حاشية
مجمع الفائدة والبرهان
للعلّامة المجدّد المولى
محمّد باقر الوحيد البهبهاني
رحمه الله
(١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
مقدّمة
المحشّي
نحمدك اللهم
على نعمك المتواترة وآلائك المتكاثرة ، ونصلّي ونسلّم على سادة أهل الدنيا والآخرة
، محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعترته الطاهرة.
أمّا بعد ،
فيقول العبد الجاني ، والقنّ الفاني ، المتعطّش إلى فيض ربّه السبحاني ، راجي عفو
ربّه الغافر ، ابن محمّد أكمل محمّد باقر ، أوتي كتابه بيمناه ، وجعل عقباه خيرا
من دنياه :
إنّي لمّا وقفت
على « شرح الإرشاد » للعالم الربّاني ، والفاضل الصمداني ، الحبر المحقّق ،
والمولى المدقّق ، صاحب الكرامات المشهورة ، والفضائل المأثورة ، مؤسّس أحكام
العترة الطاهرة ، في رأس المائة العاشرة ، الأجلّ الأمجد ، مولانا المقدّس أحمد ،
قدّس الله فسيح تربته ، وأسكنه بحبوحة جنّته ، رأيته قدسسره قد كبا جواده في بعض الميادين ، فأخذ يعترض على علمائنا
الأساطين ، وذلك لما اعترف به طاب مضجعه ، وعلا مقعده ، من عدم عثوره على أستاذ
يقيّمه ويسدّده ، فرأيت إن أتدارك ما فاته رحمهالله من دليلهم ، وغفل عن سواء سبيلهم.
ومع ذلك ،
فلعمري لم أر في مصنّفات أصحابنا المتقدّمين ، ولا في مؤلّفات علمائنا المتأخّرين
، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، مؤلّفا يشبهه في جمعه وتحريره ، أو يدانيه في
تحقيقه وتحبيره ، فلله درّة ، قدسسره ، فلقد أتى بالشيء
__________________
العجاب ، بل بما يحيّر لبّ ذوي الألباب ، ولا عجب ممّن كانت تخدمه ملائكة
الرحمن ، وكان يخاطبه الإمام صاحب الزمان ، وتلقّى المسائل شفاها من الإمام ، عليه
أفضل الصلاة والسلام ، فجزاه الله عنه وعن رسوله وعن أئمّته وعن الكتاب والسنّة
وعنّا خير جزاء المحسنين ، إنّه أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، رؤوف رحيم ،
عطوف كريم.
كتاب
المتاجر
مقدّمات
التجارة
قسم العقود
قوله
: ويدلّ عليه أيضا الآيات والأخبار الكثيرة جدّا .. إلى آخره
.
في « الفقه
الرضوي » : ( اعلم يرحمك الله ، أنّ كلّما يتعلّمه العباد من أصناف الصنائع ، مثل
: الكتاب ، والحساب ، والتجارة ، والنجوم ، والطب ، وسائر الصناعات والأبنية ،
والهندسة ، والتصاوير ما ليس فيه مثال الروحانيين ، وأبواب صنوف الآلات الّتي
يحتاج إليها ممّا فيه منافع وقوام معايش ، وطلب الكسب فحلال كلّه ، تعليمه والعمل به ، وأخذ
الأجرة عليه ، وإن قد تصرّف بها في وجوه المعاصي أيضا ، مثل استعمال ما جعل للحلال
ثمّ يصرفه إلى أبواب الحرام ، في مثل : معاونة الظالم وغير ذلك من
أسباب المعاصي ، مثل الإناء والأقداح وما أشبه ذلك ، ولعلّة ما فيه من المنافع
جائز تعليمه وعمله ، وحرم على من يصرفه إلى غير وجوه الحقّ والصلاح الّتي أمر الله
بها دون غيرها. اللهم ، إلّا أن يكون صناعة محرّمة أو منهيّا عنها ، مثل الغناء ).
إلى آخر ما قال .
__________________
في كسب الصرف
قوله : أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا
صيارفة .. إلى آخره .
ويؤيّده ـ أيضا
ـ أنّ جمعا من ثقات أصحابهم عليهمالسلام ، وأجلّتهم كانوا صيارفة ، مثل مؤمن الطاق ، وإسحاق بن
عمّار الثقة ، وسدير الصيرفي الجليل وغيرهم ، ومرّ
عن عبارة « الفقه الرضوي » ما يدلّ أيضا ، بل الظاهر منها ومن الروايتين ـ أيضا ـ عدم الكراهة ، فتأمّل.
قوله : لعلّه يريد بالحرام فيها الكراهة
.. إلى آخره .
لكن مع ذلك
ربّما يظهر من طريقة الجواب عدم الكراهيّة أيضا ، فتأمّل.
وربّما يظهر
أنّ الكراهة أو الحرمة من قول العامّة ، وأنّ ما ورد ـ ممّا
__________________
تضمّنها ـ محمول على التقيّة ، فتأمّل.
قوله : وروى زيد بن علي عن آبائه عن علي
عليهالسلام ، « إنّه أتاه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين! والله إنّي أحبّك لله
، فقال له : لكنّي أبغضك لله ، قال : ولم؟ قال : لأنّك تبغي في الأذان وتأخذ على
تعليم القرآن أجرا » .. إلى آخره
سيذكر عن
الصدوق أنّه روى هذه الرواية هكذا : « لأنّك تبغي في الأذان كسبا ، وتأخذ على
تعليم القرآن أجرا » .
تحريم الاحتكار وكراهته
قوله : والأصل يقتضي حمل الكراهة على
معناه الحقيقي .. إلى آخره
هذا ، على
تقدير ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، حتّى في مثل لفظ الكراهة ، وهو محلّ تأمّل ، بل
ثبوتها فيه في كلام قدماء الأصحاب ـ أيضا ـ لعلّه محلّ تأمّل ، فضلا عن كلامهم عليهمالسلام.
وأمّا في
اللّغة ، فمعناها المرجوح المعتدّ به ، فيشمل الحرمة ، إلّا أن يقال : التعبير عن
الحرام بما هو ظاهر في الأعمّ منه ومن الكراهة خلاف الظاهر ، لأنّ الحرمة يحتاج
التعبير عنها إلى التصريح بعدم جواز الفعل ، ولا يناسبه المسامحة في الإفهام ، بل
يناسبه التشديد والتأكيد ، والتصريح ، والتوضيح ، كي لا يتحقّق
__________________
الغفلة ، وتوهّم المعنى الأعمّ ، بل وتوهّم الكراهة ، لأنّها يناسبها
المسامحة في التعبير ، والاكتفاء بمجرّد المرجوحيّة ، ففي التعبير بلفظ الكراهة
إشعار بالكراهة بالمعنى المصطلح عليه ، فتأمّل.
لكن الأخبار
المعارضة لهذه الحسنة دلالتها على الحرمة في غاية الظهور ، فلا يقاوم دلالة
هذه الحسنة دلالتها ، ومن تلك الأخبار ما هو صحيح ، كما سيذكره
الشارح ، فتأمّل.
قوله : فكأنّهم نظروا إلى اختصاصه بحكيم
بن حزام ، فلا يظهر دلالتها على المطلوب .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الرواية ظاهرة في التحريم ، على كلّ من فعل فعل الحكيم ، ولذا سأل المعصوم عليهالسلام بقوله « يبيعه أحد غيرك؟ » .
ويؤيّده ـ أيضا
ـ قوله : « وإنّما كان ذلك .. إلى آخره » ، فإنّ الظاهر منه أنّ المراد الاحتكار الممنوع المشهور
عند المسلمين ، كما لا يخفى.
قوله
: الثّاني ، إنّ الخلاف مع عدم الضرورة ، مثل المخمصة ، وإلّا فيحرم بالإجماع
ظاهرا .
__________________
إذ الضرورة لا
خصوصيّة لها بالأجناس المعهودة المعدودة ، بل لا خصوصيّة لها بالمأكولات ، فضلا عن
الأمور المعدودة المعهودة ، بل لا خصوصيّة لها بالشرائط ، ولا يمكن أن تصير محلّ
النزاع.
قوله
: وظاهر ما في رواية حذيفة بن منصور .. إلى آخره
ظاهر هاتين
الروايتين تحريم الاحتكار ، وضعف سندهما منجبر بالشهرة وغيرها ،
فلا يحسن أن يقال : لعلّ بناء عملهم على أمثال هذه الأخبار على التسامح في أدلّة
السنّة والكراهة ، فلا تغفل.
في الكسب الحرام
قوله
: هو التكسّب بما اشتمل على وجه قبيح .. إلى آخره .
في « الفقه
الرضوي » : « كلّ مأمور به ممّا هو منّ على العباد وقوام لهم في
أمورهم ، من وجوه الصلاح الّذي لا يقيمهم غيره ممّا يأكلون ، ويشربون ، ويلبسون ،
وينكحون ، ويملكون ، ويستعملون ، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه
__________________
وهبته وعاريته. وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه ، من جهة أكله
وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد ، مثل : الميتة والدم ولحم الخنزير ،
والربا وجميع الفواحش ، ولحوم السّباع ، والخمر ، وما أشبه ذلك فحرام ضارّ للجسم
وفساد للبدن » انتهى وقوله : « وما أشبه ذلك » لعلّه شامل لجميع النجاسات
والمتنجّسات الّتي لا تقبل التطهير ، وكذا أمثالها ، فتأمّل.
هذا ، وفي «
العوالي » عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ الله إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم ثمنها » .
وفيه أيضا عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم « لعن الله اليهود ، حرّم عليهم الشحوم فباعوها ،
وأكلوا ثمنها » .
وفي أخبار
الكتب الأربعة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخمر : « إنّ الّذي حرّم شربها حرّم ثمنها » .
__________________
بيع الأعيان النجسة
قوله
: وتحريم الأعيان يستلزم تحريم
ربّما يظهر هذا
من بعض الأخبار ، وهو خبر جابر عن الباقر عليهالسلام أنّه منع رجلا عن أكل السّمن والزيت الّذي مات فيه
الفأرة ، فقال الرجل : الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي لأجلها ، فقال عليهالسلام : « إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ،
إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء » ، فتأمّل.
قوله
: وجوه الاستمتاع ، وهو ( إِنَّمَا الْخَمْرُ ) الآية .
وأيضا المسكر
ليس ملكا لمسلم ولا يملكه ، فكيف يتحقّق بيعه ؟! فإنّ البيع نقل الملك إلى آخر ـ كما سيجيء ـ وأيضا
مأمور بصبّه من باب النهي ، ومنع الشارب وضربه ، فكيف يبيعه منه؟ فتأمّل.
قوله
: مثل رواية السّكوني .. إلى آخره
ربّما يستفاد
من ظاهر بعض الأخبار ، وصريح بعضها جواز بيع مثل الخمر
__________________
والخنزير لأجل قضاء دين المسلم ، وكذا تملّك المسلم لثمنها في الجملة ،
والأخبار مذكورة في كتاب الدين ، وسنذكر في هذا الكتاب مع توجيههم لها ، فليلاحظ.
قوله
: [ تحريم الميتة ] وعدم جواز استعمالها في شيء بوجه .. إلى آخره
وورد في
الأخبار المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا ، وأمّا الأكل ففي القرآن والأخبار ورد حرمته ، مضافا إلى
الإجماع ، بل الضرورة.
قوله
: [ وفي حكم النجس العيني ] ما ينجس به ولم يقبل التطهير .. إلى آخره
قد مرّ في
الحاشية السّابقة عن « الفقه الرضوي » ، وغيره ما يشير إلى ذلك .
قوله
: [ الأعيان النجسة الجامدة ] كالثوب وشبهه يجوز بيعها إجماعا .. إلى آخره
هذا القيد الخروج
مثل العجين النجس ، لأنّ الظاهر أنّ حكمه حكم المائع
__________________
الّذي لا يقبل التطهير ، كما يظهر من الأخبار ، إلّا أن
يقال بجواز التطهير بجعله خبزا يابسا غاية اليبوسة ، ثمّ غسله
بالماء الجاري أو الكرّ ، كما سيذكر الشارح.
قوله
: [ وفي عدم تطهير الخلّ مطلقا ] وكذا بعض المائعات تأمّل .. إلى آخره .
في التطهير
إشكال ظاهر ، لتوقّفه على وصول الماء إلى جميع أجزاء الخلّ ، وهو باق على حقيقته ،
وصدق كونه ماء ، أو مع ذلك يكون متّصلا بالكرّ ومثله ، حتّى لا ينفعل بالملاقاة ،
وظاهر عدم البقاء وعدم الاتّصال ، وأقلّا عدم العلم بالأمرين والنجاسة مستصحبة ،
حتّى يحصل العلم بالطهارة ، ويظهر من أخبار الدهن النجس والمرقة النجسة وغيرهما
عدم القبول للطهارة ، مضافا إلى الإجماع المنقول .
قوله
: لأنّه المتبادر منها ، وإن ذكر الاستصباح [ لكونه نفعا ] .. إلى آخره
لم أعرف وجه
التبادر ولا نفسه ، إلّا أنّه في الظنّ العقلي عدم الفرق بينه وبين غيره ، أو عدم
تعقّل فرق ، لكن ربّما لعلّ هذا قياس حرام لا دلالة اللفظ ، وربّما يضعّف التبادر
الّذي ادّعاه ، أنّا الآن إذا قلنا للناس : أسرجوا به ، حين يستفتون عن حاله
وأنّهم ما ذا يصنعون ، لأنّهم ما يدرون ما يصنعون به ، فالظاهر أنّهم لا يفهمون
العموم ، بل ربّما يسألون : هل يجوز لنا غير هذا؟ وأمّا العلماء فحالهم كما
__________________
أشرنا.
وممّا يضعّف ،
ما ادّعاه أنّه ورد أخبار كثيرة في هذا المعنى ، وكلّها بلفظ الإسراج ومرادفه ، ولم يتّفق
الإشارة إلى أمر آخر أصلا مع كثرته ، سيّما صحيحة معاوية بن وهب ، حيث ذكر في
أوّلها : « وأمّا الزيت فليستصبح به » ، وكرّر ذلك بأن ذكر في آخرها أيضا ، بل ما في آخرها له
ظهور في الاختصاص ، لأنّ المقام ليس مقام زيادة قوله : « ليستصبح به » لولا
الاختصاص.
هذا ، مضافا
إلى أنّ المقام في هذه الأخبار مقام الحاجة إلى معرفة وجوه الاستعمال المحلّلة ،
فالمناسب التصريح والتوضيح للراوي ، لا أن يأتي بعبارة لا يكاد يفهم العموم ، بل
ربّما يفهم الخصوص ، كما أشرنا ، مضافا إلى الإتيان بصيغة الأمر الظاهرة في الوجوب
العيني المذكورة في محلّ الحظر ومورد توهّمه ، فربّما يظهر من هذا أنّ عدم الحظر
والإباحة مختصّ بما ذكر فتدبّر ، مع أنّ الفقهاء أيضا فهموا الاختصاص إلّا نادرا
منهم ، فتأمّل.
وأمّا قوله : «
لا تأكل » فلعلّه كناية عن النجاسة ، كما هو في المواضع الّتي يثبتون النجاسة منها
، فإنّ المذكور فيها ليس إلّا عدم الأكل ، أو عدم الشرب ، أو عدم الوضوء ، ولذا لا
يجوز الاستعمال في كل ما يشترط فيه الطهارة جزما ، فتأمّل.
قوله
: [ والإجماع بعدم جوازه تحت السّقف ] غير ظاهر ، لوجود الخلاف والدليل .. إلى
آخره
فيه ، أنّ هذا
لا يصلح للعليّة ، لأنّه لو خرج الماء لم يضرّ ، كما صرّح به في
__________________
موضعه ، وكذا وجود الإطلاقات ، لأنّ المطلق يحمل على المقيّد ، نعم يشترط
المقاومة إلى حدّ يتعيّن التقييد ، ولعلّه ربّما لا يفي لذلك ، فتأمّل.
قوله
: ولعدم الفرق ، [ بل الاستعمال في نحو الصابون وأدهان الحيوانات ] واستعمال
الجلود والخشبات وغيرها أبعد [ من شبهة وصول دخانه ] .. إلى آخره
.
ما ذكره لا
يخلو عن قوّة ظنّ عند العقل ، إلّا أنه ربّما يشكل الاعتماد عليه في مقام الفتوى
بملاحظة ما أشرنا إليه ، فتأمّل.
قوله
: [ بل مجرّد ] الاجتهاد على ما يظهر ، فالظاهر جواز سائر الانتفاعات [ في سائر
المتنجّسات ] .. إلى آخره
فيه ، أنّ ابن
إدريس ادّعى الإجماع ، والإجماع المنقول بخبر واحد حجّة على ما هو المشهور
المعروف ، بل هو أيضا خبر واحد ، لأنّ الإجماع عندنا كاشف عن قول المعصوم عليهالسلام.
وأمّا ما ذكره
من الاجتهاد ، فهو لا يقتضي المنع مطلقا ، كما قالوه ، بل لا يقتضي المنع أصلا ،
لأنّ الطهارة مستصحبة حتّى يعلم النجاسة ويستيقن ، ولا يكفي الظنّ ، مع أنّ الحكم
بحرمة التنجيس أيضا مشكل ، والله يعلم.
نعم ، كون
إجماع ابن إدريس بحيث يقاوم إطلاقات الأخبار الصحيحة ، ويترجّح عليها حتّى يقيّدها
محلّ نظر ، والشهيد الثاني تنظّر في نفس دعواه الإجماع ، ولم يعلم
وجهه ، فتأمّل.
__________________
مضافا إلى أنّ
العلّامة [ نقل ] في « المختلف » عن الشيخ في « المبسوط » أنّه قال : ( وروى أصحابنا
أنّه يستصبح به تحت السّماء دون السّقف ) ، إلّا أنّ في نسبة الرواية إلى الأصحاب وعدم نقله في «
التهذيب » و « الاستبصار » ربّما يوهن ذلك.
قوله
: كما في النجاسات العينيّة مطلقا ، حتّى في إليه الميتة .. إلى آخره
قد أشرنا إلى
أنّه ورد في الأخبار المنع عن الانتفاع من الميتة مطلقا ، وسئل عن الصادق عليهالسلام عن قطع أليات الغنم ، فقال : « لا بأس به » ثمّ قال : «
في كتاب علي عليهالسلام : إنّ ما قطع منها ميتة لا ينتفع به » .
وفي خبر آخر
عنه عليهالسلام أنّه قال في أليات الضأن تقطع : « إنّها
ميتة » .
وفي خبر آخر :
« حرام هي ، إنّها ميتة » فقيل له عليهالسلام : فنستصبح بها؟
فقال : « أما
علمت أنّه يصيب اليد والثوب ، وهو حرام! » ، فتأمّل.
قوله
: [ وموجبا للخيار لا غير ] ، لأنّ غايته نهي في غير العبادة ، وهو ليس بمقتض
للفساد ، كما حقّق في موضعه .. إلى آخره
.
__________________
لا يخفى أنّ
الصحّة في المعاملات عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي عليها ، والأصل عدم الترتّب حتّى
يثبت بدليل ، فلا بدّ من دليل ومقتض للصحّة لا ينافيه النهي ، والمقتضي ليس إلّا
مثل ( أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ ) ، و ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، والنهي ينافي الأوّل جزما ، والثاني ظاهرا ، فإنّ
الحلّية والحرمة لا يجتمعان قطعا ، وكذا وجوب الوفاء وحرمة الارتكاب لا يجتمعان
على الظاهر ، بل إذا حصل الشكّ والاحتمال ، يشكل الحكم بالصحّة ، للإشكال في وجود
المقتضي ، وقد عرفت أنّ الأصل عدمه ، فتأمّل.
قوله
: نعم يمكن أن يقال : البيع الصحيح .. إلى آخره
.
مراده ، أنّ
البيع لو لم يكن للاستصباح يكون فاسدا البتّة ، كما هو المسلّم عندهم ، فظهر وجه
تخصيص بالاستصباح ، فإذا كان فائدة الاستصباح علّة للصحّة ومؤثّرة فيها ، فكيف
يصحّ بدون الإعلام؟ لعدم العلم حينئذ بحصول الفائدة الّتي هي المصحّحة للبيع
والمؤثّرة في الصحّة ، بل المظنون حينئذ عدم الفائدة إذا كان سمنا ، بل وزيتا أيضا
، لعدم التعارف في الإسراج ، بل وتعارف عدم الإسراج ، فتأمّل.
قوله
: ومجرّد كونه نجسا [ لا يصلح لذلك ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
ورد في الأخبار : « إنّ الله إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنها » ، وقد تقدّم . رواها
المصنّف في بحث تحريم بيع الأعيان النجسة ، أنّه قال : ( لعن
__________________
الخمر وغارسها ـ إلى أن قال في ذيلها ـ وكلّ مسكر ، لأنّه نجس
) ، وهذه العلّة تقتضي تحريم النجس من باب القياس المنصوص العلّة ، فتأمّل .
قوله
: [ الّذي ] لا نفع فيه غير الكلاب الأربعة ، فتأمّل .. إلى آخره .
لا يخفى ، أنّ
الأخبار الواردة في منع بيع الكلب وحرمة ثمنه ، واستثناء خصوص كلب الصيد في غاية
الوضوح في منع بيع الكلاب الثلاثة وحرمة ثمنها ، ولا يجوز أن يقال : لعلّ ندرة
وجودها صارت منشأ لعدم التعرّض لحالها بالخصوص ، والحكم بجواز بيعها أيضا ، لأنّ
وجود هذه الكلاب الثلاثة أكثر من وجود كلب الصيد بمراتب. سلّمنا ، لكن ليس أندر
قطعا ، فوضوح الدلالة بحاله.
قوله
: [ ولا يجوز بيع السّرجين النجس ] إجماعا منّا ، ويفهم من « المنتهى » أنّ الإجماع على عدم جواز بيع النجس [ عينا ]
.. إلى آخره .
ومضافا إلى هذا
الإجماع ، أنّه ورد المنع عن بيع العجين النجس ، فنجس العين أولى ، ولأنّ صحّة البيع تحتاج إلى ثبوت المملوكيّة ، والأصل
عدمها حتّى
__________________
تثبت ، ولم يثبت ، ومرّ أيضا « ما حرّم الله تعالى أكلها حرّم ثمنها » وغير ذلك ،
فليلاحظ.
قوله
: ولهذا ترى أنّ عذرة الإنسان تحفظ ، بل تباع وينتفع بها في الزراعات .. إلى آخره
أمّا البيع فلا
، بل الّذي نشاهد منهم أنّهم يضمّنونها بتراب ، أو مثله ممّا يصحّ بيعه ، ويقولون
: نبيع ذلك لا العذرة ، ويعترفون بالمنع عن بيعها.
عدم جواز اقتناء
المؤذيات
قوله
: وأمّا تحريم اقتناء المؤذيات [ فليس بواضح الدليل ] .. إلى آخره
ربّما ورد
الأمر بقتل المؤذيات ، فكيف يجوز الاقتناء مع ذلك؟! سيّما عند الشارح ومن
يقول بمقالته من أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، مع أنّ المقام غير
متوقّف عليها ، فتأمّل.
__________________
ما قصد به المحرّم
قوله
: وفي رواية .. إلى آخره
في رواية جابر
، عن أبي جعفر عليهالسلام ، رواها الشيخ في كتاب المكاسب .
قوله
: ومعلوم تحريم التكسّب بما هو المقصود منه حرام .. إلى آخره
مرّ الإشارة
إلى دليله ، ومرّ في بحث الحجامة رواية مقتضاها ومضمونها أنّ
الحجامة لو كانت حراما لما احتجم الرسول ، وما أعطى الأجر ، فيظهر منها
أنّ كلّ عمل حرام لا يجوز إعطاء الأجر فيه ، وأشار إليه الشارح.
قوله
: فإنّ الله تعالى يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم .. إلى آخره
يومي هذا
التعليل إلى اعتبار الغرض الصحيح في البيع ، فتأمّل ، ويدلّ على حرمة الإعانة في
الإثم.
قوله
: لعدم القدرة بسببه على ذلك ، وهو فساد عظيم .. إلى آخره
.
قيل : يمكن أن
يقال أنّه سبب لحفظ النفس ، وحفظها من كلّ فتنة مشروع ،
__________________
دون حربهم ، فتأمّل.
أقول : فيه نظر
ظاهر ، لأنّ حفظ النفس ربّما يؤدّي إلى تلف النفوس المقدّسة ، ولا أقلّ من المؤمنة
والمستضعفة ، ويؤدّي إلى الفتنة الّتي هي أشدّ من القتل ، بل إلى مفاسد عظيمة ،
كما قال الشارح رحمهالله.
قوله
: بل جواز ذلك حين حرب إحدى الفئتين من الكفّار مع الأخرى منهم ، [ وهو صريح في
ذلك ] .. إلى آخره
ربّما يكون
الظاهر من أهل الباطل هنا هم المسلمين غير الناجين ، وكثيرا ما يكون فيهم مستضعفون
، مع أنّ الأصحاب لا يحكمون بحليّة قتل غير المستضعفين منهم أيضا ، فتأمّل.
قوله
: [ فكأنّ المبيع لا يصلح لكونه مبيعا لهم ] كما في بيع الغرر .
فيه تأمّل
ظاهر.
قوله
: وإجارة المساكن لوضع المحرّمات .. إلى آخره
.
قد أشرنا إلى
دليل ذلك ، ومرّ في بحث حكم الحجامة أيضا ما يدلّ على ذلك ،
فلاحظ.
قوله
: ويدلّ على الكراهة صحيحته عنه
أيضا .. إلى آخره .
الظاهر ، أنّ
الأخبار بجعلهم خمرا إنّما هو على سبيل المظنّة ، لأنّ حصول
__________________
اليقين بأنّهم يجعلون خصوص هذا الشخص من العنب أو العصير خمرا ممّا لا يكاد
يتحقّق عادة ، إلّا على فرض نادر ، والأخبار واردة مورد المتعارف الغالب ، لا يجوز
حملها على الفروض النادرة بغير قرينة ، كما حقّق في محلّه.
مع أنّه متعارف
التعبير بهذا النحو من جهة المظنّة ، في أمثال المقامات ، ويمكن حمل أمثال هذه
الصحاح على الاتّقاء ، بناء على أنّ المراد من الخمر هو العصير العنبي الّذي ينشّ
أو يغلو بالنار ، فإنّ المتعارف عند الشيعة أنّهم في زمان الأئمة عليهمالسلام كانوا يعبّرون عنه بلفظ الخمر بسبب ما سمعوا من الأئمة عليهمالسلام ، ينبّه على ذلك ملاحظة « الكافي » باب أصل
حرمة الخمر
وبدئها ، وكذا ملاحظة « الفقيه » باب حدّ شرب الخمر ، وغير ذلك.
وهذا هو السّبب
في حكمهم بالنجاسة ، وأنّه يجب حدّ شاربه حدّ شرب الخمر والمسكر ، وغير ذلك من
الأحكام ، وبسطنا الكلام في رسالتنا في حكم العصير ، فليلاحظ.
وما ذكرناه
ربّما يظهر من التأمّل في هذه الصحاح وما وافقها.
والمراد على
الاحتمال الأوّل أنّه لا بأس إذا بعته ، وهو حلال وإن ظننت أنّه يجعله حراما
واتّفق مطابقة ظنّك للواقع ، فتأمّل.
قوله
: وهي حسنة ابن أذينة وقال : كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى آخره
يمكن توجيه
الفرق مع توجيه الحديث بأنّ ضمير « منه » راجع إلى مطلق
__________________
الخشب لا المبيع ، والظاهر أنّ متّخذ البرابط هنا من المسلمين ، للشيوع
والغلبة وانصراف الذهن. وأمّا متّخذ الصلبان ، فالظاهر أنّه من النصارى كما لا
يخفى ، والأصل في المسلم حمل أفعاله على الصحّة ، ولا يوجد هذا الأصل بالنسبة إلى
النصراني ، فتأمّل.
ما لا انتفاع فيه
قوله
: وكذا الكلام في بيع المسوخ إن كان ممّا لا ينتفع به كالقرد .. إلى آخره
.
لا يخفى ، أنّه
سيظهر من كلامه في ذكر شرائط العوضين في البيع ، أنّ المنع من جهة عدم كون ما لا
انتفاع به ملكا ، والبيع نقل ملك إلى آخر ، وسنذكر تمام الكلام
هناك.
قوله
: [ سواء ] كان ممّا يصاد عليها ، كالفهد والهرّ والبازي .. إلى آخره .
يظهر من بعض
الأخبار صحّة بيع السنّور ، فإنّ رجلا تزوّج بشرط أن يكون يبيع الدوابّ
، فظهر أنّه يبيع السنّور ، فأجاز أمير المؤمنين عليهالسلام شرطه ،
__________________
حيث قال : « السنّور دابّة » هذا على ما هو في بالي.
قوله
: [ مع ضعفها ] بعدّة عن سهل وغيره .. إلى آخره
.
العدّة ثقات
أجلّة ، فلا وجه لذكرهم ، والحمل متعيّن ، لأنّ الأخبار واردة على ما هو الغالب
المتعارف لا الفروض النادرة.
ما هو حرام بنفسه
قوله
: والظاهر أنّ للنقش أقساما .. إلى آخره
.
ذكرنا في أوّل
الكتاب عن « الفقه الرضوي » ما يدلّ على الاختصاص بذي الروح .
قوله
: لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحريم [ عدم خلق شيء يشبّه بخلق الله ] .. إلى آخره
.
في الدلالة نظر
، إذ على تقدير تسليم ظهور الغرض ، فهو عدم الخلق لا البقاء ، سيّما إذا صار منشأ
لإتلاف مال محترم ، وأنّ الصور توطأ وتفرش.
ولعلّ الغرض أن
لا يشابه أحد نفسه مع الله تعالى في خلق صورة الخلق
__________________
وشكلهم ، مع تأمّل في هذا أيضا ، لأنّه يقتضي المنع عن صورة الأشجار والجنّ
والشياطين ، بل كلّ صورة وشكل ، فتأمّل.
قوله
: المشتمل على الترجيع المطرب ، الظاهر أنّه لا خلاف حينئذ في تحريمه وتحريم
الأجرة عليه .. إلى آخره .
وقيل : المحزن
داخل في المطرب ، وقيل : مدّ الصوت ، ومنهم من اقتصر على الصوت المشتمل على الترجيع ، ومنهم من
اقتصر على المطرب ، وقيل : هو تحسين الصوت ، وقيل : رفع
الصوت مع موالاته ، والأظهر الرجوع إلى العرف ، لتقدّمه على اللغة عند
التعارض على الأظهر ، سيّما مع الاضطراب في اللغة ، فتأمّل.
قوله
: [ إطلاقه على غير المرجّع ] والمكرّر في الحلق .. إلى آخره
.
والنوحة ليس
غناء في العرف وإن اشتمل على ترجيع ما ، فتأمّل.
قوله
: ولكن مدلول الأدلّة أعمّ ، مثل : « المغنيّة ملعونة .. » .
إلى
__________________
آخره .
لا يخفى أنّه
لا عموم في هذه الأخبار وما شاكلها على حرمة الغناء بحيث يتناول مراثي الحسين عليهالسلام جدّا ، فتنبّه وتدبّر مليّا! ، ولا إجماع أيضا ، وهو
واضح .
قوله
: ويمكن أن يقال : الأخبار ليست بحجّة .. إلى آخره
.
الخبر المنجبر
بعمل الأصحاب حجّة ـ كما حقّقناه ـ بل المنجبر بالشهرة أيضا حجّة ، ولا تأمّل في
أنّهم يتمسّكون بهذه الأخبار ويروون ويعتمدون ، بحيث لا تأمّل في أنّهم يعتمدون.
قوله
: قد استثني الحداء ـ بالمدّ .. إلى آخره
.
ظاهر كلامه
أنّه ليس له دليل ، كما اعترف به وصرّح به غيره ، وببالي أنّ المستثني اعتمد في استثنائه على رواية أهل
السنّة ، وهي : أنّه « زاد المسافر » ، أو أنّه « نعم زاد للمسافر » ، والتمسّك
بمثله مشكل.
قوله
: مثل صحيحة أبي بصير . ورواية الحكم الحنّاط ـ المجهول ـ عن أبي بصير
، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المغنّية
الّتي تزفّ العرائس .. ». إلى
__________________
آخره .
مقتضى
الروايتين الاختصاص بالزفّة ، ولا يعارضهما الرواية الأخيرة ، لاحتمال أن
يكون المعهود الدعاء للزفّة ، فتأمّل.
وكيف كان ،
مختصّ بالمغنّية ، فلا يشمل المغني ، فتدبّر.
قوله
: نعم ، يمكن كون خبر أبي بصير صحيحا ، كما أشرنا .. إلى آخره
.
الظاهر أنّه
صحيح ، لما حقّقناه ، ومراد شارح « الشرائع » أنّ الموضع الّذي يكون فيه صحيح يدلّ
على الجواز ، فلا وجه للمنع ، لعدم المانع من الإجماع والأخبار ،
لا أنّ في كلّ ما استثني ورد صحاح دالّة ، فيمكن أن يكون مراده ما دلّ من جملة
الأخبار الصحيحة ، فتأمّل.
قوله
: [ إلى زماننا ] هذا من غير نكير وهو يدلّ على الجواز غالبا .. إلى آخره
.
في أمثال
زماننا نرى النكير ، ونرى أنّه لا ينفع ولا ينجع ، ونرى أنّه ربّما يتّقون من الناس
والعوام ، فلعلّ السّابق كان كذلك ، بل لا ندري أنّه فيما سبق كانوا يغنّون في
المراثي ، فضلا عن تعارف ذلك بينهم ، وخصوصا مع دعوى عدم
__________________
النكير ، مع أنّ المشايخ صرّحوا في كتبهم بالحرمة ، من غير استثناء أصلا ،
واستثنوا الحداء والزفّة والعرس للمغنّية ، ولم يستثنوا شيئا إلّا ما نسب إلى نادر
منهم.
وربّما يتمسّك
بقول الصادق عليهالسلام للمنشد الّذي كان يقرأ عنده : « اقرأ كما كنت تقرأ
عندكم بالعراق » ، وفيه أيضا تأمّل ظاهر ، لعدم معلوميّة المراد ، وأنّه
كان يغنّي بالعراق ، فتدبّر.
قوله
: ويؤيّده جواز النياحة بالغناء ، وجواز أخذ الأجرة عليها ، لصحيحة أبي بصير
.. إلى آخره
.
لا تأمّل في
أنّ النوحة حلال على كل ميّت ، سيّما على الحسين عليهالسلام ، فلو كان داخلا في الغناء فهو مستثنى ، وإلّا فلا
استثناء ولا معارضة ، ولعلّه كذلك ، إذ لا يقال في العرف : إنّه يغنّي ، وإنّ
النوحة غناء ، والعرف مقدّم على اللغة ، كما حقّق ، مع أنّ جواز النوحة
بلا مضايقة ، وعدم جواز الغناء مطلقا يؤيّد التقديم هنا.
وبالجملة ، لم
يظهر كون النوحة غناء حتّى يتوجّه ما يقوله ، ويحتاج إلى ارتكاب خلاف الظاهر ،
والتخصيص الّذي هو مخالف للأصل ، ومجرّد كونه معينا على البكاء لا يصلح للتخصيص ،
إذ ربّما يحصل الإعانة بالأفعال المحرّمة.
قوله
: [ ولا يضرّ القول في ] حنّان [ بأنّه واقفي ]
.
__________________
قد عدّ المحقّق
[ و ] العلّامة م ق حديثه من الموثّق ، وقال السيّد مصطفى رحمهالله : ( وهو كوفي ق م له كتاب روى عنه إسماعيل بن مهران.
النجاشي : ثقة ، له كتاب روى عنه الحسن بن محبوب. « الفهرست » : واقفي ، ق م
« جخ » .
وذكر المولى
ميرزا محمد رحمهالله : ( إنّه واقفي ظم ، ثقة ، « فهرست » انتهى.
قوله
: وعدم التصريح بتوثيقه .. إلى آخره
.
لا تأمّل في
كونه موثّقا ، لأنّ الشيخ صرّح في « الفهرست » بكونه ثقة وأنّه يروي عنه ابن أبي
عمير ، وصرّح في « العدّة » بأنّه لا يروي إلّا عن الثقة .
قوله
: كما تدلّ عليه الأخبار الكثيرة ، مثل : حسنة وليد بن صبيح
.. إلى آخره .
أقول : وهذا
الخبر يدلّ على أنّ في زمان المعصوم لو كانوا يمنعون على
__________________
المعاونة الحلال كان يضيق عليهم ، لأنّهم كانوا ظلمة.
قوله
: وأنّه غيبة ، والظاهر أنّ عموم أدلّة تحريم الغيبة [ من الكتاب والسنّة يشمل
المؤمنين وغيرهم ] .. إلى آخره
.
وأنّه أذيّة
للمؤمن ، بل والمؤمنين الّذين هم أقرباؤه وأحبّاؤه ، وكذا تنقيص له ، بل إهانة له
ولهم ، وربّما يبقى دهرا طويلا ، فهو أشدّ من الغيبة بمراتب.
قوله
: وبالجملة ، عموم أدلّة الغيبة [ وخصوص ذكر المسلم يدلّ على التحريم مطلقا ] ..
إلى آخره .
الأدلّة وإن
كانت عامّة ، إلّا أنّ المراد من الغيبة لا بدّ أن يكون معلوما ، والقدر الّذي
يفهم من الأخبار حرمتها بالنسبة إلى من له حرمة ، والظاهر منه الشيعة ، كما يومي
إليه قوله تعالى ( لَحْمَ أَخِيهِ ) ، فإنّ المخالف الّذي أنكر أصلا أو أصلين من أصول الدين
ـ وهما الإمامة والعدل ـ بل وكثيرا من صفات الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله أنكرها وبدّلها ، بل ربّما قال بتعدّد الآلهة وأمثاله
من شنائع أصول الدين ، كافر بلا شكّ بالكفر المقابل للإيمان ، وإن لم يكن كافرا
بالكفر المقابل للإسلام ، بل ورد في الأخبار أنّه شرّ من اليهود والنصارى وغيرهما ، واللعن
والطعن والقدح والإنكار والبراءة منه ، ورودها في شأنه أزيد وأشدّ وآكد وأكثر ممّا
ورد في الكفّار بمراتب شتّى ، لا يخفى على من له أدنى اطّلاع وفطنة.
فكيف يكون مثل
هذا له حرمة تمنع عن الغيبة ولا تمنع عمّا ذكرنا ، وغيره
__________________
مثل : أنّهم أولاد بغايا ، وأنّه ليس عندهم من الحق والملّة الحنيفيّة أصلا وأنّهم أعداء
الله وأعداء رسوله صلىاللهعليهوآله وأعداء الأئمة عليهمالسلام وأنّ إجراء أحكام الإسلام فيهم لأجل التقيّة والمداراة
وإبقاء الشيعة وأمثال ذلك؟! وإلّا ففي الحقيقة هم كفّار يعامل معهم
صاحب الأمر ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ عند ظهوره معاملة الكفّار ، وأنّ حالنا معهم
إلى زمان ظهوره عليهالسلام حال أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله في مكّة ، في بدء أمرهم مع الكفّار إلى زمان تسلّط
الرسول صلىاللهعليهوآله في الجزية ومقاتلته.
وبالجملة ،
بورود هذه الأمور في شأنه وأشدّ منها ، كيف يبقى تأمّل في أنّ لهم حرمة تمنع عن
الغيبة؟! بل ربّما يحصل القطع بخلاف ذلك ، سيّما بملاحظة قوله تعالى ( لَحْمَ أَخِيهِ ) وكذا قوله صلىاللهعليهوآله في آخر الرواية الّتي رواها عن « الفقيه » : « ومن
اصطنع إلى أخيه معروفا » مع أنّه في صدرها قال : « من اغتاب مسلما » ، إذ يظهر أنّ
المراد من المسلم هو المؤمن ، واستعماله فيه في غاية الكثرة ، والقرينة واضحة إن
قلنا بكونه ظاهرا في المعنى الأعم ، وإلّا ففيه أيضا تأمّل ، لنهاية كثرة
الاستعمال في كلّ واحد منهما في الأخبار ، وكذا الحال عند المتشرّعة ، بل ربّما
يظهر أنّ الشيعة كانوا يقعون فيهم على سبيل الشيوع والتداول ، بل
__________________
الأئمّة عليهمالسلام أيضا ، وفيما ذكرنا ـ أيضا ـ إشارة إلى ذلك ، فتأمّل.
والأخبار الّتي
نقلها من العامّة أيضا ظاهر في أنّ المراد من المسلم من هو أخ في الدين ، فتدبّر.
قوله
: ويدلّ على الجواز ما في رواية إبراهيم بن هاشم
.. إلى آخره
.
هذه ظاهرة في
جواز العمل بالسحر لا التعلّم ، والعمل حرام إجماعا ونصوصا ، فلا بدّ من التوجيه ،
وهو أنّ الإبطال والحلّ يكون بغير السّحر ، بأنّ مبطل السّحر لا يجب أن يكون سحرا
، بل ليس بسحر البتّة ، كما يظهر من تعريفه . نعم ، هو ممّا يتعلّق بالسحر ، ولذا يعرفه السّحرة ،
وربّما يعدّ في السّحر لذلك ، مع أنّ الرواية لو كانت صحيحة لم تصلح لمقاومة ما
دلّ على الحرمة وإجماعهم عليها ، فضلا عن أنّها ضعيفة.
قوله
: لأنّه تدليس في الجملة ، ولأنّه قد يغفل عنه المشتري .. إلى آخره .
وسيجيء في بحث
البيع في الظلمة صحيحة هشام بن الحكم في « الفقيه » وحسنته في «
التهذيب » عن الكاظم عليهالسلام : « إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ لا يحلّ » ، ويظهر هذا
من أخبار كثيرة رويت في « الكافي » وغيره في باب وجوب
__________________
نصيحة المؤمن أو المسلم ، وحرمة ترك النصيحة والغشّ وغيره من أبواب
المعاشرة مع المسلم والمؤمن ، والمعاملة معهم ، والمكر بهم والخدعة ، وحقوقهم ، فلاحظ.
قوله
: وللأخبار ، مثل رواية محمّد بن مسلم .. إلى آخره
.
في دلالة
الروايتين على ما ذكره نوع تأمّل ، أمّا الثانية فظاهر ، وأمّا
الأولى فلأنّ الظاهر منها عدم البأس فيما إذا رأينا جميعا رؤية
ظاهرة بلا تجسّس ، فلا فرق بين شوب اللبن بالماء ومزج الحنطة بالتراب ، إذا رأينا
جميعا ، لا يكون به بأس مع كراهة ، وإلّا فالحرمة ، وإن كان بالتفتيش والتجسّس
سيعلم حاله ويظهر ، فتأمّل.
قوله
: وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام
.. إلى آخره
.
والروايتان
السابقتان أيضا تدلّان مع صحّة أحدهما وحسن الآخر.
قوله
: [ الظاهر ] لا ، لأنّ الغرض من النهي في مثله عدم صلاحيّة بيع مثله [ على أنّه
غير مغشوش ] .. إلى آخره .
لم يفهم الغرض
، ولو كان يفهم لكان الحقّ مع من يقول : إنّ النهي في
__________________
المعاملات أيضا يقتضي الفساد ، وهو مع أنّه ليس كذلك ـ كما حقّق في محلّه ـ
ليس مذهب الشارح ، كما مرّ ، ولذا قيّد بقوله : ( في مثله ).
نعم ، القول
بأنّه ليس ممّا وقع به التراضي له وجه ، لكن يقتضي ذلك الفساد في كلّ مبيع معيوب
وثمن معيوب ، وكذا ما هو دون الشرط ، وهو فاسد قطعا ـ كما ستعرف ـ والموافق
لقواعدهم الصحة ، لأنّ المشتري بعد العلم بالغشّ ربّما يرضى بالبيع ، فيجب على
البائع الوفاء بعقده ، وسيجيء تمام الكلام.
نعم ، على
البائع حرام أكل عوضه وأخذه ، لأنّه أكل مال بالباطل ، وأخذ بغير طيبة نفس صاحبه.
قوله
: قيل : ومنه تزيينه بما يختصّ بالنساء .. إلى آخره
.
ببالي أنّه ورد
ذمّ النساء المتشبّهات بالرجال والرجال المتشبّهين بالنساء ، ولعنهم أو شدّة ذمّهم
، بحيث كان في غاية الظهور في الحرمة ، مع أنّ ممّا ذكر لباس الشهرة المذمومة ، مضافا إلى
الدناءة والرذالة والخفّة والمهانة ، ولا يجوز له أن يذلّ نفسه ، فتأمّل.
ما يجب فعله
قوله
: وأيضا ، إنّه لمّا استحقّ فعله [ لله لغير غرض آخر ]
.
ولأنّه إذا
خوطب بفعل شيء بعنوان الوجوب ، فالقول بأنّي لا أفعله إلّا أن
__________________
تعطوني أجرا عصيان ، كما لو قال : لا أصلّي الظهر إلّا كذلك ، مع أنّه لا
يصير عمله ملكا والأخذ حتّى يأخذ عوضه منه ، بل لا يخرج عن ملكه ، فكيف يأخذ العوض
، ويجمع بين العوض والمعوّض؟! فلا معنى لكون ما يأخذ عوضا ولا أجرة وأجرا وملكا
والأخذ تملّكا.
نعم ، لو وهبه
واهب بغير عوض أصلا ولا معاوضة مطلقا فهو أمر آخر ، وأمّا وجوب الصناعات فإنّما هو
لحصول النظام ، وهو كما يتحقّق مجّانا كذا يتحقّق بعنوان أخذ الأجرة ، بل تحقّقه
بالأوّل بعنوان عدم جواز أخذ الأجرة محلّ نظر ، بل غير خفيّ عدمه ، والمتحقّق
المشاهد تحقّقه بالثاني ، كما لا يخفى ، فتأمّل.
وبالجملة ،
حاله حال من عنده الطعام والناس مضطرّون إليه ، كما في المخمصة ، كما مرّ في حكاية
الاحتكار ، إذ لا شكّ في أنّه لا يجب أن يبذل مجّانا.
نعم ، لو وجد
مضطرّ غير قادر على العوض بوجه من الوجوه ، حتّى على سبيل الاقتراض يجب حينئذ حسبة
وكفاية ، ولو تعيّن عليه فعينا ، لكن هذا أمر آخر ، فتدبّر.
والحاصل ، أنّه
لا فرق بين وجوب إعطاء الأعيان ووجوب إعطاء المنافع ، ولا بين الوجوب العيني
والوجوب الكفائي ، ولا بين العبادات ـ وهي الّتي لا تصحّ إلّا بالنيّة ـ وبين غير
العبادات ـ وهي الّتي تصحّ بغير النيّة ـ في أنّه إذا خوطب بفعله وثبت وجوب تحقّقه
لا يجوز توقيفه على أخذ الأجرة ، فيكون الأخذ حراما أيضا ، لما عرفت.
وأمّا الواجبات
الكفائيّة الّتي هي من قبيل الصناعات وبيع الأعيان ، ممّا هو واجب لحصول النظام ،
ودفع الضرر ، وكذا الواجبات العينيّة الّتي هي من هذا
__________________
القبيل ، فالوجوب الحاصل فيها إنّما هو القدر المشترك بين الإعطاء مجّانا
أو الإعطاء بالعوض ، مع أنّ النظام لا يحصل غالبا إلّا بالثاني.
وممّا ذكرنا
ظهر ما في قوله رحمهالله : ( ولكن يرد الإشكال .. إلى آخره ) وكذا قوله رحمهالله : ( ويمكن أن يقال .. إلى آخره ) . مع أنّ الّذي
ثبت حرمة أخذ الأجرة فيه من الدليلين اللذين ذكرهما هو العبادات الواجبة ، وغير
العبادات الّذي وقع الإجماع فيه ، ومثل الصناعات غير داخلة في ذلك قطعا ، إذ ليست من
العبادات قطعا ، لعدم اشتراط النيّة فيها جزما ، ولم يتحقّق الإجماع على عدم جواز
أخذ الأجرة فيها ، بل الإجماع حاصل بالجواز ، بل الضرورة من الدين ، مضافا إلى
الأخبار المتواترة.
والفرق بين العبادات
وغيرها في اشتراط النيّة في الأوّل دون الثاني قد كتبناه مشروحا في « حاشيتنا على
المدارك » في مبحث الوضوء .
وممّا ذكر ظهر
أنّه لم يظهر إشكال أصلا حتّى يحتاج إلى دفعه ، سيّما وبما ذكره ، فتأمّل.
قوله
: يحرم عليه فعله لذلك الغرض [ ويحرم الأجر عليه ] .. إلى آخره
.
هذا الدليل
إنّما هو في العبادات خاصّة.
__________________
قوله
: ألا ترى جواز الأجرة على الحجّ [ وسائر العبادات ] .. إلى آخره .
ولعلّه لا يضرّ
اشتراط نيّة الإخلاص ، لأنّ بعد الإجارة يجب على المؤجر كما لو وجب
ابتداء ، فتأمّل.
وممّا ذكرنا
اندفع ما يتوهّم وروده على الشارح قدسسره من أنّ ما ذكره هنا مناف لما استدلّ به لحرمة أخذ
الأجرة بقوله : ( وأيضا إنّه لما استحقّ فعله .. إلى آخره ) ، فتدبّر.
وممّا ذكر ظهر ـ
أيضا ـ عدم الفرق بين الحجّ وغيره من العبادات ، فما توهّم بعضهم من الفرق بأنّ
الحجّ مشوب بالماليّة بخلاف غيره فإنّها بدنيّة محضة فاسد ، لأنّ المنافاة بين قصد
القربة وأخذ الأجرة إن كانت حاصلة فلا فرق بين الحجّ وغيره ، ولا بين الواجب
والمستحب ، فلا المشوبيّة بها ينفع ، ولا عدم الوجوب ، وقد عرفت عدم المنافاة ،
وصحّة فعل العبادات عن الميّت كما يظهر من أخبار كثيرة ، وعمومها
يقتضي صحّة الإجارة في كلّ عبادة للميّت ، ومثل إجارة الحج وغيره ممّا ورد النصّ
فيها ، والإجماع شاهد أيضا ، فتدبّر.
قوله
: ولا دلالة فيها أيضا على إباحة المقاسمة .. إلى آخره
.
قوله عليهالسلام : « إن كان ما قبضه .. إلى آخره » يدلّ على
إباحة شراء
__________________
المقاسمة ، لوقوعه جوابا عن سؤاله : « يجيئنا المقاسم » ، لأنّ ترك
الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم ، بل المدار في أراضي العراق كان على
المقاسمة غالبا ، والسائل عراقيّ وأرض العراق مفتوحة عنوة ، والمدار فيها على
المقاسمة ، مع أنّه عبّر عن آخذ الزكاة بالمصدّق ، فإذا جاز
الشراء منهم جاز الأخذ منهم بعنوان الهبة بطريق أولى ، لأنّ إعطاء العوض للظالم
الجائر المخالف كيف يصير منشأ لحلّية أخذ العوض؟! بل إعطاء العوض يوجب إعانة
الظالم والإعانة على الإثم ، بخلاف الأخذ بغير عوض.
قوله
: نعم ، ظاهرها ذلك ، ولكن [ لا ينبغي الحمل عليه ] .. إلى آخره
.
الظهور يكفي
للاستدلال ، ولا يشترط الصراحة ، ومداره ـ حينئذ ـ على الاستدلال بالظواهر ، مع
أنّ الظهور إنّما هو في صدر الحديث ، وأمّا وسطه وذيله فهما صريحان غاية الصراحة ، مع أنّ ظهور
الصدر أيضا في غاية القوّة ، وما دلّ على المنع ـ على تقدير التسليم ـ فإنّما يكون
دلالته بعنوان العموم ، والخاصّ مقدّم سيّما إذا عاضدة الشهرة ، بل الإجماع
المنقول وإن كان بخبر الواحد ، فإنّه أيضا حجّة ، ولا يضرّ خروج
معروف النسب إن كان ، فكيف إذا لم يعرف خارج؟! هذا ، مضافا إلى أنّ الخاص صحيح
ومتعدّد ومتكثّر ، كما ستعرف.
__________________
قوله
: ويحتمل أن يكون سبب الإجمال التقيّة. ويؤيّد عدم الحمل على الظاهر أنّه غير مراد
[ بالاتّفاق ] .. إلى آخره .
التفصيل
والتحقيق في مقام الجواب وذكر شرائط الصحّة ، وأنّه إن كان بهذه الشرائط يصحّ
وإلّا فلا ممّا لا يلائم الحمل على التقيّة كما لا يخفى ، وكذا لا يلائم التوسعة
والحلّية بقوله عليهالسلام : « لا بأس حتّى يعرف الحرام بعينه » ، مع أنّ الحمل
على التقيّة خلاف الأصل ، والظاهر لا داعي إليه سيّما مع كون الحكم من المسلّمات
عند الشيعة ، ولا أقلّ من كونه من المشهورات عندهم على فرض وجود مخالف منهم ، مع
أنّه لم يوجد أصلا ، وأخذه ليس بحلال له لا لنا ، وأخذه حرام لا نفسه ، وهو ظاهر.
قوله
: ألا ترى أنّ أخذ الزكاة لا يجوز منهم مطلقا .. إلى آخره
.
فيه ما فيه ،
إذ لا نعلم مأخذه ، ولا ما يشير إليه ويوهمه ، ولا أحدا ذكره.
نعم ، إذا صار
منشأ لذلّته واستخفافه ومهانته لا شبهة في المنع عنه في حال الاختيار ، لأنّ الله
تعالى لم يرخّص المؤمن في إذلال نفسه ، لكن هذا غير مختصّ بأخذ الزكاة منهم ، ولا
كلّ أخذ الزكاة منهم يوجب الذلّة ، سيّما إذا أعطوه بعنوان الهبة والجائزة
والهديّة.
ومع ذلك ربّما
كانت الذلّة تحصل له إذا أخذ من الشيعة ، بل لا نجد فرقا في حصوله بين أن يأخذ
منهم أو من الشيعة ، فتأمّل.
قوله
: [ على العموم ] الّذي تقدّم ، والعجب أنّه قال في الرسالة المنفردة [ : هذا نصّ
في الباب ] .. إلى آخره .
__________________
لا يخفى أنّ
بيت المال مجمع هذه الأموال ، بل غالبه هذه الأموال لو قلنا بوجود غيرها فيه ،
لأنّه الّذي عند الخلفاء الأمويّة والعباسيّة ، وتدلّ هذه على جواز أخذ ما هو من
بيت المال منهم على العموم ، وإن لم تدلّ على العموم الّذي ذكره ، إذ الأدلّة
الفقهيّة لا يجب أن يكون كلّ واحد منها وافيا لتمام المطلب ، بل يكفي الحصول من
المجموع. هذا مع أنّه لا قائل بالفصل ، فتأمّل جدّا.
وبالجملة ،
تخصيص بيت المال بالفرض البعيدة غاية البعد وإخراج الفروض المتعارفة الشائعة
الغالبة المعروفة المعهودة. فيه ما فيه.
قوله
: والظاهر أنّها صحيحة ، ولكن لا دلالة فيها أصلا على المطلوب .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
ظاهر الرواية العموم ، إذ يشمل ما إذا علم أنّها من عمله ، سيّما
وبعض العمّال دراهمه منحصرة في الأخذ ممّا يعمله معروف بذلك.
وأيضا ، لو كان
مراد السائل ما ذكره الشارح ، لكان المناسب أن يأتي بلفظ الدراهم منكّرا غير معرّف
باللام ، فتأمّل.
على أنّ الظاهر
من الرواية عدم الكراهة أيضا ، فهذا يؤيّد كون السؤال عن خصوص الدراهم الّتي هي
محصول عمله ، فتأمّل.
قوله
: وإن سلّم أنّه أحمد بن محمّد بن عيسى الثقة ، والحسن بن علي بن فضّال .. إلى
آخره .
__________________
لا وقع لهذه
الاعتراضات ، إذ لا تأمّل في كون أحمد هذا ابن محمّد بن عيسى ، أو محمّد بن خالد
وكلاهما ثقتان ، والحسن بن علي ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لم يعثر له
على زلّة ، وأبان ممّن أجمعت العصابة ، بل من
الأعاظم الأجلّة كما حقّقنا ، وإن نسبه إلى الناوسيّة علي بن الحسن الفطحي ، وإسحاق
موثّق ، بل ربّما كان الثقة كما حقّقنا.
والدلالة واضحة
، إذ لم يقل : يشتري من العامل شيئا ، بل قال : « من العامل وهو يظلم » ، وهذا ظاهر
في أنّه يعتقد أنّ مجرّد كونه عاملا ، ومن حيث عامليته ليس بظلم ، وأنّ مراده من
ظلمه غير عمله ، وأظهر منه جواب المعصوم عليهالسلام.
على أنّ السند
والدلالة ينجبران بعمل الأصحاب ، وطريقة الشيعة الظاهرة ، وتعاضد الأخبار الكثيرة
بعضها ببعض سندا ودلالة ، ومنه يظهر الجواب عن أكثر اعتراضاته.
قوله
: فعلم
أن لا
إجماع .. إلى آخره .
هذا لا ينافي
كون غير محلّ الخلاف إجماعيّا ، بل يعضده ويشهد له.
والإضمار )
بدلا من قوله : ( وإن سلّم. علي بن فضّال ).
__________________
قوله
: وأمّا إذا لم يعلم أحدهما فهو محلّ الخلاف .. إلى آخره
.
مقتضى كلام
الطرفين أنّه مسلّم عند الطرفين جميعا أنّه لا بدّ من إذن صاحب المال ورضاه ، حتّى
يصير حلالا ، وهذا هو القاعدة المسلّمة عندهم ، فمع عدم العلم بالإذن كيف يصير
محلّا للخلاف؟! بل لا بدّ من الحكم بالمنع حتّى يثبت الإذن.
إلّا أن يكون
مراده رحمهالله من عدم العلم عدم ظهور الأمر من الخارج ، لكن ربّما
يشكل حينئذ الاستدلال بالحديث ، لأنّه إن ظهر من كلام صاحب المال الإذن والرضا
يكون الأخذ حلالا البتّة ، فكيف يستدلّ بالحديث على الحرمة؟! وإن لم يظهر منه إذن
يكون حراما لا محالة ، فكيف يحتجّ بالحديث على الحرمة؟! فالعبرة ـ حينئذ ـ بدلالة
كلامه وعدمها ، ولا بدّ من حمل أخبار الطرفين على ما يوافقه ويطابقه ، إلّا أن
يكون المراد الاستدلال بالحديث على دلالته وعدمها ، فتدبّر.
قوله
: لأنّ ظاهر الأمر بالدفع يقتضي الدفع إلى غيره .. إلى آخره
.
هذا ، مضافا
إلى أصالة عدم الجواز ، وعدم الإباحة ، وعدم الانتقال ، وعدم الملكيّة ما لم يثبت
شيء منها.
أمّا بالنسبة
إلى غير مثل الزكاة ممّا هو تبرّع ومحض جعل المالك وإعطائه فظاهر ، لأنّه « لا
يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » ، فما لم يظهر الطيب ولم يعلم ـ كما هو المفروض ـ لا
يكون حلالا ، فضلا عن الانتقال والملكيّة.
__________________
وأمّا بالنسبة
إلى مثل الزكاة ، فلأنّ مجرّد تحقّق الزكاة ـ مثلا ـ في مال لا يتعيّن قدر في كونه
الزكاة ، ولا يتعيّن مستحقّ في كونه المالك لذلك القدر ويجوز له التصرّف ، بل
يتوقّف كلّ واحد من الأمرين على رضاه وتعيينه وإعطائه ، أو من هو بحكم المالك ،
وهذا ظاهر ومسلّم عند الكلّ.
قوله
: غير صحيحين ولا صريحين ، وفي أحدهما دلالة .. إلى آخره
.
السند منجبر
بعمل الأصحاب أكثرهم ، والظهور يكفي ، بل لا تأمّل في الدلالة على المنع ووضوحها ،
ومع ذلك ينجبر السند والدلالة بالقاعدة المسلّمة المقطوع بها ، الثابتة من الكتاب
والسنّة والإجماع والأصول المسلّمة ، وهي عدم جواز التصرّف في ملك الغير ما لم
يثبت إذنه ، وما نحن فيه منها كما هو المفروض ، إذ بعد ثبوت الإذن لا نزاع ، وقد
عرفت من ذلك وممّا تقدّم أنّه لا حاجة إلى دعوى ظهور التغاير كما ادّعاه المحقّق
الشيخ علي ، وإن كان دعواه حقّا ظاهرا لا سترة فيه ، بل يكفي عدم
ظهور عدم التغاير ، وأنّه لا بدّ للعموم والصحّة في المقام من ظهور الدخول والعموم
بلا شكّ ولا شبهة.
على أنّه إن
اعترض صاحب المال بأنّي ما قلت : اشتر من نفسك أو بع من نفسك أو خذ لنفسك ، فهل
يجوز أن يقال في جوابه : كذبت بل قلت؟! ولو أجاب مجيب كذلك كذّبه أهل العرف بلا
تأمّل.
قوله
: ولأنّ ظاهر قوله : اشتر أو بع أعمّ ، والظاهر .. إلى آخره
.
__________________
دعوى الظهور لا
يخلو عن إشكال ، بل الظاهر خلافه ، إذ لا يفهم منه الاشتراء أو البيع من نفسه ،
ولا ينصرف الذهن إليه ، ولا يتبادر إلى الذهن قطعا ، سيّما إذا عرف الموكّل أنّ
عند الوكيل يكون المبيع أو الثمن ، وأنّه يبيع أو يشتري ، مع أنّه كثيرا لا يؤمنون
عليه في الشراء من نفسه أو البيع منه ، لأنّ النفس أمّارة بالسوء ، إلّا ما رحم
ربّي ، غدّارة لا وثوق عليها إلّا بعد مجاهدات ورياضات ، وقلّ من ينجو منها
ويتسلّط عليها ، فتأمّل.
هذا كلّه ، على
القول بجواز اتّحاد طرفي العقد ، وأمّا على القول بعدم الجواز أو التوقّف فيه وكون
العامل عالما بذلك أو متوقّفا ، فلا شبهة في عدم العموم.
قوله
: وفيه تأمّل ، للإضمار .. إلى آخره
.
لا تأمّل في
أنّ مثل هذا الجليل الثقة لا يسأل مثلها عن غير الإمام.
وقال العلّامة
في « التحرير » : إنّه رواها عن الصادق عليهالسلام ، فلاحظ.
قوله
: لدخوله تحت عموم اللفظ ، والأصل عدم التخصيص .. إلى آخره
.
محلّ نظر ،
لأنّ المدار في العموم على الفهم والتبادر ، لا على ما وضع له اللفظ على الأظهر ،
لعدم دليل على حجّية اللفظ في أزيد من المتبادر ، وربّما لم يتبادر العموم حال
كونه مخاطبا ودافعا ، ومع القرينة يفهم جزما ، ودخوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الّذين آمنوا وغيره من دليل من الخارج لا يقتضي كونه
متبادرا أيضا ، بل لا تأمّل
__________________
في عدمه.
والوكيل بمنزلة
الموكّل فيما ثبت وكالته فيه ، لا ما لم يثبت ، مع أنّ الأصل العدم حتّى يثبت وبعد
الثبوت لا كلام لأحد.
على أنّ ما
ذكره يتمشّى فيما إذا قال صاحب المال : هذا مال المستحقّين ـ مثلا ـ ومنوط برأيك
ونظرك ، وأمثال هذه العبارة ، لا أن يقول : أعطه الفقراء وقسّمه عليهم ، فإنّه في
غاية الظهور في الإخراج عن نفسه والإعطاء لغيره.
وهذا وأمثاله
هو محلّ النزاع كما لا يخفى على المتأمّل ، بل وعلى فرض كون محلّ النزاع أعمّ لا
يتمّ أيضا ما ذكره إلّا فيما أشرنا إليه.
قوله
: [ ولأنّه وكيل ] فهو بمنزلة الموكّل فكما يجوز له إعطاؤه .. إلى آخره .
لا شكّ في أنّ
الوكيل بمنزلة الموكّل فيما هو وكيل فيه لا في غيره ، بل يحرم تصرّفه في الغير ،
والوكالة ليست الإذن والرخصة ـ كما سيجيء ـ فما ثبت الإذن فيه والرخصة فلا نزاع ،
وما لم يثبت كان اللازم عدم النزاع في عدم صحّة تصرّفه فيه ، وعدم جوازه وحرمته
وضمانه ، فما أدري لم وقع النزاع فضلا عن ترجيح جواز التصرّف وصحّته ، فإن كان كان
الإذن والرخصة في أن يأخذ لنفسه ثابتا فلا نزاع لأحد فيه كما صرّح به ، وإلّا فكيف
يتصوّر النزاع بالنحو الّذي ذكروه ، بل بغير ذلك النحو أيضا؟! فإن قلت : لعلّ محلّ
النزاع هو ما إذا ظهر الدخول وظنّ ، لا ما إذا تيقّن.
قلت : ليس كذلك
، فإنّ ظهور الدخول ليس محلّ نزاعهم ، كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم وتأمّل فيه
حتّى كلام الشارح أيضا ، مع أنّه على هذا أيضا لا وجه للنزاع ، فتأمّل.
__________________
قوله
: وعبد الرحمن رمي بالكيسانيّة .. إلى آخره
.
لا ضرر فيه
أصلا ، إذ لا يسلم جليل من قدح ، حتّى مثل زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما ، وهشام
بن الحكم وأضرابه ورد فيهم مطاعن كثيرة ، كلّها أجابوا عنها ، كما أجابوا عن هذا
الرمي ، ولا شكّ في أنّه ليس من الكيسانيّة ، بل هو من أعاظم الفرقة المحقّة.
قوله
: [ أو على ] ما علم إرادة عدم دخوله بقرينة .. إلى آخره
.
لا يتوقّف على
العلم ، بل يكفي الظن والظهور أيضا ، بل يكفي عدم ظهور الدخول ، لما عرفت.
قوله
: سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يعطي الرجل
الدراهم يقسّمها ويضعها .. إلى آخره
.
يمكن أن يقال :
إنّ مقتضى ظاهر مضمون هذه الرواية والرواية السابقة من كلام صاحب
المال العموم بحيث يشمل الوكيل فيخرج عن محلّ النزاع ، وعلى تقدير تسليم عدم ظهور
الشمول لا بدّ من حملها على صورة ظهوره ، لما عرفت سابقا.
قوله
: [ لا يجري فيه إلّا ] تأويل واحد في أخبار كثيرة بحملها على الجواز مع الإذن ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
المراد من الإذن ما هو ظاهر من إطلاق العبارة ، فلا ينافيه ما
__________________
ذكره أنّه لا يجوز له أن يأخذ ، فتأمّل.
على أنّه قد
عرفت أنّ هذا الحمل لا بدّ منه قطعا ، وأنّه لو لم يظهر من كلامه الإذن يكون حراما
جزما ووفاقا ، وأنّ ذلك مقتضى القاعدة المسلّمة الثابتة.
قوله
: [ ما قبله هو الّذي ] ما سمّي فيه موضعا .. إلى آخره
.
لا يبعد أن
يقال : إنّ مثل قوله أعطه الفقراء ممّا هو ظاهر في الإعطاء لغيره ، والإخراج عن
يده داخل في قوله : « إذا أمره أن يضعها .. إلى آخره » ، إذ لا فرق
بين ذلك وبين أن يقول : أعطه غيرك وأخرجه عن يدك ، إلّا الظهور والصراحة ، وهذا
داخل جزما في قوله : « إذا أمره .. إلى آخره » ، ولا فرق بين الظهور والصراحة في
الأدلّة اللفظية من حيث الحجّية ووجوب العمل به.
قوله
: ولا شكّ أنّ قوله : أعط الفقراء [ وفرّقه فيهم يدلّ على إعطاء نفسه ] .. إلى
آخره .
فيه أيضا تأمّل
، والاحتمال باق لو لم نقل بكون ما ذكره خلاف الظاهر ، مع أنّ الأخذ يحتاج إلى إذن
ثابت يوثق به ، إذ « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » فتأمّل.
قوله
: ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا كلام في جواز إعطائه لأهله وعياله .. إلى آخره
.
إذا لم يكن
تهمة ولا دناسة ودناءة ، ولم يكن ظهور وتبادر في إعطاء
__________________
غيرهم ، والظاهر أنّ الصحيحة محمولة على ما ذكرنا ، فتأمّل.
قوله
: وفي الوصيّة لو كان دليل خاص [ يتّبع ، ولا يقاس ، وإلّا يناقش هناك أيضا ] ..
إلى آخره .
لا دليل لها
سوى تبادر التسوية وظهورها من كلام الموصي ، فلا يمكن المناقشة ، كما إذا قال :
نذرت لفلان وفلان عشرة فأعطوهما إيّاها ، أو قال : عيّنت لهما عشرة فأعطوهما ، أو
قال : هذه العشرة حصّة فلان وفلان ، أو حقّ فلان وفلان ، أو سهم فلان وفلان
فأعطوهما ، أو أعطي عشرة ، أو قال : قسّمها بين فلان وفلان ، فإنّ المتبادر من
جميع ما ذكر التسوية ، وإذا قال : خذ هذه العشرة وهي زكاة وأعطها فلانا وفلانا ، أو
قسّمها بين فلان وفلان ، فلا يبعد أن يكون المتبادر ـ أيضا ـ التسوية ،
مع احتمال كون
الأمر في الإعطاء والتقسيم إلى نظره كمّا وكيفا ، لكن الأوّل لعلّه أظهر ، وعلى
تقدير عدم كونه أظهر كون الثاني أظهر غير ظاهر ، فالأوّل متيقّن ، والثاني
مشكوك فيه فيها ، فكيف [ المتيقّن ] صحّته يصحّ العدول عنه إليه؟! نعم لو كان
قرينة فلا كلام ، فتأمّل.
قوله
: على أنّه يمكن أن يكون معنى قوله [ ( مثل ما يعطي غيره ) تشبيها في محض الإعطاء
] .. إلى آخره .
هذا بعيد ،
سيّما بالنسبة إلى الخبر الأوّل ، مع أنّ فتح هذا الباب للنفس الأمّارة الغدّارة
ربّما يكون مشكلا ، بأنّه ربّما يأخذ لنفسه الكلّ أو إلّا شيئا قليلا ،
__________________
والمناسب لطريقة الشرع سدّ هذا الباب ، ولهذا أمروا عليهمالسلام بأن يأخذ مثل غيره ، فتأمّل.
آداب التجارة
قوله
: يستحبّ التفقه ، لما كان من التجارة ما هو حرام ومكروه .. إلى آخره .
لا شكّ في وجود
واجبات ومحرّمات في التجارة ، ويجب الامتثال ، ويتوقّف على المعرفة ، وما لا يتمّ
الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، فكيف يحكم بالاستحباب؟! وخلاصة عذر الشارح ، أنّ
الواجب والحرام معلومان للمتعارف والغالب من الناس ، والأحكام الفقهيّة إنّما تكون
بالنسبة إلى الغالب لا النادر .
وفيه ، أنّ
الأحكام الفقهيّة إنّما تذكر لجميع المكلّفين ، وتكون بالنسبة إلى الكلّ ، ولذا
يتعرّض الفقهاء لحال الفروض النادرة غاية الندرة ، حتّى أنّه ربّما لم يكن في
الدهر لها مصداق ، بل ربّما لم يوجد لها مصداق أصلا ، كما لا يخفى.
مع أنّ الغالب
يكونون عالمين بجميع المحرّمات والواجبات فاسد خلاف المشاهد ، مع أنّ كثيرا من
العبادات ربّما يكون كثير من أحكامها معلوما عند الأكثر ، ومع ذلك يتعرّض الفقهاء
، بل ربّما يتعرّضون للضروريّات فضلا عن النظريّات.
ويمكن أن يعتذر
بأنّ ما ذكر بناء على عدم وجوب مقدّمة الواجب ، كما هو
__________________
أحد القولين ، بل هو الأقوى بالنظر إلى الدليل ، لكن المعروف من المشهور
حكمهم بوجوبها شرعا ، إلّا أن يقال : غير ظاهر أنّ الواجب هنا مطلق ، حتّى تكون
مقدّمته واجبة ، بل ربّما يقيّد بقيد العلم والمعرفة ، ويكون الجاهل معذورا ، لكن
هذا أيضا خلاف ما عليه المشهور ، بل جميع الفقهاء ، فإنّ الجاهل ليس عندهم معذورا
إلّا في قليل من المواضع الّتي نصّ الشرع على المعذوريّة .
وهذا هو مقتضى
الأدلّة كما حقّق في محلّه وإن توقّف فيه شاذّ غفلة ، إلّا أن يقال : واجبات
التجارة ومحرّماتها في الغالب وجوبات شرطيّة لصحّة التجارة ، لا شرعيّة على تركها العقاب ،
وأمّا الوجوبات الشرعيّة فأكثرها من عوارض التجارة ، وليست من أحكامها
بنفسها ، مثل الاكتساب لحفظ النفس وحفظ نفس واجب النفقة وأداء الدين. إلى غير ذلك.
وأمّا القليل
منها وإن كان من أحكام التجارة مثل : حرمة الربا ووجوب الوفاء بالعقد الصحيح ،
فلعلّه من ضروريّات الدين الآن.
أو يقال :
مراده من استحباب التفقّه معرفة جميع أحكام التجارة ، لا خصوص الواجب والحرام ،
فإنّ وجوب معرفته معلوم من قولهم : يجب الوفاء ، وقولهم : حرم الربا ، فتأمّل.
قوله
: [ فمحمول ] على الجواز وعدم
الغبن الفاحش [ جهلا ]
.. إلى آخره .
لعلّ الأولى
الحمل على ما إذا وقع المعاملة مع غير المؤمن ممّن لا حسن في
__________________
المساهلة معه في إعطاء المال له ولا ثواب ، ولهذا قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا محمود ولا مأجور » ، بخلاف ما
إذا وقع مع المؤمن ، فإنّ المساهلة معه في ما ذكر محمودة ومأجورة.
نعم ، المعاملة
مع غيره ربّما تكون المساهلة مطلوبة إذا أدّى المماسكة إلى استخفاف ودناءة عند أهل
ذلك الزمان والمحل بالنسبة إليه ، فتأمّل.
قوله
: ولهذا ما قالوا بوجوب التسوية بين الإخوان في الأموال والجوع والشبع وغير ذلك ،
للأصل .. إلى آخره .
ولأنّ الظاهر
من أحوال أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام والفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين في الأعصار والأمصار
عدم الإلزام والالتزام على سبيل الوجوب والحرمة ، حتّى أنّه نقل أنّ بعضا من
الأئمة عليهمالسلام ـ مثل الحسن عليهالسلام ـ فعل ذلك في عمره مرّة أو مرّتين أو ثلاثا ، وأيضا ثبت
من الأخبار الكثيرة المعمول بها أنّ الّذي يجب نفقته هو الوالدان والولد والزوجة
والمملوك ، وفي شاذّ منها الوارث الصغير أيضا ،
وإجماعي أنّه لا يجب نفقة غير هؤلاء ، مع أنّ هؤلاء إنّما يجب نفقتهم لا التقسيم والمواساة
، والمساواة ، وأيضا ثبات من الأخبار
__________________
المتواترة وإجماعي ـ بل ضروري الدين ـ أنّ الّذي يملك الأموال إذا كان ماله من جملة الأصناف
الّتي تجب فيها الزكاة لا يجب عليه للفقراء المؤمنين سوى قدر الزكاة ـ وهو العشر
أو نصف العشر أو ربع العشر ـ لا أزيد ، ومع ذلك وجوب ذلك القدر بعد تحقّق شرائط
كثيرة لو اختلّ واحد منها لم يجب شيء أصلا ، وأمّا سوى الأصناف فلا يجب عليه لهم
شيء أصلا. نعم ، في بعضه يستحب ذلك المقدار بالشرائط ، وأمّا ما بقي فلا وجوب ولا
استحباب ، فتأمّل.
وورد أنّ الله
جعل في أموال الأغنياء للفقراء القدر المذكور خاصّة ، وفي بعض
الأخبار أنّ ذلك هو الزكاة الظاهرة ، وأمّا الباطنة فهو أن لا تؤثر على أخيك ما هو
إليه أحوج ، وأمثال هذه العبارة.
ومنه يظهر وجه
الجمع وأنّ الظاهر من الباطن هو الاستحباب ، أو بالقياس إلى المقرّبين مطلقا أو
بالنسبة إلى المقرّبين ، أو الأعم من الأوّل والثاني ، الثاني : بالنسبة إلى
المقرّبين مطلقا أو بالنسبة إلى المقرّبين ، والأوّل على عمومه ، فتأمّل جدّا.
قوله
: يكره للبلدي ـ وهو المراد بالحاضر ـ [ أن يقول : أنا أبيعه لك ] .. إلى آخره
مقتضى هذا ،
اختصاص المنع بالبيع للبادي ، وصرّح في « التحرير » بعدم البأس بالشراء له ، لكن عبارة
المتن ـ كغيرها من عبارات بعض الفقهاء ـ
__________________
مطلقة وفي « الغوالي » بعد ما أورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « ذروا الناس في غفلاتهم يعيش بعضهم مع بعض
» قال : ( هذا يدلّ على كراهة توكّل الحاضر للبادي لينقص له في السعر أو يزيد
، فإنّ ذلك ممّا يحرم الناس التوسعة في الرزق. إلى آخر ما قال ) ووجه الاختصاص
، كون الأخبار المرويّة في كتبنا واردة بلفظ : « لا يبيع » ، ولما في
رواية يونس بن يعقوب من التفسير ، فتدبّر.
قوله
: وفيه تأمّل ، لوجود العلّة ، وهو مستفاد من الدليل .. إلى آخره
لا يخفى أنّ
المتبادر من الأخبار الواردة في هذا الباب كون الخروج بقصد الشراء أو البيع أيضا على
احتمال ، وإذا خرج بقصد التلقّي والشراء وندم عن الشراء ولذا لم يشتر فلعلّه ـ
أيضا ـ ليس من الأفراد المتبادرة.
قوله
: ويمكن فهمه من العلّة [ وإن لم يكن في الرواية ] .. إلى آخره
ويمكن أن يقال
بعدم تبادر تلك الصورة من الأخبار.
__________________
قوله
: فالقول بالتحريم بمثله مشكل ، ولهذا اختار المصنّف الكراهة .. إلى
آخره
لأنّ الأخبار
ضعيفة السند فلا تصلح لإثبات التحريم.
لا يقال :
الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، لأنّ عمل الأصحاب بها لعلّه من تسامحهم في أدلّة السنن
والكراهة ، بل الظاهر كونه كذلك ، لأنّ المشهور يقولون بالكراهة ، فالأكثر هو
المعتبر في حكاية ضعف السند ، ولا يكفي عمل البعض ، سيّما مع مخالفة البعض الآخر
له ، وخصوصا مع مخالفة الأكثر له.
وشمول هذه
الأخبار للصلح والهبة المعوّض عنها ، من جهة إطلاق النهي عن التلقّي مع شمول
العلّة الظاهرة ، وعلى تقدير وقوع البيع لا تأمّل في صحّته ، وإن قلنا بحرمة
التلقّي ، وقلنا بأنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد ، لأنّ النهي تعلّق بما هو
خارج عن البيع ، وهو التلقّي.
نعم ، إن وقع
غبن فاحش فللبائع الخيار ، إذ « لا ضرر ولا ضرار » ، وهو على
الفور ، لأنّه لرفع الضرر ، وهو حاصل به فلا يرفع اليد عن مقتضى الأدلّة الدالّة
على صحّة البيع ، ولزومه أزيد من القدر الضروري ، ولو رضي البائع بالبيع بعد
اطّلاعه على الغبن يجب على المشتري الوفاء ، لاية ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وغيرها ، ولا يمكنه فسخه بأنّه وقع غبن البائع فيه ،
وهو ظاهر ، وممّا ذكر ظهر
__________________
حكم النجش ، فتدبّر.
قوله
: ويحتمل الكراهة ، لأنّه وإن كان ذلك [ ، لكن ما ستروا في المبيع شيئا ] .. إلى
آخره
هذا الاحتمال
فاسد ، إذ لا تأمّل في حرمة غشّ المؤمن ، كما يظهر من أخبار كثيرة ، وليست
الحرمة منحصرة في الستر في المبيع ، بل حرمة الستر فيه من جهة حرمة الغشّ. نعم إن
اطّلع المشتري على الغشّ ورضي بالبيع كما وقع يجب على البائع الوفاء به ، ولا
يمكنه الاعتذار بوقوع الغشّ منه.
__________________
أركان التجارة
في العقد
قوله
: [ يكفي كلّ ما يدلّ على قصد ذلك مع الإقباض ] ، وهو المذهب المنسوب إلى الشيخ
المفيد من القدماء .. إلى آخره
قال في «
المختلف » : كلام المفيد يوهم ذلك ، والشهيد الثاني ادّعى الإجماع على عدم كونها بيعا
وكرّر الدعوى ، بل صرّح بأنّه لو لا الإجماع لكان ما نسب إلى المفيد وبعض معاصريه
متينا غاية المتانة ، فتأمّل فيما سنذكره في الحواشي الآتية ، وعند قول
المصنّف : ( ولا ينعقد إلّا بلفظ الماضي ) ، وغير ذلك ، إذ بملاحظة الجمع والتأمّل فيها ربّما
يظهر التأمّل في المتانة الّتي ادّعاها ، فتأمّل.
قوله
: وهو المفهوم عرفا من البيع ، لأنّه كثيرا [ ما يقال في العرف ويراد ذلك ] .. إلى
آخره
المستفاد من
العبارة ، أنّ بعد ما تحقّق الأمر الدالّ على قصد ذلك لم يتحقّق البيع بعد حتّى
يتحقّق الإقباض ، وفيه ما لا يخفى ، لأنّ الإقباض أمر خارج عن البيع وليس شرطا في
تحقّقه أيضا. نعم ربّما يكون شرطا في صحّته في خصوص
__________________
بعض أفراد البيع مثل الصرف أو إقباض أحد العوضين مثل السلف والنسيئة حتّى
لا يتحقّق بيع الدين بالدين ، أو الكالي بالكالي ، فهو أيضا بيع إلّا أنّه فاسد
شرعا.
وبالجملة ،
للبيع ماهيّة وأحكام ، وللإقباض ماهيّة وأحكام مثل تلف المبيع قبل القبض وبيعه قبل
القبض. إلى غير ذلك ممّا سيجيء جلّه.
اللهم إلّا أن
يكون المراد أنّه ربّما يكون الدالّ على قصد ذلك نفس التقابض بمعونة القرائن ،
ويكفي ذلك ، وإن كان ما سيجيء من مباحث الإقباض والأحكام غير جار في هذه الصورة ،
لكن ربّما يظهر منه ومن مشاركيه أنّ جميع الصور الّتي هي معاطاة عند المشهور بيع
مع الإقباض ، ولا يخفى ما فيه من التحكّم والخروج عن الأدلّة.
ومع ذلك نقول :
كون إطلاق لفظ البيع أو العقد على نفس التقابض المذكور بعنوان الحقيقة وعند جميع
أهل العرف العام لا بدّ من ثبوته ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، وبعض أهل
العرف لا يكفي ، ومع ذلك لا بدّ من كونه من الأفراد المتبادرة إلى الذهن عند
استماع اللفظ على الإطلاق ، على ما هو المحقّق في موضعه.
مع أنّه بمجرّد
اللفظ ربّما يتأمّل أنّ المراد بيع الخطير أو الحقير ، ومع ذلك ربّما لا يوافقه
الأخبار الواردة في مباحث الإقباض ، بل ربّما يحصل التأمّل عند استماعنا لفظ البيع أو
العقد على الإطلاق في انصراف ذهننا إلى تلك الصورة.
نعم ، إذا
استمعنا أنّ فلانا اشترى شيئا من الأشياء الّتي تعارف الآن شراؤه بغير صيغة ينصرف
ذهننا دون الأشياء الّتي تعارف وقوعها بالصيغة ، فتأمّل جدّا.
__________________
على إنّا نقول
: بتتبّع الأخبار الواردة في تضاعيف مباحث الإقباض وغيره لعلّه يظهر أنّ غالب أفراد
بيوعهم في ذلك الزمان ، بل المتداول بينهم البيع الّذي كان الإقباض خارجا عنه
مترتّبا عليه ، بل لعلّه لا يظهر من خبر كون البيع بنفس التقابض مع القرينة.
فعلى هذا ، حمل
المطلقات الدالّة على اللزوم على هذه الصورة أيضا يحتاج إلى نظر ، فليلاحظ الأخبار
وليتتبّع وليتأمّل! وتداولها في زمان الشارع ـ على تقدير التسليم ـ لعلّه
يكون نظير تداولها في زمان الفقهاء وعصرهم ، بل الظاهر أنّ الحال واحد ، كما أشار
إليه بقوله : ( من زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الآن من غير نكير .. إلى آخره ) ، فإنّ
الفقهاء كانوا يرون ولا يمنعون ، بل هم بأنفسهم كانوا يرتكبون ويكثّرون ، والناس
مقلّدون لهم وتابعون ، لا أنّهم في خصوص هذا مجتهدون ، ومستندون بأنّهم كانوا
يعرضون عنهم ويتّبعون ظاهر عبارة المفيد رحمهالله ، أو غير ذلك ، فتأمّل جدّا.
وأمّا حكاية ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، فغير ظاهر كون ذلك من الأفراد المتبادرة للعقد ، بل
الظاهر خلاف ذلك ، إذ عند الإطلاق والتعرّي عن القرينة لا ينصرف الذهن إلى مثل هذه
، فتأمّل.
وأيضا ، سيجيء
أنّ المعاملة الّتي هي مورد النزاع لا يرضى بها الشارع ، ورفع النزاع بالشهود ،
ولا يمكن الإشهاد ، لأنّ بناء القرينة على الحدس ، فتأمّل.
__________________
ويظهر من الآية
والأخبار أنّ كلّ بيع يصير محلّ الإشهاد ومتعلّقه ، والشهادة إنّما تكون في
الحسّيات على المشهور ، أو اليقيني مطلقا على غير المشهور.
قوله
: الإطلاق واضح عرفا ، وليس ذلك المعنى المشهور .. إلى آخره
إذا كان
الإطلاق واضحا والعرف مرجعا في الألفاظ عند الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ قطعا
على ما صرّحوا به في كتبهم الأصوليّة والاستدلاليّة والفقهيّة ، وما هو مشاهد من
طريقتهم فيها ، والأصل عندهم في البيع والعقود اللزوم وهم متّفقون في ذلك قطعا
وسيصرّح به ، فمع ذلك كيف اتّفقوا هذا الاتّفاق حتّى أنّه كاد أن لا يكون بينهم
خلاف؟! إذ غاية ما يكون أنّه نقل بعض أنّ ظاهر عبارة المفيد رحمهالله خلاف ذلك ، والعبارة ليست عندنا ولم يذكروها حتّى نلاحظ
ونرى أنّها ظاهرة أم لا.
وعلى تقدير
التسليم ـ أيضا ـ كيف اتّفق الباقون هذا الاتّفاق مع نهاية كثرتهم ، وغاية تتبّعهم
وتطلّعهم ومهارتهم وعدالتهم ، بل وشدّة تقواهم وقواهم القدسيّة لا خفاء فيها ،
ونهاية بذل جهدهم في أخذ الأحكام وغاية احتياطهم في مقام الإفتاء وتوصيتهم بذلك ،
مع كون الحكم مخالفا للأصل والأدلّة الّتي ذكرتها ، ونهاية وضوح تلك الأدلّة
وقربها إلى النظر والفهم ، بل وديدنهم الاستدلال بها في المقامات ، ومع كثرة تلك
الأدلّة وعدم أمر من الشارع بما يخالفها ، بل وعدم وجدان ما يشير إلى المخالف كما
ذكرت ، ومع اطّلاعهم بالخلاف الّذي بين العامّة ، بل والخلاف الّذي من المفيد ـ
على ما ذكرت ـ واطّلاعهم بما هو المتداول بين المسلمين من زمانه صلىاللهعليهوآله إلى زمانهم ، وحكمهم بالأحكام الّتي ذكرت عنهم ، مثل :
__________________
جواز البيع ثانيا ، وكذا وطء الأمة. إلى غير ذلك ممّا ذكرت وممّا لم تذكر.
وبالجملة ،
جميع الأحكام والأدلّة الّتي ذكرت صادر منهم ومدّ نظرهم ، بل هي في غاية القرب إلى
نظر من له أدنى ملاحظة وفهم ، فكيف مثلهم؟! ومع ذلك كيف اتّفقوا هذا النحو من
الاتّفاق على مخالفة مقتضى أحكامهم الّتي هم حكموا بها ، ومقتضى أدلّتهم الّتي هم
أسّسوها وأتقنوها ومهّدوها ، وأجروا أحكامهم الّتي لا تحصى عليها ، حتّى في كتاب
البيع وغيره من كتب المعاوضات ، سيّما مع كون وضوح تلك بمرتبة لا ينبغي النزاع
حينئذ ولا يبقى له مجال كما ذكرت وأشرت؟! إذ كلّما كان الوضوح والكثرة وخفاء ما
يخالف أزيد يصير الاستغراب أشدّ.
فكيف يمكن
الاجتراء عليهم وعلى مخالفتهم ، سيّما مع قرب عهدهم بعهد الشارع وبعد عهدنا غاية
البعد؟! وخصوصا بعد ملاحظة أنّ كثيرا من أحكامهم الّتي لم يظهر لنا منشؤه بعد بذل
الجهد التام والتطلع الزائد اطّلعنا عليه إلى حدّ لم يبق لي وثوق في مقام من
المقامات الّتي لم يظهر المنشأ بالحكم بخطئهم.
بل الظاهر عندي
عدم اتّفاقهم بمثل هذا الاتّفاق على الخطأ ، ونعم الطريقة طريقة الشارح رحمهالله ، فإنّه أيضا ما يحكم بخطئهم أصلا ، بل ويقول : إنّي ما
أفهم ، وليس من الفقهاء أحد موجود حتّى أستفهم وأستعلم الحال ، ولهذا قال هنا : (
الاحتياط حسن .. إلى آخره ) ، فتأمّل ، فإنّي قاصر ، والقصور منّي ، فلا تكتف بما
ذكرت ، بل تدبّر.
واستدلاله رحمهالله بقول أهل العرف ، مثل الاستدلال على كون صيغة
__________________
( افعل ) حقيقة في الطلب أو الاستحباب ـ مثلا ـ وكذا لا تفعل في الكراهة ،
ولفظ العام في الخاص. إلى غير ذلك ، لكثرة استعمالهم وقولهم غاية الكثرة ، بل
وربّما كان أكثر من الحقيقة ، ولا شكّ في أنّ الاستدلال باطل.
وأيضا ، لا
نزاع في أنّ البيع الّذي هو في مقابل الشراء معنى يعبر عنه بلفظه المختصّ به ، وهو
البيع ، أو المشترك بانضمام القرينة مثل التمليك ، أو مجرّد القرينة.
وإنّما النزاع
في البيع الّذي هو عقد مشتمل على الإيجاب والقبول بالنحو الّذي يقتضي النقل من
الطرفين جميعا أنّه هل يكفي تحقّقه بمجرّد القرينة المظهرة للمعنى الأوّل ، وقبوله
بالنحو المذكور أم لا؟ وعلى الأوّل هل القرينة معتبرة شرعا أم هي مثل الرمل والجفر
والأسطرلاب وأمثالها؟ فتأمّل.
قوله
: [ ما كان يليق من الشارع ] إهماله مع تبادر غيره ، وكمال اهتمامه بحال الرعيّة
.. إلى آخره
قلت : قد ورد
عنهم عليهمالسلام أنّ المحلّل والمحرّم هو اللفظ ، ورد عنهم في
مقام إفادة العقد اللزوم ، فليلاحظ وليتأمّل.
وورد في أخبار
معتبرة ، وأيضا ورد في مقام تعليم العقد بقول كذا وكذا فإذا قال : كذا يصير كذا ،
ورد كذلك كثيرا ، هذا وغيره ، مع اشتهار الفتاوي واتّفاقها ، فإنّ
عبارة « المقنعة » في غاية الظهور في الموافقة لسائر الفقهاء المتقدّمين ،
مع أنّ كثيرا ممّا هو مثل المقام ، بل وأشدّ لم يرد فيه نصّ واف ، بل لم يرد
__________________
مطلقا ، مثل نجاسة المياه المضافة ، ولم يرد فيها سوى نجاسة المرقة ، بل النجاسة
الشرعيّة أعمّ بلوى وأشدّ حاجة بمراتب ، ولم يرد حديث أصلا في أنّها ما هي ، بل
نجاسات الأشياء لم تثبت إلّا من وجوب الغسل ونحوه ، ممّا ليس وجهه منحصرا في
النجاسة ، كما اعترف به في « المدارك » وغيره ، ولو لا فتاوي الأصحاب لم تثبت أصلا ورأسا ، كما لا
يخفى ، ولا يمكن الرجوع إلى النجاسة العرفيّة واللغويّة بالبديهة ،
فتأمّل.
قوله
: ومعلوم أن لا موجب له إلّا عقد البيع ، وهو ظاهر
.
يحتاج إلى
التأمّل ، إذ لعلّ الموجب هو ما ذكر وسيذكر ممّا دلّ على نقل الملك حسب ، فهو في
الحقيقة دليل للأكثرين لا حجّة عليهم ، فتأمّل.
قوله
: ولأنّ الظاهر أنّ الغرض حصول العلم بالرضا ، وهو حاصل
.
في كثير من
المواضع يجبر الحاكم ويكره المالك على بيع ماله مثل : وفاء دينه ، ونفقة واجب
النفقة ، وتقويم العبد على معتقه وفكّه من الرقّ ليرث. إلى غير ذلك مما لا تحصى ،
فالرضا غير حاصل قطعا ، فإذا كان الغرض من العقد هو العلم بالرضا ليس إلّا ، يلزم
أن يكون فعل الحاكم عبثا لغوا محضا ، بل وحراما أيضا.
وأيضا ، كثيرا
ما يقطع بالرضا أشدّ الرضا ، بل وتمنّي ذلك ، بل ويصرّحان
__________________
بذلك بأن يقول البائع : أنا راض بأن يكون الشيء الفلاني مبيعا ملكا
للمشتري ، والمشتري أيضا يقول : أنا رضا من غير أن يتحقّق منهما عقد ، ومع ذلك لا
شكّ في عدم حصول النقل بمجرّد هذا ، كما أنّ هند ـ مثلا ـ راضية بأن تكون زوجة زيد
، بل وتتمنّى ذلك ، لكونها عاشقة له ، وزيد أيضا كذلك ، ولا شكّ في أنّه بمجرّد
هذا ليسا بزوجين يترتّب عليهما أحكام الزوجيّة ، وكذا ربّما يتمنّى الزوج أن تكون
زوجته الفلانيّة طالقا ، ويظهر ذلك عند العدلين ، وكذا الحال في سائر المعاملات
، مثل : الهبة والصلح وغيرهما.
إلّا أن يكون
مراده الرضا بمدلول العقد ، والظاهر أنّ مراده هو هذا.
لكن يرد عليه
أيضا ـ مضافا إلى ما سبق من حكاية إكراه الحاكم ـ أنّه لو قال البائع : إنّي قصدت
مدلول العقد الفلاني في اليوم الثاني من السنة الفلانية من السنين الماضية والقرون
الخالية ، وما أظهرت أصلا إلى الآن ، والمشتري أيضا يقول كذلك ، يلزم من هذا أن
يكون مبيع ذلك العقد من تلك الساعة من اليوم الفلاني المذكور ملكا للمشتري ، وكذا
ثمن ذلك العقد ملكا للبائع مترتّبا عليهما أحكامهما من تلك الساعة إلى ساعة
الإظهار والقول وما بعدها ، ويكون قولهما ذلك كاشفا عن ذلك.
والتزامه رحمهالله ذلك لعلّه لا يخلو عن غرابة وإشكال ، فلعلّه لا يلتزم ،
ولو التزم ملتزم فحكمه بصحّته مشكل الثبوت ، مضافا إلى الغرابة بالنسبة إلى
الأحكام الشرعيّة في المعاملات ، ويلزم ذلك الملتزم الالتزام في جميع المعاملات حتّى
النكاح ، لاتّحاد المقتضي وعدم المانع ، بل وربّما يسري ذلك في الإيقاعات أيضا ،
فتأمّل جدّا.
__________________
وأيضا ، سيجيء
في بحث القرض أنّ المفسد للزيادة والمحرّم لها إنّما هو الشرط وبدونه يصحّ وإن كان
من نيّتهما ، فتأمّل.
قوله
: ولأنّ الظاهر أنّه يصدق أنّه تجارة عن تراض وهو كاف .. إلى آخره .
كون التجارة
عبارة عن مجرّد التراضي غير ظاهر ، وكون إفادتها اللزوم مطلقا أيضا كذلك ، لكن
الظاهر أنّه رحمهالله في هذا المقام غرضه إثبات الإباحة ومجرّد الملكيّة ، لا
اللزوم أيضا ، وبعد هذا يتصدّى لإثباته ، حيث يقول : ( ووجهه أنّ هذا العقد .. إلى
آخره ) .
قوله
: ولكن ظاهر كلامهم اللزوم ، فتأمّل
.
لا خفاء في أنّ
الإباحة كانت حاصلة ، بل والملكيّة أيضا عند الأكثر بمقتضى الأدلّة ، فلا وجه
لضمان التالف ولا لجواز الرجوع ، لأنّه عوض عن التالف ، فله أن يقول : ائتني بمالي
الّذي كان عوض مالك حتّى أعطيك العوض ، وهذا هو مرادهم من اللزوم ، فتأمّل.
قوله
: أربعة عشر دليلا من الكتاب والسنّة والإجماع وترك البيان .. إلى آخره .
أمّا الإجماع
فدعواه عجيب ، وأمّا الكتاب والسنّة فقد مرّ الكلام ، مضافا إلى أنّه لا عموم فيها
، بل الموجود هو المطلقات في غير مثل : ( أَوْفُوا
__________________
بِالْعُقُودِ
) وأمّا فيه فقد مرّ ما عرفت ، وسيجيء أيضا ، والمطلق لا
يرجع إلى العموم إلّا فيما إذا كان إرادة البعض من دون بعض آخر ترجيحا من غير
مرجّح ، وحيث حصل اليقين بأنّ المقرون بالصيغة المعتبرة مراد قطعا من دون شائبة
وريبة فالحكم بالعموم حينئذ من أين؟
وأيضا ، قيل :
العمل بالظنّ في مقام التمكّن من اليقين وعدم مانع منه أصلا حجّيته وجوازه محلّ
نظر ، لعدم دليل يقيني حينئذ ، والظنّ ليس بحجّة حتّى ينتهي إلى اليقين ، وهو
مسلّم عند الفقهاء ، فتأمّل.
قوله
: والضيق المنفي عقلا ونقلا .. إلى آخره
.
هذا كسابقه ،
يناسب عدم المضايقة ، لا صيرورة الشيء شرعيّا يترتّب عليه الأحكام المخالفة ،
للأصل والسهولة والضيق ، فتدبّر.
قوله
: [ ووجهه ] أنّ هذا العقد أفاد الملك .. إلى آخره
.
لو ثبت كونه
عقدا حقيقيّا كان كذلك ، لكن الشأن في ثبوته.
قوله
: [ ولا دليل فيه ] ، والأصل عدمه ، ولما مرّ .. إلى آخره
.
هو معارض
بأصالة عدم اللزوم ، بل يمكن أن يقال : القدر الثابت الملكيّة الّتي لا تنافي عدم
اللزوم ، فتبقى أصالة عدم اللزوم من غير معارض ، لكن يبقى الإشكال في أنّ جميع
موارد الاستصحاب يمكن للنقض بهذا النحو ، ودفع الإشكال بحيث لا ينفي حجيّة
الاستصحاب ، ربّما لا يخلو عن إشكال ، وتحقيق
__________________
المقام في علم الأصول.
لكن على تقدير
عدم الحجيّة ـ كما هو مذهب الأكثر ـ فلعلّ الاعتراض وارد بلا إشكال ، لأنّ الحكم
بالاستصحاب في خصوص موضع إنّما يستند إلى إجماع أو غيره من الأدلّة الشرعية ،
فتأمّل جدّا.
قوله
: [ وينبغي أن لا ينازع ] ، بل يقول عقد غير لازم ، مع أنّ الظاهر اللزوم [ بعد
تحقّق الملك ] .. إلى آخره .
أقول : من
المسلّمات والمحقّقات ـ الّتي لا تأمّل لأحد فيها ـ أنّ اللغات لا تثبت بالدليل ،
فما ظنّك بما ذكره ممّا ليس بظنّي أيضا ، بل ظاهر أنّه رحمهالله لم يذكر أمرا يورث شيئا ، سيّما أن يكون ظهورا ، مع
أنّها لا تثبت بالدليل ، بل تثبت بالتبادر أو عدم صحّة السلب ، كما هو المحقّق المسلّم عند
المحقّقين بلا خفاء.
ومن مجرّد
المعاطاة لا يتبادر أنّه عقد ، ولا يقول أحد : إنّه عقد البيع ، أو وقع بينهما عقد
البيع ونحو ذلك ، بل يصحّ سلب العقد كما لا يخفى ، ولذا نرى الفقهاء الفحول
الماهرين يقولون : ليس بعقد ، بل اتّفقوا على السلب وصحّته كلّ الاتّفاق ، حتّى
المفيد رحمهالله كما عرفت ، ومن هذا اتّفقوا على عدم اللزوم ، مع أنّهم اتّفقوا
كل الاتّفاق على أنّ كل ما هو عقد يكون لازما والوفاء به واجبا ، لعموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ونحوه ، وهذا غير خفيّ على من له أدنى اطّلاع وتتبّع في
كلماتهم في العقود اللازمة وغيرها ، وكلام الشارح صريح فيما ذكرنا ، فتتبّع مباحث
العقود.
__________________
وما ذكره بقوله
: ( وكذا ما كانت .. إلى آخره ) تحقّق ما ذهب إليه الفقهاء ، لأنّ العوام لا يجوز لهم سوى تقليد
الفقهاء ، ولا يمكنهم غيره بلا شبهة ، وهم أيضا ما كانوا يبنون أمورهم الشرعيّة
إلّا عليه ، ففي زمان العلماء إلى زماننا هذا يكون الأمر على ما ذهب إليه الفقهاء
قطعا ، فكذا قبل زمانهم إلى زمانه عليهالسلام ، لاتحاد حالهما كما اعترف به.
مضافا إلى
أصالة عدم التفاوت وعدم النقل ، بل اليقين بذلك ، لاستحالة أن يكون الأمر قبل
زمانهم إلى زمانهم بنحو آخر بالاتفاق والمعلوميّة ، ومع هذا يكونون بأجمعهم
يتّفقون على خلافه مع كمال تبحّرهم واطّلاعهم وديانتهم وتقواهم. إلى غير
ذلك ، وإن بني على أنّ الأمر كان من الضروريّات من الدين ، ولذا خالف العوام
فقهاءهم وكان الحقّ مع العوام عنده ، فيلزم من ذلك كفر جميع الفقهاء رضوان الله [
عليهم ] ـ العياذ بالله منه ـ مع أنّ الوارد في الأخبار أنّهم حجج الله على
الفقهاء ، والفقهاء حجج على الخلق . إلى غير ذلك ممّا هو أشدّ منه وأظهر.
وبالجملة ،
الفقهاء متّفقون على أنّ كلّ عقد يجب الوفاء به إلّا أن يثبت خلافه ، وإن كان
العقد من الأفراد النادرة والفروض الغريبة ، والكلّي إذا كانت له أفراد متبادرة
شائعة وأفراد ليست كذلك ، ففي مقام الحكم عليه بالعموم ، منهم من خصّه بالمتبادرة
، ومنهم من عمّمه ، ومنهم من فصّل بأنّ العموم إن كان من طريق
__________________
الوضع فالثاني ، وإلّا فالأوّل.
هذا بحسب
القاعدة لا خصوص مادّة ، وإلّا فربّما يعمّم أو يخصّص لأمور خارجة ، والأكثر في
المقام بنوا على التعميم ، إمّا لقولهم به مطلقا أو مفصّلا ، أو لظهور صحّة البعض
من النادرة من قبيل الفضولي وغيره من الدليل ، أو لاستشمامهم العلّة ، كما في
قولهم : أكرم العالم ، ولعلّها من أنّ مقتضى التديّن والإيمان الوفاء بالعهد
والشرط استنبطوها من مظانّها ، والله يعلم.
قوله
: وأنّ ليس ذلك بعقد بغير دليل ، بعيد .. إلى آخره
.
فيه ، أنّك قد
ذكرت الدليل ، فكيف يصير بغير دليل ، والإرادة من البيع والعقد ذلك لا ينفع ، بل
النافع ثبوت كونه من الأفراد الحقيقيّة المتبادرة لهما في زمن الشارع ، وظهور
الملك في اللزوم فيه ما فيه ، مضافا إلى ما مرّ ، فتدبّر.
قوله
: وهذا إشارة إلى عدم حصول الملك [ بالمعاطاة ] .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ظهر
وجهه.
قوله
: وليس هذا مثل الصلاة ، لعدم جواز التوكيل [ فيها ] .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
طلاق الأخرس بالإشارة ، ولا شكّ في اعتبار الصيغة وعدم كفاية مجرّد الرضا ، بل
الشيعة متّفقون على عدم كفاية لفظ السراح والفراق ، وإن عبّر عن الطلاق بهما في
القرآن الكريم ، ومع ذلك لم يجب عليه التوكيل ، مع أنّ التوكيل أيضا عقد.
وكذا الكلام في
العجمية ، إلّا أنّ الظاهر أنّها عقد حقيقة ، بل لا شكّ في ذلك فيشملها العمومات ،
ولا مخصّص ، ويعضده العمل المستمر في الأعصار
__________________
والأمصار ، وعدم نصب الشارع من يعلم العربيّة ولا الأمر به ، وإلّا لنقل
إلينا ، لعموم البلوى ووفور الدواعي ، والبناء على أنّ جميع العقود العجميّة كانت
معاطاة ، ولم يكن في العجم في عصر ولا مصر عقدا لازما إلّا ما كان بالعربيّة أو في
خصوص صورة العجز عن تعلّمها لعلّه خلاف الإنصاف ، وورد : « لكلّ قوم نكاح » ، وهذا أيضا
مطلق ، وكذا تحكّم أيضا ، فتأمّل جدّا.
قوله
: لا دليل عليه واضحا ، إلّا أنّه مشهور .. إلى آخره
.
دليلهم أصالة
عدم ترتّب الأثر الشرعي ما لم يثبت ، والقدر الثابت من الإجماع والأدلّة ما هو
بلفظ الماضي ، وهو حقيقة في الإنشاء للعقد في مقام العقد ، وأمّا غيره فمجاز لم
يثبت صحّته ودخوله في العقد وغيره ممّا دلّ على الصحّة ، وفي بعض العمومات لو كان
ظهور في الشمول ، إلّا أنّه بملاحظة الإجماع المنقول المذكور في كلام الشارح ،
وأنّه ورد في الآية والأخبار كون البيع محلّ الشهادة ، ومحلّ الشهادة حسّي يقيني
عندهم كما سيجيء ، وأنّه لم يرض الشارح رحمهالله بما هو محلّ النزاع ، فإنّ البائع لو أنكر البيع لا
يمكن إثباته ، وكذا المشتري الشراء ، مضافا إلى الفرد الشائع المتعارف عند العرب
والعجم في جميع العقود ، وهو لفظ الماضي ، فربّما يكون الإطلاق والعموم مبنيّين
على المتعارف المعهود.
مضافا إلى ما
سنذكره من أنّه لو بقي عموم مثل ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) على
__________________
ما هو مقتضى اللغة ، ولا يقال : برجوعه إلى المعهود يلزم أن يكون الشّارع
جوّز أيّ عقد معاملة يتحقّق من أيّ كافر أو مسلم مكلّف في أيّ موضع بأيّ نحو وأيّ
اعتبار وأيّ اختراع ، ولا تكون المعاملات بحسب الشرع منحصرة في الطرق المقرّرة
المعهودة عند الفقهاء والكتب الفقهيّة ، ولا تكون توقيفيّة ـ موقوفة على الثبوت من
الشرع ـ بل يكون الشرع تابعا لاعتبار أيّ معتبر واختراع أيّ مخترع إلّا في المواضع
القليلة الّتي ثبت المنع من الشرع ، مثل الربا والصرف قبل القبض وغيرهما.
وأمّا دليل غير
المشهور ، فهو العمومات والإطلاقات ، وأنّ المدار في المقامات على الاستناد إليهما
والاحتجاج بهما ، وعدم ثبوت الإجماع المنقول لا آحادا ولا تواترا ولا من القرائن ،
أو كانوا غافلين عن الإجماع ، أو لا يقولون بحجيّة الإجماع المنقول بخبر الواحد
وإن ظهر عليهم ، فتأمّل.
قوله
: [ ينبغي أن يكون بلفظ لا يكون سببا ] لتعليق العقد بأن يقول : بعتك [ إن قصرت
ثوبي ] .. إلى آخره .
لا شكّ في صحّة
الثاني ، بل مدار الشروط في العقود الصحيحة عليه حتّى النكاح ، لأنّ المعنى : بعتك
بالثمن المعلوم بشرط كون قصارة الثوب حقّا من حقوقي ملكا لي على قياس الثمن
المذكور ، فإنّ الشرط جزء العوض كما هو معلوم ومسلّم ، ولعلّ مراده : بشرط فعليّة
قصارة ، يعني : تحقّق القصارة ، وفعليّته : بعتك لا الآن ، فلو جعل الثمن كذلك
يكون البيع باطلا.
والحاصل ، أنّ
البيع هو انتقال الملك والحقّ من كلّ من الطرفين إلى الآخر لا الفعليّة في القبض ،
إذ ربّما يكون الملك لنا لكن بيد الآخر ، وربّما يكون بيدنا
__________________
وليس مالنا وملكنا ، والبيع هو انتقال الملك والحق حسب ، والقبض والإقباض
خارجان عنه بلا شبهة كما عرفت وستعرف ، وكلّ من الإيجاب والقبول مشروط بالآخر
معلّق عليه ، ولذا يكون كلّ عقد مشارطة بثبوته من قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » ، والشرط جزء
العوض وفاقا من دون فرق بين أن يذكر بصورة الشرط أو بصورة الجزء ، كما سينبّه عليه
الشارح.
نعم ، يصحّ
اشتراط فعليّة الثمن وإقباضه وكذا بعض الثمن ، وكذا الحال في المبيع ، لكن على هذا
يصير الإقباض حقّا من حقوق المشترط ، له إبراء الذمّة عنه والإلزام به ، وبعد
العجز : إمضاء البيع بالعقود الإبراء عنه ، وفسخه بعدم الإبراء ، كما ستعرف.
قوله
: [ كما هو مقتضى الشرط ] ، فإنّه يقتضي توقّف الصحّة على الشرط يقتضي
ذلك ، فتأمّل .. إلى آخره .
فيه ما فيه ،
فإنّه فساد كلّ عقد فيه شرط فعل لكونه معلّقا عليه ، لأنّه إن فعله باعه منه بعد
فعله وإلّا فلا ، فعلى هذا فعل أو لم يفعل يكون العقد باطلا ، وإن جعل شرط العتق
حقّا من حقوق البائع وبعضا من عوض مبيعه ، فلا شكّ في أنّ البائع له أن يبرئ ذمّة
المشتري عن هذا الحق مع تمكّن المشتري من الوفاء به وإرادته وعزمه عليه ، بل له
رفع اليد عنه بعد العقد بلا فصل ، والتزام المشتري بالباقي ، ولا يمكن للمشتري أن
يقول : وهبت لي بعض حقّك فعقدنا صار باطلا ،
__________________
لأنّ التراضي لم يقع إلّا بكلّ الحق ، فاتّضح ـ غاية الوضوح ـ رجوعه إلى اللزوم وتوقّف
اللزوم عليه خاصّة.
في المتعاقدين
قوله
: فإنّ ظاهر الآية كون الاختيار قبل البلوغ ، ولئلّا يلزم التأخير في الدفع .. إلى
آخره .
كون الابتداء
بعنوان مبايعته هو بنفسه مبتدأ ومع ذلك يكون صحيحا محلّ نظر ، وظهور ذلك من الآية
فيه ما فيه ، بل لا نسلّم الظهور بالقياس إلى كلّ واحد واحد من القيود ، سيّما وأن
يكون بحيث يثبت به أحكاما مخالفة للأصل ، بل والأصول ، إذ الأصل ـ مثلا ـ عدم
الصحّة والأصل عدم ثبوتها ، لأنّها حكم شرعي فيتوقّف على دليل شرعي ، والأصل بقاء
ما كان على ما كان ، والعمومات الدالّة على عدم جواز الحكم شرعا ما لم يكن برهان
شرعي في غاية الكثرة ، بل التهديدات الهائلة في ذلك.
سلّمنا ، لكن
يمكن أن يكون الحكم بالصحّة بعد ثبوت الرشد ، لما سيجيء من أنّ معاملة غير الرشيد
فاسدة.
قوله
: لا يبعد جواز بيعه وشرائه وسائر معاملاته .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه ـ
مع كونه خلاف ما ورد في النصّ الّذي هو حجّة بلا شبهة كما ستعرف ، بل خلاف نصوص
كثيرة ـ قياس لا نقول به ، ومع ذلك مع فارق
__________________
موجود ، لما ستعرف أنّ صحّة البيع والشراء مجمع تكليفات كثيرة لا تحصى ،
واجبات ومحرّمات ، مثل : وجوب الإقباض والتقبّض ، وإعطاء الأرش في مواضعه ، وردّ
الثمن في مواضعه ، وتحمّل مقدّمات القبض والإقباض ، وإسقاط الخيارات ، وغير ذلك
ممّا لا يخفى على المطّلع ، بخلاف الوصيّة ، فإنّها تثمر بعد موت الموصي ، والعتق
، فإنّه من الإيقاعات ومع ذلك من العبادات ، لعدم تحقّقه بغير نيّة القربة ،
وتحقّق في محلّه أنّ الصبي مكلّف بالمستحبّات ، وهي صحيحة شرعيّة إذا صدرت منه ،
ومع ذلك قهري ، ذلك في أكثر الموارد.
وممّا ذكر ظهر
حال الصدقة بالمعروف ، مع أنّها من العقود الجائزة ، ومع ذلك القبض شرط في صحّتها
على الأقوى ، أو مثل صحّتها.
وبالجملة ،
الفارق كثير ، مضافا إلى أنّ عدم جواز بيعه وشرائه منصوص بالنصّ الّذي لا تأمّل في
حجيّته ـ كما ستعرف ـ ولا معارض له ، بخلاف ما ذكره إن ثبت من نصّ يكون حجّة ، ولا
شبهة في كونه محلّ تأمّل وشبهة ، كما سيجيء في مواضعه.
قوله
: وبالجملة ، ظاهر عموم الآيات والأخبار [ والأصل ]
.
الاستدلال
بعموم الآيات مشكل ، بل لا وجه له ، لأنّ ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) أمر واجب ، وبناء الصحّة على كون الوفاء واجبا والصبي
ليس مخاطبا بالخطاب الواجبي إجماعا ونصّا.
وكذا الكلام في
قوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً ) ، لأنّه استثناء من قوله ( لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ ) ، وأمّا ( أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ ) فهو أيضا مشكل
__________________
بقرينة السياق ، وهو قوله ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) مع أنّ الظاهر من الحلّية أنّها متوجّهة إلى من هو أهل
للتحريم عليه وقابل له ، مع أنّه لا يدلّ على اللزوم ، والصحّة فرع اللزوم ،
فتأمّل.
مع أنّه مطلق ،
والمطلق ينصرف إلى الأفراد الغالبة ، فتأمّل ، إذ يمكن الاستشكال بمثله في الأخبار
أيضا ، فلاحظها وتأمّل فيها.
وبالجملة ،
البيع من العقود اللازمة بالبديهة ، واعترف به الشارح من أوّل مبحثه إلى آخره ، بل
وزاد على الفقهاء في ذلك في مبحث اشتراط الصيغة ، كما عرفت.
فبعد تحقّقه
يكون آثاره لزوميّات وإن كان اشتراط خيار في بعض أوقات لا مطلقا ، لمنافاته للزوم
الوفاء بكلّ شرط فيه ، حتّى أنّه يلزم على صاحب الخيار الوفاء به بالنحو الّذي
شرطه ولولاه لما أمكنه ، والشرط في ضمن العقد لا يجب أن يكون من مقولة ذلك العقد وثمراته ، بل لا
يكون كاشتراط عقد في عقد آخر.
وبالجملة ، لا
خفاء في كون البيع عقدا لازما وثمراته حالا لازميّات ، بل كل من حيث كونها ثمرة
نفس البيع ، فاللزوم إن كان تكليفا فالصبيّ غير مكلّف بالبديهة ، مع أنّ المراد من
الصبي غير المكلّف ، وإن قهرنا فالتكليف يرجع إلى الولي أو غيره ، وفيه ما فيه ،
وستعرف فساده مع عدم دلالة آية أو حديث على القهري.
وإن عاد لا على
الصحّة ، فلا يدلّ على الصحّة عليه ، لأنّ العام لا يدلّ على
__________________
الخاص ، مع أنّه مطلق فينصرف إلى المتعارف ، وهو غير القهري ، فتأمّل جدّا.
قوله
: هو الجواز مع التميّز التام وإذن الولي ، لعدم المانع الصريح .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
لم يدّع أحد أنّه حرام على الصبي ، بل يقولون : إنّ ما فعله لا يثمر شرعا ، وقد
عرفت أنّ الأصول تقتضي عدم الإثمار أصلا ، لأنّ الانتقالات في الأملاك واللزومات
وغيرها من الثمرات والأحكام أحكام شرعيّة ، كيف تثبت من غير دليل شرعي ، وأصل
الإباحة والجواز يقتضي عدم تلك الأحكام لا ثبوتها بالنسبة إلى البالغ فضلا عن
الصبي؟! والعمومات الّتي ادّعاها منها مطلقات ، والمطلق يرجع إلى العموم إذا كان
حمله على فرد دون فرد ترجيحا من غير مرجّح ، وقطعيّة إرادة البعض مرجّح ـ كما
ذكرنا سابقا ـ مع أنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وهذا أيضا مرجّح آخر ،
ومعلوم أنّ الفرد الشائع معاملة البلّغ ، سيّما في بلاد الحجاز.
على أنّه في
كلّ واحد واحد من العمومات والمطلقات قرائن ظاهرة في الظهور في البلّغ ، مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، و « المؤمنون عند شروطهم » ، و ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) ، و ( أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) . إلى غير ذلك ، فليلاحظ وليتأمّل.
مع أنّ الصحّة
لا تظهر من آية ( أَحَلَّ اللهُ ) ، بل الحلّية ، ومن جهتها يظهر
__________________
الصحّة ، والحلّية تستعمل في موضع يتحقّق فيه الحرمة ، فتأمّل.
بل صحّة البيع
ربّما تكون متضمّنة للتكليف ، بأن يعطي البائع المبيع ويعطي المشتري الثمن ،
وأنّهما لازمان عليهما شرعا ويجبران عليه ، كما سيجيء.
والمحقّقون
يقولون بأنّ الأحكام الوضعيّة ترجع إلى التكليفيّة ، كما أنّ التكليفيّة ترجع إلى
الوضعيّة بنوع من الاعتبار ، بل أنكر بعضهم وجود الحكم الوضعي وادّعى الانحصار في
التكليفي ، وإرجاع التكليف إلى غير العاقد من وليّ أو حاكم أو
المؤمنين حسبة يتوقّف على الثبوت ، سيّما مع كون الأصل براءة ذمّتهم عن هذا
التكليف الزائد.
ومن هذا يظهر
ضعف آخر في شمول الآيات والأخبار الدالّة على صحّة البيع لبيع الصبي ، كما لا يخفى
على المتأمّل.
على أنّه إذا
بنى الشارع على أنّ الصحّة من أحكام الوضع لا رجوع فيها إلى الواجبات والمحرّمات
أصلا ، وترجع إلى الأولياء ، فلا فرق بين ما إذا صدرت المعاملة من المميّز الرشيد
أو غيره ، لاشتراك حكم الوضع بينهما ، فتأمّل.
قوله
: ونقلها في « التذكرة »
في مقام
الاعتبار حجّة على العامّة .. إلى آخره
.
روي في « الغوالي
» عن الكناسي ، عن الباقر عليهالسلام : « إنّ الغلام إذا زوّجه
__________________
أبوه ولم يدرك ، كان له الخيار إذا أدرك أو بلغ خمسة عشر سنة » .
قوله
: مع ضعفها بعبد العزيز .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الضعف منجبر بعمل الأصحاب لو لم نقل الإجماع ، وكذا منجبر بالأصول ، والأخبار منها
صحيحة ، كما ستعرف في مبحث الحجر ، وتعرف أيضا أنّ المعارض من الأخبار محمول على
التقيّة وغير ذلك ، فلاحظ.
قوله
: ولو أجازوا إلّا المكره [ ، فإنّ الاستثناء غير واضح ] ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
المكره الّذي استثنوه هو المكره الّذي يستجمع جميع شرائط الصيغة سوى الرضا ، ومن
الشرائط القصد قطعا ، ولم يستثنوا القصد جزما ، والشارح أيضا معترف بعدم استثنائه
، فلو لم يكن القصد لم ينفع الإمضاء عندهم قطعا ، وصرّحوا به ، مضافا إلى اعتراف
الشارح ، فعدم القصد مانع عن صحّة الإمضاء ، وإن لم يكن مكرها ، فكيف إن يكون
مكرها؟! فالكره يزيد على المفسدة عندهم ، لا أنّه يرفع المفسدة.
وبالجملة ، ما
ذكرناه في غاية الوضوح من كلامهم ، مضافا إلى تصريح بعضهم بذلك وتنبيههم ، كي لا
يغفل غافل غير متأمّل.
فعلى هذا ،
إنّه عقد كعقد الفضولي ، بل لعلّه أولى ، لأنّ الممضى هو المباشر للعقد ، وعدم
الرضا حين العقد مثل عدم الرضا في الفضولي ، والرضا به بعده يجعله تجارة عن تراض ،
إلّا أن يفسخ ، فتأمّل.
__________________
ولأنّ عقد
المكره عقد عرفا ، فإذا وقع الرضا صحّ شرعا ، لأنّ الرضا شرط شرعا ، ولهذا يقول
الفقهاء بأنّ عقد الهازل لا ينفعه الإجازة لعدم كونه عقدا عرفا ، ولا يقولون :
إنّه وقع العقد أو أوقعه ، فتأمّل جدّا.
وقوله
: [ والفرق بين كلامهم بأنّه ] لا اعتبار [ به ] .. إلى آخره
.
فيه ، أنّه لا
اعتبار من حيث عدم الرضا لا مطلقا ، وأمّا الصبي والمجنون فمطلقا من حيث إطلاق
كلامه ، فليلاحظ وليتأمّل ، ولا يكتفى بمجرّد الدعوى.
قوله
: وعدم الأكل بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض .. إلى آخره
.
إذا حصل الرضا
حصل التراضي ، وهو كاف عنده رحمهالله على ما مرّ منه ، مع إصراره ومبالغته في ذلك ، هب إنّه
ما وقع عقد.
على أنّ وجود
العقد كيف يصير سببا بعدمه سببا لوجوده؟! وكذلك الحال في البيع ، وهذا عجب.
وأمّا عند
المشهور ، فلأنّه عقد أوقعه كرها ، ورضاه شرط صحّته ، فإذا حصل حصلت ، لاستجماع
جميع الشرائط ، ولم يثبت اشتراط المقارنة ، بل الثابت خلافه بمقتضى الأصل ، فيشمله
العمومات ، مثل ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وغيره ، فالمقتضي موجود والمانع مفقود.
وبالجملة ، عقد
المكره عقد كرها وبيع كرها عندهم وعند أهل العرف ، إلّا أنّه فاسد شرعا ، بمعنى
عدم تحقّق أثر من حينه إلى أوان الرضا إن حصل ، وإلّا فمطلقا ـ والمراد من الأثر :
الانتقال وغيره من الآثار الشرعيّة ـ فالرضا شرط لا جزء كما ذكر. وإن ضايقت عن ذلك
نقول : بعد تحقّق الرضا تحقّق العقد ، لعدم
__________________
ثبوت كون المقارنة جزءا ، بل ثبوت عدمه كما قلنا ، فتأمّل.
على أنّ الظاهر
أنّ عند الشارح أيضا أنّه شرط الصحّة ، حيث قال : ( الظاهر البطلان .. إلى آخره ) ، فتأمّل.
قوله
: هذا هو المشهور وما نجد عليه دليلا إلّا ما روي ـ من طريق العامّة ـ عن عروة
البارقي .. إلى آخره .
الأدلّة الّتي
ذكرها في عدم اشتراط الصيغة كلّها دليل المقام ، مع زيادة ما في المقام ، ويشهد
أيضا حكاية بيع العقيل دار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتقريره بعد فتح مكّة .
قيل : يمكن أن
يكون الدليل على ذلك ما رواه الشيخ قدّس سره في باب العيوب الموجبة للردّ من تجارة
« التهذيب » في الحسن عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاستولدها
الّذي اشتراها ، فولدت منه غلاما ، ثمّ جاء سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخر ،
فقال : وليدتي باعها ابني بغير اذني ، فقال : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها ،
فناشده الّذي اشتراها ، فقال : خذ ابنه الّذي باعك الوليدة حتّى ينفذ لك البيع ، فلمّا
أخذه قال له أبوه : أرسل ابني ، فقال : لا والله لا أرسل إليك ابنك حتّى ترسل ابني
، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه » .
__________________
ورواه الكليني
أيضا في الحسن في باب شراء الرقيق من كتاب التجارة ، والصدوق رحمهالله في الصحيح في باب البيوع من « الفقيه » .
ولكن فيه إشكال
من حيث إنّ من قال بصحّة الفضولي يقول بصحّته بالإجازة إذا لم يردّها المالك ولم
يفسخه ، والظاهر من الحديث غير ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد تجديد بيعه.
وقال أستاذي
المحقّق العلّامة المجلسي قدّس سره : ( الظاهر أنّه عليهالسلام كان عالما بأنّه قد أذن الابن بذلك ، فأجرى بهذه الحيلة
حكم الله تعالى ، موافقا لعلمه عليهالسلام كما يظهر من كثير من قضاياه صلوات الله عليه ) انتهى كلامه ،
أعلى الله في الجنان مقامه.
أقول : لا حاجة
إلى ما ذكره ، لأنّ ابن الوليدة حرّ بلا شكّ ، غاية ما في الباب أنّه على الأب
قيمته يوم ولد ، ومع ذلك له الرجوع في هذه القيمة إلى ولد المالك ، ومراد المشتري
هو إرسال الابن خاصّة ، حيث قال : « لا أرسله حتّى ترسل ابني » ، ومعلوم أنّ الحرّ
لا يمكن أخذه وحبسه من جهة القيمة الّتي على الأب أن يعطيها ، فظهر أنّ الحكم
الّذي حكم به عليهالسلام أوّلا كان تقيّة ، وجعل هذه الحيلة لإبطال هذا الحكم
الفاسد.
والابن خائن ـ
باعتراف الأب ـ عليه أن يردّ ثمن الجارية ، وعليه أيضا ثمن ابنها ، ولعلّ ثمن
الجارية كان موجودا عنده ، أو كان قادرا على إعطائه وإعطاء ثمن الابن فيحلّ حبسه ،
مع أنّ الخائن لعلّه يحلّ حبسه حتّى يخرج عن العهدة ، والله يعلم.
هذا ، مع أنّ
المالك لم يتعرّض لفسخ العقد كما لم يتعرّض لإمضائه ، غاية ما
__________________
ظهر منه عدم الرضا بالإقباض ، واستردّ الجارية وابنها ، ولم يمنع ذلك كونه
متردّدا بين الفسخ والإمضاء ، فتأمّل.
قوله
: [ عقد صدر ] من أهله في محلّه ، وليس شيء منه بمفقود .. إلى آخره .
المراد من
الأهل هنا هو البالغ العاقل ، وهذا هو المراد في كلّ موضع يقولون : إنّ عبارته
معتبرة ولفظه معتبر ، وهو أهل لإجراء الصيغة ، وأمثال ذلك ، فلا يرد ما أورده
الشارح .
قوله
: [ بأقوى منها دلالة وسندا ] ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحكيم بن حزام .. إلى
آخره .
أقول : وفي «
الغوالي » أيضا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « لا بيع إلّا فيما يملك » ويمكن أن يكون
« يملك » مبنيّا على المفعول ، فلا يظهر منه منع ، وهذا الاحتمال لو لم يكن أقرب
لم يكن أبعد ، كما لا يخفى على المتأمّل.
إذ على الأوّل
لا بدّ من تقدير العائد لكلمة « ما » ، والأصل عدمه ، وكذا
__________________
الظاهر أيضا لا بدّ من تقدير الفاعل ، والأصل والظاهر عدمه ، مع عدم مناسبة
الحذف في أمثال المقام ، سيّما مع جعل المراد من البيع المعاملة ، كما هو الأنسب
في المقام بالنسبة إلى كون المراد خصوص الإيجاب كما لا يخفى.
ويلزم الأوّل ـ
أيضا ـ تخصيصات كثيرة كلّ منها خلاف الأصل والظاهر ، ومع الاحتمال لا يمكن
الاستدلال ، سيّما إذا كان مرجوحا ، مع أنّ المتبادر عرفا هو العرفيّة ، كما حقّق
وسلّم.
فيكون المراد :
ما دام لا يملك ، ومن جهته ، فيشعر ذلك بأنّ مع الملكيّة يصحّ ، بل لا تأمّل فيه ،
كما ستعرف.
على أنّ قوله :
« لا بيع » حقيقة في نفي الحقيقة ، وهذا يناسب الثاني لا الأوّل ، لظهور عدم
انتفاء الحقيقة فيه ، مع أنّ قربيّة المجازات لا تقاوم العمومات القرآنية
والأخباريّة الّتي تقتضي صحّة الفضولي ، لكونها حقائق فضلا عن الأخبار الخاصّة
الّتي عرفت وستعرف ، سيّما مع ما في الأقربيّة المذكورة من الاختلالات الواضحة مع
ضعف السند ، والكون مع العامّة ، مع الشذوذ والندرة ، مضافا إلى ما ستعرف في
الجواب عن رواية حكيم.
على أنّ
الاستدلال به من أنّ المحذوف المقدّر هو البائع ، لسبق ذكر البيع.
وفيه ، أنّه
لعلّه المالك لذكر « يملّك » ، مع أنّه أقرب لفظا ومعنى ، وأنسب بالحذف ، لأنّ
الفاعل ركن لا يحذف إلّا إذا استغني عن ذكره ، مع أنّ المذكور لا يلزم أن يكون له
فاعل ، بخلاف « يملك » ، على أنّ البائع لا نسلّم كونه قارئ الصيغة لا صاحب المال
الآذن فيها ، لأنّ الصيغة شرط صحّة البيع على المشهور ، فالقارئ فاعل الشرط لا
البيع.
وعلى قول
الشارح وموافقته لا تكون شرطا أيضا ، فالاستدلال فرع كون
البيع ـ حقيقة ـ هو الصيغة ، وهو مخالف للعرف كما هو مخالف للمشهور بين
الفقهاء ، كما هو الحال في العقود الأخر أيضا مثل : المتزوّج والواهب والمؤجر
وغيرها.
مع أنّه على
هذا ربّما يكون المتبادر عدم البيع لخصوص القارئ ، ولا نزاع فيه ، فتدبّر .
ورواية حكيم لا دلالة لها
، كما ستعرف ، فضلا عن أن يكون أقوى ، وأمّا كونها أقوى سندا ، فلا بدّ ـ أيضا ـ
من الملاحظة!.
قوله
: ويمكن [ أيضا فهم الرضا عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ] .. إلى آخره
.
فيه ، أنّ
الأصل العدم حتّى ثبت خلافه ، وهو مسلّم سيّما عند الشارح رحمهالله.
نعم ،
الاستدلال برواية عروة مشكل ، لأنّه تصرّف من غير إذنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو حرام إجماعا ، ولعلّ هناك كانت قرينة حاليّة ،
وشاهد فحوى.
وسيجيء في
مبحث الوكالة أنّ الوكيل لو فعل ما هو الأولى والأحسن جزما للموكّل يكون تصرّفه
ماضيا ، وما نحن فيه منه ، فتأمّل .
وسيجيء في
كتاب الوكالة ما يرشد إلى ما ذكرنا ، فلاحظ.
__________________
قوله
: الأصل واشتراط التجارة عن تراض ، يدلّ على عدم الجواز وعدم الصحّة .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّا
لم نجد أصلا لما ذكره من الأصل بعد تحقّق العمومات ، مثل : ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ، إذ لا شكّ في التراضي بعد حصول الإجازة ، وكذا ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) ، إذ لا شكّ في أنّه بيع وأنّه باع مال غيره ، غاية
الأمر أنّه بيع فاسد مطلقا ، أو مع عدم الإجازة ، فالدخول في العموم متحقّق
والمخصّص مفقود.
وما دلّ على
عدم جواز التصرّف غير شامل للمقام ، إذ المال لو كان عند صاحبه وأنا تكلّمت كلاما
من الخارج فأيّ تصرّف تصرّفت؟! سيّما إذا كان مرادي الوقوف على إجازة المالك.
نعم ، يمكن
تحقّق ما ذكره بالنسبة إلى الغاصب ، مع تأمّل في ذلك أيضا ، بأن يكون مجرّد تلفّظه
بالصيغة تصرّفا فيه.
نعم ، الإقباض
تصرّف ، وهو ممنوع قطعا ، مع أنّ النهي يكون دالّا على الفساد المقابل للصحّة
الّتي في المقام ، بأنّه إن رضي صاحب المال يثمر وإلّا فلا ، فيه نظر ظاهر ،
فتأمّل.
وبالجملة ، ما
ذكره رحمهالله هنا لا يلائم ما سبق منه في شرح قوله : ( الأوّل : العقد
.. إلى آخره ) وغير ذلك من المتون بعده ، بل لعلّه لا يخلو عن غرابة ،
لأنّه بالغ وأصرّ بأنّ مجرّد الرضا كاف ، ولا شكّ في أنّ الإجازة رضى ، وأيّ رضي ،
بل لا يخفى على المتأمّل أنّه أولى بكونه عقدا من مجرّد التقابض.
__________________
وليس المراد ب ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) العقد الّذي يكون مباشرة خصوص المالك ، بل مطلق ، ولذا
يكون المأمور بالوفاء في العقود النيابيّة المنوب عنه ، وأيّ فرق بين الرضا السابق
واللاحق في ذلك ، والأمر بالوفاء لا يقتضي أزيد من التزامهم ، أعمّ من أن يكون
بعنوان المباشرة أو الالتزام بالسابق ، أو الالتزام اللاحق ، حيث التزام بمضمون
عقده؟! وحكاية الأظهريّة وتبادر الفرد المتعارف قد مضى الكلام فيه ، مع أنّه ورد
في النكاح الّذي مبناه على الاحتياط التّامّ ، فتأمّل.
قوله
: والظاهر أنّ النهي راجع إلى عدم صلاحيّته للبيع والانتقال .. إلى آخره
.
هذا محلّ نظر
ظاهر ، سيّما بعد ملاحظة أنّ بيع الإنسان ما ليس عنده صحيح قطعا ، كالسلف والبيع
بالذمّة .
وبالجملة ، لم
يقل صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تقع الصيغة بالنسبة إلى مال الغير ، بناء على أنّه إن أجاز
تثمر وإلّا فلا تثمر وإن لم يتحقّق منك إقباض ، لا أمر آخر ، بل قال : لا
تبع الشيء الّذي ليس هو عندك حال البيع ، كما هو الظاهر ، وادّعاء أنّ المراد من
هذا هو ما ذكر ، فيه ما فيه.
وفي « الكافي »
بسند صحيح قال : « قلت للصادق عليهالسلام : الرجل يجيئني
__________________
يطلب منّي المتاع فأقاوله على الربح ثمّ أشتريه فأبيعه منه ، فقال : أليس
إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به ، فقلت : فإنّ من عندنا
يفسده ، قال : ولم؟ قلت : باع ما ليس عنده ، قال : ما يقول في السلف قد باع صاحبه
ما ليس عنده؟ قلت : بلى ، قال : فإنّما صلح من قبل أنّهم يسمّونه
سلما ، إنّ أبي كان يقول : لا بأس ببيع كلّ متاع تجده في الوقت الّذي بعته فيه » .
وهذه الصحيحة
وردت في « الفقيه » و « التهذيب » هكذا : « سألت الصادق عليهالسلام : الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده ، فيشتري منه
حالّا ، قال : ليس به بأس ، قلت : إنّهم يفسدونه عندنا ، قال : وأيّ شيء يقولون
في السلم؟ قلت : لا يرون به بأسا ، يقولون : هذا إلى أجل ، فقال : إذا
لم يكن أجل كان أجود » الحديث.
وورد أخبار
كثيرة في جواز بيع ما ليس عنده ، والجميع ظاهرة في أنّ المراد ليس الفضولي ، بل البيع
بالذمّة وبعنوان الكلّي حالّا ، أو أعمّ ، وأنّ المنهي عنه هو بيع ما لا يوجد وقت
الحلول في الحالّ والمؤجّل ، فيرجع إلى وجوب القدرة على التسليم الّذي اعتبره
الفقهاء وسيذكره المصنّف رحمهالله ، ويظهر من الأخبار أنّ رواية حكيم إمّا مؤوّلة
بما ذكرنا ، أو لا أصل لها ، فلاحظ!.
__________________
هذا كلّه ،
مضافا إلى ما عرفته من الأجوبة عن الاستدلال برواية « الغوالي » ، مضافا إلى
أنّ النهي لا يدلّ في المعاملات على الفساد ، فكيف يدلّ على فساد غير المنهي عنه
أيضا؟! على أنّ معاملات الغاصب فاسدة إجماعا ونصوصا بالنسبة إليه ، لا غيره أيضا
بعد رضا المغصوب منه ، بل لو رضي أحد المتعاقدين دون الآخر تكون صحيحة له دون
الآخر ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو رضي الغاصب في بعض الأفعال أو الأحوال.
وبالجملة ، بعد
الرضا ترتفع الغصبيّة ويحلّ ويصحّ ، ومع جميع ذلك كيف لا يمكنه التصحيح لنفسه؟
والفساد لخصوص الغاصب ما دام كذلك غير مانع أصلا ، ينادي بذلك إجماع الفقهاء.
على أنّ جميع
معاملات الجائرين ـ من الإجارة والمزارعة وغيرهما ـ في الأراضي المفتوحة عنوة ،
وجميع أنفال الأئمّة عليهمالسلام ، والزكاة ، ونحو ذلك حرام أشدّ ما يكون ، وغصب بأشدّ
ما يكون ، لكون الحقّ للمعصوم عليهالسلام ، أو للفقهاء أيضا مثلا في البعض ، فكانت المعاملات
المذكورة فاسدة أشدّ ما يكون بالنسبة إلى الجائرين ، ومن لم يرض المعصوم عليهالسلام ، وصحيحة بالنسبة إلى من رضي عليهالسلام وبالنسبة إلى أنفسهم المقدّسة.
وثبت ما ذكر من
الأخبار الكثيرة أيضا ـ كما مرّ في مبحثه ـ فالكلّ كانت فضوليّة صحيحة وفاسدة معا
، من جهة الإمضاء وعدمه منه عليهالسلام.
وينادي أيضا ،
ما ورد من أنّ الباقر عليهالسلام صرّح بصحّة العقد الفضولي
__________________
الصادر من المملوك لنفسه ، وتوقّفه على إذن سيّده ، ردّ بذلك
على ربيعة الرأي بحكمه بفساد هذا الفضولي لكونه فضوليا ، وإن علّل عليهالسلام الصحّة بكون المملوك لم يعص الله بل عصى سيّده.
وتوهّم منه
متوهّم دلالته على أنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد ، فبنى على أنّ هذا
الفضولي لم يكن حراما .
لكن بعد ملاحظة
أنّ أمثال هذه التصرّفات من المملوك حرام البتّة ـ كما سيجيء ـ ظهر أنّ مراده عليهالسلام أنّ عقده لم يخالف ما قرّره الله تعالى لصحّة العقود ،
مثل قوله ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وأمثاله ، بل لم يوافق إذن المولى ، فإذا حصل لم يبق
للصحّة مجال.
وكيف كان ، لا
شكّ في دلالته على صحّة عقود المماليك فضوليّة مطلقا ، كما هو الظاهر ، أو إذا لم
تكن حراما ، ولا قائل بالفصل بينهم وبين الأحرار ، بل بالتأمّل فيه يظهر صحّة
الفضولي من الأحرار أيضا.
وسيجيء ـ أيضا
ـ أنّ المملوك لو عقد لغيره بغير إذن سيّده يكون العقد صحيحا وإن كان حراما. إلى
غير ذلك ممّا يظهر بالتتبّع ، ولذا صرّح ابن إدريس بوجود أخبار الآحاد الدالّة على
صحّة الفضولي من عقد البيع ، مع إنكاره الصحّة ، معتذرا بأنّ أخبار الآحاد ليست
بحجّة .
__________________
قوله
: وهو على ما أظنّه ظاهر ، مع أنّي أرى أنّ أكثرهم [ لا يقولون إلّا بأنّه كاشف ،
وما أرى له دليلا ] .. إلى آخره
.
فيه نظر ، إذ
مضمون العقد إنشاء نقل المبيع إلى المشتري حين العقد عوضا عن نقل الثمن إلى البائع
ذلك الحين ، أي إنشاء النقلين حين تمام العقد ، إذ الإيجاب والقبول إنشائيّان ،
والإنشاء حقيقة في الحال والفور ، والرضا لم يتحقّق [ إلّا بهذا العقد ، فلو كان
منشأ لثمره فلا بدّ من تحقّق الثمر الّذي هو مضمونه ، لا الثمر
الّذي هو أجنبيّ بالنسبة إليه وليس هو مضمونه ومدلوله ، فما ذكرت لم يتحقّق عليه
عقد ، وما تحقّق العقد عليه هو خلاف ما ذكرت.
وكذلك الرضا ،
إذ ما رضي به هو ليس إلّا ما هو مضمون العقد ومدلوله ، بل لو صرّح بأنّي لا أرضى
إلّا بالانتقال من حين الرضا لم يكن هذا إجازة العقد وإمضاءه ، بل يحتاج إلى عقد
آخر ، كما لو وقع الفضولي حالّا فرضي به لا بعنوان الحلول بل بعنوان التأجيل إلى
أجل عيّنه ، وكذا لو قال : لا أرضى بالثمن بل بأزيد منه ، أو يكون الثمن أمرا آخر.
إلى غير ذلك.
فظهر أنّ
الإجازة لو كانت مثمرة والعقد صحيحا فلا بدّ من القول بالكشف ليس إلّا ، وإلّا فلا
بدّ من القول بالبطلان وعدم الثمر أصلا ، كما هو مذهب القائل بالبطلان ليس إلّا ،
فتدبّر.
قوله
: رضا صاحب المال جزء وسبب وشرط ، وله دخل .. إلى آخره
.
لو تمّ ما ذكره
لزم أن يكون العقد فاسدا إلى حين الرضا وبعده يصير صحيحا ، وهذا خلاف ما اتّفق
عليه الكلّ ، إذ القائل بالصحّة يصرّح بأنّه صحيح
__________________
وموقوف على الإجازة ، والقائل بالفساد يصرّح بأنّه فاسد مطلقا ، ومعلوم أنّ
مرادهم من الصحّة هو ترتّب أثر شرعيّ في الجملة ، والفاسد هو ما لا يترتّب عليه
أثر من الآثار بوجه من الوجوه ، بل يكون وجوده مثل عدمه في نظر الشرع من دون تفاوت
أصلا ، وما أجروا في الفاسد من بعض الآثار الشرعيّة ـ مثل : كون الضمان على القابض
ـ فمعلوم أنّه ليس أثر العقد بل أثر القبض ، كما ستعرف.
وبالجملة ، هذا
أمر واضح على من له أدنى اطّلاع بكلام الفقهاء ، ومعلوم أنّه فرق بين العقد الفاسد
والفضولي إلى حين الرضا ، إذ الفاسد لا أثر فيه أصلا ، والفضولي يكون بحيث لو
ترتّب عليه الرضا يثمر أيّ وقت ترتّب ، وهذا المعنى أثر من الآثار الشرعيّة
المفقودة في الفاسد أصلا.
وغير خفي على
المطّلع أنّ مرادهم من الصحّة هذا الّذي ذكرناه ، فإن أراد أنّ الرضا شرط الصحّة
بهذا المعنى ففاسد قطعا ، وإن أراد فعليّة التأثير فممنوع ، لكن لم يقل أحد
بالفعليّة بدون الرضا ، إذ لا شكّ في توقّفها عليه ، وإن أراد أنّ تقدّم الأثر على
الشرط الشرعي محال ، فمعلوم أنّ المقدّمة لا بدّ من أن تكون بيّنة أو مبيّنة أو
مسلّمة ، وليست كذلك ، إذ الحكم الشرعي على حسب ما قرّره الشرع ، فإن قرّر الشرط
مقدّما فكذلك ، وإن قرّر مؤخّرا فكما قرّر ، وليس شرطه من العلل الواقعيّة كما هو
مسلّم عند الكلّ ، وعلل الشرع معرّفات بلا تأمّل.
قوله
: وإذنه بوجه من الوجوه يكون ذلك كافيا .. إلى آخره
.
إذا علم الإذن
فلا وجه للتأمّل والإشكال ، وأمّا إذا علم مجرّد الرضا ففي الاكتفاء به إشكال ما ،
ظهر وجهه ممّا ذكرناه سابقا في بحث الاحتياج إلى الصيغة ، وكذا الحال في كلّ تصرّف
في مال الغير بالقياس إلى صحّة عقد ومعاملة ، وأمّا في
__________________
نفسه فيمكن أن لا يكون مانع فيه ، لأنّه تصرّف في مال مسلم بطيبة نفسه.
لكن لو أنكر
صاحب المال الرضا يتحقّق الإشكال ، وأمّا إذا لم ينكر ، إلّا أنّه يقول : أريد منك
مالي ، وكان موجودا ، فلا تأمّل في وجوب الردّ عليه ، وأمّا إذا كان تالفا ففيه
أيضا إشكال من جهة عموم : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » وأمثاله ،
وأنّه لم يتحقّق منه عهد ولا عقد ولا شرط في أنّه إذا أتلف يكون مجّانا بغير
استحقاق عوض ، ومن أنّه أتلف بسبب علمه برضاه في الإتلاف كذلك ، فتأمّل.
قوله
: فإنّ الّذي يظهر من كلامهم عدمه .. إلى آخره
.
لعلّ مراده رحمهالله إذا رضي بالتقاصّ بمجرّد تعذّر الوصول إلى حقّه ، وأمّا
الفقهاء فالظاهر من كلامهم عدم جواز التقاصّ بمجرّد ذلك ، بل لا بدّ ـ عندهم ـ من
العرض على حاكم الشرع واستيفاء حقّه بحكمه ، إلّا أن لا يمكن الإثبات عنده وتوقّف
حكمه على الإثبات ، كما سيجيء الإشارة منه في آخر مبحث القرض في بابه ، فتأمّل
ولاحظ.
قوله
: هو تعظيم كتاب الله العزيز ، قاله في « التذكرة » .. إلى آخره
.
لعلّ مراده أنّ
جعل المصحف مملوك الكافر استخفاف به ، بل جعله مملوك المسلم أيضا استخفاف ، ولذا
منع عن بيعه وشرائه مطلقا ، وإنّما يباع الورق والمداد والجلد ، ولا يجوز أن يباع
ويشتري للكافر ، لأنّه استخفاف ، ولأنّ الظنّ حاصل بأنّ الكافر يستخفّ بالقرآن
ويستهين ، وربّما يلقيه في القاذورات ويبول
__________________
ويتغوّط عليه ـ العياذ بالله ـ إلى غير ذلك من أنواع الاستخفافات ، بل
وأشدّ ، وما ورد في تعظيم القرآن يمنع عن بيعه وشرائه له ، فتأمّل.
قوله
: [ لأنّه ] ينعتق عليه في الحال ، فالبيع عليه أصلح له .. إلى آخره .
فإنّ آن تملّكه
هو آن انعتاقه من دون تأخّر زمانيّ أصلا ، بل تأخّره تأخّر المعلول عن العلّة ،
وإن كانا في الزمان متساويين ومتّحدين فلا يتحقّق زمان يكون له عليه سبيل ، مع
أنّه أصلح له ، و « الإسلام يعلو ولا يعلى » ، فلا يصير إسلامه منشأ لبقائه على الرقّ وعدم زواله عنه
وعدم صيرورته حرّا.
قوله
: ويقسّط الثمن ، لتمييز ثمن ماله ، ويحتمل [ البطلان ] .. إلى آخره .
لا يخفى ، أنّ
البائع جعل في عهدته إعطاء المجموع ، وهو عبارة عن الأجزاء ، فالواجب عليه الوفاء
بالجميع ، فإن لم يمكنه الوفاء به وأمكن الوفاء بالبعض يجب عليه ، لأنّه كان واجبا
عليه في ضمن الجميع ، ولا يمكنه الاعتذار بأنّي لمّا لم يمكنني الوفاء بالجميع لا
أوف بما كان واجبا عليّ في ضمن المجموع ، بل الواجب عليه الوفاء بما أمكنه ، بحكم
الاستصحاب ، ولقول علي عليهالسلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » ، وقوله عليهالسلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، ولقول النبي
صلىاللهعليهوآله : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، ولأنّ
امتثال الأمر واجب ، وهو أمر
__________________
عرفي ، وأهل العرف يلزمون بالإتيان بأيّ جزء يمكن ، ولأنّ العقد على الكلّ
بمنزلة عقود متعدّدة عرفا وعقلا ، فتأمّل.
ولعلّه ورد في
الأخبار في السلم وغيره ما ذكرناه ، فلاحظ.
ولأنّ البيع قبل
فسخ البعض كان صحيحا بالنسبة إلى كلّ بعض بعض ، وبعد تحقّق الفساد بالنسبة إلى بعض
لا يلزم فساد الباقي ، بل يكون صحيحا بحكم الاستصحاب.
والمراد من
الصحّة ترتّب الآثار الشرعيّة ، إن كان على سبيل اللزوم ، فعلى اللزوم ، وإن كان
على سبيل الجواز ، فعلى الجواز ، فتدبّر.
ثمّ لا يخفى
أنّ المشتري لو جعل الثمن مال الغير يصير العقد فضوليّا بالنسبة إليه ، وكذا إن
ضمّ مال الغير مع ماله ، فإن أجاز المالك صحّ وإلّا بطل في الأوّل ، وفي مال الغير
في الثاني وللبائع خيار الفسخ ، لعين ما ذكرنا بالنسبة إلى المشتري.
وممّا ذكر ظهر
حال ما لو كان المبيع والثمن جميعا مال الغير كلّا أو بعضا ، بأنّه مع إمضاء
المالك يصحّ الكلّ ، ومع فسخه يبطل الكلّ في الأوّل ، وفي خصوص مال الغير في
الثاني ، ويكون للبائع والمشتري جميعا خيار تبعّض الصفقة.
وممّا ذكر ظهر
حال ما لو خرج المبيع أو الثمن كلّا أو بعضا ، حرّا أو خمرا ، أو غيرهما ممّا لا
يصحّ تملّكه.
وممّا ذكرنا ،
إذا وقع العقد صحيحا بالقياس إلى خصوص بعض الثمن وبعض المبيع ، وباطلا بالقياس إلى
البعض الآخر منهما من جهة استحالة الصحّة بالنسبة إلى المجموع منهما ، وقلنا بأنّه
يرجع الصحّة إلى النصف منهما ، مثل : ما لو باع وكيلان للبائع المبيع من مشتريين
دفعة فقيل : إنّه باطل رأسا ، لاستحالة صحّة المجموع والترجيح بلا مرجّح ، وقيل :
يصحّ كلّ واحد منهما على سبيل التنصيف ،
لما ذكرنا من الاستصحاب ، وحديث : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » و: «
الميسور لا يسقط بالمعسور » و: « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، وغير
ذلك ، فيكون الخيار حينئذ للبائع والمشتري معا ، فتدبّر.
قوله
: [ فالبيع باطل ] ، فيرجع إلى عينه إن كانت باقية .. إلى آخره
.
في يد أيّ شخص
كان ، سواء كان البائع أو المشتري أو غيرهما ، لأنّه عين ماله وحقّه وليس غيره
حقّه. نعم ، لو أعطى البائع ذلك للمشتري أو غيره وأقبضهما ، له مطالبة البائع
باسترداده منهما وإقباضه إيّاه ، وهذا لا ينافي ما قال بعضهم أنّه يرجع على
المشتري ، لأنّه مبني على كون العين في يد المشتري ، وأنّه على أيّ حال يرجع إلى عين ماله
الّتي هي عند المشتري سواء كان الرجوع بواسطة البائع أو بغير واسطة.
ويمكن أن يكون
مراد البعض أنّه يرجع إلى عين ماله الّتي كان مقتضى العقد المفسوخ أنّه للمشتري لو
لم يفسخ ، فتأمّل ، فإنّه بعيد.
وبالجملة ،
لمّا كان صورة وجود العين في يد المشتري لها أحكاما تناسب البيع الفضولي لهذا
توجّهوا إلى ذكر خصوص هذه الصورة ، وإلّا فغير هذه الصورة لا مناسبة لها للفضولي ،
بل من فروعات الغصب من دون وساطة الفضولي ، وأنّ الفضولي أيضا من فروعاتها ببعض
الصور.
وأمّا الرجوع
إلى القيمة ، فإنّها لمّا لم تكن عين ماله وإنّما هي حقّه بسبب اليد الضمان ، فالرجوع على
البائع والمشتري على حدّ سواء ، لكن لو رجع على المشتري يرجع هو على البائع في
صورة الجهل ، وفي صورة العلم ذكر فيها ما ذكر ،
__________________
فتدبّر.
قوله
: ولا يبيح له أن تصرّف ، مثل الرشوة وعوض الخمر .. إلى آخره
.
لا كلام في
حرمة الأكل والتصرّف ، إنّما الكلام في استحقاق المشتري عوضه ، فإنّ العوض عين مال
البائع ، و « الناس مسلّطون على أموالهم » ، و « لا يحلّ مال المسلم إلّا من طيب نفسه » ، والانتقال
حكم شرعيّ يتوقّف على الدليل ولو كان فهو ، وإلّا فالأصل عدمه ، والأصل عدم
الاستحقاق.
إلّا أن يقال :
المشتري أذن له التصرّف بشرط أن يصير مال الغير ماله ، والمشروط عدم عند عدم شرطه
، وفيه ، أنّه يعلم جزما أنّه لا يمكن أن يصير ماله ، ومع ذلك أذن له التصرّف
جزما.
إلّا أن يقال :
إنّ المجزوم به أنّه أذن التصرّف إذا لم يأخذ منه عوضه ، وفيه ، أنّه عند التصرّف
ما كان مأخوذا وبعد الأخذ ما تصرّف.
إلّا أن يقال :
كلام الفقهاء مطلق غير مقيّد بما ذكر ، أو يقال : القدر اليقيني أنّه أذن ، إذا لم
يتحقّق الأخذ في وقت من الأوقات ، فما لم يتحقّق الشرط لم يتحقّق المشروط.
وفيه ، أنّ ذلك
خلاف ما ظهر من المشتري ، إذ لم يظهر منه سوى كونه ثمنا للمبيع ، يعني : أنّه مال
البائع بإزاء كون المبيع ماله ، وهو يعلم جزما أنّه لا يمكن أن يصير ماله ، وأنّه
باق في ملكيّة صاحبه ، ومع ذلك ظهر منه جزما الإذن في التصرّف من غير توقيف على ما
ذكر من أنّه لا يأخذه صاحبه في وقت ، مع أنّه يعلم أنّ صاحبه مسلّط على الأخذ في
جميع الأوقات حتّى آن العقد وبعده بلا
__________________
فصل.
سلّمنا ، لكن
يتمّ ما ذكره في صورة التصرّف لا التلف ، إذ البائع ما كان غاصبا للثمن قطعا ،
والمشتري برضى نفسه سلّمه إليه ، وكان في يده برضى ، وسيجيء عن الشارح في مبحث
المقبوض بالبيع الفاسد وغيره أنّ مثل ذلك أمانة مالكيّة ، وأنّ التلف من المالك ،
فيمكن حمل كلام « التذكرة » وغيره من الفقهاء على هذا ، مع أنّك قد عرفت أنّ حمله
على الأعمّ منه لا بأس به أيضا ، والله يعلم.
قوله
: وإنّما الخلاف في الوكيل بأن يكون شخص واحد وكيل بالبائع والمشتري معا [ ويوقع
العقد ] .. إلى آخره .
كون الوكيل
متولّيا لطرفي العقد على ثلاثة أقسام :
الأوّل : أن
يكون وكيلا لإجراء الصيغة فقط ، فيكون البائع هو الموكّل ، والمشتري هو الموكّل
الآخر ، أو يكون أحد الطرفين هو الوكيل ، بأن بيع من نفسه أو يشتري من نفسه ،
والمساومة والمراضاة معه وقع من صاحب المال ، بائعا كان أو مشتريا.
وهذا القسم لا
غبار عليه أصلا ، إلّا كون العاقد واحدا ، ولا إشكال من جهته أيضا ، لكونه عقدا
لغة وعرفا بعنوان الحقيقة ، لعدم صحّة السلب ، وكذا الكلام في كونه بيعا وتجارة عن
تراض ، وغير ذلك ممّا ورد في العمومات الدالّة على الصحّة.
والقسم الثاني
: أن يكون وكيلا في نفس البيع من طرف البائع ومن طرف المشتري في نفس الشراء ، سواء
كان العاقد هو وحده أو هو مع غيره ، أو غيره وحده أو مع غيره.
__________________
وهذا لا إشكال
فيه من جهة العاقد وإن كان واحدا ، لما عرفت ، وإنّما الإشكال من جهة أنّ اللازم
على الوكيل المماكسة من طرف البائع في ازدياد الثمن ، ومن طرف المشتري في نقصه
وبذل جهده في نصح البائع ونصح المشتري ، وفي الغالب لا يجتمع النصحان.
القسم الثالث :
أن يكون وكيلا في نفس البيع فيبيع من نفسه ، أو في نفس الشراء فيشتري من نفسه ،
سواء كان العاقد متعدّدا أو واحدا ، والواحد هو أو غيره ، وعدم الإشكال من جهة
العاقد ، كما عرفت.
وأمّا من جهة
كون المعاملة مع نفسه ، ففيه إشكال شديد ، ظهر وجهه ممّا كتبناه في مسألة من أعطي
مالا ليفرّقه في قوم هو منهم ، أنّه هل يجوز أن يأخذ منه أم لا! فلاحظ.
ونزيد هنا أنّ
الموكّل يريد من الوكيل المماكسة في البيع أو الشراء ، فكيف يرضى أن يبيع من نفسه
أو يشتري منه؟ وأيضا يريد الخلوص في النصح ولا يتحقّق إلّا من أوحدي الدهر إذا وقع
المعاملة مع النفس.
وممّا ذكر ظهر
حال تولّي الوصي للطرفين ، وأنّه لا إشكال فيه أصلا ، لأنّ تصرّفه منوط بالمصلحة ،
لا إذن صاحب المال ولا إرادة المماكسة ، فمتى تحقّقت المصلحة يكون صحيحا ،
والمصلحة يعرفها أرباب الخبرة ، وإن لم توجد معرفتهم فلا بدّ له من الاحتياط
التامّ إذا باع من نفسه أو اشترى كي لا يغترّ ، والاحتياط هو أن يبيع فيمن زاد
فيشتري ـ مثلا ـ ولذا ورد في رواية ابن إبراهيم الهمداني ما ورد ، فلاحظ وتأمّل.
روى الحسن بن
إبراهيم الهمداني قال : « كتبت مع محمّد بن يحيى : هل للوصي أن يشتري شيئا من مال
الميّت إذا بيع فيمن زاد ، يزيد ويأخذ لنفسه؟
فقال : يجوز ، إذا اشترى صحيحا » .
قيل : والمعنى
أنّه هل يشتري حال كونه داخلا فيمن زاد فيزيد ويأخذ؟
ويحتمل أن يكون
متعلّقا بقوله : « إذا بيع » أي إذا بيع في موضع يقال فيه : من زاد ـ أي في سوق
يزاد فيه.
في العوضين
قول
المصنّف : يجب كونهما مملوكين ، فلا يصحّ بيع الحرّ والخنافس وشبههما .. إلى آخره
.
أقول : قال
الفاضل المحقّق مولانا عبد الله التوني : قد علّل في أوّل الكتاب عدم صحّة بيع هذه
الأشياء بعدم الانتفاع بها ، وقد عرفت الكلام فيه ، ومنع عدم الانتفاع بها أوّلا ،
ومنع عدم صحّة بيع ما لا منفعة فيه ثانيا ، وهاهنا علّله بعدم الملكيّة ، وهو حق ـ
إن صحّ عدم الملكيّة ـ لما مرّ ، ولكن الكلام فيه ، فإنّا لم نقف على دليل عليه في
مثل هذه الأشياء بعد أخذها ووضع اليد عليها ، وعرفت أيضا عدم ظهور فقد المنفعة
المباحة في مثلها فلا تغفل ، فإنّ تحريم أكلها وشربها لا يستلزم عدم جواز الانتفاع
بها في غير الأكل والشرب.
وممّا يؤيّد
تحقّق الملكيّة بالأخذ قول أمير المؤمنين عليهالسلام : « للعين ما رأت ، ولليد ما أخذت » ـ وإن ورد في مورد
خاص ـ نقله الشيخ في كتاب الصيد.
__________________
انتهى .
أقول : لا يخفى
أنّ الأصل في كلّ شيء عدمه حتّى يثبت ، سيّما الحكم الشرعي ، فكون الشيء ملكا
شرعا يحتاج إلى دليل ، لا عدم كونه ملكا ، وهو ظاهر.
وأمّا قوله عليهالسلام : « للعين ما رأت » لو بني على أنّ العبرة بعموم اللفظ
، يلزم زيادة تخصيص فاسدة لا يرضى بها المحقّقون ، ولا تأمّل في فسادها.
مع أنّ مثل :
البق ، والقمّلة ، والخنافس ، والنمل من الحشرات ، والمخاط والبصاق ، ونظائرهما
يكون مملوكا ، شيء لا يمكن أن يتفوّه به عاقل.
