراً ،
عندما يتعرض لموضوع القراءة واراء القراء ومن ذلك مايلي :
__________________
١. جاء في تفسيره لقوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ )
قوله :
|
قرا ابن عامر واهل الكوفة بتحقيق
الهمزتين ، وكذلك كل همزتين مختلفتين من كلمتين ، الباقون بتخفيف الاولى وتليين
الثانية .
|
٢. وفي تفسيره لقوله تعالى (وَإِذَا لَقُواْ
الَّذِينَ آمَنُواْ)
. جاء قوله :
فقرئ في الشواذ ( وَاذا لاقُوا الَّذِينَ ) قراها اليماني .
٣. وجاء في تفسيره لقوله تعالى : (إِنَّ الله
بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
قوله في الرؤف:
« قرا ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم (لَرَؤُوفٌ) على وزن لرعوف ، الباقون (لَرَؤُوفٌ) على وزن فعل » .
٤. وذكر في تفسيره لقوله تعالى (سَنَكْتُبُ
مَا قَالُواْ)
:
« قرا حمزة وحده ( سَيَكْتُبُ ) بضم الياء ، الباقون بالنون » .
٥. وفي تفسيره لقوله تعالى (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ
الشَّيْطَانُ)
:
« قرا ابن عامر : (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ) بتشديد السين ، الباقون بالتخفيف » .
٦. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ)
يقول :
__________________
الشيخ الطوسي في (وَلاَ يَحْسَبَنَّ) « قرا ابن عامر وحمزة وحفص وابو جعفر (وَلاَ يَحْسَبَنَّ
) بالياء ،
الباقون بالتاء » .
٧. وفي تفسيره لقوله (يَا شُعَيْبُ
أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ)
يقول الشيخ
الطوسي في اصلوتك : « قرا أهل الكوفة الا ابابكر ( اصلوتك ) على التوحيد ، الباقون
على الجمع ».
وقد لايكتفي الطوسي بذكر اراء القراء او
اختلافاتهم ، وانما يعمد وفي مواضع كثيرةٍ ، إلى طرح جملة من الاراء ، ثم يرجح رأياً
على رايٍ ، ويورد في ذلك حجة وكما فعل في الامثلة التالية :
١. عند تفسيره لقوله تعالى (وَجَعَلَ كَلِمَةَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا)
يقول الشيخ الطوسي في قوله تعالى : (وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا) :
|
قرا يعقوب وحده (وَكَلِمَةُ
الله هِيَ الْعُلْيَا) بالنصب على تقدير وجعل كلمة الله هي العليا ومن رفع
استانف.
|
وقد رجح الشيخ هذا الراي بقوله : « وهو
ابلغ ، لانه يفيد ان كلمة الله العليا على كلّ حالٍ » .
٢. وفي تفسيره لقوله تعالى : (لَّقَدْ كَانَ
فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) ،
يقول الشيخ الطوسي في (
آيات
) :
|
قرا ابن كثير وحده ( آيات لِلسّائِلِينَ ) على التوحيد ، الباقون على الجمع :
قال ابو علي النحوي من افرد جعل شانه كله اية.
|
ودعم الشيخ الطوسي ذلك الراي بقوله :
__________________
|
ويقوي ذلك قوله : (وَجَعَلْنَا
ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) فافرد كل واحد منهما على انفراده ، يجوز ان يقال اية
فافرد مع ذلك ، ومن جمع جعل كل واحد من احواله اية .
|
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى : ( وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ
مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ )
قال الشيخ الطوسي :
|
قرا البرجي والسلموني ( النِّسْوَةِ ) بضم النون ، والباقون بكسرها وهما
لغتان وبين الشيخ بعد ذلك رايه بقوله والكسر افصح .
|
٤. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَإِذَا أَرَدْنَا
أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا
) يذكر الشيخ الطوسي القراءات في (أَمَرْنَا) قائلاً :
|
قرا يعقوب (أَمَرْنَا) بمد الهمزة ، وعن الحسن (أَمَرْنَا) بالتشديد وروي عنه (أَمَرْنَا) بكسرالميم خفيفة.
|
ثم يطرح الشيخ الطوسي رايه ، قائلاً : «
وهي ردئة » .
٥. وفي تفسيره لقوله تعالى (
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا
دُمْتُ حَيًّا )
يقول الشيخ الطوسي في قراءة (وَأَوْصَانِي) :
« يقول الكسائي : ( إتاني واوصاني ) بالامالة ، الباقون بالتفخيم » وبين
الشيخ الطوسي الحجة في ذلك حيث يقول :
|
فمن أمال ، فلان هذه الالف تنقلب ياء
في ( أوصيت ) فأمال لمكان الياء ، ومن لم يمل
فلمكان الالف.
|
ثم يبين الشيخ بعد ذلك رايه مرجحاً
الامالة في ( ءاتاني ) بقوله « والامالة في ( ءاتاني )
__________________
أحسن من الامالة في ( أوصاني
) » ويبين حجّته
في ذلك بقوله :
|
لان في (أوصاني)حرفا مستعليا يمنع من الامالة ، ومع
ذلك فهو جائز كصفى وطغى .
|
٦. وفي تفسيره للآية الكريمة (وَإِنَّ
الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )
اورد اقوالا في قراءة (إِنَّ اللَّهَ) بفتح همزة (إِنَّ) وكسرها ، فقال : « قرا ابن كثير وابو
عمرو ونافع ويعقوب الا روحا (وَإِنَّ اللَّهَ) بفتح الهمزة ، الباقون بكسرها » ، ثم
يورد احتمالات من نصب الهمزة ، فيقول :
|
احدها : ان المعنى ، وقضى الله (إِنَّ
الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ) في قول ابي عمرو بن العلاء. والثاني : انه معطوف على
كلام عيسى ، اي اوصاني (إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ) والثالث : قال الفراء : انه معطوف
على ( ذلك عيسى بن مريم ) وذلك (إِنَّ الله ) ويكون موضعه الرفع بانه خبر المبتدا.
والرابع : ولان الله ربي وربكم فاعبدوه ، والعامل فيه (فَاعْبُدُوهُ).
|
ويبين الشيخ الطوسي حجةً في كسر همزة ( انّ )
بقوله ومن كسر ( انّ ) استانف الكلام ، ثم بعدذلك يرجح الراي الاخير ، مستندا على
رواية عن ابي فيقول :
|
ويقوي الكسر انه روي ان اُبيّاً قرأ :
(إِنَّ اللَّهَ) بلا واو ويجوز ان يكون عطفا على قوله
: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله ) .
|
٧. وفي تفسيره لقوله تعالى : ( إِنِّي آنَسْتُ
نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ
) يقول الشيخ الطوسي في قراءة (جَذْوَةٍ) :
|
قرا عاصم (جَذْوَةٍ) بفتح الجيم وقرا حمزة وخلف بضمها ،
الباقون ـ بكسر الجيم ـ وفيه ثلاث لغات ، فتح الجيم وضمها وكسرها ، وبعد ان يبين
الشيخ الطوسي القراءات ، يورد رأيه مرجحا للكسر ، فقال والكسر اكثر وافصح .
|
__________________
٨. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)
يقول في (وَالَّذِينَ قُتِلُوا):
|
قرا أهل البصرة وحفص عن عاصم : (وَالَّذِينَ
قُتِلُوا) على ما لم يسم فاعله بضم القاف وكسر التاء ، الباقون ( قاتلوا
) بالف من
المفاعلة وقرئ شاذاً (قُتِلُوا) بفتح القاف وتشديد التاء ، وقد رجح
الشيخ الطوسي القراءة بالف بقوله : من قرا بالف كان اعم فائدة ، ويبين حجة ذلك
بقوله : لانه يدخل فيه من قتل .
|
وهكذا تتاكد قدرة الطوسي في هذا المجال
وتتضح الجوانب الثقافية المتعددة لشخصية المفسر الذي اقتحم باب التفسير وهو مزود
بكل مايحتاجه المفسر ، ولذلك اجاد واحسن واصاب.
اضافة إلى ماتقدم فقد استخدم الشيخ
الطوسي الشعر واستفاد من اشعار الشعراء في تاييد راي او ترجيح قول لاحد من القراء
، وهو بذلك لم يترك سلاحاً يمكنه الاستعانة به في حلبة التفسير ، الا وحمله
ليستعين به وقت الحاجة وعند ماتستدعي الضرورة ذلك ، والامثلة التالية تبين كيف سخر
المفسر الشعر في مجال القراءة ، حيث يستشهد مرة ببيت او بيتين ، بينما يكتفي مرة
اخرى بشطر او عجز وحسبما يقتضي الموقف.
١. ورد في تفسيره لقوله تعالى : ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قوله :
|
قرا عاصم والكسائي وخلف ويعقوب (مالِكِ) بالالف ، الباقون (مالِكِ) بغير الفٍ ولم يمل احد الف (مالِكِ) وكسر جميعهم الكاف ، وروي عن الاعمش
انه فتحها على النداء ، وربيعة بن نزار يخففون (مالِكِ) ويسقطون الالف ، فيقولون : ( مَلْكِ ) بتسكين اللام وفتح الميم ، كما قال
ابو النجم : تمشي الملك عليه حلله .
|
٢. وجاء في تفسيره لقوله تعالى (وَكَأَيِّن
مِّن نَّبِيٍّ)
:
__________________
|
قرا ابن كثير (كَأَيِّن) على وزن كاعن ، الباقون (كَأَيِّن) مشددة على وزن كعين معناهماواحد ،
وهو بمعنى كما قال جرير :
|
وكاين بالاباطح من صديق
|
|
يراني لو اصبت هو المصابا
|
وكاين رددنا عنكم من مدجح
|
|
يجي ء امام الالف يردي مقنعا
|
كاين في المعاشر من اناس
|
|
اخوهم فوقهم وهم كرام
|
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَمَا كَانَ
لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ)
جاء قوله في
(يَغُلَّ) :
قرا ابن كثير وابن عمرو وعاصم (يَغُلَّ) بفتح الياء وضم الغين ، الباقون بضم
الياء وفتح الغين.
وهنا يورد الشيخ الطوسي حجة الراي الاول
قائلاً :
|
فمن قرا بفتح الياء وضم الغين فمعناه
ماكان لنبي ان يخون يقال من الغنيمة غل يغل اذا خان فيها ، ومن الخيانة اغل يغل
، قال النمربن تولب :
|
جزى الله عنا حمزة ابنة نوفل
|
|
جزاء مغل بالامانة كاذب
|
بما سالت عني الوشاة ليكذبوا
|
|
علي وقد اوليتها في النوائب
|
٤. وفي تفسيره لقوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُكُم
إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ)
:
|
قرا الكسائي وحده (أَرَأَيْتُكُم) وماجاء منه اذا كان استفهاماً بحذف
الهمزة التي بعد الراء ، والباقون باثباتها وتخفيفها ، الا أهل المدينة ، فانهم
جعلوها بين بين ، فان كان غيراستفهام ، اتفقوا على اثبات الهمزة وتخفيفها الا
مارواه ورش في تحقيقها في ستة مواضع ذكرت في باب الهمزة في القراءات ، من حقق
الهمزة ، فلانه « فعلت » من الرؤية فالهمزة عين الفعل ، ومن خفف ، فانه جعلها
بين بين ، وهذا التخفيف على قياس التحقيق ، ومن
|
__________________
|
حذف الهمزة فعلى غير مذهب التخفيف ،
لان التخفيف القياس فيها ، ان تجعل بين بين كما فعل نافع ، وهذا حذف كما قالوا «
ويلمه » ، وكما انشد احمد بن يحيى:
« ان لم اقاتل فالبسوني برقعا ».
وقال ابو الاسود :
« يا بن المغيرة رب امرٍ معضل ».
وذكر ان عيسى كذلك ، كان يقرؤها ويقوى
ذلك قول الراجز :
|
اريت ان جاءت به املودا
|
|
مرجّلاً ويلبس البرودا
|
٥. وجاء في تفسيره لقوله تعالى (وَذَرُواْ الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ)
قوله في (يُلْحِدُونَ)
|
قرا حمزة (يُلْحِدُونَ) بفتح الحاء والياء ـ هاهنا ـ وفي
النحل وحم السجدة وافقه الكسائي وخلف في النحل ، والباقون بضمّ الياء ، من قرا
بكسر بالحاء ، فلقوله : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) .
والحد اكثر في الكلام ، قال الشاعر :
|
ليس الامام بالشحيح الملحد
|
|
ولايكاد يسمع لاحد
|
٦. وفي تفسيره لقوله تعالى (إِذْ أَنتُم
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى) .
يذكر الشيخ الطوسي في قراءة (بِالْعُدْوَةِ) :
|
قرا ابن كثير وابو عمرو (بِالْعُدْوَةِ) بكسر العين ، الباقون بضمّها ، وهما
لغتان ، قال الراعي في الكسر :
|
وعينان حمرٌ ماقيهما
|
|
كما نظر العدوة الجوذر
|
|
وقال اوس بن حجر في الضم :
|
__________________
وفارس لايحل الحي عدوته
|
|
ولوا سراعا وماهموا باقبال
|
٧. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَلاَ تَكُ
فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ)
قوله في
قراءة (ضَيْقٍ)
« قرا ابن كثير واسماعيل عن نافع (ضَيْقٍ) بكسر الضاد ، الباقون بفتحها » وهنا
يوردالمفسر حجة من فتحها بقوله :
|
فمن فتح اراد (ضَيْقٍ) مخفف مثل سيد وسيد ، وميت وميت وهين
وهين ، ويجوز ان يكون اراد جمع ضيقة.
|
ويستشهد بقول الشاعر :
كشف الضيقة عنّا وفسح .
الشعر
رغم الموقف السلبي الذي اتخذه الشيخ
الطوسي ازاء الشعر ، الّا انّه لم يستبعده عن التفسير وكثيراً ماكان يستشهد به في
توضيح معنىً او تبيين لفظٍ او تحديد مفهومٍ.
ويبدو ان مفسرنا قد لجا إلى الاستشهاد
بالشعر في تفسيره للايات القرآنية مكرها ، وهذا ماصرح به في مقدمة تفسيره ، حيث
يقول :
|
ولولا عناد الملحدين وتعجرفهم ، لما احتيج
إلى الاحتجاج بالشعر وغيره للشيء المشتبه في القرآن ، لان غاية ذلك ان يستشهد
عليه ببيت شعر جاهلي ، او لفظ منقول عن بعض الاعراب ، او مثل سائرٍ عن بعض أهل
البادية ، ولاتكون منزلة النبي 9 اقل من منزلة واحد من هؤلاء ، ولاينقص عن رتبة النابغة
الجعدي ، وزهيربن الكعب وغيرهم ، ومن طرائف الامور ان المخالف اذا اورد عليه شعر
من ذكرناهم ومن هم دونهم سكنت نفسه ، واطمان قلبه ، هو لايرضى بقول محمد بن عبد
الله بن عبدالمطلب ومهما شكّ
|
____________
|
الناس في نبوته ، فلامرية في نسبه
وفصاحته ، فانه نشا بين قومه ، الذين هم الغاية القصوى في الفصاحة ويرجع اليهم
في معرفة اللغة .
|
ثم يستطرد الطوسي مبرّراً ـ استشهاده
بالشعر فيقول :
|
وانما يحتج علماء الموحدين بشعر
الشعراء وكلام البلغاء اتساعا في العلم وقطعا للشغب وازاحة للعلة .
|
وقد اكثر المفسر من الاستشهاد بالشعر في
اكثر من موضوع ، فتارة يستشهد بابيات منه في ترجيح راي نحوي ، وتارة لتاكيد صحة
قراءة واخرى لتوضيح معنى كلمة في اية ، وقد احتوى التفسير على الف وتسعمائة واثنين
واربعين بيتاً (١٩٤٢) من الشعر قالها جمع من الشعراء ، بلغ مجموع من ذكر الطوسي
اسماءهم مائتين وخمسة وتسعين (٢٩٥) شاعراً ، فضلا عن اولئك الذين اعرض عن ذكرهم ،
ولعل اعراضه عن ذكر اسمائهم مرده إلى الموقف السلبي الذي وقفه الطوسي من الشعر ،
اساسا وليس لجهله بهم او نسيانه لاسمائهم ، وانما يرجع ذلك كله إلى عدم اكتراثه
باشعارهم في موضع التفسير لايات القرآن المجيد.
وقد يسهب المفسر احيانا ، فيذكر جملة من
الاشعار لتحديد المعنى القرآني بينما نجده في مكان اخر من التفسير ، يذكر بيتاً
واحداً ، او بيتين ، واحياناً اخرى يستشهد بشطر او عجز فقط.
وفيما يلي نبين مدى التفاوت العددي في
استشهادات المفسر بالشعر ، ففى استشهاده بعدد من الابيات الشعرية لتوضيح المعنى
نورد الامثلة التالية :
١. عند تفسيره لمعنى الدين من قوله
تعالى : ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقول الشيخ الطوسي :
والدين الحساب والدين الجزاء أيضاً ثم
يستشهد ببيتين من الشعر احدهما لكعب بن جعيل :
اذا ما رمونا رميناهم
|
|
ودناهم فوق مايقرضونا
|
__________________
والبيت الاخر لشاعر لم يذكر اسمه :
« واعلم وايقن ان ملكك زائلٌ
|
|
واعلم بانك ماتدين تدان »
|
ويورد بعد ذلك اراء لجماعة من التابعين
بهذا المعنى.
ثم يستشهد بابيات اخرى لبيان معان اخر
لكلمة ( الدين ) فيذكر لعمروبن كلثوم بيتاً يشير به إلى ان الدين الطاعة :
« وايام لنا غر طوال
|
|
عصينا الملك فيها ان ندينا »
|
ثم يذكر الدين بمعنى الملك ويورد بيتاً
لزهير :
« لئن حللت بجو في بني اسدٍ
|
|
في دين عمرو وحالت بيننا فدك »
|
كما وذكر معنى اخر للدين هو القهر والاستعلاء
ويستشهد ببيت للاعشى :
« هو دان الرباب اذ كرهوا الدي
|
|
ن دراكا بغزوة وحيال »
|
ويورد له معنى اخر هو العادة ويستشهد
ببيت للمثقب العبدي :
« تقول وقد درات لها وضيني
|
|
اهذا دينه ابداً وديني »
|
٢. وفي تفسيره لقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ)
يقول المفسر
في قوله : « كتب انها بمعنى فرض » ويستشهد ببيت لشاعر :
« كتب القتل والقتال علينا
|
|
وعلى المحصنات جر الذيول »
|
ثم يستشهد ببيت للنابغة الجعدي :
« يابنت عمي كتاب الله اخرجني
|
|
عنكم فهل امنعن الله مافعلا »
|
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ
مِّنَ السَّمَاءِ)
يقول الشيخ
الطوسي :
قيل : ان « او » قدتستعمل بمعنى الواو
كما تستعمل للشك بحسب مايدل عليه سياق الكلام ، ويستشهد بعد ذلك ببيتين من الشعر
الاول لتوبة بن الحمير حيث يقول :
__________________
« وقدزعمت ليلى باني فاجرٌ
|
|
لنفسي تقاها او عليها فجورها »
|
والاخر لجرير حيث يقول :
« نال الخلافة او كانت له قدراً
|
|
كما اتى ربه موسى على قدر »
|
٤. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَالَّذِي خَبُثَ
لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا)
:
|
فالنكد العسر بشدته الممتنع من اعطاء
الخير على وجه البخل تقول : نكد ، ينكد ، نكداً ، فهو نكد ونكد وقدنكد اذا سئل
فبخل ونكد ينكد نكداً.
|
ثم يستشهد بعد ذلك ببيتين لشاعرين لم
يذكرهما الاول :
« لاتنجز الوعد ان وعدت وان
|
|
اعطيت اعطيت تافها نكدا »
|
والاخر :
« واعط مااعطيته طيبا
|
|
لاخير في المنكود والناكد »
|
٥. وفي تفسيره لكلمة (صَلَوَاتِ) من قوله تعالى : (وَيَتَّخِذُ
مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ الله وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ)
يقول :
|
وقال ابن عباس والحسن : معنى صلوت
الرسول : استغفاره لهم ، وقال قتادة :
معناه دعاؤه بالخير والبركة ، ثم
يستشهد ببيتين للاعشى :
|
تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً
|
|
يارب جنب ابي الاوصاب والوجعا
|
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
|
|
نوما فان لجنب المرء مضطجعا
|
٦. وفي تفسيره للآية (فَنَادَاهَا
مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)
__________________
يبين معنى « سريا » فيقول :
|
وقيل للنهر « سرى » لانه يسري بجريانه
كما قيل : جدول لشدة جريه ، ثم يستشهد بعدذلك ببيتين الاول للشاعر لبيد :
|
فتوسطا عرض السري فصدعا
|
|
مسجورة متجاوراً اقلامها
|
|
والبيت الاخر لشاعر لم يذكر اسمه :
|
سلم ترى الدالي منه ازورا
|
|
اذا يعج في السري هرهرا
|
٧. وفي تفسيره لقوله (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ
بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم)
قال في معنى (تَلَقَّوْنَهُ)
|
وهو الاستمرار على الكذب ومنه : ولق
فلان في السير اذا استمر به ، ويقال : في الولق من الكذب ، الالق والالق تقول :
القت وانتم تالقونه.
|
ويستشهد بعد ذلك الشيخ الطوسي بقول
الفراء :
« من لي بالمرر واليلامق
|
|
صاحب ادهان والق الق »
|
ثم يستشهد ببيت لشاعر اخر ولكنه لم يذكر
اسمه :
جاءت به عنس من الشام تلق »
|
|
جاءت به عنس من الشام تلق »
|
وانشد أيضاً :
ان الحصين زلقٌ وزملق
|
|
جاءت به عنس من الشام تلق
|
|
مجوع البطن كلاليم الحلق .
|
٨. وعند تفسيره لقوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنَا
بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا)
يبين معنى ( حاصبا ) فيقول : « وهو الريح العاصفة التي فيها حصباء ، وهي الحصى
الصغار وشبه به البرد والجليد » ، ثم يستشهد بقول الاخطل :
ولقد علمت اذا العشار تروحت
|
|
هدج الرئال تكبهن شمالا
|
__________________
ترمى الرياح بحاصب من ثلجها
|
|
حتى تبيت على العضاة جفالا
|
ثم يستشهد ببيت للفرزدق فيقول :
« مستقبلين شمال الشام يضربنا
|
|
بحاصب كنديف القطن منثور »
|
٩. وفي تفسيره لقوله تعالى : (فَمَا بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)
يقول الطوسي
:
|
والعرب تقول اذا ارادت ان تعظم موت
انسان ، اظلمت الشمس وكسف القمر لفقده وبكت السماء والارض ، وانما يريدون
المبالغة.
|
ثم يستشهد المفسر لشاعرين لم يذكر
اسمهما :
الاول :
الريح تبكي شجوها
|
|
والبرق يلمع في الغمامة
|
الثاني :
والشمس طالعة ليست بكاسفة
|
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمر
|
وكما يستشهد الطوسي بمجموعة من الابيات
الشعرية في بيان المعنى ، نجده يستعين ببيت واحد للتوضيح احيانا وعليه نورد بعض
الامثلة :
١. فعند تفسيره لقوله تعالى (مُّذَبْذَبِينَ
بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء)
يقول الطوسي في كلمة (مُّذَبْذَبِينَ) واصل التذبذب التحرك والاضطراب ، ثم
يستشهد ببيت للنابغة :
الم تر ان الله اعطاك سورةً
|
|
ترى كل ملك دونها يتذبذب
|
٢. وفي تفسيره لقوله تعالى : (فَهُمْ فِي
أَمْرٍ مَّرِيجٍ)
__________________
بين معنى ( الرَّجْفَةُ
) فقال :
« قال مجاهد والسدي » : الرجفة : الصيحة
، وقال اخرون : هي زلزلةٌ اهلكوا بها ، ثم يستشهد ببيت للاخطل :
اما تريني حناني الشيب من كبر
|
|
كالنشر ارجف والانسان مهدود
|
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى (وَكَانُوا قَوْمًا
بُورًا)
يوضح الطوسي معنى ( بوراً
) فيقول :
|
والبور الفاسد ، ويقال : بارت السلعة
تبور بوراً اذا بقيت لاتشترى بقاء الفاسد الذي لايراد ، والبائر الباقي على هذه
الصفة ، والبور مصدر كالزور لايثنى ولايجمع ولايؤنث ، وقيل هو جمع ( بائر ).
|
ويستشهد في ذلك الشيخ الطوسي ببيت لابن
الزبعرى :
« يا رسول المليك ان لساني
|
|
راتق مافتقت اذا انا بور »
|
٤. وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ
مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ)
يقول في معنى (فَارِهِينَ) قيل :
|
هو الفرح المرح ، ويستشهد ببيت لشاعر
لم يذكر اسمه :
|
لا استكين اذا ما ازمة ازمت
|
|
ولن تراني بخير فاره اللبب
|
٥. وفي تفسيره لقوله تعالى : (مِن مَّارِجٍ
مِّن نَّارٍ)
يقول : « وقوله (مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) : اي مرسل الشعاع بانتشاره » ، ثم
يستشهد الشيخ الطوسي ببيت لابي ذؤيب ، يبين فيه معنى (مَّرِيجٍ) من قوله تعالى (فَهُمْ فِي
أَمْرٍ مَّرِيجٍ)
:
__________________
« فحالت فالتمست به حشاها
|
|
فخر كانّه غصنٌ مريج »
|
٦. وفي تفسيره لقوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنَا
إِيَابَهُمْ)
يذكر معنى «
الاياب » فيقول :
|
فالاياب : الرجوع ، اب اوباً ، واياباً
وتاوّب تاوّباً ، واوَّب يؤوَّب تاويباً ، ويقال : ايب اياباً ، على ( فيعل ،
فيعالا ) من الاوب ، وعلى هذا قرى ء في الشواذ ( ايابهم
)
بالتشديد.
|
ثم يستشهد الشيخ الطوسي ببيت لعبيد :
« وكل ذي غيبة يؤوب
|
|
وغائب الموت لايؤوب »
|
٧. وفي تفسيره لقوله تعالى (لاَّ إِلَـهَ
إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ)
يقول في (سُبْحَانَهُ) ومعنى (سُبْحَانَهُ) : براءة الله من السوء ويستشهد بقول
الاعشى :
« اقول لماجاءني فخره
|
|
سبحان من علقمة الفاخر »
|
وقديقتصر المفسر احياناً على ذكر شطر
بيت او عجزه فقط ، فلايطيل الوقوف مع القوافي ، وانما ياخذ منها ماتتطلبه الحاجة
ومايقتضيه الموقف وكما في الامثلة التالية :
١. يذكر الشيخ الطوسي في تفسيره ( أَلَم
) من سورة
البقرة : « ان العلماء اختلفوا في معنى اوائل السور » ويذكر اراءهم ، ثم يبين
فائدتها ويقول : « وفائدتها ان يعلم ابتداء السورة وانقضاء ماقبلها ، وذلك معروف
في كلام العرب » ، ثم يستشهد بشطرين لشاعرين لم يذكرهما :
« بل وبلدة ما الانس من اهالها ».
