الفهرس الإجمالي


عدم جواز تقليد الميت................................................................. ٥ ـ ٢٧

حكم عبادة الجاهل............................................................... ٢٩ ـ ٤٦٧١

أصالة طهارة الأشياء................................................................. ٤٧ ـ ٥١

حكم العصير التمري والزبيبي....................................................... ٥٣ ـ ١١٦

رؤية الهلال...................................................................... ١١٧ ـ ١٥٠

الإفادة الاجمالية (في البحث عن كراهة بعض العبادات وعدمها)....................... ١٥١ ـ ١٦٤

صحة الجمع بين الفاطميتين........................................................ ١٦٤ ـ ٢٢٧

حكم متعة الصغيرة............................................................... ٢٢٩ ـ ٢٣٨

القرض بشرط المعاملة المحاباتية..................................................... ٢٣٩ ـ ٢٩٤

أصالة عدم صحة في المعاملات..................................................... ٢٩٥ ـ ٣٠٧

أصالة الصحة والفساد في المعاملات................................................ ٣٠٩ ـ ٣١٨


رسالة

في

عدم جواز تقليد الميّت



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، حمدا يرضي ربّنا منّا ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، صلاة ترضيهم عنّا ، وكلّ من ظلمنا.

قال في « المفاتيح » : ( وأن لا قول للميتين ، وإن لم يأتوا بشي‌ء مبين ) (١).

أقول ـ وأنا الأذلّ الأقلّ محمّد باقر بن محمّد أكمل ـ :

معنى عدم القول للمجتهد الميّت ، أنّ قوله ليس بحجّة ، وقد ثبت في علم أصول الدين أنّه لا حجّة إلّا قول الله تعالى وحججه المعصومين عليهم‌السلام ، ولذا اشترطنا العصمة في الحجج ، وما جوّزنا حجّية قول من لا يؤمن من الخطأ ، وكون ذلك شعارا في مذهبنا أظهر من الشمس ، وأشهر من أن يخفى على مخالفينا في المذهب ، فضلا عن الموافق.

وأدلّتنا من العقل ، والنقل (٢) على ذلك متراكمة متظافرة ، ومن غاية

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ٤ ، وفيه : ( .. وإن لم يأتوا في هذا بشي‌ء مبين ).

(٢) لاحظ! كشف المراد : ٣٧٥ و ٣٩٠ ، بحار الأنوار : ١١ / ٧٢ الباب ٤.


الظهور وافقنا جماعة من العامّة ، سيّما الأشاعرة (١).

ومن قديم الأيّام إلى حديثه امتلأت الطوامير ، وتوافرت الأساطير من التشاجر بيننا وبين من خالفنا ، حتّى أنّ أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام شغلهم وديدنهم كان المخاصمة مع خصمهم في ذلك ، في حضور الأئمّة عليهم‌السلام وغيبتهم (٢) في الأعصار والأمصار ، بل الأئمّة عليهم‌السلام بأنفسهم كانوا يباحثون مع خصمهم (٣) ، ويلقّنون الشيعة هذه المخاصمة ، ويعجبهم مخاصمتهم في ذلك (٤) ، بل ربّما يظهر أنّ ذلك عمدة السبب في الاحتياج إلى الحجّة في كلّ زمان.

هذا كلّه مضافا إلى ما ورد في الكتاب والسنّة متواترا من النهي عن العمل بغير العلم (٥) ، والعمل بالظنّ (٦) والتقليد (٧) ، ولا شكّ أنّ قول المجتهد داخل في الكلّ ، مع أنّ الأصل عدم حجّية غير العلم ، سيّما في الأحكام الشرعيّة ، لما فيها من الخطر العظيم ، والضرر الجسيم ، ولذا شدّدوا الأمر فيها غاية التشديد ، وأكّدوا نهاية التأكيد ، كما لا يخفى على المطّلع.

مع أنّ هذا الأصل مسلّم عند الأخباريّين والمجتهدين ، حتّى عند العامّة أيضا (٨) ، ولذا في أصول الفقه في كلّ موضع يتمسّكون بظنّ يطالبون بدليل

__________________

(١) لاحظ! شرح المواقف للإيجي : ٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٧ ، شرح المقاصد للتفتازاني : ٥ / ٤٩ ـ ٥٢.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ١٦٩ ـ ١٧٣ الحديثين ٣ و ٤.

(٣) انظر! عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٠٧.

(٤) لا حظ! الكافي : ١ / ١٨٦ ـ ١٧١ الحديثين ٢ و ٣.

(٥) في ب : ( بغير علم وغير الحقّ ) ، وفي ج : ( بغير الحكم ).

(٦) لاحظ! الأنعام (٦) : ١١٩ ، الإسراء (١٧) : ٣٦ ، النجم (٥٣) : ٢٣ و ٢٨ ، بحار الأنوار : ٢ / ١١١ الباب ١٦.

(٧) لاحظ! البقرة (٢) : ١٧٠ ، التوبة (٩) : ٣١ ، لقمان (٣١) : ٢١ ، الكافي : ١ / ٥٣ باب التقليد ، بحار الأنوار : ٢ / ٨١ الباب ١٤.

(٨) لاحظ! المحصول للرازي : ٥ / ١٠٤ و ١١٣.


حجّيته ، ولذا لا يرضون بثبوت حجّية الإجماع من الظواهر من الكتاب والسنّة ، قائلين بأنّ الظواهر ليست بحجّة ظاهرا إلّا بدليل ، ولا دليل سوى الإجماع فيلزم الدور. إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على الماهر في أصول الفقه.

وأيضا ، الحكم الشرعي ليس إلّا ما صدر من الشرع ، وحكم المجتهد صادر عن المجتهد ، وهو ليس بشرع. نعم ، في ظنّه أنّه من الشرع والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا (١) ، مع أنّ أحكامهم في الغالب متغايرة ، بل متضادّة ، فلا يكون المجموع مظنونا.

وأيضا ، حكم الشرع ليس إلّا منه (٢) ، وظنّ المجتهد ليس إلّا من المجتهد ، مع كونه ظنّا.

فكون أحدهما عين الآخر فاسد جزما ، وكونه بحسب مكان الآخر شرعا ويكفي عوضا له يتوقّف على الدليل.

وأيضا ، لو لا الدليل على كون ظنّ المجتهد حجّة للعامّي لكان مثل الظنّ الحاصل من الرمل والأسطرلاب وقول الفاسق الجاهل وقول النساء ، ألا ترى أنّ النساء ربّما يحصل لهنّ ظنّ من قول النساء أقوى من الحاصل من قول المجتهد؟! وكذا الرستاقي (٣) من قول الرستاقي. وهكذا.

وأيضا ، كما قال الميّت : إنّ الحكم كذا ، قال : إنّ الميّت لا قول له ، فإن كان قوله حجّة فقوله ليس بحجّة ، بل هو وسائر المجتهدين اتّفقوا في ذلك ، حتّى أنّهم

__________________

(١) إشارة إلى الآيتين الكريمتين : يونس (١٠) : ٣٦ ، النجم (٥٣) : ٢٨.

(٢) في ب : ( ليس إلّا حقّا ومن الشارع ).

(٣) الرستاقي : هو المنسوب إلى الرستاق ، وهو السواد والقرى. لاحظ! القاموس المحيط : ٣ / ٢٤٣ ، لسان العرب : ١٠ / ١١٦.


ادّعوا إجماع الشيعة على ذلك (١) [ وأنّه ] من ضروريّات مذهب الشيعة (٢) ، مثل حرمة العمل بالقياس ، بل وربّما صار ذلك من خصائص الشيعة ، لأنّ جمهور العامّة على خلاف ذلك (٣) ، من جهة قولهم بحليّة القياس وقياسهم بين الميّت والحي.

وعلى أيّ حال ، إذا حصل الظنّ من قول ميّت في نفس الحكم ، حصل من قوله في عدم حجيّة قوله جزما ، بل بطريق أولى بمراتب شتّى ، لو لم نقل بحصول اليقين له.

ولو فرض أنّ شاذّا من المتأخّرين منّا وافق العامّة ، إذ لو لم يصر منشأ لزيادة اطمئنانهم بقول المعظم لم يصر منشأ للوهن (٤) أصلا ، وعلى فرض الوهن فالظنّ لا أقلّ منه ، وعلى فرض ارتفاع الظنّ أيضا ـ مع أنّه في غاية البعد ـ فالشكّ لا أقلّ منه ، فمع الشّك والتردّد كيف يقلّد بغير منشأ وحجّة؟! وكيف يرجّح قول الشاذّ البعيد العهد المطابق للعامّة على قول معظم القرباء العهد من صاحب الشرع (٥)؟!

هذا كلّه إذا كان الشاذّ حيّا.

__________________

(١) لاحظ! حاشية المحقّق الكركي على الشرائع : ٦٣٥ ـ ٦٣٨ وهي مخطوطة محفوظة برقم ١٤١٨ في مكتبة المدرسة الفيضيّة بقم ، مسالك الأفهام : ١ / ١٦٢ ، معالم الأصول : ٢٤٨ ـ ٢٤٨ ، الوافية للفاضل التوني : ٣٠٠ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ٥٢.

(٢) معالم الأصول : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ٥٢ ، ولمزيد الاطّلاع راجع : جواهر الكلام : ٢١ / ٤٠٢ ، التنقيح في شرح العروة الوثقى : ١٠٤ ـ ١٠٧.

(٣) قال الغزّالي : ( في ذكر ما يجب على المقلّد مراعاته بعد : . وقد قال الفقهاء : يقلّده وإن مات ، لأنّ مذهبه لم يرتفع بموته ، وأجمع علماء الأصول على أنّه لا يفعل ذلك ). المنخول : ٤٨٠ ـ ٤٨١.

(٤) في ألف ، ج : ( للوهم ).

(٥) العبارة : ( البعيد العهد. صاحب الشرع ) أثبتناها من ب ، أمّا باقي النسخ ففيها : ( على قول المعظم ) بدلا من هذه العبارة.


وأمّا إذا كان ميّتا ، فنزيد على جميع ما ذكرنا ، أنّ الاستناد إلى قوله مع كونه ميّتا يتضمّن دورا محالا واضحا.

فإن قلت : ما ذكره المصنّف لعلّه بالنسبة إلى العامّي الجاهل الغافل الغير المطّلع بأقوال العلماء.

قلت : اشتهر من العلماء ما ذكرناه اشتهار الشمس ، فاطّلاع العامّي على فتوى المجتهد الميّت مع عدم اطّلاعه على ما ذكرنا ممّا لا يكاد يتحقّق.

سلّمنا ، لكن هذا ظنّ خطأ ، من جهة عدم اطّلاعه بحقيقة الحال ، فلو كان مثل هذا حجّة للعاميّ لكان الظنّ الحاصل له بخلاف فتوى الفقهاء ـ بل بضدّها ونقيضها ـ من جهة جهله وغفلته وخطئه يكون حجّة له ، يجب عليه العمل به (١).

وبعد تجويز هذا وفتح هذا الباب ، لا وجه لذكر المجتهد ، ولا لاعتبار قوله حيّا كان أو ميّتا ، بل يكون المدار على أيّ ظنّ وخيال حصل للعاميّ من أيّ جهة من الجهات ، وإن كان من محض هوى النفس ، أو تقليد المخالف أو الكافر ، أو الرمل والأسطرلاب ، أو غير ذلك ، وفيه ما فيه.

وأيضا ، الظنّ للمجتهد إنّما هو ما دام [ في ] الحياة ، وإلّا فبعد الموت لا ظنّ ، والظنّ في وقت لا يكفي لحين زواله (٢) ، ولذا لو ظنّ سابقا وانعدم ظنّه في وقت لا حق ، ويحصل له التردّد والتوقّف لا يجوز له العمل بظنّه السابق ، ولا لمقلّده بعد اطّلاعه على توقّفه. نعم ، قبل الاطّلاع يكفي ، لما سيجي‌ء.

والحاصل ، أنّ الحجّة إنّما هو حكم الشارع لا حكم المجتهد ، وحكم المجتهد لو كان حجّة ومحسوبا مكان حكم الشارع ، إنّما يكون لظنّه أنّ حكمه حكم

__________________

(١) في ألف ، ج : ( يجب العمل عليه به ) ، وفي ب ، د : ( يجب العمل به ) ، والظاهر أنّ الأنسب ما أثبتناه.

(٢) في ج ، د : ( لا يكفي حين زواله ).


الشارع ، فإذا انعدم الظنّ مع وجوده ، أو انعدم هو ، فلا يبقى ظنّه قطعا ، لأنّ بانعدامه انقطع العلاقة بينه وبين حكم الشارع ، فبأيّ سبب يكون حجّة ومحسوبا مكانه؟!

مع أنّ هذا استصحاب ضعيف.

فعلى القول بحجّية الاستصحاب ربّما لا يقولون بحجّية مثله ، مع أنّ الاستصحاب حجّة إذا لم ينعدم موضع الحكم ، وهنا انعدم ، كما هو الحال في الاستحالة والانقلاب ، وانعدامه من جهة أنّ الظنّ في الدماغ ، والظنون صورة حاصلة فيه بالبديهة وبالوجدان ، وهو متّفق عليه.

وليس المراد مطابق المظنون ، لأنّه محتمل ليس إلّا ، بل رجحانه ـ أي الراجح ـ مع أنّ الأصل عدم تحقّق ظنّ غير ما ذكر ، وهو أقوى من ذلك الاستصحاب.

مع أنّه على تقدير أن يكون للنفس ظنّ ، فهو غير هذا الظنّ ، وهذا انعدم يقينا ، وكونه غيره يجي‌ء مقامه خلاف الأصل أيضا ، مع أنّ نفس الناطقة بعد الموت يحصل له اليقين أو لا يحصل ، لا أنّه يحصل له الظنّ ، لأنّه خلاف المعقول والمنقول.

بل عرفت ممّا تقدّم أنّ قول غير المعصوم عليه‌السلام ليس بحجّة أصلا ، ولا شكّ أنّ المجتهد ليس بمعصوم ، فلا يكون قوله حجّة جزما ، ولذا قال الأخباريّون بعدم حجّية قول غير المعصوم عليه‌السلام (١) ، وفقهاء حلب أوجبوا الاجتهاد (٢).

وامّا المجتهدون ، فهم وإن قالوا بحجّية قول غير المعصوم عليه‌السلام في الجملة ،

__________________

(١) لاحظ! الفوائد المدنيّة : ٧ و ١٧ و ٤٠ و ٤٧ ـ ١٣١.

(٢) لاحظ! ذكري الشيعة : ٢ ، معالم الأصول : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، الوافية في أصول الفقه : ٣٠٤.


لكن عنوا كون القائل مستجمعا لشرائط الاجتهاد ويكون حيّا.

فقوله حجّة على العامّي ، ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد فقط ، لا على مجتهد آخر ، ولا يقولون بحجّية غير ما ذكر ، بل يحرّمونه ويدخلونه تحت المناهي وما ليس بحجّة ولو لم يدلّهم دليل على حجّية القدر الّذي قالوا بحجّيته لكانوا يحرّمون ذلك أيضا ، ويجعلونه مثل ظنّ العامّي ، ويدخلونه تحت الأصل والعمومات والأدلّة الدالّة على عدم حجيّة قول غير المعصوم وحرمة العمل به.

بل في الحقيقة قول المجتهد ليس عندهم حجّة أصلا ، بل الحجّة الأدلّة الدالّة على حجّية القدر المذكور.

مثلا : شهادة العدلين ، لو لم يدلّ دليل من الشارع على اعتبارها فيما جعلها الشارع معتبرة فيه لكان حالها وحال الظنون المحرّمة ـ مثل الظنّ الحاصل من الرمل والنجوم أو قول الفاسق ـ سواء ، بل ربّما يحصل من الأمور المزبورة ظنّ أقوى.

فصار المعلوم أنّ الحجّة هو حكم الشارع ودليله ، فإنّ الحكم الشرعيّ هو حكمه باعتبارها لا ما شهدوا به.

وإذا ظهر لك ذلك ، نقول : العامّي لا بدّ له أن يعتقد رضا الشرع بتقليد المجتهد ، وجعل ظنّه محسوبا مكان شرعه الّذي هو الحقّ اليقيني ، وبديهيّ أنّ ذلك لا يحصل له من نفس تقليد المجتهد ، لما فيه من الدور المحال الواضح ، فمستنده ليس إلّا ما حصل له بالتظافر والتسامع المتعيّن بأنّ غير الفقيه عليه أن يرجع إلى الفقيه في حكم الشرع ، كما هو الشأن في جميع العلوم والصناعات الّتي يتوقّف عليها نظم المعاد والمعاش أنّ غير أهل الخبرة يرجع إلى أهل الخبرة فيها بلا شبهة ، وأنّ مدار المسلمين في الأعصار والأمصار كان على ذلك بالبديهة.


وبالجملة ، حصل له من التظافر والتسامع في التقليد ما حصل له في ضروريّات الدين والمذهب الّتي ليس فيها تقليد واجتهاد بل المجتهد والمقلّد فيها على حدّ سواء.

وحصول البداهة للعامّي في جواز تقليد الميّت بعد ما اشتهر ما نسب إلى الشيعة اشتهار الشمس ، كما ترى (١).

إذا عرفت ما ذكرنا ، لم يخف عليك أنّ اللازم على المصنّف كان المطالبة بدليل حجّية قول المجتهد الحيّ أيضا أو الإتيان به ، لا المطالبة بدليل عدم حجّية قول الميّت الّذي هو غير المعصوم ، مع أنّ الأصل عدم حجّية [ قول ] كلّ أحد ، لا حجّية قول كلّ أحد ، حتّى أنّه يطالب بما يطالب منه.

فإن قلت : لعلّ مراده أنّ ما دلّ على حجّية قول المجتهد يشمل حيّه وميّته ، فلم أخرجوا قول الميّت ، مع أنّه ليس لهم مخصّص مبيّن؟!

قلت : مع كون ما ذكرت خلاف ظاهر قوله! سلّمنا ، لكن نقول : كيف يمكن للعامّي الاحتجاج بعموم ما دلّ على جواز التقليد على تقدير تسليم العموم؟ ، وسيّما أن يستدلّ به على بطلان ما نسب إلى الشيعة وظهر منهم ، ويطمئنّ به ، ويقلّد شرعا ، فإنّ الآية والأخبار الدالّة على ذلك معركة الآراء بين الفقهاء ، ولذا أنكر جواز التقليد جماعة منهم ، والمقرّون اتّفقوا على عدم الجواز بالنسبة إلى الميّت ، مع أنّ حجّية خبر الواحد وظاهر الآية معركة للآراء ، ومع ذلك المراد ما ذا ، أيضا معركة ، ومع ذلك ورد في الآيات والأخبار حرمة التقليد وذمّه مطلقا (٢).

__________________

(١) العبارة : ( وإذا ظهر لك ذلك. كما ترى ) أثبتناها من ب.

(٢) الآية : التوبة (٩) : ١٢٢ ، الأنبياء (٢١) : ٧ ، والأخبار : كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٤ الحديث ٢ ، الاحتجاج للطبرسي : ٤٥٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣١ الحديث ٣٣٤٠١ و ١٤٠ الحديث ٣٣٤٢٤.


نقول : أيّ عموم دلّ على ذلك؟!

أمّا الآية (١) والأخبار (٢).

فالقدر الّذي يفهم منها ويتبادر هو الحيّ. وأمّا أزيد ، فلا وثوق في دلالتها عليه ، لأنّ المتبادر منها أنّ ما أفتى به الفقيه واعتقد أنّه حكم شرعي يجوز أخذه منه ما دام هو مفت به ومعتقد ، بل يجب أخذه منه ، ومع ذلك المتبادر منها أنّ جواز الأخذ ووجوبه إنّما هو على من عرف أنّه فقيه وحكمه من الشرع ، لا من لم يعرف ذلك ولم يعتقد أنّه حاكم الشرع ، فلذا لم يكن فتواه حجّة على من لم يعرف ذلك ولم يعتقد ، وكذا الظاهر أنّ فتواه حجّة على من لم يعرف ذلك الحكم من الشرع ، فلذا لم يكن حجّة على فقيه آخر.

فحيث عرف أنّ المتبادر منها هو القضيّة العرفيّة ، كما هو مسلّم عند جميع العلماء في كلّ ما ماثله من القضايا ، ولذا لو أظهر الفقيه ـ بعد ما أفتى به ـ أنّ ظنّه واعتقاده زال وحصل له التوقّف لم يكن ظنّه السابق ـ الّذي زال ـ حجّة عليه ، فلا يكون حجّة على من قلّده ، بعد ما اطّلع على ما قال من أنّ اعتقاده زال ، مع أنّ من هذا القول لا يحصل ـ غالبا ـ أزيد من الظنّ ، فما ظنّك بصورة حصول اليقين بأنّ ظنّه زال ، كما عرفت؟! فكيف يكون ظنّه السابق داخلا في الآية والأخبار؟!

هذا ، مضافا إلى أنّ المتبادر من لفظ الفقيه والحاكم وأمثالهما هو الحي ، ولذا تمسّك أهل السنّة بالقياس ، وردّه الشيعة بأنّه قياس مع الفارق وبسطوا الكلام في ذلك ، فتوهّم غير المطّلع أنّ ما بسطوه إنّما هو دليلهم ومستندهم وبه حكموا

__________________

(١) التوبة (٩) : ٣١.

(٢) الكافي : ١ / ٥٣ باب التقليد ، بحار الأنوار : ٢ / ٨٦ الحديث ١٢.


بالحرمة ، كما يشير إليه كلام المصنّف (١).

وأمّا الإجماع :

فقد نقل الإجماع على منع حجّية قول الميّت (٢) ، وهذا هو الظاهر من فتاوى المعظم ، ونسب ذلك إلى الشيعة ، وعدّ من ضروريّات دينهم ، كحرمة القياس ، نسبه إلى الشيعة من هو في أعلى درجة الاطّلاع (٣) ، فلو لم يثبت الإجماع على المنع فكيف تثبت الحجّية؟!

نعم ، المشهور عند العامّة حجّية قول الميّت أيضا (٤) ، قياسا على الحيّ. بجامع مظنونيّة الإصابة ، وهذا ـ مع كونه قياسا ـ قياس مع الفارق ، لما أشرنا إليه من أنّ الميّت لا ظنّ له.

وربّما اعترض بأنّ المجتهد الغائب يجوز أن يكون رأيه تغيّر ، فكذا الميّت ، ولا يخفى أنّ هذا الاعتراض في غاية السخافة ، لأنّ المراد بالاعتراض إن كان قياس الميّت بالغائب.

فأوّلا : إنّ القياس عندنا حرام ، وقد عرفت أنّ قول المجتهد من حيث إنّه قوله ليس بحجّة ، حتّى يجوز أن يجعل جامعا ، بل الحجّة هو ما دلّ على اعتباره ، فعلى أيّ قدر تتمّ الدلالة نقول به ، وأمّا الزائد عنه فلا ، لعدم الدليل ، والغائب داخل في الدليل دون الميّت.