كيف ولو كان
كذلك لزم أنّ واضع اليد على الأمور المذكورة ومن نشأت تلك في ملكه أو ثيابه يكون
ذا أموال كثيرة وأملاك متوافرة؟ وأنّ من قتل قمّل المفلس أو اليتيم يكون عاديا
متلفا أموالهما؟! سيّما إذا كان كثيرا وافراد يكون حينئذ في غاية الظلم والفساد!
وأنّ من أخذ القمّلة ، والنملة ، والخنفساء ونظائرها يكون ملعونا عاصيا غاصبا يجب
عليه الردّ ، وإلّا يكون الواجب على حاكم الشرع الجبر بالردّ ، أو الأخذ منه قهرا
والردّ؟ وأنّ من أنكر يجب على المدّعي البيّنة وعليه الحلف؟ وإذا أتلف يكون عليه
الضمان ، كما هو قاعدة الملك؟ وأنّه يتحقّق الملك فيه مشاعا ومفروضا؟ وأنّه إذا
تحقّقت في يد اثنين أو الثوب المشترك أو البيت كذلك يحكم لكلّ بالنسبة على حسب
عددهم؟ وأنّ اليد مقدّم أو البيّنة بالملك السابق أو اليد السابق؟ وأنّ من لم يردّ
يكون من الظالمين ، الّذين حمد الله نفسه على هلاكهم ؟ وإذا وقع
المبايعة يجب على كلّ واحد إقباض ما في يده
__________________
وتتحقّق الخيارات والغرر في الجهالة أو الضرر؟ وأنّه لا يجوز الأخذ والبيع
من اليتيم والمجنون والسفيه؟ وأنّ مالكه لا يكون مفلسا ، لأنّه ذو أموال كثيرة. إلى
غير ذلك من الأمور الّتي يشنع ذكرها ، فتأمّل.
مع أنّ الألف
واللام في الرواية تفيد العموم ، محلّ تأمّل ، لسبق معهود ، وكذا إفادة اللام
الملكيّة ، لاحتمال الاختصاص أو الانتفاع ، فتأمّل.
قوله
: والحشرات والفضلات .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
مثل هذه الحشرات ليس بمال ولا ملك عرفا ، فكذا لغة ، ولذا لا يقال لمن تحت يده
خنافس أو في ثوبه وجسده قمّل كثير : إنّه ذو مال كثير وأملاك كثيرة متعدّدة ، ولو
لم يكن له مال يقولون : ليس له مال وملك ، وإن علموا أنّه قمّلة في غاية الكثرة ،
وكذلك خنافس بيته وذبابه وبقّه وبرغوثه وأمثال ذلك.
وصحّة السلب
علامة الحقيقة ، ولا شكّ في صحّة سلب المال والملك ، فضلا عن الأموال الكثيرة
والأملاك الوافرة ، ولا شكّ أنّ البيع هو نقل مال وملك إلى ملك الآخر ، فلو أعطى
مفلس قمّلة مفلسا آخر وأخذ عوضه وسخه أو برغوثه لا يقال : إنّهما متبايعان ، وأنّ للمشتري
خيار الحيوان وللبائع خيار تأخّر الثمن ، وأمثال ذلك ، وكذلك الحال في الخنافس
وغيرها.
وإنكار ما
ذكرنا مكابرة واضحة ، وإن كان لكلّ واحد من القمّل والذباب والبق منافع مذكورة في
موضعها مسلّمة ، لأنّ تلك المنافع ليست معتدّا بها ، والملك والمال لا يتحقّقان
إلّا إذا كان منفعة معتدّا بها ، فلذا ليست الأمور المذكورة ملكا ومالا بالحيازة ،
والتصرّف والتولّد في ملك الإنسان وجسده.
وأمّا مثل حبّة
الحنطة ، فهو أيضا ليس مالا وملكا وإن كان حقّا ، ولذا من
__________________
كان عنده عشرة حبّات أو عشرون حبّة لا يقولون عنده أموال كثيرة وأملاك
وافرة ، بل يقولون : ليس عنده أموال وأملاك ، بل ربّما يقولون : ليس عنده مال ،
ولا شكّ في صحّة سلب الماليّة بالنسبة إلى الحبّة الواحدة ، وهي أمارة المجاز وعدم
الحقيقة.
وكذلك حال عدم
التبادر ، إذ لو أطلق لفظ المال والملك لا يتبادر إلى الذهن حبّة الحنطة جزما ،
نعم يقال في حبّة الحنطة : أنّه حقّه وإنّه مستحقّه ، فيجوز أن يقال : له حقوق ،
ولذا يجوز أن يحلف من عنده الحبّة أن ليس لي مال وملك ، ولا يجوز أن يحلف : ليس لي
حق شرعي أو عرفي أيضا.
وورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا بيع إلّا في ملك » ، ويظهر من
الأخبار أنّ البيع نقل الملك ، فلاحظ.
والبيع هو نقل
المال والملك عرفا واتّفاقا ، ولذا لو أطلق لم يتبادر إلى الذهن إلّا نقل المال
والملك ، ولذا يقولون : بمجرّد البيع يملك المشتري المبيع والبائع الثمن ، ولو قال
المفلّس : بعت هذه القمّلة بتلك الحبّة أو بالعكس ، لم يكن له خيار الحيوان ولا
للمشتري ، ولا خيار تأخير الثمن وغير ذلك ، وكذا لو قال : بعت هذه الحبّة بتلك
الذرّة من تراب ملكك.
وبالجملة ، أهل
العرف يحملون مثل ما ذكر على السخرية والهزء ، وليس مثل ذلك متبادرا من لفظ البيع
والشراء على الإطلاق ، بل ويسلبون عنه اسم البيع والشراء الحقيقي.
وبالجملة ، لا
يقولون : إنّ تبديل مثل ذرّة من التراب وذرّة من الحشيش
__________________
والعلف والحطب وأمثال ذلك ، إنّه معاملة ومبايعة ، فتأمّل.
وممّا ذكرنا ،
ظهر ما في كلام الشارح والمحشّي الملّا عبد الله ، فإنّ الحكم
بصحّة البيع شرعا يحتاج إلى دليل شرعي ، لا عدم الصحّة ، لأنّه هو الأصل حتّى يثبت
خلافه ، كما حقّقنا.
وأمّا ما ذكره
الشارح من أنّه إسراف وسفاهة ، ففيه أنّه كذلك إذا أعطى مال كثير بإزائه بخلاف ما [
لو ] أعطي مثله وما يساويه ، فإنّه ليس كذلك ، فتأمّل.
ثمّ على تقدير
أن يكون مثل الحبّة مالا ، بل ومثل القمّلة أيضا ، دخول مثلهما في العمومات
الدالّة على صحّة البيع ، وكذا ما
يدلّ على أحكام
البيع من عدم الغرر ووجوب الإقباض والخيارات وغير ذلك ممّا أشرنا في الحاشية
السابقة إليه ، وكذا غيره من أحكام البيع والدعاوي فيه ، محلّ نظر ظاهر ، فتدبّر.
قوله
: ويدلّ عليه الاعتبار والأخبار ، مثل رواية جعفر بن حنّان .. إلى آخره .
لا دلالة
للاعتبار ، بل الاعتبار ربّما دلّ على خلافه ، لأنّ الوقف حقّ الأعقاب إلى آخر
الدنيا ، فكيف يجوز لهذه الطبقة بيعه بمجرّد الحاجة الشديدة؟! وأمّا الأخبار ، فلم
يرد سوى خبر واحد ، ومع ذلك لا تأمّل في ضعفه ،
__________________
ومع ذلك دلالته أيضا ضعيفة ، لأنّه يدلّ على أنّ البيع إذا كان خيرا لهم
باعوا إذا رضوا ، ومع ذلك ربّما يظهر منه كون الوقف على الطبقة الاولى لا على
أعقابهم أيضا ، وأنّه ينتقل إلى ورثتهم بعنوان الإرث ، فلاحظ وتأمّل.
قوله
: وصحيحة علي بن مهزيار وسيجيء .. إلى آخره
.
في دلالة الصحيحة
على صحّة بيع الوقف بالمعنى المعهود نظر لا يخفى على من لاحظها بتمامها ، فلا
فائدة فيها لما نحن فيه.
قوله
: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : « في رجل اشترى
جارية يطؤها ، فولدت له أولادا فمات
، قال : إن شاؤوا
باعوها في الدين الّذي يكون على مولاها من ثمنها ، وإن كان لها ولد .. » .. إلى
آخره .
الظاهر رجوع
ضمير « مات » إلى المولى ، بقرينة قوله عليهالسلام : « إن شاؤوا أن يبيعوها باعوها » بلفظ الجمع الظاهر في
كون المراد الورثة ، ولقوله عليهالسلام : « في الدين » وتخصيص البيع وتقييده به ، لأنّ بعد موت
الولد يجوز بيعها مطلقا ، ولقوله عليهالسلام : « يكون على مولاها » ، إذ لو كان الميّت هو الولد
يكون البائع هو الأب ، فالمناسب أن يقول : الدين الّذي عليه ، ولقوله عليهالسلام : « وإن كان لها ولد .. إلى آخره » ، فتأمّل.
__________________
فلعلّ ما في
نسخة الكليني والشيخ من زيادة قوله : « ولدها » بعد قوله : «
فمات » وهما من الناسخ أو أحد الرواة ، فتكون الرواية حسنة ، وإن كان الضعف منجبرا
بعمل الأصحاب ، فتأمّل جدّا.
قوله
: لإطلاق النصّ ، وما رأيت نصّا آخر ، وفي دلالة هذه الرواية على البيع بعد موت
الولد فقط [ أيضا تأمّل ظاهر ] .. إلى آخره
.
لعلّ مراده من
النصّ صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي إبراهيم عليهالسلام أنّه سأله : « لم باع أمير المؤمنين عليهالسلام أمّهات الأولاد؟ فقال : في فكاك رقابهنّ ، قال : أيّما رجل
اشترى جارية فأولدها ثمّ لم يؤدّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّى عنه أخذ ولدها
منها وبيعت وادّي ثمنها ، قلت : فيبعن في ما سوى ذلك من الدين؟ قال : لا » .
لكن الظاهر من
هذه الرواية أيضا موت المالك ، بقرينة قوله : « لم يدع » ، وقوله : « بيعت » ،
وقوله : « فيباع » ، وقوله : « لم باع أمير المؤمنين عليهالسلام ».
قوله
: ( ويجب القدرة على التسليم ) ، أي من الشرائط القدرة على تسليم العوضين .. إلى
آخره .
قال المحقّق
مولانا عبد الله التوني رحمهالله : المراد التسليم في الجملة ، أعم من الكلّ والبعض ،
لتصريحه بصحّة بيع الآبق منضما مع انتفاء القدرة على تسليم كلّ
__________________
المبيع حينئذ ، ولعلّ مستنده أنّ الغرض من البيع والشراء ـ وهو الانتفاع
بالثمن والمثمن ـ لا يتمّ إلّا بالقدرة على التسليم ، فتكون شرطا في الصحّة ، وفيه
تأمّل.
ولم أقف على
نصّ يدلّ على هذه القاعدة مع قيام احتمال الانتفاع بدون القدرة على التسليم
واحتمال صحّة البيع بدون القدرة على التسليم أصلا ، كما يصحّ بدون القدرة على
تسليم بعض المبيع فينبغي التوقّف. انتهى.
أقول : لا وجه
للتوقّف بعد ما ورد في أخبار كثيرة من أنّه لا بدّ من الضميمة ، معلّلا بأنّه إن
لم يحصل يكون رأس ماله فيها ، وهذا ينادي بأنّه لا بدّ من التسليم ، حتّى لا يكون
العوض خاليا عمّا هو بإزائه ، فكيف يتوقّف ، وكيف يقول : لم أقف على نصّ ، مع أنّه
وجّه الكلام بأنّ المراد التسليم في الجملة؟! على أنّا ذكرنا في بحث البيع الفضولي
ما يدلّ على ما ذكروه من الأخبار.
وأيضا ،
الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند الفقهاء ، لعموم ما دلّ على حجيّة الخبر
الواحد الشامل له من غير فرق وبدون تفاوت كما حقّق.
وأيضا ، لا شك
في أنّ الخبر الوارد عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه : نهى عن بيع الغرر من المسلّمة
عند جميع المسلمين ، والفقهاء اتّفقوا على الفتوى بمضمونه في كثير من مسائل الفقه
وبنوا عليه الأمر ، وصرّحوا بأنّ المراد من الغرر أن يكون مجهول الحصول ، أو مجهول
المقدار وهو الموافق للّغة والعرف.
__________________
مع أنّ المنع
عن الثاني يستلزم المنع عن الأوّل بطريق أولى.
وأيضا ، في
الغالب يكون البيع والشراء مع عدم القدرة على التسليم سفاهة ، بل لعلّه كذلك كلّيا
، فتأمّل.
وسيجيء ما
يؤيّد وما يشيّد ، فلاحظ.
قوله
: فلا يصحّ بيع الآبق منفردا ، ويصحّ
منضمّا إلى ما يصحّ
بيعه منفردا من مالك الآبق .. إلى آخره
.
قد ذكرنا في
مسألة بيع الفضولي ما يدلّ على هذا أيضا ، فلاحظ.
وأمّا السفاهة
، فربّما يرد عليها ما سيذكره الشارح في مسألة بيع الضالّة.
ثمّ نقول : إن
أراد القدرة على تسليم الكلّ ، فالتفريغ فاسد. وإن أراد التسليم في الجملة ولو بشيء
منه ، فهم لا يرضون بذلك في غير مثل الآبق. إلّا أن يراد من الصحّة الإثمار في
الجملة ، ففي مثل الآبق بالنسبة إلى الجميع ، وفي غيره فبالنسبة ، فتأمّل.
لكن يرد إشكال
آخر ، وهو : أنّه إن أريد العلم بالقدرة ، ففساده ظاهر ، سيّما بعد الحكم بصحّة
بيع مثل الطائر الّذي اعتاد العود ، وإن أريد الظنّ فربّما يحصل في كثير من الآبق
ظنّ قوي ، مثل ظنّ الطائر ، وربّما يكون أقوى في بعض الموارد.
فالحكم بعنوان
الكليّة في مثل الآبق محلّ نظر ، إلّا أن يقال : مراده المتعارف ، والمتعارف لا
يحصل فيه ظنّ ، فتأمّل.
ولا يخفى أنّ
الّذي يظهر ممّا ذكرنا في مسألة الفضولي ، ومن الخبرين
__________________
الواردين في الآبق ، ومن الأخبار الواردة في بيع قصب الآجام ، وبيع لبن
الضرع ، وبيع ثمر النخل ، وغيرها أنّ القدرة على التسليم الّتي شرط في الصحّة
ليست مجرّد الظنّ ، لحصول الظنّ بحصول القصب واللبن والثمر والآبق ، ولذا يعطى
الجعل في تحصيله ويشتريه المشتري.
وبالجملة ،
الآبق الذي يظنّ حصوله ليس من جملة الفروض النادرة ، والأفراد غير المتعارفة ، وإن
كان من الأفراد المتعارفة أيضا ما لا يظنّ حصوله ، فكلاهما متعارف وغير نادر
بالنسبة إلى أفراد الآبق وإن كان الآبق في نفسه ليس من المتعارف الشائع.
والمعصوم عليهالسلام حين سأل الراوي عن جواز شرائه منع مطلقا ، من غير
استفصال أنّه مظنون الحصول أم لا ، مع أنّ الظاهر كونه مظنون الحصول ، كما عرفت.
فظهر أنّه لا
بدّ من وثوق تام بالقدرة على التسليم ، لو لم نقل باشتراط العلم.
وما مرّ في
مسألة بيع الفضولي ـ أيضا ـ أنّه عليهالسلام قال : « لا بأس ببيع كلّ متاع تجده في الوقت الّذي بعته
فيه » ، وظاهره أيضا العلم أو الظنّ المتاخم ، ولا ينافي
__________________
ذلك قولهم : ( لا بأس ببيع الطائر إذا اعتيد .. إلى آخره ) ، لأنّ العادة
بمنزلة المتحقّق. إلى آخر ما سيذكره الشارح ، فتأمّل.
فظهر ممّا
ذكرنا أنّ الفقهاء أيضا لا يكتفون بالظنّ ، كيف وهم متّفقون على عدم صحّة بيع
الأمور المذكورة بغير الضميمة؟! بل والمشهور لا يجوّزون بالضميمة أيضا في غير
الآبق.
ومعلوم أنّ
حصول القصب في الآجام ، واللبن في الضرع مظنون بظنّ قوي غاية القوّة بمقتضي العادة
الإلهيّة ، بل من جملة الآبق أيضا من هو مظنون الحصول بظنّ في غاية القوّة ،
والمعصوم عليهالسلام لم يستفصل أصلا ، وكذا الحال في غير ما ذكرنا ، فتأمّل.
فإن قلت : لعلّ
المنع عن بيع الآجام من جهة عدم وجود المبيع ، ويكون المراد البيع حالّا.
قلت : لا نسلّم
ما ذكرت ، كيف والراوي سأل عن حكم شراء الأجمة مطلقا ، والإمام عليهالسلام ما استفصل في الجواب؟! فتأمّل.
قوله
: ورضاه بشراء ما يصحّ قبضه فقط .. إلى آخره
.
ليس هذا دليلا
لهم بلا شبهة ، للزوم صحّة بيع غير الآبق أيضا ممّا لا يقدر على تسليمه ، وهم لا
يقولون إلّا في الآبق ، لصحّة سنده ، ووقوع الوفاق.
قوله
: فكأنّه أقدم على أنّ ما دفعه في مقابلة المقدور .. إلى آخره
.
لا شك في أنّه
دفعه بإزاء المجموع ، فإن كان عهدة التسليم على البائع في
__________________
استحقاقه الثمن يرجع بما يقابل غير المقدور ، وهو رحمهالله سيصرّح في مسألة الضالّة بالرجوع ، ورواية سماعة لا تصلح
للخروج بها عن القاعدة الثابتة ، والصحيحة أيضا لا تصلح ، لعدم ظهور الدلالة.
نعم ، يمكن أن
يقال : إنّه أقدم على أن يكون الثمن في مقابل المجموع ، ويكون غير المقدور أيضا
ملكه ، ومجموع الثمن للبائع ، والمعاقدة والمعاهدة والمشارطة وقعت على هذا فيجب
عليه الوفاء ، فكيف يقول : ردّ عليّ ما بإزاء غير المقدور الذي هو ملكي؟ ولا شكّ
في كونه قبل ملكه ولم يتحقّق ما يخرجه عن ملكه ، ولا في أنّه في أيّ وقت حصل يكون
ملكه ، وقبل الحصول والتمكّن منه يمكنه العتق وأمثاله من التصرّفات.
فإن قلت : سيجيء
أنّ كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ، وهذا يقتضي أن يكون عهدة التسليم على
البائع في خروجه عن الضمان.
قلت : لم
يتحقّق هنا تلف ، فإن كان عدم التمكّن منه تلفا فالمبيع كان تالفا من أصله ،
فالمعاملة باطلة من أوّلها ، لوقوعها على التالف ، وإلّا فلا يتحقّق التلف حتّى
يثبت الهلاك ، فظهر أنّ رواية سماعة موافقة للقاعدة ، وكذا الصحيحة ، لظهورها في
عدم الرجوع على البائع مطلقا ، ومخالفة القاعدة لم يكن سوى الغرر ، ولا ضرر له في
المقام ، للصحيح واتّفاق الأصحاب.
وأمّا السفاهة
، فغير متحقّقة في المقام كما عرفت ، مع أنّها إن تحقّقت لزم فساد المعاملة من
أصلها ، لما عرفت.
قوله
: ولما في رواية سماعة المتقدّمة ، ولا يضرّ ضعفها ، فتأمّل. والظاهر أن
__________________
لا
يقاس على الآبق الضالّة من البعير .. إلى آخره
.
اعلم أنّ بيع
الضالّة عند الفقهاء صحيح البتّة ، إمّا مطلقا أو على طريقة بيع الآبق.
وجه الأوّل ،
أنّ الضرر ليس إلّا من جهة الغرر ، وهو مجهوليّة الحصول ، لعدم القدرة عليه ،
والضالّة بحسب العادة مقدور عليها ، وبحسب الغالب الشائع المتعارف يجدها ويأخذها
بعد التفتيش والتجسّس البالغ ، وعدم المسامحة والمساهلة ، بل من هذه الجهة أولى من
الطير المعتاد الرجوع في حكاية القدرة على التسليم وظهور الحصول .
ولو سلّم عدم
الأولويّة ، فليس بأضعف منه ، وعلى فرض تسليم الأضعفيّة فليست إلى حدّ يدخل به في
مجهول الحصول كالآبق ، لأنّ له شعورا وتدبّرا وحيلة في إخفاء نفسه وإخراجها عن أن يتمكّن منه ويتسلّط
عليه ، ولذا ـ بحسب العادة ـ ليس بمقدور التسليم.
ووجه الثاني ،
أنّها غير مقدور التسليم حين الضلال ، وغير معلوم الحصول بعده ، فهو مثل الآبق ،
وإن كان القدرة على التسليم فيه أزيد وظنّ الحصول أقوى ، فإذا حكم الشارع في الآبق
بما حكم يكون ذلك الحكم فيها بطريق أولى.
ولو لم تكن هذه
الأولويّة لحكمنا فيها ببطلان البيع ، لعدم القدرة على التسليم وحصول الغرر ، ولذا
لم نقل بالصحّة في غير الآبق والضّالة ممّا هو مجهول الحصول.
واحتمل الشارح
البطلان بناء على عدم الأولويّة أيضا ، وفيه ما فيه ، فتأمّل.
__________________
قوله
: ومن هذا علم أنّ الدليل في الأوّل هو النصّ والإجماع .. إلى آخره .
يظهر من هذا
أنّ القدرة على التسليم ليست شرطا ، وفيه ما فيه ، مع أنّه سيذكر في بحث النقد
والنسيئة ما يظهر منه أنّه جعل نفس التسليم داخلا في ماهيّة البيع وشرطا لتحقّق
الانتقال ، وأنّ البائع لا يرضى بالانتقال إلّا بشرط التسليم ، وما أبعد ما بين ما
يذكر هنا وهناك ، فتأمّل.
مع أنّه يظهر
من كلامه أنّ الغرر مضرّ ، وأنّه غير متحقّق في بيع الآبق مطلقا ، وفيه ما فيه.
وأيضا ،
الضالّة ليست على نهج واحد ، منها ما لا غرر ولا سفاهة في بيعها أصلا ، والقدرة
على التسليم فيها مظنونة بالظنّ القوي غاية القوّة ، بل وأولى من الطير المعتاد.
ومنها ، ما
ليست كذلك ، بل حصولها غير مظنون على نحو الآبق ، وربّما يكون حصولها في غاية
البعد ، ففيها السفاهة ، ولا ينفع الرجوع بالثمن ، لأن مرجع السفاهة إلى العقلاء ،
فربّما يعدّون الفعل سفاهة لعدم غرض معتدّ به عندهم ، وربّما لا يتأتّى الرجوع أو
لا يحصل من البائع شيء ، فيتحقّق فيه الغرر أيضا ، فتأمّل.
وأيضا ، إذا
كان البيع صحيحا يكون لازما ، للأصل والعمومات ، فالحكم بالرجوع إلى الثمن يتوقّف
على دليل ولو لم يكن فلا رجوع ، بمقتضى الأصل والعمومات ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ معلوميّة العوض ] عند المتبايعين .. إلى آخره
.
وأمّا التعيين
بحسب الواقع ، فلا شكّ في اعتباره ، لاستحالة الانتقال بدونه ،
__________________
ومعلوم أنّ بمجرّد العقد ينتقل العوضان إلى ملك الآخر .
قوله
: ليرتفع الجهل الموجب للغرر والسفه .. إلى آخره
.
ولو ورد النهي
عن المعاملة الّتي تكون معرضا للنزاع ، والاختلاف في مواضع غير عديدة ، مثل :
السلف ، وبيع الثمر ، والدينار غير الدرهم ، وبغير بعض من الشروط الآتية ، وغير
ذلك ، فليتتبّع وليتأمّل.
مع أنّه يظهر
من العلّة المنصوصة وفي بعضها العموم ، فلاحظ!
قوله
: ولكن تأويلها مشكل ، وكذا ردّها ، فيمكن أن يكون حكما في قضيّة ولا يتعدّى ..
إلى آخره .
ربّما يظهر من
الرواية أنّ البائع ما كان راضيا بأيّ ثمن يختاره المشتري ،
ولذا ردّ الألف وأخذه المشتري ساكتا عليه ، ورجع إلى ما قال المعصوم عليهالسلام ، وما نازعه أصلا ، وأيّ عاقل يجوّز أنّ البائع كان
راضيا بأيّ شيء يعطي المشتري ولو مثل درهم أو أدون منه؟! بل الظاهر أنّه كان
راضيا بالمتعارف وما قاربه من القيمة ، بعد ما عرفت أنّ رفاعة نخّاس والنخّاس يعرف
المتعارف وما قاربه ، ولعلّ مثل هذا متعارف في زماننا أيضا ، بأنّ البائعين إذا
رأوا المشتري عارفا ماهرا يقولون : أيّ شيء تعطي ، يكون مقصودهم أنّك عارف
بالقيمة ، وماهر ، فلا يحتاج إلى أن نعيّن الثمن
__________________
لك.
لكن المتعارف
أيضا أنّ في قيمة أمثال ذلك ربّما يكون تفاوت ما ، بالقياس إلى معتقد البائع
والمشتري ، وأنّ البائع من طمعه الزيادة وميل قلبه إليها يعتقد زيادة عمّا يعتقده
المشتري ، كما أنّ المشتري من طمعه النقص وميل قلبه إليه يعتقد أنقص.
ولعلّه متعارف
أيضا أنّهم ربّما يسامحون في هذا القدر من التفاوت بعد ما حصل لهم الرغبة في
المبيع أو في الثمن ، فلعلّ البائع لمّا وكل الثمن إلى حكم المشتري العارف الماهر
وقال : أيّ شيء تعطي مع أنّك تعرف القيمة ، ورأى المشتري أيضا قبل هذا المعنى من
غير مضايقة ولا مماكسة رضي بما قبله ، من حيث أنّه وجده راغبا وساكتا وقابلا
وراضيا ، فباعتقاده أنّه يعطي ما طمعه وتوقّعه ، ويسامح بما به التفاوت المذكور ،
من حيث أنّه ما ضائق أصلا ، ويعرف أنّ معتقد البائع والمشتري لا يكاد يتّفقان في
قدر معيّن مشخّص بحيث لا يزيد ولا ينقص أصلا ، فظنّ أنّه يعطي ما طمعه وتوقّع منه
في صورة وكول الأمر إليه ، كما هو دأب أرباب السماحة ، من أنّه لو وكل الأمر إليهم
لا ينقصون عن المتوقّع ، بل وربّما يزيدون أيضا ، سيّما إذا كانوا راغبين ، والآن
في أمثال زماننا نشاهد أمثال ما ذكرنا.
فلهذا قال
المعصوم عليهالسلام ما قال ، وما قال : إنّك إن أعطيت
الزائد فهو الثمن الّذي عيّنت ورضيت ، وإلّا فلا تنقص عن القيمة السوقية ، للعلم
بأنّ البائع ما كان راضيا بأنقص من ذلك وأنّ القيمة السوقيّة ، إذا تحقّقت وتعيّنت
وظهرت على حسب الواقع يكون راضيا أيضا ، لا علاج بعد ما ضايقت وما أعطيت ما طمع
وتوقّع ، فتأمّل.
__________________
والحاصل ، أنّ
المتعارف في المبايعة الّتي فيها هذه المسامحة أنّ كلّ واحد من البائع والمشتري
راض بالقيمة العادلة إذا تحقّقت وثبتت ، فالثمن معيّن واقعا ، وإذا كان في معتقد
كلّ منهما أنّه كذا ، ويكون بينهما مخالفة تكون المخالفة قليلة ، لعلّها ممّا
يتسامح به في مثل هذه المعاملة إذا كان الطرفان من أهل الخبرة ، فلا يكون غرر
وسفاهة أيضا ، والبائع متوقّع ، فإذا حصل توقّعه تعيّن ، فتأمّل.
قوله
: ما رأيت له دليلا صالحا ، وأدلّ ما رأيته حسنة الحلبي في « الكافي » عن أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى آخره
.
يمكن أن يقال :
إذا كان بناء المعاملة في شيء على الكيل أو الوزن أو العدد ، يكون بغير الكيل أو
الوزن أو العدّ عند المتعاملين غير معلوم القدر ، ويقولون : لا نعلم قدره ، أو
تخمينا قدره كذا ، إذا خمّنوا كذا ، فيكون بيعه كذا غررا منهيّا عنه ، لما عرفت من
أنّ الغرر هو مجهول الحصول أو مجهول المقدار.
وبالجملة ، إذا
كان شيء يتفاوت مقداره زيادة ونقيصة ، ويتفاوت الثمن بتفاوت ذلك المقدار ، ونسبة
الثمن بنسبة ذلك المقدار عند المتعاملين.
ولذا صار
المقدار في الأقطار والديار على اعتبار الكيل أو الوزن أو العدّ عند العقلاء وأهل
الخبرة ، بل وعامّة المعاملين.
فلا بدّ أن
يكون مقدار الثمن ومقدار المثمن معلومين حتّى لا يلزم الغرر ، بخلاف مثل الفرس
والجارية ، فإنّ تفاوت الثمن ليس بتفاوت وزنهما ، بل بأمر آخر ، وسيجيء في كتاب
الإجارة زيادة توضيح منّا.
__________________
قوله
: وهي مرويّة فيه بطريق آخر صحيح من غير وقوع مشترك فيه ،
مثل ابن مسكان وغيره ، وبقي في المتن شيء ، لأنّه يدلّ بظاهره على
عدم الاعتبار [ بخبر البائع بالكيل ] .. إلى آخره
.
لا تأمّل في
سندها ، أمّا المتن فالظاهر منه الفساد ، لأنّ الصلاح مقابل له ، مع أنّ الظاهر من
سؤال السائل : أنّه فاسد أم لا؟ فهو أيضا قرينة ، وفهم الفقهاء أيضا مؤيّد ، وكذا
ما سيجيء من الأخبار عند قول المصنّف : ( ولو تعذّر العدّ ) وفي هذا
العنوان.
قوله
: لاحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عامّا .. إلى آخره
.
هذا الاحتمال
هو مقتضى ظاهر الحسنة المذكورة ، وما أشرنا إليه من حكاية الغرر.
نعم ، مقتضى
إشعار روايتي الحلبي الآتيتين ، والروايات الّتي ستذكر في بحث تعذّر العدّ ، كون
العبرة بالمكيل والموزون في زمان صدور هذه الروايات وعهده ، فتأمّل.
ويمكن الحمل
بأنّه بناء على أنّه سمّي فيه الكيل والوزن في ذلك الزمان ، لا من حيث أنّ اللفظ
لا بدّ أن ينصرف إلى المعهود في اصطلاح الشارع الّذي صدر
__________________
الروايات عنه ، فتأمّل.
لكن لا تفاوت
بحسب الثمرة ، لأنّ ما ثبت فيه الكيل أو الوزن في زمانه عليهالسلام مكيل وموزون في البلدان الآن وفي الأزمنة السابقة أيضا
إلى زمانه ، كما هو الظاهر ، ولأصالة الاستصحاب ، مع أنّه في هذه الأزمان كذلك على
أيّ تقدير.
نعم ، المكيل
في زمانه عليهالسلام وبلده في بعض البلدان صار موزونا ، ولا ضرر فيه أصلا ،
كما ستعرف.
قوله
: وأيضا قالوا : لا بدّ من البيع بالكيل المشهور .. إلى آخره
.
لفظ الكيل
والوزن الوارد في الأخبار الظاهرة في اعتبارهما ينصرف إلى المتعارف ، وهو المشهور
المعروف.
نعم ، ربّما
كان منه غالب ومنه نادر ، فالإطلاق ينصرف إلى الغالب ، كما لو قال لوكيله : اشتر
منّا ـ مثلا ـ من كذا ، لأنّ الإطلاق ينصرف إليه ، ولو قال : بأيّ منّ ، يكون يشمل
غير الغالب أيضا ، لا الّذي ليس منّا لهم أصلا ولا معروفا مطلقا ، وهو الّذي ذكره
الشارح بعبارة ( غير المشهور ) ، إذ لا شبهة في عدم اعتباره أصلا بعد ثبوت اعتبار
الكيل والوزن.
قوله
: فإنّه لا يقاوم الأدلّة العامّة الكثيرة الدالّة [ على وجوب الإيفاء بالعقود ]
.
لا يخفى أنّه
غرر بلا شبهة ، والنهي عنه إجماعيّ منصوص.
قوله
: لا يصلح إلّا مدّ واحد .. إلى آخره
.
ربّما يشعر هذا
بأنّ تعدّد المدّ ـ مثلا ـ ربّما يوجب الغرر والضرر ، لأنّه في
__________________
معرضة ، فيكون ما ذكره عليهالسلام سرى لما حكم به من عدم الحلّية ، لا أنّه لا يحلّ في
صورة التدليس خاصّة ، فتأمّل.
ومع ذلك ، لا
يوجب هذا تقييدا في حسنة الحلبي أيضا ، ففي الحسنة دلالة على المنع في صورة الجزاف
أيضا ، لأنّه إذا قيل : لا تبع بغير صاع البلد ، وقيل أيضا : إذا بعت بالصاع ، فلا
يكون إلّا بصاع البلد ، لأنّ المفهوم من الصاع هو صاع البلد فلا تعط إلّا به ولا
تدلّس ، كيف يكون بينهما تعارض الدلالة على المنع في صورة الجزاف ؟ لأنّه إذا لم
يكن مانع من الجزاف ، ولا يكون الكيل والوزن شرطا للجواز فلا مانع من اشتراط الصاع
المشاهد الّذي ليس بصاع المصر ، ففي رواية الحلبي أيضا شهادة.
وسيجيء في
مسألة تعذّر العدّ والكيل والوزن ما يدلّ أيضا ، ويعترف الشارح بالدلالة .
قوله
: والظاهر عدم دليل على عدم جواز بيعه إلّا عدّا .. إلى آخره
.
سيعترف بالدليل
في مسألة تعذّر العدّ ، فلاحظ.
قوله
: ويفتقر ما يراد منه الطعم أو الريح [ إلى اختباره ] .. إلى آخره .
قال المحقّق
مولانا عبد الله التوني رحمهالله : يدلّ عليه ما رواه محمّد بن العيص قال : « سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن رجل يشتري ما يذاق ، أيذوقه قبل أن يشتري؟ قال : نعم
، فليذقه ولا يذوقنّ ما لا يشتري » . رواه الشيخ في
__________________
الزيادات من « التهذيب » .
أقول : وجه
الدلالة أنّه عليهالسلام أمر بالذوق بعنوان التأكيد بعد تجويزه بقوله : « نعم ».
ويؤيّد الدلالة
كونه جوابا لقول الراوي في سؤاله : « يشتري ما يذاق » ، إذ الظاهر منه تعارف شرائه
بالذوق ، فإنّه عليهالسلام فرّع جوابه ـ المؤكّد على السؤال المذكور ـ بكلمة : «
فاء » ، حيث قال : « فليذقه » ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ يعني يفتقر ] لزوم البيع فيما المطلوب منه الطعم ويختلف طعمه إلى اختباره
بطعمه .. إلى آخره .
إذا كان
المقصود من المبايعة حصول الطعم أو الرائحة ، فلا بدّ من الاختبار حتّى يرتفع
الغرر والجهالة.
نعم ، لو أمكن
وصف ما هو المقصود ، وتحقّق خيار ـ على قياس ما مرّ في اشتراط الكيل والوزن أنّ
البائع لو أخبر بها جاز ـ وكذا لو كان المقصود هو الفرد الصحيح الّذي هو الأصل
ووقع المبايعة على ذلك الأصل.
ولا يلزم من
الّذي ذكر أن يكون الاختبار مستحبّا أو ملزما مطلقا ، إذ كثيرا ما لا يمكن الضبط
بالوصف بحيث يرتفع به الجهالة ليحصل التعيّن ويحصل [ ما ] يرتفع به النزاع ، إذ ربّما لا يمكن الضبط
، وربّما أمكن لكن لا يرتفع الغرر والنزاع والضرر بالرجوع إلى أهل العرف بعد حصول
ذلك منه كما هو المشاهد ، وربّما أمكن لكن لم يرتفع الوصف الرافع ، ولم يكن أيضا
أصل له بحيث يحصل المقصود ، كما هو الحال في كثير ، وربّما كان له أصل لو بنى
المعاملة لصحّت ، لكن لم
__________________
تبن عليها ، بأن وقع التصريح عندها بعدم البناء ، أو ظهر من القرائن ،
فتأمّل جدّا.
قوله
: [ تخيّر بين الردّ وإعادة الثمن ] ، والإمساك وأخذ الأرش ، كما هو المقرّر في
سائر المعيبات .. إلى آخره .
قيل : ما وقفت
على رواية على هذا التخيير إذا خرج المبيع معيبا ، بل ظاهر بعض الروايات في العيب
أنّ الحكم الردّ مع عدم التصرّف والأرش معه ، وقد مرّ رواية عمر بن حنظلة الدالّة
على تخيير المشتري إذا خرج المبيع ناقصا .
انتهى.
قاله مولانا
ملّا عبد الله رحمهالله.
أقول : الدليل
عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، فإنّه يقتضي وجوب الوفاء بالأبعاض أيضا ، فيجب أن
يعطي ما تحقّق وعوض ما لم يتحقّق ، ويؤيّده روايتا : « الميسور لا يسقط بالمعسور »
، و « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » المرويّتان عن علي عليهالسلام ، فتأمّل.
وأمّا اختيار
الردّ فظاهر ، لعدم وفاء البائع بتمام ما باعه ، وسيجيء التحقيق في ذلك.
قوله
: وفيه تأمّل ، إذ لا يعلم .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه رحمهالله علّل بأنّ المانع هو الجهل والغرر ، فإذا تراضيا على
المجهول
__________________
كيف يصحّ المعاملة؟! لأنّ اشتراط العلم والمنع عن الغرر من طرف الشارع ، فلا
ينفع تراضيهما أصلا ولو كانا في غاية الرضا ونهاية الشوق وشدّة الامتثال مع تساوي
القيمة ، بل والرغبة أيضا ، بل وسائر الصفات ، مثلا : إذا كان رطل من دبس التمر
بدرهم ورطل من دبس العنب أيضا بدرهم ، والدبسان متّحدا الأوصاف ، واتّحد الرغبة
أيضا ، وعلم كلّ واحد من الطرفين بتحقّق الدبسين الموصوفين ، وأوقعا المعاملة على
رطل متردّد بينهما بدرهم من دون تعيين أحدهما لعدم التفاوت عندهما في الرغبة وعدم
التفاوت في القيمة. أيضا لا ينفع ما ذكر للخروج عن الجهل والتصحيح ، لتحقّق المانع
الشرعي ـ وهو الجهل والغرر ونهي النبي صلىاللهعليهوآله عنه مطلقا ـ وإن كان الطرفان في غاية الشوق.
والطبيعة
الكلّية وإن كانت معلومة من حيث الطبيعة الكليّة ، ومتعيّنة من هذه الحيثيّة ،
إلّا أنّها غير متعيّنة بالنظر إلى تحقّقها في ضمن الفرد في الخارج ، وهي إنّما
تصير مبيعا وثمنا باعتبار تحقّقها في الفرد الخارجي.
ومعلوم أنّ
الجريب الواقع في شرقي الأرض غير الجريب الواقع في غربيّها ـ مثلا ـ كما أنّ الدبس
التمري غير الدبس العنبي ـ مثلا ـ خرج متماثل الأجزاء بدليل ، وهو الإجماع ، وأنّ
رطلين منها ـ مثلا ـ من جهة التماثل والاتّحاد من جميع الوجوه لم يكونا عند العرف
والمعاملين والعقلاء الماهرين شيئين متغايرين بحيث يكون التردّد بينهما غررا عندهم
وجهلا ، ومرجع الغرر إلى العرف كما عرفت ، ولا هكذا مختلف الأجزاء وغير متماثلها ،
فيبقى تحت عموم المنع ، فتأمّل.
فإن قلت : إذا
جعل رطل مشخّص من المتماثل ـ مثلا ـ مبيعا لا بدّ أن يكون متعيّنا ، وإلّا يكون
البيع باطلا ، فلو كان خصوصيّة شخصها غير داخل في الغرر
__________________
أصلا ، فلم يكون البيع باطلا؟.
قلت : لمّا وقع
البيع على الشخص المخصوص لا بدّ أن يكون متعيّنا ، إذ البيع سبب لنقل المبيع من
حينه إلى المشتري ، وغير المتعيّن محال انتقاله ، وانتقال الكلّي المتماثل من جهة
تعيّنه ، إذ يصير الكلّي مبيعا ودينا وغير ذلك جزما ، فالكلّي ينتقل إلى ذمّة شخص
إذا كان متماثلا ، بخلاف الشخصي.
وأيضا إذا
أوقعا العقد على الشخص فلا جرم يكون خصوصيّة التشخّص مطلوبة في ذلك العقد ، فلو لم
يعيّنا لزم الغرر والجهل ، بخلاف ما إذا لم يجعلا الخصوصية داخلة ، فتأمّل.
قوله
: فكيف يكفي المشاهدة؟ إلّا أن يقال : المراد به ـ هنا ـ المخيط .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
الغرر المنهي هو أن يرجع فيه إلى أهل العرف ، وهو الّذي يكون مجهول الحصول أو
المقدار عندهم ، وهو المقدار الّذي يكون بناء تفاوت القيمة أو الرغبة في المعاملة
عليه ، كالحنطة والسمن وأمثالهما ممّا يكال أو يوزن ، فإنّ بناء تفاوت الثمن على
الكيل أو الوزن ـ مثلا ـ عليه جزما وعلى تفاوت الأوصاف ـ أي الأنواع ـ بل الأصناف
أيضا في الموضع الّذي يكون البناء عليه أيضا ، وهو الأغلب. وأمّا تفاوت الرغبة فهو
اعتباري بحسب اعتبار المعاملين.
إذا عرفت هذا ،
فنقول : الحيوان ـ مثلا ـ لا غرر في الجهل بمقدار وزنه كالفرس ، وأمّا مثل الغنم ـ
ممّا يكون المطلوب فيه مقدار اللحم وزنا ـ فرفع الغرر فيه إنّما هو بالتخمين.
وأمّا إذا لم يكن المطلوب فيه مقدار اللحم ، فإن كان المطلوب فيه المساحة ـ كالفيل
عند أهل الهند ـ فرفع الغرر بالمساحة ، وإن لم يكن
__________________
المطلوب المساحة أيضا فيرفع بالأوصاف.
وأمّا الثوب
المخيط ، فالمطلوب ـ غالبا ـ ليس الذرع ، فإن كان مطلوب المعاملين الذرع فلا بدّ
من الذرع بحسب ما هو المطلوب. وأمّا غير المخيط ، فالغالب منه يكون المطلوب الذرع
، وتفاوت القيمة بنسبته ، كالحنطة بالنسبة إلى الكيل أو الوزن ، لكن في كثير من الثياب
الغير المخيطة المطلوب القماش ، وكونه طاقة من غير ملاحظة الذرع ، ولعلّ نظر
المشهور إلى أنّ الثوب من حيث هو هو لمّا لم يكن الذرع هو المطلوب بحيث يكون تفاوت
القيمة عليه جزما والبتّة ، حتّى يكون الجهل فيه غررا منهيّا عنه قالوا بكفاية
المشاهدة ، أو يكون المطلوب فيه الذرع بالمقدار الذي يحصل بالتخمين أيضا ، مثل ما
قلنا في الغنم.
وأمّا إذا كان
مقصود المعاملين الذرع الواقعي ويكون تفاوت القيمة عليه عندهم البتّة ، فالغرر لا
يندفع إلّا بالذرع ، ولعلّهم نقلوا الإجماع أيضا.
قوله
: [ ثبوت الخيار للمشتري ] إذا لم يكن المبيع بالوصف الّذي اشترى به هو المشهور
بينهم .. إلى آخره .
قال بعض
المحشّين : ويدلّ عليه صحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « سألته عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها
فلمّا آن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال فلم يقله ،
فقال عليهالسلام : لو أنّه قلّب منها أو نظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثمّ
بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية ».
روى الشيخ ذلك
في آخر باب عقود البيع من « التهذيب » ، لكنّها واردة
__________________
في خيار المشتري ، إلّا حملها على التغيّر غير بعيد. انتهى كلامه رحمهالله.
وبل متعيّن
بملاحظة الفتاوي ، بل الإجماع ، ويدلّ عليه ـ أيضا ـ ما ذكرناه فيما لو خرج معيبا
من عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) بالتقريب الّذي عرفت ، فما ذكره من
أنّ ( مقتضى القاعدة بطلانه ) فيه ما فيه.
قوله
: وحينئذ ينقلب مدّعيا والبائع منكرا [ فالقول قوله ] .. إلى آخره .
لا يخفى فساد
ما ذكره من الفرق بين الشخصي والكلّي ، وأنّ الحال فيها واحد من دون تفاوت أصلا.
وأيضا ، ظاهر
عبارة المصنّف كون البيع شخصيّا خاصّة ، لأنّه الّذي يظهر كون مبيعه بغير الوصف
المذكور ، فلا وجه لذكره في المقام ، إلّا أن يكون مراده ذكر ما لا أصل له أيضا
استطرادا.
وأيضا ، ظاهر
عبارة الشارح أنّ المشتري مدّع شرطا والبائع ينكره ، ولا تأمّل ـ حينئذ ـ في كون
المشتري مدّعيا ، فيقدّم قول البائع.
ولا شبهة في
أنّه غير ما ذكره المصنّف ، لأنّ الّذي ذكره هو أنّ البيع صار بعنوان الوصف الرافع
للجهالة لا المشاهدة ، فإن ظهر كون المبيع بغير ذلك الوصف ثبت الخيار ، وإن لم
يظهر لكن اختلفا فيه ، بأن ادّعى البائع كونه بذلك الوصف وأنكره المشتري قدّم قوله
، لكونه المنكر ، فإن أثبت البائع فهو ، وإلّا يتوجّه على المشتري الحلف ، فإن كان
شخصا بطل البيع.
ففي الحقيقة ،
يرجع إلى ادّعاء البائع اشتغال ذمّة المشتري بحقّ البائع ـ أي
__________________
الثمن ـ والمشتري ينكره ، كما لا يخفى.
والظاهر أنّه
يرجع ما ذكر إلى ما ذكرنا ، فتدبّر .
قول
المصنّف رحمهالله : ولو تعذّر العدّ ..
إلى آخره .
لعلّ المراد
التعذّر آن العقد وحينه ، والمتعارف أنّهم يقولون : لا نقدر ولا نستطيع ، ومرادهم
: الآن ، ونظره ـ حينئذ ـ في هذه الفتوى إلى الصحيحة الآتية ، ولذا عبّر كذلك.
وهل التعذّر
شرط بناء على أنّ الأدلّة اقتضت الكيل والوزن والعدّ ـ خرج هذه الصورة بالدليل
وبقي الباقي ـ أم لا؟ لأنّ غاية ما ثبت من الأدلّة تحقّق كيل أو وزن أو عدّ يظهر
به المقدار ويخرج عن الغرر.
وهذا المعنى
متحقّق هنا ، لعدم التفاوت بين التفاوت القليل الّذي يحصل في الموازين والّذي يحصل
هنا ، ولإطلاق الروايتين الأخيرتين ، وكون القيد في الصحيحة في سؤال
الراوي. ولعلّ الثاني أقوى.
قوله
: وليست بصريحة ، بل ظاهرة ، مع عدم الصحّة ، إلّا الأولى
.
الظهور يكفي في
الأدلّة الشرعيّة من الآيات والأخبار ، ولا يشترط الصراحة ، ولعلّ الضعف منجبر
بالشهرة.
__________________
ثمّ الصحيحة ظاهرة في
التعذّر العرفي ، والثانية في تعسّر ما ، والثالثة في عدم اعتبار
التعذّر ولا التعسّر ، ولعلّ عدم القول بالفصل يقتضي اتّحاد الحال في الكلّ ، وأنّ
العدّ والوزن والكيل على حدّ سواء ، فتأمّل.
ويمكن حمل
الثالثة ـ أيضا ـ على تعسّر ما ، لأنّ المتعارف عدم ارتكاب أمثال ذلك إلّا لتعسّر
، ولو كان قليلا ، فتأمّل.
قوله
: الظاهر عدم الفرق ، فإنّ ما جزؤه مجهول مطلقا [ فهو مجهول ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
المجهوليّة لا تضرّ إلّا من جهة الغرر ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع الغرر ، لا عن المجهول. نعم ، الغرر لا يتحقّق إلّا من جهل
البتّة ، إذ لو لم يكن جهل أصلا فلا معنى للقول بأنّه مغرور.
وأيضا ، الجاهل
ـ من حيث هو هو ـ لا يصير مكلّفا ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن الغرر ، فيكون مكلّفا بترك المعاملة الّتي تكون
معرضا للغرر ، والمعرض له إمّا مجهوليّة أصل العوض أو قدره ، أو حصولهما لكن لا
مطلقا ، بل بحيث يعدّ في العرف وعند أهل الخبرة غررا ، ولذا لا عبرة بتفاوت
المكاييل والموازين وأشباهها.
وممّا لا عبرة
به جهل ما ليس مقصودا بالذات في المعاملة ، مثل : عروق الأشجار وأصول الأساطين
وأمثالهما ، إذ لا شك في المجهوليّة وعدم العبرة بجهله
__________________
عند جميع أهل العرف وأهل الخبرة منهم ، فلا يمكن أن يقال : إنّ الجهل
المذكور يوجب الغرر ، بل ذلك من البديهيّات.
فكيف يمكن دعوى
عدم الفرق الّذي ذكره؟! وكيف يخفى الفرق على متأمّل ، فضلا عن دعوى ظهور عدمه؟!
والله يعلم.
قوله
: وفيه تأمّل ، إلّا أن يريد [ جعله شرطا خارجا عن المبيع ] .. إلى آخره
.
فيه ، ما سنذكر
في بيع الثمر قبل ظهوره فلاحظ! ولمّا كان جهل مثله غير مضرّ ، فلا مانع من اشتراطه
أصلا ، فكونه جزءا أو خارجا شرطا صريحا أو لازم العقد ، لا ضرر فيه أصلا.
قوله
: وقد جوّزوا بيعه مع مشاهدة الفأرة في المسك من دون مشاهدته وشمّه ، ولعلّه
لإجماع أو نصّ .. إلى آخره .
الظاهر أنّ
الحكم بالصحّة بناء على أصل السلامة ـ كما أشار إليه في « شرح الشرائع » ـ وهو ظاهر أيضا ، وأنّ السلامة كافية للصحّة ، لعدم
الغرر وفقدان الجهل بالنسبة إلى ما هو سالم ، ولا يشترط أزيد من هذا إذا وقع
التراضي عليه ، وكذا لا سفاهة إذا كان كذلك .
نعم ، لو أريد
نوعا خاصّا من المسك فهو أمر آخر ، ولا بدّ من الاختبار حينئذ ، لتحقّق ما به
التراضي ، فتأمّل.
__________________
قوله
: وكذا لا يجوز النقيصة إلّا بالمراضاة ، فتأمّل .. إلى آخره
.
وذلك لأنّ جواز
الإندار إذا كان للمشتري خاصّة ، يكون على سبيل القهر ، من دون توقّف على التراضي
، كما هو مقتضى عباراتهم ، يعني عبارة كلّ من يقول هنا ولا يجوّز له الزيادة إلّا
برضا البائع أو إلّا بالمرضاة ، أو يضمّ إلى ذلك ( قوله : وكذا لا يجوز النقيصة ..
إلى آخره ) ، ومن جملتهم الشارح المورد ومن شاركه في هذا الإيراد ، ومثل المحقّق
الشيخ علي .
فلا شكّ أنّ
جواز الإندار بالنقيصة للمشتري لا يكون موقوفا على التراضي ، لأنّ القدر الذي
يحتمل الزيادة والنقيصة أزيد من قدر النقيصة قطعا ، فلا معنى لأن يكون للمشتري
إندار القدر الزائد عن قدر النقيصة من دون توقّف على رضا البائع أصلا ، ولا يكون
إندار ما هو أقلّ منه وأنقص منه إلّا برضا البائع ، مع أنّ معنى جواز الإندار أنّه
يجوز عدم الإندار أيضا كلّا أو بعضا ، فالنقيصة مذكورة ضمنا والتزاما.
فإن قلت : لعلّ
المورد لا يخصّص الإندار القهري ـ الّذي هو ما يحتمل الزيادة والنقيصة ـ بخصوص
المشتري ، بل يجعله مشتركا بينه وبين البائع.
قلت : على هذا
لا يستقيم قوله : ( ولا يجوز له إندار الزيادة إلّا برضا البائع ) ، وكذا قوله :
( ولا يجوز النقيصة إلّا بالمراضاة ) ، لأنّه إن جعل الإندار لهما معا فلا يستقيم إطلاق
الكلامين معا ، بل لا بدّ أن يقول : الإندار إن وقع من المشتري فقط ففي الزيادة
يتوقّف على رضا البائع فقط ، وإن كان من البائع فلا
__________________
يتوقّف على رضا المشتري أصلا ، لعين ما ذكرنا ، وفي جانب النقيصة نقول بعكس
هذا. وإن وقع منهما معا ، فلا فرق بين ذلك القهري والزيادة والنقيصة أصلا ، لصحّة
الكلّ ، فتأمّل.
على أنّا نقول
: كون الإندار القهري مشتركا بينهما خلاف ما يظهر من عبارات من أورد الإيراد عليه
، ولعلّه لا يقول به ويخصّصه بالمشتري ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فلا إيراد عليه ،
لأنّ فتواه إنّما هو على حسب رأيه ، ومع ذلك هو في نفسه محلّ نظر ، لعدم دليل عليه
، لأنّ ما علّل به من قلّة التفاوت والتسامح لا يقتضي القهريّة ، لأنّ أحدا لا
يتسلّط على أخذ مال الغير وإن كان قليلا غاية القلّة قهرا ، بل ولا يتسلّط على أخذ
حبّة من حنطة ـ مثلا ـ ولا ذرّة من تراب ـ مثلا ـ وإن لم يكن مالا ، فضلا عن المال
، غاية ما ينفع تلك العلّة رفع ضرر الجهل والغبن والضرر والسفه بعد التراضي.
وأمّا رواية
علي بن أبي حمزة ، فمع الضعف ، عدم دلالتها واضح ، بل مقتضاها نفي
الإندار القهري رأسا.
وأمّا رواية
حيّان وإن لم تكن صحيحة أيضا ، إلّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، مضافا إلى
أنّها موثّقة ، والموثّق حجّة على الأصحّ ، فمقتضاها حصول القهري للمشتري خاصّة ،
لا يثبت منها أزيد من هذا.
ولا يمكن حملها
على صورة التراضي ، لاتّفاق الطرفين على جواز الأخذ ، وإن كان يزيد ولا ينقص بعد
رضا البائع ، بل الظاهر أنّه وفاقي بين كلّ الفقهاء ، فظهر منها أنّ الرواية إنّما
هي في صورة عدم الرضا ، فتأمّل.
__________________
ثمّ إنّ القهري
يتوقّف على معرفة ما يحتمل الزيادة والنقيصة ولو بالظنّ ، فلو ظهر الخطأ بما لا
يتسامح به ، فالظاهر وجوب الردّ إلى صاحب الحقّ فلو سمح به ولم يأخذه لم يجب على
الآخر القبول.
نعم ، صيرورته
ملكا له يتوقّف عليه ، وكذا الحال لو سمح بالإندار القهري وغيره.
ومجرّد الجواز
لا يقتضي الملكيّة قهرا إن لم يندر ، والكلام في المقام إنّما هو في مجرّد الجواز
، فتأمّل.
قوله
: ـ سؤال الراوي من المعصوم عليهالسلام ـ « ويحسب لنا فيه
نقصان لمكان الزقاق ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : إن كان يزيد ولا
ينقص فلا تقربه .. »
.. إلى آخره .
الظاهر أنّ
الحساب من المباشر للوزن أو الكيل ـ أي الوزّان أو الكيّال ، كما هو المتعارف الآن
في البلاد الكبيرة ، بل وغيره الكبيرة أيضا ـ لا من البائع ، فإنّه حينئذ يكون
حلالا بالاتّفاق الظاهر من الأصحاب ، ولقولهم عليهمالسلام : « الناس مسلّطون على أموالهم » ، وقولهم عليهمالسلام : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » ، فالظّاهر من
هذه الرواية تداول الحساب وقهريّته ، والشارع صحّح ما كان يزيد وينقص لا ما يزيد
ولا ينقص.
فالظاهر من هذه
الرواية تداول الأعم ، ولذا صحّح الشرع البعض دون البعض والمتداول في زماننا الآن ـ
أيضا ـ الأعم.
__________________
ومن هذا يظهر
وجه اشتراط كون ذلك عن تراض منكم في الرواية السابقة ، لأنّه عليهالسلام ما استفصل في الجواب ، فلا معارضة بين الروايتين إلّا
من جهة البأس في عموم المفهوم ، ولا يعارض المفهوم المنطوق ، فضلا عن عمومه ، مع
إمكان حمل البأس على الكراهة وكون الأولى عدم الاكتفاء بالقهري.
قوله
: وصحّتهما غير ظاهر ، والأصل يقتضي العدم .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
ديدن الفقهاء العمل بمضمون هذا الخبر بهذا المضمون في مواقع كثيرة ، بل كلّ موقع كان من قبيل
ما نحن فيه عملوا به ، فمجرّد الشهرة يجبر الضعف حتّى عند الشارح أيضا ، فضلا عن
مثل هذه الشهرة.
وأمّا القاعدة ، فمعلوم أنّ
القابض أقدم حين القبض والأخذ على أن يكون الضمان عليه ، فالتضمين ليس من جهة
العقد الفاسد ـ الّذي هو بعينه كعدم العقد أصلا عند الشرع ـ بل من جهة القبض كذلك.
فإن قلت :
الإقدام على الضمان إنّما هو من حيث اعتقاده أنّه ماله ، لا مطلقا ، فبعد ما ظهر
أنّه ليس ماله فلا إقدام ولا رضي ، لأنّ ما رضي به لم يتحقّق ، وما يتحقّق لم
يتحقّق له رضى به.
قلت : هذا وارد
في إذن صاحب المال في أخذ ماله بل وأشد ، فإنّه لم يرض بأخذ ماله والتصرّف فيه
وتسليط اليد عليه إلّا بأن يكون مال الأخذ والضمان
__________________
عليه ، وكون العوض ماله.
وقد ظهر أنّ
الأمر لم يكن كذلك ، فلا رضا ، لأنّ ما رضي به لم يتحقّق وما تحقّق لم يكن ما رضي
به ، فأخذ مال الغير بغير إذنه ورضاه غصب ، بل إذا أخذ برضا بعنوان الأمانة ثمّ
نوى أن لا يعطيه يصير ضامنا به وبأمثاله ، بل وبأدون من ذلك أيضا.
والحاصل ، أنّ
شائبة تغيّر ما اذن له يصير ضامنا ، فضلا عن مثل ما نحن فيه.
والحاصل ، أنّ
الأمانة عبارة عن التماس صاحب المال من الأمين أن يحفظ ماله ، والحفظ ليس إلّا
لمصلحة صاحب المال يسألها ويلتمسها ويجعل الأمين نائبا عن نفسه في التعب في
المحافظة ، وهي إحسان من الأمين وتبرّع منه ، وليس الأمانة في العرف إلّا ما ذكر ،
ولذا يحكم الفقهاء بالضمان في غير ذلك ، لأنّه خرج من عموم الحديث خصوص الأمانة
الشرعيّة والأمانة المالكيّة ، وبقي الباقي ، فتأمّل جدّا.
وسيجيء عن
الشارح في آخر بحث الرهن اعترافه بما ذكرنا في الجملة ، فلاحظ! وأمّا قاعدة
الإقدام ، فإنّه أقدم على أن يكون العوض للمشتري والثمن له ، والمشتري أقدم بالعكس
، فكيف يجمعان بين العوض والمعوّض عنه جميعا؟! إذ للآخر أن يقول : أعطيتني العوض
على أن يكون التلف من مالك والضمان عليك ، فكيف تجعل الضمان عليّ وتأخذ الثمن منّي؟
ردّ عليّ ما أخذت منّي وخذ مالك ، وإن لم يمكنك فعوضه ، كما مرّ الإشارة في البيع
الفضولي ، فتأمّل جدّا.
__________________
قوله
: وإن لم يكن بسبب البيع ، بل بسبب الإذن المفهوم مع البدل .. إلى آخره .
ما ذكره يحقّق
كون الضمان على القابض ـ كما ذكره الفقهاء ـ لا على صاحب المال كما ادّعاه رحمهالله ، فدليله يثبت خلاف مطلوبه كما لا يخفى ، فالضمان على
القابض ثبت منه.
ورجوع كلّ إلى
عين ماله هو مقتضى فساد المعاملة ، إذ ليس معناه إلّا ذلك ، ويجتمع الضمان على
القابض مع الفساد شرطا ، فتأمّل جدّا.
قوله
: ويحتمل أعلى القيم كما في الغصب ، وهو بعيد .. إلى آخره
.
الّذي يظهر من
كلامه في كتاب الغصب أنّ الغاصب أيضا لا يضمن القيمة السوقيّة إذا تفاوتت .
فعلى هذا ،
يكون أعلى القيم بالنظر إلى غير التفاوت السوقي ، بل يكون بالقياس إلى تفاوت أحوال
المبيع ، وهذا هو الظاهر من القواعد أيضا ، بل وربما كان غيره من كتب الفقهاء أيضا
ظاهرا فيه.
فعلى هذا ، لا
شكّ في كون هذا الاحتمال هو الصواب ، لأنّ كلّ ما تلف تحت اليد يكون على اليد أن
تؤدّيه إلى صاحبه ، سواء كان من الأعيان أو المنافع ، لكن لا خفاء في أنّ المراد
من القيمة في كلامهم هو القيمة السّوقيّة ، فيكون المراد من القيمة يوم القبض
القيمة السوقيّة ذلك اليوم ، وكذا المراد من القيمة يوم التلف ، فيكون أعلى القيم
هو القيمة السوقيّة لا غير.
فعلى هذا ،
يبعد هذا القول ـ كما ذكره الشارح ـ بل لا وجه له ، لأنّ الغاصب
__________________
يؤخذ بأشقّ الأحوال عندهم ، وهذا ليس بغاصب جزما ، وأمّا الزيادة الّتي
وقعت في المبيع ولا تكون من فعل المشتري ، فهي من البائع جزما ، فعليه عوضها ،
والنقيصة عليه أرشها ، وهما خارجان عن قيمة المبيع جزما ، ولذا يكونان على المشتري
جزما ، على تقدير تسليم عين المبيع.
فعلى ما ذكر ،
يكون الفرق بين القول بيوم القبض والقول بيوم التلف في غاية الوضوح ، فمن قال
بقيمة يوم القبض يقول بعدم اعتبار تفاوت السعر السوقي بعده ، ومن قال بيوم التلف
يقول بعدم اعتباره قبله وبعده أيضا ، وعدم اعتبار تفاوت السوق لا يلائم القول
بأعلى القيم ، إلّا أن يقال : مراده الأعلى بالقياس إلى حالة المبيع ، لا تفاوت
السوق كما أشرنا ، أو بعدم اعتباره بعد يوم التلف ، وهو بعيد.
في بيع الثمار
قوله
: ولأنّه بيع معدوم ، غير معلوم ولا موصوف ، وليس معه شيء .. إلى آخره .
المانع أمران :
الأوّل :
معدوميّته ، لأنّ البائع إن أراد البيع الحال ـ كما هو مقتضى الإطلاق ، أو صرّح به
ـ فليس شيء ينتقل الآن إلى المشتري ، وإن أراد الانتقال بعد الوجود فالمدّة
مجهولة ، وإن أراد السلف بأن يكون ذمّته حين العقد مشغولة فالفساد من وجهين :
مجهوليّة المدّة ، واشتراط كون المبيع من شجرة معيّنة ، بل
__________________
كون المبيع شخص الثمرة المعيّنة.
والأمر الثاني
: أنّ المعدوم حين العقد مجهول الحصول ومجهول المقدار جزما ، ولو فرضنا حصول الظنّ
بالحصول من مقتضى العادة ، وأنّ ذلك يكفي لدفع الغرر من جهة الحصول ، فالغرر من
جهة المقدار موجود لا رافع له أصلا ، لعدم العادة في تعيين المقدار ، وقد مضى أنّ
الرافع له المشاهدة أو الوصف أو الكيل والوزن.
وأمّا بيع مثل
الخرطة والخرطات بعد ما وجد الخرطة الأولى ، وشوهدت ، فهو مبيع واحد ، ملفّق من
الموجود والمعدوم ، والمجهول والمعلوم ، وبيع حالّ بالقياس إلى الموجود ، ولعلّه
بالقياس إلى المعدوم أيضا حالّ بتعلّقه بالعهدة ، ولذا لو لم يأت المعدوم يأخذ ما
بإزائه من الثمن من البائع ـ على ما هو الظاهر ومقتضى الأدلّة ـ وإن كان بعد الإقباض
، لأنّ القبض في مثله التخلية ، فلا غرر ، لأنّه حين العقد ظاهر الحصول ، بل جزء
مبيع حصول بعضه يقيني موجود حين العقد ، وحصول الأبعاض متّصل بعضها ببعض مختبط ،
وإذا لم يحصل فيأخذ ما بإزائه.
وجهل المدّة
غرر في غير مثل الموضع ، لما عرفت من كون الغرر معنى عرفيّا ، والمجموع الّذي
ابتداؤه من حين العقد ، وباقي الأجزاء مختبط الحصول متّصل الوجود إلى الآخر ، ليس
فيه جهل المدّة ـ الّذي [ هو ] غرر عند أهل الخبرة والعقلاء والعرف ـ وكذا الحال
في مقدار المعدوم ، فإنّ الظاهر عندهم كونه على حدّ متعارف عندهم بعد ملاحظة الخرطة
الأولى ، بحيث لا يعدّون التفاوت المحتمل غررا.
وممّا ذكر ،
ظهر أنّه لو كان الانتقال بالنسبة إلى المعدوم بعد وجوده لا يضرّ أيضا.
والحاصل ، أنّه
لو كان فيه مخالفة الأصل في الجملة لا يضرّ بعد وجود النصّ المنجبر بعمل الأصحاب ،
والله يعلم.
قوله
: ويدلّ عليه ـ أيضا ـ بعض الروايات .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الأخبار متواترة في المنع.
قوله
: وهو يحيى بن القاسم الواقفي أيضا .. إلى آخره
.
الحسن بن سماعة
موثّق كالصحيح ، وعلي بن أبي حمزة ، ادّعى الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته ، ويحيى بن
القاسم ثقة غير واقفي ـ كما حقّق في محلّه ـ والقطع غير مضرّ ، لأنّ الرواية من كتابه ـ
كما هو ظاهر ـ وكتابه معتمد عليه ، مع أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب.
قوله
: قال محمّد بن الحسن : الأصل في هذا [ أنّ الأحوط أن لا يشتري الثمرة سنة واحدة
إلّا بعد أن يبدو صلاحها ] .
لا يخفى أنّه
فرّق بين تجويز البيع قبل بدوّ الصلاح وتجويزه قبل أن يوجد في حال العدم ، فلم
يظهر مخالفة للإجماع ، وسيجيء ما يعضد ذلك ، فتأمّل.
قوله
: فان اشتريت فلا تشتر إلّا بعد أن يكون معها شيء آخر ، فإن خاست كان رأس المال
.. إلى آخره .
لعلّ المراد :
إن اشتريت قبل البدوّ وبعد الوجود في الجملة ، بقرينة قوله :
__________________
( فإن خاست كان رأس المال فيما بقي ) ولعلّ بطلان بيع المعدوم رأسا كان من
المسلّمات الواضحات عنده بحيث لا يجعله محلّ توهّم فيه ، كما يظهر من ملاحظة كتب
الفقهاء حتّى الشيخ ، كما لا يخفى على المطّلع.
ولذا لم ينسب
أحد من الفقهاء إلى الشيخ ما نسبه إليه الشارح رحمهالله ، مع أنّهم لعلّه رووا ألف مرّة هذه العبارة من «
التهذيب » ، ولم يشر أحد إلى خلاف من أحد ، مع أنّهم يذكرون القول الشاذّ شديد
الشذوذ ، بل واحتمال خلاف بأن يقولوا : لو كان كذا لكان في المسألة قولا آخر ،
وربّما يذكرون المخالف للإجماع ، بل والمخالف للضرورة ، ومع ذلك اتّفق الكلّ في
المقام كلّ الاتّفاق ، كما ذكرنا ، فإنّ عمله برواية ثعلبة يقتضي تجويزه
بيع المعدوم بالمرّة على كراهة حتّى يطلع فيه شيء.
قلت : فعلى هذا
، يلزم قوله بعدم الكراهة أصلا بعد طلوع شيء منه ، مع أنّه صرّح بكراهة البيع قبل
أن يبدو صلاحها ، وصرّح بذلك في صحيحة الحلبي الّتي عمل بها واستشهد بها ، فظهر أنّه
فهم الروايتين على نهج واحد ، لأنّه قال : ( وكذلك ذكر ثعلبة .. إلى آخره ) .
فظهر أنّه فهم
من « الطلوع » بدو الصلاح ، كما فهم من رواية يعقوب أيضا.
__________________
على أنّا نقول
: مجرّد الاحتمال كاف ، بل ولو كان مرجوحا ، لما عرفت.
مع أنّ أمثال
هذه الاضطرابات غير عزيز في كلام الشيخ ، إن لم يبن الأمر على أمثال ما ذكرنا ،
وبعد البناء لا اضطراب ، وكذلك الحال في كلام غيره من الفقهاء.
قوله
: ولكن قال في آخرها : « وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك ثمرة
تلك الأرض كلّها .. » .. إلى آخره
.
لا يخفى ، أنّ
الظاهر منه بيع الكلّي المشترط كون المبيع من أرض كذا ، فلا مخالفة بين صدرها
وآخرها ، ولا مخالفة بين الروايات أصلا ، لأنّ المستفاد من رواية ثعلبة أيضا المنع
، فإنّ الشيخ والشارح سلّما المنع فيها ، لكن بالنسبة إلى ذلك العام بعينه دون
غيره من الأعوام ، وظاهر أنّ عام الخصومة وقع شراؤهم وقعد النخل ، ولذا كانوا
يتخاصمون ، وسائر الأعوام لم يقع نهي منه عليهالسلام فيها كما قالا.
فأيّ معنى
للقول بأنّ نهيه كان لذلك العام بعينه ، مع أنّه غير خفي منعه في سائر
الأعوام أيضا كما يظهر من كثير من الأخبار والإجماعات وفتاوي باقي الفقهاء حتّى
الشيخ والشارح أيضا؟! فلعلّ ضمير « لم يحرّمه » راجع إلى بيع ثمر النخل ، لأنّ ابن
مسلم سأله عمّا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في النخل ، فأجاب بما أجاب.
فالظاهر ، أنّ
أمثال هذه السؤالات منهم لأجل الخصومة مع العامّة ، كما صرّح به المحقّقون ، وحيث
لم يسأل إلّا عمّا قاله الرسول صلىاللهعليهوآله لم يناسب في الجواب إلّا ما ذكرنا ، كما لا يخفى على
المتأمّل.
__________________
فالروايات الكثيرة
متّفقة في المنع ، وإنّما ادّعينا ظهور ذلك منه لأمور :
الأوّل : مفاد
قوله : « الثمرة المسماة من أرض » أنّ تعيينها إنّما وقع بهذا القدر لا أزيد منه ، وأين
هذا من تعيين الشجرة وتشخيصها؟! الثاني : صريح قوله : « فتهلك » أنّ الثمرات
بأجمعها ليست مبيعا ، وظاهر قوله : « ثمرة تلك الأرض كلّها » عدم كون المبيع ثمرة
شجرات بعينها وشخصها ، إذ يلزم منه كون ذلك الكلام بأجمعه لغوا لا فائدة فيه
للمقام أصلا ، لعدم مدخليّة هلاك غير المبيع في السؤال والإشكال ـ حينئذ ـ أصلا ،
لأنّ العبرة إنّما هي بهلاك المبيع المعيّن.
الثالث : إنّ
الظاهر من قوله : « قال : وسئل عن الرجل .. إلى آخره » وقوع هذا السؤال عقيب
السؤال الأوّل ، فبعد نهيه عليهالسلام الصريح وتعليله عدم البأس بما علّل ، كيف يبقى مجال
لهذا السؤال؟! فإن قلت : لعلّ سؤالهم كان عن صحّة المنهي عنه ، وفساده ، وكيفيّة العلاج
، على فرض الوقوع والهلاك.
قلت : هذا فاسد
، إذ معلوم أنّ سؤال الرواة ، عن أمثال هذه المعاملات إنّما يكون غرضهم معرفة
الصحّة والفساد والسلطنة الشرعيّة في الدنيا ، لا أنّه هل فيها ثواب أم لا! عقاب
أم لا! ولذا إذا كانوا يجابون بالمنع كانوا يفهمون عدم الصّحة من جهة قرينة سؤالهم
، وإن كانوا ربّما يفهمون الحرمة أيضا معه ، ولذا لم يعهد من أحد منهم في مقام من
المقامات السؤال عن الصحّة والفساد بعد ما سمعوا المنع عن المعاملة ، وما ذكرنا
ظاهر على المتتبّع جزما.
مع أنّ تعليلهم
عدم البأس في المقام ـ بما علّلوا ـ ظاهر في أنّ ذلك للصحّة ،
__________________
لا لترتّب الثواب مثلا ، وهذا أيضا ظاهر.
وأيضا ، لو كان
مراد السائل في السؤال الثاني ما ذكرت ، لكان يسأل على نحو ما ذكرت ، لا على نحو
ما سأل ، ويطول الكلام ويغيّر تعبير المرام ، ويبدّل المقام إلى غير المقام.
الرابع : حصول
التناقض في صدر الحديث وذيله لو كان المراد ما ذكره الشارح ، والجمع بالحمل على
أنّ المراد من الصدر الكراهة لا يرفع الحزازة ، لما عرفت من أنّ مراد السائلين في
مبحث المعاملات إنّما هو الأمر الدنيوي لا الثواب الأخروي على حسب ما ذكرناه ،
ولأنّ التعليل لا يناسب الكراهة كما لا يخفى على المنصف ، ولأنّه لا يناسب التشديد
الشديد من أوّل الأمر ثمّ القول بعدم البأس ، وأنّ النهي لم يقع عنه من الرسول صلىاللهعليهوآله بل وقع بالقياس إلى جماعة خاصّة وفيهم ، وبالنسبة إليهم
لعلّة خاصّة ، وأنّ ذلك لأجل خصومتهم فقط.
مع أنّ السائل
في السؤال الأوّل لم يتعرّض لذكر الجماعة المعاملين أصلا ، وأنّهم من هم ، وأنّه
يقع منهم خصومة أم لا ، فضلا عن أن يقولوا : ما كان المعامل يترك الخصومة ، وأمثال
ذلك.
وممّا ذكر ،
ظهر أنّ قوله عليهالسلام : « نهاهم عن ذلك البيع .. إلى آخره » لا ظهور له
فيما ذكره الشارح ، بناء على أنّ الفقهاء لم يذكروا كراهة السلف قبل البلوغ ، وذلك
لأنّ النهي لم يكن عن السلف بل ولا عن المعاملة ، بل لجماعة خاصّة من جهة خاصّة ،
ومثل ذلك لا يتعرّض الفقهاء [ له ] ، بل كثير من المواضع يظهر من حديث كراهة شيء
أو استحبابه ولا يتعرّض الفقهاء لهما ، فتأمّل جدّا.
__________________
مع أنّ المعتبر
عند الفقهاء وجود المبيع في البيع الحالّي وعموم وجوده في السلف ، فإن كان المراد
من هذا البيع الكلّي هو السلف فلعلّ أرض كذا كان عام الوجود ولذا لم يحرم ، أو
البيع الحالّي بعد وجود الثمر قبل بلوغه ، وهذا هو الأظهر من الرواية ، وكذا غيرها
من الروايات ، إذ بعضها يدلّ على الجواز بعد الوجود وقبل البلوغ ، وبعضها على
المنع ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ هو أيضا ] موافقا للشيخ ، فكيف يتحقّق الإجماع؟ .. إلى آخره .
مخالفة ما ذكره
في « التهذيب » و « الاستبصار » للإجماع محلّ نظر ، بعد أن يكون في كتب فتاويه رجع عن
ذلك ولم يقل به.
وأمّا الصدوق رحمهالله ، فقد ذكر عدم ظهور المخالفة ، مع أنّه
مخالفة كلامهما في خصوص كتاب ـ لما ذكره من الإجماع ، وكونه مضرّا في تحقّقه ـ
محلّ نظر ظاهر ، بل ربّما قيل : إنّ ما ذكره الشيخ في الكتابين في مقام ليس مذهبا
له ، فتأمّل.
قوله
: [ غير معلوم ] فلا يجوز بيعه ، فقد يقال : إنّه قد جوّز في الرواية [ وليس
بمعدوم بالكلّية ] .. إلى آخره
.
قد عرفت عدم
التجويز ، ومعلوم أنّه معدوم بالكلّية ، فيكون داخلا في بيع الغرر المنهي عنه.
وأمّا الجواز
مع التعدّد ـ على تقدير الصحّة ـ فالفرق واضح ، لأنّه أقرب إلى الحصول ، بل وبعيد
غاية البعد عدمه ، كما ورد التعليل به في الرواية.
__________________
قوله
: وإذا صرّحت في الرواية [ فلا مجال للردّ بمثله ] .. إلى
آخره .
الرواية إذا
خالفت الأصل والقاعدة الثابتة شرعا لا يجوز تخصيصهما بها ، إلّا إذا قابلتهما وقاومتهما
، لأنّ ذلك من باب تخصيص العام فيعتبر فيه ما يعتبر فيه ، سيّما مع ما ورد في
النصوص بأنّ الخبر الّذي خالف السنّة مردود ، وأنّه يعرض على سائر الأحكام الشرعية
فإن شابهها فيقبل ، وإلّا فيرد .
هذا ، مع أنّ
القاعدة من الخبر المتواتر أو المقطوع بعمله المتّفق عليه من نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر ، وغير ذلك ممّا مرّ ، والرواية ليست مقبولة ومعمولا
بها إلّا عند شاذّ من الأصحاب ، وإن كانت صحيحة ، فالمقابلة والمقاومة مشكلة ،
سيّما مع معارضتها لأخبار خاصّة ، موافقة للأصل والقاعدة ، وانجبرت واعتضدت بعمل
الأصحاب إلّا من شذّ.
هذا ، على
تقدير وجود الشاذّ ، ومع ذلك قد عرفت رجوعه ـ على تقدير قوله به ـ ، وادّعوا
الإجماع على عدم الجواز.
هذا كلّه ، على
تقدير دلالة الرواية ، وقد عرفت الكلام فيها ، فتأمّل.
قوله
: [ إلّا أن يكون ] المراد بالتبعيّة أن لا يذكر ولا يسمّى في المبيع ، ويكون ذلك
داخلا [ في الضمن ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ ما
هو المقصود بالتبع لا يضرّ جهالته وإن ذكر حين البيع ، مع أنّه لا فرق بين الذكر
وعدمه بعد القطع بكونه مقصودا ، ولا شكّ في كونه مقصودا ،
__________________
فالدلالة الالتزامية كافية ، وأدلّة عدم جواز الجهل في العوضين غير شاملة
له ، لأنّ الإجماع غير متحقّق ، بل لعلّ الإجماع على خلافه ، ولا ضرر ولا غرر ولا
سفه.
مع أنّه لو
كانت شاملة لم يتحقّق البيع في الأشجار والبيوت ، والحمامات والخانات ، والخضر
والزروع وأمثال ذلك ، ولا شكّ في تحقّقه فيها بالإجماع والنصوص ، بل والضرورة من
الدين ، فتأمّل.
وممّا ذكر ظهر
فساد ما ذكره رحمهالله ، فتدبّر.
قوله
: ووجه الحمل على الكراهة ما تقدّم من الجمع بين الأدلّة ، وصراحة الكراهة .. إلى
آخره .
لا يخفى عدم
الصراحة ، لظهور كون المراد الكراهة اللغويّة ، فلا يعارض الأخبار الواضحة الدلالة
على المنع والإجماعات ، مع أنّك بملاحظة الأخبار وغيرها لا يبقى لك تأمّل في بقاء
الكراهة بعد الطلوع أيضا قط ، بل وشدّة الكراهة ، لو سلّمنا عدم الحرمة.
فظهر أنّ
المراد منها فيها الحرمة ، بل عرفت عدم تأمّل الشيخ أيضا فيها قبل الطلوع ، فتأمّل
جدّا.
قوله
: أن يكون المراد العام الواحد .. إلى آخره
.
لا وجه لمناقشة
بعد الصحّة والفتاوي وتقديم الخاص ، المسلّم عنده أيضا.
قوله
: [ لا دليل على الجواز ] بشرط القطع بخصوصه .. إلى آخره
.
الظاهر أنّ
مراد من يقول بشرط القطع ، أن يكون المقطوع فيه نفع معتدّ به عند العقلاء ، بحيث
يخرج عن السفاهة والغرر والضرر ، لأنّ ذلك شرط مطلقا ، بل
__________________
صرّح في « التنقيح » بما ذكرنا ، بل هو من الظهور بحيث لا يحتاج إلى ذكر في المقام ،
بل بعد ما ذكره بقوله : ( بل في البعض .. إلى آخره ) لا وجه لهذا
الإيراد أصلا ورأسا.
قوله
: [ أحد المجوّزات للبيع ] عند المانع بعد الظهور .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
مذهب الشيخ في « التهذيب » هو هذا بلا تأمّل .
قوله
: فقول شارح « الشرائع » : ( واكتفى الأكثر به ، لصحّة دليله )
محلّ
التأمّل .. إلى آخره .
قد عرفت
اعترافه بصحّة رواية الوشّاء في « الفقيه » ، فتأمّل ، مع أنّه قال : صحّة دليله ، ولم يقل : صحّة
سند روايته ، وبينهما فرق ظاهر ، سيّما بعد ملاحظة ما سيقول من قوله : ( فإن أريد
.. إلى آخره ) ، مع أنّ الحسن حجّة على المشهور ، إذا كان الحسن من
قبل التبيين ، وحسن الوشّاء لعلّه منه ، سيّما بعد ملاحظة الشهرة ، فإنّها جابر
للسند.
على أنّ بدوّ
الصلاح المعتبر لا شبهة في انحصاره فيما ذكر من الاحتمالات والأقوال.
__________________
والمشهور أصحّ
دليلا من البواقي ، وصحيحة يعقوب بن شعيب ستعرف حالها ، فتأمّل.
قوله
: [ فلا بأس ] ببيعها جميعا ، وقريب منه [ رواية إسماعيل بن الفضل ] .
لعلّ الظاهر
كون المراد إدراك وقت صحّة البيع منفردا ، فإنّه حينئذ يصحّ بيعه جميعا ومنضما ،
والظاهر كون الوقت المذكور ظاهرا عندهم.
ولعلّه لما
ذكرنا قال في « شرح الشرائع » : ( واكتفى الأكثر به ، لصحّة دليله ) ، فتأمّل.
ويعضد ما ذكرنا
ما سيذكره الشارح بقوله : ( والظاهر أنّه لا فرق .. إلى آخره ) ، فتدبّر.
قوله
: والظاهر من التلوّن بالاحمرار والاصفرار أنّه أعمّ من الإطعام [ والإدراك ] ..
إلى آخره .
لا يخفى على
المطّلع أنّ بعد الاحمرار والاصفرار مأكول عاديّ شائع ذائع ، بل ربّما كان التمر
بسرا أطيب منه رطبا ، كما هو ضرب المثل المشهور ، وعلى فرض أن يكون بينهما تفاوت
فلعلّه لعلّة ليس بحيث يصير منشأ لاختلاف الأخبار والأقوال ، فتأمّل جدّا.
بل لا يبعد كون
الإدراك أيضا مثل الإطعام ، بل غير خفيّ كونهما مقولين بالتشكيك ، لو لم يكن
المراد منهما الاحمرار والاصفرار ، ومقولتيهما بالتشكيك
__________________
بحيث لا يصير مجوّزا ومصحّحا للنوع فيه ، بل ربّما كان مثلهما الأمن عن
العاهة أيضا.
وبالجملة ،
الاحمرار والاصفرار أمر واضح غاية الوضوح لا وهن فيه أصلا دلالة ، بل وفتوى أيضا.
وأمّا سائر
العبارات ، فليس مثل الاحمرار والاصفرار بلا شبهة ، فلا يمكنه أن يعارضهما
ويقاومهما إلى أن يرجعا إليه في مقام الجمع ، بل العكس أولى ثمّ أولى ـ كما لا
يخفى ـ لو قلنا بظهور التفاوت ، بل الظهور ربّما يصير حقّنا بملاحظة أهل بلاد
النخيل ، فليلاحظ.
ويؤيّد ذلك
ملاحظة النصوص والفتاوي في زكاة التمر ، فلاحظ.
قوله
: وبالجملة ، هذا ليس بواضح كونه ضابطا .. إلى آخره
.
على أنّ لفظ
الثمار جمع محلّى باللام ، ومن البديهيّات أنّ كلّ ثمرة لها حالة فيما ذكروا ،
وأنّها مختلفة جدّا فيه ، وجعل المراد منها ثمرة النخيل فيه ما فيه ، فما ذكره
الشارح بقوله : ( فإنّه قد يطّلع .. إلى آخره ) فيه ما فيه ،
إلّا أن يكون مراده أنّ ثمرة النخل من جملتها ، وفيه أنّه لا وجه للاعتراض بخصوص
ثم النخل ، بل الثمار في غاية الاختلاف في ذلك.
ومع ذلك يمكن
للخصم أن يقول : المراد ثمار خاصّة يكون أمنها من العاهات بطلوع الثريّا من جهة
القرينة المذكورة ، وهذا التوجيه أقرب ممّا ذكره الشارح ، بل ينتقل.
والظاهر من
الشارح جعل المراد من الثمار خصوص ثمر النخل لم نعرف
__________________
وجهه ، سيّما بعد تصريحه بقوله. ( مطلق .. إلى آخره ) .
قوله
: فإنّ الحصرم يحصل بعد انعقاد الحبّ بكثير ، فالأوّل أولى .. إلى آخره .
لكن على هذا ،
ربّما يصير قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا عقد » لغوا مستدركا ، بل موهما بخلاف المقصود ، لظهور مدخليّة
العقد ، وكونه هو الشرط والعلّة.
فلاحظ ما ذكر ،
ربّما يظهر كون المراد من الحصرم هذا ـ كما يقال : إذا انعقد النطفة صارت إنسانا
أو حيوانا ـ أوّل درجة الحصرميّة ، وإن كان المطلق منه ينصرف إلى الكامل ، فتأمّل.
مع أنّ الكامل
مقول بالتشكيك بحيث لا يكاد يمكن جعله حدّا للتجويز والخروج عن حدّ التحريم.
وقد عرفت أنّ
ما هو محلّ النزاع لا يمكن جعله المجوّز للمعاملة الّتي لم تكن جائزة ، فتأمّل.
ويؤيّد ما
ذكرناه ، فتاوي الأصحاب ، وعدم فتوى أحد بما ذكره ، فتدبّر.
وأمّا اختصاصه
بالكرم ، فلعدم قائل بالفصل ، والمدار في الفقه على ذلك.
قوله
: [ يلاحظ التبعيّة والأصالة على رأي المصنّف ] ، لما صرّح به .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الظاهر منهم عدم ملاحظة ما ذكرنا في المقام.
قوله
: [ ما فرّق هنا ] بين ثمر النخل وغيره ، والموجود في أكثر الكتب [ الفرق بينهما ]
.. إلى آخره .
وقال في «
القواعد » : إذا ظهر بعض الثمر
__________________
جاز بيع الجميع .
لعلّه قياس على
جواز البيع أزيد من سنة بعد الظهور بطريق أولى ، أو أنّه قاس الظهور على الإدراك
والإطعام الواردين في الأخبار ، بناء على اتّحاد حكمهما عنده ، وأنّ المناط لصحّة
البيع هو الظهور والإدراك ، للاستحباب والفضل ، فتأمّل.
قوله
: ويمكن الفرق ، فالظهور [ يكون بظهور أثره ] .. إلى آخره
.
لعلّ مجرّد
الإمكان لا يكفي لثبوت الفرق والخلاف ، مع كونه خلاف الأصل والقاعدة ، سيّما مع
كون ظهور نفس الشيء أقرب وأظهر من ظهور أثر منه ، فتأمّل.
قوله
: والإجماع وسائر الأدلّة ، ولأنّه خارج [ مخرج المتداول ] .. إلى آخره
.
قال المحشّي :
إنّ الأخبار خالية عن ذكر كونها على الشجرة ، فيمكن للقائل بتخصيص الحرمة بالطعام
القول به مطلقا ، إلّا إذا عمّم الطعام بحيث يشمل كلّ مأكول ، كما يظهر من بعضهم ، فتأمّل.
أقول : لا يخفى
أنّ المانع هو العلّة المنصوصة ، وهي كون الطعام مكيلا ، لا تعميم الطعام ، لعدم
الثبوت.
قوله
: فإنّ في بيع الطعام ـ بل المكيل والموزون ـ قبل القبض كلاما سيجيء .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الطعام بعد التصفية يكون مكيلا وموزونا ، وكذا كلّ مكيل
__________________
وموزون ، وعدم الجواز في البيع ثانيا لعلّه بعد التصفية ، وما نحن فيه هو
بيع الثمار والزروع ، ومعلوم أنّه قبل التصفية ، فتأمّل.
قوله
: [ لا يباعان كيلا ] بل بالمشاهدة ، والظاهر أنّه لم يكف كونه من جنس المكيل ،
للأصل وسائر ما تقدّم .. إلى آخره
.
وإن كانا
يباعان بالمشاهدة ، لكن بالكيل والوزن الخرصي والتخميني ، والوارد في الأخبار أنّه
لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا ولا وزنا ، والنكرة في
سياق النفي تفيد العموم ، إلّا أن يقال : الكيل والوزن التحقيقي الفعلي هو
المتبادر ، لكن سيجيء في بيع لحم الغنم بالشاة موثّقة عن علي عليهالسلام ، أنّه كره ذلك ، وورد أنّه عليهالسلام ما كان يكره الحلال ، وأنّه عليهالسلام كره فنحن نكرهه .
والمشهور عملوا
بالموثّقة فتكون حجّة ، وإن قلنا بعدم حجّيّة الموثّق ، مع أنّ الحقّ أنّه حجّة ، وهذا
ربّما يؤيّد كون المنفي في الأخبار هو العموم المذكور.
نعم ، ورد في
بعض الأخبار أنّه « لا ربا إلّا فيما يكال أو يوزن » ، وظاهره
التحقيقي الفعلي ، إلّا أن يمنع ذلك ويقال بكفاية التحقيقي في الجملة ، سيّما
بواسطة القرينة المزبورة ، ولعلّ هذا منشأ تعميم المشهور ، مضافا إلى ظاهر رواية
__________________
العامّة ، ورواية عبد الرحمن الآتية.
وأنّ استثناء
العريّة إنّما يتمشّى على القول بالعموم ، والاستثناء إجماعي ، يعني : أنّ
الاستثناء مختصّ بها بالشروط الآتية.
وأمّا حسنة
الحلبي ، فظاهرها غير مراد وفاقا ، فيمكن حمل الحسنة الأولى على العريّة ،
والثانية على التقييد أو غير ذلك ، والشهرة أيضا من المؤيّدات.
هذا غاية ما
يمكن أن يقال من قبل المشهور ، وأمّا من قبل بعض ، فهو الّذي ذكره الشارح رحمهالله ، فلا بدّ من ملاحظتهما معا والتأمّل التام ، ثمّ تشخيص
الراجح.
وممّا يؤيّد
المشهور ، إطلاق لفظ « تمر » في الروايتين الواردتين في العريّة ، وباقي
الكلام سيجيء فيها ، فتأمّل.
وممّا يؤيّد
المشهور ، أنّ اتّحاد الثمن والمثمن مخالف لماهيّة البيع كاتّحاد البائع والمشتري
، فكما أنّه لا يمكن أن يصير شخص واحد بائعا ومشتريا معا ـ بمعنى أنّه بحسب
الحقيقة هو البائع وهو المشتري ـ فيكون يبيع من نفسه ويشتري من نفسه ، وأنّه باطل
قطعا أعمّ من أن يكون منضما مع آخر أم لا ، كذلك لا يمكن أن يكون شيء واحد ثمنا
ومبيعا من البائع إلى المشتري بشرط أن يكون منتقلا من المشتري
__________________
إلى البائع بمجرّد العقد ومن حينه ، وأن يكون عوضا ومعوّضا عنه ، وأن يكون
مالا للبائع منتقلا إلى المشتري بعوض ، وأن يكون مالا للمشتري منتقلا إلى البائع
عوضا عن مال البائع المنتقل إلى المشتري ، فإنّ البيع من العقود المعاوضة ومعنى
قولك : ( بعت هذا بهذا ) ليس إلّا أنّي جعلت هذا مالك بإزاء أن يكون ذاك مالي ،
ونقلت هذا منّي إليك بإزاء أن يكون ذاك ينتقل إليّ ، ولا شكّ أنّ البيع بحسب اللغة
والعرف والشرع هو الّذي ذكرنا ، فلا يمكن اتّحاد العوض والمعوّض عنه ، وانتقال
أحدهما بسبب انتقال الآخر ، مع كون أحدهما عين الآخر وإن كان منضما معه شيء آخر
أيضا على بعض الوجوه.
هذا ، مضافا
إلى المفاسد الأخر الّتي سيذكرها الشارح رحمهالله.
فعلى هذا ، لا
يتأتّى هذا في بيع شيء من الأشياء قطعا ، فلا وجه للتخصيص بثمر النخل وحبّ الزرع
وتسمية الأوّل بالمزابنة ، والتوجّه إلى النهي عنها بخصوصها ، والثاني بالمحاقلة
والنهي عنها بخصوصها ، فتأمّل.
مع أنّه ربّما
كان في اللغة والعرف هو المعنى الأعم ، بل متعيّن أنّه كذلك ، لما عرفت ، فتأمّل.
قوله
: وأمّا النصّ ، فهو الرواية من العامّة والخاصّة .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الرواية العامّية منجبرة بفتاوي الأصحاب ، وكذلك الحال به من الاحتمال ، مع أنّ
الصدوق رواها في « معاني الأخبار » بسنده إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجعله معنى الخبر ، فتدبّر.
مع موافقة ذلك
اللغة والعرف ، مع عدم وجود معارض بسند الصحيحة.
__________________
قوله
: أن يشتري حمل النخل بالتمر. والزرع بالحنطة .. إلى آخره
.
يمكن الحمل على
اللفّ والنشر الغير المرتّبين ، لما عرفت ، ولعدم وضوح الدلالة على خصوص المرتّب.
غاية ما في
الباب أنّه أقرب في الثاني ، ولذا استدلّ الأصحاب على مطلوبهم.
لكن روي بطريق
آخر عنه ، عن الصادق عليهالسلام قال : « نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المحاقلة والمزابنة. فقال : المحاقلة بيع النخل
بالتمر ، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة » ولعلّه توهّم من اللّف بالنشر المذكورين.
ويظهر منها أنّ
المراد من الزرع خصوص السنبل ، كما عبّر في بعض العبارات .
قوله
: والقرائن تدلّ على أنّه ابن عثمان الأحمر .. إلى آخره
.
والحقّ ، أنّه
ثقة جليل ، كما حقّقته في الرجال ، ولذا كثيرا ما يتحقّق من الفقهاء الحكم بصحّة حديثه ،
ومنهم الشارح « الشرائع » في المقام.
مع أنّها
منجبرة بالشهرة ، وعمل الأصحاب ، وموافقة رواية العامّة ، وغير ذلك ممّا أشرنا ،
فتأمّل.
__________________
قوله
: [ الألف واللام عوضا ] عن المضاف إليه بل هو [ المتبادر ] .. إلى آخره
.
فيه تأمّل
ظاهر.
قوله
: يمكن التعميم والتعدّي إلى كلّ شيء يكون الثمن من المثمن .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ ما
ذكره رحمهالله ـ إلى آخره ـ علّة موجبة للتعدّي قطعا ، كما أشرنا ، لا أنّه يمكن التعدّي
وأنّه على هذا لا وجه للحكم بحرمة المحاقلة والمزابنة خاصّة كما أشرنا ، وأنّه كيف
خصّ ذلك بالتمر والحبّ ، وجعل لكلّ واحد اسما مخصوصا دون سائر العروض والأجناس ،
مع أنّ العلّة مشتركة وأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم توجّه إلى النهي عنهما بخصوصهما دون الإشارة إلى موضع
آخر أصلا؟ وأنّه على ذلك قطعي أنّه ليس ببيع لغة وعرفا ، ولا يمكن أن يصير بيعا
كما أشرنا ، فكيف اتّفق أهل اللغة والعرف وأهل الشرع على كونهما من البيوع المنهيّ
عنها؟! وأيضا ، الظاهر ـ بحسب اللغة والعرف ـ هو المعنى الأعم ، وهو حجّة في موضع
الحكم ، فليلاحظ وليتأمّل.
قوله
: لظهور العلّة وهي الربا ـ وذلك ممّا يضعف القول به .. إلى آخره
.
من حكم بكون
العلّة هي الربا يتعدّى إلى ثمرة كلّ شجر ، كالعلّامة في « القواعد » ، ويمكن أن
يكون عدم تعدّيه بسبب الإجماع ، لأنّه يرى أنّ من تقدّم عليه من القدماء اتّفقوا على
التخصيص بالتمر والحبّ ، فيكون من
__________________
المستثنيات من الربا ، لكنّه بعيد.
والأقرب أنّ
العلّة ليست هي الربا ـ كما ذكره رحمهالله ـ بل الإجماع والنصّ ، لكن عرفت الإشكال في التعميم والتخصيص ، وأنّ الأظهر
هو التعميم ، لو لم نقل بتعيينه ، فتدبّر.
قوله
: وإثبات التحريم بخبر واحد غير متّفق على صحّته .. إلى آخره
.
فيه ، أنّه لو
قال بأنّ العلّة هي الربا لم يكن إثباته بمجرّد هذا الخبر ، بل لكونهما ربا ،
وأيضا هذا الخبر موافق للقاعدة عنده ، مع أنّ هذا الخبر منجبر بعمل الأصحاب ، وغير
ذلك.
مع أنّ خبر
الواحد حجّة يعدل به عن الأصل ، ويخصّص الكتاب والسنّة به على المشهور وعند الشارح
أيضا ، ولا يجب أن يكون صحّته متّفقا عليه ، إذ قلّما يكون كذلك ، وليس هاهنا
إجماع يخالف مضمون الخبر ، وظاهر حسنة الحلبي غير معمول به قطعا ، فهو متروك ، سيّما بعد معارضة هذا
الخبر.
وأمّا صحيحة
يعقوب ، فلا دخل لها في المقام ، والتقبيل متّفق عليه ، وهو مضمونها.
ورواية أبي
الصباح أيضا لا دخل لها في المقام أصلا ، لأنّ ردّ الدين على
الديّان ليس ببيع قطعا ، بل وليس فيه شائبة ربا وإن وقع فيه الزيادة والنقصان كما
ستعرف ، ولأنّ الزيادة لم تقع شرطا عند المعاوضة ، وكذا النقيصة.
__________________
وهذا هو وجه
عدم كونه ربا ، لا ما ذكره الشارح ، لأنّه ليس بمعلوم ، فتأمّل.
قوله
: والظاهر أنّ نفي الربا وجواز القبول هنا من جهة عدم كونه من المكيل ، لا من جهة
الموافقة .. إلى آخره .
الظاهر ، أنّ
نفي الربا من جهة كون ذلك أداء للقرض وإعطاء له من غير تحقّق مشارطة ، فإنّ
المحرّم والموجب لكونه ربا هو المشارطة ، ولذا لو أعطى المستقرض أزيد يكون حلالا ،
بل يكون مستحبّا ـ كما سيجيء ـ ولو أخذ المقرض أقلّ يكون أيضا حلالا ، لأنّه
إبراء وإسقاط لبعض حقّه ، ولعلّه مستحبّ أيضا.
وورد في غير
واحد من الأخبار في قرض الخبز وعد الجوز أنّ المقترض ربّما يردّ أكبر وربّما يردّ
أصغر : أنّ كلّ ذلك لا بأس به .
والمقترض في
هذا الخبر اعتقاده أنّ ما في نخله يفي ويقابل ما طلبه ، وعلى تقدير عدم اعتقاده لا
ضرر فيه ، لأنّه يلتمس.
والأمر دائر
بحسب نفس الأمر في صور ثلاث :
الأولى :
المقابلة ، وعدم الضرر حينئذ واضح.
والثانية :
كونه أزيد ، وعدم الضرر فيه أيضا واضح ، لأنّه محض تبرّع وإحسان ، بل وارتكاب
المستحبّ الشرعي.
الثالثة : كونه
أقلّ ، ولا ضرر فيه أيضا ، إذ غايته التماس عفو وإبراء وإسقاط ، بل واستدعاء
مستحبّ ، لأنّ الإحسان بالنسبة إلى الأخ المؤمن
__________________
والمساهلة في الاقتضاء يحبّه الله تعالى ، فلا طريق إلى توهّم الربا أصلا.
قوله
: عدم الزيادة عند البيع ولا يضرّ عند الجفاف .. إلى آخره
.
المنع من
الزيادة عند البيع من جهة النصّ والفتاوي ، وإلّا فالأصل عدم المنع ، لعدم كونها
ربويّة ، لكونها على الشجر.
نعم ، لو قلنا
بأنّها ربويّة ، فالأصل المنع أيضا. وجواز الخرص فيها باعتبار استثنائها ، وربّما
كان عدم الضرر عند الجفاف أيضا باعتباره ، وربّما كان باعتبار ظاهر النصّ والفتاوي
، فتأمّل.
وأمّا اشتراط
الحلول والتعجيل ، فلئلّا يصير بيع الكالي بالكالي أو السلف ، لعدم تحقّق شرطه.
ومن هذا ظهر
عدم اشتراط التقابض كما قال الشيخ رحمهالله .
قوله
: [ ولو وجدت صحيحة صريحة ] لجاز الاستثناء من المزابنة بالمعنى الّذي قلناه [
أيضا تعبّدا ] .. إلى آخره .
قد عرفت فساد
ذلك ، وأنّه لا يمكن إلّا أن يقال : إنّه ليس ببيع حقيقة ، بل صورة بيع ، ويدفعه
كلام أهل اللغة ، وظاهر الخبر الّذي رواه ، وظاهر فتاوي الأصحاب ، بل لو لم يكن
بيعا لم يكن فيه استثناء أصلا.
وأنّه حينئذ لا
خصوصيّة له بالعريّة ، إذ كلّ شيء غير العريّة أيضا يكون صحيحة إن لم يكن فيها
مبايعة أو معاوضة أصلا ، فتدبّر.
ثمّ ، إنّ شمول
العريّة لما هي في البستان لعلّه هو المستفاد من كلام أهل اللغة ، فيشملها إطلاق
بعض الأخبار ، مثل ما رواه في « معاني الأخبار » ، ولعلّ هذا
__________________
مستند الاتّفاق ، مع أنّ الاتّفاق كاف ، لأنّ الظاهر أنّه الإجماع ،
فتدبّر.
ويمكن أن يكون
الضعف منجبرا بعمل الأصحاب ، بناء على أنّ التقييد بالدار من باب المثال ، أو أنّ
أصل الحكاية كان ممّا في الدار ، أو أنّه الغالب أو كونه في البستان نادر ،
فتأمّل.
قول
المصنّف : والتقبيل بشرط السلامة .. إلى آخره
.
سيجيء في كتاب
المزارعة ما يظهر منه وجه التقييد بشرط السلامة واعتراف الشارح به وبظهور وجهه ، وورد أخبار
كثيرة في حكاية تقبيل رسول الله ثمار خيبر وأرضه ، وبعثه صلىاللهعليهوآلهوسلم عبد الله بن رواحة وخرصه عليهم بأن يعطوا نصف تلك
الثمار بحسب خرصه أو يأخذوا النصف ، فيظهر منها أنّ حقّ المقبّل إنّما هو في عين تلك
الثمار لا قيمتها.
والفقهاء في
مبحث الزكاة وخرصها يذكرون حكاية عبد الله بن رواحة ، ويستدلّون بها ، مع اتّفاقهم
في كون ذلك الخرص مشروطا بالسلامة ، بل ربّما ذكروا أنّ أصل التقبيل من فعل رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أهل خيبر ، فليلاحظ وليتأمّل ، وكذا يلاحظ الأخبار
ويتأمّل فيها!
قوله
: [ ويختلف ذلك بحسب اختلاف كثرة الثمرة وقلّتها ] ، وكثرة المارّة وقلّتهم ، أو
يهدم حائطا ، أو يكسر غصنا يتوقّف الأكل عليه .. إلى آخره
.
بعض المواضع
يكثر المارّة غاية الكثرة ، بحيث لو أخذ كلّ واحد منهم
__________________
سنبلة أو حبّة عنب أو تمر وأمثال ذلك ليتحقّق ضرر عظيم وإفساد زائد ، ففتح
الباب لهم يوجب الإضرار المنفي قطعا ، والفساد في الأرض المنهي عنه جزما ، ويوجب
اختلال نظام المعاش بالقياس إلى أرباب البساتين وأهل البلد والمارّة فيهم ، ولذا
لو وقع ذلك من جراد أو نهب من عسكر وأمثال ذلك تخرب تلك الديار أو تشتدّ أحوالهم
غاية الاشتداد.
فلعلّ ما ورد
في المنع ورد بالنسبة إليها ، وما ورد في الجواز ورد في القرى البعيدة عن الطرق
المسلوكة كثيرا ، وقلّما يتحقّق فيهم المارّة ، بل المشاهد الآن أنّ في أمثال
المواضع لا يبيعون ولا يشترون ، مدارهم على الأكل بلا عوض وعادتهم التحليل وعدم
المضايقة ، والله يعلم.
في بيع الحيوان
قوله
: هو عدم إمكان الانتفاع به ، وكأنّه الإجماع أيضا .. إلى آخره
.
ففيه الضرر
والغرر والسفاهة ، بل ربّما كان الجهالة ـ أيضا ـ في بعض المواضع.
هذا ، فيما لا
انتفاع فيه أصلا ، أو لا يكون انتفاعه حكميّا صحيحا عند العقلاء ، وأمّا إذا كان
فيه انتفاع حكمي ـ كما إذا أريد ذبحه ، أو يكون مذبوحا وبيع حالّا أو مؤجّلا بأجل
معيّن ويكون فيه الانتفاع الحكمي بعد أخذه وتسلّمه ، ولا يكون مقداره مجهولا
بالجهل الّذي يحصل به الغرر المنهي أو استحالة الانتقال ـ فلا
__________________
مانع من الصحّة كما سيجيء ، فتأمّل.
قوله
: لحصول العلم في الجملة ، وعدم معلوميّة الجهل المانع ، مع ما مرّ ، وما نجد فرقا
[ بين المذبوح وما يراد ذبحه ] .. إلى آخره
.
لأنّ هذا القدر
القليل من التفاوت بالنسبة إلى مجموع الحيوان ممّا يتسامح فيه عادة ، ولعدم الضرر
والغرر والسفاهة ، بخلاف ما لو كان المبيع هو الرأس أو الجلد ، لأنّ التفاوت
بالنسبة إلى هذا القدر القليل من المبيع ليس ممّا يتسامح به وغرر وضرر وسفه.
وأمّا الجلد ،
فالفساد فيه أظهر ، لأنّ المعتبر فيه الضخامة ، فلا بدّ من ملاحظتها.
وبالجملة ،
القلّة والكثرة تتفاوت بالقياس إلى المبيع بحسب العادة ، وهو ظاهر ، فتأمّل.
قوله
: والإجماع في تلف الكلّ ، لا العيب .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
رواية عقبة بن خالد ظاهرة في أنّ المشتري لا يصير ضامنا لماله إلّا بعد قبضه ـ
وسيذكر الرواية في مبحث الخيارات ـ والسند منجبر بعمل الأصحاب ، مضافا إلى استبعاد الفرق بين الكلّ والبعض ،
كما لا يخفى على المتتبّع ، فتأمّل.
قوله
: نعم ، الحكم مشهور بينهم من غير ذكر خلاف ، والعيب ما تقدّم .. إلى آخره
.
__________________
ما في الصحيح :
« عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو
الدابّة أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ قال : على البائع
حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري » ، وفي معناه
أخبار كثيرة .
والدلالة في
غاية الوضوح ، وإن كان ظاهرها أنّ المبيع ينتقل بعد الثلاثة ، إلّا أنّ الأدلّة
دالّة على الانتقال حين العقد ، كما سيجيء ويسلّمها الشارح أيضا.
فالأخبار
محمولة على الانتقال اللزومي ، وسيجيء تمام الكلام في مبحث الخيارات.
قوله
: تملّك العبد ، قال في « التذكرة » : المشهور عدمه .. إلى آخره
.
ورد أخبار
كثيرة في أنّ المملوك لا يورث ، كما سنذكرها في باب الميراث ، أو نشير إليها ، وهي
ظاهرة في عدم المالكيّة ، سيّما بملاحظة العمومات من الكتاب والسنّة في إرث الورثة
مال المورث.
والمحقّقون
وجّهوا تلك الأخبار بأنّها من جهة عدم مالكيّة العبد ، إلّا أن يقال بأنّ كلّ من
قال بأنّ العبد يملك يقول بمضمون هذه الأخبار فيجعل المملوكيّة مانعة عن التوارث
بين ورثة الحرّ وبينه.
__________________
وأمّا ورثته
المماليك ، فإنّهم لا يرثون قطعا ، لأنّ المملوكيّة حاجبة.
وفيه ، أنّه
على هذا لا يرثه المالك أيضا ، وهو خلاف مدلول الأخبار من كون المال مال مولاه ،
إلّا أن يقال : كون المال له من جهة الملك لا من جهة الإرث ، كما صرّح بعض
المحقّقين ، فتكون دالّة على عدم المالكيّة ـ كما قلنا ـ لكن يظهر
من « المسالك » أنّ القائل بأنّ العبد يملك يقول بأنّه ملك غير مستقرّ يعود إلى
السيّد إذا زال الملك عن رقبته ، كما إذا باعه ، أو أنّه رحمهالله يوجّه كلام القائل بذلك ، وسيجيء تتمّة الكلام في كتاب
الإرث إن شاء الله.
وعلى هذا ، لا
يكون في الأخبار الّتي استدلّ بها الشارح على عدم مالكيّة العبد دلالة ، بل ولا في الآية ، لأنّ
الملكيّة نوع سلطنة ، فهي منفيّة عن العبد ما دام مملوكا مطلقا ، وبعدها يخرج عن
ملكه ، فتأمّل.
ومع ذلك ، ما
دلّ على مالكيّة العبد بعضها صريح في خلاف ما ذكره في « المسالك » ، وبعضها ظاهر
فيه غاية الظهور.
قوله
: ورواية
أخرى عنه ،
عن جعفر ، عن أبيه .. إلى آخره
.
هذا يدلّ على
خلاف المطلوب.
__________________
قوله
: حيث يفهم عدم صلاحيّة المنفرد [ للبيع ] .. إلى آخره
.
فيه تأمّل
ظاهر.
قوله
: [ فهي بعيدة ] عن قانون الأصحاب
وهو ظاهر ، فكأنّه
للتقيّة .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
هذا في مقام التقيّة ، ويظهر منه أنّ العامّة في ذلك الزمان كانوا يجوّزون ، فيظهر
منه أنّ روايته عن الكاظم عليهالسلام كان تقيّة ، ويؤيّده نهاية شدّة التقيّة في زمانه عليهالسلام ، ولذا قد كثر منه ما يوافق التقيّة ، ويؤيّده عدم مناسبة هذا الفعل للحكيم
وأهل العفّة.
قوله
: صحيحة جميل بن درّاج .. إلى آخره
.
في الطريق
معاوية بن حكيم ، وهو فطحي موثّق .
قوله
: وقد تصدّى لتوجيه ظاهرها بعض ، وليس بتمام ، فالترك أولى ، لما مرّ .
في « الغوالي »
: ( وحملها بعض الأصحاب على أنّ الردّ على البائع ردّها على أربابها
لا لتكون عنده ، لأنّه أعرف بهم ، وأمّا استسعاؤها فإنّه جمع بين
__________________
الحقّين ، حقّ المشتري بعد ضياع ثمنه ، وحقّ مولى الجارية في حفظ عينها.
وإنّما جاز هنا
لأنّ مال المسلم معصوم بالأصل ، ومال أهل الصلح إنّما كان معصوما لعارض الصلح ،
وإذا عارض الأصليّ العارض قدّم ، فرجّح حفظ مال المسلم ) أقول : فيه ما
فيه ، ويمكن حمل الرواية على صورة تهمة السرقة ، لا بثبوتها ومعلوميّتها ، وحمل
الاستسعاء وغير ذلك على الاستحباب ، ويكون مخصوصا بصورة تمشّي ذلك الاستحباب
وإمكان استحصاله ، فتأمّل.
قوله
: وإن لم يكن دليله واضحا ، هذا إن لم يقصّر .. إلى آخره
الدليل ، عموم
: « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » ، خرج منه الأمانة بالنصّ والإجماع وبقي الباقي ، وليس
كلّ ما يسلّم صاحب المال أمانة واستئمانا ، بل الأمانة التماس من صاحب المال أن
يأخذ الأمين ويحفظه ، من حيث أنّ صاحب المال لا يتيسّر له الحفظ ويتيسّر للأمين ،
ولصاحب المال وثوق بحفظه ، فهذه مصلحة لصاحب المال والتماس منه وتعب على الأمين ،
وليس فيه مصلحة دنيويّة بحسب الأصل.
هذا بخلاف
المقبوض بالسوم وما ماثله ، فإنّ حكاية المصلحة والالتماس بحسب الأصل بالعكس ، ومع
ذلك ليس الإعطاء من جهة الاستئمان والوثوق
__________________
بالحفظ ، كما هو ظاهر ، والله يعلم.
قوله
: والأولى تركها ، لعدم الصحّة ، والعمل بالأصول
وقوانين المذهب ، وهو
ظاهر .. إلى آخره
لأنّ الخبر إذا
خالف الأصل والقاعدة الثابتة من الشرع لا شبهة في صيرورته معارضا له ولها ، فيصير
التعارض من باب التعارض بين العام والخاص ، فيعتبر في الجمع بينهما والعمل
بمجموعهما ما يعتبر في التعارض بين العام والخاص من كون الخاص مستجمعا لشرائط
العمل ، ومع ذلك يكون بحسب القوّة والمقاومة مقاوما ومقابلا له.
هذا حال
المخالفة لأصل واحد ، فكيف المخالفة لأصول متعدّدة؟! وورد في الخبر أنّ الخبر إذا
كان موافقا لسائر أحكام أهل البيت عليهمالسلام ومشابها له يكون حجّة ، وإلّا فلا يكون حجّة ، بل يجب
طرحه. وقد حقّقنا في موضعه.
قوله
: من جهة كون أنّ ظاهرها أنّه مأذون في التجارة فقط .. إلى آخره
لا يخفى أنّ ما
ذكره من أنّ ظاهرها أنّه مأذون للتجارة فقط حقّ ، لكن قوله : ( فكيف يصحّ .. إلى
آخره ) ، ليس بشيء ، إذ لا يظهر من الرواية أنّ وكالته كانت
حلالا جائزا في الواقع ، إذ ربّما كان الدافع غير عالم بأنّه عبد ، أو كان عالما
لكن أمره إيّاه بهما لم يكن على قانون الشرع ، بأن كان جاهلا بالمسألة ، أو كان
معتقدا أنّه مأذون في الوكالة أيضا ، وإن كان خطأ ، أو كان آثما في هذا الأمر ،
__________________
ولم يظهر من الرواية ما يخالف هذا ، أو كان مأذونا واقعا ، إلّا أنّ ورثة
المأذون كانوا يدّعون عدم الإذن ، كما ظهر من آخر الخبر ، ولذا قال : ( مأذون في
التجارة ).
وممّا ذكرنا
ظهر ما في قوله : ( فكيف .. إلى آخره ) ، إذ حاله حال وكالته فيما ذكرنا. وأمّا
قوله : ( وإن كان وكيلا فكيف .. إلى آخره ) ، ففيه أنّه يمكن أن يكون حاله حال الوكالة ، بأنّه لم
يكن مشروعا واقعا ، أو عند المدّعيين ، وأن يكون « حجّ عنّي بالباقي » وصاية ، وأمّا
أنّه فعله بالألف المأخوذ من الآمر ، فهو فرض المسألة بحسب الواقع ، لا بحسب ظاهر
الشرع وحكمه عند مخاصمة المتخاصمين.
وقوله : ( ما
كان لمولى الأب شيء في يد المأذون ) ، فكيف يدّعي [ ذلك ]؟ ففيه أنّه لا مانع من الدعوى ،
إذ لا يلزم أن يكون كلّ دعوى حقّا ، بل الدعاوي لا يخلو عن دعوى باطل البتّة ،
لأنّ اجتماع الضدّين أو النقيضين محال جزما ، مع أنّه ربّما كان عنده مال أو عثر
على مال له فأخذه واشترى.
وأمّا ( أنّه
لا يمكن شراء مال شخص .. إلى آخره ) ، فيه أنّه يدّعي أنّه ظهر كون الثمن ماله بعد تحقّق
المعاملة ، لا أنّ حال المعاملة كان ظاهرا له.
وبالجملة ، لا
ضرر من جهة الأمور الّتي ذكرها أصلا إلّا ما ذكره من ( أنّ
__________________
الحجّ كيف يصحّ .. إلى آخره ) ، وأنّ الأصل صحّة المعاملة ، فكيف حكمه عليهالسلام بالفساد؟! والإشكال الأوّل أيضا ليس بشيء ، لأنّ الأب
المعتق حجّ عن الميت باعتقاد كونه معتقا وأجيرا ، كما هو الظاهر من الرواية ، غاية
الأمر أنّه ظهر بعد ذلك كونه مملوكا حال الحجّ ، ولا شكّ في أنّ حجّه كان حلالا لا
نهي فيه أصلا ، لما ذكرنا ، ولأنّ مولاه باعه ورخّصه ، غاية الأمر أنّه ظهر بعد
ذلك أنّ بيعه كان باطلا ، فالعبادة الخالية عن النهي تكون صحيحة قطعا.
ولو كان أحد
أجنبي تبرّع عن الميّت بالحج عنه لكان صحيحا ويبرئ ذمّة الميّت
البتّة ، كما حقّق في محلّه ، فهذا أولى ، لأنّه بحسب ظاهر اعتقاده أنّه نائب وحجّ
نيابة عنه ولم يظهر ما يفسد هذا الفعل.
نعم ، لمولاه
أجرة الحجّ الّتي أخذها ، والعبد وما في يده لمولاه ، وكذا ما أنفق في الحجّ ، مع
أنّه ساكت عن الأجرة راض بما فعله وأخذه ، إنّما كلامه في مملوكيّته لغيره
وانتقاله إليه ، كما هو الظاهر من الرواية.
وأمّا الحكم
بفساد المعاملة ، فلأنّ الّذي يقتضي الحكم بصحّتها ـ إذا نوزع في كونها صحيحة ـ
حمل أفعال المسلم على الصّحّة ، وهنا إن حملنا على الصحّة يلزم أن يصير الأب مملوك
الدافع ومعتقا ، لأنّ العبد يدّعي الصحّة بهذا النحو ، فلو كان من جهة كونه مسلما
فعله محمولا على الصحيح يلزم ما ذكرناه ، وإلّا فلا دليل على صحّة المعاملة عند
النزاع سوى ما ذكرنا.
وهنا لا يمكن
الحكم بصحّة فعله من حيث كونه مسلما ، لأنّه محجور شرعا
__________________
جزما ، والمولى ينكر رفع حجره فيما ادّعاه ويقول : ما أذنت له سوى التجارة
لنفسي ، والعبد يدّعي رفع حجره في الشراء لغيره والعتق عنه ، فلا يسمع منه ما لم
يثبت بالبيّنة ، لا بأنّه مسلم والأصل في فعله الصحّة.
ولذا لو تزوّج
العبد والمولى ينكر إذنه فيه ولا يرضى ، يصير باطلا جزما ، وكذا إن وهب أموال
السيّد ، أو تصرّف في نفسه أو أموال المولى والمولى لا يرضى يكون باطلا جزما ،
وإلّا يفسد على المولى أموره.
وأيضا ،
المحجور بالسفه أو الفلس لو ادّعى رفع حجره في معاملة وعامله ، وأنكر الولي
والحاكم الإذن يكون باطلا حتّى يثبت الإذن ، والله يعلم.
في بيع الصرف
قوله
: ولهذا يصحّ بيع بعضه ببعض .. إلى آخره
وسيجيء في بيع
تراب الصياغة أنّه عليهالسلام قال : « بعه بطعام »
قوله
: وفيه تأمّل ، إذ الإثم بذلك [ مشكل ] .. إلى آخره
لا يخفى أنّه
ورد النهي عن ذلك ، وهو حقيقة في الحرمة عنده وعندهم ، وورد في بعض
الأخبار أنّه ربا ، فليلاحظ.
قوله
: [ ما أحبّ ] أن تفارقه حتّى تأخذ الدنانير ، فقلت : إنّما هم. إلى
__________________
آخره
الظاهر من هذا
التفريع ، وقوله : « وهذا يشقّ عليهم » أنّ الراوي فهم من قوله عليهالسلام : « ما أحبّ » أنّه حرام ، ويظهر ذلك من جواب المعصوم عليهالسلام أيضا ، وأنّه عليهالسلام قرّره على فهمه ، بل ويظهر منه إرادته الحرمة ، كما هو
الحال في كثير من المواضع من أنّهم لا يريدون منه ومن لفظ الكراهة إلّا الحرمة ،
ومرّ : « إنّ عليّا عليهالسلام ما كان يكره الحلال » ، وغير ذلك ،
والعرف أيضا كثيرا ما يعبّرون كذلك ، فتأمّل.
قوله
: وأصل الصحّة ، وعموم الأدلّة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة .. إلى
آخره
قد عرفت أنّ
هذا الأصل لا أصل له ، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي والأصل عدم
الترتّب حتّى يثبت بدليل ، وكذا الأصل بقاء الحالة السابقة حتّى يثبت خلافه ، فظهر
أنّ الأصل عدم الصحّة.
وأمّا العمومات
، فلا تقاوم الخصوصات الصحيحة السند المفتي بها عند جلّ العلماء ـ بل كاد أن يكون
الكلّ ـ والدلالة واضحة ، لأنّ النهي حقيقة في الحرمة وأمّا « لا أحبّ » فإنّه ليس
حقيقة إلّا في القدر المشترك ، وإن كان مشعرا بالاستحباب ، مع أنّ تفريعه عليهالسلام بقوله : « فلا تفعله » ، قرينة على أنّ مراده كان هو
المعنى الأعمّ الّذي هو حقيقة فيه ، مع أنّا قد أشرنا إلى أنّ الراوي فهم الحرمة
__________________
والمعصوم عليهالسلام قرّره ، بل جوابه أيضا ظاهر في إرادته الحرمة ، كما هو
الشأن في كثير من المواضع.
مع أنّ المراد
لو كان مجرّد نفس الصحّة لكان يقول : إن شئت أن ترتّب على فعلك الأثر على سبيل
اللزوم فافعل كذا ، وأين هذا من دلالة الأخبار؟ بل قوله عليهالسلام : « لا أحبّ » أيضا لا يوافق هذا.
وأمّا الدلالة
على الاشتراط ، فلما عرفت من عدم دليل على صحّة هذا البيع المنهي عنه ، لأنّ
الدليل هو ( أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ ) ، و ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، و ( إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ، وشيء من ذلك لا يشمل الحرام ، كما هو ظاهر على من
تأمّل أدنى تأمّل ، مضافا إلى ما ورد من أنّه ربا.
على أنّه رحمهالله صرّح في بحث بيع الفضولي أنّ الظاهر أنّ النهي إنّما هو
لعدم قابليّته للبيع وعدم صلاحيّته له وغير خفيّ على المتأمّل أنّه لو كان كما ذكره ، فما نحن
فيه أولى ، كما لا يخفى على من تأمّل في هذه الأخبار ، مثل قوله عليهالسلام : « إن نزا جدارا فانز معه » ، وقوله : «
فليأمر الغلام .. إلى آخره » ، وغير ذلك ، فتأمّل.
__________________
مضافا إلى ما
ورد من أنّه ربا ، ولو لم يكن ربا حقيقة إلّا أنّه في حكمه ، لأنّ
الإطلاق إمّا على سبيل الحقيقة أو المجاز ، وعلى الأوّل ، فالأمر ظاهر ، وأمّا على
الثّاني ، فلأنّ العلاقة هو الحكم الشرعي ، وهو الحكم الظاهر الشائع الّذي في
الربا ، فتأمّل.
وممّا يؤيّد ،
الإجماع الّذي نقله.
وأمّا المعارض
، ففيه ما ذكره رحمهالله ، بل وأزيد ، مثل : شذوذها ، وكون الراوي مثل عمّار ،
فلا بعد فيما ذكره من كون النسيئة قبل القبض ، من جهة أنّ الروايات روايات عمّار ،
فكثيرا ما يكون في رواياته عدم الضبط التام ، فتأمّل.
قوله
: مثل حسنة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى آخره
لا يظهر من
الحسنتين أنّ المراد منهما ما ذكره ، بل يحتمل أنّ المراد منهما
هو الإنفاق بجعله ثمنا أو مبيعا ، لا أنّه يعاوض بمثله ، بل في « التهذيب » صرّح
بلفظ الإنفاق في الحسنة الاولى في آخر الرواية أيضا ، وسيعترف الشارح رحمهالله بما قلنا في قول المصنّف رحمهالله : ( ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة )
قوله
: ولكن إنّه يحيى بن أبي القاسم المكفوف .. إلى آخره
هو ثقة إمامي ،
كما حقّقناه في الرجال.
__________________
وإنّ الحكم
بالوقف سهو واشتباه
قوله
: من جهة أنّه ـ حينئذ ـ بيع دين بدين ، والظاهر عدمه .. إلى آخره
لا تأمّل في
أنّه لا يجوز.
قوله
: ولهذا لم يسمّ الأخبار الّتي هو فيه بالصحّة .. إلى آخره
بل يسمّي
بالضعف ، وإن ذكرنا في الرجال فيه توثيقا من موضع ، فليلاحظ!.
قوله
: بل جعل [ صياغة خاتم الصائغ في مقابلة ] تبديل درهم جيّد بدرهم رديء .. إلى
آخره
بل لا خفاء في
أنّ الظاهر أنّه جعل مجرّد التبديل أجرة الصياغة ، وأنّه ليس ببيع أصلا.
قوله
: ولكن بقي أنّه قد يكون صياغة الخاتم [ مقابلا لرداءة الدرهم ] .. إلى آخره
مع أنّ المذكور
في الرواية ليس إلّا مجرّد الوعدة ، لا المشارطة والمعاقدة ، مع
أنّه لا يظهر منها مساواة الوزن.
وسيجيء في
كتاب القرض رواية متضمّنة لكون الدراهم السود أثقل من
__________________
البيض ، وأيضا الدراهم كانت توزن ، فكانت ثقيلة وخفيفة قطعا ،
فتأمّل.
قوله
: ولهذا لا يتحقّق الربا بين الجيّد [ في غاية الجيادة والرديء ] .. إلى آخره
هذا فيما إذا
كان التمام فضّة إلّا أنّها رديئة ، أمّا إذا كان بعضها غير فضّة إلّا أنّه غشّ
ودخل في الفضّة وخلط بها ، أو يكون طبقة من فضّة وطبقة من نحاس ـ مثلا ـ فلا.
وقد مرّ في
حسنتي علي بن رئاب وعمر بن يزيد ما يدلّ على وجود هذا الدرهم في ذلك الزمان ، وأنّه لا
مانع من إنفاقه إذا كان جاريا بين الناس.
وسيجيء رواية
حريز أيضا ، عند قول المصنّف : ( ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة )
قوله
: [ ولأنّ العقد على كلّ بمنزلة العقد على كلّ جزء جزء ] ولعلّه لا خلاف بينهم ..
إلى آخره
لأنّ البائع
جعل في ذمّته وعلى عهدته أن يؤدّي جميع ما أوقع عليه العقد ، فيجب عليه الوفاء
كذلك ، ومقتضى ذلك أن يؤدّي كلّ جزء جزء ، فإذا حصل
__________________
المانع بالنسبة إلى البعض ليس له أن يقول : لا أؤدّي الباقي ، ولقوله عليهالسلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، وقوله عليهالسلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، فتأمّل.
قوله
: لأنّ الغرض هو التساوي بين الجنسين [ ، والأرش زيادة جزء ] .. إلى آخره
.
فإذا اختلف
الجنسان يجوز أخذ الأرش ، لعدم الربا ، فإن كان مقبوضا قبل مفارقة المجلس فلا كلام
، وإلّا فإن قلنا : إنّ الأرش منحصر بحسب وضع الشرع في الأثمان السليمة أو
المسلوكة بين الناس أو الأعمّ منها ومن المعيبة ، فالأرش باطل ، لفوت شرط الصحّة ،
لأنّ الأرش جزء المبيع أو الثمن ، فلا بدّ فيه من القبض قبل مفارقة المجلس.
وإن قلنا : إنّ
الأرش هو تفاوت القيمة صحيحا ومعيبا مطلقا ـ أعمّ من أن يكون من الأثمان أو من
العروض ، كما هو ظاهر عبارة « القواعد » ـ فالأرش صحيح ، وينصرف إلى العروض ، ومتعيّن فيها.
ويمكن توجيه
عبارة « القواعد » ، بأنّ الأرش وإن كان بحسب أصل الوضع هو الأثمان السليمة ، إلّا
أنّه يجوز أن يأخذ مستحقّه عوضه بالتراضي وبحسب الشرط في ضمن عقد المبايعة ، سيّما
ومع أداء الحاجة إليه ، لأنّ تعيين الأخذ مجّانا ضرر ، كتعيين الردّ ، ولذا عمّم
الأرش ، فتدبّر.
__________________
هذا ، ثمّ إنّه
على تقدير عدم إمكان الأرش في المختلفين ، هل يكون الحكم مثل المتّفقين من انحصار
التخيير بين الردّ والإمساك بغير أرش؟ أم يكون ما يقابل الأرش من العوض باطلا ،
فيأخذ بالنسبة؟ أو يردّ ، على ما سيجيء من اختيار الشارح في السّلف معلّلا بأنّ
الأرش جزء من الثمن ؟
وسيجيء تمام
الكلام في أحكام العيب ، فلاحظ.
قوله
: فإنّه قد يشمّ منه رائحة المخالفة ، لما تقدّم .. إلى آخره
.
لا مخالفة ،
لأنّ المبيع في الحقيقة مجموع أجزاء كلّ جزء موصوف بالصحّة ، ونفس الصحّة أيضا جزء
، وعلى البائع أن يؤدّي جميع ما أمكنه أن يؤدّي ، لأنّ التكليف بالمجموع تكليف
بمجموع أجزاء كلّ جزء في ضمن الكلّ ، فالتكليف بكلّ جزء مستصحب حتّى يثبت خلافه ،
ومجرّد عدم التمكّن من الجزء الآخر لا يرفع التكليف ولا يثبت خلافه ، للاستصحاب
وللإطلاق ، والعموم في الوفاء بكلّ جزء جزء ، وللأخبار ، مثل : « الميسور لا يسقط
بالمعسور » وغيره.
وجميع ما ذكر
إنّما هو بالقياس إلى ما لا يمكن ، وأمّا الأجزاء الممكنة فالواجب على المشتري
إمّا أخذ الجميع أو ردّ الجميع ، ولا يمكنه أن يقول : أردّ بعض الممكن وأمسك بعضه
من جهة أنّ بعضا منه لا يمكن الحصول ، وللبائع أن يقول : الجزء المعيب إن كان
داخلا في عقدك ومن جملة الأجزاء لمبيعك ، فكيف تردّه عليّ بخصوصه ، من جهة عدم
تمكّني من الجزء الآخر الّذي هو صحّة ذلك الجزء؟ وإن لم يكن داخلا ولا جزءا من
مبيعك ، فكيف تأخذه منّي قهرا عند اختيارك الإمساك والأرش؟ وهذا تحكّم بحت منك ،
بالنظر إلى مقتضى العقود والعهود والشروط ، فتدبّر.
__________________
في النقد والنسيئة
قوله
: فإن كان الثمن حالّا بأن شرط الحلول .. إلى آخره
.
مقتضى العقد
حلول اشتغال الذمّة إذا كان مطلقا ، فلو شرط ذلك لم يفد سوى التأكيد ، ولو شرط
تعجيل الثمن ـ أي فعليّة إقباضه بعد العقد بلا فصل عرفي ـ فلا شكّ في أنّ هذا
مغاير للأوّل ، وكذا فعليّة الإقباض في زمان معيّن ، ولا يخفى أنّهما شرطان
صحيحان.
نعم ، لو شرط
فعليّة الإقباض بلا تعيين زمانه فالشرط باطل إن لم يفهم من هذا الإطلاق تعجيله ،
وإلّا فهو أيضا صحيح ، وشرط ، مثل الصورتين السابقتين وثمره ثمرهما ، وهو أنّه إذا
أخلّ المشتري به يكون للبائع خيار الفسخ ، لأنّ المشتري ما وفى بجميع الشروط وما
أدّى جميع ما شرط كونه بإزاء المبيع وكلّ ما وقع العقد عليه ، ولا يمكنه تدارك ما
أخلّ به حتّى يمنع البائع عن الفسخ ويلزمه بالوفاء بما عقد عليه ، لأنّ فعليّة
الإقباض من المشتري في أيّ وقت يكون ـ سوى الوقت الّذي وقع العقد والشرط عليه ـ لا
ينفعه أصلا ، لأنّه مغاير للشرط.
فالشرط في صورة
الإخلال به متعذّر الحصول ، محال الوجود ، لما عرفت من أنّ كلّ ما يمكن أن يوجد
فهو أمر غير الشرط ، والقاعدة المسلّمة عند الكلّ والصحيحة بالأدلّة الّتي أشرنا
إليها مكرّرا أنّه عند تعذّر مجموع ما جعل عوض الشيء في المعاملة تكون المعاملة
غير صحيحة ، وعند تعذّر بعضه يحصل خيار
__________________
الفسخ ، وهذا الرضا من البائع غير رضاه حين العقد ، بل حدث منه بعد تعذّر
الشرط وإمكان المشروط وجواز التزامه المشتري بالقدر الممكن وبحسب ما اقتضاه
الأدلّة ، فهو صحيح من جهة دلالة الأدلّة. والله يعلم.
قوله
: فكأنّه عقد وشرط ، وقصد لزوم العقد معه من صاحبه مع إتيان الآخر به .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
البيع من العقود اللازمة والأصل فيه اللزوم ، فإن أردت أنّ الشرط مؤكّد للزومه ،
فمع فساده في نفسه ، محذورك باق على حاله. وإن أردت أنّه لا يفيد اللزوم إلّا من
جهة الشرط ، فقد عرفت فساده. وإن أردت أنّ مثل هذا البيع يكون المراد من نفس البيع
مجرّد الانتقال واللزوم يراد فيه من خصوص الشرط ، فهو أيضا فاسد ، فإنّ المتبايعين
حالهما بالنسبة إلى الشرط بعينه حالهما بالنسبة إلى الثمن ، فكما لا يرضى البائع
أن يكون مبيعه ملكا للمشتري مجّانا بغير عوض ومن دون ثمن ، بل جعله ملكا له بالثمن
والعوض قطعا والمشتري أيضا أقدم على ذلك جزما ، فكذا لا يرضى أن يصير ملكا له بدون
الشرط المذكور ، والمشتري أيضا أقدم على ذلك جزما ، من دون فرق بين الثمن والشرط
فيما ذكرنا أصلا ، لا بحسب عبارتهما في العقد ، ولا بحسب مدلول عبارتهما ، ولا
بحسب إرادتهما وقصدهما بالوجدان والمشاهدة ، ولذا يكون الشرط من جملة الثمن ،
واتّفق الفقهاء على ذلك ، بل لو ألقى ما ذكره الشارح إلى المتعاقدين لا يكاد
يمكنهما فهم ذلك ودركه ، فكيف يحكم بكون ذلك مرادهما؟ وإن شئت فجرّب.
وبالجملة ، لا
شبهة في فساد ما ذكره بالنسبة إلى مقصود المتبايعين.
وإن أردت أنّ
الفقهاء يقولون أنّه لا بدّ للمتبايعين أن يفعلا كذلك في مثل
__________________
هذا البيع ، فهو أيضا فاسد قطعا ، بل لا يتوجّهون إلّا إلى حكم معاملة
المتبايعين لا أنّهم يخترعون معاملة وينكرون معاملتهما.
وما ذكر لا
يخفى على من له أدنى تأمّل ، ولهذا قال الشارح رحمهالله : ( وأمّا عباراتهم .. إلى آخره ) .
وأيضا ، إن
أراد الشارح أنّ هذا البيع بيع بعوضين جوازا ولزوما ، جوازا بكذا ، ولزوما بكذا ،
فهو باطل جزما ، للجهل وعدم التعيين ، كما هو الحال في البيع بثمنين إلى أجلين ،
مع أنّه يلزم ـ على هذا ـ أنّه لو اختار المشتري العوض الجوازي لا يكون عليه شيء
أصلا ، ولا اعتراض مطلقا ، وهو خلاف ما اقتضته الأدلّة ، كما صرّح به ، بل خلاف
فتوى الفقهاء أيضا كما عرفت ، وخلاف ما عليه المتبايعان البتّة ، وخلاف الطريقة
المسلوكة من المسلمين.
مع أنّه يلزم
على ذلك أن يكون للمشتري أيضا خيار الفسخ كالبائع ، وهو خلاف ما اتّفق عليه
الفقهاء في جميع مواضع الخيار ، مع أنّ البيع الجوازي غير موجود شرعا ، لأنّ البيع
لزومي. نعم ، ربّما يعرضه جواز بقدر قليل ثبت من طرف الشرع ، وإلّا فالأصل فيه
اللزوم ، ولا بدّ من اللزوم فيه على أيّ حال.
وإن أراد أنّ
البيع بيع واحد لزومي فقط وليس التراضي إلّا به ، فمع اختلال الشرط عند الشارح
يصير فاسدا ، لعدم تحقّق الشرط ، وإن قال عند تعذّر الشرط يتحقّق خيار الفسخ لعدم
تحقّق جميع العوض والإمضاء ، لإمكان إلزام المشتري بالقدر الممكن ، كما هو الحال
في تبعّض الصفقة وخيار العيب وأمثالهما ، فمع أنّه خلاف ما اختاره ، لأنّه يناقش
فيما ذكروا بما يرجع إلى ما ذكرناه بعينه ، فلا حاجة
__________________
إلى العنايات الفاسدة ، فتدبّر.
قوله
: وأمّا عباراتهم في ذكر الشروط .. إلى آخره
.
قد عرفت من
الحاشية أنّه لا غبار في كلماتهم ، وأنّ مطلوبهم واحد ، وأنّ الشرط شرط نفس العقد
، وأنّ الرجوع إلى الجواز إنّما هو بعد تعذّر الشرط ، لقاعدتهم الصحيحة الثابتة ،
وأنّ الجواز إنّما هو بالنسبة إلى أحد طرفي العقد ، وهو الّذي له الشرط المتعذّر
لا الّذي عليه ذلك الشرط ، وأنّ ذلك عند التبعّض لا تعذّر جميع العوض ، وأنّ
اختيار الإمضاء برضا جديد منه لا الرضا الّذي كان حين العقد ، وظهر الإشارة إلى
الوجه في جميع ما ذكر ، فتدبّر.
قوله
: [ فالظاهر عدم الفرق بينه وبين عدمه مع التعجيل ] والإطلاق ، بل مع التأجيل أيضا
.. إلى آخره .
لقائل أن يقول
: مقتضى الإطلاق انتقال كلّ واحد من العوضين إلى الآخر وصيرورته حقّا له وملكا من
أملاكه ، فإذا لم يعطه يكون غاصبا آثما ولصاحب الحقّ أن يأخذه قهرا إذا تمكّن منه
، وكذا خفية إذا تمكّن منه ، وإلّا فله أن لا يعطي العوض ، بل يأخذه تقاصّا ، هذا
بخلاف ما لو شرط تعجيل الإعطاء والمسارعة إلى الإقباض ، فالظاهر أنّه شرط زائد عن
مقتضى الإطلاق ، وأنّه داخل في الشروط وحكمه حكمها ، ويكون معنى العقد أنّ المبيع
ملكك بشرط تعجيل الثمن.
فوجوب الوفاء
إنّما هو بعد تحقّق الشرط.
وأمّا كون هذا
موجبا للخيار لا أنّه مبطل لو لم يتحقّق الشرط ، فلأنّه حقّ من حقوق البائع جعله
بإزاء المبيع ، فكأنّه قال : المبيع ملكك بشرطين ، الثمن المعيّن ، وكونه يصل إليّ
معجّلا ، والمشتري رضي بذلك ، فيجب عليه الوفاء
__________________
بالشرطين ، فإذا لم يف بالتعجيل ورضي البائع بالشرط الآخر فقط ، يجب على
المشتري الوفاء بإعطائه ، لأنّه كان واجبا عليه في ضمن المجموع ، وكان هو واجبا
وغيره ، فلا معنى لأن يعتذر بأنّي لما لم أعط الشرط الآخر وفات ، فلي أن لا أعطي
الشرط الممكن أيضا وأفسخ البيع.
وهذا مثل خيار
تبعّض الصفقة ، بل وأولى منه ، كما لا يخفى.
ومن هذا ظهر ما
في قوله : ( وإذا سلم في الشروط .. إلى آخره ) ، إذ ظهر الدليل ، وأنّه لا حاجة إلى الإجماع ، وأنّه
لا وجه لتوقّفه في الشروط أيضا ، وأنّ دليله جار فيما نحن فيه ، فتأمّل.
قوله
: [ المقصود والمفاد وصريحة ] لزوم الإعطاء بعد العقد بلا فصل .. إلى آخره
.
فيه ، أنّه على
هذا يكون الإقباض داخلا في ماهيّة البيع وحقيقة العقد ، وأنّ به يتحقّق الانتقال
في الملك لا بالعقد ، وأنّ القبول لا فائدة فيه ، وأنّ الركن هو
الإقباض ، بل الإيجاب أيضا لا فائدة فيه ، لأنّ المشتري أيضا لا يرضى بغير الإقباض
كالبائع ، فيكون ركنا البيع هما الإقباضان ، فيبطل جميع الأحكام المتعلّقة بعدم
الإقباض بعد البيع ، مثل : تلف المبيع قبل القبض ، وغير ذلك.
وأيضا ، قد مرّ
أنّ القدرة على التسليم في الجملة شرط للبيع ، فكيف يكون نفس التسليم ركنا ومحقّقا
للماهيّة؟! وبالجملة ، إن جعل معنى البيع والشراء وعقدهما هو أنّ المبيع ـ مثلا ـ
ملكك بشرط أن يكون الثمن ملكي وأن تقبضني إيّاه حتّى يصير ملكك ـ وكذا
__________________
الحال في جانب المشتري ـ فالأمر كما ذكرناه.
وإن جعل المعنى
أنّ المبيع ـ مثلا ـ ملكك بإزاء أن يكون الثمن ملكي ، فلا وجه لما ذكره الشارح رحمهالله ، لأنّ الّذي لم يقبض يكون آثما غاصبا ، كما ذكرناه ،
فتأمّل.
قوله
: ويؤيّده الأصل ، وعدم الضرر على الممتنع ، وحصوله .. إلى آخره
.
قد عرفت الفرق
بين اشتراط فعليّة الإقباض وعدم الاشتراط ، وكذا الفرق بين تعذّر العوض واستحالته
وعدم تعذّره واستحالته ، وكذا الفرق بين تعذّر الجميع وتعذّر البعض ، وحكم كلّ
واحدة من الصور ، وأنّ الحكم هو الّذي حكم به الفقهاء لا غير ، وحكمهم صحيح ثابت
من الأدلّة ، وأشرنا إلى الأدلّة.
فلا وجه لما
ذكره ، وكذا لا وجه لقوله : ( إلّا أنّ في صحيحة علي .. إلى آخره ) ، إذ هو
الخيار في التأخير المسلّم عند الفقهاء بصورته المذكورة في
الأخبار ، وشروطه الظاهرة منها.
قوله
: وكأنّه محمول على الخيار وعدم اللزوم ، لكن مع عدم قبض المبيع أيضا .. إلى آخره
.
إن شاء الله
سيذكر في بحث الخيارات أنّ ظاهرها عدم اللزوم للمشتري ،
__________________
فلاحظ! ، وادّعوا على ذلك الإجماع أيضا.
قوله
: وفي سند الأخيرة أبو إسحاق ، وهو مذكور .. إلى آخره .
هو إبراهيم بن
هاشم ، وهو من الأعاظم المعروفين ، ولذا ذكره في الأوّل ، ولم يتعرّض لوجهه.
وأمّا محمّد بن
أبي حمزة ، فالظاهر عدم الاشتراك ، كما حقّق .
قوله
: [ بين البجليّ الثقة ] والثمالي المهمل ، فحمل الشيخ غير بعيد .. إلى آخره
.
لا شبهة في أنّ
الثقة هو محمّد بن أبي حمزة الثمالي ، والمهمل ـ إن كان ـ فهو محمّد بن أبي حمزة
التيملي .
وأمّا محمّد بن
أبي حمزة البجليّ ، فغير مذكور أصلا ، لا في كتب الرجال ، ولا في غيرها ، وهو
توهّم من الشارح رحمهالله.
قوله
: ولأنّه قد يؤول إلى النزاع والتشاجر [ فيبطل حينئذ ] .. إلى آخره .
ولأنّ مقتضى
العقد الانتقال من حين العقد ، وغير المعيّن لا ينتقل البتّة ، فتأمّل.
قوله
: لأنّه مردّد ، ويؤيّده [ ما نقل عن العامّة والخاصّة ]
.
ولأنّ العقد
يقتضي الانتقال ـ كما قلنا ـ وهذا فرع التعيين ، إذ لم يتعيّن
__________________
انتقاله ، لأنّه لم يتعيّن المنتقل ، فأيّ شيء انتقل وأيّهما تحقّق؟!
قوله
: [ من النهي عن بيعين ] في بيع واحد ، وقد فسّر بمثل ذلك .. إلى آخره .
الدال بإطلاقه
على النهي فيما نحن فيه ، وإن احتمل معنى آخر ، لأنّ الاحتمال من باب شمول الإطلاق
والعموم ، فتأمّل.
قوله
: لعدم الفرق ، وهي رواية النوفلي .. إلى آخره
.
هذا بناء على
ما سيذكره من أنّ الأجلين تغليب ، لكن يشكل التعدّي على هذا ، لأنّ الظاهر أنّه
قياس ، والأولى التمسّك بعدم القول بالفصل إن كان إجماع مركّب ، أو البناء على أنّ
العدول من قوله : ( نسيئة ) ، مع غاية اختصاره ، ووضوح دلالته ، ومطابقته لما ذكر
في صورة المسألة ، ومناسبته له إلى القول الطويل المخالف لما ذكر ، لفائدة إظهار
التعميم وجعل القاعدة كلّية ، كما فهم الجماعة ، فتأمّل.
قوله
: فخذها بأيّ ثمن شئت ، واجعل صفقتها واحدة .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الظاهر من هذا الكلام عدم تحقّق المبايعة ، لأنّ المشتري أحد طرفي العقد والآن
يقول البائع له : خذها بأيّ ثمن شئت واجعل الصفقة ـ أي بعد الأخذ والاختيار ـ كما
هو ظاهر أيضا ، فالمشتري إن أخذ بالثمن الّذي شاء فلا شكّ في أنّه معيّن فتصير
الصفقة على ذلك المعيّن ، وإلّا فلم يقع بيع كما هو ظاهر
__________________
الرواية ، فكيف يتأتّى الاستدلال بها للمقام؟! ويمكن المناقشة بمثل ذلك في
الرواية الأولى أيضا ، فتأمّل.
قوله
: لعلّ معناه أنّه يبيّن كلّ واحد منهما [ قبل وقوع البيع ] .. إلى آخره
.
هذا بعيد ، بل
الظاهر أنّ المراد أنّه لا بدّ من تعيين أحدهما قبل البيع وإيقاع البيع بذلك
المعيّن ، وأمّا إذا لم يعيّن فليس له إلّا أقلّهما وإن كانت نظرة ، وهذا إمّا انتقام
ومؤاخذة منه بسبب تقصيره في التعيين حين الصفقة وعدم مراعاته فقه التجارة وآدابها
، أو محمول على الاستحباب من جهة مسامحته في الفقه فيها ، أو المراد أنّه لا يعطى
غالبا إلّا أقلّهما ـ وإن كانت نظرة ـ من جهة أنّه لمّا لم يقع ضبط وتعيين تقع
منازعات ومخاصمات وتعليلات من المشتري في اختياره الأقل ، وأنّ بناءه كان على
الإعطاء عاجلا ، فحصل التأخير من طرف البائع والتقصير من جهته.
هذا وأمثال هذا
، حتّى أنّ المشتري ربّما يصرّح باختيار النقد والعاجل إلّا أنّه مماطل بدعوى
اختياره الأجل بعد الاختيار الأوّل ويبني أمره على التزلزل ، فتأمّل.
ويمكن أن يكون
ذلك إظهارا لفساد العقد ووقوع التسليط على الإتلاف بإزاء أن يعطي أحد الثمنين ،
فلا تسلّط له في أخذ
الأكثر بعد أن
رضي بالأقل أيضا ، وكون الأقل بقيد التعجيل والحلول غير نافع ، لعدم تحقّق حلول في
الفاسد ، وكذا المؤجّل الفاسد لا يتحقّق فيه تأجيل شرعا ، فيأخذ العين من الحين
والعوض كذلك إن تلفت ، تأمّل فيه.
__________________
قوله
: وهذه ما ذكرها في « التذكرة » ، وأظنّ حسن سندها ، لأنّ الظاهر أنّ محمد بن قيس
هو الثقة الّذي ينقل عنه .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
هذه الرواية لا يمكن أن تصير دليلا للجماعة ، لأنّ مقتضاها تسلّط
البائع على أخذ الأقل حالّا أيضا ، حيث جعل النظرة هي الفرد الأخفى ، فالأصلي هو
الحالّ ، وظاهرها أنّ البائع ليس له إلّا الأقلّ وإن أخّر الأخذ إلى الأجل طمعا في
أخذ الأكثر الّذي شرطه ، مع أنّ ظاهرها عدم وقوع المبايعة ، بل مجرّد المساومة ، بل
قوله : « فخذها بأيّ ثمن شئت ، واجعل صفقتها » ظاهر في جعل العقد والمبايعة
بالنسبة إلى خصوص أحد الثمنين ، لأنّ الصفقة هي العقد والمبايعة ، وقال : اجعل
صفقة تلك السلعة واحدة ، لأنّ ظاهر السياق أنّ قوله : « أجعل » أمر كلفظ : خذ ،
وخذ بأيّ ثمن تعيين لا ترديد ، لأنّه إمّا أن يأخذ بالأقل أو يأخذ بالأكثر حتّى
يطابق أمر البائع وطلبه ، وظاهرها أنّ جعل الصفقة واحدة هو بعيد الأخذ والاختيار.
فيكون الظاهر ما ذكرناه ، وإن قلنا أنّ قوله : « أجعل » ـ على صيغة المتكلّم ـ
فتأمّل! والحاصل ، أنّه لم يظهر من الرواية أنّ المعاملة وقعت بأزيد ممّا تكلّم به
البائع ، فيقول المعصوم عليهالسلام : إذا وقعت بمجرّد ما تكلّم به البائع من غير تعيين قبل
البيع وإيقاع الصفقة بذلك المعيّن ، وأراد البائع أن يأخذ من المشتري ثمن هذه
المعاملة الواقعة بمجرّد ما ذكره البائع ، فليس للبائع تسلّط على أن يأخذ من
المشتري الثمن الأكثر وإن كان أنظره إلى الأجل ، إذ بمجرّد الإنظار ـ الّذي هو
فعله ـ لا يستحقّ أن يأخذ من المشتري ذلك الثمن.
__________________
وأمّا المشتري
وإن وعد وشرط أن يعطي الأكثر بعد النظرة إلّا أنّه لا يلزم عليه الوفاء ، بحيث
يتسلّط على الأخذ منه بائع المتاع أو غيره ، بل لا يجب عليه الوفاء. نعم ، يستحبّ
عليه الوفاء ، لأنّ كلّ شرط ووعد يتحقّق من المسلم لا يجب عليه الوفاء ولا يتسلّط
على الأخذ منه آخذ ما لم يقع في ضمن عقد لازم ، ولم يقع هاهنا في ضمن العقد اللازم
، إذ لم تقع المعاملة بأزيد ممّا ذكره البائع في مقام المساومة.
على أنّه على
تقدير أن يقدّر في الحديث حكاية وقوع المعاملة بصفقة واحدة بعنوان الترديد بين
الشقّين ـ كما فهمه الشارح ـ وإن كان خلاف ما يظهر من الحديث.
فحكم المعصوم
أيضا ـ كما ذكرنا ـ موافق للقاعدة ، لعدم صحّة المعاملة ، كما هو المشهور عند
الأصحاب ، فإذا أراد أن يعطي متاعه للمشتري ويأخذ ثمنه منه فليس له ـ على سبيل
التسلّط ـ إلّا أخذ الأقلّ ، فتأمّل.
قوله
: ولا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب النفس
منه .. إلى آخره .
ولقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
مِنْكُمْ ) ، وقوله : ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ
) ، و ( أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ ) ، و
__________________
« المسلمون عند شروطهم » ، وغير ذلك ممّا يظهر من تتبّع تضاعيف أحاديث الأحكام.
وورد منهم عليهمالسلام أنّه : إذا ورد إليكم حديث فاعرضوه على سائر أحكامنا ،
فإن وجدتم موافقا لها فاقبلوا ، وإلّا فلا ، والعبارة ليست ببالي ، إلّا أنّها بهذا المضمون.
قوله
: [ فكيف العمل بها ] مع كونها حسنة؟! .. إلى آخره
.
بل وغير معمول
بها أيضا ، كما عرفت.
قوله
: [ دخوله تحت الغرر المنفي والجهل الممنوع غير ظاهر ] ، لأنّ الاختيار إليه ،
وعلى كلّ من التقديرين الثمن معلوم .. إلى آخره
.
لا يخفى ، أنّ
الكلام في وقوع المبايعة كذلك ، لا أن يكون خصوص الإيجاب كذلك ، والمشتري يقبل أحد
طرفي ذلك ، فيحصل التعيين لذلك ، ويقع العقد ـ الّذي هو مجموع الإيجاب والقبول ـ
على المعيّن مع الإشكال في الإيجاب أيضا ، فإنّه ما أوجب معيّنا ، وغير المتعيّن
لا يمكن تحقّقه ووقوعه وانتقاله ، فإنّ العقد ناقل ومملّك ، والنقل والملك لا
يتحقّق إلّا به ، والاختيار ليس مملّكا وناقلا.
قوله
: ولزوم العقد موقوف لا صحّته ، وإلّا يشكل الأمر. إلى
__________________
آخره
.
قد عرفت فساد
جعل الشرط شرطا للزوم العقد دون صحّته وانتقال العوض.
ونزيد توضيحا
هنا بأنّ : جميع الفقهاء ـ حتى الشيخ علي ، والشهيد ، ومن وافقهما في جعل المتوقّف
على الشرط هو اللزوم خاصّة ـ اتّفقوا على أنّ الشرط من جملة العوض وتتمّته ، وكذلك كلّ من يوقع عقد
البيع متّفق على إرادة كونه من الجملة والتتمّة.
والأدلّة أيضا
تقتضي ذلك ، بلا شكّ ولا شبهة.
وأيضا ، قولك :
بعت هذا بالثمن المعيّن والشرط المعيّن ، صريح في ذلك ، لأنّ المعطوف في حكم
المعطوف عليه ، والعامل فيهما كلمة ( بعت ) ، وحرف الباء.
إذا عرفت جميع
ذلك ، فنقول : إنّ مجموع العوض الّذي هو مدخول حرف الباء ـ أي الثمن والشرط ـ إمّا
يكون بإزاء الانتقال خاصّة ، أو بإزائه وإزاء اللزوم أيضا ، أو بإزاء اللزوم خاصّة
:
والأوّلان ،
يوجبان الدور في المقام بلا شبهة.
والثالث ، يوجب
كون الانتقال في البيع بلا عوض ، وهو فاسد قطعا ، لأنّ الانتقال بلا عوض من خواصّ
الهبة ، فكيف يجوز كون البيع هبة؟! ثمّ كيف يصير منشأ اللزوم موجبا لقلب ماهيّة
الهبة إلى البيع؟! وكيف مع عدم الوفاء بالملزم يصير معا جائزا؟
__________________
بقي أن يكون
بعض العوض المذكور بإزاء الانتقال والبعض الآخر بإزاء اللزوم ـ كما اختاره الشهيد
ومن وافقه ـ فمع أنّه خلاف مدلول عبارة العقد ، لاتّحاد اللفظ والعبارة ، واتّحاد
المدلول والدلالة ، واتّحاد القصد والإرادة ، لأنّ مقصود المتعاقدين ليس سوى مدلول
العبارة ، فالتفكيك المذكور تحكّم بحت ، وترجيح بلا مرجّح.
ومع ذلك ، إن
أرادوا كون هذا البيع بثمنين على تقديرين ـ أي عوضين ، عوض على تقدير اختيار مجرّد
الانتقال ، وعوض على تقدير اختيار لزوم الانتقال ـ فهذا البيع فاسد عند جميع
الفقهاء ، حتّى الشهيد والشيخ علي رحمهماالله وأمثالهما ، بل فساده من وجوه متعدّدة ، كما عرفت ممّا كتبناه في
حاشيتنا عند قول المصنّف : ( من باع مطلقا أو شرط التعجيل ) .
ومع ذلك لا
ينفع في المقام ، إذ لو اختار اللزوم فالدور بحاله ، وإن اختار الجواز فلا وجه إذن
للشرط.
وإن أرادوا كون
البيع بثمن واحد على تقدير واحد إلّا أنّ بعض الثمن بإزاء الانتقال وبعضه بإزاء
اللزوم ، ففيه أنّه على هذا كيف يتصوّر تفكيك أجزاء البيع الواحد على الفرض الواحد
، حتّى يقال : يؤثّر أوّلا انتقاله ، ثمّ يبقى لزومه متزلزلا ، إن وفى بثمنه وعوضه
يتحقّق اللزوم أيضا ، وإلّا فيبقى الجواز والانتقال خاصّة؟! فإن قلت : الفقهاء
صرّحوا بأنّه عند فقدان الشرط يكون للمشترط خيار الفسخ ، وهذا صريح في كون الشرط
بإزاء اللزوم ، وأنّه المتوقّف عليه.
__________________
قلت : الفقهاء
ما خصّصوا خيار الفسخ بفقدان الشرط ، بل قالوا بخيار الفسخ بفقدان أيّ جزء من
أجزاء الثمن ، وأيّ جزء من أجزاء المبيع ، وأيّ وصف من أوصافهما ، ومن جملة ذلك
فقدان الشرط.
ومعلوم أنّه
ليس جزء من أجزاء المبيع بإزاء اللزوم ، بل الجميع بإزاء الثمن على حدّ سواء ،
وكذا الحال في أجزاء الثمن والأوصاف ، وأيضا خيار الفسخ في المشروط عند فقد الشرط
إنّما يكون للمشترط فقط.
وأمّا الّذي
عليه الشرط فلا خيار له أصلا باتّفاق جميع الفقهاء حتّى الشيخ علي والشهيد وأمثالهما ،
فلو كان المتوقّف على الشروط هو اللزوم خاصّة لكان للمشتري أيضا خيار الفسخ.
وأيضا ، قد
عرفت سابقا أنّ الخيار في الفسخ للمشترط ، وإن كان بسبب التراضي الواقع حين العقد
، لكن خياره في الإمضاء ليس بذلك الرضا منه ، بل رضا جديد يحدث منه ، ويلحق العقد
وله هذا الرضا اللاحق بمقتضى الأدلّة الّتي عرفت.
فإن قلت : لعلّ
نظر المحقّق الشيخ علي والشهيد رحمهماالله والغير إلى ما ذكرت.
قلت : لا يدفع
الدور ، بل يحقّقه ويؤكّده ويتفرّع عليه ، لأنّ فقدان الشرط هنا من جهة الاستحالة
الكائنة من الدور ، ومع ذلك لا خيار للمشتري أصلا كما عرفت.
والدور إنّما
حصل من جهة المشتري بأنّ تملّكه فرع تمليكه ، وتمليكه فرع تملّكه. ومع ذلك ،
الكلام في صحّة العقد مع تحقّق الشرط كما اختاره الشهيد رحمهالله
__________________
وموافقوه ، لا مع رفع اليد عنه لاستحالته.
فإن قلت : ما
تقول في البيع بشرط العتق؟
قلت : لم يثبت
توقّف عتق المشتري ـ على أيّ حال يكون ـ على تماميّة ملكه ، إذ لعلّ ما نحن فيه
خرج عن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا عتق إلّا في ملك » بسبب النصّ
وإجماع الأصحاب ، أو يكون العتق من جهة البائع الآمر ، أو يكون النصّ
والإجماع قرينة على أنّ المراد من الشرط هنا غير معناه الظاهر ، بخلاف ما نحن فيه
، بل الأمر فيه بالعكس.
فإن قلت : ما
تقول في البيع بشرط أن يبيع من الغير؟
قلت : لم يظهر
بعد صحّة هذا ، ولا القائل بالصحّة ـ كما لا يخفى على المطّلع ـ ومع ذلك نقول :
بيع المشتري ـ على أيّ تقدير ـ لم يثبت توقّفه على تماميّة ملكه ، إذ لعلّه يكون
البيع من جهة البائع الآمر الشارط ، ولا يمكن البيع من جهة على نفسه كما هو ظاهر ،
فتأمّل جدّا.
وبهذا الجواب
صرّح العلّامة ، مع ادّعائه صحّة اشتراط البيع من الغير عندنا .