والاخر :
« بل ماهيج احزاناً وشجواً قدشجا ».
وهنا نلاحظ مما تقدم ان الشيخ الطوسي
استدل بهذين الشطرين ليبين ان « بل ، ليست
__________________
من الشعر » .
٢. وفي تفسيره لمعنى قوله تعالى : (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ
خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ)
يقول الشيخ الطوسي
: « الامة المملوكة ، يقال : اقرت بالاموة اي بالعبودية واميت فلانة ، وتاميتها
اذاجعلتها امة » ، ثم يستشهد بشطر بيت لرؤبة ، ولكنه لم يذكر اسمه :
يرضون بالتعبيد والتامي .
٣. وفي تفسيره لقوله تعالى : (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)
يبين معنى العقل فيقول :
والعقل : هو الامساك عن القبيح وقصر
النفس وحبسها على الحسن ، والحجا أيضاً احتباس ، وتمكث ، ويستشهد بشطر للعجاج ولم
يذكر اسمه :
« فهن يعكفن به اذا حجا ».
والشطر الثاني للاصمعي :
« حيث يحجا مطرق بالفالق » .
٤. وعند تفسيره لقوله تعالى (وَلَيُبَدِّلَنَّهُم
مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)
يتطرّق لمعنى
التبديل ، فيقول :
|
التبديل : تغيير حالٍ إلى حالٍ اخرى ،
تقول بدل صورته تبديلاً ، وتبدل تبدلاً ، والابدال : رفع الشيء بان يجعل غيره
مكانه.
|
ثم يستشهد بقول ابي النجم :
« عزل الامير بالامير المبدل » .
__________________
٥. وفي تفسيره لقوله تعالى : (إِذَا هُمْ
يَقْنَطُونَ)
يقول : « اي يياسون من رحمة الله ، والقنوط : الياس من الفرج » ، ويستشهد بعد ذلك
بشطر بيتٍ لجهد الارقط :
« قد وجدوا الحجاج غير قانط » .
٦. وعند تفسيره لمعنى الوسوسة في قوله
تعالى : (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)
يقول :
|
الوسوسة حديث النفس بالشيء في خفاء ،
ومنه قوله : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ) ومنه « الوسواس » ، كثرة حديث النفس
بالشيء من غير تحصيل.
|
ثم بعد ذلك يستشهد بشطر بيت لرؤبة :
« وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق » .
٧. وعند تفسيره لقوله تعالى (وَكَأْسًا دِهَاقًا)
يقول في معنى الكاس :
« الكاس : الاناء اذا كان فيه شراب ،
وقيل : الكاس : اناء الخمر الذي يشرب منه » ، ويستشهد بقول الشاعر :
وهكذا يستعين الشيخ الطوسي بالشعر ،
لاستيضاح المعنى وتقريبه إلى الاذهان وهو بذلك يكون قد احاط بعدد هائل من شعر
الشعراء ، واجاد استخدامه في مواضعه المناسبة ، الامر الذي يؤكد سعة اطلاع المفسر
وطول باعه في معرفة الشعر والشعراء ليضيف إلى ثقافته الموسوعية رصيدا ، اخر ، قد لايحصل
عليه الا المتخصصون في هذا الميدان ، وبذلك يقف الباحث امام مفسرنا فيجده لغويّاً
وناقداً واديباً قد حوى من كل شيءٍ شيئاً ، مما اضفى على تفسيره اهميةً خاصةً
باعتباره كتاباً تفسيرياً حوى من الفنون والاداب صنوفاً شتى ، لمن اراد ان يتدبّر
او اراد مزيداً.
__________________
وكما استعان الطوسي بالشعر لتوضيح
المعاني ، نجده يستخدم الامثال التي قالتها العرب ، ويستدل بها على صحة معنى او
يستفيد منها في ايضاح مراد ، وان كان موقفه منها لايختلف عن موقفه عن شعر الشعراء
، فيذكرها مضطرا ، وقد احتوى التبيان على
بعض الامثال نورد قسما منها مع استشهاده بها في الامثلة التالية :
١. وعند تفسيره لمعنى « المراء » في
قوله تعالى (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)
يقول :
« المرية الشك ، ومنه الامتراء والتمارى
والمماراة والمراء ، واصل الباب الاستدرار » ، ثم بعد ذلك استشهد بالمثل التالي :
« بالشكر تمترى النعم ».
« اي تستدر » .
٢. وفي معرض تفسيره لقوله تعالى: (يُرِيدُ
الله بِكُمُ الْيُسْرَ)
يبين معنى
الارادة بقوله:
« الرود : الميل » ، ويدعم قوله بهذا
المثل :
« الرائد لايكذب اهله » .
٣. وفي قوله تعالى : (وَاللّهُ عَزِيزٌ
ذُو انتِقَامٍ)
يبين اصل
كلمة (عَزِيزٌ) لغة بقوله:
« واصل الاعزاز الامتناع ومنه ارض عزاز
ممتنعة السكون لصعوبتها » ، ويعزز رايه بهذاالمثل :
« من عز بز » .
٤. وعند تفسيره لقوله تعالى : (مَنْ أَنصَارِي
إِلَى اللّهِ)
يشير إلى معنى
(إِلَى)
ويقول :
|
وانما جاز ان يكون ( إلى
) بمعنى « من
» لمادخل الكلام من معنى الاضافة ، ومعنى الصاحبة.
|
فيورد المفسر مثالا على ذلك حيث يقول :
« ونظيره ( الذود إلى الذود ابل ) اي مع
الذود » .
٥. في تفسيره لقوله تعالى : (فَتَكُونَا
مِنَ الْظَّالِمِينَ)
... يبين
الشيخ الطوسي معنى الظلم ، حيث يقول : « واصل الظلم انتقاص الحق لقوله تعالي (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ
آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا )
اي لم تنقص » ، ثم يورد الشيخ الطوسي رايا اخر مقاربا له بقوله : « وقيل : اصله ،
وضع الشيء في غير موضعه » ثم يدعم هذا الراي بالمثل :
« من يشبه اباه فما ظلم » .
٦. ويبين معنى الرهبة من قوله تعالى : (وَإِيَّايَ
فَارْهَبُونِ)
... يقول :
« ورهبه : اذا خاف من شيء ، ومنه اشتقاق
الراهب ، والاسم الرهبة » ، ثم يدعمه بالمثل:
« رهبوت خير من رحموت » .
وهكذا نجد مفسرنا متتبعا لما من شانه ان
يسهم في توضيح معنى الآيات القرآنية ومفرداتها ، فلايدع بابا للفهم الا ولجه ،
ولاطريقا لمعرفة النص القرآني الا وسلكه ، وقد تاتي استشهاداته بامثال العرب من
هذا الباب وبغية الوقوف على ما امكنته الطاقة والجهد في سبيل التفسير الادق
والتوضيح الاوفى لمعاني الكتاب العزيز.
__________________
أسماء الشعراء الذين استشهد الشيخ
الطوسي بأشعارهم ، مرتبة حسب الاعداد التي وردت في تفسير التبيان :
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
|
اسم الشاعر
|
عدد الابيات
|
الأعشى
|
٩٢
|
|
القطامي
|
١٠
|
النابغة
|
٥٥
|
|
اعشي بني ثعلبه
|
٨
|
امرؤ القيس
|
٥٥
|
|
الشماخ
|
٨
|
جَرير
|
٥٠
|
|
الطرماح
|
٨
|
رؤبة
|
٤٦
|
|
النمر بن تولب
|
٨
|
لبيد
|
٤١
|
|
ابو عمرو الهذلي
|
٧
|
زهير
|
٣٩
|
|
ابن احمر
|
٧
|
ذوالرمه
|
٣٦
|
|
حميد بن ثور
الهلالي
|
٧
|
الفرزدق
|
٣٤
|
|
الخنساء
|
٦
|
العجاج
|
٢٨
|
|
العباس بن مرداس
|
٦
|
الاخطل
|
٢٠
|
|
عبيد بن الابرص
|
٦
|
حسان بن ثابت
|
٢٠
|
|
عمرو بن كلثوم
|
٦
|
عنتره
|
٢٠
|
|
ابو الداود
|
٥
|
ابو ذؤيب
|
١٩
|
|
الحارث بن حلزّه
|
٥
|
الحطيئه
|
١٧
|
|
المخبل السعدي
|
٥
|
النابغه الجعدي
|
١٧
|
|
علقمه بن عبده
|
٥
|
عدي بن زيد
|
١٦
|
|
المرقش الاصغر
|
٤
|
الكميت
|
١٥
|
|
توبه بن الحمير
|
٤
|
اميّه بن ابي
الصلت
|
١٥
|
|
جميل بن معمر
|
٤
|
طرفه بن العبد
|
١٥
|
|
حاتم طي
|
٤
|
أوس بن حجر
|
١٤
|
|
عبد الله بن قيس
الرقيّات
|
٤
|
تميم بن مقبل
|
١٢
|
|
عمربن ابي ربيعة
|
٤
|
ابو النجم
|
١١
|
|
كعب بن جعيل
|
٤
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
|
اسم الشاعر
|
عدد الابيات
|
كعب بن سعد الغنوي
|
٤
|
|
الينخل بن نسيع
|
٢
|
كعب بن مالك
|
٤
|
|
تميم بن أبي/بشربن
أبي خازم
|
٢
|
مهلهل
|
٤
|
|
جُندب بن المثنى
|
٢
|
ابو الأسود الدؤلي
|
٣
|
|
خفاف
|
٢
|
ابو زيد
|
٣
|
|
ذو الإصبع
|
٢
|
الاضبط بن قريع
|
٣
|
|
راعي نمير
|
٢
|
الاسدي
|
٣
|
|
زياد الاعجم
|
٢
|
الراعي
|
٣
|
|
زيد الخيل
|
٢
|
الشنفري
|
٣
|
|
عامر بن الطفيل
|
٢
|
الفقعسي
|
٣
|
|
عبيد
|
٢
|
ساعدة بن جؤيه
|
٣
|
|
عتيبه بن شهاب
اليربوعي
|
٢
|
عبيد بن الابرص
|
٣
|
|
غيلان
|
٢
|
علقمه
|
٣
|
|
قيس
|
٢
|
عمرو بن معديكرب
|
٣
|
|
ليلي الاخيليه
|
٢
|
ابو طالب
|
٢
|
|
مزاحم العقيلي
|
٢
|
ابو كثير الهلالي
|
٢
|
|
ورقه بن نوفل
|
٢
|
ابو نخيلة السعدي
|
٢
|
|
ابراهيم بن عمران
الصلت
|
١
|
الاسود بن يعفر
|
٢
|
|
ابن الدمينه
|
١
|
الاغلب الحجلي
|
٢
|
|
ابن بيض
|
١
|
الحارث بن وعلة الشيباني
|
٢
|
|
ابن صغير
|
١
|
الحارثي
|
٢
|
|
ابن عبيده الهذلي
|
١
|
الحارث بن خالد
|
٢
|
|
ابن عبد ربه
|
١
|
المثقب العبدي
|
٢
|
|
ابن عمير
|
١
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
ابن الزبعري
|
١
|
|
الثقفي
|
١
|
ابن مفرغ
|
١
|
|
الحارث بن عباد
|
١
|
ابن مياده
|
١
|
|
الحسن بن عرفطة
|
١
|
ابن هرمة
|
١
|
|
الخواني
|
١
|
ابو الحسن
|
١
|
|
الربيع بن ضبع
الفراري
|
١
|
ابو جلدة اليشكري
|
١
|
|
العامرية
|
١
|
ابو الزحف
|
١
|
|
العرجي
|
١
|
ابو جندب الهذلي
|
١
|
|
المعلي بن جمال
العبدي
|
١
|
ابو الطحان
|
١
|
|
الصلتان العبدي
|
١
|
ابو حيان
|
١
|
|
المسيب بن علس
|
١
|
ابو خراش
|
١
|
|
المعطل
|
١
|
ابو داود الازدي
|
١
|
|
المرار الاسدي
|
١
|
ابو زبيد الطائي
|
١
|
|
بشر بن ابي خازم
|
١
|
ابو قيس بن رفاعة
|
١
|
|
تأبّط شراً
|
١
|
ابو كبير الهذلي
|
١
|
|
تبع
|
١
|
ابو محمد الثقفي
|
١
|
|
تميم بن أبي
|
١
|
احيحه بن الجلال
|
١
|
|
جبير بن الضحّاك
|
١
|
اخت كلمن
|
١
|
|
جذيمة بن الأبرش
|
١
|
اعشي همدان
|
١
|
|
جؤية بن عائذ
|
١
|
الابرد الرياحي
|
١
|
|
حاضنة الأحنف
|
١
|
الاسود بن يعفر
|
١
|
|
حسين بن صمصم
|
١
|
الاسعر الجحفي
|
١
|
|
حريم الهمداني
|
١
|
ارطاةبن سهيه
|
١
|
|
حطائط بن جعفر
|
١
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
حكيم بن معيّة
|
١
|
|
شريح بن اوفي
|
١
|
ضابيء البرجمي
|
١
|
|
صخر السلمي
|
١
|
خداش بن زهير
|
١
|
|
عامر الخصفي
|
١
|
خزيمة بن مالك
|
١
|
|
عامر بن الحارث
|
١
|
خويلدبن نوفل
الكلابي
|
١
|
|
عامر بن جوين
|
١
|
دريدبن زيد
|
١
|
|
عامر بن مالك
|
١
|
دكين بن رجاء
|
١
|
|
عبد الله بن رواحة
|
١
|
ذو الخرق
|
١
|
|
عبد الرحمن بن
حسان
|
١
|
ذو جدن الحميري
|
١
|
|
عبد المطلب
|
١
|
زيادبن الأعجم
|
١
|
|
عدي بن الرقاع
|
١
|
زيد بن جنيه
|
١
|
|
عبدقيس بن خفاف
البرجمي
|
١
|
زيد بن عمر بن
زهير
|
١
|
|
عمار بن أيمن
|
١
|
زيد بن عمرو بن
نفيل
|
١
|
|
غفير بن الحارث
|
١
|
زهير بن جذيمة
|
١
|
|
عروة بن الورد
|
١
|
سابق البربري
|
١
|
|
علقمة بن قرط
|
١
|
سحيم الرياحي
|
١
|
|
علقمة بن عوف
|
١
|
سديربن عنقاء
|
١
|
|
عمر بن حطان
|
١
|
سعيد بن مالك
|
١
|
|
عمرو بن شاس
|
١
|
سليمان بن قتنة
|
١
|
|
عنتره بن دجاجه
|
١
|
سويدبن أبي كاهل
|
١
|
|
عوف بن الخرع
|
١
|
سويدبن أبي الصامت
|
١
|
|
عوف بن عطية
|
١
|
سويد بن كراع
|
١
|
|
عوف بن الخزرج
|
١
|
شاعر غطفان
|
١
|
|
|
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
|
اسم الشاعر
|
عدد الأبيات
|
عبدة بن الطبيب
|
١
|
|
مالك بن الحارث
الهذلي
|
١
|
عمير بن طارق
|
١
|
|
محمد بن نمير
الثقفي
|
١
|
عبيدة بن همام
|
١
|
|
متمم بن نويرة
|
١
|
عذافر الفقيمي
|
١
|
|
مسكين الدارمي
|
١
|
عروة بن حزام
|
١
|
|
مجنون بني عامر
|
١
|
غياض بن درة
|
١
|
|
هدبةبن خشرم
|
١
|
مزرد
|
١
|
|
هُمّام بن مُرّة
|
١
|
فرعان بن الأعرف
|
١
|
|
هُمّام بن قحافة
|
١
|
قعنب بن أبي صاحب
|
١
|
|
وضاح اليمن
|
١
|
قيس بن الخطيم
|
١
|
|
يزيد بن جنبة
|
١
|
قيس بن جعدة
|
١
|
|
يزيد بن خوغ
|
١
|
كثير
|
١
|
|
يزيد بن مفرغ
الحميري
|
١
|
|
|
|
يزيد بن يربوع
|
١
|
الباب
الثالث :
علوم القرآن والعقائد
الفصل الاول : الشيخ الطوسي
وعلوم القرآن
الفصل الثاني : الشيخ الطوسي
وعقائد الامامية
الفصل
الأول :
شيخ الطوسي وعلوم القرآن
النسخ في القرآن
الكريم
يطلق النسخ لغة على :
١. النقل ، فقدجاء في لسان العرب :
|
نسخ الشيء ينسخه نسخاً وانتسخه
واستنسخه اكتتبه عن معارضه ، النسخ اكتتابك كتاباً عن كتابٍ حرفاً بحرف ، والاصل
نسخه والمكتوب عنه نسخه ، لانه قام مقامه ، ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّا
كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) اي نستنسخ ماتكتب الحفظة من الملائكة الكرام فيثبت عند
الله .
|
٢. الابطال ، فقدجاء في اللسان :
|
النسخ : ابطال الشيء واقامة اخر مقامه
ومن ذلك قوله تعالى : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) .
والعرب تقول ، نسخت الشمس الظل
وانتسخته ازالته ، والمعنى اذهبت الظل وحلت
|
__________________
|
محله.
ومن الابطال مايقال : نسخت الريح اثار
الديار ، اي غيرتها ، وابطلتها وازالتها ، وهو رفع الحكم وابطاله من غير ان يقيم
له بدلاً .
|
وقدكانت لفظة النسخ تعني عند الصحابة
والتابعين مطلق التغيير الذي يطرا على بعض الأحكام ، سواء رفعها وحل محلها ، او خص
مافيها من عموم ، او قيد مافيها من اطلاقٍ ، وامثالها من اساليب البيان .
|
ثم جاء المفسرون فيما بعد ليجعلوا
كلمة النسخ تعني مايشمل التخصيص والتقييد والاستثناء وترك العمل بالحكم لانتهاء
امده ، او لتغيير ظرفه ، او تبدل موضوعه وغيرها .
|
.النسخ في الاصطلاح :
|
اصطلح الاصوليون على النسخ بانه رفع
الحكم الشرعى بدليل شرعي متاخرٍ ، وبهذا فان النسخ يعني رفع حكم النص بعد ان
يكون ثابتاً .
|
« وانه ليس لاحد ان ينكر على الشارع او
يرفض قوله بالنسخ » .
وقداتفق جمع من العلماء على جواز النسخ
عقلاً وسمعاً ، اذ لامحظور فيه عقلاً ، ولولم يكن جائزاً عقلاً وواقعاً لماجوز
المنكرون له ان يامر الشارع عباده بامرٍ مؤقت ينتهي بانتهاء وقته. وكذلك لولم يكن
النسخ جائزاً لكانت الشرائع الاولى باقيةً ، ولو كانت باقيةً ماثبتت رسالة سيدنا
محمد 9 إلى الناس
كافةً وقد نص القرآن
الكريم على وجودالنسخ ، فقال تعالى : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)
وقال أيضاً (يَمْحُو الله مَا يَشَاء
__________________
وَيُثْبِتُ
وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
وقوله تعالى
: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ
أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ
يَعْلَمُونَ)
.
والتبديل هنا يتالف من رفع الاصل واثبات
البدل ، وذلك هو النسخ سواءاً كان المرفوع تلاوة ام حكما.
وهناك من يرفض النسخ ويستنكر وقوعه في
القرآن الكريم ، ومنهم المفسر ابو مسلم بن بحر ( ت ٣٧٢ ه ) حيث يقول الفخر الرازي
: « اتفق الجمهور على وقوع النسخ في القرآن الكريم وقال ابو مسلم بن بحر : انه لم
يقع » مستندا في
ذلك إلى قوله تعالى : (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ
مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) وشبهته في الاستدلال ان هذه الآية تفيد
بان احكام القرآن لاتبطل ابداً ، والنسخ فيه ابطال لحكمٍ سابقٍ ، ولعلّ هذا التاويل بعيدٌ عن ظاهر
الآية التي تفيد بان احكام القرآن موافقةٌ للعقل ، وان اخباره مطابقة للواقع ،
والفاظه محفوظة من التغيير والتبديل ، ولربما يكون هذا المعنى اقرب إلى اثبات
النسخ ووقوعه منه إلى نفيه وامتناعه ، لان النسخ تصرف الهي حكيمٌ تقتضيه الحكمة ،
وترتبط به المصلحة .
وقد اجمعت الإماميّة على ان الحكم الثابت
في القرآن ينسخ باية اخرى ، فمرةً تكون هذه الآية الناسخة ناظرةً إلى الحكم
المنسوخ ومبينةً لرفعه ، ومرّةً اخرى تكون الآية الناسخة غير ناظرة إلى الحكم
المنسوخ ، وانما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم بان الآية المتاخرة
ناسخةٌ لحكم الآية المتقدمة .
اما السنة فهي لاتنسخ القرآن سواءاً
كانت متواترةً او احاداً وذلك لان مثل هذا النسخ
__________________
مخالفاً للاخبار
المتواترة بعرض الاخبار على الكتاب وطرح ماخالفه والرجوع إليه .
والى هذا الراي يذهب الامام الشافعي
أيضاً فيقول :
|
انما نسخ مانسخ من الكتاب بالكتاب وان
السنة لاناسخةً للكتاب ، وانما هي تبع الكتاب بمثل مانزل نصا ومفسرةٌ معنى ما انزل
الله منه جملاً .
|
في حين اجاز الجمهور نسخ الكتاب بالسنة ، وان اجمعوا على ان خبر الواحد لاينسخ
القرآن باعتبار ان الظني لايقاوم القطعي فيبطله ، ويرى الشيخ الطوسي ان النسخ في القرآن
لايخلو من ثلاثة اقسامٍ
:
|
احدها : نسخ حكمه دون لفظه كاية العدة
في المتوفّى عنها زوجها المتضمنة للسنة فان الحكم منسوخٌ والتلاوة باقيةٌ ، وذلك
في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ
فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وهذه الآية ناسخةٌ لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْرَاجٍ) وكذلك الحال في اية النجوى حيث قوله تعالى : (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) .
|
يقول الشيخ الطوسي :
|
فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بالاية
التي بعدها ، فقال ناسخاً لهذا الحكم ( أَأَشْفَقْتُمْ
أَن
|
__________________
|
تُقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
... ) .
وكذلك وجوب ثبات الواحد للعشرة في
حالة الحرب كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) وقد نسخت هذه الآية بما بعدها ، حيث يقول تعالى : (الآنَ
خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ
صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ
بِإِذْنِ الله وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
|
يقول الشيخ المفسر :
|
هذه الآية نسخت حكم ماتقدمها ، لان في
الاولى كان وجوب ثبات الواحد للعشرة والعشرة للمائة ، فلما علم الله تعالى ان
ذلك يشق عليهم ، وتغيرت المصلحة في ذلك ، نقلهم إلى ثبات الواحد للاثنين والمائة
للمائتين ، فخفف ذلك عنهم ، وهو قول ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد
والسدي وعطاء والبلخي والجبائي والرماني وجميع المفسرين .
ومن كل ماتقدم يكون الحكم مرتفعاً
ومنسوخاً بينما التلاوة باقيةٌ ، وهذا يبطل قول من منع جواز النسخ في القرآن ،
لان الموجود بخلافه .
الثاني : مانسخ لفظه دون حكمه كاية
الرجم ، فان وجوب الرجم على المحصنة لاخلاف فيه ، والاية التي كانت متضمنة له
منسوخة بلاخلافٍ ، وهي قوله : ( والشيخ والشيخة اذازنيا فارجموهما البتة فانهما
قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالاً من الله واللّه عزيزحكيم ) .
الثالث : مانسخ لفظه وحكمه :
|
__________________
|
وذلك نحو مارواه المخالفون عن عائشة :
انه كان فيما انزل الله ان عشر رضعاتٍ تحرمن ، ونسخ ذلك بخمس عشرة ، فنسخت
التلاوة والحكم .
|
وهكذا يوضح الشيخ الطوسي ان النوع
الثالث من النسخ والمتضمن نسخ اللفظ والحكم لاوجود له في القرآن. وهذا يتضح من
ايراده لعبارة مارواه المخالفون ، وكانه يشنع بهم من خلال مارووه. حين يقولون : « ونسخ
ذلك بخمس عشرة » وهو مالا يحتويه الكتاب العزيز اصلا فيدحض بذلك زعمهم وينفي وقوع
مثل هذا النسخ في القرآن الكريم ، كما وانه قد ذكر عبارة قبل هذا يقول فيها : « ولايخلو
النسخ في القرآن من اقسام ثلاثة »
ثم ذكرها ليبين للقارئ ان بعض هذه الانواع قد يرد في القرآن ، وان بعضها قد لايصح
ولايرد كما هوالحال في النوع الثالث من الانواع التي ذكرها.
ويؤكد الشيخ الطوسي ان القرآن لاينسخ
بحديثٍ لائمة أهل البيت 7
وذلك في معرض رده على البلخي الذي يقول في كتاب التفسير :
|
قال قوم ـ ليسوا ممن يعتبرون ولكنهم
من الامة على حال ـ ان الائمة المنصوص عليهم بزعمهم مفوض اليهم نسخ القرآن
وتدبيره ....
|
فيرد عليه مفسرنا بقوله :
|
واظن انه ـ يعني البلخي ـ عنى بهذا
اصحابنا الإماميّة لانه ليس في الامة من يقول بالنص على الائمة : سواهم ، فان كان عناهم فجميع ماحكاه
عنهم باطلٌ وكذبٌ عليهم ، لانهم لايجيزون النسخ على احد من الائمة : ولا احد منهم يقول بحدوث العلم .
|
والشيخ الطوسي يخالف بعض المفسرين
احيانا في قولهم بنسخ بعض الآيات الكريمة ففي قوله تعالى :
(وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا
لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ
إِلَى
__________________
أَوْلِيَآئِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) .