بل لو اعتبر مجرّد احتمال تجدّد الرأي مانعا ، لم يكد يتحقّق قول معتبر للمجتهد ، إلّا ما شذّ ، وحمل الأدلّة والألفاظ على الفروض النادرة كما ترى.

__________________

(١) الحقّ المبين ـ المطبوع ضمن الأصول الأصلية ـ : ١٣٨ ذيل الخاتمة.

(٢) لاحظ! منية المريد : ١٦٧ ، معالم الأصول : ٢٤٨ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ٥٢.

(٣) رسائل المحقق الكركي : ٣ / ١٧٦ ، ٢ / ٢٥٣ ، ولمزيد الاطلاع راجع مطارح الأنظار : ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٨٠.

(٤) لاحظ! منية المريد : ١٦٧ ، معالم الأصول : ٢٤٧.


وثانيا : إنّ القياس ـ مع كونه حراما عندنا ـ قياس مع الفارق ، لما عرفت ، ولأنّ الغائب مظنون البقاء على حاله ، ومستصحب ظنّه حتّى يثبت خلافه ، وهذا استصحاب في موضع الحكم الشرعي ، مسلّم عند الأخباريّين أيضا (١) ، بخلاف الميّت ، فإنّ موضوع الاستصحاب انعدم.

مضافا ، إلى أنّه لا شكّ في زوال الظنّ ، وانحصر الاحتمال في عدم حصول اعتقاد ، أو حصول اليقين بالصواب أو اليقين بالخطإ ، والاستصحاب هو الحكم باستمرار ما علم ثبوته ، حتّى تيقّن الانقطاع ، وقد حصل الانقطاع ، لأنّ ما علم وجوده ليس إلّا الظنّ ، وهو ليس إلّا صورة حاصلة في الذهن بالوجدان والبداهة ، ومسلّم عند الكلّ ، وبعد الموت تغيّر الذهن جمادا لا حسّ له ، فكيف إذا صار ترابا؟!

وأمّا أنّه حصل للروح هذه الصورة ، فباطل بالأدلّة العقليّة ، ومسلّم عند العارف.

نعم ، يحتمل عنده أن يكون بعد الموت تنكشف له الأمور ، كما هي ، وهو مخالف للأخبار ولا ينكشف له إلّا ما كشف الله له ، وهو الموافق لها ، وهو الحقّ عند من قال بأنّ الروح ليس من المجرّدات ، وهذا هو المنسوب إلى الشيعة.

ومع أنّ الانكشاف ليس إلّا العلم جزما ، والعلم مغاير للظنّ بالبديهة ، فما علم وجوده ـ وهو الظنّ ـ حصل اليقين بزواله ، وما حدث بعده لا شبهة بأنّ الأصل عدمه حتّى يثبت ، وقد عرفت أنّه إن كان يثبت فلا شكّ في أنّه غير ما علم وجوده.

والاستصحاب ليس إلّا استمرار ما علم وجوده لا غير ، بالبديهة ، والغير

__________________

(١) لاحظ! الفوائد المدنيّة : ١٤٣.


ـ على فرض الثبوت ـ يحتمل الموافقة لما ظنّه والمخالفة له.

والاحتمالان على حدّ سواء بلا شبهة ، وعدم ضرر الاحتمال إنّما هو من جهة الاستصحاب ، وقد عرفت عدمه قطعا.

وأمّا بعد الانقطاع ، فهل حدث أمر ، أو ما حدث؟ وعلى تقدير الحدوث ، يكون الحادث ما ذا ، هو أمر آخر لا دخل له في الاستصحاب.

وأيضا ، المجتهد بالموت يخرج عن قابليّة التكليف ، والمجتهد الخارج عنها ليس قوله حجّة أصلا ، فلا يمكن القياس من هذه الجهة أيضا.

وأيضا : ظنّ المجتهد ما لم يكن حجّة على نفسه لم يكن حجّة على غيره ، لأنّ كبرى قياسه : أنّ ما حصل به ظنّي فهو حجّة الله في حقّي وحقّ مقلّدي ، ولم يثبت حجيّة ظنّ منه سواه ، وبالموت لا يكون حجّة على نفسه ، فكيف على غيره؟!

فلا يمكن القياس من هذه الجهة أيضا ، بل المتبادر من الأخبار ليس إلّا أنّ الفقيه هو الأصل والمقلّد فرعه ، فكيف يزيد الفرع على الأصل؟! فتأمّل الأخبار والآية!

فإن قلت : من جملة الأدلّة الّتي استدلّوا بها على حجّية قول المجتهد ، هو قضاء الضرورة (١) ، فلعلّه يشمل ما نحن فيه.

قلت : كيف يمكن دعوى قضاء الضرورة بعد الإحاطة بما ذكرنا بالنسبة إلى قول الميّت؟!

فإن قلت : لعلّ مراده ، أنّ قول المجتهد إذا كان موافقا لدليل شرعيّ ـ بأن أخذه منه ـ يكون حجّة ، لكونه حقّا وصوابا ، ولا فرق في ذلك بين حيّه وميّته ،

__________________

(١) انظر : معالم الأصول : ٢٣٩.


كما أنّه إذا لم يكن مأخوذا من دليل شرعيّ ومطابقا له لا يكون حجّة مطلقا ـ حيّا كان أم ميّتا ـ لكونه خطأ.

قلت :

أوّلا : إنّه خلاف مقتضى عبارته ، حيث أنكر المخالفة بين الحيّ والميّت مطلقا ، لا أنّه جعل المعيار الإصابة وعدمها على حسب ما قلت.

وثانيا : إنّه لا شكّ في أنّ المجتهد إذا حكم بشي‌ء يكون في اعتقاده أنّ حكمه ذلك مطابق للدليل الشرعي ، ومأخوذ منه ، وإلّا لا يحكم به قطعا ، إلّا أنّه ـ من حيث عدم كونه معصوما ـ يجوز خطأ ما اعتقده ، وكذا الأدلّة لمّا كانت غالبها ظنّيا لا يؤمن فيها الخطأ.

فإن أردت من الحقّية والصوابيّة بالنظر إلى الحكم الظاهري ، فحكم المجتهد دائما حقّ وصواب ، لأنّه بعد استفراغ الوسع وبذل الجهد حصل له العلم الّذي فهمه ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (١) ، فإنّه استحصل جميع شرائط الاجتهاد ، الّتي هي شرائط أخذ الحكم الشرعي ، من حيث إنّ كلّ شرط من تلك الشرائط له مدخليّة في أخذ الحكم فهمه واستيثاقه ، وعدم الخطأ مهما أمكن ، مدخليّة واقعيّة أو احتماليّة ، فإنّه لو لم يستحصل شرطا من تلك الشرائط وتحقّق الخطأ في أخذه لعلّه يكون مقصّرا غير معذور ، وأمّا بعد استحصال الجميع لو تحقّق الخطأ لا شكّ في كونه معذورا ، إذا الخطأ ـ حينئذ ـ من أمر لا يكون تحت اختياره.

والقول بأنّه يترك حينئذ جميع الأحكام الفقهيّة من حيث إنّه يجوز أن يكون خطأ فاسد قطعا ، لأنّه مخالف لضروري الدين وما ثبت من الأخبار

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٨٦.


المتواترة من بقاء أحكام الشرع النبوي في أمّته إلى يوم القيامة (١) ، مع أنّه يجوز أن يكون تركه أيضا خطأ ، فكيف يترك؟ سيّما وأنّ الراجح أنّه خطأ ، بل القطعيّ.

والقول بأنّه يترك حينئذ ما ظهر لديه أنّه حكم الله ويعمل بغيره وهو الّذي ظهر عنده أنّه ليس حكم الله ، فساده أيضا واضح.

فتعيّن أن يكون حكم الله الظاهري في حقّه هو الّذي فهمه ، وظهر لديه أنّه هو ، فيكون صوابا دائما وإن احتمل الخطأ بالنسبة إلى الحكم الواقعي.

ومن أراد أوضح ممّا ذكرنا ، والشرح التام والبسط البالغ ، فعليه برسالتنا في الاجتهاد والأخبار (٢).

فإن قلت : إذا لم يمكن الاحتياط ، فالأمر على ما ذكرت ، وأمّا إذا أمكن ، فعليه الاحتياط ، لا الأخذ بما يترجّح لديه.

قلت : فيما يتأتّى فيه الاحتياط يحكمون فيه بالاحتياط ، إلّا أنّه ظهر لديهم أنّ الاحتياط ليس بواجب إلّا في مواضع خاصّة ، وأمّا في غيرها فمستحبّ.حكموا بما ظهر لديهم ، لما ظهر عندهم من تحريم الحكم بخلاف حكم الشرع ، وقد ظهر لهم أنّ حكم الشرع عدم الوجوب ، فكيف يمكنهم الحكم بالوجوب والإلزام بالالتزام في العمل؟!

ولذا اتّفق المجتهدون والأخباريّون على وجوب الاحتياط حينئذ ، والباقون على العدم.

وبالجملة ، هذا أيضا نوع اجتهاد ، والمسألة اجتهاديّة.

وإن أردت الحقيّة والصوابيّة بالنظر إلى الحكم الواقعي ، فهو عبارة أخرى

__________________

(١) لاحظ! المحاسن للبرقي : ١ / ٤٢٠ الحديث ٩٦٣ ، الكافي : ٢ / ١٧ الحديث ٢ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٦٠ الحديث ١٧ و ١١ / ٥٦ الحديث ٥٥ و ١٦ / ٣٥٣ الحديث ٣٨ و ٤٧ / ٣٥ الحديث ٣٣.

(٢) الرسائل الأصوليّة : ٥ ـ ٢٢٩.


عن اشتراط العصمة في المجتهد ، وعدم العمل بالأدلّة الظنّية ، وسدّ لباب الأحكام الفقهيّة ، ومع ذلك ترجع إلى أنّ المجتهد قوله ليس بحجّة أصلا ، لا أنّه حجّة مطلقا سواء كان حيّا أو ميّتا.

وثالثا : إنّ المعتبر على ما ذكرت هو الدليل الشرعي والمطابقة له ، فالعامّي أيضا لو وافق قوله الدليل يكون حجّة ، بل الفاسق ، بل الكافر ، بل الذاهل ، بل الهازل ، بل النائم ، بل السكران ، بل المجنون ، بل الّذي يقول بقول عنادا ، أو ردّ قول الله ورسوله فاتّفق الموافقة.

والحاصل ، أنّ الاعتبار لو كان بالدليل الشرعي والموافقة له (١) ، فالأمر على ما ذكره من عدم الفرق بين الحيّ والميّت ، لأنّ الدليل الشرعي لا يموت أبدا ، بل هو حجّة مطلقا ـ يموت القائل بالقول الموافق له أم لا يموت.

فإن جعلت حجّية قول المجتهد عبارة عن الموافقة للدليل ، فالأمر على ما ذكرنا من عدم الفرق بين المجتهد وغيره ممّن أشرنا.

وكذا لو جعلت علّة الحجّية هي نفس تلك الموافقة ، لعدم جواز تخلّف المعلول عن العلّة.

وإن جعلت علّة الحجّية كونه ظنّ المجتهد ، أو جعلته جزء العلّة ، فلا وجه للحكم ببقاء الحجّية بسبب بقاء الدليل الشرعي وحجّيته ، إذ لا كلام ولا تأمّل لأحد في بقاء الدليل وبقاء الحجّية ، وقد أشرنا إلى أنّ موت المجتهد ينفي ظنّه ، بل قد عرفت أنّ مع فرض بقاء ظنّه لا يكون حجّة.

ورابعا : قد عرفت أنّ المراد بحجّية قول المجتهد حجّيته على نفسه وعلى مقلّده خاصّة.

__________________

(١) في ألف ، ج ، د : ( بالدليل الشرعي في الموافقة ).


أمّا المجتهد الآخر والعاميّ الّذي لا يعتقده ، فلا ، لعدم ظهور اجتهاده عنده ، واعتقاده فسقه (١) ، أو غير ذلك ، ولم يقل أحد بكونه حجّة على المجتهد الآخر وعلى ذلك العامّي ، بل لم يجوّزه عاقل.

وما ذكرت لو تمَّ يقتضي حجّيته مطلقا ، إذ لا معنى لأن يكون القول حقّا وصوابا ولا يكون حجّة ، فكما أنّ الصوابيّة والحقّية تنافيان الخروج عن الحجّية في وقت من الأوقات ، فكذا تنافيان الخروج عن الحجيّة بالنسبة إلى شخص من الأشخاص ، إذ الحقّ حقّ والصواب صواب ، فتأمّل.

وخامسا : أنّ العامّي من أين يعرف أنّ قول المجتهد مأخوذ من الأدلّة الشرعيّة وقول مجتهد آخر غير مأخوذ من الأدلّة ، حتّى يأخذ بالأوّل دائما ولا يأخذ بالآخر دائما؟! وأمّا المجتهد ، فليس قول المجتهد حجّة عليه أصلا ، مع أنّه إذا عرف الموافقة للدليل عرف الدليل قطعا ، فلا وجه للاحتجاج بقول الفقيه حينئذ ، مع أنّك قد عرفت أنّ قول الفقيه في نفسه ليس بحجّة ، لأنّه غير معصوم ، ومجرّد الموافقة للدليل لا يجعله دليلا آخر ، بل هو غير حجّة ـ وافق الحجّة أو لا ـ فلو كان هذا سببا للحجّية يكون [ قول ] العامّي والفاسق والكافر وغيرهم ممّا أشرنا حجّة أيضا ، مع أنّه في الحقيقة اجتهاد منه لا تقليد منه للميّت.

فإن قلت : يجوز للعامّي أن يستفصل حال مجتهد من مجتهد آخر.

قلت : مع أنّه حينئذ يكون مقلّدا للمجتهد الآخر ـ لا الأوّل ـ من أين يعرف أنّ المجتهد الآخر ما أخطأ؟ سيّما وأن يكون الأوّل أشهر وأعرف منه ، وأمّا

__________________

(١) في ب العبارة هكذا : ( وعلى مقلّده خاصّة ، لا للمجتهد الآخر ولا العامّي الّذي لا يعتقده ، لعدم ظهور اجتهاده عنده ، إذ اعتقاده فسقه ).


إذا كان الآخر أشهر وأعرف ، فلا ينفع أيضا ، لأنّه ليس بمعصوم ، وبناء الكلام على الموافقة للأدلّة واقعا ، حتّى يكون حيّا وحجّة دائما ، على حسب ما قد عرفت ، وإلّا فعند العامّي أنّ المجتهد قوله مأخوذ من الأدلّة ، فكيف يجعل تقليده موقوفا على الاستفصال؟!

فإن قلت : إذا كان عند العامّي أنّ قول المجتهد مأخوذ عن الأدلّة الشرعيّة ، يعمل به وإن كان ميّتا ، إذ الموت والحياة لا مدخليّة لهما في المأخوذيّة.

قلت : ليس الكلام في صحّة كلّ فعل للعامّي ، بل فيما يصحّ للعامّي أن يفعله ، وإلّا فالعامّي يقلّد العوام أيضا ، حتّى النساء بزعمه أنّه عن الشرع وأنّه حقّ.

فإن قلت : الأمر بالنسبة إلى العامّي والمجتهد كما ذكرت ، لكن العالم الفاضل الّذي لم يبلغ درجة الاجتهاد من جهة أنّه لم يستحصل جميع شرائطه ، يمكن له أن يعلم أنّ قول المجتهد موافق للدليل وقول آخر غير موافق له ، فيقلّد الأوّل دائما ولا يقلّد الآخر دائما.

قلت : مثل هذا العالم إن كان معتقدا لعدم جواز الاجتهاد والفتوى ما لم يجتمع شرائط الفتوى جميعا ، لا جرم يكون عارفا بأنّ اعتبار تلك الشرائط ليس إلّا لأجل صحّة الفهم وصوابيّته والاحتراز عن الخطأ ، وأنّ مع عدم تلك الشرائط واستجماعها لا اعتداد بذلك الفهم ، ولا وثوق ولا اعتماد ، ومع ذلك يكون الاعتماد عليه حراما البتّة ، مع أنّه يعتقد أنّه غير مستجمع لجميع تلك الشرائط ، ولأجل ذلك يقلّد ولا يجتهد ، ومع ذلك يعتقد أنّ المجتهدين اللذين هو يصير حكما بينهما كليهما مستجمعان لجميع تلك الشرائط.

ومع جميع ذلك كيف يتأتّى له أن يحكم بأنّ مجتهدا مصيب واقعا ومجتهدا


خاطئ واقعا؟! سيّما وأن لا يجوّز الخطأ على نفسه في ذلك ، مع اعترافه بعدم تحقّق ما هو شرط في صحّة الفهم وصوابيّته وبالخطإ بالنسبة إلى المستجمع لشرائط الصحّة والصوابيّة ، أو يجوّز الخطأ على نفسه لكن يحكم حكما تامّا بأنّه مكلّف بفهمه ، مع اعترافه بعدم صحّة فهمه وحرمة العمل به ، لعدم استحصاله لشرط الصحّة.

مضافا إلى أنّ مسألة تقليد الميّت ـ مع المخالفة للمعروف المشهور بين الشيعة والأدلّة القاطعة الواضحة الّتي أشرنا إليها ـ كيف يجترئ بالاجتهاد في تجويزه مع اعترافه بعدم بلوغه درجة الاجتهاد ، سيّما بالتفصيل الّذي لم يقل به أحد من فقهاء المسلمين؟!

نعم ، هو من غفلات بعض الغافلين من المتأخّرين (١) ، صدر عنهم في بادئ نظرهم من غير تأمّل وتدبّر أصلا ، إذ مفاسده ليست بحيث تخفى على من له أدنى تأمّل وإن لم يكن من العلماء.

وإن كان مثل هذا العالم غير معتقد بشرائط الفتوى والاجتهاد (٢) ، لا جرم لا يكون من المجتهدين ، ولا المقلّدين لهم في ذلك.

فإمّا أن يكون من الأخباريّين ، فهم يحرّمون التقليد مطلقا ، فكيف تقليد الميّت؟!

وإمّا إن لا يكون من المجتهدين ولا الأخباريّين ، فمع ثبوت فساد مذهبه وطريقته وعقيدته ممّا ذكره المجتهدون في موضعه وما ذكره الأخباريّون ـ أيضا ـ في موضعه ، فإنّ (٣) الكلّ يبرءون (٤) منه ، نقول : إن كان عرف الأدلّة وموافقة

__________________

(١) لاحظ! الوافية في أصول الفقه : ٣٠٨ ، ٣١٦.

(٢) في ألف ، ج ، د : ( للاجتهاد ).

(٣) في ألف ، ج ، د : ( وأنّ ).


الفتوى لها ، فلا وجه حينئذ لتقليده ورفع اليد عن الأدلّة ، بل حاله حينئذ حال المجتهد ، فما قلنا في المجتهد جار فيه أيضا ، حتّى أنّه في الحقيقة ليس تقليدا للميّت ، بل عين الاجتهاد منه ، لو صحّ.

وكذا ظهر حال استفصال العامّي منه.

مع أنّك قد عرفت أنّ التقليد في نفسه حرام ، خرج تقليد الحيّ بالنسبة إلى العامّي ، وبقي تقليد الميّت والحيّ بالنسبة إلى غير العامّي داخلا في المنع ، فمثل هذا العالم لو لم يكن حاله حال العامّي لحرم عليه التقليد مطلقا ، وعنده أنّه مجتهد يصحّ اعتماده على فهمه ورأيه ، فكيف يقلّد ومن أيّ دليل؟!

نعم ، الشأن في صحّة معتقده وجواز بنائه عليه.

وإن لم يكن عرف الأدلّة والموافقة (٥) ، فمن أين يعرف الإصابة؟! بل حاله حال العامّي ، وحكاية استفصاله من المجتهد قد مرّت من أوّلها إلى آخرها ، إلّا ما استثناه من أنّ عند العامّي أنّ المجتهد. إلى آخره ، إن لم يكن حاله حاله في هذا ، لكن مع صحّة رأيه عنده كيف يجوز تقليده للمجتهد؟! وكيف يرخّص المجتهد ـ مثل هذا العالم ـ الاعتماد على رأيه في مسألة تقليد الميّت؟! سيّما مع ما فيها ممّا أشرنا ، إلّا أنّ تقليده فيها أيضا ، فيكون حينئذ تقليدا بحتا.

فإن قلت : ورد في بعض الأخبار أمرهم عليهم‌السلام بإيراث الكتب للأولاد (٦).

قلت : لا خفاء في أنّ تلك الكتب كانت كتب الأخبار ، ولا شكّ ولا نزاع في أنّ الأخبار لا تموت بموت الراوي ، بل هي حجّة دائما.

على أنّه لا نزاع ولا تأمّل في أنّ كتب الفتاوى أيضا تنفع نفعا عظيما للفقهاء ،

__________________

(٤) في ب : ( يتبرّؤون ).

(٥) في ألف : ( الأدلّة الموافقة ).

(٦) الكافي : ١ / ٥٢ الحديث ١١.


بل لا يكاد يمكن الاجتهاد إلّا بملاحظتها ، بل لا يمكن واقعا في الأزمنة الواقعة بعد غيبة الأئمّة عليهم‌السلام ، سيّما أن يكون بعد عهدها ، فإنّ معرفة الخلاف والوفاق ، وكيفيّة فهم الفقهاء للأخبار وترجيحاتهم وجمعهم ، ومعرفة الجرح والتعديل ، والتقيّة وخلاف التقيّة ، والشهرة بين الأصحاب ، والشاذّ النادر ، والاصطلاحات وغير ذلك موقوفة على ملاحظتها ، بل تنفع كتبهم للمتعلّمين أيضا ، إذ لولاها لم يمكنهم الدرس والتعليم ، شكر الله سعي الفقهاء ، حيث ضبطوا ونقّحوا ، وقرّبوا البعيد ، وأسّسوا وجمعوا ونظّموا وفهموا ، حتّى أنّا من أنفسنا نجد بالبديهة أنّ كتبهم لو لم تكن عندنا ولم نلاحظها ولم ندر ما قالوا ، لم نتمكّن من الفتوى أصلا ، ومن قال : يمكن ، فهو متوهّم بلا شبهة.

فإن قلت : لو لم يجز تقليد الميّت وانحصر جواز التقليد في الحيّ ، لهلك الناس في العصر الّذي لا يكون فيه مجتهد ، والقطر (١) الّذي لا تصل أيديهم إلى المجتهد ، وأنّهم حينئذ ما ذا يصنعون؟ فثبت أنّ عدم جواز تقليد الميّت باطل ، لأنّ مستلزم الباطل باطل.