فإن قلت :
البائع يريد الانتقال من حين العقد ، فكيف توقّفه على الشرط؟
قلت : لعلّه
يريد الانتقال المتزلزل إلى أوان الشرط ، فإن وقع يكشف عن
__________________
تحقّقه ولزومه من حين العقد ، وإلّا فلا ، فتأمّل.
فإن قلت :
الفقهاء لم حكموا هنا بالبطلان ، ولم يقولوا بالصحّة بعد رفع اليد عن الشرط وتحقّق
خيار الفسخ؟
قلت : طريقتهم
في كثير من أمثال المواضع الحكم بالبطلان ، مثل اشتراط الأجود ، وغير ذلك ممّا هو
كثير.
قوله
: فقال : ابتع لي متاعا لعلّي أشتريه منك .. إلى آخره
.
لا يخفى ، أنّ
المتاع غير الطعام وما يكال بحسب الظاهر ، والمراد من الحديث أنّ الرجل إذا أمر
رجلا آخر أن يشتري متاعا ليشتري منه ويعطيه الربح يخاف أن يكون هذا ربا ، فأجاب عليهالسلام : إنّ البيّع صار واسطة ، والثاني إذا اشتراه وأربحه
إنّما يشتريه ما اشتراه الأوّل ، فلا ربا ، بل هو ربح المعاملة.
فلا دلالة في
الروايتين على الصحّة فيما يكال أيضا ، لما ستعرف أنّ المانع هو
كونه يكال ، لا تحقّق الربا وكون الربح من غير جهة المعاملة ، ولذا صرّح في صحيحة
الحلبي الآتية بالصحّة في المتاع ، والفساد في الطعام معلّلا
بأنّه يكال ، فتأمّل.
قوله
: يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذ .. إلى آخره
.
لعلّ المتبادر
من الثمرة
__________________
في الحديثين كونها على الشجر ، وعدم كونها ممّا يكال ، سيّما
بملاحظة صحيحة الحلبي الآتية .
وبالجملة ، لا
يقاوم دلالة هذين دلالة الصحيحة وغيرها ، وذكر الشارح هذين الصحيحين عند قول
المصنّف : ( وأن يبيع ما ابتاعه ) ـ في بحث بيع الثمار ـ وأنّه يجوز عند الفقهاء قبل القبض وبعده من دون
تأمّل ، فلاحظ.
قوله
: « لا يصلح » من عبارات الكراهية .. إلى آخره
.
عدم الصلاح له
ظهور في المنع ، سيّما بملاحظة أنّ مقابل الصلاح الفساد ، وهو المناسب في أمثال
المقام ، مع أنّ النهي حقيقة في الحرمة ، وليس هاهنا معارض ، لما عرفت من أنّ ما
في الصحاح غير محلّ النزاع ، وما في الضعيف ـ مع ضعف السند ـ لا يقاوم دلالته النهي ، بل وعدم الصلاح أيضا. هذا في
رواية أبي بصير .
وأمّا رواية
الحجّاج ، فيمكن اختصاصها بموردها.
__________________
ورواية جميل ، يمكن حملها
على عدم البأس بالبيع في الجملة ، فتأمّل.
وكيف كان ، لا
نجد معارضا مطلقا من جهة ضعف السند ، مع أنّه سيجيء في بحث السلف عدم جواز بيعه
قبل الحلول إجماعا ، فرواية الحجّاج مخالفة للمجمع عليه عندهم.
قوله
: [ جواز المواضعة أيضا ] ، لكن الأوّليين ينفيانها أيضا .. إلى آخره .
يمكن حمل
الأوّل على ورود الشرط مورد الغالب من عدم البيع وضيعة ، أو أنّ البيع قبل القبض
لا يكون بالوضيعة غالبا ، مع أنّه يشعر بحرص وشدّة رغبة فيه ، ولا يكون غالبا إلّا
بالمرابحة وبعدها التولية. وبما ذكرنا يتّفق الأخبار وأجزاء هذا الخبر.
قوله
: وهذه جعلت المنفي فيها مرابحة [ والجواز التولية ] .. إلى آخره .
قد عرفت عدم
المخالفة والتفاوت ، وعدم ضرر أصلا ، وعدم شيء مطلقا بمقتضى القواعد.
قوله
: [ ثمّ إنّه ] يمكن حمل أخبار المنع مع ما عرفت فيها .. إلى آخره .
بعيد جدّا ، مع
أنّه لا مقاومة بحسب السند ، فلا وجه للحمل ، مع أنّه ربّما يستفاد من الروايات
أنّ القبض ثمّ البيع للتعبّد عن شباهة الربا ، فتأمّل.
قوله
: [ في اشتراط الوزن والكيل ] تأمّلا ، وعلى تقدير التسليم .. إلى آخره .
قد مرّ ما في
تأمّله ، مع أنّه لا مانع من أن يكون ما يكال أو يوزن لا يجوز
__________________
بيعه قبل القبض وقبل الكيل والوزن ، وإن لم يكن شرطا.
قوله
: وأظنّ
أنّ هذا
توجيه لا بأس به .. إلى آخره .
لا نفع في هذا
التوجيه ، لعدم القائل بالفصل ، مع أنّه بعيد بالنسبة إلى ظواهر الأخبار الأخر ،
ولا داعي لارتكاب البعيد ، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
وبالجملة ،
الأخبار ظاهرة في المنع في المكيل والموزون وغير التولية بلا مانع ولا معارض ،
فتأمّل جدّا.
في السلف
قوله
: من لزوم الغرر المنفي [ لولا الذكر ] .. إلى آخره
.
وللعلّة
المنصوصة في رواية جابر الآتية في قول المصنّف : ( ولا يصحّ المذروع ) ، وكذا السفه
والضرر والتعيين لرفع النزاع ، وغير ذلك.
قوله
: وفي الإثم تأمّل ، كما مرّ في الصرف .. إلى آخره
.
في تأمّله في
خصوص الإثم نظر ظاهر ، بعد اعترافه بأنّه ظاهره أنّه يحصل
__________________
الإثم أيضا ، فإنّ الإجماع المنقول إن كان حجّة ـ بناء على أنّ ما دلّ على حجيّة الخبر
الواحد يشمله عند النظر والتأمّل ، ولذا لم يتحقّق من الفقهاء نزاع في حجّيته ، بل
النزاع وقع من شاذّ من علمائنا المتأخّرين الّذين ليس لهم تعرّق في الفقه
وأصول الفقه ـ فمقتضى ما يستفاد منه حصول الإثم أيضا ، وإلّا فلا بدّ من التأمّل
في اعتبار القبض أيضا كما وقع من الشاذّ.
بل الظاهر أنّ
سائر الفقهاء شاركوا العلّامة في الإجماع المذكور ، لأنّهم اتّفقوا في الفتوى من
غير تأمّل أصلا في اشتراط القبض بطريقة العلّامة ، ولا يخفى أنّ مستندهم ـ أيضا ـ
هو الإجماع نفسه ، لا نقل العلّامة إيّاه ، لتقدّمهم عليه.
بل لعلّ
المتأخّر عنه ومن هو في رتبته استناده على نفس الإجماع أيضا ، فبملاحظة ما ذكر
يصير الإجماع ـ في القوّة ـ من قبيل الإجماع المتواتر أو اليقيني علينا أيضا.
فإن قلت : نظر
الشارح في تأمّله إلى أنّ العلّامة نسب البطلان إلى علمائنا دون عدم الجواز.
قلت : إنّه رحمهالله حكم أوّلا بعدم الجواز ثمّ فرّع عليه البطلان عند جميع
علمائنا ، وهذا ينادي بأنّ البطلان عندهم على سبيل التفريع على عدم الجواز ،
فتأمّل جدّا! هذا ، مضافا إلى ما ذكرناه أيضا في الصرف ، ويظهر من كلام الشارح أنّ
تأمّله في المقام تأمّله في الصرف ، فلاحظ تأمّله هناك كما أمر .
قوله
: ولكن يؤيّده أيضا ما تقدّم من الأدلّة الدالّة [ على اشتراطهما فيهما ] .. إلى
آخره .
__________________
بل يؤيّده ما
مرّ في ذكر الجنس والوصف ، بل يدلّ عليه ، فتأمّل.
وفي الروايتين ظهور في البأس
إذا لم يكن بكيل معلوم ، ولعلّ الظاهر منه هنا المنع ، سيّما بملاحظة الضم إلى
الأجل المعلوم.
بل رواية جابر المتضمّنة
للمنع عن السلف في روايا الماء في غاية الظهور في اشتراط الكيل والوزن.
وبالجملة ،
مجموع ما أشرنا يكفي لكونه دليلا ، سيّما بعد عدم الخلاف من الأصحاب ، مع أنّ
المتعارف في الأعصار والأمصار ضبط المكيل والموزون بالكيل والوزن لتعيين المبيع ،
وإن كانوا ربّما يكتفون بالمشاهدة في الحال في بعض الأحوال ، وفي السلف لا يتأتّى
المشاهدة ، فتأمّل.
قوله
: والخبر كأنّه محمول على كونه أصغر .. إلى آخره
.
في الحمل نظر ،
ومرّ الكلام في ذلك ، وفي رواية الحلبي ، وحمل الكيل وصرفه إلى المعهود المتعارف ظاهر.
قوله
: [ إلّا أنّ ] دليله غير واضح ، بل الظاهر عدم ذلك
.
__________________
دليله واضح ،
وقد أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم ، وذكرنا هناك أنّ القدرة على التسليم عند جميع الفقهاء
ليست مجرّد الظن بالقدرة على التسليم ، فمن اعتبر غلبة الوجود لم يرد سوى القدرة
على التسليم ، لأنّها في السلم منحصرة في الغلبة لا طريق لها إلى غيرها ، ومجرّد
الظنّ لو كان كافيا لزم صحّة بيع ما في الضرع من اللبن ، وقصب الآجام ، وثمرة
النخل والأشجار في السنة الآتية ، وغير ذلك ممّا هو مسلّم عند الجميع ـ إلّا شاذّ
منهم ـ بطلانه ، فتأمّل جدّا.
وفي « التحرير
» : يجب كون المسلّم فيه عام الوجود عند الحلول بلا خلاف انتهى ،
فتأمّل.
قوله
: والاكتفاء بإمكان وجوده .
لا يخفى أنّ
عقد البيع ليس معلّقا على اتّفاق الوجود ، بل لا يصحّ التعليق فيه ، فبمجرّد إمكان
الوجود كيف يجعل البائع على عهدته ، وفي ذمّته إعطاء المبيع مطلقا ، وعلى أيّ حال؟!
مع أنّه مكلّف بوجوب الوفاء بعقده وعهده وشرطه ، سيّما وأنّه جعل إعطاء المبيع
مطلقا بإزاء ثمن المشتري ، الّذي يأخذه حالّا ويتصرّف فيه تصرّف الملّاك في أملاكه
، ويتلفه كيف يشاء.
والمشتري أيضا
ما أعطى الثمن ولا رضي بأن يصير ملكه يتصرّف كذلك ويتلف كيف ما أراد إلّا بإزاء
المبيع المشترط إعطاؤه البتّة.
وعلي أيّ حال ،
فيما لم يكن هناك وثوق تام ، كيف يتأتّى جميع ما ذكر؟! هذا ، مضافا إلى ما مرّ
وسيجيء ، فلاحظ!
__________________
قوله
: كما هو عبارة « القواعد »
، و «
التذكرة » على
ما نقل في « شرح الشرائع »
.. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
عبارة « القواعد » صريحة في اعتبار الغلبة ، لأنّه كثيرا ما يحكم بالبطلان من جهة عزّة الوجود ،
فبعبارته الواضحة فيما ذكرنا من أنّ القدرة على التسليم عندهم في غلبة
الوجود ، كأنّه يريد من عزّة الوجود ما يقابل عموم الوجود ، فلاحظ
عبارته.
وأمّا عبارة «
التذكرة » ، فليست عندي ، وفي الظنّ أنّها مثل « القواعد » ،
سيّما بعد ملاحظة ما سيذكر الشارح عنه من قوله : ( ولو غلب على الظنّ .. إلى آخره
) ، فلاحظ.
قوله
: وهما يدلّان على جواز اشتراط [ القرية المعيّنة ] .. إلى آخره .
لا يبعد حملهما
على القرية العظيمة الّتي يغلب وجود طعامها ، كما حملوهما على ذلك.
__________________
قوله
: أرضا معيّنة قليلة ، ولهذا يتّكل صاحبها على غلّة [ تلك الأرض ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
جميع ما ذكر متحقّقة في مثل حمل البطون ، ولبن الضرع ، وقصب الآجام ، وغير ذلك
ممّا أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم ، ومع ذلك صريح الأخبار ، وكلام
الفقهاء أنّه مجهول الحصول وفيه الغرر ، ولا يجوز لذلك بيعه إمّا مطلقا أو منفردا ، والشارح رحمهالله أيضا وافقهم ، فلاحظ.
قوله
: ولهذا يكتب إليها كتابة ويبعث إليها [ بهدايا ] .. إلى آخره
.
كما أنّ حياتها
مستصحبة بقاعدة الاستصحاب ، كذا عدم تحقّق عزلها مستصحب بقاعدة الاستصحاب ، بل
ربّما كان استصحاب حال العدم اليقيني أقوى ، ولذا يقول باستصحاب العدم وأصل العدم
كلّ من يقول بالاستصحاب ومن ينكره ـ كما لا يخفى على المطّلع ـ ولذا لا يكتبون
الكتابة إلى من كان معدوما ثمّ احتمل وجوده ، ولا يبعثون إليه بهدايا بعد الغيبة
بمدّة طويلة ، فإمكان موتها مثل من الأمثال المانعة عن حصول العزل ، فتأمّل.
قوله
: [ يكون ذلك دينا على البائع ] والمناسب للقوانين بطلانه .. إلى آخره .
والحديث
المخالف للقانون الشرعي ليس بحجّة ما لم يكن مكافئا مقاوما له ، لأنّه من باب
تعارض العام والخاص ، والمقاومة ليست حاصلة إلّا من عمل
__________________
الفقهاء ، ولو لم يكن معمولا به عندهم يتعيّن تأويله بما يوافق القانون ،
ولذا أوّله الشارح بما أوّله ، فلا يتحقّق ضرر من جهة الحديث المخالف على فتاوى
الأصحاب ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ وهذه ] كالصريحة في عدم اشتراط الغلبة ، بل عدم الظنّ أيضا ، فتأمّل
.
وجه التأمّل
ظاهر ، لأنّ الوجود في البلد الآخر يكفي لغلبة الظنّ ، إذ في عهدة البائع استحصاله
وتسليمه ، وفي « القواعد » : إنّ « النقل لغرض المعاملة ، ومنه يظهر
اشتراط كون النقل عاديّا ، فتأمّل.
في أحكام السلف
قوله
: [ فإن كان مقتضى العادة أو القرينة شيئا ، ] وإلّا ينصرف إلى موضع الحلول
.
لا أفهم هذا
ولا تعليله ، بل الظاهر ما ذكره الأصحاب ، لكن في الغالب وجود القرينة على أنّ
موضع التسليم هو بيت البائع ومكانه حين العقد ، فتأمّل.
وبالجملة ،
النقل إلى بيت المشتري أو مكانه ليس داخلا في العقد ولم يجعل البائع على عهدته ،
فليس عليه إلّا تسليم المبيع عند ما طلبه منه المشتري ، وتسليمه ذلك من بيته أو
موضع العقد.
__________________
قوله
: لأنّ مقتضى العقد وجوب تسليم المبيع [ عند الحلول ] .. إلى آخره .
لو كان مقتضى
العقد ذلك يلزم جهالة عظيمة ، أعظم من التأجيل إلى وقت الحصاد مثلا ، بل الأصحاب
جعلوا التأجيل إلى نفر الحاج من منى جهالة مبطلة ، مع أنّ التفاوت ليس إلّا يوم
واحد ، ويلزم ضرر عظيم ونزاع عظيم ، بل وسفاهة كذلك.
مع أنّ التسليم
في أيّ مكان ليس جزءا للعقد ولا لازما له ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني
فلاشتراط اللزوم الذهني ، وقياسه على القرض قياس فاسد.
وبالجملة ، ما
ذكره هنا مخالف لما ذكره أوّلا.
قوله
: [ يحتمل مكان الطلب ] بعد الحلول خصوصا .. إلى آخره
.
لا أيّ موضع
كان. نعم ، لو كان عادة أو قرينة مثل : الماء والحطب ، وعادة أهل القرى إن كانت
معهودة عند المتبايعين ، فتأمّل.
قوله
: أي لا يجوز بيع ما اشتري بالسلم قبل حلول أجله .. إلى آخره
.
نقل الشارح
رواية عن خالد بن الحجّاج متضمّنة لجواز البيع قبل الحلول ، في بحث بيع ما يكال
قبل القبض ، واستند إليها ، ولم يتأمّل فيها أصلا!
قوله
: وفيه بنان بن محمّد ، وقد نقل عن الصادق عليهالسلام .. إلى آخره .
قال المحشين :
الظاهر أنّ المنقول لعنه ، غير بنان بن محمّد المذكور ، لأنّه ـ على ما هو الظاهر ـ
روى عن علي بن مهزيار ، كما ذكر الكشّي في ذكر محمّد بن
__________________
إسماعيل بن بزيع ، وهو لم ير الصادق عليهالسلام ، فتأمّل. انتهى.
أقول : الظاهر
أنّه أخو أحمد بن محمّد عيسى الّذي يروي عنه أحمد كثيرا ، وفيه إشعار
بوثاقته كما لا يخفى على العارف بحال أحمد.
ومثل علي بن
جعفر ـ الجليل غاية الجلالة ـ لا يروي عن غير المعصوم عليهالسلام.
ومع ذلك ،
للأخبار الكثيرة .
قوله
: لأنّ الأرش جزء من الثمن وله جزء من المبيع .. إلى آخره
.
الأرش عوض
الصحّة والسلامة الكائنة في الثمن بسبب فوتها وعدم التمكّن منها ، فإذا كان هذا
الصحّة جزءا حقيقيّا من الثمن لكان فواتها موجبا لبطلان ما قابلها من المبيع ،
فيكون العقد صحيحا بالنسبة إلى الباقي خاصّة ، وكان المشتري
__________________
مخيّرا بين الردّ والأخذ بالنسبة من الثمن ، كما هو الحكم في خيار تبعّض
الصفقة ، فلا وجه للأرش أصلا ، ويكون الحكم بالأرش فاسدا مطلقا. لا أنّ الحكم هو
الأرش بعد اختيار الإمساك ، وبعد العجز عن الأرش خيار تبعّض الصفقة.
ومرّ تحقيق
الكلام في خيار تبعّض الصفقة ، وسيجيء في خيار العيب من أنّه له الردّ
والأرش ، كما أشار إليه الشارح من أنّه هو المقرّر في كل المعيبات ، فلاحظه ،
ولاحظ ما علّلنا به ، وتأمّل جدّا!
قوله
: يعني إذا حصل العقد واتّفقا على قبض الثمن المسلّم فيه .. إلى آخره .
أمّا لو اختلفا
في اشتراط الأجل ، فالقول قول المنكر ، إذا اتّفقا على وقوع العقد بلفظ ( بعت )
وما شابهه ، ولو اتّفقا على وقوعه بلفظ : ( أسلمت ) ، أو ( أسلفت ) ، فالقول قول
المدّعي ، لأنّ اللفظ المذكور حقيقة في السلم ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ،
فهما متّفقان على وقوع البيع بتأخير ، فالمنكر يدّعي فساد البيع والمدّعي صحّته.
لكن لا يخلو
بعد عن إشكال ، لاحتمال كون ذكر الأجل من محقّقات ماهيّة السلم ، كما أنّ كلّ واحد
من الإيجاب والقبول وأمثالهما من محقّقاتها ومحقّقات ماهيّة كلّ عقد وبيع ، فلعلّ
المنكر ينكر تحقّق نفس السلم ، فإذن الأصل معه.
لكن الحقّ
والأقرب أنّه من شرائط صحّته الشرعيّة ، لأصالة الحقيقة وأصالة الصحّة المذكورتين.
هذا ، إن قلنا
بعدم جواز البيع بلفظ السلم ولو مجازا ، وعلى القول بجوازه
__________________
فلأصالة الحقيقة فقط.
ولو ادّعى وقوع
العقد بلفظ البيع والمدّعي بلفظ السلم ، فالظاهر أنّ الحكم حينئذ يخالفهما ، مع
احتمال كون الحكم في الصورة الأولى أيضا كذلك ، ولعلّ الأوّل أولى.
هذا إذا كان
النزاع من أوّل الأمر ، أمّا لو اتّفقا على وقوع عقد السلم وبيعه ، ثمّ ادّعى
المنكر عدم الاشتراط وعدم ذكره ، فهو إنكار بعد الإقرار ، لا يسمع منه بظاهر الشرع
، إلّا أن يدّعي علم المدّعي بذلك فهو دعوى آخر ، ويكون له تسلّط حلف نفي العلم ،
وإن أنكر ذلك بعض الفقهاء مدّعيا أنّه مكذّب لإقراره فلا يسمع أصلا ، والحقّ هو
الأوّل.
وإذا اتّفقا
على ذكر الأجل وادّعى أحدهما زيادته ، فالقول قول منكرها.
قوله
: وتكافؤ الدعوى والبيّنة .. إلى آخره
.
يشكل ، بأنّه
يقتضي تقديم بيّنة الداخل ـ كما عليه بعض الأصحاب ـ وهو خلاف المشهور وخلاف ما هو
الأظهر من الأدلّة ، كما سيجيء في كتاب القضاء إن شاء الله.
وإذا ادّعى
البائع قبض الثمن ، فالقول قوله مع اليمين ، أمّا قبل التفرّق فظاهر ، وأمّا بعده
فلا يخلو عن إشكال ، لاستلزامه فساد البيع ، وهو مخالف لأصالة الصحّة.
وفي « القواعد
» حكم بما ذكر معلّلا بأنّه منكر ، وفيه أنّ جميع المواضع الّتي يحكم فيها بأصالة الصحّة
يكون فيها منكر ينكر شرطا من شروط البيع
__________________
ومقدّمة من مقدّماته.
ومع ذلك نقول :
الأصل مع من يدّعي الصحّة ، ونجعله المنكر ، لأنّ المنكر من يدّعي موافق الأصل أو
الظاهر أو الذي لم يترك إذا سكت ، إلّا أن يكون مراد العلّامة أنّه ينكر نفس القبض
من غير تأمّل منه في الصّحة ، بل ربّما كان متفرّعا على الصحّة ، إذ لولا الصحّة
لم يكن هناك ثمن يستحقّه البائع ، ويكون حقّه ، والأصل عدم وصول حقّه ، فتأمّل.
فعلى هذا نقول
: لا مانع من الحكم بعدم وصول حقّه إليه والحكم بصحّة البيع معا ، نظير ما حكم رحمهالله من عدم نجاسة الماء القليل الّذي وقع فيه صيد خرج روحه
، ولا يعلم أنّ الخروج كان من جرح الاصطياد أو من وقوعه في الماء ، ومع ذلك حكم
بنجاسة ذلك الصيد وكونه ميتة ، لأصالة عدم التذكية .
ونظير ذلك قول
بعض العلماء بنجاسة الثوب المغسول الّذي وقع الشكّ في إزالة النجاسة عنه ، للحكم
ببقاء نجاسة مثله حتّى يحصل اليقين أو الدليل الشرعي على طهارته ، وطهارة الأشياء
الملاقية له حال الرطوبة ، للحكم ببقاء الطهارة حتّى يتيقّن النجاسة . إلى غير ذلك
من أمثال هذه الأحكام.
ويحتمل أن يكون
رحمهالله يرجّح أصل الصحّة على أصل العدم في موضع يكون محطّ
الدعوى الصحّة والفساد ، فتأمّل.
قوله
: ولا خيار للمسلم في الإلزام وأخذ الثمن
، والمشهور أنّ له
الصبر إلى أن يوجد .. إلى آخره
.
هذا الخيار من
قبيل خيار الشرط يكون المبيع الجنس المعلوم ، بشرط كونه
__________________
في السنة المذكورة في الشهر المذكور ، فإذا تعذّر الشرط فللمشتري أن يرفع
اليد عنه ، ويلزم بأصل المبيع برضا جديد منه ، وأن يفسخ العقد لعدم وصول حقّه إليه
، على قياس ما قلنا في خيار تبعّض الصفقة وخيار الشرط وغيرهما.
والموثّقة
المنجبرة بالشهرة الموافقة للقاعدة أيضا دليل ، مع أنّها موثّقة كالصحيحة ، بل ربّما كانت صحيحة ، لما
علم في علم الرجال أنّ الفطحيّة كلّهم رجعوا في قرب من الزمان إلّا طائفة عمّار ، ومقتضاها
أعمّ من الانقطاع ، كما أنّ مقتضى القاعدة أيضا كذلك.
قوله
: ولكن مقتضى القاعدة أن يكون له حينئذ [ المسلّم فيه ] .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
مقتضى العقد أنّه ليس في ذمّة البائع سوى الجنس المعلوم في الوقت المعلوم.
ولو لم يوجد
فيه ، لم يكن له سوى الخيار بين الصبر ، والفسخ وأخذ عين ما له إن كان موجودا
وإلّا فعوضه.
وإن وجد فيه
ثمّ وقع التأخير من غير تقصير من البائع ففقد ، فحكمه كما ذكر ، وأمّا بتقصيره ـ
كأن كان غاصبا ـ فحكمه حكم الغاصب.
__________________
في المرابحة والمواضعة
قوله
: [ وينبغي أن لا يكون الغرض مجرّد الإخبار برأس المال حيلة ] ليتحقّق البيع
الحقيقي ، فتأمّل .
بل لو كان
البيع الحقيقي يكون أيضا مشكلا ، لانصراف الذهن إلى غير هذا البيع ، إذ ينصرف إلى
البيع الأوّل الّذي وقع المماكسة فيه وعدم المسامحة ، بل ربّما كان المشتري إذا
اطّلع بأنّ مراده البيع الثاني الّذي أوقعه مع غلامه وشراؤه الثاني منه بعده لم
يرغب إلى البيع ولم يرض بهذه المرابحة ، وإن لم يكن في الشراء الثاني تفاوت أصلا
بالنسبة إلى الشراء الأوّل.
قوله
: يوجب إثما وخيارا له ، فردّ المبيع
إلى صاحبه لخيانته
وغشّه ، فتأمّل .. إلى آخره .
لا شبهة في
الإثم وحرمة الثمن على البائع ، لكونه أكل مال بالباطل وعدم طيب نفس من صاحبه ،
إلّا أنّ المشتري إذا اطّلع بالحال ورضي بالعقد يجب على البائع الوفاء به ، ولا
يمكنه أن يقول : إنّي بعته بهذا الثمن بشرط أن يكون هو الثمن الّذي وقع عليه العقد
أوّلا وليس كذلك لأنّي كذبت وخنت ، إذ للمشتري أن يقول : رفعت يدي عن هذا الشرط
ورضيت بكون هذا ثمنا. ومعنى صحّة البيع هو ما ذكرنا ، فتأمّل.
__________________
قوله
: كما يدلّ عليها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى آخره
.
ظاهر هذه
الرواية أنّ البيع وقع مرابحة بغير نسبة الربح إلى رأس المال ، لأنّ التجّار قالوا
: « نأخذ به ده دوازده » ، والمعصوم عليهالسلام سأل : « كم يكن ذلك » ـ أي ده دوازده ـ؟ قالوا : « في
كلّ عشرة آلاف ألفين » ، فقال : « أبيعكم هذا باثني عشر ألفا ».
وظاهر هذا أنّ
التجّار ما اشتروا إلّا مرابحة ، وما وقع شراؤهم إلّا كذلك ، وهو عليهالسلام أيضا ما منعهم عن ذلك ، بل قرّرهم عليه ، إلّا أنّه عليهالسلام نسب لاثنى عشر ألفا ـ الّذي هو مجموع ثمن المرابحة ـ
إلى المتاع ، وهذا بعينه هو الّذي يقوله الفقهاء.
وأيضا ، يظهر
من التأمّل في الرواية أنّ متاع المعصوم عليهالسلام كان عشرة آلاف ، والألفين كان ربحه ، فظهر الإخبار برأس
المال من قوله عليهالسلام : « أنا أبيعكم .. إلى آخره » ، متفرّعا على ما قالوا :
في كلّ عشرة ألفين ، وهذا معنى بيع المرابحة ، فتأمّل.
على أنّه لو لم
يكن كلّ واحد ممّا ذكر دليلا على المرابحة ، فالمجموع له ظهور فيها.
وأيضا ،
الكراهة في المرابحة ـ مع أنّه لم يقل بها أحد ، وورد عدم البأس عنها مطلقا ـ لو كانت ، فمن جهة عدم الاحتياط في ضبط رأس المال
والإخراجات ، وهذا مأمون من المعصوم عليهالسلام ، فكيف يقول : « وعظم ذلك عليّ » ،
__________________
سيّما وأن يقول لغيره : لا بأس أصلا؟ مع أنّ الغير أولى بالكراهة من جهة
عدم مأمونيّة الاحتياط.
وأيضا ،
الكراهة في الروايتين الأوليين إنّما تعلّقت بخصوص « ده يازده وده دوازده » ، لا مطلق
المرابحة ، فإنّ المرابحة لا تنحصر فيه ، بل هو قسم من المرابحة ، وكراهة قسم من
الشيء لا يستلزم كراهته مطلقا ، ولو كان المطلق مكروها لكان يقول بكراهته مطلقا ،
لا أن يخصّه بخصوص هذا القسم.
وقوله عليهالسلام في رواية جراح : « ولكن .. إلى آخره » لا يدلّ على كونه بيعا بغير
مرابحة ، بل ظاهره أنّه غير « ده يازده ودوازده » حسب.
وأمّا الرواية
الأولى ، فلم يثبت الحقيقة الشرعيّة في المساومة ، فلعلّها
تعيين قيمة المتاع وجعل القيمة قيمته ، وهو أعمّ من المصطلح عليه ، مع أنّ قوله عليهالسلام : « ولكن .. إلى آخره » لا يقتضي انحصار المرابحة في
مثل « ده يازده » ، وهو ظاهر ، ولا عموم الكراهة في كلّ مرابحة بعد النصّ بأنّ
المكروه هو خصوص مثل « ده يازده » ، إذ لا مانع من أنّه عليهالسلام عدل عن المكروه إلى ما هو الأفضل ، فتأمّل.
وبما ذكرناه
لعلّ الفقهاء حكموا بكراهة نسبة الربح لا مطلق المرابحة ، فتأمّل.
__________________
قوله
: لعلّ عنده دليل غير ما نقلناه .. إلى آخره
.
لعلّ المنشأ هو
قوله عليهالسلام : « وعظم ذلك عليّ » ، مضافا إلى
قوله : « أكره » ، لعدم ثبوت كون الكراهيّة حقيقة في المصطلح عليه ، لكن فيه أنّه
وإن لم يثبت إلّا أنّ الأصل عدم الحرمة ، وإن قال : « عظم عليّ » ، فتأمّل.
__________________
اللواحق
في أقسام الخيار
قوله
: [ فهو مؤيّد ] ، لما قلناه من اللزوم في بيع المعاطاة ، فتذكّر .
هذا فرع كون
المعاطاة عقدا ، بل وربّما يشكل لو لم تكن متبادرة من لفظ العقد وإن كان عقدا.
وأمّا «
المسلمون عند شروطهم » ، فمحمول على الاستحباب أو الطلب عند الفقهاء.
خيار المجلس :
قوله
: [ وفي حديث آخر ] : « التاجران » ، بدل « البائعان » .. إلى آخره .
لمّا كان
المتعارف في فعل التاجر المبايعة فلا معارضة ولا مغايرة أصلا.
قوله
: ولم يبيّن معناه شرعا .. إلى آخره
.
لا شبهة في أنّ
موضوعات الأحكام يرجع فيها إلى غير الشرع سوى العبادات ، وسوى ما ثبت من الشارع
اصطلاح خاص يكون تكلّمه عليه ، ولم يثبت ، فلا حاجة إلى الاعتذار بهذا العذر في
المقام.
__________________
وظاهر أنّ بين
الصدق اللغوي والعرفي فرق ، إذ بأدنى شيء يصدق بحسب اللغة ، بخلاف العرف.
والظاهر ، أنّ
العرف مقدّم على اللغة ، كما هو الحال في سائر المقامات ، فعلى هذا يحتاج إلى قدر
معتدّ به عند أهل العرف ، وبالخطى يتحقّق قطعا ، كما هو الظاهر من الأخبار أيضا ، وأمّا
الخطوة الواحدة فمحتمل.
قوله
: لعلّ فيها دلالة على جواز بيع ما في الذّمة [ قبل القبض ] .. إلى آخره
.
لم نجد دلالة
فيها أصلا.
قوله
: وفيه تأمّل ، لعدم صدق البائع والتاجر المذكور في الأخبار [ عليهم ] .. إلى آخره
.
مقتضى الإجماع
والأخبار والاستصحاب بقاؤه إلى حين الموت ، وأمّا بعده فنقله إلى الوارث ، من
العمومات الدالّة على أنّ كلّ حقّ من الميّت ينتقل إلى وارثه ، فلاحظ
وتأمّل! ولهذا ذكر الفقهاء أنّ جميع أنواع الخيارات يرثها الوارث لا خصوص هذا
الخيار .
__________________
قوله
: والظاهر أنّ الثبوت لمن أوقع العقد .. إلى آخره
.
الظاهر ثبوته
لمن هو البائع والمشتري حقيقة ، لا من هو وكيل في مجرّد إجراء الصيغة ، والظاهر
أنّ ما سيذكره عن « التذكرة » إشارة إلى ما ذكرنا ، فتأمّل جدّا.
قوله
: ولعلّه لا خلاف عندنا أيضا ، وَ ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) .. إلى آخره .
ليس كذلك ، بل
الخلاف واقع ، نسب إلى البعض بأنّه لا يسوّغ ذلك ، لأنّه خلاف الكتاب والسنّة ،
لأنّ مقتضاهما ثبوت الخيار فيه مطلقا ، كما هو الظاهر منهما.
ويمكن الجواب
بأنّ الظاهر منهما أنّ العقد المطلق يقتضي ذلك ، لا مطلق العقد كما هو الحال في
سائر الشرائط الجائزة وفاقا ، فالعقد المشروط صحيح أيضا ، لدخوله في عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، و ( وَأَوْفُوا
بِالْعَهْدِ ) ، و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
) ، وغير ذلك.
والحاصل ، أنّ
كلّ أمر يصحّ للمكلّف أن يفعله بعنوان شرط أو عقد أو عهد أو غيرها ، يصحّ أيضا أن
يدخله في العقود ، وليس شرطا مخالفا للكتاب والسنّة ، بل موافق لهما كما عرفت.
وكلّ أمر لا
يمكن شرعا وليس له أن يفعله أصلا لا يجوز له إدخاله في
__________________
العقود ولا يصحّ أصلا ، مثل : أن لا يرث فلان عن أبيه ، أو يكون الحرّ
الفلاني عبدا ، أو تكون فلانة خارجة عن حبالة زوجها ، أو لا يكون له وطؤها ،
وأمثال ذلك ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ إذ الظاهر أنّ مفارقة أحدهما ] يسقط خيار الآخر أيضا ، كما مرّ في الخبرين
، فالفسخ بيده .. إلى
آخره .
يسقط خيار
الآخر إذا ثبت مقامه ولم يتبعه ، ولم يظهر من الخبرين أزيد من هذا ، كما لا يخفى
على من تأمّل فيهما.
وحين المتابعة
إن وقع الافتراق اللغوي الحقيقي فقد عرفت أنّه غير مضرّ ، وإن وقع الافتراق العرفي
فهو أيضا غير مضرّ إذا كان من جهة غفلة الآخر ، أو عدم تمكّنه من العدو معه ،
لأصالة بقاء الخيار ، وعدم ثبوت القاطع من إجماع أو خبر ، أمّا الإجماع فظاهر ،
وأمّا الخبر فستعرف الكلام في العموم.
فما ذكره رحمهالله مؤيّد ، بل دليل ، لأنّ الأصل في البيع اللزوم بلا
تأمّل ، فالخيار إنّما هو للخلاص عن مقتضي هذا الأصل.
فإذا كان
الافتراق الكرهي يوجب اللزوم ، فهو أمر ممكن لكلّ عاقد ، وميسّر للأكثر ، فأيّ
فائدة في الخيار؟ ومعلوم أنّ الأخبار واردة بالقياس إلى الأفراد الشائعة والغالبة
، سواء كانت واردة بالقياس إلى غيرها أم لا ، فتأمّل جدّا.
قوله
: وظاهر الأخبار عام ، فلو لم يكن إجماع ونحوه [ يمكن القول بالسقوط ]
.
لم يفهم العموم
، إذ المتبادر الافتراق المستند إلى إرادتهما بأن يفترق كلّ
__________________
منهما موضع العقد أو حكم الموضع ، أو يذهب أحدهما ويثبت الباقي بإرادتهما ،
فلو هرب أحدهما ـ لأنّه يريد اللزوم ـ حين غفلة الآخر ، فبعد تفطّنه إن ثبت مكانه
تحقّق الافتراق المذكور ، وإن تبعه فلم يعلم بعد تحقّق الافتراق المذكور ، فالخيار
اليقيني مستصحب حتّى يثبت الناقل عنه بإجماع أو خبر.
نعم ، العموم
المذكور يشمل صورة علمهما بالمسألة ، وجهلهما ، وعلم أحدهما.
قوله
: ويؤيّده أنّ الأمر بيده ، لو أراد الفسخ لقال : فسخت .. إلى آخره .
لا تأييد أصلا
، لأنّ المتعارف أنّ المتعاملين متردّدان متأمّلان في أنّ مصلحتهما في الفسخ
والإمضاء ، ولو لم يكن لهما تردّد أصلا لم يبقيا على هذا الحال ، بل يقولان :
فسخنا أو التزمنا ، وكذا الحال في واحد منهما ، وربّما يريد أحدهما اللزوم دون
الآخر.
قوله
: لقائل : التزمت .. إلى آخره
.
قول : التزمت
لا يفيد اللزوم إلّا بالنسبة إلى القائل فقط ، فأيّ فائدة فيه؟
بل ربّما كان
خلاف الفائدة!
قوله
: [ جعل هذا الخيار للطرفين في يد الولي دائما ] ما لم يسقط بالشرط ،
مع أنّ في الأصل المنصوص عليه ما كان كذلك .. إلى آخره
.
الّذي ذكر في «
القواعد » أنّ مسقطاته هو التزام عنهما ، أو اشتراط
__________________
السقوط ، أو تفارق المجلس ـ على قول ـ ومراده من الالتزام بالبيع هو الإسقاط للخيار بعده ، أو
التصرّف المسقط ، كما لا يخفى على من تأمّل كلامه.
مع أنّ كون
التصرّف مسقطا ممّا لا ريب لأحد فيه بالنسبة إلى أحد من فقهائنا ـ سيّما العلّامة ـ
ولذا قال الشارح : ( ما ذكر التصرّف ، ولعلّه .. إلى آخره ) .
وأمّا نسبته رحمهالله مفارقة المجلس إلى قوله : فلأنّه لم يرد في الخبر لفظ
المجلس ، بل الوارد « مفارقة الأبدان » ، ولم يعتبر العلماء سوى ما في الأخبار ،
فلا وجه لاعتباره ، سيّما جعله نازلا منزلة الرفيق ، فلأنّه لا ربط له بالرفيق ولا
خصوصيّة.
هذا حال «
القواعد » ، وأمّا « التذكرة » فقد ذكر فيه السقوط بالشرط والتخاير ، فلا يبقى
سوى التصرّف المسقط ، فقد اعتذر الشارح بما اعتذر ، فلا وجه للاعتراض عليه ، مع
أنّ العذر واضح ، سيّما ومن « القواعد » يظهر إدخاله في الالتزام ، فتأمّل.
ثمّ لا يخفى
أنّ الاختيار بيد الولي أيّ وقت يريد أن يفسخ يفسخ ، فأيّ فائدة في اشتراطه السقوط
، مع أنّ هذا الخيار للعاقد فقط على ما مرّ؟! مع أنّ المصلحة للطرفين في بقاء
الخيار ، والخيار ليس إلّا لأجل المصلحة ، فكون شرط الإسقاط مصلحة لا يخلو عن
إشكال مع كون الأمر بيده ، فتأمّل!
__________________
قوله
: [ لم يعهد في الشرع ] عود المعتق رقّا .. إلى آخره
.
مآل هذا إلى
الاستقراء ، وربّما كان إجماعيّا أيضا.
خيار الحيوان :
قوله
: مثل صحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الشرط في
الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري .. » .. إلى آخره
.
هذه الصحيحة
واضحة الدلالة في الاختصاص بالمشتري ، بل ومسلّمة الدلالة كما سنشير إليه ، ويؤيّد
الدلالة التأمّل في باقي أجزائها إلى الآخر ، إذ فيها مؤيّدات ومخصّصات بالمشتري ،
كما لا يخفى على المتأمّل.
وكذا صحيحة
الحلبي ، وربّما يؤيّدها قوله : ( وهو بالخيار .. إلى آخره ) ، فتأمّل
جدّا.
ومن العجب أنّ
صاحب « المسالك » مثل باقي الفقهاء عادته حمل المطلق على المقيّد من أوّل الفقه
إلى آخره ، ولا يتأمّل أنّ هذا ينافي ما توهّمه من عدم اعتبار القيد مطلقا ، بل
أكثر مقيّداته ليس بقوّة ما نحن فيه ، بل ربّما كان أضعف بمراتب ، حتّى أنّه في
مبحث اغتسال الجنب في البئر ذكر أخبارا كثيرة متضمّنة لنزح سبع دلاء لمجرّد دخول
الجنب فيها ، ثمّ نقل خبرا واحدا يتضمّن نزح السبع لاغتساله فيها ، فقال : تحمل
تلك الأخبار الكثيرة على اغتساله فيها ، حملا
__________________
للمطلق على المقيّد . وأين هذا من مثل ما نحن فيه؟ فتأمّل جدّا.
والحاصل ، أنّه
لو كان في الأخبار أنّ للمشتري خيار الحيوان ، فهذا هو الّذي لم يعتبره المشهور من
فقهائنا ، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
وأمّا إذا كان
في الأخبار أنّ خيار الحيوان للمشتري ، فهذه العبارة ـ مع قطع النظر عن القرائن ـ
تفيد اختصاص خيار الحيوان للمشتري وانحصاره فيه ، كقوله : والزكاة في السائمة ، فإنّه يفيد
انحصارها فيها ، ولو قيل ـ مع ذلك ـ بأنّ للبائع خيار الحيوان ، عدّا متناقضين
عرفا ، فراجع إليهم يظهر لك.
وأيضا ، قوله عليهالسلام : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري » ، الشرط مفرد
محلّى باللام يفيد العموم ، كما هو مسلّم في الأحكام الشرعيّة ، فتأمّل.
وأيضا ، كما
أنّه عليهالسلام بيّن أنّ خيار الحيوان ثلاثة ، كذا بيّن أنّه للمشتري ،
فكما لا يجوز أن يجعل ثلاثة في المقام مفهومها غير معتبر بأنّها وصف ، ومفهوم
الوصف ليس بحجّة ، فلعلّ غير الثلاثة أيضا يكون خيار الحيوان ، فكذا لا يجوز أن
يجعل للمشتري مفهومه غير معتبر.
وبالجملة ، كما
أنّ « ثلاثة » له مدخليّة تامّة في بيان خيار الحيوان ، فكذلك قوله : « للمشتري »
، وجعل الأوّل داخلا في البيان دون الثاني ، فاعتبار قوله : « للمشتري » ليس إلّا
من أنّه من تتمّة بيان خيار الحيوان ، وما يذكر في مقام بيان شيء لا بدّ أن يكون
داخلا فيه جزما ومن تتمّته قطعا.
__________________
وكذا الكلام في
صحيحة الحلبي .
والحاصل ، أنّ
خيار أمر من خصائص الشرع ومن أحكامه الوضعيّة ، ولا يمكن معرفته إلّا من بيانه ،
فحيث بيّنوا عليهمالسلام يجب الاقتصار على ما بيّنوا ، وعلى كلّ ما ذكروه عليهمالسلام في مقام البيان ، ولا يمكن التعدّي أصلا ، ولا يفهم غير
أنّه داخل بلا تأمّل وشبهة مطلقا.
وأوضح من هذا ،
أنّ المعصوم عليهالسلام في مقام تعريف موضوع هذا الحكم الشرعي ـ وهو أنّه للعقد
يكون خيار الحيوان ـ فهو في مقام تعريف أنّ خيار الحيوان ما ذا ، لأنّ المكلّفين
ما كانوا يعرفونه ، فقال : هو ثلاثة للمشتري ، فعرفنا من لفظ «
ثلاثة » أنّه ليس أقلّ منها ولا أكثر ، ومن لفظ « للمشتري » أنّه ليس لغيره ، وهو
القانون في التعريفات ، بأنّ القيود احترازيّة بلا تأمّل ولا تزلزل.
وأيضا ، الخيار
معناه الرخصة في الفسخ ، وهو ظاهر ، والرخصة لا تكون إلّا عن منع ، وزوال المنع
متقدّر بقدره ، وإذا كان مقيّدا بقيد يجب القصر فيه والحصر ، كما
يقول المولى لعبده : رخّصتك في كذا وكذا إلى كذا بنحو كذا ، وكذا الزوج امرأته ،
والأب ابنه.
وعلى أيّ حال ،
ليس هذا من باب المفهوم الّذي لم يعتبره المشهور كما لا يخفى ، ولهذا اتّفقوا على
الحجيّة بلا تأمّل من أحد منهم ، فلاحظ مقامات استدلالاتهم ، مع اتّفاقهم في
الفتوى.
__________________
هذا كلّه ، مع
قطع النظر عن القرائن المذكورة في الأخبار والإجماع الّذي ادّعي.
قوله
: لعلّ فيها دلالة على جواز النظر إلى وجه الأمة مطلقا ، فافهم .. إلى آخره
.
قد ورد في
الأخبار جواز النظر إلى وجهها لأجل شرائها وأنّه المرخّص لذلك ، وفيه دلالة
واضحة على المنع من النظر إلى وجهها ، ويمكن أن يكون حال زمان الخيار حال وقت
الملاحظة لأجل الشراء ، ويؤيّده أنّ الحكمة في الخيار كون الحيوان مظنّة العيب
ويختفي عيبه كثيرا ، كما ستعرّف به ، ووقت الملاحظة من جملة أوقات قبل الشراء ،
فتأمّل جدّا.
قوله
: على من ضمان ذلك؟ فقال : على البائع .. إلى آخره
.
وجه الدلالة
ظاهر ، سيّما بملاحظة ما سيجيء من أنّ التلف ممّن لا خيار له ، فتأمّل.
ومثل صحيحة ابن
سنان ، مرسلة الحسن بن علي بن رباط ، رواها الصدوق في « الفقيه » والشيخ في «
التهذيب » ، فلاحظ!
__________________
قوله
: وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام .. إلى آخره
.
قال بعض
المحقّقين رحمهمالله : يفهم منها ثبوت الخيار لأحدهما لا لكليهما ، ولا يكون
مختصّا بالبائع بالإجماع ، فيكون للمشتري خاصّة ، فتأمّل . انتهى.
أقول : ولما
ورد في رواية ابن فضّال عن الرضا عليهالسلام من قوله : « صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام
» .
ومراد الشارح ،
أنّ التعبير بعبارة « صاحب الحيوان » لأجل التعميم في الحكم بأنّه بالخيار ، أعمّ
من أن يكون هو البائع أو المشتري أو كليهما ، فما في رواية ابن فضّال يكون واردا مورد الغالب ،
ويمكن أن يكون بالعكس والشارح رجّح الأوّل بما ذكره من العلّة ، مع الغفلة عمّا في
رواية ابن فضّال ، أو عدم الاعتناء به لكونها موثّقة ، لكنّها موثّقة كالصحيحة ،
لما ذكر في شأن ابن فضّال ، حتّى أنّ بعضهم عدّه من الثقات الأجلّة ، مع أنّ
الرواية عالية السند ، مضافا إلى ما حقّقناه من أنّ الموثّق حجّة ، وليست معارضة
للصحيحتين ، لما عرفت.
فيمكن ترجيح
الثاني بالأصل وظاهر الفتاوي من الأصحاب ، لأنّهم يلاحظون هذه الدقائق ، وللتأمّل
في عموم صاحب الحيوان ، لأنّ الإضافة ـ حيث لا عهد ـ تفيد العموم ، إلّا أنّ ما
ذكره من التعليل قوي ، ويعضده كون الغالب من « صاحب الحيوان » هو المشتري ، فتأمّل
جدّا.
__________________
لكن ما في
صحيحة الفضيل الآتية كالصريح في التخصيص بالمشتري ، كما أنّه كالصريح في
النفي عن البائع ، فتدبّر.
ويؤيّدها
صحيحتا علي بن رئاب والحلبي السابقتان ، وغير ذلك ممّا ذكرناه في ترجيح المذهب
المشهور على مذهب السيّد رحمهالله.
ثمّ إنّه من
العجب استدلال البعض بهاتين الصحيحتين على مذهب السيّد رحمهالله ، ولا يخفى أنّه غفلة منه ، فتدبّر.
قوله
: وما في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « عهدة البيع في
الرقيق ثلاثة أيّام » .. إلى آخره
.
الظاهر أنّ
المراد ، أنّ الشارع قرّر في الحيوان خيار ثلاثة أيّام من جهة أنّه ربّما يكون به
عيب مستور لا يتيسّر إثباته بحيث يرفع النزاع بالمرّة ، أو إن تيسّر ، إلّا أنّه
حسما لمادّة الدعوى والنزاع جعل الخيار.
فيظهر من هذه
الصحيحة ـ أيضا ـ أنّ خيار الحيوان للمشتري ، وهذه الصحيحة وصحيحة علي بن رئاب
كالنصّ في ردّ مذهب أبي الصلاح من أنّ الخيار في الوصيفة مدّة الاستبراء .
__________________
قوله
: [ وبمفهوم الأخبار المتقدّمة ] ، وإن لم يكن المفهوم حجّة مطلقا ، ولكن يفهم من
سوق الأخبار كونه حجّة [ هنا ] .. إلى آخره
.
المفهوم الّذي
وقع النزاع في حجّيته والمشهور ينكرونها هو مفهوم مثل قوله عليهالسلام : في السائمة زكاة ، أمّا مثل قول : أعتق رقبة مؤمنة ، فالاتّفاق واقع على
أنّه معارض لقول : أعتق رقبة ، والمعارضة فرع دلالة المقيّد على عدم وجوب عتق غير
المؤمنة.
هذا ، في صورة
اتّحاد موجب العتق ، وكون العتق المأمور به فيهما عتقا واحدا لا تعدّد فيه جزما ،
وظاهر أنّ خيار الحيوان أيضا واحد جزما بحسب الشرع ، إن كان مختصّا فمختصّ ، وإن
كان مشتركا فمشترك ، فتأمّل جدّا.
بل الفقهاء
بأجمعهم يجعلون دلالته أقوى من دلالة المطلق ، بحيث يعيّنون حمله على المقيّد
ويرجّحون المقيّد عليه مطلقا ، كما لا يخفى على المطّلع بطريقتهم.
نعم ، وقع من
بعض من المتأخّرين في تعيين الحمل عليه تأمّل ، بدعوى أنّه كما يجوز الجمع كذلك ،
كذا يجوز بنحو آخر ، وهذا منه أيضا اعتراف بحجيّة المقيّد ، لكنّه متأمّل في كونه
أقوى من دلالة المطلق بحيث يتعيّن حمله على المقيّد مطلقا.
لكن الحقّ مع
الفقهاء ، بشهادة فهم العرف والتعارف في الفهم ، ولذا لم يقع من أحد من الفقهاء ـ
مع شدّة الاختلاف في إفهامهم ـ تأمّل في التعيين المذكور سوى ما صدر من بعض
المتأخّرين غفلة منشؤها قضيّة كون الجمع مهما أمكن
__________________
لازم ، وأنّه بأيّ نحو أولى من الطرح ، وقد بيّنا فساده في رسالتنا في «
الجمع بين الأخبار » ، فليلاحظ! وبالجملة ، فرق بين قولنا : في السائمة زكاة
، وقولنا : الزكاة في الغنم السائمة ، أو الزكاة في السائمة ، فإنّ الظاهر من
الثاني الحصر والاختصاص ، والحكم يرجع إلى القيد قطعا ووفاقا ، سواء قلنا برجوعه
إلى المقيّد أيضا أم لا.
هذا ، مع أنّ
اللام في قوله عليهالسلام : « ثلاثة أيّام للمشتري » لعلّها لام
الاختصاص ، بل ربّما كان هذا هو الظاهر ، مثل : الجلّ للفرس ، وأيضا قوله عليهالسلام : « للمشتري » ، من تتمّة المحمول وقوله : « ثلاثة
أيّام » ، وكما لا يحسن أن يقال : دلالة ثلاثة أيّام على غير ثلاثة أيّام بالمفهوم
، كذا لا يحسن أن يقال ذلك في تتمّته ، فتأمّل.
هذا ، مضافا
إلى ما ذكره الشارح رحمهالله ، وسيجيء أيضا في بحث التلف في زمان الخيار ما ينبغي
أن يلاحظ ، ومرّ وسيجيء أيضا أنّ المعصوم عليهالسلام في مقام تعريف خيار الحيوان ، وكلّ قيد في مقام التعريف
معتبر يقينا ، لأنّه احترازي داخل في العرف فيعتبر في المعرّف قطعا ، فلا وجه
للتأمّل أصلا.
مع أنّ التعليق
بالوصف يشعر بالعلّية ، فإذا انضمّ مع هذا الإشعار أدنى شيء وأضعف قرينة يتحقّق
الدلالة ـ كما حقّق في محلّه ـ فكيف إذا ضمّ إليه جميع ما ذكرنا وما سنذكر؟!
فتدبّر.
قوله
: [ و ] هو كالصريح في النفي عن البائع ، فليس الاستدلال بمفهوم اللقب .. إلى آخره
.
لأنّ الراوي
سأل الإمام عليهالسلام أن يبيّن له خيار الحيوان ، فبيّن عليهالسلام له أنّه ثلاثة
__________________
أيّام للمشتري ، فكما بيّن أنّه ثلاثة أيّام كذا بيّن أنّه للمشتري من دون
تفاوت ، فيكون حكمه حكم ثلاثة أيّام من دون تفاوت ، فكما أنّه لا يمكن أن يقال :
ثلاثة أيّام لا خصوصيّة له في البيان ، فكذا لا يمكن أن يقال ذلك في قوله :
للمشتري ، فتدبّر.
ثمّ لمّا سأل
عن خيار غير الحيوان بيّن عليهالسلام له أنّه مخالف لخيار الحيوان في المقدار وفي صاحب
الخيار ، فكما بيّن أنّه مخالف له بحسب المقدار كذا بيّن أنّه مخالف له بحسب صاحب
الخيار ، فكيف يبقى للمجتهد تأمّل في الدلالة ، مع أنّ السند في غاية الصحّة؟! هذا
، مضافا إلى الصحاح الماضية ، ودلالاتها القويّة غاية القوّة كما أشرنا وأشار إليه الشارح رحمهالله.
مضافا إلى
الموافقة للأصول والإجماع والعمومات ، فكيف يبقى له مجال التأمّل في الحكم بمجرّد
رواية ابن مسلم ؟! مع أنّ هذا الراوي بعينه روى ما يخالف روايته ، فربّما كانت
الروايتان واحدة وقع في إحداهما وهم ونقل بالمعنى ، كما سنشير ، فتأمّل.
وسيجيء صحيحة
الصفّار الظاهرة في اختصاص الخيار بالمشتري .
__________________
قوله
: [ وظاهر صاحب الحيوان ] هو الصاحب الآن .. إلى آخره
.
وفي « التهذيب
» في باب ابتياع الحيوان : الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن علي بن فضّال قال : «
سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهالسلام يقول : صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام » ، فتدبّر.
قوله
: لاحتمال أن يكون لواحد منهما الخيار لا لكلّ واحد ، وهو المشتري ، لما تقدّم ،
ولاحتمال أن يكون لأحدهما [ وعلى الآخر القبول ] .. إلى آخره
.
ربّما يقرّبه
ما سيجيء في خيار التأخير أنّه بين البائع والمشتري على ما ورد في بعض الأخبار ، مع أنّه لا
تأمّل في كونه للبائع خاصّة.
وبالجملة ،
لمّا كان الخيار أمر متحقّق بين البائع والمشتري صحّ أن ينسب إليهما ، وإن كان
لواحد منهما ، بواسطة ما ظهر من الخارج من أنّ خيار الحيوان لخصوص صاحب الحيوان.
هذا وإن كان
خلاف الظاهر ، إلّا أنّه في مقام الجمع بين الأدلّة تأويل لا بأس به ، كما ذكره
الشارح.
وربّما يؤيّد
التأويل زيادة قوله : « من بيع » ، مع عدم التعرّض لها أصلا في قوله : في « ثلاثة
في الحيوان » ، وأنّ هذا الراوي بعينه روى عن هذا المعصوم بعينه هذا
المضمون بعينه ـ أعني ثبوت الخيار في الحيوان ، وثبوت الخيار لتفارق الأبدان ، وفي
كلّ شيء حتّى في الحيوان ـ بعبارة صحيحة مضبوطة موافقة لسائر
__________________
الأخبار سالمة عن الزيادة المذكورة ، سيّما في موضع دون موضع .
ومع جميع ما
ذكر ، فهم ذلك المضمون من العبارة الغير المضبوطة في غاية البعد ، لكونها في غاية
الظهور في عدم تحقّق خيار المجلس في الحيوان أصلا ، وهو باطل إجماعا ، للتصريح
بأنّ خيار المجلس فيما سوى بيع الحيوان ، فتأمّل جدا.
قوله
: فيحتمل أن يكون المراد كلّ المتبايعين بالخيار في الحيوان الّذي انتقل إليه أو
في حيوانه ، سواء كان لهما الخيار في عقد واحد .. إلى آخره
.
لا يخفى بعد
جميع الاحتمالات ، ويمكن أن يقال : لعلّ هذه الرواية من ابن مسلم هي بعينها
الرواية الّتي نقل عنها سابقا من أنّ « البائعان بالخيار حتّى يفترقا ، وصاحب
الحيوان ثلاثة أيّام » على وفق ما رواه زرارة ، والحلبي ، وفضيل وغيرهم من
نظرائه ، إلّا أنّه وقع هنا وهم من جهة النقل بالمعنى ، ولعلّه من جهة فهم صاحب
الحيوان أعمّ من البائع والمشتري ، ولعلّ هذا الاحتمال غير بعيد عند المنصف
المتأمّل ، فتأمّل.
وكيف كان ، حمل
هذه الرواية على المحامل البعيدة الّتي ذكرها الشارح رحمهالله أيضا أولى وأقرب من حمل الأخبار الكثيرة الصحيحة
الواضحة الدلالة الموافقة للأصول ، والعمومات ، وفتاوي الفقهاء ، والإجماع المنقول
، فتأمّل.
سيّما مع ما
أشرنا إليه من الاختلالات في عبارة هذه الرواية ، ومنها زيادة
__________________
كلمة « في » في قوله : « في ثلاثة أيّام » : لكونها لغوا لا حاجة إليها
أصلا ، بل ربّما صارت منشأ للحزازة ، كما أنّ زيادة قوله : « من بيع » صارت منشأ
للحزازة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وعمدة الحزازات فيها صراحتها في نفي خيار
المجلس في الحيوان المخالف لإجماع الكلّ ، بخلاف سائر الروايات ، لأنّ الظاهر منها
تعدّد الخيار ، أحدهما في الحيوان ، والثاني في كلّ شيء حتّى الحيوان ـ كما فهمه
جميع الأصحاب ـ سيّما صحيحة ابن مسلم ، حيث كرّر فيها ذكر لفظ « بالخيار » تنبيها
على ذلك ، فتدبّر.
وممّا يؤكّد ما
ذكرناه ، أنّ الكليني رحمهالله روى صحيحة ابن مسلم بالعبارة الصحيحة ، والشيخ
رواها بالعبارة السقيمة ، والكليني أضبط بلا شبهة ، والشيخ وإن رواها كذلك إلّا
أنّه لم يعمل بها ، فتدبّر.
فهذه الصحيحة
لا تقاوم صحيحته الأخرى السليمة أصلا ، بل لا تقاوم من وجوه شتّى ، فكيف تقاوم هذه
وغيرها من الأخبار الصحاح ، مع ما فيها من نهاية قوّة الدلالة؟! مضافا إلى غاية
الكثرة كما عرفت وستعرف ، سيّما ومع موافقتها للأصول والعمومات والإجماعات.
وعلى تقدير
تسليم المقاومة ، فرجحانها عليها من أين؟! بل لا شبهة في فساده ، فيرجع أصل العدم
سالما ، فتأمّل جدّا.
وسيجيء في بحث
التصرّف صحيحة الصفّار الواضحة الدلالة في اختصاصها بالمشتري.
__________________
قوله
: ولا فرق بين أن يكون التصرّف لازما كالبيع ، أو غير لازم كالهبة قبل القبض ..
إلى آخره .
والبيع وغيره
صحيحان من دون توقّف على إدخال في ملكه ، ثمّ البيع وغيره بعده كما توهّم ، إذ لا
مانع من أن يكون البيع ـ مثلا ـ يؤثّر أثرين ، الانفساخ ، والنقل إلى ملك الآخر
بكونه تصرّفا في ملكه ، كما هو الحال في سائر التصرّفات مثل الأكل وغيره ، بل
الأمر في مثل البيع أسهل فلا وجه للتوهّم فيه دون غيره.
وكون نفس
التصرّف مسقطا للخيار وملزما للبيع ، أو فاسخا للعقد هو الظاهر من الأخبار ، فتأمّل فيه ، لأنّ
التصرّف مسقط وملزم ظاهر من الأخبار ، بل ربّما كان الظاهر أنّه دليل على الرضا والإمضاء ،
وأمّا كونه بنفسه فاسخا للعقد وتصرّفا في ملك نفسه معا فلم يظهر بعد.
قوله
: بخلافه ، لحصره في الجارية باللمس والتقبيل والنظر ، فيمكن ما كان مثلها أو أعلى
كذلك .. إلى آخره .
يمكن أن يكون
الغرض من ذكر هذه الأمور الإتيان بأمثلة التصرّفات الّتي ليست للاختبار ، إظهارا
لكون التصرّفات المسقطة هي أمثال هذه دون ما يكون للاختبار مثل الأمر بالخدمة ،
فتأمّل.
والحاصل ، أنّ
إسقاط الخيار قد يكون بالقول ، وقد يكون بالفعل ، وهو الّذي يظهر منه رضاه بالعقد
ونقله الملك وكونه ملكا له ، على تقدير أن يكون فعله
__________________
صحيحا موافقا للشرع ، حملا لأفعال المسلمين على الصحّة ، يشير إلى ذلك ما
ورد في بعض الأخبار أنّ تصرّف صاحب الخيار رضا منه بكون عقده لازما ، فلاحظ.
وعلى فرض أن لا
يكون كذلك ، فالّذي يظهر هو التصرّف الّذي يكون من باب تصرّف الملّاك في ملكه ،
كما اعترف به الشارح .
قوله
: فقد وجب الشراء إن شاء الله
.
ظاهر هذا ، أنّ
الخيار للمشتري خاصّة ، فتدبّر.
قوله
: [ كلّ حدث مسقط للخيار ] ، إلّا أنّ الحدث مجمل .. إلى آخره
.
العبرة بجواب
المعصوم عليهالسلام ، والعموم ظاهر ، والمعنى أيضا ، لأنّه كلّما يعدّ في العرف
حدثا ، وهو هنا الفعل الجديد المغاير للأفعال الكائنة في حفظها ، وكذا المغاير
لمثل النظر إليه ، فتأمّل جدّا.
قوله
: قد لا يكون السقي محتاجا إلى الركوب ، فتأمّل ، فإنّ المسألة مشكلة كسائرها
.
لعلّ العادة
صارت أنّهم يركبون غالبا في مقام السقي من بعيد ، ولعلّه لكونه أسهل وأحفظ وأسرع.
خيار الشرط :
قوله
: رواية إسحاق بن عمّار ، قال : « أخبرني من سمع أبا عبد الله عليهالسلام قال :
__________________
سأله
رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره ، فمشى إلى أخيه ، فقال :
أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك .. » .. إلى آخره .
يظهر من استدلاله بها
أنّ مدلول هذه الأخبار فرد من المقام ، ليكون قولهم بعد ذلك : ويجوز اشتراط ارتجاع
المبيع .. إلى آخره عطفا للخاص على العام ، وكون ذكره على حدة ، لكونه مورد
أخبار خاصّة ، وفيه أنّه خلاف طريقة الفقهاء ، فإنّهم لا يقتصرون على مورد النصّ
إذا اعتقدوا العموم والتعدّي ، حذرا من أنّ المعهود عدم التعدّي ، كما يفهم الكلّ
من الصدوق ومثله ممّن كان فتواه مضمون الأخبار.
ولذا يفهم من
كان من أهل الفهم اقتصار الفقهاء على خصوص ما ذكروه من غير تعدّ أصلا ، والشارح رحمهالله لا يدّعي ، ولظهور كلام الفقهاء في جواز عكس هذه الصورة
، بل مراده ليس إلّا ظهور الجواز في نظره في حكم المسألة من عموم ما دلّ على لزوم
الوفاء بالشروط ، كما لا يخفى على الفطن ، بل كيف يمكنه دعوى ذلك مع ما يرى من
أنّهم عطفوا الثاني على الأوّل ، بأن قالوا : واشتراط ارتجاع المبيع .. إلى آخره؟!
فإنّه في غاية الظهور في كونه قسيمه ، في كونه شرطا متحقّقا من العاقد لا ثابتا
بأصل الشارع.
كما أنّ مدّة
الخيار فيه أيضا كذلك ، بل لو كان الأوّل أعم يكون كذلك ، مثل
__________________
قولهم : الحيوان كذا والإنسان كذا ، إذ لا شكّ في كون المراد منه ما سوى
الإنسان ، مع أنّه ليس كذلك ، بل مغاير من دعوة ، لأنّ المعتبر
في الأوّل ليس إلّا الخيار في فسخ المبايعة ، أعمّ من أنّ الخيار لخصوص البائع أو
المشتري ، أو كليهما ، أو الأجنبي منفردا أو منضما إليهما ، أو إلى أحدهما من دون
اشتراط مدخليّة ردّ الثمن ، واشتراط فعليّة الردّ ، وكونهما في مدّة الخيار وبعدها
من دون اشتراط خصوصيّة طرف من العوضين وكونه خاصّة ملحوظ النظر.
كما أنّ الأمر
في الثاني بالعكس ، بأنّ ملحوظ النظر ارتجاع المبيع لا غير المبيع ، وباشتراط ردّ
الثمن وفعليّة الردّ في المدّة وتحقّقه فيها كون المراد الثمن أو مثله لا
أنقص منه ولا أكثر ، ولا المتباين منه يقع وأراد غيره ، ولا اشتراط عدم ردّ شيء
أصلا بأن يكون الفسخ مجازا من دون [ حقيقة ] مثل : أن يقرأ لنفسه دعاء ، أو إن قدم ولدك ـ مثلا ـ من
السفر وأمثال ذلك ، أو لم يصدر منه شيء أصلا ، للقطع بأنّ الخيار خيار الفسخ ،
وأنّ الفسخ ليس معناه إلّا إزالة المبايعة ورجوع العوضين إلى مالكهما قبل المبايعة
، وليس الفسخ في جميع موارده المتحقّقة شرعا إلّا ما ذكر ، وكذا الحال في جميع
الموارد الّتي لا يمكن الفسخ من جهة التصرّف ، أو يظهر منها أنّ المانع هو التصرّف
مع تضاعيفها ، وخرج خصوص خيار رقبة المثل بالنصوص والإجماع .
__________________
ولعلّه لما ذكر
اقتصر الفقهاء فيما اقتصروا مع استنادهم في الأوّل على الإجماع والعمومات.
سلّمنا ذلك ،
لكن على هذا لم يقول الشارح ممّا سيجيء من خيار اشتراط ارتجاع المبيع : ( والظاهر
جواز العكس ) ؟ لأنّ صورة العكس كانت مذكورة فيما تقدّم ـ يعني هذا
المقام ـ صريحا من دون فرق بينها وبين سائر أفراده ، فلم تعرّض له هناك أيضا بعنوان
قوله : ( والظاهر جواز العكس )؟ فإنّ العكس ـ مثل الأصل ـ كان فردا للمقام.
ولا تأمّل أصلا
في جواز المقام ـ أيّ فرد منه ـ فإن كان تزلزله من جهة أنّ التصرّف مسقط للخيار
عند الأصحاب وغيره ، ممّا ظهر من الأخبار فاشتراط عدم كونه مسقطا مخالفا لفتاوي
الأصحاب ، ومقتضى الأخبار أو غير ذلك ممّا سنشير [ في ] الحاشية أو غيره.
ولذا اقتصر
الأصحاب على أنّ خصوص ظهوره الأصل ، فكيف يقول : ( الظاهر جواز العكس أيضا )؟! فإن كان
السبب عدم ثبوت ما يخصّص عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالشرط ، ولا يكفي للتخصيص
اتّفاق فتاويهم أو غيره وإن أورث تزلزل ما بحيث أخرجه من أفراد العمومات ، بحسب
تزلزل ما لا بحسب الواقع ، بحيث يمنع من الظهور من العموم ، إلى أن لا يمكن
الاستدلال به ، بل يمكن الاستدلال ظاهرا.
__________________
ففيه ، أنّه لم
اقتصر على خصوص صورة العكس مع خصوص صورة الأصل ، مع ما فيها من القيودات الكثيرة
المخصّصة للظاهر؟ وأنّ العام ضدّ الخاص ، فكيف يدلّ عليه ، فيدلّ على صحّة صور لا
تحصى ، منها ما عرفته في إخراج كلّ قيد قيد؟! وغير ذلك ممّا لا يتناهى ، بل
إظهارها أولى ، لكونها أخفى.
ودعوى خروج
الكلّ بالإجماع فاسد ، لتساوي نسبتها مع صورة العكس إلى فتاوى الأصحاب وطريقة
الشيعة المتداولة بينهم في الأعصار والأمصار ممّا ظاهره الإجماع ، فعلى خلاف ذلك فيه ما فيه.
ولو سلّمنا عدم
الظهور ، فالظهور في خلافه فيه ما فيه ، سلّمنا الظهور : لكن الإجماع من
اليقينيّات ، فكيف يكفيه الظهور ، وأن يقول الظاهر جواز العكس ، وأن يدّعي اليقين
بعدم جواز غير هذه الصورة ، مع ما رأيت من الفتاوى وطريقة الشيعة والأخبار؟! بل
صرّح بعض الفقهاء بمنع ردّ المثل في المبيع شرطا وفعليّة ، على وجه يظهر كونه من
المسلّمات ، مع أخبار جواز العكس أيضا.
ولعلّ هذا مراد
الشارح رحمهالله أيضا ، إلّا أنّه لعلّه لا يرفع الإشكال في صورة اتّفاق
الفقهاء على خصوص صورة الأصل لا غير ، وأنّه لم يعهد من أحد من الشيعة في الأعصار
والأمصار ، ولم يشر إليه في الأخبار.
هذا ، مع أنّ
الأخبار الواردة في سقوط الخيار بمجرّد التصرّف ظاهرة [ في ]
عدم جواز اشتراط عدم كونه مسقطا ، إذ [ أنّها ] ظاهرة في أنّ أيّ تصرّف
__________________
بأيّ نحو يكون ـ سواء بعنوان سقوط الخيار أو لا بعنوانه ، أو بعنوان عدم
السقوط ـ يكون مسقطا ، كما لا يخفى على المتأمّل.
على أنّه لو
كان بعنوان عدم السقوط مطلقا لا يكون داخلا فيما ذكرنا ، ويكون غير مانع عن الردّ
، للزم أن يقولوا ذلك في مقام من تلك المقامات الكثيرة لو لم نقل باللزوم في كلّ
مقام ، حذرا عن أن لا يفهموا كون التصرّف مسقطا في هذه الصورة أيضا كما فعلوا أصلا
في مقامات الخيارات الثابتة شرعا ، إذا ظهر ، فإذنها ثابتة ما لم يشترط السقوط ،
ولذا فهم الكلّ كذلك وأفتوا كذلك ، بخلاف كون التصرّف مسقطا له ، فإنّ الكلّ فهموا
الإسقاط مطلقا ، وإن كان بعنوان عدم الإسقاط ، كما هو ظاهر من التأمّل في أخبارهم
، مضافا إلى عدم تعرّضهم لخلافه في مقام من المقامات ، مع كونه مقام الحاجة ،
كمقام ثبوت الخيار شرعا.
فلذلك ترى كلمات
الفقهاء مطبقة في كون التصرّف مسقطا ومانعا مطلقا ، من دون تعرّض واحد منهم في
مقام منها لكون الشرط في عدم المسقطة نافعا ومانعا عنها ، وغير المانعيّة.
ولو اعتقدوا
الصحّة من عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط لصرّحوا بذلك عذرا من فهم خلاف ، بل عادتهم
التعرّض لكلّ موضع يصحّ عندهم الشرط ويجوز أو يلزم ، ومنها المقام ـ وهو خيار
الشرط ـ لانحصار الدليل حقيقة في العموم ، على حسب ما عرفت.
مع أنّ كلماتهم
تنادي بأنّ التصرّف مسقط ومانع مطلقا من دون استثناء
__________________
من أحد منهم ، بل سيجيء التصريح منهم بسقوط خيار الشرط بمجرّد
التصرّف ، فلاحظ! ولاحظ ما ذكرناه هناك! وبالجملة ، لا يتعرّض
فقيه في مقام لصورة اشتراط عدم الإسقاط مطلقا في موضع من المواضع الكثيرة ، مع أنّ
عادتهم التعرّض للاستثناء لو صحّ عندهم ، حذرا عن التغرير ، ولذا فهم الكلّ العموم
من دون استثناء أصلا.
على أنّه لو لم
يكن ما ذكرنا مستندهم ، لكان لصورة التخصيص بالصورتين مستند جزما ، وأين من
التخصيص بخصوص الصورتين ، كما ذكرنا وسنذكر؟
فتأمّل جدّا ،
والله يعلم.
قوله
: ولا يخفى أنّ فيها عدم سقوط الخيار [ بالتصرّف ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
التصرّف من صاحب الخيار فيما وقع فيه الخيار يوجب سقوط الخيار ، فلا دخل له في
المقام ، أو صاحب الخيار هو البائع ولا يمكنه التصرّف في المبيع قبل ردّ الثمن ،
وبعده تصرّفه فسخ مطلقا ، أو إن كان بقصد الفسخ.
وما سيجيء
أنّه : ( لو تصرّف أحدهما سقط خياره خاصّة ) إنّما هو في الخيار المشترك لا المختصّ ، كما صرّحوا
به.
قوله
: والظاهر جواز العكس أيضا ، وأنّ التعدّي إلى المثل .. إلى آخره
.
الظاهر منه
أنّه يجوز للمشتري أن يشترط أنّه إن أكل المبيع أو أتلفه أو عوّضه بثمن أو عين
بمعاملة أنّه إن أعطى عوض المبيع يكون له خيار الفسخ في
__________________
أخذ ثمنه إلى مدّة كذا ، سواء كان عين ثمنه أو عوض ثمنه ، فيرجع هذا إلى
صحّة معاملتهم واشتراط معاملة أخرى إن طلب هذه المعاملة ، فيرجع إلى اشتراط معاملة
أخرى في المعاملة والتسلّط عليها إلى مدّة معيّنة ، فلعلّه يرجع إلى نحو من يتعيّن
في المنهي عنه عندهم ، ومع تسميته يفسخ المعاملة الأولى ، فيه ما فيه.
وبيع المعاطاة
معاطاة ، وخيار اشتراط ردّ المبيع بردّ عوض الثمن من حين إلى مدّة معيّنة فيكون
فسخا في خصوص المبيع لا الثمن ، لأنّ الثمن يتصرّف فيه البائع بلا شبهة ، وهو فرع
الصحّة ، وإعطاء العوض هو عين صحّة المعاوضة ، وعدم فسخ من جهته ، فكيف يكون فسخا
وعدم فسخ؟! والبناء على كون صحّة هذا من قبل عموم « المؤمنون عند شروطهم » مع ما عرفت ما
فيه من عدم الدلالة على اللزوم عند الفقهاء ، وعدم جعلهم دليلا عليه ، بل جعلوه من
المستحبّات ، وإلّا لزم وجوب الوفاء بكلّ عدة ، ولم يقل به أحد ، فاستدلالهم به
ليس إلّا من قبيل الاعتضاد ، لا أنّه دليل حقيقي ، كما عرفت.
مع أنّه مرّ عن
الشارح عند شرح قول المصنّف : ( وكلّما يذكر في متن العقد ) أنّه قال : ( وظاهرهم
عدم انعقاد المعلّق ) ، فلاحظ وتأمّل.
وبالجملة ،
تقييد الشروط بكونها في ضمن العقد ، واللازم خلاف الأصل والظاهر ، مضافا إلى أنّ
لزومها إن كان من خصوص هذا العموم فهو دور محال ، مع لزوم عدم الاقتصار في
الصورتين ، بل كون الصور لا تحصى ، بل لا تتناهى إلى حدّ ، والاعتذار بخروج الغير
بالإجماع ـ مع فساده ، كما ستعرف ـ فاسد بالبديهة ، لصراحة كلمات الفقهاء في صحّة
صور خيار الشرط ، وأنّه على حسب ما اشترط
__________________
من دون تعيين ، لا اختصاص بصورة ، ولا تفاوت ، فكيف يلحق صورة فقط ويقول : (
الظاهر جواز العكس )؟! أو لم يكن تأمّل في صحّة الكلّ ، ولا في التفاوت أصلا؟
فإن قلت :
تعرّضهم لاشتراط ارتجاع المبيع بالنحو المذكور ليس إلّا من جهة [ أنّه ] ورد في
الأخبار ، وإلّا فلا تفاوت أصلا بينه وبين سائر الشروط بالمرّة رأسا.
قلنا : إنّ هذا
يوجب جعل صورته صورة العكس أيضا من جملة سائر صور الشروط البتّة من دون تفاوت أصلا
، لعدم ورودها في خبر من الأخبار أصلا ، مع كونها من شروط خيار الشرط ، وعدم فرق
بينها وبين غيرها ، ومع ذلك كيف يقول : ( والظاهر .. إلى آخره )؟ هل كان له تأمّل
في صحّة تلك الشروط وجوازها؟ وهذا ينادي منه بالبناء على التفاوت بين المقام ،
وبين شروط خيار الشرط.
فإن قلت : لزوم
العقد من عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) أو غيره.
قلت : فلا حاجة
إلى عموم « المؤمنون .. إلى آخره » ، سيّما وأن يجعل ذلك هو العلّة كما اقتضاه كلامه ،
إلّا أن يكون مراده الاعتضاد لا غيره ، فتأمّل.
ومع ذلك كيف يثبت
من عموم ( أَوْفُوا ) ونحوه تحقّق عقد لازم يكون غير لازم إلى انقضاء مدّة
معيّنة ، مع اللزوم بالالتزام في ذلك الزمان ، مثل : أن يشتري أحد شخصا من المأكول
لاضطراره إلى الأكل ، وبناؤه على أكله ويأكله
__________________
البتّة ، ومع ذلك يشترط على بائعه أن يكون له الفسخ من حين العقد والاضطرار
، مع البناء على الأكل قطعا وأكل جزما ، دفعا لاضطراره ، ويمتدّ خيار فسخه إلى
زمان الأكل ، وبعده إلى انقضاء مدّة الخيار ومدّة الفسخ؟! وهل يتفوّه به عاقل؟!
فضلا عن وضوح الثبوت.
واشتراط إعطاء
عوض للمأكول التالف ـ إن اختاره ـ واسترداد الثمن أو عوضه لا دخل له في المقام ،
لكونه اشتراط معاوضة ، فعلى تقدير الصحّة ليس محلّا لنظر الفقهاء في المقام ، ومع
ذلك لا وجه للاختصاص بصورتين لا غير ، على حسب ما ظهر لك.
فإن قلت : عموم
« المؤمنون .. إلى آخره » ظاهر في وجوب الوفاء بأيّ شرط وبأيّ عقد.
قلت : هذا
تخريب لفقه الفقهاء ، لو لم نقل بأنّه تخريب الشرع بالبديهة ، لانحصار العقود
اللازمة في الصور المعروفة القليلة ، فضلا عن الشروط الأخر ، لانحصارها في الندرة
ونحوه.
فإن قلت : خرج
من الخارج ما خرج ، وبقي الباقي.
قلت : هذا
تخصيص العام الفاسد ، باستعمال لفظه في نادر من الأفراد ، وإخراج للأكثر ، ومع ذلك
ليس أولى من إرادة الواجبات والمكملات في الإيمان لو لم نقل بشيوع استعمال الإيمان
في ذلك ـ كما لا يخفى ـ مع أنّ دلالته ليست إلّا من جهة نفي الإيمان من نفي
الوفاء. فالمراد ، إمّا نفي حقيقته ، أو نفي صحّته ، أو نفي كماله ، كما هو
المعروف من الفقهاء واقعا ، والأوّلان فاسدان ، لصحّة إيمانه كما هو المسلّم عندهم
من دون مدخليّة الفروع فيه ، فيتعيّن الثالث.
__________________
وادّعاء معنى
آخر ، فيه ما فيه إن كان على التعيين ، لعدم الثبوت بحيث يثبت على الخصم ، سيّما
بملاحظة توقّفه على تقدير قيد في الحديث يكون الأصل والظاهر يقتضيان عدمه ، وخصوصا
بملاحظة كثرة وروده في الأخبار في الأعم من الواجب وكثرة التداول بين الناس في
ذلك.
ومع جميع ما
ذكر ، يكون دلالته على صحّة خصوص الصورة الّتي ذكرها الفقهاء وخصوص عكسها ، مع
اعتبار قيود كثيرة في كلّ من الصورتين مثل اشتراط ردّ خصوص الثمن على النحو الّذي
سنذكر ، وخصوص ارتجاع المبيع ، وخصوص ردّ الثمن الّذي اشترط ، وغير ذلك ، من دون
ضميمة المخصّص ولا معروفية أصلا ، سوى فتاوي الفقهاء ، والأخبار ، وتداول حصول
خصوص هذه الصورة بين الشيعة في الأعصار والأمصار فيه ما فيه ، لاقتضاء ذلك التخصيص
بالصورة الأولى كما أفتى بها الفقهاء ، والإجماع والبداهة يفيدان اليقين لا الظن ،
مع أنّ الإجماع اتّفاق الفقهاء لا عدمه ، فتدبّر! وأيضا ، التصرّف مسقط للخيار ،
سيّما إذا كان بعنوان الإتلاف بالمرّة ، كما هو الحال في المقام ، لأنّه شرّع
لاحتياج البائع إلى الثمن ، وعدم خروج الملك عنه قهرا مطلقا ، وكون الإتلاف
المذكور مسقطا له ، لأنّ الفسخ ليس إلّا إبطال المعاملة والإرجاع إلى ما قبلها بأن
يكون عين العوضين يرجعان إلى ما كانا قبل هذه المعاملة لا مثلهما وبدلهما ، فإنّ
البدل عوض لم يقع العقد عليه ، فاشتراطه معاوضة أخرى في ضمن الاولى ، فكيف يصير
فسخا للأولى؟! بل هو إلزام لها وحفظ لصحّتها عن تطرّق الفساد ، فكيف يكون فسخا؟!
هذا إذا كان العوضان كذلك ، فإنّه شرط معاملة في معاملة. وأمّا إذا كان عين أحد
العوضين اشتراط ارتجاعه ، فإلزام من جهة وفسخ من جهة لا بدّ ثبوت
صحّته مطلقا من دليل ، سيّما بملاحظة ما بين الإلزام والفسخ من التوابع
الظاهرة ، والوارد في النص والفتاوي هو الّذي ذكره المصنّف لا غير.
وعموم «
المؤمنون .. إلى آخره » ـ مع ما عرفت ـ يقتضي صحّة صور كثيرة ، مثل أن لا يكون
مثلا ، بل أقل ولو بمراتب ، كالأكثر ، وغير الجنس ، وغير مقصود العوضيّة ، مثل
إعطاء مدّ من الحنطة أو قراءة سورة ، إلّا أن يدّعي الإجماع من الفقهاء على الفساد
فيهما.
ولم نجد من
كلامهم سوى ما ذكرنا من ظهور اشتراط ارتجاع خصوص المبيع ، ويجوز أن يكون مراد
الشارح من جواز العكس هو استرجاع المبيع أوّلا ثمّ ردّ الثمن بعده ولو مدّة ، لقوله
ـ بعد ذلك : (
والعمدة في ذلك .. إلى آخره ) ، فتأمّل! فلا يتوجّه على قوله إيراد أصلا ، ويكون
موافقا لغيره من الأصحاب ، والله يعلم.
وسيجيء تتمّة
للمقام في الحاشية الآتية.
قوله
: [ وأنّ التعدّي إلى المثل ] والقيمة بحسب الشرط والعقد قبلها .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
القيمة ربّما تتفاوت كثيرا فيما بين وقت العقد ومنتهى انقضاء مدّة الخيار ، فلزم
الجهل والغرر ، لعدم المعلوميّة المعيّنة.
فإن قلت : عموم
« المؤمنون عند شروطهم » يقتضي الصحّة.
قلت : فعلى هذا
لا حاجة إلى تعيين المدّة أيضا ، والجواب الجواب ، بل ضرورة عدم تعيين القيمة أشدّ
عند الفقهاء بلا شبهة ، للنهي عن الغرر ، ولم يقل
__________________
أحد منهم بالتعيين في المقام ، بل صرّحوا بالتعيين في المدّة .
وأمّا الثمن ،
فقد اكتفوا بقولهم : إذا اشترط ردّ الثمن ، كما هو مدلول الأخبار والظاهر منها أيضا ، فالظاهر من
الأخبار والفتاوي هو الثمن الكلّي الّذي يكون في الذمّة ، لا الشخص
المعيّن الخارجي ، لأنّه إذا أتلفه البائع لا يصدق على خصوص إعطاء العوض الّذي [
هو ] قيمة ردّ الثمن ، لأنّه ليس بثمن أصلا.
نعم ، الكلّي
المقرّر على الذمّة ، كما هو المتعارف في المبايعات ـ إذا وقع الثمن في المبايعة ـ
لا شكّ في صلاحيّة إطلاق الثمن على كلّ فرد منه ، لأنّ الكلّي لا يوجد في الخارج
إلّا في ضمن الفرد ، والفرد الّذي سلّمه المشتري إلى البائع يصير ثمنا بتعيّنها
وتراضيهما فيه ، فإذا اشترط البائع حين العقد : إن ردّيت الثمن في مدّة كذا يكون
بالفسخ ، وأراد منه هو الكلّي الّذي وقع العقد عليه ـ أي فردا منه ـ دون الشخص
الّذي بعد تماميّة العقد اختاره المشتري وسلّمه إليه ، بل ويصرّح بأنّي أتلف هذا
الذي تسلّمه إلى ، أو يظهر من القريب ، وأراد الّذي وقع عليه العقد لم يكن به بأس ولا فيه
حزازة ، بخلاف ما لو كان الّذي وقع عليه هو الشخص المعيّن لا غير ، كيف يأتي أن
يقول بقول مطلق : إن ردّيت الثمن ، سيّما بملاحظة الشخص لا يجعل ثمنا إلّا للغرض
الخاصّ به بلا شبهة؟! [ و ] فيما ذكر قرينة واضحة على أنّ ما في الفتاوي والأخبار هو الّذي
__________________
ذكرنا ، فتدبّر.
قوله
: فإن أقامه في السوق .. إلى آخره
.
فيه إشارة إلى
أنّه بالعرض على البيع لا يسقط الخيار ، فتأمّل جدّا .
خيار الغبن :
قوله
: ولقوله [ تعالى ] ( إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) .. إلى آخره .
ولقوله : « لا
يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » ، ولما مرّ في بحث كراهة الربح على المؤمن من الرواية
المتضمّنة لقوله عليهالسلام : « غبن المؤمن حرام » ، ولما مرّ من
حرمة غشّ المؤمن الوارد في الروايات ، وكذا المنع عن النجش ، وأمثال ذلك.
وأمّا رجوع ذلك
إلى خيار المشتري ، فلأنّه لو اطّلع بالحال ورضي بالعقد يجب على البائع الوفاء به
، لعموم ( أَوْفُوا ) وغيره ، ولا يتأتّى للبائع أن يقول :
__________________
العقد باطل لأنّي غشّيتك ، وفعلت الحرام ، وبعتك بأزيد من قيمته زيادة
فاحشة.
قوله
: [ فلا يزول عنه إلّا بسبب شرعي ] لعلّه الأظهر بعد الثبوت ، لما مرّ
.
ربّما يتراءى ،
ويظهر في نظري كون الأوّل أظهر ، لعموم ما دلّ على وجوب الوفاء ولزوم العقد ، وعدم
مانع منه ، لأنّ المانع هو الضرر والنقص ، وليس هاهنا ضرر ولا نقص أصلا ، ولم يثبت
خيار مطلق حتّى يقال باستصحابه ، بل خيار مشروط بعدم إعطاء التفاوت ، ولعدم قيام
دليل على أزيد من هذا ، لا من الإجماع ، ولا من : « لا ضرر ولا ضرار » وأمثاله ،
فتأمّل.
قوله
: نعم ، لا شكّ أنّ الأحوط ذلك .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
أكل البائع الثمن أكل مال بالباطل ، فالأحوط أن يردّ البائع التفاوت ، بل المعيّن
ذلك ، بالنظر إلى الأدلّة ، فتأمّل.
خيار التأخير :
قوله
: [ حملوها على عدم لزوم بيع له ] ، لأصل البقاء من غير فاسخ ، والأصل متروك
بالأخبار ، ولا إجماع [ هنا ] .. إلى آخره
.
وللإشعار
الكائن من قيد « له » في قولهم عليهمالسلام : « فلا بيع له » ، فتأمّل.
ومرّ في اشتراط
ارتجاع المبيع قول الباقر عليهالسلام : « وإلّا فالبيع لك » ، وفي
__________________
صحيحة الفضيل : « أرى أنّه لك إن لم يفعل » ، وظاهر أنّ المراد من « لك » فيهما انقضاء الخيار وعدمه
، لأنّ البيع كان له كما هو المشهور عند الأصحاب ، وثبت من الأدلّة ، منها النصّ
عنهم عليهمالسلام.
وسيجيء في
الخيار فيما يفسد إلى الليل أيضا أنّهم عليهمالسلام قالوا : « فلا بيع له » ، مع أنّه ضرر
عظيم على البائع من غير تقصير منه ، فلا معنى لبطلان البيع ، بل في المقام أيضا
مجرّد تأخير المشتري كيف يصير سببا لبطلان البيع من طرف البائع أيضا ، مع أنّه لا
تقصير له أصلا؟! والظاهر أنّه إرفاق للبائع ، لا أنّه إضرار عليه ، ولذا قال : «
لا بيع له » مع أنّ البيع المطلق مأخوذ فيه قيد اللزوم ، والمركّب ينتفي بانتفاء
جزئه.
مع أنّ صحّة
البيع الفضولي تقتضي صحّة هذا البيع بطريق أولى ، فلا مانع من أن يتحقّق التراضي
من الطرفين الآن فتشمله أدلّة صحّة البيع ، ولعلّه لما ذكرنا أفتى المعظم بالخيار ، وفهم المعظم
مؤيّد عظيم ، والله أعلم.
على أنّا نقول
: ليس المراد نفي ماهيّة العقد قطعا ، لتحقّقها جزما ، بل نفي الثمر الشرعي ، ولذا
عبّر بلفظ النكرة في سياق النفي ، فالمعنى : لا ثمر للعقد بالقياس إلى المشتري ،
لأنّه قال : « لا بيع » ، فحيث حكم بانتفاء الثمر لخصوص المشتري ظهر وجود الثمر
للبائع وبقاء الثمر اليقيني له ، مضافا إلى أصالة بقاء ذلك اليقيني وشمول
__________________
العمومات الدالّة على الصحّة.
فظهر من نفس
عبارة الخبرين صحّة البيع ، فضلا عن انضمام الأصل والعمومات ، لأنّ
الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر ولو في الجملة ، فكيف يدلّ على البطلان؟! وأمّا صحيحة
ابن يقطين ، فيمكن أن يكون المراد بالبيع المنفي المبيع ، لقوله :
« يبيع البيع » ، وقوله : « فإن قبض بيعه » ، وظاهر أنّ
المنفي هو الأثر ، لما عرفت ، وأثر المبيع وثمرة إنّما هو للمشتري ، وما نفي ثمر
الثمن ، فيمكن إرجاعها إلى الروايتين ، وما عاضدهما ، فتأمّل.
وفي كثير من
الأخبار : إنّ المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار ، مع أنّه
يصير بمجرّد العقد ملكه ، فالمراد على سبيل اللزوم ، فتأمّل.
والحاصل ، أنّ
نفي الحقيقة غير مراد جزما ، لبقاء الحقيقة يقينا ، لأنّ البيع من المعاملات بلا
شبهة ، وحقيقة المعاملة موجودة بلا خفاء ، ومسلّم عند جميع الفقهاء وأرباب الفهم ،
وثابت بالقاعدة الثابتة المسلّمة ، فالمنفي أمّا الصحّة ، أو اللزوم ، أو الكمال ،
والأوّل أقرب المجازات ، ثمّ الثاني ، والثالث أبعد الكلّ ، مع أنّ
__________________
القرينة قائمة على عدم إرادته قطعا ، مضافا إلى الإجماع ، فتعيّن الأوّل لو
لم يكن مانع ، لكن المانع موجود ـ كما ذكرنا ـ بل الموانع موجودة ، منها التقيّد
بقوله : « له » .
ومن المسلّمات
الّتي لا تأمّل فيها أنّ القيد في الكلام المنفي يرجع النفي إليه ، وهو المفهوم
لغة وعرفا ، فمقتضى العبارة أنّ النفي للمشتري خاصّة ، ويعضده القرائن الّتي أشرنا
إليها.
ومنها : الأصل
، لأنّ الأصل في البيع الصحّة واللزوم ، إلّا فيما يثبت خلافه ، ولم يثبت إلّا في
جانب المشتري.
ومنها :
الإجماع المنقول والأدلّة الدالّة على حجيّته ، كما حقّق في محلّه ، ومسلّم عندهم
حتّى الشارح أيضا. إلى غير ذلك من الأمارات.
فإذا ظهر وثبت
أنّ النفي إنّما هو بالنسبة إلى خصوص المشتري ثبت كون المراد نفي اللزوم ، إذ لا
معنى لنفي الصحّة له خاصّة كما لا يخفى ، فتأمّل جدّا.
قوله
: ويدلّ بقاء البيع إلى شهر خبر آخر
.. إلى آخره
.
قال المحقّق
المحشّي : هو ما رواه علي بن يقطين ، قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجل اشترى جارية ، وقال : أجيئك بالثمن ، فقال : إن
جاء فيما بينه وبين شهر وإلّا فلا بيع له » ، ولا أدري وجه ضعفه ، لأنّ سنده هكذا ـ على ما رواه
__________________
الشيخ رحمهالله ـ : أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبي إسحاق ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن أبي
حمزة ، عنه.
أقول : ومرّ في
باب النقد والنسيئة عن الشارح رحمهالله وجه تضعيفه ، وأظهر ما توهّم في ذلك ، فلاحظ!
قوله
: وإنّما النزاع في القبل ، فإنّه من البائع على القاعدة المقرّرة ،
ومن المشتري ، لأنّه ما له ولم تثبت القاعدة .. إلى آخره
.
القاعدة ثابتة
بالخبرين المنجبرين بعمل الأصحاب ، كما اعترف الشارح مكرّرا ، منها : ما قاله هنا ، حيث
قال : ( ما تقرّر عندهم .. إلى آخره ) .
ولذا قال هذا
المنازع بأنّ التلف قبل القبض من مالكه الأوّل في غير هذا المقام ، ودليله ليس
إلّا القاعدة المقرّرة ، فإذا كان القاعدة مقرّرة مقبولة فلا وجه للتأمّل في
المقام ، فضلا عن أن يرجّح خلافها عليها ، خصوصا بالعذر المذكور ، لفساده قطعا ،
لأنّ جميع المقامات الّتي أخذوا فيها بالقاعدة واتّفقوا على الأخذ ، حتّى أنّ
المنازع من جملتهم جزما متحقّق فيها العذر المذكور من دون خفاء ، فكيف يرفع عنها
اليد في خصوص المقام بالعذر المذكور؟!
__________________
وكذا العذر
الّذي اعتذر لكون التلف بعدها من البائع لا شكّ في فساده ، لأنّه يقتضي أن يكون التلف في زمان
الخيار ممّن له الخيار ، وهو خلاف النصوص الكثيرة والإجماع .
على أنّ التلف
في أيّام الخيار ممّن لا خيار له ، بل إذا كان مع الإجماع والنصوص المذكورين
يترجّح القاعدة ، فبدونهما بطريق أولى ، فتأمّل.
قوله
: لو قلنا ببطلان العقد ، كما هو ظاهر الأخبار
، فلا شكّ [ في كون
الضمان من البائع ] .. إلى آخره
.
ليس كذلك قطعا
، بل ظاهرها الصحّة واللزوم في الثلاثة ، وعدم اللزوم بالنسبة إلى خصوص البائع بعد
الثلاثة.
قوله
: في الرجل يشتري الشيء الّذي يفسد من يومه .. إلى آخره
.
لعلّ المراد
أنّه لا يبقى إلى اليوم الآخر صحيحا ، وهذا هو الظاهر منه ، فلا حاجة إلى التأويل
في قوله : « بينه وبين الليل » ، فإنّ البائع بالخيار إن شاء أن يبيع أو يصرفه في
الليل فعل ، وإلّا ترك ، ويحتمل أن يكون المراد من يومه أوقات قليلة مجازا وكناية
، وهو متعارف ، فتأمّل.
__________________
في أحكام الخيار
قوله
: وبالجملة ، الإجماع والنصّ دليل الجواز واللزوم .. إلى آخره
.
ولعلّ تتبّع
تضاعيف الأحاديث الواردة في أحكامها يؤيّده ويعضده ، فتأمّل.
قوله
: ( ويسقط بالتصرّف ) ، ظاهره أنّ التصرّف مطلقا يسقط خيار الشرط ..
إلى آخره .
هذا الكلام
منهم صريح فيما ذكرناه في الحواشي السّابقة من أنّ علّة اقتصار الفقهاء في صور
اشتراط ارتجاع المبيع على خصوص اشتراط ردّ الثمن ، وكون ذلك الردّ في مدّة الخيار
، وكون المبيع هو الّذي اشتراط ارتجاعه لا غيره ، وأنّه لا يصحّ إذا
اشترط عدم ردّ أصلا ، أو ردّ لمن هو أجلّ أو أكثر ، أو بيان ، أو مثل صحّة المريض
، أو القدوم من السّفر. إلى غير ذلك ممّا لا خفاء في فساده ، وأنّ قبول مثل الثمن
في خصوص الارتجاع للمبيع من جهة النصوص والإجماع.
قوله
: [ إلّا ما استثني ] ، مثل ركوب الدابّة للسقي والعلف والحفظ والركوب للردّ ..
إلى آخره .
بناء على أنّ
الخيار في الفسخ ليس إلّا رجوع العوضين كما كانا قبل
__________________
المبايعة ، أعمّ من وقوع العقد على العوض الكلّي أو الشخصي ، فإنّ الشخصي
ظاهر.
وأمّا الكلّي ،
فلمّا استحال وجوده في الخارج إلّا في الشخص ، فيرجع العقد إلى الشخص الّذي تعيّن
الكلّي فيه ووجد بعد العقد ، والتصرّف فيه تصرّف فيما وقع العقد ، فإنّ التصرّفات
المنافية للفسخ كلّها كذلك في العوضين الكلّيين ، كما هو المتعارف في العقود ،
سيّما بالنسبة إلى الثمن.
هذا حال خيار الشرط
، وأمّا ارتجاع المبيع فهو على قسمين :
قسم منه يكون
خيار الشرط البتّة داخل فيه بالبديهة ، وهو أن يكون العوضين لا يتصرّف فيهما أصلا
، يعني الرجوع إلى نفس العوضين ـ جزئيّين أو كليّين ـ على ما عرفت من رجوعهما إلى
الحالة السّابقة على العقد ، وهي عدم تسلّط أحد في تصرّف فيه بغير إذن صاحبه ، أو
تصرّف فيه تصرّف الملّاك في ملكه.
مضافا إلى
الأخبار الكثيرة ، مثل رواية السّكوني ، وغيرها ممّا ستعرف ، مع كونه متّفقا عليه عند الفقهاء
، مثل بطلان المغارسة وغيرها ممّا لم يناقش فيه الشارح المناقشة الّتي ناقش في
المقام ، مع اتّحاد الحال في الكلّ كتابا وسنّة وإجماعا.
مع أنّه وجد في
المقام الأخبار الكثيرة والأصول والقواعد الواضحة ممّا أشرنا إليه في الحواشي
السّابقة واللاحقة ، فليلاحظ.
__________________
وبالجملة ، لا
يتصرّف فيه أصلا ، فإنّ التصرّف مناف للفسخ ، مسقط للخيار الشرط البتّة عندهم.
والقسم الثاني ـ
وهو المعبّر عنه باشتراط ارتجاع المبيع المعدود قسما آخر كما عرفت في الحواشي السابقة
ـ هو الرجوع في الثمن ، أعمّ من أن يكون في نفس الثمن أو في مثله لا أزيد ولا أنقص
ولا المباين ، بالنحو الّذي عرفت فيما سبق ، لكن في طرف المبيع يكون على نهج خيار
الشرط ، يعني نفس المبيع خاصّة لا مثله ، فالتصرّف فيه من طرف الثمن غير مضرّ ، بل
من طرف المبيع أيضا ، لكن نفس المبيع لا عوضه ، بل لا يعامل هذه المعاملة إلّا من
جهة التصرّفين ، فهو غير داخل في خيار الشرط.
ولا يعبّر أحد
من الفقهاء عنه ، ولا أحد من المتشرّعة إلّا بخيار ارتجاع المبيع ، وإن صحّ ـ لغة ـ
التعبير عنه بخيار الشرط ، إلّا أنّ اصطلاح الفقهاء هو ما ذكرناه ، ولذا يحكمون
بأنّ خيار الشرط يسقط بالتصرّف من دون تأمّل وتزلزل ولا استثناء أصلا.
والمناقشة في
كون الثاني أيضا خيار الشرط فاسد ، إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ، ومن هذا ترى أنّ
الشهيد الثاني حينما ألحق صورة عكس اشتراط ارتجاع المبيع به اشترط أن يكون نفس
المبيع لا مثله ، وكذلك غيره من المحقّقين.
ومعلوم أنّ هذا
بعينه اشتراط خيار الشرط ، لعدم اعتبار التصرّف في الثمن ولا في المبيع ، فلا
اعتبار عليه أصلا ، إلّا أن يكون مراده جواز التصرّف فيهما لا
بتصرّف غير متلف يرجع إلى اشتراط ردّ المثل وجوازه.
__________________
وفهم كلام
الأصحاب كذلك ، وإلّا أشكل الحكم فيما اختاره ، لكن لم يظهر لي بعد مخالفة منه للفقهاء ، بل كلامه في
« المسالك » صريح غاية الصراحة في موافقته الفقهاء غاية الموافقة ، بل في غاية
الإصرار فيها ، ولم يتأمّل أحد إلّا الشارح ، لما ذكره من عدم فهمه ، وأنّ الله
أيضا لم يفهّمه.
قوله
: [ كلّما صدق عليه أنّه تصرّف ] فهو مسقط عندهم. قال في « التذكرة » : ولو كان
شيئا [ خفيفا ] .. إلى آخره .
وقد مرّ دليله
ووجهه عند ترجمة قول المصنّف : ( ولو شرطا سقوطه .. إلى آخره ) .
قوله
: ما رأيت دليلا على كون التصرّف مطلقا [ مسقطا ] .. إلى آخره
.
قد عرفت الدليل
، وبيان التصرّف المسقط ، والمراد من الرواية جميعا.
قوله
: [ لما تقدّم ] من أنّ التصرّف في خيار الغبن وخيار المجلس ليس بمسقط .. إلى آخره
.
لم يظهر عدم
مسقطيّة التصرّف لخيار المجلس ، وأمّا عدم مسقطيّته لخيار الغبن ما دام المغبون
جاهلا فظاهر ، لعدم دلالة التصرّف حينئذ على الرضا بالبيع حين معرفة الغبن وبعدها
، فإنّ التصرّف المسقط لا بدّ أن يكون دليلا على الرضا
__________________
والإسقاط كما عرفت ، فتأمّل.
قوله
: إن كان التصرّف من المشتري في المبيع [ فمعنى سقوط الخيار واضح ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
المتبادر من العبارة هذه وما يقول بعد هذه : ( ولو تصرّفا أو تصرّف أحدهما .. إلى
آخره ) ، أنّه يتصرّف المتصرّف فيما هو تحت تصرّفه من جهة كونه
ملكه المتزلزل من جهة خياره في الفسخ والإمضاء ، فإنّه إذا تصرّف يكون تصرّفه
مسقطا لخياره ، ورفع التزلزل عن ملكه ولزومه على قياس ما مرّ في الخيارات المختصّة
، بل ما ذكره في موضع آخر صريح فيما ذكرناه ، لاحظ « القواعد » وغيره.
والمراد من
سقوط الخيار ، بقاء العقد على حاله إلّا أنّه يسقط الخيار الّذي يترتّب على ذلك
العقد ، لا أنّه يبطل ذلك العقد ويزول أثره بالمرّة.
وكون المراد ما
ذكرناه مقطوع به من ملاحظة كلام الأصحاب في جميع مباحث الخيارات ، فالاعتراض على
هذه العبارة لا وجه له أصلا ورأسا ، ولا حاجة إلى جواب الشارح ، بل جوابه أيضا لا
وجه له أصلا ، إذ لو فسخ أحدهما البيع انفسخ من الطرفين ، فلا يبقى لقوله : ( خاصّة
) معنى.
وبالجملة ،
تصرّف كلّ واحد منهما في ملكه مسقط للخيار ، أمّا التصرّف في
__________________
ملك الآخر فحرام غير جائز ، إلّا أن يجعل ملك نفسه ويتصرّف في ملك نفسه ،
لا أنّه بعد التصرّف يتحقّق سقوط الخيار ، كما هو الظاهر أيضا
من هذه العبارة ، مع أنّ التصرّف في ملك الغير له وجوه :
منها ، أن يكون
بإذنه عارية ، وهذا لا يوجب الفسخ جزما.
ومنها ، أن
يكون غصبا ، وهذا أيضا غير ظاهر في الفسخ ، بل ظاهر في عدم الفسخ ، إلّا أن يدلّ
دليل على كونه فسخا بعنوان ، وما وجدنا.
ثمّ لا يخفى
أنّ هذه العبارة بالنسبة إلى الخيار المشترك لا المختصّ ، كما هو الظاهر منها
وصرّح في « القواعد » وغيره ، فلا وجه لما ذكره الشارح بقوله : ( على أنّ الظاهر ..
إلى آخره ) ، كما أشرنا إليه سابقا.
وأعجب من هذا
قوله : ( ودلّت على أنّه لو تصرّف المشتري أيضا فيه .. إلى آخره ) ، إذ المراد
من التصرّف التصرّف ممّن له الخيار جزما ، لا ممّن ليس له الخيار أصلا أيضا ،
فتأمّل جدّا.
قوله
: وقد عرفت عدم فهمنا دليلها .. إلى آخره
.
لا شبهة في عدم
فهمكم ، وإلّا لما كان يطعن أو يتأمّل ، ولما احتاج إلى توجيه كلماتهم ، لكن عالما
يعجز عن التوجيه ، ويقول : ( هم أعرف منّي ) ، ( وظنّي لا يغني من جوعي ، فكيف جوع غيري ). وغير ذلك؟!
__________________
قوله
: ويؤيّده ما تقدّم من مرسلة إسحاق بن عمّار
.. إلى آخره .
الأمر كما ذكره
، وهو الّذي أشرنا إليه من أنّ رفع حاجة الناس بالنحو الّذي يذكره الشارح صار
مقتضيا ، فصحّة ما ورد في مرسلة إسحاق المنجبرة بالشهرة بيّن ، وغيرها من جواز
الفسخ مع التصرّف من المشتري في المبيع والبائع في الّذي أخذه فردا للكلّي الّذي
هو الثمن ، كما عرفت ممّا ذكرنا سابقا ، فصار من قبيل المستثنى من قاعدة كون
التصرّف مانعا.
وأشرنا إلى ما
يصلح لكونه مستندا للفقهاء ، وإلّا فلا شكّ في أنّ ما اتّفقوا عليه من كون التصرّف
مانعا حتّى في خصوص خيار الشرط أيضا ، ولذا صرّحوا بذلك دفعا للتوهّم الّذي صدر من
الشارح من جعله خيار ارتجاع المبيع بردّ الثمن بالنحو الّذي [ يجعله ] داخلا في خيار
الشرط الّذي ذكروه أوّلا ، ثمّ عطفوا عليه خيار ارتجاع الثمن ، وصرّحوا في كلماتهم
بأنّه اشتراط ارتجاع المبيع لا غيره بردّ الثمن على حسب ما ذكرناه.
وعرفت أنّه
مستثنى من قاعدتهم في كون التصرّف مسقطا ، ولذا ذكروا ما ذكروا بأن خصّصوا بما
خصّصوا ، لكونه بخصوصه مورد الإجماع والنصوص ، والله يعلم.
وفي « المسالك
» أظهر الشهيد ذلك ، بل بعضهم ما اعتبر هذا الخيار من جهة المنافاة ، لكون
التصرّف مسقطا ، المسلّم الثابت عند الفقهاء ، ولم يعتبر
__________________
الإجماع عليه.
قوله
: [ للأصل ] والأدلّة المتقدّمة مع عدم دليل في السقوط بالتصرّف مطلقا .. إلى آخره
.
كلمات الشارح
في هذا المقام أيضا واضحة في اعتبار مثل الثمن ، ومثل المبيع لا أزيد منهما ولا
أنقص أصلا ولا المباين ، ولا اشتراط عدم ردّ عوض أصلا.
إلى غير ذلك
ممّا كتبناه في الحواشي السابقة وألزمناه بالقول بصحّة جميع هذه الصور الفاسدة ،
والبناء على أنّ المقام مقام خيار الفسخ ، والفسخ ليس معناه إلّا ردّ كلّ من
العوضين إلى صاحبهما بالنحو الّذي كان قبل العقد يلزمه عدم اعتبار جميع ما يصحّحه
في المقام ، والقول بما أفتى الفقهاء به لا أزيد ، والاعتراف بأنّ التصرّف
والتبديل يوجب عدم كون عوض العوضين واحدا أصلا ، لأنّ اشتراطه التزام بالعقد لا
فسخ له ، كما عرفت مبسوطا.
فيكون دليل كون
التصرّف مسقطا في غاية الوضوح ، ولا أحتاج إلى تأويل كلمات الفقهاء ممّا هو ظاهر
الفساد ، بل لا يفهم منه معنى ، وتعيّن كون التصرّف مسقطا لخيار الشرط لا خيار ارتجاع
المبيع ، فكلام في غاية الوضوح في إرادتهم من خيار الشرط هو الّذي ذكروه بهذا العنوان
، لا ما ذكروه بعنوان اشتراط ارتجاع المبيع ، كما لا يخفى.
قوله
: ويمكن حمل كلام الأصحاب ، من
أنّ التصرّف في خيار
الشرط مسقط [ على غير الصور الّتي ذكرناها ] .. إلى آخره
.
كلام الأصحاب
إنّما يحمل على ما يفهم من ألفاظ ،
__________________
وبناء معهم إنّما يكون عليه سيّما إذا اتّفقت كلماتهم ، ودعوى
القرينة الصارفة من جهة أنّه ما فهمه فيه ما فيه ، فإنّ كلماتهم جلّها شامل فيها ،
ولذا يقول : ( لا أفهم ، الله يفهمني الدليل ) .
إلى غير ذلك
ممّا صرّح به ويصرّح ، و ( هو أعلم منّي ، وأعلم بمزيّات لا تحصى ) ، ومرّ منه قدّس سره عند شرح
قول المصنّف : ( وكلّما يذكر في متن العقد ) التصريح بأنّ ظاهر الفقهاء عدم
الانعقاد ، فلاحظ كلامه ومراده من المعلّق!.
قوله
: هذا كلّه مع عدم الدليل أصلا على ما رأيناه
.
الدليل ـ على
حسب اطّلاعي القاصر ـ مضافا إلى ما مرّ في الحواشي السابقة رواية السكوني ، عن
الصادق عليهالسلام : « إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قضى فيمن اشترى ثوبا فيشترط إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : ليشهد
أنّه قد رضيه واستوجبه ، ثمّ ليبعه ، فإن أقامه في السوق ولم يبعه فقد وجب عليه
» ، والدلالة في غاية الوضوح مع شدّة التأكيد بقوله : « ليشهد أنّه قد رضيه
__________________
واستوجبه » ، لأنّه ربّما تعرض عارضة تمنع من معرفة الإسقاط ، فيحصل مخالفة
للشرع عظيمة ، بل وربّما يبني على المسامحة فيردّ طمعا في الردّ ، ويتوهّم أنّ
مجرّد الإقامة في السوق لا يكون تصرّفا مسقطا فيغلط ، لأنّه يكفي في السقوط ، فلا
بدّ من الإشهاد بالاستصحاب ، ولو لم يكن كافيا لما وجب عليه الإشهاد ولا دفع
السقوط إلّا بعد المنع.
والسند منجبر
بعمل الأصحاب ، وغيره من الجوابر :
منها ، الأخبار
المتواترة من الصحاح ، والمعتبرة الواردة في أنّ : من تصرّف في المبيع ثمّ ظهر
عليه عيب لا يمكنه الفسخ ، وليس له [ إلّا ] الأرش .
ولو لم يكن
إسقاط التصرّف في غاية شدّة في الشرع ، لما سقط خيار الردّ فيه ، لأنّ المشتري
مغرور جاهل بالموضوع ، وهو معذور بالبديهة ، وما عامل على المعيب أصلا ، بل لعلّه
في غاية الإباء والتوحّش فيه ، ومع ذلك لزمه المعيب المذكور قهرا
من جهة أدنى تصرّف جهلا ، فيكون السقوط من تصرّف من اشترط هو الخيار بطريق أولى ،
ثمّ أولى كما لا يخفى.
وأيضا ، ورد
منهم عليهمالسلام أنّ الإقالة في المبايعة لا يمكن أن تتحقّق بالزيادة والنقيصة
، وليس ذلك إلّا لأنّهما تصرّف.
وورد أيضا منهم
عليهمالسلام أنّهم قالوا : لا يواجب قبل أن تستوجب . إلى غير ذلك.
__________________
ومنها ، صحيحة
علي بن رئاب الواردة في خيار الحيوان ، وجعلها في « المسالك » دليلا في المقام ، لأنّ قوله عليهالسلام : « فإن أحدث المشتري حدثا فذلك رضا منه » ، أو في معناه
أنّ الحدث يكون رضا التزاما شرعا ، وليس معناه إن رضي فأحدث من جهة رضاه فذلك رضاه
، إذ العاقل لا يتكلّم كذلك ، فضلا عن المعصوم عليهالسلام.
وأيضا ، اشتراط
بقاء الخيار مع تحقّق الفسخ باطل يقينا ، لأنّ الخيار ـ حينئذ ـ بالنسبة إلى
الفسخ تحصيل للحاصل ، وبالنسبة إلى الالتزام جمع بين الضدّين ، وكذا الحال في
تحقّق الالتزام من دون تفاوت ، والإلزام يكون بالقول وبالفعل ، وهو أن يتصرّف تصرّف الملّاك في
ملكه ، فإنّ هذا التصرّف إذا كان بعنوان الإتلاف رأسا فهو إلزام ، وكذلك بعنوان
إتلاف جزء منه أو منفعة ، فكيف يقول : يكون في الخيار في الفسخ أو الإلزام حين تصرّفي في
المبيع وإتلافي شيئا منه على سبيل تصرّف الملّاك في ملكه؟! إذ القدر الّذي استوفي
كيف يتدارك في الفسخ أو الإلزام بعد ذلك؟! فتأمّل جدّا.
وبالجملة ،
تتبّع تضاعيف ما ورد فيه وغير ذلك! مع أنّ الظاهر أنّه إجماعيّ ، والله يعلم.
__________________
قوله
: [ على سقوط ] خيار الشرط بالتصرّف مع ثبوته بالدليل اليقيني
.
عدم اطّلاعه
على الدليل لا يقتضي عدمه ، فإنّه رحمهالله في غالب المواضع يناقش ويقول كذلك ، فلو صحّ مناقشاته
لم يبق للشرع والفقه أثر أصلا ، ولم يوجد حكم شرعي إلّا في غاية الندرة ، وأين هذا
من الدين والشريعة؟! وقد أشرنا إلى دليل أكثر المواضع ـ لو لم نقل كلّها ـ بحيث
يظهر منه غفلته رحمهالله على ما لا يخفى على المتأمّل ، وكيف يجوّز عاقل اتّفاق
الفقهاء على الخطأ؟ سيّما وأن يستدلّ بخطئهم على تحقّق الإجماع على خلاف ما قالوا؟!
وقد عرفت فساده ، وفساد الاستدلال بالكتاب والسنّة عليه ، إذ لا كلام لهم في مضمون
المرسلة ، بل كلّهم أفتوا بها ، بل كلامهم في غيره ، وهذا يشهد على ما ذكرناه ،
ومع ذلك هو أعلم ، إلّا أنّا نعلم أنّ الفقهاء أعلم من الشهيد الثاني ، وهو أعلم
من الشارح ، والله يعلم.
قوله
: من الكتاب والسنّة والإجماع .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
عموم الكتاب يقتضي عدم اشتراط ردّ الثمن أصلا ، فضلا أن يكون مثله أو قيمته لا
أزيد ولا أنقص ولا غير ذلك ممّا ذكرناه في الحواشي ، وأيّ عذر معتذر به فهو عذر
الفقهاء بلا خفاء ، كما أشرنا إليه مكرّرا ، فتأمّل.
قوله
: واشتراط العين في الثاني في « شرح الشرائع » مبنيّ عليه ، وهو أعلم
.
لا غبار أصلا ،
__________________
فماله إن أراد عين المبيع وعين الثمن لعدم تصرّف مسقط للخيار
أصلا.
نعم ، إن أراد
مثل الثمن ، ففيه إشكال ، لتحقّق المسقط عندهم ، لكن عرفت أنّه رحمهالله ما خالف الفقهاء أصلا ، بل أصرّ وبالغ في الموافقة ،
فلاحظ « المسالك » .
قوله
: [ لعدم ] ظهور الدلالة ، خصوصا [ إذا كان التصرف غير مستلزم للزوم المال
للمتصرّف ] .. إلى آخره .
لعلّ الظهور
بحسب فهم العرف ، فإنّ الإذن هو الرخصة ، والرخصة رفع المانع من طرف الآذن ، ولم
يكن مانع من طرفه سوى اختياره للفسخ ، فيرجع المال إلى مالكه ، فلم يفهم من رفعه
المانع الّذي كان من قبله سوى ما ذكر.
قوله
: ولعلّ دليله أنّه [ حقّ ] من الحقوق الماليّة قابل للانتقال ، فينتقل إلى الوارث
كالمال ، مثل الشفعة .. إلى آخره
.
وهل ترث المرأة
الخيار في الأرض الّتي اشتريت بالخيار؟ فيه إشكال ، من جهة أنّ الخيار تابع للملك
للأرض ، ولأنّ ثمن الأرض ليس ممّا تركه الزوج ، والّذي تركه هو الأرض ، وهي لا ترث
منها ، وأنّ ذلك حقّ من الحقوق الماليّة فيشمله عموم أدلّة الإرث ، ولأنّه تابع
الأرض ، والتابع منفعة من منافع المتبوع ، ومنافع الأرض ترثها الزوجة.
وأمّا إذا بيعت
بالخيار ، فلا ترث الخيار قطعا ، لأنّ الخيار حينئذ إضرار
__________________
وتفويت حقّ وملك للمرأة ، وليس من الحقوق الماليّة حتّى ترثها ، لأنّ
الوارث يرث الحقّ والمال ، لا الضرر وعدم الحقّ وسلب المال ، كلّ ذلك في المرأة
الّتي لا ترث الأرض.
قوله
: وللآخر البقاء ، للتبعيض المنفي ، فلو اختلفا قدّم الفسخ .. إلى آخره .
مع احتمال
التبعيض ، لكن للآخر خيار تبعّض الصفقة ، فتأمّل فيه ، لأنّ الخيار الّذي كان
للمورث هو بالنسبة إلى الكلّ لا البعض أيضا ، فتأمّل.
قوله
: ولما مرّ في بعض الأخبار الصحيحة هنا أيضا [ أنّه ] يجوز البيع قبل القبض .. إلى
آخره .
وللأخبار
الصريحة في أنّ النماء في مدّة الخيار للمشتري والتلف أيضا منه :
منها : رواية
إسحاق بن عمّار الماضية عند شرح قول المصنّف : وخيار الشرط [ ، وهو ] ثابت .. إلى
آخره .
ومنها : رواية
رواها في « الغوالي » عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنّه قضى بأنّ الخراج بالضمان ، معناه أنّ العبد ـ
مثلا ـ يشتريه المسلم فيأخذ ضريبته حينا ، ثمّ يظهر على عيب به فيردّه به : أنّه لا
يردّ ما صار إليه من غلّته ، لأنّه كان ضامنا له ، ولو مات مات من ماله » . انتهى.
ولغير ذلك من
الأخبار.
__________________
قوله
: ولعلّ دليل القول الأصل .. إلى آخره
.
دليل هذا القول
الأخبار المستفيضة المتضمّنة لصيرورة المبيع للمشتري بعد انقضاء الخيار . وسيذكر
الشارح بعض هذه الأخبار ويعترف بالدلالة ، لكن ينسب العامّة بأجمعهم إلى القول بهذا ، فهذا
يرجّح كون هذه الأخبار على سبيل التقيّة ، للقاعدة الثابتة من العقل والأخبار
الكثيرة.
وعلى تقدير عدم
كونها على سبيل التقيّة حملت على صيرورته بعنوان اللزوم.
وكيف كان ،
الأقوى ما هو المشهور ، ووجهه ظاهر ممّا ذكره الشارح وممّا ذكرنا.
قوله
: كأنّه الإجماع المستند إلى بعض الأخبار .. إلى آخره
.
سيجيء الخلاف
في أنّ القبض ما ذا ، هل هو التخلية مطلقا ، أو في غير المنقولات! فعلى هذا ، إذا
كان عدم القبض هو عدم التخلية إمّا مطلقا ـ كما هو رأي بعض ـ أو في غير المنقول ـ كما هو عند آخرين ـ يكون البائع مقصّرا ، بل غاصبا أيضا ، فلا وجه لما
ذكره الشارح بعنوان الإطلاق ، فتأمّل.
وما ذكره دليل
آخر على الحكم بالضمان ، لا على البطلان أيضا.
__________________
قوله
: والبائع
غير مقصّر
، والقاعدة تقتضي كونه من ماله .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
يكفي للخروج عن القاعدة الخبر المنجبر بعمل الأصحاب ، بل الإجماع على الظاهر ،
لعدم وجدان المخالف ، وأمّا الدليل على كون ذلك فسخا ظاهر قوله عليهالسلام « من مال بائعه » ، فإنّ المال التالف ظاهر في كونه مالا للبائع وتالفا
منه ، فيظهر منه الفسخ ، ولو لم ينفسخ لكان التالف هو مال المشتري ، وكان عليه أن
يقول : على البائع عوض مال المشتري ، لا أن يقول : التالف من مال البائع.
ومرّ عن الشارح
أنّ رواية عقبة مقبولة عند الأصحاب في مسألة التلف بعد الثلاثة ، ولا يخفى
أنّ خبر « كلّ مبيع تلف .. إلى آخره » أيضا مقبول عندهم ، ورواية عقبة أيضا تدلّ على أنّ
التلف من مال البائع كما لا يخفى ، بل هي أوضح دلالة.
قوله
: [ فإن كان المتلف هو المشتري ] ، فذلك قبض منه ، فتلف من ماله ، ولا ضمان على
البائع .. إلى آخره .
أمّا إذا تلف بقبضه وتحت
يده فظاهر ، لأنّه إتلاف بعد القبض ، وأمّا غير
__________________
ذلك فلأنّ مقتضى الأدلّة والقواعد كون التلف من المشتري والضمان عليه مطلقا
، خرج التلف الّذي من غير إتلاف المشتري بالنصّ والإجماع وبقي الباقي ، أمّا
الإجماع فظاهر ، وأمّا النصّ فلأنّ القدر الّذي يتبادر منه كون التلف من غير إتلاف
المشتري ـ وأيضا فسخ المشتري ـ إنّما يكون من جهة أنّ البائع ما وفى بعهده وعقده
وشرطه ، فله أن يقول : ما وفيت في التسليم وما أعطيتني الّذي عهدت وعقدت وشرطت
فأنا أيضا لا أوفي ، وللبائع أن يقول في صورة إتلاف المشتري : إنّي أوفيت لولا
المانع منك ، فتأمّل.
وأيضا ، للبائع
أن يقول : ردّ عليّ مالي سليما تامّا حتّى أعطيك الثمن ، فتأمّل.
قوله
: ولكن دليل المسألة بفروعها غير ظاهر سوى ما يتخيّل [ في البعض من الاعتبار ] ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
رواية عقبة المقبولة تدلّ على أنّ المشتري ضامن لماله بعد القبض مطلقا ، ومرّ عن
الشارح الاعتراف بذلك في بحث التلف بعد الثلاثة ، وتدلّ على
ذلك أيضا الروايتان اللتان نقلناهما في بحث تملّك المشتري بالعقد ، مع أنّه مرّ
عن الشارح مكرّرا أنّ الضمان لا بدّ أن يكون من المشتري علي أيّ حال ، لانّه ماله
، مع أنّ هذا ظاهر بلا شبهة ، لا حاجة إلى الاستدلال عليه بظهور أنّ مال شخص
لو تلف يكون التلف منه ، إلّا أن يثبت من الخارج ما يقتضي كون التلف مال شخص من
شخص آخر ويكون ضمانه على الآخر ، لكن خرج عن القاعدة
__________________
صورتان :
الاولى : تلف
المبيع قبل قبض المشتري ، وقد عرفت أنّه من البائع ، وظهر دليله.
الثانية :
التلف منه مع كون الخيار للمشتري خاصّة ، ويدلّ على ذلك الأخبار المستفيضة ـ الّتي
بعضها صحيح ـ المتضمّنة لكون التلف في الحيوان من البائع في الثلاثة أيّام حتّى
تنقضي ويصير المبيع للمشتري ، وقد أشرنا في باب بيع الحيوان وجه الدلالة أنّه مرّ
في بحث أنّ المشتري يملك بالعقد ما دلّ على الانتقال في ملك المشتري من حين العقد
وبسببه ، ومسلّم ذلك عند الشارح أيضا.
فذلك قرينة على
أنّ المراد في الأخبار المستفيضة صيرورة المبيع للمشتري بعنوان اللزوم وعدم الخيار
، فكأنّه صار الآن ماله ، فيكون الضمان عليه ، ومرّ عن الشارح أيضا في مبحث خيار
الحيوان أنّه للمشتري خاصّة ، للأخبار الكثيرة الواضحة الدلالة ، بل ربّما
يكون بالإجماع أيضا.
فدلّت الأخبار
المستفيضة على كون الضمان على البائع مع كون الخيار للمشتري خاصّة .
وبالجملة ،
الّذي يظهر من الأخبار الموافقة لفتاوي الأصحاب أنّ ضمان مال المشتري إنّما يكون
على نفسه بشرطين :
الأوّل : خروجه
عن البائع ودخوله في قبضه.
والثاني : أن
لا يكون له خيار مختصّ به.
__________________
فإنّه حينئذ
وإن كان ماله بالقياس إلى بعض الثمرات الشرعيّة ـ مثل كون النماء له ـ إلّا أنّه
ليس ماله بالنظر إلى بعض الثمرات ـ مثل كون الضمان عليه والتلف منه ـ وإن شئت قلت
: يشبه أن يكون مال البائع ، ووجه الشبه هو الّذي مرّ.
وبهذا جمع بين
الأخبار والأدلّة ، وظهر وجه المخالفة بينها ، حيث ظهر من بعضها كون المال للمشتري
ومن بعضها كونه للبائع ، وصار منشأ للخلاف بين الفقهاء.
والحاصل ، أنّ
الضمان حينئذ على البائع عند الكلّ ، أمّا عند المشهور فلما ذكرنا ، وأمّا عند
غيرهم فلعدم الانتقال إلى المشتري ، كما هو ظاهر المستفيضة ، وهو دليلهم
كما أشرنا ، ويدلّ على كون التلف من المشتري إذا كان الخيار للبائع خاصّة موثّقة
إسحاق بن عمّار ، واعترف به الشارح أيضا .
وبالجملة ،
دليل المسألة واضح ، فلا وجه لما ذكره الشارح.
فإن قلت : ما
ذكرت من الأخبار واردة في موارد خاصّة.
قلت : ما ذكروه
عليهمالسلام في مقام الجواب في حكم التعليل ، ويفهم منه العموم كما
فهمه أرباب الفهم المستقيم ـ أي الفقهاء ـ والشارح رحمهالله لم يتفطّن بتلك المستفيضة وإلّا كان يفهم كما يفهم
القوم ، ولذا فهم من رواية عقبة العموم ، وكذا من رواية إسحاق.
ويشهد على عدم
تفطّنه أنّه ما ذكر في باب بيع الحيوان غير حديث ضعيف ، وما ذكر المستفيضة دليلا
للشيخ وابن الجنيد .
__________________
فإن قلت :
للمشتري خيار الفسخ في صورة كون الخيار لهما ، فأيّ فائدة في الخيار؟
قلت : الفائدة
الرجوع إلى ثمنه إذا فسخ ، إلّا أنّه عليه قيمة المبيع للبائع ، كما هو الحال في سائر
مواضع الخيار.
وممّا يشير إلى
فهم العموم أنّ الشيخ رحمهالله استدلّ بها على رأيه ، فتأمّل.
على أنّه سيذكر
الشارح رحمهالله في شرح قول المصنّف رحمهالله : ( إلّا وطء الحامل ) بعض هذه
الأخبار المستفيضة ، ويعترف بالدلالة على العموم ، فلاحظ! فلا وجه لتأمّله في
المقام ، فتأمّل.
ويدلّ أيضا على
العموم ، أنّ القول بالاختصاص في مورد خاصّ معدوم ، لكن روي في « التهذيب » أنّ
الضمان على البائع في صورة يكون الشرط بينهما ، ويمكن حملها ـ من جهة عدم وجدان عامل بها ـ على صورة
يكون الخيار للمشتري خاصّة ، على طريقة ما مرّ في بحث أنّ الخيار في الحيوان
للمشتري ، فتأمّل.
قوله
: وفيه تأمّل ، مع أنّهم لا يجعلون هذا [ من ذلك القبيل ] .. إلى آخره .
لا يخفى ، أنّ
العلّة هي ما ذكره من أنّه ( له أن ينقص .. إلى آخره ) ، إذ حينئذ لا
يبقى لوجوب الوفاء على البائع تأمّل ، لأنّه عقد عليه فيجب الوفاء به ،
__________________
وهو كان عالما ، فكيف يمكنه أن يقول : أنا لا أفي به لأنّه أنقص من حقّك
الّذي عقدت العقد عليه؟
فليس هذا من
الفضولي الّذي وقع النزاع فيه ، لأنّ منكر الفضولي كان يستدلّ بمثل : « لا تبع ما
ليس عندك » ، وغير ذلك ممّا مرّ في بيع الفضولي ، وشيء من ذلك غير
جار فيما نحن فيه ، لكن عرفت أنّه لو ظهر بعد التصرّف يكون للمشتري أخذ ما بإزاء
وصفه المفقود ، إذ « لا ضرر » ، ولرواية يونس .
العيب وأحكامه
قوله
: واعترض عليه بأنّ عدمه أولى ، كما في « الشرائع » والمتن
، إذ قد يكون عيبا
مع الزيادة الماليّة ، كما في الخصيّ والمجبوب
.
فيه ، أنّها
ليست بزيادة ماليّة ، بل هي زيادة قيمة ، والمراد بالماليّة هنا هو
__________________
مقابل القيمة كما يظهر من عبارة « القواعد » و « التذكرة »
، ويقتضيه الدليل والقاعدة.
وتفصيل الكلام
، أنّ التفاوت إمّا بحسب الرغبة أو القيمة أو الماليّة :
والأوّل ، لا
يتعلّق به خيار إلّا مع الشرط.
وأمّا الثاني ،
ففيه الخيار ، وهو خيار الغبن ، وقد ذكر.
والثالث ، فيه
خيار العيب.
والمراد أنّ
المعتبر في المقام هو نقصان الماليّة ، كما صرّح به في « القواعد » و « التذكرة »
، أعمّ من أن يكون سببا لنقصان القيمة أم لا ، بل ولو كان سببا لمزيد القيمة ،
والقيمة ليست جزءا من المبيع ، ولذا يتخيّر المغبون بين الإمضاء مجّانا والردّ ،
والغاصب لا يضمن عندهم القيمة السوقيّة. إلى غير ذلك.
بخلاف المال ،
فإنّ نقصه نقص جزء من المبيع ، ولذا يتخيّر عندهم بين الأرش والردّ ، أمّا الردّ
فظاهر ، وأمّا الأرش فلأنّ ما أعطاه البائع بعض المبيع فللمشتري أن يلزمه بالوفاء
به وبما بقي ، وأمّا زيادة قيمة الباقي فلا يجبر النقص المالي ، كما هو الحال عند
تبعّض الصفقة ، فلا يمكن للبائع أن يقول : قيمة الباقي أعلى فلا عليّ أن لا أعطي
ما بقي ممّا لم يوجد ولا الثمن الّذي بإزائه.
وكذا الغاصب
إذا ضاع بعض المال في يده ، وصار سببا لزيادة قيمة الباقي لا يمكن له أن يقول : لا
أعطي القدر الضائع ، وذلك ظاهر ، فتأمّل.
وما قلنا من
أنّ الثمن موزّع على أجزاء المبيع ، يشير إليه أحكام كثيرة ، منها ما اعترف به
الشارح رحمهالله في بحث بيع المرابحة ، وعند
التجّار وأهل العرف أيضا
__________________
كذلك ، ولذا لا يبطل لو خرج بعض المبيع مستحقّا للغير ، أو غير ما يصحّ
ملكه ، وهذا وفاقي عند الفقهاء.
وأمّا إلزام البائع
بإعطاء ما بقي ، فلأنّ وجوب الوفاء بمجموع شيء وجوب الوفاء بجميع أجزائه ، وجعل
المجموع في الذمّة والعهدة جعل كلّ واحد واحد من الأجزاء بأجمعها ، ولذا لا يمكنه
أن يقول : لا أفي بما بقي لأنّي ما وفيت بما ذهب ، إلّا أن يكون البائع جاهلا ،
فله الخيار أيضا كما أشرنا.
وممّا يدلّ على
ما ذكر ، قول علي عليهالسلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، وقوله عليهالسلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » ، وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » .
وممّا ذكر ظهر
حال أنواع الخيارات ، مثل خيار التدليس ، فإنّ حاله حال خيار الغبن كما صرّح به
الفقهاء ، وقس على هذا ، وسيجيء زيادة كلام في ثبوت الأرش وتحقّق خيار العيب ،
فانتظر.
فإن قلت : لم
لا يلزم ممّا ذكرت هنا خيار تبعّض الصفقة ، وفساد البيع بالنسبة إلى الجزء الّذي
لا يمكن ، بل لزم خيار العيب ، وصحّة البيع ، ولزوم الأرش الّذي هو تفاوت ما بين
قيمة المبيع صحيحا ومعيبا؟
قلت : الفائت
هنا ليس إلّا الصحّة ، والصحّة وصف لا عين ، وإن لوحظ بإزائها مال وزيادة في الثمن
، والمراد من الوصف ما لا يصحّ أن يصير مبيعا برأسه سواء كان صفة أو عينا ، كيد
العبد مثلا ، والمراد من العين ما يصحّ.
فإن قلت :
تنتقض القاعدة بخيار الوصف.
__________________
قلت : ليس كذلك
، لأنّ البائع إذا باع عبدا ـ مثلا ـ فظاهر أنّ معناه العبد الصحيح ، لانصراف
الإطلاق إليه ، فيكون الصحّة داخلة في مفهوم المبيع وجزءا من أجزائه ، والثمن
موزّع على أجزاء المبيع على حسب ما مرّ من أنّ الصحّة جزء من أجزاء المبيع كما
عرفت ، والأرش تفاوت ما بين قيمة الصحيح والمعيب ، وهو جزء من الثمن كما صرّحوا
وسيصرّح المصنّف به ، فخيار العيب بعينه مثل خيار تبعّض الصفقة ، وحكمه
حكمه ، إلّا ما ذكر من أنّ الجزء هناك ممّا يصحّ بيعه بخلاف الصحّة.
وأمّا إذا باع
عبدا أبيض ـ مثلا ـ فللبائع أن يقول : البياض وصف اعتبر في المبيع لزيادة ثمنه
فلعلّه شرط لذلك لا أنّه شطر المبيع ، سيّما وأن يكون الثمن موزّعا عليه وعلى
المبيع ، على حسب ما مرّ في تبعّض الصفقة ، فتأمّل جدّا.
وبالجملة ، شرط
الوصف علّة للزيادة ، والعلّة خارجة عن المعلول ، وأيضا الثمن لم يجعل إلّا بإزاء
نفس المبيع ، وهو واضح ، فإذا كان موصوفا بوصف فالمبيع هو ذات الموصوف وعينه ، وإن
كان مشروطا بشرط موصوفا بوصف ، لأنّ ذلك لا يقتضي أن يكون الشرط والوصف داخلين في
المبيع ، لأنّ الموصوف غير الصفة والمشروط غير الشرط قطعا.
وعلى هذا ،
فكلّ شيء يكون فقده نقصا في نفس المبيع بحسب العرف ، فقده يصير سببا لتبعّض
الصفقة أو خيار العيب كما قلناه ، لأنّ البائع ما وفي بتمام نفس المبيع عرفا ،
فكيف يأخذ تمام ما جعل بإزائه؟ وكلّ شيء لا يكون كذلك يكون الأمر فيه ، كما قلناه
في خلاف الوصف ، فتأمّل جدّا.
__________________
لكن بالتصرّف
يكون له الأرش ، لرواية يونس ، وعموم « لا ضرر ولا ضرار » إذا كان
تصرّفه جهلا بالنقص ، فتأمّل.
قوله
: وعدم الشعر على العانة .. إلى آخره
.
في كونه سببا
للزيادة المالية تأمّل.
قوله
: ويمكن أن يقال المراد [ كون ذلك موجبا بالنسبة إلى التجّار ] .. إلى آخره
.
قد عرفت ممّا
ذكرناه أنّه لا حاجة إلى ما ذكره الشارح ، بل ولا يتمشّى ثمّ.
قوله
: لأنّ فقد الشرط موجب لفقد المشروط ، وهو صحّة العقد ، ولكن ذكروا [ أنّ الشرط
للّزوم لا للصحّة ] .
لا يخفى أنّ
الشرط بمنزلة جزء المبيع ، فليس فقده فقد كلّ المبيع حتّى يلزم عدم الصحّة كما
أشرنا إليه مرارا ، وقد عرفت في الحاشية السابقة وستعرف أيضا.
قوله
: وإلّا يلزم الدور في الشروط
، فلو قصد ذلك فلا بأس
.. إلى آخره .
قد عرفت أنّ
الدور لا يلزم إلّا في صورة خاصّة. وعرفت أيضا أنّ الشرط شرط الصحّة لا اللزوم ،
على ما هو مقتضى إرادة المتعاقدين ، والأدلّة الشرعيّة
__________________
مثل ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وغيره. وعرفت أيضا أنّه إذا لم يتأتّ الشرط ولم يمكن
حصوله يرجع العقد اللازم إلى الجائز بالنسبة إلى خصوص من له الشرط لا من ليس له
الشرط ، فإنّ العقد بالنسبة إليه باق على لزومه. وعرفت أيضا أنّ رجوع اللازم إلى
الجائز بالنسبة إلى خصوص من له الشرط إنّما هو من قاعدة أخرى جارية في تبعّض
الصفقة وأمثاله ممّا يكون المعدوم فيه بإزاء الآخر واعتباره لأجل الصحّة قطعا ، لا
لأنّ اعتباره لأجل اللزوم دون الصحّة ، فلا تقتضي تلك القاعدة كون الشرط شرطا
للّزوم خاصّة ، فتدبّر.
قوله
: قيمة عادلة بنظر أهل الخبرة المعتبرين .. إلى آخره
.
الّذين يحصل من
قولهم الظن ، فإن كان شهادة العدلين ميسّرة تكون أولى وأحوط ، وإلّا فلا يتوقّف
عليها ولا على تحقّق العدالة ، لأنّ المدار في أمثال المقام على الظنون ، هذا إذا
عرف القيمتان ، وأمّا إذا لم تعرفا من جهة الاختلاف وعدم مرجّح يرجّح ، أو لم
تيسّر لهم فالعلاج المصالحة ، كما هو الحال في أمثال المقام ، والله يعلم.
قوله
: لو قال : أنا بريء من عيبه .. إلى آخره
.
بيع المعيوب
عالما مع جهل المشتري حرام وغشّ ، فلا بدّ من إظهار ، ولو بالتبرّؤ عن المعيوب
إجمالا ، وأولى منه التبرّؤ تفصيلا ، وأولى منهما إظهار العيب إجمالا ، وأولى من
الكلّ إظهاره تفصيلا.
ثمّ لا يخفى
أنّ من العيوب قتل العبد أحدا أو جنايته ، وسنشير إلى حكمه في بحث الجنايات ،
فلاحظ! والله يعلم.
__________________
قوله
: إذ لا نقص في الماليّة هنا .. إلى آخره
.
مراده أنّ
الأرش نقصان مالي خاصّ ، وهو كونه نقصانا من القيمة الّتي للصحيح ـ أي تفاوت ما
بين قيمة الصحيح والمعيب ـ فلا يتحقّق هنا ، لأنّ قيمة المعيب أزيد من الصحيح ،
فكيف يتحقّق الأرش.
وفيه ، أنّ كون
الأرش مطلقا كذلك ممنوع ، لجواز تحقّقه كما ذكره الشارح إذا اقتضاه الدليل ،
والدليل يقتضيه ، لأنّ الخصى إن لم يكن شيئا من المبيع ـ بناء على أنّ الإطلاق
منصرف إلى الصحيح ، والخصي ليس من الصحيح في شيء ـ فالبيع باطل ، وإن كان هو
المبيع من دون تغيّر أصلا فالبيع صحيح من دون خيار ، وإن كان بعض المبيع ، بسبب
أنّ المبيع زائد عليه وهو ناقص عنه ، كما هو الحق ومفروض المسألة ، ولذا يتحقّق
فيه الخيار.
ومرّ التحقيق
في ذلك ، فنقول : إن أردت أنّ الناقص لا قيمة له أصلا ، ففيه أنّه فاسد قطعا ،
ولذا لو قطع أحد ذكر عبد يكون للمالك أخذ الدية قطعا ، بل ويأخذ دية عالية.
وبالجملة ، لا
شكّ في أنّه بإزائه في نفسه شيء البتّة وليس بحيث لا حرمة ولا قيمة له أصلا.
وإن أردت أنّ
زيادة قيمة الباقي تجبره ، فهو مخالف للقاعدة قطعا ، كما أشرنا إليه.
وإن أردت أنّ
البائع يتضرّر من جهة القيمة ـ كما أشار إليه الشارح ـ ففيه أنّ البائع إن كان
عالما بالحال وعقد البيع فهو أقدم على الضرر ، فللمشتري أن
__________________
يلزمه به ، لعموم ( أَوْفُوا ) وغيره ، وإن كان جاهلا فلا شكّ في أنّ له الخيار ، ولا
تأمّل فيه ، فلا ضرر من هذه الجهة أيضا.
وبالجملة ، ما
يقتضي الخيار في غيره هو بعينه مقتضى الخيار فيه ، لعدم النصّ بالخيار بحيث يختصّ
بغير ما نحن فيه ، فتأمّل جدّا.
والظاهر من
عبارة « القواعد » ثبوت الأرش هنا أيضا .
وممّا ذكرنا ظهر
أن لا مخالفة بين أوّل كلام « التذكرة » وآخره ، لتقييده بلفظ ( هنا ) هاهنا دون ما
سبق ، ولتعليله عدم تحقّق الأرش بما ذكر.
قوله
: ثمّ ينظر في دليل جواز الردّ [ فإن شمله يردّ ] .. إلى آخره
.
قد عرفت الدليل
وأنّه لا مجال للمناقشة فيه ، وأنّ الظاهر شموله لما نحن فيه.
قوله
: نعم ، يوجد في الأخبار ما يدلّ على الردّ بالعيب [ قبل الحدث والتصرّف ، والأرش
بعده ] .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
دليلهم هو القاعدة الّتي ذكرناها في الحاشية السابقة ، عند شرح قول المصنّف ، (
العيب ، وهو كلّ ما يزيد أو ينقص ) ، مضافا إلى عبارة « الفقه الرضوي » ، وهي هذه : « فإن
خرج في السلعة عيب وعلم المشتري ، فالخيار إليه ، إن شاء ردّ وإن شاء أخذه وردّ
عليه بالقيمة أرش العيب » ، وهي منجبرة بعمل الأصحاب مع أنّ « الفقه الرضوي » ،
معتبر عندهم ، ولذا كثير من أحكامهم نفس
__________________
عبارة « الفقه الرضوي » ، سيّما المفيد والصدوق رحمهماالله ، فلاحظ.
وأمّا الرواية
المرسلة ، فمع ضعفها محمولة على الغالب من عدم الرغبة في المعيب
وعدم الرضا به ، وكذا ما يؤدّي مؤدّاها ، مع أنّ الأمر الوارد فيها وارد في محلّ
توهّم الحظر ، ومثل هذا الأمر لا يفيد أزيد من رفع الحظر ، وجواز الفعل ،
والعلّامة لم يستدلّ بالروايتين على تمام مدّعاه ، بل عليه في الجملة كما لا يخفى.
قوله
: ويمكن حملها على كونها مع البكارة ، لما تقرّر عندهم .. إلى آخره .
حمل بعيد غاية
البعد ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الغالبة لا الفروض النادرة ، فكيف أن يكون
المراد خصوص النادرة ليس إلّا؟ مع أنّ الكليني والصدوق رويا عن عبد الملك بن عمرو ـ
راوي هذه الرواية ـ عن الصادق عليهالسلام هذه الحكاية بعينها وأنّ الصادق عليهالسلام قال : « يردّ معها نصف عشر قيمتها » ، بل رواية
الصدوق متنها عين متن هذه الرواية ، وفيها تلك الزيادة ، فتعيّن الحمل على الغلط
والسقط من القلم ، لأنّهما أضبط ، وللموافقة لسائر الأخبار ، ولأنّ الظاهر السقط
دون الزيادة.
نعم ، في «
الكافي » بعد هذه الرواية قال : وفي رواية اخرى : « إن كانت بكرا فعشر قيمتها » ، وإن لم تكن
بكرا فنصف عشر ثمنها » .
ومن هذا يترجّح
ما احتمله العلّامة في « القواعد » بأنّ البكر يردّ عليه
__________________
عشر قيمتها .
ويؤيّده
الأخبار الواردة فيمن جامع جارية رجل أنّه عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإلّا
فنصف العشر ، وردت فيمن اشترى جارية رجل من غير صاحبها ثمّ ظهر أنّها ليست للبائع ، وفي غير هذا
الموضع أيضا ، على ما أظنّ.
واحتمل ـ أيضا ـ
أن يكون مثل الثيّب يردّ نصف عشر قيمتها ، ولعلّه من جهة الإطلاقات ، وفيه ضعف ،
لما عرفت من انصرافها إلى الأفراد الشائعة.
أو من أنّه إذا
كان عليه نصف العشر في الثيّب ففي البكر بطريق أولى.
وفيه ، أنّه
فرع ثبوت جواز الردّ في هذه الصورة أيضا ، وعدم حجيّة ما رواه « الكافي » ،
ولعلّهما محلّ تأمّل ، سيّما الأوّل ، إذ الردّ خلاف الأصل.
وكذا إعطاء شيء
للبائع ، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الوفاق وما يتبادر من النصوص ،
وللبائع أن يقول : أخذتها باكرة ، فكيف تردّها عليّ ثيّبا؟ ردّها عليّ كما أخذتها
منّي وخذ ثمنك ، ولا ينفع الجواب بأنّ بكارتها صارت في معرض الزوال ، لأنّها ملك
ومال بلا شبهة ، بل هي أولى بالملكيّة من العبد المرتدّ الفطري وأمثاله ، مع أنّها
ليست من المنافع الحادثة في ملك المشتري ، بل من الصفات الكائنة في ملك البائع ،
ومال وملك.
قوله
: لعلّ الأخيرة حسنة ، والأولى [ يحتمل كونها صحيحة ] .. إلى آخره .
لا حاجة إلى
التعرّض لذكر حال السند بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، كما
__________________
هو مسلّم وحقّقناه في محلّه.
قوله
: واستلزام الوطء لمسّها غالبا .. إلى آخره
.
ولأنّ ترك
الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم ، سيّما وأن يكون الاحتمال أظهر
الاحتمالات ، بل وغيره في غاية البعد.
قوله
: [ لأنّها قد تزول ] بوضع الحمل .. إلى آخره
.
قد عرفت الكلام
في ذلك وما بعده.
قوله
: [ غير مجمع عليه ] ، بل ولا منصوص عليه بخصوصه .. إلى آخره
.
قد عرفت أيضا
أنّ الحق مع المشهور من أنّ الانتقال يقع من حين العقد ، وأنّ النماء للمشتري بعد
العقد ، والشارح أيضا رجّح ذلك ، ولا يجب أن يكون كلّ حكم منصوصا عليه بالخصوص ،
مضافا إلى أنّ أكثر الأحكام الفقهيّة تثبت بضميمة عدم القول بالفصل.
على أنّه
سيصرّح الشارح بأنّ كون المبيع في زمن الخيار للبائع مذهب العامّة ، فربّما يكون
أمثال هذه الروايات الظاهرة في كون الانتقال بعد زمان الخيار موافقا لمذهبهم ، وما
دلّ على الانتقال من حين العقد موافقا للحقّ ، مع أنّه مضى في خيار التأخير ما
يمكن التوجيه بملاحظته.
قوله
: فهو يدلّ على أنّ هذا أيضا عن الحلبي
، فيكون صحيحا. إلى
__________________
آخره
.
الأولى أن
يستدلّ بصحيحة عبد الله بن سنان الّتي ذكرها في بحث كون خيار الحيوان للمشتري ، بل في الظنّ
أنّ ما في « الفقيه » هو هذه الصحيحة إلّا أنّه سقط فيه قوله : « ثلاثة أيّام
» بعد قوله : « حتّى ينقضي الشرط » ، فعلى هذا لا دلالة في الرواية على ما ذكره من
أنّ التلف والعيب في زمن خيار البائع منه ، كما هو ظاهر.
وممّا ذكرنا
ظهر أنّه لا تأمّل في قوله عليهالسلام : « يوما أو يومين » ، وهذا أيضا يؤيّد الاتّحاد ، فتأمّل.
قوله
: وفيها دلالة على أنّ التلف والعيب في زمان الخيار للبائع
.. إلى آخره .
لم أجد الدلالة
، ولعلّ العبارة سقيمة لأنّ قوله عليهالسلام : « ينقضي الشرط » لعلّ اللام للعهد ، بل هو الأظهر ، سيّما بملاحظة صحيحة
ابن سنان ، وخصوصا بعد ما ذكرنا من أنّ الظاهر اتّحادهما.
قوله
: [ ذلك الردّ جبرا ] لذلك ، وما أجد هنا [ شيئا من المخالفة غير ما تقدّم ] ..
إلى آخره .
سيّما في صورة
البكارة ، إذ لا شكّ في كون زوالها نقصا في المبيع.
__________________
قوله
: لما ثبت عندهم من كون التلف بالكليّة ـ حينئذ ـ على البائع .. إلى آخره
.
الدليل على
الخيار بين الردّ والأرش كون التلف من البائع بمقتضى رواية عقبة بن خالد المعمول بها
عند الأصحاب ، لا الرواية المتقدّمة ، لما عرفت ، مضافا إلى أنّها لا دخل لها بحكاية القبض
، بل مقتضاها كون الضمان من جهة أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ، وهو
واضح.
فإذا كان التلف
من البائع ، فالمشتري مخيّر بين أن يرضي بالعقد ويلزم البائع بالوفاء بما عقد وعهد
وشرط مع الأرش ، بالدليل الّذي ذكرناه في خيار العيب ، وردّ المبيع ، بأنّه لم يوف
بما عقد وعهد ، كما مرّ في خيار العيب ، ولعدم الخلاف فيه ، فتأمّل.
ولأنّ الغرض من
العقد والشرط أن يسلّمه إليه لينتفع به كما أراد وشرط ، على ما هو عند التجّار
والمتعاملين ، والتراضي وقع على ذلك ، فتأمّل.
ولأنّ ما
ذكرناه عن « الفقه الرضوي » يشمل هذه الصورة أيضا ، فلاحظ!
قوله
: فهو بمنزلة بيعين مع كلّ واحد بيع .. إلى آخره
.
بأنّه سلّط كلّ
واحد منهما على قدر حصّته يتصرّف فيه ويتسلّط عليه
__________________
تسلّط الملّاك في ملكه ، فكأنّه أقدم على ذلك.
قوله
: ومستنده عموم أدلّة ثبوت الخيار من غير [ قيد ] .. إلى آخره
.
لم نجد العموم
، اللهم إلّا بضميمة الاستصحاب. نعم ، ربّما كان عبارة « الفقه الرضوي » فيها عموم
، فتأمّل بعد الملاحظة.
وكذا الأوامر
الواردة في الردّ متى كان المبيع قائما بعينه ، وذكرنا أنّ المراد منها رفع الحظر المتوهّم.
قوله
: إذا كانت التصرية معلومة بإقرار البائع .. إلى آخره
.
روي في «
الغوالي » عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من اشترى شاة مصرّاة فهو بالخيار ثلاثة أيّام ، إن
شاء أمسكها وإن شاء ردّها وصاعا من تمر » .
وقال عليهالسلام : « من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيّام ، فإن
ردّها ردّ معها لبنها أو مثل لبنها قمحا » .
قوله
: الإشكال في البقرة والناقة .. إلى آخره
.
وادّعي الإجماع
على ثبوت التصرية فيهما أيضا .
قوله
: فكأنّه عالم به واشترى ، فلا خيار .. إلى آخره
.
ليس كذلك ، إذ
لا معنى لقوله : ( كأنّه ) ، إذ كيف يصير دليلا شرعيّا ، بل
__________________
الظاهر أنّه ليس عيبا ، بل لا خفاء فيه.
قوله
: كما مرّ إليه الإشارة في صحّة العقد عليه .. إلى آخره
.
قد مرّ فساد
هذا التأمّل في مبحثه ، بل مرّ مرارا.
قوله
: إذ ليس من فيه شيء [ إلّا الحسن بن علي الوشّاء ] .. إلى آخره .
ليس كذلك ،
لأنّ الحسن حسن كما هو المحقّق ، فلا يقاوم الصحيحة المفتي بمضمونها .
هذا ، مع أنّ
الدلالة أيضا لا تقاوم ، لأنّ البرص الموجود غير الحادث عند المشتري ، والمعصوم عليهالسلام في صدد إظهار العلّة بجعل خيار الحيوان للمشتري ، بأنّه
ربّما كان به عيب خفيّ لم يطّلع عليه حين العقد وما يقاربه ، فجعل العهدة إلى
ثلاثة ، لأجل هذا ، فنقل في جملة العلل الموجودة الخفيّة البرص أيضا ، على سبيل
المثال ، وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، إذ كون البرص الموجود من جملة الدواعي
والعلل لجعل العهدة والخيار ثلاثة أيّام لا ينافي كونه من جملة أحداث السنة أيضا
إذا حدث بعد ذلك.
مع أنّه لا
مانع من اجتماع الخيارين فما زاد في شيء واحد كالحيوان ، فإنّه يجتمع فيه خيار
المجلس ، وخيار الثلاثة ، وخيار العيب ، والشرط ، وغير ذلك ، مع أنّه معلوم أنّ
خيار الحيوان غير مقصور في صورة العيب ، بل الخيار للمشتري ثابت وإن لم يكن عيب
أصلا ، وخيار العيب في الثلاثة ، بلا شبهة ، فذكر أمر على سبيل النكتة واللمّية
ليس فيه دلالة تعارض الدليل ، فتأمّل جدّا.
__________________
الربا
قوله
: وهذا مؤيّد للمصنّف في تخصيص
التحريم [ بالبيع ] ..
إلى آخره .
بل ربّما يؤيّد
المشهور من كون الربا أعم ، لأنّه قال : ( فيه الربا ) ، وآية
التحريم غير منحصرة في هذه الآية ، وكذا أدلّة حرمتها.
قوله
: ويمكن في القرض أيضا .. إلى آخره
.
لا شبهة في ذلك
، كما يدلّ عليه الأخبار ، بل ربّما يكون ضروري الدين أنّه الربا.
قوله
: وليس بمعلوم نقله عنه في اصطلاح الشرع .. إلى آخره
.
بل هذا موافق
للقاعدة ، وهي أنّ المعاملات ليست توقيفيّة يرجع فيها إلى اللغة أو العرف أو غيرهما
ممّا هو مأخذه ، كما حقّق في محلّه ، ولا شبهة في أنّ الربا ليس من الأمور الحادثة
في شرعنا ، بل من القديمة وكان من معاملات الجاهليّة ، نهي الله تعالى عنه ، وكانوا لا
ينتهون إلى أن نزل ( فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا ) ، كما
__________________
سنذكر.
قوله
: [ لأخذ الزيادة ] بتبديل صيغة بعت بـ ( صالحت ) ونحو ذلك ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
وبغير صيغة
أصلا ، بل يكون المشارطة بالأمارات والإشارات ، فلا يكون ـ حينئذ ـ منع في
الزيادات أصلا ، بل يكون المنع في خصوص عبارة بعت واشتريت وما ماثلهما ، وتكون
التشديدات والتهديدات البالغة الهائلة المتكاثرة المتواترة دائرة مع هذه العبارة
وجودا وعدما ، بل واقعة من جهتها لا غير.
فلم يقع فائدة
أصلا في منع الربا ولا ثمرة مطلقا في التشديدات الهائلة مثل كون الدرهم منه أشدّ
من سبعين زنية بذات المحرم مثل الام والأخت في جوف الكعبة . إلى غير ذلك
ممّا هو آكد وأشد وأزيد تهديدا ، فإنّ الكل يكون حينئذ راجعة إلى العبارة الميشومة
خاصّة ، ولو تركت لا يكون منع أصلا ورأسا ، فأيّ مجنون يكون عاشقا لتلك العبارة
الميشومة ، حتّى لا يصدر منه من عشقه لها اصطناع المعروف وغيره ممّا حرّم الربا
لأجله ؟! وورد في الأخبار الكثيرة ، نقل الشارح قليلا منها .
وأيضا لمّا نزل
آية تحريم الربا ، من جهة غاية حرص الناس في أكلها
__________________
ونهاية حبّهم لأخذها وجمعها ، لم يرتدعوا ، ولم ينتهوا ، ولم يتركوا ، حتّى
نزلت آية أخرى تأكيدا لما سبق ، وتزييدا في التشديد والتهديد كي
يرتدعوا ، وهم من غاية توغّلهم في الحرص والحب لم يرتدعوا من الآية الثانية أيضا ،
حتّى نزلت آية أخرى ثالثة ، ومع ذلك لم يرتدعوا أيضا ، حتّى نزلت آية أخرى ، فلم يرتدعوا
حتّى نزلت ( فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) .
ومعلوم
بالبديهة أنّ جميع هؤلاء ما كانوا مجانين ، بل كانوا مكلّفين ، ومعلوم أيضا
بالضرورة أنّهم ما كانوا عشّاقا لهذه العبارة والهين مضطرّين إلى أن ينزل آيات
متتالية وتهديدات متتابعة هائلة ، ومع ذلك لم يتملّكوا رفع اليد عن ذكر تلك
العبارة الميشومة حين المشارطة في أخذ الزيادة الّتي لو كانوا يتركون تلك العبارة
لكان حلالا لهم أن يأخذوا أضعاف تلك الزيادة أضعافا مضاعفة ، ولو كانوا يذكرون تلك
لكان يحرم عليهم الفلس زائدا ، بل عشر معشار الفلس ، بل أنقص منه ، ومع ذلك لم
يتركوا العبارة وآثروا مخالفة الله تعالى ورسوله مرارا متكرّرة مع إطاعتهم لجميع
الشرع سوى رفع اليد عن خصوص العبارة.
وهذا ممّا لا
يرضى العقل أن ينسبه إلى من هو أحمق من ابن هبنقة ، فضلا أن
ينسب إلى هؤلاء جميعا.
ومع ذلك كان
اللازم على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بعد الله تعالى ـ أن يصرّح بأنّ
__________________
المانع ليس إلّا في هذه العبارة في هذا المقام ويوضّح ويكرّر ويؤكّد ،
لأنّه ( رَحْمَةً
لِلْعالَمِينَ ) ، ( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما
عَنِتُّمْ ) الآية.
ولو كان فعل
لاشتهر اشتهار الشمس ، وكان المطيعون للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام لم يرفعوا اليد عن الربا ، بل كانوا يقيمون على العادة
السابقة والطريقة المرغوبة عند المكتسبين من الكسب في غاية السهولة ومن دون تعب
أصلا مع تمام الوثوق ببقاء رأس المال ، وكانوا يقتصرون على ترك العبارة ، وكانت
الطريقة كذلك في الأعصار والأمصار ، ويشتهر اشتهار الشمس في وسط النهار ، لا أن
يكون الأمر بخلاف ذلك ، بأن يكون جميع المسلمين من القدماء والمتأخّرين من علماء
الشيعة والسنّة يقول بخلاف ذلك.