يقول مفسرنا : « ليست الآية منسوخةً ولاشيء
منها ، ومن ادعى نسخ شيء منها فعليه الدلالة » ، ثم يردف قائلاً :
|
فان الحسن وعكرمة : نسخ منها ذبائح
الذين اوتوا الكتاب بقوله تعالى : (وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ) وعندنا ان ذلك مخصوص بالحبوب دون الذبائح.
|
ثم يدعم الشيخ الطوسي رايه بما قاله
غيره في هذا المجال فيقول :
|
وقال قوم : ليس أهل الكتاب داخلين في
جملة من يذكر اسم الله على ذبيحته وليس واحدا من هؤلاء معنياً بالاية فلايحتاج
إلى النسخ .
|
كما ورد الشيخ الطوسي على ابن عباس قوله
:
|
ان قوله تعالى : (وَقُولُواْ
لِلنَّاسِ حُسْناً) ، نسخ بقوله : قاتلوهم حتى يقولوا لااله الا الله او
يقروا بالجزية والصحيح انها ليست منسوخةً ولكن امروا بان يقولوا حسنا في
الاحتجاج عليهم اذا دعوا إلى الايمان وبين ذلك لهم ، وقال قتادة نسختها اية
السيف والصحيح انها ليست منسوخة ، وانما امر الله تعالى بالقول الحسن في الدعاء
إليه والاحتجاج عليه ، كما قال تعالى لنبيه 9 :
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ) .
وبين في اية اخرى فقال :
(وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) .
|
__________________
|
وليس الامر بالقتال ناسخاً لذلك ، لان
كل واحد منهما ثابت في موضعه .
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي ملمّاً الماماً
واسعاً في هذا الميدان حتى انه لايدع قولاً من اقوال المفسرين الا وحاكمه وتعمق
فيه لذلك نجده يتفق مع طائفة منهم في راي ويخالف طائفة اخرى في اراء ، مما يعكس
سعة اطلاعه ودقة ملاحظته وتمرسه في كتاب الله واياته حتى عرف ناسخها ومنسوخها ،
وكان سلاحه في كل راي يطرحه هو الدليل القاطع والحجة الدامغة ، وقدشخص الآيات الناسخة
والمنسوخة في القرآن الكريم ، وثبت ذلك في تفسيره وانكر على الكثير من المفسرين
قولهم بنسخ بعض آيات الكتاب التي كان لايرى نسخها وفند مزاعمهم.
اسباب النزول
لمعرفة اسباب النزول اهميةٌ كبرى في فهم
النص القرآني وفي تحديد المراد من آيات الكتاب العزيز.
قال الواحدي :
|
اذ هي ـ يعني اسباب النزول ـ اوفى
مايجب الوقوف عليها واولى ماتصرف العناية اليها ، لامتناع معرفة تفسير الآية
وقصد سبيلها ، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها .
|
وقد تاتي اهمية معرفة اسباب النزول
للايات القرآنية الكريمة بلحاظ كون القرآن قد نزل قسم منه عقب واقعةٍ او سؤال ،
والقسم الاخر نزل ابتداءً .
ولذلك اشار ابن دقيق العبد إلى هذا
المعنى بقوله : « ان بيان سبب النزول طريقٌ قويٌّ في فهم معاني القرآن » .
وهذا ما اكده ابن تيمية حينما قال : « ان
معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فانّ
__________________
العلم بالسبب يورث العلم
بالمسبب
ومفسرنا ـ كغيره من المفسرين اعطى هذا الموضوع اهميةً خاصةً ، حيث اشار إلى سببٍ
النزول ، وذكر اراء العلماء والمفسرين فيها ، وكان يرجح مايطمئن إليه عندما يذكر
للمفسرين اكثر من سبب في نزول اية ما ، وقد غطى موضوع اسباب النزول صفحات عديدةً
من تفسيره التبيان
، نورد هنا بعض الامثلة على ذلك منها قوله في سبب نزول الآية الكريمة :
(لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ
تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قال :
|
وروي عن ابن عباس وسعيد ان الآية نزلت
في اليهود ، حيث كانوا يفرحون باجلال الناس لهم ونسبهم اياهم إلى العلم ، وقال
الضحاك والسدي : نزلت في اليهود حين فرحوا بما اثبتوا من تكذيب النبى 9.
وقال سعيدبن جبير : فرحوا بما اتى
الله ال إبراهيم ، وقال ابن عباس : ان النبي 9 سالهم عن شيء فكتموه ، ففرحوا بكتمانهم ، واقوى هذه
الاقوال ان يكون قوله : (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَفْرَحُونَ) يعني بها من اخبر الله عنهم انه اخذ ميثاقهم ، ليبين
للناس امرمحمد 9
ولايكتمونه ، لان قوله (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَفْرَحُونَ) في سياق الخبر عنهم وشبيه قصتهم ، مع ان اكثر أهل
التاويل عليه .
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي يطرح جملة اراءٍ
لعدد من المفسرين ثم يتبنى راياً اخر ويصفه بالاقوى ومن ذلك قوله تعالى :
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ
لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ)
قال الشيخ الطوسي :
__________________
|
اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ، فقال
جابربن عبد الله وسعيد بن المسيب وقتادة وابن جريح : ان النبي 9 لما بلغه موت النجاشي دعا له واستغفر
له وصلى عليه ، وقال للمؤمنين صلوا عليه فقالوا : نصلي على رجلٍ ليس بمسلم؟
وقال قوم منافقون : نصلي على علج
بنجران؟ فنزلت هذه الآية وكانت الصفات التي فيها صفات النجاشي.
وقال ابن زيد وفي رواية عن ابن جريج
وابن اسحاق انها نزلت في جماعة من اليهود وكانوا اسلموا ، منهم عبد الله بن سلام
ومن معه.
وقال مجاهد : انها نزلت في كل من اسلم
من أهل الكتاب من اليهود والنصارى وهو اولى لانه عموم الآية ، ولادليل يقطع به
على ماقالوه على انها لونزلت في النجاشي او من ذكرلم يمنع ذلك من حملها على
عمومها في كل من اسلم من أهل الكتاب لان الآية قدتنزل على سبب وتكون عامة في كل
من تتناوله .
|
وهنا يتضح لنا انسجام الشيخ الطوسي في
الموقف مع القاعدة الاصولية المعروفة ( العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب ) لذلك
نراه يميل إلى ان المراد من الآية اعلاه هو عموم اللفظ ، لان ماورد من شان النزول
لايوجب قصد الحكم على الواقعة فالمورد عنده لايخص الوارد ، لان البيان عام
والتعليل مطلق اذ المدح النازل في حق افرادٍ من المؤمنين ، او الذم النازل في حق
افرادٍ اخرين معلل بوجود صفاتٍ فيهم ، لايمكن قصرها على شخص موردالنزول ، مع وجود
عين تلك الصفات في قومٍ اخرين.
والطوسي بهذا يتفق مع جملة من العلماء
والمفسرين في هذا المجال فقد ذهب ابن تيمية إلى القول بان الناس وان تنازعوا في
اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه؟فلم يقل احد من علماء المسلمين : ان
عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعني واما غاية ما يقال : انها تختص بنوع ذلك
الشخص فتعم مايشبهه
والذي عليه الشيخ الطوسي في العمل بقاعدة ( العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب ) يسمى
الجري وهو
__________________
مقبول لدى مفسري
الإماميّة جلهم وقد اخذ لفظ الجري من مجموعة احاديث مروية عن ائمة أهل البيت منها
ماقاله الامام محمد الباقر 7
:
|
ولو ان الآية اذا نزلت في قوم ثم مات
اولئك القوم ماتت الآية لمابقي من القرآن شيءٌ ، ولكن القرآن يجري اوله على اخره
مادامت السماوات والارض ولكل قوم اية يتلونها[و]هم منها من خيرٍ او شرٍّ .
|
وقوله (ع) أيضاً :
|
ظهره : ـ يعني القرآن ـ تنزيله ،
وبطنه : تاويله ، منه مامضى ، ومنه مالم يكن بعد ، يجري كما يجري الشمس والقمر ،
كلما جاء منه شيء وقع .
|
وقد درج اتباع المذهب الامامي على هذا
الفهم وحتى المتاخرون منهم ، فانهم يؤكدون ذلك تبعا لمنهج المدرسة الإماميّة التي
ينتمون اليها ذلك لان آيات الكتاب لاتختص بمورد جزئي تلك الآيات التي وردت في مورد
خاص ، وفسرت على ذلك الاساس فانها بصدد بيان معنى عامٍ يستفيد منه الجميع ، وان
المورد الذي نزلت فيه ليس في الحقيقة الا بعض مصاديق المفهوم القرآني ... وذكر بعض
موارد التنزيل لايوجب تخصيص الآية بذلك المورد .
وعلى هذا النحو سار المفسرون المتاخرون
كالسيد الطباطبائي صاحب الميزان
حيث يقول في تفسيره :
|
ان للقرآن اتساعاً من حيث انطباقه على
المصاديق وبيان حالها فالاية منه لاتختص بمورد نزولها ، بل يجري في كل مورد يتحد
مع مورد النزول ملاكاً ، كالامثال التي لاتختص بمواردها الاول ، بل تتعداها إلى
مايناسبها ، وهذا المعنى هو المسمى بجري القرآن .
|
____________
وقد يذكر الشيخ الطوسي احيانا اختلاف
المفسرين في سبب نزول بعض الآيات ولم يرجح راياً لاحدهم ، وانما يسرد ماذكروه
جميعاً دون ترجيح لاحدها ، ولعل مرد ذلك إلى استحسانه كل الوجوه والا لرد بعضها ،
ووافق بعضها الاخر ، ولكنه سكت كما هو الحال في توضيحه لسبب نزول قوله تعالى :
(أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ
رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ
فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)
.
فقال :
|
اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية
، فروي عن ابن عباس انه قال : قال رافع بن خزيمة ووهب بن زيد لرسول الله 9 : ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء
نقراه ، وفجرلنا انهارا نتبعك ونصدقك ، فانزل الله في ذلك من قولهما :
(أَمْ تُرِيدُونَ أَن
تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ).
وقال الحسن : عنى بذلك المشركين من
العرب لماسالوه فقالوا :
(أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ
وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً) وقالوا : (أَوْ نَرَى رَبَّنَا) .
وقال السدي : سالت العرب محمداً 9 ان ياتيهم باللّه فيروه جهرة.
وقال مجاهد : سالت قريش محمداً ان
يجعل لهم الصفا ذهباً ، فقال : نعم هو لكم كالمائدة لبني اسرائيل ، فابوا ورجعوا
، وقال ابو علي : روي ان النبي 9 ساله قومه ان يجعل لهم ذات انواطٍ كما كان للمشركين ـ
ذات انواطٍ : وهي شجرةٌ كانوا يعبدونها ويعلّقون عليها التمر وغيرها من
الماكولات.
|
كما ويذكر الشيخ الطوسي احياناً اختلافاً
وقع فيه المفسرون حول سبب النزول ، وفيمن نزلت الآية ، ويكتفي أيضاً بسرد ارائهم
دونما تعليق اورد او ترجيحٍ ، كما فعل في تفسيره
__________________
لقوله تعالى :
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ
النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .
فقال مفسرنا :
|
اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فقال ابن
عباس : انه لماقدم أهل نجران من النصارى على رسول الله 9 اتتهم احبار اليهود ، فتنازعوا عند
رسول الله 9 فقال رافع
بن خويلد : ما انتم على شيء وكفر بعيسى وبالانجيل ، فقال رجل من أهل نجران من
النصارى : ما انتم على شيء وجحد بنبوة موسى وكفر بالتوراة فانزل الله في ذلك
الآية إلى قوله : (فِيمَا كَانُواْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ).
|
وقال الربيع : هؤلاء أهل الكتاب الذين
كانوا على رسول الله 9
.
وبهذا القدر يكتفي الشيخ الطوسي دون ان
يعلق بشيءٍ وكرر مثل هذا في بيانه لسبب نزول قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي
نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) .
فقال :
|
قال قتادة : نزلت هذه الآية في
المهاجرين والانصار ، وقال عكرمة :
نزلت في ابي ذر الغفاري وصهيب بن سهان
لان أهل ابي ذر اخذوا اباذر فانفلت منهم فقدم على النبي 9 ، فلما رجع مهاجراً عرضوا له ، وكان
بمر الظهران فانفلت ايضاً منهم حتى قدم النبي 9 ، فلمارجع مهاجراً عرضوا له فانفلت حتى نزل على النبي 9. فاما صهيب فانه اخذه المشركون من
اهله ، فافتدى منهم بما له ، ثم خرج مهاجراً ، فادركه منقذ بن ظريف بن خدعان ،
فخرح له مما بقي من ماله وخلى سبيله.
|
__________________
|
وروي عن ابي جعفر 7 يعني ( محمد الباقر ) انه قال : « نزلت
في علي 9 حين بات
على فراش رسول الله 9 لما ارادت قريش قتله حتى خرج رسول الله 9 وفات المشركين اغراضهم » ، وبه قال
عمربن شبه .
|
كما نجد الشيخ الطوسي يتخذ مثل هذا
الموقف عندما يتفق المفسرون والرواة على سبب نزول آيات الكتاب المجيد فيذكر رايهم
الذي اتفقوا حوله ، ولم يطرح راياً مغايراً ، وذلك في مواضع عديدة ، منها قوله
تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) .
فيقول :
|
ذكر السدي وابن جريج وعكرمة ان هذه
الآية نزلت في بقيةٍ من الربا كانت للعباس ومسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة وبني
عمرو بن عمير ، وروي عن ابي الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية وكان بقي له
بقايا على ثقيف ، فاراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد ان اسلم ، فنزلت هذه
الآية في المنع من ذلك .
|
وكذلك نجد الشيخ الطوسي في مكان اخر
يذكر سبباً للنزول برواية جمع من الرواة والمفسرين ، ولايذكر بعدهم شيئاً ، ليبين
فيه رايه من يدلل على اتفاقه معهم في صحة السبب ، وقد ورد ذلك في سبب نزول قوله
تعالى :
(الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ
لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ
مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
.
قال :
|
ذكر ابن عباس والسدي وابن اسحاق وابن
جريح وقتادة : ان سبب نزول هذه الآية ان اباسفيان صخربن حرب واصحابه لما انصرفوا
عن احد ندموا ، وقال بعضهم لبعضٍ : لا
|
__________________
|
محمداً قتلتم ولا الكواعب اردفتم ،
فارجعوا فاغيروا على المدينة واسبوا ذراريهم ، وقيل : ان بعضهم قال لبعض : انكم
قتلتم عدوكم حتى اذا لم يبق الا الشريد تركتموهم ، ارجعوا فاستاصلوهم ، فرجعوا
إلى حمراء الاسد وسمع بهم النبي 9 فدعا اصحابه إلى الخروج وقال : لايخرج معنا الا من حضرنا
امس للقتال ، ومن تاخر عنا فلا يخرج معنا ، وروي انه 9 اذن لجابر وحده في الخروج وكان خلفه
ابوه على بناته يقوم بهن ، فاعتل بعضهم بان قال : بنا جراح والام فانزل الله تعالى
:
(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ
فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ) وقيل : نزلت فيهم أيضاً (وَلاَ
تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ
كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ) ، ثم استجابوا على ما بهم إلى اتباعهم ، والقى الله الرعب
في قلوب المشركين فانهزموا من غير حربٍ ، وخرج المسلمون إلى حمراء الاسد ، وهي
على ثمانية اميالٍ من المدينة .
|
ويتبنى الشيخ الطوسي احياناً راياً خاصاً
يخالف فيه كل الاراء التي وردت بخصوص نزول الآية ، ويرد عليها ، ومثال ذلك ما قاله
في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)
.
قال شيخنا الطوسي :
|
نزلت في ابي جهل وفي خمسة من قومه من
قيادة الاحزاب ، قتلوا يوم بدرٍ في قول الربيع بن انس ، واختاره البلخي والمغربي
، وقال ابن عباس : نزلت في قوم باعيانهم من احبار اليهود ، وذكرهم باعيانهم من
اليهود الذين حول المدينة ، وقال قومٌ : نزلت في مشركي العرب ، واختار الطبري
قول ابن عباس ، والذي نقوله :
انه لابد ان تكون الآية مخصوصةً ، لان
حملها على العموم غير ممكن ، لانا علمنا ان في الكفار من يؤمن ، فلا يمكن العموم
، واما القطع على واحدٍ مما قالوه فلا دليل عليه .
|
كما خالف الشيخ الطوسي جمعٌ من المفسرين
الذين قالوا : ان (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ
__________________
الْأَعْمَى)
كان المراد فيها النبي 9
حينما اقبل عليه ابن ام مكتوم ، فقال مفسرنا :
|
قال كثير من المفسرين واهل الحشو : ان
المراد به النبي 9 قالوا : وذلك ان النبي 9 كان معه جماعة من اشراف قومه ورؤسائهم قد خلا بهم ،
فاقبل ابن ام مكتوم ليسلم ، فاعرض النبي 9 عنه كراهية ان تكره القوم اقباله عليه ، فعاتبه الله على
ذلك.
وهذا فاسد ، لان النبي 9 قد اجل الله قدره عن هذه الصفات ،
وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب ، وقد وصفه بانه (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وقال :
(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله تعالى : (وَلاَ
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ) ومن عرف النبي 9 وحسن اخلاقه ، وماخصه الله تعالى به من مكارم الاخلاق
وحسن الصحبة حتى قيل ، انه لم يكن يصافح احدا قط ، فينزع يده من يده ، حتى يكون
ذلك الذي ينزع يده من يده ، فمن هذه صفته كيف يقطب في وجه اعمى جاء يطلب
الإسلام؟ على ان الانبياء : منزهون عن مثل هذه الاخلاق وعما هو دونها لما في ذلك من
التنفير عن قبول قولهم والاصغاء إلى دعائهم ، فلا يجوز مثل هذا على الانبياء من
عرف مقدارهم وتبين نعتهم.
|
وهكذا يستعين المفسر بالقرآن نفسه ببرء
ساحة النبي ، ويدحض ما توهمه المفسرون بايات بينات من كتاب الله تعالى.
من كل ما تقدم تبين لنا مدى سعة اطلاع
الشيخ الطوسي وتمكنه من تتبع الحقائق ومعرفته باسباب النزول لايات الكتاب العزيز ،
وهو يرجح ما رجح من الاراء عن بينة ، ويرد ما رد عن بينة ، مع تدعيم ارائه بابلغ
الحجج واوضحها ، وتلك سمة لاتتوفر الا في اولئك القلائل من اعلام المفسرين وكبارهم.
__________________
المحكم والمتشابه
تعرض الشيخ الطوسي في التبيان
إلى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم دون تكلف ، اذ تخفف منهما بعبارات واضحات ،
وادرجهما ضمن السياق ، ليعطي لهما من المعاني مايفيد دون توسعة في القول ، فهو حينما
يفسر قوله تعالى : (
هُوَ
الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ...
)
يقول :
|
المحكم هو ما علم المراد بظاهره من
غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه ، نحو قوله تعالى :
|
(إِنَّ الله لاَ
يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا)
.
وقوله :
(لاَ يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)
لانه
لايحتاج إلى معرفة المراد به دليل .
كما عرف المتشابه بقوله :
|
والمتشابه : ما لا يعلم المراد بظاهره
حتى يقترن به ما يدل على المراد به نحو قوله : (وَأَضَلَّهُ الله عَلَى
عِلْمٍ) فانه يفارق قوله تعالى : (وَأَضَلَّهُمُ
السَّامِرِيُّ) لان اضلال السامري قبيح ، واضلال الله بمعنى حكمه بان
العبد ضال ليس قبيح ، بل هوحسن .
|
وبعد ان ثبت الشيخ الطوسي رايه واضحاً
وصريحاً في المحكم والمتشابه اورد ما وقع فيه المفسرون من اختلافات في تعريف
المحكم والمتشابه فيقول :
__________________
|
واختلف أهل التاويل ـ يعني أهل
التفسير ـ في المحكم والمتشابه على خمسة اقوال :
الاول : قال ابن عباس :
المحكم : الناسخ والمتشابه المنسوخ.
الثاني : قال مجاهد :
المحكم : ما لا يشتبه معناه ،
والمتشابه ما اشتبهت معانيه نحو قوله : (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ
الْفَاسِقِينَ) ونحو قوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ هُدًى) .
الثالث : قال محمد بن جعفر بن الزبير
الجبائي :
ان المحكم ما لا يحتمل الا وجهاً
واحداً ، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعداً.
الرابع : قال ابن زيد :
ان المحكم هو الذي لم تتكرر الفاظه ،
والمتشابه : هو المتكرر الالفاظ.
الخامس : ما روي عن جابر :
ان المحكم : ما يعلم تعيين تاويله.
والمتشابه : ما لا يعلم تعيين تاويله. نحو قوله : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْسَاهَا) .
|
وحينما ذكر الشيخ الطوسي اراء المفسرين
لم يعترض على احدهم ، كما لم يرجح رايا على راي ، ويبدو انه كان قد استحسن كل هذه
التعاريف والا لما سكت عنها.
ويضيف الشيخ الطوسي شيئا إلى ماعرف به
المحكم ، وهو يفسر (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)
فيقول : معناه اصل الكتاب الذي يستدل به
على المتشابه وغيره من امور الدين.
وهذا يعني ان المحكم يقوم دليلا على
المتشابه ، وعلى امور الدين الاخرى.
ولم يكتف المفسر بهذا الشرح ، وانما
يطرح سؤالا ، ثم يجيب عنه ليوضح العلة التي من اجلها انزل المتشابه في القرآن.
فيقول :
__________________
« فان قيل : لم انزل في القرآن المتشابه؟
وهلا انزله كله محكماً ».
فيجيب الشيخ بقوله :
|
قيل : للحث على النظر الذي يوجب العلم
دون الاتكال على الغير من غير نظر ، وذلك انه لو لم يعلم بالنظر ان جميع ما ياتي
به الرسول حقٌّ يجوز ان يكون الخبر كذباً ، وبطلت دلالة السمع وفائدته ... ولو
لا ذلك لما بان منزلة العلماء وفضلهم على غيرهم ، لانه لوكان كله محكما لكان من
يتكلم باللغة العربية عالما به ولاكان يشتبه على احد المراد به فيتساوى الناس في
علم ذلك على ان المصلحة معتبرة في انزال القرآن. فما انزله متشابهاً ، لان
المصلحة اقتضت ذلك ، وما انزله محكما فلمثل ذلك .
|
ويذهب الشيخ الطوسي إلى القول بان
المتشابه في القرآن يقع فيما اختلف الناس فيه من امور الدين .
مثال ذلك :
|
قوله تعالى : (ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فاحتمل في اللغة ان يكون كاستواء الجالس على السرير ،
واحتمل ان يكون بمعنى الاستيلاء ، نحو قول الشاعر.
|
« ثم استوى بشر على العراق
|
|
من غير سيف ودم مهراق »
|
|
واحد الوجهين لايجوز عليه تعالى لقوله
: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقوله :
(وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا
أَحَدٌ) .
والاخر يجوز عليه ، فهذا من المحكم
الذي يرد إليه المتشابه .
|
وهذا وقد اورد الشيخ الطوسي معنى اخر في
المحكم عندما فسر قوله تعالى :
__________________
(الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) .
فقال : الأحكام منع الفعل من الفساد.
واستشهد بقول الشاعر :
« ابني حنيفة احكموا سفهاءكم
|
|
اني اخاف عليكم ان اغضبا »
|
وقال في معنى (أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ)
|
قيل : اقوال :
احدهما : قال الحسن : احكمت بالامر
والنهي ، وفصلت بالثواب والعقاب.
الثاني : قال قتادة : احكمت اياته من
الباطل ، ثم فصلت بالحرام والحلال.
الثالث : قال مجاهد (أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ) على وجه الجملة (ثُمَّ فُصِّلَتْ) اي بينت اية اية.
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي يتحفظ من هذا
الموضوع دون ان يستغرق في التفاصيل والشرح ، وذلك بعد ان طرح رايُه واضحاً ، ودلل عليه
باياتٍ من كتاب الله تعالى.
آيات الأحكام
امتاز الشيخ الطوسي عن كثير من المفسرين
ببلوغه درجة الاجتهاد
والتي اصبح بها فقيها يمتلك القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من دليله
المقررله
، وبهذا فقد توفرت للشيخ الطوسي ذهنيّةٌ اسلاميّةٌ ذات طابع شمولي ، استطاع من
خلالها الاحاطة بمختلف علوم الشريعة وفنونها ، ومنها تمكن من ان يدقق النظر في
آيات الأحكام التي وردت في القرآن الكريم ، ليستنبط منها ومن السنة الشريفة اراءه
الفقهية التي جعلته شيخاً
__________________
للطائفة الإماميّة وفقيها للشيعة .
رغم ان الشيخ الطوسي صنف كتباً كثيرة في
مجال الفقه الا ان تفسيره ( التبيان
) قد احتوى الكثير من ارائه الفقهية من خلال تفسيره لايات الأحكام الواردة في
الكتاب العزيز ، وكان الطوسي لايكتفي بطرح رايه الفقهي فقط ، وانما يذكر اراء غيره
من فقهاء المذاهب الإسلاميّة الاخرى ، ويشير إلى كلٍّ منها سواء كانت متفقةً مع
ارائه او مختلفةً ، وبهذا يكون الشيخ الطوسي قد تميز بروحٍ علميةٍ موضوعية عاليةٍ
، حيث يضع القارئ لتفسيره امام اغلب الاراء الفقهية ، ويناقش مايرى في مناقشته
مصلحةً ، ويرد على مايعتقد بضرورة الرد عليه من اراء الفقهاء ، وهنا نورد امثلة لمنهجه هذا :
مثال : قال في تفسيره لقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ
... ) وقوله :
|
(فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ) امرٌ من الله بغسل الوجه.
واختلفوا في حد الوجه الذي يجب غسله ،
فحده عندنا من قصاص شعر الراس إلى محاذي شعر الذقن طولاً ، ومادخل بين الوسطى
والابهام عرضاً ، وماخرج عن ذلك فلايجب غسله ، ومانزل من الشعر عن المحادر
فلايجب غسله .
|
ثم يذكر اراء الغير فيقول :
وقال بعضهم :
|
ما ظهر من بشرة الإنسان من قصاص شعر
راسه منحدراً إلى منقطع ذقنه طولاً ، ومابين
|
____________
|
الاذنين عرضا ، قالوا : والاذنان
ومابطن من داخل الفم والانف والعين فليس من الوجه ، ولايجب غسل ذلك ولاغسل شيءٍ
منه ، واما ماغطاه الشعر كالذقن والصدغين ، فان امرار الماء على ماعلا الشعر
عليه يجزي من غسل مابطن منه من بشرة الوجه ، لان الوجه عندهم ماظهر لعين الناظر
من ذلك يقابلها دون غيره ، وهذا بعينه مذهبنا ، الا ماخرج عن الابهام والوسطى
إلى الاذن فانه لايجب غسله.