قلت :

أوّلا : ما تقولون لو لم تكن كتب الفقهاء موجودة ، أو كانت موجودة لكن لم يوجد من يفهم كتبهم؟ إذ فهم كتبهم على وجه الصحّة والإصابة لا يكاد يتحقّق للفضلاء ، فضلا عن العوام ، إذ تلاحظ الفاضل لا يصحّ فهمه كثيرا ، على أنّ الّذي يفهمها لا يكاد أن لا يعثر على خلافاتهم ، مثل : أنّ الماء القليل هل ينجس بالملاقاة ، وأنّ الكر ما ذا. وهكذا إلى آخر كتبهم ، إذ لا يكاد يتحقّق مسألة وفاقيّة لا تكون من ضروريّ الدين أو ضروريّ المذهب ، والضروري لا

__________________

(١) في ب : ( والعصر ).


اجتهاد فيه ولا تقليد ، أو تكون من غير الضروريّ لكن تنفع المقلّد من حيث عدم ارتباطها في مقام العمل بالمسائل الخلافيّة ، إذ جلّها لا يمكن (١) العمل بها إلّا بضميمة الخلافيّات ، مع أنّ الأخباريّين يمنعون عن العمل بفتاوى المجتهدين مطلقا والمجتهدين بالعكس.

وأيضا : ما تقولون في الوقائع الخاصّة ، والحوادث الجزئيّة السانحة الّتي ليست مذكورة في كتب الفقهاء بخصوصها ، وغالب ما يحتاج الناس إليه من هذا القبيل ، ولا يستنبط من الكتب ، أو يستنبط لكن لا يقدر على استنباطه كلّ أحد ، بل ربّما لا يقدر على استنباطه سوى المجتهد ، سيّما إذا تعلّق [ ت ] الواقعة بالمسائل المشكلة ، مثل القصر والإتمام ، والحيض والرضاع. وغير ذلك من المعضلات؟

وأيضا ، العدالة ـ مثلا ـ أمر يحتاج إليه في غالب الأحوال في المعاملات والإيقاعات والعبادات ، فلو لم يكن العادل موجودا ، أو لم يكن من يعرف العدالة بأنّها هل هي الملكة أو حسن الظاهر أو عدم ظهور الفسق ، وأنّها هل تتحقّق باجتناب الكبائر أو الصغائر أيضا ، وأنّ من الكبائر الإصرار بالصغائر ، وأنّ الإصرار بما ذا يتحقّق ، وأنّه هل يعتبر فيها اجتناب المنافيات للمروءة أم لا يعتبر ، ولو اعتبر المنافيات للمروءة ، المنافيات ما هي ، وأيّ شي‌ء هي ، وأنّه لا بدّ من المعاشرة الباطنيّة أم تكفي الظاهريّة ، وأنّ كلّا منهما ما ذا ، وبأيّ قدر يتحقّق ويكفي.

وبالجملة ، لو لم يكن العادل موجودا أو من يعرف العدالة أو العادل ، ما ذا يصنعون؟!

فيلزم من ذلك ـ على ما ذكرتم ـ أن لا تكون العدالة شرطا في الشرع

__________________

(١) في ألف ، ج ، د : ( لا يتمّ ).


معتبرا فيه ، على قياس ما قلتم في انحصار التقليد في الحيّ.

وكذا الحال بالنسبة إلى غير العدالة من الأمور الّتي يحتاج إليها شرعا ، حتّى أنّه يلزم ممّا ذكرتم عدم الحاجة إلى وجود الإمام والحجّة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل صحّ ما ذكره الثاني بقوله : ( حسبنا كتاب الله ) (١) ، وما ذكره العامّة بقولهم : ( حسبنا الروايات والاجتهادات ) (٢) ، وأين هذا من قولكم : حسبنا الاجتهادات المكتوبة وكتب الأموات؟! فإنّه أردأ ممّا قالوا ، بل يلزم ممّا ذكرتم عدم الحاجة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا.

وبالجملة ، ما ذكرتم بعينه هي الشبهة الّتي يوردها العامّة علينا بسبب قولنا بأنّه لا بدّ في كلّ عصر من وجود حجّة على الناس (٣) ، كما لا يخفى على من تأمّل وأمعن نظره.

وأيضا ، حال فروع الدين ليس بأشدّ من حال أصول الدين ، فما تقولون في حال الأقطار والأمكنة الّتي ليس فيها من يعلم أصول الدين ، مثل البوادي والقرى والجبال والأمصار الواقعة في بلاد الكفر أو الضلالة ، فإنّ غالب الناس من الأعراب والأتراك والأكراد والألوار وأهل القرى والدساكر ، وكذا أهل السند والهند والروم ، وغيرهم من سكنة بلاد الإسلام ، ليس عندهم من يعلّمهم أصول الدين ، فضلا عن بلاد الكفر والضلالة؟

ومنهم من فهم من يعلم لكن لا يعلّم أيضا إمّا خوفا أو تملّقا أو مظنّة أنّهم لا يسمعون قوله ، أو لعدم مبالاتهم بالدين.

__________________

(١) لاحظ! صحيح البخاري : ٥ / ١٣٨ و ٨ / ١٦١.

(٢) انظر : عدّة الأصول ـ المطبوع الحجري ـ : ٢ / ٢٩٣ ، جامع بيان العلم وفضله : ٣٥٨ باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص.

(٣) لا حظ! شرح المقاصد للتفتازاني : ٥ / ٢٤١.


وبالجملة ، الواجبات الكفائيّة الّتي بحيث يجب على المكلّفين استحصالها لانتظام دينهم ودنياهم في غاية الكثرة ، وأنّهم ربّما يهملون في التحصيل ، فيكونون مؤاخذين لتقصيرهم. نعم ، فيهم من ليس بمقصّر ، فلا يؤاخذ.

وأمّا أنّهم ما ذا يصنعون ، فاللازم عليهم حينئذ بذل الجهد بحسب ما يمكنهم في تحصيل الاحتياط والعمل به ، ولا يجوز لهم غيره ، فعند تعدّد الأقوال (١) للميّتين يعمل بما هو أحوط ، وإن لم يكن قول أحد منهم ، لا أنّه يقلّد ، إذا كان يتأتّى الاحتياط (٢) ـ وهو الأخذ بما هو أوثق شرعا ـ وأمّا إذا لم يتأتّ الاحتياط فيه ، أو يكون قول واحد لهم ، أو لم يطّلع إلّا على قول واحد ، فاحتياطه حينئذ منحصر في العمل بقول الميّت بما هو أوثق عندهم ، مثل أن يكون قول المعظم ، فإنّ ما تراكم عليه أفهام أهل الخبرة أبعد عن الخطأ ، أو يكون قول الأفقه عندهم والأعلم وغير ذلك من أسباب الأوثقيّة. وبعد العجز فإنّه [ كما ] اختاروا ، لأنّه تعالى لا يكلّف ما لا يطاق جزما.

هذا (٣) ، كما أنّه إذا لم يكن هناك قول الفقيه الميّت ، بل يكون قول العامّي ، والعمل بقولهم حينئذ ليس من باب التقليد ـ كما أنّ عمل المجتهد بقول غيره لا يكون تقليدا ـ بل من باب الاجتهاد ، كأخذه بقول الموثّقين والجارحين ، وقول الرواة ، وقول اللغويّين ، وقول الفقيه في بعض الأمكنة ، وغير ذلك.

وبين الاجتهاد والتقليد والاحتياط فرق واضح.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

__________________

(١) في ألف ، ج ، د : ( فاللازم عليهم حينئذ الاحتياط بعد تعدّد الأقوال ) ، بدلا من : ( فاللازم عليهم حينئذ بذل الجهد .. فعند تعدّد الأقوال ).

(٢) في ألف ، ج ، د : ( يعمل بما هو أحوط ، لا أنّه يقلّد ، هذا إذا كان يتأتّى الاحتياط ) بدلا ممّا في المتن.

(٣) العبارة : ( بما هو أوثق عندهم .. هذا ) أثبتناها من ب ، ولم ترد في النسخ الأخرى.



رسالة

في

حكم عبادة الجاهل



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرين ونستعينه ، فإنّه خير معين.

أمّا بعد :

فيقول الأقلّ الأذلّ ، محمّد باقر بن محمّد أكمل ، عفى الله عنهما :

اعلم يا أخي! أنّ من يقول بصحّة عبادة الجاهل إن كان يقول إنّه مكلّف بما حصل به ظنّه بأيّ وجه حصل وهذا هو تكليفه لا غير ، يلزمه الحكم بصحّة عبادته وإن كانت مخالفة لما أمر الله تعالى به. بل يلزمه الحكم بفسادها إن كانت مطابقة لما أمر الله تعالى به وكانت مخالفة لظنّه.

مثلا : من ظنّ أنّ صلاة الصبح أربع ركعات يكون تكليفه منحصرا في الأربع (١) ، فلو اقتصر على الثنتين تكون فاسدا ، لعدم المطابقة مع تكليفه. ولو صلّى أربعا من غير فصل بتسليم يكون ممتثلا ، ولو فصل بالتسليم تكون باطلة.

وهذا باطل ، بالضرورة من الدين ، وهو أيضا لا يقول به ، بل متحاش

__________________

(١) في د : ( في أربع ).


عنه.

بل هذا قول المصوّبة ـ الّذين هم من العامّة ـ بالنسبة إلى المجتهد وظنّه (١) الّذي ثبت اعتباره شرعا.

وأمّا المخطّئة ـ وهم الشيعة قاطبة وأكثر العامّة ـ فهم لا يقولون بأنّ حكم الله تعالى تابع لظنّ المجتهد الّذي ظنّه حجّة شرعا ، فضلا عن الجاهل.

وأمّا المصوّبة ، فقلنا : إنّه لا يقول ذلك إلّا بالنسبة إلى ظنّ المجتهد المعتبر شرعا.

وإن كان يقول بأنّه مكلّف بما أمر الله تعالى به في الواقع ، فلازم ذلك أن يأتي بما أمر الله تعالى به في الواقع ، وهذا لا يمكن للمجتهد أن يأتي به ، فضلا عن العامّي ، إذ غاية ما يحصل للمجتهد الظنّ بأنّه ما أمر الله تعالى به واقعا ، إذ الكلام إنّما هو في المسائل الاجتهاديّة ، لا المسائل الضروريّة ، ـ أي العبادات ـ الّتي لا يمكن الحكم (٢) بصحّتها ، وأنّها موافقة لما أمر الله تعالى به إلّا بالظنون الاجتهادية ، لأنّها هي الّتي يقول بها الفقهاء : وأنّه (٣) لا بدّ من الاجتهاد أو التقليد فيها. وأمّا إذا لم يكن الاستناد فيه إلى اجتهاد وتقليد فلا كلام فيه ، مثل الضروريّات.

فنقول : إذا كان المكلّف به هو الأمر الواقعي ، ومعنى التكليف به أنّه مأمور بإتيانه ـ أي إتيان ذلك الواقعي ـ فلازم ذلك تحصيل العلم أو الظنّ المعتبر شرعا ، أي ثبت من الدليل الشرعي أنّ الله جوّزه ، ورضي (٤) به أن يكون عوضا عمّا أمر به في الواقع.

__________________

(١) في ج : ( المعتبر شرعا ) ، بدلا من : ( وظنّه الذي ثبت اعتباره شرعا ).

(٢) في ب : ( العلم ).

(٣) في ألف : ( لأنّها هي الّتي يقول الفقهاء : إنّه. ).

(٤) في ب ، ج ، د : ( ويرضى ).


وإلّا فبين الأمر الشرعي الواقعي والظنّ الحاصل للمكلّفين فرق ظاهر ، وتفاوت بيّن ، فكيف يمكن أن يكون أحدهما موضعا للآخر وعوضا بغير رخصة من الشرع وتجويزه؟!

سيّما مع أنّ الشارع صدر عنه ما يدلّ على عدم اعتبار (١) الظنّ ، بل والمنع عن اعتباره ما يزيد على القدر المعتبر في التواتر (٢).

مع أنّ القرآن ـ الّذي هو من المتواترات ـ مذكور ذلك فيه كرّات [ و ] مرّات (٣).

ولذا ترى علماء العامّة ـ فضلا عن الخاصّة ـ في كلّ موضع اعتبروا ظنّا ، ما اعتبروه إلّا بدليل قطعي ، أو ينتهي إلى القطع (٤).

ولذا منعوا عن اجتهاد من لم يحصل له رتبة الاجتهاد ، وحكموا بحرمته ، وإن كان ظنّه مطابقا لظنّ المجتهد ، لأنّ الاعتبار عندهم بكبرى قطعيّة حاصلة للمجتهد ، لا الصغرى الحاصلة من ظنونهم ، وكذا الحال في المقلّد.

فإن قلت : معرفة العبادة أمر خارج عن ماهيّتها ، وهو مأمور بالعبادة.

قلت : لا شكّ في (٥) أنّه مأمور بالعلم والمعرفة ، والأخبار في ذلك متواترة (٦) ، ومضمونها متّفق عليه بين الأمّة ، وأنّها من الواجبات العينيّة.

فإن قلت : لا شكّ في ذلك ، لكن نقول : لعلّ مجرّد المظنّة يكون كافيا في

__________________

(١) في ب : ( اعتباره ).

(٢) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ الأبواب ٤ ، ٦ ، ١٢ من أبواب صفات القاضي.

(٣) انظر : الأنعام (٦) : ١١٦ و ١٤٨ ، ويونس (١٠) : ٣٦ و ٦٦ ، والإسراء (١٧) : ٣٦ ، والنجم (٥٣) : ٢٨.

(٤) لا حظ! المستصفى من علم الأصول للغزالي : ٢ / ٣٥٨ و ٣٧٣ و ٣٨٧.

(٥) لم ترد : ( في ) في ب.

(٦) المحاسن للبرقي : ١ / ٢٢٥ باب فرض طلب العلم ، الكافي : ١ / ٣٠ باب فرض العلم ووجوب طلبه ، وسائل الشيعة : ٢٧ الباب ٤ من أبواب صفات القاضي.


تحقّق العلم وصدق المعرفة.

قلت : مجرّد المظنّة أمر سوى العلم والمعرفة ، وبين المعنيين فرق بالبديهة ، مع أنّ الوارد في الأخبار أنّه لا بدّ من الأخذ ممّن هو أهله (١) (٢) ، سوى ما ورد (٣) من المنع عن العمل بالظنّ والأمر بالعمل بالعلم ، وغير ذلك ممّا مرّ وسيجي‌ء.

فإن قلت : لا شكّ في ذلك ، لكن نقول : لعلّها تكون واجبة على حدة ، لا شرطا في صحّة العبادة ، ويكون المكلف آثما في ترك تحصيلها ، لا أن تكون عبادته أيضا فاسدة.

قلت : ببالي أنّه وردت الأخبار المتضمّنة لنفي الصحّة بدون الفقه والمعرفة (٤) ، وما يؤدّي هذا المعنى بعنوان الظهور أو النصوصيّة ، لكن الآن ليس عندي من الكتب حتّى أبيّن الأمر.

سلّمنا عدم الورود ، لكن لا شكّ في أنّه يجب علينا الإطاعة ، والآيات (٥) والأخبار (٦) المتواترة في هذا المعنى واضحة الدلالة ، والإطاعة عبارة عن امتثال الأمر عرفا ولغة ، ومعنى امتثال الأمر هو الإتيان بنفس ما أمر به (٧).

__________________

(١) لم ترد : ( وبين المعنيين. ممّن هو أهله ) في ب ، ج ، ه.

(٢) لا حظ! بحار الأنوار : ٢ / ٨٣ الأحاديث ٢ و ٣ و ٥ و ٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ١٣٦ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي.

(٣) في ب ، د : ( سيّما مع ما ورد ) بدلا من : ( سوى ما ورد ).

(٤) لا حظ! المحاسن للبرقي : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٦٢ ، الكافي : ١ / ٤٣ باب من عمل بغير علم ، بحار الأنوار : ١ / ٢٠٦ باب العمل بغير علم.

(٥) النساء (٤) : ٥٩ ، ومحمّد (٤٧) : ٣٣.

(٦) لا حظ! الكافي : ٢ / ٧٣ باب الطاعة والتقوى ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٣٣ الباب ١٨ من أبواب جهاد النفس.

(٧) في ب : ( ونعني بامتثال الأمر هو الإتيان بنفس المعرفة ) ، وفي ج : ( وامتثال الأمر هو الإتيان بنفس المعرفة ) ، وفي ه : ( امتثال الأمر الإتيان بنفس المعرفة ).


فإن كان المأمور به هو مظنّة المكلّف (١) ، فلا شكّ في تحقّقه بالمظنّة ، لكن قد عرفت أنّه فاسد بالبديهة.

وإن كان المأمور به هو أمرا واقعيا ، فامتثال الأمر لا يتحقّق إلّا بإتيان ذلك الأمر الواقعي ، لا مظنون المكلّف ، كما أنّه لا يتحقّق بالمحتمل البتّة.

نعم ، لو ثبت من الآمر أنّه اكتفى بظنّ عوضا عمّا أمر به في الواقع فهو المتّبع ، عامّا كان ذلك الظنّ أو خاصّا ، على حسب ما ثبت من الآمر.

لكن قد عرفت عدم الثبوت ، بل وثبوت العدم (٢).

مضافا إلى أنّ شغل الذمّة شرعا يقيني ، والشارع قال : لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله (٣).

وأيضا ، هو (٤) مستصحب حتّى يثبت خلافه شرعا.

وأيضا ، العمومات والإطلاقات الدالّة على أنّه مكلف تشمل صورة ما نحن فيه ، لعدم ثبوت التخصيص والتقييد شرعا.

وأيضا ، الإجماع واقع على أنّ شغل الذمّة (٥) شرعا يستدعي البراءة بعنوان شرعي.

وأيضا ، ما ذكرت لا يلائم لقواعد (٦) العدليّة ، فإنّ رجلين لو كانا متساويين في الفعل والعمل من دون تفاوت أصلا ، وكان عبادتهما من أوّل العمر إلى الآخر

__________________

الإتيان بنفس المعرفة ) ، وفي ه : ( امتثال الأمر الإتيان بنفس المعرفة ).

(١) في ب ، ج ، ه : ( التكليف ).

(٢) راجع الصفحتين : ٣٢ و ٣٣ من هذا الكتاب.

(٣) لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

(٤) لم ترد : ( هو ) في ب ، ج ، د ، ه.

(٥) في ألف : ( اشتغال الذمّة ).

(٦) لم ترد : ( لقواعد ) في د.


بالظنون الّتي ذكرت ، إلّا أنّه اتّفق خطأ ظنون أحدهما ، وصارت عباداته (١) مخالفة للواقع بخلاف الآخر ، فكيف يعاقب بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من واجباته ومحرّماته عقابا ، كلّ واحد من العقابات على حدة ، ولا يمكن وصف شدّة كلّ واحد من العقابات؟! والآخر يعطى الجنّة ومثوباتها (٢) العظيمة الّتي لا يمكن وصف واحد منها ، كلّ ذلك بمحض الاتّفاق ، بأن اتّفق أنّ عبادة هذا صارت خطأ ، واتّفق أنّ عبادة هذا وافقت الواقع ، مع عدم تفاوت أصلا في فعلهما وعنايتهما (٣) ، وبذل جهدهما ، بل وربّما كان العناية (٤) وبذل الجهد من الخاطئ أكثر ، وظنّه أقوى وأشدّ.

فإن قلت : بناء الفقه على الظنون ، والمرء متعبّد بظنّه.

قلت : إن أردت من الظنون ما هو معتبر شرعا فمسلّم ، لكن الكلام في اعتباره ، ولم يثبت ، بل وثبت خلافه كما عرفت ، بل الأوامر الواردة في وجوب تحصيل العلم والمعرفة ، والتأكيدات ، والتشديدات ، والوعيدات ، والتهديدات لم ترد إلّا لأجل أن لا يعتمد على أمثال هذه الظنون.

وإن أردت كلّ ظنّ وأنّ الكلّ معتبر شرعا فممنوع ، بل وفاسد كما عرفت (٥).

مع أنّه يلزم على هذا صحّة عبادته (٦) وإن كانت مخالفة لما أمر به ، بل

__________________

(١) في ب ، د : ( عبادته ).

(٢) لم ترد عبارة : ( على حدة .. ومثوباتها ) في ب ، ج ، د ، ه.

(٣) في ب : ( وعبادتهما ).

(٤) في ب : ( كانت العبادة ).

(٥) راجع الصفحتين : ٣٢ و ٣٣ من هذا الكتاب.

(٦) في ج : ( عباداته ).


وفسادها إن كانت على خلاف ظنّه وإن كانت مطابقة للواقع ، بل وحرمتها وعدم جواز فعلها ، بل ووجوب فعلها مخالفة لما أمر به كما أشرنا. وفساد هذا بديهي ، وأنتم أيضا متحاشون عنه.

وأيضا ، يلزم على هذا عدم العقاب على ترك العلم والمعرفة (١) ، بل وكون الظنون الفاسدة علما ومعرفة متّصفة بصفة الوجوب الشرعي ، ويترتّب عليها الثواب والعقاب.

وما ذكر أيضا فاسد قطعا ، مخالف للأدلّة القطعيّة ، واتّفاق جميع المسلمين ، وأنتم أيضا متحاشون عنه.

فإن قلت : تقليد المجتهد أيضا مظنّة.

قلت : نعم ، لكن ليس كغيره ، للإجماع على اعتباره ، وقضاء الضرورة به ، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار عليه ، وآية ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ) (٢) دالّة على اعتباره ، وكذا حديث : فإذا كان العالم كذا وكذا فللعوام أن يقلّدوه (٣). وغير ذلك.

مع أنّه مركوز في خواطر كلّ واحد أنّ كلّ أمر مجهول يرجع فيه إلى أهل خبرته والماهر في فنّه (٤) ، فإذا أراد أن يعرف أنّ درهما هل هو زيف (٥) أم لا يرجع فيه إلى الماهر في المعرفة ، ويبذل جهده في تحصيل الماهر وفي معرفته. وكذا إذا أراد معرفة عيب شي‌ء وإن كان أقلّ من درهم. وكذا يرجع إلى الطبيب

__________________

(١) في ب : ( ترك العمل والعلم ) وفي د : ( ترك العمل والمعرفة ).

(٢) التوبة (٩) : ١٢٢.

(٣) لاحظ! الاحتجاج للطبرسي : ٢ / ٢٦٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣١ الحديث ٣٣٤٠١.

(٤) في ب ، د ، ه : ( والماهر فيه ).

(٥) درهم زيف ، أي : ردي‌ء. مجمع البحرين : ٥ / ٦٨.


في المرض ، ولو رجع إلى غيره يكون (١) آثما بالبديهة ، مع أنّه فساد أو هلاك دنيوي ، فكيف لا يرجع إلى أطبّاء الأديان؟ مع أنّ خطأه فساد أخرويّ وهلاك سرمديّ! فتأمّل.

فإن قلت : قد ورد في بعض الأخبار حكم الشارع بصحّة عبادة الجاهل ، حيث سأله بأنّه فعل كذا وكذا ، فأجاب بما دلّ على الصحّة (٢).

قلت : هو كما هو ظاهر في الصحّة كذلك ظاهر في عدم وجوب العلم والمعرفة ، حيث ما أنكر عليه أصلا ، بل ولا عاب (٣) عليه مطلقا ، بل وقرّره على ذلك ، فما هو جوابك عن هذا فهو الجواب عن ذلك.