ولم يبق سوى
العلّامة ولم يشاركه أحد أصلا ، حتّى هو رحمهالله في سائر المواضع مضطرب متردّد ، بل ربّما
يظهر المنع ، بل قويّا.
بل متأمّل حال
المسلمين في الربا يقطع بأنّ الممنوع منه عندهم هو أخذ الزيادة معاملة ومشارطة في
القرض وغيره ، لا خصوص عبارة ( بعت واشتريت ) ، بل عند اليهود والنصارى والمجوس
وغيرهم من الملل في غاية الوضوح أنّ الممنوع منه في الإسلام هو الزيادة لا
العبارة.
هذا كلّه ، مع
ما يظهر من الأخبار الكثيرة غاية الكثرة ، بل الإطلاقات المتواترة ، فلاحظ وتأمّل
جدّا! وما ذكرنا يشمل الحيل الّتي تكون من هذا القبيل بأن يقرض ـ مثلا ـ
__________________
بشرط أن يهب الزيادة ، وكذا يبيع بشرط أن يهب الزيادة ، وهكذا ، والفقهاء
صرّحوا بالمنع من هذا أيضا ، وكذا القرض بشرط المعاملة المحاباتيّة أو البيع كذلك ، كما سنذكر
في بحث القرض.
نعم ، الحيل
الّتي لا تكون من هذا القبيل لا مانع منها ، مثل : القرض بطمع الزيادة من غير وقوع
مشارطة ، ومثل : بيع دينار بدينار فيها خلط ، وكذا درهم بدرهم كذلك ، كما هو شأن
الصرف وأمثاله بضمّ غير الجنس في الطرفين عند جهل حالهما ، أو طرف واحد عند العلم
بحاله ، وليس في هذه الحيلة جرّ نفع أصلا ، بل تصحيح للمعاملة الّتي هي كسائر
المعاملات بلا تفاوت ، فتأمّل جدّا.
قوله
: بل هذا يدلّ على عدم جواز أكثر الحيل الّتي تستعمل في إسقاط الربا ، فافهم ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الحيل الّتي ذكرها الفقهاء ليس فيها سدّ باب اصطناع المعروف ، ولا تعطيل المعاش
والإجلاب وأمثاله ، ولا ما ذكرناه في الحاشية السابقة ، بل ليست إلّا لمجرّد تصحيح
المعاملة المتعارفة ، جبرا لضرر جهالة المقدار ـ الّتي في مبحث الربا تضرّ بسبب
احتمال الزيادة ـ ولا شكّ في أنّ هذا ليس أمرا مطلوبا لآكلي الربا ، إذ احتمال
الزيادة ليس فيه منفعة مطلقا
سيّما عندهم ،
إذ ليس الزيادة المحتملة من المنافع العادية ، سيّما لهم.
نعم ، لمّا منع
الشارع عنه ـ حسما لمادّة الربا ـ أبيح بالحيلة النافعة ، ومن جملة الحيل رفع اليد
عن المشارطة ، فلا يكون ربا بها أصلا ، لأنّ الربا مشارطة الزيادة.
__________________
نعم ، حدث الآن
ـ عند بعض من لا تأمّل له ـ حيلة هي بعينها فرد من الربا المنهي عنه بلا تأمّل ،
كما حقّقته في رسالتي في « الحيل الربويّة » ، وإن كان الأولى التجنّب عن جميع الحيل ، كما سيجيء.
قوله
: فإنّه حسين بن عبيد الله .. إلى آخره
.
بل هو أحمد
ابنه ، كما حقّقناه .
قوله
: وكأنّه لذلك [ ما ظهر الخلاف في القرض ] .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ظاهر
، لأنّ منفعة القرض حرام قطعا ، سواء قلنا بأنّها ربا أم لا ، كما سيجيء ، لا
لأنّه ربا ، فتأمّل.
قوله
: [ فإن حمل الربا في الآية على البيع فقط ] لم يحسن ، بخروجهما مع
التحريم .. إلى آخره .
أي خروجهما عن
البيع مع حكمها بتحريمهما ، ويبعد حمل الربا في الآية على خصوص البيع وخصوصهما فقط
، فتأمّل.
قوله
: [ والدابّة بالدابّتين يدا بيد ] ليس به بأس ، ويمكن أن يقال : [ لا دلالة فيها
] .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
البأس في أمثال المقام ظاهر في المنع ، وكذا لا يصلح مع أنّ الصلاح في مقابل
الفساد ، إلّا أن يقال : ظهورهما ليس بأقوى من ظهور الخبر
__________________
المشهور المعتبر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » ، وما وافقه
من الأخبار الخاصّة عن الأئمّة عليهمالسلام ، مثل : صحيحة ابن مسلم « إذا اختلف الشيئان فلا بأس
مثلين بمثل » ، وكذا صحيحة الحلبي ، ورواية
منصور بن حازم ، وصحيحة ابن مسلم الأخيرة ، والتعليل
الوارد في منع التفاضل في بيع الحنطة بالشعير بأنّه من الحنطة ، وغير ذلك .
مع تعاضد هذه
بالعمومات والأصل والأخبار الواردة في السلف والأخبار الواردة في النسيئة .
قوله
: ولقوله عليهالسلام : « كره ذلك » .. إلى
آخره .
فيه ، أنّه ورد
أنّ عليّا عليهالسلام ما كان يكره الحلال .
قوله
: قال في « الاستبصار » : ولأجل أنّه مكروه ، قال : لا يصلح .. إلى آخره
.
في دلالة « لا
يصلح » على الكراهة تأمّل ظاهر ، لأنّ الصلاح في مقابل
__________________
الفساد ، ولهذا يستدلّ الفقهاء به على الحرمة ، فتأمّل!
قوله
: [ وإن كان متّحدا لغة ، بل الحقيقة أيضا ] ، فإنّ للحم البقر خاصّيّة غير [ لحم
الجاموس ] .. إلى آخره .
فيه تأمّل ،
لأنّ التمور مثلا خواصّها مختلفة ، وكذا الأعناب ، وكثيرا ممّا هو متّحد الجنس ،
إلّا أن يريد المغايرة التامّة ، وفيه تأمّل.
قوله
: لو دعت الضرورة [ إلى بيع الربويّات مستفضلا ] .. إلى آخره
.
ويدلّ على ما
ذكره : ما ورد في بعض الأخبار من قولهم عليهمالسلام : « إن كنت لا بدّ فاعلا فافعل كذا » ، فتأمّل.
قوله
: [ ونقل الإجماع عن السيّد ] بعد خلافه في ثبوت الربا .. إلى آخره .
الخلاف الّذي
يرجع عنه لا عبرة به ، مع أنّ الشهرة كافية لجبر ضعف السند ، بل قيل : لا نزاع
إلّا عن ابن الجنيد ، ودعوى إجماع السيّد لا يقصر عن
الحديث الصحيح.
قوله
: فالإجماع ليس بظاهر ، ولهذا ذهب السيّد أوّلا إلى الثبوت
.. إلى آخره
.
لا يخفى ما فيه
، فإنّ كلّ خبر واحد ليس بظاهر إلّا من نقل المخبر ، فإن كان
__________________
ثقة يكون خبره حجّة ، لعموم ما دلّ على حجّيته.
والتعليل بقوله
: ( ولهذا ذهب السيّد أوّلا إلى الثبوت ) ، فيه أيضا ما فيه ، فإنّ خبر الواحد لا يجب أن يكون
معلوما له في جميع أوقاته وبعد ما اطّلع أخبر ، وهذا ينادي بأنّه كان لا يعلم
أوّلا وأنّه بعد ذلك علم بالإجماع ، ولهذا رجع عمّا أعتقده سابقا ، فلو لا اعتقاده
الإجماع لما كان يرجع عمّا أعتقده ، لأنّه ما كان إلّا عن دليل ، ودليله واضح ،
وهو العمومات القرآنيّة والأخبار المتواترة.
مع أنّ السيّد
لا يعمل بخبر الواحد أصلا ، فكيف يخصّص العمومات اليقينيّة بغير علم له وجزم منه؟!
وخبر الواحد المنجبر بالشهرة يكفينا لتخصيص العمومات ، سيّما مع انضمامه بالإجماع
، الّذي هو خبر صحيح ، ومدار الشارح أيضا التخصيص بالخبر الواحد الظنّي.
قوله
: [ وابن الجنيد ذهب إلى عدم الثبوت ] من جانب الوالد فقط .. إلى آخره .
واشترط ـ مع
ذلك ـ أن لا يكون للولد وارث ولا عليه دين ، وهذا غريب بالنظر إلى الأخبار .
قوله
: [ وهو أخذ الوالد ] عن الولد الصلبي .. إلى آخره
.
هذا أيضا غريب
، حتّى بالنظر إلى الأقوال أيضا ، لأنّ ابن الجنيد ما قال كذلك.
__________________
قوله
: وفي بعض الروايات الصحيحة [ تسلّط الزوج على مالها ]
.. إلى آخره
.
غير معمول بها
بظاهرها ، بل بعنوان الاستحباب ، ومع ذلك لا نجد مناسبة للتأييد فيها.
قوله
: ويمكن حمل الأخيرة على ما كان له [ فيئا ] .. إلى آخره
.
الظاهر ذلك ،
لأنّه لا تعارض ولا حاجة إلى الاستثناء أيضا حتّى بالنسبة إلى المأمون ، لعدم
ثبوت حرمة ماله على المسلم حينئذ بعنوان إعطائه برضاه وطيبة نفسه ، سيّما مع كون
دينه واعتقاده حلّية الربا ، إذ ورد أخبار كثيرة أنّ كلّ قوم دانوا بدين لزمهم
أحكامه ، فتأمّل جدّا.
قوله
: إذ ليس فيه إلّا محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
أحمد بن محمّد ، وهو البرقي ، يروي عن محمّد بن عيسى بن عبد الله الأشعري ، وأحمد
ثقة ، وابن عيسى ممدوح مدحا عظيما . نعم ، في السند ياسين الضرير ، وهو مجهول على المشهور
، لكن « الكافي » رواه ، وقال في أوّله
__________________
أنّه لا يروي إلّا ما هو يقينيّ قطعيّ .
قوله
: ولكن الخروج عن الأدلّة القطعيّة الّتي [ تقدّمت بمثله مشكل ] .. إلى آخره
.
مضافا إلى أنّ
ظاهر الخبر لا يقولون به ، وهو وهن آخر ، ومن هذا ظهر أنّ الصدوق لا يظهر منه
إفتاؤه به ، لأنّه ما قيّد بما ذكر ، وإن قلنا : إنّ كلّ ما أورد في « الفقيه »
يكون فتواه ، مع أنّه فيه أيضا تأمّل.
صرّح جدّي رحمهالله بأنّه ليس كذلك ، لأنّه يروي كثيرا ممّا لا يفتي به ، فلعلّه ندم ممّا
ذكره في أوّل كتابه وبدا له ، فتأمّل.
وصرّح في « شرح
اللمعة » بأنّ موضع الخلاف ما إذا أخذ المسلم الفضل ، فيظهر منه
أنّ حرمة إعطائه الفضل لا خلاف فيها ، وكذا يظهر من كلام غيره أيضا ، ومنهم
الشارح .
ما يندرج في المبيع
قوله
: [ العرف يقضي بالشمول ، لأنّ الغصن ] مطلقا رطبا ويابسا ، والورق كذلك .. إلى
آخره .
وإن كان توقّف
في « القواعد »
__________________
في دخول اليابس ، ولعلّه ليس في محلّه.
قوله
: لصدق البيع بعد التأبير .. إلى آخره
.
في الصدق
بالنسبة إلى غير المؤبّر إشكال ، ولعلّ الأوفق بالقياس إلى لفظ الأخبار دخول القدر
الّذي لم يؤبّر في المبيع دون القدر الّذي أبّر ، وإذا وقع المزج الموجب لعدم
التميّز ، فالعلاج الصلح.
التسليم
قوله
: ثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كلّ واحد منهما .. إلى آخره
.
الحكم بوجوب
الدفع يحتاج إلى دليل ، لأنّ العوض يصير بعد العقد منتقلا إلى الآخر وملكا له ،
ولا يجب أزيد من عدم منعه من التصرّف في ملكه والتخلية ، لأنّ صاحب مال إذا علم
أنّ ما له عند أحد عليه أن يأخذ ماله ، أي [ أنّ ] مؤنة الأخذ عليه ، وعلى الآخر
أن يمكّنه منه ولا يمنعه ، أمّا أن يكون عليه أن يعطيه ومؤنته يكون عليه فلا.
نعم ، الغاصب
إذا أخذ يجب عليه الدفع ، ويمكن أن يكون مراد الشارح من الدفع هو ما ذكرنا.
قوله
: [ ومنع أحدهما حقّ الآخر وظلمه ] لا يستلزم جواز الظلم للآخر
__________________
ومنعه
من حقّه فيجبرهما الحاكم .. إلى آخره
.
هذا مع وجود
الحاكم وتمكّنه من ذلك ، أمّا مع عدم ذلك ، فالأوجه جوازه عند توقّف حصول حقّه
عليه ، بل ما في « التذكرة » لا يخلو عن قرب من أنّ البائع له حقّ الحبس .. إلى
آخره ، فتأمّل.
قوله
: إذ الظاهر عدم اعتبار الإخراج من بيت المالك اتّفاقا .. إلى آخره .
فذكر الإخراج
لعلّه خارج مخرج الغالب.
قوله
: [ فالانتقال إليه ] قبل التلف يحتاج إلى ناقل .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
رواية « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » ظاهر في ذلك ،
والأصحاب اتّفقوا عليه.
قوله
: وأمّا على احتمال البطلان حين التلف وانتقاله إلى المالك الأوّل قبله بقليل ، [
فلأنّ البطلان ـ في أيّ وقت كان ـ في أحد الطرفين يستلزم البطلان في الطرف الآخر ]
.. إلى آخره .
لا ريب في أنّ
البطلان إنّما هو من حين التلف ، لا أنّه من الرأس ، كما هو مقتضى دليل البطلان ،
لأنّ العقد كان صحيحا لازما بلا شكّ ، ولمقتضى الأدلّة إلى حين التلف ، فلذا يكون
ثمرة المبيع إلى الحين للمشتري بلا تأمّل.
والشارح قال :
حين التلف تلف من مال بائعه ، واتّفاق الأصحاب أيضا وقع على ذلك ، ولم يقل أحد
منهم بالبطلان من الرأس ، فلا وجه للتأمّل الّذي
__________________
ذكره أصلا ، ولا لما قال من أنّ بطلان أحد الطرفين يستلزم
البطلان في الآخر ، إذ لا تأمّل فيه أيضا ، إذ الجهة البطلان يجب على
القابض المثل أو القيمة ، ولمّا كان البطلان من الحين ـ كما عرفت ـ يلزم أن يكون
البيع في زمن صحّة البيع ، ولزومه صحيحا لازما بمقتضى الأدلّة ، كما ذكر واعترف ،
فلا يمكن من هذه الجهة استرداد العين كما ذكر .
وليس هذا من
خصائص المقام ، بل في مقامات كثيرة يكون الحكم كذلك ، مثل : إن اشترى ثمّ أعتق ثمّ
بطل البيع والشراء ، أو مات ثمّ بطل. إلى غير ذلك من مواضع كثيرة ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ والصبر حتّى تحصل ] بغير اجرة على البائع ، للأصل ، ولأنّ البائع .. إلى
آخره .
ولأنّ البائع
ما أوقع العقد على الثمرة والمنفعة والنماء ، بل أوقعه على العين ، فعهدة العين
عليه.
قوله
: [ ثبوت الخيار للمشتري في إتلاف الأجنبي والبائع ] غير واضح الدليل ، فتأمّل
.
رواية عقبة بن
خالد ـ المنجبرة
بعمل الأصحاب ـ دليل ذلك ، ودلالتها واضحة ، فلاحظ!.
__________________
نكتة متفرّقة
قوله
: إذ الظاهر وصول حقّ المشتري إليه حينئذ وعدم غفلته وسهوه
.
لأنّ المشتري
حين الحضور لم يتحقّق منه تأمّل ، لا في الميزان ، ولا في العيار ، ولا في عدد
الوزنات ، ولا في غير ذلك ، وإنّما حصل منه الدعوى بعد ذلك ، والأصل صحّة تصرّفات
المسلم حتّى يثبت خلافها ، وهذا الأصل كان جاريا حين الحضور والتقبّض شاملا له بلا
تأمّل ، فدعوى المشتري بعد ذلك دعوى خلاف أصل الصحّة ، بخلاف ما لو لم يكن حاضرا ،
فإنّ المشتري أيضا مسلم يدّعي عدم وصول حقّه إليه ، والبائع وإن كان مسلما يدّعي
الوصول ، فلا دخل هنا في حكاية صحّة التصرّف وعدمها ، كما لا يخفى ، فتأمّل جدّا.
قوله
: وعدم الغلبة الّتي يقتضي العرف الانصراف إليها .. إلى آخره
.
إذا كان
المتعدّد المتساوي في الغلبة متفاوتة في القدر أو القيمة أو الماليّة ، فالتعيين
متعيّن ، لما مرّ في تعيين العوضين ، وإن لم يكن متفاوتة فيما ذكر ، بل متفاوتة في
الرغبة خاصّة ، فلم يظهر دليل على التعيين.
نعم ، لو أراد
أحد المتعاقدين أو كلاهما التعيين فيها أيضا تعيّنا ، ويصير من قبيل الشرط في
العقد ، لكن ظاهر عبارة المصنّف في الكتاب وفي غيره لزوم التعيين مطلقا سواء
تفاوتت فيما ذكر أولا ، والشارح حملها على الأوّل خاصّة ، ولعلّه لما ذكرنا.
__________________
وأمّا ما
احتمله الشارح ، فلا شكّ في فساده وإن لم يكن خلاف الإجماع ، لما مرّ.
قوله
: [ وأمّا مع العدم ] ، فالظاهر تقديم قول المشتري مطلقا ، لأنّه
منكر على ظاهر تعريفه .. إلى آخره
.
هذا على إطلاقه
محلّ تأمّل ، مثل أنّ المشتري بعد ما أعطى الثمن وأقبض البائع ادّعى السهو والغلط
، أو أنّ المبيع يسوى آلاف ما ادّعاه المشتري ، مثل : أنّ البائع باعه دارا بألف
درهم يسوى آلاف بل أزيد ، والمشتري يدّعي أنّي اشتريت بدرهم أو فلس ، بل ربّما
يكون البائع على ما ادّعاه المشتري سفيها ، فيصير عقده باطلا ، ومثل : أن يدّعي
البائع كون الثمن مائة درهم ، والمشتري يدّعي كونه غنما أو دجاجة.
ثمّ لا يخفى
أنّهم لم يتعرّضوا فيما لو اختلفا في قدر المبيع واتّفقا في الثمن لهذا الاحتمال
ولا للتخالف ، مع أنّ حال التخالف فيها واحد ، ويحتمل اتّحاد هذا الاحتمال أيضا ،
كما نرى فعلهم في بعض المواضع ، فتأمّل.
قوله
: [ ابن أبي نصر الّذي ] أجمع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه .. إلى آخره
.
والشيخ صرّح في
« العدّة » بأنّه لا يروي إلّا عن الثقة .
قوله
: وإلّا تعيّن ذلك .. إلى آخره
.
__________________
لا تأمّل في
التعيّن ، لأنّ الخبر المنجبر بالشهرة حجّة سيّما مثل هذه
الشهرة كما حقّق في محلّه ، وكذا الإجماع المنقول بخبر الواحد ، لعموم ما دلّ على
حجيّة خبر الواحد ، سيّما إذا انضم إلى مثل هذا الخبر ، ويؤيّده ما
أشار إليه من النكتة ، فتأمّل.
وأمّا التقوية
في « التذكرة » ، فإنّما هي بحسب القاعدة ، مع أنّك عرفت أيضا ما فيها.
وأمّا احتمال «
القواعد » ، فإنّما هو بعد إفتائه بما أفتى به
القوم ، واحتمل هذا ، والتحالف أيضا ، وكثيرا ما يأتي فيه بالاحتمالات الّتي لا
تأمّل في فسادها ولم يقل أحد من الشيعة بها ، كما لا يخفى على من اطّلع.
__________________
كتاب الديون
التوابع
كراهة الاستدانة
قوله
: وآية الرهن ، وأدلّة جواز السلف
والنسيئة [
دليل الجواز ] .. إلى آخره .
لا يخفى أنّه «
لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » ، كما ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووقع عليه الإجماع ، ودلّ عليه العقل ، فالموافق
للقاعدة مراعاة حال المقرض ، إلّا أن يدلّ من الخارج دليل ، فإذا رضي المقرض
بالقرض مع علمه بحالة المقترض يحلّ القرض ، وإن لم يتمكّن من الأداء مطلقا ، لأنّ
الصاحب سلّطه على إتلاف ماله مع علمه بحاله وإن صرّح بأنّه يكون على ذمّتك ، إذ
معناه حينئذ أنّه إن اتّفق ـ بعنوان الفرض البعيد النادر ـ أنّك تمكّنت من الأداء
أدّ وإلّا فليس عليك شيء ، أو أنّه يحسبه زكاة ماله ، أو غير ذلك من وجوه البرّ ،
أو زكاة مال الغير ، أو يأخذ من الغير ، وأمثال ذلك.
واحتمال أن
يكون مراده أنّه إن اتّفق الأداء أو الاستيفاء وإلّا فأنت مؤاخذ ،
__________________
لعلّه بعيد كما لا يخفى ، إلّا أن يظهر ذلك للمقترض.
وأمّا إذا صرّح
بما ذكرنا ، فلا شكّ في الحلّية ، ولم يظهر من خبر يظهر منه الحرمة ما يشمل ما نحن
فيه.
وأمّا الكراهة
، فإن تضمّن ذلك منه ولم يكن اضطرار يكره للمنّة ، وإلّا فلا كراهة أيضا ، لعدم
المنّة ، ولا إرادة الأداء كيف كان.
وأمّا إذا لم
يعلم بحاله وهو غير متمكّن من الأداء ـ لا حالّا ولا مؤجّلا ـ فالظاهر الحرمة ،
لعدم تحقّق الرضا والطيبة ، لأنّ الظاهر من حال المقرضين ومقتضى كلامهم من قول :
أقرضت وأمثاله ، أنّهم يريدون الأداء على أيّ حال على طريقة المتعارف الشائع ، لا
على الفروض النادرة الخارجة عن العادة المتعارفة ، بل لا بدّ أن يكون متمكّنا من
الأداء بالنحو المعهود المتعارف ، لعدم ظهور الرضا بغير ذلك.
والأخبار
الدالّة على الحلّية غير ظاهر شمولها لها لما ذكر ، بل الظاهر عدمه ، مع أنّ
الظاهر عدم كفاية الظهور والظن ، لما عرفت من الأدلّة اليقينيّة.
والحاصل ، أنّه
لا بدّ من ظهور الرضا وثبوته بالطريقة الشرعيّة.
قوله
قول المعصوم : « .. إلّا أن يكون له وليّ يقضي [ دينه ] من بعده ، [ و ] ليس منّا
.. » .. إلى آخره .
فيه شهادة على
أنّ مراده عليهالسلام من قوله : « وعنده وفاء » أن يكون
متمكّنا من الوفاء وإن كان بواسطة الولي بعده ، فالحديث باق على ظاهره لا يحتاج
إلى
__________________
الحمل على الكراهة ، لما عرفت من الحاشية السابقة.
قوله
: ويكون فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفعلهما عليهماالسلام [ مستثنى ، أو لرفع
الحرمة والشدّة ] .
الظاهر أنّهم عليهمالسلام ما كانوا يتديّنون إلّا لداع يقابل الكراهة ويجبرها ،
فعلى هذا يكون غيرهم أيضا كذلك ، فتأمّل.
قوله
: بل بالعلّة والرواية ، فتأمّل
.
فيه ما عرفت ،
فلاحظ.
شرط النفع
قوله
: الظاهر أنّ تحريم شرط النفع في القرض عينا إجماعيّ بين المسلمين .. إلى
آخره .
أقول : لكن وقع
النزاع في مقامات :
الأوّل : ما
أشار إليه من حكاية الصحيح عوض المكسّر.
الثاني : أنّه
هل الحرام مطلق ما هو منفعة ـ أعمّ من أن يكون زيادة في المال ، إمّا في قدره مثل
: أن يكون العشرة اثني عشر ، أو في وصف مثل : الصحيح عوض المكسّر أو الجيّد عوض
الرديء ، أو يزيد على القدر منفعة ماليّة ، مثل : سكنى بيت وخدمة عبد وعمل حرّ
وأمثال ذلك ممّا هو ماليّة وبإزائه عوض مالي ، أو يكون زيادة غير ماليّة أيضا مثل
: البيع بثمن المثل والإجارة بأجرة المثل والنكاح بمهر المثل والقرض والرهن بدين
آخر ـ إذ بذلك الدين إجماعي
__________________
ومنصوص على جميع المذاهب؟
أو الحرام
مخصوص بما هو زيادة في المال بأقسامه ، لا بما هو ليس زيادة في المال ، وإن كان
زيادة ومنفعة إلّا أنّه خارج عن زيادة المال ، كما أشرنا إليه في الأمثلة الأخيرة
وأمثال تلك الأمثلة ، إذ ليس مخصوصا بتلك الأمثلة؟
ظاهر عبارات
الأكثر هو الأوّل ، وصريح بعض العبارات ، لكن صرّح جمع بالثاني ، كما سنشير إليه
في الحاشية الآتية مع الإشارة إلى أدلّة الطرفين.
الثالث : أنّ
الحرام مخصوص بما إذا كانت المنفعة عائدة إلى المقرض فقط ، أم أعمّ من أن تعود إلى
المقرض أو المستقرض؟
المشهور الأوّل
، وقيل بالثاني ، والظاهر أنّه لا نزاع في المنفعة العائدة إلى غير
الطرفين ـ يعني الأجنبي ـ مع احتمال ذلك أيضا بملاحظة ما هو مستندهم .
الرابع : أنّ
المنفعة إذا كانت معاملة محاباتيّة ، فهل الحرمة مخصوصة بما إذا وقعت شرطا في
القرض ، أم أعمّ منه ومن صورة العكس ، بأن يكون القرض شرطا في المعاملة
المحاباتيّة؟
( اختار الأوّل
العلّامة ، والمحقّق اختار الثاني ، كذا في شرح
ابن المفلح الصيمري على « الشرائع » ، محتجّا للعلّامة بأنّ ما ورد حرمة القرض الّذي يجرّ
المنفعة لا المنفعة الّتي تجرّ القرض ، وبالأخبار.
__________________
وغير خفيّ أنّ
الأوّل محلّ نظر ظاهر ، والثاني لا بدّ من ملاحظتها وملاحظة دلالتها ، ومع التحقّق
ملاحظة المقاومة بحيث تصلح للتخصيص والتقييد ، وأنّ الجمع منحصر فيهما ظاهرا ،
فتأمّل.
وكيف كان ،
معلوم أنّه لا نزاع في الحرمة في الصورة الأولى على حسب ما ذكره ابن المفلح ، ويظهر
من الشارح رحمهالله أيضا ـ كما سيجيء في آخر الباب ـ ويظهر من المحقّق الشيخ علي في « شرح القواعد » عند ما
ذكر العلّامة أنّه يحرم شرط زيادة العين أو الصفة ، وفرّع على ذلك أنّه لو تبرّع
أو شرط النقص بالنسبة إلى أحدهما أو الزيادة ، لكنّها ليست بعين ولا صفة بل منفعة
أخرى ، مثل القرض بشرط القرض ، أو بشرط البيع بالثمن المساوي أو أنقص ـ يعني لا
الأزيد ، لأنّه زيادة العين أو الصفة ـ فإنّ المحقّق الشيخ علي ذكر عند ذلك خلافا
من بعض في صورة البيع بأنقص ، بأنّه منع من حيث وصول نفع للمستقرض ، مع أنّه خلاف
شاذّ في غاية الشذوذ ، ومع ذلك تعرّض لذكره ، بل تعرّض لذكر الخلافات الشاذّة في
ذلك المقام ، ومع ذلك لم يشر أصلا إلى خلاف بالنسبة إلى البيع بالثمن الأزيد ، بل
وافق المصنّف وسكت .
وربّما يظهر
ذلك من فخر المحقّقين أيضا ، وكذا من صاحب « المفاتيح » ، حيث ذكر حرمة
اشتراط الانتفاع على سبيل الإطلاق ، ونقل بعض الخلافات ، قال : وبالشرط وعدمه يجمع
بين الأخبار المعتبرة ، وسكت ولم يشر إلى خلاف في هذا المقام أصلا .
__________________
وفي كتاب البيع
صرّح بالخلاف الواقع بين المحقّق والعلّامة في عكس هذه الصورة ، واختار رأي
العلّامة ، وفي كتاب القرض ذكر ما ذكر ، فتدبّر.
وليس عندي من
الكتب غير ما ذكر حتّى أحقّق الحال ، ومع ذلك متون كتب الفقه متّفقة على ما ذكر
المصنّف في هذا الكتاب من أنّ النفع مطلقا يحرم شرطه ، والحلال هو المتبرّع به .
فإن قلت : لا
نسلّم كون المحاباة نفعا.
قلت : المحاباة
عبارة أخرى عن النفع ، وكيف يمنع مع أنّه نفع لغة وعرفا؟
ومن أقرض ـ
مثلا ـ ألف تومان بألف تومان وزيادة وهي أن يشتري فلس المقرض بألف تومان أخر ، ولا
شكّ في أنّ الألف تومان الأخر نفع عظيم يحصل للمقرض وينتفع به ، وهو أعظم من فلس
واحد إذا شرطه زائدا على الألف الأوّل ، وهو نفع مسلّم لا شبهة فيه ، ويقال في
العرف : إنّه انتفع من قرضه ألف تومان بفلس ، وكذا في البيوع وغيرها والربا في
المعاوضات ، وأين الفلس الواحد من الألف تومان بفلس واحد؟! فإن قلت : لا شبهة في
كونه نفعا ، إلّا أنّه نفع المعاملة لا القرض.
قلت : إنّ
المشروط في القرض هو نفس المعاملة والبيع اللابشرط ، وإنّما النفع يحصل منه ، فهو
خلاف مفروض المسألة ، إذ المفروض أنّه كما أنّ نفس البيع شرط ، فكذا خصوصيّته
ونفعه الخاص أيضا شرط شرطه المقرض ، بل الغالب والمتعارف أنّ الشرط ليس إلّا
الخصوصيّة والنفع الخاص ، والحكم يرجع إلى القيد ، وإلّا فخصوص البيع ليس شرطا ،
لأنّه لو كان مكانه الصلح أو غيره لكفى ،
__________________
لأنّ الغرض والمقصود بالشرط هو النفع الخاص وبأيّ عقد يحصل هو راض ، فذكره
البيع لأجل أنّه أخذ ما به يحصل الغرض ، لا لأنّه مقصود في نفسه في مقام الاشتراط.
فإن قلت : لا
كلام في كون النفع شرطا ، إنّما الكلام في كونه نفع القرض ، بل هو نفع المعاملة.
قلت : الفقهاء
ما زادوا على حكاية الاشتراط أمرا ، بل جعلوا المناط في التحريم هو الاشتراط خاصّة
، ولذا في مبحث التخلّص من الربا قالوا : لا يشترط في البيع هبة الزيادة ، لأنّه أيضا
ربا.
فلو كان الزيادة
منسوبة إلى الهبة ، فلا وجه لمنعهم وحكمهم بكونه حراما وربا ، مع أنّ الحال في
القرض أفحش ، لأنّ صريح كلام الفقهاء وصريح أحاديثهم في هذا الباب أنّ المناط في
التحريم هو الاشتراط لا غير ـ كما لا يخفى ـ وسيجيء الكلام فيه مشروحا في طيّ الأخبار.
على أنّ منع
كونه نفع القرض أيضا فاسد ، فإنّ من تزوّج امرأة بعشرة توأمين وشرط هبة دار ـ مثلا
ـ والعقد صحيح عند الفقهاء ، متعارف في البلدان ، فلا شكّ في أنّها ملكت الدار
بالمناكحة وعوضا عن بضعها ، لأنّها ما رضت في إزاء بضعها بالعشرة فقط ، بل بها
وبالدار الموهوبة ، ومعلوم أنّها لا تملك بإزاء البضع إلّا بعقد المناكحة ، وسيجيء
تمام التحقيق ، فتأمّل.
وممّا يؤيّد
دخول ما نحن فيه في عبارتهم ، أنّهم قالوا : الأجل ليس بلازم إلّا
__________________
أن يشترط في عقد لازم ، ومعلوم أنّ العقد اللازم أمر خارج ، ومع ذلك تعرّضوا
، وفي المنفعة منعوا مطلقا ، واستثنوا التبرّع خاصّة ، وما قالوا في صورة الشرط :
إلّا أن يشترط في عقد آخر ، فتدبّر.
ومن المؤيّدات
، أنّهم ذكروا طرق التخلّص من الربا في البيع ، وهنا ما أشاروا أصلا ، فإن اكتفوا بما ذكروه سابقا
فالحال حاله جزما ، وقد عرفت أنّهم منعوا من الاشتراط صريحا والشارحون علّلوا بما
علّلوا ، وإلّا فيظهر أنّ الحال فيما نحن فيه أشدّ ، وأنّه لا يقبل الحيل عندهم.
ومن المؤيّدات
، أنّهم يذكرون المذهب الضعيف عندهم ، مثل : الصحيح عوض المكسّر ، من حيث لا
دليل عليه أصلا ، ومعظم محقّقيهم قالوا بحرمة النفع الّتي هي المعاملة المحاباتيّة
أيضا ، فكيف لم يتوجّهوا إلى ذكر هذا الخلاف وردّه ، بل ذكروا عبارة ظاهرة
في الموافقة معهم ، وأقلّ ما في الباب موهمة فيها؟
وأيضا ، أنّهم
يتعرّضون إلى الفروض النادرة والأمور الغير المهمّة ، فإذا كان رأيهم في المقام
الحلّية فكيف ما تعرّض أحد منهم ، بل تعرّض معظم المحقّقين بالحرمة على وجه ظاهر
أو صريح في عدم الخلاف؟! فتدبّر.
والشيخ في «
الاستبصار » أيضا صرّح بالحرمة مع الشرط ، وبالكراهيّة مع عدمه ، فلاحظ
وتأمّل!.
__________________
الخامس :
الظاهر عدم الخلاف في عدم حرمة المنفعة إذا كانت متبرّع بها
إلّا في الضيافة بعد ثلاثة أيّام ، على ما سنذكر.
نعم ، ربّما
يظهر وقوع الخلاف في الكراهة وعدمها ، مع احتمال كونها مكروهة على الآخذ وغير
مكروهة على المعطي ، بل وتكون مستحبّة عليه أيضا ، فتأمّل ، بعد ملاحظة الأخبار .
ثمّ اعلم أنّ
الشرط المحرّم أعمّ من وقوعه في متن عقد القرض أو بعده ، للعموم ، ولما مرّ في
كتاب البيع في مسألة تأخير الأجل بزيادة في الدين.
واعلم أيضا ،
أنّ الذكر في متن العقد أعمّ من أن يكون بلفظ مذكور فيه ، أو يكون الإطلاق منصرفا
إليه ومشيرا ومشعرا به ، بأن يكون قبل العقد صرّحا بالشرط إلّا أنّهما في متن
العقد ما ذكراه صريحا ، بل اكتفيا بما ذكراه قبل ، ويكون ذلك مرادهما البتّة ، لا
أنّه بدا لهما.
قوله
: وأمّا اشتراط الزيادة وصفا ، مثل : أن يشترط الصحيح عوضا عن المكسور .. إلى آخره
.
ظاهر العبارة
أنّه وقع النزاع في الزيادة الوصفيّة مطلقا ، وليس كذلك ، بل النزاع إنّما هو في
اشتراط الصحيح عوض المكسّر خاصّة في مبحث القرض ، فما أتى به من الأدلّة غير مرضي
عند الفريقين ، بل ليس بشيء أصلا ، لأنّ الأصل لا يبقى مع الدليل ، وأدلّة حرمة
الربا عامّة بلا شبهة ، وشمولها للزيادة الوصفيّة ليس بحيث يمكن أن يتأمّل فيه
متأمّل ، ولهذا لم يتأمّلوا ، لأنّ الزيادة الوصفيّة لا شكّ في كونها مالا
كالمنافع.
__________________
ولا شبهة ولا
نزاع في أنّ الزيادة الماليّة هي ربا ، والربا هو الزيادة في المال لغة وعرفا
وشرعا ، والروايات الّتي أتى بها لا تأمّل ولا نزاع في كونها محمولة على عدم الشرط ، كما
ستعرف ، ويصرّح ويأتي بدليله.
نعم ، وقع
النزاع في أنّ كلّ ما هو منفعة حرام إذا كان شرطا ، أم الحرام إنّما هو الزيادة
الماليّة ، إمّا في القدر ـ مثل : أن يكون عشرة اثني عشر ـ أو زيادة المنفعة ـ مثل
: أن يزيد على العشرة سكنى بيت أو ركوب دابّة أو عمل عبد أو حرّ وأمثال ذلك ـ أو
الجيّد عوض الرديء ، أو غير ذلك ممّا هو من الأمور الماليّة سوى الصحيح عوض
المكسّر ، أو بغير استثناء هذا أيضا؟
ظاهر عبارات
الأكثر هو الأوّل ، بل صرّح بعضهم بذلك ، ومنهم من صرّح بالثاني مع عدم الاستثناء ، ومنهم
العلّامة في بعض كتبه ، ولعلّ رأيه في هذا الكتاب أيضا ذلك ، فتأمّل ، ومنهم
ولده فخر المحقّقين ، والمحقّق الشيخ علي .
ودليل الأوّلين
ظاهر رواية العامّة المشهورة المعمول بها المستند إليها عند الأكثرين المطابقة لبعض
الروايات الخاصية مع الصحّة ، بل ومع استفادة صحّة الرواية العامّية من مضمونها
وإشارتها إليها ، مثل : صحيحة يعقوب بن شعيب ، وحسنة ابن مسلم لا تدلّ على كذب ، بل على عدم حقّية ما يظهر من
__________________
ظاهرها ، لأنّها مقيّدة بصورة الشرط كما صرّحوا به في الروايات الخاصية .
ولعلّ دليل
الآخرين ـ من أنّ القرض الّذي يجر المنفعة هو ربا ، والربا هو الزيادة خاصّة ، فهو
قرينة على كون المراد بالمنفعة الواردة في الخبر العامّي وما يؤدّي مؤدّاه من
الأخبار الخاصية ـ هو المنفعة الربويّة الّتي هي عبارة عن زيادة ماليّة ، ولورود
أخبار دالّة على إباحة المنافع الّتي ليست بماليّة ، فليلاحظ
وليتأمّل حتّى يظهر الحال ، فإنّ المقام مقام إشكال.
وأمّا استثناء
خصوص الصحيح عوض المكسّر ، فلم نجد عليه دليلا.
قوله
: بل هذه تردّ رواية العامّة .. إلى آخره
.
ليس كذلك ، كما
أشرنا في الحاشية [ السابقة ] من ظهور الحقّية من الأخبار الخاصية المطابق
مضمونها لمضمون هذه العامّية ، بل واستشعار ذلك من مضمون بعضها ، بل الظاهر
تخطئتهم في العمل بظاهر هذه ، خاصّة مع روايتهم أيضا عنه عليهالسلام : « إنّ خير القرض ما جرّ منفعة » ، واشتهارها
عنه عليهالسلام ، فتدبّر.
قوله
: « خير القرض [ الّذي ] يجرّ المنفعة » .. إلى آخره
.
بل هي ظاهرة في
عدم الاشتراط ، ولو سلّم فلا ظهور في الاشتراط ، فلا
__________________
وجه للاستدلال بوجه من الوجوه ، إذ لا نزاع في الحليّة والصحّة إذا لم يكن
شرط.
وإنّما قلنا :
هي ظاهرة في عدم الاشتراط ، لأنّ قوله عليهالسلام « خير القرض ما جرّ منفعة » [ يعني ] أنّ القرض من قبل
نفسه يجرّ المنفعة ، وأنّه هو الجارّ لها ، لا أنّ جرّه من قبل اشتراط المقرض
وإلزامه وانتقالها إلى ملكه وكونها ملكه بمعاملة أو مشاركته ، لأنّه أسند الجرّ
إلى خصوص القرض وجعل الفاعل إيّاه بلا مشاركة الغير.
وأمّا باقي
الأخبار ، فظهورها في عدم الاشتراط غير خفي ، وفيها شهادة واضحة على أنّ المراد من
الجرّ هو عدم المشارطة ، وكون القرض من قبل نفسه يجرّ ، وأخبارهم يكشف بعضها عن
بعض.
وبما ذكرنا
اتّفقت الأخبار وتطابقت ، مضافا إلى الظهور في نفسه كما أشرنا ، مع أنّ قوله عليهالسلام : « خير القرض » ينادي بما ذكرناه ، لأنّه يكره على
المقرض أخذ المنفعة ، كما عليه الفقهاء ودلّ عليه الأخبار ، مثل : « لا أحبّ أن
يأخذ » ، وغيره ممّا سيجيء بعضه.
ومنه ، صحيحة
ابن شعيب الآتية في القرض مع السلف أنّه لا يصلح إذا جرّ نفعا ، وأقلّ مراتب
عدم الصلاح الكراهة ، بل وشدّة الكراهة ، فمع الكراهة كيف يكون الخير أن يأخذ
المنفعة؟! ويدلّ على أنّ الأولى أن لا يأخذ منفعة قوله تعالى :
__________________
( مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ ) الآية ، والأخبار المتواترة في مدح القرض الحسنة ، وأنّ
الإعانة والإحسان إلى الأخ المؤمن في غاية التأكيد ، بل ورد في كثير من الأخبار أنّ
علّة تحريم الربا أن يعطوا القرض الحسنة .
قوله
: وهي أكثر منها ، قال : « لا بأس ، إذا كان معروفا بينكما » .. إلى آخره
.
الظاهر أنّ
المراد أنّ إعطاء الأكثر وأخذه محض الإحسان والمعروف الصادر عنكما ـ أيّ واحد
منكما الآخذ ، وأيّ واحد منكما المعطي ـ أو مجرّد المعلوميّة بينكما ، أنّه كيف
يعطى وكيف يؤخذ ، وعلى التقديرين إشارة إلى عدم الاشتراط ، فتأمّل.
قوله
: ويطيّب نفسه أن يجعل له فضلها .. إلى آخره
.
لأنّ الأصل في
الألفاظ الحمل على المعنى الحقيقي ، ويعضده أنّ طيب النفس لا يحصل منه أزيد من
إباحة التصرّف ، وأمّا نقل الملك فلا بدّ من عقد مملّك من العقود المقرّرة شرعا ،
ولا يقبل ما نحن فيه إلّا الهبة ، والهبة غير المعوّض عنها من العقود الجائزة
فيكفي فيه كلّ ما دلّ على المقصود ، وهو نقل الملك بغير عوض بعنوان التبرّع ، وهو
معنى الهبة ، وإن كان ظاهر كلامهم عدم الكفاية.
والظاهر منهم ـ
فيما نحن فيه ـ الانتقال بمجرّد التبرّع ، ولعلّ هذا مستثنى
__________________
عندهم.
وكيف كان ، فلا
خفاء في ظهور الحديث في كونه هبة ، وترجيح صاحب « شرح الشرائع » وحكم الشارح دليلان على
عدم اعتبار الصيغة في خصوص المقام وكونه من المستثنيات ، فتأمّل.
فظهر من الحديث
أنّ هبة الزائد إذا كانت شرطا في القرض تكون حراما وفاسدة ، كما أفتى به الفقهاء ، وظهر أنّ
المعتبر في الحرمة هو الاشتراط وإن كان يصحّ النسبة إلى الهبة.
فظهر فساد ما
توهّم بعض من أنّ الهبة والبيع المحاباتي من الحيل لاستحلال الربا وإن وقعتا شرطا ، خلافا لفتوى
الفقهاء وأدلّتهم وقواعدهم .
ويدلّ على
الفساد أيضا أنّ لفظ « شرط » في الحديث نكرة في سياق النفي ، فيفيد العموم ، ويشمل
ما ذكره المتوهّمون من الشرط ، والأحاديث الواردة بهذا المضمون مستفيضة جدّا
ومعتبرة .
ويدلّ عليه
صحيحة محمّد بن قيس المزبورة ، فإنّ النهي حقيقة في الحرمة ، والحصر فيها يحرّم كلّ
شرط زائد عن اشتراط المثل ومغاير له.
ثمّ اعلم أنّه عليهالسلام عدل عن الجواب بقوله : « لا بأس ، إذا لم يشترط » إلى
__________________
قوله : « لا بأس ، إذا لم يكن فيه شرط » في حسنة الحلبي ، [ وفيه ]
شهادة واضحة على أنّ مجرّد عدم شرط الإعطاء لا يكفي في الحلّية ، بل لا بدّ أن لا
يكون هناك شرط أصلا وبوجه من الوجوه حتّى يكون مجرّد التبرّع ومحض التطوّع ، فيكون
من قبيل العطيّات الصادرة من الخارج ابتداء ، والهبات الّتي هي مجرّد الإحسان ،
وإن كان للإحسان جزاء ، وغير خفي أنّه إذا كان كذلك كلّما زاد في العطيّة كان أحسن
، ولو وهبه الكلّ كان أصلح.
وقس على ما
ذكرنا حال حسنته الأخرى ، وما يؤدّي مؤدّاهما من الأخبار المعتبرة المستفيضة ،
ويرجع الكلّ إلى مضمون صحيحة محمّد بن قيس ، وترجع الصحيحة إلى مضمونها ، فجميعها
على نهج واحد ـ والحمد لله ـ وعلى طبق فتوى الفقهاء ـ رضوان الله عليهم.
قوله
: وعدم جواز أخذ عارية للقرض ، وقد تقدّم الجواز في الانتفاع بالرهن .. إلى آخره
.
يعني بعنوان
الشرط ، كما هو مدلول الصحيحة ، ولا يخفى أنّ العارية أيضا من العقود.
فظهر أنّ شرط
النفع في القرض حرام وإن كان بعنوان عقد ، وإن كان النفع ينسب إلى العقد المشروط ،
وأنّ المناط في الحرمة هو الاشتراط في القرض لا الانتساب ، وإن سلّمنا عدم
الانتساب إلى القرض.
فظهر فساد ما
توهّم البعض من أنّها من الحيل للربا ، وإن وقعت شرطا في
__________________
القرض خلافا لفتوى الفقهاء رحمهمالله.
وظهر من هذا
أيضا قوّة دلالة الحصر وشمولها للعقود أيضا ، وعدم اختصاصه بغير العقد ، مضافا إلى
دلالته الظاهرة الكائنة لنفسه.
وكذا الحال في
حسنة الحلبي السابقة ، فإنّه يظهر قوّة دلالة العموم وظهور عدم الاختصاص
بغير العقد ، وقد مرّ في الحاشية السابقة ما مرّ ، فتدبّر.
قوله
: وجوب أخذ الأجود ، ذكره في « التذكرة » .. إلى آخره .
ينبغي التقييد
بما إذا لم يكن للمقرض عذر وجيه ، وإلّا فإنّه ربّما يتضرّر بالأجود من غصب غاصب
أو غير ذلك.
قوله
: انّه يلزم قيمة وقت تسليم القرض مطلقا. لعلّ دليله أنّ القيمي إنّما خرج عن ملك
المالك بالعوض ، وليس له العوض إلّا القيمة .. إلى آخره
.
سيأتي ـ في
مبحث أنّه لو دفع المديون عروضا للقضاء .. إلى آخره ـ رواية بمضمونها ، وهي صحيحة
محمّد بن الحسن الصفّار قال : « كتبت إليه في رجل كان له على رجل مال ، فلمّا حلّ
عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم يقاطعه على السعر ، فلمّا كان
بعد شهرين أو ثلاثة ، ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص ، بأيّ السعرين يحسبه
لصاحب الدين ، سعر يوم الّذي أعطاه
__________________
وحلّ ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة ، يوم حاسبه؟ فقال عليهالسلام : ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن
شاء الله » ، فلاحظ.
أحكام الدين
قوله
: وبالقبض هو المشهور .. إلى آخره
.
يدلّ على
المذهب المشهور الأخبار الواردة في كتاب الزكاة في أنّ زكاة القرض على المستقرض ، فلاحظ.
قوله
: ممّا يدلّ على وجوب الوفاء بالوعد والعقد ، مثل ( أَوْفُوا ) ،
و ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) ،
و « المسلمون عند شروطهم »
.. إلى آخره .
لو دخل عقد
القرض في العموم لوجب الوفاء بمجرّد العقد من حينه على الطرفين ، وتحقّق بهذا
النحو التسلّط من كلّ منهما على الآخر إذا وقع العقد مطلقا ، بل والانتقال القهري
، كما هو شأن العقود اللازمة ، بل والتقاصّ القهري أيضا من الحين ، لتساوي الحقّين
من جميع الوجوه ، بل وعدم الانتقال أصلا ، لما ذكر في
__________________
التقاصّ القهري ، على أنّه على أيّ تقدير لا يبقى للعقد فائدة مثمرة شرعا ،
بل لا فائدة أصلا شرعا ، وإن لم نقل بالتقاصّ القهري ، فتأمّل.
فعلى هذا ، تكون
فائدة القرض مترتّبة على نفس القبض وتحته ، من غير مدخليّة العقد ، وفيه ما فيه ،
مع أنّ ما يترتّب على نفس القبض ظاهر أنّه ما ذا ، فتأمّل.
فإن قلت :
الفقهاء ذكروا أنّ القبض أو التصرّف شرط .
قلت : من ذكر
ذلك ذكر أنّ القرض لا لزوم في أجله ، فلو كان حجّة لكان حجّة في المقامين.
ومع ذلك يبقى
بعض الإشكال ، وهو أنّه يجب على المستقرض ردّ العوض من حين العقد على طريقة
المعاوضات اللزوميّة الحاليّة.
ومع ذلك ، إن
كان الواجب عليه والمنتقل من ماله إلى ملك المقرض هو عين مال المقرض ، ففيه ما
فيه.
وإن كان غير
ماله على التعيين ، ففيه أيضا ما لا يخفى ، إذ يصير القرض من المعاوضات الصرفة ،
يجري فيه لوازمها.
وإن كان لا على
التعيين ، ففيه أيضا ما فيه ، فتأمّل.
فإن قلت :
القرض ليس من المعاملات الحلوليّة وإن وقع مطلقا ، لأنّ المستقرض إنّما يستقرض
بتأخيره ردّ العوض ، والمقرض أيضا يقدم على ذلك ، وهذا أمر بيّن لا سترة فيه ،
ولهذا ورد الثواب العظيم على القرض ، وغير خفيّ أنّه ليس هذا الثواب لأجل إجراء الصيغة فقط
من دون قبض ، ولا له مع القبض
__________________
والاسترداد من الحين بغير مهلة أصلا ولا تأخير مطلقا ، والأخبار أيضا تنادي
بذلك ، فالتأخير مأخوذ في حقيقة القرض ونفس المعاملة ، ولهذا لو أخذ بإزاء
تأخيره ما زاد عن ماله يكون منفعة قرضه البتّة ، والأخبار أيضا تنادي بذلك ، ويكون
حراما إن كان شرطا ، وإلّا فلا.
قلت : على هذا
يجب تعيين الأجل وانضباطه على طريقة المعاملات اللزوميّة ، لاتّحاد العلّة ،
فتأمّل جدّا.
وأيضا ،
المستفاد من الأخبار المتواترة أنّ القرض مستحبّ ، ولا شكّ أنّ
الاستحباب يرجع إلى التأخير كما اعترفت ، واستحباب التأخير يقتضي جواز الرجوع
البتّة ، والدالّ عليه يدلّ عليه بالبديهة ، فعموم تلك الأخبار
وإطلاقها يقتضي كون ذلك التأخير مستحبّا مطلقا.
وبالجملة ،
الوارد في الآية والأخبار ـ مع نهاية كثرتها ـ ليس سوى المدح والترغيب والثواب من
دون شائبة لزوم وعقاب على الترك أصلا ورأسا ، ومقتضى ذلك ليس سوى الاستحباب
بالبديهة ، كما لا يخفى على المتأمّل في الآية والأخبار ، وأنّ المقرض محسن إلى المقترض متبرّع ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) .
فلو كان القرض
من العقود الواجبة لكان الأهم فيه لزوم الوفاء ووجوبه ،
__________________
لا الاستحباب الدالّ على رجحان الفعل وجواز الترك ـ بل هو معناه ـ ولو لم
يجز الترك لكان واجبا لا مستحبّا ، ويكون العقاب على الترك وعلى استرداد العوض
ومطالبته ، لا إظهار ترتّب الثواب خاصّة من دون شائبة عقاب.
مع أنّه لو كان
من العقود اللازمة ، لوجب على المقرض التأخير إلى وقت غير معيّن ، لكون مقتضى
العقد التأخير ، كما قلت ، ولعدم ذكر الأجل كما هو المفروض ، فلا يجوز له المطالبة
، بل ولا يجوز للمستقرض أيضا الردّ قبل ذلك الوقت الغير المعيّن ، فإمّا لا يجوز
لهما ما ذكرنا مطلقا ـ بل ولا لوارثهما أيضا إلى انقراض الدنيا ـ وهو بديهي
البطلان ، أو يجوز في وقت غير معيّن عند الله تعالى وعندهما ، وهو أيضا بديهي
البطلان ، بل ويلزم تحقّق الانتقال في وقت خاص لا تعيين فيه أصلا ـ لا عند الله
ولا عندهما ـ وهو أيضا بديهي البطلان ، بل ويلزم التقاصّ القهري أيضا في ذلك الوقت
، وهو أيضا بديهي البطلان.
وإن بنى على
التعيين لذلك الوقت ، ففيه أنّه ترجيح من غير مرجّح أصلا ورأسا ، وهو أيضا بديهي
البطلان.
هذا كلّه ،
مضافا إلى لزوم الغرر والضرر المفسدين للمعاملة اللزوميّة ، ومضافا إلى أنّه لا
يثمر سوى نزاع المتعاقدين ومخاصمتهما بنحو لا ترتفع تلك المخاصمة أصلا ، و [ قد ]
وضع الشرع لرفع التخاصم لا لوضعه. إلى غير ذلك من مفاسد عدم التعيين ، كما مرّ في
البيع وغيره.
ويدلّ أيضا على
عدم لزومه ، الإجماع المنقول عليه ، وهو حجّة كما حقّق في محلّه ، بل الظاهر
أنّه الإجماع الواقعي ، لأنّ القرض ممّا يعمّ به البلوى ، والمسلمون في الأعصار
كان يكثر منهم الإقراض والاقتراض ، حتّى من نسائهم
__________________
وصغارهم ، فضلا عن الرجال والكبار.
فلو كان من
العقود اللازمة لاشتهر اشتهار الشمس ، وظهر على النساء والصغار بحيث لا يبقى ريبة
، فكيف صار الأمر بالعكس؟! إذ جميع الفقهاء أفتوا بالجواز ، وغير الفقهاء يكونون
تابعي الفقهاء ومقلّديهم ، مع أنّ المتعارف الشائع وقوع القرض الّذي لا أجل له أو
له أجل لكن ليس بأجل شخصي لا يقبل التفاوت أصلا ورأسا ، سيّما في مثل قرض الخبر
والخمير والجوز وأمثالها ، وتحقّق اللزوم في هاتين الصورتين فاسد بالبديهة ، كما
أشرنا.
فظهر أنّ القرض
من حيث هو هو وفي نفسه ليس من العقود اللازمة ، بل من الجائزة ، والأجل المشخّص لا
يمكن أن يصير سببا للزوم ، لأنّ الأجل ليس إلّا تعيين مدة شيء ، فإن كان الشيء
واجبا يصير الأجل أجل شيء واجب ، ومعناه أنّ ذلك الواجب إلى مدّة كذا ، وإن كان
جائزا يصير أجل جائز ، يكون المعنى أنّ مدّة ذلك الجائز كذا ، وإن كان حراما يصير
أجل الحرام ، ويصير أنّ مدّة الحرام كذا ، وقس على هذا.
فالعبرة بما
وقع الأجل له ، لا بنفس الأجل ، وهذا أيضا واضح ، وليس الأجل المشخّص شرطا لتحقّق
القرض أو لصحّته ، للإجماع والأخبار المتواترة الدالّة على صحّة مطلق القرض ، بل وصحّة
القرض الغير المؤجّل بالأجل الشخصي.
فحال مضمرة
الحسين بن سعيد حال ما ورد في البيع بثمنين إلى أجلين ،
__________________
بأنّه يكون للمشتري بأقلّ الثمنين وأبعد الأجلين ، واشتراء الدين بأقلّ
منه ، وبأن ليس للمشتري سوى قدر الثمن وغيرهما ، بل وأضعف منه بوجوه :
الأوّل :
التعدّد هناك ، والوحدة هاهنا.
الثاني :
الصحّة هناك ، والضعف هاهنا.
الثالث : وجود
القائل هناك ، بل وجماعة من الأعاظم ، وعدم الوجود هاهنا أصلا.
الرابع :
الصراحة هناك ، وعدمها هاهنا ، وذلك لأنّه صرّح في « القاموس » بأنّ القرض ما لا
أجل له والدين ما له أجل ، وأشار إلى هذا القول أيضا الشارح .
فعلى هذا ، قيد
( إلى أجل ) يكون قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي ، معيّنة للمجازي الّذي هو الدين
، فلا وجه للاستدلال أصلا ، كما هو الشأن في كلّ موضع يكون مع اللفظ قرينة صارفة
عن المعنى الحقيقي.
فإن قلت : لعلّ
مراد « القاموس » لا أجل له مثمرا ، لأنّ الأجل غير المثمر ليس بأجل حقيقة ، وإلّا
فالقرض المؤجّل قرض حقيقة.
قلت : إن أردت
الثمرة الشرعيّة ، فلا دخل لها في اللغة ، وإن أردت اللغويّة
__________________
بأنّ القرض لغة معاملة تبرّعية كالهديّة والعطيّة ، فالتأخير المعتبر فيه
تضمّنا أو التزاما تبرّعي من تبرّع ما اعتبر هو فيه ، ومعنى التبرّع أنّه في قوّة
أن يقول : عهدت ووعدت ولي أن أوفي وأن لا أوفي ، فكما أنّ نفس التأخير تبرّعي هكذا
كونه إلى غاية معيّنة ، إذ بديهي أنّ مجرّد ذكر غاية لذلك التأخير لا يوجب تغيّر
الدلالة والمراد من حيث اللزوم والتبرّع ، فلا فرق بين أن يقول : أقرضتك ، وأن
يقول : ملّكتك وعليك عوضه وأصبر عليك في ردّ العوض تبرّعا ـ قيدا للتمليك والصبر ـ
وكذا بين أن يقول : أقرضتك إلى كذا ، أو ملّكتك وأصبر عليك في ردّ العوض إلى كذا
تبرّعا.
وعدم الفرق
بحسب المفاد لغة ، فهذا الأجل ليس بأجل حقيقة من حيث إفادته أنّ لي أن أوفى وأن لا
أوفي.
وبالجملة ، إن
أردت هذا ، فهذا يشيّد أركان الفقهاء ويوهن استدلالك بالحديث ، ويمنع احتجاجك
بالعمومات ، لأنّ الأمر بالوفاء بالعقد إنّما هو على حسب ما تضمّنه ، وكذا العهد
والوعد والشرط ، بل اللازم حينئذ ما ذكره الفقهاء ، لأنّ الطرفين أقدما عليه ،
فاللازم على المستقرض الردّ متى طالبه المقرض.
على أنّه على
تقدير خلوّ عقد القرض عن قيد التبرّع المزبور ، وعدم الإفادة مطلقا بحسب اللغة ،
فإن حكمت بعدم التبرّع شرعا أيضا مطلقا ، ففساده كما ترى ، مضافا إلى ما سيذكر.
وإن حكمت بالتبرّع وعدم اللزوم مطلقا ، فهو مطلوب الفقهاء. وإن فكّكت وفرّقت بين ما
إذا ذكر لتأخيره غاية وما لم يذكر ، بالحكم باللزوم في الأوّل ودخوله تحت العمومات
، وعدم اللزوم في الثاني وخروجه ، فلعلّه تحكّم بالقياس إلى العمومات ، عموم ما دلّت
على اللزوم وعموم ما دلّ على
__________________
عدمه ، ومناف لما دلّ على وجوب تعيين الأجل في العقود اللازمة ، وموجب
لجواز التفكيك بهذا النحو في جميع العقود اللازمة.
فظهر ممّا ذكر
وهن آخر في استدلالك بالمضمرة ، فتأمّل.
على أنّا نقول
: معنى قولهم : ( العقد المؤجّل من القرض جائز أيضا قبل حلول الأجل ) أنّه يجوز
لكلّ من الطرفين الفسخ ، وما لم يفسخا يكون العقد باقيا على حاله ، مثمرا ثمر
اللزوم ما دام باقيا على حاله على طريقة غيره من العقود الجائزة ، فلو اتّفق عدم
الفسخ ـ إمّا لمانع كالغيبة ونحوه ، أو مجرّد اتّفاق ـ هل الموت يوجب الفسخ
ويتحقّق أحكام الحلول وثمراته به ، أم لا يوجب ، بل المتحقّق ثمرات عدم الحلول؟
فسأل الراوي عن الحال ، فأجاب بالأوّل ، فتأمّل.
وبالجملة ،
أمثال هذه السؤالات عن المعصوم كثيرة ، وليست بغريبة ، سيّما من فقهاء الأصحاب مثل
: الحسين بن سعيد.
هذا كلّه ،
منضما إلى ضعف دلالة التقرير ، سيّما ورأي المالكي رأيه ، والمعصوم عليهالسلام كان يتّقي من أهل الحجاز كثيرا ، فتأمّل! وأيضا ، أنّه
لم يذهب أحد من العامّة إلى أنّ البيع بثمنين إلى أجلين يكون للمشتري أبعدهما مع أقلّهما
، مضافا إلى الصراحة التامّة ، فتأمّل! على أنّا نقول : قد عرفت أنّ القرض من
العقود المتبرّع بها حتّى بالقياس إلى الأجل المأخوذ فيه ، بل المتبرّع به ـ في
الحقيقة وما هو المقصود بالذات ـ إنّما هو الأجل ، فلو كان الأجل المذكور في
الحديث هو هذا الأجل فلا محيص عمّا ذكرنا من أنّ المراد قبل تحقّق الفسخ ، وإن
ادّعيت ظهور كون الأجل المذكور فيه
__________________
غير مرعي ، فلا جرم إمّا أن يكون المراد من القرض الدين ـ كما
أشرنا ـ أو يكون شرطا في عقد لازم.
هذا ، على
تقدير تسليم ما ادّعيت من الظهور ، وإلّا فالظاهر عدم الظهور ، سيّما بعد ظهور كون
أجل القرض من الأمور التبرّعية المحضة كما أشرنا ، فتدبّر.
قوله
: « فقد حلّ مال القارض »
، ولا يضرّ
إضمار مثله .. إلى آخره .
ويمكن أن يقال
: في هذا الخبر ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّه عليهالسلام حكم بأنّ موت المستقرض سبب لانعدام الأجل والرخصة في
التأخير إلى ذلك الأجل ، وذلك لأنّه لا تأمّل في أنّ القرض يصير مؤجّلا.
نعم ، الفقهاء
يقولون : التأجيل ليس بلازم ، بل هو تبرّع محض ورخصة غير لازمة الوفاء ، وتلك
الرخصة لم تكن إلّا للمستقرض فبموته تنعدم ، لأنّها وأجلها لم يكونا إلّا بحسب
التبرّع ، فلا يكونان حق المستقرض وملكا له حتّى يتصوّر انتقالهما إلى الورثة ،
فيجب على الورثة المبادرة في أداء ذلك القرض إلّا أن يرخّصهم القارض ويجعل لهم
أجلا مستأنفا ، فتأمّل.
قوله
: ( إلّا أن يشترط في لازم ) يعني لا يلزم تأجيل [ الحالّ ] .. إلى آخره
.
وقيل : ينقلب
العقد اللازم جائزا حينئذ ، ومقتضى ظاهر العبارة أنّ
__________________
النزاع فيما إذا جعل أجل القرض شرطا في عقد لازم كما ذكره الفقهاء ، وذكر
في « الشرح » : أمّا لو أقرض بشرط بيع مثلا ويكون القرض مؤجّلا لم
يلزم الأجل ولا القرض ، بمقتضى ما ذكروه من الحصر ، ولأنّ جزء عقد جائز جائز ، من
حيث أنّ الاعتبار بالعقد ، والجزء تابع للكلّ.
فإن قلت : إذا
كان القرض بشرط البيع كان البيع أيضا بشرط القرض ، فإذا كان مؤجّلا لزم ـ على قول
المصنّف ومن وافقه ـ ويدخل تحت محلّ النزاع.
قلت : الملازمة
ممنوعة ، وسيّما على رأي المصنّف ومن تبعه ، من الفرق بين القرض بشرط البيع
المحاباتيّة وبيع المحاباة بشرط القرض ـ كما مرّ في صدر الباب ـ ومع ذلك لا يلزم صيرورة ذلك داخلا في محلّ النزاع ، إذ
محلّ النزاع هو جعل نفس الأجل شرطا في عقد لازم ، لا أن يكون كلّ واحد من العقدين
شرطا بالنسبة إلى الآخر وجزءا وتابعا ، مع أنّه ربّما لا يخلو عن رجحان أصليّة
القرض ، فليتأمّل.
قوله
: [ عند ] الإمكان الشرعي والطلب ، وكأنّه إجماعي .. إلى آخره
.
لا وجه للتعبّد
بالطلب ، إذ الغريم ربّما كان غير رشيد ولا وليّ له ، أو يكون جاهلا بحقّه أو
غافلا أو مسامحا أو مساهلا أو موسّعا عليه ، فيجب حينئذ بوجوب موسّع ، إن لم يكن [
هناك ] دواعي للمبادرة من طرف نفسه ، مثل : عدم التمكّن من الأداء بعد ذلك أو خوف
ذلك ، فيجب فورا ، إلّا أن يريد من الطلب عدم رفع اليد عن حقّه بعدم إبراء ذمّته ،
أو يكون مراده من الوجوب المضيّق.
__________________
وفي الكلّ نظر
ظاهر ، حتّى الأخير ، فتأمّل! والمراد من النيّة هو العزم والداعي ، سواء كان
مخطرا بالبال أو لا ، كما حقّقناه في مبحث النيّة في العبادات.
قوله
: وبعيد عن تصرّف الغير .. إلى آخره
.
وأنّه لو لم
يفعل يثمر عادة إلى التلف ، أو ربّما يثمر ، ومقدّمة الواجب واجب عند الفقهاء.
قوله
: [ الإيجاب بمثل هذا مشكل ] إلّا أن يكون إجماع أو نحوه .. إلى آخره .
مثل الأخبار ، فإنّ ظاهره
في الوجوب على القول بوجوب المقدّمة ، كما هو المشهور ، مع أنّ إطلاقه على الوجوب
الشرطي لعلّه لا إشكال فيه في أمثال المقام ، فتأمّل.
قوله
: والأصل عدم ظهور المانع ، لأنّ صرف المال في وجه الله ، ولبراءة الذمّة
[ ، ولو احتياطا ، لا يسمّى إسرافا ولا تبذيرا ]
.
هذا كذلك إن لم
يرفع اليد عن الطلب والجدّ فيه للوصول إلى صاحبه ، والظاهر أنّ ابن إدريس لا يمنع
من ذلك .
وأمّا مع اليأس
بالمرّة وحصول العلم العادي بعدم الوصول إليه ، فمع التصدّق إشكال ، لدوران الأمر
بين انقراض الصاحب أو وجود صاحب ، فعلى
__________________
الأوّل يصير مال الإمام عليهالسلام ، وعلى الآخر الإمام وليّ الغيّب ، فمع التمكّن
والإيصال إلى حاكم الشرع يشكل أيضا ، لا مع اليقين بعدم التمكّن منه أيضا ، ولعلّ
الأمر بالتصدّق من جهة أنّ الأمر إلى الإمام عليهالسلام فأمر به ، ولعلّ الأمر بالإيصال إليه كان فيه مانع ،
فهو أمر ، فتدبّر.
قوله
: ولأنّ النصّ في مال الغير إذا لم يعلم صاحبه [ كثير جدّا ] .. إلى آخره
.
أشار في «
المفاتيح » إلى النصّ في التصدّق ، وفي « بداية الشيخ الحرّ رحمهالله » : ( وروي تدفع إلى المساكين ، وروي : يوصى بها فإن جاء
طالبها ، وإلّا فهي كسبيل مالك ) : انتهى ، فتدبّر.
قوله
: ويمكن حملها على عدم اليأس بالكلّية ، لأنّ الأمر بالطلب معه لا يحسن من الحكيم
، وهو ظاهر .. إلى آخره .
ليس ما ذكره
حملا ، بل هو الظاهر ، إذ لم يردّ السائل على قوله : « لا يدري » ، وهو لا
يستلزم اليأس بالبديهة ، وكذلك سؤاله عن حاله شرعا ، إذ لم يكن فقيها ، ولذا سأل ،
وكذلك طول زمان عدم درايته.
نعم ، ربّما
يظهر منه بعد ما في حصول المعرفة ، وعسر في الجملة فيه ، فلذا قال : يكفي هذا لأن
أتصدّق عنه وأخلص من العسر في التعب في الطلب؟
فأجاب عليهالسلام بعدم الكفاية ولزوم الطلب في إيصال حقّ الناس إليهم ، لما فيه من
__________________
التأكيدات والتشديدات الّتي لم تكن في حقوق الله تعالى ، وإن كانت مثل
الصلاة الفريضة ، بل ميزان عدل الله إنّما هو في حقوق الناس ، وإلّا ففي
حقوق الله هو أكرم وأرحم من أن يعذّب بنار جهنّم ، حيث قال ( يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) ، وأمثال ذلك ، ما لم يؤدّ إلى الكفر ، فإنّه ( لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما
دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .
قال ذلك ، حتّى
لا يجترئ على ترك مثل الفريضة أحد ، ومقتضى وعيده التهديد ، وله أن يفعل وله أن
يترك ، بخلاف حقوق الناس.
وقد عرفت رواية
سلمة ونحوها في الجملة ، وأمّا رواية زرارة فما قال : لم يفعل أو لم أقدر ، ولا
قال أيضا : ما قدرت إلى الآن وأمثاله ، بل قال : قال « لا يقدر .. إلى آخره » ، فما قال
ينادي بيأسه ، فلا تعارض أصلا ، فلا حاجة إلى الحمل أصلا ، فتأمّل جدّا.
مع أنّ رواية
زرارة غير دالّة على عدم الطلب ، بل ربّما كان الظاهر منه الطلب بقدر تيسّره ،
وأنّ زرارة كان كذلك لكن كان خائفا من التكليف بأشدّ منه.
__________________
نعم ،
الروايتان تعارضان ما دلّ على التصدّق ، سيّما رواية زرارة ، فالشأن في ملاحظة ما
دلّ على التصدّق ، ثمّ الجمع بأيّ نحو يكون أقرب ، وربّما كان مع اليأس بالمرّة
مال الإمام عليهالسلام ، فأمر بالتصدّق لذلك.
قوله
: ولا يخفى بعده .. إلى آخره .
لا يخفى ما في
كلام الشارح من التدافع.
قوله
: وحصول الثواب له ، ولا ضرر عليه .. إلى آخره
.
لا يخفى ، أنّ
هذا لا كلام فيه ، ولا مدخل لتأمّل أحد فيه ، حتّى ابن إدريس ، لأنّ « الناس
مسلّطون على أموالهم » ، وهو ما يتصرّف إلّا في مال نفسه ، ومجرّد قصد التصدّق
المذكور لا يخرجه عن ملكه ولا يدخله في ملك الغريم بالبديهة.
نعم ، مجرّد
إحسان إليه ـ كما قال ـ لكن لا سبيل إلى سبيل عليه حتّى يقال : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) بعد ما بنى على نفسه أنّ صاحبه إن لم يرض يأخذ ماله ،
لأنّ ذلك لم يكن عين ماله ، بل عين ماله إنّما هي في ذمّته.
ومنع المعصوم عليهالسلام عن التصدّق في الصحيحة ليس من قبيل
المقام ، لأنّ غرض الراوي هو تخلّص نفسه عن تعب الطلب ، لأنّه يتصدّق ويكون وجوب
طلبه باقيا على حاله بعد ، من دون تفاوت أصلا ، ولذلك أمره المعصوم عليهالسلام بالطلب ساكتا عن حكاية التصدّق.
__________________
وهذا في غاية
الظهور ، وذكره الطول ليس إلّا للرضيّة في عدم الطلب ، لاستلزامه ـ عادة ـ مشقّة بالبعد ما في الحصول ، ومعلوم
أنّ المعصوم عليهالسلام لم يكن منّاعا للخير ـ العياذ بالله منه.
قوله
: وبعض الأخبار عدم جواز الأخذ ، وإن حملت على الذمّي ، فقوله : « للبائع حرام » محلّ التأمّل .. إلى آخره
.
لا وجه للتأمّل
، لأنّ الكفّار عندنا مكلّفون بالفروع أيضا قطعا ، والصحّة
وترتّب الأثر شرعا لا تنافي الحرمة ـ كما حقّق في محلّه ـ فلا وجه للحرمة على القابض بعد استتار البيع من البائع
وإن وقع الاطّلاع بحسب الاتّفاق لخصوص القابض ، ولا شكّ في أنّ هذا لا ينافي
الاستتار.
وغير خفيّ أنّه
ـ بحسب العادة ـ في ذلك الزمان ما كان يتحقّق بيع خصوص الخمر والخنازير إلّا من
أهل الذمّة ، بل ومع الاستتار أيضا ، فارتفع الإشكال في هذا الحديث رأسا ، وكذا
في الأحاديث الآتية ، سيّما ومع التصريح في بعضها بالذمّي ووقوع الإجماع من الخارج
، وكذا الأخبار في أنّ ذلك حرام على المسلم ولا يملك الثمن أيضا ، وكذا على
أهل الذمّة مع عدم الاستتار ، فتدبّر.
__________________
قوله
: فقال أبو جعفر عليهالسلام : « يردّ عليه الرجل
الّذي عليه الدين ماله الّذي اشترى به من الرجل الّذي له عليه الدين » ، وفيهما مع ضعف السند ـ كما قاله في « التذكرة
»
.. إلى آخره .
إشارة إلى عدم
ثبوت ضعفه من الرجال ، بل أثبتنا قوّته ، بل كمال قوّته ـ كما اختاره جدّي ـ مع أنّ الشيخ هو المضعّف وقد رجع في
علم الرجال ، عمل الشيخ وغيره رواية في المقام تنادي بما ذكرناه.
مع أنّ تضعيف
العلّامة إنّما هو من تضعيف الشيخ ، حيث قال : يرمى بالغلوّ ، كما صرّح هو أيضا
بذلك في « الخلاصة » ، و « ابن داود » ، والمضعّف هو الّذي عمل بها هنا إلى أن قدّمها على
الأحاديث والقواعد القطعيّة.
والظاهر أنّ
المنع في روايته عن الرضا عليهالسلام حسما لمادّة الربا ، ورواية أبي
__________________
حمزة ـ إن كانت دالّة ـ والمتشبّه بالربا ، كما ورد منهم عليهمالسلام في غير موضع ، والشيخ أو غيره أيضا أفتوا به ، فتدبّر.
قوله
: وبضعف السند ، وبالحمل على ما إذا حصل [ الربا ] .. إلى آخره
.
وحملها الشهيد
الثاني على الضمان ، وحمل على بطلان العقد ، فلعلّه يرجع إلى الإبراء وعلى الاستحباب.
قوله
: وهو أيضا مجهول ، وأبي بصير مشترك ، وفي خلف أيضا قول وإن كان ضعيفا .. إلى آخره
.
ويزيدها ضعفا الشهرة
بين الأصحاب في خلافها وترك العمل بما يستفاد منها ، مضافا إلى المخالفة لظاهر
القرآن ، مثل قوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ
) ، وغيرهما ، والمخالفة للمطلّقات والعمومات الواردة في
النسيئة والسلم وغيرهما.
__________________
مع أنّه ورد في
أخبار كثيرة أنّ ما خالف الكتاب زخرف ، و « اضربوه على الحائط » . وغير ذلك.
وأيضا ، ورد
أنّه « إذا ورد خبر فاعرضوه على سائر أحكامنا ، فإن لم يوافقها فلا تعملوا به » .
وأيضا ، ورد
الأمر بترك الشاذّ ، فلعلّها من الشاذّ ، فتأمّل.
وأيضا ، حال
الحياة لا شكّ في عدم الحلول ، فهو مستصحب حتّى يثبت خلافه.
ولما ذكره
الشارح دخل أيضا في الضعف ، وجميع ما ذكر ، وإن ورد في صورة العكس ـ إلّا حكاية الاشتهار
، فإنّها بالعكس ـ إلّا أنّ الإجماع كاف للحكم.
مع أنّ العصابة
اتّفقوا على العمل برواية السكوني ، كما ذكره في « العدّة » وفي خصوص قد
عرفت الاشتهار ، بل الاتّفاق بين القدماء والمتأخّرين ، مضافا إلى صراحة الدلالة ،
وضعف الدلالة في هذه الرواية ، لأنّ اللام ليست نصّا في الملكيّة ، لاحتمال كونها
للانتفاع والاختصاص في مثل السكنى والعمرى والحبس والعاريّة وأمثالها ، فتأمّل.
__________________
وأيضا ، رواية
السكوني موافقة لما ذكره الشارح من القاعدة وظواهر بعض الأخبار المقبولة المسلّمة
، أو الصحيحة ، أو المعتبرة ، فتدبّر.
قوله
: حمل الاولى مع عدم الصحّة على الكراهة .. إلى آخره
والحلبي منع
بعد الثلاثة أيّام ، ولعلّ دليله أنّ الخاصّ مقدّم ، والمطلق مقيّد.
قوله
: وقد مرّ أنّ المراد مع الاشتراط ، وعليه يحمل الأخبار المطلقة .. إلى آخره
يظهر من هذا
أنّه رحمهالله قائل بحرمة النفع المشروط في القرض إذا كان نفع
المعاملة المحاباتيّة ، والظاهر منه عدم الخلاف فيها ، إذ لو كان خلاف لتعرّض إليه
ولم يحكم بها جزما من دون اعتناء إلى مخالفة الفقهاء أصلا ، إذ ليس طريقته هكذا ،
بل تعرّض في هذه الفروع إلى أحكام غريبة وخلافات غير مهمّة ، ومع ذلك لم يتعرّض في
المقام أصلا ، فظهر أنّه رحمهالله مشارك مع غيره ممّن دلّ كلامه على عدم الخلاف ، وقد مرّ
في صدر الباب ، فلاحظ!.
قوله
: مثل ما في صحيحة يعقوب بن شعيب الثقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى
آخره
والشيخ رحمهالله في « الاستبصار » فهم من هذا الحديث المنع
__________________
والحرمة ، ولهذا تصدّى لتأويله تارة بالحمل على الكراهة ، وتارة
بالحمل على صورة الشرط ـ كما فهمه الشارح وصاحب « المفاتيح » وغيرهما ـ
وصرّح بالحرمة في هذه الصورة ، فإنّه قال : ( إذا شرط ذلك فلا يجوز على ما بيّناه
، ويزيده بيانا ما رواه .. ) ثمّ أتى برواية دالّة على الحلّية ما لم يكن شرط ، وأشار بقوله
: ( على ما بيّناه ) إلى قوله سابقا من أنّه إذا اشترط على المستقرض الهديّة فلا
يجوز أخذه ، واستدلّ على ذلك بالأخبار .
وكلامه في غاية
الظهور في أنّه لا فرق بين صورة السلم وغيرها ، وأنّ المناط هو الشرط وعدمه لا غير
، فتدبّر!.
قوله
: ويمكن حملها على الشرط أيضا ـ كما مرّ ـ ويمكن حمل بعض المطلقات عليها ، ويدلّ
عليهما أيضا .. إلى آخره
حمل رحمهالله صدر الخبر ، وهو قوله عليهالسلام : « لا يصلح ، إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح » على الاشتراط
، على سبيل البتّ والجزم والتعيين ، وذيلها على سبيل الإمكان والاحتمال ، لأنّ
الأوّل من باب المطلق والمقيّد ، فالحمل عليه متعيّن ، لأنّ الأخبار في حكاية
النفع على ثلاثة أقسام :
__________________
منها : المنع
مطلقا ، مثل الحديث النبوي المشهور ، وما يؤدّي مؤدّاه من الأخبار الخاصية ، وهي متعدّدة ،
ومن جملتها هذا الخبر ، لأنّ ظاهر عدم الصلاح الفساد والمفسدة ، وظاهر ذلك
الحرمة وعدم ترتّب الأثر سيّما في أمثال المقام ، مضافا إلى أنّ قوله : « إذا كان
يجرّ شيئا » ظاهره الإشارة والإيماء إلى الحكم المشهور عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنّ القرض إذا كان يجرّ شيئا فهو حرام ، وظهر ذلك
واشتهر من عموم حرمة الربا ، والأخبار الخاصّة الّتي أشرنا إليها ، ولهذا فهم الكلّ
المنع ، سيّما مع تأكّد قوله : « لا يصلح » وتكرّره.
والقسم الثاني
: الجواز مطلقا ، مثل : « خير القرض ما جرّ منفعة » .
والقسم الثالث
: التفصيل ، وهو الحرمة مع الشرط والعدم بدونه ، وهو الجامع بين المطلقات المانعة
والمطلقات المبيحة ، ووجه جمع صدر منهم عليهمالسلام ، والفقهاء أيضا تلقّوا بالقبول ، بحيث لم يتأمّل أحد
منهم في ذلك ـ كما لا يخفى على المتتبّع ـ ولذا اتّفق فتاويهم على ذلك. نعم ، وقع
منهم بعض نزاعات ، في خصوص بعض أمور أشرنا إليه سابقا.
وأمّا ذيل
الخبر ، فقد اختلف فهمهم فيه ، من حيث أنّ قوله : « وإن كان إنّما يقرضه .. إلى
آخره » ربّما كان أظهر في عدم الاشتراط ، فيكون المنع محمولا
على الكراهة ، للاتّفاق على الحلّية وظهورها من الأخبار الكثيرة ، ولذا ربّما
احتمل بعضهم التقيّة ، لكن بملاحظة أنّ قوله عليهالسلام : « إن كان معروفا بينهما »
__________________
جواب في مقابل سؤال السائل ، وهو أنّه سأل : إنّ الرجل يأتي حريفه وخليطه
يستقرضه فيقرضه ، ولو لا أنّه حريفه وخليطه ويصيب عليه لم يقرضه ، ومعلوم أنّ
سؤاله في صورة أنّه إن لم يصب عليه لم يقرضه ، فضمير كان راجع إلى المسؤول ، ربّما
يظهر أنّ التفصيل في الجواب وارد في الصورة المذكورة.
فيصير المعنى
على ذلك ، أنّه إن كان ما سألته مجرّد المعروفيّة والمعلوميّة بينهما فلا بأس ،
وإن كان أزيد من ذلك بأنّ إقراضه بشرط أن يصيب عليه ، فلا يصلح.
فعلى هذا ، لا
غبار على الحديث أصلا ، فلا وجه للحمل على الكراهة ولا التقيّة أصلا ، ويكون مثل
صدر الحديث.
مع أنّ الحمل
على التقيّة مع تأتّي الحمل الوجيه ، خلاف ما عليه الفقهاء ، وإطراح للخبر بغير
وجه ، فتأمّل.
وممّا ذكر ربّما
يتقوّى دلالة صدر الخبر أيضا ، فتدبّر.
فالحديث ـ على
ما ذكر ـ طابق فتوى الفقهاء من أنّ المعاملة المحاباتيّة إذا صارت شرطا في القرض
يحرم وتفسد ، وظهر منه حقّية فتواهم وفساد ما توهّم بعض من الصحّة
والحلّية ، وكون ذلك من الحيل المحلّلة للربا .
على أنّه ظهر
فساد ذلك من طريقين آخرين :
الأوّل : إنّ
الحديث يدلّ على أنّ نفع المعاملة المزبورة قد جرّه القرض ، وهذا القدر يكفي حجّة عليهم ، وإن قلنا
بعدم دلالة : لا يصلح على الحرمة ، وذلك لأنّهم ينكرون كونه قد جرّه القرض
ويتحاشون.
__________________
ومع ذلك نتمّ
التقريب ونقول : هذا نفع قد جرّه القرض ، وكلّ نفع جرّه القرض حرام إن كان شرطا
وحلال إن كان محض التبرّع ، فالصغرى من هذا والكبرى من الأحاديث الخارجة.
الثاني : أنّهم
يدّعون الحلّية ، متشبّثين بعموم ( أَحَلَّ اللهُ ) وغيره ، ويقولون : هذا بيع ، وكلّ بيع حلال ، فهذا حلال
، وغير خفيّ أنّ مقتضى العمومات وما يظهر منها كون البيع حلالا بحتا ، ومباحا صرفا
، وأمرا صالحا ، بل ويظهر منها الأجر العظيم ، والمدح الجسيم ، إذا كان الغرض
اكتساب المال ، وغير خفيّ أنّ ما نحن فيه نوع من اكتسابه.
وهذا الحديث
نصّ في أنّ ما نحن فيه أمر غير صالح ، ويظهر أنّ القرض أثّر فيه هذا الأثر ،
وأخرجه عن العمومات ، لأنّ الأمر الغير الصالح لا يكون داخلا في الأمر الصالح ،
فضلا عن أن يكون ممدوحا ومأجورا عليه.
فإن قلت :
نؤوّل العمومات وظواهرها بما يلائم.
قلت : منها ما
لا يقبل التأويل ، مع أنّ التأويل ارتكاب خلاف الظاهر ، والاستدلال إنّما هو
بالظاهر ، والكلام إنّما هو في الاستدلال.
مع أنّ
العمومات يعارضها ما دلّ على أنّ كلّ قرض يجرّ المنفعة فهو حرام وما يؤدّي مؤدّاه
، وغير خفيّ أنّ بملاحظة هذا الحديث يرجّح دخول ما نحن فيه في هذه العمومات لا ما
ذكرتم ، مع أنّ تأويلكم للعمومات فاسد ، لأنّ التأويل فرع تحقّق التعارض ، ولا
تعارض قطعا ، إذ لا منافاة بين أن يكون البيع في نفسه أمرا صالحا ، وإذا صار شرطا
في القرض أو البيع الربوي يصير أمرا غير صالح ، وهذا ظاهر.
__________________
فعلى هذا ، لا
عموم للصحّة ولا إجماع ، لو لم نقل بالإجماع على عدمها ، فلا يمكن الحكم بالصحّة ،
لأنّها عبارة عن ترتّب الآثار شرعا ، والأصل عدمه حتّى يثبت بدليل شرعي ولا دليل.
واستدلّوا ببعض
أخبار خاصّة لا دلالة [ فيها ] على مطلوبهم ، مع قطع النظر عن السند
والتعارض وعدم الفتوى وسنذكرها ، فتدبّر.
وممّا ذكر ظهر
أنّه ـ مع قطع النظر عن هذا الحديث ـ لا يمكنهم الاستدلال بالعمومات ، لتعارضها
بعمومات كلّ قرض يجرّ منفعة ، وما يؤدّي مؤدّاها ، بل أظهريّة الدخول فيها ، وكذا
عموم ما دلّ على حرمة الربا ، لأنّه الزيادة لغة.
فإن قلت : ليس
الحرام مطلق الزيادة اللغويّة.
قلت : ليس
الحلال مطلق البيع اللغويّ ، فإنّ للحلّية شرائط ، مع أنّ شرائطها أكثر من شرائط
حرمة الربا ، فتأمّل.
قوله
: وقد ورد أخبار بعضها صحيحة في [ أنّه يجوز القرض ] .. إلى آخره
يظهر منه أنّه رحمهالله اختار رأي العلّامة ومن تبعه من أنّ الحرام شرط زيادة
العين أو الصفة لا مطلق المنفعة ، ويظهر هذا أيضا منه في الفرع الثالث عشر ، ولعلّه
الأقوى ، بالنظر إلى ما يظهر من الأخبار ، فتأمّل.
قوله
: إنّه يجب دفع جميع ما يملكه في الدين ، عدا دار السكنى ، وعبد الخدمة وفرس
الركوب ـ إن كان من أهلهما ـ وقوت يوم وليلة له .. إلى آخره
الظاهر من
كلامه كون استثناء المذكورات من المقبولات والمسلّمات ،
__________________
بخلاف مثل الكتب العلميّة لا ظهار لعلّ الأوّل من إجماع أو غيره كان ظاهرا
عليهم ، والثاني من العلّة المنصوصة ، وحجّيتها غير مسلّمة عند الكلّ ، سيّما مع
عدم صحّة السند ، وإن كان إبراهيم كالثقة عندهم ، لأنّ حجّيّة
مثله في مثل المقام محلّ كلام عندهم ، لعدم المقاومة مع ما دلّ على وجوب أداء
الدين ، فضلا عن أن يغلب عليها.
فربّما يشكل
الأمر في أمثال زماننا بالنسبة إلى فرس الركوب أيضا ، بل وعبد الخدمة أيضا ،
والاحتياط واضح ، والله يعلم.
قوله
: ولا يخفى المبالغة فيها من وجوه .. إلى آخره
ومنها أنّه لا
يخلّيه يبيع داره لإعطاء دينه ، بل ولا يرضى بذلك أبدا وإن لم يجبره على البيع ،
كما هو الظاهر من سؤاله من أنّ المديون أراد البيع من قبل نفسه من دون إجبار
وإكراه من الديّان.
قوله
: فإن هو باع الدار
وقضى دينه بقي لا دار له .. إلى آخره
هذه النكرة في
سياق النفي تدلّ على أنّه لا دار أصلا ، فقوله : « ما يكفيه وعياله » يعني من حيث
الداريّة ، ويؤيّده أنّه ليس المراد كفاية مؤنته ومؤنة عياله مطلقا وأبدا قطعا ،
كما لا يخفى على المتأمّل ، إلّا أن يحمل على كفاية مؤنة اليوم ، كما ذكره
الفقهاء.
وكيف كان ، لا
يظهر من الرواية ما يخالف فتوى الفقهاء ، فتدبّر.
__________________
قوله
: فتأمّل ، فإنّها منافية لقول الأصحاب .. إلى آخره
فيه تأمّل ،
لأنّ الظاهر أنّه قال : « لأيتام » ، وأنّ ذكر ذلك تعرّض ، وهو أنّ اليتيم بنفسه لا يمكنه
ضبط ماله ، ولعلّه لم يكن له وليّ ، كما هو الأظهر من هذا القول ، فكيف مسلمة الدين حتّى
يبيع ضيعته الّتي هي معاشه لأداء دينه.
وعلى تقدير أن
يكون له وليّ ، فالمتعارف أنّ الولي إذا أخذ [ الدين ] يصرفه عليه شيئا فشيئا مدّة
مديدة ، ولعلّ دينه لا يخلو ولا يسلم عن الخطر والضرر ، وإن كان الوليّ في غاية
الأمانة ، ولا يخرج من الشرع بالمرّة.
مع أنّ كونه
كذلك أيضا لا يخلو عن الندرة ، إذ ليس من الأفراد الغالبة الشائعة ، وأندر من ذلك
أن يكون بحيث يعامل بهذا الدين الّذي أخذه لليتيم حتّى النفع ، ومع ذلك
يؤمن تلك المعاملة عن الضرر والتلف ، بحيث لم يضرّ في الدين ضررا أصلا ورأسا.
فمع جميع ما
ذكر سأل أنّه : هل يجب عليّ أن أبيع ضيعتي وأبقى ولا شيء لي أصلا؟ مع أنّه لا
ينفع ذلك للأيتام لو لم يضرّهم ، بل احتمال ضررهم في جنب أن لا أبيع ضيعتي وأبقى
أنتفع منها وأتعيّش وأعطي دينهم شيئا فشيئا على حسب ما احتاجوا أقوى وأظهر؟ فأجاب عليهالسلام باختياره ما هو الأولى للمديون والأيتام بلا شبهة.
هذا كلّه ،
مضافا إلى ما ستعرف ، والله يعلم.
__________________
قوله
: ويمكن حملهما على عدم الطلب .. إلى آخره
لا يخفى أنّه
ليس ذلك بحمل ، بل هو الظاهر كما لا يخفى ، ولو سلّمنا عدم الظهور فلا شكّ في عدم
ظهورهما في خلاف ذلك :
أمّا الأولى ، فلا يظهر
طالب فضلا عن المضيّق.
وأمّا الثانية ، فالظاهر أنّ
اقتضاها ما كان على التضييق ، ولهذا بمجرّد أن قال : يأتينا ، خطر فنعطيك ، رضي
بالتأخير والتمس منه عليهالسلام وعدة يأتيه عندها ، فلا يأتي قبلها ، وبمجرّد ما قال عليهالسلام : « كيف أعدك .. إلى آخره » رضي وسكت وصار
عليهالسلام من جملة الّذين خرج من عندهم الدائنون وهم راضون ، لا
من جملة من خرج من عنده الدائن وهو غير راض.
مع أنّه عليهالسلام ورد منه ما ورد بالنسبة إلى مثل هذا المديون وغير ذلك
من التهديدات والتخويفات ، مع أنّه قال تعالى ( أَتَأْمُرُونَ
النّاسَ بِالْبِرِّ ) الآية ، و ( لِمَ تَقُولُونَ ما
لا تَفْعَلُونَ ) الآية ، وعنهم عليهمالسلام أزيد وأشدّ وآكد ، فتأمّل ما سيجيء في آخر الباب.
__________________
مع أنّه حمل
بعض الأصحاب قوله : « يقتضيه » ـ ومعناه أنّه طلب منه قضاء دينه ـ أنّه طلب منه عليهالسلام ما يقضي دينه.
وعلى تقدير أن
يكون ما ذكره خلافا للظاهر ، فوجهه هو ما ذكرناه ممّا ظهر منه عليهالسلام ، ومن غيره من الأئمّة عليهمالسلام أيضا من الخارج ، مضافا إلى ما يظهر من نفس الرواية
ممّا أشرنا إليه ، والله يعلم.
مع أنّ الرجل
إن كان من شيعة جعفر عليهالسلام ، فمعلوم حاله بالنسبة إلى إمامه ، بل يفدي نفسه له
فضلا عن ماله ، وإن كان من أهل السنّة فلزمه أحكامهم كما ورد عنهم عليهمالسلام في أخبار كثيرة ، وليس حكمهم في المقام مطابقا لحكم الشيعة من الأئمة عليهمالسلام ، مع أنّ العامّة أيضا في غاية التعظيم للأئمّة عليهمالسلام ، حتّى خلفاء بني أميّة وبني العبّاس دورانهم ، فتدبّر.
قوله
: ويؤيّده في الاولى [ أنّه قال : « لأيتام » ] .. إلى آخره
.
لا شكّ في ذلك
، لما ذكرنا وما سيجيء في آخر الباب من أنّ عدم رضا الغريم ظلم في كلّ يوم وكلّ
ليلة.
قوله
: لا دليل عليه نصّا خاصّا .. إلى آخره
.
العموم يكفي
للدلالة ، وقد اعترف بوجوده ، فقوله : فيمكن .. إلى آخره ، فيه تأمّل
لا يخفى ، والظاهر أنّ مراده أنّ العمومات لا تكفي لمعارضة ما يظهر من الأخبار
الخاصّة ، والحقّ أنّه لا يظهر منها ما يخالفها ، كما مرّ.
__________________
مع أنّه ورد
الخاص المعارض لهذه الأخبار ، منها رواية سلمة المذكورة في شرح قول المصنّف : تكره الاستدانة ، وسندها
معتبر كما لا يخفى على المتأمّل المطّلع.
قوله
: في بعض الكتب مثل « التذكرة » ، لعموم دليل المنع .. إلى آخره
.
فيه ما فيه ،
لأنّ الإطلاق ينصرف إلى ما هو المتعارف الشائع ، سيّما بعد ملاحظة ما ورد من
التهديد والتشديد ، والتحذير الشديد في عدم أداء الدين ، وعدم إرضاء صاحب الدين ، وغير ذلك
ممّا ورد في حقوق الناس ، ويظهر ذلك من الرؤيا كثيرا ، بل ونهاية شدّة الأمر ،
فلعلّ شدّة الأمر في أداء الدين صارت سببا لعدم اعتبار الفقهاء للعلّة المنصوصة
في حسنة الحلبي المتقدّمة مع عملهم بها في الجارية ، فتأمّل! واقتصروا في بيع
الدار على ما اقتصروا من الخبر على البيع ، مع ما ورد من المنع في موثّقة زرارة وغيرها .
__________________
ويشير إلى عدم
العموم ، أنّ زرارة لم يقل : إنّي لا أخرجه من ظلّ رأسه لأنّه يبيع القدر الّذي لا
يحتاج إليه فيه أو يشتري ظلّ رأسه ويسكن ولا يخرج ، وحسنة الحلبي أظهر في عدم
العموم ، بملاحظة العلّة المنصوصة فيها ، فتدبّر.
قوله
: والظاهر أنّه عمل بها شيخه أيضا ، فتأمّل
.
لا تأمّل في
أنّهما جميعا عملا بهما كما لا يخفى ، والروايتان موافقتان
للعمومات وغيرها.
قوله
: وهما يدلّان على أنّ الضمان ناقل .. إلى آخره
.
بعد تحقّق
الضمان الشرعي بحمل رواية إسحاق على رضا الغرماء ، كما ورد في الخبر الصحيح السابق .
قوله
: ماله الّذي ذهب به منه ذلك الرجل ، قال : نعم ، ولكن لهذا كلام .. إلى
آخره .
استدرك ذلك مع
عدم الوجوب ، ولم يستفصل أنّه هل صيرورته إليه من جهة الأمانة أم لا ، كما أنّ
الأمر في الصحيحة أيضا كذلك ، وترك الاستفصال في المقام يفيد العموم ، إلّا أن
يقال : الخاص مقدّم ، لكونه أقوى دلالة ، فتأمّل.
__________________
الرهن
في عقد الرهن
قوله
: قال في « التذكرة » : الخلاف في [ الاكتفاء بالمعاطاة ] .. إلى آخره .
قد مرّ في كتاب
البيع ما يظهر منه الحال.
قوله
: إنّ الاستقبال إذا فهم منه [ الرضا بالقبول ] .. إلى آخره
.
أو الاستحباب ،
وهذا هو الظاهر.
قوله
: وأنّ دلالة الآية غير ظاهرة ، لكونها بالمفهوم .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
القدر الثابت من الآية هو الرهن المقبوض ، وإن قلنا بعدم حجّية هذا المفهوم ، لكن
هذا المفهوم له ظهور ، لأنّ الحكم يرجع إلى القيد ، فالظاهر من الآية أنّ الرهن
الّذي قرّر وشرّع هو المقبوض ، وهذا القدر من الظهور يكفي للحجّية ، فتأمّل.
__________________
قوله
: فالقيود أيضا كذلك ، ألا ترى [ أنّ السفر غير شرط؟ ] .. إلى آخره .
مفهوم القيد
حجّة قطعا ، لأنّ القيد للاحتراز ، فكيف لا يكون مفهومه حجّة؟! سلّمنا أنّه ليس
مفهوم القيد ، لكن نقول : المنطوق لا عموم فيه ، فإنّ من يقول بعدم حجّية المفهوم
لا يقول بأنّ المنطوق عام ، لأنّه فاسد بالبديهة ، مثلا يقول قوله عليهالسلام : « في السائمة زكاة » لا يدلّ على
أنّ غير السائمة ليس فيها زكاة ، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، فليس هاهنا
إلّا حكم واحد ـ وهو حكم المنطوق خاصّة ـ وهو ثبوت الزكاة في السائمة لا نفيها عن
غيرها ، لكن لا يقول : هذا الحديث يدلّ على ثبوت الزكاة في غير السائمة أيضا ،
لأنّه فاسد ، لعدم الدلالة ، فلا يمكن التعدّي.
فنقول في
المقام : إنّ القدر الثابت هو حكم المنطوق خاصّة ، وهو صحّة رهن المقبوض خاصّة ،
لعدم الدليل على الصحّة سواه ، ولا يثبت منه سوى حكم المنطوق ، وهو لا يشمل غير
المقبوض قطعا ، إلّا أن يقال بأنّ العمومات تدلّ على العموم ، ولا يضرّها هذا
المنطوق.
نعم ، لو كان
المفهوم حجّة ، ونقول بأنّ المفهوم يعارض المنطوق ويخصّصه يكون
الحكم منحصرا ومختصّا بعدم العموم دالّا بالعموم أقوى ، لكن الكلام
في العمومات.
قوله
: والإرشاد يقتضي تمام التوثيق .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الشرعيّة والصحّة إذا ثبتت من هذا الإرشاد ـ كما هو الظاهر ـ
__________________
فمقتضى ظاهرها أنّ الشرعيّة والصحّة تكون بهذه الطريقة ، فتأمّل جدّا.
قوله
: بل وجوده وعدمه سواء ، وقيل : معلوم [ عدم اشتراط ذلك ] .. إلى آخره .
لا يخفى أنّه
فرّق بين الأخذ من الراهن ثمّ الإعطاء إليه يحفظه على سبيل الوكالة والأمانة إن
كان للمرتهن وثوق به في ذلك ، وبين أن لا يقبض منه أصلا ، بأن يكون عند الراهن
باقيا على حاله وكما كان بيده ، إذ ذلك ينافي الاستيثاق غالبا بالنسبة إلى المديون
الّذي لا وثوق لصاحب المال عليه في أدائه ، ولأجل ذلك يأخذ الرهن منه ، فتأمّل.
قوله
: والخبر
ضعيف ،
لأنّه منقول .. إلى آخره .
والّذي ببالي
إنّها مرويّة بسند صحيح أيضا ، فلأجل هذا حكم القائل بضعفه أنّه بسبب اشتراك محمّد بن
قيس خاصّة ، فالخبر صحيح ، لظهور كونه
__________________
البجليّ الثقة .
وأمّا الدلالة
، ففي غاية الظهور ، كما هو غير خفيّ ، ولذا قال الشارح رحمهالله : ( ويمكن تأويله ) .
وفيه ، أنّ
تأويل الحديث غير جائز إلّا عند وجود معارض أقوى ، لأنّه لو لم يكن أقوى فيجوز
التأويل فيه ، فمع تساوي الاحتمالين فالأصل عدم الصحّة وترتّب الأثر ، لأنّ الصحّة
حكم شرعيّ يتوقّف على الثبوت من دليل شرعي ، فالاحتمال لا يكفي ، سيّما مع كونه
قبل العقد غير صحيح قطعا ، فيستصحب حتّى يثبت خلافه.
ولا يخفى أنّ
المعارض هاهنا غير موجود لا المساوي ولا الأقوى ، لأنّ العام والخاص إذا تعارضا
فالخاص مقدّم قطعا ووفاقا ، أمّا عند من يقول بتخصيص الكتاب بالخبر الواحد فظاهر ،
وأمّا عند من لا يقول فغير خفيّ أنّ هذا الخبر معتضد بمفهوم الآية ، والاستصحاب
المذكور اعتضادا يكفي للمقاومة ، فتأمّل!
قوله
: فيدخل تحت نحو ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) و
« المسلمون عند
__________________
شروطهم
»
.. إلى آخره .
لا يخفى أنّ «
المسلمون عند شروطهم » لا يدلّ على الوجوب ، وإلّا لزم تخصيص العام بالقدر الّذي
لا يرضى به المحقّقون ، لخروج الأكثر بمراتب شتّى.
وأمّا ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، فإن جعلنا المعنى أنّ العقد إذا وقع بين متعاقدين يجب
عليهما جميعا الوفاء ـ كما هو الظاهر المتبادر ، وعليه العلماء ـ يخرج منها عقد
الرهن ، لعدم الوجوب عليهما جميعا.
وإن جعلنا وجوب
الوفاء في الجملة ، أعمّ من أن يكون من الطرفين أو من طرف واحد ، فلا يمكن إثبات
العقود اللازمة منها ، لأنّ العام لا يدلّ على الخاص :
أمّا الملازمة
من الطرفين فظاهر ، لأنّ وجوب الوفاء في الجملة لا يقتضي وجوب الوفاء من الطرفين ،
وهو ظاهر.
مع أنّه لو
اقتضى لكان يرجع إلى الشقّ الأوّل من الترديد ، وظهر حاله.
وأمّا اللازم
من طرف واحد خاصّة ، فلأنّه يمكن تحقّق ـ في الجملة ـ في اللازم من الطرفين ،
مضافا إلى أنّ الطرف الواحد غير معيّن أيّهما هو ، فلا بدّ من المعيّن من الخارج.
فالآية بنفسها
لا تفي للدلالة ، مع أنّ العلماء يستدلّون بها نفسها ، بل يستدلّون على اللازم من
الطرفين بلا شبهة ويثبتونه من الآية في جميع اللازمات من الطرفين من غير ضميمة ،
بل ولا يتأتّى الضميمة كما لا يخفى ، فينسدّ باب إثباتها منها ، لو لم نقل باب
إثبات الكلّ ، فتأمّل جدّا.
ثمّ إنّه على
فرض الشمول للرهن خرج بدليل عرفته ، وسيجيء في بحث
__________________
وضع الرهن على يد الأجنبي ما ينبغي أن يلاحظ.
قوله
: والأخبار الصحيحة في جواز الوطء ، والضمان على المرتهن ، وعلى حكم الاختلاف في
الزيادة والنقصان .. إلى آخره
.
لا يخلو ما
ذكره من تأمّل ، لأنّ المستفاد منها جلّا أو كلّا أنّ الرهن عند المرتهن وفي قبضه
، مضافا إلى أنّ المتعارف الغالب القبض ، وعدم الاستيثاق والوثوق وغيره ،
والمطلقات في الأخبار محمولة على الغالب منصرفة إليه ، والسؤال وقع فيها عن أمر
آخر ، مع ظهور القبض ، فوجوب التفصيل محلّ نظر ظاهر ، ولو وجب وجب التفصيل في سائر أحكام الرهن أيضا ، بل في كلّ الأحكام
الشرعيّة لم يتحقّق أمثال هذا التفصيل ، فتأمّل.
قوله
: ويكفي لقبضه قبض فرد من أفراد ما يصدق عليه ، ولا يجب كون المقبوض قبله مشخّصا ،
وهو ظاهر .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الظاهر والمتبادر من الرهن الوارد في الآية والأخبار هو العين ، والتبادر من
المقبوض كونه بنفسه مقبوضا هنا ، لا فرد من أفراد ما يصدق عليه.
وقياسه على
البيع فاسد ، لأنّ الجواز فيه بدليل لا يقتضي الجواز هنا ، للإجماع والأخبار على
جواز بيع الكلّي وشرائه ، مع أنّ القبض ليس شرطا فيه أصلا ، وهو شرط في الرهن على
الأصحّ ، مع أنّ الرهن شرّع للاستيثاق بالنسبة إلى ما في الذمّة ، فكيف يصير ما في
الذمّة وثيقة لما في الذمّة ، مع أنّ المتبادر كون غير ما في الذمّة وثيقة لما في
الذمّة؟! فتأمّل جدّا!
__________________
قوله
: وإن كان أخذ ثمنه جائزا بعد بيعه .. إلى آخره
.
قد مرّ في كتاب
البيع أنّ الوجه حرمة التجاهر ، والدليل عليه أنّ الكافر مكلّف بالفروع عندنا ،
لعموم الأدلّة وخصوصها ، كما كتبناه في « حاشية الوافي » ، خرج منه ما إذا لم
يتجاهروا وباعوا ، فإنّهم يملكون الثمن ، كما أنّهم يملكون المبيع بحسب حكمهم في
مذهبهم ، وأقرّوا على ذلك بالإجماع والأخبار ، فتأمّل.
قوله
: [ وإن ورد رواية دالّة ] على جواز بيع خدمته .. إلى آخره
.
والظاهر أنّه
مجاز في الإجارة لغة وعرفا.
قوله
: لزم عدم صحّة الرهن ، لوجود التدبير قبله ، وعلى تقدير بطلان التدبير بالرهن ..
إلى آخره .
التدبير من
العقود الجائزة إلى أن يتحقّق الموت والعتق ، فعلى تقدير المنافاة يتعيّن الرجوع
عنه وصحّة الرهن ، والرهن إنّما وقع على ذات المدبّر ، لا وصفه وكونه بشرط التدبير
، ولو كان كذلك لكان المنافاة ظاهرة ، لا منفيّة.
وممّا ذكر ظهر
أنّه لا وجه في التأمّل في نفس الصحّة.
قوله
: ولكن اشتراط الثبوت حال الرهن ينفيه ، وإن كان في تحقّقه .. إلى آخره .
إن أراد ثبوت
ما في الذمّة ، ففي الأولى أيضا غير ثابت ، إذ متى كان العين موجودة يكون العين
نفس حقّه ، فالعبرة بالأوّل إلى ما في الذمّة.
نعم ، إن كان
مع وجودها غير ممكن الأخذ يتحقّق للرهن نفع ، بالقياس إلى
__________________
نفس العين ، مع تأمّل في ذلك أيضا ، لأنّ النفع إنّما هو بالنسبة إلى عوض
العين ، مع جريان ذلك في الثانية أيضا ، مع تأمّل في كونه رهنا بالمعنى المصطلح
عليه ، المدلول في الأخبار ، فتأمّل.
قوله
: ولهذا تجد تجويزهم في الدرك على الثمن والمبيع .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الدرك على الثمن والمبيع وأمثالهما لا إشكال فيه أصلا ، ولا شهادة له على ما ذكره
الشارح مطلقا ، لأنّ الحقّ ثابت حين الرهن وإن وقع البيع بشرطه ، على ما قاله
الشارح من أنّ هذه الشروط شروط اللزوم.
قوله
: ولا ينافي تعلّق حقّ الغير به [ كونه في يده ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
هذا الحق هو الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن لغة وعرفا ، ويدلّ عليه الأدلّة
الشرعيّة ، وأنّ الرهانة عقد شرّع للاستيثاق ، فإذا كان المرتهن لا وثوق له في
أداء ماله وطلبه ، ولأجل ذلك يأخذ الرهن ، وبه شرّع له الرهن ، فإذا لم يكن
استيثاق في الرهن أيضا يكون العقد لغوا محضا ، ويكون هذا الرهن محتاجا إلى رهن آخر
واستيثاق ، وهكذا.
وبالجملة ، لا
شبهة في كون حقّ الغير هنا استيثاق ماله ، ولا يتحقّق الاستيثاق إلّا بأن يقبضه من
الراهن أو يدعه عنده على فرض أن يكون له وثوق واعتماد في أنّه يأخذ ماله من الرهن
وإن كان عند الراهن ، والاستيثاق والوثوق لا يتحقّق إلّا بأن يكون عند المرتهن أو
عند الراهن برضاه وتجويزه ، لا بغير رضاه وعدم تجويزه وعدم الرخصة منه ، وإن قلنا
بأنّ القبض ليس بشرط ، لأنّ الاستيثاق شرط قطعا ، بل وبه يتحقّق ماهيّة الرهانة ،
والاستيثاق لا يتحقّق إلّا
__________________
بكونه مقبوضا من الراهن أو مودعا عنده برضا صاحب المال ، كما لا يخفى.
قوله
: وما شرطه أحد على الظاهر ، ويحتمل أن يكون عطفا على الوكالة .. إلى
آخره .
عدم شرطهم
الدوام ليس على ما ذكره ، ولم يجوّزوا أخذ ذلك منه قهرا ، بأن يكون للراهن التسلّط
على أخذ الرهن من المرتهن قهرا بعد أن يكون دقيقة عنده ، لتحقّق شرط الصحّة ، بل
مرادهم أنّ المرتهن لو أعطى وسلّم برضاه ، يجوز ويتحقّق الشرط ، إذ الدوام عنده
ليس بشرط.
قوله
: والظاهر الجواز .
فيه ، ما مرّ ،
فتفطّن.
قوله
: والاستصحاب يقتضيه ، وكونه مالكا .. إلى آخره
.
فساد هذا
الاستصحاب على تقدير اشتراط القبض ظاهر ، بل الاستصحاب ـ حينئذ ـ يقتضي خلاف ما
ذكره ، وأمّا على القول بعدم الاشتراط ، فقد عرفت أنّ الاستيثاق لا يتحقّق إلّا
بأن يكون حفظ الرهن برخصة المرتهن البتّة ، ولم يتأمّل أحد في ذلك.
قوله
: ويحتمل جواز دفنه .. إلى آخره
.
إن كان ممّا
يجوز دفنه.
__________________
في أحكام الرهن
قوله
: ولكن سندهما غير صحيح .. إلى آخره
.
ومع الضعف
يعارضان العمومات والإطلاقات والاستصحاب ، ويخالفان ظاهر الكتاب والمشتهر بين
الأصحاب ، والأصل والقاعدة في صحّة الرهن ، وعموم الوفاء بالعهد والشرط ، وفي
الخبر : « إذا ورد عليكم حديث فاعرضوه على سائر أحكامنا ، فإن وجدتموه يشبهها
وإلّا فاتركوه » ، أو « ليس منّا » وليس المتن ببالي ، وكذا ورد في الأخبار : « ما لم
تجدوا للخبر شاهدا من كتاب الله لا تعملوا به ، والّذي جاءكم أولى » وكذا عموم «
الناس مسلّطون على أموالهم » ، وغير ذلك.
قوله
: وعليه يحمل صحيحة إسحاق بن عمّار .. إلى آخره
.
قلت : وبعد
الحمل يكون إشكال أصل التراد باقيا ، لأنّ حق المرتهن ثابت إلى أن يبرئ ذمّة
الراهن ، فمجرّد اشتغال ذمّته بالرهن أو عوضه لا يبرئ ذمّته ، كما أنّ الأمر في
طرف المرتهن أيضا كذلك ، فإمّا أن يكون ما ذكر صلحا إرشاديّا ـ يعني الأولى
والأصلح بحالهما أن يفعلا كذلك ـ أو يكون محمولا على الأفراد الغالبة من أنّ حق
المرتهن هو الدراهم أو الدنانير ، وأنّ الرهن أمر قيميّ ، وأنّ
__________________
الحقّين مع التساوي يتحقّق [ فيهما ] التقاصّ القهري ، فتأمّل.
أو أنّ التقاصّ
في المقام ثبت من الشرع لكنّه موقوف على وجود القائل ، أو عدم كونه خلاف ما يقول
به الأصحاب ، فتأمّل.
قوله
: لما يظهر من الإجماع على عدم ضمانها .. إلى آخره
.
لا يخفى ما فيه
، فإنّهم إذا قالوا بأعلى القيم في الغاصب ، فكيف يكون الإجماع على عدم ضمان
القيمة السوقيّة؟! وحمل كلامهم على الأعلى بالقياس إلى أجزاء المغصوب أو سنّة ،
ففيه أنّه غير مختصّ بالغاصب ، وصرّحوا بأنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال ، وهذا أيضا
دليل واضح على كون المراد من الأعلى بحسب القيمة السوقيّة.
فمرادهم من
الإجماع ـ إن تمّ ـ هو أن يكون نفس المغصوب موجودا ومردودا بلا تفاوت حصل فيه سوى
القيمة السوقيّة ، مع التأمّل في هذا أيضا ، كما سيجيء.
قوله
: وأمّا المقاصّة من مال الراهن رهنا كان أو غيره .. إلى آخره
.
حمل إطلاق هذا
الكلام على ما إذا اجتمع شرائط المقاصّة بعيد ، فيمكن أن يكون الإطلاق واردا مورد
المتعارف ، فإنّ الرهن ـ بحسب التعارف ـ يكون عند المرتهن ، فإذا احتاج إلى النفقة
والخدمة يعسر على الراهن ارتكابهما في كلّ ساعة ودقيقة ، كما هو الحال في الحمولة
، فمن هذا يكلونهما على المرتهن ، وارتكاب المرتهن إيّاهما بعوض معيّن عن معوّض
عنه معيّن مضبوط لا يزداد ولا ينقص ،
__________________
ويتحقّقان جميعا دائما أيضا يكون عسرا عليهما.
فمن تلك الجهة
يتحقّق التسامح منهما ، سيّما مع كون المنافع تذهب من الراهن ، ويخسر من هذه الجهة
أيضا إن لم يستوفها المرتهن.
وإن كان اللازم
على المرتهن استيفاؤها بالعوض ـ استوفى أم لم يستوف ـ فهو ضرر عظيم على المرتهن.
وإن كان من غير
عوض أصلا ، فهو ضرر عظيم على الراهن.
وإن كان إن
استوفى يعطي المستوفي وإلّا فلا يعطي شيئا أصلا ، فربّما لا يستوفي شيئا مطلقا ومع
ذلك يأخذ عوض النفقة والخدمة مطلقا ، فهو أيضا ضرر عظيم عليه.
وبالجملة ، من
جهة تلك الأمور وغيرها يتحقّق المسامحة في النفقة والانتفاع من المرهون ، ورواية
السكوني أيضا لعلّها وردت كذلك ، وأنّ الأولى والأصلح بحال الطرفين كذلك ، وأنّ
التقاصّ إرشادي كما قلنا فيما سبق ، وأنّه صلح ما استصلاح من حال
الطرفين ، وأمثال ذلك من أمير المؤمنين ، بل الرسول ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ
كثير ، فتأمّل.
قوله
: إن خاف جحودهما خوفا ما ، سواء أمكن له الإثبات عند الحاكم أم لا ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
مجرّد الخوف لا يصير سببا لاستحلال مال امرئ مسلم ومثله ،
__________________
إذ لا يجوز إلّا بطيب نفسه ، بل الظنّ أيضا لا يكفي ، لعدم الدليل على اعتباره ،
بل لدليل العدم ، وهو كثير مسلّم ، فلا بدّ من العلم بالجحود ، بأن يعرض على
الورثة بأنّ لي على مورثكم كذا وكذا ، ويجدّ في المطالبة من غير أن يظهر الرهن
عنده ، فإن علم جحودهم أخذ ممّا في يده.
وأمّا مجرّد
الوهم والخوف والظن فلا ، فلعلّ المورث أوصى بإعطاء دينه وغفل عن الرهن ، أو أوصى
بأنّ من طالبكم بكذا وكذا فأعطوه ، أو أوصى بأنّ كلّ من يطالبكم فأعطوه ، أو أنّ
الورثة يسامحون كما هو الحال في بعض من الورّاث.
وبالجملة ، ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ، ( وَإِنَّ الظَّنَّ لا
يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) .
وفي « القواعد
» صرّح بأنّ جواز الأخذ مع العلم بالجحود ، وهو كذلك كما عرفت.
فإن لم يمكن
الاستعلام ـ مثل أن يكون الوارث صغيرا أو مجنونا أو غائبا ـ فالمسألة لها حكم على
حدة ، وليست ممّا نحن فيه ، لعدم جحود أصلا.
قوله
: إن كان له على الميّت مال ولا بيّنة له [ عليه ] ، فليأخذ ماله ممّا في يده
وليردّ الباقي على الورثة .. إلى آخره .
__________________
يعني : إن كان
يستحقّ من الميّت مالا ولا يمكن الإثبات ، فله أن يأخذ من الرهن من غير ضرورة إلى
دعوى الورثة وإظهار أنّ عنده رهنا ، لأنّه يؤخذ منه الرهن ولا يمكنه الإثبات ،
فيذهب حقّه.
ويمكن حملها
على العلم بعدم إعطاء الورثة وجحودهم ، كما هو الغالب في حال الورّاث أنّهم لا
يعطون إلّا بالثبوت ، وأنّ المورث إن أوصى أوصى بأخذ الرهن أيضا.
أو أنّ هذا
الحكم منه عليهالسلام في مقام لا يعطون إلّا بالبيّنة ، بقرينة قوله : « ولا
بيّنة له عليه » ، فتأمّل!
قوله
: ويمكن الجواز والتأويل ، كما في : « لا بيع إلّا في ما يملك » .. إلى آخره
.
قد عرفت الكلام
فيه في بحث بيع الفضولي ، وأنّه ليس كما ذكره الشارح.
قوله
: بل وردت روايات معتبرة بجواز وطئها للراهن [ إن تمكّن ] .. إلى آخره .
في هذه
الروايات إشكال ، إذ ـ مضافا إلى ما سيجيء عن « التذكرة »
والشيخ ـ أنّه لو كان الوطء حلالا لا مانع منه شرعا فكيف يكون القوم يحولون
ويمنعون ما ليس بممنوع شرعا أصلا؟!
__________________
فإن كانوا من
الشيعة ، فاللازم عليهم عليهمالسلام منعهم عن الحيلولة وإبلاغ الحكم إليهم ومنعهم عن الظلم
، وإن كان حيلولتهم من جهة أنّ الرهن ربّما يصير عليه الضرر ويؤول إليه ، فكيف
يحلّل المعصوم عليهالسلام مطلقا ، مع أنّ الظاهر أنّ الحيلولة من هذه الجهة ، مع
أنّ الظاهر أنّ الوطء يجعلها في معرض الضرر والموت أو نقص القيمة؟! وإن كانوا من
المخالفين ، فمع بعده ، حيث لم يشر الراوي إلى ذلك أصلا ـ مع أنّ الأصحاب متّفقون
على حرمة مالهم كحرمة دمهم ، والأخبار متظافرة في ذلك ـ ربّما يتضمّن خلاف التقيّة البتّة ، لاتّفاقهم على
المنع بحسب الظاهر ، والعلم عند الله وعندهم عليهمالسلام.
قوله
: [ وهذه القاعدة مشهورة في عباراتهم ] ولا نعرف دليلها .. إلى آخره .
قد مرّ الدليل
، وتحقّق الحال .
قوله
: فإذا رضي بالرهن وكونه عند الغاصب صار يده عليه بإذن المالك .. إلى
آخره .
مفروض مسألة
الفقهاء أنّه رهن فقط ، لا أنّه رضا بكونه عند الغاصب وظهر ذلك منه ، ويشهد على
ذلك اتّفاقهم على أنّ الّذي عنده الرهن إن كان عادلا وقع تراضي الراهن والمرتهن ومشارطتهما على كون
الرهن بقبضه ، [ فإن ]
__________________
خرج فاسقا أو متعدّيا في الرهن ، أو ظهر عداوته يخرج عن يده ولا يترك عنده
، وفي المقام علّلوا بعدم المنافاة بين الرهن والضمان ، ولذا لو تعدّى في الرهن لم
يخرج عن الرهانة وإن كان ضامنا ، فتأمّل.
قوله
: ويحتمل أن يرفع إلى الحاكم .. إلى آخره
.
لا وجه لهذا
الاحتمال أصلا ، بناء على عدم تصرّفه بغير إذن المرتهن مطلقا ، كما لا يخفى.
قوله
: والدلالة أيضا غير واضحة ، لكن لا يضرّ .. إلى آخره
.
الدلالة ظاهرة
، بل واضحة كما لا يخفى على المتأمّل ، والسند منجبر بعمل الأصحاب ، بل الإجماع ،
مضافا إلى ما ذكره من أنّ الزرع نماء الحب ، فلا وجه للمناقشة ثمّ القول بأنّه لا يضرّ .. إلى
آخره.
قوله
: فيحتمل كون مقدار الحب [ من الزرع رهنا ] .. إلى آخره
.
هذا بعيد ،
مخالف للقاعدة ، لا مناسبة بينه وبين صورة المزج.
قوله
: لو اتّفقا على رجوع المرتهن عن الإذن للراهن .. إلى آخره
.
مقتضى ذلك أنّ
مجرّد الإذن في البيع ليس فسخا للرهانة وإسقاط حق فيها ، لا في العين ولا في العوض
، ومنشؤه عدم الدلالة الالتزاميّة أيضا ، بخلاف ما إذا وقع البيع ، فإنّ الرهن خرج
عن ملك الراهن فلا يصلح لكونه رهنا ، وعوضه لم يكن رهنا.
__________________
لكن يمكن أن
يقال : الرخصة في البيع إن دلّ بحسب العرف على إسقاط حقّ العين ، فبمجرّد الرخصة
يسقط ، وإن لم يدلّ فلم لا يجوز أن يكون المبيع رهنا وإن انتقل إلى الغير؟! لعدم
المنافاة ، ولأنّ مال الغير يصحّ أن يصير رهنا ابتداء ، فبعد ما صار رهنا بطريق
أولى ، فتأمّل جدّا.
قوله
: وأنّ الأصل عدم البيع قبل الرجوع
.
هذا الأصل لم
نجد له أصلا ، لأنّ كلّ واحد من البيع والرجوع أمر حادث يجوز تأخّر كلّ منهما عن
الآخر ، فتعارضا وتساقطا ، ولم يتحقّق فيهما استصحاب ، وأمّا الرهانة ، فالأصل بقاؤها.
ويمكن أن يقال
: الأصل بقاء الإذن أيضا إلى أن يتحقّق المزيل ولم يتحقّق إلّا بعد البيع ، إذ
قبله مشكوك فيه ، وبقاء الإذن وإن اقتضى تقديم البيع على الرجوع ، إلّا أنّ بقاء
الرهانة اقتضى عكسه ، فهاهنا استصحابان تعارضا.
إلّا أن يقال :
استصحاب بقاء الإذن وارد على استصحاب بقاء الرهانة ، فيترجّح الثاني ، لثبوت خلاف
الرهانة بالاستصحاب الطارئ.
لكن في كون
الطارئ قاطعا للسابق محلّ كلام ، والتحقيق في الأصول.
مع أنّ استصحاب
الرهانة استصحاب في موضوع الحكم الشرعي الّذي ليس محلّ تأمّل المحقّقين أصلا حتّى
الأخباريّين ، بخلاف استصحاب الإذن ، فإنّه محلّ كلام ، والتحقيق في الأصول .
قوله
: وأيضا ، الأصل صحّة البيع .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
هذا الأصل لا يتمشّى كلّيا ، إذ لو باع أحد مال شخص بادّعاء
__________________
الوكالة والرخصة ، والشخص منكر ، فلا شكّ في أنّ الأصل معه ، وإلّا لزم أن
يكون تصرّف كلّ أحد في مال غيره صحيحا وإن أنكر الغير الإذن في التصرّف ، بل في
المقام لو باع الراهن الرهن بمحض ادّعاء الإذن وأخرجه عن الرهانة والمرتهن ينكر
الإذن مطلقا ، فلا شكّ في كون الأصل مع المرتهن.
فالعبرة إنّما
تكون باستصحاب بقاء الإذن ، لا أنّ الأصل صحّته. نعم ، لو قال : أذنت في البيع
الفاسد ، أو قال : أوقعت الفاسد وأنا أذنت في الصحيح ، يكون الأصل الصحّة.
قوله
: [ مثل صحيحة محمد بن مسلم ] ، فلا يلتفت إلى ما
يخالفها مع الضعف .
رواية عبّاد بن
صهيب ـ على ما هو
ببالي ـ صحيحة ، لأنّ ابن صهيب ثقة ، والضعيف هو ابن كثير ، فالشيخ لعلّه وقع منه
الاشتباه ، بل الظاهر أنّه كذلك ، حيث حكم بضعف ابن صهيب ، وقد
حقّقناه في الرجال .
قوله
: مع أنّ الفرق حاصل ، لأنّه أخذ عوضا عن الدين .. إلى آخره
.
ومن هذا ظهر
أنّ كلّما أخذ من صاحب المال بإذنه لا يصير أمانة مالكيّة كما ادّعاه الشارح في
مواضع متعدّدة ، واعترض على الفقهاء حيث حكموا بضمان
__________________
الآخذ مثل ما قال في المأخوذ للمساومة والمقبوض بالبيع الفاسد وغيرهما .
قوله
: [ ويمكن أن يعتذر بأنّ الكلام ] مع عدم الإسقاط .. إلى آخره
.
مع أنّ الراهن
أقرّ بأنّ عنده رهن المرتهن ، و « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ، فلا يمكنه
التصرّف فيه إلّا بعد أداء حقّ المرتهن ، والمرتهن ما أسقط ، لما ذكره الشارح ،
فتأمّل.
__________________
الحجر
في أسباب الحجر
قوله
: [ وأمّا عن جميع التصرّفات ] ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه .. إلى آخره
.
هذا يخالف ما
سيذكر من عموم المنع بالكتاب والسنّة ، بل الإجماع.
قوله
: ويؤيّده عموم أدلّة الوصيّة
، فيخصّص بها ما يدلّ
على عدم جواز تصرّف الغلام .. إلى آخره
.
لا يخلو من
تأمّل ، فإنّ العامّين إذا تعارضا من وجه فلا بدّ ـ للحكم بتخصيص أحدهما بالآخر ـ
من مرجّح ومؤيّد ، والتأييد بالصحيحة يوجب الدور ، فتأمّل.
قوله
: بموسى بن بكر .. إلى آخره .
موسى بن بكر
قويّ ،
__________________
كما ذكرناه في الرجال .
قوله
: فقال في « التذكرة » : هو مختصّ بشعر العانة الخشن .. إلى آخره
.
ووافقه الشهيد
في « المسالك » ، بل قال : ( لا عبرة بشعر غير العانة عندنا ، وإن كان الأغلب
تأخّره عن البلوغ ، إذ لم يثبت كون ذلك دليلا شرعا ، خلافا لبعض العامّة ) .
أقول : رواية
يزيد الكناسي تدلّ على اعتبار شعر الوجه ، حيث قال عليهالسلام فيها : « أو شعر في وجهه أو نبت في عانته قبل ذلك » ، ولذا استقرب
في « التحرير » كون نبات اللحية دليلا ، وكذا هو في « الروضة » مع إلحاقه
اخضرار الشارب أيضا ، وهو رحمهالله اعترف بأنّ الأغلب تأخّره ، وظاهر أنّ الأغلب هنا هو
مقتضى العادة لا مجرّد الأكثرية ، فتأمّل جدّا.
قوله
: والمشهور بين علمائنا أنّه يبلغ الذكر [ بإكمال خمس عشرة سنة ] .. إلى
آخره .
بل قال في «
المسالك » : ( بل كاد أن يكون إجماعا ) ، والمستفاد من كلام المقداد رحمهالله في « كنز العرفان » أنّه إجماعي وأنّه من شعار الشيعة
والشافعيّة ،
__________________
وسنشير إلى ما يؤيّده ، فلاحظ وتأمّل.
ومن هذا يظهر
أنّ ما دلّ على خلافه وارد على التقيّة ، لاتّفاق الشيعة وكونه من شعارهم ، وكون
الشافعيّة في غالب الفتاوي موافقين للشيعة كما لا يخفى على المطّلع ، ولما حقّق في
موضعه من أنّ التقيّة إنّما تكون من المذهب المتداول في ذلك الزمان ، ومعلوم أنّ
الشافعي وجد في زمان الكاظم عليهالسلام واشتهر مذهبه بعد زمانه بمدّة ، وأيضا ورد عن الصادق :
« إنّ أصحاب أبي كانوا يأتون أبي غير شاكّين فكان يفتهم بمرّ الحقّ ، وإنّ أصحابي
يأتوني شكّا فافتيهم بالتقيّة .. » .
والروايتان
اللتان ذكرنا دليلا للمشهور ، هما عن الباقر عليهالسلام .
وأيضا ، الباقر
عليهالسلام ما كان يتّقي من وجوه أخر :
منها ، أنّ بني
أميّة وبني العبّاس كانوا مشغولين بأنفسهم في المحاربة ، وأوائل زمان الصادق عليهالسلام أيضا كان كذلك ، إلّا أنّ أواخره صار دولة بني العبّاس
بلا محاربة ، وزمان المنصور اشتدّت التقيّة ، لما ذكر في محلّه.
ومنها ، أنّ
العامّة كانوا يقولون : فتاويه مأخوذة عن جابر ، عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومنها ، أنّ
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أبلغ إليه السلام ، وصرّح بأنّه باقر العلوم .
ومنها ، أنّه
ما ظهر مذهب الشيعة ، والعامّة كانوا في غاية الاختلاف في
__________________
الفتاوي ، وما كان العصبيّة ومذهب أهل السنّة مشتدّة.
ومنها ، غير
ذلك.
ومن الشواهد ،
أنّ الصادق عليهالسلام أيضا وافق الباقر عليهالسلام في الخبر الصحيح ، من دون عكس .
هذا كلّه ،
مضافا إلى أنّ الكتاب والسنّة المتواترة والإجماعات المنقولة الكثيرة ، بل الإجماع
اليقيني بلا شبهة ، والاستصحاب وأصل براءة الذمّة ، مقتضاها عدم التكليف حتّى
يتحقّق العلم واليقين بالتكليف ، ووافق الجميع العقل ، فتدبّر!
قوله
: والدليل عليه أنّ الأصل والاستصحاب .. إلى آخره
.
الأصل هو أصالة
البراءة ، والاستصحاب متعدّد ، وهو استصحاب عدم البلوغ ، واستصحاب عدم التكليف ،
واستصحاب عدم صحّة العقود والإيقاعات.
قوله
: ويؤيّده بعض الأخبار ، مثل : ضعيفة حمران الممدوح .. إلى آخره
.
النجاشي نقل
ضعفه عن ابن نوح
وأسنده إليه ، ثمّ ذكر أنّ ( له كتابا يرويه جماعة .. إلى آخره ) ، وذكر أنّ الحسن
بن محبوب ممّن يرويه ، والحسن لعلّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ
عنهم .
__________________
وفي كلام «
النجاشي » إشارة إلى تأمّل منه في ضعفه ، وأنّ كتابه معتمد معتبر ، والظاهر أنّ
هذه الأخبار من كتابه هذا.
والظاهر أنّ
موضع حمران حمزة ابنه ، وفي نسخة الشارح وقع سقط .
وحمزة أيضا
ذكرنا له أسبابا كثيرة للاعتداد بقوله في التعليقة .
قوله
: وعدم توثيق حمران .. إلى آخره
.
مدحه كالتوثيق.
قوله
: وبريد مجهول .
ذكر الدار قطني
إنّه شيخ من شيوخ الشيعة ، ويروي عن الباقر والصادق عليهماالسلام ، بل لا يبعد اتّحاده مع أبي خالد القمّاط الثقة ، وإن
ذكرهما الشيخ في رجاله ، كما لا يخفى على من لاحظ طريقته فيه ، ويروي عنه
الأجلّة مثل : هشام بن سالم ، وأبي أيّوب الخزّاز .
قوله
: وهذه أيضا ضعيفة ، مع عدم الدلالة فيها
.
الضعف منجبر
بالشهرة على تقدير تسليم الضعف وعدم كون الشهرة إجماعا ، فإنّ الضعيف ينجبر
بالشهرة ، سيّما الّتي كادت أن تكون إجماعا.
__________________
والدلالة ظاهرة
واضحة ، سيّما في الرواية الأولى ، وأمّا الرواية الثانية ، فبملاحظة ما
سيجيء من صحيحة معاوية وما تتضمّنه ، وما سيذكر فيها ، فلاحظ!.
وأمّا الإكمال
، فلعلّه هو الظاهر أيضا ، لأنّ خمس عشرة سنة ظاهر في الكامل ، بل لا تأمّل فيه ،
والظاهر من البلوغ هو الإدراك ، ولذا فهم المشهور ، وفهمهم قرينة ومؤيّد ، فتأمّل.
قوله
: وبالجملة ، ما رأيت خبرا صحيحا صريحا في الدلالة [ على خمسة عشر سنة ] .. إلى
آخره .
صحيحة معاوية
الآتية واضحة الدلالة في عدم تحقّق البلوغ قبل خمس عشرة سنة لا غبار عليها ، كما
ستعرف.
قوله
: فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على ضرب من الاستحباب والندب .. إلى
آخره .
الحكم بمجرّد
هذا بكونه مذهبه مشكل إذا كان مخالفا لما ذهب إليه في كتب فتاويه ، وسيّما إذا لم
يتعرّض له في كتابه « الخلاف » ، بل الحكم بمجرّد هذا مشكل وإن لم يفت بخلافه في كتب
فتاويه ، فإنّ الظاهر منه أنّ ما ذكره لمجرّد الجمع
__________________
ورفع التعارض ، لا أنّه فتواه أيضا ، كما لا يخفى على المتتبّع المتأمّل ،
ولذا قال بعض الفقهاء : إنّ مذهبه في كتابه غير ظاهر من مجرّد ما ذكره في الجمع ، فتأمّل.
مع أنّ كون
وجوب الصلاة بلوغا أيضا محلّ تأمّل ، سيّما مع تصريح الشيخ فيهما بأنّ الوجوب
عندنا على ضربين ، ضرب على تاركه العقاب ، ومقتضى ظاهر الآية والسنّة أنّه لا يحصل إلّا بالحلم
، خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ، وعموم أدلّة التكليف مخصّص بالبالغ العاقل
إجماعا ، إذ لا تأمّل لأحد من المسلمين أنّ غير البالغ العاقل إجماعا ، إذ لا
تأمّل لأحد من المسلمين أنّ غير البالغ غير داخل فيه ، فالمشكوك فيه لا دليل على
إلحاقه بالعام ، فتأمّل.
ويظهر من كلام
الشارح فيما سيأتي في بلوغ الأنثى أنّ بلوغها بتسع سنين ، ولا تأمّل فيه ، بل
وأنّه إجماعي ، وهذا شاهد على ما ذكرناه من أنّه ليس مذهب الشيخ.
قوله
: [ ومعارض ] بعموم أدلّة التكليف
.
عموم أدلّة
التكليف بمخصّص بالمكلّفين بالنصوص والإجماع ، بل الضرورة من الدين ، فلا بدّ من
ثبوت كونه مكلّفا حتّى يثبت الدخول ، مع أنّ عموم ما دلّ على رفع القلم عن غير
المكلّف شامل ، خرج منه ما اتّفق على إخراجه أو دلّ دليل.
وهذا أولى ممّا
ذكره ، لأنّ الأصل براءة الذمّة حتّى يثبت شغل الذمّة ، لا أنّ
__________________
الأصل شغل الذمّة حتّى يثبت البراءة ، فتأمّل.
قوله
: فخرج منها ما اتّفق على إخراجه .. إلى آخره
.
سيجيء من
الشارح في مسألة الخنثى المشكل ما يخالف ما ذكره هنا ، فلاحظ!.
قوله
: في « التهذيب » و « الاستبصار » و « الفقيه » ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام في كم يؤخذ الصبيّ
بالصيام؟ قال : فيما بين خمس عشرة سنة .. » .. إلى آخره
.
الرواية هكذا :
« فقال : ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة ، فإن هو صام
قبل ذلك فدعه ، ولقد صام » الحديث.
هذه الرواية
تنادي بأنّ الصبيّ لا يجب عليه الصيام قبل خمسة عشر سنة ، إذ ظاهر منها أنّه لا
يؤخذ بفعل الصوم قبل أربعة عشر أو خمسة عشر ، وكلمة « أو » تفيد التخيير ، فهي
صريحة في أنّ أخذه به قبل خمسة عشر ليس على سبيل اللزوم والتعيين ، وأنّه يجوز عدم
أخذه به قبل خمسة عشر ، ولا حرج في ذلك ولا مانع له.
والوجوب
التخييري لا معنى له قطعا ، ولم يقل به أحد ، بل هو خلاف
__________________
ضروري الدين ، فتعيّن كون المراد تفاوت مرتبة الأخذ في الأربعة عشر والخمسة
عشر ، فتدبّر.
قوله
: وبذلك يمكن الجمع بين الأخبار ، ويحتمل الشروع بالأربع عشرة
وإكمال
ثلاث عشرة .. إلى آخره .
فيه ما فيه ،
وكذا في قوله : ( ويحتمل .. إلى آخره ) ، ولعلّه بناء على كون رواية عبد الله صحيحة ، وفيه
تأمّل ظاهر ، وبعد التسليم بكون مثلها يقاوم ويرجّح على المنجبر بعمل الأصحاب محلّ
تأمّل ، سيّما ولم يظهر بعد عامل بها ، إذ ما نقله عن الشيخ قد عرفت
التأمّل فيه.
وعلى تقدير أن
يكون مذهبه فيهما ، فرجوعه عنه يضعفه ويخرجه عن الاعتبار ، لأنّه لو لم يظهر عليه
فساده لم يرجع عنه ، فتأمّل.
وممّا يضعف
معارضتها لصحيحة ابن وهب .
وما ذكره من
الجمع بعيد أيضا ، بل ولا يكاد يصحّ ، كما لا يخفى على المتأمّل.
قوله
: وكثرة الأخبار ، وصراحة الدلالة .. إلى آخره
.
وإن كانت كثيرة
، إلّا أنّها متعارضة ، بل وبعضها يشمل الأنثى أيضا ،
__________________
والشارح لا يقول به ، ويظهر منه قبوله الإجماع على التسع فيها ، والتعارض
يضعف الدلالة.
ولو سلّم ما
ذكره من الصراحة ، فلازم ذلك سقوط الكلّ عن درجة الاعتبار ، لعدم إمكان الجمع معتدّا
به ، إلّا أن يقول بتعيّن العمل برواية الوشّاء للأوفقية
بعمومات التكاليف.
وفيه ـ مضافا
إلى ما سبق ـ أنّ غيرها أصحّ منها قطعا ، وأوفق بالاستصحاب وفتاوي الأصحاب ، لو لم
نقل بالإجماع ، بل الصحيح غير مناف لفتاوي الأصحاب ، لأنّ الأخذ بالصوم لا يستلزم
الوجوب الشرعي ، بل الاختلاف يؤيّد ويعيّن الفتاوي بأنّ البناء على تفاوت مرتبة
الاستحباب والطلب ، فتأمّل.
وسيجيء من
الشارح في الخنثى المشكل أنّ الأصل عدم البلوغ وعدم التكليف ويدّعي أنّه ظاهر ، وهذا يؤيّد
الفتاوي ويعيّنه ، ويخالف ما ذكره من أنّ العمومات الدالّة على التكليفات شاملة
للكلّ إلّا ما خرج بدليل ، فتفطّن.
وممّا يضعف
العمل بهذه الأخبار أنّ الناقلين لها أبصر بحالها منّا قطعا ، إذ لا اطّلاع لنا
بحالها أصلا إلّا من قولهم ، وهم اتّفقوا على الفتوى بخلافها ، ويشهد هذا على صحّة
دعوى الإجماع ، وكون هذه الأخبار على التقيّة ، كما أشرنا سابقا ، فتأمّل.
قوله
: وأن ليس خامس عشر بواقع في كتاب ، ولا سنّة معتبرة ، ولا
__________________
إجماع
.. إلى آخره .
فيه ، ما عرفت
، ويظهر من كلامه اعترافه بما ادّعيناه من الظهور من لفظ : بلغ خمس عشرة ، فيسقط
ما ذكره ، لما عرفت من أنّ الحجّة هو الخبر الّذي أفتوا به ، لا الّذي لم يظهر لنا
مفت بمضمونه ولو كان فشاذّ من الأصحاب ، مع أنّه رجع عنه في جميع كتب فتاويه ،
لأنّ كتب فتاويه بعد كتابي الأخبار صنّفها ، فتأمّل.
قوله
: وقد مرّ ما يدلّ على الأوّل في الآيات والأخبار ، ويمكن فهم الثاني من الأخبار
المتقدّمة .. إلى آخره .
لا دلالة في الآيات
وما ذكر من الأخبار على كون الاحتلام دليلا للأنثى أيضا ، كما لا يخفى ، وأمّا فهم
الثاني فأضعف ، فالمعتبر هو الإجماع.
وأمّا السنّ ،
فالظاهر أنّ حاله وحال السنّ في الذكور واحد بحسب الفتاوي والأخبار ، فتأمّل.
قوله
: وهو ظاهر ، وقد يقال : يعلم بحصول المني من فرج الذكور مع بلوغ التسع .. إلى
آخره .
هذا يشهد على
ما ذكرناه من أنّ العمومات والتكاليف مخصّصة بالبالغين ، وثبوت البلوغ لا بدّ منه
، والشكّ لا يكفي ، ولا دليل على إلحاق المشكوك فيه بالعام ، فلاحظ.
قوله
: ولكن غير معلوم كون ذلك قولا لعلمائنا .. إلى آخره
.
الظاهر ، أنّهم
اعتبروا الخروج عن الموضع المعتاد للحكم بالبلوغ ، بل
__________________
صرّح في « القواعد » بذلك ، فعلى هذا لا يكفي مجرّد الخروج حتّى يعلم كونه من
المعتاد ، ولذا لم يقل أحد منهم ، بما ذكره الشارح.
نعم ، ما ذكره
بقوله : ( وقد يقال ) وجيه ، ولعلّهم لا يأبون عنه ، بل ربّما يرضون ، ووجهه
ظاهر ، وكذا وجه اعتبارهم الاعتياد في الموضع ، لأنّ المطلقات محمولة على الأفراد
المتعارفة ، كالبول والغائط وأمثالهما ، فلا دليل على أنّ المني بأيّ وجه يخرج
يوجب البلوغ ، ويؤيّده ما ورد من أنّ غسل الميّت لأجل خروج المني الّذي يكون منه .
قوله
: وأنّه ما نقل في الروايات وفعل العلماء وأقوالهم .. إلى آخره
.
بل الظاهر أنّ
المدار في الأعصار والأمصار كان على مجرّد حفظ المال وعدم الإفساد ، وإن لم يكونوا
عدولا ، وما كانوا يحجرون الفسّاق وغير العادلين ومن لم يثبت عدالته ، بلا تأمّل.
قوله
: [ والرواية ـ على تقدير الصحّة ـ ] محمولة على أمور .. إلى آخره .
مع أنّ الإطلاق
أعمّ من الحقيقة ، والمجاز أغلب.
قوله
: قال في « مجمع البيان » : وليس ذلك مخصوصا بهم ، بل كلّ مؤمن يفعل ذلك .. إلى
آخره .
الّذي ببالي ،
أنّه ورد في أخبارنا منعنا عمّا فعل أمير المؤمنين عليهالسلام ، بل أمرونا
__________________
برفع احتياج العيال أوّلا ثمّ التصدّق ، ولا بأن يعطي الجميع ، ووجهه ظاهر ، إذ نفوس عياله عليهالسلام كانت في أعلى درجات القوّة ، بخلاف نفوسنا ، فضلا عن
نفوس العيال ، والله يعلم.
لكن لو فعل ذلك
أحد منّا باعتقاد حسنه بالنسبة إليه أيضا ، أو اقتداء بأمير المؤمنين عليهالسلام ، لم يصر بذلك سفيها بلا شبهة.
قوله
: وأنّ الظاهر صحّة المعاملات والتصرّفات الّتي وقع في حال الاختبار .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
لفظ الاختبار لا يدلّ على الصحّة ، بل ربّما كان ظاهرا في عدم الصحّة إن كان
المعامل هو الطفل بنفسه ومستقلّا ، لا بنظر الولي وعند حضوره واختياره الإجراء ،
لأنّ معنى الابتلاء امتحانه في أنّه يفسد أو يصلح ، فإن أفسد فلا يكون صحيحة
البتّة ، فلا بدّ من ملاحظة أموره ووقوعها بنظر الولي ، فيكون هو المعامل حقيقة ،
فيكون صحيحة قطعا.
وكما أنّ
البلوغ شرط ، فكذلك الرشد أيضا ، وبعد العلم بالرشد لعلّه حصل عند العلم أو قبيله
، مع أنّ الظاهر عدم الصحّة قبل استئناس الرشد والصحّة بعده ، لا بعد الرشد ،
فتأمّل جدّا.
قوله
: ولا يعارض ذلك بأصل الصحّة وعدم الفساد ، لكثرته ، ولأنّه قد يمنع كون الصحّة
أصلا .. إلى آخره .
لأنّ الّذي
يقول به الفقهاء
__________________
ويظهر من الأخبار صحّة تصرّفات المسلم ، ولم يعلم ولا يظنّ كونه حين التصرّف مسلما ، بل يظنّ
خلافه ، للاستصحاب.
نعم ، الراجح
في النظر أنّ من باع شيئا وماكس واعتبر شرائط البيع والصيغة وأركانه كونه عاقلا ،
إلّا أن يدّعى عدم تحقّق الأمور المذكورة ، فحينئذ يكون منكرا لتحقّقه ، فالأصل
معه جزما ، وإن سلّم تحقّقه لكن منع تحقّق الشرائط المعتبرة ، فحينئذ يصحّ أن يقال
: الأصل الصحّة.
وبالجملة ، فرق
بين إنكار ماهيّة البيع أو إنكار صحّته بعد الاعتراف بتحقّق ماهيّته ، إذ في
الأوّل ينكر نفس التحقّق ولا تأمّل في أنّ الأصل معه ، دون الثاني ، إذ فيه تأمّل
أشير إليه.
قوله
: [ إذ قد يسامح ] في ماله دون مال غيره ، وكذا في ماله .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
هذا فرع الرشد ، وغير الرشيد لا يميّز ذلك ، وإن كان يدري أنّه لا بدّ من عدم
المسامحة ، ويعرف عدمها فهو رشيد ، إذ يعرف ـ حينئذ ـ أنّه لا بدّ من عدم المسامحة
في ماله أيضا ، لكونها ممنوعا عنها إلّا أن تكون المسامحة لغرض شرعيّ فلا يكون ـ
إذن ـ سفاهة.
قوله
: فالظاهر العوض ، بناء على قوانينهم ، فافهم
.
لا يخلو عن
إشكال ، فإنّه إن سلّطه على إتلاف ماله مجّانا فلا يستحقّ العوض ، وإن سلّطه على
الإتلاف بعوض ، فأيّ قاعدة أو دليل صحّح ذلك وأبطل معاملته وأخذ العوض عنه بها.
نعم ، إن أتلف
السفيه بنفسه من غير تسليط من المالك يلزم الولي إعطاء
__________________
العوض من ماله ، لأنّه أتلفه ، كما أنّ المجنون لو أتلفه يكون كذلك ، ولا
يصير هذا منشأ ، لأنّه لو سلّطه على إتلاف ماله بالعوض [ له ] أن يأخذ العوض ،
وبلا عوض أن لا يأخذ أصلا ، فتأمّل.
قوله
: بين القول بأنّه يملك أم لا .. إلى آخره
.
الحجّة إنّما
هو على القول بالمالكيّة ، وإلّا فجميع الناس محجورون في مال غيرهم ، إلّا مع
الإذن المالكي أو الشرعي ، إذ « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » .
قوله
: ولا نعلم ذلك ، والحكم غير واضح فيما يملكه ـ على تقدير القول بأنّه مالك ـ وهو
الظاهر ، كما مرّ .. إلى آخره
.
الدليل ـ بعد
الإجماع ـ هو الآية ، قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) ، لكون شَيْءٍ نكرة في سياق النفي ، فتفيد العموم بلا
تأمّل.
ويدلّ عليه
الأخبار أيضا ، [ و ] سنشير إليها في الجملة في كتاب الإجارة ، فلاحظ.
قوله
: ودليله أخبار كثيرة مع الشهرة العظيمة .. إلى آخره
.
وخلاف والد
الصدوق شاذّ ضعيف كمستنده .
__________________
قوله
: وسيجيء عدم التوقّف ، فإن كانت حجّة لا بأس بالعمل بها .. إلى آخره .
مضمون الرواية ليس إلّا أنّه
لا يحاصّه الغرماء ، وقبل الحجر لا محاصّة ، بل الاختيار بيد المفلّس يفعل ما يشاء
، وليس للغرماء منعه من شيء من التصرّفات ـ كما قال الآن ـ ويظهر منهم أنّه مسلّم
عندهم ، فتأمّل.
وسيجيء أنّ
هذه الرواية خصّت بالمحجور بالفلس ، بالإجماع والإشعار الّذي فيها ، فلاحظ.
قوله
: ثمّ إنّ الظاهر زوال الحجر بالأداء لزوال سببه ، فانّ سببه
هو الدين
والمطالبة ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الحاكم إن كان حجره عن التصرّف في ماله الموجود خاصّة ، فبعد قسمته بين الغرماء
وعدم بقائه لا معنى لبقاء الحجر ، لانحصاره في مال مخصوص ، كما سيجيء.
نعم ، إن كان
حجره كلّية ، يكون الأمر كما ذكره الشارح ، ومع ذلك يقول : إن كان حجره إلى أن
يؤدّي الديون ، فلا معنى لبقاء حجره ، لأنّه مقيّدا بقيد مغيّى بغاية.
__________________
وإن كان حجره
مطلقا ـ أي أعمّ من أن يكون أدّى ديونه أم لا ـ فلا نسلّم جواز حجره كذلك ، لعدم
الدليل ، بل دليل العدم ، لأنّ الحجر ليس حقّه بل حقّ الغرماء خاصّة ، كما مرّ
وسيجيء.
وإن كان حجره
مطلقا ـ أي غير مقيّد بالعموم ولا الخصوص ـ فلا نسلّم صحّة رجوعه إلى العموم الّذي
يشمل ما بعد أداء الديون ، لما عرفت ، ولما سيجيء أيضا.
في أحكام السفيه
والمفلّس
أوّلا : السفيه :
قوله
: وتسلّط الناس على أموالهم عقلا ونقلا ، وشمول أدلّة التصرّفات ، تصرّفاته الّتي
فعلها
في زمان
سفهه .. إلى آخره .
حكم العقل
بصحّة تصرّفات السفهاء وجوازها مشكل ، لو لم نقل بحكمه بخلافه ، لأنّ السفيه من
يفسد ماله ، أو لا يؤمن من الإفساد.
وأمّا النقل ، فلا يثبت من
العموم إلّا نفس التسلّط ، لا صحّة تصرّفاته ، مع أنّ الأصل عدم الصحّة ، لما عرفت
مرارا ، مع أنّه بملاحظة ما دلّ على عدم تسلّط السفيه ، مثل ( لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ ) ، ومثل قوله تعالى أيضا :
__________________
( فَإِنْ كانَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) ، وغير ذلك.
والحديث الوارد
في منع معاملة السفيه في شارب الخمر ، وغير ذلك مثل « لا ضرر ولا ضرار » ، يظهر خروج
السفيه ، لأنّه إذا ورد عامّ وخاصّ متنافيا الظاهر فالخاصّ مقدّم.
فالفرق بين
السفيهين لا يظهر من الأدلّة العقليّة والنقليّة ، بل الظاهر منهما عدمه ، بل
تنقيح المناط يقتضي عدم الفرق لو كان الأدلّة مخصوصة بالسفيه المتّصل ، للقطع بأنّ
المنشأ سفاهته وإفساده للمال.
مع أنّ ما ذكره
لو تمّ لاقتضى أنّ كلّ سفيه يكون حجره بحكم الحاكم ، إذ لا خصوصيّة لشيء ممّا
ذكره بالسفه المنفصل سوى ما ذكر فيما فهم من شرح الشهيد ، والشارح لا
يعتني بمثل ذلك ، مع أنّ باقي ما ذكره ـ وهو العمدة ـ مشترك ، مع أنّه لو لم نقل
بانحصار العمدة فيه أيضا يلزم المفسدة المذكورة.
على أنّه لو
تمّ ما ذكره يلزم عدم جواز الحجر عليه ، لأنّ الحاكم ما يمكن أن يحجر إلّا بسبب
وداع شرعيّ ، وجميع ما ذكره موانع شرعيّة عن الحجر ، ولا داعي إلّا إفساده المال ،
وهو مع جميع ما ذكره موجود غير مؤثّر ولا مانع ولا معارض ، فكيف يمكن للحاكم أن
يجعله معارضا للكلّ ، بحيث يترجّح على الكلّ ويغلب؟! فتدبّر.
على أنّه رحمهالله اختار أنّ العامل مع السفيه يأخذ عوضه بعد التلف ،
__________________
ومعلوم أنّه يأخذ عينه بعد الوجود ، وقال : هذا مقتضى القوانين ، فتأمّل
جدّا.
على أنّ
السفاهة إن كانت عليه لحجر الحاكم ، فاللازم عليه حجره ، فيلزم من حجره الحرج
والمفاسد الّتي ذكرها ، إذ لا معنى لأنّ الحاكم يحجر بمجرّد الاشتهار بسفه ، سيّما بعد
ما ذكره من أسباب عدم الحجر.
وإن كان
السفاهة الشديدة تصير سببا لحجره ، فمع أنّه خلاف الفتوى ينقل الكلام إليها.
قوله
: وبالجملة ، التنزّه عنه متعسّر جدّا ، فإنّه لو لم يعامل السفيه فإنّه يعامل من
يعامله ، ويصعب ذلك أيضا .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
جميع ما ذكره يقتضي أن لا يكون هؤلاء سفهاء كما اختاره ، وهو الحقّ أيضا ، وكذا ما
ذكره من أنّ الرشد الابتدائي شرط .. إلى آخره أبطل جميع ما ذكره من حصول الحرج لو كان السفيه محجورا
عليه في نفسه ، مع أنّ السفه المتّصل الأصل بقاؤه حتّى يثبت خلافه ، بخلاف المنفصل
، فإنّ الأصل عدمه وبقاء الحالة السابقة حتّى يثبت خلافها.
وبالجملة ، أطال
الكلام ، ثمّ أظهر أنّه لا ضرر أصلا ، وأنّ ما ذكر لم يكن تحته طائل لما استدلّ
عليه ، وإن كان في نفسه فائدته عظيمة.
قوله
: ويحتمل كونه في الابتداء والمحجور عليه بحكم الحاكم ، ولهذا قال في
__________________
«
الخلاف »
: المحجور
عليه ، فتأمّل .. إلى آخره .
قد عرفت أنّ ما
ذكره أوّلا من أنّ دليلهم قويّ لم يكن فيه قوّة أصلا ، بل بعد التأمّل لا وجه له أصلا.
وما ذكره هاهنا
من المؤيّدات لا نفع فيها ، بعد ما عرفت ممّا أشرنا وما ذكره رحمهالله ، فإنّه كان في غاية المتانة ، بل ظهر ممّا حقّقه رحمهالله أنّ الفقهاء في جميع المعاملات يعتبرون الرشد من حيث هو
رشد ، فما ذكره العلّامة وبعض آخر في المقام خلاف المشهور المعروف منهم في غير المقام ،
وخلاف ما عليه سائر الفقهاء في سائر المقامات ، بل والجميع.
قوله
: فإنّه لا دليل على الثاني ، ولا يلزم الأوّل
، ولأنّ العلّة هو
السفه فلا يبقى المعلول بعد زوالها .. إلى آخره
.
فيه ، أنّ
الاستصحاب جار في المواضع الّتي تتغيّر العلّة ، مثل : تيمّم فاقد الماء مع وجدان
الماء في أثناء الصلاة ، والماء المتغيّر بالنجاسة بعد زوال التغيّر من قبل نفسه ،
وغير ذلك.
فالأولى أن
يقال : مقتضى الأدلّة عدم الحجر إلّا على من هو سفيه ما دام سفيها وشرط السفاهة ، وأيضا خرج
ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، وأيضا.
__________________
الضرورة تتقدّر
بقدرها ، وأيضا إذا انتفى الشرط انتفى المشروط ، فتأمّل جدّا.
قوله
: [ فإنّ المجنون بعد البلوغ والرشد ] أمر ماله إلى الحاكم على المشهور ، مع أنّ
ثبوت حجره ليس بحكم الحاكم ، بل بمجرّد الجنون .. إلى آخره
.
فمع عدم الحاكم
يكون الأب والجدّ وليّا ، لظاهر ( وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ ) الآية ، و ( فَإِنْ كانَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) الآية ، و ( فَإِنْ آنَسْتُمْ
مِنْهُمْ رُشْداً ) الآية ، وللزوم الضرر والحرج لو لم يكونا وليّين ، وأيضا السفيه المتّصل
يكون هما وليّه بمقتضى الأصل ، فكذا المنفصل ، لاتّحاد أدلّة الحجر فيهما الظاهر
في اتّحاد الحال ، فتأمّل! ومع عدمهما وعدم الوصي ، يكون الحاكم ، كما هو مقتضى
القاعدة والأدلّة ، ومنها : عدم الضرر والحرج.
ومع اجتماعهما
وتصرّف كلّ منهما بإذن الآخر لا إشكال ، ومع عدم الإذن فيه الإشكال المشهور وسيجيء
، فلاحظ!.
قوله
: [ وأمّا مع الجهل ] فكأنّه كذلك لتقصيره ، فإنّه كان ينبغي أن لا يعامل حتّى
يعرف .. إلى آخره .
هذا مخالف لما
ذكره في الحاشية السابقة من الاكتفاء بأصالة عدم السفاهة وغيره ، مع أنّه ليس
بتقصير ، والجاهل في موضوعات الأحكام معذور وفاقا ،
__________________
والدليل على ذلك ليس ما ذكره من التقصير قطعا ، بل ظهور فساد المعاملة وكون
ما في يده عين مال السفيه ، فإذا كانت باقية يجب ردّه ، وإذا تلفت فعوضه ، لما
ذكره من عموم « على اليد » ، و « ما يضمن بصحيحه » ، وقد مرّ
التحقيق في كتاب البيع وأنّهما صحيحان ، فلاحظ!
قوله
: والظاهر ذلك ، لعموم دليل الضمان وكونه سفيها .. إلى آخره
.
في العموم
تأمّل ، بعد ملاحظة مثل قوله تعالى ( وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) ، وغيره ، مع اليقين بأنّ علّة المنع كونه سفيها ، ولا
يؤمن من الإفساد والإتلاف ، ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره من أنّ ( له أهليّة الضمان
.. إلى آخره ) محلّ تأمّل ، وكون البلوغ وهذا القدر من العقل يكفي ،
محلّ نظر ، سيّما بملاحظة أنّه محجور عن ماله باعتبار عدم أهليّته للحفظ والتصرّف.
فعلى هذا ،
يكون المالك هو المضيّع بحسب العرف وعند العقلاء ، وشرعا أيضا بملاحظة نهي الشارع
، لسفاهته وإفساده ، وغير ذلك ممّا ذكر.
قوله
: ويدلّ عليه قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ
الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .. إلى آخره .
مقتضى ظاهرها
الجواز بالّتي هي أحسن مطلقا ، سواء كان له وليّ حاضر متمكّن من التصرّف أم لا ،
لا أنّ ذلك بعد التعذّر عن ذلك كلّه ، كما قال.
__________________
إلّا أن يدّعي
الإجماع على أنّ ذلك بعد التعذّر المذكور ، لكن الظاهر من كلام الأصحاب انحصار
صحّة التصرّف في الأولياء المذكورين.
نعم ، في حال
الاضطرار يجوز حسبة ، كما هو الحال في جميع الضروريّات والواجبات ، على أنّه على
ما ذكره يكون خلاف الظاهر من الآية مرادا ، فكما جاز أن يكون ما ذكره ، جاز أن
يكون المراد بالّتي هي أحسن ما فعله الوليّ الشرعي ، إلّا أن يقول : إذا تعذّر
الحقيقة فأقرب المجازات حجّة.