ذهب إلى ماحكيناه إبراهيم ومغيرة
والحسن وابن سيرين وشعبة والزهري وربيعة وقتادة والقاسم بن محمد وابن عباس وابن
عمر.
قال ابن عمر : الاذنان من الراس ، وبه
قال قتادة والحسن ، ورواه ابو هريرة عن النبى 9.
وقال اخرون :
الوجه كل مادون منابت شعر الراس إلى
منقطع الذقن طولاً ، ومن الاذن إلى الاذن الاخرى عرضاً ، ماظهر من ذلك لعين
الناظر ، ومابطن منه من منابت شعر اللحية والعارضين ، وماكان منه داخل الفم
والانف ، وما اقبل من الاذنين على الوجه ، وقالوايجب غسل جميع ذلك ، ومن ترك
شيئاً منه لم تجزه الصلاة. ذهب إليه ابن عمر في رواية نافع عنه وابو موسى
الأشعري ومجاهد وعطاء والحكم وسعيد بن جبير وطاووس وابن سيرين والضحاك وانس بن
مالك وام سلمة وابو ايوب وابو امامة وعمار بن ياسر وقتادة كلهم قالوا بتخليل
اللحية ، فاما غسل باطن الفم فذهب إليه مجاهد وحماد وقتادة ، واما من قال : ما اقبل
من الاذنين يجب غسله ، وما ادبر يجب مسحه فالشعبي .
|
ومما سبق تبين ان مدى احاطة الشيخ
الطوسي باراء مختلف الفقهاء ومن مختلف المذاهب ، حيث يذكر الراي الفقهي في المسالة
، ثم يذكر من قال بها من الفقهاء ، وبهذه الطريقة يضع القارئ امام معظم الاراء
الفقهية المختلفة على حد سواء.
ومثل ذلك في تفسيره لقوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ)
حيث بين اوجه الاتفاق والاختلاف بين العلماء والفقهاء في هذه المسالة.
فقال :
__________________
|
يجب عندنا غسل الايدي من المرافق وغسل
المرافق معها إلى رؤوس الاصابع ، ولايجوز غسلها من الاصابع إلى المرافق.
و ( إلى ) في الآية بمعنى « مع » ... وطعن الزجاج على ذلك فقال :
لو كان المراد بالى « مع » لوجب غسل
اليد إلى الكتف لتناول الاسم له ، وانما المراد بالى الغاية والانتهاء ، لكن
المرافق يجب غسلها مع اليدين ، وهذا الذي ذكر ليس بصحيح ، لانا لوخلينا وذلك
لقلنا بما قاله ، ولكن خرجنا بدليل ، ودليلنا على صحة ماقلناه : اجماع الامة على
انه متى بدا من المرافق كان وضوؤه صحيحاً ، واذا جعلت غاية ففيه الخلاف ، واختلف
أهل التاويل في ذلك ، فقال مالك بن انس :
يجب غسل اليدين إلى المرفقين ، ولايجب
غسل المرفقين ، وهو قول زفر ، وقال الشافعي : لا اعلم خلافاً في ان المرافق يجب
غسلها ، وقال الطبري : غسل المرفقين ومافوقهما مندوب إليه غير واجب ، وانما
اعتبرنا غسل المرافق ، لاجماع الامة على ان من غسلهما صحت صلاته ، ومن لم
يغسلهما ففيه خلاف.
وقوله : (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ) اختلفوا في صحة المسح ، فقال قوم :
يمسح منه مايقع عليه اسم المسح ، وهو مذهبنا ، وبه قال ابن عمر والقاسم بن محمد
وعبدالرحمن بن ابي ليلى وابراهيم والشعبي وسفيان ، واختاره الشافعي واصحابه
والطبري.
وذهب قوم إلى انه يجب مسح جميع الراس
ذهب إليه مالك ، وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد : لايجوز مسح الراس باقل من
ثلاثة اصابع ، وعندنا لايجوز المسح الا على مقدم الراس.
وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَينِ) عطف على الرؤوس ، فمن قرا بالجر ذهب إلى انه يجب مسحهما
كما وجب مسح الراس ، ومن نصبهما ذهب إلى انه معطوف على موضع الرؤوس لان موضعها
نصب لوقوع المسح عليها .. فالقراءتان جميعا تفيد ان المسح على ما نذهب إليه ،
وممن قال بالمسح ابن عباس والحسن البصري وابو علي الجبائي ومحمد بن جرير الطبري
غير انهم اوجبوا الجمع بين المسح والغسل ، المسح بالكتاب والغسل بالسنة ، وخير
الطبري في ذلك ، واوجبوا كلهم استيعاب جميع الرجل ظاهراً وباطناً.
وعندنا انّ المسح على ظاهرهما من رؤوس
الاصابع إلى الكعبين ، وهما الناتئان في
|
|
وسط القدم على ما استدل عليه ، وقال
عكرمة عن ابن عباس : الوضوء غسلتان ومسحتان ، وبه قال انس بن مالك.
وقال عكرمة : ليس على الرجلين غسل
انما فيهما المسح ، وبه قال الشعبي :
ألاترى ان التيمم يمسح ماكان غسلاً
ويلغي ماكان مسحاً. وقال قتادة : افترض الله مسحتين وغسلتين .
|
وفي مثال اخر :
قال الشيخ الطوسي في تفسيره لقوله تعالى
:
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي
الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ
أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا
مُّبِينًا)
قال :
|
وعندنا وعند كثير من الفقهاء ان فرض
المسافر مخالف لفرض المقيم ، وليس ذلك قصرا ، لاجماع اصحابنا على ذلك ، ولماروي
عن النبي 9.
انه قال : فرض المسافر ركعتان غير قصر
، واما الخوف بانفراده فانه يوجب القصر ، وفيه خلاف ، وقد روي عن ابن عباس ان
صلاة الخائف قصر من صلاة المسافر ، وانها ركعة ركعة ، وقال قوم : معنى قوله : (فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ) يعني من حدود الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ،
وهو الذي رواه اصحابنا في صلاة شدة الخوف ، وانه يصلي ايماءً والسجود اخفض من
الركوع ، فان لم يقدر فان التسبيح المخصوص يكفي عن كل ركعة ، واختلف أهل التاويل في قصر الصلاة
فقال قوم : هي قصر من صلاة الحاضر ماكان يصلى اربع ركعات اءذن له في قصرها ،
فيصليها ركعتين ، ذهب إليه يعلى بن امية وعمربن الخطاب ، وان يعلى قال لعمر كيف
نقصر الصلاة وقد امنا؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسالت النبي (ص) عن ذلك
فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ، وبه قال ابن جريح وقتادة .
|
__________________
|
وقال قوم :
القصر لايجوز الا مع الخوف ، روي ذلك
عن عائشة وسعد بن ابي وقاص.
وقال اخرون : عنى بها قصر الصلاة ،
صلاة الخوف في حال غير شدة الخوف .
واما حد السفر الذي يجب فيه التقصير
فعندنا انه ثمانية فراسخ.
وقال ابو حنيفة واصحابه : مسيرة ثلاثة
ايام ، وقال الشافعي : ستة عشر فرسخاً ، ثمانيةٌ واربعون ميلاً ، وقال قومٌ :
يجب في قليل السفر وكثيره.
|
وهكذا نجد المفسر يشبع الآية شرحاً
وتفصيلاً ذاكراً للكثير من الاراء المختلفة حولها بامانةٍ ونزاهةٍ وموضوعيةٍ.
مثال :
وقال عند تفسيره للآية الكريمة :
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله وَاللّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ)
|
وظاهر قوله : (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ) يقتضي عموم وجوب القطع على كل من يكون سارقاً اوسارقةً .
|
وقد رد الشيخ الطوسي ذلك بقوله :
|
ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل
من يسمى سارقاً ، وانما يحتاج إلى معرفة الشروط ، ليخرج من جملتهم من لايجب قطعه
، فاما من يجب قطعه فانا نقطعه بالظاهر ، فالاية مجملةٌ فيمن لا يجب قطعه دون من
يجب قطعه ، فسقط ماقالوه .
وقوله (فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) امر من الله بقطع ايدي السارق
والسارقة ، وانما اعتبرنا قطع الايمان ، لاجماع المفسرين كالحسن والسدي والشعبي
وغيرهم ، وفي قراءة ابن مسعود ( وَالسّارِقُونَ
وَالسّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمانَهم ).
اما النصاب الذي يتعلق القطع به قيل
فيه ستة اقوال :
|
__________________
|
اولها : على مذهبنا وهو ربع دينار ،
وبه قال الاوزاعي والشافعي ، لماروي عن النبي 9 انه قال : « القطع في ربع دينارٍ ».
الثاني : ثلاثة دراهم وهو قيمة المجن
، ذهب إليه مالك بن انس.
الثالث : خمسة دراهم روي ذلك عن علي 7 وعن عمر ، وانهما قالا : « لايقطع
الخمس الا في خمسة دراهم » وهو اختيار ابي علي ، قال : لانه بمنزلة من منع خمسة
دراهم من الزكاة في انه فاسقٌ.
الرابع : قال الحسن : يقطع في درهم ،
لان مادونه تافهٌ.
الخامس : عشرة دراهم ذهب إليه ابو
حنيفة واصحابه ، لمارووا انه كان قيمة المجن عشرة دراهم.
السادس : قال اصحاب الظاهر وابن
الزبير يقطع في القليل والكثير ولايقطع الا من سرق من حرز ، والحرز يختلف فلكل
شيء حرزٌ يعتبر فيه حرز مثله في العادة.
وحده اصحابنا بانه كل موضع لم يكن
لغيره الدخول إليه والتصرف فيه الا باذنه فهوحرز.
وقال ابو علي الجبائي : الحرز ان يكون
في بيت او دارٍ مغلقٍ عليه ، وله من يراعيه ويحفظه.
ومن سرق من غير حرز لايجب عليه القطع
، قال الرماني : لانه لايسمى سارقاً حقيقةً وانما يقال ذلك مجازاً كما يقال :
سرق كلمة او معنى في شعر ، لانه لايطلق على هذا اسم سارقٍ على كل حال.
وقال داود : يقطع اذا سرق من غير حرزٍ
.
|
ثم حدد الشيخ الطوسي كيفية القطع فقال :
|
وكيفية القطع عندنا يجب من اصول
الاصابع الاربعة ويترك الابهام ، وهو المشهور عن علي 7 : وقال اكثر الفقهاء : انه يقطع من
الرسغ وهو المفصل بين الكف والساعد وقالت الخوارج : يقطع من الكتف.
|
__________________
|
وقد استدلّ قوم من اصحابنا على
ماقلناه بقولهم (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ
بِأَيْدِيهِمْ) .
وانما يكتبون بالاصابع ، والمعتمد
ماقلناه
، ثم بين الشيخ الطوسي حكم من تكررت سرقاته فقال :
ومتى سرق بعد قطع اليد دفعة ثانية
قطعت رجله اليسرى ، فان سرق ثالثة حبس عندنا ، وبه قال الحسن.
وقال ابو علي تقطع اليد الاخرى ، فان
سرق في الحبس قتل عندنا ، ولايعتبر ذلك احدٌ من الفقهاء.
وظاهر الآية يقتضي وجوب قطع العبد
والامة اذا سرقا لتناول اسم السارق والسارقة لهما .
|
وهكذا نجد الشيخ الطوسي يتفاعل مع آيات
الأحكام بنفس فقهي وروح اجتهادية تؤهله معها ملكة الاستنباط التي حصل عليها لان
يشبع الآيات الواردة في الأحكام بحثاً وتدقيقا ، مع مناقشة كل راي كان قد طرحته
المذاهب الإسلاميّة المختلفة ، الامر الذي يعطي لتفسير التبيان اهمية خاصّةً
باعتبار ان مؤلفه فقيهٌ مفسرٌ.
التأويل
ظهرت كلمة التاويل إلى جنب كلمة التفسير
في البحوث القرآنية عند المفسرين القدماء ، واعتبرت من قبلهم متفقة بصورةٍ جوهريةٍ
مع كلمة التفسير في المعنى ، فالكلمتان معا تدلان على بيان معنى اللفظ والكشف عنه
، ولعل الاختلاف الذي وقع بين المفسرين حول هاتين الكلمتين انما كان منصبّاً في تحديد
مدى التطابق بينهما ، وهنا نعرض لكلٍّ من التفسير والتاويل ، لنرى مدى الاتفاق
والاختلاف بينهما.
فالتفسير في اللغة :
__________________
|
هو الايضاح والتبين والفسر : البيان ،
فسر الشيء يفسره ـ بالكسر ـ ويفسره ـ بالضم آوفسره : ابانه ، والتفسير مثله ...
الفسر : كشف المغطى والتفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل .
|
وبهذا يكون التفسير : هو الكشف الحسي او
المعنوي.
اما التاويل لغة : فهو من
|
الاول بمعنى الرجوع ، ال الشيء يؤول
اولاً ومالاً : رجع واول إليه الشيء : رجعه ... واول الكلام وتاوله : دبره وقدره
، واوله وتاوله : فسره .
|
وفي القاموس جاء :
|
آل إليه أولاً ومالاً : رجع ... واوله
إليه : رجعه ... واول الكلام تاويلا وتاوله : دبره وقدره وفسره
|
وبهذا فليس هناك من فرق في اللغة بين
التفسير والتاويل ، وفي هذا يشير صاحب لسان العرب فيقول :
|
سئل ابو العباس احمد بن يحيى عن
التاويل فقال : التاويل والمعنى والتفسير واحدٌ .
|
اما التاويل اصطلاحاً فيعني : صرف اللفظ
عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوع لدليل يقترن به.
والذي عليه الشيخ الطوسي هو عدم التفرقة
بين التفسير والتاويل اذ يرى ان التاويل مرادف للتفسير ومن ذلك فقوله :
|
واختلف أهل التاويل في المحكم
والمتشابه على خمسة اقوال :
الاول : قال ابن عباس : المحكم الناسخ
والمتشابه المنسوخ.
والثاني : قال مجاهد .....
|
__________________
|
الثالث : قال محمد بن جعفربن الزبير
والجبائي ....
والرابع : قال ابن زيد .....
|
وهكذا اخذ يعد المفسرين واحدا واحدا مما
يدل على ان استعماله لعبارة أهل التاويل بانهاكانت تعني أهل التفسير.
ثم يؤكد ذلك عندما يفسر قوله تعالى :
(...فَأَمَّا الَّذِينَ في
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
... )
فيقول :
|
والتاويل : التفسير واصله المرجع
والمصير من قولهم ال امره إلى كذا يؤول اولا :
اذا صار إليه واولته تاويلا اذا صيرته
اليه .. وقوله : (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) قيل معناه احسن جزاء لان امر العباد يؤول إلى الجزء.
واصل الباب : المصير (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) يعني تفسيره .
|
وقد ظل التاويل يعني التفسير حتى جاء
المتاخرون من الفقهاء والكلاميين والمتصوفة فاتخذ معنى اصطلاحيا جديدا ، اما فيما
مضى فقدكان يعني التاويل ـ عند السلف ـ تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره
او خالفه فيكون التاويل والتفسير عند هؤلاء متقارباً او مترادفاً وهذا مانجده واضحاً لدى الشيخ الطوسي
اذ لايفرق بين التاويل والتفسير اطلاقاً وانما يضع احدهما مكان الاخر وكانهما
مترادفان.
__________________
الفصل الثاني :
الشيخ الطوسي وعقائد
الامامية
تحدث القرآن الكريم في آياتٍ عديدةٍ عن
مسائل عقيدية كانت غايةً في الاهمية كصفات الله وخلق القرآن وافعال العباد ، هل هي
من خلق الله ام من تدبير الإنسان نفسه؟ إلى جانب مسائل اخرى لاتقل عن هذه اهميةً
في مجال العقيدة ، وقد قراها الصحابة والرعيل الاول من المسلمين ، فامنوا بها دون
ان يقولوا شيئاً بصددها ، حتى اذا ما اذن النصف الاول للقرن الهجري الاول
بالانصراف ، واذا بالمدرسة الإسلاميّة تعيش حالة ارهاصاتٍ لولادة بعض الفرق
والمذاهب ، حيث ظهرت عندئذ القدرية ، فكان معبد بن خالد الجهني ( ت ٨٠ ه ) اول من
تكلم بالقدر حيث كان يقول : « لاقدر والامر انف » ، وبهذا يكون القدرية قد فتحوا بابا
للكلام بين المسلمين اخذ بالانتشار والتوسع شيئاً فشيئاً ، فظهرت بعدذلك الجهمية
والتي تنسب إلى جهم بن صفوان ( ت ١٢٨ ه ) ، وهو من القائلين بالجبر ، وقد وافق
جهم اراء المعتزلة في نفي الصفات الازلية الا انه خالفهم في اراء اخرى كثيرةٍ منها
: انه لايجوز وصف البارئ بصفة يوصف بها خلقه ، لان ذلك يقتضي تشبيهاً ، فنفى كونه
حيا عالما واثبت كونه قادراً فاعلاً خالقاً ، لانه لايوصف شيء من خلقه بالقدرة
والفعل
____________
والخلق ، وان
الإنسان ، لايقدر على شيءٍ ، ولايوصف بالاستطاعة ، وانما هو مجبورٌ في افعاله ،
لاقدرة له ولا ارادة ولا اختيار .
ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت المعتزلة ،
والتي كان واصل بن عطاء المتوفّى سنة ١٣١ ه شيخها وقديسها ، وراح هؤلاء ينقضون اراء الجبرية ،
وينفون ما اكده الصفاتيون ، واعتقدوا باصولٍ خمسةٍ ، عرف بها المذهب الاعتزالي
فيما بعد ، وهي :
التوحيد ، العدل ، المنزلة بين المنزلتين
، الوعد والوعيد ، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقد اثارت اراء المعتزلة موجةً من
الصراع الحاد بينهم وبين السلفيين ، وخاصة في مسالة الصفات الالهية ، وفي هذا يقول
الشهرستاني :
|
اعلم ان جماعةً كبيرةً من أهل السلف
كانوا يثبتون للّه ( تعالى ) صفاتٍ ازليةً من العلم والقدرة والحياة والارادة
والسمع والبصر والكلام والجلال والاكرام والجود والانعام والعزة والعظمة ،
ولايفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل ، بل يسوقون الكلام سوقاً واحداً ، وكذلك
يثبتون صفاتٍ خبرية مثل اليدين والرجلين ، ولايؤولون ذلك الا انهم يقولون :
هذه الصفات قد وردت في الشرع ،
فنسميها صفاتٍ خبرية ، ولماكان المعتزلة ينفون الصفات ، والسلف يثبتون سمي السلف
صفاتية والمعتزلة معطلة .
|
وقد دخل حلبة الصراع جمع اخر من أهل السلف
، كان ابرزهم ابو الحسن الأشعري ، ثم تلاه الباقلاني والجويني والغزالي
والشهرستاني والرازي وغيرهم ، وهؤلاء جوزوا الكلام في المسائل الاعتقادية على نحو
يختلف مع ماكان عليه بعض السلفيين من الصحابة والتابعين وتابعيهم من الذين حرموا
الكلام فيها ، واوجبوا الايمان بها على ماهو ظاهر من
__________________
نصوص الكتاب والسنة
الشريفة .
ولقد كان للمدرسة الإماميّة راي في كل
مسالة من المسائل التي اثير الكلام حولها ، وسنتعرض لها بشيء من التفصيل ، مع ذكر
اراء الشيخ الطوسي فيها باعتباره مفسّراً يتعرض في تفسيره للايات القرآنية التي
كانت مثار جدلٍ بين الفرق الإسلاميّة ، ولكونه شيخ الطائفة ومتكلم الشيعة وفقيه الإماميّة ، وسنحاول استجلاء موقف الشيخ الطوسي
من خلال تفسير التبيان ازاء اصول الدين الخمسة التي تؤمن بها المدرسة الإماميّة ،
والتي هي ( التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد ) .
التوحيد
اجمع المسلمون على الايمان بوحدانية
الله تعالى ، والامامية
يعتقدون بهذا الاصل كما يعتقد به غيرهم ، وقد امنوا بان الله ( تعالى ) واحدٌ احدٌ
ليس كمثله شيء قديم لم يزل ولايزال ، هو الاول والاخر عليم حليم عادل حي قادر غني
سميعٌ بصيرٌ لايوصف بماتوصف به المخلوقات ، وقالوا : بانه يجب توحيد الله تعالى من
جميع الجهات ، فكما يجب توحيده في الذات ( اوّلاً ) ، يجب توحيده في الصفات (
ثانياً ) ، وكذلك يجب توحيده في العبادة ( ثالثاً ) ، فلاتجوز عبادة غيره بوجه من
الوجوه
، ومثل هذا قال المعتزلة فذكروا :
|
ان الله واحد ، ليس كمثله شي ، وليس
بجسمٍ ولاشبحٍ ولاجثّة ولاصورةٍ ، ولايتحرّكُ ولايسكن ، ولايتبعض ، ولايحيط به
مكان ، ولايجري عليه زمان ، ولايوصف بشيءٍ من
|
__________________
|
صفات الخلق الدالة على حدثهم ،
ولاتدركه الحواس ، ولم يزل عالماً قادراً حيّاً ، ولايزال كذلك .
|
وقداكد الشيخ الطوسي وحدانية الله تعالى
خلال تفسيره ، فقال عند تفسيره لقوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ
إِلَّا الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)
:
|
لوصح الهان او الهة لصح بينهما
التمانع ، فكان يؤدي ذلك إلى ان احدهما اذا اراد فعلاً واراد الاخر ضده ، اما ان
يقع مرادهما فيؤدي إلى اجتماع الضدين ، او لايقع مرادهما فينتقض كونهما قادرين ،
او يقع مراد احدهما فيؤدي إلى نقض كون الاخر قادراً ، وكل ذلك فاسدٌ ، فاذن
لايجوز ان يكون الاله الا واحداً .
|
وعلى هذا فان الله ( تعالى ) :
|
واحدٌ في الالهية والازلية ، ولايشبهه
شيءٌ ، ولايجوز ان يماثله شيءٌ ، وانه فردٌ في المعبودية لاثاني له فيها على
الوجوه كلها والاسباب ، وعلى هذا اجمع أهل التوحيد الا من شذ من أهل التشبيه ،
فانهم اطلقوا الفاظه وخالفوا في معناه ) .
|
ومثل هذا المعنى يوكده الشيخ الطوسي في
مكان اخر من التبيان
فيقول :
ويدل على ان خالق الجسم لايشبهه ، لانه
لواشبهه لكان محدثاً مثله ، ويدل على انه قديم ، لانه لوكان محدثاً لاحتاج إلى محدث
، ولادى ذلك إلى مالايتناهى .
صفات الله تعالى
تعرض الشيخ الطوسي في تفسيره إلى مسالة
الصفات ، ورد على المجسمة والمشبهة في اكثر من موضع ، واكد في اكثر من مكان من تبيانه
ان الله خالقٌ قادرٌ عالم قديم فقال في
__________________
تفسيره لقوله تعالى
:
(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
.
|
وفي السماوات والارض لايات للمؤمنين
الذين يصدقون باللّه ، ويقرون بتوحيده وصدق انبيائه ... ، وفي السماوات والارض
دلالات على الحق من وجوه كثيرة ، منها انه يدل بخلقها على ان لها خالقاً ، وانه
قادر لايعجزه شيء ، وانه مخالف لها ، فلايشبهها ، وعلى انه عالم بما فيها من
الإتقان والانتظام ، وفي استحالة تعلق القدرة بها دلالة على ان صانعها قديم غير
محدثٍ ، ويوقفها مع عظمها وثقل اجرامها بغير عمد ولاسند يدل على ان القادر عليها
قادر على الاتيان بما لايتناهى ، ولايشبه احد من القادرين ، وانه خارج من حد
الطبيعة .
|
وهذا ما اكده الامام علي بن موسى الرضا
ثامن ائمة الإماميّة بقوله :
الاقرار بانه لا اله غيره ولاشبيه له ،
ولا نظير له ، وانه مثبتٌ قديمٌ موجودٌ غير فقير ، وليس كمثله شي. كما وقال الطوسي عند تفسيره لقوله
تعالى :
(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .
|
وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) قيل في معناه ثلاثة اقوال :
احدها : ليس مثل الله شيء من
الموجودات ولا المعدومات.
الثاني : قال الرماني : انه بلغ في
نفي الشبيه اذا نفى مثله ، لانه يوجب نفي الشبه على التحقيق والتقدير ، وذلك انه
لوقدر له مثلٌ لم يكن له مثل صفاته ، ولبطل ان يكون له مثل ، ولتفرده بتلك
الصفات ، وبطل ان يكون مثلاً له فيجب ان يكون من له مثل هذه الصفات على الحقيقة
لامثل له اصلاً ، اذ لو كان له مثلٌ لم يكن هو بصفاته ، وكان ذلك الشيء الاخرهو
الذي له تلك الصفات.
|
__________________
|
الثالث : انه نفى ان يكون لمثله مثل
واذا ثبت انه لا مثل لمثله فلا مثل له أيضاً ، لانه لو كان له مثل لكان له امثال
.
وقوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) معناه انه على صفة يجب ان يسمع
المسموعات اذا وجدت ويبصر المبصرات اذا وجدت وذلك يرجع إلى كونه حياً لا افة به .
|
وقداكد الشيخ الطوسي ايمانه بتنزيه الله
عن اوصاف المخلوقين متبعاً في ذلك قول الامام جعفر الصادق ـ سادس ائمة أهل البيت ـ
في هذا الصدد حيث يقول (ع) :
|
هو عز وجل مثبتٌ موجودٌ لامبطل
ولامعدود ولا في شيء من صفة المخلوقين ، وله ( عزوجل ) نعوتٌ وصفاتٌ واسماؤه
حاويةٌ على مخلوقين مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم واشباه ذلك ، والنعوت
نعوت الذات لاتليق الا باللّه تبارك وتعالى ، واللّه نورٌ لاظلام فيه وحيٌّ لا
موت له وعالمٌ لا جهل فيه وصمدٌ لا مدخل فيه ، ربنا نوري الذات حي الذات عالم
الذات صمدي الذات .
|
وقد اوضح الشيخ الطوسي هذا الراي الذي
عليه اجماع الإماميّة في كل مناسبة يمر عليها عبر آيات الكتاب العزيز فقال في
تفسيره لقوله تعالى :
( وَلَمَّا جَاء مُوسَى
لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن
تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا )
قال الطوسي :
|
اختلف المفسرون في وجه مسالة موسى 7 ذلك مع ان الرؤية بالحاسة لاتجوز
عليه تعالى على ثلاثة اقوال :
احدها : انه سال الرؤية لقومه حين قالوا
له (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً) .