على أنّه لا شكّ في أنّ العبادات ليست ممّا يمكن معرفتها من لغة أو عرف أو عقل ، إذ ليس لأمثال هذه الأمور طريق إليها أصلا وقطعا ، ولا يمكن جعلها واختراعها عند أدائها على حسب ما هو الواقع (٤). بل لا بدّ من أنّه إمّا تقليد من الراوي ، أو اجتهاد من العمومات الشرعيّة ، وهذا الاجتهاد صحيح البتّة ، سيّما بالنسبة إلى ذلك الزمان.

وأمّا التقليد ، فربّما يكون فاسدا ، وربّما يكون صحيحا ، فمن أين ثبت كون فعل الراوي تقليدا فاسدا حتّى تستدلّون به على أنّ الأصل في أفعال المسلمين الحمل على الصحّة؟!

بل الظاهر من حال هؤلاء الرواة عدم التقليد أصلا ، فضلا عن أن يكون تقليد امرأة أو عامّي جاهل ، بل ربّما يحصل بالتأمّل العلم بأنّه لم يكن كذلك.

__________________

(١) في ألف ، ب ، ج ، ه : ( فيكون ).

(٢) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٥ / ٧٢ الحديث ٢٣٩ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٨٨ الحديث ١٦٨٦١.

(٣) ألف ، ب ، ج ، د : ( عاتب ).

(٤) في ألف : ( حسب ما هو في الواقع ).


وسؤاله عن الشارع عليه‌السلام لا يقتضي أنّه ما كان عالما (١) ولا ظانّا بوجه من الوجوه ، إذ قد عرفت أنّه محال أن يصدر عنه ذلك مطابقا لما في الواقع مع عدم الظنّ أيضا. وكذا لا يقتضي أن يكون تقليدا للمرأة والجاهل (٢) ، بل لتصحيح اجتهاده ، كما هو غير خفيّ.

فإن قلت : يلزم من اشتراط المعرفة الحرج في الدين.

قلت : إن أردت أنّ نفس ذلك حرج ، فلا يخفى فساده ، لأنّ المعرفة من الفرائض العينيّة بالإجماع والأدلّة المتواترة ، مع أنّ من هو مسلم يعلم مجملا (٣) أنّ في الدين تكليفات ، واجبات ومحرّمات لا بدّ من امتثالها ، وأنّه فرع معرفتها ، مع أنّ جميع العلماء والصلحاء المرشدين (٤) في مقام الوعظ وغيره أبلغوا ـ غاية الإبلاغ ـ أنّ معرفة التكليفات واجبة ، فتارك المعرفة داخل في النار البتّة ، تكون عباداته (٥) صحيحة أم فاسدة.

نعم ، لو كانت فاسدة يكون عذابه أشدّ ، وهذه الأشدّية لا دخل لها في حكاية الحرج وعدمه ، بعد أن يكون التكليف البتّة ثابتا ، والدخول في النار متحقّقا (٦).

مع أنّ الإنسان مخلوق للمعرفة والعبادة والتشرّع (٧) بالأحكام

__________________

(١) ألف : ( عارفا ).

(٢) في د : ( أو الجاهل ).

(٣) في ب : ( مع أنّ ما من مسلم إلّا ويعلم مجملا ) ، وفي ج ، ه : ( وكلّ مسلم يعلم مجملا ) ، وفي د : ( مع من سلم يعلم إجمالا ).

(٤) في ب : ( والمرشدين ).

(٥) في ألف : ( عبادته ).

(٦) في ج : ( محقّقا ).

(٧) في ب ، ج ، ه : ( والتشريع ).


الشرعيّة (١) ، وتهذيب النفس بدفع المهلكات وجلب المنجيات من الأخلاق ، كالرياء والسمعة والعجب وغير ذلك وأضدادها ، وهي في غاية الكثرة ونهاية شدّة الضرر ، مع كمال صعوبة الامتثال ، ولذا لا نرى ممتثلا إلّا وهو من (٢) أو حدي الدهر ، ولا يقتضي ذلك رفع التكاليف بها ، لأنّها ثابتة بالأدلّة ، فالمناط الثبوت بالأدلّة.

فإن ثبت ما نحن فيه فليس بأشدّ من غيره ، وسيّما (٣) مثل الرياء والسمعة والعجب ممّا له دخل في صحّة العبادة وفسادها وخرابها ، وفي غاية الصعوبة دفعها (٤) وعلاجها والخلاص منها ، ويحتاج إلى الجهاد الأكبر.

وقال عزوجل ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (٥).

وقال ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (٦).

وقال( وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ) (٧)

[ و ] قال ( فَأَمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ) (٨).

__________________

(١) لاحظ! الذاريات (٥١) : ٥٦ ، علل الشرائع : ٩ الحديث ١ ، تفسير القمّي : ٢ / ٢٣١ ، تفسير نور الثقلين : ٥ / ١٣٢.

(٢) لم ترد : ( من ) في ج ، د.

(٣) لم ترد : ( وسيّما ) في ج.

(٤) في ج : ( رفعها ).

(٥) الكهف (١٨) : ١٠٣ ، ١٠٤.

(٦) فاطر (٣٥) : ٨.

(٧) النازعات (٧٩) : ٤٠ و ٤١.

(٨) النازعات (٧٩) : ٣٧ ـ ٣٩.


وورد أنّ الناجي قليل (١) ، و « الجنّة طيّب لا يدخلها إلّا الطيّب » (٢) ، و « الجنّة محفوفة بالمكاره » (٣).

وقال عزوجل ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (٤).

إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كتب الأخلاق ، ومنها خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام في « نهج البلاغة » وغيره ، وفي كتاب الإيمان والكفر في « الكافي » ، وغير ذلك ، ممّا لا يحصى (٥) ، وهي كثيرة.

وإن لم يثبت ، فأصالة العدم تكفي من دون حاجة إلى التمسّك بالحرج ، مع أنّ المناسب لما ذكرت صحّة عبادة الجاهل مطلقا ، وأنت متحاش عنه.

وإن أردت أنّه في بعض الأحيان يتحقّق بواسطة الحرج ، مثل أن تاب وندم وقد كثر عبادته الفاسدة على تقدير اشتراط الصحّة بالمعرفة.

ففيه : أنّ جميع التكليفات كذلك ، مثلا لو ظهر بعد مدّة مديدة أنّ عباداته لو كانت مخالفة للواقع ما ذا يصنع؟ بل ولو ترك في المدّة المديدة جميع عباداته ما ذا يصنع؟ هل ذلك (٦) يصير سببا للحكم بعدم التكليف أصلا ورأسا؟.

فإن قلت : لمّا كانت التكاليف ثابتة فلا محيص.

قلت : فلعلّ ما نحن فيه أيضا كذلك ، لما عرفت من دليل الثبوت.

__________________

(١) لاحظ! غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي : ٩١ / ١٧٤٩ ، مستدرك الوسائل : ١٢ / ١١٣ الحديث ١٣٦٦٨.

(٢) لاحظ! الكافي : ٢ / ٢٦٩ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٩٩ الحديث ٢٠٥٦٧.

(٣) الكافي : ٢ / ٨٩ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٠٩ الحديث ٢٠٦٠٠.

(٤) سورة ق (٥٠) : ٣٠.

(٥) في ب : ( لا يعدّ ).

(٦) في ج ، ه : ( ذاك ).


والحاصل ، أنّ تحقّق الحرج أمر على حدة ، فإذا تحقّق أمكن الحكم بعدم الحرج.

فإن قلت : غالب الأوقات لا يتحقّق مجتهد يقلّد بغير واسطة أو بواسطة.

قلت : حاله حينئذ حال من خالف عبادته للواقع ، فما تقول هناك يقول الفقهاء هاهنا.

مع أنّ الغالب عدم موافقة عبادة الجاهل للواقع ، وأقلّ ذلك أن يتحقّق منه رياء أو سمعة ، أو غير ذلك ممّا هو مبتلى به غالبا ، ويصعب الخلاص ويخفى طريقه.

مع أنّ (١) غالب المسائل الفقهيّة محلّ الخلاف بين الفقهاء ، فيشكل الحكم بالصحّة عند جميع الفقهاء ، والصحّة عند بعض كيف تكون كافية مع عدمها عند بعض؟! وليس حال هذا حال تقليد بعض الفقهاء ، لما فيه من الدليل القطعي ، بخلاف ما نحن فيه ، فتأمّل جدّا!

مع أنّ العبادة ما وافقت الواقع ، بل وافقت ظنّ المجتهد ، بل وفي الغالب وافقت ظنّ بعض المجتهدين دون بعض ، بل وظنّ ذلك البعض حين حكمه بإصابته للواقع عنده وبحسب ظنّه ، واعتبار مثل هذا شرعا يحتاج إلى دليل شرعي ، وهو منتف ، وقياسه على ارتكاب العمل تقليدا للمجتهد قياس مع الفارق بحسب الظاهر ، مع أنّ القياس غير حجّة عندنا.

فالعمدة ، شمول ما دلّ على حجّية ذلك لما نحن فيه ، وهو أوّل الكلام وعين الدعوى ، بل الظاهر أنّه ليس كذلك ، للإجماع (٢) هناك وعدمه هنا ، لو لم يكن

__________________

(١) في ب : ( على أنّ ).

(٢) في ألف : ( بالإجماع ).


الإجماع على عدمه.

وكذا ما دلّ على جواز تقليد المجتهد من النصّ ، مثل قوله عليه‌السلام : « فللعوام أن يقلّدوه » (١) ، فإنّه ظاهر في الأوّل لا فيما نحن فيه أيضا. على أنّه أيضا نوع تقليد ، مع أنّ كلامكم ومقتضى دليلكم الصحّة لو طابقت الواقع ، وإن لم يقلّد مجتهدا ، ولا يحكم بصحّتها أحد أبدا.

فإن قلت : المسلمون في الأعصار والأمصار كانوا يأخذون عن غير الفقيه أيضا ، مثل الآباء والأمّهات والأساتيد والمعلّمين ، من غير أن يعلموا أنّهم أخذوا ذلك من الفقيه ، وما كانوا يلاحظون ذلك مطلقا.

قلت : لا شكّ في (٢) أنّ المسلمين كانوا صنفين ، صنف منهم كانوا متديّنين بالدين متعبّدين ، وصنف منهم كانوا لا يبالون بالدين متسامحين متساهلين ، والله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام دائما كانوا يحذّرون أمثال هؤلاء وينهون ويهدّدون ويوعدون ، وكذلك بعدهم العلماء والفقهاء والواعظون (٣) كانوا يعظونهم ويأمرونهم وينهونهم (٤).

ومسلّم عندكم أيضا أنّهم كانوا عاصين في ترك المعرفة والتعلّم ، آثمين بذلك ، ولذا عباداتهم لو كانت مخالفة للواقع كانت باطلة ، وإلّا لكان حكم الله الظاهري في شأنهم هو ما ارتكبوا.

فإن قلت : بقاء التكاليف (٥) من ضروريّات الدين ، وكثيرا ما لا يؤخذ من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣١ الحديث ٣٣٤٠١ ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٢) لم ترد : ( في ) في ب.

(٣) في ب : ( والوعّاظ ).

(٤) في ألف ، ج ، ه : ( وينهون ).

(٥) في ب ، د ، ه : ( التكليف ).


مجتهد (١) سيّما الحي منه ، والفقهاء لا يجوّزون تقليد الميّت ، مع أنّهم كثيرا ما لا يكونون مقصّرين في تحصيل الاجتهاد والمجتهد ، وعلى تقدير أن يكونوا مقصّرين كيف لا يأتون بعبادة أصلا مع أنّها فاسدة؟!

قلت : هذا مشترك الورود ، إذ كثيرا ما لا يحصل ما اعتبرتم من الظنّ أصلا ، وكثيرا ما يحصل لكن تكون عبادتهم غير مطابقة للواقع ، بل هو الأكثر في العوام.

وعلى تقدير اتّفاق تحقّق المطابقة من حيث لا يشعرون ولا يعلمون ، فمسلّم عندكم أنّهم عاصون في ترك العلم والمعرفة ، من حيث إنّه فريضة عينيّة على كلّ مؤمن ومؤمنة ، وأنّ من بلغه التكاليف بلغه أيضا وجوب معرفتها على حسب ما مرّ ، فلو أراد المكلّف أن لا يعصي في تحصيل المعرفة ويفعل العبادة بطريق المعرفة كيف كان يصنع؟!

وبالجملة ، مجرّد اتّفاق المطابقة في بعض الأفراد لا أثر له فيما ذكرت ، بل أثره تخفيف العذاب ، أو أنّه إذا تاب وندم على (٢) عدم تحصيل المعرفة ويكون عنده مجتهد موجود يحكم بالصحّة ، لا يكون عليه قضاء ، وغير خفيّ أنّ المطابقة للواقع غير معلومة قطعا ، بل المعلوم المطابقة لظنّ المجتهد.

ومعلوم أيضا ، أنّ المسائل الفقهيّة قلّما تكون وفاقيّة عند الفقهاء ، فلو كانت مطابقة لظنّ مجتهد تكون مخالفة لظنّ مجتهد آخر ، فلا يتأتّى ذلك إلّا أن يكون مجتهد موجود اختار العاميّ تقليده ، واتّفق مطابقتها لظنّ ذلك الموجود ، ومع ذلك يكون الموجود يحكم بصحّتها بمجرّد اتّفاق مطابقتها لمظنونه في الآن ،

__________________

(١) في ألف : ( ما لا يوجد مجتهد ) ، وفي ب : ( ما لا يأخذون من مجتهد ).

(٢) في ألف : ( عن ) ، وفي ه : ( من ).


ويكون ظهور المطابقة الآن ، والمجتهد لو كان موجودا لا يحكم بالصحّة ، لفقد الدليل على حكمه ، وعلى فرض أنّه لو وجد منهم من يحكم فالمفروض عدمه.

وأمّا كتب المجتهدين الميّتين ، فكيف يتأتّى منه تقليدها وهم يمنعون عن تقليد الميّت؟

وعلى فرض أن يوجد من يجوّز تقليد الميّت ويكون مجتهدا ، فهو أيضا ميّت فكيف يمكنه تقليده؟! لأنّه موقوف على صحّة تقليد الميّت ، ولا دليل على الصحّة ، والعمومات المانعة عن العمل بالظنّ وعن التقليد (١) شاملة ، خرج الحيّ بالدليل وبقي الباقي.

مع أنّه ادّعي إجماع الشيعة على المنع (٢) ، وجعل الجواز من شعار العامّة ومن دأبهم ، كما كتبناه مشروحا في رسالتنا المكتوبة في منع تقليد الميّت.

وعلى تقدير أن يكون دليل ، فكيف يمكن للعامّي الاجتهاد؟ وسيّما في مثل هذه المسألة ، يخالف (٣) فقهاء الشيعة!

ولو كان قادرا على ذلك لكان قادرا على الحكم بالصحّة ، وتصحيح نفس المسألة بطريق أولى.

ولو كان يجوز له تقليد الميّت من دون دليل ويكون هذا علما ومعرفة للعبادة لكان ظنّه أوّل الأمر بصحّة العبادة علما ومعرفة بطريق أولى ، فتأمّل.

هذا هو النقض.

وأمّا الحلّ والجواب الواقعي ، هو ما كتبناه في الرسالة من وجود الواسطة بين الاجتهاد والتقليد ، وهو الاحتياط مهما أمكن.

__________________

(١) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ٨١.

(٢) لاحظ! معالم الأصول : ٢٤٨ ، الوافية في أصول الفقه للفاضل التوني : ٣٠٠.

(٣) في د : ( ومخالفة ).


فلو لم يمكن ، فالعمل بعنوان التخيير بعد بذل الجهد بقدر الوسع في تحصيل الاحتياط. وأنّ التخيير حينئذ أيضا احتياط.

فلو لم يوجد الاجتهاد ولا التقليد ، ينبغي الاحتياط ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (١) ، مع أنّ الاحتياط حسن واحتياط على كلّ حال ، لو علم أنّه احتياط.

والله هو العالم بأحكامه ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخلفاؤه صلوات الله عليهم أجمعين.

والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٨٦.


رسالة

في

أصالة طهارة الأشياء



بسم الله الرحمن الرحيم

فائدة :

الأصل طهارة الأشياء :

وهو من المسلّمات عند المجتهدين والأخباريّين.

ناقش في ذلك صاحب « الذخيرة » قائلا : إنّ الطهارة حكم شرعي يتوقّف على النصّ كالنجاسة من دون تفاوت ، وما ورد في الموثّق من قولهم عليهم‌السلام : « كلّ شي‌ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » (١) موثّق ، فلا يكون حجّة ، وعلى تقدير التسليم ، لا دلالة لها ، لإمكان إرادة أنّ ما هو طاهر شرعا طهارتها مستصحبة حتّى تعلم أنّه قذر ، مع أنّ ثبوت هذا الأصل الكلّي بهذا محلّ تأمّل (٢).

وفيه ، أنّ الموثّق حجّة كما حقّق في محلّه ، بل هو معترف بحجّيته ، مصرّ في المبالغة فيها (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٢ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٥.

(٢) ذخيرة المعاد : ١١٦ و ١١٩ و ١٥٩ و ١٧٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٨٣.


مع أنّها متأيّدة بعمل الأصحاب ، فإنّ الظاهر منهم الاتّفاق على هذا الأصل ، والأصل الكلّي إذا ثبت بدليل كان حجّة شرعيّة (١).

مع أنّ النجاسة الشرعيّة لا معنى لها سوى وجوب الاجتناب عن الصلاة معها ، والأكل والشرب بملاقاتها رطبا ، فضلا عن أكل نفسها وشربها ، وكذا وجوب الإزالة عن المسجد وأمثاله. وغير ذلك من أحكامها.

ولا شكّ في أنّ الأصل عدم الوجوب ، لانّه تكليف ، والأصل براءة الذمّة.

والطهارة الشرعيّة في مقابل النجاسة ، فمعناها عدم تعلّق تكليف بالاجتناب شرعا.

فإن قلت :

أصل البراءة حجّة فيما إذا لم يتحقّق التكليف به من جهة أخرى ، مثلا إذا انحصر الماء في الماء الّذي يحكم بطهارته من جهة الأصل يلزم على المكلّف الطهارة به لأجل الصلاة.

ولو لم يكن طاهرا لم يجب الطهارة للصلاة (٢) ، أو الطهارة فقط على القول بوجوبها لنفسها ، أو إذا نذر بفعلها مثلا.

فلو لم يكن طاهرا لم يجب الطهارة ، ومجرّد وجود مقتضي الوجوب لا يكفي في التكليف ما لم يكن الماء طاهرا ، فإذا طهر وجب ، وإلّا فلا وجوب البتّة.

فأصل الطهارة إن كان عبارة عن أصالة عدم التكليف ، يكون مقتضاه عدم ماهيّة التكليف وطبيعته ، ونفي جميع أفراده ، لا خصوص وجوب الاجتناب عنه ، فكيف يقتضي أصل البراءة وجوب الطهارة؟!

__________________

(١) في النسخ : ( والأصل الكلّي ثبت بدليل إذا كان حجّة شرعيّة ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) في الأصل : ( لم يجب الطهارة والصلاة ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


قلت :

مقتضى الطهارة. هو وجوب الوضوء أو الغسل بما هو ماء حقيقة.

خرج عنه ما علم نجاسته شرعا ، ويبقى المشكوك فيه داخلا في العموم ، إذ القدر الّذي ثبت المنع عن الطهارة به شرعا هو ما ثبت نجاسته ، لا ما احتمل ، فليس وجوب الطهارة به من جهة أصالة الطهارة.

سلّمنا ، لكن في هذه الصورة النادرة لا يتمسّك بأصل البراءة ، بل بالموثّقة المنجبرة بما ذكر ، المتأيّدة بقوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) (١) وأمثاله.

أمّا في غيرها ، فيتمسّك بها وبالأصل جميعا.

مع أنّها المتعارفة الشائعة ـ والمدار في غالب الأحكام على الصور المتعارفة ، لا الفروض النادرة ـ فيصحّ أن يصير الأصل أيضا مستندا.

مع أنّ الأدلّة الفقهيّة ربّما يكون بعضها غير واف بجميع المطلوب ، بل لا بدّ من ثبوت الحكم بالأدلّة كيف كان.

تمّت الرسالة.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٩.



رسالة

في حكم العصير التمري والزبيبي



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

فيقول الأقلّ الأذلّ ، محمّد باقر بن محمّد أكمل :

فهذه مسألة في حكم عصير التمري والزبيبي.

قال مولانا أحمد الأردبيلي قدس‌سره : فيهما خلاف (١) ، والمشهور الحلّ .. وقيل بالتحريم ، ويظهر أيضا القول بالنجاسة من « الذكرى » (٢). انتهى (٣).

ونقل القول بأنّه يحدّ شاربهما حدّ شرب الخمر في « المفاتيح » (٤) ، فلاحظه ولا حظ غيره أيضا ، فما ادّعاه بعض من الإجماع في التمري (٥) ظاهر الفساد.

وأمّا الشهرة ، فلعلّها تحقّقت بعد زمان الشهيد رحمه‌الله ، لأنّه قال في

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فيهما مع الغليان خلاف ).

(٢) ذكري الشيعة : ١٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٤) مفاتيح الشرائع : ٢ / ٨٧.

(٥) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٢٥.


« الدروس » : ( أمّا عصير التمر ، فقد أحلّه بعض الأصحاب ) (١) ، وهذا يدلّ على عدم الشهرة ، بل وعلى قلّة القائل ، وظاهر في استضعافه أيضا.

مع أنّ الحلّية مقتضى الأصل والعمومات كتابا وسنّة وإجماعا ، فلا نحتاج إلى التعرّض ، فكيف يتعرّض؟ سيّما وأن يتعرّض بالنحو الّذي ذكر ، ويشير إلى الظهور والإشعار أنّه أتى في مقابل هذا القول بموثّقة إسحاق بن عمّار (٢) من دون إشارة منه إلى تأمّل أصلا ، لا في سندها ولا في دلالتها.

وأمّا الزبيبي ، فإنّه رحمه‌الله حكم بحلّية ما طبخ دون ما غلا ونشّ ، وأشار إلى الخلاف في الأوّل دون الثاني ، ولم يستظهر بالشهرة فيه مع تمسّكه بمثل ذهاب الثلاثين بالشمس غالبا ، مع أنّ الشهرة عنده حجّة ، فتأمّل.

وما قيل من أنّ غاية ما يستفاد من « الدروس » أنّ الشهيد متوقّف فيه (٣) ، فيه ما فيه.

وأمّا [ ال ] فقهاء الّذين رووا ما دلّ بظاهره على الحرمة ممّا سيجي‌ء ، والظاهر اعتمادهم عليه وعلى ظاهره حتّى أنّ الكليني (٤) رحمه‌الله قال : ( في باب صفة شراب الحلال ) ، وأتى بما دلّ على أنّ الحلّية بذهاب الثلاثين ، وأتى في أبواب أخر ما ستعرف. إلى غير ذلك ممّا سنشير.