قوله
: وظاهر أنّ القاضي هو قاضي الجور ، وفيه إشارة إلى عدالة محمّد .. إلى
آخره .
لكن كون قاضي
الجور لا عبرة بنصبه القيّم أصلا يتوقّف على دليل ، إذ يجوز أن يكون الأئمّة عليهمالسلام يجيزون أمثال ذلك منهم ، ويجعلونهم بمنزلة قاضي الحق ،
لرفع الحرج ، وللمداينة معهم بما يدينون ، كما فعلوا في حملية الخراج وأمثاله .
هذا ، مع
احتمال أنّ المعصوم عليهالسلام أجاز ذلك ، ويكون الاستناد إلى تجويزه عليهالسلام.
إلّا أن يقال :
العمومات الدالّة على فساد أمور القضاة من العامّة وأحكامه تقتضي عدم العبرة مطلقا
إلّا ما ثبت اعتباره ، ولم يثبت هنا.
وأمّا كون
الإمضاء في خصوص المقام منه عليهالسلام ، فبعيد.
نعم ، يتوقّف
حجّيته على وجود قائل به ، أو على أن [ لا ] يكون مخالفا لما يقول به الأصحاب ،
فيحتمل أن يكون البيع لأجل الضرورة ، فتأمّل!
__________________
قوله
: [ فيجب الصوم بدل الدم ] ، والكلّ في محلّ المنع
.
لكن ما ذكره ـ
من عدم منعه. إلى آخر ما قال ـ لعلّه أيضا محلّ المنع ، لعدم دليل يعتمد عليه ،
لأنّ العمومات لم يظهر شمولها لمثله ، مع أنّه لو ظهر لظهر شمول الضيافة والصدقة
والسهولة في الاقتضاء والبيع والشراء وصلة الأرحام ، وأمثال ذلك ممّا لا يحصى ،
والالتزام في الجميع فيه ما فيه.
والاستناد إلى
الإجماع مشترك ، لإطلاق كلام الفقهاء ، مع أنّ الظاهر من حجره في تصرّفاته عدم
جواز أمثال هذه الأمور عنه ، فتأمّل.
قوله
: وأمّا عدم جواز العفو عن الدية .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
العفو عنه أيضا من المستحبّات ، وقد أجاز الشارح صرف ماله في المستحبّات ، وفيه
شهادة على ما ذكرناه ، فتأمّل.
قوله
: فإنّ العبد المأذون محجور عليه بالإجماع
مع جواز تصرّفه .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّ
العبد رشيد ، والحجر فيه من جهة أخرى ، وهي كون الإذن حقّ المولى ، فإذا رفع يده
فلا مانع أصلا.
وأمّا السفيه ،
فلا يجوز تسليطه على ماله ، بدلالة الأدلّة ، وكذلك غير البالغ
__________________
على ما هو المشهور بينهم ، وورد ما يظهر منه من الأخبار ، وقد ذكر .
نعم ، إن كان
مأذونا بأن يفعله بحضرته فيرى ما يصلح وما يفسد ويختار ، ففي الحقيقة يكون
المتصرّف هو الوليّ. نعم ، إن أذن لهما في التصرّف في ماله يمكن بعد ما اعتمد على
صحّة فعلهما ، لكن في السفيه مشكل جزما. نعم ، إن ثبت صحّة تصرّف الصبي المميّز ـ
كما يشير إليها بعض الأخبار ـ فالأمر كما ذكره ، لكن مرّ عن الشارح أنّ العمل به مشكل ، مع عموم المنع
من الكتاب والسنّة ، بل الإجماع .
ومع ذلك توقّفه
على إذن الولي يحتاج إلى دليل ، ومرّ الكلام في بحث حجر الصبي وتحقّق البلوغ.
ثانيا : المفلّس :
قوله
: وما يثبت في ذمّته مال يجب أداؤه ، فإقراره مقبول ، لـ « إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز »
.. إلى آخره .
وفي « القواعد
» احتمل القبول في حقّ الغرماء أيضا ، معلّلا بأنّ الإقرار كالبيّنة ، ولا تهمة ، ولعلّ مراده
أنّه مثلها حين تحقّق الحجر ، إذ لا فرق بين إثبات
__________________
الغرماء حقوقهم وإقرار المديون ، وتصديقه قولهم دفعة أو على التعاقب قبل
تحقّق الحجر ، فكذا بعده ، استصحابا ، ولا يخفى ضعفه ، لأنّ بعد الحجر تعلّق حقّهم
، فإقراره في حقّهم بخلاف ما قبله.
قوله
: دليله أنّ المال المحجور عنه صار بسبب الحجر [ للديّان الّذين حجر بسبب ديونهم ]
.. إلى آخره .
ولعلّ مراده
أنّه تعلّق به حقّهم ، وإلّا فإنّه لم يصر لهم بعد.
قوله
: ويحتمل ـ بعيدا ـ السماع ، ويسلّمها إلى المقرّ له
.
هذا الاحتمال
احتمله في « القواعد » ، ووجهه تقدّم وكذا ضعفه ، لكن استشكل على هذا الاحتمال
تسليم العين إلى المقرّ له لو كان مبيعا بأن أقرّ أنّه باعه ـ يعني قبل الحجر ـ
ولم يقبضه إلى الآن.
ولعلّ وجه
الإشكال أنّ المبيع يحتمل أن يكون بعنوان الخيار ، ومثل هذا يحتمل أن لا ينتقل إلى
المشتري بمجرّد العقد ، بل بعد انقضاء الخيار ، وهذا إشكال ليس بقوي عنده بل ضعيف
، وعبارته ربّما يكون فيها إشارة إلى أنّه ليس إشكالا معتدّا به ، فلاحظ وتأمّل!
ولا يوجب إلزامه بالتعيين والتشخيص في إقراره ، كما لا يخفى على المطّلع.
قوله
: والظاهر أنّ مرادهم غير الأوّل .. إلى آخره
.
بل عبارة «
القواعد » كالصريحة في غير الأوّل .
__________________
قوله
: وجهه التسلّط والأصل .. إلى آخره
.
وأنّه لا بدّ
من أحد الأمرين قطعا ، وكلّ منهما تصرّف ـ يعني الفسخ والإبقاء ـ فتأمّل.
قوله
: [ ينبغي أن يكون عدم الغبطة مقيّدا بما ] إذا لم يصر به سفيها وهو ظاهر .. إلى
آخره .
بل الظاهر بغير
الإضرار على الغرماء أيضا بأن يختار ما فيه نقصان مال ، بالقياس إلى الشقّ الّذي
ما اختاره ، وإن لم يصر سفيها.
قوله
: لا رجوع له إلى العين ، إذ سبب الرجوع [ إنّما هو تعذّر الثمن ] .. إلى آخره
.
لكن ظاهر عبارة
« القواعد » جواز الرجوع ، والمعتبر عدم الوفاء حال الحجر ، ولعلّه بني على
استصحاب جواز الرجوع ، وأنّ حقّه تعلّق بالعين أوّلا فيستصحب ، فتأمّل.
قوله
: فله أن يترك ويشارك الغرماء ، رضوا أم لا .. إلى آخره
.
لأنّ « الناس
مسلّطون على أموالهم » ، لكن هذا مع رضا الغرماء واضح ، أمّا مع عدم الرضا
فيمكن أن يقال : إنّ المفهوم من النصّ عدم المحاصّة على سبيل التسلّط لا مطلقا ،
فله أن يلزم المفلّس والغرماء بالعقد السابق ولا يفسخ ، فتأمّل.
__________________
قوله
: « قال لا يحاصّه الغرماء »
، وكأنّه
خصّ بالمحجور عليه .. إلى آخره
.
قد مرّ منه في
صدر المبحث دعوى ظهور هذه الرواية في جواز رجوع صاحب العين إلى عينه من غير توقّف
على حجر ، مع دعواه الإجماع على عدم جواز منعه من التصرّف قبل الحجر .
قوله
: [ الفسوخ ] إنّما يبطل العقد من حين وقوعه ، لا من رأسه .. إلى آخره
.
لا تأمّل لهم
في أنّ الفسخ من الحين لا من الأصل ، ولذلك كان النماء للمفلّس إجماعا.
نعم ، النماء
بعد الفسخ يكون له ، لكن معنى الفسخ أن يصير كلّ واحد من العوضين راجعا إلى ما كان
قبل العقد ، فيصير الثمن للمشتري ، والمبيع للبائع ، ومعلوم أنّ المبيع كان العبد
الّذي يداه صحيحتان والآن ليس له إلّا يد واحدة ، فلم يرجع إلى البائع مجموع ماله
وتمامه بل بعضه والناقص منه ، ولا شكّ في أنّه في مقابل التالف كان جزء من الثمن ـ
كما قلناه في خيار العيب ـ فكيف يأخذ المشتري مجموع الثمن الّذي كان عوض العبد
الصحيح ولا يوفّيه مجموع المعوّض عنه؟! وبالجملة ، لا فرق عند الفرق بينه وبين
العبد والعبدين ، وبسطنا الكلام في بحث خيار العيب ، فلاحظ!.
__________________
قوله
: ويحتمل كون الزيادة له ، فيأخذ قيمته من صاحب المال .. إلى آخره .
هذا الاحتمال
أجود بل هو الصواب ، لأنّه مال حصل له فاستحقّه مثل المنفصل ، والمتبادر من : متاع
الرجل بعينه ، هو ما إذا لم يحصل فيه زيادة يكون ملك المشتري قطعا قبل ، فكذا بعد
، للاستصحاب ، ولعدم ناقل شرعي ، سيّما وأن ينتقل قهرا بغير عوض أصلا ، مع أنّه
ضرر بلا تأمّل ، وأشدّ من هذا أن يكون الزيادة حصل بفعل المشتري وخروجه.
قوله
: الخبر المتقدّم ، لأنّه متاعه يشمله أيضا .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ،
لأنّه خلاف الظاهر والمتبادر ، إلّا أن يلاحظ العلّة ، ويقال : إنّها من باب تنقيح
المناط لا القياس.
قوله
: ويحتمل ظهور غريم آخر [ لا يقبل ذلك ] .. إلى آخره
.
هذا أيضا محلّ
نظر ، إذ الأخذ والرجوع إلى العين خلاف الأصل والقاعدة كما مرّ ، فيحتاج إلى دليل.
قوله
: وإن اختار الإبقاء والصبر ـ والفرض أنّه محجور عليه ـ فكلّ يطلب حقّه ، والفرض
عدم إمكان حصول المسلّم فيه .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ، إذ
مرّ في بحث السلم أنّه عند التعذّر يتعيّن الصبر أو الفسخ ، وأنّه إذا أخذ المشتري
عوض ماله ولم يصبر لا يأخذ أزيد من رأس ماله ، كما نطقت به
__________________
الصحاح وسلّمه الشارح ، فكيف يجوّز هنا أن يأخذ أزيد؟! وأيضا ، ذمّة المفلّس
لم تكن مشغولة بالعوض قطعا ، لعدم عقد أو عهد أو شرط أو تراض أصلا ، بل ذمّته ليست
مشغولة إلّا بالمتعذّر ، فكيف يمكن للمشتري الضرب مع الغرماء بما لم يكن ذمّة
المفلّس مشغولة به أصلا ، وكانت ذمّته فيه بريئة مطلقا؟! ولو كان يجوز له أخذه
بالعوض عند التعذّر ، لكان مخيّرا في أخذ العوض أيضا مع عدم الحجر أيضا ، إذ الحجر
لم يتحقّق إلّا بالقياس إلى ما اشتغل ذمّة المفلّس ، لا ما لم يشتغل ، ولذا لم
يشارك الغرماء من لم يحلّ دينه ، ولم يجز الحجر على المؤجّل قبل حلول الأجل ، بل
لو كان الغرماء كلّهم مشترين السلم المتعذّر لا نسلّم تسلّطهم على الحجر ، بل لم
يتحقّق الحجر من جهتهم بمقتضى الأصل والدليل.
لا يقال : يجوز
للغرماء أخذ العوض عوضا عن حقّهم ، فلا يتعيّن أن يكون ما يأخذون عن المفلّس نفس
حقّهم.
قلت : يجوز مع
التراضي ، لا قهرا ، فتأمّل.
قوله
: فكأنّه ترك للإجماع .. إلى آخره
.
في « القواعد »
حكم بوجوب الإنفاق عليه في السفر إلى أن يصل إلى بيته ، إن وقعت القسمة في السفر .
__________________
قوله
: وكذا كفن زوجته ومملوكه ، دون قريبه .. إلى آخره
.
لم يظهر وجهه ،
لأنّ المتبادر من المطلق كفن نفسه ، والعمومات تقتضي وجوب أداء الدين ، وتعلّق الحجر وحقّ
الغرماء أيضا كذلك ، ولعلّ وجه التقديم أنّ كسوتهم حال الحياة مقدّمة فكذا بعد
الموت ، لأنّ حرمة المؤمن حيّا وميّتا واحدة ، ويؤيّده العلّة المنصوصة في منع بيع دار سكناه ، والله يعلم.
قوله
: [ فينقض القسمة ويجمع المال ثمّ يقسم من الرأس ] ، لظهور بطلان القسمة الأولى ،
لتعلّق حقّ هذا الغريم أيضا .. إلى آخره
.
فعلى هذا يكون
النماء الحاصل بعد القسمة الأولى للمفلّس ، وأمّا التلف فلعلّه ممّن هو في يده
وتلف عنده ، لأنّ يده يد ضمان ، لعموم : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » .
ويحتمل ـ على
بعد ـ كونه من المفلّس ، لانكشاف كون المال ماله واليد ليست يد غصب ، وفيه أنّ
الضمان غير منحصر في الغصب. نعم ، الأمانة لا ضمان فيها.
__________________
قوله
: فيمكن الشهادة على الأوّل دون الثاني ، وفيه تأمّل .. إلى آخره
لا يخفى أنّه
لم يثبت ـ بعد ـ أنّ مجموع المال لهم ، ولم يثبت أيضا أنّ مالهم أيّ قدر ، والأصل
عدم انتقال الجميع إليهم ، وعدم كونه حقّهم حتّى يثبت ، وكذا الكلام في القدر ـ
أيّ قدر فرض ـ وأصالة عدم وارث آخر يعارضها الأصل الّذي ذكرناه.
وممّا ذكر ظهر
الكلام في آية الإرث أيضا.
على أنّه لو
تمّ ما ذكره لم ينفع المظنّة أيضا ، لأنّه لا يعدل عن الأصل بمجرّد المظنّة ،
لقولهم عليهمالسلام : « لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله » ، ولذا
يقدّمون الفقهاء الأصل على الظاهر إلّا فيما ثبت شرعا تقديم الظاهر عليه.
لكن في حكاية
الغرماء لا يمكن ثبوت الانحصار غالبا لو لم نقل كلّيا ، إذ إقرار المديون لا ينفع
، والشهادة على النفي لا تسمع ، ورجوعه إلى الإثبات ممّا لا يكاد يتحقّق ، فتأمّل
جدّا.
قوله
: [ وظاهر أنّه ينكر الحال ] وهم يدّعون وجوده عنده ، والأصل عدمه .. إلى
آخره .
هذه الدعوى كيف
تجتمع مع احتمال الوجود؟! لأنّ الاحتمال شكّ في وجوده ، إلّا أن يجعل المراد من
الدعوى أنّه يحتمل وجود المال كذلك ، فتأمّل.
قوله
: لا دليل على الكلّ بخصوصه ، إلّا أن يكون إجماعا .. إلى آخره
.
__________________
ربّما يدلّ على
الكلّ العلّة المنصوصة ـ على ما هو ببالي ـ فليلاحظ.
__________________
الضمان
قوله
: اعلم أنّ الضمان لفظ مشترك عند الفقهاء بين المعنى الأعمّ من الضمان بالمعنى
الأخصّ .. إلى آخره .
ليس الضمان ضمّ
ذمّة إلى ذمّة كما توهّمه العامّة ، بل هو جعل ما في ذمّة في ضمن ذمّة أخرى ، فمعنى ضمنت ـ
مثلا ـ : جعلت ما في ذمّة فلان في ذمّتي ، وتعهّدت أن أعطي ، وعليّ أن اعطي كما
عليه أن يعطي ، ولك التسلّط عليّ كتسلّطك الّذي كان عليه ، وأمثال هذه المضامين.
فإذا كان ذلك صحيحا
شرعا ، لزمه أن يعطي كما كان يلزم المديون ، وينتقل من ذمّة المديون إلى ذمّته
وتبرأ ذمّته ، وينتقل تسلّطه إلى الضامن بأن يكون التسلّط عليه خاصّة.
هذا محلّ وفاق
الشيعة ، ومقتضى الصيغة والعقد ، ويصير الانتقال والاشتغال من حين العقد وبعنوان
اللزوم ، لعين ما ذكرنا.
والأصل عدم
الصحّة إلّا أن يثبت الصحّة من الشرع ، والقدر الثابت من الإجماع والأخبار هو ما ذكرناه
، ولا ينفع مثل ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) للصحّة
__________________
بأيّ وجه كان ، لما ستعرف في كتاب الشركة ممّا سنذكره هناك .
مع أنّ عقد
الضمان مقتضاه ومعناه هو الّذي ذكرنا ، فلا يقبل خيار الفسخ ، لمنافاته لمقتضى
العقد والتعهّد اللزومي ، إذ يصير معنى العقد حينئذ : جعلته في ذمّتي إن اشتهيت ،
وعليّ أن اعطي إن رضيت واشتهيت ، فكلّ وقت يطالبه الديّان له أن يعطي وله أن لا
يعطي ، فلا ثمرة للضمان والتعهّد ، إذ له قبل هذا أيضا أن يعطي وأن لا يعطي ، وإن
مات فلوارثه أيضا ذلك ، لأنّه حقّ من حقوقه وكلّ حقّ منه ينتقل إلى الوارث.
وبالجملة ، لا
شبهة في عدم مناسبته للضمان والتعهّد.
وأيضا ، إذا
انتقل المال إلى ذمّته وبرئت ذمّة المضمون ـ كما هو عند الشيعة ومقتضى الظاهر من
العقد والأدلّة ، بل مقتضى معنى العقد ـ فحينئذ عوده يحتاج إلى دليل.
وليس كذلك
البيع ، إذ بمجرّد العقد ينتقل العوضان ، فترتّب آثار العقد قبل الفسخ ، والإجماع
والأخبار تدلّ على الصحّة.
وممّا ذكر ظهر
أنّه لا يناسبه التعليق على الوقت المستقبل وإن كان معيّنا كرأس الشهر ، لأنّ
معناه ومقتضاه الانتقال والجعل على العهدة من الحين ، فبالتعليق يصير وعدة لا
إنشاء ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وليس كذلك
الإجارة ، لأنّ المنافع الآتية ملك المؤجر ، بحيث يقبل نقلها الآن ، بل لا تتحقّق
الإجارة إلّا في المنافع الآتية ، الّتي توجد بعد العقد شيئا فشيئا ، وكذا الحال
فيما هو مثل الإجارة.
__________________
في شرائط الضامن
قوله
: [ لم يصرّح كونه من مال المولى ] ولا في ذمّته فينصرف إلى الظاهر ـ وهو الكسب ـ
والظاهر أنّه مع عدم القرينة ينصرف إلى ذمّته .. إلى آخره
.
لأنّ الإذن لا
يستلزم النقل إلى ذمّته والرضا به ، فضلا عن أن يكون العقد كذلك ، والأصل براءة
ذمّته ، وكذا الاستصحاب ، إلّا أن يقال : الإذن فيه إذن في لوازمه ، ومنها إفراغ
الذمّة ولزوم الإفراغ الآن ، كما هو الظاهر من اللوازم ، لا أنّه إن اتّفق العتق
يؤثّر الضمان ، وإلّا فلا أثر له في الدنيا ، بل في الآخرة أيضا.
مع أنّ معنى
الضمان أنّ مالك في ذمّتي أعطيك كما على المضمون عنه أن يعطيك ، ولك التسلّط عليّ
كما لك التسلّط على المضمون ، لا أنّه لا أعطي إلّا أن يتّفق وجوب الإعطاء عليّ ،
مع كونه فرضا خلاف الأصل بعيدا بملاحظة حال الاستصحاب.
فعلى هذا ،
يتعلّق بكسبه ، إلّا أن يقال : الآن ليس له ذمّة غير ذمّة المولى فينتقل إلى ذمّة
المولى ، وهو بعيد غاية البعد ، وخلاف الأصل والقاعدة ، إذ للعبد يكون ذمّة
بالمعنى المذكور.
قوله
: وإن كان مذهب الأصحاب في غير هذه الصورة أنّه ناقل ، ويدلّ عليه [ رواياتهم ] ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الّذي يقتضيه كلام أكثر الأصحاب أنّه في هذه الصورة أيضا
__________________
ناقل ، لأنّهم يجعلون تعلّق الدين به تعلّقه بالرهن لا تعلّقه بأرش الجناية
، على أنّه لو كان تعلّقه تعلّق أرش الجناية لكان النقل أيضا متحقّقا ، لأنّ المال
المعيّن هو حقّ الضامن وماله ، وكيف يتعلّق به مع بقائه على ذمّة الضامن؟ فتأمّل!
ولإطلاق قولهم : إنّ الضمان ناقل عندنا ، ولأنّه لو لم يكن ناقلا لكان الدين في
ذمّة المضمون عنه باقيا كما هو ، فلا معنى لعدم تسلّط صاحب المال على المضمون عنه
أصلا وتسلّطه على رجل آخر غير مشغول ذمّته بحقّه مطلقا ، بل لا بدّ أن يرجع إلى
المضمون عنه لو لم ينتقل الحق ، كما صرّحوا به .
والحاصل ، أنّه
على تقدير صحّة هذا الضمان لا بدّ أن يكون نقلا خاصّا ، وأن يكون اشتغال ذمّة
الضامن بهذا النحو ، كما إذا باع سلفا نوعا خاصّا من المبيع فاتّفق عدم مجيئه في
السنة الّتي باعه.
على أنّ
الفقهاء جعلوا شغل ذمّة الضامن مطلقا من المحتمل ، بأنّه لو تلف ذلك المال بغير
تفريط منه يكون ضامنا أن يعطي من غيره ، وإن كانوا جعلوا بطلان الضمان في صورة
التلف احتمالا آخر.
وممّا ذكر ظهر
ما في قوله : بل معه أيضا.
قوله
: لعدم الصراحة في كون هذا القول بعد قول المعطي بحمل بعير ، مع أنّه جعالة .. إلى
آخره .
لا يخفى ظهور
تعلّقه بحمل بعير ، وكونه جعالة لا يضرّ ، لقول بعض أصحابنا بصحّة الضمان في مال
الجعالة أيضا ، منهم العلّامة في « القواعد » ، لأنّه كان في ذمّته
__________________
وعهدته إن فعل له الفعل أن يعطي مال الجعالة ، وهذا القدر
انتقل إلى ذمّة الضامن ، فتأمّل.
وكونه مذهب من
قبلنا أيضا لا يضرّ ، لأصالة البقاء حتّى يثبت خلافه ولم يثبت ، إن لم يثبت أنّ
شرع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم نسخ كلّ حكم من أحكام الشرع السابق ، بل الثابت من
الآيات والأخبار خلاف ذلك.
قوله
: والأولى تدلّ على اعتبار رضا الغريم ، وغيرها .. إلى آخره
.
الظاهر أنّ
القرينة كانت موجودة في رضا الغريم ، لأنّ حقّه كان غير موجود ، لعدم التركة ظاهرا
، وأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان في غاية مرتبة الوفاء
__________________
والوثوق به .
قوله
: وزيادة الفرع على الأصل بالدليل لا قصور فيه ، ومعلوم أنّ المال واجب على
المضمون عنه وذمّته مشغولة .. إلى آخره
.
لا تأمّل لهم
في ذلك ، ولذا يجوّزون الضمان مؤجّلا ، لأنّ الّذي في ذمّته وذمّته مشغولة إن يعطي
في الأجل ، فينتقل في ذمّة الضامن هكذا ، والأجل حقّ من حقوقه ، فالدين بهذا الحقّ
يتعلّق بذمّة الضامن ، كما إذا كان دينار يصرف الدينار تسعة دراهم ، وإذا رفع اليد
عن هذا الحقّ بأن قال : أعطي المال الآن ، فبمجرّد هذا لا يصير حالّا ولا يتسلّط
الديّان على الأخذ حالا.
وأيضا ، للأجل
قسط من الثمن ، فإذا قال : أعطي الثمن زائدا عن الحق ، لا يصير مشغول الذمّة
بالزائد ، وبمجرّد التبرّع لا يكون في الذمّة شيء ، وكذا بمجرّد الوعد ، فكيف
يصلح للضمان؟! وقوله : ( وإنّما الأجل للطلب وجواز التأخير .. إلى آخره ) لو تمّ لكان
اللازم إعطاء المؤجّل أيضا في المفلّس وضربه مع الغرماء وتقسيم ماله على الحالّة
والمؤجّلة معا ، ومرّ أنّه ليس كذلك وإن كان المفلّس راضيا أشدّ الرضا ، ومرّ أنّه
لا حقّ للمؤجّل. إلى غير ذلك من الأحكام ، مثل : أنّ المديون لو تبرّع به قبل
الأحكام لم يجب على الديّان أخذه. إلى غير ذلك.
إلّا أن يقال :
شرط جائز في نفسه بعد رضا الطرفين ، فإن كان في ضمن عقد لازم يصحّ ويصير لازما ،
وهذا يتوقّف على كونه عقدا ، فتأمّل ، وعلى أنّ
__________________
الشروط الجائزة تصير لازمة ، لا أنّ العقد يصير جائزا ، والظاهر أنّه كذلك.
نعم ، يتوقّف
على عدم كونه منافيا لمقتضى العقد من حيث أنّ الضمان إنّما هو في الحق الثابت ـ
كما سيجيء ـ وضمان ما لم يجب ليس بصحيح ، أو ليس بضمان ، ومرّ ما به يظهر الحال.
قوله
: وإن قالوه ، إلّا أن ينضمّ إليه قرينة ، ويعلم من « التذكرة » الإجماع على الرجوع مع
الإذن في مجرّد الضمان ، فتأمّل .. إلى آخره .
يمكن أن يقال :
مرادهم من الضمان بالإذن كونه بسبب الإذن ، بحيث لو لم يأذن لم يصر ضامنا ، ولمّا
كان الإذن غير معتبر في نفس الضمان أصلا ، ويتأتّى للضامن أن يضمن من دون إذن أصلا
، بل مع عدم اطّلاع المضمون عنه مطلقا ، بل مع منع المضمون عنه وعدم رضاه به ،
يصير التوقيف على الإذن قرينة على إرادة العوض ، وكذا لو كان بالتماس المضمون عنه
، لدلالة العرف على العوض هنا ، فكذا في السابق ، فتأمّل.
قوله
: وجه الكلّ ظاهر .. إلى آخره
.
مضى الكلام فيه
.
قوله
: ولو قيل بثبوت الحاضرة بمجرّد طلوع الفجر .. إلى آخره
.
حكم في «
القواعد » بصحّة الضمان في الحاضرة ، ولعلّ مراده بعد
__________________
الثبوت ، أو أنّها تؤول إلى الثبوت قطعا عادة ، فتأمّل.
قوله
: إذ الضمان عندهم ناقل ، ووجوب الردّ لا ينتقل ، بل يجب على القابض أيضا .. إلى
آخره .
يمكن أن يقال :
إنّ الضمان جعل الشيء في ذمّة أحد وعهدته في ذمّة الضامن وعهدته ، ومعلوم أنّ نفس
العين ـ من حيث أنّها عين ، ومن حيث هي هي ـ لا تكون في عهدة ، ولا يمكن أن تصير
في عهدة شخص وذمّته.
بل الّذي في
العهدة والذمّة حفظها وأخذها وحملها ونقلها إلى مالكها ، فإن كانت هذه الأمور في
عهدة شخص وضمن آخر ، بأن قال : جعلت ما في عهدة فلان في ضمن عهدتي ـ كما مرّ في
معنى الضمان ـ ورضي المضمون له بذلك ، لم نر مانعا من أن تنتقل هذه الأمور في عهدة
الضامن وبرء ذمّة المضمون عنه لرضا المضمون له ، فإنّه إبراء له ولذمّته بالنسبة
إلى [ هذه ] الأمور ، فتكون هذه الأمور لازمة على الضامن غير لازمة على المضمون
عنه ، فاللازم ـ حينئذ ـ على الضامن أخذها من المضمون عنه وحفظها ونقلها إلى
مالكها.
وإن أراد من
الحفظ أعمّ من أن يكون بنفسه أو نيابته أيّ شخص ـ كما هو المتعارف ـ فلا يجب عليه
أخذها من المضمون عنه إذا رضي بأن يكون عنده.
وكذا الحال إذا
كان المراد من الحمل والنقل والتسليم إلى المالك أعمّ من المباشرة بالنفس أو
بالنائب والوكيل والحمّال ـ كما هو المتعارف ـ فلا تسلّط لصاحب المال حينئذ على
المضمون عنه في الأمور أصلا ، بل تسلّطه على الضامن خاصّة وحقّه فيها عنده.
نعم ، إن وجد
عين ماله عند المضمون عنه ، له أن يأخذها من يده ، وهذا
__________________
غير الأمور المذكورة ، ولا يدخل تحت العهدة ، ولا يشتغل به الذمّة ، لأنّ
الأخذ فعل صاحب المال ، وأمّا من المضمون عنه فعدم المانعيّة وهو أمر عدمي ، فلو
قال له : ارفع أو خذ وسلّم بيدي ، لا يكون له تسلّط عليه فيه ، لإسقاط حقّه منه.
نعم ، إن حفظ
وأخذ وحمل ونقل وسلّم المضمون عنه ، يكون جائزا صحيحا وإن لم يشغل ذمّته بها أصلا
، لأنّ أداء المال والحق من طرف من عليه الحقّ والمال صحيح وإن لم يكن برضاه وإذنه
، بل ومع منعه عنه كما مرّ ، ولذا في صورة المال إن أدّى المضمون عنه عن الضامن
بريء الضامن وإن لم يكن الأداء بإذنه ورضاه ، بل ومع منعه كما أنّ الضامن ـ
تبرّعا ـ كان حاله كذلك ، وكذا حال كلّ من أبرأ ذمّة شخص.
هذا ، إذا لم
يصر المضمون عنه غاصبا بأن منع المال عن الضامن والمضمون له جميعا ، أمّا إذا صار
غاصبا بالمنع المذكور أو بالتفريط في الحفظ وغيره يكون اللازم عليه الحمل والنقل
والتسليم والحفظ حال تلك الأمور.
وهذا حكم على
حدة ، حتّى أنّ الغاصب المتقدّم على الضمان إذا أبرأ ذمّته صاحب المال وجعل على
ذمّة الضامن خرج عن الغصب ما لم يصر غاصبا ، فتأمّل.
وسيجيء في
ضمان عهدة الثمن ما يحقّق صحّة ضمان الأعيان ، وعدم المانع منه .
قوله
: [ والقيمة ] غير ثابتة حين وجود العين ، ولا معنى لضمان العين بدونها ، ويحتمل
الثبوت ، لصدق الضمان عرفا .. إلى آخره
.
يمكن أن يقال :
العين كانت بحيث لو تلفت يتبدّل بالقيمة وأنّه يجب حينئذ
__________________
القيمة ، فيجري فيها ما ذكرناه في مال الجعالة ، بل والديون المؤجّلة قبل
الحلول ، فتأمّل.
ويشهد على صحّة
ضمان القيمة ما سيجيء في ضامن عهدة الثمن ، كما أنّ ذلك يشهد على صحّة ضمان العين
أيضا ، فقولهم : شرطه أن يكون مالا ثابتا في ذمّة المضمون ، إمّا شرط الضمان
المتّفق عليه غالبا ، أو المراد من المال الثابت في الذمّة ما يعمّ ما ذكرناه ،
بأن يكون المراد ما يصحّ وما يستحق بإزائه مال.
والأفعال الّتي
أشرنا إليها وإلى أنّها تدخل تحت العهدة يصحّ الجعالة بها والإجارة عليها ، ولها
حرمة وقيمة أيّ عوض ، فتأمّل.
قوله
: والحلف لا يؤثّر في ثبوت حقّ على الغير .. إلى آخره
.
نقل عن المفيد
تأثير حلف المضمون له مطلقا ، وعن الشيخ مع رضا الضامن ، وعن الحلبي .
قوله
: [ ويردّها إلى أهلها ] إن ثبت النقل بالدليل مطلقا .. إلى آخره
.
قد مرّ الكلام
، وأنّ الظاهر صحّة الضمان على سبيل النقل ، كما هو مذهب الشيعة.
قوله
: فلوجود العين في يده أو تلفها فيها ، وفي العهدة إن شاء المشتري
__________________
طالب
البائع وإن شاء طالب الضامن .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
الأخذ ممّن توجد العين عنده ليس متعلّقا للضمان ، إذ الطفل والمجنون إذا وجد العين
عندهما يؤخذ منهما ، والضمان إنّما يكون فيما تعلّق بالذمّة والعهدة ، ولا نسلّم
أنّ في ذمّة المضمون عنه مؤنة الحمل والنقل والتسليم حتّى الأخذ باليد والإعطاء بل
الأخذ باليد ـ لئن يؤخذ من يده ـ أيضا ليس عليه ، بل قوله : تعال خذ أو خذ أيضا
ليس عليه ، إنّما عليه عدم المنع عن الأخذ ، وليس ذاك إلّا أمرا عدميّا صرفا.
قوله
: [ « المسلمون عند شروطهم » ] يشمل الأعيان أيضا .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ظهر
وجهه ممّا قلنا في صدر مبحث الضمان .
قوله
: بسبب تفريط من البائع ، فإنّه كان يمكنه الإعلام .. إلى آخره
.
الجاهل معذور
في موضوعات الأحكام إجماعا ، لا في نفس الحكم ، إلّا ما خرج بالدليل ، ولا وجه
للحكم بالتفريط بمجرّد الجهل.
على أنّه مع
الحكم بالتفريط لا وجه للتأمّل في بقاء الأرش عند البائع بلا وجه ولا عوض ،
فالتفريط لا يصير منشأ لذهاب الحقّ الّذي وقع العقد والشرط على أن يكون له عوض
قطعا ، ولا منشأ لثبوته ، بل المنشأ هو العقد وأخذ العوض بلا مقابل.
قوله
: سبب رجوعه إلى الضامن ثبوت الأرش في الذمّة وقت الضمان. إلى
__________________
آخره
.
لا يخفى أنّ
العيب في المبيع نقص فيه ، ففي الحقيقة ما أوفى البائع بتمام المبيع وما استوفي
المشتري تمام حقّه وخياره ـ مثل خيار تبعّض الصفقة فيما ذكرنا ـ فعلى البائع إعطاء
هذه النقيصة عينا كما في تبعّض الصفقة ، إن كان المبيع كلّيا لا شخصا ويوجد القدر
من العين ، ولا يكون حينئذ خيار في الفسخ أو عوض النقيصة بأن يردّ القدر من الثمن
المقابل لها ، لأنّه أخذه بغير إعطاء عوض ، بأن كان المبيع
شخصا ، أو لا يوجد القدر من العين فيصحّ الضمان حينئذ ، فتأمّل.
قوله
: وإنّما يزول بالفسخ والرجوع إلى الثمن ، أو أنّ سببه ـ وإن كان حاصلا ـ لا يثبت
إلّا باختياره .. إلى آخره .
قد عرفت أنّ
القدر من الثمن الّذي بإزاء العيب ـ وهو الأرش ـ كان عند البائع من غير استحقاق ،
بل هو عين مال المشتري ، لأنّ استحقاق البائع إيّاه إنّما هو بعد وجود العوض
والقدرة على تسليمه ، وليس ، فكيف استحقّه من المشتري؟
وأمّا الّذي
يثبت من خياره ، [ فهو ] : ردّ المبيع ، واستحقاق جميع الثمن ـ إن اختار الفسخ ـ
وإسقاط العوض للناقص ، وإبراء ذمّة البائع منه ، بل في الحقيقة يرجع إلى هبته إن
أسقط الثمن المقابل ، وإن أسقط مقابل الثمن فإبراء.
والّذي في عهدة
البائع من جهة العقد هو الناقص ، لكن بملاحظة أنّ الناقص غير ممكن الوجود والتسليم
، يظهر أنّ الّذي كان عليه هو الأرش ، إلّا أن يبرئ ذمّة البائع ، فهو إسقاط حقّه
الثابت ، أو يفسخ فيستحقّ ما بقي من الثمن أيضا ،
__________________
فبالخيار يثبت ما بقي ، لا قدر الأرش ، فإنّه كان ثابتا على كلّ حال ،
فتأمّل.
قوله
: [ فلو علم ولم يطالب ] يحتمل السقوط .. إلى آخره
.
بعيد ، إذ
بمجرّد عدم المطالبة كيف يسقط الحقّ الثابت؟!
قوله
: فلا تهمة ، وأمّا التهمة بأن يكون ضامنا بغير إذنه .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ، إذ
ربّما وقع بينهما مواطاة في هذا المعنى ، لأنّ الضامن كلّما يعطي يأخذ من المضمون
عنه ، وما لا يعطي لا يأخذ عادة.
إلّا أن يقال :
هذا القدر لا يكفي للتهمة ، لأنّ المضمون عنه برأت ذمّته عن المستحقّ مطلقا بظاهر
الشرع ، واشتغل ذمّته للضامن مطلقا كذلك ، وعدم النفع في ظاهر الشرع يكفي لعدم
التهمة ، وإمكان المواطاة لو كان تهمة لكان في جميع الشهود ، فتأمّل.
__________________
الحوالة
قوله
: والروايتان تدلّان على عدم اشتراط شغل ذمّة المحال عليه في
تحقّق الحوالة كما شرطه الأكثر .. إلى آخره
.
دلالة الرواية
فرع أن يكون الحوالة لغة وعرفا أعمّ من أن يكون على البريء وغير البريء ، مع
أنّه في « القاموس » : ( أحال الغريم : زجّاه [ عنه ] إلى غريم آخر ، والاسم :
الحوالة ، كسحابة ) . انتهى.
وأمّا العرف ،
فلم يتعارف الحوالة على البريء ، بل المتعارف الالتماس منه في قبوله انتقال المال
إلى ذمّته ، وبعد قبوله يحال الغريم عليه ، ومعلوم أنّه بمجرّد رضاه يصير ضامنا
عندهم ، بل وشرعا أيضا ، كما ستعرف.
مع أنّه لو كان
الصيغة شرطا في الضمان ، فهو شرط شرعا بلا تأمّل ، فمجرّد الرضا بالضمان ضمان عرفا
البتّة ، ثمّ بعد الضمان يقولون : جعل حوالة الدين الدين عليه.
على أنّا لو
سلّمنا العموم ، لكن غالب ما يتحقّق إنّما هو على غير البريء ،
__________________
والروايات محمولة على الأفراد الغالبة.
على أنّ الّذي
يظهر من الروايتين عدم اعتبار رضا المحال عليه ، فيظهر كونه مشغول الذمّة ، إلّا
أن يقول : الإجماع واقع على اعتبار رضاه ، وإنّ ما قال الشهيد الثاني باطل.
لكن ، على هذا
نقول : لعلّ الوارد في الروايتين غير الحوالة ، ولذا لم يظهر منهما اعتبار رضا
المحتال أيضا ، سيّما الرواية المرويّة بطريق العامّة ، فإنّها في غاية الوضوح ،
ويمكن أن يكون مضمونها توكيل في استيفاء الحقّ ، فتأمّل.
وأمّا رواية
الخاصّة ، فيمكن أن يقال : القدر الثابت هو القدر المشترك بين الضمان والحوالة ،
وهو عدم الرجوع ، فتأمّل.
على أنّه على
ما اختاره الشارح في الضمان من عدم اعتبار صيغة له ، بل يكفي ما يدلّ على الرضا ، يكون
الحوالة على البريء هي الضمان لا غير ، إذ بمجرّد الرضا من البريء ينتقل المال
إلى ذمّته من غير توقّف على إحالة المحيل ولا رضاه أيضا ، بل لا يعتبر رضاه أصلا ،
وإن وقع العقد من المحيل ورضاه يكونان لغوا ، إذ ما لم يرض البريء لا يكون لهما
أثر أصلا.
وبعد الرضا لا
حاجة إليهما مطلقا ، إذ رضاه علّة تامّة في الأثر المذكور ـ وهو الانتقال وعدم
جواز الرجوع إلى المحيل ـ فجعل ذلك من أقسام الحوالة فاسد.
قوله
: دليل كونها لازمة [ مثل ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ]
.. إلى آخره .
__________________
قد مرّ في
الضمان ما به يستعلم الحال في المقام .
قوله
: وأمّا اشتراط الإيجاب والقبول ، فدليله غير ظاهر .. إلى آخره
.
قد مرّ في بحث
البيع ما ينبغي أن يلاحظ لتحقيق ما في المقام وأمثاله ، مع أنّا لم نر
من الروايتين ظهورا في أنّهم ما أحالوا بلفظ وعبارة ، بل أحالوا
بقرينة أو إشارة ، بل يمكن أن يكون باللفظ ، بل هو الأظهر.
والفقهاء
اكتفوا بكلّ لفظ يدلّ على النقل ، فإطلاق الروايتين يمكن أن يكون محمولا على الفرد
الشائع ، مع أنّ الروايات كثيرة وأصحّ سندا ، بل وأظهر متنا ، فما وجه القصر في
الروايتين؟!
قوله
: والفرق بين الوكالة والبيع والحوالة واضح ، فعلى تقدير علمه
[ فيحتمل
كون الفارق هو الإجماع ] .. إلى آخره
.
الفرق في غاية
الوضوح ، لأنّ الحوالة هي نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فيبرأ
المحيل ولا تسلّط للمحتال عليه ولا للمحيل على المحال عليه.
إلى غير ذلك من
أحكام الحوالة ، وشيء منها لا يتحقّق في الوكالة.
وأمّا بيع ما
في الذمّة ، فهو ـ مع فساده في نفسه ، لأنّه بيع الدين بالدين ـ فرق واضح بينه
وبين الحوالة ، وأحكامهما في غاية التفاوت ، والأصل عدم ترتّب أثر من آثار الحوالة
حتّى يثبت بدليل ، ولم يثبت ، بل الثابت العدم ، لأنّ الإجماع
__________________
المنقول بخبر الواحد حجّة مثل خبر الواحد ، لأنّه خبر الواحد العادل ،
فيشمله ما دلّ على حجّيته.
وما قيل من
أنّه خبر مرسل فلا يكون حجّة لجهالة الواسطة ، فبطلانه في غاية الوضوح ، لأنّ
العادل يدّعي يقينه بالإجماع ـ كما هو مقتضى اصطلاحه ، وظاهر من القرائن الخارجة
أيضا ـ ولا يدّعي أنّه أخبر مخبر بالإجماع وأخبر ذلك المخبر مخبر ، وما أعرف كم
الوسائط ، إذ القطع حاصل بفساد هذا ، وأنّهم كان يحصل لهم اليقين في زمانهم
بالإجماع ، كما يحصل لنا اليقين الآن كثيرا ، إذ لم نر أحدا من الفقهاء ـ حتّى
الطاعن المذكور ـ إلّا وأنّه قد أكثر من دعوى الإجماع على سبيل اليقين.
والخبر لا يجب
أن يكون علمه حسّيا ، إذ غالب أخبار الآحاد مناطه الحدس ، كالمكاتبة والرواية
بالقراءة على الأستاد والإجازة وأمثال ذلك ، مع أنّه ربّما كان في السند سقط أو
اشتباه وأمثال ذلك ويتمسّك في نفيها بالأصل والظاهر.
مع أنّ ما دلّ
على حجّية خبر الواحد عام يشمل القسمين ، على أنّ واسطة نقل الإجماع لا شبهة في
كونه من الفقهاء.
قوله
: في عدم الرجوع بعد الرضا ، فلا بدّ من تأويلها .. إلى آخره
.
كون المراد من
الإبراء نفس القبول ليس بذلك البعيد ، وأظهر من ذلك حمل الرواية على صورة
تحقّق الحوالة العرفيّة ، بأن قال للمحتال : خذ طلبك من فلان ، من دون إظهار
معاوضة دينه عليه بدين على المحال عليه ، والمحتال أيضا رضي بأخذ طلبه من فلان ،
من دون معاوضة دين بدين والرضا فيها.
__________________
قوله
: إلّا أن يقال بعدم الضمان بلفظ الحوالة في هذه الصورة أو مطلقا .. إلى آخره
.
لمّا كان في
المسألة خلاف عظيم ، لا يمكن إثبات شغل ذمّة المحال عليه بمحض إطلاق لفظ الحوالة ،
إذ لعلّه اجتهد فرأى جريان الحوالة في المشغول وغيره ، أو قلّد من رأى ذلك ، أو لم
يجتهد ولم يقلّد إلّا أنّه اعتقد كذلك ، أو كان يعتقد عدم الجريان إلّا أنّه
باعتقاد أنّ المحيل كان يعتقد الجريان ، ولذا قال : أحلت ، وأمثاله ما أمكن عليه
في إطلاقه ، أو غير ذلك.
نعم ، إن اعتقد
أنّ الحوالة لا تكون بالبرء وصرّح ـ مع ذلك ـ بأنّ معاملتنا كانت حوالة ثمّ ادّعى
أنّ مرادي من الحوالة كان معناه المجازي من دون نصب قرينة ، أمكن أن يقال : إنّك
اعترفت بشغل ذمّتك فلا يسمع منك دعوى المجاز من دون قرينة ، كما هو الحال في سائر
الأقارير.
قوله
: وإلّا يلزم عدم الرجوع إلى المحتال ، ولا المحال عليه .. إلى آخره .
لا وجه لما
ذكره أصلا ، إذ على تقدير صحّة الحوالة وعدم طروء الفساد أصلا يلزم أن يكون
المحتال مشغول الذمّة بردّ الثمن ، فإذا عاوضه دين المحال عليه صار ملكا له بإزاء
ثمن المبيع الّذي اشتراه المشتري ، فاستحقاقه إنّما هو من جهة المبيع الّذي كان
ملكا له وجعله ملكا للمشتري ، فإذا ردّ المشتري ملكه بوجه صحيح شرعيّ استحقّ ما
أعطاه بإزاء المبيع ، ولا يمكن الجمع بين العوض والمعوّض عنه ، ومعنى فسخ البيع :
جعلت مال البائع راجعا إليه بإزاء رجوع مال المشتري إليه.
__________________
وبالجملة ، لا
فرق بينه وبين أن يأخذ البائع الثمن ويشتري به شيئا أو يتلفه بأيّ نحو كان ، فإنّ
المشتري عند الفسخ يأخذ عوض ثمنه البتّة ، وسيجيء في الحاشية [ التالية ] ما له
دخل في المقام.
قوله
: ويفهم ذلك من « الشرائع »
، وقد نقل
في « شرحه » الإجماع
عن الشيخ [ في الصحّة هنا ] .. إلى آخره
.
وصرّح به في «
القواعد » ، مع أنّه واضح أيضا ، فإنّ البائع لو أخذ الثمن من
المشتري وقضى به دينه ، أو اشترى به شيئا ، أو تزوّج بامرأة وجعله المهر ، أو غير
ذلك ثمّ انفسخ البيع ، لا يمكن للمشتري الرجوع إلى البائع إلّا بعوض ثمنه ، ولا
تسلّط له على عين ثمنه قطعا.
وأمّا إذا
ادّعى عوض ثمنه شيئا برضى من البائع ، مثلا : كان الثمن دراهم فاعطي دنانير ، أو
حنطة ، أو غيرهما ، فإذا فسخ البيع يحتمل أن يكون له الرجوع بعين ما أدّاه ، إذ في الحقيقة
هو صار عوض مبيعه ، وهو الّذي وصل إلى البائع عوض ملكه ، وهو الّذي وصل المبيع
إليه بإزائه ، وهو الّذي وقع التقابض به والتسليم به.
فللمشتري أن
يقول : ردّ عليّ ما سلّمت عوض المبيع وقبّضتك وقبضت مبيعك بإزائه ، إذ لو لا البيع
لما سلّمت وأقبضت.
وبالجملة ،
المتعارف في الديون أنّ الديّان يأخذ حقّه بأيّ نحو كان ، ويصل إلى حقّه بأيّ
وسيلة ، سواء كان عين حقّه أو مثله أو عوضه برضى منهما ، لكن إذا
__________________
طرأ الفساد يردّون عين ما أخذوا ، وللديّان التسلّط في ردّ عين ما أخذ ،
وللمديون أيضا التسلّط في أخذ ما أعطاه إن كان باقيا ، لأنّ إعطاء العوض لم يكن
إلّا أنّه عوض حقّه الّذي استحقّه ، ولو لاه لما كان يعطي ولا يعاوض أيضا ، بل ما
أعطاه إلّا خروجا عن حقّه وبراءة منه ، فإذا ظهر عدم الحقّ ظهر أنّ الإعطاء حاله
حال الحقّ.
قوله
: [ وهذا هو الفرق بين الصورتين ] ، فتأمّل فيه .. إلى آخره
.
لا تأمّل فيه
ظاهرا ، لأنّ مدار الفقهاء في الفرق بين صور البطلان من الأصل ، والبطلان من الحين
على ما ذكر ، والشارح أيضا وافقهم في المواضع الأخر ، على ما هو ببالي.
قوله
: على أنّا ما نعرف سبب منع ذلك ، إذا كان بالرضا .. إلى آخره
.
قد مرّ في
الضمان ما به يعرف ، وذلك لأنّ اشتغال ذمّة المحيل شرط كذمّة المضمون عنه
، فقبل الأجل لم يصر مشغول الذمّة .
نعم ، يصحّ
مؤجّلا كالأصل ، لأنّه كان كذلك في ذمّة المحيل ، فينتقل كذلك في ذمّة المحال عليه
، وأمّا العكس فجائز بلا غبار ، وهو ظاهر ، وقد كتبنا في الضمان ما به ينقّح الحال
، فتأمّل.
قوله
: وأيضا ، غير ظاهر اشتراط التساوي جنسا ، إلّا أن يكون مجمعا عليه ، إذ قد يجوز
ذلك أيضا بالرضا .. إلى آخره .
قد عرفت أنّ
الحوالة نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فلو كان في
__________________
ذمّة المحيل دراهم ـ مثلا ـ وفي ذمّة المحال عليه حنطة ، فالحوالة على
المحال عليه بما هو في ذمّة المحيل مثل الحوالة على البريء ، لأنّ ذمّته كانت
بريئة من الدراهم ، فإن كان رضي بمجرّد صيغة الحوالة يصير ضامنا كما مرّ ، وله
الرجوع على المحيل بما ضمنه ، وللمحيل الرجوع عليه بما في ذمّته.
وإن رضي بشرط
أن يكون عوض ما في ذمّته ، فهو ضمان بشرط ، ولا يصلح أن يقال : لعلّه حوالة بشرط ،
لما عرفت من أنّ نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه مع براءة ذمّته وعدم
اشتغالها لا وجه له ، إلّا أن يكون ضمانا في المعنى.
على أنّا نقول
: شرط التساوي تحقّق هنا أيضا ، لأنّ المراد تساوي ما في ذمّة المحيل الّذي انتقل
إلى ذمّة المحال عليه ، وصار عوضا عنه فيما في ذمّة المحال عليه الّذي اشتغل ذمّته
به مساو جنسا ووضعا وقدرا ، فالعوضان متساويان في الأمور ، ومرادهم تساوي العوضين.
وأمّا ما كان
في ذمّة المحال عليه وتبدّل بالعوض الّذي صار عليه من عقد ، فهو أمر خارج عن
الحوالة ، غير داخل في عوضها ، ولا في ثمرة الحوالة وأثرها ، وهو الانتقال من ذمّة
إلى ذمّة أخرى.
وأمّا إذا رضي
المحتال بما في ذمّة المحال عليه فوقع معاوضته مع المحيل ، وإذا لم يقع معاوضة معه
بأن قال المحيل : خذ مالك في ذمّتي عوض حنطة من فلان ، وقبل ورضي ، فليس من
الحوالة ، إذ ليس نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، بل هو استيفاء حقّ
بحت ، ومفاوضة في مقام الاستيفاء ، كسائر الاستيفاءات للديون ، كما عرفت فيما سبق.
وبالجملة ،
الحوالة الّتي ذكرها الفقهاء وعرّفوها ، وظهر معناها من اللغة
والعرف ـ على ما عرفت في أوّل البحث ـ وثبت صحّتها وأحكامها من الأدلّة ،
لا تتحقّق بغير التساوي في الأمور المذكورة ، مثلا إذا أحال المحيل بأكثر ما في
ذمّته لم يكن الزائد في ذمّته ، فكيف ينتقل من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه؟!
ولو كان الأمر بالعكس ، بأن يكون ما في ذمّة المحيل أكثر ممّا في ذمّة المحال عليه
، فيكون الزائد حوالة على البريء ، وقد عرفت أنّها في الحقيقة والمعنى ضمان ، ومع
ذلك عرفت تحقّق التساوي ، إذ على تقدير دخول الحوالة على البريء في الشرط المذكور
، فلا جرم مرادهم من التساوي تساوي ما في ذمّة المحيل مع ما في ذمّة المحال عليه
بعد تحقّق الحوالة ومن جهة الحوالة ، كما لا يخفى.
الكفالة
قوله
: أو يتمكّن بمشقّة عظيمة وما طلبه المكفول له منه .. إلى آخره
.
لم يشر أحد إلى
عدم التجويز ، مع أنّهم لو لم يجوّزوا هنا لزمهم فهم عدم التجويز في الضمان وأداء
الدين وأمثالهما بطريق أولى ، لأنّه ضرر من أوّل الأمر ، والكلّ جوّزوا ، وورد به
الأخبار ، وفعله الأئمّة عليهمالسلام .
سلّمنا عدم
تجويزهم ، لكن لا يقتضي ذلك الاشتراط.
أمّا في صورة
عدم الضرر ـ وهو الغالب الشائع ـ فظاهر ، وأمّا في الصورة النادرة ، فلأنّ غاية ما
اقتضاه عدم التجويز هو عدم الضرر ، وذلك لا يقتضي اشتراط الإذن ، إذ وجه عدم الضرر
غير منحصر في الاشتراط ، مع أنّ المعروف من كلام الفقهاء أنّ الكفيل يرجع بما
اغترمه على المكفول ، وإن كان الكفالة بغير اذنه.
قوله
: ولهذا لا يجوز للمكفول له منعه عن ذلك السفر إذا كان دينه مؤجّلا بأجل قليل جدّا
.. إلى آخره .
هذا علّة لعدم
جواز منع الكفيل ، وإن وقعت الكفالة بإذنه وقلنا بأنّ الإذن والرضا للمكفول شرط ،
فلا يناسبه أن يجعل ما ذكره من عدم تجويز مثل هذا
__________________
الضرر علّة لاشتراط رضاه ، وإن كان علّة للاشتراط فليس إلّا أنّ العقد معه
صحيح وبدونه لا دليل على صحّته ، إذ لا إجماع ولا عموم ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى
الفرد المتعارف ، ولم يتعارف الكفالة بغير رضا المكفول ، إلّا أن يدّعي كونه أيضا
من الأفراد المتعارفة ، أو أنّ إطلاقه ظاهر في العموم ، فليلاحظ وليتأمّل!
قوله
: إن جاء زيد فأنا كفيل به ، أو إن طلعت الشمس ، وبذلك كلّه [ قال الشافعي ] ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ
قول : كفلت ، وأنا كفيل ، وأمثالهما إنشاء للكفالة من حين العقد ، يعني : أنا صرت
كفيله ، أو الآن كفيله ، على ما هو مقتضى العقود ، فإذا ضمّ إلى ذلك قوله : بعد
شهر ، أو إن طلعت الشمس ، وأمثالهما ، يعني المعنى : أنا الآن ما صرت كفيله ، ولست
الآن كفيله ، وأمثالهما ، فيحصل التدافع ، لأنّ العقد إنشاء الأمر بمحض التكلّم
ومن حينه فيثبت من الحين ، وقوله : بعد شهر ، معناه لم يحدث ولم يحصل من الحين.
اللهمّ ، إلّا
أن يرفع اليد عن الإنشاء ، ويجعل خبر أو عدة لا عقدا ، فيبطل إن أريد العقد ، أو
يجعل المعنى : أنا الآن كفيل إلّا أنّه لي أن لا أسلّمه إلّا بعد شهر ، فيصحّ
العقد.
وأمّا صحّة
إجارة الشهر الآتي غير متّصل بالعقد ، فعلى القول بالصحّة ، لكونه ملكا له حين
العقد ، من غير فرق بينه وبين المتّصل ، كما مرّ تفصيله.
قوله
: [ ولو قال : أنا أحضره أو أؤدّي ما عليه ] لم يكن كفالة
.
بل وعدة وشرط
غير داخل في عقد الكفالة ، ولا غيره من العقود المعهودة
__________________
المذكورة في كتب الفقهاء ، وعقودهم منحصرة فيما ذكروه ، كما لا يخفى ، مع
أنّ الوعدة لا تكون عقدا ، كما عرفت وستعرف.
ومراد المصنّف
أنّ الكفالة وإن كان حكمها ما ذكر إلّا أنّه لا يصحّ أن يكون عقدها كذلك ، لعدم
التعيين في الكفالة.
قوله
: لعموم أدلّة صحّتها ، خصوصا : « المسلمون عند شروطهم » ، الثابت بالرواية
الصحيحة
، والقول
به للعامّة والخاصّة .. إلى آخره
.
قد عرفت [ أنّ
] حمل مثله على سبيل اللزوم والعموم يوجب تخصيص العام بالقدر الّذي لا يرضى به
المحقّقون ، إذ الشروط والعهود الّتي يجب الوفاء بها عند الفقهاء منحصرة في
النوافل الشرعيّة المعهودة المضبوطة في كتب الفقه.
سلّمنا الوجوب
، لكن غاية ما ثبت منها وجوب الوفاء بما شرط وعهد ، ومقتضى ذلك ليس إلّا العقاب
على الترك ، لا تحقّق ثمرات الكفالة ، وإن جعل ثمراتها شرطا وعهدا ، فتأمّل جدا.
وأمّا عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، فسيجيء في كتاب الشركة بعض ما ينبغي أن يلاحظ
ويتأمّل ، مع أنّه يمكن أن يقال : بمجرّد العقد صار الإحضار
حقّا للمكفول له ، فإن كان معيّنا ثبت المطلوب ، وإن كان غير معيّن ، فمن المعلوم
__________________
أنّ غير المعيّن لا يتحقّق في الخارج ، فكيف يكون غير المتحقّق في الخارج
حقّا ثابتا في الخارج بمجرّد العقد ومن حينه؟! نعم ، يصير الكلّي ثابتا في الذمّة
، لتحقّقه بتحقّق فرده ، وأمّا غير المعيّن فلا يوجد ولا يتحقّق ، فلو جاز كفالة
غير المعيّن لجاز بيع غير المعيّن وإجارته ، فتأمّل جدّا.
نعم ، يمكن أن
يقال : جعلت هذا حقّك فإن لم أسلّم فعليّ كذا ، لا أن يقول : فإن لم أجعله حقّك
فعليّ كذا.
فعلى هذا ،
يصحّ أن يقول : كفلت زيدا فإن لم أحضره أؤدّي ما عليه ، وبعد الأداء يسقط حقّ
الكفالة ، بخلاف أن يقول : كفلت زيدا فإن لم أحضره فعليّ إن أحضر عمرا ، أو : فأنا
كفيل بعمرو.
فإن كان المراد
الكفالة عنهما ، أحدهما بالأصالة والثاني بالشرط في ضمن العقد لا بعقد الكفالة
لعدم صحّة التعليق ، يكون صحيحا ، وإن أراد أنّ حقّ كفالة زيد يكون ساقطا فلا يكون
صحيحا بالنسبة إلى كفالة زيد ولا بالنسبة إلى كفالة عمرو ، وذلك ظاهر.
قوله
: لأنّ المتلقّاة صحّة الكفالة مجملة ، بحيث يصدق عليه .. إلى آخره .
هذا يتوقّف على
ثبوت الكلّية بدليل ظاهر ، وقد عرفت التأمّل في العموم الّذي ادّعاه ، إلّا أن
يقال : عموم ( أَوْفُوا ) لا تأمّل فيه بحيث يشمل ما ذكر ، لأنّه عقد يدلّ على
كفالة بمعونة القرينة ، إن كانت قرينة واضحة لا يكون تأمّل فيها ، إذ حمل كلام
العاقل على الممكن لا يقتضي تعيين ما ذكره ، إذ لعلّ مراده
__________________
إظهار عدم الكفالة الشرعيّة أو المزاح والمطايبة.
وأيضا ، لا بدّ
من صحّة الإطلاق ، إذ ليس كلّ جزء يصحّ أن يعبّر عن الكلّ بلفظه ، ومرّ الكلام في
أمثال المقام في كتاب البيع .
قوله
: الأصل وعموم أدلّة الكفالة دليله ، والظاهر أنّه لا خلاف في المؤجّل .. إلى آخره
.
قد علمت ـ
مكرّرا ـ أنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي ، وهذا يتوقّف على الدليل قطعا ،
وإن لم يكن دليل فالأصل بقاء الحال على ما كان سابقا على العقد ، للاستصحاب وقولهم
ـ صلوات الله عليهم ـ : « لا تنقض اليقين بالشكّ » وغيره ،
فالأصل عدم الصحّة.
مع أنّ معنى
كون الأصل الصحّة ، كون كلّ عقد يتحقّق من أيّ شخص بأيّ نحو أراد وأيّ كيفيّة فعل
يكون شرعيّا أو صادرا من الشرع وثابتا منه ، ولا يخفى فساده وانحصار العقود
الثابتة من الشرع ـ بإجماع المسلمين ، والضرورة من الدين ـ في عقود معروفة.
شرائط الكفالة
وأحكامها
قوله
: لأنّ ذلك مقتضى الكلام عرفا ، وهو المتبادر عند الإطلاق.
إلى
__________________
آخره
.
قد عرفت أنّ
العقد إنشاء ، وتحقّق الإنشاء من الحين ولا يمكن غيره ، لا أنّه مقتضى الكلام عرفا
وأنّه المتبادر ، بل المتبادر منه أنّه يحضره من الحين إن شاء ، وهو مقتضى إطلاق
العقد ، لأنّه لم يقيّده بأجل ووقت.
قوله
: مثل إدراك الغلّات ومجيء القوافل
.
لا يخفى أنّهما
معيّنين عند المتعاقدين ، وإلّا فهما متعيّنان في الواقع ، فإذا كان غير معيّن في
الواقع أيضا ، مثل : هذا الشهر أو الشهر الآتي ، فضرره أزيد ، للغرر وعدم التعيّن المنافي للعقد
اللزومي ، كما عرفت.
وإذا كان مثل
إدراك الغلّات غررا ومضرّا ، فمثل أحد هذين أيضا غرر ومضرّ ، فكيف حكم الشارح
بصحّته؟!
قوله
: وعن الصادق عليهالسلام أيضا
قال : « قلت له : رجل
كفّل بنفس رجل فقال : إن جئت به وإلّا فعليّ خمسمائة درهم ، قال : عليه نفسه .. »
.. إلى آخره .
أي بعد ما صار
كفيلا ، يعني : قال ذلك بعد تمام العقد ، فأجاب عليهالسلام بأنّه حينئذ كفيل أبدا ولا عليه شيء من الدراهم ، إذ
لا وجه لاشتغال ذمّته بها بمجرّد هذا الشرط من الخارج ، فلو قال : عليّ خمسمائة
درهم إن لم أدفعه إليه حين عقد الكفالة وابتداء أمره يلزمه الدراهم إن لم يدفعه
إليه ، لأنّه شرط في ضمن عقد
__________________
لازم من طرفه.
والمشعر بما
ذكرناه ، كون الأوّل عقيب الكفالة ، بمقتضى دلالة الفاء ، وظهور تحقّق تماميّة
الكفالة من قوله : « رجل كفّل بنفس رجل » ، فظهر بقرينة المقابلة أنّ الثاني مفروض
في خلاف الأوّل ، وهو عدم كون قول : عليّ خمسمائة درهم .. إلى آخره ، بعد تماميّة
عقد الكفالة وعقيبه ، بل يكون حينه ، وابتداء أمره فيه.
وقوله : ( إلّا
أن يبدأ بالدراهم ) أيضا مشعر كما سنذكر ، إذ الظاهر أنّ الحديثين واحد ، كما
صرّح به الشارح رحمهالله ، وحكم به الذوق السليم ، وأنّ تفاوت المتنين حصل من
تأدّي المقصود بعبارة الراوي ونقله الحديث بالمعنى ، إذ هو صحيح عندهم ، ورووا في
صحّته أخبارا ، كما هو ببالي ، وبالتتبّع يحصل القطع بما ذكرناه.
لكن ذكر أنّ في
نسخة « الكافي » هكذا : فقال : « إن جئت به ، وإلّا فعليك خمسمائة درهم » . الحديث ، بعد
قوله : « رجل كفل لرجل بنفس رجل » ، فيظهر من هذا أنّ الضمير في « قال » راجع إلى
الرجل المكفول له المذكور في الحديث ، فالحكم ـ حينئذ ـ واضح ، لأنّ بمجرّد قول
المكفول له ذلك لا يلزم على الكفيل شيء.
نعم ، إن قال
الكفيل ذلك من قبل نفسه ، بأن قال هو ـ يعني الكفيل ـ : عليّ
__________________
خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه ، قال ذلك ابتداء من قبل نفسه ، يلزمه
الدراهم ، قال ذلك حين العقد كما هو الظاهر ، فيكون شرطا في ضمن عقد ، ولا مانع
منه.
ولا يلزم من
ذلك كون الكفالة معلّقة كما لا يخفى ، والدراهم المذكورة إمّا نفس حقّ المكفول له
أو غيرها ، بأن يكون نذرا أو جعالة على حسب ما سيشير إليه الشارح رحمهالله .
ويمكن أن يكون
ذلك القول بعد العقد أيضا ، لكن حصل التراضي ذلك الحين إذا احتاج إلى التراضي ،
لكن لا بدّ من تحقّق شرائط النذر أو الجعالة ، فليتأمّل ، مع أنّه بعيد إرادتهما ،
سيّما الثاني.
نعم ، النذر لا
يخلو عن قرب على رواية الكليني ، فتأمّل.
ولا يخفى أنّ
الرواية الثانية رواها الشيخ ، عن الكليني ، وقد عرفت أنّ الكليني كيف رواها ،
فالظاهر أنّ ما في « التهذيب » فيه خلل ، والظاهر أنّ الروايتين واحد كما أشرنا ،
وأنّها كما رواها الكليني ، لأنّه أضبط ، وهو ما روى غيرها لما عرف فيه من الخلل ،
فلا حاجة إلى التوجيه ، فتأمّل!.
قوله
: وجهه ظاهر ، وكأنّه مجمع عليه للأصحاب ، والغرض منه الردّ
على بعض
العامّة [ حيث أوجبوا المال على الكفيل ] .. إلى آخره
.
إن كان الوجه
الظاهر عدم إمكان الإتيان به وإحضاره ، فيلزم من هذا أن لو كان محبوسا عند ظالم
مانع مدّة عمره ، أو الوقت الّذي جعل في ذمّته إحضاره
__________________
فيه ، أو كان مريضا لا يمكن إحضاره كذلك ، أو غائبا لا يدري موضعه ، أو
أمثال ذلك ، ومنها عدم قدرته على إحضاره ـ من تغلّبه وتسلّطه ـ يصير بريئا أيضا ،
فلا وجه للتخصيص بالموت.
والبناء على
أنّ ذكره من باب المثال بعيد ، مع أنّ المناسب في المثال ذكر ما هو أخفى ، إذ
يحتمل أن يكون الوجه فوت ما وقع عليه العقد وانعدامه ، وإن كان الظاهر في النظر
عدم الفرق بينه وبين ما لا يمكن إحضاره.
وربّما يظهر من
كلام البعض أنّ الكفيل ، إذا لم يتمكّن من الإحضار ولم يكن مقصّرا لم يكن عليه شيء
، حيث قال : ( ولو انقطع خبر المكفول لم يكلّف الإحضار ، لعدم الإمكان ، فلا شيء
[ عليه ] ، لأنّه لم يكفل المال ولم يقصّر في الإحضار ، وكذا إذا مات أو سلّم نفسه
أو سلّمه أجنبيّ ) انتهى.
لكن في «
القواعد » في صورة الهرب أو انقطاع الخبر حكم بإلزام الكفيل بأحد الأمرين ـ
الإحضار أو إعطاء ما عليه ـ واحتمل براءة ذمّة الكفيل ، واحتمل أيضا الصبر .
والأصل في ذلك
أنّ مضمون العقد إن كان الإحضار مطلقا سواء أمكنه أم لم يمكنه ، تصير صورة عدم
الإمكان ـ في الحقيقة ـ راجعة بالمال إلى إعطاء حقّه ، وما ادّعاه على المكفول ،
فحينئذ يلزم بأحد الأمرين ـ كما ذكره العلّامة ـ والميّت خرج بالإجماع ، إن تمّ.
وإن كان مضمونه
الإحضار إن أمكن وتيسّر ، لا إن لم يمكن ، كما هو الحال في سائر العقود ، فإن كان
الكفالة لم يكن لنهايتها حدّ محدود ـ وإن كان لبدايتها
__________________
حدّ محدود ـ فالصبر متعيّن ، وإن كان لها حدّ محدود ولم يتيسّر الإحضار إلى
انقضاء الحدّ ، فبراءة ذمّته متعيّنة ، مع احتمال الصبر حينئذ أيضا ، بأن يقول
المكفول له : لي حقّان ، حقّ الإحضار ، وحقّ كون ذلك في الوقت المعيّن ، فإذا لم
يتيسّر أحد الحقّين لم يسقط الآخر ، فتأمّل.
فيمكن أن يكون
تعيين أحد الأمرين حين العقد لازما للخروج عن الإجمال المنافي له والإشكال الوارد
عليه ، فتأمّل جدّا.
الصلح
قوله
: ثابت بإجماعهم من غير نقل نزاع عنهم فيه .. إلى آخره
.
والدليل على
ذلك ـ بعد الإجماع ـ أنّ الصّلح والإصلاح لغة وعرفا هو إزالة الفساد ، لا إزالة
الخصومة والنزاع بخصوصه ، ومعلوم أنّ الصلح إذا لم يتحقّق يكون هناك إفساد من جهة
عدم ترتّب أثر شرعيّ ، لأنّ الفساد في مقابل الصحّة ، والصحّة في المعاملات عبارة
عن ترتّب الأثر الشرعيّ ، فتأمّل.
قوله
: ولأنّ
للناس ما
يفعلون في أموالهم عقلا ونقلا .. إلى آخره
.
لا يدلّ هذا
على الصحّة شرعا ، فإنّ الصحّة حكم شرعيّ يحتاج إلى دليل ، وتسلّط الناس على
أموالهم يقتضي إباحة تصرّفاتهم ، وعدم المنع شرعا.
أمّا كونها
مثمرة الثمرات الشرعيّة ، فإنّ الناس لا يسلّطون على الجعل في الشرع ، بأنّهم متى
ما أرادوا أن يصير شيء شرعيّا يصير شرعيّا بمحض اشتهائهم وإرادتهم.
قوله
: وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : في الرجل يعطي
أقفزة من حنطة معلومة يطحنها بدراهم .. إلى آخره
.
لا دلالة فيها
على الصلح ، بل على أنّ شيئا إذا صار اصطلاحا بينهم
__________________
وقاعدة منهم فيمشون على اصطلاحهم لا يكون له مانع شرعيّ.
قوله
: [ يدفعون ] وهم من يتوهّم من الجهّال .. إلى آخره
.
بل توهّم غير
الجهّال أيضا ، فإنّ النهي عند المحقّقين في المعاملات لا يقتضي الفساد ، فيتوهّم
صحّة الصلح على الحرام.
قوله
: ولعلّ المراد أنّه إذا لم يكن أحدهما [ عالما ] ببطلان دعواه .. إلى آخره
.
يمكن أن يكون
المعنى أنّ المنكر مع إنكاره يصحّ أن يصالح ، وليس هذا الصلح مخالفا لإقراره
ومنافيا له ، إذ إنكاره يقتضي أن لا يكون في ذمّته حقّ أو مال أو عين ، والصلح عن
دعواه ربّما يوهم الإقرار بحقّ أو غيره ، إذ لولاه لما صالح ، والمراد من الصحّة
ليس إلّا ترتّب أثر شرعيّ في الجملة ، فتأمّل!
قوله
: ويشترط فيهما التملّك ، فلو كان غير مملوك .. إلى آخره
.
إن كان مالا ،
لا مطلقا ، إذ يصحّ الصلح على أيّ حقّ يكون.
قوله
: [ إلّا أن يعلمه ] ويصرّح بـ ( مهما كان ) .. إلى آخره
.
ربّما كان بعض
المقامات في التصريح بـ ( مهما كان ) إشكال ، إذ ربّما يتوهّم الوصول إلى مقدار
ولذا يرضى ، ولو علم أنّه أزيد لا يرضى.
وبالجملة ،
يظهر على المعامل أنّه إن كان يصرّح بأنّه أيّ قدر لا يرضى أن
__________________
يصالح بالنحو المعهود بينهم ، ولذا يجعل قوله : ( مهما كان ) حيلة لاستحلاله.
نعم ، إن علم
يقينا أنّه إن أخبر بالواقع أيضا يرضى على طريقة رضاه بقول : ( مهما كان ) ، من
دون فرق يمكن أن يكون كافيا ، مع إشكال ما فيه أيضا ، إذ ربّما يكون يقينه خطأ ،
كما يتحقّق كذلك كثيرا ، ولذا يقين كلّ عالم أو فقيه لا يصير حجّة على غير المقلّد
، وأمّا المقلّد في الفروع الفقهيّة فيكفيه ظنّه أيضا ، فتأمّل.
قوله
: بأنّه البطائني الواقفي المردود .. إلى آخره
.
لكن الشيخ في «
العدّة » ادّعى إجماع الشيعة على العمل بروايته .
قوله
: ولعلّ وجه جواز الإبطال بالتراضي والتقايل الإجماع .. إلى آخره
.
ويدلّ عليه ـ
أيضا ـ عموم قوله عليهالسلام : « من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة » ، ويدلّ في
سائر العقود أيضا.
قوله
: على أنّ في إشعار الخبر بكونه في الانتهاء مناقشة .. إلى آخره
.
لعلّ مراده من
الإشعار قوله : « إذا اشترط .. إلى آخره » ، فإنّ كلمة ( إذا ) إذا دخلت على الماضي ربّما يفيد
أنّ الشرط يكون الآن لا من حين العقد ، لأنّه مخالف لمقتضى العقد ، فيكون مخالفا
للكتاب كما قال المعصوم ، لأنّ مقتضى
__________________
الشركة أن يكون النماء تابعا للعين ، وكذا التوى.
وما ذكر إنّما
هو بعد فسخ الشركة.
في أحكام الصلح
قوله
: ويد الثالث كيدهما [ إلى قوله : ] ظاهر أنّ
لكلّ واحد منهما حلف
صاحبه .. إلى آخره .
مفروض المسألة
، كون الدرهمين في يدهما ، ومقتضى اليد الملكيّة ، فظاهر الشرع ـ مع قطع النظر عن
الدعوى ـ أنّ الدرهمين بينهما بالمناصفة.
فمدّعي المجموع
مدّع للقدر الّذي هو في يد الآخر وملكه بظاهر الشرع من جهة اليد ، ومدّعي الواحد
منكر خالص ، فكيف ينقسم حقّه بنصفين ، نصف لمدّعي الكلّ ، والآخر له؟! بل لا بدّ
من البيّنة من المدّعي ، وعلى المنكر اليمين ، وبالردّ اليمين على المدّعي ، فلو
نكل لا يكون له حقّ إن لم يقض بالنكول ، وإلّا فبمجرّد نكول المنكر يصير الدرهم
مال المدّعي ، فإن حلف فلا حقّ للمدّعي.
نعم ، ما ذكره
حقّ إذا لم يكن الدرهم في يدهما ولا يد غيرهما ممّن يصدّقهما ، إلّا أن يقال :
إقرار المنكر بأنّ نصف الدرهمين للمدّعي أخرج النصف عن محلّ النزاع ، وبقي النصف
الآخر ، ولمّا كان ذلك النصف أيضا في يدهما على السواء ، قسم بينهما بنصفين.
__________________
لكن ينبغي
تقييد المسألة بالإقرار المذكور ، ومع جريانها في صورة الإشاعة لا يخلو عن إشكال ،
فتأمّل!.
قوله
: أي لو تداعى اثنان الغرفة الّتي على بيت أحدهما ولها باب إلى الجانب الآخر ،
الّذي هو في تصرّف المدّعي الآخر .. إلى آخره
.
اعلم أنّ
الغرفة إمّا أن يكون لها باب إلى جانب صاحب الأسفل وباب إلى جانب الآخر ، أو بابها
منحصر إلى جانب الآخر ، بأن لا يكون لها باب أصلا إلى جانب الأسفل ـ أعمّ من أن
يكون لها باب آخر إلى جانب شخص آخر لا يدّعي الملكيّة أم لا ـ والأوّل يكون الحكم
كما ذكره ، ووجهه ظاهر.
وأمّا الثاني ،
فالحكم بترجيح صاحب الأسفل مشكل ، لأنّ انحصار الباب إلى جانب الأخر علامة كونها
في تصرّفه بلا شبهة ، وهم بين قائل بكون هذه مساوية لتبعيّة الهواء بالملك ، وقائل
بكونها أقوى ، لكون يده عليها بالذات ويد مالك الهواء بالتبعيّة والذاتيّة.
بل المتعارف في
عرفنا ـ في أمثال هذه الأزمان ـ عدم كون مثل هذه الغرفة لصاحب السفل ، بل تكون
لصاحب الباب ، فتأمّل.
ويمكن تنزيل
كلام الشارح رحمهالله على الأوّل ، حيث قال : ( ولها باب إلى الجانب الآخر ) ، بعنوان
النكرة ، مضافا إلى تعارف كون الباب إلى جانب صاحب السفل ، وندرة انحصار الباب إلى
جانب الآخر ، فتأمّل.
وبالجملة ، إذا
لم يكن لصاحب الأسفل طريق إلى دخول الغرفة ولا يتمكّن من التصرّف فيها بالدخول
ووضع شيء فيها ، وغير ذلك من التصرّفات الّتي
__________________
وضع الغرفة لها وهي المقصودة منها ، ويكون للآخر الجار منعه من الدخول
والخروج وغيرهما من تلك التصرّفات ، فكيف يحكم بكون الغرفة للأسفل بغير إشكال؟! لو
لم نقل لا يمكن الحكم بكونها له ، فتأمّل!.
قوله
: فالمشهور لا بأس به ، ولا اعتبار بما تقدّم من « شرح الشرائع »
.. إلى آخره
.
لا بأس بما قال
، لأنّ الشهرة جابرة ، ولعلّ الأصحاب عملوا بها ، كما نقله ويظهر من نقله.
نعم ، ما ذكره
من كونه حكمه حكم الجدار ، فيه ما فيه ، واحتمال كونها قضيّة في واقعة ، أيضا فيه
ما فيه.
قوله
: ( أو يحفر بالوعة أو مرتفعا يجرّ ماءه
إلى بئر جاره ) ،
لما تقدّم .. إلى آخره
.
غير بعيد ،
لأنّ قولهم ـ صلوات الله عليهم ـ : « الناس مسلّطون على أموالهم » وأمثاله وإن
كان عامّا ، إلّا أنّ قولهم عليهمالسلام : « لا ضرر ولا ضرار » وأمثاله أيضا
عامّ ، بل يظهر من غير واحد من الأخبار التأكيد والتشديد في
__________________
التهديد في أذيّة الجار ، والمؤمن ، والأخ المسلم ، وسيجيء عن
العلّامة أنّ ما ذكره ليس من الإجماعيّات ولا ثابتا من إجماع ، بل إنّما هو عن
اجتهاد اجتهده من العموم .
نعم ، إن تضرّر
بعدم تصرّف في ملكه بذلك التصرّف أزيد من الضرر الّذي يحصل على جاره أو مساو له
يمكن أن يقال بالجواز ، وإن كان تحمّل هذا الضرر أيضا أولى وأحوط ، والله يعلم.
قوله
: [ أن تكون الأجرة ] بعد حذف الأرش ، فافهم! وأمّا الأرش ، فيحتمل أن يكون هو عوض
[ ما نقص آلات الوضع ] .. إلى آخره
.
لعلّه بناء على
ما ذكره من أنّه ليس له القلع مجّانا ، إذ على تقدير عدم الأرش يكون اللازم عليه إبقاؤه ،
ومع اللزوم والوجوب كيف يستحقّ الأجرة؟! وفيه تأمّل ، لأنّ مثل هذا اللزوم لم يثبت
مانعيّته عن أخذ الأجرة ، إذ كثيرا ما يجب أن يؤاجر المسلم لاضطراره ، ومع ذلك
يجوز أخذ الأجرة ، وكذا الحال في بيع شيء منه وغيره لاضطراره إليه ، وقد مرّ
التحقيق في كتاب المتاجر .
قوله
: والتزم ذلك ، فصار لازما ، لأنّ « المسلمون عند شروطهم » .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ، إذ
لا تأمّل لهم أنّ العارية بنفسها من العقود الجائزة البتّة
__________________
خارجة عن العقود اللازمة بلا تأمّل ، بل هو مجمع عليه عندهم ، لا أنّه مثل
البيع وغيره من العقود اللازمة إلّا أنّه يعرضه جواز في الجملة.
فالأولى ما
قاله من أنّه يستلزم الضرر « ولا إضرار في الإسلام » ، وهو بعمومه
يشمل ما نحن فيه ، لأنّه يقال عرفا : إنّه أضرّه ، لأنّه وثق بكلامه وعهده وعهدته
، وهو يعرف أنّه لا يفعله إلّا ثقة بقوله ، وأنّه لا يرجع وإن كان يعرف أنّ له
تسلّط الرجوع ، وهذا معنى آخر.
مع أنّه أيضا
محلّ نظر ، لأنّ دليل جواز العارية إن كان الإجماع فهو غير منعقد في مثل هذه
الصورة ، وإن كان الأخبار فلعلّه لا يسلم شمولهما لمثل ما نحن فيه ، بأن يرجع
بالإضرار والإفساد والإتلاف للحقوق المحترمة مجّانا بغير تدارك أصلا.
وأمّا مع
التدارك والأرش ، فلعلّه له وجه ، لكونه جمعا بين الحقّين مهما أمكن ، مع أنّه
يمكن التأمّل فيه من جهة ما ذكره الشارح ، لكن ربّما يعرض المالك اضطرار شديد إلى ماله وضرر
عظيم في الإبقاء.
قوله
: مع أنّ العادة قاضية بأنّ مثل هذه العارية [ إنّما تكون للدوام ] .. إلى آخره
.
فيه ، أنّه لا
كلام في أنّه أعاره للدوام ، ومحلّ النزاع ليس إلّا هذا ، إنّما الكلام من جهة أنّ
العارية من العقود الجائزة يجوز الرجوع فيها ، وأمّا أنّ العارية لا تكون على سبيل
الدوام بل إلى مدّة ، فلا شكّ في أنّه بعد انقضاء المدّة له أخذ ملكه ، والمستعير
يجب عليه ردّه ، وكذا إذا لم يعلم الشمول إلى هذا الوقت ، فإنّ الأصل
__________________
عدم الشمول.
والملك إذا لم
يكن عارية يجب ردّه على مالكه قطعا إذا طلبه أو لم يطلب ، لكن عين وقت كونه عنده
وينتفع ، ومع ذلك يحرم عليه الانتفاع قطعا ، لأنّ الانتفاع إنّما هو من جهة
العارية ، فتأمّل!.
قوله
: على تقدير جواز الرجوع [ لا يكون النبش حينئذ حراما ] .. إلى آخره .
الظاهر الإجماع
[ على ] حرمة النبش ، إلّا في الصورة المعهودة ، ومع ذلك لا شبهة في أنّه مثله شديدة قبيحة بالنسبة
إلى الميّت ، وربّما يحصل من ملاحظة الأخبار وعناية الشرع بحال المؤمن القطع بعدم جواز النبش حينئذ.
قوله
: ما كان ينبغي وجوب الأرش .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
الأرش إنّما هو جمع بين الحقّين مهما أمكن ، فتأمّل!
قوله
: بل يمكن أن يتصوّر الضرر في الاستناد دونه ، ويفهم ذلك ممّا تقدّم ، وفي دليله
ودليل [ الدروس إشارة إليه ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
مراده رحمهالله : الاستناد الشائع والغالب عدم ضرر فيه أصلا ، لا الفرد
النادر المضرّ ولو ضررا قليلا غاية القلّة كالاستضاءة بسراجه ، ولذا قيّد في «
التذكرة » بقوله : ( إذا لم يتضرّر به ) ، وأمّا أخذ أقلّ التراب فهو أخذ عين مال شخص وإتلافها
والتصرّف فيها ، كأكل حبّة من حنطة أو حمّص أو سمسم
__________________
وأمثالها ، فإنّ الظاهر من الفقهاء منع ذلك. وأنّه غصب كما مرّ التحقيق في
ذلك في شرائط البيع .
مع أنّه لو جاز
ذلك لجاز لكلّ أحد ، فإذا كان كلّ أحد يأخذ حبّة أو ذرّة أو قطعة صغيرة لذهب ماله
، أو مال معتدّ به ، أو القدر الّذي يقع [ من أخذه ] المضايقة لا أقلّ ، والغالب
المتعارف عدم تحقّق العلم بكلّ أخذ بأنّ هذا الأخذ منه يوجب الضرر الّذي لا يرضى ،
ويتحقّق بسببه المضايقة ، والجاهل معذور ، مع أنّه إذا لم يكن معذورا يلزم المفسدة
أيضا والمنع ، ولا بدّ ـ من باب المقدّمة ، أو أصالة ـ أن لا يتصرّف أحد أصلا ،
فتأمّل.
ثمّ إنّ عدم
المضايقة ـ إن كان ـ هو إذن الفحوى ، فلا بدّ من أن يحصل العلم واليقين ، لعدم
ثبوت كون الظنّ حجّة ، بل وثبوت العدم ، للآيات ، والأخبار في منع العمل
بالظنّ ، ولم يثبت المخرج.
وبعد ثبوت
اليقين ، فلا بدّ من حصول اليقين بأنّ صاحب المال ليس بطفل ولا مجنون ولا سفيه ولا
عدوّ معاند ، ومن أين يحصل هذا اليقين؟! حتّى أنّه لا بدّ من حصول اليقين بأنّه
ليس لهؤلاء ولا لأحد منهم فيه شركة وحقّ بوجه من الوجوه! وإن كان المراد عدم
مضايقة الشارع ، فمن أين ظهر وثبت ذلك؟! إلّا أن يقال : من تصرّف المسلمين كذلك في
الأعصار والأمصار من غير نكير من أحد من الفقهاء أو أحد من العوام ، لكن ثبوت ذلك
في مثل أخذ أقلّ التراب أو حبّة
__________________
سمسم وأمثالهما محلّ نظر ظاهر ، بل ليس كذلك ، كما هو الظاهر.
نعم ، ورد في
بعض الأخبار التيمّم بحائط اللبن من الناس ، أو مسح اليد به من غير اشتراط عدم
لصوق شيء منه ، سيّما في التيمّم بعد ملاحظة اشتراط العلوق ، كما
حقّق في محلّه .
قوله
: [ بجواز البناء المتّصل ] مع وقوع ثقله على جدار الغير .. إلى آخره .
فيه تأمّل ظاهر
، لأنّه إضرار بالغير وتصرّف في ملكه عرفا بلا تأمّل ، مع أنّك عرفت التأمّل في
أصله.
قوله
: فليس ببعيد الاكتفاء في أمثاله بهذا المقدار .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
نفي الضرر والإضرار شرعا يقتضي أن يكون جميع ما تضرّر بالهدم يلتزمه ، ومنه صرف
مدّة من عمرة أو عمر وكيله على تسوية الجدار ، فالمناسب وجوب الإعادة كما كان
أوّلا عند أهل العرف والعقلاء ، بحيث لم يحصل تفاوت في القيمة ولا في الرغبة ، مع أنّه ربّما لا
يمكنه التوجّه إلى إتيان بناء وعمله ، ولا يتخرّج عن أكلهم مثل الغذاء المتعارف
ومن تحصيل آلات البناء وما يتوقّف ، وربّما يمكنه ولكن في غاية الصعوبة أو غاية
البطء أو غير ذلك.
قوله
: خرج مع الضرر بالمارّة بالإجماع .. إلى آخره
.
فيه ، أنّ ذلك
عامّ كما يشمل الضرر بالمارّة يشمل غيره أيضا ، وقوله :
__________________
( ويؤيّده .. إلى آخره ) فيه أنّ المفروض كان الإضرار بالغير كالإضرار بالمارّة
، ولذا قلت : إنّ قيد ( بالمارّة ) لإخراج الغير ، وإنّ جواز ذلك في ملك نفسه
فقدانه محلّ تأمّل أيضا.
اللهم ، إلّا
أن يكون إجماع ، فلا يصير ـ حينئذ ـ علّة الجواز في المقام ، إلّا أن يقاس عليه ،
والقياس حرام فاسد ، مع أنّه مع الفارق ، لأنّه ملكه ومختصّ به وليس لغيره فيه
سبيل وهو مسلّط عليه ، بخلاف المقام ، فإنّ الناس فيه شرع ، فتأمّل جدّا.
وأمّا ما ادّعي
بأنّه له في المباح ، فإنّه أيضا محلّ نظر ، لأنّ « لا ضرر ولا ضرار » ثابت قطعا ،
بخلاف ما ذكرت ، ولا إجماع فيه.
قوله
: ولست أعرف في هذه المسألة بخصوصها نصّا من الخاصّة ولا من العامّة .. إلى آخره
.
قد ظهر من هذا
أنّه ليس بثابت من الإجماع ، بل من اجتهاده ، وقد عرفت سابقا ما في اجتهاده من عدم
التماميّة الظاهر ، فالأحوط المنع بلا شبهة ، لو لم نقل الأظهر والأقرب.
قوله
: إذ قد لا يمكن ذلك ، لكثرة الفرسان .. إلى آخره
.
فيه ، أنّ
مجرّد الإمكان لا يصير منشأ لسقوط الحق ، إذ يمكنهم المشي منحنيا ، أو بانخفاض
الرأس وميل العنق ، راكبين أو ماشين ، وأمثال ذلك مثل المشي في الظلمة بالعصا ،
وغير ذلك من أمثال ما ذكر ، ولا تأمّل في أنّ هذا ليس مسقطا.
__________________
قوله
: كون الأمر بالشيء مستلزما للنهي عن ضدّه الخاصّ .. إلى آخره
.
مرّ الكلام
منّا وذكرنا التحقيق في ذلك ، وأنّ الأمر لا يستلزم النهي عن الضدّ ، لكن الأمر والنهي
لا يجتمعان.
قوله
: إذ لا فرق بين المسكوك والمرفوع في الحصول ، إلّا أنّ المتردّدين في
الأوّل أكثر .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الطريق المرفوع إذا اتّفق أن يصير مجموع ما في هذا الطريق من الأبواب ودورها ملكا
لشخص ، أو اتّفق أنّ أرباب هذه الأبواب رضوا بأن يكون الكلّ مال شخص يتصرّف فيه
كيف يشاء ، أو صالحوه على ذلك ، فالظاهر أنّ ذلك الشخص يمكنه أن يتصرّف فيه تصرّف
الملّاك في أملاكهم ، بإدخال الطريق في بيته أو جعله دكاكين أو غير ذلك ، فليس مثل
الطرق النافذة ، والله يعلم ، فتأمّل!.
قوله
: ما قال في « التذكرة » : إنّه محدود بسبع أو خمس ، ولو كان مملّكا لجاز لهم ..
إلى آخره .
هذا السبع
والخمس ما دام التشاحّ كما يظهر من كلامه ، فعلى هذا لا مانع بعد الاتّفاق والتراضي ، فلا دليل
على عدم الملكيّة ، فتأمّل.
قوله
: والظاهر أنّ هذا أعمّ من أن يكون الطريق مرفوعا أم لا. إلى
__________________
آخره
.
الظاهر أنّ
مراده منه الطرق عند إنشاء الأحياء وذلك الحين ، لا الطرق المتداولة في البلدان
المتعارفة ـ على ما أظنّ ـ فلا بدّ من ملاحظة عبارته ، وأنّ مراده غير المرفوعة ،
لحكمهم بكونه ملكا لهم.
قوله
: وهذا صريح في أن ليس هنا ملكيّة .. إلى آخره
.
لم نجد صراحة ،
بل ربّما كان المراد أنّ الملكيّة تابعة لمحلّ التردّد ، ومن جهة التردّد صار
مالكا.
وبالجملة ،
أمثال ما ذكره لا يقاوم تصريحهم بالملكيّة ، فكيف أن يغلب عليه؟!
قوله
: وأيضا يدلّ عليه أنّ كلّ أحد يدخل هذه المرفوعة من غير إذن أهلها .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الخانات وأراضي الصحاري وغيرها من أمثال ما ذكر ، سيّما الأراضي المفتوحة عنوة ،
بل الوقف ، فإنّها ملك الموقوف عليهم ـ على المشهور ـ يجوز الدخول من غير إذن ،
والإجماع حاصل على الجواز ، والدليل والمنشأ في الكلّ واحد.
قوله
: [ ولو بأخذ تراب قليل ينشره على الكتابة ] ، ومعلوم أنّ الداخل فيها والخارج
عنها لا ينفكّ عن ذلك .. إلى آخره
.
غير معلوم ،
وعلى فرض المعلوميّة يكون هذا القدر خارجا بالإجماع
__________________
وغيره كسائر الأراضي المملوكة.
قوله
: على أنّه قد يصرّح واحد منهم بالمنع .. إلى آخره
.
هذا أيضا وارد
في أمثال ما أشرنا.
قوله
: ( إلّا مع إذن الجميع فيه )
، هذا موافق لما قاله
.. إلى آخره .
فيه شهادة
واضحة على ما ذكرناه من أنّه ليس ما ذكره من لوازم كلّ ملك.
قوله
: إذ اليد ليس بملك ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
ظاهر اليد
الملكيّة ، ولا أقل من أنّه شاهد عليها ، كما هو ظاهر من النصّ ، سيّما مع
فتاوي الأصحاب ، فتأمّل!.
قوله
: في ملكه بمثله تأمّل واضح ، ولهذا قال في « التذكرة » في الّذي لا باب له .. إلى
آخره .
التأمّل ليس
بمكانه ، إذ بحسب العادة والمشاهد أنّ أمثال هذه تؤدّي إلى التصرّف في ملك الغير
بغير حقّ منجرّ إليه ، ولا ينفع الشهود ولا الخطوط أيضا ، وهو واضح لمن لاحظ
العادة والتعارف بين الناس ، فعموم « لا ضرر » يشمله ، لأنّ الظنّ المتاخم ، بل العلم العادي حاصل
بالانجرار إليه ، والإمكان الّذي ذكره
__________________
في « التذكرة » ضعيف ، إذ فرق واضح بين رفع الجدار وفتح الباب ، بل لو
فرض أنّ في رفع الجدار يقع أمثال هذه الشبهة ، فلا نسلّم تسلّطه عليه أيضا ، بل
ورد في الأخبار من أنّه لا بدّ للناس من حفظ أموالهم ، بل ربّما ورد الأمر به ،
على أنّه يكون ذلك لهم لا تأمّل فيه من ملاحظة الأخبار والفتاوي .
ومن الأخبار :
« إنّ الناس مسلّطون على أموالهم » ، ولأنّه نوع سلطنة ، بل ربّما كان عدم المنع موجبا للسفاهة ويعدّ غير
المانع سفيها عرفا إذا لم يكن هناك غرض مصحّح عند العقلاء ، فتأمّل!.
قوله
: [ ودليله تسلّط الناس على أموالهم ] الثابت بالعقل والنقل
.
قد مرّ التأمّل
في ذلك ، وفي دلالة النقل ، لوجود المعارض المقابل لو لم نقل : إنّه أقوى.
وأمّا العقل ،
فهو مانع عن إضرار الجار كالنقل ، بل ربّما كان أشدّ منعا ، فتأمّل.
على أنّه لو لم
يمنع ، فلا نسلّم حكمه بعدم المنع ، كما هو ظاهر.
نعم ، ربّما
كان في بعض الصور الأمر كما ذكره ، وإن كان الأحوط مطلقا ، كما مرّ.
قوله
: لكان الفاضل في آخر المرفوعة ملكا لآخر
، ولأنّه قد يكون
__________________
المرفوعة
واسعة .. إلى آخره .
لا وجه لكون
الفاضل ملك الآخر ، لعدم الترجيح ، مع كونه ملكا عندهم كما مرّ ، فلا بدّ من الاشتراك
، ولو كان المرفوعة واسعة يكون للأدخل المرور من كلّ موضع ، كما أنّ الأقدم أيضا
كذلك ، وإذا كان في مقابله باب فلا شك في الاشتراك بينهما.
والفقهاء لم
يتعرّضوا الذكر غير البابين ، اكتفاء بذكرهما عن ذكر غيرهما ، إذ الفروض كثيرة ،
والكلّ حكمه حكم البابين ، وذكر البابين على سبيل المثال ، لظهور عدم تفاوت الحال.
قوله
: فكأنّهم جوّزوا جميع ما حرّموا ، وأيضا إذا كان الفاضل مشتركا وقد جوّز إخراج
الباب في المشترك .. إلى آخره
.
إنّهم ما
جوّزوا ما ذكره. نعم ، جوّز بعضهم إحداث باب آخر اخرج من الأوّل ، بناء على أنّ
لصاحب الباب حقّ الاستطراق ، ولا فرق عنده بين أن يكون هذا الحقّ بباب واحد أو
متعدّد ، كما إذا كان بابه أضيق فيجعله أوسع ، وإن كان أوسع بمراتب ، فإنّ هذا لا يوجب
تفاوتا في حقّ الاستطراق.
واحتمل
العلّامة إدخال الباب ، بناء على أنّه حين الإحياء والإحداث كان له ذلك وهو
مستصحب ، وأنّ إحداث الباب الأدخل أو إدخاله ليس بأشدّ من رفع الحائط ، ومعلوم أنّ
له رفع مجموع الحائط ، فبعضه بطريق أولى.
__________________
ومع هذا ذكر
ذلك بعنوان الاحتمال ، وكثيرا ما يذكر الاحتمالات الضعيفة غاية الضعف في « القواعد
» وغيره ، بحيث يمكن الظنّ القوي بأنّه لا يرضى به ، بل ربّما يحصل العلم ، لأنّه
احتمال بحسب قواعد العامّة ، بل وبعض العامّة ، ولذا أكثر العامّة لا يقول به.
وما ذكرنا ظاهر
على من لاحظ عادته رحمهالله.
سلّمنا ، لكن
مجرّد تجويز ما ذكر لا يقتضي تجويز جميع ما حرّموا.
نعم ، تجويز ما
حرّموا ربّما يتحقّق بالنسبة إلى ما بين البابين ، والظاهر أنّ هذا مراد الشارح ،
لكن لا ضرر فيه ، لما عرفت.
والحقّ ، أنّ
ما ذكر من جواز الإدخال مشكل قطعا ، سيّما على قاعدتهم من اختصاص الإدخال بما بين
البابين بأنّه ملكه خاصّة ، إذ يوجب التصرّف في ملك الغير وجعله ملكا له بغير حقّ
، بل وإحداث الباب أيضا مشكل ، لاقتضائه زيادة حقّ في الاستطراق ، كما يشكل مثل
هذا في الملك المشترك.
نعم ، يجوز
الإخراج بلا تأمّل وفتح باب أخرج أو مساو مع سدّ الآخر ، ووجهه
ظاهر ، فتأمّل.
وهذا موافق
لرأي الشيخ رحمهالله .
وأمّا كون ما
بين البابين مختصّا بالأدخل ، فهو مشكل أيضا كما ذكره رحمهالله ، فإنّ دليلهم أنّ التصرّف دليل الملكيّة ، وليس للأقدم
تصرّف فيه ، فلا يكون له شركة. ففيه ، أنّ الطرف الآخر الداخل مشترك بينهما كما
ذكره ، فيلزم أن يكون للإقدام الاستطراق إليه ، فتأمّل جدّا.
__________________
الإقرار
قوله
: واحتماله مشكل ، لوجوب العمل بإقراره بأدلّته المتقدّمة ، ومع عدم القبول يكون
وصيّة ، وجهه [ أنّه قصد إعطاءه إيّاه ] .. إلى آخره
.
لم يثبت من
الأدلّة السابقة إلّا وجوب العمل بإقرار المقرّ على نفسه ، لا على غيره مثل
الديّانين والغرماء والورثة ، والمقصود في المقام هو الثاني لا الأوّل ، كما لا
يخفى على من تأمّل كلامه بأدنى تأمّل ، سيّما قوله : ( مثل إن علم من حاله. إلى
آخره ) .
نعم ، لو ظهر
من حاله أنّه يريد الإخراج منه حين إقراره وتسليمه للمقرّ له ذلك الحين ، بأن
يأخذه ويجعله في عرض ماله ويتصرّف فيه لنفسه تصرّف الملّاك في ملكهم ومالهم ،
فيصير ـ حينئذ ـ إقرارا على نفسه فيجب العمل به ، إلّا أن يثبت أنّ هذا الإظهار
حيلة وتدبّر لإضرار الورثة أو الغرماء.
على أنّ في
ظهور ما ذكر من حاله كافيا لإضرار الغرماء محلّ إشكال حقّق الأمر فيه في محلّه ،
فلاحظ!.
__________________
الوكالة
قوله
: لأنّ الفضولي خلاف الأصل ، وظاهر الآية والحديث من لزوم التجارة عن
تراض ، وهذه غير صحيحة ، لأنّها منقولة من طرق العامّة .. إلى آخره .
لم نجد أصلا
سوى أصالة عدم الصحّة حتّى يثبت بدليل شرعي ، وهو كذلك ، إلّا أنّ الأدلّة الّتي
استدلّ بها الشارح على عدم اشتراط الصيغة في البيع ـ مع مبالغته فيها ـ يشمل
الفضولي ، بل بطريق أولى ، لأنّ جميع ما اعتبر في البيع موجود فيه مع زيادة العقد
والصيغة ، ولا شكّ في كونه عقدا ، بخلاف البيع بغير الصيغة ، ويكون بمجرّد التقابض
، لعدم كونه عقدا ، أو عدم ثبوت كونه عقدا لا أقلّ.
وظاهر الآية أيضا يشمل
الفضولي أيضا ، لأنّه بالتراضي من صاحب المالين البتّة ، وبغير التراضي منهما لا
ثمرة له أصلا ، ومن جهة كونه عقدا لا تأمّل في كونه تجارة ، بخلاف مجرّد التقابض.
وهذه الرواية وإن لم تكن
صحيحة ، إلّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب
__________________
والموافقة مع تلك الأدلّة.
وكون البارقي
وكيلا على العموم خلاف الأصل وخلاف ما يظهر من الخبر ، وكذا احتمال أن يكون فهم
منه صلىاللهعليهوآلهوسلم الرضا بما فعله.
والظاهر من «
شاة » الشاة الواحدة بلا شبهة ، مع أنّ في آخر الخبر أيضا قرينة واضحة على ذلك.
والوكيل من أين
يعلم أنّ الشاة الّتي أرادها صلىاللهعليهوآلهوسلم بدينار كانت مساوية لإحدى الشاتين اللتين اشتراهما؟
فإنّ الشياه متفاوتة قطعا.
إلّا أن يقال :
يكون البارقي وكيلا على الإطلاق ، لكن مقتضى مثل هذه الوكالة على الإطلاق أن يشتري
شاة واحدة وبأيّ قيمة تكون ويردّ باقي الثمن على صاحبه ، لا أنّ يشتري شاتين ثمّ
يبيع إحداهما ، لعدم دلالة الصيغة ، وعدم إذن الفحوى أيضا ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يريد باقي الدينار ، كما هو مقتضى تلك الوكالة ، لا
أنّه كان يريد شاة أخرى أيضا جزما أو ظنّا ، على تقدير تجويز كفاية الظنّ في إذن
الفحوى.
نعم ، يتوجّه
عليه أنّ البارقي سلّم الشاة ، وهم لا يقولون بجواز التسليم ، إلّا أن يقال : لعلّ
المشتري كان معه ، أو أنّه سلّمه إليه لا بعنوان الإقباض في المبايعة بل بعنوان
النيابة إلى أن يستأذن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو أنّ بيعه الشاة وتسليمه كان بإذن الفحوى ، لحصول
الظنّ ، بل العلم بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لو كان راضيا ببعض الدينار فرضاه بالكلّ بطريق أولى ،
وهذا هو الظاهر ، واستدلالهم بشرائه لا ببيعه ، فتأمّل
أركان الوكالة
الموكّل
قوله
: لعدم الاعتداد بعبارته ، وإن كان ذلك [ محلّ التأمّل ] .. إلى آخره .
صرّح بعض
الفقهاء بأنّه يجوز أن يتولّى العقد للبيع وغيره لغيره ، فالاعتداد
بعبارته ثابت عندهم ، وستعرف في قول المصنّف : ( والمحجور .. إلى آخره ) ، ولعلّه ليس
محلّ التأمّل عندهم ، فتأمّل!.
قوله
: بحيث يعلم عدم خيانته فيه مع عدم العدالة والاستئمان .. إلى آخره .
حصول العلم
مشكل ، بل إن كان يحصل فالظنّ القوي غاية القوّة ، وحجّية كلّ ظنّ محلّ تأمّل
عندهم ، سيّما مع الأمر بالتثبّت في خبرهم ، والأمر بالعدالة ، ويحصل العدل في مواضع لا تحصى ، فتأمّل.
قوله
: فإنّه غير مقيّد بالعدالة ، وترك التفصيل في
دليله .. إلى آخره
.
لا شبهة في أنّ
كون الظنّ حجّة وكذا التقليد يحتاج إلى دليل شرعي ، لأنّ
__________________
الأصل عدم الحجّية ، وللأدلّة الكثيرة على المنع عن العمل من الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ،
فإنّ كلّ من يقول بحجّية ظنّ إنّما يقول بها بدليل قطعا ، ولا يخفى على المتتبّع.
وفي هذه
المواضع دلّ دليل ، والمواضع الّتي دلّ الدليل على اعتبار العدلين وما ماثله أكثر
من أن تحصى.
قوله
: وقبول كرّية الماء ومن الحمّامي
.. إلى آخره
.
الأصل طهارة
الماء حتّى يثبت خلافها ، وهذا يكفي للحكم بالطهارة ، إلّا أن يقال : مع إمكان
الاستعلام لا يكفي الأصل ، ويمكن الاستعلام كرّية مائة ، فتأمّل فيه.
ما تصحّ به الوكالة
قوله
: [ على تقدير صحّة التوكيل ] والقول به ظاهر كونه إقرارا .. إلى آخره .
عموم « إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز » شامل لذلك ، إذ أهل العرف يعدّونه إقرارا بلا تأمّل ،
فلا يبقى ثمرة حينئذ ، إذ التوكيل في الإقرار لا بدّ من ثبوته
__________________
فيثبت إقراره البتّة ، أقرّ أو لم يقرّ.
وإن أقرّ وكالة
، لم يسمع منه حتّى يثبت الوكالة ، فإذا أثبت سمع منه.
صيغة الوكالة
قوله
: ففيه إشارة إلى ما قدّمناه من جواز المعاطاة والتملّك بها .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الوكالة عرفا ليست إلّا استنابة في الفعل ، ورخصة فيه ، ووكول الأمر عليه ، وهذا
القدر يكفي في تحقّقه ظهور الرخصة والإذن والاستنابة كيف كان.
فيجب على
الموكّل إمضاء جميع ما فعله الوكيل بإذنه ورخصته ، فهو مأمور بالوفاء بالعقود
اللازمة الصادرة عن الوكيل ، لأنّها عقده وعهده وشرطه ، بخلاف نفس العقود اللازمة
، فإنّ الأصل فيها عدم الصحّة حتّى تثبت بدليل إجماع أو نصّ ، وتحقّقهما في
المعاطاة لا يخلو عن صعوبة وتأمّل ، كما مرّ الإشارة في كتاب البيع ، سيّما مع دعوى
الشهيد الإجماع على وجوب مراعاة الصيغة لأجل اللزوم وسائر ثمرات البيع ، فتأمّل!.
قوله
: بل إذنه باق بحكم الاستصحاب الّذي كاف في أمثال هذه الأمور بغير شكّ .. إلى آخره
.
ويقال : إنّه
فعل بإذنه ، ويصدق ذلك عرفا ، ولا يمكن للموكّل الاعتراض
__________________
عليه بأنّك لم فعلت هذا بغير إذني؟ إذ لا شكّ في أنّه للوكيل أن يقول : ما
فعلت إلّا بإذنك ، وظاهر أنّه لا فرق في أنّه يستأذنه مرّة أخرى أم لا ، وأنّه
إذنه ثانيا لا يفيد سوى التأكيد ، وعدم الإذن سوى الفسخ ، فتأمّل.
وبعد إذنه إذا
باع أو اشترى أو عامل معاملة أخرى ، بالإذن تكون صحيحة ولازمة ، كما أنّ العبد
المأذون في التجارة وغيرها كذلك.
قوله
: [ فقال : ما آكل ثمّ أكل ] فالظاهر الجواز ، ولأنّه .. إلى آخره .
لا يخفى ما
فيه.
قوله
: حيث كان حاضرا ، فإنّه بمنزلة إن قال : رضيت بالردّ .. إلى آخره .
ومطلقا ، لكن
يشكل ، لعدم الوثوق ببقاء الإذن ، ولأنّه لو أنكر على الوكيل بأنّك رددته عليّ فلم
فعلت بعد ذلك؟ لعلّه يكون مقبولا وجيها عند العقلاء ، ولو قال : بعد ما رددت عليّ
ظهر لي رأي آخر ، يقبلون قوله وعذره ، فتأمّل.
قوله
: ولهذا قيل [ بوجوب قبول الوصيّة ] .. إلى آخره
.
فيه تأمّل
ظاهر.
قوله
: وعموم أدلّة التوكيل ، وكونه جائزا ، ومبناه على المساهلة دون الضيق .. إلى آخره
.
العموم ما
وجدناه. نعم ، وجدنا إطلاقات ، مثل ما ذكر من أنّ « الوكيل
__________________
وكيل حتّى يبلغه العزل » وأمثاله من الأخبار ، والقاعدة أن
ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وكون ما نحن فيه منها محلّ تأمّل.
والأصل ما
نعرفه ، لأنّ الحكم الشرعي وترتّب الآثار الشرعيّة يحتاج إلى دليل شرعي ، ومجرّد
الجواز لا يقتضي ترتّب الآثار سوى إباحة التصرّف ، فتأمّل!.
قوله
: ولأنّه إنّما يلزمه الأجرة لو فعل ما وكّل فيه على ما أمر وقد بطل أمره .. إلى
آخره .
يمكن أن يقال :
إن فهم منه الرخصة في التصرّف البتّة أو ظاهرا ، فالإباحة موجودة ،
ويستحقّ الجعل الّذي قرّره بإزاء هذا التصرّف ، وإن فهم منه أنّ الرخصة بقيد
الوكالة الشرعيّة الّتي يترتّب عليه الآثار الشرعيّة ولم يتحقّق فلا
__________________
يستحقّ الجعل ، ولا إباحة أيضا في التصرّف.
نعم ، الجاهل
لا يتوجّه إليه الخطاب والتحريم بعد اعتقاده الإذن في التصرّف ، إلّا أنّه غير
معذور في هذا التصرّف ، لعدم معذوريّة الجاهل بنفس الحكم عند الفقهاء إن كان
مقصّرا في ترك التعلّم ، إلّا أن يكون الموكّل يظهر على الوكيل أنّ هذا وكالة
صحيحة فتصرّف من هذه الجهة ، فيكون الوكيل مغرورا فيه ، فتأمّل جدّا.
قوله
: في مطلق التوكيل ، إذ لا دليل إلّا الإجماع [ ، ولا إجماع ] .. إلى آخره
.
المفهوم من لفظ
الوكالة كون الفعل نيابة عن الموكّل ومن طرفه وجانبه ، والمفهوم من لفظ الإذن هو
الرخصة في الفعل ورفع المنع عنه ، كالإذن في أكل طعامه ولبس لباسه وسكنى بيته
وأمثال ذلك ، ولا معنى لكون مثل هذه وكالة.
نعم ، لو إذن
أن يشتري له أو يبيع له وأمثال ذلك ، يرجع إلى الوكالة ، بخلاف أن يأذن أن يشتري
أو يبيع لنفسه لا لمن يأذن ، فهو وأمثاله ليس وكالة قطعا.
وأيضا ، خدمة
البيت وأمثالها لعلّها ليست وكالة ، والأمر بها لا يكون توكيلا بل إذنا ، وكذا
إجارة العبد وأمثالها ليست وكالة بل كسبا ، وكذا إذن العبد في أن يصير وكيلا لشخص
أو يفعل أمور شخص إذن. إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر إذن لا وكالة ، لكن إن تصرّف
بالإذن يصير لازما كما ذكرنا ، وأنّه لا فرق بين هذا الإذن وإذن العبد المأذون في
التجارة وغيرها.
وممّا ذكرنا
ظهر أنّه إذا أذن لعبده فعلا ، يكون فعل الإذن يصير بهذا وكيلا في المعنى ، فإذا
باعه أو أعتقه ربّما يكون الإذن باقيا ، لكونه وكالة في المعنى ،
__________________
والوكالة لا تبطل بهما إلّا أن يكون قرينة يظهر منها كون الإذن ما دام عبدا
، فتأمّل!.
في أحكام الوكالة
قوله
: [ منقوض بما مرّ ] وإنّ الجاهل لا يعذر إلّا نادرا عندهم .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الجاهل في موضوع الحكم الشرعي ومتعلّقه معذور عندهم بلا شكّ ، وغير المعذور عندهم
إنّما هو الجهل في نفس الحكم الشرعي ، ووجه الفرق ظاهر ، ودأبهم وطريقتهم عليه غير
خفيّ .
قوله
: [ وما ثبت صحّة طريقه إليه ] وإن قال ذلك في « الخلاصة » .. إلى آخره
.
التأمّل فيهما
لا وجه له ، كما حقّقناه في الرجال ، مع أنّ ابن طاوس وثّق الحسين ، وهو مذكور
في « الخلاصة » في القسم الأوّل .
قوله
: والعمل بمثل هذه الروايات في مثل هذا ، فيه ما فيه ،
ويؤيّده أنّه يجوز للموكّل إبطال ما وكّل فيه ، بأن يفعله بنفسه .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
صحّة بعض تلك الأخبار ، واعتبار سند بعض آخر ،
__________________
واستفاضتها ، وشهرة الفتوى بمضمونها يكفي للحكم قطعا
، بل أقلّ من ذلك يكفي ، لأنّ ظنّ المجتهد الحاصل بشرائط الاجتهاد بمنزلة اليقين ،
كما حقّق في محلّه .
ويؤيّده
الاعتضاد والموافقة بعموم مثل ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وغيره ، على حسب ما أشرنا إليه سابقا ، مع عدم معارض
أصلا سوى كون العقد من العقود الجائزة.
وفيه ، أنّ
ثبوت جوازه إلى حدّ يقتضي العزل من دون إعلام محلّ نظر ، لعدم الإجماع ولا النصّ
على ذلك ، بل الدليل على عدم ذلك ، ويعضده أيضا أنّه ربّما يترتّب على العزل مفاسد
مثل : إن طلّق امرأته ـ بعد العزل ـ الغائب المجهول فتزوّجت وأتت بأولاد وهي مزوّجة
تحت عصمة الزوج الأوّل ، ثمّ علم بأنّ الأمر كذلك.
وقس على ذلك
سائر التوكيلات في سائر الأمور ، فربّما يؤدّي إلى الهرج والمرج ، وأشدّه الوقوع
في الفرج ، ويقع التوكيل ـ في الغالب ـ في المحن والمخاصمات والمنازعات والمفاسد ،
بل الخسرانات عادة ، فتأمّل.
قوله
: وإن كان دليل الجواز لا يخلو عن قوّة ، فتأمّل .. إلى آخره
.
ليس كذلك ،
لأنّ الأصل عدم الصحّة حتّى يثبت الإذن ، وهو غير ثابت ،
__________________
لاحتمال إرادة البيع من الغير كما هو المتبادر والظاهر ، وعلى تقدير أن لا
يكون ظاهرا فخلافه ليس بظاهر ، إذ الشكّ لا أقلّ منه.
ويؤيّده ما ورد
في أنّ امرأة وكّلت رجلا على تزويجها ، فقال : لا أفعل حتّى تشهدين بأنّ أمرك بيدي
واختيار تزويجك إليّ ، فأشهدت على ذلك فزوّجها من نفسه ، فما رضيت بذلك ، فقال
المعصوم عليهالسلام : « تؤخذ منه ويوجع رأسه » ، فتدبّر!.
قوله
: في النفس فيه وهو ظاهر ، ولم يفرّق بعض العامّة .. إلى آخره
.
الظاهر عدم
الفرق بين نفسه وبين عبده ووكيله أيضا إذا كان وكيلا في شرائه له ، لأنّه حقيقة
بيعه من نفسه ، وأمّا غير ذلك فلعلّه كما يقول ، مع أنّه أيضا لا يخلو عن غبار ما
، إذ لعلّه ببيعه منه لا يماكس المماكسة الّتي يفعلها بالنسبة إلى غيره ، فتأمّل.
قوله
: بحيث لا يجوز للموكّل وغيره منعه ، فيجب عليه التسليم كالموكّل ، وإن لم يكن
وكيلا في التسليم صريحا .. إلى آخره
.
لعلّ مراده في
الصورة الّتي يكون البيع بيد الوكيل ، مع أنّه مرّ عنه في كتاب البيع أنّه إذا وقع
المبايعة يجب على البائع تسليم المبيع للمشتري والمشتري الثمن للبائع ، فمقتضى هذا
وجوب التسليم قبل إعطاء الثمن ـ سيّما إذا كان الثمن بيده ـ
__________________
ويقول : سلّم المبيع وخذ الثمن ، ويعلم أنّه إن سلّم يعطي الثمن البتّة ،
وخصوصا إذا علم أنّه يسلّم الثمن بيد البائع الموكّل ، فتأمّل فيه.
وما في «
التذكرة » و « القواعد » لعلّه محمول على وقوع التعارف وكونه مبنيّا عليه.
والوكالة في
التسليم لا تقتضي جواز التسليم قبل توفية الثمن ، إذ لعلّه يكون وكيلا في التسليم
، لكن بعد توفية الثمن ، كما أنّه لو وكّل أحدا صريحا في التسليم فإنّ الوكيل
تصرّفه لا بدّ أن يكون منوطا بمصلحة الموكّل. نعم ، إن أذن التسليم قبل التوفية
يجوز له ذلك.
وبالجملة ،
الإذن في التسليم أمر على حدة ، والتسليم قبل التوفية أو بعدها أمر آخر ، وحرمة
منع المالك عن التصرّف في ماله أمر آخر ، فتأمّل!.
قوله
: إذ الجواز مبنيّ على الإذن المفهوم من كلام الموكّل ، فينبغي عدم الضمان ، وإن
لم يفهم ينبغي عدم الجواز ، حيث أنّه تصرّف في مال الغير من غير الإذن .. إلى آخره
.
يمكن أن يقال :
لعلّ الفهم هنا يكون من إذن الفحوى ، وإلّا فهو لم يأذن صريحا ، وإذن الفحوى دائر
مع وقوع الأمر بوجه شرعيّ صحيح ، لأنّ الّذي يعلم رضاه هو هذا. وأمّا إذا وقع
فاسدا ، فلم يكن فيه إذن فحوى ، إذ لا شكّ في أنّه راض إذا وقع صحيحا ، وإذا وقع
فاسدا فيعلم عدم رضاه.
ولا يجوز أن
يقال له : إنّك إذا رضيت بوجه الصحّة يلزمك الرضا أيضا إن ظهر فاسدا ، لأنّه له أن
يقول : رضائي إنّما هو من جهة أنّه يحقّق مصلحتي ، فلا
__________________
يلزمني الرضا في صورة تحقّق مفسدتي ، ولا يلزم هذا في الإذن الصريح ، لأنّه
صرّح بالرخصة ، والإذن من غير شرط ضمان ، والوكيل [ هو ] الّذي صرّح
به ، فإذا تلف في يده فلا يمكن الاعتراض عليه ب : لم فعلت ، ولا ب : لم صار في
مالي كذا ، والضمان إنّما يكون إذا وقع التصرّف بغير إذن المالك ، وهنا وقع بإذنه
قطعا.
وأيضا ، ظاهر
كلام الموكّل ومقتضاه أنّه لا ضمان على الوكيل ، و « المؤمنون عند شروطهم » ، ويجب عليهم
الوفاء بما عاهدوا وعقدوا ، وشيء من ذلك لم يتحقّق في إذن الفحوى ، كما هو ظاهر ،
فتأمّل!.
قوله
: وليس
في رواية
البارقي
الّتي جعلت
دليل هذا الحكم ، وجعلت دليلا على جواز الفضولي في البيع ، بل الشراء أيضا .. إلى
آخره .
لأنّ مضمونها
حكاية حال لا عموم فيها ، كما هو المحقّق ، ولا تعيين هاهنا أيضا ، لاحتمال كونه
فضوليّا فيحتاج إلى الإجازة ، واحتمال الحمل على الظاهر والعرف ، واحتمال كونه
وكيلا.
مع أنّ الظاهر
هو الاحتمالان الأخيران ، بقرينة أنّه ( سلّم الشاة. إلى آخر ما قال ) ، ولأنّ
الظاهر والعرف يقتضي الرضا والإذن ، كما هو المشاهد الآن من العرف وظاهر مقاصدهم ،
ولكونه محسنا و ( ما عَلَى
الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ، ولأنّه لو كان فضوليّا لوقع فيه النزاع ، لأنّ
الفضولي محلّ النزاع ، مع أنّ هذا
__________________
إجماعيّ ، كما ظهر من عبارة « التذكرة » .
وأيضا ،
المعاطاة محلّ النزاع ، كما مرّ في أوّل الكتاب ، والفضولي هو عقد مال الغير وبيعه
، مع أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يستفصل أنّه اشترى وباع معاطاة أو بالصيغة ، لو لم
نقل أنّ الظاهر الوقوع معاطاة.
وممّا ينادي
بعدم الفضوليّة أنّ البارقي سلّم دينار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مع أنّه غير جائز في الفضولي قطعا ـ وأقرّه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في تسليمه الحرام.
وأيضا ، كان
يقول للبائع : إنّي أشتري فضولا إن رضي صاحب الدينار ، وإلّا أردّ الشاتين عليك.
وأيضا ، لو
اشترى كذلك فكيف كان يبيع أحدهما في الطريق؟! وأيضا ، لو باع في الطريق فضوليّا
كان يقول : أبيعك فضولا إن رضي صاحبه الفضولي أو رضي صاحبه الأصلي وإلّا أردّ
الثمن وأبطل البيع.
وأيضا ، كان
حين ما جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يقول : فعلت كذا وكذا فضولا إن رضيت وإلّا رددت.
ولا شكّ في أنّ
من تأمّل الرواية يرى الرواية ظاهرة في خلاف كلّ واحد واحد ممّا ذكرنا.
وأيضا ، مسألة
الفضولي في غاية الإشكال ترجيحها ، فكيف كان البارقي يجترئ؟ إلّا أن يكون مطّلعا
عليها من طرف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأصل عدمه ، فأيّ فرق بينه وبين تحقّق الوكالة
والعلم بالرضا ، على فرض أن لا نقول بأنّ العرف والعادة والظاهر تدلّ عليه؟!
فتأمّل!
__________________
قوله
: فما حصل الغرض من الفعل ، وليس هنا شيء يقال : إنّه صحيح في ذلك ..
إلى آخره .
يمكن الفرق بين
أن يقول : صالح عوض أن أتملّك منه الخمر أو عوض أن نخرج من بيته خموره ونسلّمه
بيدك ، إذ لعلّ غرضه إهراق خموره ، أو لأجل أن يصيّره خلّا أو غير ذلك ، مثل إساغة
اللقمة أو التداوي ، على القول بصحّة التداوي مطلقا أو على بعض الوجوه.
قوله
: ويمكن أن يقال هنا : لا شكّ أنّه عفى عن الدم .. إلى آخره
.
ليس بشيء ،
كما ذكره ، لأنّه لم يعف مطلقا ، بل عفى بشرط وقيد لم يتحقّق.
قوله
: [ لا كلام ] في كونهما وكيلين مجتمعين .. إلى آخره
.
إذا قال :
افعلا هذا ، فالظاهر كونهما وكيلين بالاجتماع ، ولعلّ قوله : وكّلتكما في فعل كذا
أيضا ظاهر في الاجتماع ، ولو لم يكن ظاهرا فظاهر أنّه ليس بظاهر في استبداد كلّ
واحد منهما ، فلا يثبت صحّة ما فعله بالاستبداد ، كما أشار إليه الشارح .
وأمّا إذا قال
لأحدهما : أنت وكيلي في كذا ، ثمّ قال للآخر بمثل ما قال للأوّل فالظاهر منه
استبداد كلّ واحد منهما ، فتأمّل!
قوله
: بأنّه قد يتعدّد الإنشاء لغرض من الأغراض .. إلى آخره
.
ما ذكر بعيد ،
ولعلّ مثل هذا يورث التهمة ، فلا يثبت المطلوب ، لأنّ الثبوت
__________________
يحتاج إلى ظهور وعدم تدافع ظاهر ، فتأمّل!
قوله
: والقوانين الأصوليّة [ تقتضي البطلان ] .. إلى آخره
.
لم نجد قاعدة
تقتضي البطلان ، كما حقّق في الأصول.
قوله
: وفي فتح باب مثل هذا سدّ لباب قبول الوكالة .. إلى آخره
.
هذا مناف لما
سيذكره عند قول المصنّف : ( وقول الموكّل ) من أنّه لا يلزم سدّ الباب ، لإمكان
الإشهاد ، فلاحظ!
قوله
: وفيه تأمّل ، إذ قد يكون خفاء القضاء أيضا مطلوبا بخلاف الوديعة .. إلى آخره .
الظاهر ، أنّ
نظره إلى الغالب المتعارف ، لا الفروض النادرة ، لأنّ المدار في الفروض على
القرائن إن وجدت فيها ، وإلّا فيحمل الإطلاق على المتعارف ، لأنّ هذا هو المدار
فيه.
والبناء في
التقصير وعدمه إنّما هو على ما يفهم من عبارة الموكّل ، لكن الحقّ أنّ الحكم
بالغرامة في قضاء الدين أيضا مشكل ، لعدم تحقّق تعارف في أخذ الشاهد بحيث يكون
الإطلاق منصرفا إليه البتّة ، بل لا يصحّ الغفلة عنه أيضا ، أو لا يكون مقصّرا في
الغفلة إلّا أنّه ضامن ، بل ظاهر أنّه ليس كذلك وأنّ الموكّل إذا كان لم يشترط على
الوكيل الإشهاد فالتقصير منه ، فتأمّل!.
__________________
مسائل النزاع
قوله
: مبنيّا على عدم ثبوت أصل التوكيل [ غير ظاهر ] .. إلى آخره
.
الوكيل مقرّ
بثبوت الوكالة وصحّة العقد وأنّه لا يستحقّ أن يأخذ من المشتري أزيد من الثمن
المسمّى. وأمّا إذا كان ما أخذه الموكّل من الوكيل أقلّ من الثمن ، فيمكن للمشتري
أن يقول : لم يثبت بمجرّد قولك صحّة المعاملة ، لأنّها لعلّها تكون باطلة وأكون
أنا تالفا لمال الموكّل ، وهو ما أخذ عوض ماله إلّا كذا ، فتأمّل!.
قوله
: ويحتمل العدم هنا ، لأنّ الأصل عدم الفعل وبقاء الملك لمالكه .. إلى آخره
.
لا يخلو من
إشكال ، بالنظر إلى القاعدة المسلّمة عند الفقهاء في أبواب الفقه ، من ( أنّ
الأمين ليس عليه إلّا اليمين ) ، إذ في تلك المواضع ـ أيضا ـ ما يدّعيه ليس إلّا خلاف
الأصل ، مثل أن يقول : تلفت العين وأمثال ذلك ، فتأمّل!.
قوله
: ولا يلزم سدّ باب قبول الوكالة ، إذ الإشهاد [ على الردّ ممكن ] .. إلى آخره
.
يلزم من ذلك
صعوبة الأمر على الوكيل ، سيّما في كثير من المواضع ، لتعسّر الاستشهاد ، سيّما مع
ما ذكره الشارح في قول المصنّف : ( ويجب التسليم ) ، وقد
__________________
مرّ فلاحظ ، بل ربّما لا يمكن.
مع أنّه على ما
ذكره لم يكن فرق بين الأمين وغيره ـ يعني من استأمنه الموكّل ـ ، والظاهر من
الطريقة المسلوكة من الفقهاء في أبواب الفقه الفرق ، فتأمّل.
ومضى منه رحمهالله في المسألة السابقة أنّه يلزم السدّ ، فلاحظ!.
قوله
: [ فالقول قول الموكّل ، ] وإلّا فقول الوكيل ، فإنّ التصرّف كان لمصلحة المالك
.. إلى آخره .
الظاهر أنّ ذلك
لأنّه محسن ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ
مِنْ سَبِيلٍ ) ، ولأنّه أمين محض ، فيكون حاله حال الودعي ، فتأمّل!.
قوله
: لأنّه ضيّع حقّها وقصّر بترك الإشهاد .. إلى آخره
.
ولأنّه ورد
رواية ظاهرة في أخذ كل المهر ، رواها في « التهذيب » .
قوله
: لأنّ الأصل عدم الأخذ ، ولا يلزم الخيانة ، ولا يلزم
سدّ الباب ، وأصل عدم
الغرامة [ يضمحلّ مع وجود الدليل عليه ]
.
جميع ما علّل
به في الصورة الأولى جار في هذه الصورة ، لأنّه أمين والأصل عدم الغرامة ، ولأنّه
لو لم يقبل يلزم سدّ باب التوكيل ، ولأنّ دعوى الموكّل بأنّك ما أخذت وأنت كاذب في
الأخذ ، يستلزم خيانته ، فإنّ الكذب أيضا يخرج عن
__________________
الأمانة ، كما صرّح به الفقهاء في مواضع لا تحصى .
وبالجملة ،
التفاوت بين الصورتين ليس إلّا أنّ الموكّل يستلزم دعواه خيانة الوكيل في التصرّف
في الصورة ، وفي هذه الصورة خيانته في الكذب ، وعلى التقديرين يكون الأصل مع
الوكيل ، ليس عليه إلّا اليمين ، لما ذكر من الوجوه ، ولأنّه محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) .
مع أنّه ظاهر
عدم خيانته في إقباضه المبيع قبل الثمن ، لأنّ هذا هو الظاهر المتعارف المتداول في
المعاملات وإطلاق اللفظ ينصرف إلى المتعارف ، على أنّه ليس بمتعارف عكس هذا حتّى
يدّعى انصراف الإطلاق.
وليس دليل شرعي
يقتضي إيجاب إقباض المبيع بعد قبض الثمن ـ لا معه ولا قبله ـ سيّما إذا كان جاهلا
، وأولى منه أن لا يكون مجتهد حاكم بذلك ، أو يكون لكن لم يتمكّن من الأخذ عنه.
وبالجملة ، لم
نجد دليلا على غرامة الوكيل أصلا ، سيّما أن تكون أدلّة عدم الغرامة تضمحلّ به ،
غاية ما في الباب أنّ الموكّل يمكنه أن يدّعي على الغريم ببقاء حقّه عنده ،
ويتسلّط على حلفه ، ويحلفه على الإقباض.
لكن إن أمكنه
هذه الدعوى هنا أمكنه في الصورة الأولى أيضا ، لعدم التفاوت أصلا ، سوى ما ذكر من
التفاوت في دعوى الخيانة ، وأنّ في الصورة الأولى يزيد دعواه الخيانة على الثانية
، بأنّه يدّعي خيانة فيما سبق وكذبا الآن ، بخلاف الثانية ، فإنّه يدّعي الخيانة
الآن ، وغير أنّه لا فرق بحسب القواعد الشرعيّة ، فتأمّل!.
__________________
قوله
: [ لا تسمع دعواه ] ولا بيّنته ، لأنّها مكذّبة لدعواه ، وسماع البيّنة فرع سماع
الدعوى .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
بيّنته لم تكذّب دعواه ثانيا ، بل كذّب الدعوى الّذي رجع عنه وأكذبه وأظهر أنّه
كان كاذبا فيه وأبطله بالمرّة ، بل الأوّل ما كان دعوى بل محض الإنكار ، والدعوى
هو الثاني ليس إلّا.
وعموم ما دلّ
على قبول شهادة العدلين شامل لما نحن فيه ، وليس هاهنا تهمة وتحقّق ريبة ، لأنّ
العبرة بقول الشاهدين ، ولم يفهمهما إلّا دعواه لا على إنكاره ، مع أنّ الإنكار لا
يثبت بالبيّنة ، وليس شأنه الإثبات. اللهم إلّا أن يكون إجماع على عدم قبول مثل
هذه الشهادة ، ولم ينقل إجماع ، سيّما إذا أظهر عذرا لإنكاره أوّلا ، فتأمّل!
وربّما يحصل الظنّ القوي غاية القوّة أنّ الأمر كذلك ، بل ربّما يحصل العلم ،
فتأمّل!
__________________
كتاب الإجارة
في شرائط الإجارة
قوله
: [ الإيجاب والقبول الدالّين صريحا ] بنقل المنفعة المعيّنة بعوض معيّن ،
فالإيجاب مثل : آجرتك وأكريتك ، وما يؤدّي معناهما .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
المراد بالمنفعة هنا ما يقابل العين ، فلا يصحّ إجارة البساتين لأجل الثمرة ولا
غيرها لأجل عين ، وإن كانت منفعة بالقياس والإضافة إلى عين ، كما هو المراد في بحث
الوقف ، وذلك لأنّ الإجارة لغة هي ما ذكرناه ، ولا يتبادر عرفا إلّا ذلك ، ويصحّ
سلبها عن نقل الأعيان ، ونقل الأعيان ليس إلّا بالبيع والهبة والصلح.
والحاصل ، أنّ
العرب وضع لنقل الأعيان بعنوان العوض واللزوم : لفظ البيع ، ولا بهذا العنوان لفظ
الهبة ، ولنقل المنافع بعنوان العوض واللزوم : لفظ الإجارة ، ولا بالعنوان المذكور
، بل وبعنوان الإمتاع لفظ العارية ، وبعنوان اللزوم بعد العمل : لفظ الجعالة ،
ووضع لرفع الفساد في جميع ذلك : لفظ الصلح ، وهذا هو المتبادر الثابت منهم.
وقد يطلق لفظ
أحدها في معنى الآخر مجازا ، بمعونة القرينة ووجود العلاقة المصحّحة ، مع وجود
الأمارات المقرّرة للمجاز.
فعلى هذا ،
استئجار المرأة للرضاع ـ يعني لخصوص اللبن ـ مجاز جزما ، وللإرضاع أو الحضانة مع
الإرضاع حقيقة ، لأنّ اللبن حينئذ ليس داخلا في
__________________
الماهيّة ، بل شرط لتحقّق المنفعة ، أو يكون مقصودا بالعرض كمنافع المبيع
والثمن في البيع.
فما ورد في بعض
الأخبار من إجارة البساتين إمّا مجازا ، أو تقيّة ، لما ستعرف ، أو محمول على كون
الثمرة مقصودة بالعرض ، فتأمّل جدّا!.
فما اعتذر من
الحاجة ربّما تدعوا إلى الإجارة بالنسبة إلى اللبن ومثله ، إن كان مرادهم ما ذكرناه
فلا بأس به ، وإن كان مرادهم كونه إجارة حقيقة ، ففيه ما لا يخفى ، لأنّ الحاجة لا
تصير منشأ لقلب الماهيّة ، غاية ما يكون أن تصير منشأ لاشتراك الحكم الشرعي.
وليس نفس
المعاملة من مستحدثات الشرع ، بالاتّفاق والضرورة ، بل أحكامها من الشرع ، كما لا
يخفى على من له أدنى فطنة ، ويعضد ذلك أنّ المتعارف أخذ الأجرة بإزاء الإرضاع ،
كما هو ظاهر الآية ، قوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ
لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ، ولم يتعارف أخذ العوض من جهة اللبن ، كما هو الحال في
ضراب الفحل أنّهم يأخذون بإزاء الضراب لا المني ، فتأمّل جدّا!.
قوله
: [ لزوم ما ادّعى لزومه ] في العقود اللازمة من العربيّة .. إلى آخره .
قد مرّ الكلام
في ذلك في كتاب البيع .
قوله
: [ مشكل ] ، إذ يلزم ردّ جميع المختلفات مثل تقديم القبول .. إلى آخره .
ليس إجماعنا هو
اتّفاق الكلّ حتّى يلزم ما ذكره ، بل إجماع أهل السنّة
__________________
أيضا ليس كذلك ، لأنّه اتّفاق الكلّ في عصر ، فلا ينافيه الخلاف في عصر آخر
، إلّا أن يقال : الآن لا يظهر لنا الإجماع إلّا إذا اتّفق الكلّ ، وفيه تأمّل.
على أنّه يجوز
تصحيح الخلافيّات بخبر خاصّ أو عامّ ، أو آية عامّة أو غيرهما ، إذ لم يقل بأنّ
الدليل منحصر في الإجماع ، بل مراده أنّه لا دليل على الصحّة بغير تحقّق صيغة ،
لأنّ القدر المجمع عليه هو ما إذا تحقّق صيغة ، وإذا لم يتحقّق لم يكن دليل على
صحّته ، لا أنّه لا دليل أصلا على الصحّة سوى الإجماع.
قوله
: كما في لفظة ملّكتك. نعم ، لو ثبت كون صيغة الإجارة متلقّاة من الشرع وليس هذه منها
.. إلى آخره .
التمليك أعمّ
من تمليك العين أو المنفعة ، فهو حقيقة في القدر المشترك ، ففي أيّ منهما يستعمل
يكون حقيقة من دون تفاوت.
نعم ، إذا قال
: ملّكتك الدار ، يكون حقيقة في تمليك العين ، لأنّ الدار اسم للعين ، وإذا قال :
ملّكتك منفعة الدار أو سكناها يكون حقيقة في الإجارة ، لا مجازا.
والحاصل ، أنّ
التمليك مستعمل في المعنى الحقيقي وكذلك السكنى والدار ، وإذا قال : أعرتك بهذا
المبلغ ، يكون منتهى مدلوله أنّ الإعارة صارت بالعوض وأنّها صارت خالية عن قيد عدم
العوض ، أمّا صيرورتها إجارة فلا دلالة فيها بوجه.
أمّا على تقدير
عدم كون الإعارة ناقلة ـ كما هو الأظهر ، ولعلّه الأشهر أيضا ـ فظاهر ، إذ غايته
أنّ القائل رضي بالتصرّف في ملك نفسه بالعوض.
وأمّا على
تقدير كونها ناقلة ـ وإن لم يثبت ذلك بدليل ولا هو مسلّم ـ
__________________
فغايته نقل المنفعة بعوض ، وهذا أعمّ من الإجارة ، لتحقّقه في الصلح وغيره
من العقود مثل النكاح.
مع أنّه لا
يلزم أن يكون العقد من العقود المعروفة ، بل ربّما كان عقدا اختراعا.
والحاصل ، أنّ
العقد إنّما هو للاطّلاع على ما في الضمير ، فلا يدلّ إلّا على مقصود عامّ ،
والعامّ لا يدلّ على الخاصّ ، فلا يمكن إجراء أحكام الإجارة فيه ، بل لا يمكن
الحكم بالصحّة عند الفقهاء ، لأنّ العقود وطريقة نقل الأملاك والمنافع عندهم
منحصرة في العقود المعهودة ، فتأمّل جدّا ، إذ لو أتى بقرينة يظهر منها إرادة
الإجارة ويكون الاستعمال صحيحا ، لتحقّق العلاقة المعتبرة ، فعلى فرض صحّة
الاستعمال الحكم بصحّة مثل هذا العقد ولزومه يحتاج إلى دليل.
أمّا عموم ( أَوْفُوا ) ، فقد عرفت وستعرف ما فيه من المناقشة في شموله للأفراد
الغريبة العجيبة.
وأمّا
الإطلاقات ، فظاهر أنّها محمولة على الأفراد الشائعة ، لا الفروض النادرة ، فتأمّل!.
قوله
: ولا العبد إلّا بإذن المولى ، وإن قلنا : إنّه يملك ـ كما هو ظاهر الأدلّة ـ كما
مرّ غير مرّة .. إلى آخره .
يدلّ عليه ما
رواه في « الكافي » في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من
ماله ، إلّا بإذن مولاه » .
__________________
وما رواه هو
فيه ، والصدوق في « الفقيه » ، في الصحيح عن ابن وهب ، عنه عليهالسلام : « في رجل كاتب عبده على نفسه وماله وله أمة ، وقد شرط
عليه أن لا يتزوّج ، فأعتق الأمة فتزوّجها ، فقال : لا يصلح له أن يحدث في ماله
إلّا الأكلة من الطعام ، ونكاحه فاسد » .
والأخبار
الدالّة على عدم جواز تزويجه من ماله ، أو يشتريه إلّا بإذن مولاه كثيرة . إلى غير ذلك
من الأخبار ، مضافا إلى الآية ، لأنّ شَيْءٍ في قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) نكرة في سياق النفي تفيد العموم بلا تأمّل.
قوله
: [ أن يكون وقفا ، مع القول ] بعدم تملّك الموقوف عليهم
.
لو وجد قائل به
يلزمه القول بأنّ الإجارة هنا فضوليّة ، لأنّ الملك يكون لغيره ، لأنّ بقاء الملك
بلا مالك محال عند الفقهاء ، فإنّ الملك قبل الوقف كان للواقف ، وبعده لو لم ينتقل
منه ويكون من باب الإمتاع للموقوف عليهم ، يكون باقيا على ملك الواقف قطعا ، وبعده
ينتقل إلى الورثة.
وإن كان الوارث
هو الإمام عليهالسلام ، فالعقد يكون فضوليّا محتاجا إلى مجيز ، وإجازة الواقف
على سبيل الإطلاق والعموم لا تنفع إلّا إذا كان باقيا في ملكه ، مع أنّ إجازته
أيضا غير ظاهرة ، إذ غاية ما صدر منه إمتاع الموقوف عليه ، بل يلزم
__________________
على هذا مفاسد أخر ، فتدبّر.
فالإجارة لا
تتحقّق إلّا بأن تكون المنفعة ملكا للمؤجر أو فضوليّا ، وهو ظاهر ، إلّا أن يبنى
على أنّ الإجارة ليس تعريفها أو ثمرتها انتقال الملك ، بل يبني على أنّه ليس فيها
انتقال أصلا ، وفيه ما فيه.
قوله
: وفيه تأمّل ، إذ لا دليل عليه إلّا رواية عروة .. إلى آخره
.
الدليل ليس
رواية عروة ، بل القاعدة الّتي ذكرناها في بحث البيع ، وهي جارية
في كلّ العقود.
والعجب من
الشارح أنّه يجوّز في العقد كلّ شيء يدلّ على الرضا بالانتقال والملكيّة ، أو
جواز التصرّف في ماله ، ومع ذلك لا يرضى في خصوص الفضولي ، مع أنّ
الدلالة على الرضا في غاية الوضوح ، بل هو رضى بالعقد ووقع العقد ، وتمّ جميع ما
هو معتبر ، غاية الأمر أنّ إجراء الصيغة من غير صاحب المال ، لكنّ صاحب المال رضي
بتلك الصيغة وجعلها صيغة نفسه ، كما هو الحال في صيغة الوكيل ، فتدبّر.
وتمام الكلام
مرّ هناك ، فلاحظ!.
قوله
: ولعلّ دليله ذلك ، ولا يبعد الإجماع ، وذلك إمّا بتقدير العمل المطلوب .. إلى
آخره .
ونقل في «
المسالك » حديث نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
عن الغرر ، وظاهر أنّ المراد الحديث الوارد في النهي عن بيع
الغرر لا مطلق الغرر ، ولذا أعرض الشارح عنه ، وكذا غيره من الفقهاء ، بل وصرّح بأنّ الوارد هو
النهي عن بيع الغرر لا مطلقا ، فربّما يكون مراد « المسالك » ومن وافقه تنقيح
المناط.
ومرّ في كتاب
البيع ما يستفاد منه دليل المعلوميّة في المقام .
وأمّا التعيين
بحسب الواقع ، فلا خفاء في اشتراطه ، لما سيجيء من أنّه بمجرّد عقد الإجارة ينتقل
العوضان ، وغير المعيّن لا يتأتّى انتقاله ، وأمّا ما يخرج العاقد عن الرشد ويصير
منشأ للحكم بسفاهته ، فلا شكّ في أنّه مضرّ.
ولعلّ مطلق
الغرر ارتكابه بلا داع ولا مصلحة يوجب السفاهة وعدم الرشد ، كما مرّ في كتاب الحجر
، وأمّا مع المصلحة والداعي فليس بغرر.
والحاصل ، أنّ
الظاهر اتّحاد حال الإجارة والبيع في اشتراط المعلوميّة كما اتّفق عليه الفقهاء ، ويؤيّده ـ
أيضا ـ عموم « لا ضرر » ، ويدلّ عليه أيضا ما ذكرناه في كتاب البيع من ورود
النهي عن المعاملة الّتي تصير منشأ للنزاع .
وجميع ما ذكر
يشهد على ما ذكرنا من تنقيح المناط ، ويعضده اتّفاق الفقهاء وغيره ممّا ستعرف.
__________________
قوله
: [ فعل ] ينافي العمل الّذي [ استؤجر عليه لا مطلقا ]
.
ومع ذلك يكون
الإجارة لما لا يجتمع أيضا صحيحة ، إلّا أنّه عقد فضولي يقف على إجازة المالك ،
فإن أجاز صحّ وإلّا بطل.
قوله
: فيجوز للخيّاط التعليم والتعلّم مع الخياطة .. إلى آخره
.
هذا إذا استأجر
خياطته خاصّة ، لا عمله مطلقا لأجل خياطته ، مثل استئجار البيت لأن يضع فيه شيء
لا ينافي سكنى صاحب البيت فيه ، فتأمّل جدّا.
قوله
: عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم .. إلى آخره
.
هذا ظاهر في
أنّه إذا وقع الاستئجار للعمل يصير مطلق العمل ملكا للمستأجر وإن كان الغرض هو
البعث في أمر خاص ، كما قلنا في إجارة البيت لوضع شيء ، فتأمّل جدّا!.
قوله
: في غير القرينة وعدم تعيين الزمان والمباشر .. إلى آخره
.
إن قلنا بأنّ
وجوب العمل بعد الفراغ من جهة أنّ الإطلاق ينصرف إليه ، فهو أيضا مثل القرينة
وتعيين الزمان ، وإن قلنا بأنّ ذلك الوجوب من جهة وجوب تفريغ الذمّة عن حقّ الغير
فورا بحسب حكم الشرع ، فالأمر على ما ذكره رحمهالله ، لكن ستعرف بأنّ ذلك بناء على العرف وانصراف الإطلاق ،
فلاحظ!.
قوله
: ومرجعه أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه .. إلى آخره
.
ليس ما ذكره هو
المنشأ ، لأنّهم لا يقولون بالاستلزام ، ومن قال بالاستلزام
__________________
لا يقول بأنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد ، بل المنشأ أنّ المنفعة
صارت ملكا للمستأجر ، فلا يجوز صرفها إلى الغير ، فإنّه غصب ، وكلّما قالوا في
الغصب يقولون هنا ، لأنّه نوع من الغصب.
فمن صحّح
الفضولي يصحّح مع الإمضاء لا مطلقا ، والإمضاء لا يتحقّق إلّا في العقد ، لا نفس
الإعطاء ، فإنّ إعطاء مال الغير لغيره بغير إذنه فاسد البتّة ، فتدبّر!.
قوله
: فلا ينبغي منع ذلك من القائل به
.
لا وجه لما
ذكره بعد ما حقّقه من الفرق بين القرينة وتعيين الزمان وغيرهما ممّا هو بأمر الشرع
، ولعلّ أمره بالتأمّل من هذه الجهة ، إلّا أنّه لا وقع لما ذكره أصلا وإن أمر
بالتأمّل.
قوله
: والأصل وعموم الأدلّة دليله .. إلى آخره
.
الأصل لا أصل
له ، بل الأصل عدم الصحّة بلا ريبة ، لأنّ ترتّب الأثر شرعا بغير دليل ضروري
الفساد. وأمّا العمومات ، فلا بدّ من ثبوتها بحيث يشمل ، بل وكون ما نحن فيه من
الأفراد المتبادرة أو المتعارفة ، إلّا أن يكون عموم لغوي غير مخصّص بتخصيص لا
يرضى به المحقّقون ، وهو محلّ تأمّل كما عرفت وستعرف.
مع أنّ مقتضى
الإجارة الانتقال من حين العقد ، وغير المعيّن كيف ينتقل؟!
قوله
: ويحتمل في الإطلاق كون الابتداء بعد خروج تلك المدّة .. إلى آخره .
هذا الاحتمال
ليس بشيء ، بعد ثبوت أنّ الإطلاق ينصرف إلى الاتّصال ،
__________________
وفرض ذلك ، إلّا في صورة يعلم المؤجر والمستأجر باستحقاق الغير وكونه حقّه
وملكه ، فيصير علمهما قرينة على إرادة كون الابتداء بعد الخروج ، فتدبّر!.
قوله
: [ بعد كمال العمل ، ] بل قيل
بعد تسليم الثوب إلى
مالكه .. إلى آخره .
إن كان عادة ،
فالإطلاق ينصرف إليها فيتّبع ، وإلّا فمقتضى العقد ليس إلّا أنّ العامل عليه العمل
خاصّة والتسليم ، وغيره غير واجب عليه ، إلّا أنّ المالك إذا ذهب إليه وطلب منه
الثوب يجب عليه تسليمه ، وأمّا الأجرة فيجب على المالك تسليمها بعد إكمال العمل
مطلقا ، كما أشار إليه الشارح رحمهالله.
قوله
: والأصل دليله مع عدم ظهور [ الخلاف ] .. إلى آخره
.
لكن ربّما يشكل
الحكم من جهة عموم « لا ضرر ولا ضرار ».
قوله
: [ عدم كون الأصل وقفا ، ] وما نعرف اشتراطه .. إلى آخره
.
الأدلّة
الدالّة على أحكام المساجد شمولها لمثل هذا محلّ تأمّل ، لعدم تبادر مثله ، لكونه
من الفروض الغريبة العجيبة ، وإن كان الأحوط المراعاة.
قوله
: ويحتمل ضمان الجميع .. إلى آخره
.
هذا الاحتمال
أقوى ، بالنظر إلى الأدلّة ، لعموم « لا ضرر » ، والمضرّ في العرف هو الّذي زيد ، وهو الظالم ، وهو
الإثم ، وهو الغاصب ، ولا ينسب إلى
__________________
الأصل أصلا ، بل ينسب إلى الزائد بعد ما ظهر أنّ القدر العادي لا ضرر فيه
عادة.
وعموم أدلّة
الغصب يقتضي ويعيّن الباقي ، وقد أشرنا إليها في كتاب الغصب ، فلاحظ.
والقدر الأصلي كان بإذن المالك وإذن الشارع وإذن المستأجر ، بخلاف الزائد ، فإنّه
لم يكن بإذن أحد.
قوله
: وقيل : صحّ في شهر ، وله [ في الزائد أجرة المثل ] .. إلى آخره .
مقتضى عقد
الإجارة عندهم انتقال المنفعة من حين العقد وبمجرّده من ملك المؤجر إلى ملك
المستأجر ، والأجرة من ملك المستأجر إلى ملك المؤجر ، إلّا أنّه لا يتسلّط على أخذ
الأجرة إلّا بعد استيفاء المنفعة على النهج الّذي ذكروا.
وأيضا ، معنى
العقد : ملّكتك المنفعة بإزاء أن أتملّك منك الأجرة ، والقبول : ملّكتك بإزاء
تملّكي للمنفعة ، ويجب الوفاء بالمعنى والمضمون ، وهو صحيح من جهة وجوب الوفاء.
فعلى هذا ، إذا
لم يكن العوضان أو أحدهما معيّنا فكيف يتحقّق انتقاله بالعقد؟ وأيّ شيء يملكه
بالعقد ويجب الوفاء به؟! ومثل صحيحة الثمالي الآتية كيف يمكن حمله
على الإجارة الحقيقيّة ، بالنظر إلى قوله : « فإن زدت .. إلى آخره » ؟ وعدم البأس
لعلّه من جهة أنّه تصرّف في مال المسلم بطيبة نفسه ، وكذا أكل الأجرة أكل ماله
بطيبة نفسه ، لا أنّه
__________________
بمجرّد هذا الكلام صار الزائد مال المستأجر ، ويكون يتسلّط تسلّط الناس على
أموالهم ، وينتقل إلى الوارث إن مات ، وغير ذلك من أحكام الملك وأحكام الإجارة.
وكذا الكلام في
الزائد من الأجرة ، والفقهاء لا ينكرون التصرّف في ملك الغير بطيبة نفسه ، فتأمّل.
قوله
: [ ولا غرر ولا ضرر ] ، إذ كلّما جلس شهرا [ يعطي ذلك ] .. إلى آخره .
في هذا التعليل
ما فيه ، لأنّه ليس مقتضى الإجارة ، بل غير الإجارة أيضا حاله كذلك ، كما عرفت.
قوله
: [ احتمال كونها جعالة ، ] لا إجارة باطلة مستلزمة للضمان .. إلى آخره .
بطلان العقد لا
يستلزم الضمان عند الفقهاء ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين راض بالتصرّف في ملكه ،
إلّا أن يعلم أنّ رضاهم بشرط كون عقدهم إجارة ـ حقيقة ـ صحيحة ، وإلّا لا يكونان
راضيين ، ومع ذلك أيضا يقولون : إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لا يضمن
بصحيحه لا يضمن بفاسده ، ولا تأمّل في أنّ مثل صحيحة الثمالي محمول على
الصورة الاولى ، ولا يمكن حملها على الثانية ، فتأمّل!.
قوله
: وصحيحة أبي حمزة ، كأنّه الثمالي الثقة .. إلى آخره
.
يمكن حملها على
الإجارة والحكم بصحّتها ، لأنّ قوله : أكريت إلى كذا ، هو
__________________
الّذي وقع عليه عقد الإجارة ، فتنتقل هذه المنفعة بهذا النحو إلى ملك
المستأجر ومقابله من الأجرة إلى المؤجر.
وأمّا قوله : «
فإن جاوزت .. إلى آخره » ، فشرط في ضمن عقد الإجارة ، وربّما لا يجب أن يكون
تعيين الشرط مثل الإجارة ، لعدم ضرورة النقل إلّا بعنوان استحقاق هذا الشرط ،
بأنّه صار حقّا للمستأجر فصار مستحقّا له ، فتأمّل!.
قوله
: [ بطلان القياس ] ، وكون الإجارة غير بيع عندنا .. إلى آخره
.
ربّما يظهر من
هذا الكلام أنّ ما ورد في بعض الأخبار من إجارة الثمرة محمول على التقيّة ، لأنّ
الإجارة عندهم بيع .
قوله
: وقد عرفت عدم إمكان إثبات الاتّحاد بحيث لا يكون قياسا باطلا .. إلى
آخره .
قد مرّ في كتاب
البيع منّا تحقيق يمكن بناء اتّحاد الطريق عليه ، ونشير هنا
بالاحتمال بأنّ الغرر أمر عرفيّ ، وكذا عدم الضرر والتغابن ، فإنّهما على حسب ما
اعتبره العقلاء من العرف ، ومعلوم أنّهم في المكيل والموزون التزموا برفع الغرر
بالكيل والوزن في البلاد في غالب ما يكال أو يوزن ، وليس اعتبارهم للكيل والوزن من
جهة الشرع بلا شبهة ، فإنّهم قبل الشرع كان بناؤهم على الكيل والوزن ، لأجل
التعيين ، وكذا الحال الآن عند غير المتشرّعين بشرعنا ، بل ومطلقا
__________________
أيضا.
وممّا ذكرنا
ورد أنّ كلّ شيء سمّي فيه كيل أو وزن لا يصلح بيعه مجازفة ، وبناء الفتاوي أيضا
على ذلك ، لا أنّ الشارع قرّر كون الشيء الفلاني بالكيل أو الوزن ، وكون الشيء
الفلاني بغير الكيل والوزن ، ولذا صار الحوالة في المكيل والموزون على عادات
البلاد فيما لم يكن في عهد الشارع مكيلا أو موزونا.
وعند الشارح
أنّ الأظهر الحوالة على العادات مطلقا ، كما مرّ في كتاب البيع .
ومعلوم أيضا
أنّ المعهود في عرف زمان لم يكن من الشارع بل كان منهم ، إلّا أنّ الشارع أمر
بمراعاة معهودهم بحيث لم يجوّز بغير الكيل والوزن ، وهو ظاهر ، فتأمّل.
ومعلوم أنّ رفع
الغرر في المقام معتبر أيضا ، وكذا عدم الضرر والسفه ، إلّا أن يقال : لعلّ الغرر
والضرر عند أهل يتفاوت في المقامين ، فلا بدّ من ملاحظة حالهم ، فتأمّل!.
قوله
: ولأنّه كثمن المبيع وعوض سائر العقود ، فيجب التسليم [ مع الطلب بلا تأخير عرفي
] .. إلى آخره .
ولأنّ عقد
الإجارة يوجب انتقال كلّ من العوضين إلى مالك الآخر ، كما مرّ في شرح قول المصنّف
: ( ويملك المنفعة .. إلى آخره ) ، إذ لا شبهة في أنّ العوضين حالهما واحد بالنظر إلى
العقد ومقتضاه ومدلوله ، فيتسلّط كلّ واحد من المتعاقدين على استيفاء حقّه من
الآخر بمجرّد العقد وبعده بلا فصل.
__________________
اللهم إلّا أن
يتحقّق اشتراط التأجيل ، فيجب الوفاء بالشرط ، ومثل الشرط ما إذا كان معهود متعارف
ينصرف الإطلاق إليه.
قوله
: قلت : إن ثبت هناك عرف أو قرينة فلا كلام ، وإلّا فينبغي نفيه بأصل براءة الذمّة
.. إلى آخره .
قد عرفت أنّ
مقتضى مدلول العقد انتقال العوضين من حين العقد ، فتصير المنفعة ملكا للمستأجر بعد
العقد بلا فصل ، ومقتضى ظاهر هذا كون المنفعة المتّصلة به ملكا له.
اللهم إلّا أن
يكون شرطا أو عادة ينصرف الإطلاق إليها ، أو قرينة فحينئذ لا مجال للتأمّل ، وإلّا
فالأمر كما قاله الشهيد ، لا لأنّ الأمر يقتضي الغرر ، بل لأنّها حينئذ ملك
المستأجر ، فكيف يؤجّره الغير؟! إلّا أن يقول بأنّه فضولي موقوف على إذن المالك
فإن أذن صحّ وإلّا فغصب ، إن عمل للغير يعامل فيه معاملة الغصب.
نعم ، لو كان
الوجوب من جهة ما مرّ ، فالأمر كما ذكره « شرح الشرائع » ، وسيجيء في شرح قول
المصنّف رحمهالله : ( ونفقة الاجراء ) أخبار كثيرة
تؤيّد الشهيد رحمهالله.
قوله
: ويؤيّده الأصل والشهرة والآية والأخبار .. إلى آخره
.
هذا الأصل لا
أصل له ، بل عرفت أنّ الأصل عدم الصحّة حتّى يثبت بدليل
__________________
شرعي ، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي عليه ، وكيف يكون الأصل في
كلّ عقد أن يكون موافقا للشرع ، ويترتّب عليه الآثار الشرعيّة. اللهم إلّا أن يكون
المراد منه العموم فيرجع إلى الآية والأخبار .
نعم ، لو علم
العقد الصحيح وغير الصحيح ووقع النزاع في صدور أيّهما من مسلم ، فالأصل صحّة
تصرّفات المسلم ، لكن هذا لا ينفع المقام قطعا.
قوله
: [ وأنّ تسليمه في الأمر الكلّي الّذي ] هو الضدّ العام عنده ـ كما فسّره ـ
مستلزم للضدّ الخاصّ .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الضدّ العام له معنيان :
الأوّل :
المرادف لقولهم : الضدّ الخاصّ ، يعني هذا المفهوم الكلّي الّذي كلّ واحد واحد من
الأضداد الخاصّة فرد له ، وهذا بعينه يرجع إلى الضدّ الخاصّ ، وليس هذا مراد
الشهيد رحمهالله.
والثاني : ما
هو بمعنى ترك المأمور به ، ولا شكّ في أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن تركه ،
وهذا هو مراده ، فلا يستلزم الضدّ الخاصّ ، وهو واضح.
قوله
: نعم ، يمكن المنع أوّلا كما فعله ، فتأمّل! فهو كالأجير الخاصّ .. إلى آخره .
لا يخفى أنّه
سلّم كون العقد بعده بلا فصل منهيّا عنه ، وكذا العمل ، إلّا أنّه لم يسلّم فساد
ذلك العقد وذلك العمل ، لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ،
__________________
كما هو الحقّ المحقّق.
قوله
: ويمكن اختصاص المبيع المعيب بالحكم لدليله .. إلى آخره
.
لا وجه لما
ذكره بقوله : ( ويمكن .. إلى آخره ) ، لأنّ ما ذكره في المبيع المعيب جار هنا بلا
تأمّل ، ومرّ من الشارح في المبيع المعيب وأمثاله اختيار انفساخ العقد وبطلانه ، وأظهرنا
هناك أنّه ليس كذلك ، وأنّ الحقّ مع القوم ، والحال في المقام وفيه واحد بلا تأمّل
.
قوله
: [ حتّى لا يكون ضامنا لها ] ، وما عرفت دليله ، فتأمّل ، والظاهر عدم الاشتراط
وعدم الضمان [ بدونه ] .. إلى آخره
.
لعلّ مراده
يستقيم دليله ، وإلّا فدليله واضح وصرّح به ، وهو عدم جواز التصرّف في مال المسلم
إلّا من طيب نفسه ، وكذا من هو بحكم المسلم ، وأنّ مجرد جواز الإجارة لا يستلزم
تجويز التصرّف ، لا مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما ، كما هو الحال في بيع المشاع
ممّن باع حصّته منه.