الثاني : في اصل المسالة : انه سال
العلم الضروري الذي يحصل في الآخرة ، ويكون في
|
__________________
|
الدنيا ، ليزول عنه الخواطر والشبهات
، والرؤية تكون بمعنى العلم كما يكون الادراك بالبصر كما قال : (أَلَمْ
تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) .
والثالث : انه سال ايةً من آيات
الساعة التي يعلم معها العلم الذي لايختلج فيه الشك ، كما يعلم في الاخر وهذا
قريب من الثاني.
وقوله تعالى : (لَن
تَرَانِي) جواب من الله ( تعالى ) لموسى انه لايراه على الوجه الذي
ساله ، وذلك دليل على انه لايرى في الدنيا ولافي الآخرة ، لان « لن » تفيد
التابيد.
|
واما التجلي الذي ورد في النص القرآني
فيفسره الشيخ الطوسي بما لايخالف راي الإماميّة في الصفات فيقول :
|
وقوله (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ
لِلْجَبَلِ) معناه اظهر اياته التي احدثها في الجبل لحاضري الجبل بان
جعله دكا.
|
وقداكد الشيخ الطوسي عدم جواز رؤية الله
تعالى في معرض رده على المجسمة والمشبهة فقال عند تفسيره لقوله تعالى :
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ
عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ
فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)
:
|
وقدظن قوم من المشبهة ان قوله (إِذْ
وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ) انهم يشاهدونه وهذا فاسدٌ لان المشاهدة لاتجوز الا على
الاجسام او على ما هو حال في الاجسام وقد ثبت حدوث ذلك اجمع فلايجوز ان يكون
تعالى بصفة ما هو محدثٌ.
|
ومثل هذا الموقف كان الطوسي قد اتخذه
عند تفسيره لقوله تعالى (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) .
__________________
فقال :
|
وفي هذه الآية دلالةٌ واضحةٌ على انه
تعالى لايرى بالابصار ؛ لانه تمدح بنفي الادراك عن نفسه ، وكلما كان نفيه مدحاً
غير متفضل به فاثباته لايكون الا نقصاً ، والنقص لايليق به تعالى.
|
وبهذا يتفق الشيخ الطوسي مع اراء
المعتزلة وبعض الصحابة في عدم جواز القول برؤية الله ( تعالى ) ولذلك يقول :
|
وقال الشعبي : قالت عائشة : من قال ان احدا راى
ربه فقد اعظم الفرية على الله وقرات الآية ، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من
المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم ... وقال أهل الحشو والمجبرة
بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة ، وتاولوا الآية على الاحاطة وقد بينا
فساد ذلك.
|
ولم تنفرد الإماميّة بالقول بعدم جواز
الرؤية على الله ( تعالى ) ، بل شاركهم في هذا الراي المعتزلة والخوارج والزيديّة
وكثيرٌ من أهل الحديث ، وهذا ما اوضحه الشيخ المفيد حيث يقول :
|
لايصحّ رؤية الباري سبحانه بالابصار ،
وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر من ائمة الهدى من ال محمدٍ 9 وعليه جمهور أهل الإماميّة وعامة
متكلميهم الا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تاويل الاخبار ، والمعتزلة باسرها
توافق أهل الامامة في ذلك ، وجمهور المرجئة وكثيرٌ من الخوارج والزيدية وطوائف
من اصحاب الحديث ، ويخالف فيهم المشبهة اخوانهم من اصحاب الصفات.
|
وقال الطوسي في تفسيره لقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)
.
__________________
|
وقوله : (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) معناه منتظرةٌ نعمة ربها وثوابه ان
يصل اليهم.
وقوله (وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ) معناه لاينيلهم رحمته.
وقال الطوسي في تفسيره لقوله تعالى : (وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) .
وقوله : (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) معناه منتظرةٌ نعمة ربها وثوابه ان
يصل اليهم وقوله (وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ) معناه لاينيلهم رحمته ، ويكون النظر بمعنى المقابلة ومنه
المناظرة في الجدل ....
وليس النظر بمعنى الرؤية اصلاً بدلالة
انهم يقولون : نظرت إلى الهلال فلم اره فلوكان بمعنى الرؤية لكان متناقضاً ....
|
ثم يقول :
|
ولوسلمنا ان النظر يعدل الرؤية لجاز
ان يكون المراد انها رؤية ثواب ربها ، لان الثواب الذي هو انواع الملذات من
الماكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته ويجوز أيضاً ان يكون إلى واحد الالاء وفي
واحدها لغات ( الا ) مثل قفا و ( إلى ) مثل معى و ( إلى ) مثل حسى فاذا اضيف إلى
غيره سقط التنوين ، ولايكون ( إلى ) حرفاً في الآية وكل ذلك يبطل قول من اجاز
الرؤية على الله تعالى .
وليس لاحد ان يقول :
ان الوجه الاخير يخالف الاجماع ، اعني
اجماع المفسرين وذلك لانا لانسلم لهم ذلك بل قد قال مجاهد وابو صالح والحسن
وسعيد بن جبير والضحّاك : ان المراد نظر الثواب. وروي مثله عن علي 7 .
وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان
ونظر الراضي ويقولون : نظر الغضبان ونظر الراضي ونظر عداوة ونظر مودّةٍ قال الشاعر
:
|
__________________
تخبرني العينان ما الصدر كاتمٌ
|
|
ولاحن بالبغضاء والنظر الشزر
|
|
والرؤية ليست كذلك فانهم لايضيفونها
فدل على ان النظر غير الرؤية والمرئي هوالمدرك ولاتصح الرؤية وهي الادراك الا
على الاجسام او الجوهر او الالوان .. ومن شرط المرئي ان يكون هو او محله مقابلا
او في حكم المقابل وذلك يستحيل عليه تعالى ، فكيف نجيز الرؤية عليه تعالى؟
|
ووفق هذا التصور فسر الشيخ الطوسي ( الوجه )
في قوله تعالى:
(وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
|
فقال : المراد بالوجه فيه اختلاف ،
قال الحسن ومجاهد : المراد به فثم جهة القبلة ، وهي الكعبة ، لانه يمكن التوجه
اليها من كل مكان.
وقيل : معناه فثم وجه الله فادعوه كيف
توجهتم.
وقال اخرون واختاره الرماني والجبائي
: فثم رضوان الله ، كما يقال وهذا وجه العمل ، وهذا وجه الصواب ، وكانه قال :
للوجه الذي يؤدي إلى رضوان الله .
ومثل ذلك قاله في تفسيره للفظة (يَدُ
اللَّهِ) في قوله تعالى : (يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).
قيل في معناه قولان :
احدهما : عقد الله في هذه البيعة فوق
عقدهم ، لانهم بايعوا الله ببيعة النبي 9.
والاخر : قول الله في نصرة نبيه 9 فوق نصرتهم.
وقيل : يداللّه في هدايتهم فوق ايديهم
بالطاعة .
|
وبهذا يكون الشيخ الطوسي وضح المعنى بما
ينسجم والراي الذي اجمع عليه الإماميّة بعيدا عن كل تجسيم او تشبيه بصفات
المخلوقين.
وعند تفسيره لقوله تعالى : (وَمَا قَدَرُوا
الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
__________________
وَالسَّموَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)
.
|
قال : ومعنى الآية ان الارض باجمعها
في مقدوره كما يقبض عليه القابض فيكون في قبضته وكذلك قوله (وَالسَّموَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) معناه اي في مقدوره طيها وذكرت اليمين مبالغةً في
الاقتدار والتحقيق للملك .
وقداكد الشيخ الطوسي ان التشبيه كفرٌ
باللّه عز وجل وذلك عند تفسيره لسورة الاخلاص فقال :
وقوله (اللَّهُ الصَّمَدُ) وقيل في معناه قولان :
احدهما : قال ابن عباس وشقيق وابو
وائل : انه السيد المعظم.
الثاني : ان معناه الذي يصمد إليه
بالحوائج ليس فوقه احد.
ثم اردف قائلاً : ومن قال : الصمد
بمعنى المصمت ، فقد جهل الله ، لانه المصمت هو المتضاغط الاجزاء ، وهو الذي
لاجوف له ، وهذا تشبيه وكفر باللّه تعالى.
وقوله (لَمْ يَلِدْ) نفي منه تعالى لكونه والداً له ولدٌ.
وقوله (وَلَمْ يُولَدْ) نفي لكونه مولوداً له والدٌ ، لان
ذلك من صفات الاجسام وفيه ردٌّ على من قال : ان عزير والمسيح ابناء الله تعالى
وان الملائكة بنات الله .
قوله : (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا
أَحَدٌ) نفي من الله تعالى ان يكون له مثلٌ او شبيهٌ او نظيرٌ .
|
خلق القرآن
يجمع الإماميّة على ان القرآن مخلوقٌ
محدثٌ لم يكن ثم كان .
وهم بذلك يقصدون الالفاظ والحروف
المقروءة التي تضمنها كتاب الله تعالى الذي انزله على نبيه الامين محمد بن عبد
الله 9.
وهكذا يتضح اعتقاد الإماميّة في هذه
المسالة والى هذا المعنى اشار السيد الطباطبائي في الميزان بقوله :
|
ان اريد بالقرآن هذه الآيات التي
تتلوها بما انها كلام دالٌّ على معان ذهنيةٍ فهو ليس بحسب الحقيقة لاحادثاً ولا
قديماً ، وانما هو متصف بالحدوث بحدوث الاصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام
والقرآن ، وان اريد به ما في علم الله من معانيها الحقة كان كعلمه تعالى بكل شيء
حقاً قديماً بقدمه ، فالقرآن قديمٌ اي علمه تعالى به قديمٌ .
|
اما الأشعري فيذهب إلى انّ :
|
القرآن باعتباره كلاماً يدل على معنى
العلم الالهي الذي هو عين الذات ، فانه قديمٌ من هذه الجهة ، وعليه فلا يمكن ان
يوصف بوصفٍ زماني ، فهو ليس بقديمٍ ولامخلوقٍ ولكنّه كلام الله .
|
والشيخ الطوسي قال كغيره من علماء
الإماميّة بحدوث القرآن ، ودافع عن هذا بحماسٍ ، ومن ذلك قوله عند تفسيره للآية الكريمة
(مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ
إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ )
:
|
وفي هذه الآية دلالةٌ على ان القرآن
محدث ، لانه تعالى اخبر انه ليس ياتيهم ذكر محدثٌ من ربهم الا استمعوه ، وهم
لاعبون ، ثم قال : والاستماع لايكون الا في الكلام ، وقد وصفه بانه محدثٌ فيجب
القول بحدوثه .
|
كما واكد الشيخ الطوسي مثل هذا المعنى
عند تفسيره لقوله تعالى :
(وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ
أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)
فقال :
__________________
|
وفي ذلك دلالة على حدوثه ، لان مايوصف
بالانزال وبانه مبارك يتنزل به لايكون قديما ، لان ذلك من صفات المحدثات .
|
ونجده في موضع اخر وعند تفسيره لقوله
تعالى :
(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
الله عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
يقول :
|
وفي الآية دليلٌ على
ان القرآن غير الله ، وان الله هو المحدث له والقادر عليه ، لان ماكان بعضه خيراً
من بعض او شراً من بعض فهو غير الله لامحالة ، وفيها دليل ان الله قادرٌ عليه
وماكان داخلاً تحت القدرة فهو فعلٌ والفعلُ لايكون الا محدثاً ، ولانه لوكان
قديماً لما صح وجود النسخ فيه
|
وظل الشيخ الطوسي متبنياً لراي
الإماميّة في مسالة خلق القرآن ، ويستثمر لذلك الراي والدفاع عنه كل مناسبة يمكنه
الحديث من خلالها حول هذا الموضوع ، ولذلك نراه عندما يفسر قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
يقول :
|
وفيه دلالةٌ على حدوثه ، لان المجعول
هو المحدث ، ولان مايكون عربيّاً لايكون قديما لحدوث العربية ، فان قيل : معنى
جعلناه سميناه ، لان الجعل قد يكون بمعنى التسمية ، قلنا : لايجوز ذلك ـ هاهنا ـ
لانه لوكان كذلك لكان الواحد منا اذا سماه عربياً فقد جعله عربياً ، وكان يجب
لوكان القرآن على ما هو عليه ، وسمّاه اعجمياً لن يكون اعجميا ، اوكان يكون بلغة
العجم وسماه عربياً لن يكون عربياً ، وكل ذلك فاسد .
|
__________________
العدل
وهو الاصل الثاني من اصول الدين عند
الشيعة الإماميّة الذين يعتقدون :
|
ان من صفات الله الثبوتية الكمالية
انه عادل غير ظالم ، فلايجور في قضائه ولايحيف في حكمه ، يثيب المطيعين ، وله ان
يجازي العاصين ، ولايكلف عباده مالايطيقون ، ولايعاقبهم زيادة على مايستحقون ،
وانه سبحانه لايترك الحسن عند عدم المزاحمة ، ولايفعل القبيح لانه تعالى قادرٌ
على فعل الحسن وترك القبيح ، مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك
الحسن وعن فعل القبيح ، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه ، ولاالقبيح
يفتقر إليه حتى يفعله ، وهو مع كل ذلك حكيمٌ لابد ان يكون فعله مطابقاً للحكمة ،
وعلى حسب النظام الاكمل ... وبذلك فان الله تعالى منزهٌ عن الظلم وفعل ماهو قبيحٌ
.
|
وقد تطرّق الشيخ الطوسي إلى جملة من
المسائل التي تتصل بالعدل ، وطرح رايه فيها ، وناقش اراء من يختلف معهم ، وفند ما
لم يقم عليه دليل من تلك الاراء ، كما انه اتفق مع غيرالامامية في كثير من هذه المسائل
، وبين اوجه التشابه بينها ، وهنا نعرض لبعض تلك المسائل التي ادلى فيها الشيخ
الطوسي بدلوه ، وهو يفسر آيات الكتاب المجيد :
١. الظلم والفساد : تعرّض الشيخ الطوسي
لمسالة الظلم والفساد ، وعلاقة ذلك باللّه تعالى ، فاكد تنزيهه سبحانه ، فقال في
تفسيره لقوله تعالى : (وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا
لِّلْعِبَادِ):
|
انه تعالى لايريد ظلماً للعباد
ولايؤثره لهم ، وذلك دالٌّ على فساد قول المجبّرة الذين يقولون : ان كل ظلمٍ في
العالم بارادة الله .
|
وقال في تفسيره لقوله تعالى :
__________________
(إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا)
.
|
وفي الآية دلالة على ان منع الثواب
ظلم ، وفيه أيضاً دلالةٌ على انه قادر على الظلم لانهاصفة تعظيمٍ وتنزيهٍ عن فعل
مايقدر عليه ، فانه لايفعله لعلمه بقبحه ولانه غني عنه ، ولانه لوفعل لكان ظالماً
... وذلك منزهٌ عنه تعالى .
|
وقال عند تفسيره للآية الكريمة : (وَمَا كَانَ
الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
:
|
فانه تعالى لم يظلم احداً من العباد ،
بل كانوا انفسهم يظلمون بجحدهم نعم الله واتخاذهم مع الله الهة عبدوها ،
وطغيانهم وفسادهم في الارض ، وذلك يدل على فساد قول المجبرة الذين قالوا : ان
الظلم من فعل الله ، لانه لوكان من فعله لماكانوا هم الظالمين انفسهم ، بل كان
الظالم لهم من فعل فيهم الظلم .
|
كما ويرى المفسر ان في الآية الكريمة (وَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ )
دلالةً على
بطلان مذهب المجبرة في ان الله تعالى يريد الظلم ، لانه قال : (لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ)
واذا لم يحب الظلم لم يحب فعل الظلم ، لانه انما لم يجزمحبة الظالم لظلمه ،
والمحبة هي الارادة ، وفي الآية دلالةٌ على انه لايجازي المحسن بما يستحقه المسيء
ولا المسيء بما يستحقه المحسن ، لان ذلك ظلمٌ .
كما واحتجّ الشيخ الطوسي على المجبرة
الذين ينسبون الظلم إلى الله ( تعالى ) بدليلين وذلك عندما فسر قوله تعالى :
__________________
(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ
يَدَاكَ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
)
قال :
|
انه تعالى لايفعل القليل من الظلم
لامرين : احدهما : انه خرج مخرج جواب للمجبرة وردا عليهم ، لانهم ينسبون كل ظلمٍ
في العالم إليه تعالى ، فبين انه لوكان كما قالوا لكان ظلاماً وليس بظالمٍ.
الثاني : انه لوفعل اقل قليل الظلم
لكان عظيماً منه ، لانه يفعله من غير حاجة إليه ، فهواعظم من كل ظلم فعله فاعله
لحاجته إليه .
|
أفعال العباد
اختلفت المدارس الإسلاميّة في ارائها
حول مسالة حرية الارادة بالنسبة للانسان ، وفيما اذاكانت افعاله التي يقوم بها
تاتي بمحض ارادته واختياره ام انه مجبورٌ على فعلها ومسير ازائها ، ولايملك الا ان
يفعل ، وفي ذلك نشات مدارس مختلفةٌ في الراي ومتباينةٌ في الاتجاه ، تطرفت احداهن
للقول : ان الإنسان مجبورٌ ومسيّرٌ ، وانه لابد له من الاستجابة ، لماجبل عليه من
فعل الخير او الشر ، وقالت اخرى :
بان الإنسان مفوّضٌ إليه فعله ، فهو
يفعل كما لو لم تكن هناك ارادة الهية تتصرف في هذا الوجود ، وبين هذه المدرسة وتلك
وقفت المدرسة الإماميّة لتقول كلمتها فكانت على لسان الامام جعفربن محمد الصادق 7 حيث قال :
« لاجبر ولاتفويض ولكن امرٌ بين امرين »
.
وبذلك كانت المدرسة الإماميّة تحتل
الموقف الوسط بين المدارس الإسلاميّة الاخرى وتمثل الاعتدال في الراي وقد اكد ذلك
الامام الصادق 7
حين سئل عن الجبر والقدرفقال:
|
( لاجبر ولاقدر ولكن منزلةٌ بينهما ،
فيها الحق ... لايعلمها الا العالم او من علمها اياه
|
__________________
وقد دافع الشيخ الطوسي عن الراي الذي
تتبناه المدرسة الإماميّة في هذا المجال ، وطرح رايه في اكثر من موقفٍ ، كما ناقش
المجبرة كثيراً ، وفند اراءهم ، وهو يمر بعشرات الآيات القرآنية مفسّراً.
فقال في تفسيره لقوله تعالى :
(وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ
مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذَلِكَ
كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا
)
قال :
|
فخص من ذلك السي ء بانه مكروه عند
الله لانه تعالى لايكره الحسن وفي ذلك دلالةٌ على بطلان مذهب المجبرة من ان الله
يريد المعاصي لان هذه الآية صريحةٌ بانّ السيّء من الافعال مكروهٌ عند الله .
|
وقال عند تفسيره لقوله تعالى :
(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ
إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ
بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)
فقال :
|
ثم اخبر ان المرسل اليهم مختارون غير
مجبرين ولامضطرين ، ودلّ على انّه غير محدثٍ لشيء من افعالهم فيهم ، وان الافعال
لهم هم يكتسبونها بما خلق الله فيهم من القدرة وانه قد هداهم وبين لهم وبشرهم
وانذرهم فمن امن اثابه ومن عصاه عاقبه ، ولوكانوا مجبورين على المعاصي مخلوقاً
فيهم الكفر ، ولم يجعل فيهم القدرة على الايمان لماكان
|
__________________
وقال الطوسي عند تفسيره للآية الكريمة :
(إِنَّ الله فَالِقُ الْحَبِّ
وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ
ذَلِكُمُ الله فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )
|
وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال
: ان الله ( تعالى ) يحول بين العبد وبين مادعاه إليه ، اذ يخلق فيه مانهاه عنه
... ، لانه قال : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ولوكان شيئاً من ذلك لكان هوالموفك
لهم والصارف ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
|
وعند تفسيره لقوله تعالى :
(إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ
النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
قال الشيخ الطوسي :
|
اخبر الله تعالى في هذه الآية على وجه
التمدح به بانه لايظلم احداً شيئاً ، وانما الناس هم الذين يظلمون انفسهم
بارتكاب مانهى الله عنه من القبائح ، فيستحقون بها عقاباً ، فكانهم الذين ادخلوا
عليها ضرراً ، فلذلك كانوا ظالمين لانفسهم والمعنى ـ هاهنا ـ ان الله لايمنع
احدا من الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن وادلته ، ولكنهم يظلمون
انفسهم بترك النظر فيه والاستدلال به وتفويتهم انفسهم الثواب وادخالهم عليها
العقاب ، ففي الآية دلالة على ان فاعل الظلم ظالمٌ كما ان فاعل الكسب كاسب ،
وليس لهم ان يقولوا بفعل الظلم ولايكون ظالماً به .
|
وبهذا يكون الشيخ الطوسي قد نفى الراي
القائل بان الله هو الخالق لافعال العباد وليس للانسان القدرة على فعلها.
واكد هذا المعنى أيضاً في تفسيره لقوله
تعالى :
__________________
(أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ
شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ
كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
فقال :
|
ومن تعلق من المجبرة بقوله (قُلِ
الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) على ان افعال العباد مخلوقةٌ للّه فقد ابعد ، لان المراد
بذلك ماقدمناه من انه تعالى خالق كل شيء يستحق بخلقه العبادة دون مالايستحق به
ذلك ، ولوكان المراد ماقالوه لكان فيه حجّةٌ للخلق على الله تعالى وبطل التوبيخ
الذي تضمنته الآية إلى من وجه عبادته الاصنام ، لانه اذا كان الخالق لعبادتهم
الاصنام هو الله على قول المجبرة فلا توبيخ يتوجه على الكفار ، ولا لوم يلحقهم ،
بل لهم ان يقولوا : انك خلقت فينا ذلك فما ذنبنا فيه ، ولم توبخنا على فعلٍ
فعلته؟فتبطل حينئذ فائدة الآية .
|
وهذا المعنى كان قد اكده الشيخ المفيد
وهو استاذ مفسرنا حين قال :
« الصحيح عن ال محمد 9 : ان افعال العباد غير مخلوقة للّه ».
من هنا نجد الشيخ الطوسي حين يفسر قوله
تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)
يقول :
|
ثم نبههم فقال : واللّه تعالى هذا
الذي خلقكم وخلق الذي تعملون فيه من الاصنام ، لانها اجسام ، واللّه تعالى هو
المحدث لها ، وليس للمجبرة ان تتعلق بقوله (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ ) فنقول : ذلك يدل على ان الله خالق لافعالنا ، لامور :
احدها : ان موضوع كلام إبراهيم لهم
بني على التقريع لهم لعبادتهم الاصنام ، ولوكان من فعله تعالى لماتوجه عليهم
العيب ، بل كان لهم ان يقولوا :
لم توبخنا على عبادتنا للاصنام واللّه
الفاعل لذلك فكانت الحجة لهم لا عليهم.
الثاني : انه قال لهم (أَتَعْبُدُونَ
مَا تَنْحِتُونَ) ونحن نعلم انهم لم يكونوا يعبدون نحتهم الذي
|
__________________
|
هو فعلهم ، وانما يعبدون الاصنام التي
هي الاجسام وهي فعل الله بلاشك. فقال لهم (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ
)
وخلق هذه الاجسام .
|
وقداتفق الإماميّة مع المعتزلة في مسالة
افعال العباد عندما قالوا بان العبد قادرٌ خالقٌ لافعاله خيرها وشرها مستحقٌّ على
مايفعله ثواباً وعقاباً في الدار الآخرة ، والرب تعالى منزه ان يضاف إليه شر وظلمٌ
وفعلٌ ، هو كفرٌ ومعصيةٌ ، لانه لوخلق الظلم كان ظالماً ، كما لو خلق العدل كان
عادلاً .
الحسن والقبح
|
الحسن والقبيح صفتان كاملتان في ذوات
الاشياء ، فبعضها حسن وبعضها قبيح ، وان العقل الذي هو الرسول الباطن يدركهما ،
ويحكم بهما قبل ورود الشرع.
|
ولهذا فالقبح والحسن عقليان قبل ان
يكونا شرعيين ولذا فالانسان باعتباره كائناً عاقلاً وخالقا لافعاله ، فهو مسؤول
عنها ، ومثل هذا الراي قالت به المعتزلة فقسموا الافعال إلى حسنة وقبيحة ، وراوا
ان الإنسان قادرٌ ان يميز بعقله قبل ورود الشرع بين حسنها وقبيحها
والى هذا يذهب الشيخ الطوسي اثناء
التفسير فيقول عند تفسيره لقوله تعالى : (وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ
مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
قال :
|
فيه ابطال لمذهب المجبرة في ان الله تعالى
يريد القبيح من افعال العباد لان الله تعالى قطع على كذبهم في ان الله تعالى
يشاء عبادتهم للملائكة وذلك قبيح لامحالة وعند المجبرة :
|
__________________
|
اللّه تعالى شاءه. وقدنفاه تعالى عن
نفسه وكذبهم في قوله .
|
وفي هذا يقول الشيخ الطوسي عند تفسيره
للآية الكريمة.
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا
يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ
الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ الله وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله وَيَقُولُونَ
عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
|
وقوله (وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ
اللّهِ) دلالة على ان المعاصي ليست من عند الله بخلاف ماتقوله
المجبرة ، ولا من فعله لانها لوكانت من عنده وليس لهم ان يقولوا انها من عنده
خلقاً وفعلاً وليست من عنده انزالاً ولا امراً ، وذلك انها لوكانت من عنده فعلاً
او خلقاً لكانت من عنده على اكد الوجوه فلم يجز اطلاقاً النفي بانها ليست من عند
اللّه. وكما لايجوز ان تكون من عند الله من وجه من الوجوه لاطلاق النفي بانه ليس
من عند الله ، فوجب العموم فيها باطلاق النفي .
|
وأكّد المفسر هذا المعنى عند تفسيره
لقوله تعالى :
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ
لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ
كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ
عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ
تَخْرُصُونَ)
. فقال :
|
وفي هذه الآية اول دلالة على ان الله لايشاء
المعاصي والكفر ، وتكذيب ظاهر لمن اضاف ذلك إلى الله ، مع قيام ادلة العقل على
انه تعالى لا يريد القبيح ، لان ارادة القبيح قبيحة ، وهو لايفعل القبيح ، ولان
هذه صفة نقصٍ فتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
|
وبهذا وغيره اكد الشيخ الطوسي على ان
المسؤولية تقع على العبد نفسه في اختياره
للحسن والقبيح من
الاعمال ، وان الله لم يسلب منه حرية الاختيار بعد ان زوده بالعقل الذي بواسطته
يستطيع التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر والحسن والقبيح.