والبناء على أنّهم كانوا معتمدين على التأويلات عاملين بما يخالف الظاهر المتبادر وإن لم يشيروا إلى تأويل أصلا ولم يذكروا أنّ المراد الغير الظاهر ما ذا ، فيه ما فيه.

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ٣ / ١٧.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٢٦ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩١ الحديث ٣١٩٣٣.

(٣) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤٣.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٢٤ ـ ٤٢٦.


مضافا إلى ما أشرنا ممّا ظهر منهم من أنّ المراد هو الظاهر ، مع أنّ التوجيه في الحقيقة تخريب وإبطال أنّ البناء على العمل بالمعارض ، فتدبّر.

والصدوق في أوّل « الفقيه » قال عند ذكر الوضوء بماء التمر : ( والنبيذ الّذي يتوضّأ به وأحلّ شربه هو الّذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ. إلى آخره ) (١).

وهذا في غاية الظهور في إفتائه بحرمة ما زاد مكثه ، لا أنّ الحرمة مختصّة بالمسكر على حسب ما اعتقده المحلّلون.

وما ذكره الصدوق هو الظاهر من الكليني (٢) ، وورد في كثير من الأخبار (٣) ، ورواه العامّة أيضا (٤) ، والشيخ نقل بعض تلك الأخبار ساكتا عن التوجيه (٥) ، والشهيد في « الدروس » بعد ما حكم بحرمة الفقّاع قال : ( في رواية شاذّة ، حلّ ما لم يغل (٦) ، وهي محمولة على التقيّة ، أو على ما لم يسمّ فقّاعا ، كماء الزبيب قبل غليانه ، ففي رواية صفوان : حلّ الزبيب إذا ينقع غدوة ويشرب بالعشيّ ، أو ينقع بالعشي ويشرب غدوة (٧) ) (٨) انتهى ، فتدبّر جدّا.

والمحقّق في « الشرائع » قال : ( والتمر إذا غلى ولم يبلغ حدّ الإسكار ، ففي تحريمه تردّد ، والأشبه بقاؤه على التحليل. وكذا البحث في الزبيب ) (٩) ، وكذا قال

__________________

(١) من لا يحضر الفقيه : ١ / ١١.

(٢) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤١٥ باب النبيذ.

(٣) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤٠٩ الحديث ٧ / ٤١٥ الحديثين ١ و ٢.

(٤) لاحظ! سنن النسائي : ٨ / ٣٣٢ ـ ٣٣٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٠ الأحاديث ٥١٦ و ٥١٧ و ٥١٨ و ٥٢٢ و ٥٢٣ و ٥٢٩ و ٥٣١.

(٦) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٦ الحديث ٥٤٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١ الحديث ٣٢١٨١.

وهو منقول بالمعنى.

(٧) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤٠٨ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٧ الحديث ٣٢٠٦٤.

(٨) الدروس الشرعيّة : ٣ / ١٦.

(٩) شرائع الإسلام : ٤ / ١٦٩.


العلّامة في « القواعد » (١).

وبالجملة ، الفاضلان (٢) هما الأصل في دعوى الشهرة ، وأنت ترى أنّهما رجّحا الحلّية بعد تردّد واضطراب ، ولم يتّفق اتّفاقهما معا في التردّد في الموضع الّذي لا يوجد قائل ، أو وجد نادر ، أو لم يكن دلالة حديث ، بل وربّما يكون دلالة حديث لكن السند ليس بصحيح.

وجعل فخر المحقّقين منشأ التردّد في التمري دخوله في عموم ما دلّ على حرمة النبيذ والعصير ، ومنع ذلك منضما إلى الأصل ، والظاهر تساوي الاحتمالين ، حيث جعل منشأ الترجيح لزوم الحرج ، وفي الزبيبي اتّحاد الحقيقة مع العنب فيكون عصيرا ، وأصلي الإباحة والاستصحاب ، والحرج ، وعدم الإسكار ، وعدم ما هو معلوم الثبوت (٣) ، والظاهر أنّ منشأ ترجيحه داخل فيما ذكره.

وبالجملة ، بالتأمّل فيما ذكره هؤلاء الرؤساء الأعلام يظهر أنّ كون العصير حقيقة في خصوص العنبي دون غيره عند الفقهاء ، كما يدّعيه بعض الفضلاء (٤) ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام في الدليل السادس ، وكذا ما يدّعيه من انحصار النبيذ في المسكر (٥) ، بل وكيف يدّعي اشتهار الحلّية عندهم إلّا بأن يكون مرادهم الشهرة (٦) عند المتأخّرين وإن كان بترجيح ما ، وأنّ مراده من المتأخّرين الفاضلان وبعض من تبعهما ، وإلّا فلا شكّ في أنّ الفقهاء متّفقون على الإفتاء بحرمة العصير والنبيذ ، بحيث لا يخفى على من له أدنى فهم.

__________________

(١) قواعد الأحكام : ٢ / ٢٦٣.

(٢) أي : المحقّق والعلّامة ، لا حظ الهامشين السابقين!

(٣) لاحظ! إيضاح الفوائد : ٤ / ٥١٢.

(٤) لا حظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٥) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ٢٠٤.

(٦) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( إلّا بأن يكون مراده الشهرة ).


فمن تقدّم على الفاضلين إمّا يظهر منه حرمة الزبيبي والتمري أيضا على سبيل الخصوص والتعيين ، كما عرفت. وأمّا من لم يظهر منه التعرّض لهما بعنوان الخصوص أصلا ، فيتحمل أن يكون هو أيضا قائلا بحرمتهما ، لما عرفت ، بل ربّما يظهر أنّه قائل كذلك ، بملاحظة أنّه لم يتعرّض لتوجيه الأخبار الكثيرة الظاهرة على حسب ما ستعرف ، وأنّه بعيد غاية البعد أنّه يردّ الجميع ويطرحه ، سيّما من دون تعرّض وإظهار ، سيّما في مقام درس الأحاديث ونقلها للغير في مقام الإجازة أو غيرها.

مع أنّ العلّامة في جواب مسائل سادات آل زهرة أو غيرهم أو في مقام إجازتهم صرّح بحرمة العصير الزبيبي وعدم حرمة المطبوخ منه مع غيره (١) ، على ما هو ببالي.

وأمّا الشهيد ، فقد عرفت حاله ، بل وظهور كلامه في أنّ المشهور ليس كما توهّمه البعض.

وأيضا ، المحقّق المدقّق البحراني ممّن يقول بحرمتها (٢) ، وكذا صاحب « المفاتيح » (٣) ، وكذا بعض علمائنا المتأخّرين (٤).

مع أنّه على تقدير تسليم الشهرة لا عبرة بها ، لما ظهر من خطأ كلّ واحد منهم في مقام استدلالهم واستنادهم ، بحيث لا يخفى على من له أدنى فهم.

وسيظهر لك في الجملة ، أنّ المحرّمين مع وجود الأخبار الكثيرة المعتبرة

__________________

(١) أجوبة المسائل المهنّائية : ١٠٤ المسألة ١٧٤.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٣) مفاتيح الشرائع : ٢ / ٢٢١ ، . ولكنّه في موضع آخر قال : ( وفي التمري قولان ، وكذا الزبيبي ، والأصح عدم التحريم فيهما ) : مفاتيح الشرائع : ٢ / ٧٨.

(٤) لاحظ! بداية الهداية : ٢ / ٣٧١ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤١.


السند الظاهرة الدلالة ، ونهاية وضوح وأنّهم استندوا إلى هذه الأخبار في حكمهم بالتحريم بحيث لا يبقى شبهة ، وأنّهم ما استندوا إلى قياس أصلا كما ينادي إلى ذلك كتبهم ، يقول هؤلاء المتأخّرون : إنّه لا دليل لهم سوى قياس باطل (١) ، وإنّ الأصل والعمومات تقتضي الحلّية من دون شائبة معارض أصلا سوى القياس الباطل ، ولأجل هذا ردّوا عليهم واختاروا الحلّية ، فكيف يبقى وثوق بهذه الشهرة على تقدير تسليمها؟ مع أنّه لم يظهر شهرة سوى ما عرفت ، بل ولا يمكن ظهورها ، لما عرفت ، فتأمّل!

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الأقوى عندي الحرمة لوجوه :

الأوّل :

موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام أنّه « سئل عن الزبيب ، كيف [ يحلّ ] طبخه حتّى يشرب حلالا؟ فقال : تأخذ ربعا من زبيب ـ إلى أن قال : ـ ثمَّ توقد تحته النار حتّى يذهب ثلثاه ـ إلى أن قال : ـ فإن أردت (٢) أن تقسمه أثلاثا [ لتطبخه ] فكله ـ إلى أن قال : توقد تحته بنار ليّنة حتّى يذهب ثلثاه » (٣).

وموثّقته الأخرى ، قال : « وصف لي أبو عبد الله عليه‌السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالا ، قال عليه‌السلام : تأخذ ربعا من زبيب وتنقّيه وتصبّ عليه اثني عشر رطلا من ماء ، ثمَّ تنقعه ليلة ، فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ جعلته في تنوّر مسجور قليلا ، حتّى لا ينشّ ، ثمَّ تنزع الماء ـ إلى أن قال : ـ ولا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ـ إلى أن قال : ـ ثمَّ اشربه ، فإن أحببت أن يطول

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( لا دليل لهم سواه قياس باطل ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فإذا أردت ).

(٣) الكافي : ٦ / ٤٢٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٠ الحديث ٣١٩٣١.


مكثه عندك فروّقه » (١).

ولا يخفى أنّ قوله : « تأخذ ربعا. إلى آخره » ، في جواب السؤال عن المحلّل في الطبخ في قوّة قوله عليه‌السلام : إنّ المحلّل هو هذا ، وإلّا كان يجيب بأنّه كيف ما طبخت فهو حلال وليس المحرّم إلّا السكر.

وقوله في الرواية الثانية : « وصف لي أبو عبد الله عليه‌السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالا » شاهد واضح على أنّه فهم أنّ الطبخ محلّل ، وفهم الراوي حجّة ، بل هو الحجّة بالقياس إلى فهم غيره.

ومعلوم بالإجماع وتتبّع الأخبار أنّ المحلّل إن كان فهو منحصر في ذهاب الثلاثين ، من غير مدخليّة ما ذكر فيهما للحرمة سوى الطبخ والنشيش إن كان.

وظاهر الروايتين توقّف الحلّية في الطبخ على ذهاب الثلاثين مطلقا سواء طال مكثه أم لا ، أي أريد إبقاؤها في تلك المدّة أم لا ، وأنّه المحلّل للطبخ ، لا أنّه كيف ما طبخ هو حلال إلّا أنّ اعتبار ذهابهما لأجل أنّه لو لا ذلك لكان يعرضه السكر عند طول مكثه ، كما أجاب عن الروايتين المحلّلون بعد الطعن في السند ، والموثّق حجّة عندي ، كما حقّقناه في تعليقتنا على رجال الميرزا رحمه‌الله (٢).

والجواب الآخر في غاية البعد ، والظاهر حجّة كما قرّر عليه‌السلام.

وممّا يبعد الجواب ، أنّ السكر أمر عادي وكذا المعالجة ، للمنع عن عروضه ، كالمعالجة لرفعه ، وأمثال ذلك من الأمور العاديّة ، فيبعد كون سؤال الراوي عن الشارع ـ صلوات الله عليه ـ عن مثله.

وأيضا ، يبعد كون ذهاب الثلاثين ، وهذا القدر الخاصّ من دون زيادة أو

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٢٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٩ الحديث ٣١٩٣٠.

(٢) تعليقات على منهج المقال : ٢٤٣.


نقيصة يكون سببا لعدم عروض السكر عادة بالمرّة ، ويكون هو المعيار ، مع عدم معرفة أحد من الماهرين في الفنّ حتّى صار ذلك من خصائص الشارع.

على أنّه ورد في الأخبار أنّه بعد ذهاب الثلاثين أيضا ربّما يسكر ، وأنّ بعد ذهابهما لا بأس بالشرب ما لم يتغيّر ، وسيجي‌ء الكلام.

على أنّ قوله عليه‌السلام : « وإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه » شاهد واضح على أنّ السؤال والجواب لم يردا لصورة طول المكث خاصّة ، بل لم يمكن النظر فيهما إلى حكاية طول المكث أصلا.

وأيضا ، قوله : « وخشيت أن ينشّ » ظاهر في أنّ الخشية في المقام من حدوث مفسد شرعي.

وينبّه عليه ، الأخبار المستفيضة في أنّ ما ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ ، وذكرنا أنّ الشهيد رحمه‌الله أرجعها إلى النشيش والغليان ، وله شواهد ستعرف.

وأيضا ، التفرقة بين ذهاب الثلاثين للعنبي ونبيذ التمري والزبيبي خلاف الإنصاف ، إذ بعد ملاحظة الأخبار وتتبّعها ترجّح في النظر أنّ الكلّ من باب واحد ، ولذا فهم.

[ ف ] كذلك فهم الكليني رحمه‌الله ، كما لا يخفى ممّا عنون بابه (١).

وفهم الشهيد رحمه‌الله (٢) ، والفاضل الأردبيلي رحمه‌الله ، حيث اعترف بالدلالة ، لكن قال : ليست صريحة (٣).

وغير هؤلاء لا ينساق ـ وهو خال عن شوائب الشبهات ـ إلى ذلك.

والدلالة لا يجب أن تكون صريحة ، بل يكفى الظهور إجماعا من الفقهاء ،

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٢٤.

(٢) الدروس الشرعيّة : ٣ / ١٧.

(٣) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ٢٠٤ ، حيث قال رحمه‌الله : ( ولا موثّق صريح في التحريم ).


وقامت الأدلّة على أنّه لو كان الأمر على ما قلتم لكان العنبي أولى بالأمر بإذهاب الثلاثين ، لئلّا يقربه السكر ، مع أنّا لم نجد فيه قط إلّا أنّه لو غلا حرم حتّى يذهب الثلثان.

وممّا يؤيّد ، رواية صريحة في ذلك ، وسنذكرها ، إذ على تقدير عدم كونها حجّة لا شكّ في حصول ظنّ منها ، بل وظنّ قوي كما ستعرف ، والظنّ يكفي للقرينيّة ، إذ قرائن الأخبار ـ غالبا ـ أمور ظنّية ليس على اعتبارها بالخصوص إجماع أو كتاب أو سنّة ، بل يكفي كونها ظنّا للمجتهد.

مع أنّ تلك القرائن غالبا صارفة عن الحقيقة والظاهر ، وهذه مقوّية لما هو الظاهر ، سيّما مع تأييد ذلك الظاهر بمؤيّدات كثيرة ، منها ما عرفت ، ومنها ما ستعرف.

مع أنّ قرائن الأخبار كثيرا ما تكون أضعف ممّا ذكر.

ويؤيّده أيضا ، رواية الهاشمي « قال : شكوت إلى الصادق عليه‌السلام قراقر تصيبني .. فقال : لم لا تتّخذ نبيذا نشربه نحن ـ إلى أن قال : ـ ثمَّ طبخته طبخا رفيقا حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » (١). الحديث.

قوله : « نشر به نحن » مع قوله : « حتّى يذهب ثلثاه » فيه إشعار إلى استثناء هذا النبيذ من النبيذ الحرام ، وأنّ المخرج له هو حكاية ذهاب الثلاثين ، المعهود من الأخبار أنّه المحلّل للغالي.

وقول الراوي ـ في آخر الرواية ـ : « هو شراب طيّب لا يتغيّر [ إذا بقي ] إن شاء الله » ـ مع أنّه من كلام الراوي ـ ليس فيه ما ينافي ذلك الإشعار ، بل يؤكّده ، لأنّ قوله : « طيّب » معناه أنّه ليس بخبيث ، وقوله : « لا يتغيّر » يعني لا يصير

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٢٦ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٠ الحديث ٣١٩٣٢.


خبيثا ، [ وقوله : ] « إذا [ بقي ] إن شاء الله » يعني الرجاء من الله أن يكون لا يتغيّر.

فيكون الثاني إشارة إلى السكر الحادث بالمكث الطويل ، على حسب ما أشرنا إليه في [ ال ] شراب [ الحلال ].

والأوّل إشارة إلى [ ال ] حرمة الحادثة بالغليان ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « هو شراب. إلى آخره » يتعلّق بحكاية ذهاب الثلاثين ومتفرّع عليها كما لا يخفى ، ومسلّم عند المجيب أيضا ، لكنّه يجعل معنى قوله : « وهو طيّب » أنّه لا يتغيّر بالمكث ، وفيه ما فيه ، إذ معناه أنّه الآن أيضا طيّب ، يعني قبل البقاء.

ويؤيّده أيضا ، رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « عن الزبيب ، هل يصلح أن يطبخ .. حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمَّ يرفع فيشرب [ منه ] السنة؟ قال : لا بأس » (١).

والتقريب ما تقدّم ، مضافا إلى أنّه روى علي بن جعفر عن أخيه ، في الصحيح أنّ الأشربة قبل ذهاب الثلاثين يصير حراما (٢) ، من غير مدخليّة شراب السنة ، كما سيجي‌ء.

واعترضوا على هذه الأحاديث اعتراضات بعضها في غاية الركاكة ، وبعضها يظهر الجواب عنه ممّا ذكرنا ، مع أنّ مرادنا منها التأييد لا الاستدلال ، ولا شكّ في حصول التأييد.

الثاني :

موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : « في النضوح المعتق ، كيف يصنع به حتّى

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٢١ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢١ الحديث ٥٢٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٥ الحديث ٣١٩٤٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٤ الحديث ٣١٩٤٣ ، وسيأتي ـ قريبا ـ الإشارة إلى دلالته.


يحلّ؟ قال : خذ ماء الزبيب فأغله حتّى يذهب ثلثاه » (١) ، وبهذه الرواية استدلّ في « الدروس » (٢).

وموثّقة أخرى عنه عليه‌السلام في النضوح « قال : يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمَّ يمتشطن » (٣) ، في « القاموس » : ( المعتقة كمعظّمة : عطر ) (٤) ، والتقريب يظهر ممّا تقدّم.

وكذا الجواب عن الاعتراضات عليها ، كما لا يخفى على الفطن ، وسيجي‌ء زيادة التحقيق في المقام ، فانتظر.

وممّا يؤيّد هنا ، ما ذكر ابن الأثير في « نهايته » : ( وفي حديث النبيذ : « إذا نشّ فلا تشرب » ، أي إذا غلا ) (٥).

وأهل السنّة كما أنّهم ليسوا متّهمين في سائر رواياتهم الّتي تكون حجّة على أنفسهم ومناسبة لمذهب الشيعة ، ولذا مشايخنا ـ رضوان الله عليهم ـ اعتنوا بها وضبطوها ونقلوها في كتبهم في مقام التأييد ، بل وفي مقام الاستدلال أيضا ، كذا ليسوا متّهمين في نقل رواية مثل هذا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّهم لا يقولون بالحرمة في غير صورة السكر ، بل هذا من خصائص الشيعة ، فالرواية موافقة لهم ، ولرواياتهم عن أئمّتهم عليهم‌السلام.

وكفى في قوّة هذه الرواية أن يكون المنكر رواها ، وورد عنهم عليهم‌السلام : أنّ ما

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٦ الحديث ٥٠٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧٣ الحديث ٣٢١٦٠ ، وفيه : ( خذ ماء ، فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر ).

(٢) الدروس الشرعيّة : ٣ / ١٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٣ الحديث ٥٣١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧٩ الحديث ٣٢١٧٤.

(٤) القاموس المحيط : ٣ / ٢٧٠.

(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر : ٥ / ٥٦.


خالف القوم حقّ (١) ، وورد أيضا في الرواية المشكوك فيها : إن وجدتم من السنّة ما يشبهها [ فهي ] حقّ (٢) ، فتأمّل.

وبالجملة ، يحصل منها الظنّ ، فيصلح أن تكون مؤيّدة ، بل قرينة على الدلالة كما أشرنا ، وسيجي‌ء مؤيّدات أخر.

الثالث :

صحيحة علي بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه عليه‌السلام : « الرجل يصلّي إلى القبلة ولا يوثق به (٣) أتى بشراب زعم (٤) أنّه على الثلث .. قال عليه‌السلام : لا يصدّق إلّا أن يكون مسلما عارفا » (٥).

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : « أنّه سئل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول : [ هذا ] مطبوخ على الثلث ، قال : إن كان مسلما عارفا (٦) مأمونا ، فلا بأس أن يشرب » (٧).

وصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام : « إذا شرب الرجل النبيذ الخمور ، فلا تجوز شهادته في شي‌ء من الأشربة » (٨).

والتقريب ، أنّ لفظة الشراب ليست حقيقة في العصير العنبي ، لا لغة ولا في

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٦ الحديث ٣٣٣٥٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٢٣ الحديث ٣٣٣٨١.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( لا يوثق به ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( يزعم ).

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( لا يوثق به ).

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( ورعا ).

(٧) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٦ الحديث ٥٠٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٤ الحديث ٣١٩٤٢.

(٨) الكافي : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٢ الحديث ٥٢٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٤ الحديث ٣١٩٤١.


كلام الفقهاء ، ولا يظهر من الأخبار ، بل الظاهر من الفقهاء وأهل اللغة والأخبار التعميم ، يعبّر عن الأنبذة بالأشربة ، والكليني رحمه‌الله حيث قال : باب صفة الشراب الحلال وأتى في الباب بأحاديث ، ولم يأت بالعصير أصلا (١).

وربّما يشير هذا إلى عدم معهوديّة إطلاق الشراب على العصير ، بل لو كان إطلاق فبالتقييد.

ويظهر هذا من الأخبار أيضا :

منها : رواية مولى جرير بن يزيد (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : إنّي أصنع الأشربة من العسل وغيره فإنّهم يكلّفوني صنعتها. قال : اصنعها وادفع إليهم (٣) ، وهي حلال قبل أن تسكر » (٤) ، وبهذا الخبر استدلّ بعض المحلّلين ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

وممّا يشهد على ذلك ، صحيحة ابن أبي يعفور المذكورة ، حيث أتى بلفظ الشي‌ء المبهم المتوغّل في الإبهام نكرة في سياق النفي ، و « الأشربة » الجمع المحلّى باللام ، مع أنّ الشهادة في نوع واحد نوع واحد من الشهادة ، لا تفاوت ولا مبالغة أيضا ، فتدبّر.

وممّا يؤيّد أيضا ، أنّ علي بن جعفر عليه‌السلام ظهر من روايته السابقة اعتقاده احتياج ماء الزبيب المطبوخ إلى ذهاب الثلاثين ، والمعصوم عليه‌السلام قرّره عليه ، وفي هذه أتى بلفظ الشراب نكرة مبهمة ، وعمّار هو الّذي روى الروايات الأربع في

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٢٤.

(٢) في تهذيب الأحكام : ( مولى حرّ بن يزيد ) ، وفي وسائل الشيعة : ( جرير بن يزيد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وأدفعها إليهم ).