نعم ، سيجيء
الصحيحة الظاهرة في جواز التسليم وعدم الضمان وأنّه إن علم المؤجر جواز إجارته
للغير ومع ذلك أطلق العقد ولم يشترط ، فلعلّ الظاهر تجويز التصرّف ، كما ذكره
الشارح .
قوله
: ولكنّ دلالتها بالمفهوم ، وقريب منها
رواية إسحاق بن عمّار
..
__________________
إلى
آخره .
قوله عليهالسلام : « قد عمل فيه » علّة لعدم البأس ، كما هو ظاهر ، فليس الدلالة بالمفهوم
الّذي ليس بحجّة ، لأنّ مفهوم العلّة حجّة.
ويدلّ عليه
أيضا صحيحة أبي حمزة ، ولا تأمّل في كونه الثمالي.
قوله
: [ يكفي أدنى العمل ، وما يصدق عليه ] ، لا الّذي نقل عن الشيخ .. إلى
آخره .
ما نقله عن
الشيخ رحمهالله لا يبعد حمله على ما ذكره ، بل الظاهر ذلك ، بقرينة
أدلّته.
قوله
: ولكن ظاهرها أنّها في الأجير المعيّن .. إلى آخره
.
حملها عليه
مشكل ، إذ لا معنى للاستثناء حينئذ ، سيّما على الإطلاق.
قوله
: وليست كذلك في الأصول .. إلى آخره
.
وكذا رواية حكم
الخيّاط .
قوله
: فهي تدلّ على جواز ما نحن فيه .. إلى آخره
.
وقد عرفت
الكلام في ذلك ،
__________________
وكذا الفرق بين ما في الصحيحة وما ذكره الشارح.
قوله
: [ باشتراط ] تقديم الإيجاب في الإجارة ، بل غيرها أيضا غير واضح .. إلى آخره
.
الإيجاب غير
مذكور ، فلعلّه كان مقدّما ، ونسبة الشرط إلى المكتري وذكره منه لأنّه منه ،
فلعلّ إنشاء هذا الشرط لا إنشاء صيغة نفس الإجارة وأنّ لها ظهورا ما فيما ذكره
الشارح ، لكن كفاية هذا القدر محلّ إشكال ، إذ لا شكّ في أنّ السائل غرضه أمر آخر
وهو مدّ نظره ، وأمّا حكاية التقديم والتأخير فليس مدّ نظره ، بل حكايته على سبيل
الإجمال.
فلا وثوق إذا
ظهر أنّ الغرض أمر آخر ، وأنّ الذكر كذلك بالغرض وعلى سبيل الإجمال ، إذ المتعارف
في المحاورات أنّهم يجملون ويهملون ، بحيث لا وثوق في التقديم والتأخير بمحض
الحكاية المسوقة لغرض آخر وليس حالها مقصودا في المقام ، فتأمّل!.
قوله
: ما نعرف دليله ، على أنّه قال : مستند أكثر الأصحاب الروايتان الصحيحتان
عن الحلبي
ومحمّد بن مسلم
.. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
اشتراط التعيين دليله في غاية الوضوح ، لما عرفت من أنّه بمجرّد
__________________
العقد وبنفسه ينتقل العوضان ، وغير المعيّن كيف ينتقل؟! والشرط بمنزلة
العوض وجزئه.
لكن الظاهر أنّ
بناء المشهور على أنّ العوضين معيّنان ، وهما الحمل إلى الموضع المعيّن والأجرة
المعيّنة ، فينتقل كلّ منهما من حين العقد ، إلّا أنّ المستأجر شرط أن يكون الوصول
في يوم معيّن بحيث لو لم يف بالشرط يكون له التسلّط على إسقاط بعض الأجرة بنحو كذا
وكذا ، ولفظ الإسقاط شاهد على ما ذكرنا.
وأمّا الأخبار
، فلم يظهر منها كون المراد الإجارة الصحيحة اللازمة ، بل يمكن أن يكون مراضاة
ومعاطاة ، كما يشير إليه صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليهالسلام ، مع أنّها على تقدير ظهورها في الإجارة الصحيحة يمكن
توجيهها بما وجّه كلام المشهور.
قوله
: وإن لم يكن سلّم العين إلى المستأجر .. إلى آخره
.
قد مرّ أنّ ذلك
هو الحقّ بشرط عدم تحقّق عادة على خلافه ، إذ معه يتّبع العادة ، لأنّ الإطلاق
ينصرف إليها ، ونظر العلّامة إلى وقوع العادة في بلده ، كما ذكره .
قوله
: [ ولا يبعد أيضا صحّة الإجارة ] مع انضمام شيء مقصود معه ، بحيث يخرج عن السفه
والغرر ، كما مرّ في البيع .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الضميمة لا تنفع إلّا أن تكون مقصودة بالذات وغيرها مقصودا بالعرض ، وإلّا فإن كان
إعطاء شيء عوض غير المقدور عليه سفها وغررا يكون
__________________
كذلك مع الضميمة ، فإنّها تنفع لإعطاء شيء عوضها ، لا عوض غيرها ، وإن لم
يكن سفاهة فلا حاجة إلى ضمّ الضميمة ، ولا يصحّ قياسها على البيع ، لورود الأخبار
فيه ، مع كونه خلاف القاعدة ، والخروج عن السفاهة لا يتوقّف عليها.
نعم ، يمكن أن
يكون في بعض الفروض الخروج عنها من جهته ، وليس ذلك كلّيا ، فتأمّل ، فإنّه ربّما
كان بعد الانضمام السفاهة باقية ، مثل أن يعطي دنانير كثيرة بضميمة شيء دون شيء
، وربّما كان بغير الضميمة السفاهة منتفية ، بأن يعطي فلسا بإزاء منفعة طويلة يرجى
حصولها ، إلّا أن يكون البائع ـ حينئذ ـ سفيها ، لكن يمكن الفرض بحيث يخرجان عنها
، وإلّا ففاسدة مطلقا ، ولا تنفع الضميمة أيضا ، فتأمّل!.
قوله
: سقطت الأجرة ـ أي تبطل الإجارة ـ فليس للمؤجر مطالبة الأجرة .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الشرط لم يكن إلّا القدرة على التسليم ، لا نفس التسليم ، إذ بمجرّد العقد صار
المنفعة ملك المستأجر ، فله تسلّط الأخذ من المؤجر قهرا ، لأنّ الناس على أموالهم
مسلّطون ، فمع المنع لا يصير إلّا غاصبا تجري عليه أحكام الغاصب ، فلا ينفسخ العقد
بمجرّد الغصب والإتلاف ، والتلف غير الإتلاف.
نعم ، له خيار
الفسخ لعيب الإتلاف ولأنّه ما وفى بعقده ، فللمستأجر أيضا أن لا يفي ، لأنّ لزوم
وفائه إنّما هو فيما إذا وفى المؤجر.
هذا ، إذا تلف
الكلّ بإتلافه. وإن لم يتلف الكلّ ، فله خيار تبعّض الصفقة ،
__________________
على حسب ما مرّ في البيع ، لاشتراك الدليل والعلّة.
قوله
: ( ولو منعه ظالم قبل القبض ) أي منع المستأجر
قبل قبض العين
المستأجرة عن انتفاعها .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
بمجرّد العقد تصير المنفعة ملكا للمستأجر ، ولو منعه ظالم يقع الظلم على المستأجر
، فكيف يكون مختارا في فسخ العقد؟! إذ حكمه حينئذ حكم المنع بعد القبض ، وقياسه
على البيع قياس.
غاية ما في
الباب ، أنّه كان على المؤجر أن يسلّم العين ولا يحول بينها وبين المستأجر حتّى
يستحقّ أخذ الأجرة ويتسلّط عليه ، وعدم الحيلولة هنا واقع ، والمانع عن حقّه غيره.
إلّا أن يقال :
إنّ الإعطاء كان واجبا عليه ، ورفع المانع عن الانتفاع كان لازما عليه ، وهو
مستصحب حتّى يثبت خلافه ، فلو رفع المانع بحيث لم يفت عن المستأجر منفعته وملكه
أصلا ، أو فات مالا اعتداد به ـ كما سيجيء في انهدام المسكن ـ لم يكن للمستأجر
فسخ ، وإن لم يرفع بحيث فات بعض منفعته يكون له الفسخ ، للعيب ، ولتبعّض الصفقة ،
فإنّ الواجب على المؤجر أن يسلّم ويقبض ما عقد وعهد وشرط ، كما أنّ الواجب على
المستأجر أن يسلّم ويقبض الأجرة الّتي عقد عليها وعهد وشرط.
نعم ، إذا أمكن
للمستأجر أن يأخذ العين من الغاصب بحيث لم يفت منه منفعة معتدّ بها ولا يكون ضرر
ولا تعب لا يمكنه الفسخ ، وإن لم يتمكّن يجوز له الفسخ ، لما ذكرنا ، بل على تقدير
التمكّن ، لعلّه يقول : ما أريد الأخذ من الغاصب ،
__________________
وإنّ العين لو كانت مال الغاصب ما كنت أستأجر منه ، وإنّي استأجرت منك لعدم
كراهتي من الأخذ منك ، فعلى هذا التقدير ـ أيضا ـ لعلّه له اختيار الفسخ ، فتأمّل.
والحاصل ، أنّ
الإطلاق كما ينصرف إلى الصحيح فيختار الفسخ لو خرج معيبا ، كذا ينصرف إلى أن يكون
المعطي والمسلّم هو المؤجر بنفسه أو بوكيله أو عبده أو الأجنبي ، على فرض كونه
أيضا داخلا في المعهود الغالب إن أعطى ، لا أن يكون بيد غاصب سابقا على العقد ، أو
لاحقا عليه ولمّا يقبض.
نعم ، بعد
القبض أخذ الحقّ منه وخرج المؤجر عن العهدة ، لأنّ وجوب الإعطاء الّذي يفهم من
عقده وعهده وشرطه لا يزيد على إعطاء العين بحيث يمكن الانتفاع بها ، أو إعطاء
منفعتها بتسليم العين إليه بلا مانع ، أمّا إعطاء جميع المنافع من أوّل المدّة إلى
آخرها بتسليم العين وكونها عنده خالية عن الموانع في جميع المدّة ، فلا ، فتأمّل
جدّا!.
قوله
: فيطالب [ المالك ] الظالم بالعين المنتفع بها ، ويأخذ أجرة المثل .. إلى آخره
.
مقتضى العبارة
أنّه ليس له الرجوع على المؤجر بمطالبة العين ولا أجرة المثل.
أمّا الثاني ،
فظاهر ، لأنّ حقّه وملكه ليس إلّا المنفعة وقد استوفاها الغاصب ، ولم يترتّب عليه
يد المؤجر حتّى يكون للمستأجر تسلّط الرجوع إليه أيضا ، وإن كان قرار الضمان على
الغاصب ، كما هو الحكم في غصب الأعيان.
وأمّا الأوّل ،
فلعلّه مبنيّ على عدم تمكّن المؤجر من الأخذ من الغاصب ، إذ لو كان متمكّنا لما
غصب منه ، والمفروض أنّه غصب منه.
__________________
قوله
: [ وله أيضا الصبر وعدم الفسخ ] ، فيلزمه
كلّ الأجرة ، وهو ظاهر
، ودليل جواز الفسخ ظاهر على تقدير خروج المستأجر .. إلى آخره
.
هذا محلّ نظر ،
بل الظاهر خلافه ، لما مرّ في كتاب البيع في خيار تبعّض الصفقة وخيار العيب ، فإنّ العلّة
المذكورة هناك جارية هاهنا ، والمؤجر إنّما أخذ الأجرة بإزاء جميع المنفعة ، فكيف
يأخذها بإزاء البعض ، وهل هو إلّا أكل مال بالباطل وبغير ما وقع عليه التراضي
والعقد والعهد والشرط؟! وبالجملة ، تمام التحقيق يظهر ممّا ذكرناه.
ومن العجائب
أنّه يقول في الصورة الأخيرة بنقص الأجرة المقابلة لبقائه غير منهدم ، ويقول في
هذه الصورة بعدم النقص ، مع أنّه واضح أنّ هذه الصورة أولى بالنقص من الصورة
الأخيرة ، ومرّ من الشارح في بحث عيب الأجرة أنّه اختار الأرش مع إمضاء العقد ، ولا شكّ في
اتّحاد حال العوضين في ذلك.
نعم ، لو كان
الناقص صفة خارجة لازمة أو غير لازمة لم يوزّع عليها الأجرة ، ولم يقرّر بإزائه
عند أهل الخبرة ، فلعلّه لم ينقص من الأجرة شيء على تقدير عدم الفسخ ، بل الظاهر
حينئذ أنّه كذلك ، والله يعلم.
وسيجيء في قول
المصنّف : ( ولو وجد في العين عيبا ) ما يشير إلى التحقيق .
__________________
قوله
: وأنّ لزوم الأجرة مشروط ببقاء العين في يد المستأجر منتفعا بها ، فإنّها ليست
إلّا في مقابلة الانتفاع .. إلى آخره
.
لا يقال :
بمجرّد العقد صار المنفعة ملكا للمستأجر منتقلة إليه ، كما أنّ الأجرة صارت ملكا
للمؤجر منتقلة إليه ، فلازم ذلك أن يكون التلف من المستأجر ، فيلزم صحّة العقد
ولزوم الأجرة.
لأنّا نقول :
المنفعة الّتي توجد صارت ملكا له منتقلة إليه ، لا المعدوم بالمرّة ، فإنّ المعدوم
لا يكون ملكا أبدا ، والأجرة إنّما هي بإزاء الملك الموجود لا المعدوم بالمرّة ،
كما أنّ المنفعة إنّما هي بإزاء الأجرة الموجودة ، لا المعدومة الّتي لا توجد أصلا
، والمستأجر شرط وعقد وعهد أن يعطي الأجرة بإزاء أن ينتفع من المنفعة ـ أي توجد
عنده المنفعة حتّى ينتفع إن أراد أن ينتفع ـ والمؤجر أيضا إنّما أخذ الأجرة
واستحقّها بذلك الشرط والعقد والعهد ، وبمجرّد العقد تنتقل إلى المستأجر المنفعة
الّتي توجد شيئا فشيئا ، لا الّتي لا توجد أصلا ، ولا القدر الّذي لا يوجد مطلقا ،
كما أنّ بعقد السلف ينتقل إلى ملك المشتري المبيع الّذي يوجد في أوانه لا المعدوم
في ذلك الأوان وإن كان في وقت العقد معدوما وبمجرّد العقد صار مال المشتري وحقّه ،
ومن حينه.
وبالجملة ،
المنفعة أحد أركان العقد ، فلا بدّ من وجودها وتحقّقها حتّى يصحّ العقد.
نعم ، إن تحقّق
المنفعة ولم ينتفع اتّفاقا أو منعه مانع عن الانتفاع ، فالعقد صحيح ، كما مرّ في
مسألة الغصب.
__________________
قوله
: فالظاهر ذلك ، لعموم الأدلّة
.
بل لا تأمّل في
ذلك ، لأنّه مقتضى القواعد الشرعية وأدلّتها.
في أحكام الإجارة
قوله
: ولا يضرّ عدم التصريح بتوثيق محمّد
.. إلى آخره
.
ربّما يروي عنه
أحمد بن محمّد بن عيسى ، مع أنّه أخرج عن قم من كان يروي عن المجاهيل بسبب
أنّه روى عنهم ، ففيه شهادة تامّة على أنّه كان عادلا عند أحمد ،
فتأمّل.
قوله
: ولا يضرّ عدم صحّة سندها .. إلى آخره
.
في هذه الرواية
شهادة على أنّ وقت صدورها كان الناس ربّما يؤجرون ويستأجرون من دون تعيين
وقت.
__________________
قوله
: [ ما نقل في الشرح من الإجماع ] وأنت تعلم ضعفه في مثله .. إلى آخره .
لكونه موضع
ريبة ، على أنّه على تقدير الصحّة ، فأقصى ما يكون أنّه خبر واحد ، فكيف يقاوم ما
ذكر من الأدلّة ، سيّما وأن يغلّب عليها؟!
قوله
: وبعد العتق لا ملك ، ومحتمل
كونها على بيت المال
والزكاة ، ومع التعذّر على الأغنياء كفاية .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
بعد العتق مالك لمنفعته الّتي عوضها بالأجرة ، ولا يملك الأجرة إلّا من جهة كونها
عوض ملكه وبدله ، وعرفت أنّ وجود المنفعة في كل آن شرط لاستحقاق الأجرة في ذلك
الآن.
فعلى هذا ،
يمكن أن يقال : استصحاب وجوب النفقة عليه حتّى يثبت خلافه ، ولم يثبت ، إذ القدر
الثابت أنّه إذا خرج عن ملكه بالمرّة بحيث لم يكن بملكيّته علاقة باقية بوجه من
الوجوه ، لم يكن حينئذ عليه نفقته.
ويؤيّده أيضا ،
عموم « لا ضرر ولا ضرار » ، إذ في جعل نفقته على بيت المال وأمثاله خفّة ومهانة
وضرر عليه عادة.
ويؤيّده أيضا ،
ما سيجيء في قول المصنّف رحمهالله : ( وكلّما يتوقّف استيفاء المنفعة عليه .. إلى آخره ) .
قوله
: ولكن يحتمل عدم البطلان [ وكونه موقوفا على إجازته ] .. إلى آخره .
لا شبهة في أنّ
هذا الاحتمال متعيّن على القول بصحّة الفضولي ، فإنّ صحّته
__________________
تقتضي الصحّة هنا بطريق أولى ، والمصنّف قائل به ، وكثيرا ما يعبّر عن عدم
اللزوم في مثل المقام بالبطلان ، إذ لا مشاحّة في الإطلاق.
قوله
: فكلّ ما يصحّ فيه أحدهما يصحّ [ فيه ] الآخر .. إلى آخره
.
يظهر من كلام
العلّامة في « القواعد » أنّ العارية ليست تمليك المنفعة بل تبيح التصرّف ، وهذا هو
الظاهر من الفقهاء والأدلّة ، إذ لا يظهر منها سوى جواز الانتفاع فقط ، والأصل عدم
الانتقال وبقاء ما كان على ما كان ، وأنّه لا يجوز إعطاء العين لغيره ينتفع بها ما
لم يأذن له صاحبها ، فإنّه لو ملك المنفعة لكانت ملكا له كسائر أملاكه ، و « الناس
مسلّطون على أموالهم » .
وفي الإجارة
جوّزوا الإعطاء للغير ، لما ذكر ، والفرق بين اللزوم والجواز فيما ذكر لا معنى له
، فتأمّل!.
قوله
: إن نقص الطعام فعليه ، قال : جائز ، قلت : إنّه ربّما زاد الطعام! قال : فقال :
يدّعي الملّاح أنّه زاد فيه شيئا؟ .. إلى آخره
.
لا يبعد أن
يقال : إنّ المراد أنّه إن نقص بغير آفة سماويّة أو أرضيّة خارجة عن تحت قدرة
الملّاح واختياره ، وأنّ هذا الشرط ، إنّما يفعلون من جهة كون الملّاحين ـ غالبا ـ متّهمين
بالسرقة أو بعدم المحافظة وبعدم المبالاة ، أو من جهة
__________________
عدم إمكان إثبات الخيانة غالبا ، وإلّا فالحمل على التضمين من الآفات
المعلومة الثابتة الخارجة عن اختيار الملّاح فبعيد ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وعلى تقدير
تسليم الدلالة على العموم ، فلا بدّ من تخصيصه بالأدلّة الدالّة على أنّ الأمانة
المالكيّة لا يضمن الأمين إذا تلفت من غير تقصير منه أصلا ، وأنّه لا معنى لأن
يكون ذهاب مال أحد وتلفه من مال الآخر من دون إتلاف ولا تقصير.
فالخبر ـ على
ذلك التقدير ـ مخالف للقاعدة الشرعيّة الثابتة المتّفق عليها ، فلو كان صحيحا بحسب
السند ، صريحا بحسب الدلالة فيما ذكره ، لكان الواجب طرحه أو تأويله ، لكونه من
الشواذّ ، والشاذّ يجب تركه ، مع أنّ العام إنّما يجوز تخصيصه بالخاص الّذي يكون
مقاوما ، لا أن يكون مرجوحا ، فإنّ ارتكاب التوجيه والتأويل في الراجح من جهة
المرجوح فاسد ، كما حقّق في محلّه.
والخبر ضعيف
السند ، ضعيف الدلالة ، مخالف لفتاوي جميع المسلمين ، لو لم نقل ضروري الدين.
قوله
: ولأنّ العقد يقتضي الصحّة .. إلى آخره
.
ولأنّ التراضي
وقع بقيد الصحّة ، فلا يجب الوفاء بالأجرة والالتزام.
قوله
: [ كان البطلان ] رأسا متوجّها ، فيجب عدم لزومه ، وكذا له الالتزام أيضا .. إلى
آخره .
ليس كذلك ، لما
عرفت فيما سبق في كتاب البيع ، في بحث خيار تبعّض الصفقة وخيار العيب وغيرهما ، مع أنّ هذا
ينافي تعليله للإلزام بقوله : ( فإنّه
__________________
ينقص حقّه .. إلى آخره ) .
قوله
: وليس له الرضا والالتزام به مع الأرش ، كما قاله المحقّق الثاني في البيع
، لعدم الدليل .. إلى
آخره .
إذا عقد المؤجر
وعهد أن يعطي العين بقيد الصحّة ووقع التراضي عليه ، يمكن للمستأجر أن يقول :
وصلني بعض حقّي وعليك أن تعطي الباقي ، لأنّك عقدت وعهدت وشرطت أن تعطي الكلّ فإن
لم يوجد فانقص حقّك بقدره ، فإن أجاب بأنّ التراضي ما وقع إلّا بالأجرة التامّة ،
أجابه بأنّ التراضي ما وقع إلّا بالعين الصحيحة.
فإن بنى على
أنّ الصحّة ليست داخلة فيما وقع عليه التراضي ، يلزم لزوم العقد ، وإن بنى على
أنّها داخلة لكن من جهة عدم إمكان الحصول ، فالتكليف بها تكليف بما لا يطاق ،
والتكليف بشيء آخر عوضها تكليف بما لا منشأ له ، والتكليف برفع اليد عن بعض
الأجرة خلاف ما وقع العقد والعهد ، فإمّا [ أن ] يأخذ بالكلّ أو يدع.
فيمكن أن يقال
: عموم « لا ضرر » يقتضي رفع اليد والأرش.
وأيضا ، كيف
يأكل ما هو بإزاء مجموع الحقّ ببعض الحقّ؟ فإنّه أكل مال بالباطل.
وأيضا الفقهاء
كثيرا ما يعوّضون الحقّ بمثله ، فتأمّل فيه.
__________________
على أنّه مرّ
في قوله : ( لو حفر البعض ) ، وقوله : ( لو انهدم المسكن ) أنّه يرجع
بالنسبة ، بل معلوم ـ بحيث لا شبهة فيه ـ أنّه لو لم يتمكّن المؤجر من إعطاء جميع
المنفعة المشترطة أنّه يرجع بالنسبة ، ولا يمكن للمؤجر أن يقول : إمّا يأخذ البعض
بمجموع الأجرة المسمّاة أو يفسخ ، والدليل في الكلّ واحد.
ومرّ في كتاب
البيع في بحث خيار العيب وخيار تبعّض الصفقة ما يحقّق المقام ، ومرّ في شرح
قول المصنّف : ( ولو انهدم المسكن ) ما عرفت.
قوله
: [ إذا استأجر دابّة ] ولم يكن صاحبها معها ، والدابّة في يده .. إلى آخره
.
هذا التقييد
خلاف ظاهر عباراتهم ، لإطلاقها ولعلّه لغاية استبعاد الإطلاق قيّد ، وفيه ،
أنّ الاستبعاد مبنيّ على كون النفقة على المؤجر ، على ما هو مقتضى الأصل ، وقد ظهر
أنّ بناءهم على أنّ النفقة من مال المستأجر ، فالّذي دعاهم إليه لعلّه دعاهم مطلقا
، ولم نجد سوى احتمال كون ذلك عادة في زمانهم في بلدهم ، بحيث ينصرف إطلاق العقد
إليه ، أو أنّهم حملوا ما سيجيء في نفقة الاجراء على ما يشمل المقام ، وسيجيء
الكلام في ذلك .
قوله
: قيل : فلا أجرة له [ حينئذ ] كما ، صرّح به في « الشرح » .. إلى آخره
.
ليس بشيء ،
لما ذكرناه في أوّل كتاب التجارة والمكاسب من أنّه لا مانع من
__________________
أخذ الأجرة على الواجبات الكفائيّة والعينيّة الّتي وجوبها من جهة احتياج
الناس ورفع الحاجة عنهم ، فلاحظ!
قوله
: [ التضمين ] مع الإيجاب بعيد ، وهو جار في كثير من الأمور ، فتأمّل ، ويدلّ على
ضمان الصائغ [ المفسد ] .. إلى آخره
.
الاستبعاد غير
مضرّ في مقام اقتضى الدليل الضمان ، لأنّه من الأحكام الوضعيّة لا التكليفيّة ، ولذا
يضمن الطفل والمجنون إجماعا.
وإن لم يكن
دليل ، فالأصل العدم ، والأصل براءة الذمّة ، فلا حاجة إلى الاستبعاد ، فتأمّل!
قوله
: وهي تدلّ على عدم الضمان [ على المتبرّع ] .. إلى آخره
.
الدلالة ضعيفة
، بل غير معتبرة على المشهور ، وعند المحقّقين في الأصول.
قوله
: وكونه أمينا ، وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار
.. إلى آخره
.
ليس كلّ أجير
أمينا ، وليس إعطاء شيء إيّاه للاستصلاح ولأغراضهم استئمانا ، إذ لا شبهة في أنّ
الناس ما يستأمنون أكثر الإجراء ، كما أنّ الحال في الواقع أيضا كذلك أنّ غالبهم
غير أمين بل خائن بيقين ، إلّا أنّه من جهة الاضطرار
__________________
وعدم العلاج يعطونهم شيئا للاستصلاح وغيره ، كما هو مشاهد ، ومن هذا ورد في
الأخبار أنّ الأجير المتّهم ضامن ، إلّا أن يثبت عدم ضمانه.
قوله
: وصحيحة داود بن سرحان الثقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى آخره
.
لا وجه
لاستدلاله بهذه الصحيحة ، والصحيحة الآتية ، وكذا الحسنة على مطلوبه ، لأنّ الظاهر منها كون التلف بفعل الأجير ،
بل هذه الصحيحة صريحة في ذلك ، فتكون الأدلّة على القسم الأوّل الّذي ادّعى شارح «
القواعد » رحمهالله عليه النصّ والإجماع ، فلا وجه
لتأمّل الشارح فيه ، فتأمّل!.
قوله
: ولا يبعد أيضا الجمع على الاستحباب والاحتياط .. إلى آخره
.
إن أراد أنّ
الحكم بضمان غير الثقة حين فقد البيّنة محمول على الاستحباب ، ففيه أنّ استحباب
مثل هذا بعيد في نفسه ، ومع ذلك بعيد بالنظر إلى هذه الأخبار أيضا ، وما ذكره من
الإشعار لم نجده ، فإنّ الاحتياط في رواية أبي بصير ليس بمعنى الاستحباب كما لا
يخفى ، وليس معناه الاستحباب ، لا مطابقة ، ولا تضمّنا ،
__________________
ولا التزاما.
نعم ، عند
الفقهاء يكون الاحتياط مستحبّا في الموضع الّذي يجوز التمسّك فيه بالبراءة
الأصليّة ، ووجهه ظاهر.
وإن أراد أنّ
الحكم بضمان الأمين مستحبّ ، ففيه ـ مع بعده في نفسه ـ أنّه مدلول صحيحة أبي بصير
وحسنة الحلبي ، إذ الظاهر منهما أنّ العفو عن الأمين مستحب والظاهر أنّ الروايتين
تتضمنان حكم خيانةو الصائغ ، وأنّ التفضّل على المأمون إنّما هو في هذه الصورة
فضمان المأمون في هذه الصورة ، لا فيما تلف بغير فعله ، فإنّه ليس بضامن فيه
البتّة ، فجمع الشيخ أظهر ، بل متعيّن.
قوله
: لما روي عن علي عليهالسلام « من تطبّب أو تبيطر
فليأخذ البراءة من صاحبه » .. إلى آخره
.
هذا الخبر أيضا
يدلّ على ما ذكره الفقهاء من ضمان الأجير وإن كان طبيبا أو بيطارا ، بل يدل على
ضمان من أتلف وإن لم يكن أجيرا ، كما قاله الفقهاء أيضا .
قوله
: إلّا أن يجعل الإذن تحليلا ، أو من قبل النظر
لمريد النكاح والشراء
.. إلى آخره .
الظاهر أنّه
تحليل ،
__________________
لدلالة الأخبار على ذلك ، وأمّا ما ذكره بقوله : ( أو من قبل .. إلى آخره ) ، فلا شكّ في
فساده.
قوله
: والأخيرة تدلّ على أنّ الجهالة في المدّة أيضا [ في الجملة لا تضرّ ]
.
لا دلالة فيها
، بل ظاهرها أنّ الإجارة وقعت على الثماني ، وأنّ إتمام العشر تكلّف منه وتبرّع
وإحسان ، إن أراد فعل.
قوله
: وأنّ معنى الآية ذلك ، وأنّ حكمها باق [ في شريعتنا ] .. إلى
آخره .
هذا ، مضافا
إلى الاستصحاب ، وظواهر أخبار أخر .
قوله
: والكلّ يدلّ على جواز الإجارة مطلقا .. إلى آخره
.
في الدلالة نوع
تأمّل ، لأنّ المطلق ذكر لإفادة حكم آخر لا حكم نفسه من حيث الإطلاق ، فتأمّل.
قوله
: وأنّه لا مكافأة ، لأنّه متبرّع .. إلى آخره
.
لم يدلّ على
أنّه لا بدّ من مكافأة ، بل على أني المؤجر كافأه اتّفاقا لجزاء إحسانه وخروجه عن
الخجالة والمنّة ، فسأل أنّ هذه المكافأة من مال من يحسب؟ واحتسابه من مال
المستأجر إذا كان مصلحة له ، لعلّه بناء على كونه مرخّصا في فعل ما هو صلاحه بأيّ
نحو أراد ، فتأمّل فيه.
__________________
المزارعة والمساقاة
في أركان المزارعة
قوله
: [ من الحيل الشرعيّة ] ، مثل جعل البذر منهما .. إلى آخره
.
كون البذر
منهما كيف ينفع في تحقّق هذه المعاملة؟! إلّا أن يكون تصحيح كون النماء لهما ، لا
أنّه لتصحيح هذه المعاملة ، فتأمّل.
قوله
: مع عدم الدليل ، كما تقدّم في البيع
ونحوه .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الأصل عدم صحّة المعاملة حتّى تثبت بدليل ، لا أنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر
الشرعي أو الآثار الشرعيّة ، وتحقّق الأثر وثبوته يحتاج إلى دليل ، وإلّا فالأصل
العدم ، والأصل بقاء ما كان على ما كان ، فلا وجه للتمسّك بالأصل ، بل لا بدّ من
إثبات المعاملة وصحّتها من دون العقد على حسب ما ذكر ، ومع العقد بالنحو المذكور
وقع الإجماع على الصحّة ، وبدونه يحتاج إلى دليل ، فالعبرة بوجود الدليل لا الأصل.
قوله
: لصدق العقد ، فلا يبعد [ الصحّة بغير العربيّة ] .. إلى آخره
.
في دعوى صدق
العقد بأيّ نحو يعلم الرضا بالمعاملة ، محلّ نظر ، كما مرّ في
__________________
بحث البيع .
قوله
: عدم صحّة الاستدلال بكونه عقدا لازما .. إلى آخره
.
فيه نظر ، لأنّ
مجرّد تجويز العلّامة في كتاب واحد لا يصير دليلا على عدم إمكان الاحتجاج ، سيّما
والعلّامة ما أظهر الوجه ، فلعلّه من خصائص المقام ، كما هو الظاهر منه.
والبناء على
العلم بعدم الفرق غلط ، كيف وفي المقام يجوز الجهل والغرر في العوض ، وبه يشبه
الجعالة؟ فلا يمكن القياس مع أنّها والمساقاة بحالة واحدة ، وورد الصحيح في
المساقاة .
ومرادي ممّا
ذكرت منع جريان تنقيح المناط ، لا أنّ ما ذكر علّة ، بل العلّة لعلّها أمر آخر.
قوله
: [ من أنّ غيره ] بعيد عن كونه لإنشاء العقد ، وهو كما ترى ، فعموم الأدلّة وعدم
دليل مانع [ دليل الجواز ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الأمر من حيث هو أمر لا يدلّ على الإنشاء في العقود الأخر ، مثل : بعني ، أو اشتر منّي
، أو هب ، أو صالح ، لأنّ الأمر فيها صريح في طلب العقد والمعاملة بعد الأمر ،
بخلاف : ازرع ، فإنّه صريح في طلب العمل بالشرط المعلوم ، لا طلب المعاملة ، فيصلح
للعقد ، بل ظاهر فيه وفي إنشاء نفس المعاملة كما لا يخفى ،
__________________
وغير ذلك.
وفي المقام
يمكن أن يفهم من نفس الأمر بازرع إنشاء العقد ، فله قابليّة الفهم منه ، فلعلّ هذا
منشأ استشكاله من أنّه يصلح للإنشاء في المقام كما يصلح في المساقاة أيضا وثبت
هناك ، ومن أنّه من العقود اللازمة ، والأصل والقاعدة فيها عدم الجواز ، وهذه
طريقته سيّما في « القواعد ».
وليس في المقام
انتقال العوض من حين العقد وبنفس العقد حتّى يحتاج إلى القبول اللفظي ، وغير خفيّ
أنّهم يريدون اللفظ لهذا المعنى ، ولعلّه يظهر وجهه ممّا مرّ في عقد البيع ، فليلاحظ
وليتأمّل!.
وأمّا الدلالة
من جهة القرينة ، فلم يعتبرها كلّهم ، ومن اعتبرها لعلّ مراده أنّ نفس اللفظ لا
يصلح للعقد ، أو يقول : إنّ القرينة في مثل الأمر تصير خفيّة ، ويصير منشأ للنزاع
والاختلاف ، والعقود إنّما هي لرفع النزاع ، لا لإنشاء النزاع ، فتأمّل! فإن قلت :
إذا قال المؤجر : اسكن في بيتي بكذا ، أو اعمل لي بكذا ، يجوز أن يصير عقد الإجارة
، مع أنّ الظاهر من العلّامة عدم الرضا بذلك بعنوان الاحتمال أيضا .
قلت : اسكن في
بيتي ، لا يدلّ على نقل المنفعة من المؤجر إليه بنفس اللفظ ، بل ظاهره إباحة
التصرّف بإزاء شيء ، فهو ـ مع عدم الدلالة على الإعطاء والنقل ـ لا خصوصيّة له
بالإجارة ، إذ يصحّ كونه مراضاة أو صلحا أو هبة لو دلّ على النقل.
__________________
وقول : اعمل لي
كذا بكذا ، قبول في الإجارة ، لا إيجاب ، ومع ذلك لا يدلّ على نقل منفعة.
وأمّا المزارعة
، فلعلّ العلّامة يستشكل في كونها من العقود الناقلة بمجرّد اللفظ والصيغة .
وقول : أزرعك ،
ظاهر في طلب المزارعة ، كقول : زارعتك ، فتأمّل.
وسيجيء عن
الشارح عند قول المصنّف : ( ولو أهمل الزراعة ) ، ما يشير إلى عدم النقل ، حيث
يقول : لأنّه فوّت المنفعة على المالك ، فتأمّل!
قوله
: ويدلّ عليه ما في صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام .. إلى
آخره .
لا دلالة فيها
على المزارعة ، لأنّ قوله : « أعمرها وهي لك ثلاث سنين » ، ليس بمزارعة
قطعا ، بل نوع مراضاة ربّما يكون مصالحة ، فتأمّل.
مع أنّه لا
دلالة فيها على كون هذا عقدا ، فتأمّل.
قوله
: وهي صريحة في جواز القبول بلفظ المضارع ، فلا يبعد انعقاد الإيجاب .. إلى آخره
.
لا ظهور فيها
في كون ما ذكر قبول الصيغة ، فضلا عن الصراحة ، بل غير خفيّ أنّه بعيد ، إذ لا
إشارة إلى إيجاب أصلا لا مقدّما ولا مؤخّرا ، مع أنّ قوله : « إن
__________________
شئت نصفا ، وإن شئت ثلثا » ، من تتمّة مقول القول ، فكيف يناسب هذا كونه قبول
الصيغة وتتمّة العقد؟! وبالجملة ، لا شبهة في أنّه ليس قبول الإيجاب وذكر صورة
العقد ، بل هو تقرير المقاولة بينهما ، وتصحيح المعاملة بأنّها بأيّ نحو تقع ،
فتأمّل! مع أنّ عدم البعد لا يصير دليلا ، بل لا بدّ من الدليل.
وكذا الكلام في
رواية أبي الربيع ، مع ضعفها عندهم .
قوله
: لصحيحة الحلبي المتقدّمة ، كما قال في « شرح الشرائع » .. إلى آخره .
حكمه بالقوّة
من جهة صحّة السند ووضوح الدلالة ، لأنّها مطلقة ، فلا يعارضها رواية الفضيل ، وأبي بردة ، لعدم
المقاومة ، وهذه الطريقة مرضيّة عند الشارح أيضا ، فلا وجه لقوله : ( لإمكان حملها
.. إلى آخره ) ، وكذا قوله :
__________________
( بل لا ينبغي الخلاف ) ، مع أنّ العام لا يعارض الخاص ، ولذا جعل العموم
مؤيّدا .
والحقّ في
الجواب ، أنّ الرواية إذا انجبرت بشهرة العمل تصير حجّة ، كما هو المشهور بين
الفقهاء ، وبيّنا وجهه في موضعه ، فلا تقاومها الصحيحة من جهة الدلالة ، فتعيّن
الحمل على الاستحباب أو التقييد ، ويؤيّده الرواية تعدّدها وموافقتها للعمومات
وغيرها.
قوله
: [ مع المعارضة ] ، إذ ما نقلناه عن « الفقيه » ينافيها [ صريحا ] .. إلى
آخره .
منافاتها إنّما
تكون إذا ثبت كونها بلا « لا » ولم يثبت ، بل الظاهر من السياق ومن نقل الشيخ
والكليني ، وشهرتها بين الأصحاب ـ كما نقلا ـ هو السقوط [ في ما نقله عن الفقيه ].
وروايتا الفضيل
وأبي بردة قد عرفت حالهما. ويتقوّى صحيحة الحلبي بهذه الصحيحة وغيرها.
__________________
ومن هذا يتقوّى
قول ابن البرّاج ، لكن المشهور لعلّه أقوى ، لما عرفت.
قوله
: ورواية الفضيل وأبي بردة غير صحيحة لكان واضحا ، ولكن قد عرفت غيرهما أيضا ..
إلى آخره .
غيرها لا دخل
لها في المقام ، ومجرّد مناسبتها لا يكفي ، وإن أراد العموم فهو مؤيّد للخبر
المعارض المقاوم.
قوله
: ولأنّه لا عموم في الصحيحة ، والقول بأن لا قائل بالفرق غير واضح .. إلى
آخره .
لا شبهة في
الإطلاق ، وهو يرجع إلى العموم عند الفقهاء والشارح ، إلّا أن يدّعى أنّ المتداول
أنّهم كانوا يؤاجرون لطعامها ، وإلّا لم يكونوا يشترطون خصوص الطعام ، مع أنّ
المتداول في الأجرة الذهب والفضّة ، فتأمّل!
قوله
: إلّا أنّه ينبغي أوّلا تكليف المالك [ للمزارع ] .. إلى آخره
.
في الإلزام
بهذه الأمور نظر ، لمنافاتها لقوله عليهالسلام : « الناس مسلّطون » وغيره ، إلّا
أن يقال : إنّه للخروج عن الخلاف والاحتياط ، ولذا قال : ( ينبغي ).
قوله
: وظاهره أن لا أرش عليه حينئذ مع احتماله .. إلى آخره
.
لعلّ بناء
الأرش على أنّه ليس بغاصب ، بل زرع بإذن المالك ، وإن وقع منه
__________________
التأخير الّذي ليس يقطع به عدم وصول الزرع وإدراكه في المدّة المسمّاة ،
لأنّه أعطاه الأرض للزرع ولم يشترط عليه كيفيّة ، وتخلّف الظنّ ليس باختياره ،
فتأمّل.
قوله
: [ بطل العقد ] لأنّه يعود إلى الجهالة في المدّة ، فتأمّل
.
أو الجهالة في
الشرط الموجبة للغرر ، ولأنّ الشرط في حكم أحد العوضين.
قوله
: ما لا يحتاج إلى الماء ، فعدم الماء لا يستلزم عدم إمكان الانتفاع .. إلى آخره
.
فيه ، ما لا
يخفى على المتأمّل ، إذ لو أمكن أن يزرع بالهواء أو الظلّ أو الريح ـ كما هو الحال
في بعض المواضع ـ فلا خيار له في الفسخ إن لم يشترط كون الزرع بالماء ، وإلّا يعود
المحذور.
قوله
: وهو صحيح ، على القول بجواز التخطّي إلى غير المنفعة المشروطة .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّ من
يقول بالتخطّي يجعل ما وقع العقد عليه هو المنفعة ، وكونها خصوص الزرع شرطا في ضمن
العقد وبعد فقدان الشرط يجوز له أن يرفع اليد عن الشرط ، ويكتفي بالمنفعة الّتي
كان يمكنه أن ينتفع بها مع وجود الشرط.
مثلا : لو كان
الماء موجودا ورفع اليد عن الزراعة وجلس على تلك الأرض ، أو مشى عليها أو نام ،
فلعلّه لا يمكن لصاحب الأرض أن يقول : لا تجلس على أرضي ولا تمش عليها ، أو لا
تقعد ولا تيمّم ، لأنّه حال الزرع يمكنه أن
__________________
يفعل أمثال ذلك ، إلّا أن تكون مصلحة المالك هي الزرع لا ما ذكر ، فتأمّل.
لكنّ الأمر في
المزارعة لا يخلو عن الإشكال ، بل مشكل.
قوله
: وفي الأجرة تأمّل ، إذ الفسخ بسبب انقطاع ما هو شرط للصحّة
، ولا أجرة
لها سواها .. إلى آخره .
بناء الأجرة
على أنّ المنفعة ملك من أملاك المالك استوفاها العامل ، ولم يكن مجّانا وعارية
بغير عوض ، وانقطاع الماء لم يكن من المالك بل من الله.
نعم ، لو كان
المالك عالما أو ظانّا بالانقطاع ومع ذلك غرّه ، يلزمه بتغريره جميع ما خسر العامل
أيضا ، فتأمّل!
قوله
: ثمّ إنّ وجه التخيير أيضا غير واضح ، إذ الإجارة والمزارعة عقد لازم .. إلى آخره
.
الظاهر أنّ
تعيين الزرع شرط من شروط المعاملة اللازمة ، فبعد فقدان الشرط له خيار الشرط ، كما
ذكرنا في كتاب البيع ، فلاحظ! وبالجملة ، الشرط حقّ من حقوقه ، له أن يرفع
اليد عنه ويلزم المستأجر بإعطاء المسمّى ، وليس له أن يقول : ما أعطي المسمّى
لأنّك رفعت اليد عن بعض حقّك ، وله أن يفسخ بأن ما وقع التراضي إلّا على هذا
الشرط.
هذا في الإجارة
واضح.
وأمّا المزارعة
، فيمكن أن يقال : إنّه وقع المعاملة على النصف أو الثلث ـ مثلا ـ لكن بشرط أن
يكون زرع كذا ، فيجوز له رفع اليد عن شرطه ، وليس
__________________
للعامل أن يقول : ما أعطي النصف أو الثلث لأنّي ما وفيت بالشرط وأنّك عفوت
عن الشرط.
مع أنّ الغاصب
مؤاخذ بأشقّ الأحوال بالقياس إلى المغصوب منه ، وللمغصوب منه مؤاخذته بذلك ، وله
ما هو أرضى به وأرفق ، إلّا أن يمنع من الخارج مانع ، من إجماع أو نصّ.
وما ذكر من
أنّه له إمّا المسمّى أو اجرة المثل ، فهو بعينه ثمر جواز ، وإلّا فلا وجه لما
ذكره ، إذ كون العقد صحيحا قهرا لا وجه [ له ] قطعا ، والغاصب أقدم على أن يعطي ما
يزيد عن أجرة المثل ، فلا وجه لأن يصير غصبه نافعا له ، مسقطا عنه بعض ما أقدم
ورضي ، بل الغصب لو لم يرد عليه لا ينقص منه ، فتأمّل!
قوله
: وأدلّة الإيفاء بالعقود والشروط ، مع عدم منع ظاهر .. إلى آخره
.
إن جعل المستند عموم ( أَوْفُوا ) وغيره ، لزم المعاملة على البذر من دون أرض ، بأن يكون
الزرع في أرض يباح فيها الزرع أو عارية أو إجارة استأجرها الطرفان أو غير ذلك ،
وكذا الحال في العمل ، وفي العوامل ، وفي النفقة ، وفي الفدّان وفي المسحاة
وغيرهما من الآلات ، ولم يعتبر جميع ذلك أحد إلّا أن يقول بأنّ ما ذكر باطل
بالإجماع ، فتأمّل!
قوله
: بل هو أعمّ ، [ بل الظاهر ] إنّ أهل خيبر كانوا كثيرين ، فوقع بينه صلىاللهعليهوآلهوسلم .. إلى آخره
.
المراد أنّ
العقد يقع بين طرفين متعاقدين وإن كان كلّ واحد من الطرفين
__________________
جماعة ، لا أن يكون أطرافا للعقد وجماعة متعاقدين لكلّ واحد منهم شرط على
حدة وعقد سواء في عقد واحد كما هو المفروض.
في أركان المساقاة
قوله
: وإن كان ما حصل له أقلّ ممّا أخذ من الهذب
أو الفضّة [ مع حصول
التعب ] .. إلى آخره .
بشرط أن لا
تتحقّق سفاهة بهذه المعاملة ، بأن يكون في ذلك غرض معتدّ به عند العقلاء ، وإلّا
فمعاملة السفيه باطلة ، وسيشير إليه الشارح .
قوله
: وكذا يبطل لو شرط للعامل جزءا من الأصل [ مع الحصّة ] .. إلى آخره .
وفي « القواعد
» استشكل في ذلك .
__________________
الجعالة
قوله
: ويمكن حملها على كون التعيين بأمر المالك .. إلى آخره
.
بعيد ، ويمكن
حملها على الإرشاد ، وعلى وجه الاستصلاح ، فتأمّل جدّا!
قوله
: [ وتفصيل هذه المسألة ] يحتاج إلى تطويل ، وقد مرّ .. إلى آخره
.
قد مرّ في كتاب
البيع تحقيق ينفع المقام .
قوله
: إلّا بدليل يفيد ذلك ، وأنّ الثاني إنّما يتمّ إذا كان العوض مجهولا .. إلى آخره
.
لعلّ ما مرّ في
كتاب البيع صار منشأ لحكمهم ، فإنّ التعيين بحسب نفس الأمر لازم بلا شبهة حتّى
يصير بعد العمل حقّا له منتقلا إليه ، فإنّ غير المعيّن لا ينتقل ولا يستحقّ ، مع
أنّه يصير محلّ النزاع ، كما اعترف.
وأمّا التعيين
عندهما ، فالظاهر أنّه لا بدّ منه بالقدر الّذي يخرج به عن السفاهة ، فيصير حاله
حال الصبيّ والمجنون ، أو السفيه ، إذ الظاهر أنّه حينئذ يستحقّون أجرة المثل ،
كما هو الحال في جعل الجعل منهما بالمرّة ، فلا بدّ من تعيين يخرج به عن السفاهة
عرفا ، وكذا لا بدّ من تعيين يرفع النزاع والمشاجرة ، كما مرّ
__________________
في البيع .
وأمّا التعيين
الّذي يرفع الغرر ، فربّما كانوا يقولون بلزومه بناء على أنّهم يفهمون من نهي
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر الشمول لغير البيع أيضا من المعاملات ، ولعلّه لتنقيح
مناط عندهم ، وإلّا فالآن نحن لا نفهم ، سيّما مع عموم أدلّة
الجعالة ، وخصوص بعض الأدلّة ، مثل : « من قتل قتيلا فله سلبه »
، ولهذا جعل ما ذكر محتملا ، واستحسنه أيضا في « القواعد » .
قوله
: إن احتاج إليه لتحصيل ماله وما أوجب الجهل ، حتّى لا يتمكّن من جوّز الجهل
.. إلى آخره
.
مراده رحمهالله ، أنّ الحاجة ماسّة إلى أمثال هذه المعاملات ، والنظام
يتوقّف عليها ، ولهذا جعلها الشارع مشروعة ، كما ظهر من كلامه ، وأيضا فعل الحكيم يناسب أن
يكون تام الفائدة.
فعلى هذا ، لو
لم يجعل التعيين معتبرا لم يحصل المطلوب من النظام ، ولم تتحقّق الحاجة الماسّة ،
لكن لا يخفى أنّ ما ذكره يصلح نكتة للفرق لا دليلا عليه ،
__________________
ولعلّ مراده رحمهالله ذلك ، والظاهر أنّ هذا مراده ، كما لا يخفى على المطّلع
بحاله ، فتأمّل!
قوله
: بخلاف من ردّه فله ثوب ، لأنّ جهالة الثوب .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
مراده كونه بحيث ينتقل إليه ويستحقّه بعد تمام العمل ، ولا يتحقّق هذا المعنى في
الثوب المذكور كما لا يخفى ، إذ ليس له أقلّ معيّن يدخل تحت الضابطة.
وأيضا ، لا شكّ
في أنّ مثله محلّ النزاع ، كما مرّ في البيع ، فلاحظ!
قوله
: متبرّع ، ولمّا بطل المعيّن يستحقّ ما هو بمقداره .. إلى آخره
.
وصرّح في «
القواعد » بذلك ، ولا تأمّل في كونه هو الحقّ ، ولا خفاء في الدليل ،
وأنّ الأمر كذلك في كلّ موضع يكون مثل الموضع ، إذ يحلف كلّ منهما على نفي ما
يقوله الآخر ، وإن كان يبطل الاجرتان ، إلّا أنّ دعوى كلّ واحد يوجب الإقرار على
نفسه بعدم استحقاقه أزيد ممّا ادّعى.
قوله
: ويمكن أن يكون المراد الإمكان شرعا وصحّته .. إلى آخره
.
الظاهر ، أنّ
مرادهم الأعمّ ، ومرّ وجهه في بيان الجهة الثالثة للفرق بين الأجرة والعمل في
الحاجة إلى العلم ، فتأمّل! وأيضا ، شرط لتحقّق العقد ، ولثمره بحسب نفس
الأمر ، إذ لو لم يكن لكان العقد لغوا بحتا فلا يكون صحيحة ، فتأمّل!
__________________
قوله
: لم يستحقّ شيئا ، لأنّه متبرّع حيث فعل [ من غير الشرط ] .. إلى آخره
.
وإن اعتقد أنّه
يستحقّ الجعل كما يستحقّه الغير ، لجهله بالمسألة ، فإنّ الجاهل بسبب جهله لا
يستحقّ شيئا من أمثال ذلك.
قوله
: [ من ردّ عبدي ] إلى هذا البلد فله كذا .. إلى آخره
.
بشرط أن يكون له
فائدة ، حتّى لا يصير الجاعل سفيها فيبطل عقده ، ولا يستحقّ أخذ الأجرة منه ،
فتأمّل جدّا!
قوله
: والظاهر أنّه يستحقّ بالعمل ، فإنّ العوض جعل في مقابلة العمل .. إلى
آخره .
بشرط أن لا
يكون عرف وعادة يعرف من الإطلاق إرادته ، وينصرف إليه.
قوله
: [ شرط الأجرة تمام العمل ] فلا أجرة له قبله وقد فسخ بنفسه .. إلى آخره
.
وإن كان اعتقاده
أنّه يستحقّ شيئا ـ كما عرفت ـ فإنّه باعتقاده ما أدخل النقص على نفسه ، إلّا أنّه
في الواقع أدخل ، والجهل لا يصير سببا للعذر في استحقاقه ، والله يعلم.
بل الجاعل ـ
أيضا ـ لو كان معتقدا استحقاقه لا يصير ذلك منشأ لاستحقاقه ، إلّا أن تقع المشارطة
، فإنّه حينئذ ما استوفى منفعته مجّانا ، وهو أيضا ما تبرّع ، فتأمّل جدّا!
__________________
قوله
: أمّا لو فعل بعد موت الجاعل فهو متبرّع ، كما إذا فعل بعد فسخ الجاعل .. إلى
آخره .
لكن للجاعل أن
يقول : ما جعلت الجعل إلّا على الفعل والعامل أقدم على ذلك ولم يتحقّق الفعل ،
إلّا أن يكون عادة ينصرف الإطلاق إليها ، فتأمّل! وعلى تقدير استحقاقه يحتمل
بالنسبة كونها بالنسبة إلى أجرة المثل ، لما ذكر ، ويحتمل المسمّى ، وهو الظاهر من
عبارة الشارح.
قوله
: فلا يستحقّ شيئا من الجعل ، بل يجب عليه [ ردّ ما في يده إلى مالكه ] .. إلى
آخره .
لم يظهر من
أدلّة الجعالة ، ولا عقد الجاعل ، ولا عمومات أخر الاستحقاق في هذه الصورة ، مضافا
إلى ما كتبناه في كتاب البيع ، ومراد الفقهاء عدم الاستحقاق من جهة نفس الردّ ، لا
من جهة أمر آخر أيضا.
قوله
: كما قاله المحقّق ، والمصنّف في « التذكرة »
.. إلى آخره .
لعلّ مراد
المحقّق كون الأمر في الجعل فيها على سبيل الإرشاد ، كما أشرنا ، أو أنّه
ربّما يكون الرواية صحيحة ، سيّما مع انجبارها في الجملة ، فالاحتياط يقتضي عدم
مخالفتها بالنسبة إلى الجاعل والعامل جميعا.
__________________
قوله
: ولكن العادة في مثله تقتضي العوض ، ويؤيّده .. إلى آخره
.
دعوى الكلّية
محلّ نظر ، بل العادة مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص العاملين والجاعلين في المقامات
، فلعلّ مرادهم عدم الأجرة إلّا في صورة ظهور الأجرة من قرينة ، إذ العادة من جملة
القرائن ، والإطلاق ينصرف إليها ، وبهذا يجمع بين كلامي المصنّف ، فتأمّل!
قوله
: فإنّ الجعل إنّما جعل للردّ من بغداد ، ولا يلزم منه جعل جزء الجعل
لبعض الطريق ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
المتعارف غرض الجاعل الحصول ، لكن لمّا كان اعتقاده أنّه في بغداد قال ما قال ،
والعامل ما خرج إلّا إلى بغداد ، استحصالا لمطلوبه بعقده وعهده وعلمه بذلك ، إلّا
أنّه اتّفق وجدانه في بعض الطريق ، فالقدر من المسافة كان داخلا في العقد ، وكذا
ردّ العبد.
غاية ما في
الباب ، أنّه لم يتحقّق بعض المسافة المعقود عليها ، بل في هذه الصورة لا يكون من
جملة المعقود عليها ، لأنّ المعقود عليها ما هو لأجل وجدان العبد.
وبالجملة ، عدم
طيّ بعض المسافة ليس بتقصير منه ، لخروجه عن الإمكان ، ولم يصر بذلك عاملا بغير ما
عقد عليه ، ولم يخرج بذلك عمّا وقع العقد عليه أصلا عرفا ، بل يقال عرفا : إنّه
أتى بالمطلوب من العقد القدر الممكن منه.
وهذه الصورة
أولى من صورة موت العامل بعد قدر من العمل ، واختار
__________________
هناك استحقاقه مع عدم إتيانه بالعمل وعدم ردّه العبد وعدم تسليمه ، فكيف يقول
في المقام ما يقول؟! فتأمّل!
قوله
: إذ الأصل عدم التبرّع وعدم وقوع الضالّة بيد العامل حتّى يعلم ، ومعلوم بعد
الجعل لا قبله .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
التبرّع لا يحصل بأمر حادث زائد عن الفعل ، بل يكفي عدم قصد الأجرة ، فكيف يصير
الأصل عدم التبرّع مع أنّه لا تفاوت بينه وبين عدم التبرّع؟ إلّا أن يكون مراده من
الأصل معنى آخر ، أي الظاهر أو القاعدة.
والأوّل لا
يعارض الأصل ، والثاني يتوقّف ثبوته على دليل ، فإنّ كون الأصل أن يكون المنفعة
المستوفاة عوض ولا يكون مجّانا يحتاج إلى دليل ظاهر يعارض أصالة عدم شغل الذمّة ،
فتأمّل.
وأمّا أصالة
عدم وقوع الضالّة بيده قبل العلم ، فلعلّه المراد منها أصل تأخّر الحادث ، فإنّ
وقت العلم مضبوط معيّن لا يتمشّى فيه أصل التأخّر ، بخلاف الوقوع بيده إلّا أنّ
معارضتها لأصالة عدم اشتغال الذمّة أصلا ورأسا ، وبعدمه عليها محلّ نظر ، بل ربّما
كان الأصل الأوّل أقوى ، فتأمّل! وممّا ذكر ظهر ما في قوله : ( إلّا أنّ
التعريف .. إلى آخره ) .
__________________
السبق والرماية
قوله
: وعلى تقديرها بشرع من قبلنا ، ليس بحجّة [ علينا ] .. إلى آخره .
ليس كذلك ،
فإنّ الاستصحاب حجّة ويقتضي البقاء حتّى يثبت النسخ ، ولم يعلم أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نسخ جميع الشرائع بحيث لا يشذّ عنها شيء ، بل الثابت
من الأخبار الكثيرة بقاء كثير :
منها : ملّة
إبراهيم وسنّته . وغير ذلك.
ومنها : ما ورد
مدحه ، بحيث يظهر كونه حسنا بذاته .
ولهذا طريقة
الفقهاء ـ رضياللهعنهم ـ الاستدلال بأمثال ذلك في مقامات كثيرة ، وكثيرا ما يحتجّ المعصوم عليهالسلام بإباحة شيء ـ مثلا ـ بأنّ الشيء الفلاني مثل شقّ
الثوب على الأب والأخ بأنّ موسى شقّ على هارون . وغير ذلك.
يظهر ما ذكرنا
من تتبّع الأخبار.
وظهر كونه
مشروعا في ذلك الشرع أنّ أولاد يعقوب عليهالسلام أظهروا عنده عليهالسلام بأنّا ( ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ ) ، فإنّ فيه ظهورا ، كما لا يخفى على المنصف ، سيّما مع
عدم إنكار يعقوب عليهم ، ولا [ يخفى ] كون المراد هو العقد ، لعدم تأتّي الاستباق
من
__________________
دون مراهنة أو مقاولة ، فتأمّل!
قوله
: والآية الثانية أبعد ، وهو ظاهر
.
وجه الاستدلال
بها إنّما هو بتفسير القوّة بالرمي ، والظاهر من إعداد هذه القوّة هو تعلّمه ،
فيدلّ على إباحة هذا التعلّم ، بل ورجحانه ووجوبه ، فيصحّ العقد الواقع عليه ،
لعموم ( أَوْفُوا ) ، وعدم مانع ، بل ويمكن الاستدلال بإطلاق الإعداد ،
لأنّ المتعارف والغالب كان تحقّقه بالعقد ، فتأمّل!
قوله
: والثاني
أيضا غير
معلوم صحّة سنده .. إلى آخره .
ضعف السند
منجبر بعمل الأصحاب.
قوله
: [ ما لم يقل به الأصحاب ] من جواز القمار بالريش أي الطير
.
وربّما حمل
الريش على ما هو في رؤوس السهام ، عادة وتعارفا ، فيكون المراد الإشارة إلى
السهام.
قوله
: [ الإجماع المستند ] إلى ما تقدّم ، والأصل .. إلى آخره
.
الأصل يدلّ على
عدم منع منه ، لا على الصحّة.
قوله
: فالظاهر الجواز ، للأصل ، ويدلّ بعض الروايات
.. إلى آخره
.
وقراءة السكون
مجرّد احتمال ، وبالاحتمال لا يثبت التكليف وما خالف
__________________
الأصل ، سيّما مع كونه مرجوحا بسبب أنّ المشهور قرأوا بالفتح ، مع أنّه على
تقدير السكون لا دلالة أيضا كما ذكره ، بل ظاهر القرآن عدم حرمة اللعب مطلقا ، حيث
قال اخوة يوسف ليعقوب ( أَرْسِلْهُ مَعَنا
غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) ، فبعثه معهم للّعب ، وكون الأصل بقاء المشروعيّة ، كما
ذكرنا سابقا.
وورد في
الأخبار أنّ جماعة كانوا يرفعون صخرة بحضرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقولون : نريد نمتحن قوّتنا وأنّه أيّنا أشدّ قوّة ،
فلم ينكر عليهم ، بل قال لهم كلام آخر .
وروى العامّة
أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سابق بالقدم بعض أزواجه ، والعلم عند
الله تعالى.
قوله
: فلا يلزم بمجرّد الإيجاب والرضا ، فيكون مثل الجعالة قبل العمل. نعم
، يلزم السبق [ بعد العمل الموجب لذلك ] .. إلى آخره
.
وممّا يؤيّد
عدم كونه من العقود اللازمة ، أنّ الفقهاء ما عيّنوا له صيغة ، وطريقتهم في العقود
اللازمة تعيين الصيغة ، سيّما من يقول منهم بكون صيغها توقيفيّة ، موقوفة على
النصّ وتعيين الشارع.
ويؤيّد أيضا ،
أنّ المسلمين ـ بل وغيرهم ـ في الأعصار ما يقرؤون صيغة مركّبة من الإيجاب والقبول
على طريقة الإنشاء وبالأمور الّتي يراعونها في العقود اللازمة ، ولا يلزمون بمجرّد
العقد والصيغة بحيث لا يجوّز للآخر رفع اليد بالنحو
__________________
الّذي يفعلون ويراعون في العقود اللازمة ، بل الظاهر أنّه في أيّام
الجاهليّة عند العرب وغيرهم كان البناء على ذلك ، فلا ينصرف الذهن من حديث : « لا
سبق .. إلى آخره » ، وغيره إلّا إلى ذلك.
فإذا كان
المراد من ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) العقود المتحقّقة المتعارفة في ذلك الزمان ، فلا يثبت
من الآية لزوم هذا العقد ، مضافا إلى ما أشرنا إليه من أنّ البناء على العموم
اللغوي يوجب الإخراج من هذا العموم أزيد ممّا يبقى بكثير ، فتأمّل! على أنّ الصيغ
الّتي ذكرها الفقهاء هنا قولهم : من سبق فله كذا ، وهذا لا يناسب العقد اللازم
قطعا ، بل هو بعينه عقد الجعالة ، ولعلّه في الحقيقة نوع من الجعالة ، فتأمّل.
قوله
: وعموم الأدلّة يقتضي الجواز مع الوصف .. إلى آخره
.
لم نجد العموم
الّذي ادّعاه ، مع أنّه رحمهالله في صدر المبحث تأمّل في أدلّة السبق سوى الإجماع ، فكيف يدّعي
العموم؟ فتأمّل!
__________________
الشركة
في أحكام الشركة
قوله
: [ لصاحب المال أن يفعل به ما يريد ] إلّا الممنوع شرعا
، وليس هنا منع واضح ،
فيلزم كسائر الشروط في سائر العقود
.
إذا تساوى
المالان ولم يكن عمل منهما أصلا ، فإعطاء الزيادة من دون عوض في المعاملات سفاهة ،
إلّا أن يكون الغرض مجرّد الإحسان والتبرّع ، فالظاهر أنّه قبل وجود النماء وعد
بالهبة ، وبعده هبة ، فيجوز إعطاء كلّ حقّه وحصّته بهذا النحو.
والكلام إنّما
هو في المعاملة كذلك واللزوم في الإعطاء بعد الوجود ، وما اعتبر الشارح وغيره في
المعاملات ـ مثل البيع وغيره ـ هذا المعنى ، بل جعل هذا المعنى أكل مال بالباطل ،
من حيث كونه بغير عوض أصلا ، وليس في مقابلته شيء مطلقا ، ويمكن أن
يقال بمثل ذلك فيما إذا كان عملان متساويان .
إلّا أن يقال
في الصورتين : الزائد الّذي يعطيه في مقابلة الناقص من حقّ الشريك في المشاع ،
ويكون هناك غرض صحيح يخرج بسببه عن السفاهة.
__________________
لكن الكلام في
ثبوت صحّة هذه المعاملة شرعا ، بمعنى أنّها تؤثّر اللزوم وسائر الثمرات ، والأصل
عدم الصحّة ، لأنّها حكم شرعيّ يحتاج إلى الثبوت ، فما لم يثبت يكون المالان
باقيين على حالهما الّذي كان قبل العقد جزما.
ومثل «
المسلمون عند شروطهم » لا يفيد اللزوم والصحّة شرعا باتّفاق العلماء ، وصرّح
الشارح بذلك ـ وإن كان تمسّك به أيضا غفلة ـ بمعنى أنّه لا معنى لأن يقال : إنّ كلّ
مسلم شرطا بأيّ نحو وأيّ وجه ، يكون لازما شرعا وصحيحا مثمرا للثمرات الّتي ليست
مدلول ذلك الشرط.
والبناء على
تخصيصه بمخصّصات إجماعيّة أو نصّية توجيه وتأويل ، لا استدلال ، لجواز أن يكون
المراد الأولويّة والأهميّة عند الشارع ، كما صرّحوا به ، بل هو أولى من تخصيصه
بما هو أزيد من الباقي بمراتب شتّى ، فإنّه غير صحيح عند معظم الأصوليّين .
وأمّا من يجوّز
ذلك ، فلا شكّ في أنّه يراعي الأولويّة ـ يعني أن يكون هذا التخصيص أولى ـ ففي
المساوي لا يجوز البناء عليه والفتوى به ، فضلا أن يكون مرجوحا .
مع أنّ هذا
العقد من العقود الجائزة قطعا ، فكيف يناسبه الوجوب والإلزام؟! فغير ظاهر شمول هذا
، و ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وغيره للعقد الجائز ، إلّا أن يقال : يجب الوفاء بما
يقتضيه العقد ، إن كان اللزوم فباللزوم ، وإن كان الجواز
__________________
فبالجواز ، وغير ذلك ممّا يقتضيه.
لكن الكلام
فيما يقتضيه عقد الشركة ، فلا يمكن الإثبات بمجرّد ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وغيره.
مع أنّه إن بنى
على ما هو معناه لغة ، أيّ عقد عاقد تم بأيّ نحو اخترعتم وتخيّلتم وأحدثتم يجب
الوفاء ، ويصير حكما شرعيّا وداخلا في الدين ، وشرعا من شرع خير المرسلين من غير
حدّ وضبط ، يلزم أن لا يكون العقود والمعاملات على النهج المقرّر في الفقه
والمسلّم عند الفقهاء ، بل يلزم عدم الانضباط في المعاملات أصلا ، فتأمّل فيه ، إذ
يمكن أن يقال : خرج ما خرج بالإجماع وغيره من الأدلّة وبقي الباقي.
لكن ، لا بدّ
من التأمّل في صحّة هذا القدر من الإخراج والتخصيص ، كما أشرنا ، ومع ذلك يشكل رفع
اليد عن الاستدلال
بها في المسائل
الخلافيّة ، لأنّ المدار في الفقه عليه.
إلّا أن يقال
ببطلان الاستدلال بها على صحّة المعاملة الّتي اخترعت من المتعاملين ، وصحّة
الاستدلال بها على صحّة البيع اللغوي والعرفي ، وكذلك صحّة الهبة اللغويّة
والعرفيّة ، والصلح اللغوي والعرفي ، والإجازة اللغوية والعرفيّة ، وغير ذلك من
العقود الّتي كانت متعارفة حين نزول الآية ، لأنّ الخطاب مختصّ بالحاضرين ـ على ما
هو الحقّ والمحقّق ـ والعقود المحقّقة والمتعارفة والمتداولة يفهم جزما ، أمّا
الفرضيّة والتقديريّة ، ففهمها ربّما لا يخلو عن الإشكال.
هذا ، مضافا
إلى ما عرفت من المفسدة ، لكن قد عرفت الإشكال في الشمول للعقود الجائزة.
نعم ، ادّعى
السيّد الإجماع على صحّة هذا الشرط ، وربّما يظهر من بعض الأخبار أيضا ، لكن
الظاهر منه أن يكون العمل متحقّقا ، وربّما كان إجماع السيّد أيضا في هذه الصورة.
وبالجملة ، لا
بدّ من ملاحظة ذلك الإجماع كيف ادّعي ، وأنّه لا يظهر ما يورث الريبة في ثبوته ،
وكذا ملاحظة الخبر ومضمونه ، وأنّه كيف ، فتأمّل! وأمّا ما ذكره من أنّ ( لصاحب المال
.. إلى آخره ) ، فيه أنّه لا كلام في هذا ، إنّما الكلام في النقل
شرعا واللزوم ، وغير ذلك من الثمرات الشرعيّة ، فإنّ شيئا من ذلك ليس بيد صاحب
المال واختياره قطعا ، بل بيد الشارع ، ولا خفاء فيه.
قوله
: ولأنّ هذا كالمضاربة ، وكما
يجوز التفاوت فيها مع
الشرط ، وبدونه محمول على التناصف [ كذلك هنا ] .. إلى آخره
.
لا تأمّل في
أنّه يجوز جعل الشيء من المال والربح بإزاء العمل ، وأنّ العمل ليس مثل المال
قطعا ، كيف وربّما يكون المال في غاية الكثرة والعمل في غاية القلّة ، بحيث لو بطل
المضاربة يستحقّ اجرة المثل القليلة؟
كما أنّ الأمر
ربّما يكون بالعكس ، فكيف يكون اجرة العمل دائما في مقابل ربح المال ، ويكون
المقتضي هو التنصيف؟! واقتضاء الإطلاق إنّما هو من جهة قولهما : الربح بيننا أو
لنا ، لظهوره في
__________________
التنصيف ، لعدم ترجيح وعدم مرجّح ، لا لأنّ العمل نماؤه وأجرته دائما مقابل
ومساو لاجرة المال وربحه.
وبالجملة ،
لعلّ قياسه على المضاربة قياس مع الفارق ، فتأمّل ، سيّما بالنظر إلى ظواهر
الأخبار ، فإنّ الظاهر من الأخبار الواردة في الشراكة كون الربح والخسران بالنسبة
إلى رأس المال ، ولا كذلك أخبار المضاربة ، فلاحظ
أخبارهما وتأمّل جدّا!
قوله
: فالشرط هنا باطل ، لأنّه بمنزلة أن يشترط كون تلف مال نفسه الخاصّ من غيره ..
إلى آخره .
إن كان مقتضى
الشراكة كون نسبة النفع والخسران إلى المال مطلقا ـ شرط أم لم يشرط أو شرط خلاف
ذلك ـ فهو بعينه ما علّل به كلام الشيخ من أنّ ( شرط صحّة العقد .. إلى آخره ) ، ولا وجه لمنع ذلك.
وإن كان
مقتضاها في صورة الإطلاق ذلك ، لا مطلقا ، فمع الشرط لا يلزم أن يكون تلف مال نفسه
من غيره ، إذ لا يلزم كون التلف من ماله حينئذ حتّى يلزم ذلك ، فتأمّل! سلّمنا ،
لكن معنى قوله : التلف على التساوي ، ضمان الشريك ما به التفاوت ، يعني يعطي
الشريك عوضه من ماله ، فيجري فيه جميع ما ذكره بالنسبة إلى الربح ، فتأمّل.
قوله
: لأنّه ما قبض إلّا لنفسه مال الغريم بغير إذن الشريك ، فتأمّل. إلى
__________________
آخره
.
لا يخفى أنّ
الدين يكون كليّا مشاعا ، والأصل بقاؤه كذلك شرعا حتّى يثبت صيرورته جزئيّا
ومفروضا ومختصّا حصّة كلّ واحد منهما بصاحبه ثبوتا تامّا لازما لا تزلزل فيه أصلا
، يثبت كلّ واحد ممّا ذكر بالدليل الشرعي ، ويكون كذلك شرعا ، والمثبت هو الإجماع
والخبر.
ولا إجماع هنا
قطعا ـ لو لم نقل بالإجماع على خلافه كما نقل ـ والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند فقهائنا.
وأمّا الخبر ،
فلم يوجد خبر يدلّ ، بل الأخبار المتعدّدة المستفيضة تدلّ على خلافه كالإجماع ،
والأخبار منجبرة بعمل الأصحاب ، فتأمّل!
قوله
: [ فإنّ المسألة من مشكلات الفنّ ] ، فإنّ الحكم غير موافق لقاعدة العقل ، ولا
تدلّ عليه الروايات مع ضعفها .. إلى آخره
.
لم نجد للعقل هنا
قاعدة ثابتة ظاهرة ، مع أنّ قاعدة الاستصحاب تقتضي عدم صحّة القسمة ، لأنّ الصحّة
حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي وليس ، بل الأدلّة الشرعيّة على خلافها كما أشرنا ،
وضعف السند إن كان فغير مضرّ بعد الانجبار.
والظاهر من
الروايات عدم صحّة القسمة ، لا عدم لزومها ، إذ لا خفاء
__________________
في أنّ ظاهرها عدم تأثير القسمة لا أنّه يجوز لهما فسخ القسمة ، والظاهر
منها أيضا عدم مدخليّة تلف البعض ، والعبرة بعموم الجواب ، لا خصوص السؤال ، وعموم
الجواب واضح على المتأمّل ، ولذا فهم الأصحاب العموم.
مع أنّه إذا
رضي الشريكان بأن يأكل كلّ واحد منهما قدرا من الدين ، فلا شبهة في الحلّية
والإباحة ، كما أنّه إذا رضي أحدهما أن يأكل الآخر كلّه يكون حلالا أيضا ، لكن ليس
هذا قسمة شرعيّة ، بل أكل مال بطيب نفس صاحبه ، فتأمّل جدّا.
وما نقل عن ابن
إدريس لا ينافي كون المسألة إجماعيّة ، لأنّ خروجه غير مضرّ ، فتأمّل.
في القسمة
قوله
: [ ويراد به هنا ما لا يتضرّر بقسمته ] ، وهو بعيد ، فتأمّل. فمع عدم الضرر يجبر
الممتنع على القسمة مطلقا .. إلى آخره
.
لعلّه لا بعد
فيه ، بل هذا هو الظاهر ، بل الظاهر عدم تحقّق ضرر معتدّ به بحيث يقاوم ضرر عدم
القسمة الحاصل للشريك غالبا.
والحاصل ، أنّ
ضرر عدم القسمة ضرر متعارف شائع معتدّ به ، وأمّا ضرر القسمة في المثلي فمن الفروض
النادرة غاية الندرة ـ لو لم نقل : إنّه مجرّد فرض ـ وبعد تحقّق الضرر فليس بضرر
معتدّ به عند العقلاء بحيث يعدّ ضررا عندهم ،
__________________
سيّما وأن يقاوم ضرر العدم ويغلب عليه ، ولذا أفتى الفقهاء على سبيل
الإطلاق ، فتأمّل!
__________________
المضاربة
قوله
: [ وله أحكام خاصّة ] ، والفرض عدم وجودها من المالك ، وقصدوا كلّا من العامل
.. إلى آخره
.
إذا كان المال
باقيا على حاله ، فلا شبهة في أنّ النماء يكون ملكا لصاحب العين ، وبمجرّد جعله
للغير قبل وجوده لا يتحقّق النقل إلى الغير وصيرورته ملكا له ، لأنّ النقل يحتاج
إلى ناقل شرعي ، ومجرّد الوعدة ليس من النواقل الشرعيّة ، وليس هذا من العقود
المملّكة.
فلعلّ المراد
أنّه إذا جعلا الربح للعامل بحيث يكون له شرعا ، لا يكون إلّا بأن كان المال دينا
وقرضا ، والربح والخسران عليه.
مع أنّه يظهر
من الأخبار أنّه إذا جعل الخسران على شخص فالربح له ، فإذا كان
المال باقيا على ملك صاحبه فأيّ معنى لكون خسران مال شخص على شخص آخر ـ كما قال به
الشارح في مسألة الشركة ـ وكون الربح والخسران تابعين لرأس المال أم لا؟! فتأمّل! على أنّ المال لا
يبقى بعينه في المعاملات حتّى يكون مال المالك ، فإنّ الظاهر أنّ المالك إذا جعل
كلّ الربح للعامل لا يريد أنّ العامل يشتري بهذا المال للمالك
__________________
ويبيع أيضا للمالك ، بل يريد أن يشتري ويبيع العامل لنفسه ويأخذ الربح
ويردّ رأس المال ، وهذا بعينه معنى القرض ، فتأمّل.
على أنّه على
فرض أن يريد من العامل أن يجعل معاملاته للمالك ، يشتري له ويبيع له ـ مع بعده في
نفسه غاية البعد ـ معلوم أنّ العامل إذا اشترى للمالك يصير المبيع ملك المالك ،
وهو وكيل المالك في الشراء ، وبعد ما يبيعه للمالك بالوكالة يصير مجموع الثمن مال
المالك.
وهكذا في كلّ
معاملاته إلى آخرها يصير مجموع الربح مال المالك بسبب سؤال المالك وإرادته ، ورضا
العامل وإيقاعه المعاملات كذلك ، فأراد المالك أن يكون الربح الحاصل لنفسه لا
للعامل وجعل الربح لنفسه لا للعامل ، فإذا أراد أن يكون ، بعد ما جعل الربح لنفسه
، أن يكون للعامل ، فمع ما فيه من الحزازة والاستبعاد وكونه خلاف ظاهر كلام
العلّامة ، معلوم أنّه لا ناقل ـ بحسب الشرع ـ ينقله إلى ملك
العامل ، ومجرّد الوعد يكون ناقلا بعد سؤاله أن يجعله لنفسه ، وتأكيده في ذلك لا
يخفى فساده على من له أدنى تأمّل ، فتأمّل!
قوله
: وفي محمّد بن عيسى كلام ، وهما
مشتركان .. إلى آخره .
مجرّد كون كلام
فيهما لا يضرّ ، إذ لا يسلم جليل عن كلام ، وكذا الكلام في أبان ـ كما حقّقناه في
الرجال ـ مع أنّ أمثال هذه الروايات منجبرة بعمل الأصحاب وغيره.
__________________
قوله
: في « التهذيب » عن النوفلي ، عن السكوني ، وهما ليسا بموثّقين .. إلى آخره
.
الشيخ في «
العدّة » صرّح بكون السكوني هذا ثقة ، وادّعى أيضا إجماع الشيعة على العمل
برواياته وكونها حجّة ، واختار جدّي العلّامة المجلسي رحمهالله كونه إماميّا أيضا ، لكون رواياته في الغالب مخالفة
للعامّة موافقة للخاصّة ، وأنّه لا يكاد يخلو باب من أبواب الفقه إلّا وهو روى عن
الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ رواية فيه .
مع أنّ الرواية
المذكورة منجبرة بعمل الأصحاب ، بل الإجماع أيضا ، فتأمّل!
قوله
: فإمّا أن يشتري بالعين أو في الذمّة ، بمعنى أن يقصدوا أداءه
من مال
المضاربة ، فتأمّل ، إذ قد لا يفهم ويتلف قبل الأداء .. إلى آخره
.
الفهم حاصل ،
لقضاء العرف والعادة ، وكون غالب المعاملات على الذمّة ، ولم يرد في خبر من
الأخبار المتعدّدة الكثيرة ما يشير إلى اشتراط ذلك ، والإطلاقات والعمومات تقتضي
الصحّة ، والتلف قبل الأداء من الفروض البعيدة ، لا يضرّ بعد ظهور الإرادة ، وكون
الإطلاق منصرفا إلى المتعارف ، وعدم شرط وقيد ، على أنّه يجوز أن تكون الصحّة
دائرة مع البقاء والأداء ، فتأمّل!
__________________
وسيجيء عند
ذكر قول المصنّف : ( ولو اشترى العامل .. إلى آخره ) التصريح بأنّه إن اشترى في
ذمّة المالك يصحّ ويلزمه العوض ، وذكر الفقهاء أنّه يصير ذلك مضاربة وداخلا في مضاربة
، وذكروا أمثال ذلك كثيرا ، فلاحظ « شرح القواعد » وغيره ، حتّى يظهر
لك.
على أنّه يجوز
أن يصير جعالة بشروط المضاربة ، فيصحّ ويلزم ، وإن ذكروا المضاربة بعد ما يظهر أنّ
مراد الطرفين ليس إلّا ثمرات المضاربة ، فتأمّل!.
قوله
: فإن كان هذا صحيحا فلا إشكال في النقرة وإلّا فإشكال .. إلى آخره .
الإجماع
المنقول بخبر الواحد العادل حجّة ، كما حقّق في محلّه ، والقول بأنّه خبر مرسل فلا
يكون حجّة أثبتنا بطلانه في « الفوائد » ، وغيرها .
قوله
: مثل ( أَوْفُوا ) ،
و « المسلمون عند شروطهم » ،
وتسلّط الناس على أموالهم .. إلى آخره .
الاستدلال
بالأدلّة الثلاثة فاسد ، لأنّ المقام من العقود الجائزة ، ولأنّ
__________________
« المسلمون عند شروطهم » محمول على الاستحباب ، وتسلّط الناس على أموالهم
يقتضي إباحة تصرّفاتهم لا النقل وغيره من الثمرات الشرعيّة ، ومرّ الكلام مفصّلا
في مبحث الشركة ، فلاحظ!
قوله
: وإن كان فيها ربح فله ، للمضارب أن يطأها؟ قال : نعم .. إلى آخره .
يظهر منه أنّها
ليست داخلة في مال المضاربة ، لأنّ مال المضاربة يكون الربح فيه بينهما ، فيكون
الحديث دالّا على التحليل من قول صاحب الجارية : « تكون معك » ، فالظاهر أنّه ظاهر
فيه ، وأنّه لا حاجة فيه إلى أزيد من ذلك من الإيجاب والقبول ، فتأمّل!
قوله
: وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخ رحمهالله يجب على العامل
جبايته أيضا .. إلى آخره
.
مقتضى عقد
المضاربة أنّ العامل عليه العمل في التجارة فقط ، ومع ذلك عليه ذلك العمل ما دام
مضاربا وكائنا تحت العقد ، لا مطلقا ، إذ بعد العقد وانفساخه وزواله هو والأجنبي
سواء ، كما أنّ الحال حال عدم العقد ، وحال بعد انفساخه وزواله سواء ، وعدم العقد
أوّلا وانعدامه ثانيا لا تفاوت بينهما بالنظر إلى القواعد.
اللهم إلّا أن
يكون دليل شرعي يقتضي الفرق ، ومن الدليل الشرعي : أن يكون عادة ينصرف الإطلاق
إليها ولم يتحقّق من الشرع مانع عنها ، فتأمّل!
__________________
الوديعة
قوله
: وقد يمنع اشتراط اللفظ في القبول مع كونه عقدا ، وقد فهم جواز كونه فعلا .. إلى
آخره .
قد مرّ في كتاب
البيع منّا كلام يمكن تحقيق أمثال المقام منه ، فلاحظ ! مع أنّ الإذن
لا يحتاج تأثيره إلى قبول أصلا ، لا فعلا ولا قولا ، إذ صحّة التصرّف تحصل بمجرّد
الإذن ، بخلاف أن لو كانت عقدا ، إذ الصحّة حينئذ تتوقّف على القبول ، فلو لم يقبل
الإيجاب لم يصحّ تصرّفه ، من باب الأمانة المالكيّة الشرعيّة ، والمالك لم يأذن
إلّا بعنوان هذه الأمانة ، فتأمّل.
وأيضا ، لو كان
عقدا ، فبمجرّد الفسخ ينفسخ ، والرضا بعد الفسخ لا ينفع في تحقّق الأمانة الشرعيّة
المالكيّة ، بل يكون أمانة شرعيّة صرفة ، وحكمها غير حكم الأمانة المالكيّة.
وإن كان مجرّد
الإذن ، فبعد وجود الإذن من المالك تتحقّق الأمانة ، فسخ الودعي أم لم يفسخ ، إذ
فسخه لا عبرة به أصلا ، بل العبرة بعدم تغيّر رأي المالك ، وعدم رفعه إذنه.
وأيضا ، يظهر
الثمر لو حلف أن لا يعقد أو أن يعقد عقدا.
وأيضا ، ربّما
يظهر الإذن من الفحوى بالأخذ والحفظ من دون إظهار من
__________________
المالك أصلا ، فإذا أخذ وحفظ من جهة الفحوى خاصّة ، لا يقال : إنّه ودعي ،
وإنّ المال وديعة عنده ، ولم يجر فيه أحكام الوديعة عندهم ، كما هو الظاهر ، ولا
دلّ عليه دليل ، وعموم « على اليد » شامل من غير مخرج ، ومرّ منّا في كتاب البيع زيادة
التحقيق ، فلاحظ!
قوله
: فمع القبول تحصل الوديعة ، لما مرّ .. إلى آخره
.
حصول الوديعة
بمجرّد هذا لا يخلو عن إشكال ، لما عرفت في الحاشية السابقة ، فتأمّل!
قوله
: ولكن
بأجرة
ليتمّ به المعاش ، كما في سائر الأمور .. إلى آخره
.
الأمر كما ذكره
رحمهالله ، إلّا أنّه ربّما لا يتمكّن من الأجرة أيضا ، وهو أيضا
نوع اضطرار ، فيجب ـ حينئذ ـ بذل الأجرة بالوجوب الكفائي أو الحفظ ، فلا أجرة ، وربّما يصل
الأمر إلى أنّه لا يكون باذل لها ، فيتعيّن الحفظ بلا أجرة ، والحال في الواجبات
الكفائيّة ـ بل العينيّة أيضا ـ كذلك.
لا يقال : يمكن
أن يشغل ذمّته بالأجرة إلى أن يرزقه الله إيّاها ، لأنّا نقول :
يمكن أن لا يتحقّق أجير يرضى بهذا ، أو يحصل العلم العادي بعدم حصول الأجرة له ،
على أنّه ربّما كان ذلك حرجا ، والحفظ ليس فيه حرج ، فتأمّل جدّا! ولعلّه إلى ما
ذكرنا أشار بقوله : ( دائما ) في قوله : ( بلا عوض دائما ) ،
__________________
وبقوله : ( فتأمّل ) إلى أنّه لم يظهر منه دعوى الدوام ، بل لا تأمّل في أنّ
مراده رحمهالله في الجملة وفي بعض الصور ، ولذا قال : ( وربّما تعذّر
ذلك ) ، فتأمّل!
قوله
: فيضمن القابض مطلقا فرّط أو لم يفرّط ، فلا يخرج عن الضمان .. إلى آخره
.
وذلك لأنّ كون
المال في يد الصبي والمجنون في محلّ التضييع ، فيجب حفظه ، كما لو أطار الريح ثوبا
إلى بيته ، فيجب عليه إعلام الولي وردّه عليه ، فلو لم يعلم يصير ضامنا مطلقا ،
أمّا مع الإعلام وعدم تقصير أصلا لا في الحفظ ولا في الإعلام والردّ ولا في الأخذ
عن الصبي والمجنون ، فالحكم بالضمان مع عدم التفريط مطلقا محلّ نظر ظاهر ، اللهم
إلّا أن تكون العبارة سقيمة.
قوله
: والظاهر أنّه لا ينبغي هنا الحكم بالضمان .. إلى آخره
.
في مبحث الحجر
اختار ضمان السفيه ، بالعلّة الّتي ذكرها هاهنا ، وأجبنا عنها
هناك ، فلاحظ!
قوله
: وظاهر كلامهم عدم الوجوب .. إلى آخره
.
قد مرّ الكلام
في مبحث المفلّس ، وأنّ الظاهر أنّ الحقّ مع الأصحاب ، فلاحظ!
__________________
قوله
: [ على ما يقتضي العرف حفظه ] مثل تلك الوديعة ، بأن يحفظ الدراهم في الصندوق ..
إلى آخره .
لأنّ الوديعة
استنابة في الحفظ ، فإطلاقها ينصرف إلى العرف ، فالمراد منها الحفظ على ما يعدّ
عرفا حفظه ، كما هو الحال في موضوعات الأحكام ، والمدار على اصطلاح المتعاقدين إن
لم يكن موافقا للعرف العام ، أو لم يكن فيه عرف عام.
قوله
: لا خفاء في أنّ هذا الكلام يدلّ على أنّ مجرّد المخالفة ليس بسبب للضمان .. إلى
آخره .
لا شكّ في أنّه
يدلّ على أنّ المخالفة تضرّ وتوجب الضمان ، إلّا أن يكون محسنا ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ، فإنّ المالك إذا قال : لا تحفظه في حرز بل اتركه في
محلّ التضييع وبنحو لا يؤمن من التلف ولا وثوق بالحفظ ، وهو حفظه عن التلف ووضعه
في حرز وضبطه أشدّ ضبط ، فلا شكّ في أنّه محسن عرفا وواقعا ، وصادق أنّه حفظ
للمالك واستوثق له وضبط واحتاط لأجله ، ويصدق عليه أنّه أمين عرفا وودعي ومستودع
كذلك ، مع أنّه كذلك شرعا ، لما عرفت.
مع أنّ الّذي
ذكره العلّامة رحمهالله إنّما هو في صورة يأمر المالك بحفظ ماله وحرزه وضبطه ،
إلّا أنّه معتقد أنّ حفظه هكذا أولى وأصوب ، والأمين رضي بذلك من أوّل الأمر
وعندما أخذه ووافقه في معتقده ، إلّا أنّه ربّما تحدث أمور وأحوال يتغيّر بذلك
الحال ، فاعتقد أنّ ضبطه كذا أولى وأصوب ، ولذا ضبط كذا ، وليس هذا الضبط إلّا
بأمر المالك ، كما لا يخفى.
__________________
وما ذكرناه
ظاهر من كلامه عند التأمّل ، والشارح سيصرّح بأنّ مثل هذا لا يخرج عن الأمانة وعن
إذن المالك ، فلاحظ.
ولم يظهر من
هذا مخالفة لما سيذكره من الإجماع ، وما سنذكره من الأدلّة ، فما ذكره رحمهالله إلى آخره محلّ تأمّل ظاهر غاية الظهور ، إذ لم نجد ممّا
ذكره من الآية والأخبار عينا ولا أثرا.
قوله
: وبالجملة ، ظاهر الأدلّة يقتضي عدم الضمان ، إلّا بالتلف في الصورة المخالفة
أيضا
.. إلى آخره .
لا يخفى أنّه
كان مأذونا في الحفظ بنحو خاص ، لا مطلقا ، فإذا كان حفظه لا بطريق الإذن ، لا جرم يده
حينئذ يد غصب ، لأنّ المأذون ما فعله ، والّذي فعله ليس بمأذون فيه ، فأيّ فرق
بينه وبين من يكون في يده بغير إذن المالك؟ بل ربّما يكون هذا أشدّ ، لأنّ الظاهر
من كلام المالك : أنّك غير مأذون ولا أرضى أصلا بغير هذه الصورة بحفظ وبتصرّف ،
وأين هذا ممّن لم يظهر من المالك عدم الرضا وعدم الإذن؟! وإنّما هو أخذ وحفظ
وتصرّف بغير إذن منه.
والحاصل ، فرق
بين مجرّد عدم الإذن ، وإظهار المالك بالمنع عن الحفظ والتصرّف.
وأيضا ، عموم «
على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » شامل لهذه الصورة
__________________
قطعا من غير دليل على الإخراج ، ولا شكّ أنّ هذا الحديث حجّة عند الأصحاب
بأجمعهم ، فيكون منجبرا بعملهم وفتواهم ، فيكون حجّة قطعا وفاقا ، لما حقّق في
محلّه.
وأمّا الرجوع
إلى ما أمر به ، فيشمله أيضا عموم هذا الحديث ، مع أنّه لم يعلم الآن أنّه مأذون
من المالك في حفظه ، إذ لم يثبت من كلامه عموم يشمل هذه الصورة بحيث يوثق به ، بل
للمالك أن يقول : بعد ما خالفتني لم حفظت ولم لم تردّ إليّ؟ أو ما كنت راضيا؟!
ويصحّ هذا منه عند العقلاء.
وأيضا ، بعد
المخالفة خرج عن كونه أمينه قطعا.
وصدق الآن أنّه
ليس بمأذون فيه ، وليس بأمينه ، بل وأنّه خائن بلا تأمّل ، وهو مستصحب حتّى يثبت
خلافه ، فتأمّل جدا! هذا كلّه ، مضافا إلى الإجماع الّذي ذكره ، والإجماع
حجّة ، كما حقّق ، بل ظاهر أنّه إجماع واقعي من كلّ الفقهاء كما لا يخفى.
قوله
: [ بل نهى عن ذلك الفعل ] ، فكيف لا يكون ضامنا؟ .. إلى آخره
.
قد ظهر الجواب
عن ذلك ، مع أنّه غاية ما في الباب أن يكون العلّامة أخطأ في هذه الصورة ، ولا
يلزم منه مخالفة ما نقله من الإجماع ، ولا تدافع بين ظاهري كلاميه ، كما هو ظاهر ، بل
كلاماه في غاية التوافق.
__________________
قوله
: فيشكل التوجيه والتخصيص بما لم ير أنّه أحوط
.. إلى آخره
.
لا إشكال أصلا
، لأنّ أحد الكلامين يصير مقيّدا للكلام الآخر قطعا ووفاقا ، وبناء المكالمات
والمخاطبات على ذلك عرفا وشرعا ولغة ، ومدار الكلّ على ذلك.
قوله
: لأنّ القبول اللفظي غير كاف في تحقّق الوديعة .. إلى آخره
.
بناء كلامه رحمهالله على أنّ الوديعة عقد ، والعقد لا يتحقّق عندهم إلّا
بالإيجاب والقبول ، والمتبادر من العقد ما هو باللفظ ، ومرّ الكلام في ذلك في
البيع ، فيشكل الاكتفاء بالقبول الفعلي ، إلّا أن يقال : العمدة في مثل هذا هو
الإيجاب ، لحصول الإذن.
وأيضا ، يتعارف
القبول الفعلي ، وكون مثل هذا العقد وديعة ، بحيث إذا أطلق لفظ الوديعة يحتمل هذا
أيضا ، فتأمّل!
قوله
: [ وضع اليد على مال الغير على وجه شرعي ] بدون إذن المالك ، هو الأمانة الشرعيّة
على ما عرفت .. إلى آخره .
الأمانة
الشرعيّة هي ما وقع تحت يده وفي ملكه بغير إذن المالك مطلقا ، لا بغير إذن المالك
بعنوان عقد الوديعة وإن كان بإذنه بعنوان آخر ، مثل ما ذكره من الطرح عنده ، ومثل
إذن الفحوى ، فنفي الواسطة بالمرّة محلّ تأمّل.
قوله
: إن كان عالما بالتلف مع الانتهاء بالنهي ، فيجب حينئذ حفظ هذا
__________________
المال
.. إلى آخره .
هذا ، إذا لم
يكن له غرض معتدّ به عند العقلاء ، وإن كان في غرضه خاطئا ، إذ لا يلزم أن يكون
كلّ غرض مطابقا للواقع حتّى يخرج عن السفاهة ، وإلّا يلزم أن يكون كلّ الناس سفهاء
، إذ قلّ من يكون جميع أغراضه في جميع أفعاله في أمواله مطابقا للواقع ، بل لعلّه
لا يوجد مثله عادة.
مع أنّه ربّما
يكون غرضه مطابقا للواقع ، بأن بعد النشر ربّما يطّلع عليه الجائر الظالم فيضرّه
ضررا أكثر أو مساويا ، إلّا أنّ هذا أقرب حصولا أو يكونان متساويين ، فلا داعي إلى
التعب في النشر ، أو مع الداعي يصيران متساويين ، أو يكون ضرر النشر أرجح إلّا
أنّه ليس برجحان معتدّ به عند العقلاء.
قوله
: وما نعرفه إلّا فيما قلناه ، ويحتمل ترتّب الضمان على التلف بالترك مطلقا .. إلى
آخره .
قد عرفت أنّ
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « على اليد ما أخذت » عامّ عند
الفقهاء وبحسب ظاهر اللفظ ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، مع أنّ مقتضى
الأدلّة وعند الأصحاب أنّ الجاهل غير معذور في نفس الأحكام الشرعيّة ـ كما حقّق في
محلّه ـ وأيضا إتلاف
مال الغير موجب للضمان مطلقا ، كما سيجيء إن شاء الله ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وهو أيضا خلاف ما سبق [ من الضابطة ] .. إلى آخره
.
__________________
فيه ما فيه ،
لأنّ مرادهم ظاهر ، مع أنّ مثل هذا المفهوم لا عبرة به ، فتأمّل جدّا!
قوله
: واعلم أنّ هذا الكلام أيضا صريح في أنّ التقصير مطلقا لا يوجب الضمان دائما ، بل
مع التلف به أيضا .. إلى آخره
.
لم نجد دلالة ،
فضلا عن الصراحة ، بل ظاهر هذا الكلام تحقّق معنى التقصير ومورده ، إذ لم يظهر من
كلامه أنّ العقد كان مقيّدا بهذا القيد ، بأنّه ما رضي بالحفظ إلّا بأن يفعل ما
أمره به بمجرّد أمره به وعند أمره ومن حينه.
والّذي يضرّ
العقد والحفظ أن يكون بها جوع أو عطش ولم يزله عنها مع علمه بذلك ، بل مع جهله
أيضا ، ويظهر هذا من قوله : ( إن لم يكن بها جوع .. إلى آخره ) ، وظاهر أنّ
مراده من ذكر الموت على سبيل المثال ، وإلّا فالضرر الآخر أيضا مثل الموت عندهم
قطعا ، لأنّ الإتلاف عندهم أعمّ من إتلاف المجموع أو الأبعاض ، من غير فرق بينهما
في الدوام واللادوام ، فتأمّل جدّا! وإن كان أوّل كلامه له ظهور ، مع قطع النظر
عمّا أشرنا.
قوله
: وبالجملة ، أدلّة عدم الضمان قويّة حتّى يثبت الناقل ، وعلى تقدير الضمان [
ينبغي التقسيط ] .. إلى آخره .
قد عرفت عدم
وجدان عموم في عدم الضمان يشمل ما ذكره ، بل الموجود العموم في الضمان ، مثل : «
على اليد ما أخذت » ، و « لا ضرر ولا ضرار » ،
__________________
وغيرهما.
قوله
: [ ظاهر ] عبارات الأصحاب مثل الكتاب .. إلى آخره
.
بل في «
القواعد » أظهر ذلك ، والصواب ما ذكره الشارح بقوله : ( فكأنّه مقيّد ..
إلى آخره ) .
قوله
: فالأقرب عدم الضمان ، لقضاء العادة بالاستنابة .. إلى آخره
.
وجهه أنّه يمكن
أن يتصرّفا فيه ما ينافي الحفظ العادي ، فمجرّد البعث على يدهما يخرج عن الإذن
الظاهر من المالك فيصير غاصبا ، إلّا أن يكون هذا البعث أيضا داخلا في إذن المالك
صريحا ، أو بمقتضى العادة الكائنة فيما بينهما ، مثل كون المستودع ممّن لا يتعاطى
ذلك بنفسه ، بل بمثل هؤلاء الّذين ليسوا بمأمونين غالبا ، فإنّ البعث حينئذ بإذن
المالك ، لانصراف قوله : إحفظ ، أو وديعة. إلى غير ذلك ، كما أشرنا سابقا.
قوله
: فإنّ التكليف الخارج عن العادة بلا دليل واضح ونصّ [ لا يخلو عن
إشكال ] .. إلى آخره .
بل الظاهر عدم
الإشكال في عدم التكليف بأزيد منه إذا دلّ العادة عليه ، لانصراف كلام المالك إليه
كما أشرنا ، فبعد ظهور الرخصة منه ، فأيّ إشكال؟
__________________
والرخصة إن
كانت حاصلة من جهة العادة وانصراف الكلام وإطلاقه إليه ، ففي جميع العاديات لا
إشكال ، وإلّا ففي الكلّ إشكال ، لاتّحاد المقتضي والمانع.
اللهم ، إلّا
أن يكون في بعض العاديات إجماع أو نصّ في الضمان ، وإن ظهر الرخصة من المالك ،
ودون ثبوته خرط القتاد ، بل قدماؤنا لم يتعرّضوا أصلا لأمثال هذه الأمور ، اتّكالا
على القاعدة ، مضافا إلى عدم الصدور من الشرع ما ينافي القاعدة ، فتأمّل!
قوله
: ويمكن مع الجهل أيضا ، حيث قصّر في التحقيق .. إلى آخره .
لا يخفى أنّهم
يحكمون بالضمان جهلا ، بل ونسيانا أيضا ، لأنّ الضمان بالإتلاف من الأحكام
الوضعيّة والمسبّب المترتّب على السبب ، ولذا يحكمون بضمان المجنون والصبي ، فلا
حاجة إلى التقييد بالتقصير في التحقيق.
قوله
: ولا يكون حينئذ هذا الكذب قبيحا ولا مضرّا ، بل يصير واجبا ونفعا محضا .. إلى
آخره .
إن أراد رحمهالله أنّه حينئذ مثل الصدق الّذي يصير سببا لنجاة النبيّ من
القتل من دون تفاوت ، ففيه ما فيه ، ألا ترى أنّ النظر من الطبيب الأجنبي إلى فرج
المرأة الأجنبيّة ولمسها وإدخال اليد فيها لإخراج الطفل الميّت عند الضرورة واجب!
وليس هذا مثل النظر إلى يد الرجل الكبير ولمسها عند الضرورة.
وكذا قتل
الزهّاد والعبّاد من المؤمنين ونسائهم وأطفالهم عند تترّس الكفّار
__________________
إيّاهم واجب ، وليس هذا مثل قتل الكفار الفجّار ، الظلمة المفسدين في الأرض
، القاتلين للمؤمنين ، والآخذين لأموالهم ونسائهم وأطفالهم أسراء يزنون بهنّ
ويلوطون بهم ويبيعونهم ، ويكسرون بيضة الإسلام ، ويحرقون القرآن ، ويخرّبون
المساجد ، ويفعلون غير ذلك من الفحشاء والمنكر.
وبالجملة ، فرق
بيّن بين المحذورات الّتي إباحتها الضرورات وأوجبتها ، وبين الواجبات الّتي [ هي ]
حسن فقط ، مثل الفرائض اليوميّة ، والجهاد ، وأداء الدين ، ورفع الظلم بالوجه
الأحسن ، فإنّ الثاني حسن محض ، بخلاف الأوّل ، فإنّه حسن مشوب بالقبح.
وأمّا حكاية
الاجتماع ، ففيه أنّ الحسن ليس إلّا رفع القتل عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنقاذه عنه ، وهذا ليس عين الكذب ، بل يحصل به وهو
مقدّمته ، فعلى القول بأنّ مقدّمة الواجب المطلق لا يجب أن تكون واجبا ، وإيجابه
ليس إيجابها ، فالأمر واضح ، فإنّ الكذب قبيح ، وما يحصل به حسن ، لا هو نفسه ،
وأحدهما غير الآخر قطعا ، وعدم إمكان الامتثال لكلّ من التكليفين من جهة التلازم
في صورة انحصار المنقذ في الكذب غير مضرّ ، لأنّه غير مكلّف بهما قطعا ، بل مكلّف
بالإنقاذ خاصّة.
وأمّا على
القول بوجوب المقدّمة أيضا ، فوجوبها توصّلي ، والوجوب التوصّلي يجتمع مع الحرمة
قطعا ولا تضادّ بينهما ، كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق بوجه قبيح ، وكقطع طريق
الحجّ بوجه حرام ، والقبح الذاتي إنّما يضادّ الحسن الذاتي لا التوصّلي ، ألا ترى
أنّ الوضوء مستحبّ لنفسه وواجب لغيره ، والغسل واجب لنفسه ـ على رأي جماعة ـ
ومستحبّ لغيره ، والصلاة في الحمّام واجبة أو مستحبّة لكنّها مكروهة للغير ، كما
حقّقنا. إلى غير ذلك ، مع أنّ الأحكام الخمسة
بأسرها متضادّة ، فتأمّل جدّا!
قوله
: والغيّاب أيضا ، إذا لم يوجد من يحفظه ، وهنا يمكنه الحفظ بنفسه ، بعدم السفر ..
إلى آخره .
قد مرّ أنّ
الحاكم وكيل الغيّاب ، ووليّ السفهاء وأمثالهم ، بدليل استدلّ الشارح به ، ومقتضاه
أنّه أولى بأنفس المؤمنين وأموالهم وأمثال ذلك ، أعمّ من أن يباشر بنفسه أو
بالحكّام من قبله ، وإن كان مثل قوله عليهالسلام : « فإنّي قد جعلته عليكم حاكما » بالعنوان
الكلّي ، فلاحظ وتأمّل! وإذا كان وليّا ووكيلا للغائب ، فمال
الغائب يدفع إلى وكيله ، فلاحظ وتأمّل!
قوله
: على أنّه قد يناقش في الأوّل في رجوع المودع إلى الثاني ، فتأمّل .. إلى آخره
.
لعلّه ليس
بمكانه ، لعموم « على اليد ما أخذت » ، وفتوى الأصحاب.
قوله
: مع إمكان الدفع إلى المالك أو الوكيل أو الحاكم أو الثقة ، بالترتيب المتقدّم ،
كأنّه لا خلاف فيه .. إلى آخره
.
أمّا مع إمكان
الدفع ، فلا تأمّل في جواز السفر وفي تعليله ، لأنّ الوديعة من
__________________
العقود الجائزة إجماعا ، ووجوب القبول ينافي ذلك ، بل هو في
الفروض النادرة أو الأمور العارضة ، فلا ينافي مقتضى العقد من حيث هو هو ، فالودعي
من حيث هو هو متبرّع.
على أنّه في
الفروض النادرة يجوز الفسخ أيضا ، ويجب الحفظ من باب الأمانة الشرعيّة وبنحوها ،
إلّا أنّ الظاهر أنّه لا يجوز مخالفة المالك فيما شرط عليه من كيفيّة الحفظ ـ على
حسب ما ذكر في الوديعة ـ فالمودع متبرّع مطلقا ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وأنّ التقصير موجب للضمان ، ولعلّ مرادهم بالتأخير .. إلى آخره
.
ولأنّ المالك
بعد ما طلب الوديعة لم يرض بكونها عنده ، كما هو الظاهر ، فلا يكون بعد عدم الرضا
نائبا في الحفظ ، أمينا في ذلك ، بل يكون معزولا عنه ، فلا يكون يده عليها حينئذ
يد أمانة.
قوله
: وتحقيق الأمر في ذلك ، فتذكّر وتأمّل
.
والحقّ أنّ
الأمر بالشيء لا يستلزم النهي عن الضدّ.
قوله
: [ التقصير مطلقا حرام ] وموجب للضمان بالإجماع ، وإذا ضمن لم يسقط بالرجوع إلى
الأمانة ما لم يؤدّها إلى المالك .. إلى آخره
.
ولخروج الودعي
عن الأمانة والاستئمان ، لأنّ يده ـ حينئذ ـ ليس اليد المأذون فيها ، وتصرّفه ليس
ما هو رخّص فيه.
__________________
قوله
: لما فيه من تضييع المال المنهي عنه ، وفيه منع ظاهر .. إلى آخره .
الظاهر أنّه
ورد في الأخبار النهي عن تضييع المال ـ على ما هو في البال ـ والعقل أيضا حاكم ، مع أنّه يوجب الخروج عن الرشد
والدخول في السفاهة ، فتأمّل.
ولعلّ مراده رحمهالله من المكروه معناه اللغوي والعرفي ، لا الاصطلاحي.
قوله
: فالأقرب عدم الضمان ، وإن فتح القفل
وفضّ الختم من الكيس
والصندوق
فالأقوى
ضمان ما فيه .. إلى آخره .
مشكل ، لأنّ
مثل هذا خيانة عرفا ، وأيضا يده في هذه الحالة يمكن أن تكون بغير إذن ، والمالك لو
كان يعلم هذا لما كان يعطيه للحفظ ولما كان يرضى بأخذه وتصرّفه عادة ، وكذا الكلام
في أمثال ما ذكر ، فتدبّر!
قوله
: والظاهر التساوي في عدم الضمان ، لما مرّ .. إلى آخره
.
بل الظاهر
التساوي في الضمان ، لما عرفت.
قوله
: فالضمان حينئذ محلّ التأمّل ، وسيجيء في مسألة أنّه إذا أتلف المستودع من
المودوعة جزءا متّصلا .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الشركة عيب في الكلّ ، بحيث لا يترجّح أحد الجزأين أو
__________________
الأجزاء به أصلا ، بخلاف الجزء المقطوع ، فتأمّل جدّا!
قوله
: فلو تلف يأخذ منه تمام القيمة ، لا أن يقسط على المأذون وغيره ، ولو ذكر هذه في
العارية [ لكان أولى ] .. إلى آخره
.
فيه إشكال ، إذ
يشكل تحقّق مأذون في هذه الصورة ، إذ صاحبها ما أذن إلّا بنحو خاصّ ، ولم يتحقّق
النحو الخاصّ.
قوله
: وقد مرّ فيه التأمّل ، وأشار إلى الخلاف في « التذكرة » بقوله : ( فالأقوى الضمان لما فيه من الثياب والدراهم )
.. إلى آخره .
الظاهر أنّه
ليس محلّ التأمّل ، لأنّه خيانة عرفا ، فيده يد خائن ، ولم يرض المالك بمثل هذه
اليد.
قوله
: وعدم تصرّف وتقصير في الحفظ ، وغير ثابت كون هتك الحرز موجبا للضمان ولا بدّ له
من دليل ، فتأمّل .. إلى آخره
.
الدليل ظاهر ،
وهو عدم كونه أمينا وكونه خائنا ، وعدم كون يده يد أمانة ، وعدم رضا صاحب المال
بمثل هذا ، ولو كان يعلم من أوّل الأمر لما استنابه للحفظ عرفا وعادة.
قوله
: فتأمّل ، وظاهره أن لا خلاف عندنا في عدم ضمان الباقي .. إلى آخره .
لم نجد الظهور
، مع أنّه لا يخلو الحكم عن إشكال ، لما أشرنا غير مرّة.
__________________
قوله
: والعلم محلّ التأمّل ، وأمّا لو أعاد بدل المضمون ولم يمازجه مزجا يسلبه
الامتياز .. إلى آخره .
ربّما يحكمون
في مثل هذا حكم المشاع والممتزج ، من باب الصلح القهري ، فإنّ الترجيح من غير
مرجّح شرعي محال أو فاسد ، فلا بدّ أن يصير النقص من المجموع بالنسبة ، مع احتمال
القرعة أيضا عند القائلين بالقرعة في أمثال ذلك.
وسيجيء
التفصيل في كتاب القضاء.
قوله
: وأنّه لا خلاف ظاهرا عندنا ، وهو مؤيّد لما قلنا أنّه لو سهى ونسي حفظ شيء ـ
مثل النشر والتعريض للريح ـ لم يكن ضامنا .. إلى آخره
.
لم نجد ممّا
ذكر نسبة الحكم إلى جميع الأصحاب حتّى يظهر ما ذكره ، بل غاية ما ظهر أنّه رجّح
طرفا ونسبه إلى جماعة من الشافعيّة ، ونقل عن جماعة أخرى منهم خلافه .
قوله
: فهو ليس بجيّد على إطلاقه بالنسبة إلى ما قال .. إلى آخره
.
لعلّ نظره رحمهالله هنا إلى صورة عدم تلف الكيس وأنّه لم يصر أمر سوى الحرق
، فتأمّل!
قوله
: ولكن الضمان مع التأخير من غير تصرّف .. إلى آخره
.
لا خصوصيّة
للتصرّف في التقصير ، وكون اليد عدوانا ، بل تأخير الإعلام مع الإمكان تقصير بلا
شبهة ، والشارع لا يرضى بهذا التقصير ، لأنّ إيصال الحقّ
__________________
إلى مستحقّه أو وصوله إليه لازم في أيّ وقت ، وهو لا يتحقّق إلّا بذلك
الإعلام.
وأمّا وجوب
الدفع ففيه ، ما ذكره الشارح.
قوله
: فإنّ الظالم لا يحلّ ماله لكونه ظالما ، وهو ظاهر. فإن كان المزج بالأدنى بحيث
ما بقي لمال المالك قيمة ، يمكن تسليمه إلى الغاصب ، ويجب عليه ردّ مال المالك
مثلا .. إلى آخره .
وإن كان لا
يحلّ ماله ، إلّا أنّه لمّا مزج مال المغصوب منه بماله ظلما وعدوانا لم يكن له حقّ
مثل حقّ المغصوب منه
المظلوم ، ولم
يكن حرمته حرمته ، فردّ مال المظلوم إليه واجب بلا شبهة ولا ريبة ، لعموم الأدلّة .
وهذا وإن
استلزم أن يصير مال الغاصب أيضا عنده مع أنّه يجب ردّه إلى الغاصب ، إلّا أنّه إن
أمكن التخليص والردّ إليه لزم ، وإلّا فهو شريك المغصوب ، يأخذ حقّه منه ، وعدم
ردّ حقّه إليه حينئذ من جهة عدم إمكانه ، الناشئ من تقصيره وعدوانه ، و « ليس لعرق
ظالم حرمة » ، بل يجب ردّ مال المظلوم ، لمقتضى الأدلّة ، وعدم
المانع من الجهة الّتي ذكرت ، بل يجب ردّ مال الغاصب إلى المظلوم من باب المقدّمة
، من جهة مزجه بماله.
نعم ، هو الآن
أيضا مال الغاصب ، فيصير شريكه ، وسيجيء في كتاب الغصب تحقيق أمثال ذلك إن شاء
الله .
وبالجملة ،
الغاصب عرّض ماله لما ذكرناه ، لأنّه يعلم يقينا أنّه يجب وصول
__________________
المال المحترم إلى صاحبه فورا بلا تأخير أصلا ، ويجب تسليطه عليه ، وتمكينه
منه ، ومع ذلك خلط ماله بماله ، فهو بنفسه أقدم على ما ذكرناه ، وأذهب الحمرة
الّتي ذكرناها ، وأوجب المقدّمة الّتي أشرنا إليها.
العارية
قوله
: قال في « شرح القواعد » : قيل عليه : إن كان قوله : ( وثمرته التبرّع بالمنفعة )
[ جزء التعريف ] .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
الاعتراض وارد على كلّ تقدير ، غاية ما في الباب أنّه لا يرد على التعريف ، بل على
قوله : ( وثمرته التبرّع ) ، على تقدير الخروج عن التعريف.
قوله
: ويمكن أن يجاب بكونه جزءا ، ولا يرد ما ذكره ، لأنّ هذا الفرد من العارية [
مقتضاها التبرّع ] .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّه
جزء كما يستفاد من اللغة والعرف ، والمعاملات يرجع فيها إليهما في معرفة الماهيّة
، لا الحكم الشرعي والشرائط الشرعيّة والموانع الشرعيّة.
ويستفاد أيضا
من تعريف « التذكرة » وكلام الفقهاء .
إلّا أن يقال :
المراد من التبرّع عدم العوض في العقد ، لا عدم الشرط أيضا ، فإنّ الشرط في العقد
ليس بعوض ، بل هو بمنزلة العوض ، فتأمّل!
قوله
: ( وإنّما جاء العوض من أمر زائد على العقد ، وهو الشرط ، فإنّه عقد
__________________
مع
شرط )
، ويمكن أن
يقال : إنّ أخذ اللفظ غير جيّد
.
فيه ، أنّه على
هذا يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد ، فيكون أحدهما فاسدا البتّة ، بل كلاهما على
الأقوى ، لأنّ الرضا لم يتحقّق إلّا بالعارية المشروطة بالانتفاع وعدم التبرّع.
مع أنّ الشرط
أيضا عارية ومقتضاها التبرّع ، فيصير المعنى : أتبرّع بشرط أن تتبرّع فيحصل
التناقض ، إلّا أن يجعل المعنى : اعطي بغير عوض بشرط أن تعطي بغير عوض ـ كما أشرنا
ـ أو يكون المعنى التبرّع مطلقا سوى هذا الشرط ، بخلاف أن يكون بشرط الدرهم أو
الدينار ، مثلا.
وكيف كان ، هذا
مناف لظاهر كلامهم في التعريف ، أو نقل الثمرة من كون العارية على جهة التبرّع وهو
ثمرتها ، فإنّ الظاهر من التبرّع عدم هذا الشرط أيضا ، إلّا أن يجعل : ( أعرتك
حماري .. إلى آخره ) قرينة ، وفيه ما فيه.
مع أنّه يشكل
كون هذا عارية داخلا في العارية الصحيحة شرعا ، لعدم ظهور عموم من اللغة أو العرف
من إطلاق لفظ العارية من دون انضمام قرينة ، لعدم تبادر مثل ذلك ، والتبادر هو
أمارة الحقيقة ، ومجرّد الاستعمال لا يكفي ، لأنّه أعمّ.
وعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وأمثاله ، أيضا لا يشمل ، للإجماع وغيره
__________________
على كونها من العقود الجائزة ، مع أنّه على فرض الشمول لا يلزم كونها عارية
، كما مرّ مرارا.
مع أنّه لم
يظهر من الفقهاء أنّ هذا عارية ، وأنّه من المسلمات عندهم ، بل ظاهر « القواعد » أنّه ليس كذلك
، بل الظاهر منه أنّه ليس بعارية إلّا أنّه جائز ، وهو كذلك ، لحصول طيبة النفس من
صاحب المال ، وعدم منع من الشرع ، لكن لو لم يف بإعارة الفرس عمدا ، أو من جهة
العذر ، يكون عليه اجرة مثل الحمار ، لاستيفائه المنفعة بغير طيبة نفس صاحبه.
مع احتمال أن
يكون في صورة العمد له التسلّط في أخذ الفرس عارية ، لأنّه ما رضي بعارية الحمار
إلّا بهذا الشرط ، فتأمّل.
ويحتمل أيضا أن
يكون في صورة العذر لا اجرة له ، لأنّ العارية الحقيقيّة لا اجرة فيها ، والّذي
شرط هو العارية الّتي تعذّر تحقّقها ، والرجوع إلى العوض يحتاج إلى دليل ، فتأمّل!
قوله
: لأنّ العارية قد تحصل بغير اللفظ ، وهو ظاهر ، قال في « التذكرة » : ( وهي تحصل بغير عقد ، كما لو حسن ظنّه بصديقه كفى في الانتفاع عن العقد ) .. إلى آخره .
لا يخفى أنّه
إذا علم الرضا من الصاحب بالتصرّف في ماله مجّانا ، فلا شبهة في جواز التصرّف ،
بشرط أن تكون نفس المتصرّف خالية عن الشوائب والمعايب ، إذ ربّما يكون له حرص شديد
ورغبة زائدة ، بأدنى شيء يجزم بأنّه صاحبه راض مع أنّه ليس كذلك وليس يعلم.
__________________
وأمّا إذا حصل
لمثله الظنّ ، ففي جواز اعتماده عليه نظر ، لعموم ما دلّ على المنع من العمل
بالظنّ ، مع عدم دليل يدلّ على حجيّة مثل هذا الظنّ.
مع أنّ الأصل
عصمة مال المسلم ومن في حكمه.
ثمّ ، إنّه في
صورة العلم لا يكون هذا عارية لغة وعرفا ، فكذا شرعا ، لما عرفت.
على أنّه لا
نعلم كونه عارية ، لعدم دليل عليه أصلا ، إلّا أن يريد من العارية ما يفيد إباحة
التصرّف والرخصة فيه ، وإن لم يصدق عرفا أنّه عارية ولا عند الفقهاء ، لكونها من
العقود لا الإيقاعات.
مع أنّ
الإيقاعات عندهم بالألفاظ ، فإذا رضي الصاحب بأن يكون الطفل أو المجنون أو السكران
والغافل والجاهل يتصرّف ، يكون عارية بالمعنى الّذي ذكر ، مع أنّ اتّحاد ثمرته مع
ثمرة العارية وأحكامه مع أحكامها محلّ نظر ، إذ يحتمل أن يكون مع التلف ضامنا وإن
لم يكن ذهبا ولا فضّة ، لعموم « على اليد » ، مع عدم مخرج ، وعدم العقاب لا ينافي ذلك ، سيّما
بالنسبة إلى الكبير الرشيد.
ويحتمل عدم
الضمان ولو في الذهب والفضّة ، سيّما بالنسبة إلى المجنون والصغير والسفيه ،
والأوّل أقرب.
قوله
: قال في « التذكرة » : لو قال : آجرتك
حماري لتعيرني فرسك ،
فهي إجارة فاسدة .. إلى آخره .
لكن في «
القواعد » قال : ( هذا جائز ،
__________________
لكن ليس بواجب ، وليس على واحد منهما أجرة ، ولو لم يعر الثاني
فالأقرب الأجرة ، ولو قال : أعرتك الدابّة بعلفها ، فهي إجارة فاسدة تقتضي أجرة
المثل ، وكذلك : أعرتك الدابّة بعشرة دراهم ) . انتهى.
قوله
: [ أن يكون محض الإيجاب عقدا ] ، ويمكن التزامه ، فتأمّل
.
فيه ما عرفت.
قوله
: كما قيل مثل ذلك في مواضع مثل الهبة ، والبحث في أمثاله خارج عن المقصود .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّ
الهبة تمليك عين من غير عوض ، يعني من غير مراعاة عوض ، لا مراعاة عدم العوض ،
وحمل عبارة العارية على مثل ذلك بعيد. مضافا إلى ما عرفت.
قوله
: ولا تصحّ الوكالة ، بل تصير إعارة منه ، كما إذا أعار الدار للسكنى فيعطي غيره
ليسكن فيه ، وكذا ركوب الدابّة وحملها .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
مراده رحمهالله أنّ القدر وأمثاله ـ مثلا ـ يؤخذ عارية ، مع أنّ
الطبّاخ ليس هو المستعير بل خادمه أو خادمته وأمثالهما ، وكذا الماعون يصبّ فيه
المياه أو المائعات أو المطبوخات وأمثال ذلك ، والفاعل غير المستعير غالبا ، وكذلك
__________________
الحال في غالب الآلات والأدوات الّتي تؤخذ عارية بحسب العادة.
قوله
: فالظاهر هو المعنى الأوّل ، للتبادر ، ولئلّا يلزم الإجمال الّذي الأصل عدمه ،
وعدم الفائدة .. إلى آخره .
لا يخفى أنّه
ليس المتبادر من قوله : أعرت أحدكما ، سوى الثاني. نعم ، إن قال : أحدكما لا بعينه
، فأيّهما يتصرّف جاز ، لكن لا يتصرّف بعد ذلك الآخر منهما ، لأنّه قال : أحدكما ،
ولم يقل : أيّا منكما ، فالفرق بينه وبين العامّ أيضا واضح ، إلّا أن يقول ما يفيد
العموم ، مثل ما ذكرنا وأمثاله.
والأصول الّتي
ذكرها الشارح ـ يعني أصل عدم الإجمال وغيره ـ لم نعرف مأخذهما ، لأنّه إن أراد أنّ
الحكيم لا يتكلّم لغوا ـ كما هو ظاهر عبارته ـ فهو أصل واحد بمعنى الظاهر ، ومع
ذلك لا شكّ في أنّ الإجمال أيضا له فائدة معتدّ بها ، ولذا تكلّم سبحانه في القرآن
كثيرا ونصّ على أنّ منه آيات متشابهات ، إلّا أن يقول : الظاهر عدم الفائدة أصلا في هذا
الإجمال.
لكن الاكتفاء
بهذا في إثبات عقد شرعيّ يثمر مخالف الأصول والقواعد محلّ نظر ، كما مرّ في بيع
أحد هذين العبدين ، وأمثال ذلك في جميع أبواب الفقه ، وجميع العقود ، فإنّ الفقهاء
لا يرضون ، ومنه لو قال : زوّجتك إحدى هاتين الامرأتين ، أو الجاريتين ، وأمثال
ذلك ممّا لا يخفى.
قوله
: مع علم المالك بأنّ الصيد إذا وقع بيد المحرم يجب عليه
إرساله مطلقا .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّ
المالك وإن علم أنّه يجب عليه الإرسال ، إلّا أنّه قال : ما أسلّم
__________________
إليك إلّا عارية ، تعامل معي معاملة العارية ولا أرضى بغير ذلك ،
والمحرم أخذ كذلك وأقدم بذلك ، فعليه العوض لو أرسل ، لعموم « على اليد » ، والنهي
في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولأنّه أقدم على الضمان ، ولأنّ المباشر أقوى إذا
اجتمع مع السبب ، إلّا أن يكون هو أقوى ، وليس ما نحن فيه منه ، فتأمّل جدّا.
قوله
: وهي تحصل بغير عقد ، كما لو حسن ظنّه
بصديقه كفى في
الانتفاع عن العقد ، وكما في الضيف ، بخلاف العقود اللازمة ، فإنّها موقوفة على
ألفاظ خاصّة اعتبرها الشرع .. إلى آخره
.
قد عرفت أنّ
مثل هذا لا يسمّى عارية عرفا ولغة ، وأنّه لا يكفي الظنّ ، لشمول ما دلّ على المنع
من اتّباعه ، وأنّه مع العلم لو تلف يمكن الضمان ، لعموم « على اليد » ، مع عدم
مخرج ، إذ لا ملازمة بين عدم حرمة التصرّف والضمان.
مع أنّ الغالب
أنّ تجويز التصرّف المعلوم بالفحوى دائر مع عدم تلف العين ، بل وعدم نقصه أيضا ،
وأنّهم يقولون : إنّما كنّا نرضى إذا لم يتلف ولم ينقص أمّا مع أحدهما فما كنّا
راضين ، والظاهر من حالهم أيضا ذلك ، فتأمّل جدّا! وممّا يدلّ على أنّ العارية عقد
لا مجرّد إباحة التصرّف ، أنّ المستعير إذا تعدّى عن المأذون أو في الحفظ ـ مثلا ـ
ثمّ رجع عن التعدّي لا يخرج عن الضمان بمجرّد الردّ إلى المأذون أو إلى الحفظ ،
ولا يكون أيضا مستعيرا والعين عنده
__________________
عارية ، وهذا محلّ الوفاق عند الفقهاء ظاهرا ، فلاحظ!
قوله
: ففي كلامهم مساهلة ومسامحة ، فتأمّل ، فلعلّ تعريفها وجعلها من العقود ،
وتعريفها بأنّه عقد كذا .. إلى آخره
.
يمكن أن يقال
بإنشاء القبول الفعلي ـ أي بالشروع ـ يتحقّق القبول وتجويزه من طلب القبول الّذي
أعمّ من القول والفعل ، ثمّ بعد آن الشروع وأوّله الحقيقي يصير الفعل ثمرة أو أنّه بإرادة الشروع
وإقدامه عليه يتحقّق العقد ، وأنّه المراد بالقبول الفعلي ويمكن التداخل أيضا.
وبالجملة ، لا
تأمّل في كون العقود المذكورة من العقود عندهم ، لا من الإيقاعات ، لما عرفت.
قوله
: وبالجملة ، ينبغي أن يكون العلم متّبعا في الكلّ ، بل الظنّ الغالب القائم مقامه
، بحيث لا يكون دلالته أضعف من اللفظ المحتمل عدم إرادة معنى له أصلا .. إلى آخره
.
قد عرفت في
كتاب البيع أنّ مجرّد الرضا لا يصير منشأ لانتقال الأموال وغيرها ، وإن كان في
غاية من المرتبة ، وكذا في النكاح ، والطلاق ، وغير ذلك ، كما هو بديهي ، وأنّ
العبرة إنّما هي بالعقود ، وأنّ المتبادر منها المجمع على صحّتها ما هو باللفظ ،
وأنّ غير اللفظ يحتاج إلى مثبت ، فلاحظ.
__________________
فظهر أنّ كلّ
ظنّ لا يكفي ، بل ربّما يكون في الظنون المحرّمة.
وعرفت أيضا أنّ
ثمرة العقد غير ثمرة مجرّد إباحة التصرّف ، سيّما الإباحة الّتي لا تظهر من لفظ
ومثله ، بل من مجرّد الفحوى أو القرينة.
قوله
: والجواز غير بعيد ، مع القرينة بأنّ المقصود غير متعلّق بالمستعير المعيّن
، والقرينة المفيدة
متّبعة .. إلى آخره
.
مع وجود
القرينة لا وجه للقول بعدم البعد ، سيّما بعد الإصرار بعدم الحاجة إلى لفظ أصلا
ورأسا ، بل لا تأمّل أصلا حينئذ.
وأمّا مع عدمها
، فإن كان دلالة عرفيّة فهي كوجود القرينة لا وجه للتأمّل فيه ، وإلّا فلا وجه
للتأمّل في عدم الجواز.
ومجرّد عدم غرض
يتعلّق بالمعيّن غالبا ، كيف يكفي لتجويز الرخصة؟ إلّا أنّ مراده رحمهالله ظهور عدم الغرض بالمعيّن ، بحيث يظهر تجويز المالك
التعدّي ، لكن هذا مقصور في القرينة أو دلالة العرف ، لكن مع وجود القرينة ،
فالقرينة متّبعة ، أيّ شيء يقتضي ، إذ ربّما يقتضي التعدّي إلى الأكثر ضررا أيضا
، وربّما يقتصر على الأدون خاصّة ، ودلالة العرف ليست كلّية ، بل هي مقصورة في
جزئيّات ، فتأمّل!
قوله
: ويؤيّده جواز ركوب المساوي للدابّة المستأجرة وإجارتها للمساوي والأدنى ،
والاحتياط العدم ، لعدم جواز تسليط أحد على مال الغير إلّا
بإذنه
__________________
المعلوم
، والفرض عدمه ، فتأمّل .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
البناء في الإجارة على أنّ المنفعة تصير ملك المستأجر ، و « الناس مسلّطون على
أموالهم » ، بخلاف العارية ، فإنّها من باب الإمتاع ، كما هو الظاهر
من الأدلّة وأقوال الفقهاء.
قوله
: كأنّه لا خلاف فيه عندنا ، ولأنّه لا مانع منه عقلا ولا نقلا
، والأصل
الجواز .. إلى آخره .
إنّ هذه
الأدلّة تدلّ على صحّة نفس الفعل وجوازه ، ولا تأمّل في أنّ صاحب المال بأيّ نحو
يرضى أن يتصرّف أحد في ماله فهو حلال ، إلّا أن يتحقّق المنع من الشرع ، لكن كون
ذلك عارية يحتاج إلى دليل ، سيّما مع الاتّفاق على أنّ العارية في المنافع خاصّة ،
وأنّ الأعيان ليست من باب المنافع.
قوله
: ومن طريق الخاصّة ما رواه الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليهالسلام : « في الرجل يكون له
الغنم يعطيها بضريبة سمنا شيئا معلوما
أو دارهم معلومة ، من
كلّ شاة كذا وكذا ، قال : لا بأس بالدراهم ، ولست أحبّ أن يكون بالسمن »
.. إلى آخره .
لا وجه
للاستدلال
__________________
بالروايتين أصلا ، ولا للقياس بطريق أولى ، لما عرفت سابقا أنّها
من باب الإمتاع بخصوص المنفعة ، ولأنّه عليهالسلام قال : « لا بأس بالدراهم ، ولست أحبّ أن يكون بالسمن ».
على أنّ ما
ذكره لو تمّ ، لصحّ الاستدلال بما دلّ على حلّية البيع وصحّته ، وكذا الصلح على
صحّة الهبة ، بل بطريق أولى ، وفيه ما فيه ، فتأمّل!
قوله
: والظاهر أن لا خلاف في الغنم للحلب ، فعلم أن ليس ذلك مانعا عقلا ، وليس في الشرع
أيضا مانع ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
في ذلك كلّه
تأمّل ظاهر ، عرفته في بحث الإجارة.
وإطلاق لفظ
العارية على المنحة لا يقتضي على سبيل الحقيقة ، فإنّ الإطلاق أعمّ ، وكذا ذكرها
في كتاب العارية ، إذ كثيرا ما يذكرون ما يناسب الكتاب فيه استطرادا أو مشابهة لشدّة
علاقة.
والكلّ اتّفقوا
في تعريفها بأنّها تبيح الانتفاع وأمثال هذه العبارة ، واتّفقوا على أنّ المنفعة
في مقابل العين ، كما ظهر لك في الإجارة ، وربّما كان المتبادر من إطلاق لفظ العارية عرفا هو ما
ذكرناه ، والتبادر علامة الحقيقة.
وممّا دلّ على
ما ذكرنا ، عدم تعميم أحد منهم بحيث يشمل الأشجار للثمرات والزروع والحيوانات
للإنتاج ، وأمثال ذلك ، بل اقتصارهم على المنحة ليس إلّا.
__________________
قوله
: وتجويز ذلك غير معلوم ، إلّا أن لا يجوّزوا التعدّد فيه ،
كما لم يجوّزوا في إباحة الوطء ، والاحتياط لا يترك .. إلى آخره
.
بل الظاهر
العدم ، بل لا تأمّل في ذلك بملاحظة كلماتهم في التحليل ، بل وبملاحظة أدلّة
التحليل ، مع أنّ الأصل المنع ، فلاحظ وتأمّل!
قوله
: ويكره استعارة أحد الأبوين للخدمة ، لأنّ استخدامهما مكروه ، لمنافاته التعظيم
لهما .. إلى آخره .
بل بملاحظة
الأخبار ربّما احتمل الحرمة.
قوله
: ويدلّ عليه الروايات الصحيحة أيضا ، ولكن في بعضها قيد بأنّه إن كان أمينا لم
يضمن .. إلى آخره .
لا تدلّ إلّا
أنّها إن تلفت لا يكون فيه غرامة ، لا أنّ المستعير إذا أتلفه بالانتفاع لا يكون
ضمان أيضا ، مع أنّ عدم الضمان في العارية إنّما هو بالنسبة إلى المنفعة خاصّة ،
إلّا أن يقال : إذا توقّف الانتفاع على التلف والنقص ، فمطلق الرخصة يدلّ على
الإذن في الإتلاف بغير عوض كالمنفعة ، فتأمّل!
قوله
: والظاهر عدمهما ، ولهذا قال في « الشرائع » بعد الحكم المذكور ..
__________________
إلى
آخره .
كيف يدّعي ظهور
عدمهما مع أنّ عموم « على اليد » يشمله ، مع كونه منجبرا بعمل الأصحاب ، كما مرّ؟!
قوله
: ولو اغرم الغاصب ، فمقتضى قاعدتهم المشهورة من أنّ ترتّب الأيدي على الغصب موجب
للضمان على من تلف في يده ، أنّه يرجع الغاصب إلى المستعير ، فتأمّل ..
إلى آخره .
للغاصب الأوّل
أن يقول للثاني ـ الّذي تلفت في يده ـ : ردّ الّذي أخذت منّي إلى صاحبه إن كان
وإلّا فعوضه ، لعموم « على اليد » ، ولعلمك بالغصب ، فإن ردّه على صاحبها أخذه منه
، لأنّه لا يستحقّ غير نفس ماله أو عوضه ، لا عوضين ، فتأمّل!
قوله
: إذا علم جواز الغرس والوضع على الحائط ، فانقلاعه ليس بمبطل للإذن ، إلّا أن
يكون الإذن مخصوصا بزمان وخرج ذلك الزمان .. إلى آخره
.
الظاهر أنّه
مبطل ، لأنّ إذنه لم يظهر إلّا للوضع والغرس الأوّل ، مع أنّك عرفت أنّ العارية
عقد لا مجرّد إباحة التصرّف ، والمعقود عليه لم يكن إلّا الأوّل.
اللهم إلّا أن
يقع العقد على كلّ وضع وغرس ، ولم يتحقّق الرجوع أصلا ، فتأمّل.
وبالجملة ،
الغرس أمر سوى البقاء مغروسا ، والعقد وقع على الغرس الأوّل والبقاء بعده. أمّا
الغرس الثاني ، فليس متعلّق العقد وما وقع العقد عليه ، والتعدّي
__________________
إلى المساوي أمر آخر ، وهو أن يجعل المساوي عوض الأوّل لا الجمع بينهما ،
فتأمّل جدّا!
قوله
: ويمكن عدمه إذا ما علم عدم جواز الاستعمال الّذي جوّزه ، إلّا أنّه لمّا فرّط
دخل في ضمانه أو مطلقا .. إلى آخره .
فيه ما لا يخفى
، إذ بعد ما صار غاصبا ضامنا لم يعلم كون العين عارية عنده ، لأنّ مقتضى العارية
عدم الضمان ، ولأنّ العارية حفظ العين والانتفاع بها بعد المحافظة ، لأنّ المتبادر
منها ذلك ، ولأنّ مقتضى العادة عدم رضا المالك بعد التعدّي ، فتأمّل جدّا!
قوله
: في الوديعة مع نقل الإجماع وما فيه ، وأنّه ليس بتامّ ما ذكر ، خصوصا في ترك
الحفظ بمثل ترك العلف ، لأنّ الإذن السابق موجود ، فتأمّل
.
قد عرفت أيضا
أنّ الوديعة ليست مجرّد إباحة التصرّف والإذن فيه.
قوله
: إلّا أنّ بعض الأخبار يدلّ على أنّه أمين غير ضامن ، وأنّه لا ضمان
عليه إلّا مع الشرط .. إلى آخره
.
مضافا إلى أنّه
استأمنه في الحفظ يقينا ، لا في الردّ ، فتأمّل جدّا!
__________________
اللقطة
في شرائط اللقطة
قوله
: وإلزام بالتربية ، والتفتين غير معلوم. على أنّه لو كان ذلك سببا ، لكان ينبغي
عدم جواز أخذ الطفل الكافر أيضا .. إلى آخره
.
لا شبهة في
التفتين ، ومنه يظهر أنّ الشرط هو الإيمان ولا يكفي الإسلام ، فما يدلّ على وجوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووجوب هداية الكافر والضالّ وإخراجهما من الكفر
والضلال ـ مع التمكّن ـ ووجوب إعانة البرّ ، وحرمة إعانة الإثم ، ووجوب الاستنقاذ
عن الهلكة ، وأمثال ذلك ، يدلّ على عدم الجواز وإن كان اللقيط ولد الكافر قطعا.
وكون طفل
الكافر الّذي ليس تحت أبويه محكوما بكفره فيه ما فيه ، بل الّذي بين أبويه وتحت
حضانتهما أيضا ، وجريان بعض أحكام الكفر ـ مثل النجاسة ـ لا يقتضي الحكم بكفره ،
سيّما مع ما ورد من أنّ « كلّ مولود يولد على الفطرة » . الحديث.
نعم ، لو انحصر
الأمر في الكافر بحيث لو لم يأخذه يهلك ويضيع ، يجب عليه ، كما يجب عليه أخذ ولد
المسلم أيضا حينئذ ، وليس من باب الالتقاط ، بل حفظ
__________________
النفس عن التلف ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وهذا الكلام يدلّ على أنّ المسلم عدل ما لم يظهر فسقه ..
إلى آخره .
يدلّ على أنّ
ظاهره العدالة ، ولعلّه بناء على حمل أفعاله على الصحّة ، لكن ربّما يعارضه أصالة
العدم ، لأنّ العدالة أمر وجودي أو معتبر فيها أمور وجوديّة ، ولذا يذهب هو ولا
غيره من المتأخّرين بكون الأصل في المسلم العدالة ، فتأمّل!
قوله
: وعدم حفظ ماله لا يدلّ على عدم الأمانة ، إذ قد يكون في مال الغير ونفسه
في غاية الحفظ .. إلى آخره .
فيه ما فيه ،
إذ السفيه من لم يتمكّن من المحافظة ، وليس له ملكتها أو قوّتها ، لا أنّه له
القوّة والملكة في مال الغير دون مال نفسه ، مع أنّ مثل ذلك إن سامح في مال نفسه
يكون له غرض معتدّ به عند العقلاء فلا يكون سفيها ، فتأمّل! فيمكن أن يقال : إن
كان الالتقاط يتوقّف على تصرّف في ماله وخرج منه على اللقيط أو صرف أوقات عمره
الّتي يحصل بإزائها عوض مالي فالمنع ، وإلّا فالجواز ، فتأمّل!
قوله
: وكذا الحيوان الّذي لا يمتنع عن صغار السباع ، مثل الثعلب ، وابن
__________________
آوى ، وولد الذئب ، وولد
الأسد ، ونحوها .. إلى آخره .
لأنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّما هي لك » تعليل لجواز الأخذ ظاهر لا خفاء فيه ، والعلّة المنصوصة
حجّة بقضاء الفهم العرفي ، وهو حجّة كما حقّق ، ومسلّم عند الكلّ.
في أحكام اللقطة
قوله
: [ اللقيط حرّ مسلم ، ] فيحكم بهما ، ما لم يظهر خلافه ، مثل كونه في بلاد الكفر
ليس
فيه المسلم
الّذي يمكن استيلاده منه .. إلى آخره .
لكون الأصل
الحرّية ، لأنّ الرقّية يتوقّف على أمر حادث وهو السبي ، بل وعلى الكفر أيضا ـ
أصالة أو بالتبع ـ مع أنّهما أيضا حادثان ، والأصل في الحادث العدم ، ولأنّ
الرقّية من حيث هي هي تكليف ، بل تكليفات ، والأصل البراءة ، ولما ورد من أنّ «
الناس أحرار إلّا من أقرّ بالرقّ أو ثبت رقّه » على ما هو
ببالي ، ولما سيجيء من الأخبار الصريحة في كونه حرّا.
ومقتضى ما ذكر
كونه حرّا مطلقا ، من دون تقييد بما إذا لم يقع شبهة توجب
__________________
درء الحدّ أو القصاص أو مطلق الإضرار ، بناء على أنّ الاحتمال بعد باق ،
فيتوقّف بسببه في هذه الأحكام ، لأنّ مقتضى ما ذكر عدم العبرة شرعا بالاحتمال ،
كما هو الحال في غالب الأحرار أو بعضهم ، وإن كان فيه أبعد ، فتأمّل!
قوله
: لأنّ دليل وجوب المعرفة عقلي .. إلى آخره
.
الوجوب العقلي
دليله عقلي ، لا الشرعي ، فلعلّه تعالى عفى عن مثله ولم يعاتبه ولا يعاقبه ، مع
أنّه لو تمّ ما ذكره يلزم أن يكون مكلّفا بالفروع الّتي يستقلّ بدركها العقل ، مثل
قبح الكذب مطلقا أو المضرّ. إلى غير ذلك ممّا هو في غاية الكثرة ونهاية الوفور ،
وفيه ما فيه.
على أنّ ما لا
يستقلّ العقل بدركه يدرك بواسطة الشرع ومن قوله ، فيلزم أن يكون ما ذكره من
المميّز مكلّفا مطلقا مثل البالغ ، وفيه ما فيه.
مع أنّ
العمومات المقتضية للتكاليف على سبيل العموم أكثر من أن يحصى ، بل جلّ التكاليف
الفرعيّة من العمومات ، فلا وجه في الاقتصار على مثل « من قال : لا إله إلّا الله
فهو مسلم » ، وأمثاله.
وأيضا ، على ما
ذكره يلزم أن يكون العبرة في كلّ تكليف بالتميّز لا بالبلوغ مطلقا ، وفيه ما فيه ،
فتأمّل!
قوله
: ولا شكّ أنّه أحوط ، وما استدلّ به الشيخ مؤيّد ، فقوله قريب .. إلى آخره
.
لكن رفع القلم
عن الصبي حتّى يبلغ أو يحتلم من المتواترات أو المسلّمات
__________________
الّتي لا تأمّل لأحد فيه ، ومرّ في كتاب الحجر تمام الكلام ، فلاحظ!
قوله
: ولعلّ دليله أيضا هو الإجماع أو النصّ
، وإلّا فهو بعيد ..
إلى آخره .
ربّما يدلّ على
ذلك عموم « كلّ مولود يولد على الفطرة » ، و « إنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » ، وما
ماثلهما.
قوله
: في صحيحة الحلبي في « الفقيه » ، قال : سئل الصادق عليهالسلام ، قال قلت : من الّذي
أجبر على نفقته؟ .. إلى آخره .
في الاستدلال بها
إشكال ، لأنّه من الفروض النادرة ، ولأنّ الظاهر أنّه من حيث النسب والسبب من حيث
هو ، لا من جهة العوارض ، إذ لا مانع من أنّه مع وجود من ينفق ، أو إمكان النفقة
من غير نفسه لا تكون النفقة عليه واجبة ، وإلّا تكون واجبة عليه ، فتأمّل!
قوله
: [ ويدلّ على الإنفاق بنفسه ، ] وكذا الرجوع ، فتأمّل. وإن لم ينفق يمكن بيع
الكلّ ، ويكون الزائد لقطة .. إلى آخره
.
لعلّ وجهه أنّ
المطلق دلالته على العموم ، وأنّه لا يحتاج إلى قيد ، إنّما هو إذا
__________________
ذكر لبيان حكم نفسه ، لا أن يذكر تقريبا لبيان حكم آخر ، إذ في الثاني تضعف
دلالته غاية الضعف.
وكيف كان ،
فبيعه إنّما هو بحسب الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، فإذا أمكن أن يباع بشرط
خيار الفسخ إلى مدّة معيّنة طويلة بحيث إذا ظهر المولى ولم يرض بفسخ ، ولا يكون
حينئذ نقصان على المولى أصلا ، وإلّا فيباع بالنحو الّذي هو أصلح للمولى وأقلّ
ضررا.
قوله
: دليل المجوّز عموم أدلّة حكم اللقطة
، ويدلّ عليه صحيحة
زرارة في « الفقيه » ، في باب ما جاء في ولد الزنا واللقيط ، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه قال في لقيطة
وجدت ، فقال : « حرّة لا تشتري ولا تباع ، وإن كان ولد مملوك لك من الزنا
، فأمسك أو بع إن
أحببت ، هو مملوك لك »
، وفي
المتن شيء ، فتأمّل .. إلى آخره
.
شمول أدلّة
اللقطة لما نحن فيه محلّ تأمّل ، لعدم التبادر ، ولأنّه على هذا يجوز التصدّق أيضا
، ولم يقل أحد ، وورد رواية ظاهرها متروك ، وخلاف الظاهر لا دليل على كونه حجّة.
قوله
: إذ لا مانع من العموم مع قبول الحاكم ، كالوقف على جهات العامّة ،
__________________
فتأمّل
.
لا يكفي عدم
المنع ، بل لا بدّ من المقتضي ، إلّا أن يقال : العمومات تقتضي ، ولا بدّ من
ملاحظتها والتأمّل فيها.
قوله
: فيه تأمّل ، إذ الكبرى غير بديهيّ ، ولا مبرهنا عليه ، فلا بدّ أن يكون دليل
، وما نعرف دعوى
الإجماع إلّا في « شرح القواعد » ،
ويحتمل النصّ.
الله
يعلم .. إلى آخره .
الظاهر أنّ
الدعوى حقّ ، لأنّ الظاهر أنّ المدار في الأعصار والأمصار على أنّ كلّ من ادّعى
أنّ ولدا ولده ولم يكن مانع هناك ولا معارض كانوا يتلقّون بالقبول ، وما كانوا
يطالبون بالبيّنة والإثبات ، ويبنون ثمرات النسب عليه ويجرون فيه ، ويظهر ذلك من
ملاحظة الأخبار أيضا .
وربّما كان ذلك
في دعوى المرأة ذلك أظهر ، إذ ما كانوا يأخذون الولد منها ولا يحولون بينه وبينها
إلى أن يثبت الدعوى مع أنّه ربّما لا يمكن الإثبات ، فما سيجيء من [ أنّ ] المرأة
لو ادّعت ذلك لا يسمع محلّ نظر ظاهر ، فلاحظ الأخبار ، وتتبّع فيها! مضافا إلى
ملاحظة أحوال جميع المسلمين في العالم ، حتّى القائل بأنّه لا يسمع ذلك.
وأمّا ما ذكره
من أنّ الدعوى لا تضرّ أحدا ، ففيه تأمّل ظاهر ، إلّا أن يكون
__________________
مراده وقت الدعوى ، لكن في اعتباره تأمّل ظاهر.
قوله
: [ جمعا بين الأدلّة ] ، وهو أولى وظاهر
، ولأنّه تعب فلا يعقل
إخلاؤه له ثمّ تكليفه بالإعطاء مجّانا ، وهو خلاف حكمة الواجب. وبالجملة ، الظاهر
[ العمل بمضمون الرواية الصحيحة ]
.. إلى آخره
.
بل الظاهر عدم
دلالة يتحقّق من جهتها المعارضة ، بل بملاحظة المعارض يظهر غاية الظهور عدم الشمول
، بل فتاوي الأصحاب أيضا تمنع من العمل بها في غير اللقطة ، كما لا يخفى ، فتأمّل.
قوله
: ولعلّ المراد بالمال فيها دابّة أخرى غير البعير لا مطلق المال ، بقرينة : « قد
كلّت » .. إلى آخره .
بل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قد كلّت .. إلى آخره » ، تنبيه على
العلّة في كونها له ، وعدم سبيل الصاحب إليه ، فيقتضي العموم بالنسبة إلى كلّ
حيوان يكون كذلك.
وقوله عليهالسلام في الروايتين : أنّه أحياها ، تنبيه واضح
على أنّها كانت ذاهبة من يد الصاحب ، تالفة منه معدومة ، فالواجد حصّلها من جديد ،
فتأمّل جدّا!
قوله
: صحيحة الحلبي ، وظاهرها
التملّك من غير ضمان
وعوض ،
__________________
ومثلها
حسنة هشام بن سالم ، واستشكل في « القواعد » و « التذكرة » الضمان ، ويفهم عدم الضمان من الروايات الدالّة
على عدم الضمان في البعير ، فتأمّل .. إلى آخره
.
الظاهر أنّ
مراده صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ أمر الشاة حينئذ دائر بين ثلاثة :
إمّا تتركها
ولا تأخذها ، فحينئذ تكون للذئب ، بمقتضى الغالب من العادة.
وإمّا تأخذها ،
فتكون لأخيك إن ظهر وجاء وطلب.
أو لك إن لم
يظهر أو لم يطلب.
فحكمها غير حكم
البعير ، ولعلّه لأنّ الغالب أنّ الشاة تضلّ عن الراعي والراعي في صدد طلبها ،
بخلاف البعير الكالّ في غير ماء وكلأ ، فإنّ صاحبه يرفع اليد عنه غالبا أو يدعه
كذلك في علم منه ورفع يد عنه ، وإن لم يعرض عنه إلّا أنّه إن أمكنه إحياؤه أو
نجاته من الهلكة لما تركه كذلك من أوّل الأمر ، وتيسّر الإحياء منه في مثله نادر ،
فلو تركه الملتقط لصاحبه لضاع ـ غالبا ـ وإحياؤه لا يتيسّر بسهولة من غير تعب وحرج
، فلذا أبيح له ، لأنّه ينجيه من الهلكة ويمنعه عن التلف ، كما أشرنا ، فتأمّل.
والحاصل ، أنّ
حالهما ليس واحدا ، فلا مانع من اختلاف حكمهما.
قوله
: مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام « قال : سألته عن
__________________
اللقطة
، قال : لا ترفعها ، فإن ابتليت تعرّفها
سنة ، فإن جاء طالبها
وإلّا فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء طالب » .. إلى
آخره .
قوله عليهالسلام : « لا ترفعها » يمنع من حمل الرواية على ما يشمل الضالّة ، فهي مخصوصة
باللقطة بلا تأمّل.
قوله
: وأنّ تخصيص الأخبار العامّة الّتي تدلّ على أنّها للآخذ ، بأنّها بعد التعريف
وجواز التصرّف فقط مع عدم اللزوم أولى من تخصيص العامّة الدالّة على وجوب التعريف
بغير الشاة .. إلى آخره .
قد أشرنا إلى
أنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أو لأخيك » يشعر بأنّه لا يصير ملكا لازما للآخذ ،
بل لا تأمّل في الدلالة ، إذ لا يبقى على ذلك لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أو لأخيك » معنى ظاهر ، لكن حمل تلك الأخبار على
أنّ المراد بعد التعريف سنة بعيد جدّا ، لأنّها مع كثرتها في مقام الحاجة إلى بيان
حكمها ، ولم يشيروا عليهمالسلام إلى حكاية ذلك التعريف أصلا ، ففيها ظهور تامّ في عدم
التوقّف على التعريف المذكور ، بخلاف المعارض.
فإنّ ما ورد في
حكم اللقطة ، فشموله للضالّة بعنوان الظهور محلّ تأمّل ، سيّما
__________________
أن يكون الظهور تامّا.
وأمّا ما دلّ
على حكم الدابّة ، فشموله لمثل الشاة ، وصغار الإبل ، والبقر أيضا محلّ نظر ، بل
الظاهر من الأخبار أنّ الدابّة حكمها حكم الإبل ، كما مرّ في رواية السكوني ، ورواية مسمع
وغيرهما ، فلاحظ! مع أنّها ليست مثل الشاة وأمثالها قطعا ، فكيف يصير
حكمهما واحدا؟!
قوله
: سوى القياس المستنبط من قوله عليهالسلام : « هي لك » ، فمجرّد
ذلك الحكم لا يخلو عن جرأة ، إذ العقل والنقل دلّا على عدم جواز التصرّف في مال
الغير إلّا بإذنه .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هي لك .. إلى آخره » في مقام التعليل على جواز
الأخذ له أو لأخيه ، كما أشرنا سابقا ، وهو ظاهر على من تأمّل أدنى تأمّل ، فليس
القياس المستنبط ، بل المنصوص العلّة.
والمراد من
النصّ : الظاهر من اللفظ ، وهو حجّة في الألفاظ ، كما حقّق في محلّه ، وحجيّة
المنصوص أيضا من الفهم العرفي ، وما يفهم عرفا حجّة ، كما حقّق في محلّه ، فتأمّل!
قوله
: ولو وجد شاة في العمران حبسها ثلاثة أيّام ثمّ تصدّق بها عن صاحبها ـ إن لم يأت ـ
أو باعها ويتصدّق بثمنها .. إلى آخره
.
مع التعريف ،
كما هو مقتضى الرواية ، والقاعدة.
__________________
قوله
: لكن الحكم مشهور .. إلى آخره
.
فالشهرة جابرة.
قوله
: إذ قد يطعمه ما لا قيمة له ، مثل أن يرعاه في الصحراء من غير أجرة ، وكذا كون
الحاكم مطلقا وكيلا .
هذا التعليل
لعلّه للتقوية ، وإلّا فالمغصوب لا يرجع بما أنفق عليه الغاصب على صاحبه إجماعا ،
وهو الموافق للقاعدة أيضا ، إذ تسلّطه على أخذ العوض من المالك يتوقّف على دليل ،
والأصل عدمه وبراءة ذمّة المالك.
ومجرّد كون
النفقة واجبة على المالك [ لا يقتضي ] أن يكون كلّ من أنفق عليه ـ وإن كان بقصد
الرجوع ـ يكون له الرجوع ، وهو ظاهر ، بل من أنفق عليه أسقط الإنفاق عن ذمّة
المالك ، والإسقاط لا يقتضي العوض ، إلّا أن يكون بإذن المالك أو الشرع على نحو
يكون له الرجوع ، وليس أحدهما في المقام.
قوله
: [ حكم غير الممتنع مطلقا ] حكم الشاة ، لما مرّ .. إلى آخره
.
ومرّت الإشارة
إلى دليله ، وأنّه الظاهر منه .
قوله
: رواية أبي بصير ، عن علي بن حمزة
، عن العبد الصالح
موسى بن جعفر عليهالسلام : « قال : سألته عن
رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال : بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه ،
فقلت : قد ابتلي بذلك ، قال : يعرّفه .. » .. إلى
__________________
آخره
.
ظاهر هذا
الحرمة ، وقوله : « ما كان ينبغي » ، لا ينافيه ، لأنّه يستعمل في القدر المشترك ،
لأنّ معناه القدر المشترك ، والقدر المشترك لا ينافي الحرمة.
ويعضده أيضا ،
فهم الراوي ، حيث قال : « قد ابتلي بذلك » ، فإنّه أيضا ظاهر في الحرمة.
ويعضده أيضا ،
تقرير المعصوم عليهالسلام للراوي في فهمه ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وعلي بن أبي حمزة ، كأنّه الواقفي الضعيف جدّا .. إلى آخره
.
إلّا أنّ الشيخ
في « العدّة » ادّعى إجماع الشيعة على العمل برواياته .
قوله
: على أنّ هذه غير صحيحة كما ترى ، ولا صريحة في التملّك ، بل
وعدم التعريف فقط .. إلى آخره
.
إلّا أنّها
منجبرة بعمل الأصحاب ، بل إجماعهم ، على ما سيجيء.
وعلى تقدير
تسليم عدم الإجماع ، فالمنجبرة بالشهرة هي أقوى من كثير من الصحاح ، كما حقّق في
محلّه ، ومسلّم عند المجتهدين ، وحجّة واقعا ، والكلّ حقّق في محلّه.
وأمّا الدلالة
، وإن كانت غير صريحة ، إلّا أنّها ظاهرة ، ولذا فهم الأصحاب ، والظاهر حجّة كما
حقّق ، ومسلّم أيضا.
__________________
نعم ، يمكن منع
الشمول ، بملاحظة ما ورد في لقطة الحرم ، وكلام الأصحاب ، وأنّها لعلّها من الأفراد الغير
المتعارفة الّتي لا ينساق الذهن إليها عند الإطلاق ، فتأمّل!
قوله
المعصوم : « فلا والله »
، ماله
صاحب غيري ، واستخلفه أن يدفع إلى من يأمره ، قال : فحلف ، قال : اذهب
فاقسمه في إخوانك .. »
.. إلى آخره .
هذا دليل واضح
على أنّ المال الّذي أصابه كان من مال الإمام ، لعلّه أصابه في مقام الحكومة من
طرف الجائر ، كما يظهر من غير واحد من الأخبار .
قوله
: فلا شكّ أنّ عدم الأخذ أولى ، ثمّ التعريف ، فتأمّل. ثمّ ذكر فروعا : الأوّل :
لو تملّك ما دون الدرهم ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب وجوب دفعه إليه ، لأصالة بقاء ملك
صاحبه عليه .. إلى آخره .
على تقدير
تسليم عدم ثبوت الإجماع ، فلا شكّ في كونه إجماعا منقولا ، ولا تأمّل في كونه حجّة
، لأنّ كلّما دلّ على حجيّة الخبر دلّ على حجيّة الإجماع المنقول من دون تفاوت
أصلا ، وما قيل من أنّه خبر مرسل فلا يكون حجّة فاسد ، لأنّ
الناقل لنا يدّعي الإجماع ، لا أنّه يروي لنا معنعنا وعن غيره ، بلا شكّ
__________________
ولا شبهة ، فهو المطّلع على الإجماع ، والاطّلاع ممكن لكلّ من له فهم وفطنة
، ولذا ادّعى الشارح وغيره ـ من منكري الاطّلاع ـ الإجماع في أمثال هذه الأزمان ،
ادّعوا كثيرا ، فما ظنّك بمن هو أقرب منّا إلى المعصوم عليهالسلام ، بل وأعرف وأحوط بأقوال العلماء؟! بل مدار المدّعين
الآن على أقوال المتقدّمين عليهم.
هذا ، مع أنّ
وسائط نقل الإجماع لا يكون سوى الفقهاء ، لأنّه منصبهم ، وأمّا الرواية المرسلة
فقد أشرنا إلى كونها حجّة.
قوله
: ورواية الفضيل بن يسار في زيادات الحج قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام : عن لقطة الحرم ، فقال
: لا تمسّ أبدا حتّى يجيء صاحبها فليأخذها ، قلت : فإن كان مالا كثيرا؟ قال : فإن
لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها » .. إلى آخره
.
لعلّه لهذه
الرواية حكم العلّامة في « القواعد » باشتراط العدالة في ملتقط لقطة الحرم مع
تحريمه التقاطها ، ولعلّ الالتقاط الّذي وقع سهوا أو جهلا ، حتّى لا
ينافي العدالة.
والظاهر من هذه
أنّه إذا كان مالا كثيرا فليس بحرام ، إذا كان الملتقط عدلا ، فتأمّل!
قوله
: وإبراهيم أيضا مختلف فيه ، قيل : ثقة ، وقيل : ضعيف جدّا ملعون .. إلى آخره .
فيه ،
__________________
أنّ تضعيف ابن الغضائري لا يقاوم توثيق النجاشي ، لأنّه غير
معروف العدالة ، ومع ذلك قد أكثر من تضعيف الأجلّة ، ومع ذلك النجاشي أضبط بلا
تأمّل.
مع أنّ في
المقام مرجّحات كثيرة لقول النجاشي ، أشرنا إليها في تعليقتنا على الميرزا .
قوله
: وبالجملة ، لم يقدّر الشرع في ذلك سوى المدّة الّتي قلنا أنّه لا يجب شغلها به ،
فالمرجع حينئذ إلى العادة .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الغرض من التعريف ، بل المراد منه إعلام صاحبه وإخباره حتّى يجيء ويأخذ ، وهذا
يتفاوت بحسب تفاوت المقامات ، فبعض المقامات يكون المناسب التعريف بالليل ـ وإن
كان نادرا ـ وكذا الحال في باقي ما ذكر ، إذ بعض المقامات يخرج الجماعة الّذين
كانوا في موضع الالتقاط من يوم الالتقاط من ذلك الموضع ثمّ يعودون بعد ذلك ، وقس
على هذا.
نعم ، ما ذكر
على حسب الغالب ، فالعبرة بإيصال المال إلى صاحبه كيف كان ، والسعي في ذلك ، ولهذا
ما عرّف الشارع التعريف وكيفيّته ، بل وكله إلى فهمهم وعقلهم وسعيهم ، فتأمّل!
قوله
: الأحوط الإيغال في الإبهام .. إلى آخره
.
فيه أيضا ما
ذكرناه في الحاشية السابقة ، فلاحظ!
__________________
قوله
: قد بيّنا أنّه يجب المبادرة إلى التعريف ، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع الإمكان
إثم ـ إلى قوله ـ : ولا يسقط التعريف بتأخيره عن الحول ، لأنّه واجب ، ولا يسقط
بتأخيره
عن وقته
كالعبادات .. إلى آخره .
قد عرفت أنّ
الغرض من التعريف إيصال الحقّ إلى أهله ، ومعلوم أنّه واجب ، فلا بدّ من مراعاة
ذلك مهما أمكن ، إلّا أن يكون الشرع أسقط عنّا ، أو يكون حرج لم يوجبه الشرع علينا
، كالتعريف في الحول ، فإنّه وإن كان حرجا إلّا أنّه لا بدّ من ارتكابه ، فتأمّل!