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) .
النبوة
وهي الاصل الثالث من اصول الدين عند
الشيعة الإماميّة ، وهم يعتقدون
|
بان النبوة وظيفة الهية وسفارةٌ
ربانيةٌ يجعلها الله تعالى لمن ينتخبه ويختاره من عباده الصالحين واوليائه
الكاملين في انسانيتهم فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية ارشادهم إلى ما فيه منافعهم
ومصالحهم في الدنيا والاخرة ، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الاخلاق
ومفاسد العادات وتعليمهم الحكمة والمعرفة وبيان طرق السعادة والخير لتبلغ
الانسانية كمالها اللائق بها ، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين ... ، كما
وان الله تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي او ترشيحه او انتخابه وليس لهم
الخيرة في ذلك ، بل امر كل ذلك بيده تعالى ، وليس لهم ان يتحكموا فيمن يرسله
هاديا ومبشرا ونذيرا ولا ان يتحكموا فيما جاء به من احكام وسنن وشريعةٍ .
|
ويعتقد الإماميّة ان قاعدة اللطف توجب
ان يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله ، لهداية البشر واداء الرسالة الاصلاحية ،
وليكونوا سفراء الله وخلفاءه
وهم بذلك يتفقون مع المعتزلة الذين اعتبروا النبوة لطفاً حين بعث الله الانبياء ،
لان المؤمنين ماكانوا بغير بعثتهم يؤمنون
، في حين خالفوا الاشاعرة الذين قالوا بان انبعاث الرسل من القضايا الجائزة لا الواجبة
ولا المستحيلة .
__________________
كما ويعتقد
الإماميّة بوجوب عصمة
الانبياء : ، ويستدلون
على وجوبها بقولهم :
|
لوجاز ان يفعل النبي المعصية ، او
يخطا وينسى ، وصدر منه شيء من هذا القبيل فاما ان يجب اتباعه في فعله الصادر منه
عصياناً او خطاءً ، او لايجب ، فان وجب اتباعه فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من
الله تعالى ، بل اوجبنا ذلك ، وهذا باطل بضرورة الدين والعقل ، وان لم يجب
اتباعه ، فذلك ينافي النبوة التي لابد ان تقترن بوجوب الطاعة ابدا ، على ان كل
شيء يقع منه من فعل او قول فنحن نحتمل فيه المعصية او الخطا ، فلايجب اتباعه في
شيء من الاشياء ، فتذهب فائدة البعثة ، بل يصبح النبي كسائر الناس ليس لكلامه
ولا لعمله تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً ، كما لاتبقى طاعة حتمية
لاوامره ولاثقةٌ مطلقةٌ باقواله وافعاله.
|
ويذهب الإماميّة إلى اكثر من ذلك ، حيث
يعتقدون بعصمة الانبياء حتى قبل بعثتهم ، والى هذا المعنى يشير السيد المرتضى مبيّناً
وجه الخلاف بين الإماميّة وغيرهم من المذاهب الإسلاميّة في هذا المجال فيقول :
|
اختلف الناس في الانبياء : ، فقالت الشيعة الإماميّة : لايجوز
عليهم شيءٌ من المعاصي والذنوب كبيراً وصغيراً لاقبل النبوة ولابعدها ، بينما
جوز اصحاب الحديث والحشوية على الانبياء الكبائر قبل النبوة ، ومنهم جوزها في
حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق باداء الشريعة ، ومنعت المعتزلة من وقوع
الكبائر والصغائر المستخفة من الانبياء : : قبل النبوة وفي حالها ، وجوزت في الحالين وقوع
مالايستخف من الصغائر .
|
وقد دافع الشيخ الطوسي في تفسيره عن
عصمة الانبياء جميعاً دون استثناء ففي تفسيره قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ
لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا )
ذكر
احتمالات اربعةً كان قد اوردها المفسرون للمراد من الذنب الذي ذكرته الآية الكريمة
، ثم جاء عليها لينسفها جميعاً دفاعاً عن الانبياء وايماناً منه بعصمتهم ، فقال
__________________
بعد ان ذكر
الاحتمالات الاربعة والتي هي :
|
احدها : ما تقدم من معاصيك قبل النبوة
وماتاخر عنها.
الثاني : ماتقدم قبل الفتح وتاخر عنه.
الثالث : ما قد وقع منك ومالم يقع على
طريق الوعد بانه يغفره له اذا كان.
الرابع : ما تقدم من ذنب ابيك ادم وما
تاخر عنه .
وهذه الوجوه كلها لاتجوز عندنا ، لان
الانبياء : لايجوز
عليهم فعل شيء من القبيح لاقبل النبوة ولابعدها ، لاصغيرها ولاكبيرها. فلا يمكن
حمل الآية على شيءٍ مما قالوه ولاصرفها إلى ادم لان الكلام فيه كالكلام في نبينا
محمدٍ : .
|
وبنفس هذه الروح دافع عن عصمة ادم 7 وهو يفسر قوله تعالى :
(فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ
لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى
آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )
فقال :
|
قال قوم اخرون انه وقع من ادم عند اكل
الشجرة خطاءٌ ، لانه كان نهي عن جنس الشجرة فظن انه نهي عن شجرة بعينها فاخطا في
ذلك ، وهذا خطا ، لانه تنزيهٌ له من وجه المعصية ونسبة المعصية إليه من وجهين :
احدهما : انه فعل القبيح ، والثاني : انه اخطا في الاستدلال ، وقال قوم : انها
وقعت منه عمدا وكانت صغيرة ، وقعت محبطةً ، وقد بينا ان ذلك لايجوز عليهم : عندنا بحال .
|
ونراه في مكان اخر يرد على الجبائي وهو
يفسر قوله تعالى :
(عَفَا الله عَنكَ لِمَ
أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) .
فيقول :
|
وقال ابو علي الجبائي في الآية دلالةٌ
على ان النبي 9
كان وقع منه ذنب في هذا الاذن.
|
__________________
|
قال : لانه لايجوز ان يقال لم فعلت
ماجعلت لك فعله؟ كما لايجوز ان يقول لم فعلت ما امرتك بفعله ، وهذا الذي ذكره
غير صحيح لان قوله (عَفَا الله عَنكَ) انما هي كلمة عتاب له 9 لم فعل ماكان الاولى به ان لايفعله ،
لانه وان كان فعله من حيث لم يكن محظورا فان الاولى ان لايفعله ، ... وكيف يكون
ذلك معصية وقد قال الله في موضع اخر (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ
لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ) وانما اراد الله انه كان ينبغي ان
ينتظر تاكيد الوحي فيه ، ومن قال : هذا ناسخ لذلك فعليه الدلالة .
|
وهكذا يظل الشيخ الطوسي مدافعا عن كل
مامن شانه ان يشين من عصمة الانبياء سلام الله عليهم ويرد من يتوهم وقوعهم حتى في
الصغائر ، لذلك نجده عند تفسيره لقوله تعالى :
(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
يقول :
|
ومن قال : انه ـ اي موسى 7. استغفر من صغيرة كانت منه او من اخيه
فقد اخطا ، ويقال له :
الصغيرة على مذهبكم تقع مكفرةً محبطة
فلامعنى لسؤال المغفرة لها .
|
وقد اكد المفسر :
|
ان الانبياء : لايجوز عليهم شيء من القبائح
لاكبيرها ولاصغيرها لان ذلك يؤدي إلى التنفير عن قبول قولهم ، والانبياء منزهون
عما ينفر عنهم على كلّ حالٍ .
|
الامامة
وهي الاصل الرابع من اصول الدين عند
الشيعة الإماميّة الذين يرون ان الايمان لايتم الا بالاعتقاد بها ، ولايجوز فيها
تقليد الاباء والاهل والمربين مهما عظموا وكبروا ، بل يجب النظر في التوحيد والنبوة
، وانها كالنبوة لطف من الله تعالى ، فلابد ان يكون في كل عصرٍ امام
__________________
هادٍ يخلف النبي في
وظائفه من هداية البشر وارشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشاتين ، وله ما للنبي
من الولاية العامة على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم واقامة العدل بينهم ورفع
الظلم والعدوان من بينهم ، وعلى هذا فالامامة استمرار للنبوة والدليل الذي يوجب
ارسال الرسل ، وبعث الانبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الامام بعد الرسول ، كما وان
الإماميّة يعتقدون بان الامامة لاتكون الا بالنص من الله تعالى على لسان النبي او
لسان الامام الذي قبله ، وليست هي بالاختيار والانتخاب من الناس وان الامام كالنبى يجب ان يكون معصوماً
من جميع الرذائل والفواحش
ومن السهو والخطا والنسيان ، والدليل الذي اقتضى عصمة الانبياء هو نفسه يقتضي
الاعتقاد بعصمة الائمة .
ويختلف الإماميّة مع المعتزلة في مسالة
النص على الامام.
فالشيعة الإماميّة يقولون بوجوب النص من
الله تعالى على لسان النبي 9
للامام ، والامامة عندهم ليست بالاختيار والانتخاب ، وهذا ما اكده الشيخ المفيد
حين قال :
|
اتفقت الإماميّة على ان الامامة
لاتثبت مع عدم المعجز لصاحبها الا بالنص على عينه والتوقيف ، واجمعت المعتزلة
والزيدية والمرجئة والمتسمون باصحاب الحديث على خلاف ذلك ، واجازوا الامامة في
من لامعجز له ولانص عليه ولاتوقيف .
وترى المعتزلة : ان الامامة تكون
بانعقاد راي الامة على اختيار من يكون لها اماماً في شؤون دينها ودنياها .
|
واختيار الامة الذي تراه ملزماً في
تنصيب الامام يختلف تماماً مع النص الذي تؤمن به الإماميّة والتي لادخل للامة فيه
اطلاقاً ، حيث ان النص من قبل الله ورسوله بينما الاختيارمن قبل الامة ، وهو
ماترفضه الإماميّة ولاترى في اختيارها لامامٍ ما ملزماً لطاعته شرعاً.
__________________
ويرى الاماميون ان الامامة منصب الهي
سنه الله للبشر كما سن النبوة ، وان الفرق بين النبي والامام هو :
|
ان الامام لايوحى إليه كالنبي وانما
يتلقى الأحكام منه مع تسديد الهي فالنبي مبلغٌ عن الله والامام مبلغ عن النبى .
|
وبهذا فالامامة رئاسة دينية وزعامة الهية
ونيابةٌ عن الرسول في اداء وظائفه
وقد اشترطوا في الامام شروطاً لابد من توفرها فيه فعن الامام علي بن موسى الرضا 9 قال :
|
الامام عالمٌ لايجهل راع لاينكل .. نامي
العلم كامل الحلم .. مضطلع بالامامة عالمٌ بالسياسة مفروض الطاعة قائم بامر الله
عز وجل ناصح لعباد الله حافظٌ لدين الله .
|
ومن كل ماتقدم يتضح لنا ان من شروط
الامامة هي :
١. العصمة.
٢. الاعلمية.
٣. النص على امامته.
وبهذا اجمعت الإماميّة على ان امام
الدين لايكون الا معصوماً من الخلاف للّه تعالى ، عالما بجميع الدين ، كاملاً في
الفضل بايناً من الكل بالفضل عليهم في الاعمال التي يستحق بها النعيم المقيم .
واجمعت المعتزلة والفرق الخارجة عن سمة
الإماميّة على خلاف ذلك ، وجوزوا ان يكون الائمة عصاة في الباطن وممن يقارف الاثام
، ولايجوز الفضل ، ولايكمل علوم الدين.
__________________
والشيخ الطوسي يتطرق لموضوع عصمة الامام
في مواضع كثيرة من التبيان
فيقول :
عند تفسيره للآية الكريمة : (وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
فيقول :
|
واستدل اصحابنا ـ يعني الإماميّة ـ
بهذه الآية على ان الامام لايكون الا معصوماً من القبائح لان الله تعالى نفى ان
ينال عهده ـ الذي هو الامامة ـ ظالم ومن ليس بمعصومٍ فهوظالم : اما لنفسه او
لغيره .
|
ويقول الشيخ الطوسي رادا على مخالفيه في
هذا الموضوع عند تفسيره لقوله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً
يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله وَلَـكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)
يقول :
|
قال الجبائي : وفي الآية دليلٌ على
بطلان قول الرافضة من ان الائمة معصومون منصوصٌ عليهم واحداً بعد الاخر إلى يوم
القيامة ، لان على هذا لابد ان يعلم اخر الائمة ان القيامة تقوم بعده ، ويزول
التكليف عن الخلق ، وذلك خلاف قوله : (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا
عِندَ الله ).
وهذا الذي ذكره باطلٌ ، لانه لايمتنع
ان يكون اخر الائمة يعلم انه لا امام بعده وان لم يعلم متى تقوم الساعة ، لانه
لايعلم متى يموت ، فهو يجوز ان يكون موته عند قيام الساعة ، اذا اردنا انه وقت
فناء الخلق. وان قلنا : ان الساعة عبارة عن وقت قيام الناس في الحشرفقد زالت
الشبهة ، لانه اذا علم انه يفنى الخلق بعده لايعلم متى يحشر الخلق .
|
وعن وجوب اطاعة الائمة قال الشيخ الطوسي
عند تفسيره لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ
__________________
وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) .
|
روى اصحابنا عن ابي جعفر ـ يعني محمد
الباقر ـ وابي عبد الله ـ يعني جعفرالصادق 8. انهم الائمة من ال محمدٍ ، فلذلك اوجب الله تعالى طاعتهم
بالاطلاق ، كما اوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك ، ولايجوز ايجاب طاعة احدٍ
مطلقاً الا من كان معصوما مامونا منه السهو والغلط .
|
وبهذا فان الشيخ الطوسي كغيره من علماء
الإماميّة يرى ان الائمة ليسوا معصومين عن المعاصي والقبائح فحسب ، وانما هم
معصومون حتى من السهو أيضاً ، من هنا جاء تاكيده على ولايتهم للامر بعد الرسول كما
ورد في تفسيره لقوله تعالى : (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ
مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى
أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ
فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) .
قال ابو جعفر 7
: هم الائمة المعصومون .
هذا وقد اكد مفسرنا على امامة الائمة
وفي اكثر من موضع من تبيانه
فهو عندما يفسرقوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ
الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )
يقول :
|
واعلم ان هذه الآية من الدلالة
الواضحة على امامة امير المؤمنين 7 بعد النبي بلافصل ، ووجه الدلالة فيها انه قد ثبت ان
الولي في الآية بمعنى الاولى والاحق ، وثبت أيضاً المعنى بقوله : (وَالَّذِينَ
آمَنُواْ) : امير المؤمنين 7 ، فاذا ثبت هذان الاصلان دل على امامته .
|
كما واكد الشيخ الطوسي افضلية الامام
على 7 عند تفسيره
للآية الكريمة :
__________________
(إِن تَتُوبَا إِلَى
الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلَاهُ
وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)
يقول المفسر :
|
وروت الخاصة والعامة ان المراد بصالح
المؤمنين علي بن ابي طالب 7 ، وذلك يدلّ على انه افضلهم .
|
وقال عند تفسيره لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ)
:
|
قال ابو جعفر وابو عبد الله 8 : ان الله تعالى لما اوحى إلى النبى 9 ان يستخلف علياً كان يخاف ان يشق ذلك
على جماعة من الصحابة ، فانزل الله تعالى هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما
امره بادائه .
|
وهكذا ظل الشيخ الطوسي مدافعا عن راي
الإماميّة في الامامة والامام وعصمته فيذكرالراي المخالف ويدحضه ، وتبنى الراي
المتفق مع رايه فيثبته ، مع تبيان اوجه الخلاف ان وجدت ، ومثل ذلك قد ورد في
تفسيره لقوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي
كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى
هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)
فقال :
|
وفي ذلك دلالة على ان كل عصر لايخلو
ممن يكون قوله حجّةً على أهل عصره عدلٌ عند الله ، وهو قول الجبائي واكثر أهل
العدل ، وهو قولنا ، وان خالفناهم في من هو ذلك العدل والحجة .
|
وفي احيانٍ كثيرةٍ يستشهد الشيخ الطوسي
برواياتٍ عن الصحابة ليؤكد ويدعم صحة
__________________
مايذهب إليه من عصمة
الائمة ، فيقول عند تفسيره لقوله تعالى :
(إِنَّمَا يُرِيدُ الله
لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)
:
|
روى ابو سعيد الخدري وانس بن مالك
وعائشة وام سلمة وواثلة بن الاسقع : ان الآية نزلت في النبى 9 وعلي وفاطمة والحسن والحسين : فروى عن ام سلمة انهاقالت : ان النبى
9 كان في
بيتي فاستدعى عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، وجللهم بعباءةٍ خيبريةٍ ثم قال : «
اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت ام سلمة : قلت
يارسول الله هل انا من أهل بيتك؟ فقال : لا ولكنك إلى خير » .
|
ثم قال الشيخ الطوسي بهذا الصدد :
|
واستدل اصحابنا ـ يعني الإماميّة ـ
بهذه الآية على ان في جملة أهل البيت معصوماً لايجوز عليه الغلط ، وان اجماعهم
لايكون الا صواباً بان قالوا ليس يخلو ارادة الله لاذهاب الرجس عن أهل البيت من
ان يكون هو ما اراد منهم من فعل الطاعات واجتناب المعاصي ، او يكون عبارةً عن
انه اذهب عنهم الرجس بان فعل لهم لطفاً ، واختاروا عنده الامتناع من القبائح .
|
والشيخ الطوسي حين يمر على قوله تعالى :
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا
وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء
وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا )
يقول :
|
انها نزلت في علي وفاطمة والحسن
والحسين عندما اثروا المسكين واليتيم والاسير ثلاث ليال على افطارهم ، وذلك
برواية الخاصة والعامة .
|
وهنا يؤكد اجماع المسلمين على ان هذه
الآية نزلت في علي وزوجته وولديه (ع) ، وهكذا يبقى الشيخ الطوسي وفيّاً لمعتقده ،
يدافع عنه بحرارة ، ولن يمر على اية من كتاب اللّه،
يتلمس فيها دليلا
على صحة رايه الا واستشهد بها ، واشبعها بحثا وتحليلا واستقصاءا.
التقية
وهي سمة عرفت بها الإماميّة دون غيرها
من الطوائف والامم ، وقدكانت شعاراً لال البيت : دفعاً للضرر
عنهم وعن اتباعهم وحقنا لدمائهم واستصلاحاً لحال المسلمين وجمعا لكلمتهم ولماً
لشعثهم ،
|
وهذا امر تقتضيه الفطرة ، ومعلوم ان
الإماميّة وائمتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود
ما لم تلاقه اية طائفةٍ او امة اخرى ، فاضطروا في اكثر عهودهم إلى استعمال
التقية بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم واعمالهم المختصة
بهم عنهم لماكان يتعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا ، ولهذا السبب امتازوا
بالتقية ، وعرفوا بها دون سواهم .
|
والشيخ الطوسي يرى ان التقية واجبةٌ عند
الخوف على النفس ، ولذلك نجده في تفسيره لقوله تعالى :
(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ
مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ
الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ
)
يقول :
|
والتقية عندنا واجبة عند الخوف على
النفس وقد روي رخصةً في جواز الافصاح بالحق عندها. روي الحسن ان مسيلمة الكذاب
اخذ رجلين من اصحاب الرسول الله 9 فقال لاحدهما اتشهد انّ محمداً رسول اللّه؟ قال : نعم ،
فقال له : اتشهد انّي رسول اللّه؟ قال : نعم ، ثم دعا بالاخر ففقال ، اتشهد انّ
محمدا رسول اللّه؟ قال : نعم ، فقال له : اتشهد انّي رسول اللّه؟ قال : اني اصمّ
ـ قالها ثلاثاً كلّ ذلك تقية ـ فتقول ذلك ، فضرب عنقه فبلغ ذلك رسول الله 9. فقال :
|
__________________
|
اما هذا المقتول فمضى على صدقه وتقيته
واخذ بفضله فهنيئا له ، واما الاخر فقبل رخصة الله فلاتبعة عليه ، فعلى هذا
التقية رخصةٌ والافصاح بالحق فضيلةٌ ، وظاهراخبارنا يدل على انها واجبة وخلافها
خطاءٌ .
|
وهذا ما استند عليه الشيخ الطوسي في
الحديث المروي عن الامام جعفر الصادق 7
حيث يقول :
« التقية ديني ودين ابائي ومن لاتقية له
لادين له » .
وهو ما اجمعت عليه الإماميّة ، حيث يقول
الشيخ المفيد :
|
التقية جائزة في الدين عند الخوف على
النفس ، وقد تجوز في حال دون حالٍ للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح ، واقول
: انها قد تجب احيانا وتكون فرضاً .
|
وقال أيضاً :
|
التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه
ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين او الدنيا ، وفرض ذلك
اذا علم بالضرورة ، او قوي في الظن ، فمتى لم يعلم ضررا باظهار الحق ، ولاقوي في
الظن ذلك لم يجب فرض التقية .
|
وقدناقش الشيخ الطوسي راي الجبائي
المعتزلي القائل بمنع التقية على النبي والامام فقال عندما فسر قوله ( تعالى ) :
(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ)
فقال :
|
واستدل الجبائي بهذه الآية على انه
لايجوز على الائمة المعصومين على مذهبنا التقية
|
__________________
|
قال : لانهم اذا كانوا الحجة كانوا
مثل النبي وكما لايجوز عليه التقية فكذا الامام ـ على مذهبكم.
وهذا ليس بصحيحٍ لانا لانجوز على
الامام التقية فيما لايعرف الا من جهته كالنبي وانما نجوز التقية عليه فيما يكون
عليه دلالة قاطعةٌ موصلةٌ إلى العلم لان المكلف علته مزاحة في تكليفه ، وكذلك
يجوز في النبى 9
ان لايبين في الحال لامته مايقوم منه بيان منه او من الله او عليه دلالة عقلية ،
ولذلك قال النبى 9 لعمر حين ساله عن الكلالة ، فقال : يكفيك اية السيف
واحال اخر في تعرف الوضوء على الاية. فاما مالايعرف الا من جهته والامام فيه
سواء لا يجوز فيهما التقية في شيء من الأحكام .
|
وبهذا يكون الشيخ الطوسي قد اتفق مع
اجماع الإماميّة في مسالة التقية ، ودافع عنها باصراروحماس بعد ان رد كل اشكالٍ
حولها ، ودعم رايه بالدليل والحجة.
المتعة
دافع الشيخ الطوسي عن الزواج الموقت
والمعروف بالمتعة دفاعاً رائعاً ، واكد شرعيتها وحليتها مستندا في دفاعه على
النصوص القرآنية التي لم يثبت نسخها معتمداً في اثباتها على السنة الصحيحة وتواتر
الاخبار التي تؤكد استمرار العمل بها إلى مابعد وفاة رسول الله 9.
كما انه استطاع ان يرد على كل الاشكالات
التي توسل بها المانعون ، واعتمد شهادة العديد من القراء والمفسرين الذين اجمعوا
على جواز العمل بها انسجاما مع كتاب الله تعالى وسنة رسوله 9 واخبار الائمة : والصحابة رضي الله عنهم وقدكرس الشيخ
الطوسي بعضا من صفحات تفسيره ـ التبيان ـ للحديث حول المتعة والدفاع عنها.
فقال :
|
وقوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم
بِهِ مِنْهُنَّ) قال الحسن ، ومجاهد ، وابن زيد : هو النكاح ، وقال ابن
عباس والسدي : هو المتعة إلى اجل مسمى ، وهو مذهبنا ، لان لفظ الاستمتاع اذا
اطلق
|
__________________
|
لايستفاد به في الشرع الا العقد
المؤجل الاترى انهم يقولون : فلان يقول بالمتعة ، وفلان لايقول بها ، ولايريدون
الا العقد المخصوص ولاينافى ذلك قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) .
لانا نقول : ان هذه زوجه ، ولايلزم ان
يلحقها جميع احكام الزوجات من الميراث والطلاق ، والايلاء ، والاظهار ، واللعان
، لان احكام الزوجات تختلف ، الاترى ان المرتدة تبين بغير طلاق ، وكذلك المرتد
عندنا ، والكتابية لاترث ، واما العدة فتلحقها عندنا ، ويلحق بها أيضاً الولد
فلاشناعة في ذلك ، ولو لم تكن زوجه لجاز ان يضم ماذكر في هذه السورة إلى ما في
تلك الآية ، لانه لاتنافي بينهما ، ويكون التقدير :
الا على ازواجهم ، او ماملكت ايمانهم
، او ما استمتعتم به منهن ، وقداستقام الكلام. وروي عن ابن مسعود وابن عباس وابي
بن كعب وسعيد بن جبير : انهم قراوا (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم
بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وذلك صريح بما قلناه ، على انه لوكان المراد به عقد
النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد ، لانه قال (فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ) يعني مهورهن ، عند اكثر المفسرين ، ذلك غير واجب بلاخلاف
، وانما يجب الاجر بكماله في عقد المتعة. وفي اصحابنا من قال : قوله : (أُجُورَهُنَّ) يدل على انه اراد المتعة ، لان المهر
لايسمى اجراً ، بل سمّاه الله صدقةً ونحلةً ، وهذا ضعيف ، بان الله سمى المهر
اجراً في قوله (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ).