(٤) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٧ الحديث ٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١ الحديث ٣٢١٧٩.


الزبيبي والتمري (١) ، ويظهر اعتقاده الاحتياج إلى ذهاب الثلاثين.

وقوله في صحيحة بن أبي يعفور : لم يجز شهادته في شي‌ء من الأشربة ، غير خفي أنّ المراد الشهادة بالنسبة إلى ذهاب الثلاثين بالغليان ، كما ظهر من الروايتين المتقدّمتين عليها وغيرها من الأخبار الكثيرة ، وفهمه الفقهاء ، لأنّ أخبار الأئمّة عليهم‌السلام يصير بعضها قرينة على بعض ، وكذا فهم الفقهاء ، بل لا يبقى تأمّل للمتتبّع المتأمّل.

وإرجاع الشهادة إلى نفي السكر ـ مع أنّه يحكم المتتبّع البصير بفساده ـ أمر غريب ، غير مأنوس بالنسبة إلى الأخبار ، ولم نر في شي‌ء منها إشارة ولا إشعارا ، بل لم يعهد ذلك من المسلمين في الأعصار والأمصار ، لأنّ من هو من أهل الخبرة به لا يوثق به ولم يعتمد عليه ، ومن يوثق به ليس من أهل الخبرة به والاطّلاع ، مع أنّه شهادة على النفي ، سيّما نفي ما هو خفي الصدور ولو عرض الوقوع (٢) يهلك الشارب وإن لم يكن له علم به وشعور ، واطّلاع عليه وعثور ، كالسم المهلك بسرعته ، المتلف بساعته.

ففي مثل هذا لا يكتفى بالشهادة إليه ، سيّما كونها ظنيّة ، مع أنّه لا عموم في حجّية الشهادة ، مع أنّه لا يعتبر الشهادة والقول شرعا إلّا إذا ادّعى الشاهد اليقين ، وهو في المقام منتف يقينا ، لأنّه مقام حصول الريبة والاضطراب في حصول السكر على ما ستعرف.

وعلى فرض حصول اليقين ، فإنّه إنّما يحصل لأهل الخبرة في معرفة السكر دون غيرهم ، كما لا يخفى ، ولا شكّ في أنّ أهل الخبرة فيها لا عبرة بقوله شرعا ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٩ الحديثان ٣١٩٣٠ و ٣١٩٣١ و ٣٧٣ الحديث ٣٢١٦٠ و ٣٧٩ الحديث ٣٢١٧٤.

(٢) في ألف : ( لعرض الوقوع ) ، وفي ب : ( لو ولعرض الوقوع ) ، ولكننا قدّرنا العبارة كما في المتن.


مع أنّ الحاصل من قول أهل الخبرة ليس أزيد من المظنّة ، فكيف إذا لم يكن من أهل الخبرة؟ فإنّه لم يحصل من قوله المظنّة أيضا ، إذ بمجرّد ترك شرب النبيذ المخمور كيف يصير من أهل الخبرة في السكر حتّى يحصل من قوله مظنّة؟ مع أنّك عرفت عدم كفاية المظنّة في المقام ، لأنّ شرب المسكر إهلاك الروح والعقل والدين ، فكيف يكتفى بمجرّد القول الّذي لا يحصل منه مظنّة أصلا؟!

ولا يخفى فساد ذلك على من له أدنى فهم ، سيّما مع ملاحظة جميع ما ذكرناه سابقا ، وخصوصا بعد ملاحظة أنّه في مقام الشهادة ربّما عرضه السكر ، وربّما كان في مزاج غيره يحدث ، أو أنّه أكل أو شرب أو فعل ما يمنع عن السكر ، أو أنّه ما شرب المقدار الكثير الّذي شربه يحدث السكر. إلى غير ذلك.

مضافا إلى ما سيجي‌ء من أنّه مع احتمال السكر ما جوّز الشارع أصلا ما سيجي‌ء على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قيّد الأشربة بالمخموريّة كما قيّد النبيذ بها ، فيظهر عدم اعتبارها في مقام الشهادة فيها.

فإن قلت : أيّ مناسبة بين شرب المسكر وشرب ما لم يذهب ثلثاه ، حتّى يكون سببا لعدم قبول الشهادة؟

قلت : كلّ من استحلّ المسكر استحلّ ما لم يذهب ثلثاه جزما ، وكلّ من شربه يشربه بطريق أولى ، مع احتمال أن يكون النبيذ المخمور شاملا لما لم يذهب ثلثاه ، وسيجي‌ء نظير هذه في صحيحة عمر بن يزيد (١) ، واستدلّ بعض الفضلاء بهذا الخبر على الحلّ ، بأنّ مفهوم الشرط يدلّ على أنّه لو لم يشرب المخمور قبلت شهادته فيكون حلالا (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٢ الحديث ٣١٩٣٧.

(٢) مراده ببعض الفضلاء : الشيخ أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني ، ورسالته غير متوفّرة لدينا.


وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ مجرّد الشرب لا يقتضي الفسق ، لجواز عروض الشبهة ، ألا ترى أنّ أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام جمع منهم كانوا يشربون النبيذ المسكر ، مع جلالتهم وعدالة بعضهم لقرب عهدهم إلى زمان الصادق عليه‌السلام ظهر عليهم حرمته (١) ، ككثير من الأحكام الّتي كانت خفيّة عليهم إلى ذلك الزمان.

ويشهد على ما قلناه ، ما ورد في بعض الأخبار من أنّه لا يقبل شهادة من يشرب النبيذ في الأشربة وإن كان يصف ما يقولون (٢) ، يعني وإن كان من الشيعة فتأمّل ، جدّا.

مع أنّ المناسب على هذا أن يقول : لا تقبل شهادته أصلا ، لا في خصوص شي‌ء من الأشربة ، مع أنّ غير الخمر من المسكرات لا تفاوت بينها أصلا ، ولا خفاء في ذلك قطعا ، فلا وجه لتعرّض إن شرب النبيذ.

الرابع :

رواية زيد النرسي ، عن الصادق عليه‌السلام : « في الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ، قال : حرام حتّى يذهب ثلثاه ، قلت : الزبيب كما هو يلقى في القدر ، قال : كذلك ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فقد فسد ، كلّما غلا بنفسه أو بالنار فقد حرم إلّا أن يذهب ثلثاه » (٣).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٧ الحديث ٣٢٠٦٤ و ٣٤١ الحديث ٣٢٠٧٥ و ٣٤٧ الحديث ٣٢٠٩١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٤ الحديث ٣١٩٤١ ، وفيه : ( وإن كان يصف ما تصفون ).

(٣) نقل هذا الحديث ـ بهذا النصّ ـ عن زيد النرسي وزيد الزرّاد في : جواهر الكلام : ٦ / ٣٤ ، أمّا في : بحار الأنوار : ٦٣ / ٥٠٦ الحديث ٨ و : مستدرك الوسائل : ١٧ / ٣٨ الحديث ٢٠٦٧٦ ، فمتن الحديث هكذا : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ، ثمَّ يصبّ عليه الماء ويوقد تحته ، فقال : لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ، فإنّ النار قد


وهذه الرواية بحسب الدلالة صريحة. أمّا بحسب السند ، فيعضده جميع ما مرّ من الأدلّة والمؤيّدات ، وقاطبة ما سيجي‌ء منها ، مضافا إلى ما سنذكر الآن.

اعترض بأنّ أصله لم يروه الصدوق رحمه‌الله وابن الوليد ، وكان يقول : وضعه محمّد بن موسى (١) ، ومن ثمَّ لم يذكر هذه الرواية في [ ال ] كتب الأربعة ، ولا استند عليها في كتب الاستدلال. انتهى (٢).

أقول : كم من حديث رواه الكليني رحمه‌الله ولم يروه الصدوق وشيخه والشيخ! ، مع أنّهم رووا كثيرا ممّا رواه ولم يرووا ما رواه (٣) في هذا الموضع الآخر ، سيّما الصدوق والشيخ ، فإنّهما رويا من « الكافي » كما ذكرناه.

وكذا الحال بالنسبة إلى الصدوق والشيخ ، فلو كان عدم الرواية يصير قدحا في الرواية لسقط الاحتجاج بالنسبة إلى ما تركه الآخر ، وفيه ما فيه.

وكذا الحال بالنسبة إلى الصدوق والشيخ ، فلو كان عدم الرواية يصير قدحا في الرواية لسقط الاحتجاج بالنسبة إلى ما تركه الآخر ، وفيه ما فيه.

وأمّا نسبة الوضع ، فقد ذكرنا في « تعليقتنا على الرجال » ضعف تضعيفات القمّيين ، ونسبتهم إلى الغلوّ والتفويض والوضع وغيرها (٤) ، لأنّ لهم اعتقادا خاصّا ، من تعدّاه نسبوه إلى ما نسبوه ، مثل : نفي السهو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نسبوه إلى الغلوّ. إلى غير ذلك.

وبالجملة ، حقّقنا ما ذكرنا هناك.

وأمّا غيرهم ، فقالوا : يروون عمّن قدحوه معتمدين عليه ، مثل : الكليني

__________________

أصابته ، قلت : فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ، ثمَّ يطبخ ويصفّى عنه الماء ، فقال : كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثمَّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم ، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد » ).

(١) لاحظ! الفهرست للطوسي : ٧١ الرقم ٢٩٠ ، رجال العلّامة الحلّي : ٢٢٢ الرقم ٤.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤٨.

(٣) في النسخ : ( ولم يروونه رووه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٤) تعليقات على منهج المقال : ٨٤.


عن سهل وعن البرقي وغيرهما ، وكذا الشيخ رحمه‌الله ، بل وأكثر الكليني غاية الإكثار ، وسمّاها من الآثار الصحيحة عن الصادقين المفيدة للعلم واليقين ، ومن جملتهم : زيد النرسي ، فإنّهم رووا عنه أكثر من أن يحصى معتمدين عليها مفتين بها.

هذا ، مضافا إلى ما ذكرنا بالنسبة إلى الأصول الأربعمائة ، مع أنّ الأصل النرسي منها ، وصرّحوا بذلك (١) ، ومع ذلك ابن الغضائري مع أنّه قلّما يسلم جليل (٢) عن طعنه ـ فضلا عن غيره ـ لم يطعن على زيد ولا على أصله ، بل بعد ما نقل عن الصدوق أنّ كتابه وكتاب الزرّاد موضوعان ، قال : وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من ابن أبي عمير (٣). انتهى ، وناهيك بهذا تخطئة له ، واعتمادا على كتبهما.

مع أنّ الشيخ رحمه‌الله أيضا بعد ما نقل عن ابن الوليد عدم الرواية والنسبة إلى الوضع قال : ( كتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه ) (٤).

وفيه ـ بعد التخطئة وإظهار الاعتماد ـ إشعار بكون النرسي ثقة ، لأنّه في « العدّة » حكم بأنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن الثقة (٥)

ويؤيّد الاعتماد ـ بل والتوثيق أيضا ـ ما ذكره علماء الرجال في ترجمته ومقبوليّة مرسلاته عندهم ، وكونه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٦)

__________________

(١) لاحظ! بحار الأنوار : ١ / ٤٣.

(٢) في النسخ : ( قليل ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! جامع الرواة : ١ / ٣٤٣.

(٤) الفهرست للطوسي : ٧١ الرقم ٢٩٠.

(٥) عدّة الأصول : ١ / ٣٨٦.

(٦) لاحظ! رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ ، رجال العلّامة الحلّي : ١٤١ ، نقد الرجال : ٢٨٥.


ويستفاد من كلام الشيخ رحمه‌الله وغيره أنّ عدم الرواية من خصائص الصدوق رحمه‌الله وشيخه ، فلا يصحّ ما ذكره أنّه من ثمَّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة ، مضافا إلى ما ذكرنا.

وأمّا النجاشي ، فلم يتعرّض لقول الصدوق رحمه‌الله وشيخه وحالهما أصلا ، وفيه شهادة واضحة على عدم اعتنائه بالمرّة ، ومع ذلك قال : ( زيد النرسي روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، له كتاب يروي جماعة عنه بكتابه ) (١).

وفيه ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ شهادة واضحة على معروفيّة كتابه وشهرته ، بل وصحّته ، لأنّ جماعة من الأصحاب رووه عنه ، ومنهم ابن أبي عمير ، ولا شبهة أنّ النجاشي أعرف وأضبط ، سيّما وشاركه من شاركه ، وتأيّد بما قلنا.

وعدم الذكر في الأربعة غير مضرّ ، لأنّ دليل الحجّية عام والمخصوص (٢) غير موجود ، مع أنّ الأصحاب عملوا بأخبار كثيرة (٣) ليست مذكورة فيها وهي معروفة ، مع أنّهم أفتوا بفتاوى كثيرة غير ظاهرة المأخذ (٤) ، ولا مأخذ لها قطعا من غير طريق الأثر.

مع أنّي تفحّصت (٥) الكتب غير الأربعة ، فعثرت على مئاخذ كثير منها إلى

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٧٤ الرقم ٤٦٠.

(٢) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( والمخصّص ).

(٣) في ب : ( بأخبار كثيرة له ).

(٤) لاحظ! الرسائل الأصوليّة : ٢٥٣ ـ ٣٠٧ ، فقد ذكر المؤلّف رحمه‌الله هناك ـ في رسالة الإجماع ـ أمثلة كثيرة لفتاوي غير ظاهرة المأخذ. كما جاء في مقدّمة المهذّب لابن البرّاج : ٢ / ٣ : ( كان سيّدنا آية الله البروجردي ـ أعلى الله مقامه ـ يقول : إنّ في الفقه الإمامي فتاوي مسلّمة تلقّاها الأصحاب قديما وحديثا بالقبول ينوف عددها على تسعين مسألة ليس لها دليل إلّا الشهرة الفتوائيّة .. ومن المؤسف جدّا أنّه قدس‌سره لم يعيّن موارد هذه الفتاوى ولم يسمّها ، غير أنّ المظنون أنّ قسما وافرا منها يرجع إلى باب المواريث والفرائض ، ففي ذلك الباب فتاوى ليس لها دليل إلّا الشهرة ).

(٥) في ب : ( تصفّحت ).


حدّ حصل لي الظنّ المتاخم إلى العلم أنّ الباقي كذلك.

فإن قلت : إنّ المخصّص هو اشتراط عدالة الراوي.

قلت : لو ثبت لا فرق في ذلك بين الأربعة وغيرها ، بل مقتضى دليل الاشتراط حجّية خبر العدل أينما وجد ، مع أنّا قد أشرنا إلى ظهور عدالة النرسي ، والعدول أخبروا بأنّ الأصل أصله ، بل ظهر عدم تأمل أحد منهم في ذلك سوى الصدوق رحمه‌الله وشيخه ، وظهر تخطئتهم وما يشير إلى عدم الوثوق بهما في أمثال ذلك.

على أنّهم ذكروا في الأربعة ما يؤدّي مؤدّى هذه الرواية ، فلعلّهم به اكتفوا عنها ، وهم كثيرا ما يكتفون بخبر عن الآخر ، وإلّا فأخبار الأصول الأربعمائة أضعاف ما في الأربعة بمراتب لا تحصى ، فضلا عن غير الأصول.

ويظهر ذلك بملاحظة كتب الرجال وغيرها ، بل [ لو ] كانوا يذكرون الكلّ لكاد لم يوجد مسألة خالية عن التواتر.

وما ذكر من عدم ذكرها في كتب الاستدلال (١) ، الظاهر منشؤه عدم العثور والغفلة ، على ما مرّ في صدر الرسالة ، وسيجي‌ء أيضا.

مع أنّه لا شكّ في أنّه خير من القياس الحرام بالضرورة ، بل ومن الدين أيضا ، لعدم الجامع ، كما أشرنا.

الخامس :

رواية الكليني رحمه‌الله في باب أصل تحريم الخمر ، بسنده عن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ الله تعالى لما أهبط آدم عليه‌السلام أمره بالحرث » ، وحكى غرس آدم عليه‌السلام النخل والعنب وغيرهما ، وطلب إبليس من آدم إطعام شي‌ء من ثمارها

__________________

(١) في النسخ : ( في الكتب الاستدلال ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


وأبى آدم ومكر بحوّاء ، بأن « قال لها : فاعصري في كفي شيئا منه ، فأبت [ عليه ] ، فقال : ذريني أمصّه ولا آكله ، فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصّه ولم يأكل منه ، لما كانت حوّاء قد أكّدت عليه ، فلمّا ذهب يعضّه جذبته من فيه (١) ، فأوحى الله تعالى إلى آدم [ أنّ ] العنب قد مصّه [ عدوّي وعدوّك ] إبليس ، وقد حرّمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس ، فحرّم (٢) الخمر لأنّ إبليس ـ لعنه الله ـ مكر بحوّاء حتّى مصّ العنب ، ولو أكلها لحرمت الكرمة من أوّلها إلى آخرها .. ثمَّ إنّه قال ـ لعنه الله ـ لحوّاء : لو أمصصتني شيئا من هذا التمر كما أمصصتني من العنب ، فأعطته تمرة فمصّها ، وكانت العنب والتمرة أشدّ رائحة من المسك ، وأحلى من العسل ، فلمّا مصّهما إبليس ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما ، قال [ أبو عبد الله ] عليه‌السلام : ثمَّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم عليه‌السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة ، فجرى الماء في عروقهما من بوله ، فمن ثمَّ يختمر العنب والتمر ، فحرّم الله على ذرّية آدم كلّ مسكر ، لأنّ الماء جرى ببول عدوّ الله في النخل والعنب ، فصار كلّ مختمر خمرا ، لأنّ الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدوّ الله تعالى » (٣).

فالمراد من الخمر في قوله : « وقد حرّمت عليك من عصيرة الخمر » هو الغالي من العصير ، ولمّا [ ي ] ذهب ثلثاه ، كما يظهر من ملاحظة الأخبار الواردة في هذا الباب. ومراد الكليني رحمه‌الله من العنوان هو هذا ، كما لا يخفى ، موافقا لما ذكره الصدوق رحمه‌الله في باب حدّ شرب الخمر من ( أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فلمّا ذهب يعضّ عليه جذبته حوّاء من فيه ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فحرمت ).

(٣) الكافي : ٦ / ٣٩٣ الحديث ٢ ، مع اختلاف يسير بالألفاظ.


النار ، أو غلا من غير أن تصيبه النار فيصير أعلاه أسفله (١) فهو خمر ، فلا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه ـ إلى أن قال : ـ ولها خمسة أسامي ـ أي للخمر ـ : العصير [ وهو ] من الكرم. إلى آخره ) (٢).

والكليني رحمه‌الله أيضا ذكر مقدّما على هذا الباب باب ما يتّخذ منه الخمر وروى مضمون ما ذكره (٣).

وبالجملة ، لا خفاء في أنّ مراده من الخمر في المقام هو العصير الغالي.

وكون ذلك بحسب الحقيقة عندهم أو بعنوان المجاز سيجي‌ء الكلام فيه ، وفي العلاقة إذا كان مرادهم المجاز.

والأخبار الكثيرة شاهدة لهم ، مضافا إلى الأخبار الواردة في هذا الباب ، وسنشير إليها.

وممّا يشهد على ذلك ، ما يظهر من هذا الخبر ، حيث قال في آخره : « إنّ إبليس ـ لعنه الله ـ بعد وفاة آدم عليه‌السلام بال في أصل النخل والكرم ، ومن ثمَّ لم يختمر (٤) العنب والكرم فحرّم الله كلّ مسكر ، لأنّ الماء جرى ببوله وأنّ الماء اختمر في النخلة والكرم من رائحة بوله » ، فإنّه في غاية الوضوح في أنّ قبل البول ما كان مسكرا ، والسكر حدث فيهما بعد وفاة آدم عليه‌السلام بسبب بوله.

فتعيّن أن يكون التحريم في حياة آدم عليه‌السلام من جهة مصّ إبليس ، هو حكاية الغليان قبل الذهاب ، موافقا لما صرّح به في أخبار ذلك الباب ، فيظهر من أخبار أخر سنشير إليها ، وكذا موافقا لما نصّ عليه الصدوق رحمه‌الله ، وأنّه هو الظاهر

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( من غير أن تمسّه النار فيصير أسفله أعلاه ).

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٠ ذيل الحديث ١٣١.

(٣) الكافي : ٦ / ٣٩٢.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( ومن ثمَّ يختمر ).


من الكليني رحمه‌الله.

وممّا يؤيّد ، ما ذكرنا في هذا الخبر ، من أنّ إبليس ما أكل من العنب والتمر بل مصّ منهما شيئا ، وأنّه لو أكل لحرم الكلّ ، والتحريم ما تعلّق بأصل العصير بل بما خالطه نفس إبليس ونصيب الشيطان.

السادس :

[ ظاهر ] الأخبار الكثيرة الواردة في أنّ العصير إذا غلا حرم ـ سيّما الوارد بلفظ : كلّ عصير (١) ، وأيّ عصير (٢) ـ أنّ العصير في اللغة مختصّ بالعنبي ، ولهذا يقيّدون لفظ العصير بلفظ العنب إذا أرادوا العصير العنبي ، إذ يقولون : عصير العنب ويضيفونه إليه بمثل ما في « الصحاح » وغيره من أنّ السلاف هو ما يسأل من عصير العنب قبل العصر (٣). إلى غير ذلك ممّا هو في كلامهم ، فتتبّع تجد.

وفي الأحاديث أيضا كثيرا ما ورد تقييد العصير بالعنب وإضافته إليه (٤).

وأيضا ، لغة العرب والفرس غالبا مترادفة والمعنى واحد ، ولفظ ( شيره ) في اللغة الفارسيّة له معنى وصفي ، وهو المعصر من أيّ شي‌ء يكون ، وبأيّ نحو يكون ، كما أنّ العصير أيضا له معنى وصفي ، وهو المعصور من أيّ شي‌ء يكون وبأيّ نحو ، ولهما معنى اسمي أيضا ، والمعنى الاسمي لل ( شيره ) هو القدر المشترك بين العصير العنبي والعصير التمر [ ي ] ، أو العصير الزبيبي.

وكذا القشمش ، وهو داخل في الزبيبي ، فلعلّ المعنى الاسمي للعصير أيضا

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٢ الحديث ٣١٩١٣.

(٢) لم نعثر على حديث فيه لفظ : ( أيّ عصير ) ، ولزيادة الاطلاع راجع : الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، حيث أكّد عدم وجود هذا اللفظ في الكتب الّتي بأيدينا.

(٣) لاحظ! الصحاح للجوهري : ٤ / ١٣٧٧ ، تاج العروس : ٢٣ / ٤٥٧.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٨ الحديث ٣١٩٢٨ و ٢٩٥ الحديث ٣١٩٤٤.


كذلك ، بحكم الاستقراء ، ولما عرفت من تقييد الأخبار وكلام أهل [ اللغة ] بالعنب إذا أريد العنبي ، إذ لو كان مختصّا بالعنبي لما كان لتقييد [ ه ] وجه ومناسبة.