قوله
: فالظاهر جواز الإعطاء مع القرائن ، وهو ظاهر من كثير من الروايات فيما سبق
، فلا يحتاج إلى
الشهود والثبوت عند الحاكم ـ كما أشرنا إليه مرارا ـ ومع الثبوت يجب
، فمع التأخير ضامن
كسائر الأمانات ، إلّا مع العذر .. إلى آخره
.
إذا أفادت
العلم ، فلا كلام ولا تأمّل لأحد ظاهرا. وأمّا إذا أفادت الظنّ ، فالظاهر من
الروايات جواز الإعطاء ، بل ربّما يظهر منها الوجوب ، حيث قالوا : فإن طالب فأعطها
، والظاهر أنّه بمجرّد الطلب لا يجوز ، وأنّه إجماعيّ ، فإذا تعذّر
الحقيقة فأقرب المجازات حجّة ، وهو ما إذا حصل المظنّة.
مع أنّ الظاهر
أنّ المسلمين في الأعصار والأمصار كانوا يعطون بالأمارات
__________________
ومعرفة العلامات من غير اقتصار على البيّنة ، والمعصومون عليهمالسلام كانوا مطّلعين وما كانوا يمنعون ، بل كانوا يقرّون.
ويظهر ذلك من
بعض الأخبار ، مثل الرجل وجد دنانير كثيرة في منى والصادق عليهالسلام أمره بالتعريف ، فأوّل صوت صوّت قال رجل : أنا صاحبه ،
فعرّفه بالعلامة وأعطاها بها ، وحكى ذلك للصادق عليهالسلام فقرّره عليه ، وغير ذلك ، منها : صحيحة البزنطي الّتي ستجيء ، مع أنّه لو
اقتصر على البيّنة لا تكاد تصل لقطة إلى صاحبها.
على أنّ أهل
العرف إذا سمعوا العلامات الخاصّة يقولون : إنّه ماله ، وإنّه عرفنا صاحبه ويعطون
، ويقولون : أعطيناه صاحبه ، فتأمّل.
ولعلّه بما
ذكرنا جوّز المشهور الإعطاء بالمظنّة ، ونقل عن ابن إدريس المنع ، ولعلّه ليس
بشيء.
ويؤيّد ما
ذكرنا اتّفاقهم ـ بحسب الظاهر ـ على عدم إظهار العلامات عند التعريف ، بل الإيهام
، بل الإيغال في الإيهام ، فلو كان لا يعطي إلّا بالبيّنة لم يكن ضررا أصلا في
الإظهار بتمامه ، بل إراءتهم ومشاهدتهم.
لكن حكم بعضهم
بالضمان إذا ظهر صاحبه وأعطاه الملتقط غيره بالوصف ، ولا يخلو عن
الإشكال ، لأنّه إذا كان برخصة من الشرع فلم يضمن ،
__________________
وإلّا فكيف يعطي ، وسيجيء من الشارح سكوته الظاهر في رضاه بما حكموا من
جواز الإعطاء مع الضمان ، فلاحظ وتأمّل!
قوله
: كما لو حصل الظنّ بالوصف ، وهذا أيضا صريح في ذلك ، فتأمّل .. إلى
آخره .
ممّا ذكرنا في
الحاشية السابقة ربّما يظهر الفرق بين وصف العلامات والظنّ الحاصل من العدل
الواحد.
قوله
: على أنّ أبي خديجة هو سالم بن مكرم ، وهو ضعيف. والظاهر أنّه لا خلاف في وجوب
الردّ ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يجب ردّ العين مع بقائها فيكون ملكا متزلزلا أم
لا ، بل يجوز ردّ العوض فيكون ملكا مستقرّا .. إلى آخره
.
الظاهر أنّه
ثقة ، كما نصّ عليه النجاشي مؤكّدا بتأكيدين ، والضعيف هو سالم بن أبي سلمة ، وتضعيف الشيخ ابن
المكرم لعلّه توهّم منه واشتباه بابن أبي سلمة كما يظهر من كلامه ، أو لغير ذلك
، كما حقّق في محلّه .
فالحديث ليس بضعيف ،
وما تضمّنه من منع التقاط العبد من جهة عدم تمكّنه من التعريف ، لأنّه ملك مولاه
موافق للقاعدة وإن قلنا بأنّ العبد يملك ، لأنّ المانع هو ما ظهر من الحديث من
أنّه لا يملك التعريف ، واللقطة لا يجوز بغير
__________________
التعريف.
وهذا يشعر بأنّ
العبد لا يكون له مانع من الالتقاط سوى ما ذكر ، لا أنّ العبد لا يملك
، فإنّه غير ظاهر منه أصلا ، لو لم نقل بظهور خلافه ، لأنّ المعصوم عليهالسلام لم يقل : إنّه لا يملك المال ، ولم يعلّل به ، بل قال :
« لا يملك نفسه » ، ولا شكّ في أنّه كذلك ، ثمّ علّل نهيه عن التعرّض لها بأنّه
يجب التعريف .. إلى آخره ، وهو أيضا مسلّم ، ووفاقي أنّه لا يمكنه التعريف بغير
رخصة مولاه.
فيدلّ الحديث
على أنّ المانع منحصر فيما ذكر ، وأنّ المولى لو كان راضيا بالتعريف لم يكن مانع
عن نفس الالتقاط ، وأنّ التقاطه حينئذ يصحّ ويعرّف ، والفقهاء أيضا أفتوا بذلك .
فإن عرّف بإذن
المولى ثمّ نوى التملّك ، فعلى القول بأنّه يملك يصير ملكه ، إلّا أن ينوي تملّك
المولى ، وعلى القول بأنّه لا يملك يملكه المولى ، كما قالوا ، وإن عرّف بغير إذن
المولى أو بإذنه بشرط أن ينوي تملّك المولى ، ثمّ نوى التملّك لنفسه ، فالظاهر
أنّه يصير ملكا له ، لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، إلّا بأن يقال
بأنّه كسب العبد ، وكلّ كسبه للمولى ، لأنّه نماء ملكه ، وإن كان الاكتساب بمجرّد
النيّة لا العمل ، والنيّة يكون لغير المولى ، والله يعلم.
قوله
: وهذه
تدلّ على
عدم التعريف مطلقا ، ويمكن أن يعرّفه قبل ، وعلى جواز استعمال اللقطة في الجملة ..
إلى آخره .
يمكن حمل ما
دلّ على عدم التعريف. على صورة اليأس عن الوصول إلى
__________________
المالك من جهة التعريف. وكذا الكلام فيما دلّ على الاكتفاء بتعريف أقلّ
السنة على حصول اليأس بعد القدر الّذي ذكر ، فتأمّل.
قوله
: [ إذا كان يسوى درهما فما فوقها ] تخيّر بين أن يقوّمه فيأخذه لنفسه ، فيكون
الثمن في ذمّته ، أو يبيعه على غيره فيأخذ الثمن .. إلى آخره
.
هذا ، إذا كان
القيمة معلومة مضبوطة ، وإلّا فبحسب ما اشترى في السوق ، وإن لم يكن ضبط في السوق
فيسعى في القيمة ، فأعلى القيم الّتي يشتري يشتري به.
قوله
: وفيه تأمّل ، للأصل ، ولأنّ له ولاية التملّك والصدقة
بعد التعريف ، فالبيع
بالطريق الأولى ، والتعريف ساقط ، للتعذّر
، ولا شكّ أنّه أحوط
.. إلى آخره .
يمكن أن يقال :
الأصل عدم التسلّط على بيع مال محترم إلّا بإذن الشارع أو صاحبه ، ولم يثبت من
الشرع جوازه بدونهما ، وولاية التملّك والتصدّق لا يستلزم ولاية البيع ، وكونها
بطريق أولى محلّ نظر ، لأنّ التملّك والتصدّق إنّما يكونان بالضمان بالقيمة
السوقيّة وبعد التعريف.
لكن ورد فيمن
وجد سفرة فيها لحم وخبز أنّه يقوّمهما ويأكلهما ، والرواية رواها في « الكافي » ،
و « التهذيب » عن الصادق عليهالسلام : « إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزها
وبيضها وجبنها ،
__________________
وفيها سكّين ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يقوّم ما فيها ويؤكل ما يفسد وليس له بقاء
، فإن جاء طالبها أغرم له الثمن » . الحديث.
وسيجيء عن «
الفقيه » فتواه بمضمون ما ذكر ، ومرّ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام .
قوله
: [ وليس بواضح دليل شدّة الكراهة ] ، إذ يشكل إثبات حكم شرعيّ بمثل ما تقدّم. نعم
، لا شكّ أنّه الأحوط لهما .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّهم
يسامحون في أدلّة نفس الكراهة ، فضلا عن شدّتها مع ظهور وجهها.
قوله
: [ عدم الحكم بنجاسة ] ما يوجد مطروحا من الجلود مطلقا ، فتأمّل ، فكأنّه
محمول على وجود
القرائن .. إلى آخره .
في المطلق
تأمّل ، بل ما يوجد في طريق المسلمين وبلادهم ، كما ذكرنا في اللحم أيضا ، فتأمّل!
قوله
: في « التذكرة » بأنّه إن كان ما وجد في هذه المواضع عليه أثر الإسلام فهو لقطة ،
وإلّا فهو لواجده ، ويريدون بأثر الإسلام [ اسم ] النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو أحد
__________________
حكّام
الإسلام ، وقيل : يجب عليه الخمس والباقي للواجد ، لأنّه كنز ، وقيل
: دليل التفصيل .. إلى آخره .
لعلّ مراده من
أثر الإسلام الأثر الّذي يظهر منه كون صاحبه مسلما ـ كما يظهر من كلامه ـ فربّما
كان ذلك سكّة الإسلام بالقياس إلى بعض البلاد وبعض الأوقات.
وبالجملة ، أيّ
أثر يكون دليلا على كون المالك مسلما فهو المعتبر ـ كما يظهر من كلامه ـ فلا يناسب
بعض المناقشات بأنّ أمر كذا لا يدلّ على كون الصاحب مسلما ، إذ عرفت أنّه إذا كان
كذلك فليس بمعتبر عنده ، وليس داخلا في كلامه وتحت مرامه.
وكذا المناقشة
بأنّه يجوز أن يعمله كافر ليعامل به المسلم ، لأنّه خلاف الظاهر وبعيد غاية البعد
، مع أنّه على تقدير كونه محتملا بحيث لا يظهر كون المالك مسلما لا يكون داخلا
أيضا في كلامه ومرامه.
وكذا المناقشة
بأنّه لعلّه ملك ذمّي أو معاهد ، لأنّ مجرّد الاحتمال لا يضرّ ، ولا يتوقّف على
ثبوت كونه مال الحربي ، إذ على هذا لا يكون الشرط ظهور كون المالك مسلما كما
اعتبره ، بل ظهور كون المالك حربيّا ، ولم يعتبره أحد ، بل لا شكّ في فساده ، إذ
على هذا لا يكون المدفونيّة ، ولا الخرابة ، ولا جلاء الأهل وغير ذلك لها مدخليّة
، ولا الاستدلال بالروايتين .
ولا يناسبه
التعرّض في خصوص المقام ، بل لا شكّ أنّ الروايتين مطلقتان ،
__________________
جميع ما هو من المحتملات داخل فيها ، أعمّ من احتمال كونه مال المسلم أو
كونه مال الحربي أو المعاهد أو غير ذلك ، فإنّ الشارع مع جميع الاحتمالات حلّله ،
بل بسبب الاحتمال حلّل ، وبمجرّده حلّل ، والأصحاب عملوا بالروايتين وأفتوا بهما ، غاية الأمر
أنّه أشكل على بعض الفقهاء صورة واحدة ، وهو ما إذا ظهر كون المال لمسلم بسبب
علامة مختصّة به ، فإنّه ـ حينئذ ـ ربّما لا يكون داخلا في إطلاق الروايتين ، لعدم
ظهور شمول لها لما يظهر من العلامات المختصّة كونه مال المسلم عنده ، أو أنّه يظهر
العموم عنده إلّا أنّه معارض لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يحلّ مال امرئ مسلم » . الحديث ،
وأمثاله.
والتعارض من
باب تعارض العموم من وجه ، فلا يثبت الحلّية ، والأصل بقاء الحرمة.
وأمّا علامة
كون المال لأهل الذمّة أو المعاهد بحيث يكون له حرمة إلى حين الوجدان في الخربة
ويظهر ذلك منها ، فلعلّها ممّا لا يكاد يتحقّق ، وعلى فرض التحقّق يتوقّف على عموم
يعارض الروايتين ، بحيث يغلب عليهما ، ويخصّصهما ، ولعلّه لا يوجد عنده.
لكن لا يخفى
أنّ فرض وجود أثر يظهر منه كون المال لمسلم أيضا بعيد ، سيّما بأن يكون الصاحب
ممّن يجوز أن يعرف بالتعريف ، وأنّ التعريف ينفع بالنسبة إليه ، وقد عرفت أنّ
مدلول الروايتين وفتاوي العاملين بهما في الموضع الّذي ليس كذلك ، وكذا كون صاحبه
معلوم الوجود بحيث يتصدّق عنه ، فلهذا أطلق في الروايتين بأنّ المال للواجد ، وكذا
الفتاوي ، فتأمّل.
__________________
وممّا ذكر ظهر
أيضا أنّه إذا وجد مثل الثوب يكون لقطة ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وقيل : دليل التفصيل الجمع بينهما وبين رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام : « قال : قضى علي عليهالسلام في رجل وجد ورقا في
خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلّا تمتّع بها » ، وهذه أيضا تدلّ على جواز التسليم .. إلى آخره
.
يمكن الجمع
بينهما بحمل ما دلّ على التعريف على إمكان الوصول إلى صاحبه ورجاء ذلك ، وما دلّ
على العدم على عدم ذلك ، ولعلّ الظاهر من الفقهاء أيضا ذلك ـ أعني من سوى الشهيد
الثاني رحمهالله ـ فتأمّل.
على أنّ ما لا
يحتاج إلى التعريف هو المدفون ، كما أفتى به الأصحاب ، وما يحتاج
إليه ما ليس بمدفون. وكون الورق مدفونا ، وإن لم يذكر في الروايتين ، إلّا أنّ
الأصحاب فهموا كذلك ، ولعلّه الظاهر أيضا ، ولأنّه الموافق للقاعدة ، إذ لو لم يكن
مدفونا يكون لقطة.
وأمّا رواية
محمّد بن قيس ، فيمكن حملها على كون المراد رزقا واحدا ، لذكره بعنوان المفرد
المنكر ، إذ الظاهر من قوله : وجدت في الدار رجلا ، أنّه رجل واحد ، بخلاف : وجدت
الرجل أو وجدت التمر أو الحنطة ، فإنّ المراد من هذا الجنس. وإذا كان المراد ورقا
واحدا ، فالظاهر أنّه غير المدفون ، لأنّ المتعارف أنّ
__________________
الدرهم لا يكون كنزا ولا مدفونا ، وأيضا عبّر في الأوّلين بلفظ الدار ، ولم
يتعارف التقاط الورق في الدار ، بخلاف الخربة ، فإنّها ربّما تكون ممرّ الناس
ومعبرهم ومحلّ الدخول والخروج ، فإذا اتّفق أنّ رجلا وجد ورقا ـ كما هو مضمون
الرواية الأخيرة ـ فلعلّه اللقطة ، كما أشرنا ، فتأمّل جدّا! وممّا ذكرنا ظهر أنّ المراد
ممّا وجد في المواضع الثلاثة هو مثل الذهب والفضّة ، لا مثل الثوب والقلنسوة
والنعل وأمثالها ، إذ الظاهر أنّها لقطة ، فتأمّل جدّا!
قوله
: إذ قد يحمل الأولتان على ما بعد التعريف ، فإنّ هذه مقيّدة به
بخلافهما ، فيجب التقييد كما تقرّر .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الكنز الموجود في الخربة الّتي جلا أهلها لا ينفع التعريف فيه ظاهرا ، بل لا ينفع
البتّة بالنسبة إلى غالب أفراده ، وحمل الحديث على الفرض النادر فيه ما فيه ، على
أنّ حمل المطلق على المقيّد إذا لم يكن بينهما تفاوت سوى الإطلاق والتقييد ـ وقد
عرفت التفاوت ـ بحيث يمكن الجمع بنحو آخر ، بل لعلّه أقرب.
قوله
: إذ الفرض عدم مالك معروف ، ولهذا قال : « أن يعرّفها » .. إلى آخره .
لعلّ مراده من
المعروف من يمكن أن يعرف ، على ما هو الشأن في اللقطة.
__________________
الغصب
في أسباب الضمان
قوله
: بل يمكن أن يقال : ظاهر ( بغير الحقّ )
أيضا لم يشمل صورة
الخطأ والنسيان مثل المذكور ، فإنّه غير ممنوع شرعا .. إلى آخره
.
لا يخفى ، أنّ
المتبادر من قول : ( بغير الحقّ ) أنّه بحسب الواقع ، لا في ظنّه ، وكونه مأذونا
شرعا في صورة الظنّ محلّ نظر ، بل غايته عدم المؤاخذة إن لم يكن في اعتماده على
ظنّه مقصّرا ، بل العمومات الدالّة على منع العمل بالظنّ تقتضي المنع ،
إلّا أن يثبت عدم المنع.
نعم ، إن ثبت
الإذن شرعا في موضع ، فالأمر كما قال فيه خاصّة ، فتأمّل!
قوله
: فإنّه معلوم عدم استلزام الحفر للبئر
الإلقاء .. إلى آخره
.
لعلّ المراد من
الملزوميّة أنّ هذا الإتلاف الخاصّ مختصّ به ، لا يوجد بغيره ، فتأمّل!
قوله
: وكذا إلقاء الصبي أو المجنون العاجز من الفرار في مسبعة ، ويمكن أن
__________________
يكون
الكبير القادر أيضا كذلك .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ في
التقييد بالعاجز إشكالا ، لأنّ المجنون ليس له عقل يفرّ من جهته ، فربّما يبني على
عدم الفرار من تلك الجهة ، وكذا الحال في الصبي الّذي مثله ، فـ « لا ضرر ولا ضرار
» يشمله ، وعرفا يقال : إنّه أتلفهما.
قوله
: وكذا فكّ قيد العبد المجنون ، وكذا فتح قفص الطائر ، وإن لم يطر في الحال ، بل
بعده .. إلى آخره .
التقييد
بالمجنون أيضا مشكل ، لأنّ العاقل إذا انهزم وضاع ، أو لم يضع ـ إذ ربّما يكون
الضياع من غفلته أو دهشته وأمثالهما ، وأمّا عدم الضياع بأن أبق ولم يوجد ، أو
تضرّر في إباقه وتحصيله ، فتأمّل ـ فإنّ الإضرار شامل للكلّ ، فتأمّل!
قوله
: [ فالضمان محلّ التأمّل ] بل خلاف قريب .. إلى آخره
.
قد مرّ الكلام
في ذلك في محلّه.
قوله
: [ ما يضمن بفاسده وبالعكس ] ، وذلك غير واضح .. إلى آخره
.
قد مرّ وضوحه
في الجملة في مبحثه.
قوله
: إلّا أنّ المباشر أقوى ، وقد تقرّر ـ كما سيجيء ـ تقديم المباشر حينئذ في
الضمان ، والفرق بينه وبين دلالة السرّاق به بفعله غير ظاهر ، لما مرّ .
لا أعرف الوجه
أصلا ، لأنّ الإضرار واقع عرفا ولغة وعقلا ، وهو موجب
__________________
للضمان ، لعموم الخبر .
وكون المباشر
أقوى لا أفهم معناه ، وأنّ القوّة في ما ذا ، حتّى يظهر التفضيل! وأنّ مجرّد
المفضوليّة كيف صار سببا لعدم الضمان مطلقا! مع أنّهم في الأيدي يحكمون بضمان
الكلّ وإن كان أقوى ، بل يكون مغرورا من أخّر أو ناسيا أو جاهلا ، بل ربّما يكون
ترتّب يده عليه واجبا عنده بحسب الشرع! ومع ذلك لا تأمّل في ضمان الكلّ ، غاية ما
في الباب أنّ المغرور يرجع على الغارّ بما اغترم ، وأنّ قرار الضمان على من تلف في
يده ولم يكن مغرورا ، فتأمّل!
قوله
: وقد استشكل في « التذكرة » ضمانه إن كان عبدا كبيرا آبقا
، ومنه يظهر أنّ
الضمان في المنع عن القعود على الفراش والبساط .. إلى آخره
.
لا تأمّل بحسب
الدليل الشرعي ، والقاعدة الثابتة في الضمان في جميع ما ذكر ، ولا نفهم أصلا
مدخليّة لما ذكر من أنّه يمكنه حفظ نفسه وعدم الإباق في عدم الضمان مع صدق الإضرار
اللغوي والعرفي والعقلي بلا تأمّل ، وكذا الإتلاف عرفا ، فتأمّل جدّا!
قوله
: فيكون الضمان الموجب مسندا إلى المباشر ، وهو ظاهر ، كأنّه مجمع عليه ، إلّا أن
يعلم كون المباشر ضعيفا والسبب قويّا ، مثل أن يكون المباشر مكرها ، وحينئذ كأنّ
المباشر ليس بمباشر ، إذ لا قدرة له على عدم المباشرة فصار السبب فقط .. إلى آخره
.
إن أراد مجرّد
الإسناد ، فهو ظاهر ، إلّا أنّ انحصار الضمان ليس مقتضى ذلك ،
__________________
وإن أراد انحصار الإسناد إليه حقيقة ، فهو كذلك ، وإن كان المباشر ضعيفا
والسبب قويّا.
ومع ذلك ،
انحصار الضمان فيمن هو المباشر حقيقة من أين ، مع صدق الإضرار من غيره أيضا؟ سيّما
وأن يصدق المباشر على مثل العبد الآبق الكبير دون الصغير القادر على الإباق ،
وخصوصا أن لا يكون على مزيل القيد ضمان أصلا ، خصوصا أنّه يعلم أنّ هذا القيد
إنّما هو من خوف إباقه ، وسيّما مع علمه بأنّه بمجرّد الفكّ يأبق وينهزم ، وخصوصا
مع علمه بأنّه لا يكاد يتمكّن المولى من أخذه ـ بأن لحق بدار الشرك أو غير ذلك ـ
أو أنّه يتمكّن بعد خسارة وتعب ، فتأمّل جدّا!
قوله
: [ إذ الغصب يتحقّق بالقبض ] ، وليس هو منحصرا في النقل ، وإلّا لم يجز بيع
العقار وهبته ونحوهما ، الّذي يحتاج إلى القبض .. إلى آخره
.
بل لا نسلّم
أنّ الغصب في المنقول منحصر في النقل ، بل لا نسلّم توقّفه على القبض وتحقّقه به ،
إذ بمجرّد إثبات اليد على وجه يمنع المالك غصب ، إذ [ أنّه ] أخذ لغة وعرفا ،
فيشمله « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » وعموم لفظ الغصب ، إذ صادق لغة وعرفا أنّه غصبه ، بل
ربّما كان بأقلّ من ذلك يصدق الغصب ، وكونه في يده وتحت تسلّطه والظلم والاعتداء
عرفا ، فتأمّل!
قوله
: [ بخلاف ] أن يمكّنه من النصف ، ولا يزاحمه ، ولا يسلّط عليه ممتازا ، إذ لا
دليل بقول
: في كلّ
ما يتحقّق غصبيّته يكون ضامنا له .. إلى آخره
.
إن كان التمكّن
من التصرّف بعنوان المشاع ، فلا شكّ في صدق كون المجموع
__________________
في يد الغاصب ، لأنّه تحت تسلّطه ويده ، إذ يده على كلّ جزء جزء وذرّة ذرّة
ثابتة مستحكمة ، غاية الأمر أنّ يد المالك أيضا كذلك ، فعموم « على اليد » وغيره
ممّا أشرنا يشمله ، سيّما بملاحظة ما يظهر من أنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال.
قوله
: لا يضمن إلّا ذلك إذا قصد جزءا من بيت وتصرّف فيه فقط مستوليا على
ذلك الحدّ والمتصرّف منه لا غير .. إلى آخره
.
فيه أيضا إشكال
، لأنّ الغاصب مشى على أجزاء الأرض ، وتصرّف فيما مشى بمشيه ، فيصدق أنّه تصرّف
بغير إذن المالك ، و « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » ، فإذا كان
بغير إذن المالك ولا إذن الشرع يكون غصبا ، وتحت التسلّط وتحت استيلائه ، فيكون غصبا ، فتأمّل.
بل سيذكر أنّ
مجرّد التصرّف بغير إذن المالك والشرع يكفي في الضمان وكونه غصبا ، وهو الظاهر في
مباحث الكتاب.
قوله
: وأيضا تحقّق غصب الخيمة بالدخول فيها غير ظاهر ، إذ [ هو ] ما باشره ، فلا يصدق
أخذ مال الغير ولا إثبات اليد .. إلى آخره
.
لا شكّ في صدق
الغصب عرفا إذا كان بغير إذن المالك وقصد الاستيلاء عليه ، ولا حاجة في ذلك إلى
أخذ وإثبات يد ، ولا تأمّل في أنّ صلاته فاسدة ، لأنّها تصرّف في الخيمة ،
والتصرّف بغير إذن المالك حرام بلا شكّ ، والتصرّف في
__________________
كلّ شيء على حسب ما هو المقصود منه والمصنوع لأجله ، بل الظاهر أنّه أعمّ
من ذلك بحيث يصدق عرفا أنّه متصرّف فيه ، بل كلّ ما فعل به أو فيه بغير إذن المالك
حرام ، والحرمة منشأ لبطلان الصلاة.
قوله
: إذ المالك أيضا متصرّف ، ولهذا يحكم له باليد ، وقد مرّ مثله في الداخل على ساكن
الدار الّذي يضمحلّ بضعفه من غير إزعاجه ، فتأمّل
.
قد مرّ أنّ
تصرّف المالك غير مناف لتحقّق الغصب ، والقبض بغير إذن المالك أو التصرّف بغير
إذنه ، ومرّ من الشارح أنّ هذا القدر يكفي للضمان ، فتأمّل!
قوله
: والظاهر أنّه غاصب ، للتعريف ، فيحتمل النصف كما في الدار ، فتأمّل .. إلى آخره
.
بل الظاهر
احتمال الكلّ إن كان مشاعا ، والقدر الّذي مشى عليه أو تصرّف فيه بأيّ نحو كان ،
أو تسلّط عليه بأيّ نحو كان ، إن كان مفروضا ، فتأمّل!
قوله
: [ فكأنّه لم يلدغه الحيّة ] هنا ، فهو سبب كالحافر ، وليس هنا مباشر أقوى ، وليس
هو قادرا على دفع المهلكات عن نفسه ، وعروض أمثال هذه الأمور ، فغير بعيد .. إلى
آخره .
ما ذكره وارد
في الكبير أيضا ، ومجرّد القدرة على الدفع لا ينفع ، إذ ربّما يلدغ غفلة ويقع عليه
الحائط غفلة ، أو لا يمكنه الفرار ، مع أنّ الصغير أيضا ربّما كان قادرا على الدفع
، إلّا أن يقيّده بغير القادر وغير المميّز أصلا.
__________________
قوله
: فإنّ كبره مع عدم قدرته على دفع الحيّة والعقرب ، إذا لم
يره في الحبس لظلمته كالطفل ، بل وكالحيوانات الّتي لا شعور لها .. إلى آخره
.
غير خفيّ أنّ
لدغ الحيّة والعقرب متعارف شائع في الكبار ، بل ربّما كان فيهم أكثر ، والقدرة على
الدفع من الفروض النادرة البعيدة ، والعقرب لدغ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « لعنك الله ، لا تدع البرّ ولا الفاجر » ، وأمّا وقوع
الحائط فأظهر.
نعم ، لو ظهر
أنّه أمكنه الفرار ولم يكن غفلة ولا دهشة فبقي عمدا عالما مختارا حتّى لدغه أو وقع
تحت الحائط ، أمكن الفرق ، لكنّه حينئذ يكون مجنونا ، إلّا أن يكون يريد قتل نفسه
لغرض من الأغراض ، والظاهر أنّه لا يكون إلّا من حمق أو جنون ، فتأمّل!
قوله
: وسبب الضمان منحصر في ذلك ، بخلاف ما لو استعمله ، فإنّه أخذ منه ماله عوض بلا
عوض
، فكأنّه
غصب منه مالا وحقّا أو أتلفه فيضمن.
لعلّ
ليس لهم فيه خلاف ..
إلى آخره .
ليس كذلك ، بل
حديث : « لا ضرر ولا ضرار » وما سيذكره رحمهالله أيضا دليل وسبب ، مع أنّ عمله حقّ وله عوض قطعا ، كما
اعترف به ، ولذلك يستحقّ بالاستخدام العوض ، ويصير في الإجارة عوض الأجرة المسمّاة
، وفي بعض
__________________
الأوقات عوض اجرة المثل ، فكيف يكون ماله عوض شرعا وعقلا وعرفا وعادة يتلفه
ويضيّعه بلا عوض أصلا؟! على أنّهم قالوا في عقد الإجارة ، بمجرّد العقد ينتقل
الأجرة من ملك المستأجر إلى ملك المؤجر ، ومن حين العقد يصير كذلك بعوض انتقال
المنفعة من المؤجر إلى المستأجر ، وأنّ العوضين لا ينتقل كلّ واحد منهما إلى الآخر
إلّا وينتقل الأخر منهما إلى صاحب الأوّل ، كما هو الحال في البيع والصلح.
ولذلك كلّ من
المتعاقدين يتسلّط على أخذ ما وقع العقد عليه قهرا ، وأيضا يصير عوض البضع في
النكاح وعوض كلّ شيء وكلّ ملك وكلّ حقّ ، وحاله حال الملك والمال في جميع الأحوال
، ولا فرق بين المال والحقّ بحسب العرف والعقل والشرع أيضا ، كما أشرنا ، فتأمّل
جدّا! وبالجملة ، إن ثبت إجماع فهو ، وإلّا فالأمر كما ذكر.
قوله
: وجزاء السيّئة سيّئة ، والقصاص ، ونحو ذلك ، فتأمّل .
الأظهر التمسّك
بـ « لا ضرر ولا ضرار » أيضا ، ونحو ذلك ممّا ذكرنا.
قوله
: وأنّ منافع الحرّ لا تضمن ، إذ غير واضح [ الثبوت عمومه ] .. إلى آخره
.
قد عرفت عدم
وضوح الثبوت أصلا ، فضلا ، عن العموم.
قوله
: والغاصب ظالم وعاص وآثم بالاتّفاق ، بل قالوا : الغصب كبيرة ، فتأمّل .. إلى
آخره .
وجهه ، أنّ
الغصب عرّف بمعان متعدّدة ، وأنّه لا مشاحّة في الاصطلاح ،
__________________
وأنّ العبرة بالدليل ، وكلّ ذلك مرّ منه رحمهالله ، فلا مانع من أن لا يكون آثما ويكون ضامنا ويسمّى
غاصبا ، إلّا أنّ تأمّله في الدليل ، والدليل هو حديث « على اليد » المنجبر بعمل
الأصحاب ، والدلالة واضحة ، مع أنّها ظاهرة ، والظهور يكفي ، ويؤيّد الظهور فهم
الأصحاب.
قوله
: ( وأمّا أتلف ، فقرار الضمان على المتلف )
، هذا أيضا على عمومه
ليس بجيّد .. إلى آخره .
لا يخفى أنّه
لا يريد عمومه ، وكلماته في غير هذا المقام صريحة في عدم الإرادة ، فلاحظ وتأمّل!
قوله
: وقد عرفت أيضا عدم ظهور صحّته ، وتواتره ، وصراحته أيضا ، وعلى [ فرض ] صدق أنّه
غاصب .. إلى آخره .
لا يجب أن يكون
متواترا ولا صحيحا أيضا ، بل الانجبار بالشهرة كاف ، لأنّ الراوي وإن كان فاسقا
يكفي التبيّن ، وفي التبيين يكفي الظنّ والظهور ، كما يكتفون في
العدالة بالمظنّة ، في ثبوتها ونفس ماهيّتها ، وفي ترجيح التعديل ، وفي تعيين
المشتركات ، وأنّ الأصل عدم سقط في الرواية ، وعدم تحريف وتغيير وتبديل ، وغير ذلك
، فتأمّل جدّا!
__________________
قوله
: [ فإنّه مغرور ] ، فيجب الرجوع على الغاصب فقط ، فتأمّل
.
لا يخفى أنّ
قرار الضمان على الغاصب إذا كان مغرورا ـ على ما هو المشهور ـ ولا معنى لعدم
الرجوع على من استوفى المنفعة ، فإنّ المنفعة ملك من أملاك المالك استوفاها الساكن
، فالمالك يرى أنّ ملكه استوفاه وانتفع به ويمنع منه وأتلفه الساكن ، فكيف لا
يتأتّى له مطالبته بملكه وعوضه؟! بل ربّما كان الغاصب مات ، أو غاب ، أو لم يتمكّن
من أخذ شيء منه ، أو يصعب عليه الأخذ ، أو يكون الأخذ من الساكن أرفق له وأسهل
وأحسن ، إذ ربّما كان مال الغاصب شبهة وأمثالها ، فتأمّل جدّا!
في أحكام الغصب
قوله
: فإنّه ما أتلف شيئا ، ولا تلف في يده عين الأجزاء ، ولا كلّ
، ولا
منفعة تفوته ، ولا ضمان إلّا بثبوت شيء
. وإن كان العيب يتجدّد
يوما فيوما ـ مثل نتن الحنطة ـ يتجدّد
ضمانه أيضا كذلك ، ففي
اليوم الأوّل إن كان أرشه درهما لعيبه ، ثمّ زاد العيب بحيث صار الأرش نصف درهم
آخر ، وهكذا إلى أن تلف ، فيضمن التالف بقيمته
.
لا يخفى أنّ
سبب الضمان ليس منحصرا في الإتلاف ، فإنّهم ربّما يحكمون
__________________
بالضمان بسبب الإضرار ، استنادا إلى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » ، وقدماء
فقهائنا والمحدّثين لا يذكرون في باب الضمان بمثل الغصب والإتلاف سوى هذا الحديث ،
وحديث : « ليس لعرق ظالم حقّ » ، ولم يذكروا حديث : « على اليد » ، فضلا عن تعريفاته.
والمتأخّرون في
كثير من المواضع يستندون إلى حديث « لا ضرر ولا ضرار » ، ومع ذلك لا أراهم يراعون
هذا الحديث في كتاب الغصب والإتلاف ، بل يحكمون بأنّ الغاصب يضمن أعلى القيم وإن
كان المتلف غيره ، إذا كان قيميّا أو مثليّا ولم يوجد ، ويقولون : هو مأخوذ بأشقّ
الأحوال ، ولا دليل عليه من الأخبار سوى هذا الحديث ، بل وليس إجماع عليه ، ولا
دليل آخر ، وحديث « على اليد » لا يدلّ عليه ، فإنّ حديث « لا ضرر ولا ضرار » حجّة
، فمقتضاه أنّ كلّ نحو من أنحاء الضرر يجب تداركه ورفعه على من أضرّ.
وربّما كان في
أيّام الغلاء والقحط والحصار يصير صاع من الطعام ألف دينار ، فإذا غصب غاصب ألف
صاع منه من مسلم ، بل ويتيم ، وذلك المسلم واليتيم يشتري بأمواله العظيمة أصوعا
منه لقوته ونجاته من الهلكة ، وربّما يموت من الجوع جمع من عياله ودوابّه ، ومع
ذلك يكون ذلك الغاصب صاحب طعام كثير يبيع طعامه بألف تومان ويتعيّش بالطعام
المغصوب ، ثمّ بعد رفع الموانع وحصول الرخص العظيم الزائد صار الطعام كلّ ألف صاع
بدينار يردّ مثل ما غصبه من المالك بعد ما أخرج وأنفق جميع أمواله الكثيرة غاية
الكثرة في شراء
__________________
الطعام له ولعياله ودوابّه يقوتون ولم يف أمواله فتديّن ديونا عظيمة زائدة
على ما أنفقه من أمواله وتلف دوابّه بعد ذلك ، ولو لم يغصب الغاصب طعامه ، لكان
يتعيّش هو وعياله ودوابّه ولم يمت أحد منها من الجوع ، وكان يزيد ذلك الطعام عن
الأكل ، فكان يبيع الزائد بآلاف تومان ، ويصير ذا أموال عظيمة فوق أمواله السابقة
، والحال أنّه صار ذا ديون عظيمة بعد تلف أمواله ودوابّه ، وأيّ ضرر أعظم من هذا ،
وأيّ فساد أشدّ منه؟! اللهم ، إلّا أن يثبت إجماع ، لكن نراهم لا يتمسّكون
بالإجماع ، بل يتمسّكون بما ذكره الشارح رحمهالله ، وقد عرفت ما فيه ، فلو كان إجماع لكان الحجّة هو ، لا
ما ذكروه ، وكان اللازم ذكر ذلك الإجماع.
نعم ، نقلوا
الاتّفاق على عدم الضمان كما سيشير إليه الشارح رحمهالله ، وكون ذلك إجماعا بالمعنى المصطلح عليه غير ظاهر ،
ولذا لم يتمسّك الناقل ، ولا غيره في مقام إثبات عدم الضمان بحيث يعلم أنّه
مستندهم ، وأشرنا إلى حال القدماء ، فلاحظ كتبهم وكلامهم.
فلذلك يكون ذلك
الإجماع ظنّيا ، لكونه منقولا بخبر الواحد ـ على تقدير كونه إجماعا ـ وهذا القدر
يكون كافيا في تخصيص « لا ضرر ولا ضرار » ، ومصحّحا لما أشرنا من الضرر والفساد
العظيم ، يحتاج إلى التأمّل.
ومع ذلك أقول :
أنا لا أفهم ، وهم أعرف ، والله العالم بأحكامه!
قوله
: [ فإنّ ذراعا منه قد يسوى عثمانيّا ] والآخر شاهيّات
.
بل ربّما لا
يكون له القيمة أصلا ، كما لا يخفى.
__________________
قوله
: وبالجملة ، التفاوت معلوم ، وإن أريد التساوي في الجملة ، وهو في
القيمي أيضا موجود مثل الثوب والأرض ونحوهما
، وإن أريد مقدارا
خاصّا فهو حوالة إلى المجهول .. إلى آخره
.
لعلّ المراد :
التفاوت المتعارف المعتدّ به عند أهل العرف ، أي ما يكون متساوي الأجزاء عرفا يكون
مثليّا ، وغير المتساوي
كذلك غير مثلي
، فتأمّل.
وأيضا ، المثلي
ما تعارف تحقّق المثل له ، بحيث يساويه ويماثله في الطبيعة والمميّز النوعي
والصنفي وهو أقرب إليه من كلّ جنس ، وإن كان مثل الدرهم والدينار ، فتأمّل.
فالغاصب
والمتلف عليهما أن يردّا نفس ما أخذاه أو تلف عندهما ، بإتلافهما أو بغير إتلافهما
، إذا وجد ، وإن لم يوجد فما هو أقرب إليه كأنّه هو ، ففي المثلي مثله ، وأمّا
القيمي فلمّا لم يتحقّق هذا المعنى ولم يمكن اكتفي بما تعارف أخذه عوضا عن شيء ،
فتأمّل! ففي القيمي إذا قيل عليه أن يردّ عوضه الّذي هو أقرب إليه ، يتبادر الدرهم
والدينار والقيمة ، لتعارف كونهما عوضا ، لعدم تيسّر ما هو أقرب ، بخلاف المثلي ،
فالمثلي خرج على قانون الأصل.
أمّا القيمي ،
فلمّا تعذّر أو تعسّر الأقرب عادة اكتفي فيه بما هو العوض عادة ، فإذا قيل : عليك
أن تردّه على صاحبه ، ونعلم عدمه وعدم ما يكون الأقرب الّذي كأنّه هو ، بل ومطلق
الأقرب الّذي يكون مثله قدرا ويوازنه بحيث لا يزيد ولا ينقص اكتفي بالقيمة ، وهو
العوض الموازي المساوي ، ويتبادر ذلك
__________________
إلى الذهن ، للتعارف ، ومنشؤه ما ذكرنا.
وإذا أخذ مثل
القيمي كمّا وكيفا وقيمة يؤخذ بالقيمة ، ويلاحظ القيمة أوّلا وبالذات ، ويؤخذ
بحسابه وبملاحظته ، فتأمّل!
قوله
: فيمكن أراد ذلك مع المساواة في القيمة ، فإذا كان ثوبا مثل ثوب
آخر في اللون والقماش وبقيمته ، يكون ذلك المثل
.
يمكن أن يقال :
مقتضى الدليل أنّ التالف لا بدّ أن يعوّض بمثله ، لأنّه أقرب إليه من غيره ، فمتى
ما أمكن تحقّق هذا يكون مثليّا ، ومتى تعذّر يكون قيميّا.
ومناط الفرق
بين المثلي والقيمي هو الدليل المقتضي للفرق في حكمهما ، على حسب ما عرفت في
الحاشية السابقة ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وكذا الفرس العتيق يكون خاصّ تحت خاصّ ، وقيمته معيّنة
يكون مثلها بمثلها
وهكذا ، وعليه يحمل ما في الكتاب والسنّة والإجماع .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
المماثلة في هذا القسم وإن بلغت غايتها إلّا أنّها بملاحظة القيمة ، ويؤخذ بملاحظة
القيمة وبتوسّطها ونسبتها ، فيكون ـ إذن ـ الأصل هو القيمة والأخذ بالقيمة ، وإن
كان يؤخذ عين المثل.
فلمّا كان
المدار على ذلك عرفا وعادة ، لأنّ المراعاة إنّما هي بحسب الغالب الشائع ، وهو
المعتبر عندهم ، ينصرف إطلاق العوض عندهم إلى ذلك ، ولا يلزم مراعاة الأمثل ،
فالأمثل في أخذ العوض بعد مراعاة القيمة وملاحظتها ، كما هو
__________________
الحال في الأرش ، فتأمّل!
قوله
: ويمكن تكليف الغاصب به مهما أمكن ، خصوصا إن كان المثل موجودا في بعض البلاد [
القريب ] إلى ذلك الموضع [ و ] تكون الأغراض الكثيرة متعلّقة بالعين ، فتأمّل ..
إلى آخره .
مقتضى الأدلّة
إلزام الغاصب بعين مال المغصوب أو مثله إن تلفت في المثلي ، وإن توقّفت عين المال
والمثل على إخراج أموال منه لا تحصى وتعب بدن شديد.
وهذا الّذي
ذكره هنا مخالف لما ذكروه من غرق سفينة الغاصب بسبب خشبة لا تسوى فلسا ، وكذا هدم
بيته وإن كان ما يتلف من الغاصب مال عظيم ، فتأمّل!
قوله
: وأمّا القيمة فللتعذّر والضرر المنفي ، والتكليف بما لا يطاق غير جائز
، وإسقاط الحقّ غير معقول .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
منشأ الحكم بالقيمة عند التعذّر هو ما ذكره ، فلا وجه لما ذكره أوّلا من أنّ مرجع
التعذّر والحوالي هو العرف ، لأنّه لم يرد هذا المعنى في حديث أو آية ، بل الحاكم
هو العقل ، فالعبرة بما حكم به العقل والقدر الّذي حكم ، والعقل لا يحكم إلّا إذا
لم يمكن بحيث يصير تكليفا بما لا يطاق ، فإذا أراد صاحب المال ماله في الحال
فالأمر كما ذكره ، وإن أراد المثل ويصبر إلى أن يذهب الغاصب أو وكيله إلى البلاد ـ
وإن كانت بعيدة ـ ويشتري ويأتي به ، فالواجب عليه ذلك.
__________________
وما ذكر من أنّ
قبل الدفع يكون الواجب عليه هو المثل ، فيه أنّ الوجوب تكليف ، والتكليف بما لا
يطاق منفيّ عقلا ونقلا ، إلّا أن يكون صاحب المال لم يلزم على الغاصب بأن يعطي ،
فإنّ القيمة إنّما هي بعد إلزام صاحب المال.
ولعلّ هذا مراد
الشارح ، لكن على هذا كان اللازم أن يقول : الأمر بيد صاحب المال وبناء التعذّر
على إلزامه ، كما ذكرناه.
قوله
: فبعد نقل الاتّفاق على عدم ضمان القيمة السوقيّة
يبعد الخلاف هنا ،
والقول بأعلى القيم من غير زيادة بوجه لعدم عوض
.. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
نقل الاتّفاق لو صحّ ، فإنّما هو في موضع خاص لا مطلقا ، وإلّا فكون الغاصب مأخوذا
بأشقّ الأحوال عندهم أظهر من أن يخفى ، وأشهر من أن يستر على أحد ، وسيجيء دليله
، وأشار الشارح إلى الظهور والمسلّمية عندهم في مقام تعريف الغصب وغيره .
قوله
: والثالث : قيمة يوم القبض ، فإنّه [ ضامن ] حين قبض ، فإذا تعذّر العين تعيّن
تلك القيمة ، وفيه أيضا منع .. إلى آخره
.
لعلّ دليله
رواية تضمّنت حكم من استأجر بغلا إلى موضع ثمّ تعدّى عن ذلك الموضع ، فالمعصوم عليهالسلام قال : « عليك ضمانه يوم خالفت » ، هذا على ما
هو ببالي ، والله يعلم.
__________________
قوله
: وإن أريد ضمان قيمته حينئذ مع وجود العين والقدرة على دفعه ، فهو ممنوع ، ولا
يقول به أحد ، فالأوّل هو الأظهر
، فتأمّل
.
ربّما كان
الأظهر هو أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم الردّ ، لأنّ الردّ كان واجبا عليه في
كلّ وقت وقت ، ففي وقت ارتفاع القيمة كان الواجب عليه أن يسلّم هذه العين الّتي
كان هكذا قيمتها.
فحينما ظلمه
وحبس حقّه ولم يعطه أضرّه وحال بينه وبين الّذي كان بهذه القيمة العالية ، وكان
حقّه وملكه ، بل ربّما كان في الحصار ويرتفع القيمة إلى آلاف ، ولو كان عنده
فيبيعه وينتفع ويحصل له أموال عظيمة فخسّره ، بل ربّما كان اشترى بأموال عظيمة
لاحتياجه إليه له ولعياله ، بل ربّما يتلف بسبب الحبس عياله وأمواله ـ مثل دوابّه
وغيرها ـ فهذا ضرر عظيم لا يناسب الشريعة القويمة ، العادلة المستقيمة ، الّتي هي
في غاية المتانة والضبط والحكمة ، أن يتضرّر بلا تدارك أصلا ، مع أنّه لا ضرر في
الإسلام.
بل تتبّع
تضاعيف أحكام الشرع يكشف عمّا ذكرنا ، وأنّه لا يناسب الفرقة العدليّة سوى ما ذكر.
هذا ، على
تقدير وجود عين ماله حينما صار في غاية الارتفاع.
وأمّا على
تقدير العدم ، فلا تأمّل في أنّه وقت غاية الارتفاع كان عليه أن يعطي قيمته لو كان
يطالبه المالك ، ويلازمه ويضيّق عليه ، والقيمة في غاية الارتفاع ، لما ستعرف وجهه
ودليله ، ومعلوم أنّه واجب عليه في كلّ آن ودقيقة أن يسلّم إلى المالك ، بلا توقّف
على مطالبته وتضييقه وإلزامه ، فإذا كان وقت
__________________
الارتفاع اشتغل ذمّته بإعطاء القيمة ـ في هذا الوقت ـ على سبيل الوجوب
الفوري الضيّقي ، لا جرم يكون هذا الاشتغال مستصحبا شرعا إلى أن يثبت خلافه ، ولم
يثبت ، بل الثابت أيضا هو ما ذكرناه في العين الباقية ، فتأمّل جدّا! ويدلّ أيضا ،
قوله تعالى ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ ) الآية ، و ( فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ، مع أنّ الفرق بينه وبين المنافع بالنسبة إلى حديث : «
على اليد ما أخذت .. إلى آخره » بكون المنافع داخلة فيه ، لدخولها تحت اليد ، بخلاف
القيمة السوقيّة ، لعدم الدخول تحت اليد ، يحتاج إلى التأمّل ، فتأمّل! فمقتضى ما
ذكر ضمان القيمة السوقيّة مطلقا ، إلّا أن يكون إجماع على عدم الضمان ، ففي ما نحن
فيه لا تأمّل في الضمان ، لعدم الإجماع على عدمه ، بل المشهور الضمان ، على ما هو
الظاهر.
وأمّا الموضع
الّذي نقل فيه الإجماع ، فأقصى ما يمكن أن يقال : إنّه حجّة مثل الخبر ، لكن لا
بدّ من مقاومته لما ذكرنا ، وترجيحه عليه حتّى يقدّم عليه ، فلاحظ وتأمّل!
وبالجملة ، بملاحظة جميع ما ذكرناه ، ممّا يظهر من العقل والنقل ، يظهر أنّ عناية
الشارع في جبر ما وقع من الغاصب ، وحصول التلافي والتدارك منه إلى حدّ كأنّه لم
يتحقّق الغصب أصلا ، ولم يوجد تفاوت أصلا.
أمّا ما ذكرنا
من حديث « لا ضرر ولا ضرار » فظاهر ، لأنّ النكرة في
__________________
سياق النفي تفيد العموم ، وكذا قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ ) الآية ، و ( جَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ، وكذا ( فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ) .. إلى آخره ، لأنّ المماثلة ظاهرة في المماثلة من جميع
الوجوه.
وأمّا حديث «
على اليد » ، فلأنّ مدلوله ليس إلّا أنّ الغاصب يجب عليه أن يؤدّي نفس الّذي غصبه
وأخذه ، وأنّه مشغول الذمّة بذلك في كلّ آن ودقيقة من آنات ما بعد الأخذ إلى وقت
الأداء ، وإن كان يتلف نفس ما أخذه أو ينعدم تحت يده ، إلّا أنّ استحالة إيجاد
المعدوم يقتضي أن يؤدّي ما هو مثله بمساويه ، بحيث يصدق عليه أنّه أدّى ما أخذه
عند العقلاء وأهل العرف ، حتّى يدخل في مضمون هذا الحديث ، فإنّه إذا تعذّر
الحقيقة فأقرب المجازات متعيّن.
فمضمون الحديث ـ
على ذلك ـ : إنّ على اليد ما أخذت أو ما هو أقرب ممّا أخذت حتّى تؤدّي ، فمقتضاه
أنّ الذمّة مشغولة بأحد الأمرين من حين الأخذ إلى وقت الأداء ، من دون تفاوت وفرق
بين الأمرين أصلا ورأسا فيما ذكر ، غير أنّه فيهما أمكن نفس ما أخذت وعينه فيما
أخذت ، وإلّا فما هو أقرب إليه ، بحيث يكون عند العقلاء والعرف كأنّه هو.
فنسبة الأمرين
إلى كلّ وقت وقت ودقيقة دقيقة من أوقات ما بعد الأخذ إلى وقت الأداء على السواء ،
لا أنّه في خصوص وقت التلف ينقل إلى قيمة خصوص هذا الوقت وإن كانت في غاية التنزّل
والانحطاط إلى آخر وقت الأداء ، وإن كان أبعد المجازات بالنسبة إلى حقيقة لفظ
الحديث ، وهو أداء نفس ما أخذه وعينه من حين الأخذ إلى آخر الأداء ، وتمام وقته.
وما ذكرنا من
أنّه مع بقاء العين يكون أعلى القيم على الغاصب ، فإنّما هو من
__________________
غير هذا الحديث.
قوله
: قول المصنّف : ( ولو تعذّر العين )
، أي لو تعذّر دفع
العين بسبب ضياع ونحوه ، ودفع الغاصب القيمة إلى مالك المغصوب ، ملكها .. إلى آخره .
الأوفق بقاعدة
الغصب أنّ ضمان نفس العين على الغاصب ، وكذا ضمان منافعه من حين الغصب إلى زمان
الردّ على المالك ، أو تحقّق الموت ، أو أخذ المالك العوض مع رضاه بكونه عوض ملكه
وإبراء الغاصب ، فحينئذ يكون العوض ملكه ، إلّا أنّ للغاصب أن يردّ عليه عين ماله
ويأخذ ما سلّمه من العوض ، مع احتمال عدم صيرورة العوض ملكه ، كما سيقول الشارح رحمهالله .
وكذا الحال لو
لم يرض بكونه عوض ملكه ولم يبرئ الغاصب إلّا أنّه أخذه للحيلولة.
وأمّا نماء
المغصوب بعد أخذ العوض إلى حين الردّ على المالك أو التلف ، فهو أيضا للمالك ،
لأنّه نماء ملكه ولم ينتقل ملكه بمجرّد العوض ، بل للمالك أن يأخذ من الغاصب جميع
نماء ماله إلى أن يتحقّق عدمه وهلاكه وتلفه.
وأمّا منافع
العوض ، فإنّها للمغصوب منه على تقدير ملكه ، وعلى تقدير عدمه لعلّه أيضا يكون له
إلى أن يردّه على الغاصب ، لأنّ الظاهر من أخذ العوض أنّه له أن يتصرّف فيه تصرّف
الملّاك في أملاكه ، مع احتمال كونها له إلى أن يأخذ من المالك عين ماله ومنافعها
ويردّ عليه العوض الّذي أخذه ، فتأمّل! لكن يناسب هذا أن يكون جميع تصرّفاته
فضوليّا ، وفيه ما فيه.
قوله
: ولو كانت تلك الزيادة بفعل الغاصب تتبع العين ، أي هي مضمونة
__________________
كالأصل
، بل صارت بمنزلة جزء عين موجودة في المغصوبة حين غصبها ، كتعليم صنعة أو نسج غزله
أو خياطة ثوبه فما نقصت تلك الزيادة بعد أن وجدت ، كما [ لو ] نسي
العبد الصنعة الّتي يعلم لعبده الغاصب
، يكون ضامنا له ..
إلى آخره .
هذا في الموضع
الّذي يصدق عرفا أنّ العين زادت ونمت ، لكن كلّ ما هو وصف يكون كذلك ـ حتّى مثل
صياغة النقرة ممّا صرّحوا بكونه نماء العين ـ ربّما يحتاج إلى التأمّل ، بعد حكمهم
بأنّ الصبغ ـ الّذي هو من الأعراض ـ عين مال الغاصب ، إذ الصبغ غالبا لا يبقى فيه
من العين شيء أصلا ورأسا ، وعلى تقدير بقاء شيء منه فكثيرا ما لا يكون تلك العين
مطلوبة ولا يبقى لها قيمة ، وبقاء العين الّتي تكون لها القيمة ممّا لا يكاد
يتحقّق.
فالصياغة لا
شكّ في كونها مطلوبة ولها قيمة وعوض ، ولذا يحكمون بأنّ الغاصب لو كسرها يكون
ضامنا ، وإن كان الصياغة نفس فعله ، وربّما كان الصياغة أضعاف قيمة المصوغ ، بل
ولو انكسرت حال كونها في يد الغاصب يكون ضامنا ، وإن كان الكسر من الله أو من
أجنبي ، إلّا أنّ القرار على الأجنبي ، فتأمّل!
قوله
: قوله المصنّف : ( فلو صبغ فله قلع صبغه )
، إشارة إلى كون
الزيادة عينا من الغاصب ، ومثله لو كان من غيره أيضا ، فلو غصب ثوبا وصبغه بصبغه
__________________
فالثوب
للمالك والصبغ للغاصب ، لأنّه عين ماله لا يصير ملك المغصوب منه بسبب
ضمّه إلى ماله المغصوب ، فله قلع صبغه إن أمكن ، ولكن يضمن النقص الّذي يحصل
بالقلع ، فيمكن أن يكون للمالك منعه ، [ فإنّه ] يصير تصرّفا
في ملكه بالصبغ والتبعيض ، مع أنّ سبب ما فيه فعله المنهي عنه ، فكأنّه
ضيّع ماله ، خصوصا إذا لم يكن له بعد القلع [ قيمة ] ، أو يكون سبب لزوم نقصه مساويا
أو أنقص فلا فائدة في القلع ، أو مع عدم زيادة شيء في قيمة العين بل نقصه ،
فتأمّل .. إلى آخره .
كيف يكون له
هذا مع أنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه؟! فهو غصب آخر وإضرار آخر ، وأنا لا
أفهم كلام المصنّف ومن وافقه في كتاب الغصب ، فإنّي أرى ـ بحسب فهمي القاصر ـ
تدافع متعدّد ، تارة يحكمون بأنّ الغاصب إذا مزج ماله بمال المغصوب منه الّذي هو
أجود ـ ولو بمراتب شتّى ـ يصير مال المغصوب منه وإن كان قيمته أضعاف قيمته ،
ويحكمون بأنّ للمغصوب منه قلع أشجار الغاصب وزروعه ، وربّما يكون قيمتها آلاف
تومان ، وكذا له قلع خشبته المرقّع بها سفينة الغاصب في وسط البحر وإن كان يغرق
بسببه أموال عظيمة للغاصب لا يحصي قيمتها إلّا الله ، وكذا له قلع خشبته من عمارة
الغاصب ، وإن كان القلع موجبا لهدمها وكان قيمتها آلاف تومان وقيمة الخشبة تسوى
فلسا ، فيها وفي السفينة. إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام ، ومع ذلك يحكمون بأنّ
الغاصب إذا صبغ مال المغصوب منه بصبغ يصير ذلك سببا لعدم جواز تصرّف المغصوب
__________________
منه في ماله وإن كان ماله يسوى آلاف تومان وصبغه لا يسوى إلّا فلسا ودونه.
ومع ذلك يقولون
: لو التمس الغاصب بأن يأخذ منه قيمة صبغه حتّى يتمكّن من التصرّف في ملكه لا يجب
على الغاصب قبول التماسه ، فله أن يدع ملك المغصوب منه هكذا معلّقا إلى يوم
القيامة ـ لا يمكن للمغصوب منه أن يقرب إليه إلى يوم القيامة ـ ويكون ممنوعا من
التصرّف فيه أصلا ورأسا.
وأعجب من هذا
أنّه لو كان يقول له : بع صبغك من رجل غيري ، يجب على الغاصب إجابته ، وأمّا لو
قال : بعنيه ، فلا يجب ، وهذا حكم عجيب بالنظر إلى الأدلّة ، وتفريق غريب بالقياس
إلى العلّة ، كما أنّ الأحكام السابقة أيضا كانت كذلك.
فإن قلت : إذا
تصرّف في المصبوغ كان مستلزما لتصرّفه في الصبغ ، وهو ملك الغاصب لا يجوز التصرّف
فيه بغير إذن الغاصب ، ولا يظلم إذا ظلم ، وليس الأحكام السابقة تصرّفا في ملك
الغاصب ، بل استفراغ ملك المغصوب منه وإن تضرّر الغاصب بضرر عظيم وتلف مال كثير
منه ، لأنّه ظالم ، و « ليس لعرق ظالم حقّ » ، وهو مضارّ ، وقد أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقلع شجر من هو مضارّ ، مع أنّه كان
ملكه وحقّه ، ولم يكن غاصبا ، وأيضا « لا ضرر في الدين » ، وأيضا
الغاصب أقدم على أن لا يكون لماله حقّ وحرمة ، لأنّه يعلم أنّ المالك متسلّط على
ماله والتصرّف فيه كيف شاء ، فيكون له تخليص ماله وإن كان بالتخليص يتلف مال
الغاصب إلى حدّ لا يحصيه إلّا الله ، فليس بين كلامهم تدافع أصلا.
قلت : مرادي من
التدافع ، التدافع بالنظر إلى الأدلّة ومأخذ الحكم.
__________________
فعلى هذا نقول
: كيف يجوز للغاصب قلع صبغه مع أنّه بغير التصرّف في المصبوغ لا يتأتّى عادة؟!
فكيف يجوز له هذا مع أنّه ظالم غشوم ، معتد معاند لله والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والحقّ والدين ، وليس لعرقه حقّ ، وهو مضارّ في نفس
الغصب ، وفي قلعه هذا أيضا ، وتصرّف بغير إذن صاحب الثوب المظلوم المعتدى عليه ،
مع عدم شهوة ومطلوبيّة منه في صبغه ، بل وربّما كان كارها لنفس الصبغ أيضا ، فضلا
عن فعله ، ومطلوبه بقاء ثوبه بغير صبغ ، بل وكثيرا ما يشمئزّ عن الصبغ ويتنفّر عنه
ويكون الثوب حراما فاسدا للمالك من جهة الصبغ وإن لم ينقص قيمته ، مع أنّه مع نقص
القيمة ربّما لا يشتهي ما هو ناقص ولا أرش النقص! وبالجملة ، كيف صحّ للغاصب
التصرّف المستلزم للتصرّف في مال المغصوب منه مع أنّه غاصب لا حرمة لعرقه ومعتد
ومضارّ ، ولا يصحّ للمغصوب منه المظلوم الّذي نفى عنه الضرر الدين والإسلام؟! وأيّ
فرق بين قصر زمان التصرّف وطوله بالنظر إلى الأدلّة ، وكذا بين نوع من التصرّف
ونوع آخر؟! هذا ، مع أنّ اللون عرض والثوب جوهر ، والتصرّف في العرض ـ على تقدير
تسليم تحقّقه عرفا وشرعا ـ لا يكون مثل التصرّف في الجوهر ، فكيف يغلب عليه؟! مع
أنّ اللون ربّما كان لا يسوى فلسا والثوب قيمته آلاف تومان! وأيضا ، المخلوط
الأجود لا شبهة في كونه عين مال الغاصب ، فكيف يجوز أخذه من الغاصب قهرا والتصرّف
فيه وإتلافه عوضا عن الأردأ ، الّذي لعلّه لا يسوى قيمته فلسا ، والأجود يسوى
آلافا ، مع أنّه تصرّف في عين مال الغاصب ومطلوب المغصوب منه وجوهر وعين؟! وربّما
كان يشتهيه أشدّ اشتهاء ، ومرغوب لديه نهاية الرغبة.
وأيضا ، قلع
الأشجار والزروع لا يمكن إلّا بأخذها وإثبات اليد عليها ، وهو تصرّف.
على أنّا لو
سلّمنا أنّ أمثال ذلك لا يكون تصرّفا ، فلا شكّ في كونه غصبا ، والغصب حرام
بالبديهة ، فأيّ شيء أحلّ هذا الغصب ، وحرّم تصرّف المالك في ملكه من جهة أنّ
لونا عرضه ولصق به ، مع أنّه لا يريد التصرّف في ذلك أصلا ولا يشتهيه مطلقا ،
وينكره ويقبّحه ويشمئزّ عنه؟! على أنّا لو سلّمنا أنّ أمثال ذلك لا يكون غصبا ـ
أيضا ـ فلا شكّ في كونه إتلافا ، فكما أنّ التصرّف في مال المسلم بغير إذنه حرام ،
فكذلك إتلافه ، بل وأشدّ حرمة ، فكيف يصحّ إتلاف أموال عظيمة لا يحصيها إلّا الله
من جهة فلس ، ولا يصحّ إتلاف فلس من الغاصب من جهة أموال عظيمة من المغصوب منه؟!
وإذا صحّ إتلافه بالمرّة مجّانا من غير عوض أصلا ، لا جرم لا يكون له حرمة ، فكيف
يصحّ تعطيل أموال عظيمة محترمة غاية الاحترام ، والحكم بإخراجها عن يد صاحبها ،
بسبب اتّصاله بعرض لا يسوى فلسا ولا حرمة له يصحّ إتلافه ، بل ويجب شرعا على
الغاصب إتلافه ـ لو أمكن الإتلاف ـ كما اعترفوا به وصرّحوا بهذه الفتوى .
وأيضا ، لو تمّ
ما ذكروه لكان كلّ من أراد إخراج مال كلّ أحد عن يده قهرا شرعا ، أو تعطيل ماله ،
يأخذ فليس صبغ أو نصف فلس ويصبغ تمام كلّ واحد من تلك الأموال أو بعضا منه خفية من
صاحبها أو قهرا وظلما وإن كان ذلك البعض قدرا قليلا منه ، فيقضي غرضه.
وهذا الضرر
العظيم لا يرضى به الجبريّة ، فضلا عن العدليّة ، وأين هذا من
__________________
الملّة الحنفيّة والشرع القويم؟! فتأمّل! وأيضا ، الصبّاغون إذا أرادوا
إنفاق صبغهم ـ عند الكساد ـ يأخذون كلّما قدروا على الأخذ والاختطاف ، ويرمونه في
مصبغهم ، وإن كان ما أخذوه العمائم البيض من الرؤوس ، والثياب البيض على الأجساد ،
والأقمشة من الدكاكين قهرا وقسرا ، ويحصّلون اجرة صبغهم وعوضه ، وهذا أيضا فيه ما
فيه.
وكذا ربّما
يصبغون جدران البيوت فيعطّلونها على أربابها ، ويخرجونها من يدها ، أو يأخذون قيمة
صبغهم إن رضوا ، فتأمّل! وبالجملة ، ما أفهم ـ بفهمي القاصر ـ من التدافع
والاضطراب بالنظر إلى الدليل كثير ، منه ما نبّه عليه الشارح ، ومنه ما
تعرّضنا له ، ومنه ما يظهر على المتأمّل ، فتأمّل!
قوله
: لأنّه أتلفه ، فيضمن المثل .. إلى آخره
.
فيه ما فيه ،
بل الاحتمال الّذي سيذكره هو المتعيّن مع الضميمة الّتي ضمّها.
قوله
: فلا يبعد ما ذكره المصنّف ، عملا بالأصل وعدم العلم بدليل .. إلى آخره
.
بعيد ، بالنظر
إلى الدليل ، لأنّ الضمان للأوّل مستصحب ، والثاني نماء فعله بلا تأمّل ، فلا وجه
لجعله عوضا ومسقطا للضمان اليقيني المستصحب ، فتأمّل!
قوله
: [ والفرق هو الاتّحاد والاختلاف ] ، خصوصا إذا كان السمن الثاني
__________________
بحيث
لو يلزم السمن كثيرا .. إلى آخره
.
لا فائدة فيه ،
بالنظر إلى الدليل والقاعدة ، ألا ترى أنّ الغاصب إذا أسقط الجنين أو ثمرة شجرة
فحملت الام والشجرة سريعا يكون الغاصب ـ بل كلّ متلف ـ ضامنا للجنين والثمرة
الساقطة ، وإن كان الجنين الثاني لم يحصل إلّا بعد ذهاب الأوّل؟! وبالجملة ، لا
تأمّل لهم أنّ مثل هذا الفرض والتقدير لا أثر له ، وهو مقتضى الدليل ، فتأمّل!
قوله
: [ وأنت تعلم ضعف ] هذا الدليل ، لأنّه قياس مع استنباط العلّة ، لعدم دليل عليه
.. إلى آخره .
بل قياس مع
الفارق الواضح.
قوله
: فما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن « لا مهر لبغيّ » يدلّ على عدم المهر
هنا ، وكأنّه ما ثبت بالتواتر
، وصحيح أو مقبول عندهم
[ بإجماع ] ونحوه ، فتأمّل .. إلى
آخره .
هذا عجيب ،
لأنّ الجارية لا تستحقّ شيئا أصلا ، بل منافعها عين مال المولى ، فالمستحقّ هو
المولى ليس إلّا ، فأيّ معنى لإدخال الجارية في هذا الخبر ، مع أنّها لا مهر لها
أصلا وبوجه من الوجوه ، كما عرفت؟! مع أنّ الحجّة في الحديث وما يجب مراعاته
والعمل به ليس إلّا الفرد
__________________
المتبادر ، فكيف يمكن جعلها من الأفراد المتبادرة بعد ما عرفت؟! مضافا إلى
قوله تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى ) ، فكيف يجوز أن يصير مجرّد رضا الجارية متلفا لحقّ
المولى ، مع أنّ الظاهر من الرواية أنّ عدم المهر للبغيّ بسبب زناها وتقصيرها؟! وأيضا قال
تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) ، وجعلوا الفقهاء هذا مناطا لأحكام ، فكيف تقدر على
إذهاب حقّ المولى؟! وبالجملة ، هذا الحكم أيضا من جملة الأحكام المتدافعة في هذا
الكتاب ، على ما أفهم ، والله يعلم.
قوله
: وحينئذ ، الظاهر أنّ له أرش بكارتها ، لأنّه نقص له عوض ، فيجب على المتلف عوضها
، وهو ظاهر ، وليس بسبب الوطء
، لو كانت زائلة عنده
لكان ذلك لازما عليه ، لما مرّ في سبب حملها بالتحريم
.
فيه ما فيه ،
لأنّ البغيّ لا أرش لبكارتها ، فلو كانت الجارية داخلة في الحديث يلزم أن يكون
حكمها حكم البغيّ من حيث أنّها بغيّ ، فما ذكره أيضا قرينة واضحة على عدم دخولها
في هذا الحديث ، وإلّا لكان اللازم أن يقول : إلّا أرش البكارة إذا كانت ، فإنّ
تأخير هذا الحكم في هذا المقام لا يناسب الحكيم.
وما دلّ على
أنّه يجب على المتلف عوض ما أتلفه ـ إذا كان له عوض ـ يشمل مهر الوطء أيضا ،
والمراد من المهر المنفي هو مهر المثل ، ومهر الباكرة غير
__________________
مهر الثيّب ، وعوض البكارة داخل فيه ، فتأمّل! والشارح بالغ في دخول أرش
البكارة في العشر ، فتأمّل!
قوله
: وجه كون القول قول الغاصب في التلف مع كونه غاصبا غير أمين ، أنّه بيده ، فهو
بمنزلة الأمين .. إلى آخره .
لا يخفى ما
فيه.
__________________
كتاب الصيد وتوابعه
في الاصطياد
في شرائط الاصطياد
قوله
: في قول الله عزوجل ( وَما عَلَّمْتُمْ
مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) قال
: « هي الكلاب »
، فلا يحصل
الحلّ بغيره ، وإلّا كان القيد لغوا ، فتأمّل .. إلى آخره
.
لعلّه لا تأمّل
في حجيّة مفهوم هذا القيد ، لأنّه من قبل القيود الاحترازيّة الّتي مفهومها معتبر
قطعا ، كما حقّقنا .
قوله
: وليس بمعلوم كونه في كلامهم عليهمالسلام كذلك ، فتأمّل .. إلى
آخره .
بل الظاهر أنّه
ليس كذلك ، إلّا أنّ تعبير التحريم بهما بعيد ، والظاهر منهما الكراهة ،
لأنّ التحريم يناسبه التشديد والتغليظ ، والكراهة يناسبها المسامحة والمساهلة في
التعبير ، لكن ظواهر الأخبار المحرّمة ، وصريح بعضها ، وكلام
__________________
الفقهاء يعيّن البناء على التقيّة ، ولعلّه من جهة التقيّة أظهروا الكراهة وسامحوا في
التعبير.
قوله
: [ وربّما حمل على الندرة ] ، وليس وجه حمله ظاهر
.
فيه ، ظهور كون
مذهب الشيعة تحريم الأكل إن الكلب .
قوله
: وقد دلّت الأخبار الكثيرة على عدم الضرر بالحلّ أكل الكلب .. إلى آخره
.
أقول : السيّد رحمهالله قال : ( ممّا انفرد به الإماميّة أنّ الكلب إذا أكل
نادرا حلّ صيده وجاز أكله ، وإن كثر أكله وتكرّر فإنّه لا يؤكل منه ، وخالفهم باقي
الفقهاء ، فأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : لا يؤكل منه ويؤكل من البازي ، وقال مالك
والليث والأوزاعي : يؤكل منه وإن أكل الكلب ، وقال الشافعي : يؤكل منه ولا يمكن
أكل البازي ) . انتهى.
ومثل السيّد
ادّعى الشيخ الخلاف ، والشيخ مقداد وغيره ادّعى إجماع الشيعة على الحرمة إن
أكل .
__________________
والظاهر أنّ
مرادهم غير النادر ، ولهذا قال في « الدروس » ما قال .
وغير خفيّ أنّ
المتداول المشهور في زمان الصادق عليهالسلام مذهب مالك وشركائه ، ولعلّ قولهم بعدم ضرر النادر لأنّه
كالمعدوم ، وأنّه لا يكاد يتحقّق صيد خال عنه ، وأنّ المتبادر من
قوله تعالى ( أَمْسَكْنَ ) هو هذا ، وكذلك الأخبار ، فتأمّل! ومن
هذا جمع الشيخ بين الأخبار بحمل ما دلّ على الحلّية مع الأكل على النادر ، حتّى لا
يخالف طريقة الشيعة أيضا.
قوله
: وهذه صحيحة وصريحة في عدم اشتراط الأكل مطلقا ، وأنّه مذهب العامّة .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ، إذ
ربّما يفعلون تقيّة ، وفي المقام شواهد ذكرناها في « حاشيتنا على المفاتيح ».
والحاصل ، أنّ
القائل بعدم الحلّية إنّما قال من جهة القواعد الّتي أئمّتنا عليهمالسلام أمروا بمراعاتها ـ مثل قولهم عليهمالسلام : « لا تنقضوا اليقين إلّا باليقين » ـ والعمل بظاهر القرآن ، فإنّ قوله تعالى ( أَمْسَكْنَ ) ليس لغوا بحتا وجوده كعدمه ، وفي
__________________
الأخبار المتواترة أمروا بالأخذ بما وافق القرآن ، بل بما هو أوفق به ، ومع ذلك
لعلّ المشهور عند الشيعة ذلك وعند العامّة ـ في ذلك الزمان ، كما عرفت ـ خلافه.
مع أنّهم في
الأخبار المتواترة أمروا بالأخذ بما اشتهر بين الشيعة ، وورد أيضا
في التواتر الأمر بترك ما عمله العامّة ، وأمروا كذلك بالتجنّب عن الشبهات ، وسلوك طريق
الاحتياط مهما أمكن . إلى غير ذلك.
ومع جميع ذلك ،
كيف يمنعون عن الأكل ، ويقولون بأنّه مذكّاة حتّى يقول به : « أو ليس قد جامعوكم؟
» ، ويقول الراوي : « بلى » .
سلّمنا ، لكن
على هذا أيّ حاجة إلى الردّ عليهم بالقياس الواضح الفساد ، فإنّ القياس مع الفارق
ليس عند أحد بالبديهة ، سيّما وأن لا يكون مناسبة أصلا بين المقيس والمقيس عليه ،
فإنّ منعهم عن الأكل ليس إلّا من جهة أنّه أمسك على نفسه ، والله تعالى قال ( أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ، وأيّ مناسبة لذلك في ذبح الرجل بشيء يقاس عليه ،
سيّما مع قولهم بوقوع التذكية في القتل وأنّه يكفي للتذكية ، كما قال عليهالسلام وقال الراوي ، إذ فيه تصريح بأنّ التذكية لا دخل لها في
المقام ، بل المانع ليس إلّا عدم الإمساك للصائد ، كما هو صريح كلامهم .
ومن بديهيّات
الدين عدم اعتبار إمساك الكلب في ذبح الرجل ، بل من
__________________
بديهيّات العقل أيضا ، فإنّ الأطفال ، بل المجانين يجزمون بأنّ إمساك
الصائد لا ربط له ـ أصلا ، ومن جميع الوجوه ـ بذبح الرجل في التذكية ، لا في
الصيد.
فإن قلت : إذا
كانوا قائلين بحصول التذكية بمجرّد القتل يلزمهم القول بالحلّية من جهة الأصول
والعمومات.
قلت : على
تقدير التسليم ، فالحجّة عليهم ليست سوى الأصول والعمومات ، لا ما لا ربط له أصلا ، بل كان
قياسا مع الجامع ، كان القول به والعمل به حراما ، فأيّ داع إلى ارتكابه ، مع
الأدلّة الواضحة المسلّمة الّتي لا يمكن لأحد أن يتأمّل فيها ، ولم يتأمّل أحد
فيها؟! مع أنّه بديهيّ إنّ منعهم ليس إلّا من ظاهر القرآن ، وصريح
الأخبار الواردة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام ، مثل ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال لعديّ بن حاتم حين سأله : إنّي أرسل الكلاب
المعلّمة؟ : « إن أكل فلا تأكل ، فإنّه أمسكه على نفسه » ، وفي حديث
آخر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل ، فإنّه أمسك على
صاحبه » . إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في المنع.
قوله
: وأنّه مذهب العامّة ، ومن جملة ما حمل الشيخ في كتابي الأخبار غيرها ممّا ورد
فيه ذلك على التقيّة .. إلى آخره
.
صرّح السيّد رحمهالله بكون مذهب الشيعة أنّه إن ندر أكله حلّ وإلّا حرم ،
وأنّ
__________________
هذا مما انفرد به الإماميّة ، والشيخ في « الخلاف » ادّعى هذا الإجماع ، بل ادّعى
غير واحد الإجماع من الشيعة على الحرمة ، فكيف يكون عدم الاشتراط مذهب العامّة؟! وظهر ممّا
ذكرناه أنّ المشهور المتداول في زمان الصادق عليهالسلام ليس إلّا مذهب مالك ونظرائه ، فتعيّن حمل هذه الصحيحة على التقيّة ،
كما سنذكر.
في أحكام الاصطياد
قوله
: لأنّه مكلّب .. إلى آخره .
فيه إشارة إلى
أنّ التعليم لا يجب أن يكون من مسلم.
قوله
: لعلّ فيه إشارة إلى كون التعليم [ هو التسمية ] .. إلى آخره
.
ليس كذلك ، بل
إشارة إلى أنّ المكلّب فيه مأخوذ فيه المعلّمية.
قوله
: في رواية القاسم بن سليمان المتقدّمة .. إلى آخره
.
ليس فيها شهادة
عليه مطلقا.
قوله
: وأيضا يحتمل كونه مع إصابة الآلة الصيد ، وظاهره عام ، ثمّ
__________________
الوجوب
غير ظاهر [ الدليل ] .. إلى آخره
.
هذا الاحتمال
لعلّه أولى وأقرب بملاحظة فتواه في « القواعد » وغيره في غيره
، مثل « المسالك » ، وبملاحظة علّة هذا الوجوب ، وهي درك التذكية من نفسه
إن أدرك حيّا ، وحصول التذكية ـ أي العلم بها وبالحلّية ـ إن أدرك غير حيّ ،
بالتفصيل الّذي [ مرّ ].
فالوجوب من جهة
أنّه فرع قوله : ( فإن أدرك .. إلى آخره ) ظهر وجهه وعلّته ودليله ، وأنّه وجوب شرطي.
مع احتمال كونه
شرعيّا أيضا ، من جهة تحريم تضييع المال ، فتأمّل جدّا!
قوله
: إذ الأصل عدم الوجوب ، وتركه في ظاهر الأدلّة من الآية
والأخبار
مشعر به .. إلى آخره
.
من نازع؟ وكيف
يتأتّى له المنازعة ، مع القطع بأصالة عدم التذكية والتحريم والنجاسة والمنجّسية ،
ما لم يثبت التذكية من دليل شرعي ، وليس إلّا فيما ذكروه ، لانحصار الإجماع ، وعدم
تحقّق آية أو حديث صحيح واضح الدلالة في العموم الّذي ذكره؟! بل الأخبار منها :
مطلقة ، والمطلق ينصرف إلى الغالب ، والغالب أنّ الصيّادين يسارعون وإن لم يكونوا
مسلمين ، بل المتبادر منها ليس إلّا ما ذكرنا.
__________________
ومنها : ما دلّ
على المنع ، مثل رواية عيسى بن عبد الله ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « كل من صيد الكلب ما لم يغب عنك ، فإذا
تغيّب عنك فدعه » .
وصحيحة الفضلاء
عن الصادقين عليهماالسلام قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي ، قال : « إن أخذه
فأدركت ذكاته فذكّه » ، والمتبادر من لفظ « فأدركت ذكاته فذكّه » تحقّق
المنازعة من جهة كلمة « إدراك » ، وكلمة « الفاء » في الموضعين ، ولما ذكرناه ،
ولقوله بعد ذلك : « وإن أدركته وقد قتله وأكل فكل ما بقي ، ولا ترون [ ما يرون ]
في الكلب ».
وقويّة يونس بن
يعقوب ، أنّه قال للصادق عليهالسلام : « عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل ، قال : كل » .
والمرسلة عن
الصادق عليهالسلام : « إن أرسلت كلبك على شيء فأدركته ولم يكن معك حديدة
، فدع الكلب يقتله وكل » .
وفي « قرب
الاسناد » ، في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن رجل لحق صيدا ـ ظبيا أو حمارا ـ
فصرعه بضرب السيف أنّه : « [ إذا ] أدرك ذكاته أكل ، وإن مات قبل أن يغب عنه أكله
» .
إلى غير ذلك من
الأخبار.
__________________
مع أنّ الآية
والأخبار المتضمّنة لإمساك الكلب واشتراطه ظاهرة أيضا ، لظهور أنّ الكلب لا يمسك
كيف كان ، وأزيد من القدر الّذي صاحبه يسعى إليه ويسارع ، سيّما ويكون الشرط أن لا
يأكل ، كما هو المشهور ، بل المجمع عليه ، كما عرفت.
نعم ، بعض
الأخبار ظاهر في عدم تعرّض السائل لحكاية المسارعة وعدمها ، لعدم كون
ذلك مدّ نظره أصلا ، وأي يتبع فيه .
نعم ، في غير
واحد من الأخبار في الصيد بالسلاح : إنّ « من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ،
ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الّذي قتله ،
فليأكل منه » .
وفي الصحيح عن
الصادق عليهالسلام : إنّ الرميّة يجدها صاحبها. : « إن كان يعلم أنّ رميته
هي الّتي قتلته ، فليأكل » .
ويمكن حمل
الكلّ على تحقّق المسارعة ، أو اليأس وإدراكها صارعة ، فتأمّل! والظاهر عدم
المضايقة في الحلّية بعد العلم بالتذكية.
__________________
الذبح
في
أركان الذبح
قوله
: وأمّا الإجماع فقد تقدّم .
بل الظاهر أنّ
التحريم كان شعار الشيعة يعرفون به ، كما أنّ التحليل شعار العامّة.
قوله
: مثل موثّقة سماعة ، عن أبي إبراهيم عليهالسلام ، قال : « سألته عن
ذبيحة اليهودي والنصراني ، فقال : لا تقربها » .. إلى آخره
.
سماعة وإن قيل
: إنّه واقفي ، إلّا أنّ أهل الرجال قالوا : ثقة ثقة ، وهو ممّن
أجمعت ، والنجاشي حكم بكونه من الباب ، ولا يشكّ في عدم وقفه ، لموته في زمان الكاظم عليهالسلام ، ولروايته الروايات المنافية للوقف ، ولغير ذلك ممّا
__________________
حقّقته في الرجال ، فحديثه صحيح بلا شبهة.
على أنّ
الموثّق حجّة ، سيّما المنجبرة بجوابر كثيرة ، الّتي من جملتها الشهرة بين الأصحاب
، بل الأخيرة تكفي في انجبار الضعيف ، فضلا عن الموثّق ، فضلا عن ما ذكرنا.
قوله
: ولكن الأولى أكثر ، مثل رواية حمران ، قال : « سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول ـ في ذبيحة
الناصب واليهودي والنصراني ـ : لا تأكل ذبيحته حتّى تسمعه يذكر اسم الله ، قلت :
المجوسي؟ [ فقال : ] نعم ، إذا سمعته يذكر اسم الله عليه ، أما سمعت قول الله ( وَلا تَأْكُلُوا
مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ )؟
.. إلى آخره .
ومع ذلك موافقة
للشهرة بين الأصحاب ، وقد أمرونا بأخذ مثلها ـ ويدلّ عليه العقل أيضا ـ ومخالفة للعامّة ، والأخبار
متواترة في وجوب أخذ مثلها ، متعاضدة بالنقل والشهرة بين الأصحاب ، وموافقة لظاهر
الكتاب ، والأخبار في أخذ مثلها أيضا متواترة ، متعاضدة بما
ذكرنا.
والأخبار
المعارضة لهذه الأخبار على خلاف هذه الأخبار ، بحيث طرحها من وجوه متعدّدة مذكورة
وغيرها ، مثل : تضمّنها حلّية ذبيحة لم يتحقّق في ذبيحها شرط من الشرائط الواجبة
المسلّمة المتّفق عليها ، والثابتة من الأدلّة
__________________
الكثيرة الصحيحة والمعتبرة ، لأنّ اليهود والنصارى والمجوس لا يراعون
الشرائط المذكورة ، لا يراعون التسمية ، ولا استقبال القبلة ، ولا فري الأوداج
الأربعة على النهج المعتبر عندنا ، سيّما النصارى والمجوس ، بل يقتلون بضرب مثل
الفأس العظيم على رأس الذبيحة حتّى تقع ويسلمون ويأكلون ،
وبأمثال هذا يكون ذبيحة المجوس.
فهذه الأخبار
الموافقة للعامّة والتقيّة ، معارضة لجميع أدلّة شرائط الذبح ، بل بأدلّة نفس
الذبح ، وكلّ واحد ممّا ذكرنا يكفي لمنع العمل بها ، فما ظنّك باجتماع الكلّ؟!
بل الظاهر أنّ مستحلّ ذبيحة اليهود والنصارى والمجوس يشترط ما في الشرائط
الوفاقيّة الثابتة من الأدلّة الّتي لا غبار عليها أصلا.
قوله
: أو يحمل الأوّل على الكراهة
، ولكنّه مذهب نادر ..
إلى آخره .
لا يخفى أنّ ما
ذكرنا من المضعّفات والموجبات للطرح وارد على أدلّة مذهب الصدوق أيضا.
قوله
: لأنّ كثرة الأخبار لا توجب ردّ القليل إلّا مع عدم إمكان الجمع ، وقد عرفت
الإمكان ، وأيضا نقل شخص رواية لم يرو أنّه منافية للأولى
بحسب الظاهر لا يستلزم
ردّ الأخيرة ، بل ولا ردّ شيء منهما ، وهو ظاهر .. إلى آخره .
لا يخفى فساد
ما ذكره رحمهالله ، لأنّ الأئمّة عليهمالسلام أمرونا في الأخبار المتعارضة
__________________
بحسب الظاهر بمراعاة المرجّحات ، والأخذ بالراجح وترك المرجوح ، أمرونا
بمراعاة الأعدليّة والأفقهيّة والأشهريّة ، وموافقيّة الكتاب ، والشهرة بين
الأصحاب ، ومخالفة العامّة. إلى غير ذلك .
وورد ما ذكرناه
بأجمعه منهم ، وكثير منها ورد في كثير من الأخبار ، بل وربّما ورد في الأخبار
المتواترة الخارجة عن حدّ الإحصاء ، بل المخالفة للعامّة والموافقة للكتاب ، ولم
يأمروا قط بالجمع بين الأخبار ، ولا كان ذلك طريقة فقهائنا إلى آخر زمان الشيخ ،
فأحدث رحمهالله هذه الطريقة ، لا لأجل الفتوى والعمل ، بل لرجوع
الهارون وأمثاله ، ولذا لم يكن جمعه فتواه ، إلّا ما شذّ ، وكان
طريقة الشيخ رحمهالله مسلوكة إلى زمان المتأخّرين إلى زمان الشارح ، فإنّهم
كانوا يرجّحون بالمرجّحات ويفتون بالراجح البتّة ، ويجعلون المرجوح الموهوم متروكا
به ـ كما أمرهم المعصوم عليهالسلام ـ إلّا أنّهم ربّما يجمعون بين المرجوح الموهوم ، والراجح ـ الّذي هو حجّة ـ
بضرب من التوجيه ، حتّى يوافق غير الحجّة الحجّة ، ويقولون : الجمع أولى من الطرح.
وهذا أيضا لا
بأس به ، كما حقّقنا في رسالتنا في « الجمع بين الأخبار » ، وما ذكر في غير العام
والخاص والمطلق والمقيّد ، وأمّا العام والخاص والمطلق والمقيّد ، فقد ذكرنا حالها
بطول وتحقيق ، وبينّا أيضا وجه حجّية الجمع في موضع يكون حجّة ، وبينّا أقسام
الجمع وما هو حجّة وما ليس بحجّة ، من أراد الاطّلاع فعليه بملاحظتها .
__________________
ومن جملة ما هو
حجّة ، ما يكون لوجه الجمع شاهد من الحديث ، كما ظهر في المقام من أنّ الوجه هو
التقيّة ، مع أنّ هو الوجوه واضح من الخارج قطعا ، ودلّ عليه العقل والنقل المتواتر
وطريقة الشيعة ، فأيّ خفاء فيما ذكر؟!
قوله
: ويمكن حملها على الكراهة ، لما تقدّم ، وحمل الضرورة على المشقّة في الجملة ، لا
مثل حلّ الميتة ،
فتأمّل .. إلى آخره .
لا يضرّ ذلك
للقول بالتقيّة ، لأنّ العامّة ، وإن لم يقولوا بالاشتراط ، إلّا أنّ
الآية لمّا دلّت على اشتراط التسمية ـ بحيث لا يمكن ردّ دلالتها ـ فلم يكن
للأئمّة عليهمالسلام مانع عن اعتبارها لذلك ، فإنّهم كانوا فقهاء عندهم مع
مقام الفقاهة إن قالوا كذلك ـ تقريبا للحقّ مهما أمكن ـ لم يكن له مانع ، وكم من
نظائر ذلك صدرت عنهم عليهمالسلام.
مع أنّ المعنى
التقيّة في زمانهم وعدمها ، لا في أمثال زماننا ، ففي زمانهم لم يكن مانع عن
اعتبار التسمية ، بل كان المانع منحصرا في المنع عن ذبيحتهم.
قوله
: فصحيح ابن أبي عقيل ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : ذبيحة من دان بكلمة
الإسلام [ و ] صام وصلّى ، لكم حلال إذا ذكر اسم الله عليه » .. إلى آخره
.
يمكن أن يكون
في زمان أمير المؤمنين عليهالسلام كان الأمر كذلك من جهة التقيّة ،
__________________
أو عدم وجود إماميّ المذهب يذبح ، فيلزم الحرج في الدين لو اعتبر الإيمان
في ذلك الزمان ، ولذا لم يعتبر في ذلك الزمان الإيمان في موضع ثبت اعتباره ، مثل
الشهادة وأمثالها ، فتأمّل جدّا!
قوله
: وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « سألته عن
ذبيحة المرجئي والحروري ، قال : كلّ وقرّ واستقرّ حتّى يكون ما يكون » ، لعلّ فيها
إشارة إلى التقيّة ، فتأمّل .. إلى آخره
.
هذه الصحيحة ،
لتضمّنها حلّية ذبيحة الحروري ـ الّذي هو من النواصب ـ تكون شاذّة ، لم يقل أحد
بها ، فيجب طرحها أو تأويلها ، والظاهر أنّها محمولة على التقيّة ، كما ينادي به
قول : « قرّ واستقرّ » ، فإنّه صريح في أنّها معيوبة ممنوعة ، إذ لا يقال في
الحلال : قرّ واستقرّ ، لعدم عيب فيه ، سيّما وأن يقول : « حتّى يكون ما يكون » ، فإنّه صريح
في أنّ عدم المنع عارضي من جهة التقيّة ، أو لزوم العسر في الاحتراز بعدم تيسّر
ذبيحة المؤمن أصلا أو غالبا.
ومن هذا قال
لزكريّا بن آدم : « أنهاك .. إلى آخره » ، لأنّ أهل قم ما كانوا مبتلين بذبيحة المخالف أصلا
حتّى يتحقّق لهم التقيّة أو عسر رفع اليد عن الأكل ، لأنّ ذبيحتهم كلّها كانت من
الشيعة.
ويدلّ على ما
ذكرنا ـ أيضا ـ رواية أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام : « عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع
من إخوانه فيتعمّد
__________________
الشراء من القصّاب ، فقال : أيّ شيء تسألني أن أقول؟! ما
يأكل إلّا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، قلت : سبحان الله ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير؟!
فقال : نعم ، وأعظم عند الله من ذلك ، فقال : إنّ هذا في قلبه على المؤمنين مرض » ، فإنّ [ في ]
هذا الحديث ينادي بما ذكرناه سؤال الراوي ، فضلا عن جواب المعصوم عليهالسلام.
وممّا يدلّ على
ما دلّ ، ما ورد في الأخبار الّتي لا تحصى من أنّهم كفّار ، ونصّاب ، فإن كان
الإطلاق على سبيل الحقيقة فهو ، وإن كان مجازا فأقرب المجازات متعيّن ، وهو
المشاركة في جميع الأحكام إلّا ما أخرجه الدليل ، سيّما مع ظهور ذلك من الأخبار
كما عرفت ، فتأمّل!
قوله
: وأمّا تحريم ذبيحة المجنون والصبي الغير المميّز [ فلعدم الشرط ] .. إلى آخره
.
لا ظهور لما
ذكره ، إذ المتبادر من الأدلّة عدم كون القتل من الكافر بعد جعل المسلم إيّاه في
حكم المذبوح.
قوله
: وما في روايتي عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمتين : « إذا فرى الأوداج ، فلا بأس
بذلك »
، وأنت
تعلم ما فيه ، إذ قد يعلم الحلّ بغيره أيضا من عموم صدق الذبح ونحوه ، كما ستسمع ،
والشهرة ليست بحجّة .
قال ابن المفلح
رحمهالله في شرحه على « الشرائع » :
__________________
( واشترط في « المبسوط » و « الخلاف » قطع الأعضاء الأربعة ، وانعقد عليه الإجماع ، فلو بقي
من أحد الأعضاء ولو بمقدار شعرة لم تحلّ الذبيحة ) . انتهى.
قوله
: وروايتا عبد الرحمن ليستا بحجّتين ، إذ قد يكون المراد من الأوداج
: الودجين فقط ، وإن سلّم أنّه قد يطلق على كلّ واحد [ ودج ] ، فمجموع الأربعة
أوداج ، وأنّه ورد ذلك في اللغة ، إلّا أنّها ليست بصريحة في ذلك .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الروايتين مع صحّة سند إحداهما واعتبار سند الأخرى منجبرتان بالشهرة ، وكون المراد
من الأوداج الودجين ـ مع كونه خلاف الظاهر ـ خلاف ما يظهر من صحيحة الشحّام من اعتبار قطع
الحلقوم أيضا ، مع أنّ القول منحصر في : قطع الأوداج الأربعة ، والاكتفاء بقطع
الحلقوم. وحيث يظهر ضعف الثاني ـ كما ستعرف ـ ينحصر في الأوّل ، لعدم قول آخر.
مع أنّ دلالة
الأخبار لا يجب أن تكون صريحة ، بل الظهور يكفي ـ سيّما مع ما عرفت ـ وخصوصا
بملاحظة كون التذكية شرطا في الحلّية ، والشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط.
ولعلّ المتبادر
من شقّ الأوداج ـ على الإطلاق ـ قطعها ، ويشهد على ذلك
__________________
صحيحة الشحّام ، ولا معارضة بينها وبينهما ـ كما ستعرف ـ وأيضا العمومات الدالّة على الذبح تعيّن
ما ذكر ، لأنّ المتعارف في الذبح هو القطع ، والإطلاق منصرف إلى المتعارف.
قوله
: قال في « القاموس » : ( فرى يفري شقّه فاسدا أو صالحا. تفرى : انشقّ )
، فلا يفهم منه القطع
[ بالكليّة ] ـ كما هو المدّعى والمشهور ـ وهو ظاهر ، وكأنّه إلى ذلك أشار في «
الشرائع » بقوله : ( المشهور ) ،
فتأمّل .
يمكن أن يقال :
مجرّد الشقّ لا يكفي ، وفاقا من الكلّ ، ولأنّ لفظ الشقّ ينصرف إلى المتعارف
الشائع وولي الكامل ، فتأمّل. وكذا الكلام في خروج الدم.
قوله
: ويمكن أن يكون قطع الحلقوم كافيا مع العلم بأنّه مات به بخروج الدم ونحوه .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّ
صحيحتي عبد الرحمن ـ مع انجبارها بالشهرة ـ موافقة للعمومات الدالّة على الذبح ،
فإنّ المتعارف تحقّق الذبح بفري الأوداج وقطعها ، ولا يكتفى بقطع خصوص الحلقوم ،
بل العمدة في الذبح قطع الودجين ، وخروج الروح بطريق الذبح منحصر في قطعهما على
أيّ حال ، وأنّه لو لم يقطعا لا يتحقّق الموت ـ عادة ـ إلّا بعد مدّة مديدة ، على
قياس ما إذا وقع جرح تحت الحلقوم أو
__________________
موضع آخر يوجب هلاك الحيوان بعد مدّة ، وعند الذبّاحين أنّ الودجين موضع
الروح ، والروح فيهما ، وما لم يقطعا لم يتحقّق التذكية والذبح ، إلّا أن يكون
يفعل بالحيوان ما يصير سببا لهلاكه بعد مدّة.
ولعلّ ما ذكر
لا يخفى على من له أدنى اطّلاع وتأمّل.
وأيضا ، دلالة
الصحيحتين المنجبرتين بالفتاوي والشهرة ، الّتي كادت تكون إجماعا ، بل ربّما لا
يبقى تأمّل في كونها إجماعا بملاحظة ما ذكرنا وسنذكر ، وأنّ المدار في الأعصار
والأمصار على قطع الأدواج البتّة ، وأنّ الذبح عرفا لا يتحقّق إلّا به ، وأصالة
عدم التذكية وعدم الحلّية ، وغير ذلك ، دلالتهما على اشتراط قطع الأوداج في غاية
الظهور ، لأنّ المعصوم عليهالسلام جعل فري الأوداج شرطا للحلّية بصريح عبارته.
وأمّا صحيحة
الشحّام ، فلا دلالة فيها على كون فري الأوداج غير شرط في الحلّية ـ كما لا يخفى ـ
بل أقصى ما تدلّ على أنّ غير الحديد إذا كان بحيث يقطع الحلقوم ويجري الدم يكون
صالحا للتذكية عند تعذّر الحديد.
وذكر الحلقوم
مبنيّ على أنّ غيره من الأوداج في غاية السهولة من الانقطاع ، وبأدنى شيء ينقطع ،
بخلاف الحلقوم ، فإذا كان الشيء قاطعا للحلقوم يكون قاطعا لغيره من الأوداج بطريق
أولى البتّة ، ولا كذلك العكس ، إذ ربّما كان الشيء يقطع غير الحلقوم منها ولا
يقطع الحلقوم.
وأيضا الودجان
محيطان بالحلقوم والمريء ، ولعلّ المريء مؤخّر عن الحلقوم ، فانقطاع الحلقوم مع
عدم انقطاع غيره من الأوداج ممّا لا يتحقّق ـ بحسب عادة الذبّاحين في الذبح ـ بل
لا يتيسّر الذبح المتعارف إلّا قطع الكلّ عند قطع الحلقوم ، كما أنّه لا يمكن قطع
الحلقوم بدون قطع الجلدة الّتي على الحلقوم ، واللحم
والعروق الّتي تكون تحت الجلدة وفوق الحلقوم عادة ، فلو كان أدخل السكّين
من طرف الحلق وقطع الحلقوم بحيث لم ينقطع جلد العنق أصلا ، وكذا اللحم والعروق
الّتي تحت ذلك الجلد صدق أنّه قطع الحلقوم ، ولا شكّ في أنّه ليس بذبح ، ولا يقال
: إنّه ذبح البتّة ، ومعلوم أنّه ليس مراد المعصوم عليهالسلام.
وكذلك حال
الودجين ، وعرفت أنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف ، وعرفت أنّ المتعارف لا يتحقّق
قطع الحلقوم بدون قطع الأوداج الباقية.
على أنّه على
تقدير وجود دلالة فيها ، فلا ريب في كونها في غاية الضعف ، لا تصلح لمقاومة دلالة
الصحيحتين ، فضلا عن كونها أقوى منها ، فتأمّل جدّا! على أنّ الحلقوم هو الحلق ـ
على ما في « القاموس » ـ لا مجرى النفس ، على أنّ إطلاقه على الحلق لا شبهة فيه ، فلا يتحقّق
التعارض والمقاومة.
على أنّه ورد
في الأخبار أنّ : « النحر في اللبّة ، والذبح في الحلقوم » فظاهرها كون
الحلقوم هو الحلق ـ كما قلنا ـ ، والعلماء والفقهاء ذكروا في تفسير قوله تعالى ( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) أنّ المراد هو الحلق ، وأخبارهم
يكشف بعضها عن بعض.
فليس في
الصحيحة دلالة على كفاية قطع مجرى النفس خاصّة حتّى يكون
التعارض والتقاوم حاصلا منها ، فضلا أن يغلب على حسنة عبد الرحمن
__________________
وأمثالها.
قوله
: قال : « قال أبو عبد الله عليهالسلام : النحر في اللبّة ،
والذبح في الحلقوم » ، وحسنة صفوان ، قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن ذبح البقر [ من
المنحر ] ، فقال : لا ، للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي » .
في « الكافي »
: « الحلق » بدل « الحلقوم » ، والمراد من الحلقوم الحلق ـ كما عرفت ـ سيّما في
المقام ، جمعا بين النسختين ، ولأنّه لا معنى لإرادة مجرى النفس في مقابل اللبّة ،
لأنّ مجرى النفس ممتدّ إلى اللبّة.
وكيف [ كان ] ،
يظهر من هذه الحسنة كالصحيحة كون الذبح تحت اللحية ، كما وقع التصريح في كلام
الفقهاء .
ويدلّ عليه
أيضا صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليهالسلام الّتي مرّت في استقبال القبلة في الذبح ، إذ في آخرها :
« لا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها » ، والإضافة تفيد العهد ، والمعهود هو ما تحت اللحية ،
لأنّه المعروف الشائع المتعارف ـ عرفا ، وعند الذبّاحين ـ حتّى أنّ الأطفال إذا
أطلقوا الذبح يريدون ما تحت اللحية ، كما هو المتبادر من العرف.
مع أنّ الظاهر
من الذبح كونه في العنق البتّة ، فالذبح الّذي لا يكون من المذبح ما يكون في العنق
ولم يكن من المذبح ، فتعيّن كونه تحت اللحية.
__________________
وأيضا ، يظهر
من اللحية [ في ] اللغة وعرف الناس ، حيث يطلقون الذبح على الوجع الّذي يكون تحت
اللحية وفي الحلق ، وكذا الذباح ، والذابح ميسم يسم على الحلق بعرض العنق ، وشعر
ينبت بين النصل والمذبح ، كذا في « القاموس » .
والنصل : متّصل
الرأس من العنق تحت اللحية . إلى غير ذلك.
ومن ذلك ،
الإشارة إلى ما تحت اللحية إذا أرادوا الذبح ـ كما يظهر من الأخبار ـ أيضا ، وأيضا المتبادر من لفظ الرأس الّذي قطع بالذبح في
الأخبار هو الرأس الخالي عن الرقبة وعن بعض الرقبة ، كما لا يخفى.
وبالجملة ،
الشواهد كثيرة ، مع أنّ الأصل عدم التذكية حتّى تثبت ، وسيجيء [ أنّه ] شرط ،
والشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط.
قوله
: [ إلى القبلة ، وجهه إليها ] ويمكن أن يحصل ذلك بالمذبح فقط .. إلى آخره
.
بعيد ، بل ظاهر
الأخبار مجموع الذبيحة ، كما لا يخفى.
قوله
: وأمّا إذا لم يسمّ ، فالظاهر أنّه إن ترك عمدا حرم ، للآية
والأخبار
، وجهلا ونسيانا حلّ ،
للأخبار .. إلى آخره .
لم نجد من
الأخبار ما يدلّ على معذوريّة الجاهل في المقام وحلّية ذبيحته ،
__________________
بل مقتضى العمومات القرآنيّة والأخباريّة حرمة تلك الذبيحة ، بل في صحيحة
ابن مسلم عن الباقر عليهالسلام أنّه سأله « عن الرجل يذبح ولا يسمّى ، فقال : إن كان
ناسيا فلا بأس عليه ، إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح » . وصحيحة الحلبي
، عن الصادق عليهالسلام : « من لم يسمّ إذا ذبح ، فلا تأكله » ، خرج النسيان
وبقي الباقي.
قوله
: [ وظاهر الأصحاب التحريم ] ، ولكنّه يشكل ، لحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على
الإطلاق ، ما لم يكن ناصبيّا .. إلى آخره
.
حكمهم بحلّ
ذبيحة المخالف من حيث كونه مسلما ، لا من حيث اعتقاده عدم وجوب التسمية ، بل ربّما
ظهر من كلامهم اشتراط تسميتهم ، كما ذكره في « الدروس » ، فلاحظ
وتأمّل!
قوله
: ويدلّ عليه أيضا حسنة فضيل ، وزرارة ، ومحمّد بن مسلم هي صحيحة في « الفقيه »
أنّهم سألوا أبا جعفر عليهالسلام عن شراء اللحم من
الأسواق ، ولا يدرون ما صنع القصّابون ، قال : « كل ، إذا كان ذلك في سوق المسلمين
، ولا تسأل عنه »
.. إلى آخره .
هذا ـ مع صحّة
السند ـ يدلّ على ما ذهب إليه الأصحاب ، أنّ التذكية
__________________
شرط للطهارة والحلّية ، وأنّ مع الجهل بالتذكية لا يصير طاهرا حلالا
باعتبار أصالة طهارة الأشياء وأصالة إباحتها ـ كما توهّم من توهّم ـ وأنّ الشرط إذا كان مشكوكا يوجب ذلك كون المشروط ـ
أيضا ـ مشكوكا ، بل الأخبار الدالّة على اشتراط التذكية متواترة ، وكذا
الإجماعات المنقولة ، فإنّ الظاهر منها ومن الأخبار أنّ الحليّة والطهارة
تتوقّفان على تحقّق التذكية وشرائطها ، لا أنّهما أصل يحكم بهما ، إلّا أن يثبت
عدم التذكية ، أو عدم شرائطها ، كما توهّم المتوهّم.
ويدلّ أيضا أنّ
ما يؤخذ من سوق المسلمين فهو محكوم بالتذكية ، وظاهره أن لا يكون مأخوذا من يد الكافر ، لأنّه
المتبادر.
قوله
: وضعيفة زرارة بسهل بن زياد ، قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن شراء اللحم من
الأسواق ولا يدرى ما يصنع القصّابون ، قال : فقال : إذا كان في سوق المسلمين فكل
ولا تسأل عنه » .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
هذه الرواية صحيحة أيضا ، كما حقّقنا في الرجال ، وجماعة من
المحقّقين على أنّ ضعف سهل سهل ، وأنّه من مشايخ الإجازة ، يذكرونه لمجرّد
__________________
اتّصال السند ، وأنّه مقبول الرواية البتّة ، فهي كالصحيحة عندهم ، مع
أنّها منجبرة بفتاوي الأصحاب أيضا.
قوله
: ولا يجب السؤال ، بل ولا يستحبّ [ وإن كان البائع غير معتقد للحقّ ] .. إلى آخره
.
يظهر من هذا
أنّ البائع لا بدّ من أن يكون من المسلمين ، أو من المسلمين بحسب الظاهر ، وأنّه
لا يجوز الأخذ من الكافر ، كما أشرنا.
قوله
: ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح حتّى تبرد الذبيحة .. إلى آخره
.
الظاهر أنّه
ليس في هذه الصحيحة قوله : « تبرد الذبيحة ».
قوله
: وما روى مسعدة بن صدقة ، قال : « سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن أكل الجراد ، فقال
: لا بأس بأكله ، ثمّ قال : إنّه نثرة من حوت البحر
، ثمّ قال : إنّ عليّا
عليهالسلام قال : إنّ الجراد
والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي » .. إلى آخره
.
لعلّه تعليل
لاتّحاد حكمه مع حكم السمك ، فتأمّل!
قوله
: وأيضا قالوا : الوجهان ، فيما إذا خرج وحياته مستقرّة ولكن الزمان لا يسع
التذكية فيموت قبل أن يذكّى ، الحلّ .. إلى آخره
.
المعتبر في
الصحاح المستفيضة التماميّة بحسب الجسد ، حيث قالوا عليهمالسلام : « إن
__________________
كان قد أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمّه » ، فالمعتبر تماميّة الأجزاء الخارجة عن ماهيّة الجسد ـ
مثل الشعر والوبر ـ ولم يعتبر في خبر ولوج الروح أو عدم ولوجه ، وأنّه لو ولج يكون
اللازم حينئذ التذكية على حدة ، بل ظاهر الأخبار أنّ تماميّة الخلقة بالنسبة إلى
مثل الشعر يكفي ، ولا يحتاج إلى تذكية على حدة ، وإن كان ولجه الروح.
__________________
الأطعمة والأشربة
في حال الاختيار
قوله
: قد توافق دليل العقل والنقل على إباحة أكل كلّ شيء خال عن الضرر [ وشربه ] ،
وقد تبيّن دلالة العقل على أنّ الأشياء الخالية عن الضرر مباحة ، ما لم يرد ما
يخرجه عن ذلك ، والآيات الشريفة في ذلك كثيرة أيضا ، مثل ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً ) ،
و ( كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ) .. إلى آخره .
لعلّ مراده من
الضرر العلم بالضرر ، كما يظهر من باقي [ كلامه ] ، وأنّه هو النافع ، لا ما فيه
الضرر واقعا ، لاحتمال الضرر في كلّ واحد منها ، إلّا ما علم عدم الضرر فيه ،
وقلّما يكون كذلك.
قوله
: ويؤيّده حصر المحرّمات ، مثل ( قُلْ لا أَجِدُ ) الآية.
نعم ، قد يحرم المحلّل بأشياء أخر مثل الغصب ، ويحلّ المحرّم بالاضطرار ،
وذلك غير
__________________
معتبر
.. إلى آخره .
لعلّ الحصر
بالإضافة إلى ما كان عادة أهل ذلك الزمان أكله ، ووقع النزاع في حرمته ، أو أحدث
الأحبار والرهبان والقسّيسون حرمته ، وإلّا فيتحقّق التخصيص الّذي لا يرضى به
المحقّقون وظهر فساده في موضعه.
قوله
: فالظاهر من كلامهم أنّه حرام أيضا ، وفيه تأمّل .. إلى آخره
.
قد مرّ الإشارة
إلى أنّه حقّ ، وإلى دليله ، وأنّه حديث صحيح واضح الدلالة ، وغير ذلك ، فلا وجه
لتأمّله.
في البهائم
قوله
: وصحيحة أبي بصير ، قال : « سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إنّ الناس
أكلوا لحم دوابّهم يوم خيبر » .. إلى آخره
.
سيجيء عند ذكر
لبن المحرّمات أخبار أخر ظاهرة في حلّيته ، بل وعدم كراهته ، فتأمّل!
قوله
: ولعلّ مقارنته بالمحرّمين منعه عن ذلك
، ولكن التقيّة أيضا
بعيد
__________________
عن
غير سؤال .. إلى آخره .
الداعي على الحمل
إن كان موجودا ، فلا يمنع منه ما ذكره ، إذ المقام لعلّه اقتضى الأمرين كما اقتضى
الحكم بخلاف الحقّ ، وإلّا فلا وجه للحمل عليها ، بل لا بدّ من الحمل على مرّ
الحقّ ، وقد عرفت ما يظهر منه الاقتضاء.
قوله
: فإنّه قد فهم عدم التحريم ممّا تقدّم ، وأنّ قوله عليهالسلام في الأوّل « إنّما
الحرام ما حرّمه الله في كتاب »
.. إلى آخره .
الّذي فهم ممّا
تقدّم أنّ نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المعهود المعروف ما كان إلّا لأجل فناء ظهور ، فالنهي ما
تعلّق إلّا به ، وإلّا فهي حلال ، والّذي ظهر من صحيحة ابن مسكان ـ الّتي هي الأصل في المقام ـ أنّ النهي المعهود عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان عن نفس طرقها ، فلا يأكل إلّا أن يضطرّ ، والمعلّق
على الاضطرار ظاهر في كونه بغير الاضطرار غير حلال ، فالدلالة مؤكّدة مضادّة
لدلالة تلك الأخبار.
فالحمل على
التقيّة متعيّن ، لكون تلك الأخبار موافقة لطريقة الشيعة ودأبهم ، وكون الصحيحة
وما وافقها موافقة لطريقة أهل السنّة.
والتوجيه لورود
نهيين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أحدهما على الكراهة ـ وهو
__________________
المتعلّق بنفس اللحوم ـ والآخر بإفناء الظهور ، فيه ما فيه.
قوله
: وبالجملة ، الاجتناب عن الكلّ حسن ، وعنهما أحسن ، إلّا مع الاضطرار فيختار
الأخفّ على الطبع .. إلى آخره
.
في « بداية »
الحرّ رحمهالله روى أنّه نهى النبي عن لحوم الحمير الأهليّة ، وليس
بالوحشيّة بأس.
وعن أمير
المؤمنين عليهالسلام النهي عن أكل الفحل وقت اغتلامه .
وقال عليهالسلام : « لا بأس بلحوم البخت ، وشرب ألبانها ، وأكل لحومها ،
وأكل الحمام المسرول » .
وقال عليهالسلام : « لا آكل لحوم البخاتي ، ولا آمر بأكلها » .
وروي : « من
تمام [ حبّ ] الإسلام حبّ لحم الجزور » .
قوله
: والظاهر أنّ المراد بالمخلب : هو الظفر ، وقد يوجدان معا في السبع ، كالسنّور
والأسد .. إلى آخره .
يمكن أن يكون
المراد أنّه لم يخرج بعد نابه أو سقط ، ويحتمل أن يكون بعض السباع يفترس بافتراسه
من دون ناب ، فتأمّل!
قوله
: وحصر المحرّمات دليل حلّ أكثر الأشياء ، خصوصا الأرنب ، إلّا أن
__________________
يثبت
التحريم بدليل شرعي ، وليس بواضح .. إلى آخره
.
فالحمل على
التقيّة متعيّن ، لحلّيته عند العامّة ، بل حلّية جميع ما ذكر عند بعض منهم .
في الطيور
قوله
: وأنّ المذاهب في الغراب ثلاثة .. إلى آخره
.
بل أربعة.
قوله
: فإنّ المسألة مشكلة ، وأيضا ما وجدت دليلا بخصوصه على تحريم المعدودات .. إلى
آخره .
لا إشكال في
الحرمة ، بعد صحّة السند ، وعلوّ في الجملة ، وموافقته لأخبار أخر ، وعدم معارض
أصلا ، لما عرفت من أنّ مثل زرارة ليس بحجّة من وجوه متعدّدة ، كلّ وجه منها مستقلّ ،
فضلا عن المجموع ، بل ربّما كان هذه الرواية تؤيّد كون الغراب مثل الجرّي وغيره ممّا هو حرام عند
الشيعة ، مع أنّ
__________________
أكثر الغربان من سباع الطيور ، ولا تأمّل في حرمة السباع ، لا من جهة
الأدلّة ، لصحّتها وكثرتها ، ولا من جهة الفتاوي ، لما عرفت.
وأيضا ، بعض
منها من الخبائث ، وبعض منها صفيفه أكثر ، مع عدم التأمّل في حرمته حرمة الخبيث
أيضا.
ومن هذا ظهر
حال الموثّق أيضا ، مع أنّ الموثّق وغير الصحيح كيف يعارض الصحيح؟
سيّما مع ما في الصحيح من المقوّيات ، وفي غير الصحيح من المفاسد.
هذا ، مع أنّ
القائل بالكراهة مطلقا رجع عن رأيه كما لا يخفى ، بل أفتى بعد الرجوع بالحرمة
مطلقا ، مع أنّه تأمّل بعض المحقّقين في كون ما يختاره في الكتابين رأيه .
[ و ] يعضد
تأمّله أنّه كثيرا يذكر ما هو ظاهر في كونه مختاره ، ومع ذلك ينسب ذلك في « الخلاف
» وغيره من كتبه إلى العامّة خاصّة ، ويذكر أنّ الشيعة على خلافه.
قوله
: وإنّما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا مفصّلا وحرّم
الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
المسوخ
جميعا ، فكل الآن من طير البرّ ما كان له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة
كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان ، وكلّ ما صفّ فهو ذو مخلب ، وهو حرام ،
والصفيف كما ترى بطير البازي والحدأة والصقر وما أشبه ذلك ، وكلّ ما دفّ فهو
حلال ، والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه ، وكلّ طير مجهول
.. إلى آخره .
لعلّ المراد من
هذا الكلام إظهار أنّ الصفيف لا يلزم أن يكون خالصا عن الدفّ ، بل ما يكون الغالب
هو الصفّ ، مع أنّه قلّما يوجد الصفيف الخالص ، بل ربّما لا يوجد أصلا ، فهذا
قرينة أخرى على إرادة الغلبة ، فاتّفق الأخبار والفتاوي ، فتأمّل!
قوله
: واعلم أنّ رواية ابن بكير صريحة في أنّه يكفي للتحليل أحدها ، فالظاهر
أنّها لا تجتمع مع المحرّم ، ورواية مسعدة
تدلّ على أنّ القانصة
وحدها كافية ، والظاهر أنّ أختيها كذلك ، لكن شرط عدم اجتماعها مع علامة التحريم ـ
وهي المخلب ـ فيدلّ على إمكان الاجتماع ، مع تغليب علامة التحريم .. إلى آخره
.
بل ربّما يظهر
ذلك من رواية سماعة ، حيث قال عليهالسلام : أسباب الحرمة على
__________________
سبيل الكلّية ـ هي : الناب ، والمخلب ، وكونه سبعا ، وكونه مسخا ، وفرّع
على القواعد الكلّية المذكورة قوله عليهالسلام : « فكل الآن الطير من طير البرّ ما كان له حوصلة ،
وطير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان » .
يعني لمّا كان
كلّ هذه الأصناف محرّمة ، فلا يحلّ أكل طير ما لم يكن خالصا عن الأمور المذكورة ،
ولم يكن خالصا ما لم يكن له حوصلة في البرّي ، وقانصة في المائي ، ولذا لو كان له
معدة كمعدة الإنسان يكون مسخا أو سبعا ، وكلمة الفاء تفريع على ما تقدّم ، وقوله :
« الآن » إشارة إلى وقت عدم التحقّق الحقيقي والتشخيص الواقعي في معرفة الأشخاص من
الكلّيات المذكورة ، والتمييز بينها .
ولعلّ المراد
أنّ الله تعالى جعل في البرّي عوض معدة الإنسان أو السباع أيضا الحوصلة ، فلا
ينفكّ البرّي الحلال عنها ، وفي المائي القانصة ، فلا ينفكّ المائي الحلال عنها ،
وإن كان في الأكثر منهما اجتمع العوضان.
وأمّا الصيصية
، فلعلّها لا تنفكّ عن أحد العوضين غالبا ، فلذا لم يتعرّض لذكرها في غير هذه
الرواية أيضا ، وإن كان ربّما تنفع معرفة الصيصية أيضا.
وبهذا ظهر
الجمع بين الأخبار ، بعد ما يجعل طير الماء في قوله : « فطير الماء » ـ في رواية
زرارة ـ الطير الّذي يؤتى به مذبوحا ، بملاحظة صدر هذه الرواية إلى هذا القول ،
وأنّ الغالب في البلدان عدم المعرفة به إلّا في صورة الإتيان
__________________
به مذبوحا ، فتأمّل!
قوله
: « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن قتل الستّة :
النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطّاف » ، فيها دلالة على كراهة الستّة ، ولعلّ فيه أنّ
الأمر يكون بمعنى الجواز ، ويفهم أنّ المراد بالنهي عن القتل النهي عن الأكل ، حيث
رمى به بعد أن كان مذبوحا ثمّ نقل النهي عن القتل ، فتأمّل .. إلى آخره
.
وظاهره التحريم
ـ كما قال بعض الفقهاء به ـ إلّا أنّ ضعفه يمنع عن ثبوته.
قوله
: في « الكافي » أنّه رفع إلى داود الرقّي أو غيره ، وزاد في آخرها بعد قوله « نهى
عن قتل الستّة » منها : الخطّاف ، وقال : « إنّ دورانه في السماء أسفا لما فعل
بأهل بيت محمّد عليهمالسلام ، وتسبيحه قراءة ( الْحَمْدُ لِلّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ ) ،
ألا ترونه يقول ( وَلَا الضّالِّينَ ) .. إلى آخره .
وورد أنّ « خرء
الخطّاف لا بأس به ، وهو فيما يحلّ أكله ، لكن كره أكله ، لأنّه استجار بك » ، وفي آخر «
لا تأكلوا القبّرة ولا تسبّوها ، ولا تعطوها
__________________
الصبيان يلعبون بها ، فإنّها كثيرة التسبيح لله تعالى » .
في حيوان البحر
قوله
: وقد ادّعي إجماع المسلمين على حلّ السمك الّذي له فلس
، وإجماع الأصحاب على
تحريم ما ليس بصورة السمك من سائر حيوان البحر ، وهو غير ظاهر .. إلى آخره
.
قد مرّ روايات
في الخزّ أنّه : « إن كان له ناب فلا تأكله ، وإلّا فكله » ، وفي الخبر «
إنّه كلب الماء » ، و « إنّه سبع يأوي في الماء » .
ويمكن الحمل
على أنّه عليهالسلام كان يدري أنّ له نابا ، ويشهد على ذلك حكمه عليهالسلام بأنّه سبع ، وأنّه كلب ، فقوله : « أنظر إن كان له ناب
فلا تأكله ، وإن لم يكن فكل » إرشاد للراوي إلى ظهور حرمته من حيث أنّه حرمة ذي
الناب ما كانت مخفيّة عليه ، فتأمّل!
قوله
: [ خرج ما أجمع على تحريمه بحيث ] لا يمكن تأويله بالنصّ والإجماع ، مثل الجرّي ـ
إن صحّ ما قيل فيه ـ وبقي الباقي .. إلى آخره
.
نقل ابن المفلح
رحمهالله عن ابن البرّاج رحمهالله أنّه قائل
__________________
بكراهة الجرّي .
في المائعات
قوله
: وأنّ النبيذ منه في الجملة ، ومنه حرام ، ومنه حلال ، وبيّنه ، وأن لا تقيّة في
بعض الأمور يحتمل ، لأنّه معلوم بحيث لا يمكن التقيّة ، أو لوجود قائل بتحريمه
منهم أيضا ، فتأمّل .. إلى آخره
.
وأنّ من
الإطلاق كانوا يفهمون الحرام ، وأنّ بزيادة المكث عمّا ذكر ربّما يعرضه السكر ،
وأنّه حينئذ لا يشرب من خوف عروضه ، والّذي بيّنه أنّ الحلال في صورة خاصّة ،
ولعلّه لا يلائم رأى الشارح من حلّية التمري والزبيبي ، فتأمّل!
قوله
: فلو غلى ماء العنب في حبّه لم يصدق عليه أنّه عصير غلى ، ففي تحريمه تأمّل ،
ولكن صرّحوا به ، فتأمّل. والأصل والعمومات وحصر المحرّمات دليل التحليل حتّى يعلم
الناقل .
هذا مبنيّ على
كون العصير مستعملا في معناه اللغوي ، وهو لا يرضى به ، بل يبني على استعماله في
معنى جديد منقول عنه.
وعلى هذا ، لا
وجه للتأمّل أصلا ، لما قرّر في الأصول من أنّ التسمية لوجود معنى لا يقتضي
الاطّراد ، والعلاقة في المنقول غير ملحوظة في الاستعمال ، ألا ترى أنّ الفرس ـ
مثلا ـ دابّة وإن لم يدبّ ، والزجاج قارورة وإن لم يكن مقرّا.
__________________
إلى غير ذلك من
المنقولات ، وعباراتهم تنادي بأنّ العصير هو ماء العنب وقع عصر أم لا! ولذا لا
يحكمون بحرمة غير العصير ، ويستشكلون في التمر والزبيب إذا غليا بمساواتهما له في
المعنى ، فلو كان منحصرا في الخارج بالعصير لكان مبدأ العصر مأخوذا فيه ، فلا
يتحقّق المساواة له ، بل المساواة لغير المعصور ، وهو ليس بحرام بالنصّ ، فلا يتحقّق
القياس.
مع أنّ
المستشكلين لم يتعرّضوا لحكم المطبوخ أصلا ، بل حكموا بحرمة العصير وقاسوا عليه
التمر والزبيب ، ثمّ حكموا بالحلّية بناء على عدم حجيّة القياس .
وأيضا ، يلزمهم
على هذا ، الاستشكال في العنب المطبوخ أيضا ، ثمّ الحكم بالحلّية ، لعين ما
ارتكبوا في التمر والزبيب ، وهم لم يتعرّضوا أصلا ، مقتصرين الاستشكال في التمر
والزبيب ، بل ومصرّحين بحلّية غيرهما من غير إشكال ، والمتعرّض له حاكم بالحرمة من
غير إشكال ، إلّا الشهيد الثاني رحمهالله ، لكنّه غفلة منه رحمهالله ـ مثل الشارح ـ خلط بين اللغوي والاصطلاحي ، وذهولا عن مناقضة استشكاله لما
استدلّ به على الاصطلاح ، وما بنى عليه من قصر التحريم في العنبي.
على أنّه يظهر
من غير واحد من الأخبار أنّ الحرمة باعتبار كونه عنبا من دون مدخليّة العصر ، منها
: ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر .
فظهر أنّه على
القول ببقاء معناه العصير على المعنى اللغوي أيضا لا إشكال
__________________
في الحرمة ، وذكر العصير بناء على أنّه بحسب العادة هكذا يطبخ ، فتدبّر!
قوله
: وأنّ العصير بظاهر لغته تمام عن عصر العنب
.. إلى آخره .
في « القاموس »
: ( العنب ونحوه يعصره ، فهو معصور ، وعصير ) .
قوله
: وحصر المحرّمات ، مؤيّدا بالشهرة ، دليل الحلّ حتّى يعلم كون المراد بالعصير ما يعمّ
، فتأمّل .. إلى آخره .
هذا مخالف
للقاعدة المقرّرة الشرعيّة في جميع أبواب الفقه ، المسلّمة بالنسبة إلى موضوعات
الأحكام الشرعيّة ـ مثل مباحث الألفاظ وغيرها ـ من أنّ الأصل العدم ، والأصل
البقاء حتّى يثبت خلافه ، وأنّه لا ينقض اليقين إلّا بيقين ، ولم نر من
الشارح
مخالفتها إلّا في هذا الموضع ، فالأصل والعمومات لا تعارض النصوص ، والشهرة ليست
بحجّة مع أنّ فيها تأمّلا ، لأنّ فقهاءنا بأجمعهم حكموا بتحريم العصير ، وكلامهم
بمقتضى القاعدة يفيد العموم ، كالحديث ، ولم يذكر عباراتهم حتّى نستعلم.
نعم ، كلام الفاضلين
وبعض من تبعهما ظاهر في الاختصاص ، لكن بهذا القدر لا يثبت ، وسيجيء تمام الكلام.
قوله
: لا يستلزم اشتراكه معها في النجاسة ، وهو ظاهر ، وعلى القول بنجاسته قالوا :
يطهر بذهاب ثلثيه ، وصيرورته دبسا
أو خلّا ، وأيضا قالوا
:
__________________
إذا
ألقي فيه شيء حال غليانه أو قبله ثمّ نجس بالغليان نجس ذلك أيضا ، وإذا
طهر يطهر ذلك أيضا معه ، ولا يمنعه من الطهارة بما يطهّره ، كما إذا كان خمرا ألقي
فيها شيء ثمّ صار خلّا ، وفي ذلك كلّه تأمّل ، إذ ما نجد دليلا على ذلك إلّا ما
تقدّم ممّا يدلّ على الحلّ بذهاب ثلثيه ، وهو مستلزم للطهارة ، ولكن ما علم طهارته
مع وقوع شيء فيه صريحا ، فتأمّل .. إلى آخره
.
اعلم أنّ
الظاهر من بعض الأخبار أنّ العنب بالغليان يصير خمرا ويدخل في حدّ الخمريّة ، مثل
ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر عن أبي الربيع الشامي ، قال : « سألت
الصادق عليهالسلام عن أصل الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها؟ ومتى اتّخذ
الخمر؟ فقال : إنّ آدم عليهالسلام لمّا هبط من الجنّة اشتهى من ثمارها. إلى أن قال : فأخذ
روح القدس ضغثا من نار [ و ] رمى عليهما ، والعنب في أغصانهما ، حتّى ظنّ آدم أنّه
لم يبق منهما شيء ، قال : فدخلت النار حيث دخلت ، وقد ذهب ثلثاهما وبقي الثلث ،
فقال الروح : ما ذهب [ منهما ] فحظّ إبليس ، وما بقي فلك » .
وروى أخرى عنه عليهالسلام مثله ، ثمّ روى عن إبراهيم ، عنه عليهالسلام هذه الحكاية لبيان أصل تحريم الخمر ، إلّا أنّ فيها أنّ
إبليس مكر بحوّاء « فأخذت عنقودا من عنب فأعطته ، فمصّه ولم يأكل منه. فلمّا ذهب
يعضّه جذبته [ حوّاء ] من فيه ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّ العنب
قد مصّه [ عدوّي وعدوّك ] إبليس ، وقد
__________________
حرّمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس » الحديث.
ولا يخفى أنّه
ما حرّم كلّ عصيرة ، بل ما خالطه نفس إبليس ، وهو الثلثان على ما صرّح به في
الخبرين السابقين ، وكذا في خبرين آخرين رواهما بعده ، ويؤيّده
قوله : « مصّه ولم يأكل » ، وأنّ هذه الحكاية مسوقة لما سيق تلك الحكايات له ،
فتأمّل.
وقول الكليني :
( باب أصل تحريم الخمر ) لا شكّ في أنّ المراد منه الخمر الواقعي ، موافقا لما هو
المستفاد من الروايتين ، ووافقه على ذلك الصدوق.
قال في آخر «
الفقيه » في باب حدّ شرب الخمر : ( قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر
من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تمسّه النار فيصير أعلاه أسفله فهو
خمر ، فلا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ) ، ولم يذكر الصدوق حرمة العصير في « الفقيه » أصلا ،
إلّا في هذا الموضع بهذا العنوان.
فظهر أنّهم
يعتقدون دخول العصير في حدّ الخمر بمجرّد الغليان ، فلعلّ غيرهم من القدماء أيضا
على هذه العقيدة ، وبها حكموا بالنجاسة ، لأنّ الخمر عند غير الصدوق نجس ، وكذا
كلّ مسكر ، والظاهر منهم ومن النصّ أيضا أنّه يدخل في حدّ المسكر أيضا ، وهو أيضا عندهم
نجس .
فإن قلت : ليس
بمسكر بالوجدان ، ولا يطلق الخمر عليه عرفا ولغة حتّى
__________________
يحكم بالنجاسة من هذه الجهة ، كما حكموا في الفقاع وإن لم يسكر .
قلت : من
المقرّر أنّ الرجوع إلى العرف واللغة حيث لا يظهر اصطلاح من الشرع ، وقد ظهر ذلك
من كلام الفقهاء والأخبار ، على قياس ما قلتم في اختصاص العصير بالعنبي ، وبعروض
الاجتهادات والشبهات ومرور الأيّام خفي على المتأخّرين ، كما خفي الاختصاص على
الشارح وأمثاله وعلينا ، بل مثل الوضوء والصلاة وقع النزاع في كونها حقائق شرعيّة
أم لا ، حتّى أنّ معظم المحقّقين اختاروا العدم ، فما ظنّك بما نحن فيه؟! مع أنّ
الكليني والصدوقين في غاية القرب من عهد الشارع ، بل هما من المعاصرين ، ومع ذلك
قلّما وقع منهم اجتهادات.
سلّمنا عدم
ثبوت الاصطلاح ، لكن الظاهر من كلامهم ومن الأخبار الدخول في حدّ السكر ، وما يحكم
الوجدان بانتفائه هو السكر بالمعنى الّذي عرّفه بعض المتأخّرين ، وهو : أن لا يعرف
السماء من الأرض ، والطول من العرض ، لكن قصر السكر في هذا المعنى مخالف للعرف ،
واللغة ، والحديث ، والاعتبار ، إذ ربّما لا يختلّ عقل بعض المعتادين للشرب إلّا
شيئا يسيرا وكلماتهم مضبوطة ، وحركاتهم منتظمة ، قلّما يصدر منهم شائبة اختلال ،
ومع ذلك إذا صدر يقولون : هذا من سكره.
وأيضا ، الخمور
سكرها متفاوتة شدّة وضعفا ، بل بعض الخمور الرديئة ـ عند الشاربين ـ له سكر في
غاية الضعف.
وقال محقّق في
اللغة : ( في ترتيب السكر : إذا شرب الإنسان فهو نشوان ، وإذا دبّ فيه الشراب فهو
ثمل ، وإذا ذهب من عقله فهو سكران ، فإذا زاد منه
__________________
امتلاء فهو سكران طافح ، فإذا كان لا يتمالك ولا يتماسك فهو ملتخّ
وملطخ ، وإذا كان لا يعقل من أمره شيئا ولا ينطلق لسانه فهو سكران ) .
وقال في باب
أوائل الأشياء : ( النشو : أوّل السكر ) .
وفي « النهاية
» : ( الانتشاء أوّل السكر ومقدّماته ) .
وروى الكليني ،
عن أبي الجارود ، عن الباقر عليهالسلام : إنّ « ما زاد على الترك جودة فهو خمر » .
وفي توقيع صاحب
الأمر عليهالسلام : « إذا كان كثيره يسكر أو يغيّر ، فقليله وكثيره حرام
» .
والظاهر منهما
أنّ أدنى تغيّر من عالم السكر يكفي لكونه مسكرا.
وأمّا الاعتبار
، فهو شاهد على ما ظهر من اللغة.
ويعضد ما ذكرنا
قول الأطبّاء : السكر هو تشويش الروح الّذي في الدماغ ، وقالوا في مقدار الشرب :
ما دام السرور يتزايد والذهن سليما فلا يخف من إفراط الشرب ، فيه تصريح بأنّ مجرّد
السرور كاف لتحقّق السكر ، والعرف واللغة والحديث أيضا ظاهرة فيه ، ولعلّ سرور
السكر سرور خاصّ ، فتدبّر.
فعلى هذا ،
نقول : مزاج الخمر وحالتها مخالف لمزاج العنب ، ولا يصير خمرا إلّا أن يتغيّر عن
الحالة الاولى إلى الثانية ، وهذا التغيّر بتمامه لا يحصل دفعة ، بل يحدث شيئا
فشيئا ، يحدث أوّلا شيئا يسيرا ضعيفا غاية الضعف من الحالة
__________________
الخمريّة. لا يكاد يشعر به إلّا الحذّاق الماهرين في الفن ، ثمّ لا يزال
يزيد شيئا فشيئا على التدريج حتّى تزول الحالة الأولى بالمرّة ويكمل الثانية.
مع أنّ الثانية
أيضا درجاته متفاوتة جدّا كما أشرنا ، فلعلّ أوّل التغيّر من الحالة الاولى إلى
الثانية وعروض شيء من عالمه هو بالنشيش والغليان.
وبالجملة ،
يحصل به أوّل درجة من السكر ـ الدرجة الضعيفة غاية الضعف ـ ويظهر ذلك من إكثار
الشرب ، إذ المعتبر سكر كثيره لا مطلقا.
فإن قلت : إذا
ظهر السكر يكون خمرا لغة وعرفا ، وليس كذلك.
قلت : الإنكار
بحسب اللغة غير مسموع ، وكذا العرف ـ إن أردت عرف الجميع ـ كيف والراوي سأل عن أصل
حرمة الخمر ، وبجواب المعصوم عليهالسلام سكت ورضي! وذكرنا عن القدماء ما ذكرنا ، ومع ذلك نقول :
الرطب والعنب وأمثالهما ربّما يحدث في أنفسها حموضة ما بسبب حرارة الهواء ، ومكث
زائد ، وغير ذلك ممّا يفسدها في الجملة ، ومع ذلك لا يسمّونها ـ بمجرّد ذلك ـ خلّا
، وليست بخلّ عندهم حقيقة ، بل حقيقة عندهم رطب وعنب لكن فيها حموضة ، والحموضة
حالة خلّية كما أنّ السكر حالة خمريّة.
والشارع جعل
السكر علّة للحرمة والنجاسة من دون فرق بين درجته القويّة والضعيفة ، وما يعرفه
أهل الفن ـ أو الكلّ ـ يتحصّل ، وذلك من مجرّد شربه ، أو من الإكثار من شربه ولو
غاية الإكثار يحدث في مزاج كلّ من يشرب أو الغالب أو بعض من يشرب ، بل ولو كان
نادرا ، إذ لعلّ كلّ من يشرب مزاجه مزاج النادر ، فحرم مطلقا ، حسما لمادّة الفساد
، ويظهر ذلك من ملاحظة الأخبار والأحكام المتعلّقة بالمسكرات كما حقّقناه في الرسالة .
__________________
قوله
: ويدلّ عليه أيضا بعض الروايات ، مثل : رواية جعفر بن أحمد المكفوف ، قال : «
كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الأوّل عليهالسلام ـ أسأله عن السكنجبين
، والجلّاب ، وربّ التوت ، وربّ الرمّان ، وربّ التفّاح
، فكتب : حلال » ، وفي رواية أخرى له عنه عليهالسلام ، وزاد : « ربّ
السفرجل إذا كان الّذي يبيعها غير عارف ، وهي تباع في أسواقنا ، فكتب : جائز ، لا
بأس بها » .
وفيهما مع الغليان خلاف ، والمشهور الحلّ ، ويؤيّده الأصل والعمومات وحصر
المحرّمات في الآية ، والأخبار كثيرة
، وقيل بالتحريم ، بل
يظهر أيضا القول بالنجاسة من « الذكرى »
.. إلى آخره .
بل ادّعى بعض
الفضلاء : عدم تحقّق خلاف في التمري ، وقال : بل الأصحاب يذكرون تحريمه بعنوان
الاحتمال في المسألة والاستشكال ، لا نقل القول ، وأمّا الزبيبي ففيه ـ لغة ـ خلاف
نادر.
وفيه :
أولا : أنّهم
نقلوا القول ـ مثل الشارح وغيره ـ بل نقلوا القول بالنجاسة
__________________
أيضا ، مع أنّ العصيرات كثيرة ، فلا وجه للتعرّض للتمري والاستشكال فيه
بخصوصه ، والحكم بعدم الإشكال في غيره أصلا ، على أنّه نقل القول بوجوب الحدّ على
شاربه حدّ شارب الخمر .
وثانيا : إنّا
لم نجد القول بحلّيتهما إلّا من الفاضلين وبعض من وافقهما ، ولم نطّلع على عبارات باقي الأصحاب وما نقلوها في
مقام ادّعاء الشهرة ، حتّى ننظر إليها ونرجع ونراهم يقنعون في النسبة إلى الشهرة
بمجرّد ما رأوه في كتب الفاضلين.
مع أنّ عبارة «
دروس الشهيد » ربّما تشعر بخلاف ذلك ، حيث نسب القول بحلّية التمري ـ مع كونها
مقتضى الأصل والكتاب والسنّة والإجماع وحكم العقل ـ إلى القيل ، مع أنّ
الحلّية لا تحتاج إلى التعرّض لذكرها ، لما أشرنا ، ولأنّه خلاف طريقتهم من
التعرّض ، لذكرها دون ذكر الحرمة ، إذ التعبير بكذا يرتكبونه في موضع يقتضي الأصل
والأدلّة وكلام الأصحاب الحرمة.
وأمّا الزبيبي
، فقد حكم بالحرمة من دون إشارة إلى خلاف فيما إذا نشّ ، بل نقل الخلاف في صورة
الغليان خاصّة ، فيه شهادة على عدم اعتداده واعتنائه بالخلاف في صورة النشيش .
مع أنّ الحليّة
هي الموافقة للأصل والأدلّة الّتي أشرنا إليها ، مضافا إلى
__________________
شهرتها بين الأصحاب ـ على ما يقولون ـ والشهرة عند الشهيد حجّة .
هذا كلّه ،
مضافا إلى عدم دليل على الحرمة ـ كما تدّعون ـ سيّما وأن يعارض تلك الأدلّة ،
ولعلّ هذا من الشهيد رحمهالله بناء على أنّه يظهر من الفاضلين في المقام المسامحة في
نقل الأقوال والأدلّة ، لأنّ الحلّية كانت في نظرهما جليّة ، فما اعتنيا بقول
الحرمة ومنشئه كما وقع من الشهيد بالنسبة إلى قولهما ، وكثيرا ما يفعلون كذا ،
سيّما في كتب فتاويهم.
ويشير إلى
مسامحتهما أنّ الصدوق في أوّل « الفقيه » عند ذكر الوضوء بماء التمر ، قال : (
والنبيذ الّذي يتوضّأ به وأحلّ شربه هو الّذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ ، وينبذ بالعشيّ ويشرب
بالغداة ) .
وهذا الكلام في
غاية الظهور في منعه عن شرب ماء التمر لو زاد مكثه عمّا ذكر ، ويدلّ عليه الأخبار
المستفيضة .
وأهل السنّة
أيضا رووا في صحاحهم مضمون هذه الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو مذهب الكليني رحمهالله أيضا كما يظهر من « الكافي » ، بل وربّما
كان مذهب الشيخ أيضا ، حيث ذكر الأخبار على وجه ظاهره الاعتماد عليها من دون توجيه
.
__________________
وهذا المذهب
أدلّته تناقض مذهب الفاضلين من وجوه :
الأوّل :
قصرهما الحرمة في صورة السكر ، وبهذا المكث لا يصير مسكرا عندهما جزما.
الثاني :
ظاهرهما أنّ النبيذ الحلال منحصر فيما ذكر ، والباقي داخل في الحرام الّذي هو مذهب
الشيعة ويظهر من أخبارهم .
الثالث : إذا
كان حراما بمجرّد ازدياد المكث ، كان حراما بالنشيش بطريق أولى ، لأنّه لا يحصل ـ
عادة ـ إلّا فيما زاد المكث عمّا ذكر ، بل وربّما كان منشأ المنع هو مظنّة النشيش
، كما فهم الشهيد رحمهالله ، حيث قال في « الدروس » عند تحريم الفقاع : ( وفي
رواية شاذّة حلّ ما لم يغل ، وهي محمولة على التقيّة أو على ما لم يسمّ فقاعا كماء
الزبيب قبل غليانه ، ففي رواية صفوان ، عن الصادق عليهالسلام : « حلّ الزبيب إذا نقع غدوة وشرب بالعشيّ ، أو ينقع
بالعشيّ ويشرب غدوة » انتهى.
ويظهر من كلامه
أنّ بعد النشيش يصير فقاعا ، وهو حرام بالإجماع وإن لم يسكر ، كما يظهر من فتاوي
الأصحاب .
ولعلّ هذا هو
السرّ في تخصيص الشهيد نقل الخلاف في صورة الغليان.
وممّا يشير إلى
مسامحتهم ، جعلهم منشأ احتمال الحرمة القياس ، واستشكالهم من جهته ، مع أنّه حرام
بالضرورة ، مع أنّ السنّي العامل به لا يعمل بمثله ، لعدم ظهور الجامع بين العصير
وبينهما بالخصوص ، دون ماء العسل وماء
__________________
الشعير وما ماثلهما من الأنبذة.
وبالجملة ،
السنّي لا يعمل به ، فضلا عن أن يخرج به عن تلك الأدلّة القويّة ، مضافا إلى أنّ
مثل هذا لو صار منشأ للإشكال في مثل ما نحن فيه ليقع الإشكال في غالب الأحكام ،
ولم يعهد ذلك منهم ، مضافا إلى أنّه ورد أخبار كثيرة تشير إلى الحرمة ، منها ما
أشرنا ، ومنها ما سنشير إليه ، ودلالتها ظاهرة.
وعلى فرض عدم
تماميّة الدلالة ، لم يكن أسوأ حالا من القياس الحرام بالضرورة ، الفاسد عند أهل
السنّة أيضا ، بل لا شكّ في أنّها أولى بالتعرّض إلى ذكرها بمراتب
شتّى.
فإن قلت : لعلّ
المحرّم حرّم بهذا القياس ، وهم ذكروا تبعا له.
قلت : أوّلا :
أنّك أنكرت القائل بالحرمة في التمري ، ونسبت تحريم الزبيبي إلى الشاذّ ، والشاذّ
استدلّ برواية عليّ بن جعفر .
وثانيا : إنّا
قد أشرنا إلى قول الصدوق ، والكليني ، بل والشيخ أيضا ، وأنّ دليلهم
الأخبار المستفيضة ، وكذا إلى قول « الدروس » ، ودليله رواية عمّار .
وثالثا : إنّ
الكليني والشيخ رويا ما دلّ على حرمتهما على وجه لم يبق للملاحظ شكّ ولا شبهة في
أنّهما عاملين بمضمونها ، وما ظهر منها ، من دون تعرّض إلى توجيه ، إذ لو كان
غرضهم المعنى التوجيهي مثلكم لتعرّضوا لذكره
__________________
قطعا ، بل قال الكليني : باب صفة الشراب الحلال ، وأتى بالأخبار الظاهرة .
وبالجملة ،
الظاهر أنّهما من المحرّمين بالنشيش والغليان أيضا ، فتأمّل.
سلّمنا ، لكن
لا وجه لنقلهم ذلك منشأ الإشكال ومتابعتهم ، بل كان اللازم عليهم الإنكار الشديد
على المحرّم في استدلاله هكذا ، أو حكمه بالحرمة ، والإخراج من الأصل والأدلّة
العظيمة بمجرّده.
بل كان اللازم
عليهم إظهار عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من الربوبات المباحة ، لا أنّ يستشكلوا
ثمّ يقولوا : الأقرب الحلّ.
بل قال
العلّامة في جواب مسائل السيّد مهنّا : ( وأمّا الزبيب ، فالأقرب إباحته مع انضمام
غيره ) ، ويظهر منعه عن الخالص ، وهو محلّ النزاع ، واستشكاله في المخلوط أيضا ،
لأنّ الناس في جميع الأزمان والأصقاع يستعلمونه من غير نكير.
وقال ولده رحمهالله في « حاشيته » أنّه سأله عن العصير الزبيبي فظهر منه
التوقّف والتورّع.
وحكم فخر
المحقّقين بالإباحة من جهة أنّ تحريمه يوجب الحرج في الدين .
فظهر ممّا ذكر
حال ما ادّعاه بعض الفضلاء ، مضافا إلى أنّ الشهرة مبنيّة على كون العصير صار
حقيقة في العنبي ، كما أشرنا في الحاشية ـ وفيه مناقشة ستعرف ـ وكذا مبنيّة على
كون الأصل في النبيذ الحلّية ، وفيه ما مرّ ، فتأمّل!
__________________
قوله
: بل يظهر أيضا القول بالنجاسة من « الذكرى » ، والظاهر الطهارة .. إلى آخره
.
وقيل بأنّه
يحدّ شاربه حدّ شارب الخمر .
قوله
: والمراد منه العصير العنبي ، كما يفهم من كلامهم ، ومن ظاهر الأخبار ، ولهذا ما
قال أحد بالعموم إلّا ما أخرجه الدليل ، وما استدلّ القائل بعدم إباحتهما بتلك
العمومات ، وما استدلّ له بها أيضا ، فكأنّ العصير عندهم مخصوص بالعنب بالوضع
الثاني ، فتأمّل .
يخدشه أنّ أهل
اللغة مع شدّة عنايتهم في ضبط المعاني ـ حتّى أنّهم ضبطوا المجازات المستعملة ،
والعبادات مع أنّها وظائف شرعيّة ـ لم يتحقّق لأحد منهم إلى ذلك إشارة ، وأيضا ورد
في غير واحد من الأخبار التقييد بالعنبي ، وفيه إشارة إلى بقاء عدم النقل ، والتأكيد خلاف الأصل
والظاهر.
وأيضا ، لفظ «
كلّ » ، و « أيّ » في الأخبار ربّما يشعران بعدم الاختصاص ، وإن أمكن التوجيه ،
لأنّه توجيه ، لا من الاحتمالات الظاهرة.
وأيضا ، ما
يظهر من الأخبار هو الاستعمال فيه ، وهو أعمّ من الحقيقة ، وإن بلغ من الكثرة
غايتها ، كاستعمال العام في الخاص ، حتّى قيل : ما من عامّ إلّا وقد خصّ ،
والاستعمال في العنبي في معدود من الأخبار ، مع أنّ استعمال الكلّي في الفرد حقيقة
إذا أريد الخصوصيّة من القرينة. فلعلّ ما نحن فيه منه ، سيّما والأصل
__________________
الحقيقة ، مع أنّ الاستعمال في بعضها من باب استعمال الكلّي في الفرد بلا
شكّ.
وأيضا ، لفظ
الكلّي في الغالب ينصرف عند الإطلاق إلى الفرد الغالب ، أمّا مع لفظ كلّ ، وأيّ ،
والجميع ، وقاطبة. وأمثاله ، فلا ، كما تقول : بع بالنقد منّا ، فاللفظان ينصرفان
إلى الغالب ، بخلاف ما لو قلت : بع بأيّ نقد ، وكلّ منّ.
فلعلّ العنبي
يكون من الشائع الغالب ، وهذا هو الظاهر ، فالظهور لعلّه من هذه الجهة.
وأيضا ، نظائر
العصير من المشتقّات ، مثل : طبيخ والمطبوخ والمأكول والمشروب وأمثالها ، لا شكّ
في انصرافها إلى ما هو الشائع الغالب ، وهو أنواع متعدّدة ، فإذا أطلق على نوع لم
يصر حقيقة فيه ، كما أنّه لم يصر حقيقة فيما هو الشائع ، كما إذا قلت : عندي مطبوخ
أو أكلت الطبيخ. إلى غير ذلك ، وأردت نوعا خاصّا من أنواعه المتعارفة لم يصر حقيقة
فيه ، وإن قلت ذلك مكرّرا كثيرا.
فعلى هذا ، لا
مانع من الاحتجاج بالعموم إلّا بالنسبة إلى الأفراد الغير الشائعة ، وكون التمري
والزبيبي من غير الشائع محلّ نظر ، لأنّهما أكثر تحقّقا في بلد الراوي والمعصوم من
العنبي بمراتب شتّى ، وإن كان العصير في العنبي أكثر منه فيهما بمراتب شتّى ،
سيّما مع القاعدة المقرّرة المرعيّة من الحمل على أقرب المجازات.
مع أنّه لا
مانع من أن يكون الإطلاق ينصرف إلى العنبي ، لشيوع العصر فيه ، لكن مع لفظ « كلّ »
، و « أيّ » ينصرف إلى جميع ما هو من الأفراد الشائعة التحقّق ، لأولويّة العنبي
بالنسبة إلى مفهوم العصر.
وبالجملة ، لا
يجب أن يكون الأفراد الشائعة متساوية في انسياق الذهن إليها ، فإنّا نرى أنّ لفظ
الطبيخ عند الإطلاق ينصرف إلى طبيخ الأرز ، والذهن ينساق إليه ، لكونه أكثر شيوعا
، لكن إذا قيل : كلّ طبيخ ، وأيّ طبيخ ، ينساق
الذهن إلى الطبيخات المتعارفة.
وممّا ذكر ظهر
حال استدلالهم على تحقّق النقل ، بأنّه لولا ذلك لزم زيادة التخصيص عن القدر الّذي
جوّزه أكثر الأصوليّين ، مضافا إلى أنّه إثبات اللغة بالاستدلال ، وهو فاسد عندهم.
مع أنّ من جملة
أدلّة المحلّلين قوله تعالى ( إِنَّما حَرَّمَ
عَلَيْكُمُ ). الآية وأشباهه من العمومات ، وفيها من التخصيص الزائد ما لا
يخفى ، هل يجوز لأحد أن يثبت وضعا جديدا لكلمة الحصر بالآية؟! مع أنّ منع الأصولي
إن كان مطلقا ، فهو فاسد قطعا ، لتأتّي العلاقة المصحّحة لاستعمال العام في فرد ـ
فضلا عن أكثر ـ بلا شبهة عند أرباب اللغة والعرف ، وكثر الاستعمال كذلك ، وإن كان
منعهم في صورة عدم إظهار تلك العلاقة ، لانسباق الذهن إلى العلاقة المتعارفة ،
فلعلّه له وجه ، إلّا أنّه غير مضرّ بالنسبة إلى أخبارنا ، لأنّ المعتبر حال
المخاطب ، فلعلّه اطّلع على ما لم نطّلع.
والمدار في
الأخبار على هذا ، لأنّ المدار على خلاف ما يظهر منها نفسها غالبا ، بل وربّما كان
الاحتمال بالنظر إلى نفسها بعيدا جدّا.
واستدلّوا أيضا
، بحديث : « الخمر من خمسة : العصير من الكرم .. » ، وفيه ما فيه
، لأنّ المراد هو الخمر بعينها ، ولعلّه اسم من أساميها ، كما يظهر من الصدوقين .
__________________
مع أنّ ثبوت
الوضع منه للعصير دون الخمر تعسّف ، وهو أحد القولين لأهل اللغة ، والفقهاء
والأخبار متعارضة فيه ، وقد نصّوا على أنّ خمر أهل الهند من النارجيل ، وأهل اليمن
من الذرّة. وهكذا.
فعلى هذا ،
يتحقّق ضعف آخر في احتجاجكم ، لأنّ أكثر تلك الأخبار أنّ العصير صار خمرا بأنّ
الخمريّة صارت قرينة.
وأمّا كلام
الفقهاء ، فلم نجد إلّا من جمع منهم ، ولعلّه استنباط منهم من الأخبار ، كاستنباطكم مع
مخالفته لطريقتكم وقواعدكم ـ كما ظهر ممّا ذكرنا ـ مضافا إلى أنّهم لا يحكمون
بثبوت الحقيقة الشرعيّة بكونه الشيء حقيقة عند المتشرّعة ، وإن استعمل في الأخبار
فيها كثيرا.
وكلماتهم
مشحونة في مقام النزاع والجدال من منع مثل كون الوجوب حقيقة في المعنى الاصطلاحي ،
وكذا السنّة ، والطهارة وأمثالها مع كونها حقيقة عند جميع المتشرّعة ، حتّى النساء
والصبيان في كلّ عصر ومصر.
والاستعمال في
الأخبار أكثر من أن يحصى ، ومدار المجتهدين في مقام الاستنباط الحمل على هذا
المعنى ، مع أنّ المثبت للحقيقة الشرعيّة مطلقا لا يثبتها بالنسبة إلى ما هو
اصطلاح الفقهاء فقط ، ولذا لا يكتفون بتعريفاتهم للعقود والإيقاعات ، وغير ذلك
بأنّه لغة كذا ، وشرعا كذا وكذا ، بل يطالبونهم بدليل كلّ قيد قيد ، فإن لم يثبت
ينفون اعتباره.
وممّا يؤيّد
عدم الاختصاص ، إنّ مرادفه بالفارسيّة ـ وهو « شيره » ـ أعمّ من العنبي والتمري
والزبيبي ، والإطلاق [ ينصرف ] إلى الأعمّ ، فتأمّل!
__________________
وقوله : (
ولهذا ما قال أحد بعمومه ) ، إن أراد المتأخّرين ، ففيه ما مرّ.
وإن أراد
القدماء ، فهو شهادة نفي ، لأنّه لم يظهر حالهم ، فلعلّ المحرّم كان يعتقد العموم.
فإن قلت : لو
كان كذلك لاستدلّ به ، ولا يقول بالقياس الحرام الفاسد عند القائل به.
قلت : ليس هذا
دليلهم ، بل يجب تنزيه مثل أبي حنيفة عن مخالفة الكتاب والسنّة والإجماع والأصول
المسلّمة بمثل هذا القياس ، فضلا عن الشيعة ، فضلا عن القدماء منهم ، سيّما مع
وجود أدلّة شرعيّة ، كما ستعرف.
وقد أشرنا في
الحاشية أنّ الفاضلين ومن تبعهما في المقام المسامحة ، فتأمّل!
قوله
: وعلى تحريم عصير التمر بالقياس ، فهي ـ مع وجود سهل بن زياد في طريقها ـ غير
دالّة إلّا بمفهوم ضعيف في كلام السائل ، لا الإمام
، فإن قلنا
بصحّة الاستدلال
بمفهوم كلام السائل بالتقرير فالدلالة ضعيفة جدّا ، فإنّ مثل هذه الدلالة
للحكم الّذي ثبت خلافه بالعقل والنقل ، من الأصل والكتاب والسنّة والإجماع غير
معتبر جزما .. إلى آخره .
__________________
لا ضعف في سهل
وحقّقناه في الرجال ، والدلالة وإن كانت ضعيفة ، لكن لا يخلو بعد من دلالة
ما ، من جهة سؤال مثل علي بن جعفر عن مثل هذا الحكم المخالف للأصل والكتاب والسنّة
والإجماع ـ بحسب الظاهر ـ وفيه شهادة على اشتهار ذلك في ذلك الزمان عند الشيعة ،
وأنّ ذلك صار منشأ لسؤال مثل هذا الجليل ، والمعصوم عليهالسلام قرّره.
ويقوّي الدلالة
، ورود هذا المعنى في غير واحد من أخبارهم ، فإنّ الأخبار بعضها يعاضد بعضا ، وتبيّن المراد منه ،
فتأمّل! وحكاية شرب السنة سيجيء الكلام فيها ، فلاحظ!
قوله
: ومثلها رواية إسحاق بن عمّار ، قال : « شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام بعض الوجع ، فقلت له
: إنّ الطبيب وصف لي شرابا ، آخذ الزبيب وأصبّ عليه الماء للواحد اثنين ، ثمّ أصبّ
عليه العسل ، ثمّ أطبخه حتّى يذهب ثلثاه فيبقى الثلث
، فقال : أليس حلوا؟!
قلت : بلى ، قال : اشربه ، ولم أخبره كم العسل » ، بل يمكن فهم الحلّ مطلقا من قوله عليهالسلام : « أليس حلوا؟! » ،
فافهم .. إلى آخره .
الظاهر أنّ
مراده أنّه علّة منصوصة. وفيه ، أنّ العنبي أيضا حلو وليس بحلال قطعا ، فما توهّم
كونه العلّة ليس بعلّة ، فالعلّة غير ظاهرة ، فضلا عن النصّية ، لأنّ التخصيص من
لوازم العموم ، ويقتضي كون اللفظ مستعملا في خلاف ما وضع له ، ولا بدّ من قرينة
معيّنة للمراد.
__________________
فعلى تقدير
صحّة جعل العلّة عامّا ، يكون حال تخصيصه حال تخصيص العام ، فتدبّر.
على أنّه ورد
في الصحيح : « إذا كان حلوا يخضب الإناء ، وقال صاحبه : قد ذهب ثلثاه ، فاشرب » ، فالظاهر أنّ
مراده عليهالسلام من قوله : « أليس حلوا » أن أشرب ما دام هو حلو لم
يتغيّر ، كما ورد عنهم عليهمالسلام في شراب السنة أنّه بعد ذهاب ثلثي العصير الّذي فيه
وثلثي نفس الشراب لا بأس بشربه ، ما لم يتغيّر .
فظهر من هذا
فساد التأويل البعيد الّذي ارتكبه المحلّلون للتمري والزبيبي بالنسبة إلى روايات
عمّار المتضمّنة للأمر بذهاب الثلثين بالغليان ، حتّى يحلّ الشرب وغيره من الاستعمالات المحرّمة قبل
ذهاب الثلثين ـ على ما هو الظاهر منها ـ بأن يكون الأمر بالإذهاب لأجل أنّه قبل
ذهاب الثلثين ربّما يعرضه السكر بسبب المكث وطوله.
وبهذا وجّهوا
رواية علي بن جعفر أيضا ، إذ قد عرفت أنّ بعد ذهاب الثلثين أيضا ربّما
يعتريه السكر ، فلذا أمروا بالشرب ما لم يتغيّر.
مع أنّه ينافي
هذا التأويل ما في إحدى رواياته ، من قوله عليهالسلام : « وإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه » أي صفّه ،
وكذا قوله عليهالسلام في تلك الرواية :
__________________
« فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ .. إلى آخره » ، إذ النشيش
عندهم مثل الغليان لا يحرّم ، على أنّ التفرقة بين ذهاب الثلثين في العنبي
وذهابهما في التمري والزبيبي خلاف الإنصاف.
مع أنّه لو كان
الأمر على ما قلتم لكان العنبي أولى بالأمر بإذهاب الثلثين ، لئلّا يعتريه السكر ،
مع أنّا لم نجد فيه إلّا أنّه لو غلا حرم حتّى يذهب الثلثان ، فتأمّل! وممّا يقوّي
دلالة هذه الروايات ، بل متنها ، ما يدلّ على الحرمة ، فلاحظ ، وتأمّل ما مرّ في
حاشيتنا على نجاسة العنبي ، وحاشيتنا على دعوى شهرة حلّية التمري والزبيبي .
ويقوّيها أيضا
، ما رواه زيد النرسي ، عن الصادق عليهالسلام : « عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ،
قال : حرام حتّى يذهب ثلثاه ، قلت : الزبيب كما هو يلقى في القدر ، قال : هو كذلك
إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فقد فسد ، كلّما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم ، إلّا
أن يذهب ثلثاه » وهذه صريحة في المدّعى ، ومن جهة السند يكفي لتقوية
الدلالة ، إذ الأحاديث الضعيفة تؤيّد وتقوّي ، لو لم نقل بحجّيتها.
والقرائن في
الأخبار بحسب دلالتها ، في الغالب أمور ربّما لا تخلو عن
__________________
الضعف ، بل وربّما كان أضعف من هذه الرواية ، سيّما مع انضمامها إلى ما
أشرنا سابقا وما سنشير إليه ، مع أنّ هذه الرواية لا تخلو عن القوّة ، كما ستعرف.
وممّا يقوّي
تلك الروايات ، ما في « النهاية الأثيرية » : ( وفي حديث النبيذ : « إذا نشّ فلا
تشرب » ، أي إذا غلى ) . انتهى.
وأهل السنّة
ليسوا متّهمين في نقل مثل هذه الرواية عن الرسول ، لأنّهم لا يقولون بالحرمة
بمجرّد النشيش ، بل الرواية مناسبة لمذهب الشيعة ورواياتهم عن الأئمّة عليهمالسلام وورد منهم عليهمالسلام أنّه « إذا ورد عليكم الرواية ما خالف القوم فخذوا بها
» ، وورد : « إن وجدتم من السنّة ما يشبهها ويشهد لها فاقبلوا » .
وبالجملة ، كفي
في قوّة هذه الرواية أن يكون الخصم المنكر بالمرّة راويها.
وممّا يقوّي ،
صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليهالسلام : « عن الرجل يصلّي إلى القبلة ، ولا يوثق به أتى بشراب زعم
أنّه على الثلث ، قال : لا يصدّق إلّا أن يكون مسلما عارفا » ، حيث قال : «
بشراب » بعنوان النكرة ، مع عدم صيرورة الشراب حقيقة في العصير العنبي.