وقال : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
ومن حمل ذلك كله على المتعة كان
مرتكبا لما يعلم خلافه ، ومن حمل لفظ الاستمتاع على الانتفاع فقد ابعد ، لانه
لوكان كذلك لوجب ان لايلزم من ينتفع بها شيء من المهر ، وقدعلمنا انه لوطلقها
قبل الدخول لزمه نصف المهر ، وان خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من
الفقهاء ، وان لم يلتذ ولم ينتفع ، واما الخبر الذي يروونه ان النبي 9 نهى عن المتعة ، فهو خبرٌ واحدٌ
لايترك له ظاهر القرآن ، ومع ذلك يختلف لفظه وروايته فتارةً
|
__________________
|
يروونه انه نهى في عام الفتح ، وقد طعن
أيضاً في طريقه بما هو معروفٌ ، وادلّ دليل على ضعفه قول عمر : متعتان كانتا على
عهد رسول الله 9
وانا انهـى عنهما واعاقب عليهما ، فاخبر ان هذه المتعة كانت على عهد رسول الله 7 وانه الذي نهى عنهما لضربٍ من الراي
، فان قالوا انما نهى ، لان النبي 9 كان نهى عنهما ، قلنا : لوكان كذلك لكان يقول : متعتان
كانتا على عهد رسول الله 9 فنهى عنهما ، وانا انهى عنهما أيضاً ، فكان يكون اكد في
باب المنع ، فلما لم يقل ذلك دل على ان التحريم لم يكن صدر عن النبي 9 ، وصح ماقلناه ، وقال الحكم بن عتيبة
، قال علي 9 : « لولا
ان عمر نهى عن المتعة مازنى الا شقي » وذكر البلخي عن وكيع عن اسماعيل بن ابي
خالد ، عن قيس بن ابي حازم عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنا مع النبي 9 ، ونحن شباب ، فقلنا يارسول الله الانستخصي
، قال : لا ، ثم رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب ، إلى اجلٍ .
|
المعاد
وهو الاصل الخامس من اصول الدين عند
الشيعة الإماميّة ، والذين يعتقدون بان الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلقٍ
جديدٍ في اليوم الموعود به عباده ، فيثيب المطيعين ، ويعذب العاصين ، كما وان من
يعتقد باللّه اعتقاداً قاطعاً ويعتقد كذلك بمحمد رسولاً منه ارسله بالهدى ودين
الحق لابد ان يؤمن بما اخبر به القرآن الكريم من البعث والثواب والعقاب والجنة
والنعيم والنار والجحيم ، كما ويعتقد الإماميّة بان المعاد الجسماني ضرورةٌ من
ضروريات الدين الإسلامي ، وان هذا المعاد هو اعادة الإنسان في يوم البعث والنشور ببدنه
بعد الخراب وارجاعه إلى هيئته الاولى بعد ان اصبح رميماً .
وقدتعرض الشيخ الطوسي إلى هذا المعنى في
اكثر من موضعٍ وحسبما تقتضيه الآيات القرآنية الكريمة ففي تفسيره لقوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ
أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا
وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي
أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ
____________
الشَّجَرِ
الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ)
قال الطوسي :
|
ثم قال منبها لخلقه على الاستدلال على
صحة الاعادة والنشاة الثانية فقال : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ
)
، ومعناه او لم يعلم (أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن
نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) ، ومعناه انا خلقناه من النطفة إلى
العلقة ومن العلقة إلى المضغة ومن المضغة إلى العظم ومن العظم إلى ان جعلناه
سويا ، وجعلنا فيه الروح ، واخرجناه من بطن امه ، وربيناه ، ونقلناه من حال إلى
حال إلى ان كمل عقله ، وصار متكلّماً خصيماً عليماً ، فمن قدر على جميع ذلك كيف
لايقدر على الاعادة ، وهي اسهل من جميع ذلك؟
|
ثم قال :
|
وفي الآية دلالة على صحة استعمال
النظر ، لان الله تعالى اقام الحجة على المشركين بقياس النشاة الثانية على
النشاة الاولى ، وانه يلزم من اقر بالاولى ان يقر بالثانية .
ثم حكى تعالى عن بعض الكفار انه (ضَرَبَ
لَنَا ) اي ضرب للّه (مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ) كيف يكون في الابتداء فقال : (مَنْ
يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ).
قال الحسن : جاء امية إلى النبي 9 بعظم بال قد بلي ، فقال : يامحمد
اتزعم ان الله يبعث هذا بعد مابلي : فقال : نعم ، فنزلت الاية.
|
ثم اردف الشيخ الطوسي قائلا :
|
فقال الله تعالى في الرد عليه قل
يامحمد لهذا المتعجب من الاعادة (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ، لان من قدر على الاختراع لما يبقى من غير تغيير عن صفة
القادر ، فهوعلى اعادته قادر لامحالة.
|
وقال عند تفسيره لقوله تعالى :
(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) .
__________________
« والمعنى : انا كما لانعيي بالخلق
الاول لانعيا بخلقهم على وجه الاعادة » .
ومثل هذا قاله عند تفسيره لقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ) .
|
خاطب الله تعالى بهذه الآية جميع
المكلفين من البشر ، فقال لهم : ان كنتم في ريب من البعث والنشور ـ والريب اقبح
الشك ـ فانا خلقناكم من تراب .
|
وقداكد الشيخ الطوسي في تبيانه ان الشك
في البعث والنشور كفرٌ ، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى :
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ
سَوَّاكَ رَجُلًا)
فقال المفسر :
|
وفي الآية دلالة على ان الشك في البعث
والنشور كفرٌ ، والوجه في خلق البشر وغيره من الحيوان ، وتنقله من تراب إلى نطفة
ثم إلى علقةٍ ثم إلى صورة ثم إلى طفولية ثم إلى حال الرجولية ما في ذلك الاعتبار
الذي هو دال على تدبير مدبر مختارٍ يصرف الاشياء من حالٍ إلى حالٍ .
|
وقد حاول الشيخ الطوسي ان يعرض لمسالة
البعث والنشور بايجاز واقتضاب بعيداً عن التفاصيل والشروح ، ولعل ذلك راجع إلى ايمانه
بعدم وجوب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني اكثر مما نادى بها القرآن الكريم وهذا ما عليه اكثر علماء الإماميّة حيث
يؤكدون بانه :
|
لاتجب المعرفة على التحقيق التي
لايصلها الا صاحب النظر الدقيق كالعلم بان الابدان هل تعود بذواتها ، او انما
يعود مايماثلها بهيئاتٍ؟ وان الارواح هل تعدم كالاجساد ، او
|
__________________
|
تبقى مستمرة حتى تتصل بالابدان عند
المعاد؟ وان المعاد هل يختص بالانسان ، اويجري على كافة ضروب الحيوان؟ وان عودها
بحكم الله دفعي او تدريجي؟
|
الشفاعة
مما اجمع الإماميّة عليه هو الشفاعة وتحدث
الشيخ الطوسي في مسالة الشفاعة ، واكد عليها في تفسيره وقد عرفها بانها « المسالة
في اسقاط الضرر » .
وقد رفض ماذهب إليه المفسرون من انها
تكون في زيادة المنافع ـ وهو ماقال به الحسن ومجاهد ـ وردهم بقوله :
|
انها لواستعملت في ذلك لكان احدنا
شافعاً للنبي 9
اذا سال الله ان يزيد في كراماته وذلك خلاف الاجماع .
|
ويرى الشيخ الطوسي ثبوت الشفاعة للنبي 9 وكثير من اصحابه ولجميع الائمة
المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين .
وهو عندما يفسر قوله تعالى : (يُدَبِّرُ الأَمْرَ
مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ)
يقول :
|
الشفيع هو السائل غيره لاسقاط الضرر
عنه ... والمعنى ان تدبيره للاشياء وصنعته لها ليس يكون منه بشفاعة شفيعٍ
ولابتدبير مدبر لها سواه ، وانه لايجسر احد ان يشفع إليه الا بعد ان ياذن له فيه
، من حيث كان تعالى اعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم .
|
وقال في تفسيره لقوله تعالى :
__________________
(وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ
تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ
مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)
قال :
|
وقوله : (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا
شَفَاعَةٌ) مخصوص عندنا بالكفار.
والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبى 9 فيشفعه الله تعالى ويسقط بها العقاب
عن المستحقين من أهل الصلاة لماروي من قوله 9 :
ادخرت شفاعتي لاهل الكبائر من امتي .
|
ثم ذكر الشيخ الطوسي :
|
ان نفي الشفاعة من هذه الآية يختص
باليهود من بني اسرائيل ، لانهم ادعوا انهم ابناء الله واحباؤه واولاد ابنائه ،
وان اباءهم يشفعون إليه فايسهم الله من ذلك .
|
وقال عند تفسيره لقوله تعالى :
(إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
|
وفي ذلك دلالة واضحة على انه يجوز ان
يغفر الله بلاتوبة تفضّلاً منه وبشفاعةٍ النبي 9 ، لانه لم يشترط التوبة ، بل اطلقها .
|
ونحن هنا نجد الشيخ الطوسي يتفق مع راي
استاذه الشيخ المفيد حينما يقول بشفاعة النبي 7
لامته :
|
ان رسول الله 9 يشفع يوم القيامة في مذنبي امته من
الشيعة خاصة ، فيشفعه الله عزوجل ، ويشفع امير المؤمنين 7 في عصاة شيعته ، فيشفعه الله عز وجل
، وتشفع الائمة :
في مثل ماذكره من شيعتهم ، فيشفعهم الله ، ويشفع المؤمن البر لصديقه المؤمن
المذنب ، فتنفعه شفاعته ، ويشفعه اللّه. وعلى هذا القول اجماع الإماميّة الا من
شذمنهم .
|
__________________
الخاتمة
الخاتمة
بعد هذه الدارسة التي عشنا فيها مع
الشيخ الطوسي ، وهو يفسر كتاب الله العزيز نستطيع ان نجمل ماتوصلنا إليه خلال البحث
في النقاط التالية :
١. مفسرنا هو الشيخ ابو جعفرٍ محمد بن
الحسن بن علي بن الحسن الطوسي المتولد في مدينة طوس بايران ، سنة ٣٨٥ ه والمتوفى
سنة ٤٦٠ ه في مدينة النجف الأشرف بالعراق ، حيث اصبح مرقده هناك مزاراً ومسجداً.
٢. عرف الطوسي بشيخ الطائفة ومتكلم الشيعة
وفقيه الإماميّة ، وهو احد علماء الامامية في القرن الخامس الهجري ، حيث يمتلك
القابلية على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الاصلية لبلوغه مرتبة الاجتهاد.
٣. تميز الشيخ الطوسي بثقافة موسوعيةٍ
ذات طابع شموليٍّ باتجاهيها الافقي والعمودي حيث السعة والاحاطة والعمق والاصالة ،
الامر الذي جعل منه مفسّراً ذا ذهنيّةٍ اسلاميّةٍ استطاع من خلالها ان يصل
بالتفسير القرآني إلى مرحلةٍ متطوّرةٍ انذاك بما لديه من سعة افقٍ وقوة ملاحظة
وعمق تفكيرٍ.
٤. تميز عصر الشيخ الطوسي بكثرة الفتن
وضخامة الاحداث السياسية وتعاقبها بين الشدة واللين ، حيث عاصر مفسرنا عدداً من
الحكام والولاة الذين تفاوتوا في طريقة تعاملهم مع الناس ، فمنهم من ازدهرت ابان
حكمه الحياة الثقافية والفكرية لتوفر المناخ الملائم لها ، كما هو الحال في العهد
البويهي ، وبين من تشدد في سلطانه ، ومال إلى فئةٍ من
الناس ، ليضطهد
غيرهم ، كما هو الحال في العهد السلجوقي ، وتاثر الشيخ الطوسي بهذه الاجواء
المتفاوتة ، فنراه تارةً يحظى باحترام السلطة ، ويعطى له كرسي الكلام ، كما حدث في
عهد الخليفة العباسي القائم بامر الله ، بينما تضيق تارةً اخرى في ايام الحكم
السلجوقي ، ليهرب من بغداد إلى مدينة النجف الأشرف بعيداً عن مسرح السياسة والفتن
، بعد ان احترقت داره وكتبه والكرسي الذي كان يجلس عليه.
٥. شهد عصر الشيخ الطوسي حركةً علميةً
نشيطةً ساهمت فيها المدارس الإسلاميّة المختلفة المذاهب والاتجاهات ، مما افرز
ظاهرة الحوار والجدل والمناظرة التي كثيراً ماكان الشيخ الطوسي يدلي بدلوه فيها ،
فيناقش اصحاب المذاهب الاخرى فيما يقولون من اراء ، كما ويتصدى للدفاع عن عقيدته
الشيعية بكل مايملك من ادلة وحجج وبراهين ، الامرالذي صار معه الشيخ الطوسي علماً
من اعلام التشيع ، حيث يشار إليه بالبنان ، اذ ليس في علماء عصره الا من يرى له حق
التقدم ، وقد يجد الباحث اثار النزعة الجدلية واضحةً في التبيان ، حيث يتلمس
القدرة الفائقة التي يتحلى بها الطوسي في محاجة الخصم واسقاط مافي يده ، فلايملك
بعدها غير الاذعان والاقرار بما عند مفسرنا من راي مدعومٍ ، بالدليل والبرهان.
٦. امتاز الشيخ الطوسي بروح علميةٍ
نزيهةٍ وبموضوعيةٍ عاليةٍ ، حيث يشهد له بذلك تفسيره التبيان والذي كان لا يضيق
ذرعاً باراء غيره من المفسرين ، وكم شهدناه يتفق مع صاحب الراي السليم بغض النظر
عن انتمائه المذهبي واتجاهه العقيدي ، كما وجدناه يعتمد في نقله الرواية والاثر
على من سبقه من العلماء والمفسرين والرواة الذين تيقن بصحة مايروونه ، وان لم
يكونوا من الشيعة الإماميّة ، كذلك لم يقتصر في اخذه الرواية على النبي 9 والائمة من أهل البيت : ، بل كثيراً ماكان يستشهد باراء
الصحابة والتابعين الذين يطمئن لمنقولاتهم.
٧. سلك المفسر في تفسيره منهجاً مزدوجاً
بين التفسير بالاثر والتفسير بالراي وفق اسس علمية رصينة ، اذ لاياخذ من المنقولات
الا مايطمئن لصحتها مما تعضده الادلة كالاجماع او التواتر رافضاً لروايات الاحاد
واخبارهم اذا لم تسعفهم القرائن فيما يروون.
ولم يكتف بالنقل في تفسيره وانما اعمل
عقله في استنباط الراي السديد وفن الذهنية الإسلاميّة ، ذات الطابع الشمولي التي
تميز بها الطوسي باعتباره فقيهاً مجتهداً وعالماً متكلماً.
٨. اعتمد الآيات القرآنية الكريمة ، لكي
يفسر بها آيات اخر ، وفن منهج التفسير القائل بان القرآن يفسر بعضه بعضاً ، ويشهد
بعضه على بعض ، كما واعتمد السياق القرآني ، ونظم الآيات في احيانٍ كثيرةٍ ،
ليستنبط منها رايا او يستخرج منها معنى.
٩. استعان المفسر باسباب النزول
باعتبارها قرائن حاليةٍ ، يمكن ان توضح معنى النص القرآني ، وتسهم في توجيهه وجهةً
اكثر دقة ، وضمن هذا المنهج لم يكن المفسر ليقبل كل ماروي في اسباب النزول ، وانما
كان يقف موقف الفاحص الخبير ليرفض مايرى ضرورة رفضه ويقبل ماتطمئن إليه نفسه ، ويرجح
مايراه مناسباً بعد تدقيقٍ وتمحيصٍ ، وبحثٍ واستقصاءٍ يتم عن روح علمية عاليةٍ
وموضوعيةٍ جديرةٍ بالثناء.
١٠ ـ اما بالنسبة للجانب اللغوي ، فقد راينا
الشيخ الطوسي لغويّاً ونحوياً بكل ما في الكلمة من معنى ، حيث كان يسرد اراء
اللغويين والنحاة ، ثم ياتي عليها لينسف ماينسف منها بدليل ، ويثبت مايثبت منها
بحجّةٍ وبرهانٍ ، وكان يطرح رايه الواضح المتميز والمغاير لاراء غيره من أهل اللغة
والنحو بجراةٍ عظيمةٍ تنبئ عن وجود ثقافة لغويةٍ ونحويةٍ ضخمةٍ تؤهله ان يكون في
مصاف علماء النحو واللغة ، اما بالنسبة للقراءات فلم يستنكر على احدٍ من القراء
قراءته ، وانما كان يقول : بجواز القراءة بما يتداوله القراء ، ولذلك يطرح اراءهم
جميعا في تبيانه ، وان كان يرجح بعض القراءات على البعض الاخر.
١١. اما موقفه من الشعر والشعراء ، فكان
سلبيا حيث يقول :
|
ولولا عناد الملحدين وتعجرفهم لما احتيج
إلى الاحتجاج بالشعر وغيره ، للشيء المشتبه في القرآن ، لان غاية ذلك ان يستشهد
عليه ببيت شعر جاهلي ، او لفظ منقول عن بعض الاعراب ، او مثل سائر عن بعض أهل
البادية ، ولاتكون منزلة النبي 9 ـ وحاشاه من ذلك ـ اقل من منزلة واحد من هؤلاء.
|
ورغم قناعة المفسر بعدم جواز الاحتجاج
بشعر الشعراء على القرآن ، الا انه استشهد
بالشعر مبرراً ذلك
بقوله : انما يحتج علماء الموحدين بشعر الشعراء وكلام البلغاء اتساعاً في العلم
وقطعا للشغب.
١٢. ناقش الطوسي اراء المفسرين ، ورجح
اراء بعضهم على البعض الاخر ، كما رفض اقوالهم احيانا ، وطرح رايا يخالف ماقالوه
مستنداً في كل ذلك إلى حجةٍ او دليلٍ.
١٣. رغم ان الطوسي لم يفرد ابواباً
للموضوعات الفلسفية الا انه ضمن تبيانه الكثير من الاراء الفلسفية في معرض مناقشته
لاصحاب المذاهب المختلفة والمدارس الكلامية كما هو الحال في ردوده على اشكالات
واراء المعتزلة والخوارج والمجسمة والمشبهة والمجبرة والمفوضة وغيرهم.
١٤. دافع الشيخ الطوسي عن اراء الإماميّة
ومعتقداتهم ، وكان يقيم الادلة القاطعة على كل متبنياتهم الفكرية والعقائدية كما
هو وارد في موضوع العدل والعصمة والمتعة ، وخلق القرآن وماشابه ذلك.
١٥. تخفف الشيخ الطوسي في حديثه عن
المبهمات في القرآن الكريم ، وسكت عماسكت عنه القرآن الكريم ، ولم يتكلف في
التاويل باكثر ممايجب ، وربما كان يعتبر الخوض في مثل تلك المسائل والعمق فيها من
صوارف التفسير التي لايرى الطوسي ضرورةً في سبرغورها والغوص في تفاصيلها.
١٦. لم نجد الشيخ الطوسي يميز بين
التاويل والتفسير ، كما هو الحال عند المتاخرين من المفسرين ، وانما كان يورده
باعتباره مرادفاً للتفسير ولايفرق بينهما ، وكان عندما يريد طرح اراء المفسرين
يقول :
« وقال أهل التاويل » ويعني بهم أهل التفسير.
١٧. اشبع المفسر آيات الأحكام شرحاً
وبحثاً وتفصيلاً ، وقد طرح اراء بعض المجتهدين والمفسرين ، وناقش اكثرهم رادّاً
على قسمٍ منهم ومبيّناً رأيه الفقهي بوضوح وجلاء باعتباره مجتهداً.
١٨. ذكر في تفسيره الآيات الناسخة
والمنسوخة ، مع رده على بعض المفسرين الذين خالفوه في الراي ، كما ورفض الراي
القائل بان السنة ناسخة للقرآن الكريم مؤكّداً انَّ الآية
القرآنية لاتنسخ الا
بايةٍ قرآنيّة اخرى ، وفق ماتقتضيه المصلحة ومشيئة الله تعالى.
١٩. ساهم الشيخ الطوسي مساهمةً جادّةً
في عملية تطوير المنهج التفسيري واستطاع ان ينقل التفسير نقلةً كبيرة بعد تاليفه التبيان
، حيث يقول في معرض حديثه عن الدوافع التي حملته على المشروع في كتابة تفسيره :
اني لم اجد احدا من اصحابنا من عمل
كتاباً يحتوي على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه وبذلك يعتبر التبيان
اول محاولةٍ تفسيريةٍ وافيةٍ في تاريخ الامامية.
٢٠ ـ مال الشيخ الطوسي إلى الايجاز غير
المخل في تفسيره ، لذلك نجده يتخفّف كثيراً عما لاطائل تحته ، بينما يشبع الآيات الكريمة
شرحاً ليوفيها حقها من البحث والتفسير متحاشياً الخوض في شروح هامشيةٍ وتفصيلاتٍ
جانبيةٍ لاعلاقة لها بالتفسير ، ولاتخدم في استيضاح المعنى المراد من النص القرآني.
٢١. احتوى التبيان
على بعض الاشارات العلمية التي تنم عن سعة افقٍ لتفكير الطوسي وانفتاحه على الآيات
الكونية بروح علمية ورؤيةٍ ناضجة ، حيث كان لايستبعد ان تكون الارض كروية الشكل ،
مخالفاً بذلك جمعاً من المفسرين واصحاب الراي ، كما كان يؤكد حركة الافلاك ونشوء
السحاب من بخار الارض ، ومثل هذه التطورات السليمة تعني سبقاً علمياً رائداً ، اذا
ما علمنا ان الف عامٍ تفصل بيننا وبين عصر الطوسي حيث القرن الخامس الهجري.
٢٢. وختاما يبقى اسم الشيخ الطوسي
مقترناً باسم الحوزة العلمية التي ارسى قواعدها في النجف الأشرف ، يوم هاجر اليها
، ليفتتح اول مدرسةٍ من نوعها هناك ، صارت فيما بعد من اكبر الجامعات الإسلاميّة والمعاهد
العلمية التي تخرج منها مايعد بالالاف من اساطين واعاظم الفقهاء وكبار الفلاسفة
ونوابغ المتكلمين وافاضل المفسرين واجلاء اللغويين والادباء وغيرهم ممن خبر العلوم
الإسلاميّة بانواعها ، وبرع فيها ايما براعة.
فهرس
المصادر والمراجع
١.
القرآن الكريم.
٢.
الاتجاهات الفكرية
في التفسير
، الشحات السيد زغلول ، الاسكندرية ، ٣٩٧ ، ط ٢.
٣.
اتعاظ الحنفاء
باخبار الائمة الفاطميين الخلفاء ، تقي الدين احمد بن علي المقريزي ،
تقديم الدكتورجمال الدين الشيال ، مطبعة لجنة التاليف والنشر والترجمة ، القاهرة ،
١٣٦٧ هـ.
٤.
الإتقان في علوم
القرآن
، عبدالرحمن بن ابي بكر السيوطي ، تحقيق محمد ابوالفضل إبراهيم ، طبع الهيئة
العامة المصرية للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٥.
٥.
اثار البلاد واخبار
العباد
، زكريا بن محمد بن محمود القزويني ، بيروت ١٩٦٠م.
٦.
احسن التقاسيم في معرفة
الاقاليم
، المقدسي المعروف بالبشاري ( ت ٣٨٠ ه ) طبع بريل ليدن ، ١٩٠٦ ، ط ٢.
٧. الاختصاص ، المفيد ابومحمد
بن محمد بن عثمان العكبري ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ١٣٩٠ هـ.
٨.
اسباب النزول ، ابو الحسن علي بن
احمد الواحدي ، مطبعة العلوم ، القاهرة ، ١٣٧٩ ه ، ط ١.
٩.
اصل الشيعة وأُصولها ، محمد حسين كاشف
الغطاء ، مطبعة العباد ، بيروت ، ط ٩.
١٠.
أُصول التشريع
الإسلامي
، علي حسب الله ، مصر ، ١٣٧١ ه ، ط ١.
١١.
اصول التفسير ، خالد عبدالرحمن
العك ، دمشق ، ١٣٨٨ هـ.
١٢.
الاصول العامة للفقه
المقارن
، محمد تقي الحكيم ، بيروت ، ١٩٦٣م ، ط ١.
١٣. اصول الفقه ، بدران ابو
العينيين بدران ، دار المعارف ، مصر ، ١٩٦٥م ، ط ٢.
١٤.
أُصول الفقه ، زكي شعبان ،
مطبعة دار التأليف ، مصر ، ١٩٦٥م ، ط ٣.
١٥.
أُصول الفقه ، محمد أبو زهرة ،
دار الثقافة العربية ، القاهرة ، ١٣٧٧ هـ.
١٦.
أُصول الكافي ، محمد بن يعقوب
الكليني ، مطبعة حيدري ، طهران ، ١٣٨١ هـ.
١٧. الاعلام ، خيرالدين الزركلي
، القاهرة ، ١٣٧٣ هـ.
١٨.
اعيان الشيعة ، محسن الامين
العاملي ، بيروت ، ١٣٧٠ هـ.
١٩.
اكتفاء القنوع بما
هو مطبوع ، ادوارد فنديك ، القاهرة ، ١٨٩٧ هـ.
٢٠.
الأمالي ، الشيخ الطوسي ،
تقديم محمد صادق بحرالعلوم ، مطبعة النعمان ، النجف ١٣٨٤ هـ.
٢١.
الامام الصادق
والمذاهب الاربعة
، اسد حيدر ، مطبعة النجف ، ط ٢ ، ١٩٦٣م.
٢٢.
الامتاع والمؤانسة ، علي بن محمد
الواسطي التوحيدي ، ابوحيان ، شرح احمد امين واحمد الزين ، مطبعة لجنة التأليف
والترجمة ، النجف ، القاهرة ، ط ٢ ، ص ١٩٥٣م.
٢٣.
امل الامل ، محمد بن الحسن
الحرالعاملي ، مطبعة الاداب ، النجف ، ط ١ ، ١٣٨٥ هـ.
٢٤.
اوائل المقالات ، الشيخ المفيد ،
شرح فضل الله الزنجاني ، النجف ، ١٣٨١ ه ، ط ٣.
٢٥.
البداية والنهاية في
التاريخ
، ابن كثير عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن عمرالقرشي ، مطبعة السعادة ، مصر ،
الطبعة الاولى ، ١٣٥١ هـ.
٢٦.
البرهان في علوم
القرآن
، بدرالدين الزركشى ، تحقيق محمد ابوالفضل إبراهيم ، دار المعرفة للطباعة والنشر ،
بيروت ، ١٩٧٢م.
٢٧.
بشارة المصطفى ، العماد الطبري.
٢٨.
البلدان ، احمد بن واضح
اليعقوبي ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ٣ ، ١٣٧٧ هـ.
٢٩.
البيان في
تفسيرالقرآن
، السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي ، بيروت ، ١٣٩٤ ه ، ط ٣.
٣٠. التاريخ ، زين الدين عمر بن
المظفر بن الوردي، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ٢ ، ١٣٨٩ هـ.
٣١.
تاريخ اداب اللغة
العربية
، جرجي زيدان ، دار الهلال ، القاهرة.
٣٢.
تاريخ الادب العربي ، كارل بروكلمان ،
ترجمة الدكتور عبدالحليم النجار ، مطبعة دار المعارف ، مصر ، ١٩٦٢م.