وقال بعض الفضلاء : العصير حقيقة في القدر المشترك بين الثلاثة ، لتعارف إطلاقه على الزبيبي والتمري ، كتعارف إطلاقه على العنبي (١).

ويؤيّده أيضا ، عدم معهوديّة الإطلاق على غيرها.

ويؤيّده ، أنّه لو كان مختصّا بالعنبي ، لما كان للفظ « كلّ » و « أيّ » في هذه الأخبار مناسبة ، بل كان المناسب أن يقال : العصير إذا غلا حرم حتّى يذهب ثلثاه.

وما اعتذر عن ذلك بعض الفضلاء من أنّ المراد سواء أسكر كثيره أم لا ، وسواء أخذ من كافر أو مسلم ، لما دون الثلث أم لا ، عارف أم لا (٢) ، لا يخفى بعده.

وممّا يؤيّده أيضا ، ما مرّ في صدر الرسالة من أنّ ما قال بعض الفضلاء من أنّ العصير عند الفقهاء مختصّ بالعنبي غلط ، ووجه كونه غلطا وغير ذلك ممّا ذكرناه هناك ، فلاحظ.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما مرّ من الأخبار والمؤيّدات ، وما سيجي‌ء منهما ، فإنّ كلّ واحد واحد شاهد ، ومؤيّد.

هذا ، ولو قيل بأنّ المعنى الاسمي غير ثابت ، تكون دلالة هذه الأخبار على المطلوب في غاية الوضوح. والاعتراض حينئذ بأنّه يلزم التخصيص الّذي لا يرضى به المحقّقون ، مشترك الورود ، بل وروده على القائل بالاختصاص بالعنبي أشدّ وأشدّ.

__________________

(١) المراد ببعض الفضلاء : الشيخ أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني. لا حظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤٥.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤٦.


وتوهّم بعض الفضلاء ـ حيث استدلّ بالأخبار الواردة في أنّ الخمر من خمسة : العصير من الكرم. إلى آخره ـ على أنّ العصير مخصوص بالعنبي (١) ، لا شبهة (٢) في كونه غفلة ، لأنّ العصير في هذه الأخبار مرادف للخمر ، فإنّ للخمر أسامي كثيرة منها : العصير ، كما أنّ النبيذ والنقيع والبتع والمزر أسامي للمسكرات.

والمشهور أنّ الخمر مختصّ بالعنب وما يؤخذ [ من ] المسكرات من التمر وغيره إنّما هي مسكرات أخر في مقابلة الخمر ، ولذا يقولون : الخمر والمسكر حرام ، وفيهما الحدّ ، وينزح البئر لهما. إلى غير ذلك.

وغير المشهور يقولون بعدم اختصاص الخمر بالعنب ، [ و ] يستدلّون بهذه الأخبار وبقول صاحب « القاموس » (٣) ، والحقّ مع المشهور.

السابع :

لأنّ هذا الاستدلال وجه ، أو كذا كلام صاحب « القاموس » (٤) ، كما لا يخفى على المطّلع المتأمّل فيه ، وأخبارنا في غاية الظهور في أنّ الخمر مختصّة بالعنب.

ثمَّ اعلم أنّه يمكن الاستدلال بالأخبار الدالّة على حرمة النبيذ بنحو من التقريب الّذي سيجي‌ء تمام الكلام فيه.

[ و ] يظهر من الأخبار الكثيرة أنّ أوّل درجة السكر النشيش والغليان ،

__________________

(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٢٧.

(٢) في النسخ : ( ولا شبهة ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! القاموس المحيط : ٢ / ٢٣.

(٤) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( لأنّ لهذا الاستدلال وجها ، وكذا كلام صاحب القاموس ).


وأنّه بهما يدخل العصيرات الثلاث في حدّه حقيقة ، بحسب اصطلاح الشرع ، أو مجازا ، والعلاقة الحرمة لا أقلّ ، وستعرف التفصيل والظهور ، وأنّ ذلك هو الظاهر من القدماء ، فانتظر.

استدلّ المحلّلون بالأصل والعمومات.

والجواب يظهر ممّا تقدّم ، إذ الأصل لا يعارض الدليل ، والعامّ لا يقاوم الخاصّ ، لأنّه مقدّم البتّة وإن كان العام من القرآن ، لأنّ المحلّلون بأجمعهم يقولون بتخصيص الكتاب بخبر الواحد ، كما هو المشهور ، وهو الحقّ أيضا.

مع أنّه لا عموم في القرآن ، إلّا مثل قوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) (١) ، وهو دليل من أدلّة الأصل المذكور ، وليس أمرا برأسه ، فحاله حال الأصل ، إذ ليس فيه قوّة بها يعارض الدليل ، لأنّ مقتضاه ليس سوى أنّه خلق لنا ما في الأرض فلو شئنا أن ننتفع منه انتفعنا بغير منع من الله تعالى ، ولا شكّ في أنّه كثيرا منه يضرّنا وكثيرا منه لا ندري يضرّ أم ينفع ، أم لا يضرّ ولا ينفع ، وكثيرا منه نظنّ أنّه ينفع إلّا [ أنّه ي ] ظهر من الشرع أو العقل [ أنّ ] الأمر بالعكس ، فإذا ورد من الشرع المنع يكون معناه أنّه يضرّ ولو لم يكن فيه ضرر لم يمنعنا عنه البتّة ، فلا يكون بين هذا الّذي [ ذكر ] وبين قوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ) تدافع ، ولو كان يرى تدافع فليس بحسب الحقيقة ، وعند العقلاء أو بحسب العرف ، كما لا يخفى على المتأمّل فيما ذكرنا.

مع أنّه على فرض التدافع فليس قوّة في دلالة الآية بحيث تقاوم الخبر حتّى يحتاج إلى قواعد التخصيص والتعميم ، إذ لا شكّ في أنّ كلّ حرام فيه نفع في

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٩.


الجملة حتّى أنّ حفظه (١) لتحصيل سعادة الدارين أيضا نفع ، ولا شكّ في أنّه تعالى لم يجعل المسكر مسكرا إلّا لهذا النفع.

والحمل على كمال الانتفاع وإن كان أنسب في مقام الامتنان ، إلّا أنّه يوجب تخصيص العالم الّذي هو خلاف الأصل ، إذ الأصل هو الحمل (٢) على المعنى الحقيقي ، وسيّما هذا القدر من التخصيص ، فتأمّل.

مع أنّ معنى ( خَلَقَ ) والمتبادر منه هو الّذي خلقه الله تعالى بنفسه ، ومن حيث أنّه خلقه ، لا ما صنعه المخلوق فيما خلقه الله بأنّه جعله غاليا ومسكرا ، ويكون التأمّل فيما صنعه المخلوق ، وبالنسبة إلى صنعه ومن حيث صنعه ، لا من حيث أنّه خلق الله ، فتأمّل.

وممّا ذكر ظهر أنّه لا يحسن أن يقول : الأصل يؤيّد أنّه ( خَلَقَ لَكُمْ ) ، مضافا إلى أنّ تأييده وترجيحه إنّما هو بالنسبة إلى ما وقع فيه التعادل والتوقّف ، فيترجّح ما هو موافق للأصل ، والأمر في العام والخاص ليس كذلك ، لأنّ الخاص مقدّم بلا تأمّل لأحد.

فإن قلت : لعلّ الشهرة تؤيّد العام.

قلت : قد عرفت في صدر هذه الرسالة حال ما ادّعى بعض من الشهرة ، وأنّه لم يثبت هذه الدعوى بلا شبهة ، وعلى تقدير تسليم الثبوت لا نفع فيها أصلا ، بل هي داخلة في قولهم : ربّ مشهور لا أصل له.

هذا ، مع ما عرفت من مؤيّدات الخبر الدالّ على الحرمة ، وأنّها متعدّدة وكلّ نوع معها له أشخاص متعدّدة ، بل ستعرف أنّ الأخبار الخاصّة الّتي استدلّ

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( حفظ ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّية : ( إذ الأصل والحمل ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


بها المحلّل جلّها ـ بل كاد أن يكون كلّها ـ من جملة مؤيّدات القول بالحرمة ويضرّ القول بالحلّية ، لا أنّه ينفعه ، فضلا عن أن يصير دليلا له.

وممّا يؤيّد الحرمة ، أنّها مخالفة لرأي جميع العامّة ، كما أنّ الحلّية موافقة لرأي كلّ العامّة. إلى غير ذلك من المؤيّدات.

وتصدّى بعض الفضلاء للإثبات بخصوصيات الأخبار ، قال رحمه‌الله : يستفاد من الأخبار أنّ النبيذ هو ماء التمر سواء غلا أم لا ، وربّما يطلق على ماء الزبيب ، وأنّه على قسمين : حلال وهو ما لم يصل إلى حدّ السكر ، وحرام وهو ما وصل إليه.

ثمَّ أتى برواية عبد الرحمن [ بن ] الحجّاج (١) ، ورواية إبراهيم بن أبي البلاد (٢) ، ورواية أيّوب [ بن ] راشد (٣) ، ورواية الكلبي النسّابة (٤) ، ورواية حنّان بن سدير (٥) ، ثمَّ قال. إلى غير ذلك من الأخبار (٦). انتهى.

أقول : للنبيذ معنى وصفي ، أعني : المطروح والملقى ، ومعنى اسمي ، والوصفي معروف.

وأمّا الاسمي ، فإنّما هو على حسب ما وقع عليه الاصطلاح ، ومعرفة الاصطلاح ليست بالتخمين ولا بمجرّد استعمال اللفظ ، سيّما مع عدم شيوع الاستعمال ، بل لا بدّ من المعرّفات المقرّرة في موضعه.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤١٧ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٥ الحديث ٣٢١١٢.

(٢) الكافي : ٦ / ٤١٦ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٤ الحديث ٣٢١١٠.

(٣) الكافي : ٦ / ٤١٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٧٤ الحديث ٣١٨٩٦.

(٤) الكافي : ١ / ٢٨٣ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٣ الحديث ٥٢١.

(٥) الكافي : ٦ / ٤١٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٢ الحديث ٣٢١٠٦.

(٦) الحدائق الناضرة : ٥ / ١٣٢ ـ ١٣٧.


فعلى هذا ، لا نسلّم كون المصطلح عليه هو ما ذكرت ، على أنّ الظاهر من الأخبار أنّه هو المسكر المعهود ، ولذا في غالب الأخبار يحكم الشارع بالحرمة والنجاسة ، ووجوب الحدّ و [ أنّه من ] المسكر بمجرّد السؤال عن النبيذ.

وأمّا الأخبار الّتي تحكم بالحلّية بمجرّد السؤال عنه ، فربّما كان الراوي يتعجّب في الجواب من حيث اشتهار حرمة النبيذ عند أهل البيت عليهم‌السلام ، وعند الشيعة ، مثل : رواية الكليني رحمه‌الله (١) ، وغيرها.

وبالجملة ، يظهر من الروايات المحلّلة ـ أيضا ـ كون النبيذ في ذلك الزمان مصطلحا ومعهودا في المسكر والحرام ، يظهر ذلك من حال رواتها ، ويظهر ذلك من العرف وكلام الفقهاء في فروع الفقه وأصوله ، بل يظهر من اللغة أيضا.

وفي بعض الأخبار : قال الراوي : أصف لك النبيذ (٢) ، أو قال الشارع : صفوا لي (٣). وغير ذلك ، ومعلوم أنّ مجرّد ماء التمر لا يحتاج إلى الوصف.

نعم ، يظهر من الأخبار استعمال لفظ النبيذ في معنى اسمي حلال. أمّا كونه مجرّد ماء التمر ، فلا ، بل الظاهر أنّه مأخوذ في النبيذ خصوصيّة صفة وكيفيّة ، حتّى أنّهم كانوا يلاحظون مقدار التمر بالنسبة إلى الماء بعد مقدار المكث الّذي تظافرت الأخبار فيه.

وكذا كانوا يلاحظون أحوال الظروف وضروراتها ، وعدد عمل النبيذ فيها وغسلها وعدمه (٤).

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤١٦ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٣ الحديث ٥٢١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٧ الحديث ٣٢٠٦٤.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٥ الحديث ٣٢١١٣.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٨ الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرّمة.


وفي بعض تلك الأخبار : إن كنتم تريدون النبيذ فهو هذا (١) ، الظاهر في حصر الحلال فيه. إلى غير ذلك ممّا يظهر منها ، وسنشير إلى بعض ذلك.

مع أنّه لو كان كما ذكر لفهمه الراوي كما فهمه المستدلّ ، بل بطريق أولى ، ولو كان فهمه لما سأل المعصوم عليه‌السلام عن بيان النبيذ الّذي حلّله بعد ما يسمع منه النبيذ حلال والمسكر هو الحرام ، ومع ذلك ما أجاب بأنّ ماء التمر أو الزبيب كلّه حلال إلّا أن يسكر ، بل بيّن له النبيذ الحلال وعيّنه.

پ وفي رواية أبي البلاد ، بعد ما سأله عليه‌السلام عن النبيذ وأجاب بأنّه حلال قال : « ولكن انبذوه غدوة واشربه بالعشيّ » ، فقال : ذلك يفسد بطوننا ، فأجابه بأنّه « أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحلّ لك » (٢).

وفي رواية صفوان « قال : كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به ، فقلت للصادق عليه‌السلام (٣) : أصف لك [ النبيذ ]؟! فقال : بل أنا أصف (٤) .. كلّ مسكر حرام .. فقلت له : هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة ، فقال : ليس هكذا .. كان العبّاس (٥) ينقع الزبيب غدوة ويشربونه بالعشيّ .. وأنّ هؤلاء تعدّوه فلا تشرب ولا تقربه (٦) » (٧).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٢ الحديث ٣٢١٠٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٧٤ الحديث ٣١٨٩٦ ، وهي الّتي سماّها المصنّف قدس‌سره ب : رواية أيّوب بن راشد.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( أصفه ).

(٥) لم ترد : ( العبّاس ) في المصدر ، وإنّما وردت في مكان سابق من هذا الحديث.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( فلا تقربه ولا تشربه ).

(٧) الكافي : ٦ / ٤٠٨ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٧ الحديث ٣٢٠٦٤.


وفي رواية [ علي بن ] أسباط : أنّ رجلا قال للصادق عليه‌السلام : « إنّ بي أرواح (١) البواسير وليس يوافقني إلّا [ شرب ] النبيذ ، فقال : مالك ولما حرّم الله .. عليك بهذا المريس الّذي [ تمرسه بالعشيّ وتشربه بالغداة ، و ] تمرسه بالغداة وتشربه بالعشيّ ، فقال : هذا ينفخ البطن » (٢) فأمره بالدعاء ولم يرخّص له أزيد من هذا المكث.

وغير ذلك من الأخبار.

والعامّة رووا أيضا مضمون هذه الروايات في صحاحهم عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

ولذا قال الصدوق : ( والنبيذ الّذي يتوضّأ به وأحلّ شربه هو الّذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ أو ينبذ بالعشيّ ويشرب بالغداة ) (٤).

وهذه الأخبار تضرّ المحلّلين بوجوه ثلاثة ذكرت في صدر الرسالة ، وخصوصا المستدلّ هنا ، إذ يثبت بها معنى اسميّا غير معروف من الخارج لنا وللراوي أيضا ، ويدّعي أنّه مجرّد ماء التمر والزبيب غير المسكرين ، ولا يخلو من غرابة ، إذ القدر الثابت منها أنّ النبيذ الحلال هو الّذي يظهر منها.

على أنّه لا حاجة لنا إلى ادّعاء كون المصطلح عليه هو المسكر المعهود ، بل نمنع [ أنّ ] الظاهر من الأخبار كون النبيذ اسما لمجرّد ماء التمر ، بل الظاهر منها خلاف ذلك ، إذ بعد ما سمع الراوي أنّ النبيذ حلال وأنّ الحرام هو المسكر فكيف يبقى له مجال للاشتباه؟! سيّما وأن يقول : النبيذ [ الّذي ] أذنت [ في ] شربه هو ما ذا ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( إنّ بي أرياح ).

(٢) الكافي : ٦ / ٤١٣ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٤ الحديث ٣٢٠٨٣.

(٣) لاحظ! سنن النسائي : ٨ / ٣٣٢ باب ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١١.


كما في رواية حنّان (١) ، أو يقول « فأيّ نبيذ تعني؟ » ، كما في رواية الكليني (٢) ، أو غير ذلك ، ومع ذلك ما أجاب المعصوم عليه‌السلام بأنّه ماء التمر ، ولم يقل له : أنت تعرفه ، فكيف سأل عنه ، ومع ذلك أجاب بنوع خاصّ وقرّر الراوي على حاله من عدم المعرفة واحتياجه إلى السؤال؟!

مضافا إلى اعتراضات أخر كثيرة تظهر بملاحظة ما ذكرناه في المقام من أوّله إلى آخره.

سلّمنا عدم الظهور في خلاف ما ادّعيت ، لكن الظهور فيما ادّعيت من أين؟!

فظهر ممّا ذكرنا فساد ما قاله في مقام توضيح استدلاله أنّ الأخبار تضمّنت انقسام النبيذ إلى قسمين ، وأنّ الحرام منهما ما كان مسكرا ، ولو كان هناك قسم آخر حراما ـ أعني ما غلى ولم يذهب ثلثاه ـ لبيّنه ، لأنّ المقام مقام الحاجة وتأخير البيان غير جائز إجماعا ، ولا يجوز جعله من أفراد المسكر ، لأنّه باطل بالضرورة (٣). انتهى.

وذلك لأنّه مبنيّ على ما توهّمه من الترادف بين النبيذ وماء التمر ، وقد عرفت عدم الثبوت ، بل وثبوت العدم.

على أنّ كون المقام مقام الحاجة إلى معرفة أحكام النبيذ محلّ نظر ، إذ لو كان كذلك لما حكموا بالحلّية مطلقا عند السؤال ، إذ لعلّ الراوي لم يكن يسأل بعد عن أمر ، فكان المناسب أن يفصّل في الجواب ، فما ذكره لا ينفعه ، بل يضرّه قطعا ، لأنّهم في بعض الأخبار حكموا بالحلّية مطلقا ، وفي بعض آخر ـ بل في أكثر

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤١٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٢ الحديث ٣٢١٠٦.

(٢) الكافي : ٦ / ٤١٦ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٣ الحديث ٥٢١.

(٣) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ١٣٩ ـ ١٤٠.


الأخبار ـ حكموا بالحرمة مطلقا ، وكلاهما عليه لا له ، وفي بعض خصّصوا الحلّية بخصوص ما ذكروه ، بحيث يظهر أنّ غيره حرام ، وهذا أيضا مبطل رأيه.

فجميع أخبار الباب حجّة عليه ، سوى رواية وفد اليمن ، وسيجي‌ء الكلام.

على أنّه مرّ في صدر الرسالة إنّ المحلّلين يجوّزون دخول ما نحن فيه في النبيذ الحرام البتّة ، فإذا كان المحلّلون هكذا حالهم فما ظنّك بالمحرّمين؟!

وكما كان الأخبار كلّها حجّة عليه ، كان كلّها حجّة لنا ، سوى ما تضمّن الحلّية مطلقا.

ويظهر من هذه الأخبار أيضا حقّية ما نقول به ، لأنّهم أظهروا فيها أنّ ما حكمنا بحلّيته هو كذا وكذا ، وأنّكم إن كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ ، بحيث لا يبقى تأمّل في أنّ الحلال هو قسم خاصّ لا نزاع في حلّيته.

وأمّا النكتة في حكمهم من أوّل الأمر (١) بالحلّ مطلقا ، هو أنّه لمّا ورد أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله توضّأ بالنبيذ (٢) وشربه (٣) ، وظهر ذلك بحيث توهّم جمع من أهل السنّة حلّية النبيذ المصطلح ، بل وصرّح بعضهم بأنّه كان في صدر الإسلام حراما ثمَّ نسخ (٤) ، ومع ذلك اشتهر عن أهل البيت عليهم‌السلام حرمة النبيذ ، كان الرواة يبحثون ويسألونهم عن النبيذ ، فقالوا : حلال ، اتّكالا على ما اشتهر منهم من حرمة كلّ مسكر حتّى النبيذ ، وأنّ الرواة في مثل هذا بمجرّد هذا الجواب كانوا يقنعون (٥) ـ بل يفصحون ـ وتنبيها على أنّ النبيذ في الحقيقة هو الّذي كان في عهد

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( في حكمتهم من أولى الأمر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٢ الحديث ٥٢٠ و ٢٠٤ الحديث ٥٢٢.

(٣) لاحظ! مستدرك الوسائل : ١ / ٢٠٩ الحديث ٣٧٨.

(٤) لاحظ! فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ١٠ / ٦٠.

(٥) في النسخ الخطّية : ( بمجرّد هذا الجواب كما يقنعون ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.


الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الّذي حدث بعده تعدّ عمّا كان ، وداخل في المسكر الّذي قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ كلّه حرام ، وأنّه لم ينسخ (١) بل وقع الخلط من اشتباه الاصطلاح السابق باللاحق ، نظير حكاية مسح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخفّين ، حيث لم يطّلعوا على أنّ موضع المسح كان مشقوقا (٢).

ألا ترى أنّ الكلبي لمّا سأل أوّلا عبد الله بن الحسن ، فقال : حلال خطّأه ، وقال : إنّه ليس بإمام ، ولمّا سأل بعد ذلك عن الصادق عليه‌السلام عن حكمين أوّلا فأجابه بما هو طريقة أهل البيت عليهم‌السلام صدّقه وعدّه أمارة الإمامة سأل بعد ذلك عن النبيذ ، فقال : حلال ، فتحيّر ، وأظهر أنّ الّذي عناه هو المسكر (٣) ، فقال : شه ، فقال : أيّ نبيذ تعني؟ فقال : إنّ أهل المدينة شكوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغيّر الماء ، فأمرهم أن ينبذوه فيلقون كفّا من تمر في الشنّ ، فمنه شربه ومنه طهوره ، ومع هذا الجواب ما قنع حتّى سأل عن عدد التمرات ومقدار الماء (٤) ، وكذلك باقي الرواة ما قنعوا بالجواب بأنّه حلال حتّى فتّشوا.

هذا كلّه ينادي بأنّ النبيذ في اصطلاح زمانهم ما كان حقيقة في مطلق ماء التمر أو الزبيب ، بل كان حقيقة في الشي‌ء الّذي كان حراما البتّة ، وأنّه يشمل ما نحن فيه.

فإن قلت : ورد في العصير بأنّه لا بأس بشربه ستّة أيّام.

قلت : رواية العصير لا دخل لها بالمقام ، لأنّ المقام [ مقام ] إثبات معنى النبيذ ، والقياس في اللغة غير جائز ، حتّى عند المجوّزين للقياس في الشرع ، لأنّه

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( لم يفسخ ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠ الحديث ٩٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٦١ الحديث ١٢٢١.