بل قال الكليني
: ( باب صفة الشراب الحلال ) ، ولم يأت في الباب إلّا
__________________
التمري والزبيبي في كلامه هذا في عنوان الباب ، والإتيان بتلك الأخبار
دلالة واضحة على أنّ الكليني من القائلين بحرمة التمري والزبيبي بالغليان ، كما
أشرنا .
ويؤيّده أيضا ،
رواية هذا الراوي بعينه حكاية الزبيبي مع اعتقاده احتياجه إلى ذهاب الثلثين ، كما
مرّ .
على أنّ الظاهر
من الأخبار أنّ الشراب ليس مختصّا بالعنبي ، بل وربّما كان ظاهره في غيره عند
الإطلاق ، ـ كما هو الظاهر من الكليني ـ مثل رواية مولى حرّ ابن يزيد ، قال : «
سألت أبا عبد الله عليهالسلام [ فقلت له ] : إنّي أصنع الأشربة من العسل وغيره ،
وإنّهم يكلّفوني صنعتها ، قال : اصنعها وادفع إليهم ، وهي حلال
قبل أن تصير مسكرا » ، وبهذه الرواية احتجّ المحلّلون للتمري والزبيبي ،
وسيجيء الجواب عنه .
وممّا يقوّي
أيضا ، موثّقة عمّار ، عن الصادق عليهالسلام : بمضمون صحيحة علي ابن جعفر ، إلّا أنّه أتى في موضع «
بشراب » « بالشراب » ، والتقريب ما تقدّم ، مضافا إلى أنّ راوي تلك الروايات هو
عمّار هذا الرجل .
__________________
ويقوّي أيضا ،
صحيحة ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليهالسلام : « إذا شرب الرجل النبيذ المخمور ، فلا يجوز شهادته في
شيء من الأشربة ، وإن كان يصف ما تصفون » .
ولا يخفى أنّ
المراد شهادته في ذهاب الثلثين ، على ما يظهر من تتبّع الأخبار الكثيرة من أنّه
المعهود عند الشيعة ، لا الشهادة على نفي السكر ، لأنّها أمر غريب بالنسبة إلى
الأخبار ، بل بحسب الواقع أيضا ، مضافا إلى أنّها شهادة نفي ، إذ لعلّه ما أسكر في
مزاجه ويسكر في مزاج غيره ، أو حدث السكر حين الشهادة ، أو أسكره سكرا ضعيفا فلم
يتفطّن به.
وبالجملة ،
التغيّر السكري يتفاوت بتفاوت الأزمنة ، وكيفيّة السكر شدّة وضعفا ،
وسرعة وبطء ، وقوّة الدماغ وضعفه ، وكمّية المشروب ، وغير ذلك ، مثل أنّه كان أكل
شيئا يمنع من تأثير المسكر ، وقد صرّح الأطبّاء بذلك. إلى غير ذلك.
والفقهاء
صرّحوا بأنّ المعتبر في السكر هو غالب الأمزجة والأزمنة ، فما لا يغيّر إلّا بعض
الأذهان أو في بعض الأزمنة لا يحرم ، أو أيّ مزاج يكون وأيّ وقت يكون فيحرم مطلقا .
وعلى التقديرين
لا يتأتّى الشهادة على النفي.
وممّا يقوّي ،
حسنة عقبة بن خالد ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « ما طبخ على ثلثه ، فهو حلال » جوابا عن
سؤاله عن العصير المخلوط بالماء ، غلى حتّى ذهب
__________________
ثلثاه ، وفيه إيماء إلى عدم الاختصاص بالعصير العنبي ، حيث أتى بأداة
العموم في الجواب ، والسؤال ليس بمخصّص عند المحقّقين ، فتأمّل! على أنّ ما ذكرناه
أكثرها ـ في الحقيقة ـ أدلّة فقهيّة تصلح للاستناد إليه بخصوصه.
وبالجملة ، بعد
الإحاطة على جميع ما أشرنا إليه لعلّه لا يبقى مجال للتأمّل.
والاعتراض على رواية
النرسي بأنّ أصله لم يروه الصدوق وابن الوليد ، وكان يقول : ( وضعها محمّد بن موسى
، ومن ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة ولا أسند إليها في كتب الاستدلال
) انتهى. فيه ، أنّ أصل ترك الرواية من ابن الوليد ، والصدوق قلّده ، لحسن
ظنّه به ، على ما صرّح به في « الفقيه » .
وقد حقّقنا في
تعليقتنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القمّيين ، فإنّهم
كانوا يعتقدون ـ بسبب اجتهادهم ـ اعتقادات من تعدّى عنها نسبوه إلى
الغلوّ ، مثل نفي السهو عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو إلى التفويض ، مثل تفويض بعض الأحكام إليه ، أو
إلى عدم المبالاة في الرواية والوضع ، وبأدنى شيء كانوا يتّهمون ـ كما نرى الآن
من كثير من الفضلاء والمتديّنين ـ وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه . وغير ذلك.
وأمّا غيرهم ،
فكانوا يعملون بأحاديث هؤلاء ولا يلتفتون إلى قول
__________________
القمّيين أصلا ، كالكليني والشيخ وغيرهما من المشايخ ، فإنّهم رووا عن سهل
بن زياد والبرقي وأمثالهما ما لا يحصى عددا ، واعتمدوا عليها ، وأفتوا بها ، ومنها
حديث غدير خم ، فقد قال الصدوق ما قال ، وبعده إلى الآن لم يتأمّل
أحد فيه.
على أنّهم رووا
عن زيد النرسي أكثر من أن يحصى معتمدين عليها كما لا يخفى ، مضافا إلى ما ذكروه
بالنسبة إلى الأصول الأربعمائة ممّا لا يخفى على المطّلع ، ولا تأمّل في أنّ كتاب
زيد من جملة الأصول ، وصرّحوا به .
ومع ذلك ، ابن
الغضائري ـ مع إفراطه في القدح ، حتّى بالنسبة إلى الأعاظم ـ ما قدح عليه ، بل بعد
ما نقل عن الصدوق أنّ كتابه وكتاب الزرّاد موضوعان قال : ( وغلط أبو جعفر في هذا
القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من ابن أبي عمير ) ، وناهيك بهذا
تخطئة له ، واعتمادا على كتبهما.
مضافا إلى أنّ
الشيخ في « الفهرست » ـ بعد ما نقل عن ابن الوليد عدم الرواية والوضع ـ قال : (
وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه ) ، وفيه ـ بعد التخطئة وإظهار الاعتماد ـ إشارة منه إلى
توثيق زيد ، لأنّه ذكر في « عدّته » أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة .
ويؤيّد
الاعتماد ، بل والتوثيق أيضا ، ما ذكر في ترجمته بالنسبة إلى نفسه وكتبه ونوادره ،
بل ومرسلاته وأنّه ممّن أجمعت العصابة ، ويستفاد من كلام
__________________
الشيخ وغيره أنّ عدم الرواية من خصائص ابن الوليد والصدوق ، فلا يصحّ ما
ذكره أنّه ( من ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة ).
وأمّا النجاشي
، فلم يتعرّض لذكر عدم روايتهما وحكمهما بالوضع ، ولم يعيّن بذلك أصلا ، بل قال : (
النرسي روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهماالسلام ، له كتاب يرويه عنه جماعة ، أخبرنا ـ إلى أن قال : ابن
أبي عمير عنه بكتابه ) .
وفيه ـ مضافا
إلى ما ذكرنا ـ شهادة واضحة على معروفيّة كتابه وشهرته ، وأنّ جماعة من الأصحاب
رووا كتابه هذا من دون اختصاص بابن أبي عمير ، والاتّفاق واقع من المحقّقين على
أنّ النجاشي أضبط وأعرف من الكلّ في الرجال ، سيّما ووافقه الشيخ والغضائري ،
مضافا إلى ما ذكرنا.
وما ذكر من عدم
الذكر في الأربعة ، فيه أنّه كم من خبر ذكر في غيرها وعملوا به ، بل وحكموا
بصحّته. ولا دليل على وجوب كون الخبر في الأربعة ، وأنّه لو لم يكن لم يكن حجّة ،
إذ أدلّة الحجّية عامّة والمخصّص غير موجود قطعا ، بل المدار على ظنّ المجتهد
واعتماده.
وبعد ما أشرنا
، لم يبق للتأمّل مجال في الظنّ والاعتماد ، وقد حقّقنا في التعليقة عدم اشتراط
أزيد من هذا ، بل لم نجد أحدا اقتصر على أخبار من نصّ على توثيقه
ولم يتعدّ ، مع أنّا قد أشرنا إلى استفادة توثيق زيد.
على أنّا نقول
: ما ورد في الأربعة شاهد لهذا الخبر بحسب السند ، وهو شاهد له بحسب الدلالة ،
ويكفي هذا القدر من القرينة ، إذ لا يجب أن تكون قطعيّة ، ولا أن تكون بحيث يدلّ
على اعتبارها بخصوصها إجماع أو سنّة أو كتاب ، وعدم
__________________
الذكر في كتب الاستدلال منشؤه عدم العثور ، إذ لا شكّ في أنّه خير من القياس
الّذي حرمته من ضروريّات المذهب ، بل وهو فاسد ، والعمل بمثله حرام عند أهل السنّة
أيضا.
وكم من روايات
في الأربعة تركوها في مقام الاستدلال ، بل وربّما كانت صحيحة في اصطلاحهم ، ذكرت
قدرا منها في حواشينا على « المدارك » ، و « الذخيرة » وغيرهما.
قوله
: [ ما يدلّ على حلّ النبيذ الغير المسكر كثير ] ، مثل رواية أيّوب بن راشد ، قال
: سمعت أبا البلاد
.. إلى آخره .
فيه ، أنّ غاية
ما يستفاد أنّ الحلال هو ما ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ ، لا مطلقا ، بل ربّما
يشعر بحرمة هذه الصورة ، فتأمّل!
قوله
: قيل : الأولى الاستدلال على تحريمه ب ( الْخَبائِثَ ) ،
لأنّ مطلق الدم مقيّد بالدم المسفوح في قوله ( أَوْ دَماً
مَسْفُوحاً ) ،
وأنت تعلم أنّ المطلق إنّما يحمل على المقيّد ، على تقدير المنافاة ، ولا منافاة
بين الآيتين إلّا باعتبار مفهوم الصفة
.
قد ورد في غير
واحد من الأخبار أنّ الطحال حرام ، من جهة كونه دما ، ويظهر منها ـ
ظهورا تامّا ـ أنّ الدم حرام مطلقا ، ولا يتقيّد بالمسفوح قطعا ، فتدبّر.
__________________
قوله
: [ فلو قيل به ] وبتخصيص العام بالمفهوم ، ليتمّ الحمل ، ولكن ليس مفهوم الحجّة
، وعلى تقديرها في
التخصيص [ به بحث ] .. إلى آخره .
وعلى تقدير
الحجّية لا عموم له ، كما قاله المعظم في مفهوم الشرط ، فهذا أولى
بالمنع ، فلعلّ القيد لإخراج ما يستخلف
في اللحم ،
لأنّه لم يسفح ، فتدبّر!
قوله
: ولكن يمكن أن يكون تحريم مطلق الدم بعد نزول الحصر
، كما يجاب به عن كثير
من المحرّمات ، على أنّ المنافاة حينئذ موجودة مع آية الخبائث ، فما يجاب به يجاب
حينئذ ، فتأمّل .. إلى آخره .
يظهر من كثير
من الأخبار عدم النسخ ، وبقاء الآية بحالها ، منها : ما ورد في الجرّي ، وفي الحمر
الأهليّة ، وفي الغراب ، وغير ذلك ، لكن التأمّل في حجّيتها ، وإن كانت صحاحا
، لترك العمل بها ، وخروج القدر الّذي لا يرضى به المحقّقون في مقام التخصيص ،
واستشعار التقيّة ، فليلاحظ!
في الجامدات
قوله
: في « القاموس » : ( الطين معروف ، والطينة [ ال ] قطعة منه ، وتطيّن
__________________
تلطّخ
به )
، وتؤيّده
صحيحة معمّر بن خلّاد ، عن أبي الحسن عليهالسلام ، قال : « قلت له :
ما يروي الناس بالطين وكراهيّته
؟ قال : إنّما ذاك
المبلول ، وذاك المدر »
، وهذه
تدلّ على أنّه بعد اليبوسة أيضا حرام .. إلى آخره
.
لا يخفى على
المتتبّع في الأخبار والفتاوي أنّ المراد من الطين في المقام هو القطعة من المدار
، بل وأعمّ منه ومن التراب. إن عمّ لا يعتبر فيه وجود الماء ، كما هو الحال في
المستثنى ، أي طين قبر الحسين عليهالسلام ، أو طين الأرمني.
وبالجملة ، لا
شكّ في أنّ المراد منه الأجزاء الأرضيّة من غير اعتبار ماء فيه أصلا ورأسا ، وعلى
فرض وجود الماء فيه فمعلوم أنّه لا دخل له في الحرمة أصلا ، وينبّه على ما ذكرنا
حكاية الإضرار ، وكون آدم خلق من الأرض ، فحرم عليه أكلها ، وأمثال ذلك.
وكذا ما ورد من
حدّ طين قبر الحسين عليهالسلام .
ومقتضى الأخبار
والفتاوي أنّ التراب كلّها حرام . نعم ، التراب الممزوج بالماء في مثل شطّ الفرات حلال
طاهر ، لأنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا يشربون ، وكذا المسلمون جميعا في الأعصار
والأمصار كانوا يشربون من بطن الشطوط ، مع
__________________
أنّه بعد ما ترك في الحباب وغيرها ويصفو يبقى أجزاء أرضيّة كثيرة تحت الماء
، سيّما في أيّام الربيع ، وزيادة الماء من جهة الأمطار والثلج وغيره.
على أنّه روى
الكليني في الصحيح عن معمّر الثقة ، عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « قلت : ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيّته؟
قال : إنّما ذاك المبلول ، وذاك المدر » .
وفي « الوافي »
ـ بعد نقله ـ قال : ( وكأنّه أراد بحصرها في الطينين إخراج غيرهما ممّا يستهلك في
الدبس ونحوه ) .
لكن ، الظاهر
أنّه إذا كان مطرا يكون حراما ، وربّما كان الإضرار بالإكثار من الشرب أو بغاية
كثرة التراب فيه ـ كما هو المشاهد المحسوس ـ يتولّد من شربه أمراض المثانة والكلية
والكبد ، والحصى فيها.
نعم ، ربّما
يوجب التنزّه عنه الحرج في الدين والعسر ، بل وربّما يصل إلى ما لا يطاق.
وممّا ذكر ظهر
حال التراب في الحنطة ونحو ذلك.
وكيف كان ،
الأحوط الاجتناب في القدر العادي أيضا ، إلّا أن [ لا ] يمكن ، أو يلزم الحرج
الشديد ، والله يعلم.
قوله
: قال : يحرم على الناس أكل لحومهم ، ويحلّ لهم أكل لحومنا .. إلى آخره .
وفي « الغوالي
» : وروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « من أكل من تربة
__________________
الحسين عليهالسلام لأجل الشفاء أزيد من قدر الحمّصة ، فكأنّما أكل من
لحومنا » الحديث.
قوله
: وهل يستثني غيرها ، مثل الطين الأرمني ، والطين المختوم للشفاء؟ فإنّهما ذكرتا
في الطبّ علاجا لبعض الأمراض ـ مثل الإسهال ـ وهو مبني على تجويز الشفاء بالمحرّم
، على تقدير تحريمهما ، وسيجيء ذلك
.
لا يخفى أنّ
إلقاء هما في الماء لا مانع فيه أصلا ، ومع ذلك ورد في طبّ الأئمّة عليهمالسلام بسنده عن الباقر عليهالسلام : « إنّ رجلا شكى إليه الزحير ، فقال له : خذ من الطين
الأرمني ، وأقله بنار ليّنة واستفّ منه ، فإنّه يسكن عنك » .
وعنه عليهالسلام في الزحير : « يأخذ جزءا من خربق أبيض ، وجزءا من
بذر [ ال ] قطونا ، وجزءا من صمغ عربي ، وجزءا من الطين الأرمني يقلّى بنار ليّنة
، ويستفّ منه » .
وفي « مكارم
الأخلاق » للطبرسي ، عن الصادق عليهالسلام : « سئل عن طين الأرمني يؤخذ للكسير والمبطون ، أيحلّ
أخذه؟ قال : لا بأس به ، أما أنّه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين عليهالسلام خير منه » .
قوله
: وفي حديث آخر مكان « الحياء » « الجلد » ، قال في الشرح :
__________________
( قلت : قال أهل اللغة : الحياء ـ بالمدّ ـ رحم الناقة ،
وجمعه أحيية ، ولعلّ الصدوق أراد به ظاهر الفرج ، وبالرحم باطنه ) ، ثمّ كلامه ليس
نصّا على التحريم .. إلى آخره
.
ومن هذا حكم
شيخنا الحرّ بحرمة الجلد من كلّ ذبيحة ، حتّى جلد الرأس والرجل واليد ، وحتّى جلد
الطيور ، وهذا في غاية الغرابة ، لعدم ورود الجلد في حديث من
أحاديث الكتب الأربعة الّتي هي العمدة ، مع أنّ الّذي يظهر من تلك الأحاديث هو
الحلّ بلا شبهة ، لاتّفاقها على حصر المحرّم في أشياء معدودة معروفة ، وليس الجلد
منها قطعا.
مع أنّ في هذه
الرواية المجهولة ذكر الجلد مكان الحياء ، يعني لم يذكر فيها الحياء ـ الّتي لا
شكّ في حرمتها بملاحظة الأخبار والإجماعات والفتاوي ـ وذكر مكان الحياء الجلد ، فظهر ظهور.
أمّا أنّ
المراد من الجلد هو الفرج والحياء ، لأنّه أحد معاني الجلد ، وقوله تعالى : شهد
عليهم جلودهم لا شبهة في كون المراد من الجلود فيه هو الفروج ،
__________________
كما ورد التفسير بذلك صريحا بحيث لا يبقى [ شكّ ] ، والفصحاء في مقام الحياء ربّما
لا يذكرون لفظ الفرج والحياء ، بل يذكرون لفظ الجلد ، فلو كان المراد من الجلد غير
ما ذكرنا لزم مفاسد كثيرة ، ظهر بعضها ممّا ذكر.
وممّا ينادي
بذلك ، الأخبار المتواترة على حلّية الطيور والسمك بعد الآيات القرآنيّة ، ومن
الضروريّات العادية عدم سلخ هذين الصنفين وطبخهما مع الجلد ، بحيث لا يبقى على
النساء تأمّل في ذلك ، فضلا عن الرجال [ ف ] هذا عندهم من [ قبيل ] كون صلاة الظهر
ـ مثلا ـ أربع ركعات.
فمن الأخبار
المتواترة وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، مع كثرة وعام البلوى صار من
اليقينيّات ، بل والبديهيّات ، بحيث لا يمكن إنكاره إلّا من مكابر ، بل غير خفيّ
أنّهم في الأعصار والأمصار كانوا يأكلون الأرجل والرؤوس أيضا
مع الجلد المطبوخ معها.
مع أنّه من
المعلومات أنّ الحديث المجهول ليس بحجّة ـ وحقّق في محلّه ـ وأنّه مذهب الشيعة
وأهل السنّة سواء ، فإذا لم يكن حجّة فكيف يقاوم الأدلّة المتقدّمة من
الأصول والعمومات المتواترة والأدلّة الواضحة في المقام ، بل منها قطعيّ قطعا ، مع
أنّ الصحيح لو كان شاذّا لا يجوز العمل به ، فضلا أن يعارض به اليقينيّات؟! وحكم رحمهالله بحرمة العظم ، ولم يرد في الأخبار المذكورة ولا الفتاوي منه
__________________
عين ولا أثر. نعم ، إن كان لا يمكن أكله أو يمكن لكن يضرّ ويؤذي يكون حراما
جزما من دون تأمّل ، ولعلّ عدم [ ذكر ] الفقهاء لهما لغاية الظهور ، يعني العظام
الغير المضرّ [ ة ] اللطيفة لا دليل على حرمتها ، بل مقتضى كلّ واحد من الأخبار
والإجماعات والأصول والعمومات حلّها بلا تأمّل.
وحكم بحرمة
القرن والظلف أيضا . وفيه : أنّهما ليسا من المأكولات بلا شبهة ، ولذا لم
يتعرّض لاستثنائهما منهما أحد من الفقهاء كالعظم غير المأكول.
قوله
: مع الإرسال سهل بن زياد ، ويدلّ على تحريم سبعة أشياء : رواية أبي يحيى الواسطي
، يرفعه
، قال : «
مرّ أمير المؤمنين عليهالسلام بالقصّابين ، فنهاهم
عن بيع سبعة [ أشياء ] من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم ، والغدد ، وآذان الفؤاد ،
والطحال ، والنخاع ، والخصي ، والقضيب » . الخبر ، وعدّ فيه آذان القلب من المنهيّ ، وما
نعلم القائل به ، بل قيل : إنّه مكروه ، فكأنّ له ولعدم الصحّة [ حمل ] على
الكراهة بالنسبة إليها .. إلى آخره
.
الإرسال من ابن
أبي عمير ، فلا يضرّ من وجوه ، لقبول الأصحاب مراسيله وجعلها كالمسانيد ، ولكونه ممّا
أجمعت العصابة ، ولكونه ممّن لا يروي إلّا عن الثقة ، كما صرّح به الشيخ في «
العدّة » ، مضافا إلى كونها في « الكافي » .
__________________
ويعضدها ما في
« الفقيه » ، بل لعلّ ما فيه هو هذه الرواية ، بل لا شكّ في ذلك ،
فإنّه روى في كتاب « الخصال » بطريق صحيح إلى ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن
الصادق عليهالسلام قال : « لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء : الفرث ، والدم ،
والطحال ، والنخاع ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيين ، والرحم ، والحياء ، والأوداج
، أو قال : العروق » انتهى.
فظهر [ أنّ ]
مستنده هو الرواية الصحيحة المذكورة ، فظهر عدم الضرر من جهة سهل بن زياد أيضا.
وأمّا سهل ،
فلا ضعف فيه أصلا ، كما حقّقنا في الرجال ، ولذا لم يطعن عليه الشيخ ولا غيره من القدماء في مقام
أصلا ، وقبلوا حديثه ، ولو ردّوا ردّوا من غير جهته البتّة.
ورواية إسماعيل
أيضا كالصحيحة ، لأنّ إبراهيم بن هاشم معلوم أنّه كالثقة ، وكذا إسماعيل ، لأنّ
القمّيين عملوا برواياته ، وهم كانوا يخرجون عن قم من كان يروي عن غير الثقة ، وفي
الظنّ أنّ يونس ساقط من سند الرواية.
ولعلّ الاختلاف
في الروايات من جهة أنّ « لا يؤكل » قائل للكراهة أيضا ، مع
أنّه ربّما كان عدم التعرّض من جهة عدم كونه مأكولا كالفرث والعلباء ، إذ لا
يتيسّر أكله ، ولو تيسّر وأمكن لم يكن مأكولا ـ عادة ـ للعرب ، أو
من جهة كونه في غاية القلّة والخفاء ، إذ مثل ذلك ربّما لا يحصى في النظر من جهة
نهاية
__________________
صغره ، فلذا كأنّه لا اعتداد به ، سيّما إذا كان خفيّا ومع [ ذلك ] يكون في
الرأس لا الجسد ، فربّما كان مدّ النظر الجسد ، مع أنّ. ضعيف .
مع أنّ رواية
أبي يحيى نهي عن البيع ، والقصّاب لا يبيع الرأس ، فضلا عن الخرز
والحدق ، إذ لا قيمة لهما أصلا من جهة نهاية الحقارة.
مع أنّ دلالة
السبعة على عدم حرمة الزائد بالمفهوم ، ولا يعارض المنطوق ، فلا يعمله العمل
روايتي ابن أبي عمير وإسماعيل ، لما ذكرنا.
وعدم التعرّض
للمشيمة ، لأنّها قلّ ما يتحقّق ، فالنظر في رواية ابن أبي عمير على الغالب المتعارف
، وفي رواية إسماعيل على غير الغالب أيضا ، مع أنّك عرفت أنّ في طريق الصدوق
الصحيحة ذكر الرحم أيضا ، وهو المشيمة ، وسيجيء عن الشارح أنّ الإباحة مذهب
العامّة.
قوله
: [ للإجماع المنقول ، والنصّ المجبور ضعفه به ] ، ولا ينافي ذلك عدم الحكم بتحريم
جميع ما اشتمل عليه ، فتأمّل .. إلى آخره
.
المنافاة ظاهرة
، لأنّ النصّ بعد الانجبار يصير حجّة بلا شبهة ، فلا معنى للاحتجاج ببعضه خاصّة من
دون وجود مانع من طرف الأدلّة بالنسبة إلى ما لم يقولوا بحرمته ، فالأصل حرمة كلّ
ما تضمّنه ، إلّا أن يخرجه مخرج ، ومع ذلك يحصل الوهن بالنسبة إلى الباقي عند
أمثال الشارح ، كما لا يخفى.
قوله
: والرواية ضعيفة السند ، وأنت تعلم أنّه ينفصل من الجرّي أجزاء ،
__________________
فيحرم
وإن كان طاهرا ، ويشكل حال الطحال أيضا ، فتأمّل .. إلى آخره
.
الرواية موثّقة
، وهي حجّة ، كما حقّق في محلّه ، سيّما إذا عاضدها المرسلة الّتي نسبها الصدوق إلى
الصادق عليهالسلام من دون واسطة ، إذ هذا ظاهر في ثبوت المضمون عنده بعنوان العلم
والاطمئنان ، ويعضدهما الاعتبار ، بلا تأمّل ، لأنّ أجزاء الحرام إذا اختلط
بالحلال مزجا وطبخا لا جرم يصير حراما أيضا ، وكذا الجوذاب ، كما هو ظاهر.
ما يحصل به الجلل
قوله
: وهو قياس لا نقول به. الثاني : في مدّة حصوله ، وهي المدّة الّتي يقال بالأكل
فيها : إنّه حلال ، ولكنّها غير منضبطة شرعا ولا لغة ولا عرفا
.
على تقدير
تحقّق الجلل بظهور النتن ، يمكن أن يكون من الخبائث ، ولعلّه كذلك ، لما مرّ في
تفسيرها ، فتأمّل! وعلى غير ذلك التقدير ، إنّما يكون قياسا لو
لم يكن للجلّال معنى عرفي أو لغويّ ، أو كان لكن يكون مختصّا بالعذرة ، أمّا لو
كان أعمّ فيمكن أن تكون العمومات دليلا.
__________________
نعم ، صحيحة
هشام مخصّصتها ، فلعلّه لم يعمل بها ، أو بنى على أنّ التعريف ورد
مورد الغالب المتعارف ، على تقدير ثبوت كون العذرة حقيقة في الغائط ، فتأمّل! لكن
الحقّ ، أنّ المعنى العرفي لا ربط له بالنجاسة الشرعيّة ، فالأظهر الاختصاص بعذرة
الإنسان ، إلّا أن يتحقّق خباثة ، والأحوط التنزّه عن الجميع.
قوله
: وفي بعض الروايات ما يدلّ على أنّه لا بدّ من كون غذائها ذلك ولم يكن له غذاء
غيرها ، وأنّه لا بدّ من الاتّصال ، فلو خلطت لم يحرم ولم تصر جلّالة ، وهي مرسلة موسى
بن أكيل ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليهالسلام : « في شاة شربت بولا
ثمّ ذبحت ، قال ، فقال : يغسل ما في جوفها ، ثمّ لا بأس به .. »
.. إلى آخره .
في دلالته على
ما ذكره نظر ، إذ لا يستفاد غير أنّ ذلك يكون غذاءها ، لا أنّ جميع ما دخل في حلقها
من غير المشروبات يكون منحصرا فيها ، بل في الدلالة على انحصار الغذاء فيها أيضا
نوع تأمّل ، سيّما وأن يكون الحصر حقيقيّا ، إذ يكفي إطلاق العرف أنّه غذاؤها ،
فتأمّل.
مع أنّ صحيحة
هشام تفيد ما هو أعمّ من الغذاء ، فضلا عن التمحّض.
__________________
وبالجملة ،
المستفاد من الصحيحة : الّتي تأكل العذرة ، والمضارع يفيد الاستمرار التجدّدي ،
ولعلّه ظاهر في التغذّي لا التمحّض.
وأمّا هذه
الرواية ، فعلى تقدير المقاومة سندا لا يستفاد منها ما يقاومها ويعارضها دلالة ،
إذ القدر المستفاد بعنوان الوثوق الفرق بين الاعتلاف مرّة أو مرّتين بعنوان
الاتّفاق ، كما في صورة الشرب ، إذ الماضي ظاهر في عدم الدوام والاستمرار ، وبين
أن يكون غذاء لها ، الظاهر في مداومة ما ، سيّما بملاحظة تركيب العبارة ، أمّا كون
غذائها محض ذلك فلا.
وأمّا مرسلة
ابن أسباط ، فظاهرها استمرار الخلط وكون ذلك هو العادة والديدن ،
لا أنّه وقع خلط نادر أو اتّفاقا ، بل لعلّ الّتي لم يتحقّق منها خلط بالمرّة لم
يتحقّق عادة ، ولو تحقّق ففي غاية الندرة ، وحمل الأخبار الكثيرة عليه فيه ما لا
يخفى.
وبالجملة ، على
تقدير العمل بالمرسلتين ، فالظاهر الاكتفاء بالتغذّي المحض العرفي ، بحيث يطلق
عليه أنّها غذاؤها ، وأنّ الغذاء غير مخلوط ، ولعلّه مراد الفقهاء رحمهمالله أيضا ، فتأمّل.
وحينئذ ، لا
حاجة إلى تعيين المدّة ، بل يحال إلى العرف كسائر ما يحال إليه ، فإنّ الحال واحد
، والمدار على صحّة الإطلاق عندهم ، فتأمّل.
__________________
أحكام المحرّمات
قوله
: « .. وإنّما يكره أن يؤكل سوى الأنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب ، لأنّهم
لا يتوقّون الميتة والخمر »
، وهي
ضعيفة بإسماعيل بن مرّار ، وكأنّه يونس بن عبد الرحمن
، وفيها ما يخالف
الظاهر من المذهب ، فتأمّل .
لا يخفى أنّ
القمّيين قالوا : روايات يونس كلّها مقبولة صحيحة ، سوى ما رواه محمّد بن عيسى عنه
، وهذا ينادي بأنّ روايات إسماعيل بن مرّار عنه وروايات صالح بن السندي
عنه كلّها مقبولة صحيحة ، لأنّهما يكثران الرواية عن يونس غاية الإكثار ، بل
رواياته كلّها مرويّة منهما ، ومن محمّد بن عيسى إلّا ما شذّ ،
ومحمّد بن عيسى ـ مع كونه ثقة ـ لم يرضوا برواياته ، ورضوا برواياتهما ، وأمّا
يونس فلا شكّ في كونه ابن عبد الرحمن.
قوله
: ويدلّ
على حكم
البيضة : فقط ضعيفة غياث بن إبراهيم ،
عن أبي عبد الله عليهالسلام : « في بيضة خرجت من
أست دجاجة ميتة ، قال : إن كانت
__________________
اكتست
الجلد الغليظ فلا بأس
بها »
، وقيّدها ما
في رواية زرارة المتقدّمة من عدم البأس بمطلق البيض
، ويفيد
عدم أكلها بما إذا لم
تكتس القشر الأعلى .. إلى آخره
.
السند صحيح إلى
غياث ، وهو ثقة عند « النجاشي » ، وإن قال الشيخ : إنّه بتري ، والظاهر
أنّه توهّم ، وإلّا فالروايات الصادرة عنه ، الصريحة في كون الأئمّة اثني عشر ،
تسعة منهم من آل الحسين عليهمالسلام تاسعهم قائمهم ، وأمثال هذه الروايات عنه كثيرة .
و « النجاشي »
أضبط من الشيخ بلا شبهة ، مع أنّ « النجاشي » زاد على توثيقه بأنّه روى كتابه
جماعة من الأصحاب ، مع أنّ الّذي وجدنا أنّه يروي عنه ابن أبي عمير وصفوان ممّن لا
يروي إلّا عن ثقة ، على ما نصّ عليه الشيخ في « العدّة » ، ويروي
غيرهما أيضا من المشايخ ، وقد حقّقنا في الرجال هذا
__________________
المعنى ، فلاحظ.
فالرواية صحيحة
بلا شبهة ، مع أنّ الظاهر من « عدّة الشيخ » أنّ الشيعة مجمعة على العمل بروايات
غياث ومن ماثله عنده من العامّة .
قوله
: وما في رواية أبي حمزة الثمالي ـ الطويلة
ـ عن أبي جعفر عليهالسلام : « سأله قتادة
البصري عن الجبن ، فقال عليهالسلام : لا بأس به ، فقال :
إنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميّت! قال عليهالسلام : ليس بها بأس »
.. إلى آخره .
يظهر من هذه
الرواية أنّ الإنفحة ليس فيها روح وحياة ، ولهذا استقصي.
قوله
: إذا كان الاشتباه في المحصور ، وللرواية
الّتي ينقلونها أنّه
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما اجتمع الحلال
والحرام إلّا غلب الحرام الحلال »
، ولأنّه
يجب الاجتناب عن المحرّم ، وما يحصل إلّا باجتناب الكلّ .. إلى آخره
.
هذه الأدلّة
منه إنما هي فيما إذا خلط ، أمّا لو كان قطعة واحدة من لحم لا يدري أنّه ميتة أم
مذكّى ، فدليله أصالة عدم تحقّق التذكية الشرعيّة ، لكن سيجيء الحديث الدالّ على
الامتحان .
__________________
والمختلط أيضا
على قسمين ، قسم اشتبه الحلال منه بالحرام ، وقسم مزج الحرام بالحلال ، والثاني
حرام جزما ، لوجوب التجنّب عن الحرام ، والأوّل ربّما قيل أيضا.
قوله
: صحيحة ضريس الكناسي الثقة ، قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن السمن والجبن نجده
في أرض المشركين بالروم ، فآكله
؟ فقال : أمّا ما علمت
أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله
، وأمّا ما لم تعلم
فكله حتّى تعلم أنّه حرام »
فيه تأمّل
، فتأمّل. والأصل والعمومات وحصر المحرّمات يرجّح الحلّ ، مع أنّه يمكن قراءة «
الحرام » منصوبا ، ليكون مفعولا وموافقا لغيرها .. إلى آخره
.
يظهر أنّ هذا
في غير المحصور ، وربّما كان الأوّل أيضا كذلك ، لظهور حلّية الجميع من دون استثناء لقدر
النصّ من الحرام ، فإنّ الآكل للجميع يعلم يقينا بأكل الحرام ، بخلاف غير المحصور
، فإنّه لا يحصل العلم بأكل الحرام بعنوان اليقين لشخص واحد ، بل يعلم أنّ الجميع
أكلوا الجميع ، ولا ضير فيه ، فتأمّل!
قوله
: ولكن العمل بها مشكل ، لضعفها .. إلى آخره
.
يمكن أن يقال :
الضعف منجبر بعمل الأصحاب ـ أي المشهور ـ ، بل الشهيد
__________________
في « الدروس » قال : ( يكاد أن يكون إجماعا ) .
أقول : ويعضده
أنّ « الكافي » رواه ، مع أنّه قال في صدره ما قال ، وابن إدريس ، وأمثاله
من القدماء الّذين لا يقولون بحجيّة خبر الواحد عملوا به .
قوله
: [ محلّ التأمّل ] ، لما علم من الرواية
العلّة ، وهي حصول
العلم بتعيين أحدهما ، وهو أعمّ [ من المطروح والمشتبه بالميتة ] .. إلى آخره
.
ليس فيها من
حصول العلم عين ولا أثر. نعم ، حكم فيها بالحلّية بالانضباط والحرمة بالانبساط ،
ولعلّ الغالب في المذكّى الانقباض وفي الميتة الانبساط ، وكثيرا ما يكون بناء
الشرع في المشتبهات على مراعاة ما هو الغالب ، مثل معرفة الحيض والاستحاضة والنفاس
والمني وغير ذلك.
قوله
: فإنّ الأخبار بعدم الانتفاع بجلد الميتة كثيرة
.. إلى آخره .
والأقرب الحمل
على التقيّة ، لأنّ العامّة يقولون بالطهارة والاستعمال إذا دبغ.
قوله
: فإنّ الظاهر مع العلم ـ بل مع الظنّ أيضا ـ بعدم الرضا والنهي لا يجوز ، للجميع
بينها وبين سائر الأدلّة ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
__________________
الظاهر من
الآية ، والأخبار الواردة في مضمونها أنّ الأكل يجوز من دون إذن ، بقرينة قوله
تعالى ( مِنْ بُيُوتِكُمْ
أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) ، ومن النصوص الواردة ، لأنّهم عليهمالسلام قالوا : يأكل بغير إذنه ، ويأكل بغير إذنهم ، والمرأة
تأكل بغير إذن زوجها ، ونحو ما ذكر من العبارات .
وفي الموثّق عن
الصادق عليهالسلام في قول الله عزوجل ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ ) الآية ، قال : « بإذن ، وبغير إذن » .
وبالجملة ،
المستفاد من الأخبار وكلام الأخيار أنّ الأكل المذكور لا يتوقّف على الإذن ، لا
أنّه يجوز مطلقا وإن منع صاحب المال وصرّح بعدم الرضا أصلا ، أو علم بذلك ، بل
وظنّ أيضا ، لأنّ مقتضى الأدلّة المحرّمة الحرمة مطلقا ، وفي غاية التشديد إلّا أن
يؤذن.
ومن الآية
المذكورة ونحوها من الأخبار لم يثبت أزيد من عدم التوقّف ، فبهذا القدر صرّح لا
أزيد ، سيّما والعقل أيضا يمنع مع عدم الرضا ، فتدبّر.
وفي بعض
الأخبار قيّد بعدم الإفساد ، وفي بعض الأخبار يتحقّق بالتمر ونحوه من المأدوم لا
الطعام مطلقا ، وسيذكرهما الشارح رحمهالله .
__________________
وفي « الفقه
الرضوي » : « واعلم أنّه جائز للوالد أن يأخذ من مال ولده بغير إذنه ، وليس للولد
أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه ، والمرأة أن تنفق من مال زوجها [ بغير إذنه ] المأدوم دون غيره ،
وإذا أرادت الام أن تأخذ من مال ولدها ، فليس [ لها ] ، إلّا أن تقوّم على نفسها
لتردّه عليه ، ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وأمّه وأخته وصديقه ما
يخشى عليه الفساد من يومه بغير إذنه ، مثل البقول والفواكه وأشباه ذلك » .
قوله
: [ والاجتناب أحوط ] وأيضا لا يتجاوز عن الأكل العادي ، فتأمّل .. إلى
آخره .
ولعلّ قوله عليهالسلام : « ما لم يفسد » في بعض الأخبار يدلّ عليه.
قوله
: فلا يضرّ وجود عبد الله بن بكير .. إلى آخره
.
لأنّه ثقة على
الأصحّ ، وموثّق كالصحيح على المشهور ، لتوسّعه ، والمبالغة فيه ، وكونه ممّن
أجمعت العصابة ، لكن في الطريق قاسم بن عروة ، وهو مهمل وإن ذكر فيه
بعض المقوّمات .
__________________
قوله
: [ وهو بعيد عن لفظة : ] « لا يحلّ » ، مع أنّ المعارض لا يصلح للمعارضة ، لما عرفت
، وحملها أيضا على عدم
جواز الأخذ منه ،
فإن كان ذلك لا يجوز على وجه .. إلى آخره
.
من جهة عدم
الصحّة والمخالفة للعقل والنقل كتابا وسنّة وإجماعا ، وفيه أنّه كلّما يزيد قوّة
ما ذكره ، ويشتدّ يصير منشأ لقوّة المعارض وفتاوي الفقهاء ، لأنّهم الخبيرون
الماهرون ، يظهر أنّه ظهر عليهم قوّة مستند فتواهم إلى الحدّ الّذي عدلوا عن حكم
العقل والنقل المذكور ، واتّفقوا على خلافه ، لوثوق تامّ خال عن التزلزل بالمرّة ،
حتّى أنّهم ما أمروا بالاحتياط أصلا ، مع كونهم بحيث يحتاطون غالبا ، بل وكلّيا في
مقام احتمال الخطر والضرر.
مع أنّ المعارض
فيه صحاح ، مثل ما رواه البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله
بن سنان ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا بأس بالرجل يمرّ على الثمرة يأكل منها ولا
يفسد ، [ و ] قد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تبنى الحيطان بالمدينة ، لمكان المارّة ». رواها في
« محاسنه » ، وهو كتابه قطعا.
وروى هذه
الرواية الكليني ، إلّا أنّه رواها عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن
مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن
__________________
الصادق عليهالسلام. الحديث .
ومعلوم اتّحاد
الروايتين ، مع أنّ الكليني قال في أوّل كتابه ما قال.
مع أنّ إسماعيل
بن مرّار مقبول الحديث عند القمّيين ، مع أنّهم كانوا يخرجون عن قم من روى عن غير العادل ،
ولذا أخرجوا البرقي المذكور ، لأنّه ربّما يروي في « المحاسن » عن غير العادل عندهم أيضا ،
والسيّد الداماد حكم بعدالة إسماعيل المذكور من الجهة المذكورة ، وربّما كان
غيره أيضا ، ومنهم الميرزا رحمهالله ، مع أنّ الظاهر من القدماء اتّفاقهم على روايته وكونها
صحيحة عندهم.
وأيضا ، نقل ـ
في « وسائل الشيعة » ـ شيخنا الحرّ رحمهالله عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام : « عن رجل يمرّ على ثمرة ، فيأكل منها؟ قال : نعم ، قد
نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تستر الحيطان » ـ أي البساتين ـ ومعلوم أنّ علي بن جعفر في غاية الوثاقة والجلالة ، وكتابه
معروف مقبول ، فالحديث في غاية الصحّة وعلوّ الإسناد ، وأيّ صحيح يكون مثله؟!
وأمّا مرسلة ابن أبي عمير ، فهي صحيحة البتّة ، وهو ممّن أجمعت العصابة
__________________
على تصحيح ما يصحّ عنهم ، ومع ذلك هو ممّن صرّح الشيخ في « العدّة » بأنّه لا
يروي إلّا عن الثقة ، ومع جميع ما ذكر ، اتّفق أهل الرجال على أنّ مراسيله
مقبولة في حكم المسانيد ، وذكروا وجهه ، وهو في غاية الجلالة والعظم والزهد
والتقوى ، سيّما في ضبط الحديث ، كما لا يخفى على المطّلع.
ومع جميع ما
ذكر انجبرت بالشهرة بين الأصحاب ، والخبر المنجبر وإن كان ضعيفا ، كما هو الحقّ
المحقّق في محلّه ، والمسلّم عند الفقهاء القدماء والمتأخّرين إلّا نادر من
متأخّري المتأخّرين ، لشبهة ضعيفة ، ولهذا ترى الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين في
المسائل الفقهيّة بنوا على ذلك ، مثل : حدّ السعي لطلب الماء في التيمّم عملوا برواية
السكوني ، وتركوا ما في صحيحة زرارة « فليطلب ما دام [ في ]
الوقت » . إلى غير ذلك من الأحكام الفقهيّة ، بل قلّ ما يكون مستنده حديثا
صحيحا ، سيّما الصحيح السالم عن المعارض ، ولعلّه لا يكاد يوجد على الصحيح المذكور
، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون في موت الفقه ، ألا ترى أنّ الشارح لا تكاد توجد
مسألة فقهيّة خالية عن الاضطراب عنده.
والحاصل ، أنّ
المرسلة مع انجبارها بالجوابر الكثيرة ، منجبرة ـ أيضا ـ بأخبار قويّة كثيرة في
غاية الكثرة ، بل ربّما وصلت التواتر :
__________________
منها : صحيحة
محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض رجاله ـ والظاهر أنّه عبد الله بن سنان الثقة
الجليل المذكور ، كما لا يخفى على الماهر ، مع أنّ يونس ممّن أجمعت العصابة وفي
غاية الجلالة ـ عن الصادق عليهالسلام ، سأله عن الرجل يمرّ بالبستان ، وقد حيط عليه أو لم يحط. إلى
أن قال عليهالسلام : « لا بأس أن يأكل ، ولا يحمل ، ولا يفسد » .
والصدوق قال :
قال الصادق عليهالسلام : « من مرّ ببستان فلا بأس أن يأكل ثمرها ولا يحمل .. »
، فإنّه نسب الرواية إلى الصادق عليهالسلام بعنوان المسلّمية وعدم الاتّكال على الواسطة.
وما رواه
الكليني والشيخ ، عن السكوني ، عن الصادق عليهالسلام قال : « [ قضى ] النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيمن سرق الثمار في كمّه ، فما أكل منه فلا إثم عليه » الحديث.
[ و ] في «
إكمال الدين » بإسناد الصحيح في حصّة الإمام من الخمس ، عن الأسدي رضى الله عنه ،
فيما ورد عليه من محمّد بن عثمان رضى الله عنه في جواب مسائله ، عن الصاحب ـ صلوات
الله عليه ـ : « [ و ] أمّا ما سألت [ عنه ] من أمر الثمار من
__________________
أموالنا يمرّ [ بها ] المار فيأكل منها هل يحل أم لا؟ يحلّ أكله ، ويحرم حمله
» .
وفي « الاحتجاج
» للطبرسي : مثل ذلك .
وفي « قرب
الإسناد » بعبد الله بن جعفر ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد ، عن الصادق عليهالسلام : « سئل عمّا يأكل الناس من الفاكهة. إلى أن قال : لا
يأكل أحد إلّا من ضرورة ، ولا يفسد إذا كان عليها فناء يحاط ، ومن أجل [
أهل ] الضرورة نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبنى [ على ] حدائق النخل والثمار بناء ، لكي يأكل
منها كلّ أحد » .
وابن إدريس في
آخر « السرائر » نقل من كتاب « مسائل الرجال ومكاتباتهم » : ( مولانا علي بن محمّد
النقي عليهالسلام قال : « سألته عن رجل دخل بستانا ، أيأكل [ من ] الثمرة
من غير علم صاحب البستان؟ قال : نعم » ) .
إلى غير ذلك من
أخبار كثيرة مذكورة في أبواب الفقه ، مثل كتاب البيع ، وكتاب الزكاة ، وكتاب
الأطعمة ، وكتاب الحدود ، وابن إدريس ادّعى التواتر ـ ولعلّه كذلك ـ وادّعى
الإجماع أيضا ، ولعلّه الظاهر من القدماء والمتأخّرين إلّا
__________________
النادر منهم ، وعرفت أنّ كثيرا من الأخبار المذكورة صحاح باصطلاح
المتأخّرين أيضا ، وكلّها صحاح باصطلاح القدماء ، ومعمول به وحجّة عند الكلّ ،
إلّا عند مثل الشارح.
وأمّا صحيح ابن
يقطين ، فلعلّه وارد بالنسبة إلى بلده ـ وهو بغداد ـ فإنّه كان في غاية الظلم ،
ونهاية كثرة الناس فيها ، فلو جوّز لهم لم يبق ثمر في يوم واحد ، وهو عين الإفساد
المنهيّ عنه في هذه الأخبار ، مع اتّفاق الفقهاء ، بل وأدون منه كما مرّ في
الشرائط ، سيّما مع اشتراط عدم مظنّة الكراهة.
ويشير إليه ما
في مرسلة متروك ، فإنّه ظاهر أنّه بالنسبة إلى مثل بغداد لا الموضع
الّذي ندر الأخذ منه ، مع قابليّة الحمل على التقيّة ، فإنّ سلاطين الجور كيف
كانوا يرضون بصدور أمثال ذلك بالنسبة إلى رعيّتهم! مع أنّهم أيضا يتضرّرون لما
كانوا يأخذون من الخراج ، بل كان لهم ولسائر المنصورين والخدمة
والعساكر زروع غاية الكثرة ونحوه ، فلا شكّ في عدم رضاهم ، بل وإبائهم ، سيّما
وعلي بن يقطين هو الوزير من طرفهم ، المأمور منهم بازدياد مداخلهم ، كما هو عادة
الوزراء ، والمروي عنه أيضا الكاظم عليهالسلام ، وهو عليهالسلام كان في شدّة من التقيّة ، ورواياته عالية فيها ، إذ
ربّما كان العامّة أيضا لا يرضون بالأكل ،
__________________
بل ربّما كان فقهاؤهم أيضا كذلك ، والله يعلم.
ولا شكّ في أنّ
الأحوط الاجتناب ، كما قال به الشارح ، [ حيث ] قال : « سألته عن الرجل يمرّ
بالنخل والسنبل والثمرة ، أفيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير
ضرورة؟ قال : لا بأس » هذه مرسلة .. إلى آخره .
وفي « الفقه
الرضوي » : « فإذا مررت ببستانة ، فلا بأس أن تأكل من ثمارها ، ولا تحمل معك شيئا » .
قوله
: [ وهو خلاف الظاهر ] ، فيردّ الخبر بذلك .. إلى آخره
.
لا وجه لردّه
مع قابليّته التوجيه الوجيه.
في الاضطرار
قوله
: لا يجوز له الأكل والشرب كما تقدّم ، فإن كان ما يندفع إلّا بالشبع يشبع
.. إلى آخره .
وفي « الدعائم
» : عن علي عليهالسلام أنّه قال : « المضطرّ يأكل الميتة وكلّ محرّم إذا
__________________
اضطرّ إليه » ، وقال جعفر بن محمّد عليهالسلام : « إذا اضطرّ المضطر إلى أكل الميتة أكل شيء حتّى
يشبع ، وإذا اضطرّ إلى الخمر شرب حتّى يروى ، وليس له أن يعود إلى ذلك حتّى
يضطرّ إليه [ أيضا ] » . ولا يخفى أنّ الغالب بالنسبة إلى المضطرّين الحاجة إلى
الشبع والريّ ، كما هو الظاهر.
قوله
: وفي السند [ جهالة ] لا تضرّ ، وهي صريحة في جواز شرب الخمر وغيرها مع انحصار ما
يدفع الضرورة فيه ، ولا يبعد فهم جوازه لدفع المرض أيضا ، فتأمّل .. إلى آخره
.
مع أنّ الكليني
رواها بطريق آخر لا إرسال فيه ، والصدوق رواها في الصحيح عن محمّد بن عذافر ، عن أبيه
، عن الباقر عليهالسلام ، مع أنّه لا يوجد تكليف يقدّم على حفظ النفس وإن كان
وجوبه شديدا ، بل لا يكون أوجب الفرائض ، مثل
الفريضة
اليوميّة وأشدّ منها ، بل وأصول الدين يجب فيها التقيّة حفظا للنفس ، قال تعالى ( إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ ) ، وورد : « لا دين لمن لا تقيّة له » ، و « التقيّة
ديني ودين آبائي » . إلى غير ذلك من التشديدات فيها
__________________
مع أنّ التقيّة واجبة في شرب الخمر أيضا ، كما يظهر من الأخبار ، وغيرها ، مع
أنّه من المسلّمات أن لا تقيّة في الدماء ، والشيخ ألحق بها الجراحات فقط ، لما فيها من الدم ، ولم يلحق
المقام أصلا ، مع أنّ شاربها يعذر إلّا في الثالثة أو الرابعة على حدّ سائر
المحرّمات ، ولا يقتل إلّا أن ينكر تحريمها ، لأنّ المنكر له ينجرّ إنكاره إلى
إنكار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد علمت أنّ في إنكار الرسالة تتحقّق التقيّة ، بل
وفي سبّ الرسول أيضا كما تحقّق عن عمّار ، ونزل فيه ( إِلّا مَنْ أُكْرِهَ ) الآية ، فإذا كان في سبّ الرسول وإنكاره يتحقّق التقيّة ، ففي
شرب الخمر بطريق أولى بمراتب ، لما عرفت.
ومعلوم أنّ
التقيّة لحفظ النفس ، مع أنّ الأخبار الّتي تمسّك بها الشيخ علّل فيها النهي عن
الشرب بأنّ الشرب يقتله أو يضرّه ، فمن جهة حفظ النفس وانعدام الضرر نهوا عليهمالسلام عنه ، فكيف يؤمر بهلاك النفس تنزّها عن الشرب؟! وفي «
المحاسن » ، في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم وعدّة ، قالوا : « سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : التقيّة في كلّ شيء ، وكلّ شيء اضطرّ إليه ابن
آدم فقد أحلّه الله له » .
__________________
مع أنّ الرواية
المذكورة رواها الصدوق أيضا في « أماليه » ، عن شيخه ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن
محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن محمّد بن
عذافر ، عن أبيه ، عن الباقر عليهالسلام .
ورواه في «
العلل » عن أبيه عن سعد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم ـ جميعا ـ عن
محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن عذافر ، عن أبيه ، عن الباقر عليهالسلام .
ورواها ـ أيضا ـ
بطريق صحيح عن محمّد بن عذافر ، عن بعض رجاله ، عن الباقر عليهالسلام .
ورواه في «
العلل » لمحمّد بن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جدّه .
والشيخ بإسناده
عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، مثله .
ورواها
العيّاشي في « تفسيره » ، عن محمّد بن عبد الله ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليهالسلام .
ورواها البرقي
في « محاسنه » بالطريق الّذي رواها الكليني بغير إرسال ، مع أنّ
الكليني والصدوق قالا في أوّل كتابيهما ما قالا.
__________________
فظهر أنّ هذه
في أعلى درجات الاعتبار والحجّية ، مضافا إلى صحّتها في بعض الطريق ، مع أنّ
الشهرة إذا صارت جابرة تكفي للحجّية ، إذ على ذلك المدار في الفقه ، فما ظنّك إذا
انجبرت بجميع ما عرفت؟! مضافا إلى أنّ ثمر التكاليف إنّما هو بعد بقاء المكلّف ،
ومن جهة هذا كلّه ، مضافا إلى ما ذكره الشارح من العقل والنقل من نفي الحرج ، بل ونفي
العسر ، بل وإرادة اليسر ، مع أنّ ما دلّ على وجوب حفظ النفس من اليقينيّات ، من
القرآن والأخبار المتواترة ، مضافا إلى نفي الضرر والإضرار.
وفي « المفاتيح
» ـ في المقام ـ قال : ( وفي الخبر : « في رجل أصابه عطش حتّى خاف على نفسه ،
وأصاب خمرا ، قال : يشرب منه قوته » ) .
والأخبار
المتواترة في حلّية كلّ ما حرّم الله عند الاضطرار ، مضافا إلى
الإجماع والعقل.
قوله
: وفي رواية الحلبي ، قال : « سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن دواء عجن
بخمر ، فقال : ما أحبّ
أن أنظر إليه ولا أشمّه ، فكيف أتداوى به؟! » . هذه الأخبار مع أدلّة التحريم الكثيرة ،
الدالّة على المبالغة في تحريم المسكر ـ خصوصا الخمر ـ دليل المنع .. إلى آخره
.
وجه المبالغة :
حسم مادّة الفساد ، فلو كانوا يرخّصون لأدّى ذلك إلى
__________________
شيوع شرب الخمر ونحوه ممّا يكون طباع الفسّاق في غاية الشوق [ إليه ] ، بل
طباع الكلّ ، لأنّ النفس أمّارة بالسوء ، فكانوا يرتكبون معلّلين بأنّا نداوي مرضنا ، بل النفس
ـ أيضا ـ من جهة كونها أمّارة بالسوء كثيرا ما يخفى ويغيّر ، ولذا لا ينجو إلّا من
يجاهد نفسه دائما بالعلاجات الصادرة عن الأئمّة الطاهرين عليهمالسلام والحكماء وأرباب القوى القدسيّة ، وقليل ما هم ، و ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا ). إلى آخر الآية ، وقال تعالى ( أَفَمَنْ زُيِّنَ
لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) ، وقال ( قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .
وفي « الاحتجاج
» عن الطبرسي ، عن هشام بن الحكم ، قال : « سأل الزنديق أبا عبد الله عليهالسلام قال : [ و ] لم حرّم الله الخمر ولا لذّة أفضل منها؟
قال : حرّمها لأنّها أمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ » الحديث.
والأئمّة ـ من
الجهة المزبورة ـ لا بدّ أن يبالغوا مبالغة كاملة ، ألا ترى أنّ الإنسان لا بدّ أن
يكون بين الخوف والرجاء على حدّ سواء؟! ومع ذلك [ ورد ] بالنسبة إلى المعاصي
والعصاة ما ورد ، بحيث يوجب اليأس التام ، وورد بالنسبة إلى الخائفين المأيوسين ما
ورد ، بحيث يوجب الرجاء التام ، وهكذا في كلّ محلّ ومقام ، وهم عليهمالسلام كانوا أطبّاء لعلاج النفوس ، انظر حال الطبيب كيف يسلك
مع
__________________
المغمرين في الشهوات وأمثالهم ، وكذا حال الوعّاظ والناصحين وأهل الخير في
مقام الإرشاد والإصلاح ، ورأينا بعض الشاربين يعتذر بأنّي إن لم أشرب أضرّ في مرض
كذا.
وبالجملة ،
كلّما زاد حرص المتعلّمين على معصية اقتضى ذلك زيادة التشديد في المنع وسدّ الباب
، حسما لمادّة الفساد ، مع أنّ الّذي في الأخبار أنّه تعالى لم يجعل في حرام شفاء ، وهو أمر
محمود ، حسن عقلي ، فربّما يأتي العقل وجوده في الحرام مطلقا ، بخلاف طلب السلامة
من المفسدة ، فإنّه كثيرا ما تدفع الأفسد بالفاسد ، والضرورات تبيح المحذور
والمحذورات ، ولا غبار.
ولذا ورد في
الحسن عن هارون بن خارجة ، عن الصادق عليهالسلام : « في رجل اشتكى عينيه ، فبعث له كحل يعجن بالخمر ،
فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإذا كان مضطرّا فليكتحل [ به ] » .
آداب المائدة
قوله
: وفي رواية أخرى : « ملعون ملعون من جلس [ طائعا ] على مائدة يشرب عليها الخمر »
.. إلى آخره .
وروى الصدوق ـ
أيضا ـ مرسلا ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا تجالسوا
__________________
شرّاب الخمر ، فإنّ اللعنة إذا نزلت عمّت من في المجلس » .
ويدلّ عليه
الأخبار الكثيرة في المنع عن الجلوس مع العصاة ، وفي مجالس العصاة ، والفقهاء
أفتوا بها ، مع أنّ المحمّدين الثلاث أفتوا بالمنع عن الجلوس أيضا ، كما هو غير
خفيّ .
قوله
: [ العلّامة عدّى التحريم إلى الاجتماع ] للهو والفساد ، [ و ] عن ابن إدريس أنّه
لا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به ، أو عليه
، وقال : ( ولم نقف
على مأخذه ) ، ويمكن كون المأخذ ما أشرنا إليه ، فتأمّل .
يمكن أن يقال :
مستنده تحريم الإعانة على الإثم ، لأنّهم إن لم يجتمعوا لم يتحقّق هذا الإثم ، فاللازم
على الكلّ ترك الاجتماع ، وكذا لو منعوا عن الأكل فإنّهم لا يجتمعون حينئذ ، لأنّ
العادة أنّ الأكل وغيره يصير سببا للفساد.
وبالجملة ،
الإعانة على الإثم حرام بلا شبهة.
__________________
كتاب الإرث
في موانع الإرث
الكفر
قوله
: فالقول بالصحة ، كما نقله في « الشرح » و « المختلف » مشكل ، لعلّ المراد إليه صحيح ، ولكن لا تصلح
للحجّية في مثل هذه الأحكام المخالفة للقوانين ، وهو ظاهر
.
لا يخفى أنّه
رواه في « الفقيه » عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عبد الملك بن أعين
ومالك بن أعين ، عن الباقر عليهالسلام. إلى آخر الحديث ، ففيها مؤيّدات :
منها : ما قال
في أوّل « الفقيه » ، مضافا إلى أنّه أفتى به ، كما لا يخفى.
ومنها : أنّ
السند صحيح إلى الحسن ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، على قول .
__________________
ومنها : كون
هشام في غاية الجلالة .
ومنها : كون
الرواية عن الرواة عن الباقر عليهالسلام ، وفيها وجوه من القوّة نصّا واعتبارا ، مثل قول الصادق
عليهالسلام : « إنّ أبي كان يفتي بمرّ الحقّ ، وإنّه عليهالسلام ما كان يتّقي » ، لحكاية جابر ، وقول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يبقر علم الدين » ، وإبلاغ
سلامه إليه ، وغير ذلك ممّا ذكرنا في موضعه.
والكليني ـ
أيضا ـ رواها بطريقين إلى سهل بن زياد ومحمّد ـ وهو ثقة ، وسهل أيضا ثقة على
الأقوى ، وقويّ على غير الأقوى ـ وهما رويا عن الحسن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن الباقر عليهالسلام ، وهو أيضا قال في أوّل « الكافي » ما قال ، مع تعدّد
الطريق وعمله بها.
والشيخ ـ أيضا ـ
روى في الصحيح ، عن الحسن المذكور. إلى آخر السند ، عن الباقر عليهالسلام ، وهو ـ أيضا ـ أفتى بها ، مضافا إلى الأكثر كما ذكر.
مع أنّها
تتضمّن السعي في تحصيل إسلام أولاد صاحب المال ، لأنّ السعي في أصل تحقّق الإسلام
مطلوب ، وكذا إسلام خلف صاحب المال ، مع أنّ ( أُولُوا الْأَرْحامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) .
__________________
وتبادر ما نحن
[ فيه ] في الأخبار الدالّة على عدم إرث الكافر من المسلم المورث لعلّه محلّ تأمّل
ظاهر ، سيّما لعدم كون الصغير كافرا ، ولا في حكم الكافر من جميع الوجوه ، بل
القطع حاصل بعدم كونه في حكم الكافر في وجوب قتله ، وأخذ الجزية [ منه ] ، وكونه
تبعا للسابي. إلى غير ذلك.
وما ذكر في هذا
الخبر المفتي به عند الأكثر نوع من الأولويّة في أولي الأرحام ، سيّما بملاحظة ما
اشتهر وتلقّي بالقبول عند جميع الفحول ووجدوا بالوجدان ، من أنّه ما من عامّ إلّا
وقد خصّ ، وملاحظة قوله تعالى ( وَتَعاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ ) وغيرهما من الكتاب والأخبار المتواترة.
مضافا إلى
الأخبار المتواترة في مراعاة ما هو أوفق بالقرآن والسنّة المتواترة ، وما اشتهر
بين الأصحاب وغير ذلك ، مثل ما ورد في السعي في إهداء الضالّة وتشييد الدين ،
وترويج الحقّ والصواب ، وتأليف القلوب إلى الحقّ ، مع أنّه تعالى جعل للمؤلّفة
قلوبهم قسطا من الزكاة ، وما ورد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وغير ذلك ،
والله يعلم.
قوله
: وهو ظاهر على أنّ في متنه [ ـ أيضا ـ ] قصورا ، حيث حكم أوّلا بتوريث ابن الأخ
وابن الأخت ولم يفصّل بأنّه أسلم الأولاد أم لا ، وحكم [ بعده ] بأنّه إن أسلموا
يعطي الإمام .. إلى آخره .
لا يخفى ما فيه
، فإنّ المعصوم عليهالسلام صرّح بأنّ توريث ابن الأخ والأخت المسلمين مطلقا إن لم
يكن له ولد صغار ، فإن كان له ولد كذلك فالتوريث ، وإن كان بحاله ، إلّا أنّه
عليهما أن ينفقا عليهم ممّا ورثا حتّى يدركوا ، والراوي ـ حين
__________________
سأل ـ صرّح بأنّه ليس له أولاد مسلمون ، بل له أولاد وزوجة نصارى ، فليس
هنا موضع الاستفصال بأنّه مسلم الأولاد أم لا.
ثمّ لما سئل عليهالسلام أنّه إذا اتّفق أنّ أولاده الصغار ـ إن كانوا ـ إن
اتّفق أنّهم أسلموا وهم صغار ، هل حالهم مثل ما لو لم يسلموا؟ فأجاب عليهالسلام بأنّه حينئذ ليس حالهم حال ما لو لم يسلموا ، إذ يعطى
حينئذ ما ترك أبوهم للإمام عليهالسلام أولى الظنّ القويّ غاية القوّة حاصل بأنّهم يبقون على إسلامهم ، لا
أنّهم يرتدّون إن بلغوا .
فعلى هذا ، لا
يناسب إعطاء ميراثهم من أمّهم لابن الأخ والأخت ، فإنّهم يأكلونه ويصرفونه.
وأمّا سكوته عن
وجوب الإنفاق عليهم ، فلأنّه من اليقينيّات أنّهم لا يتركون جائعين عن بابين مثلا ، لأنّهم
يموتون قطعا ، فلا وجه لحفظ الإمام عليهالسلام ميراثهم إلى أن يدركوا ، بل لعلّه على الإمام عليهالسلام أن ينفق عليهم من ماله أو من بيت المال ، لا خصوص
أموالهم الّتي يورثهم المسلم البتّة ، و [ هي ] حقّ المسلمين جزما.
وفي صورة عدم
إسلامهم ، لمّا كان المال حقّ ابن الأخ والأخت وهما ورثاه الآن ، كان عليهما أن
ينفقا من مالهما المذكور إلى بلوغهم ، وأمّا الإمام عليهالسلام فالمال ليس ماله ، مع أنّ الإمام يعلم يقينا أنّه ما ذا
يصنع ، فلا حاجة إلى إظهار ذلك في المقام ، ولا يقتضي المقام إظهاره ، وإن كان في
مقام جواب سؤال السائل كما لا
__________________
يخفى ، لأنّه كان يدري أنّ الإمام عليهالسلام لا يخلّيه حتّى يموت ، والله يعلم.
قوله
: فلا يردّ هذا التنزيل بالردّ المذكور. نعم ، يمكن ردّه بأنّه حينئذ يلزم توريث
الأولاد ، إلّا ابني الأخ والأخت
والإنفاق عليهما ، بل
يأخذه الحاكم وينفق ، وعدم جواز الأخذ منهم بعد أن كفروا يجب حينئذ استعسار
الأولاد ، فتأمّل .. إلى آخره
.
لا يخفى وضوح
فساد هذا الردّ ، إذ لا يلزم من عدم الدخول في الكافر الممنوع من الإرث كونه وارثا
مطلقا ، بل لعلّه يكون بالنحو الثابت من هذا الخبر المعمول عند الأكثر ، مع ما فيه
من المؤيّدات الّتي عرفت ، مع أنّه لعلّه صحيح ، ولا يبعد صحّته كما عرفت ، فلاحظ
حال عبد الملك بن أعين من الرجال وما كتبنا فيه ، مضافا إلى
ما فيه من الجوابر الّتي عرفت ، فتأمّل!
الرقّ
قوله
: ويمكن الاستدلال ـ أيضا ـ على عدم إرثه من غيره
بما تقدّم في صحيحة
محمّد بن مسلم [ الّتي ] في إسلام الوارث على ميراث ، « قلت : العبد يعتق على
ميراث ، فقال : هو بمنزلته »
، وما في
حسنته : « ومن أعتق على ميراث قبل
__________________
أن
يقسم الميراث فهو له ، ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له » ، فيها دلالة على إرثه إن أعتق قبل القسمة ..
إلى آخره .
ويمكن أن
يستدلّ ـ أيضا ـ بصحيحة منصور الآتية عند قول المصنّف رحمهالله : ( ولو تحرّر بعضه ) ، وما رواه في
« الفقيه » عن الصادق عليهالسلام : « إنّ العبد لا يورث » ، وكذا
الأخبار الواردة في أنّ من تحرّر بعضه من المكاتبين يورث بقدر ما تحرّر ، وما ورد في
عدّة أخبار من عدم التوارث بين الحرّ والمملوك .
إلّا أن يقال
بأنّ هذه الأخبار من الأخبار الدالّة على أنّ المملوك لا يملك شيئا ، لظهورها في
ذلك ، فيكون الكلام فيها هو الكلام في سائر ما دلّ عليه.
ووجه الظهور
أنّه إن كان يملك ، ويكون المال ماله بعد موته يصير من جملة ما ترك جزما ، فيشمله
العمومات القرآنيّة والأخباريّة في انتقاله إلى الورثة.
والقول بأنّ
المملوكيّة لعلّها تكون حاجبة للإرث مطلقا ، يعني كما أنّها حاجبة للوارث في
وارثيّته وإرثه ، فكذا حاجبة للمورّث في مورثيّته ، وإيراثه يقتضي أن لا يكون
المالك أيضا وارثا له ، فإنّه حرّ ولا توارث بين الحرّ والمملوك.
والأخبار ظاهرة
في أنّ مال المملوك الميّت مال مولاه لا مال وارثه ،
__________________
فتعيّن أن يكون الانتقال إلى المولى من جهة الملك ، لا من جهة الإرث ، كما
صرّح به بعض المحقّقين .
وأيضا ، ربّما
يظهر من كلام الشارح عدم كون عدم الموروثيّة مسلّمة عند الكلّ ، متّفقا عليه بين
الفقهاء ، سيّما القائلين بالملك ، وإلّا لكان يشير إلى ذلك كما أشار في مبحث
الحجر وتنظّر فيه ، فلاحظ! والشيخ رحمهالله وجّه هذه الأخبار وعلّل من جهة أنّ المملوك لا يملك ، وكذا غيره
ممّن وجدنا وعلمنا جزما أنّه عمل بها ووجّهها ، فتأمّل.
وادّعى الإجماع
على عدم الإرث والإيراث من الطرفين ، وأنّ الرقّ مانع عن ذلك ، ولم أطّلع على
مخالف لهذا الإجماع ، ومضمون الأخبار.
وفي « المسالك
» : جعل حاجبيّة الرقّ مخصوصا بالقول بمالكيّة العبد ، إذ لو لم يملك لم يتحقّق
معنى الحجب ، كما في صورة عدم ترك الميّت مالا أصلا ، وبعد ما رأى أنّ المال على
القول بالمالكيّة ، لا بدّ أن يكون إرثا ، وأنّه ليس بإرث أصلا وجّه ذلك بأنّ ملك
العبد غير مستقرّ ، يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته ، كما إذا باعه . انتهى.
وفيه تأمّل
ظاهر ، ومرّ الكلام في ذلك في كتاب البيع ، فلاحظ!
قوله
: فلا عموم فيها ، مع احتمال كون ذلك تبرّعا منه عليهالسلام ، فإنّ المال بعد
__________________
عدم
الوارث له عليهالسلام .. إلى آخره
.
قوله عليهالسلام : « انظروا هل تجدون له وارثا؟ » ظاهر في
العموم ، وقول القيد لا يخصّصه بلا تأمّل ، لأنّه من الاتّفاقيّات كما ذكره
، وظهور عدم التبرّع غير بعيد.
قوله
: والظاهر أنّه أحوط بالنسبة إلى حال العبد ، ولا شكّ أنّ الاكتفاء بالقيمة
السوقيّة أحوط بالنسبة إلى المالك .. إلى آخره
.
بل الظاهر عدم
كونه أحوط بعد ما ظهر من حقّية ما ذكره أوّلا ، مع أنّه ربّما يؤدّي إلى عدم
الإعتاق ، لعدم وفاء المال بمهما أراد ، إلّا أن يدخله في الإجحاف ، فتأمّل! مع
أنّه كثيرا ما يتضرّر بأنّه يصير سائلا بالكفّ.
وبالجملة ، ما
ذكر أوّلا متعيّن ، للأخبار المنجبرة بعمل الأصحاب ، لأنّ ظاهرهم
ذلك ، والظهور يكفي في الأخبار وفي كلامهم.
__________________
كتاب القضاء
صفات القاضي
قوله
: فيه دلالة على تجزّؤ الاجتهاد والفتوى وتجويز القضاء للمتجزّئ ، فافهم
.
لا نزاع في أنّ
العلم بجميع الأحكام ليس شرطا في الفتوى والاجتهاد ، كيف وهو من خواصّ الشارع؟! بل
النزاع إنّما هو في اشتراط الاطّلاع بجميع مدارك الأحكام والقدرة على استنباطها ،
ومنها التوقّف ، كما لا يخفى على المطّلع بأحوال المجتهدين الّذين لا تأمّل لأحد
في اجتهادهم ، بل لا يوجد مجتهد إلّا ويتوقّف في بعض المسائل ، بل وغير واحد منها.
فعلى هذا ، لا
دلالة للرواية على التجزّؤ في الاجتهاد ، بل على أنّ العالم ببعض
الأحكام مجتهد ، وقوله فيه حجّة ، والمانع للتجزّؤ يمنع حصول العلم ببعض الأحكام
للمتجزّئ ، إلّا أن يدّعى ظهور حصول العلم ببعضها من دون الإحاطة بجميع المدارك في
ذلك الزمان ، لكن لو تمّ هذا ـ بحيث ينفع محلّ النزاع ـ يكون هو الدليل من دون
مدخليّة الرواية ، إذ لا نزاع في أنّه بعد تحقّق العلم يكون حجّة وعالمه مجتهدا ،
بل هذا فوق درجة الاجتهاد ، وهو فوق المجتهد ، إذ يكفي للمجتهد الظنّ ، بل النزاع
إنّما هو في حصول العلم أو الظنّ المعتبر من دون الاطّلاع بجميع المدارك ، إذ يجوز
أن يكون لباقي المدارك ـ كلّا أو بعضا ـ مدخليّة في الفهم ، فلو
__________________
كان مطّلعا لتغيّر فهمه ، ومع عدم الاطّلاع كيف يحكم بعدم المدخليّة؟! إلّا
أن يقلّد المجتهد في الكلّ ، فيكون في الحقيقة مقلّدا لا مجتهدا ، أو ملفّقا.
ولا دليل على
حجّية مثل هذا الظنّ ، وقد بسطنا الكلام في المقام في رسالتنا ، وظهر ممّا
ذكر أنّ محلّ النزاع ليس ذلك الزمان ، إذ لا شكّ في حصول اليقين ممّا سمع من
الشارع مشافهة ، من دون حاجة إلى مقدّمة وشرط من شرائط الاجتهاد المتّفق عليها عند
الفريقين ، إذ لا شكّ في أنّ القائل بالتجزّؤ يشترط للمتجزّئ ـ أيضا ـ شرائط
الاجتهاد ، إذ الشرائط المعتبرة لم تعتبر للمجتهد المطلق ، بل لمطلق الاجتهاد ،
كما لا يخفى.
قوله
: ولأنّه روى الأصبغ بن نباتة أنّه قال .. إلى آخره
.
لعلّ المراد
الخطأ في موضوع الحكم الشرعي ، لا في نفسه ، ولهذا أمر بالتأمّل.
قوله
: [ كون من روى ] حديث أهل البيت عليهمالسلام ونظر
في حلالهم وحرامهم
وعرفهما حاكما وقاضيا وإن لم يكن مجتهدا في الكلّ .. إلى آخره .
فيه ـ مضافا
إلى ما مرّ ـ أنّ « أحكامنا » ظاهر في الكلّ ، بل وإفادة « حلالنا وحرامنا » البعض
أيضا محلّ نظر.
__________________
قوله
: [ فلا يجوز للمتّصف بالشرائط الحكم بغير نصبه ] ، والدليل عليه غير ظاهر إلّا أن
يكون إجماعيّا .. إلى آخره .
في قوله عليهالسلام : « فإنّي قد جعلته [ عليكم ] حاكما » وقاضيا ، وغير
ذلك شهادة واضحة على الاشتراط ، وأنّ نصبهم كذلك إنّما هو لعدم تمكّنهم من النصب
بالخصوص ، فدعوى البعد بعيد ، فتأمّل.
قوله
: [ ولم يجز ] ولم ينفذ حكمه ، إذ لا بدّ من الإذن .. إلى آخره
.
لكن روى «
الكشّي » في عروة القتّات ما يشير إلى الجواز ، مع تأمّل فيه ، فتأمّل!
قوله
: [ الإجماع أيضا ، ] وإلّا فما أعرف له دليلا بعد جعله مخصوصا .. إلى آخره
.
يمكن الاستشهاد
بحكاية عروة القتّات ، فتأمّل!
قوله
: فإنّ عرفان الأحكام بدون الاجتهاد لا يمكن ، ويؤيّده الاعتبار ، وفيه تأمّل ،
لعدم حجّية الاعتبار ، وأنّ ظاهر الأخبار أنّه يكفي مجرّد الرواية ، وأنّ فهمها كاف
.. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
هذا الراوي أعلى درجة من المجتهد في زماننا بمراتب ، لانسداد باب العلم ، وتراكم
الشبهات والاختلالات ، ومقتضى الأدلّة حرمة العمل بالظنّ والحكم بغير عرفان ، ولم
يظهر من الأخبار عدم عرفان الرواة ، بل وربّما كان الظاهر عرفانهم ، ولا أقلّ من
عرفان كعرفان المجتهد ، وأنّه كان حاصلا لهم لو لم
__________________
نقل بأزيد منه ، بل لو كان ظاهرها العدم لزم ارتكاب خلاف الظاهر ، جمعا بين
الأدلّة.
ولا يمكن حمل
ما دلّ على اشتراط العرفان على مثل مجرّد الرواية من دون عرفان لقطعيّة السند
وقوّة الدلالة ، لو لم نقل بالنصوصيّة في بعضها ، مع أنّ مجرّد الاحتمال لا يكفي في
المقام والحكم في الأموال والدماء والفروج وأمثالها بمجرّده ، مضافا إلى أنّ العمل
بغير العلم في الأحكام الشرعيّة خلاف الأصل والعقل ، بل الظنّ لا يكفي إلّا أن
يدلّ [ دليل ] علمي على اعتباره ، كما هو في ظنّ المجتهد.
فإذا كان الظنّ
لا يكفي ، فكيف مجرّد الاحتمال؟! سيّما وإن كان مرجوحا ، لو لم نقل بالقطع بفساده
، فتأمّل! على أنّا نقول : ليس ظاهر الأخبار أنّ القاضي استند إلى الرواية ، فضلا
عن اكتفائه بمجرّدها ، بل المستفاد منها أنّ القاضي هو الراوي ، والمحدّث ، وإن
أراد أنّه يكفي للمدّعي والمدّعى على مجرّد الرواية من دون قاض وقضاء وحكم ، فلا
يخفى ما فيه ، فتدبّر !
قوله
: وقد يمنع لزوم ترجيح المرجوح ، إذ قد يظنّ التساوي ، بل الرجحان في الفتوى
الواحدة أو الحكم الواحد ، بل أكثر من
كونه مفضولا ، وقياسه
على حال الإمامة والرئاسة غير سديد .. إلى آخره
.
بل نقول : إنّ
التقليد خلاف الأصل ، بل منهيّ عنه لنفسه ، ولكونه ظنّا وغير علم ، مضافا إلى
الثمرات مثل القتل وأخذ مال الغير وأمثالهما ، خرج تقليد
__________________
الأعلم بالإجماع وغيره ، وبقي الباقي.
وأيضا ، حكم
غير الأعلم مرجوح في نظر المقلّد بالنسبة إلى حكم الأعلم إذا وقع بينهما مخالفة ،
ولا بدّ للمقلّد الظنّ بكون حكم مجتهده حكم الشارع لا أقلّ منه ، والمرجوح موهوم ،
وأين هو من المظنون؟! فتدبّر.
وظنّ التساوي ،
مع علمه بكون الآخر أعلم بالأحكام الشرعيّة ، وعدم اطّلاعه بمدارك الأحكام وطرق
استنباطها ، أو عدم مهارته فيها ، مع اعتقاد مهارة الأعلم ، فيه ما فيه.
وعلى فرض حصوله
من غير جهة مع أنّه محال ، أو من جهة فاسدة ـ مثل كون المفضول أعرف بالشعر أو
القيافة وأمثال ذلك ـ فاعتباره شرعا أو عقلا فيه ما فيه.
قوله
: ولهذا قد جوّز إمامة المفضول [ للفاضل في الصلاة ] ..
إلى آخره .
لا يخفى ما فيه
، والفرق بينه وبين ما نحن فيه.
قوله
: [ عدم الخلاف ] في عدم انعزاله [ بموت القاضي ] .. إلى آخره
.
الظاهر ترك لفظ
العدم ، كما في « المسالك » .
__________________
آداب القضاء
قوله
: أن يحضر العلماء حال حكمه ، إذ قد يسهو أو يخطأ فينبّهونه فيرجع بعد أن رأى ما
ذكروه صوابا إليه ، أو ربّما أشكل عليه المسألة للغفلة عن دليلها تلك الساعة ..
إلى آخره .
في « التهذيب »
بسنده إلى الصادق عليهالسلام ، قال : « إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ولمن عن
يساره : ما ترى؟ ما تقول؟ فعلى ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ألا يقوم
من مجلسه ويجلسهما مكانه! » .
لعلّ المراد
منه الجاهل بالحكم ، لا المجتهد المشاور احتياطا ، بل هو الظاهر.
ونقل الكشّي رحمهالله في عروة القتّات رواية عن الصادق عليهالسلام ، قال : « أيّ شيء بلغني عنكم؟ قلت : ما هو؟ قال :
بلغني أنّكم أقعدتم قاضيا بالكناسة! قلت : نعم [ ـ جعلت فداك ـ ذاك ] رجل يقال له
عروة [ القتّات ، وهو رجل ] له حظّ من عقل يجتمع عنده ، يتكلّم ويتساءل ، ثمّ
يردّ ذلك إليكم ، قال : لا بأس » .
والرواية
الاولى من الأدلّة على عدم جواز تقليد القاضي للمجتهد ، ولا يعارض الثانية ، لأنّ
مضمونها نوع اجتهاد ، سيّما في ذلك الزمان ، فتدبّر.
قوله
: لأنّ هذا الحكم يجري على المذهبين ، وقد ذكره الفريقان في آداب
__________________
القضاء
، لأنّ الإصابة في الاجتهاد على القائل بكون
كلّ مجتهد مصيبا إنّما
هي مع موافقة الاجتهاد للدليل المناسب للحكم ، والمفروض هنا الغفلة عنه .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّ
الاجتهاد واستفراغ الوسع شرط في صحّة حكم القاضي ، فإن حصل صار مصيبا عند المصوّبة
، وحكمه حكم الله تعالى بعينه ، إذ لا حكم له [ تعالى ] إلّا ما ظنّه المجتهد بعد
مراعاة شرائط الاجتهاد ، فلا وجه حينئذ في الرجوع إلى قول المنبّه ، لأنّ حكم الله
تعالى في شأنه هو الّذي حكم به.
وأمّا إذا لم
يستفرغ الوسع ولم يحصل الشرائط كان حكمه باطلا ، ولم يكن حكم الله تعالى قطعا.
فلا معنى
لاستحباب إحضار العلماء الدالّ على صحّة الحكم بدون الإحضار ، إلّا أنّه أولى ، إذ
هذا يناسب مذهب المخطّئة. وموافقة الاجتهاد للدليل المناسب إن
كفى ظنّ المجتهد بها فهي حاصلة في المقام ، وإلّا فكيف يحكم وإن لم يكف الظنّ بل
لا بدّ من اليقين؟! فبدون إحضارهم ـ إن حصل ـ فأيّ فائدة في الإحضار؟ إذ اليقين
ينفي الاحتمال. وإن لم يحصل فكيف يصحّ حكمه بدون الإحضار يستحب ، لو لم نقل بفساد
حكمه مع الإحضار أيضا! فتدبّر! فإن قلت : الظنّ كاف ، لكن لا يلزم من حصوله حصول
الظنّ بنفس الحكم حتّى يكون حكمه ـ تعالى ـ تابعا له ويكون صوابا ، إذ لعلّه
يتوقّف على أمر آخر مثل ملاحظة المعارض وغيره ، وحينئذ يستحبّ أن يجعل ظنّه أقوى
أو يحصل
__________________
العلم.
قلت : تحصيل
الأقوى أو العلم حينئذ إن كان تحت وسعه وقصّر ، فلا يجوز العمل على الضعيف ، كما
هو الظاهر من طريقتهم والمقرّر منهم في شرائط الاجتهاد ومقدّماته.
ومع ذلك لا
خصوصيّة لذلك في إحضار العلماء ، إذ المحصّل لهما أمور كثيرة ، بل ربّما يحصل بعد
إحضار العلماء ، ومشاورتهم ظنّ أضعف بالنسبة إلى الحاصل من أمور أخر.
ومع ذلك كلامهم
إنّما هو في الإحضار حال الحكم ، ولا يكون ذلك إلّا بعد طيّ جميع المقدّمات
والشرائط من ملاحظة المعارض وغير ذلك ، فتأمّل!
كيفيّة الحكم
قوله
: فإنّا نجد أنّ التقييد في زماننا هذا بين المسلمين قليل جدّا ، وهو
ظاهر ، وما يدلّ على عدم الخروج عن اليقين إلّا بيقين آخر
.. إلى آخره
.
وفي زماننا
أقلّ وأقلّ ، بل لعلّه لا يوجد إلّا في البلاد الكبيرة وفي غاية القلّة ، فعلى
اشتراط التفتيش حتّى يثبت العدالة يندر ما يتحقّق حكم ، وهو أيضا مفسدة ، كما
سنشير إليه.
فمقتضى ما ذكره
، ملاحظة القاضي أقلّ المفسدتين.
ومن هذا يظهر
وجه جمع آخر بين الأخبار ، وكذا بينها وبين غيرها لو لم
__________________
يكن خرقا للإجماع المركّب والشأن في ثبوته ، وسيجيء ـ في عنوان أنّه لا
تقبل شهادة الذمّي ـ ما يشير إلى ذلك ، فتأمّل.
مع أنّ ظهور
العدالة كاف قطعا ، والنزاع إنّما وقع في أنّها ما هي ، فتأمّل!
قوله
: [ وخصوص الآية ، مثل : ] قوله تعالى ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ ) .
فيه ما لا يخفى
، وسيجيء الكلام.
قوله
: والأخبار ، مثل صحيحة عبد الله بن أبي يعفور الثقة ، في « الفقيه » قال : « قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : بما
تعرف عدالة الرجل بين
المسلمين ، حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر ، والعفاف ،
وكفّ البطن والفرج واليد واللسان .. »
.. إلى آخره .
وجه الاستدلال
، أنّ المستفاد منها أنّه لو لم يحصل المعرفة بالنحو المذكور لم يقبل أصلا.
وفيه ، أنّ
المعرفة بهذا النحو ليس بشرط إجماعا ، للإجماع على عدم اعتبار صلاة الجماعة فضلا
عن معرفتها ، وللاتّفاق على كفاية المعرفة من شهادة العدلين ، وأنّها من طرق
المعرفة ، بل سيجيء عن الشارح رحمهالله الاكتفاء بالعدل الواحد أيضا .
وأيضا ، إن
أريد أنّها تدلّ على أنّ معرفة عدالة الرجل إنّما تحصل من كونه
__________________
معروف العدالة بين المسلمين ، ساترا لجميع عيوبه عليهم ، فيظهرونها على من
احتاج إلى المعرفة ، ففيه ـ مضافا إلى ما قلنا من الحصول بالشهادة أيضا ـ أنّها
تحصل بالمعاشرة أيضا ، بل هي أقوى الطرق ، بل المعرفة إنّما تحصل من المعاشرة
معاشرة المحتاج ، أو الشهود الماهرين له.
مع أنّ السائل
إن كان يعرف ماهيّة العدالة ، لكن لا يعرف كيفيّة الثبوت ، فكان يكفي أن يجاب بأنّ
المثبت هو شهادة المسلمين.
وإن كان لا
يعرف الماهيّة وكان يسأل عنها ، فكيف يناسبه أن يجاب بأن يعرفه المسلمون بكذا وكذا؟
إذ يظهر منها كون معرفة المسلمين لها مدخليّة في العدالة ، ولا شكّ في فساده ، ولم
يعتبر أحد في العادل ، أن يكون عادلا عند المسلمين ، بل المعتبر ـ مثلا ـ حال
القاضي ، فلو كان عادلا عنده كفى في قبول شهادته وإن لم يكن عند غيره عادلا ، بل
ولو كان عند غيره فاسقا لكن لم يبلغه ، أو بلغه بعد حكمه ، أو حكمه بها قبل البلوغ
، كان صحيحا بظاهر الشرع ، أو بلغه قبل الحكم لكن لم يعتن به لعدم عدالة المبلّغ ،
أو لغير ذلك ، حتّى أنّه لو ترجّح عنده شهود التعديل أو بنى على أنّ التعديل مقدّم
يصحّ قوله.
وبالجملة ، لا
يشترط في العادل أن لا يظهر فسقه على أحد ، فضلا عن أن يكون عادلا عندهم حتّى عند
القائل بالملكة ، لأنّ هذه الملكة مثل سائر الملكات في عدم استحالة التخلّف ،
وليست مرتبة العصمة ولا يشترط تحصيل القطع بعدم الفسق ، بل يكفي الظنّ كما سيجيء
، وإن كان ظنّ الملكة أقوى.
وأيضا ، يجوز
أن يفسق الشاهد وفاقا ويتوب ، فتقبل شهادته ، كما سيجيء.
وإن أريد أنّ
المراد من المسلمين في الحديث آحاد من احتاج إلى الشهادة
وقبولها ، مثل القاضي والمستشهد ، فيكون المراد أنّ القاضي ـ مثلا ـ بم
يعرف عدالة الرجل حتّى يقبل شهادته؟ فأجاب بأن يعرفه بالستر والعفاف .. إلى آخره.
فهذا ـ مع أنّه
ربّما كان خلاف الظاهر ـ لا يلائمه قوله عليهالسلام : « والدلالة على ذلك » .. إلى آخره.
فإن قلت :
الحديث صحيح ، متلقّى بالقبول عند الصدوق ، بل الشيخ أيضا ، فلا بدّ
من التوجيه ، حتّى يرفع ما ذكرت من المفاسد ، لكن على أيّ حال الدلالة على المطلوب
باقية ، وهي عدم القبول إلّا بمعرفة اجتناب الكبائر .. إلى آخره.
قلت : الشيخ
رواها بمتن مخالف لهذا المتن في الجملة ، وهذا أيضا علاوة لما ذكرنا. وأمّا التوجيه
، فلعلّ بارتكابه ترفع الدلالة ، وأظهر التوجيهات ـ بل لعلّه هو الظاهر من الحديث ـ
أنّ الراوي سأل : بم يصير الرجل معروف العدالة بين المسلمين حتّى تصير شهادته حجّة
لكلّ من احتاج إليها منهم ، وعلى كلّ من أوردت عليه منهم؟ والحاصل ، أن يكون
شهادته متلقّاة بالقبول بينهم؟ فقال : « أن يعرفوه .. إلى آخره ».
فالكلام منتظم
لا غبار عليه إلّا حكاية اشتراط صلاة الجماعة ، وهو محتاج إلى التوجيه على أيّ
تقدير.
فعلى هذا نقول
: كون الشهادة متلقّاة بالقبول بين المسلمين لا يتأتّى إلّا بما ذكره عليهالسلام ، كما ستعرف في حاشية أخرى ، وهذا لا يقتضي أن يكون قاض
لا يمكنه
__________________
أن يحكم في قضيّته بشهادة مسلم غير ظاهر الفسق إلّا بمعرفة اجتناب الكبائر
، وبينهما فرق ظاهر ، فكيف يبقى دلالة الحديث على اشتراط التفتيش بحيث يعارض
الأخبار الدالّة على عدم الاشتراط؟ فتأمّل! وسيجيء زيادة التوضيح على ذلك.
قوله
: وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من الله ـ عزوجل ـ ومن رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه الحرق في جوف
بيته بالنار .. إلى آخره .
وفي « الأمالي
» بسنده عن الكاظم عليهالسلام : « من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة
فظنّوا به خيرا ، وأجيزوا شهادته » .
وفي « الكافي »
في باب علامات المؤمن ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن الصادق عليهالسلام قال : « من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم
، ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته ، وكملت مروءته ، وظهر عدله ، ووجب
أخوّته » ، ورواه الصدوق في « العيون » بسنده عن الرضا عليهالسلام ، وفيه شهادة على اعتبار المروءة.
وقال علي عليهالسلام في قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَداءِ ) : « ممّن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته ، وتيقّظه
فيما يشهد به ، وتحصيله ، وتمييزه ، فما كلّ صالح مميّزا ، [ ولا محصلا ، ولا كلّ
محصّل مميّز صالح ] » ، والأخبار
__________________
الواردة في إمام الجماعة وعدالته .
قوله
: ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « تقبل شهادة
المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات .. »
.. إلى آخره
.
المكتفي
بالظاهر إنّما يكتفي بناء على أنّ الظاهر من المسلم عدم الفسق ـ على ما سيجيء ـ
وهذا المعنى في النساء غير متحقّق ، على ما يظهر من القرآن والأخبار
الكثيرة ، إلّا أن يقال : إنّه قول بالفصل ، لأنّهم يكتفون
مطلقا ، لكن لا بدّ من ملاحظة كلامهم حتّى يتحقّق ، مع أنّ الأصل غير ظاهر في
الظاهر.
قوله
: [ وجه الدلالة ، أنّه لو لم يكن شرطا ] لزم أن يكون القيد
لغوا ،
فتأمّل فيه .. إلى آخره .
وجهه ، أنّ
العدالة شرط بالاتّفاق ، وإنّما النزاع في المعنى ، ومع ذلك القيد في كلام الراوي
، ومع ذلك يمكن أن يكون اعتبار العدالة على سبيل الاستحباب أيضا.
قوله
: وأيضا لا شكّ أنّ الفسق مانع من قبول الشهادة بالعقل والنقل ،
__________________
كتابا
وسنّة ـ وهي أخبار
كثيرة
ـ وإجماعا
.. إلى آخره .
إن أراد الفسق
الظاهر ، فمسلّم ولا يجدي نفعا ، ويلغو إذن قوله : ولا بدّ .. إلى آخره .
وإن أراد ما هو
بحسب نفس الأمر ـ كما هو الظاهر والمطلوب ـ فلا يخفى ما في أدلّته ، أمّا الإجماع
فظاهر ، وأمّا الآية فمع أنّ المفهوم مفهوم وصف ، ومع ذلك لا تدلّ على عدم القبول
، بل على التثبّت والقبول في الجملة ، فتأمّل! ومع ذلك ، نمنع دلالتها على الفاسق
بحسب نفس الأمر ، وإن كان ذلك مقتضى اللغة ، لأنّ المتبادر عرفا وشرعا من قول :
جاء الفاسق ، وذهب الفاسق ، وقال الفاسق ، وغير ذلك : من ظهر فسقه ، لا من احتمل
وإن لم يظهر منه أصلا ، بل وظهر خلافه ، وإن لم يثبت بالعلم أو الظنّ الشرعي
عدالته ، ويؤيّده ملاحظة شأن نزول الآية ، وأنّه يلزم التخصيص وارتكاب خلاف الظاهر كثيرا ، بعد
المعارضة لأدلّة كثيرة لو حملنا على المعنى اللغوي.
مع أنّ المفهوم
ـ حينئذ ـ أنّه إذا لم يكن فاسقا في نفس الأمر وجب القبول ، وإن لم يكن كذلك شرعا
، بل كان خلاف ذلك.
وبالجملة ، حمله
على نفس الأمر من دون ملاحظة الشرع واعتباره فيه ما فيه ، والحمل على الشرعي أو
بملاحظة الشرع في المفهوم دون المنطوق أيضا فيه ما لا يخفى.
__________________
هذا ، مضافا
إلى أنّ الشرع منع من النسبة إلى الفسق بمجرّد الاحتمال ، وأمر بالتعزير ، بل أمر
بالبناء على الصحّة والسداد ، والحكم بالحسن ، وتكذيب السمع والبصر ما يجد إليه
سبيلا ، وادّعاء الشرع وخلاف الشرع بمعنى دون معنى في مقام الاستدلال ، فيه أيضا
ما فيه.
على أنّا لو لم
نقل بظهوره في الظاهر ، فدعوى ظهوره فيما هو بحسب نفس الأمر ممنوع ، سيّما بعد
ملاحظة ما أشير إليه.
وممّا ذكر ظهر
حال السنّة أيضا ، بل لعلّه يظهر للمتتبّع أنّهم ما كانوا يطلقون لفظ الفاسق
بإرادة احتمال الصدور في نفس الأمر ، بل الأخبار متواترة في عدم ضرر الاحتمال في المقام
وأمثاله ، ولا يوجد خبر معارض ، بل الكلّ متّفقة ، بعضها يدلّ
صريحا وبعضها ظاهرا.
سلّمنا ، لكن
ورد أخبار صريحة أو ظاهرة في الاكتفاء بعدم ظهور الفسق ، مثل قوله عليهالسلام : « لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلّا
شهادة الأنبياء والأوصياء ، لأنّهم [ هم ] المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره
بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد [ عليه ] بذلك شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ،
وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا » .
رواه الصدوق في
« أماليه » بسنده ، عن علقمة ، قال : « قلت للصادق عليهالسلام :
__________________
أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل ، قال عليهالسلام : كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته ، قلت : تقبل شهادة
المقترف للذنوب ؟ فقال : لو لم تقبل. إلى آخر ما ذكر ـ ثمّ قال عليهالسلام : ـ ومن اغتابه كان خارجا عن ولاية الله
عزوجل ، داخلا في ولاية الشيطان » .
ومثل : قوله عليهالسلام في شهادة اللاعب بالحمام : « لا بأس ، إذا كان لا يعرف
بفسق » .
وروي في قوله
تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) قال : « .. ليكونوا من المسلمين منكم ، فإنّ الله عزوجل إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهاداتهم ، وجعل ذلك
من الشرف العاجل .. إلى آخره » فتأمّل! وما ذكره الشارح رحمهالله في هذا الشرح .
وأمّا المطلقات
والعمومات ، فأكثر من أن تحصى :
__________________
منها : ما ورد
في الأمر بأداء الشهادة وتحمّلها ، ويؤيّده الأخبار الواردة في أنّ قاذف المحصنات بمجرّد
التوبة تقبل شهادته ، وغير ذلك ، مثل أنّ شهود الزور بمجرّد التوبة تقبل
شهادتهم .
وأيضا ، ربّما
يظهر من بعض قضايا أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه كان يكتفي ، بل وربّما كان ذلك من غيره من
المعصومين عليهالسلام .
هذا ، مضافا
إلى ما سيذكر هو رحمهالله من الأخبار .
فإن لم يتحقّق
العلم ولا الظنّ الشرعي ممّا ذكر لتعيّن العمل بالملكة ، لأنّها إجماعيّة ، وهو
خلاف ما اختاره ، ولعلّه لما ذكر أشار بالتأمّل ، فتأمّل! فإنّ الأظهر أنّ الفاسق ـ
مثل الزاني ـ اسم لمن صدر عنه المبدأ واقعا ، ومنع الشارع إطلاقه على من لم يثبت
لا يدلّ على كونه موضوعا لمن ظهر فسقه وثبت شرعا ، فإنّه قيد أجنبي ، ولهذا ، إن
رأوا زانيا يزني أو فاسقا بفسق لا يمكنهم القول بذلك عند من لم يعلم ، فمقتضى ذلك
إمّا اعتبار الملكة أو حسن الظاهر ، كما لا يخفى.
قوله
: يمكن تقييده بما تقدّم .. إلى آخره
.
وخصوصا بعد
قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَداءِ ) وقوله تعالى :
__________________
( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ ) والأخبار الّتي كادت تبلغ حدّ التواتر .
قوله
: [ قد استثنى المعروف بالفسق ] ، فلا بدّ من العلم أو الظنّ بعدم ذلك ، وليس
بمعلوم حصوله بدون العدالة ، فتأمّل .. إلى آخره
.
لا يخفى ما فيه
، لأنّه ضدّ مدلول الخبر . نعم ، يمكن أن يوجّه بأنّهم أربعة من المسلمين
المعاشرين لهم ، المعروفين عندهم ، اثنان منهم عدّلا عند القاضي ، واثنان منهم وإن
لم يعدّلا إلّا أنّهم لم يعرفوا منهما فسقا ، ولم يظهر لديهم ، وفي الحقيقة مرجع
هذا إلى حسن الظاهر ، لأنّ مع المعاشرة فيهم والمعروفيّة عندهم لم يظهر منه فسق ،
فتأمّل.
ويمكن توجيه ما
دلّ ـ مثل هذا الخبر ـ على كفاية عدم ظهور الفسق بمثل ما ذكر ، فليلاحظ!
قوله
: والاكتفاء بما يعلم من صحيحة ابن أبي يعفور
، بل الأقلّ ، لظهور
حمل بعض ما فيها على المبالغة والتأكيد ، للإجماع وغيره. وأيضا ما أعرف دليل
اعتبار المروءات في العدالة ، لعلّ لهم دليلا ما رأيناه ، فتأمّل .. إلى
آخره .
لا يخفى أنّها
مع تضمّنها لما هو غير معتبر في العدالة بالإجماع ، والأخبار
__________________
الّتي كادت تبلغ التواتر ـ لو لم نقل بالتواتر ـ ظاهرها وجوب الجماعة وحضورها ، وفيه ما فيه ، ومع
ذلك وقع الاختلاف في متنها ، والاختلال في دلالتها.
مضافا إلى
مخالفة ظاهرها لظواهر الأخبار الكثيرة جدّا ، وظاهر طريقة الرسول وعلي ـ صلّى الله
عليهما وآلهما ـ ، بل وربّما كان غيرهما من الأئمّة عليهمالسلام أيضا ، ومخالف للشريعة السمحة ، وموجب للضيق فيها
والحرج وبطلان الحقوق ، لأنّ العدالة ممّا يعمّ بها البلوى ، ويكثر إليها الحاجة
في الأمور الدنيويّة والأخرويّة في جميع الأوقات والأمكنة.
وما اعتبر فيها
لها ممّا لا يكاد يتحقّق في كثير من الأمكنة ، بل ولا يتحقّق جزما ، وفي كثير من
الأمكنة قلّ ما يتحقّق ، بل لا يوجد إلّا نادرا ، كما سيعترف به ، سيّما مع اعتبار
الإيمان ، فإنّ المؤمن بعد حكاية السّقيفة إلى زمان الباقر عليهالسلام ـ بل والصادق عليهالسلام ـ كان في غاية القلّة والندرة ، وبعده كان أكثر الأمكنة خالية منه ، وفي
كثير منها كان الشيعة فيها قليلين.
فيمكن الجمع
بين الرواية وبين غيرها بحملها على العدل الّذي تقبل شهادته البتّة
، وعلى أيّ حال ، قوله : لهم وعليهم ، وقوله يعني كون الرجل معروفا بالعدالة بين
المسلمين ، متلقّى بالقبول بينهم ، كما يشهد عليه قوله : « بين المسلمين » ، ويشير
إليه قوله عليهالسلام : « لهم وعليهم » ، وقوله : « أن تعرفوه ـ إلى قوله ـ
باجتناب الكبائر » ، وقوله عليهالسلام : « أن يكون ساترا لجميع عيوبه ، حتّى يحرم.
تفتيش ما وراء
ذلك » ، مضافا إلى أنّه لو فتّش أحد ارتكب الحرام ، فلم يقبل قوله
__________________
بفسقه ، ويعضده قوله عليهالسلام : « ويجب عليهم تزكيته ، وتحرم عليهم غيبته »
.
وأمّا لو لم
تكن العدالة بهذه المثابة ، بأن لا يكون ساترا لجميع عيوبه ، متعاهد الجماعة ، بل
يكون حسن الظاهر ولم يظهر فسقه كما هو مذكور في أخبار أخر ، أو ظاهر الإسلام مع
عدم ظهور الفسق ، كما يظهر من أخر ، فهو غير مأمون من أن يظهر فسقه ـ بل وبحسب
العادة يظهر ـ وغير مأمون من أن يبلغ القاضي ، بل وربّما يبلغه في مقام المخاصمة
أو تبعيدا للقاضي عن الخطأ والخطر ، فشهادة مثله ليست بمقبولة إلّا عند الجاهل
بحاله ما دام جاهلا به ، لا أنّه لا يقبل مطلقا.
أو يكون المراد
العدالة الكاملة ، نظير ما ورد من الأخبار في تعريف الإيمان الّذي هو شرط في
العدالة ، مع أنّه في كثير منها من المبالغات ما لا يخفى ، ويشيّده
أنّها مقولة بالتشكيك ، كما هو مستفاد من الأخبار وكلام الفقهاء ، حيث جعل
الأعدليّة من المرجّحات.
أو يكون المراد
السّؤال عن طريق معروفيّة عدالة الرجل بين المسلمين ، بأن يكون جماعتهم يعرفونه
بالعدالة ، ويصير مسلّم العدالة بينهم ، مقبولا لهم حتّى يحكم بقوله على أيّ واحد يكون
، وهذا لا ينافي جواز كون الرجل عدلا عند بعض دون بعض.
هذا ، وربّما
استدلّ بهذه الصحيحة على اعتبار الملكة ، بناء على عدم تحقّق هذا السّتر
عادة ، إلّا بها.
__________________
وفيه أنّ قوله
: « يحرم تفتيش ما وراء ذلك .. إلى آخره » يأبى عن ذلك ، ومع ذلك يتحقّق لمن هو في
أوائل البلوغ من دون ملكة ، وعدم قبول شهادته في غاية الغرابة والبعد عن الشرع ،
وهذا من مبعدات القول بالملكة.
بل يظهر ممّا
ذكرنا أنّ القول بها أردأ وأظهر فسادا من اعتبار ستر جميع العيوب بالنحو المذكور
في الصحيحة.
وبالجملة ، هذا
لا يدلّ على الملكة ، ولا على حسن الظاهر ، إذ لعلّه دون ما يظهر منها ، ومع ذلك
يكفي عند القائل بها تحقّقها بالنسبة إلى القاضي خاصّة ، فلا يمنع من أن يظهر فسقه
عند غيره ـ بل وعند كثير ـ ويجوز ثبوته عنده بشهادة العدلين ، بل والعدل الواحد في
بعض المواضع ، ولا ينحصر في الشياع ، ويتحقّق فيه التعارض بين الجرح والتعديل وغير
ذلك ، إلّا أنّ التوجيه ظاهر ، فتدبّر!
قوله
: [ لا يدلّ على حصولها ] وهو مع اعتبار الملكية واضح .. إلى آخره
لا يخفى ما فيه
، لأنّه مذهب مخالف لمذهبهم.
قوله
: وظهور حال المسلم لا يقتضي حصولها ، على أنّه معارض بما تراه من أكثر المسلمين ،
فإنّك إذا عاشرت الناس خصوصا في السّفر ، وبالمعاملة عرفت أنّ أكثرهم غير عدل ،
وهذا لم يوجد إلّا نادرا .. إلى آخره
.
لا يخفى أنّ
الظاهر منهم أنّ القاعدة الشرعيّة اقتضت البناء على أنّ المسلم ما فسق ، وحمل جميع
أفعاله على الصحّة ، على ما يشير إليه تعليلاتهم ، فقوله : ( وذلك لا يقتضي .. إلى
آخره ) فيه ، أنّ العدالة عندهم ليست إلّا نفس صدق
__________________
أنّه ما فسق شرعا ، لا أنّه لم يتحقّق الفسق في نفس الأمر.
ومقتضى صحيحة
ابن أبي يعفور ، أنّ ظهور الفسق مضرّ لا نفسه ، وكذا الآية ، على ما
أشرنا إليه.
وبالجملة ، لا
دليل على أنّ الفسق النفس الأمري مانع حتّى يحتاج إلى العلم أو الظنّ ، مع أنّه لو
كان لاقتضى العلم لا الظنّ ، ولا يتحقّق العلم على مذهب من المذاهب.
فمع انتفاء
العلم إمّا البناء على الظنّ أو على القاعدة الشرعيّة ، والظنّ نهى الشارع [ عن ]
اعتباره والعمل به ، مضافا إلى أنّ الأصل عدم اعتباره. والقاعدة أمر الشارع
باعتبارها وحثّ على مراعاتها وثبت حجّيتها ، فتأمّل! وهو رحمهالله بنى الأمر على أنّ العدالة ـ البتّة ـ أمر سوى عدم ظهور
فسق المسلم ونسبته يورد عليهم ما يورد ، فالأولى الاعتراض بأنّ آية ( ذَوَيْ عَدْلٍ ) ، وبعض الأخبار تقتضي اشتراط العدالة ، وكونها
مجرّد البناء شرعا على أنّه ما فسق غير معلوم.
أو يقال :
مقتضى القاعدة النهي عن نسبته إلى الفسق ، لا البناء على أنّه ما فسق ، فتأمّل
فيه.
قوله
: وإطلاق الأصل على الظاهر .. إلى آخره
.
صرّح في «
تمهيد القواعد » بأنّه أحد معاني الأصل ، والظاهر أنّه يطلق عليه.
__________________
قوله
: وثانيا : إنّك قد عرفت أنّ العدالة أمر زائد على ذلك ، ولا يطلق العدالة على
مجرّد الإسلام مع عدم ظهور الفسق
.
لا شكّ أنّ
الإسلام هو القدر المشترك بين الفسق والعدالة ، وأنّهما خارجان عنه زائدان عليه ،
وهو مسلّم عنده ، ولم يدّع أنّها تطلق عليه ولا على عدم ظهور الفسق ولا على
المجموع من حيث المجموع ، بل ادّعى أنّها تطلق على ظهور عدم الفسق ، يعني أنّ حاله
يحمل على القيام بالواجبات وترك المحرّمات.
وبالجملة ،
الإسلام حقيقة في اللابشرط ، وكونه شرط شيء أو بشرط لا شيء أمران زائدان ،
وادّعى أنّ الثاني منهما ـ الّذي عبّر عنه بمجرّد الإسلام ـ مستلزم للأوّل ـ الّذي
يعبّر عنها بالعدالة ـ وإنّما لا ينفكّ أحدهما عن الآخر أبدا.
وقوله آخرا :
سلّمنا أنّه زائد عن الإسلام ، مراده مجرّد الإسلام الّذي لا ينفكّ عن العدالة ،
بالمعنى الّذي ادّعى أوّلا ، ومراده بالزائد هو الملكة ، كما صرّح به.
قوله
: ولا يفهم ذلك من هذا اللفظ بوجه من الوجوه .. إلى آخره
.
لم يثبت بعد
للعدالة معنى محقّقا بحسب اللغة أو العرف أو الشرع ، والفقهاء مختلفون ، ذاهبون
إلى مذاهب ثلاثة ـ كما سيصرّح ـ وكلّ يدّعي مذهبه من دليل ، فكيف يدّعي عدم الفهم من هذا اللفظ بوجه من
الوجوه ، مع أنّه أحد المذاهب ، وعليه أدلّة كثيرة؟! فتدبّر.
__________________
قوله
: ولم يعلم جواز الحكم بغيره ، فلا يضرّ منع الاشتراط ، بعد تسليم الوصف ، فتأمّل
.
فيه ، أنّه رحمهالله استدلّ عليه بالمطلقات ، ولا شبهة في وجودها ، بل
تحقّقها في غاية الكثرة ، بل وجود النصوص بالخصوص ، منها ما مرّ ، فتدبّر!
قوله
: فبقي الظنّ الّذي يحصل بعد الاطمئنان
بحصول تلك الملكة وعدم
الجرأة على الكذب الّذي هو المنافي لمقصود الشهادة
.
هذا ينافي ما
سيجيء من أنّ العدالة تجتمع مع تهمة الفسق أو الكذب ، وهو إجماعي وارد في الأخبار
الكثيرة ، فتأمّل! مع أنّ المستفاد من الصحيحة حرمة التفتيش
الباطني ، فكيف يلائم هذا اعتبار المعاشرة الباطنيّة؟! فتأمّل!
قوله
: وذلك يحصل بما تقدّم ، فتأمّل .. إلى آخره
.
وجهه ، أنّ
الأصل وما يمنع العمل شاملان لهذا الظنّ أيضا. نعم القاعدة المقرّرة أنّه لا يجوز
العدول إلى الضعيف عند التمكّن من القوي ، لكن هذا لا يمنع من العمل بالضعيف مطلقا
، بل في صورة التمكّن منه ، كما هو المقرّر والمعمول به في الضوابط الاجتهاديّة ،
فلا وجه للقصر مع وجود الداعي والحاجة إلى العدالة ، إذ
__________________
الحال في الداعي والحاجة في الصورتين واحد ، فتأمّل.
وممّا ذكر ظهر
أنّه لا وجه في الاقتصار في العدالة على الملكة ، لحصول الظنّ بعدم الكذب في غيرها
أيضا ، ويؤيّد ذلك ما سيجيء في قبول شهادة الصبي وغيره ، فتدبّر.
في الدعوى
قوله
: لعدم ثبوت الحقّ ، لاحتمال تعظيم اليمين وكراهتها ، ولا يحلف إن ردّ عليه ،
ويكون ذلك من لوازم الدعوى الجازمة اليقينيّة ، لا مطلقا .. إلى آخره
.
فيه ، أنّه بعد تسليم
صحّة دعواه ودخوله في العمومات ثبت له حقّ اليمين عليه ، فكيف يمكنه ألّا يحلف ولا
يؤدّي حقّ الناس ، سيّما في مجلس الحكم بعد طلب صاحب الحقّ ، وليس هذا تعظيما ، بل
مخالفة لله وللرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واستخفاف بحقوق المسلمين وغصب ، فلا بدّ من حبسه أو
جبره عليه ، فإن كان محقّا فلا ضرر عليه.
فإن كرهها
وأراد التعظيم فليرض خصمه ، فإن لم يرض إلّا بتمام الحقّ فليعط ، ولعلّه يجوز
للخصم أخذه عوض حقّه اليقيني ، ويمكن الحكم بالنكول ، لعموم ما دلّ عليه ، لكن
الشأن التأمّل في العموم ، وسيجيء.
على أنّه على
تقدير إمكان الردّ يحكم بالنكول ، فعلى تقدير عدمه فبطريق أولى ، فليتأمّل.
__________________
ويحتمل أن يكون
الحكم حينئذ بالصلح ، فتأمّل.
قوله
: « .. وقال ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً ) ،
ولا شكّ أنّه يفهم من هذه الرواية عدم [ استعمال الزوج ومؤاجرته في تحصيل نفقة الزوجة
] .. إلى آخره .
ويدلّ عليه
رواية سلمة بن كهيل ، المرويّة في « التهذيب » في باب آداب الحكّام .
قوله
: ولعلّه بالإقرار أشبه .. إلى آخره
.
فيه تأمّل ،
يظهر بملاحظة حال الناس ، وما ورد من الشارع .
قوله
: دليلهم الخبر المشهور المتقدّم : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى
عليه »
،
والمتبادر منه كون كلّ واحدة مختصّة بصاحبها ، خرج منه ما ثبت بالدليل ، مثل
اليمين الّتي ردّها المدّعى عليه ، وبقي الباقي. يمكن منع
الحصر .
لا يمكن ، لأنّ
العبارة ظاهرة فيه عرفا ، ولأنّ المفرد المحلّى باللام يفيد العموم في مقام إفادة
الحكم الشرعي ، كما هو المقرّر والطريقة في الاستدلال عليه ، خرج ما خرج بالدليل ،
وبقي الباقي.
__________________
أو يكون المراد
أنّ اليمين لازم على المنكر ، بأن يأتي به أو يحوّله إلى المدّعي ، أو أنّهما كذلك
بحسب الأصل أو وظيفتهما ، ولم يثبت الخلاف في يمين المدّعي بحكم القاضي ، إذ لو
ثبت لعلّه لا نزاع ، كما هو الحال في ردّ المنكر ، فلا يرفع اليد عمّا هو الأصل
والوظيفة المقرّرة الشرعيّة بمحض ثبوت خلاف في موضع.
وممّا يؤكّد
الدلالة ، أنّه على القول بعدم القضاء بالنكول يكون ردّ اليمين من القاضي عمدة في
فصل الدعوى ، بل أقوى وأولى من يمين المنكر ، فلا وجه لعدم التعرّض لذكره عند
ذكرهما ، سيّما والأخبار كثيرة .
وإنّما قلنا :
إنّه أقوى وأولى لأنّ يمين المنكر فعله يثبت ما هو الأصل والظاهر ، وتركه لا يثبت
الحقّ ولا يفصل. وأمّا يمين المدّعي فعله يثبت ما هو مخالف الأصل والظاهر ، وتركه ـ
أيضا ـ يثبت ويفصل على المذهب الحقّ.
وأمّا ردّ
المنكر ، فلعلّه داخل في : « اليمين على من أنكر » ، على حسب ما مرّ فتأمّل. مع
أنّه تعرّض لذكره في أخبار كثيرة بحيث لا سترة فيه ، بخلاف ردّ القاضي ، فتأمّل! ثمّ
إنّه إذا ثبت أنّه لا ردّ للقاضي ثبت القضاء بالنكول ، لعدم القول الثالث ، ولأنّ
عدم إمكان قطع الدعوى حينئذ خلاف الإجماع ، فتأمّل.
ولأنّ ذهاب حقّ
المدّعي ، حينئذ لا وجه له ، لمخالفته للقاعدة وظواهر الأخبار ، إذ لعلّ المنكر
بالحبس أو الجبر لا يحلف ولا يردّ ، فتأمّل! ثمّ إنّه ورد أخبار كثيرة في بيان
كيفيّة القضاء واستخراج الحقوق عند عدم البيّنة أو مطلقا ، وليس في شيء
منها ذكر ردّ القاضي اليمين ، مع أنّ المقام يقتضي
__________________
ذكره لو كان صحيحا ومعتبرا للفصل ، سيّما وقد ذكر فيها ما هو معروف مشهور
كاد أن [ يكون ] لا سترة فيه ولا خفاء بالنسبة إلى العوام ، فضلا عن الخواص.
وعدم ذكر
الإقرار ، لأنّه ـ في الحقيقة ـ ترك النزاع ، كرفع يد المدّعي عنه بإبراء أو غيره.
وأمّا علم
القاضي ، فالمتبادر من تلك الأخبار صورة عدم اطّلاعه بالحقّ.
وأمّا الحكم
بالنكول ، فلعلّه يظهر منها ، لأنّ إلزام المنكر عند عدم البيّنة بأحد الأمرين
خاصّة ـ لخروج حقّ المدّعي وقطع النزاع ، وأنّه ليس بعد هذا شيء للخروج والقطع ،
لا على المدّعي ولا على المنكر ـ ظاهر في حصول المطلوب به ، أعني القدر المشترك
بين الأمرين وجودا وعدما.
فتكون العبارة في
قوّة أن يقول : يحلف أو يردّ أو يؤدّي الحقّ ، على طريقة ما سيجيء في رواية عبد
الرحمن .
وأيضا ،
الإجماع واقع في القضاء حينئذ إمّا بمجرّد النكول ، أو به وبردّ القاضي معا.
وحيث ظهر أن
ليس بعد يمين المنكر أو ردّه شيء أصلا ومطلقا ، ظهر أنّ القضاء بالنكول وأنّ حصول
المطلوب بالقدر المشترك ليس من حيث الوجود فقط ، مع أنّه إذا
تعذّر الظاهر فالحمل على الأقرب متعيّن ، سيّما والأبعد أجنبيّ غريب بالنسبة إليه
لا ربط له ، والأقرب في غاية القرب ، كاد أن يفهم ، لو سلّم عدم الفهم على حسب ما
مرّ.
__________________
والحاصل ، أنّ
الإجماع معارض لظاهر الأخبار ، فلا بدّ من الجمع ، وأقرب الجموع حجّة ، بل والجمع
لا يمكن.
مضافا إلى أنّ
نكوله عنهما معا مشعر بحقّية حقّ المدّعي ، ودالّ على القدر المشترك بين إضرار
الخصم وحقّية حقّ المدّعي ، والإضرار منفي شرعا موجب للتدارك.
وترك الحلف
تعظيما ، إنّما هو في صورة الردّ لا غير ، إذ واجب عليه الإتيان به من الله ومن
رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحقّ للمسلم ، وحمل أفعال المسلم على الصحّة شرعا
ربّما يقتضي البناء على الإقرار إن أمكن.
وأيضا ،
بالنكول إمّا يبطل الدعوى وحقّ المدّعي ، أو يصحّ مراعى بمشيئة المنكر بفعل أحد
الأمرين ، أو يصحّ ويجبر ويحبس عليه ، مع أنّ الصادر بالإجبار خلاف ما يظهر من
الأخبار ، فإن صدر عنه وإلّا بطل الدعوى وحقّ المدّعي ـ أعني استحقاقه لمطالبته
المنكر في هذا المجلس بما يدّعيه ، أو في كلّ مجلس ـ ولا شكّ أنّ الكلّ باطلة ،
مخالفة لما يظهر من هذه الأخبار وغيرها والإجماع ، أو يصحّ لكن لا يستخرج الحقّ
ولا يقطع النزاع إلّا بأمر زائد عليه ، وهو خلاف مدلول هذه الأخبار ، إذ ظاهرها
أنّ الدعوى على أيّ حال تفصل والحقّ يستخرج ، وأنّ الطريق منحصر في الأمور
المذكورة ، فتأمّل! مضافا إلى أنّ المدّعي لو طلب الفصل في مجلس الحكم فذلك حقّه ،
وشاهد الحال قائم بأنّه طلبه كذلك ، مضافا إلى أنّه الطريقة الجارية المعهودة
المستمرّة في الحكم.
مع أنّ الإمهال
ضرر عليه عاجل ، وربّما يؤدّي إلى تلف الحقّ ، وكذا الجبر ،
على حسب ما سيذكره الشارح في مسألة سكوت المنكر .
ويدلّ على
القضاء بالنكول رواية إسحاق بن عمّار الآتية في مسألة تداعي الاثنان حقّا .
قوله
: وبعد التسليم يحتمل كونه كذلك ، بأنّ ذلك في الأصل وظيفتهما ، لا مطلقا ، فلا
ينافي وجود كلّ واحدة في الآخر بالعارض ، مثل الردّ ، ولهذا قد يتعارض البيّنتان ،
وقيل : بتقدّم بيّنة المدّعي ، وقيل بالعكس ، وسيجيء البحث
في ذلك .. إلى آخره .
لا يخفى أنّ
هذه الأخبار لو خلّيت بنفسها وقطع النظر عن جميع ما هو خارج عنها ، لكان ظاهرها
القضاء بالنكول ، ثمّ بملاحظة الخارج لم يظهر سوى أنّ للمنكر ردّ
اليمين على المدّعي في بعض المواضع ، وهو الموضع الّذي يتأتّى له ذلك أو مطلقا ،
إلّا أنّه استثنى ما لم يتأتّ.
وعلى التقديرين
لم يظهر خلاف ما ظهر من هذه الأخبار ، بل يؤكّده ، إذ الظاهر من ( أنّ له
الردّ ) أنّه لو نكل عن الردّ أيضا يحكم عليه بالحقّ ، كما ظهر
من ( أنّه عليه اليمين ) ، وهذا بعينه معنى القضاء بالنكول.
__________________
وبالجملة ،
غاية ما يظهر من الخارج أنّ كلمة « على » فيها ليس مستعملا في الوجوب العيني ، بل
مطلق الوجوب ، أعني القدر المشترك بين العيني والتخييري ـ الّذي هو في الحقيقة
معنى الوجوب ـ والواجب التخييري أحدهما واجب قطعا لا محيص عنه.
ثمّ ، لا يخفى
أنّ قوله : يحتمل .. إلى آخره إن أراد أنّ الإخبار حينئذ مجرّد الحكاية ، فبعده ظاهر
، وإن أراد أنّه للعمل والثمر الشرعي ، فمطلوب المستدلّ حاصل ، فتدبّر.
وبالجملة ،
أمثال هذه المناقشات تخالف الطريقة المستمرّة في الاستدلال ، وربّما يؤدّي إلى سدّ
باب كثير من الأحكام ، ألا ترى أنّه رحمهالله اختار آنفا ذهاب حقّ المدّعي بنكوله كما عليه الأكثر ،
واستدلّ بالأخبار الدالّة على أنّه إن لم يحلف فلا حقّ له ، ومع ذلك وافق غيره في
أنّه إن ذكر لنكوله وإبائه عذرا محتملا لم يسقط ، بل زاد وقال : ينبغي أن يسأل
الحاكم .. إلى آخره ، ولم يناقش في الأخبار من هذه الجهة أصلا.
والظاهر من
كلام من عثرت على كلامه من القائلين بالقضاء بنكول المنكر أنّ نكوله مثل نكول
المدّعي في أنّه بمجرّد الإباء عن الحلف يقضى عليه بالحقّ ، إلّا أن يردّ على
المدّعي ، كما أنّ المدّعي بمجرّد نكوله يقضى عليه بسقوط حقّه إلّا أن يظهر عذرا
محتملا ، ولعلّ ظاهر صحيحة ابن مسلم ، ورواية عبد الرحمن
__________________
ذلك ، فتأمّل.
قوله
: وإن كان الأوّل بعيدا ، إلّا أن يثبت الإجماع في عدم الفرق
، وما في
رواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله الآتية في اليمين على المدّعي مع البيّنة في
الدعوى على الميّت ، عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « فيمين
المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، وإن لم يحلف فعليه » .. إلى آخره .
لا شكّ في بعده
، والظاهر حجّة ، واحتمال الفرق منفي فاسد بملاحظة الأدلّة والأقوال والطريقة في
استنباط الأحكام الفقهيّة.
وأنّ مثل هذا
لو كان قادحا في أمثال المقام لانسدّ باب إثبات أكثر الأحكام ، لأنّ ورود النصّ
بلفظ عام بحيث ينطبق على المدّعي بنفسه ويسلم عن أمثال ما ذكره من المناقشات قليل
، لو لم نقل بعدمه ، على أنّه لو لم يجز الحكم على المنكر بنكوله عن اليمين إذا لم
يكن أخرس حتّى يردّ القاضي اليمين على مدّعيه ويحلف أيضا ، فعدم الجواز بالنسبة
إلى الأخرس العاجز بطريق أولى ، فتأمّل!
قوله
: ولعلّ المقصود عدم سقوط الحقّ إن لم يحلف ، ويؤيّده ما ذكره في آخر هذه الرواية
بعينها ، لو كان ـ أي للمدّعى عليه حقّا
ـ لألزم اليمين أو
الحقّ أو يردّ اليمين .. إلى آخره
.
لا يخفى بعد
هذا الاحتمال بملاحظة لفظ « على » ، وتفريعه على الشرط ،
__________________
وترتّبه عليه ، وعدم الحاجة إلى البيّنة على البقاء ، ولزوم الاستدراك ،
لعدم عروض أمر يوهم السّقوط بوجه من الوجوه ، وبداهة بقاء الحال على ما سبق ، بل
وعروض ما يؤكّد عدم السّقوط ، بل ويشير إلى حقّية الدعوى ـ لو لم نقل بالدلالة ـ
كما اعترف في المسألة السّابقة.
ولا خفاء في
ظهور العبارة في المطلوب ، ويؤكّده ما ذكر في آخر الرواية ، بملاحظة كلمة « أو » ،
وأنّه إذا كان بناء الأمر على ردّ اليمين فلا وجه للإلزام باليمين أو الحقّ.
وحمله على صورة
الإقرار بعيد ، وكذا على صورة حلف المدّعي.
وممّا يؤيّده
توسيط قوله : « أو الحقّ » ، وتقديمه على الردّ ، وكذا الحال في كون « يردّ » على
صيغة المجهول.
وممّا يبعّد ،
أنّ الراوي سأل عن حكم عدم البيّنة وكيفيّة الفصل ، فلا يناسب الاقتصار على ذكر
بعض دون بعض ، سيّما مع أنّه عمدة أيضا ، أو ذكر أمر مجمل لا يعلم منه الحال.
وممّا ذكر ظهر
، أنّ الرواية على ما ذكره الصدوق ـ أيضا ـ فيها دلالة على المطلوب في الصدر والذيل معا ، فإنّه نقل موضع «
وإن لم يحلف فعليه » ، « وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له ».
وعلى هذا ،
يحتمل أن يكون سقط في كلّ من الطريقين ما ذكر في الآخر ، فيكون موضع الدلالة ثلاثة.
ويحتمل أن يكون
ضمير « عليه » راجعا إلى المدّعي ، يعني : وإن لم يحلف
__________________
فعلى المدّعي اليمين ، والمراد صورة الردّ ، بقرينة الذيل ، وأنّه لا وجه
للاقتصار على البعض ، وأنّه حينئذ نقل بالمعنى بالنسبة إلى ما ذكره الصدوق في
موضعه ، وأنّ المقام مقام التفصيل ، لا الإجمال.
وممّا ذكر ،
ظهر أنّ الأخبار الدالّة على القضاء بالنكول في غاية الكثرة ، فتدبّر!
قوله
: [ عدم ثبوت الحقّ إلّا مع حكم الحاكم ، وهو ظاهر ] إن كان نكوله بمنزلة أهليّته
، فتأمّل ، وظاهر بعض
العبارات ـ كالمتن ـ وجوبا .. إلى آخره
.
لعلّ وجهه أنّ
روايتي محمّد بن مسلم وعبد الرحمن ربّما كانتا ظاهرتين في الفوريّة ، وكونه بمنزلة
الإقرار والمؤيّد ، وهو الإشعار بإقراره ، والحمل على الصحّة صريح فيه ، والمدّعي
يطلب حقّه فورا بقرينة الحال أو يصرّح بذلك ، فتأمّل!
قوله
: أمّا دليل الاستثناء ، فهو الاعتبار المفهوم .. إلى آخره
.
ويدلّ على ذلك ـ
أيضا ـ رواية المروزي ، المرويّة في باب الرهن ، المتضمّنة لحكم من عنده رهن بمال
ومات المديون الراهن ، ولا يكون له البيّنة ، وأنّه يجوز حينئذ أخذ طلبه ممّا في
يده .
__________________
قوله
: وفيه
قول ، وإن
نقلت في « الفقيه »
.. إلى آخره .
المناقشة في
السّند بعد الانجبار بالاشتهار وفتوى المشهور لا وجه له ، كما حقّق في محلّه وسلّم
عند المحقّقين .
قوله
: وموافقة حكم لدليل لا يستلزم كونه مستنبطا منه ، وهو ظاهر .. إلى آخره
.
الموافقة تكفي
الانجبار من دون أن يكون الشرط تلقّيهم بالقبول ، مع أنّ الظاهر تلقّيهم بالقبول ،
والأصل عدم سند آخر سوى هذه الرواية ، وما ذكرناه في الحاشية السّابقة والصحيحة
الآتية.
قوله
: ومشتملة على ما يخالف بعض قواعدهم ، مثل قبول شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه ،
ولكن لي في ذلك تأمّل .. إلى آخره
.
المعروف من الأصحاب
، أنّهم إذا لم يعملوا ببعض حديث مطلقا ، أو بظاهره لا يطرحون ذلك الحديث بالمرّة
، بل يعملون بالباقي البتّة ، والأصل حجيّة الحديث وحجّية ظاهره ، إلّا أن يثبت
خلافه ، ولم يثبت إلّا في خصوص ذلك البعض ، مع أنّه لو لم يصحّ ذلك لم يبق حديث
على الحجيّة إلّا ما ندر ، لأنّ الغالب إمّا فيه عموم خصّ ، أو إطلاق قيّد ، أو
أمر حمل على غير الوجوب ، أو نهي حمل على غير الحرمة. إلى غير ذلك ممّا لا يحصى
كثرة ، فتأمّل جدّا!
__________________
كتاب الجنايات
في شرائط القصاص
قوله
: إلّا أنّ وليّ الجناية إذا كانت عمدا تخيّر بين قصاصه وبين أخذه رقّا له ، فيفعل
به ما يفعل بالأرقّاء. وإذا كانت خطأ يتخيّر مولاه بين دفعه إلى مولاه ليرقّه وبين
فكّه وتخليصه بدفع الأقلّ من أرش جنايته ـ وهي دية المجني عليه ـ ومن قيمة الجاني
، على مذهب بعض ، أو بأرش الجناية خاصّة ، على قول آخر .. إلى
آخره .
مقتضى هذا ،
أنّ العبد بمجرّد الجناية لا يخرج عن ملك مولاه ، فجميع منافعه للمولى ، كما أنّ
نفسه ملكه ، إلّا أنّه تعلّق به حقّ وليّ الجناية ، بأن يقتله أو يسترقّه أو يعفو
عنه ، وعلى الأخير يكون باقيا على ملك مولاه.
ولو باعه
المولى قبل اختيار وليّ الجناية أحد الأمور المذكورة ، يكون بيعه صحيحا ، فإن عفى
الوليّ فالأمر واضح ، وإن قتله أو استرقّه فإن كان قبل القبض يصير البيع باطلا ،
وإن كان بعد القبض وكان في زمان خيار المشتري خاصّة فالضمان أيضا على البائع ،
وإلّا فعلى المشتري ، لكن للمشتري الرجوع على البائع بالأرش ـ وهو : التفاوت ما
بين كونه مقتولا أو مسترقّا في هذا القرب ، وكونه خاليا عن هذا العيب ودائما في
ملكه ـ لو كان في ملكه ، هذا على تقدير عدم إجازة البيع.
وأمّا على
تقدير الإجازة ، فليس له إلّا أقلّ الأمرين من قيمته والأرش ،
__________________
كما سيشير الشارح إلى وجهه ، فتأمّل.
هذا كلّه على
تقدير جهل المشتري وعدم تبرّؤ البائع من جميع العيوب مفصّلا أو مجملا ، وفي الأخير
تأمّل ، فتأمّل.
قوله
: فما لوليّ الجناية إلّا الدية ، والمؤدّي مخيّر بين وجوه الأداء ، فيكون للمولى
إعطاء الدية من غير عين العبد الجاني .. إلى آخره
.
مقتضى هذا ،
أنّه إن باع المولى عبده ـ لكونه ماله ، ولعدم خروجه عن ملكه بمجرّد هذه الجناية ـ
يكون للمشتري أيضا أن يؤدّي الدية ، وكذا إن باعه المشتري يكون للمشتري الثاني ـ
أيضا ـ ذلك ، وهكذا ، بل الأجنبي أيضا له أن يؤدّي الدية ، لأنّ وليّ الدم ليس له
إلّا الدية ، إلّا أن يكون المؤدّي يمنّ والوليّ يأبى عن الامتنان.
ثمّ لا يخفى
أنّه لكلّ واحد من المشتريين أن يسلّم نفس العبد ، وليس له الرجوع إلى البائع ،
كما في صورة إعطاء الدية.
__________________
المنابع والمآخذ
١
ـ إتحاف السادة المتّقين :
تأليف :
العلّامة محمد بن محمد الحسيني الزبيدي (... ـ ١٢٠٥ هـ) ، نشر دار الفكر ، بيروت.
٢
ـ الاحتجاج :
تأليف : أبي
منصور أحمد بن علي بن أبي طالب المعروف ب : الشيخ الطبرسي (... ـ ٥٨٨ هـ) ، نشر
المرتضى ، مشهد ، سنة ١٤٠٣ ه. ق.
٣
ـ أخبار مكّة :
تأليف : محمد
عبد الله الأزرقي ، منشورات الشريف الرضي ـ الطبعة الأولى ١٤١١ ه.
٤
ـ اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي ) :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، نشر مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، قم.
٥
ـ إرشاد الأذهان :
تأليف : الحسن
بن يوسف بن المطهّر الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ، نشر جماعة المدرّسين ، قم ، الطبعة
الأولى ١٤١٠ ه.
٦
ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد :
تأليف : أبي
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ) ،
ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، نشر مكتب الإعلام
الإسلامي.
٧
ـ الاستبصار :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، نشر دار الكتب الإسلاميّة ، طهران ،
الطبعة الرابعة ، سنة ١٣٦٣ ه. ش.
٨
ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة :
تأليف : عزّ
الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف ب : ابن الأثير ، نشر دار
إحياء التراث العربي ، بيروت.
٩
ـ الأمّ :
تأليف : محمّد
بن إدريس الشافعي (١٥٠ ـ ٢٠٤ هـ) ، دار المعرفة ، بيروت.
١٠
ـ أمالي الصدوق :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن علي الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، نشر مؤسسة
الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الخامسة ، سنة ١٤٠٠ ه. ق.
١١
ـ الانتصار :
تأليف : علي بن
الحسين بن موسى علم الهدى المعروف ب : السيّد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ) ، منشورات
الشريف الرضي ، قم.
١٢
ـ إيضاح الفوائد :
تأليف : فخر
المحقّقين أبي طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (٦٨٢ ـ ٧٧١ هـ)
، نشر إسماعيليان ، الطبعة الثانية ١٤٠٥ ه.
١٣
ـ بحار الأنوار :
تأليف : الشيخ
محمد باقر المجلسي (... ـ ١١١١ هـ) ، نشر مؤسسة الوفاء ، بيروت ، الطبعة الثانية ،
سنة ١٤٠٣ ه. ق.
١٤
ـ بداية الهداية :
تأليف : الشيخ
محمد بن الحسن الحرّ العاملي ( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ) ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
١٥
ـ بهجة الآمال في شرح زبدة المقال :
تأليف : الملّا
علي العلياري ، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الثانية ١٤١٢ ه.
١٦
ـ تاج العروس من جواهر القاموس :
تأليف : محمد
مرتضى الحسيني الزبيدي (١١٤٥ ـ ١٢٠٥ هـ) ، نشر دار الهداية ، بيروت.
١٧
ـ التبيان في تفسير القرآن :
تأليف : أبي
جعفر بن محمد بن حسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، نشر دار إحياء التراث العربي ،
بيروت.
١٨
ـ تحرير الأحكام :
تأليف : الحسن
بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
١٩
ـ تحفة الأحباب :
تأليف : الشيخ
عبّاس القمّي (١٢٩٤ ـ ١٣٥٩ هـ) ، نشر دار الكتب الإسلاميّة ، طهران ، الطبعة
الاولى.
٢٠
ـ تذكرة الفقهاء :
تأليف : الحسن
بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ، نشر المكتبة الرضويّة لإحياء
الآثار الجعفريّة.
٢١
ـ تعليقات على منهج المقال :
تأليف :
العلّامة محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) ، الطبعة
الحجريّة.
٢٢
ـ تفسير روح البيان :
تأليف :
إسماعيل حقّي البروسوي (... ـ ١١٣٧ هـ) ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ،
الطبعة السابعة ١٤٠٥ ه.
٢٣
ـ تفسير العيّاشي :
تأليف : أبي
نصر محمد بن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف ب : العيّاشي (... ـ ٣٢٠ هـ)
، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤١١ ه. ق.
٢٤
ـ التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (ع) :
نشر مدرسة
الإمام المهدي (عج) ، قم الطبعة الأولى ، سنة ١٤٠٩ ه. ق.
٢٥
ـ تمهيد القواعد :
تأليف : زين
الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني ( ٩١١ ـ ٩٦٦ ه. )
، المطبوع مع ذكري الشيعة.
٢٦
ـ التنقيح الرائع :
تأليف : جمال
الدين مقداد بن عبد الله السيوري (... ـ ٨٢٦ هـ) ، نشر مكتبة آية الله المرعشي (ره)
، قم ، سنة ١٤٠٤ ه. ق.
٢٧
ـ تنقيح المقال للمامقاني :
تأليف : الشيخ
عبد الله بن محمد حسن المامقاني (١٢٩٠ ـ ١٣٥١ هـ) ، الطبعة الحجريّة.
٢٨
ـ تهذيب الأحكام :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، نشر دار الكتب الإسلاميّة ، طهران ،
الطبعة الرابعة ١٣٦٥ ه. ش.
٢٩
ـ ثواب الأعمال :
تأليف : الشيخ
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ
٣٨١ هـ) ، نشر مكتبة الصدوق ، طهران.
٣٠
ـ جامع أحاديث الشيعة :
تأليف :
إسماعيل المعزّي الملايري ، نشر المؤلّف ، الطبعة الأولى ١٤١٣ ه.
٣١
ـ جامع الرواة :
تأليف : محمد
بن علي الأردبيلي الغروي (... ـ ١١٠٠ هـ) ، نشر مكتبة آية الله المرعشي (ره) ، قم
، سنة ١٤٠٣ ه. ق.
٣٢
ـ جامع المقاصد :
تأليف :
المحقّق الشيخ علي بن الحسين الكركي (٨٦٨ ـ ٩٤٠ هـ) ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ١٤٠٨ ه.
٣٣
ـ الجعفريّات المطبوع مع قرب الاسناد :
تأليف : محمد
بن محمد الأشعث من أعلام القرن الرابع ، مكتبة نينوى الحديثة.
٣٤
ـ جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية :
تأليف : أبي عبد
الله محمد بن النعمان العكبري المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ) ، مؤتمر الذكرى الألفية للشيخ
المفيد.
٣٥
ـ جواهر الكلام :
تأليف : الشيخ
محمد حسن بن محمد باقر النجفي (... ـ ١٢٦٦ ه) ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران
، الطبعة الثالثة ١٣٦٧ ه. ش.
٣٦
ـ الحاشية على مدارك الأحكام :
تأليف :
العلّامة محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) ، من مخطوطات
المكتبة الرضويّة ـ مشهد ، الرقم ١٤٧٩٩.
٣٧
ـ الحدائق الناضرة :
تأليف : يوسف
بن أحمد بن إبراهيم البحراني (١١٠٧ ـ ١١٨٦ هـ) ، نشر
دار الاضواء ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة ١٤٠٥ ه. ق.
٣٨
ـ الخصال :
تأليف : الشيخ
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، نشر جماعة
المدرّسين ، قم ، سنة ١٤٠٣ ه. ق.
٣٩
ـ الخلاف :
تأليف : أبي
جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، انتشارات إسماعيليان ، قم.
٤٠
ـ الدروس الشرعيّة :
تأليف : محمد
بن مكّي بن محمد العاملي المعروف ب : الشهيد الأول (٧٣٤ ـ ٧٨٦ ه.) ، نشر جماعة
المدرسين ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤١٤ ه. ق.
٤١
ـ دعائم الإسلام :
تأليف : أبي
حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (... ـ ٣٦٣ هـ) مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
٤٢
ـ الذريعة إلى أصول الشيعة :
تأليف : علي بن
الحسين بن موسى علم الهدى المعروف ب : السيد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ) ، نشر جامعة
طهران.
٤٣
ـ ذكري الشيعة :
تأليف : محمد
بن مكّي بن محمد العاملي المعروف ب : الشهيد الأوّل (٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ) ، مكتبة بصيرتي
، قم.
٤٤
ـ رجال الطوسي :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، انتشارات الرضي ، قم.
٤٥
ـ رجال العلّامة الحلّي ( الخلاصة )
تأليف : أبي
منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ، انتشارات الرضي ، قم
، سنة ١٤٠٢ ه. ق.
٤٦
ـ الرجال لابن داود :
تأليف : حسن بن
علي بن داود الحلّي المعروف ب : ابن داود (٦٤٧ ـ ٧٤٠ هـ) ، انتشارات الرضي ، قم.
٤٧
ـ رجال النجاشي :
تأليف : أبي
العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ) ، نشر جماعة المدرسين ، قم ،
سنة ١٤٠٧ ه. ق.
٤٨
ـ الرسائل الأصوليّة :
تأليف العلّامة
المجدّد محمد باقر محمد أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) ، نشر مؤسّسة
العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الأولى ١٤١٦ ه.
٤٩
ـ رسالة الحيل الربويّة :
تأليف :
العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني ، مخطوطة.
٥٠
ـ الرواشح السماويّة :
تأليف : محمد
باقر بن المير الحسيني الداماد (... ـ ١٠٤١ هـ) ، نشر مكتبة آية الله المرعشي (ره)
، قم ، سنة ١٤٠٥ ه. ق.
٥١
ـ روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان :
تأليف : زين
الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) ،
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
٥٢
ـ الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة :
تأليف : زين
الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) ،
نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت.
٥٣
ـ روضة المتّقين :
تأليف :
العلّامة المولى محمد تقي المجلسي (١٠٠٣ ـ ١٠٧٠ هـ) ، نشر مؤسّسة المعارف
الإسلامية ، الطبعة الثانية ١٤٠٦ ه.
٥٤
ـ رياض المسائل :
تأليف : علي بن
محمد بن علي الطباطبائي (١١٦١ ـ ١٢٣١ هـ) ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، قم ، سنة ١٤٠٤ ه. ق.
٥٥
ـ السرائر :
تأليف : أبي
جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (... ـ ٥٩٨ هـ) ، نشر جماعة المدرسين
، قم الطبعة الثانية ، سنة ١٤١٢ ه. ق.
٥٦
ـ سنن ابن ماجة :
تأليف : محمد
بن يزيد القزويني (٢٠٧ ـ ٢٧٥ هـ) ، نشر دار الفكر ، بيروت.
٥٧
ـ سنن أبي داود :
تأليف : أبو
داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (٢٠٢ ـ ٢٧٥ هـ) ، نشر دار الفكر ، بيروت.
٥٨
ـ سنن الترمذي :
تأليف : أبي
عيسى محمّد بن عيسى بن سورة (٢٠٩ ـ ٢٧٩ هـ) ، نشر دار الفكر ، بيروت ، الطبعة
الأولى ، سنة ١٣٥٦ ، هـ. ق.
٥٩
ـ السنن الكبرى :
تأليف : أبي
بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (٣٨٤ ـ ٤٥٨ هـ) ، نشر دار المعرفة ، بيروت ،
سنة ١٤١٣ ه. ق.
٦٠
ـ سنن النسائي :
تأليف : أبي
عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي (٢١٥ ـ ٣٠٣ هـ) ، نشر إحياء التراث العربي
، بيروت.
٦١
ـ شرائع الإسلام :
تأليف : أبي القاسم
نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف ب : المحقّق الحلّي ، نشر دار الاضواء ، بيروت ،
الطبعة الثانية ١٤٠٣ ه.
٦٢
ـ طب الأئمّة :
برواية عبد
الله والحسين ابني بسطام ، منشورات الشريف الرضي ، الطبعة الثانية ١٤١١ ه.
٦٣
ـ عدّة الأصول :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، نشر مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤٠٣ ه. ق.
٦٤
ـ علل الشرائع :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، نشر المكتبة
الحيدرية ، النجف الأشرف ، سنة ١٣٨٥ ه. ق.
٦٥
ـ عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية :
تأليف : محمد
بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف ب : ابن أبي جمهور (... ـ ٨٨٠ هـ) ، انتشارات
سيد الشهداء ، قم ، الطبعة الاولى ، لسنة ١٤٠٣ ه. ق.
٦٦
ـ عيون اخبار الرضا عليهالسلام :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، نشر مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤٠٤ ه. ق.
٦٧
ـ فرائد الأصول :
تأليف : الشيخ
مرتضى الأنصاري (١٢١٤ ـ ١٢٨١ هـ) ، نشر جماعة المدرّسين ، قم.
٦٨
ـ فرج المهموم في تأريخ علماء النجوم :
تأليف : السيّد
رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاوس (... ـ ٦٦٤ هـ) ، نشر
الرضي.
٦٩
ـ فقه اللغة وسرّ العربيّة :
تأليف : أبي
منصور إسماعيل الثعالبي (... ـ ٤٢٩ هـ) ، منشورات إسماعيليان.
٧٠
ـ الفقه المنسوب للإمام الرضا عليهالسلام :
نشر المؤتمر
العالمي للإمام الرضا عليهالسلام ، الطبعة الأولى ١٤٠٦ ه.
٧١
ـ الفوائد الحائريّة :
تأليف :
العلّامة المجدّد محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) ، نشر
مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الأولى ١٤١٥ ه.
٧٢
ـ الفوائد المدنيّة :
تأليف : محمّد
أمين بن محمد شريف الأسترآبادي (... ـ ١٠٣٣ هـ) ، دار النشر لأهل البيت عليهمالسلام.
٧٣
ـ الفهرست :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، منشورات الشريف الرضي ، قم.
٧٤
ـ القاموس المحيط :
تأليف : مجد
الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي (٧٢٩ ـ ٨١٧ هـ) ، نشر دار الجليل ،
بيروت.
٧٥
ـ قرب الإسناد :
تأليف : أبي
العباس عبد الله بن جعفر الحميري (... ـ القرن الثالث هـ) ، نشر مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤١٣ ه. ق.
٧٦
ـ قوانين الأصول :
تأليف : أبي القاسم
بن محمد حسين الجيلاني القمّي (١١٥٠ ـ ١٢١٣ هـ) ، الطبعة الحجريّة.
٧٧
ـ الكافي :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (... ـ ٣٢٩ هـ) ، نشر دار الكتب
الإسلامية ، طهران ، الطبعة الرابعة ، سنة ١٣٦٥ ه. ش.
٧٨
ـ الكافي في الفقه :
تأليف : أبي الصلاح
الحلبي (٣٧٤ ـ ٤٤٧ هـ) ، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، أصفهان ، الطبعة الأولى ١٤٠٣ ه.
٧٩
ـ كامل الزيارات :
تأليف : جعفر
بن محمد بن قولويه (... ـ ٣٦٧ هـ) ، نشر وجداني طبع المطبعة المرتضويّة ، النجف
الأشرف ١٣٥٦ ه.
٨٠
ـ كشف الغمّة :
تأليف : أبو
الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (... ـ ٦٩٢ هـ) ، نشر مكتبة بني هاشمي ،
تبريز ، سنة ١٣٨١ ه. ق.
٨١
ـ كشف اللثام :
تأليف : محمد
بن الحسن بن محمد الأصفهاني المعروف ب : الفاضل الهندي (١٠٦٢ ـ ١١٣٧) ، نشر مكتبة
آية الله المرعشي (ره) ، قم ، سنة ١٤٠٥ ه. ق.
٨٢
ـ كفاية الأحكام :
تأليف : محمد
باقر بن محمد مؤمن السبزواري (... ـ ١٠٩٠ هـ) ، نشر مدرسة صدر المهدوي ، أصفهان.
٨٣
ـ كمال الدين وتمام النعمة
تأليف : أبي
جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، جماعة
المدرسين ، قم.
٨٤
ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال :
تأليف : علاء
الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (... ـ ٩٧٥ هـ) ، نشر مؤسّسة
الرسالة ، بيروت ، سنة ١٤١٣ ه. ق.
٨٥
ـ لسان العرب :
تأليف : أبي
الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (٦٣٠ ـ ٧١١ هـ) ، نشر دار الفكر ، بيروت.
٨٦
ـ المبسوط في فقه الإماميّة :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، المكتبة الرضويّة.
٨٧
ـ مجمع البحرين :
تأليف : فخر
الدين بن محمّد بن علي بن أحمد الطريحي (٩٧٩ ـ ١٠٨٥ هـ) ، منشورات دار مكتبة
الهلال ، بيروت.
٨٨
ـ مجمع البيان في تفسير القرآن :
تأليف : أبي
علي الفضل بن الحسن الطبرسي (... ـ ٥٤٨ هـ) ، نشر دار مكتبة الحياة ، بيروت.
٨٩
ـ مجمع الفائدة والبرهان :
تأليف : أحمد
بن محمد الأردبيلي المعروف ب : المقدّس الأردبيلي (... ـ ٩٩٣ هـ) ، نشر جماعة
المدرسين ، قم ، سنة ١٤٠٣ ه. ق.
٩٠
ـ مجموعة مصنفات المفيد :
تأليف : أبي
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف ب : الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ)
، نشر المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، الطبعة
الأولى ، سنة ١٤١٣ ه. ق.
٩١
ـ المحاسن :
تأليف : أبي
جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (... ـ ٢٧٤ هـ) ، نشر المجمع العالمي لأهل البيت
، قم ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤١٣ ه. ق.
٩٢
ـ المحصول في علم أصول الفقه :
تأليف : فخر
الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي (٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ) ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت ،
الطبعة الثانية ، سنة ١٤١٢ ه. ق.
٩٣
ـ مختلف الشيعة :
تأليف : أبي
منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ، نشر مكتبة نينوى
الحديثة ، طهران.
٩٤
ـ مرآة العقول :
تأليف : محمد
باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي الثاني (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ) ، نشر دار الكتب
الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثانية ، سنة ١٤٠٤ ه. ق.
٩٥
ـ مسالك الأفهام :
تأليف : زين
الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) ،
نشر دار الهدى للطباعة والنشر ، قم.
٩٦
ـ المستدرك على الصحيحين :
تأليف : أبي
عبد الله بن محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (٣٢١ ـ ٤٠٥ هـ) ، دار الكتب
العلميّة ، بيروت ، الطبعة الأولى ١٤١١ ه.
٩٧
ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل :
تأليف :
الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد النوري الطبرسي (١٢٥٤ ـ
١٣٢٠ هـ) ، نشر مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء
التراث ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤٠٧ ه. ق.
٩٨
ـ المستصفى من علم الأصول :
تأليف : أبي
حامد محمد بن محمد الغزّالي (٤٤٥ ـ ٥٠٥ هـ) ، نشر دار الفكر ، بيروت.
٩٩
ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل :
تأليف : أبي
عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، (١٦٤ ـ ٢٤١ هـ) ، دار إحياء التراث العربي
، بيروت.
١٠٠
ـ المصباح المنير :
تأليف : أحمد
بن محمد بن علي الفيّومي (... ـ ٧٧٠ هـ) ، نشر دار الهجرة ، قم ، الطبعة الثانية
سنة ١٤١٤ ه. ق.
١٠١
ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين معالم الأصول :
تأليف : الشيخ
السعيد جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي (٩٥٩ ـ ١٠١١ هـ) ،
نشر جماعة المدرسين ، قم ، سنة ١٤٠٦ ه. ق.
١٠٢
ـ معاني الأخبار :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، نشر جماعة
المدرسين ، قم ، سنة ١٣٦١ ه. ش.
١٠٣
ـ معجم رجال الحديث :
تأليف : السيد
أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي الخوئي (١٣١٧ ـ ١٤١٣ هـ) ، نشر مركز نشر آثار
الشيعة ، قم ، الطبعة الرابعة ، سنة ١٤١٠ ه. ق.
١٠٤
ـ مفاتيح الشرائع :
تأليف : محسن
بن مرتضى بن فيض الله المعروف ب : ملا محسن الفيض الكاشاني (١٠٠٨ ـ ١٠٩٠ هـ) ، نشر
مجمع الذخائر الإسلامية ، قم ، سنة
١٤٠١ ه. ق.
١٠٥
ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة :
تأليف : السيّد
محمد جواد الحسيني العاملي (... ـ ١٢٢٦ هـ) ، مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
١٠٦
ـ المقنع :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، المطبوع مع
الجوامع الفقهية.
١٠٧
ـ المقنعة :
تأليف : أبي
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف ب : الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ)
، نشر جماعة المدرسين ، قم ، الطبعة الثانية ، سنة ١٤١٠ ه. ق.
١٠٨
ـ مكارم الأخلاق :
تأليف : رضي
الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي (... ـ ٥٤٨ هـ) ، منشورات الشريف الرضي ،
الطبعة السادسة ١٣٩٢ ه.
١٠٩
ـ ملاذ الأخيار :
تأليف :
العلّامة محمد باقر المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ) ، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي
، ١٤٠٦ ه.
١١٠
ـ منتهى المطلب :
تأليف : أبي
منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ، الطبعة الحجرية.
١١١
ـ من لا يحضره الفقيه :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) ، نشر دار
الكتب الإسلاميّة ، طهران ، الطبعة الخامسة ،
سنة ١٣٩٠ ه. ق.
١١٢
ـ منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال :
تأليف : المولى
الميرزا محمد الأسترآبادي ( طبعة حجريّة ، إيران ).
١١٣
ـ المهذّب :
تأليف : عبد
العزيز بن بحر ابن البراج الطرابلسي (٤٠٠ ـ ٤٨١ هـ) ، نشر جماعة المدرسين ، قم ،
سنة ١٤٠٦ ه. ق.
١١٤
ـ المهذّب البارع :
تأليف : جمال
الدين أبي العبّاس أحمد بن محمد بن فهد الحلّي (٧٥٧ ـ ٨٤١ هـ) ، جماعة المدرّسين ،
قم ١٤٠٧ ه.
١١٥
ـ نقد الرجال :
تأليف : السيّد
المير مصطفى الحسيني التفريشي ، نشر الرسول المصطفى ١٣١٨ ه.
١١٦
ـ النهاية في غريب الحديث والأثر :
تأليف : أبي
السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ) ، انتشارات إسماعيليان
، قم ، الطبعة الرابعة ، سنة ١٣٦٧ ه. ش.
١١٧
ـ النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي :
تأليف : أبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) ، نشر قدس محمّدي.
١١٨
ـ نهاية المرام :
تأليف : السيّد
محمد بن علي الموسوي العاملي (٩٤٦ ـ ١٠٠٩ هـ) ، جماعة المدرسين ، قم ، الطبعة
الأولى ١٤١٣ ه.
١١٩
ـ نهاية الوصول للعلّامة نهاية الأصول :
تأليف : أبي
منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي (٦٤٨ ـ
٧٢٦ هـ) ، مخطوط.
١٢٠
ـ الوافي :
تأليف : محسن
بن مرتضى بن فيض الله المعروف ب : ملّا محسن الفيض الكاشاني (١٠٠٨ ـ ١٠٩٠) ، نشر
مكتبة أمير المؤمنين عليهالسلام ، أصفهان ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤١٢ ه. ق.
١٢١
ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :
تأليف : الشيخ
محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ) ، نشر مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤٠٩ ه. ق.
فهرس
المحتويات
مقدمة
المحشي................................................................ ٣
كتاب المتاجر................................................................... ٥
مقدمات التجارة............................................................. ٧
قسم العقود................................................................ ٧
في كسب الصرف......................................................... ٨
تحريم الاحتكار وكراهته..................................................... ٩
في الكسب الحرام......................................................... ١١
بيع الأعيان النجسة....................................................... ١٣
عدم جواز اقتناء المؤذيات.................................................. ٢١
ما قصد به المحرم.......................................................... ٢٢
ما لا انتفاع فيه........................................................... ٢٥
ما هو حرام بنفسه........................................................ ٢٦
ما يجب فعله............................................................. ٣٦
آداب التجارة.............................................................. ٥٢
أركان التجارة.............................................................. ٥٢
في العقد................................................................. ٥٩
في المتعاقدين.............................................................. ٧٥
في العوضين............................................................. ١٠١
في بيع الثمار............................................................ ١٣٦
في بيع الحيوان.......................................................... ١٦٠
في بيع الصرف......................................................... ١٦٩
في النقد والنسيئة........................................................ ١٧٧
في السلف.............................................................. ١٩٦
في أحكام السلف....................................................... ٢٠٢
في المرابحة والمواضعة..................................................... ٢٠٩
اللواحق................................................................. ٢١٣
في أقسام الخيار......................................................... ٢١٣
خيار المجلس............................................................ ٢١٣
خيار الحيوان............................................................ ٢١٩
خيار الغبن............................................................. ٢٤٥
خيار التأجير............................................................ ٢٤٦
في أحكام الخيار......................................................... ٢٥٢
العيب وأحكامه........................................................... ٢٧٢
الربا..................................................................... ٢٨٧
ما يندرج في المبيع......................................................... ٢٩٧
التسليم.................................................................. ٢٩٨
نكت متفرقة.............................................................. ٣٠١
كتاب الديون............................................................... ٣٠٥
التوابع................................................................... ٣٠٧
كراهة الاستدانة........................................................ ٣٠٧
شرط النفع............................................................. ٣٠٩
أحكام الدين............................................................ ٣٢٣
الرهن................................................................... ٣٥٣
في عقد الرهن.......................................................... ٣٥٣
في أحكام الرهن........................................................ ٣٦٢
الحجر................................................................... ٣٦٢
في أسباب الحجر........................................................ ٣٧٢
في أحكام السفيه والمفلس................................................ ٣٨٨
أولا : السفيه........................................................... ٣٨٨
ثانيا : المفلس........................................................... ٣٩٦
الضمان.................................................................. ٤٠٥
في شرائط الضامن....................................................... ٤٠٧
الحوالة................................................................... ٤١٨
الكفالة................................................................... ٤٢٧
شرائط الكفالة وأحكامها................................................ ٤٣١
الصلح................................................................... ٤٣٧
في أحكام الصلح........................................................ ٤٤٠
الاقرار................................................................... ٤٥٥
الوكالة.................................................................. ٤٥٦
أركان الوكالة الموكل................................................... ٤٥٨
ما تصح به الوكالة...................................................... ٤٥٩
صيغة الوكالة........................................................... ٤٦٠
في أحكام الوكالة....................................................... ٤٦٤
مسائل النزاع........................................................... ٤٧٢
كتاب الإجارة............................................................... ٤٧٧
في شرائط الإجارة........................................................ ٤٧٩
في أحكام الإجارة......................................................... ٥٠٤
المزارعة والمساقاة......................................................... ٥١٤
في أركان المزارعة....................................................... ٥١٤
في أركان المساقاة....................................................... ٥٢٤
الجعالة................................................................... ٥٢٥
السبق والرماية........................................................... ٥٣٢
الشركة.................................................................. ٥٣٦
في أحكام الشركة....................................................... ٥٣٦
في القسمة.............................................................. ٥٤٢
المضاربة.................................................................. ٥٤٤
الوديعة.................................................................. ٥٤٩
العارية................................................................... ٥٦٨
اللقطة................................................................... ٥٨٢
في شرائط اللقطة........................................................ ٥٨٢
في أحكام اللقطة........................................................ ٥٨٤
الغصب في أسباب الضمان............................................... ٦٠٨
في أحكام الغصب....................................................... ٦١٧
كتاب الصيد وتوابعه........................................................ ٦٣٧
في الاصطياد.............................................................. ٦٣٩
في شرائط الاصطياد..................................................... ٦٣٩
أحكام الاصطياد........................................................ ٦٤٤
الذبح.................................................................... ٦٤٨
في أركان الذبح......................................................... ٦٤٨
الأطعمة والأشربة......................................................... ٦٦٥
في حال الاختيار........................................................ ٦٦٥
في البهائم.............................................................. ٦٦٦
في الطيور.............................................................. ٦٦٩
في حيوان البحر......................................................... ٦٧٤
في المائعات............................................................. ٦٧٥
في الجامدات............................................................ ٧٠٤
ما يحصل به الجلل....................................................... ٧١٣
أحكام المحرمات........................................................... ٧١٦
في الاضطرار............................................................ ٧٢٩
آداب المائدة............................................................. ٧٣٥
كتاب الإرث............................................................... ٧٣٧
في موانع الإرث الكفر.................................................... ٧٣٩
الرق................................................................... ٧٤٣
كتاب القضاء............................................................... ٧٤٧
صفات القاضي........................................................... ٧٤٩
آداب القضاء............................................................ ٧٥٤
كيفية الحكم.............................................................. ٧٥٦
في الدعوى............................................................... ٧٧٣
كتاب الجنايات.............................................................. ٧٨٥
في شرائط القصاص....................................................... ٧٨٧
المنابع والمآخذ........................................................... ٧٨٩
فهرس المحتويات......................................................... ٨٠٧
|