٣٣.
التاريخ الإسلامي
والحضارة الإسلامية
، الدكتور احمد شلبي ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، ط ١٩٦٣م.
٣٤.
تاريخ بغداد ، ابوبكر احمد بن
علي الخطيب البغدادي ، مطبعة السعادة ، مصر.
٣٥.
تاريخ التربية عند
الامامية واسلافهم من الشيعة بين عهدي الصادق والطوسي ، الدكتور عبد الله
الفياض ، مطبعة اسعد ، بغداد ، ١٣٩٢ هـ.
٣٦.
تاريخ الجامعات
الإسلامية الكبرى ،
محمد عبدالرحيم غنيمة ، دارالطباعة المغربية ، تطوان ، ١٩٥٣م.
٣٧.
تاريخ الدولة
الفاطمية في المغرب ومصر ، وسوريا ، وبلاد العرب ، الدكتور حسن
إبراهيم حسن ، مطبعة لجنة التاليف والنشر ، القاهرة ، ط ٣ ، ١٩٦٤م.
٣٨.
تاريخ العلم ودور
العلماء العرب في تقدمه
، الدكتور عبدالحليم منتصر ، شركة مطابع محرم ، الاسكندرية ، ط ٣ ، ١٩٦٩م.
٣٩.
تاريخ المذاهب
الإسلامية
، محمد ابوزهرة ، دار الفكر العربي.
٤٠.
التبيان في
تفسيرالقرآن ، الشيخ ابوجعفر الطوسي ، تحقيق احمد حبيب العاملي، النجف ، ١٣٦٤ هـ.
٤١.
تجارب الامم ، ابو علي احمد بن
محمد مسكويه ، مطبعة شركة التمدن الصناعية ، مصر ، ١٣٣٢ هـ.
٤٢.
تحفة العالم في شرح
خطبة المعالم
، جعفر بن محمد باقر الطباطبائي بحر العلوم ، مطبعة الغري ، النجف ، ١٣٥٤ هـ.
٤٣.
تفسير العياشي ، محمد بن مسعود
العياشي ، المطبعة العلمية ، قم ، ١٣٨٠ هـ.
٤٤.
تفسير القرآن العظيم ، الحافظ بن كثير ،
مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، ١٣٧٣ ه ، ط ٣.
٤٥.
تفسير الميزان ، محمد حسين
الطباطبائي.
٤٦.
التفسير والمفسرون ، محمد حسين الذهبي
، القاهرة ، ١٣٩٦ ه ، ط ٢.
٤٧.
التفسير ومناهجه في
ضوء المذاهب الإسلامية
، محمد بسيوني فوده ، مطبعة الامانة ، مصر ، ١٣٩٧ هـ.
٤٨.
تنزيه الانبياء ، ابوالقاسم علي بن
الحسين الموسوي المرتضى ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ٢ ، ١٣٨٠ هـ.
٤٩.
تنقيح المقال في
احوال الرجال
، عبد الله بن محمد حسن المامقاني ، المطبعة المرتضوية ، النجف ، ١٣٥٠ هـ.
٥٠.
التوحيد ، الصدوق ، ابوجعفر
محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، تقديم السيد محمد مهدي الخرسان ،
المطبعة الحيدرية ، النجف ، ١٣٨٦ هـ.
٥١.
جامع البيان عن
تاويل اي القرآن
، محمد بن جرير الطبري ، تحقيق محمود محمد شاكر ، مطبعة دارالنشر للجامعات المصرية
، القاهرة ، ١٩٥٨م.
٥٢.
الجامع الصحيح ، البخاري.
٥٣.
جامع الرواة وازاحة
الاشتباهات عن الطرق والاسناد ، الاردبيلي محمد بن علي الغروي
الحائري ، مطبعة نگين ، ايران ، ١٣٣٤ هـ.
٥٤.
حديقة الرضوية ، هروي.
٥٥.
الحصون المنيعة في
طبقات الشيعة
، كاشف الغطاء علي ابن الشيخ محمد رضا ، مخطوطة مكتبة كاشف الغطاء في النجف ، رقم
٧٤٩.
٥٦.
الحضارة الإسلامية ، خدا بخش ، ترجمة
الدكتور علي الخربوطي ، دار احياء الكتب العربية ، القاهرة ، ١٩٦٠م.
٥٧.
الحضارة الإسلامية
في القرن الرابع الهجري
، او عصر النهضة في الإسلام ، ادم متز ، ترجمة محمد عبد الهادي ابو ريده ، مطبعة
لجنة التاليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، ط ٣ ، ص ١٣٥٧ هـ.
٥٨.
خزائن الكتب القديمة
في العراق
، گورگيس عواد ، مطبعة المعارف ، بغداد ، ١٩٤٨م.
٥٩.
خطط الشام ، محمد بن عبد الرزاق
بن محمد كرد علي ، مطابع الترقي ، دمشق ، ١٣٤٣ هـ.
٦٠.
الخلاصة في اصول
الحديث ، الحسين بن عبد الله الطيبي ، تحقيق صبحي السامرائي ، بغداد ، ١٣٩١ هـ.
٦١.
الخلاف ، الشيخ ابوجعفر
الطوسي ، المطبعة الإسلاميّة ، طهران ، ١٣٧٠ هـ.
٦٢.
دائرة المعارف الإسلامية ، تعليق امين
الخولي ، دار الشعب ، القاهرة ، ١٩٧١م.
٦٣.
دائرة المعارف
الشيعية
، حسن الامين ، بيروت ، ١٣٩٠ هـ.
٦٤.
الدر المنثور في
التفسير الماثور
، جلال الدين السيوطي ، طنجة ، ١٨٦٩م.
٦٥.
الدراية في علم
مصطلح الحديث
، الشهيد الثاني زين الدين العاملي ، مطبعة النعمان ، النجف.
٦٦.
الدرة البهية ، مخطوطة مكتبة
مدرسة السيد البروجردي في النجف ، رقم ٢٦٦ ، مرزوق بن محمد بن عبد الله الشوبكي
البحراني.
٦٧.
دروس في علم الاصول ، محمد باقر الصدر
، بيروت ، ١٩٧٨م ، ط ١.
٦٨.
دلائل الصدق ، محمد حسن المظفر
، القاهرة ، دار العلم ، ١٣٩٦ ه ، ط ١.
٦٩.
دليل القضاء الشرعي ، اصوله وفروعه ،
محمد صادق بحر العلوم ، مطبعة النجف ١٣٧٥ هـ.
٧٠.
الدولة الحمدانية في
الموصل وحلب
، الدكتور فيصل السامر ، مطبعة الايمان ، بغداد ، ط ١ ، ١٩٧٠م.
٧١.
دمية القصر وعصرة
أهل العصر
، ابوالحسن علي بن الحسن بن علي الباخرزي ، تحقيق الدكتورسامي مكي ، مطبعة المعارف
، بغداد ، ط ١ ، ١٣٩١ هـ.
٧٢.
ديوان المؤيد ، المؤيد في الدين
هبة الله الشيرازي ، دار الكتاب المصري ، القاهرة ، ط ١ ، ١٩٤٩م.
٧٣.
الذريعة إلى تصانيف
الشيعة
، اغا بزرگ الطهراني ، مطبعة القضاء ، النجف.
٧٤.
ذيل تجارب الامم ، ظهيرالدين
ابوشجاع محمد بن الحسين الرودراوري ، مطبعة شركة التمدن الصناعية ، مصر ، ١٣٣٤ هـ.
٧٥.
الذيل على طبقات
الحنابلة لابن رجب
، زين الدين ابو الفرج عبدالرحمن بن احمد الحنبلي الدمشقي البغدادي ، مطبعة السنة
المحمدية ، القاهرة ، ١٢٧٢ هـ.
٧٦.
الرجال ، ابوالعباس احمد
بن علي النجاشي مطبعة مصطفوي.
٧٧.
الرجال ، الشيخ ابوجعفر
الطوسي ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ١ ، ١٣٨١ هـ. تقديم السيد محمدصادق بحر
العلوم.
٧٨.
روضات الجنات في
احوال العلماء والسادات
، محمد باقر الخوانساري ، طهران ، ١٣٩٠ هـ.
٧٩.
الروضة البهية في
الطرق الشفيعية
، سيد شفيع ابن السيد علي اكبر الحسيني الموسوي ، طبع حجري.
٨٠.
رياض العلماء ، مخطوطة مكتبة
الامام الحكيم العامة في النجف ، الميرزا عبد الله بن الميرزا عيسى الاصفهاني
الافندي.
٨١.
السرائر ، ابن ادريس ابوجعفر
محمد بن منصور بن احمد بن ادريس العجلي الحلي ، طبع حجري ايران ، ١٢٧٠ هـ.
٨٢.
سر السلسلة العلوية ، ابو نصر سهل بن عبد الله
بن داود البخاري ، المطبعة الحيدرية ، النجف ١٣٨٢ هـ.
٨٣.
سنن الترمذي ، الترمذي ،
القاهرة ، ١٣٨٤ ه ، ١٣٨٣ هـ.
٨٤.
شذرات الذهب في
اخبار من ذهب
، ابوالفلاح عبدالحي الحنبلي ابن العماد ، مكتبة القدسي ، ١٣٥٢ هـ.
٨٥.
شرح الاصول الخمسة ، القاضي عبدالجبار
احمد الهمداني ، تحقيق عبدالكريم عثمان ، مطبعة الاستقلال الكبرى ، القاهرة ،
١٩٦٥م ، ط ١.
٨٦.
شرح عقائد الصدوق ، الشيخ المفيد ،
النجف ، ١٣٨١ ه ، ط ١.
٨٧.
شرح نهج البلاغة ، للامام علي ابن
ابي طالب ، محمد عبده ، بيروت.
٨٨.
الشعر العربي في
العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقي ، علي جواد الطاهر
، مطبعة المعارف ، بغداد ، ١٩٥٨م.
٨٩.
الشيعة وفنون
الإسلام
، حسن الصدر ، صيدا ، مطبعة العرفان ، ١٣٣١ هـ.
٩٠.
صحيح البخاري ، محمد بن اسماعيل
ابن إبراهيم ، المطبعة الاميرية ببولاق ، مصر ، ١٣١٢ هـ.
٩١.
ضبط التاريخ بالاحرف ، جعفر نقدي.
٩٢.
ضحى الإسلام ، احمد امين بيروت
، لا ، ت ، ط ١٠.
٩٣.
الطباطبائي ومنهجه
في تفسير الميزان
، علي رمضان ، كلية دار العلوم ، القاهرة ، رسالة ماجستير ، ١٤٠٠ هـ.
٩٤.
طبقات الشافعية
الكبري
، تاج الدين ابونصر عبدالوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ، تحقيق ، عبدالفتاح
محمد الجلو ، مطبعة عيسى البابي ، ط ١ ، ١٣٨٥ هـ.
٩٥.
العالم الإسلامي في
العصر العباسي
، الدكتور حسن احمد محمود والدكتور احمد إبراهيم شريف ، مطبعة المدني ، القاهرة ،
ط ١ ،.
٩٦.
عقائد الامامية ، محمد رضا المظفر
، دار الغدير ، بيروت ، لا. ت.
٩٧.
عقائد الامامية
الاثنى عشرية
، إبراهيم الموسوي الزنجاني ، بيروت ، ١٣٩٣ هـ.
٩٨.
علماء النظاميات
ومدارس المشرق الإسلامي
، الدكتور ناجي معروف ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، ط ١ ، ١٣٩٣ هـ.
٩٩.
عمدة الطالب في
انساب ال ابي طالب
، جمال الدين احمد بن علي بن الحسن بن علي بن مهنا الداودي الحسني ، ابن عنبة ، المطبعة
الحيدرية ، النجف.
١٠٠.
عيون اخبار الرضا ، ابوجعفر محمد بن
علي ، الصدوق ، تصحيح السيد ، مهدي الحسيني اللاجوردي ، طبعة دار العلم ، قم ،
١٣٧٧ هـ.
١٠١.
عيون الرجال ، الصدر حسن السيد
هادي الكاظمي ، مطبعة تصوير عالم بريس ، لكنهو ، الهند.
١٠٢.
غرائب القرآن ورغائب
الفرقان ، نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري ، تحقيق إبراهيم عطوة عوض ، مطبعة
الحلبي ، مصر ، ١٩٦٢م.
١٠٣. الفتاوى الواضحة ، محمد باقر الصدر
، دار المعارف للمطبوعات ، بيروت ، ط ٤ ، ١٩٨١م.
١٠٤.
فرحة الغري في تعين
قبر اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع) في النجف ، غياث الدين عبد الكريم
ابن طاووس ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ٢ ، ١٣٦٨ هـ.
١٠٥.
الفرق بين الفرق
وبيان الفرقة الناجية منهم ، عبدالقاهر بن طاهر البغدادي ، تحقيق
محمد زاهد الكوثري ، القاهرة ، ١٣٦٧ هـ.
١٠٦.
فضائح الباطنية ، ابواحمد الغزالي
، تحقيق عبدالرحمن بدوي ، الدارالقومية ، القاهرة ، ١٣٨٣ هـ.
١٠٧.
الفهرست ، محمد بن اسحاق بن
النديم ، مطبعة الاستقامة ، القاهرة.
١٠٨.
الفهرست ، الشيخ ابوجعفر
الطوسي ، تعليق محمد صادق بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ٢ ، ١٣٨٠ هـ.
١٠٩.
فقهاء الفيحاء وتطور
الحركة الفكرية في الحلة
، هادي السيد احمد كمال الدين ، مطبعة المعارف ، بغداد ، ١٩٦٢م.
١١٠.
قاموس الرجال ، محمد تقي التستري
، المطبعة العلمية ، قم ، ١٣٨٧ هـ.
١١١.
القاموس المحيط ، محمد بن يعقوب
الفيروزابادي ، المطبعة الميرية ببولاق ، مصر ، ١٣٠١ ه ، ط ١.
١١٢.
القرآن في الإسلام ، محمد حسين
الطباطبائي ، تعريب احمد الحسيني ، بيروت ، ١٣٩٣ ه ، ط ١.
١١٣.
القرآن المجيد ، محمد عزة دروزة ،
بيروت ، لا. ت.
١١٤.
قواعد المنهج السلفي
والنسق الإسلامي في مسائل الالوهية والعالم والانسان عند ابن تيمية ، الدكتور مصطفى
حلمي ، القاهرة ، ١٣٩٦ ه ، ط ١١.
١١٥.
الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ،
عزالدين ابو الحسن علي بن ابي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ،
المطبعة الازهرية المصرية ، ط ١ ، ١٣٠١ هـ.
١١٦.
كتاب الاربعين حديثا ، محمد بن مكي
العاملي الشهيد الاول ، طبع حجري ، طهران ، ١٣١٨ هـ.
١١٧.
الكشاف في تفسير
القرآن
، جاراللّه الزمخشري ، المطبعة العامرة الشريفة ، القاهرة ، ١٣٠٧ ه ، دارالمعرفة
، بيروت ، لا. ت.
١١٨.
كشف الحجب والاستار
عن اسماء الكتب والاسفار
، الكنتوري اعجاز حسين النيسابوري ، مطبعة بيتس مثن ، كلكتا ، ١٣٣٠ هـ.
١١٩.
لباب الالقاب في
القاب الاطياب
، الشيخ حبيب الله كاشاني ، مطبعة مصطفوي ، قم ، ١٣٧٨ هـ.
١٢٠.
اللباب في تهذيب
الانساب
، ابن الأثير ، مكتبة القدسي ، ١٣٥٦ هـ.
١٢١.
لسان العرب ، ابن منظور ،
المطبعة الاميرية ببولاق ، ١٣٠٠ ه ، ط ١.
١٢٢.
لسان الميزان ، ابن حجر
العسقلاني ، مطبعة مجلس دائرة المعارف ، الهند ، ١٣٣١ ه ، ط ١.
١٢٣.
ماضي النجف وحاضرها ، جعفر باقر محبوبة
، مطبعة العرفان ، صيدا ، ١٣٥٣ هـ.
١٢٤. المبسوط ، الشيخ ابو جعفر الطوسي ،
طبع حجري.
١٢٥.
مجمع البحرين ، الطريحي فخرالدين
بن محمد علي الرماحي ، النجفي ، تحقيق السيد احمدالحسيني ، مطبعة الاداب ، النجف ،
ط ١ ، ١٣٨٦ هـ.
١٢٦.
مجمع البيان ، الطبرسي ،
داراحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٣٧٩ هـ.
١٢٧.
مجموعة الرسائل
الكبرى
، ابوالعباس تقي الدين احمد بن عبد الحليم بن تيمية.
١٢٨.
محاضرات في تفسير
القرآن الكريم
، اسماعيل الصدر ، النجف ، لا. ت.
١٢٩.
محاضرات من الشعر
الفارسي والحضارة الإسلامية في ايران ، الدكتور علي اكبر
فياض ، مطابع الاصلاح ، الاسكندرية.
١٣٠.
المختصر في اخبار
البشر
، عماد الدين اسماعيل ابو الفداء ، المطبعة الحسينية المصرية ، ط ١ ، ١٣٢٥ هـ.
١٣١.
مذاهب الإسلاميين ، الدكتور عبد الرحمن
بدوي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٧١م.
١٣٢.
مراة الجنان وعبرة
اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان ، البلاغي ابو محمد
عبد الله بن اسعد بن علي اليمني المكي ، مطبعة دائرة المعارف النظامية ، حيدراباد
الدكن ، ط ١ ، ١٣٣٨ هـ.
١٣٣.
المراجعات ،
عبدالحسين شرف الدين
، القاهرة ، ١٣٩٧ ه ، ط ١٩.
١٣٤.
مروج الذهب ومعادن
الجوهر
، المسعودي ، تحقيق محيي الدين عبدالحميد ، دار الرجاء للطباعة ، مصر.
١٣٥.
مستدرك الوسائل ، الميرزا محمد
حسين الطبري النوري ، مطبعة دار الخلافة ، طهران ، ١٣١٨ هـ.
١٣٦.
مصباح المتهجد وسلاح
المتعبد
، الشيخ ابوجعفر الطوسي ، تقديم اسماعيل الانصاري الزنجاني ، قم.
١٣٧.
مصفى المقال في
مصنفي علم الرجال ،
اغا بزرگ الطهراني ، مطبعة دولتي ، ايران ، ط ١ ، ١٣٨٧ هـ.
١٣٨.
معتزلة ، زهدي حسن جاراللّه
، مطبعة مصر ، القاهرة ، ١٣٦٦ هـ.
١٣٩.
معجم الادباء ، شهاب الدين
ابوعبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي ، مطبعة دار المامون ، مصر.
١٤٠.
معجم المؤلفين ، عمر رضا كحالة ،
مطبعه الترقي ، دمشق ، ١٩٧٥م.
١٤١.
المعجم المفهرس
لالفاظ القرآن الكريم
، محمد فؤاد عبد الباقي ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، ١٣٦٤ هـ.
١٤٢.
المغني في ابواب
التوحيد والعدل
، القاضي عبد الجبار ، تحقيق الدكتور ابوالعلا عفيفي ، مطبعة دارالكتب المصرية ،
القاهرة ، ١٩٦٢م.
١٤٣.
مفاتيح الغيب ، فخرالدين محمد بن
عمر الرازي ، المطبعة البهية ، القاهرة ، ١٣٥٧ ه ، ط ١.
١٤٤.
مقالات الإسلاميين ، ابوالحسن الأشعري
، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، القاهرة ، ١٣٨٩ ه ، ط ٢.
١٤٥.
المقدمة ، ابن خلدون ، بيروت ، ١٩٥٦م.
١٤٦.
مقدمة ديوان الرضي ، عبدالحسين الحلي
، المطبعة الادبية ، بيروت ، ١٣٠٧ هـ.
١٤٧. مقدمة في اصول التفسير ، ابن تيمية ،
تحقيق عدنان زرزور ، بيروت ، ١٣٩٢ ه ، ط ٢.
١٤٨. الملل والنحل ، محمد بن عبد الكريم
الشهرستاني ، تحقيق عبد العزيز الوكيل ، مؤسسة الحلبي ، القاهرة ، ١٣٨٧ هـ.
١٤٩.
مناهل العرفان في
علوم القرآن
، محمد عبد العظيم الزرقاني ، المطبعة الفنية ، القاهرة ، لا. ت.
١٥٠.
المنتظم في تاريخ
الملوك والامم
، جمال الدين ابو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي ، مطبعة دائرة المعارف
العثمانية حيدراباد ، الدكن ، ط ١ ، ١٣٥٩ هـ.
١٥١.
مهج الدعوات ومنهج
العبادات
، غياث الدين عبد الكريم ابن طاووس ، طبع ١٣٢٣ هـ.
١٥٢.
الموافقات في اصول
الشريعة
، ابو اسحاق الشاطبي ، شرح الشيخ عبد الله دراز ، مصر ، ١٣٨٨ هـ.
١٥٣.
موسوعة العتبات ، جعفر الخليلي ،
النجف ، لا. ت.
١٥٤.
الناسخ والمنسوخ ، كمال الدين عبد الرحمن
بن محمد العتائقي الحلي ، تحقيق عبد الهادي الفضلي ، النجف ، لا. ت.
١٥٥.
نشاة التفسير في
الكتب المقدسة والقرآن
، الدكتور احمد خليل ، الاسكندرية ، ١٣٧٣ ه ، ط ١.
١٥٦.
نشاة الفكر الفلسفي
في الإسلام
، الدكتور علي سامي النشار ، دار المعارف ، القاهرة ، ١٩٧٧م ، ط ٧.
١٥٧.
الوجيزة ، محمد باقر
المجلسي ، مطبعة دار الخلافة ، طهران.
١٥٨.
وفيات الاعيان ، شمس الدين احمدبن
ابي بكر بن خلكان ، مطبعة السعادة ، مصر ، ط ١ ، ١٣٦٧ هـ.
المجلات :
١. مجلة الإسلام
، القاهرة.
٢. مجلة رسالة الإسلام
، كلية اصول الدين ، السنة ٥ ، العدد١.
٣. مجلة المجمع العلمي
العراقي ، مج ٤ ، ج ٢.
الفهرس
الإهداء......................................................................... ٥
المقدمة.......................................................................... ٧
الباب الاول : الطوسي ؛ حياته ، ثقافته ، عصره
الفصل الاول : حياة
الشيخ الطوسي وثقافته....................................... ١٣
حياة الشيخ الطوسي......................................................... ١٣
أ ) من اعلام أهل
السنة................................................... ١٧
ب ) من اعلام الشيعة..................................................... ١٨
شيوخه.................................................................. ١٩
تلاميذَ الشيخِ الطوسي..................................................... ٢٣
ثقافة الشيخ الطوسي...................................................... ٢٥
مؤلفات الشيخ الطوسي................................................... ٣٥
الشيخ الطوسي وزعامته
الفكريّة للإماميّة.................................... ٤٤
الشيخ الطوسي ومدرسته
في النجف الأشرف................................ ٤٧
اولاده................................................................... ٥٢
وفاة الشيخ الطوسي....................................................... ٥٣
الفصل الثاني : عصر الطوسي................................................... ٥٥
عصر الشيخ الطوسي........................................................ ٥٥
الباب الثاني : منهجية الشيخ الطوسي في تفسيره
الفصل الأول : نشأة
التفسير وتطوّر مناهجه ................................... ٧٣
وصف مجمل لتفسير
التبيان................................................... ٧٣
وصف مجمل للتبيان.......................................................... ٨٦
الفصل الثاني : الجانب
العقلي في التبيان........................................... ٩٥
١. موقف الطوسي من
النظر والاستدلال في آيات اللّه........................... ٩٦
٢. رفضه للفكرةِ
القائلةِ بأنّ المعارفَ ضروريّةٌ ................................. ٩٨
٣. رفضه التقليد في
أُصول الدين.............................................. ٩٩
٤. تأكيده على أهمية
العقل واعتباره حجّةً.................................... ١٠١
٥. وجود بعض الإشارات
العلميّة في تفسير التبيان............................ ١٠٣
٦. موقف الشيخ الطوسي
من عقائد الإماميّة.................................. ١٠٤
٧. ردوده على المفسرين
ومناقشته لآرائهم.................................... ١٠٥
١. الطوسي والبلخي.................................................... ١٠٥
٢. الطوسي والطبري ................................................... ١٠٧
٣. الشيخ الطوسي والرمّاني.............................................. ١١٠
٤. الشيخ الطوسي والجبّائي.............................................. ١١٢
٥. مناقشته لأهل
الكتاب والفرق الإسلاميّة................................ ١١٤
الفصل الثالث : الجانب
الأثري في التبيان....................................... ١٢٧
تفسير القرآن بالقرآن...................................................... ١٢٧
اعتماده مبدا السياق
والنظم في القرآن..................................... ١٣٣
التفسير بالسنّة.......................................................... ١٣٣
اعتماده للأحاديث في
بيان الأحكام....................................... ١٣٣
اعتماده الأحاديث
والاخبار في معرفة أسباب النزول......................... ١٣٣
اعتماده الحديث والاخبار
في تفسيره للآيات القرآنيّة........................ ١٣٣
موقفه من التوراة والإنجيل................................................ ١٣٣
الفصل الرابع : الجانب
اللغوي في التبيان........................................ ١٣٣
اللغة................................................................... ١٣٣
النحو.................................................................. ١٣٣
القراءة................................................................. ١٣٣
الشعر.................................................................. ١٣٣
الباب الثالث : علوم القرآن والعقائد
الفصل الأول : الشيخ
الطوسي وعلوم القرآن.................................... ١٣٣
النسخ في القرآن
الكريم..................................................... ١٣٣
اسباب النزول........................................................... ١٣٣
المحكم والمتشابه......................................................... ١٣٣
آيات الأحكام.......................................................... ١٣٣
التأويل................................................................. ١٣٣
الفصل الثاني : الشيخ
الطوسي وعقائد الإماميّة................................... ١٣٣
التوحيد................................................................... ١٣٣
صفات الله تعالى......................................................... ١٣٣
خلق القرآن ............................................................ ٢٧١
العدل.................................................................. ١٣٣
أفعال العباد............................................................. ١٣٣
الحسن والقبح........................................................... ١٣٣
النبوَّة.................................................................. ١٣٣
الإمامة................................................................. ١٣٣
التقيّة.................................................................. ١٣٣
المتعة................................................................... ١٣٣
المعاد................................................................... ١٣٣
الشفاعة................................................................ ١٣٣
الخاتمة
الخاتمة....................................................................... ١٣٣
فهرس المصادر والمراجع....................................................... ١٣٣
المجلات................................................................... ١٣٣
|