(٣) في النسخ الخطّية : ( الّذي عنه هو المسكر ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٤) لاحظ! الكافي : ١ / ٣٤٨ الحديث ٦.


قياس في مقابل النصّ ، ومع ذلك قياس مع الفارق ، فإنّ الماء في النبيذ خارج عن ماهيّة التمر ، أجنبي بالنسبة إليها ، لم يتحقّق فيه نضح أصلا ، فيكون أسرع إلى الإفساد والتغيّر ، بخلاف ماء العنب ، فإنّه قد تحقّق فيه نضح عند نضح الثمرة ، ولذا لو ادخل الماء من الخارج ليفسد سريعا ويتغيّر.

وأيضا ، العصير غالبا لا يتحقّق إلّا في البلاد الباردة ، وعند كمال نضج العنب ـ وهو فصل الخريف ـ وهواؤهم في ذلك شديد البرد واليبس ، والسؤال عن النبيذ إنّما وقع بالنسبة إلى البلاد الحارّة كالمدينة والكوفة ، والأحاديث واردة في الغالب مورد الغالب.

فإن قلت : القيد وإن ذكر عند بيان المعنى ، لكن الظاهر أنّه غير مأخوذ فيه ، لأنّ النبيذ هو الملقى ، فلا دخل لشي‌ء آخر فيه.

قلت : إن أردت أنّه لم يتحقّق وضع جديد للنبيذ ، بل الاستعمال بملاحظة المعنى اللغوي بمعونة القرائن فلا بدّ من الحمل على أقرب المجازات ، ففيه أنّ القيد أيضا قرينة ، فلا وجه لعدم اعتباره ، مع أنّ ما ذكر مناف لادّعائكم الوضع الجديد في العصير بملاحظة كلام الفقهاء والأخبار ، إذ النبيذ أولى بهذا الدعوى ثمَّ أولى ، بل بعض أهل اللغة أظهر الوضع الجديد.

وبالجملة ، لا خفاء في تحقّقه.

وإن أردت الوضع الجديد لا بدّ أن يكون أقرب إلى المعنى فلا بدّ من طرح القيد ، ففيه ما فيه.

فإن قلت : الراوي وإن كان لم يعرف النبيذ المباح وسمع القيد في مقام بيانه لكن علم أنّ مراد الإمام عليه‌السلام بيان المباح بالمعنى الأخصّ لا الأعمّ الّذي يشمل المكروه ، لأنّه يفهم أنّ عدم شرب الماء الماكث أزيد من يوم من جهة احتمال


عروض السكر وصيرورته مسكرا ، وبمجرّد احتمال كونه مسكرا لا يخرج عن الحلال ويدخل في الحرام ، لأنّه فهم أنّ الحرمة في النبيذ ليست إلّا من جهة السكر ، والأصل براءة الذمّة حتّى يثبت الحرمة ، ولأنّهم عليهم‌السلام حكموا بحرمة المسكر لا ما احتمل كونه مسكرا ، ولأنّ المذهب حرمة المسكر أو الغالي ولم يذهب ثلثاه ، وما نحن فيه ليس بواحد منهما ، فثبت أنّ النبيذ هو مجرّد ماء التمر ، وأنّه حلال وحرام ، والحلال مباح مطلق ومكروه ، لأنّ محتمل الحرمة مكروه.

قلت : ما ذكرت إثبات اللغة بالدليل ، وهو فاسد ، ومع ذلك اجتهاد في مقابل النصّ ، لأنّ الوارد في النصّ ليس إلّا أنّ النبيذ مسكر وغير مسكر ، وغير المسكر فسّروه للراوي بما فسّروه ، والرواة طريقة فهمهم في المخاطبات والمحاورات طريقة فهم أهل العرف لا بالقوانين الاجتهاديّة والأصول الّتي أسّسها المتأخّرون.

مع أنّ المقرّر عندهم أنّ التمسّك بالأصل إنّما هو في صورة لم يكن نصّ ، أو لم يكن فهم عرفي أو قاعدة أخرى.

وحمل المسكر على ما ظهر سكره فاسد ، لأنّ المسكر اسم لما هو مسكر في نفس الأمر ، والظهور خارج عن معناه ، وشرط الحلّية هو عدم السكر ، كما يظهر من الأخبار ، والشكّ في الشرط يستلزم الشكّ في المشروط ، والأصحاب جعلوا في الفقّاع الأصل الحرمة حتّى يثبت الحلّية ، مع أنّ منه حلال كما يظهر من الأخبار (١) ، وحال الفقّاع والنبيذ بالنظر إلى الأخبار واحد ، ولعلّه بالنظر إلى كلام الفقهاء أيضا كذلك ، كما ذكرنا عن الصدوق وقلنا : إنّ الظاهر موافقة الكليني له (٢) ، والفقهاء حكموا بحرمة النبيذ مطلقا.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١ الحديثين ٣٢١٨٠ و ٣٢١٨١.

(٢) راجع الصفحة : ٥٧ من هذا الكتاب.


نعم ، جمع من المتأخّرين وبعض القدماء اختاروا حلّية ماء التمر إذا غلا ولم يكن مسكرا جزما ، كما يظهر من كلامهم (١) ، وأحدهما غير الآخر.

ومن يجوّز لأحد أن يشرب النبيذ مع استشعاره بأنّه يحتمل كونه نبيذا مسكرا فإن وجد أنّه مسكر فلا يشرب بعد ذلك ممّا شربه بل يشرب مثله ، فإن وجده مثل الأوّل فلا يشرب منه أيضا بل يشرب آخر مثله ، وهكذا ، ويفتح على الناس بابا لشرب المسكر (٢) ، سيّما إذا كان الثبوت (٣) مقصورا في شهادة العدلين ، مع أنّ العدل ربّما يصير منهما مع هذا؟!

مع أنّه يلاحظ أنّ الشارع حرّم الأدوية الّتي احتاجوا إليها بعلاج الأمراض الشديدة إذا كان فيها ذرّة من المسكر (٤) ، بل ولو كان العلاج بغير الشرب مثل الاكتحال والاطلاء (٥) ، بل وحرّم سقي شي‌ء منه للصبيان (٦) ، بل والبهائم (٧) ، بل وحرّم ما في بطن البهيمة الشاربة (٨) ، بل وحرّم المائدة الّتي وقع الشرب عندها (٩) ، وقرّر المعين على الشارب (١٠) ، ونهى عن الصلاة عليه إن

__________________

(١) لاحظ! مسالك الأفهام : ٢ / ١٩٧ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ٢٠٢ ، وكذا : الحدائق الناضرة : ٥ / ١٤١.

(٢) في النسخ الخطّية : ( ويفتح على الناس بأن يشرب المسكر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّية : ( إذا كان الثوب ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٣ الباب ٢٠ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٩ الباب ٢١ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٠٧ الأحاديث ٣١٩٧٣ و ٣١٩٧٤ و ٣١٩٧٥ و ٣١٩٧٨.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٠٨ الحديثين ٣١٩٧٦ و ٣١٩٧٧.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ / ٢٣٢ الباب ٦٢ ، ٢٥ / ٣٧٤ الباب ٣٣

(١٠) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( وحذّر المعين للشارب ) ، لا حظ! جامع الأخبار : ٤٢٤ الحديثين ١١٨٢ و ١١٩٥.


مات (١). إلى غير ذلك من التأكيدات والتشديدات ، حتّى أنّه لعن الغارس والمعتصر وباقي شركائهما (٢).

كلّ ذلك حسما لمادّة الفساد ، وتشديدا في أمره وتغليظا في شأنه ، تبعيدا عن خطره ، لأنّ خطره هلاك الروح ، كما أنّ السمّ هلاك البدن.

فظهر أنّ حاله أشدّ من الربا ، وفي الربا جعل الجهل بالزيادة واحتمالها بحكم العلم ، وادخل في حدّ الربا ، مع أنّ الربا لغة الزيادة ، وشرعا معاوضة المثلين مع التفاضل ، مع أنّه في كثير من المواضع جعل المشتبه بالممنوع في حكم الممنوع ، ولعلّه لذلك حرّم العصيرات بالغليان والنشيش ، للتشبّث بالسكر ، أو باحتمال السكر ، كما سيجي‌ء.

ومرّ عن الشهيد رحمه‌الله تنزيل هذه الأخبار على احتمال حصول النشيش بزيادة المكث ، وله شواهد ، منها : ما مرّ في رواية من أنّه ينقعه ليلة فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ فكذا وكذا (٣) ، وسيجي‌ء ما بقي ، وأنّ بالنشيش ربّما يتحقّق السكر ، فانتظر.

فإن قلت : حلّية ما ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي يقتضي حلّية الغالي والناشّ ، لأنّه أعمّ منهما.

قلت : ليس كذلك ، بل الظاهر من الأخبار عدم دخول المطبوخ والناشّ فيهما ، مع أنّ النشيش لا يحصل عادة بأقلّ من هذا المكث ، مضافا إلى ما مرّ من أنّ المنشأ خوف النشيش.

ثمَّ إنّ ما ذكره بقوله : ولا يجوز جعله من أفراد المسكر باطل بالضرورة ..

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٠٩ الباب ١١ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧٥ الباب ٣٤ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٩ الحديث ٣١٩٣٠.


إلى آخره (١).

فيه ، أنّ هذه الضرورة من أين حصلت له؟ إذ ليست إلّا شهادة نفي غير محصور ، إذ يجوز أن يحدث سكرا ضعيفا في مزاج من الأمزجة ولو كان نادرا ، إذ لعلّ كلّ من يريد أن يشرب يكون مزاجه مزاج النادر في النادر ، كما هو أحد القولين في المسألة وأقواها.

فعلى هذا من جرّب جميع الأمزجة فوجدها لا يحدث فيها سكرا وإن كان درجته الضعيفة بالإكثار من شربه غاية الإكثار ، مع أنّ الظاهر من الأخبار وكلام القدماء الدخول في السكر ، ولهذا حرّم شربه مع احتمال أن يكون بالنشيش والغليان يصير محتمل السكر ، ومحتمل السكر عند الشارع يكون في حكم المسكر كالربا ، كما أشرنا إليه آنفا.

أمّا الأخبار :

فمنها : ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر ، مضمونها أنّ سبب (٢) بدء حرمة الخمر أنّه جعل حظّ الشيطان ثلثا العنب وحظّ آدم ثلثه (٣) ، ولم يذكروا عليهم‌السلام لبدء حرمتها وأوّل اتّخاذها سوى حكاية كون الثلاثين حظّ الشيطان.

ويظهر من بعض تلك الأخبار أنّ منشأ جعل الحظّ للشيطان أنّه مصّ العنب والتمر ، وقد أشرنا إليه في طيّ أدلّتنا ، ولا شكّ أنّ المراد من الخمر في هذه الأخبار الخمر المعهود ، لأنّ الراوي سأل عن بدء وحرمة المعهود وأنّها متى تحدث ، والكليني رحمه‌الله ما فهم إلّا المعهود ، وكذا الصدوقان (٤) ، وفهم هؤلاء للأخبار

__________________

(١) هذا من قول الشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله البحراني ، ورسالته غير متوفّرة لدينا.

(٢) في النسخ الخطّية : ( مضمونها أن سئل ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) الكافي : ٦ / ٣٩٣ الأحاديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٠ ، المقنع : ٤٥٣ الباب ٥ من أبواب الحدود.


حجّة قطعا ، بل أولى من فهم المتأخّرين بمراتب شتّى ، من حيث أنّ عهدهم في غاية القرب ، بل في الحقيقة معاصرون ، ومن حيث إنّه ما خلط أذهانهم الاجتهادات والشبهات الّتي خلط أذهان المتأخّرين ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب.

ولا شكّ في أنّ مراد هؤلاء من الخمر المعنى المعهود ، لأنّه قال أوّلا : باب ما يتّخذ منه الخمر ، وأتى بما يدلّ على أنّ الخمر من خمسة ، ثمَّ قال : باب تحريم أصل الخمر (١) ، وأتى بتلك الأخبار ، وفي بعضها التصريح بالسكر.

وأمّا الصدوق ، فلم يذكر في « الفقيه » ، مع أنّه في : « من لا يحضره الفقيه » لم يذكر في باب الأكل والشرب والباب المتقدّم عليه حكاية حرمة العصير أصلا ، ولو كان حرمته عنده من غير جهة السكر لذكره هناك ، مع أنّه لم يذكر هناك ، ولا في موضع من المواضع سوى باب حدّ شرب الخمر ، حيث قال : ( قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم ، إذا أصابته النار أو غلا من غير أن تمسّه [ النار ] فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه ) ، ثمَّ أتى بعبارة أخرى صريحة في أنّ المراد الخمر المعهود ، ثمَّ قال : ( ولها خمسة أسامي : العصير من الكرم .. إلى آخره ) (٢).

فظهر أنّ فهمه رحمه‌الله على طبق فهم الكليني رحمه‌الله ، وفهم الكليني على طبق فهمه ، وهما كانا معاصرين ، يصلان إلى خدمة الصاحب عليه‌السلام ، سيّما أنّ ولده الصدوق أيضا كان فهمه موافقا لفهمهما ، لما ذكرنا ، ولما ذكره في أوّل كتابه (٣) ، وما عهد من مواضع ذكر رسالة أبيه ، من حيث أنّه يجعله نفس فتوى نفسه ، كما لا

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٠.

(٣) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥.


يخفى على المطّلع ، ومنه سائر ما ذكره عن الرسالة في هذا الموضع ، إذ لا شكّ أنّه ذكره على سبيل الاعتقاد والفتوى.

ولعلّ غيرهم من القدماء أيضا موافقون لهم ، ولذلك قالوا بنجاسته أيضا ، وأنّ شاربه يحدّ حدّ شرب الخمر ، بل وصرّح بعض المتأخّرين بمساواته للخمر في جميع الأحكام (١) ، وليس في النصوص شي‌ء يشير (٢) إلى الأحكام سوى ما فهمه القدماء ، وغير خفيّ على المصنف ـ بعد اطّلاعه على ما أشرنا ـ أنّ القدماء من حيث أنّهم فهموا ما فهموا أفتوا بالأحكام.

وما قيل من أنّ القائل بالنجاسة قليل من الأصحاب ، فاسد ، كما لا يخفى على من لا حظ « المختلف » للعلّامة (٣) وغيره ، منه قول الشهيد الثاني أنّ القول بالنجاسة من المشاهير بغير أصل (٤) ، إذ مع اعتقاده بأنّه لا أصل له حكم بكونه من المشاهير.

وأيضا ، نقلوا القول بالطهارة عن ابن أبي عقيل (٥) ، وهو يشعر بما ذكرنا ، وابن أبي عقيل قائل بطهارة الخمر.

وممّا يؤيّد ، ما رواه الشيخ بسنده عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن ثمن العصير قبل أن يغلي ، قال : « إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو حلال فلا بأس » (٦) ، فتدبّره ، وغير ذلك من الأخبار ، وسنذكر في الجملة.

__________________

(١) لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٢٤.

(٢) في النسخ الخطّية : ( يسير ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٥٨.

(٤) مسالك الأفهام : ٢ / ١٩٦.

(٥) مختلف الشيعة : ١ / ٥٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ٧ / ١٣٦ الحديث ٦٠٢ ، وفيه : إذا ( بعت قبل أن يكون خمرا فهو حلال فلا بأس ).


ثمَّ إنّ من المتأخّرين أيضا حكموا بالأحكام ووافقوا القدماء ، لكن جمع منهم قالوا بأنّ الأحكام لا دليل عليها ، سوى الحرمة ، بناء على أنّ السكر عندهم هو أن لا يعرف السماء من الأرض وأمثال ذلك ، كما وقع التصريح في عبارتهم (١) ، وهذا المعنى وجدوه غير متحقّق قطعا في العصير بمجرّد الغليان ، ولذا نصّوا على ذلك.

ولذا لم يعملوا بأمثال هذه الأخبار ، بأن أوّلوها ، أو طرحوها ، سيّما الّذي سنده ضعيف.

ومع ذلك ربّما حكموا بالنجاسة أيضا باعتقاد أنّ الشهرة كافية ، أو بالقياس ، أو أنّهم فهموا من الأخبار أنّ المراد أنّه مثل الخمر والمماثلة يكون في الحكم الشرعي ، فيرجع إلى جميع الأحكام ، لأنّه الأقرب في حكاية المماثلة ، كما صرّح به بعضهم في الفقّاع (٢) ، فيكون مرادهم من عدم الدليل عدم النصّ وأنّهم رجعوا عن معتقدهم فتفطّنوا بالمنشإ ، أو اعتقدوا الإجماع.

وأمّا الحكم بوجوب الحدّ ، فما خالف أحد ، مع عدم وجود نصّ أو غير ذلك من الأدلّة.

هذا حال العصير العنبي.

أمّا التمري والزبيبي ، فلعلّ القائل بالحرمة من القدماء قائل بالنجاسة ووجوب الحدّ أيضا ، ولذا نقل المتأخّرون القولين أيضا.

ولعلّ الكليني يعتقد ذلك أيضا ، لأنّ فتواه هو أخبار كتابة ، ومن جملة الأخبار الّتي أوردها في باب أصل تحريم الخمر صرّح فيها بأنّ ما وقع في العنب

__________________

(١) لاحظ! المهذّب البارع : ٥ / ٨٠ ، رياض المسائل : ٢ / ٤٨٣.

(٢) الانتصار للسيّد المرتضى : ١٩٧.


وقع في التمر أيضا (١) ، كما ذكرنا في طيّ أدلّتنا.

فإن قلت : تقريبك هناك كان مبنيّا على الفرق بين الغليان والسكر.

قلت : ذلك التقريب بناء على إتمام الدليل على مذاق المتأخّرين ، وإلّا فالرواية ظاهرة في مساواة التمر للعنب ، فإن كان العنب بالغليان يصير مسكرا جزما ومحتمل السكر فالأمر كما ذكر هاهنا ، وإلّا فالأمر كما ذكر هناك.

ومن جملة الأخبار ، الأخبار الكثيرة الواردة في عدم شرب ما زاد مكثه (٢) عن يوم ، الظاهرة في خوف عروض السكر إن زاد (٣) ، ويظهر من حديث عمّار أنّ بزيادة المكث يخاف عروض النشيش (٤).

فظهر من ملاحظة المجموع أنّ النشيش يتحقّق به السكر جزما أو احتمالا ، كما هو الظاهر من القدماء ، والشهيد رحمه‌الله فهم من تلك الأخبار النشيش (٥) ، ولعلّه بملاحظة [ رواية ] عمّار وغيرها ، لكن مع ذلك لا شكّ في دلالة الأخبار على الخوف من عروض السكر.

وممّا يؤيّد ، ما رواه سماعة قال : « سألته عن التمر والزبيب ، يطبخان للنبيذ؟ فقال : لا ، وقال : كلّ مسكر حرام ، وقال : [ قال ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ كلّ ] ما أسكر كثيره فقليله حرام ، وقال : لا يصلح في النبيذ الخميرة. » (٦).

وجه الدلالة ، أنّ المعصوم عليه‌السلام حكم بالمنع بمجرّد الطبخ ، كما هو ظاهر الرواية ، وقوله : « قال : كلّ مسكر حرام » إن كان كلاما على حدة فالمطلوب

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣٩٣.

(٢) في النسخ الخطّية : ( في عدم شرب ما حدا ومكثه ) ، والظاهر أنّ ما أثبتناه هو المراد.

(٣) في النسخ الخطّية : ( عروض السكران إن زاد ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٢٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٩ الحديث ٣١٩٣٠.

(٥) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٣ / ١٦.

(٦) الكافي : ٦ / ٤٠٩ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٨ الحديث ٣٢٠٦٦.


واضح ، وهو كون التمر والزبيب مثل العنب في حكاية الغليان ، وإن كان متعلّقا بهذا الجواب ، فظاهره أنّ بالطبخ يصير مسكرا جزما ، وعلى سبيل الاحتمال بالإكثار من الشرب.

وقول : « لا يصلح في النبيذ » إشارة إلى أنّه لو لم يغل بالنار بل يغلي بالخميرة فهو أيضا ممنوع منه ، والخميرة هي العكرة ، كما في الحديث ، والعكرة درديّ النبيذ السابق (١).

يشير إلى ذلك ، رواية أبي البلاد ، قال : قلت له عليه‌السلام : أهل الكوفة لا يرضون بهذا ـ يعني النبيذ الحلال ـ قال : « فما نبيذهم؟ » قلت : يجعلون فيه ثفل التمر يضرى في الإناء حتّى يغلي ويسكن ـ بالنون ، على نسخة الأصل ـ فقال : « حرام » (٢) ، فإنّه ما كان يعرف نبيذهم ، بل حكم بالحرمة بمجرّد ما سمع أنّه قال : يهدر ويغلي ثمَّ يسكن ، من دون استفصال أنّه يسكر أم لا ، والهدر : الصوت (٣).

وفي رواية أخرى : موضع « ثفل التمر » « حبّ يؤتى [ به ] من البصرة فيلقى في هذا النبيذ حتّى يغلي ويسكن [ ثمَّ يشرب ] ، فقال : حرام » (٤).

ومثله رواية ابن مسلم أنّه سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن نبيذ [ قد ] سكن غليانه ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مسكر حرام » (٥).

أمّا على رأي الفاضل من أنّ النبيذ اسم لماء التمر فظاهر ، وأمّا على ما اخترناه فلأنّ الظاهر أنّ الراوي لا يسأل عن حكم النبيذ ، بل يسأل عن حدّ ما

__________________

(١) لاحظ! لسان العرب : ٤ / ٦٠٠ ، مجمع البحرين : ٣ / ٤١١.

(٢) الكافي : ٦ / ٤١٦ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٣ الحديث ٣٢١٠٨.

(٣) لاحظ! تاج العروس : ١٤ / ٤١٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٥ الحديث ٣٢١١٠.

(٥) الكافي : ٦ / ٤١٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٧ الحديث ٣٢١١٦.


يكون النبيذ النبيذ الحرام ، حيث قال : « قد سكن غليانه » يعني وصل إلى هذا الحدّ ، فأجاب عليه‌السلام بما أجاب ، مبالغة في الحكم بأنّه إذا وصل إلى هذا الحدّ فهو بعينه ممّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ مسكر حرام » يومئ إليه أنّ قوله حجّة عند الراوي ، فلا حاجة إلى الاستناد ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ موضع يستندون له نكتة ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد فهم القدماء ، صحيحة عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه‌السلام في الصحيح « [ الرجل ] يهدي [ إليّ البختج ] من غير أصحابنا ، قال (١) : إن [ كان ] ممّن يستحلّ المسكر فلا تشرب (٢) ، وإن [ كان ] ممّن لا يستحلّ فاشربه » (٣).

وسؤاله عن البختج مراده أنّه لا ندري هل ذهب ثلثاه أم لا ، يظهر ذلك من ملاحظة الأخبار ، مع أنّ البختج ليس بمسكر عندهم (٤).

وخلاصة الجواب ، أنّ المعتبر اعتقاد صاحب اليد بالنسبة إلى ما في يده ، فإن كان اعتقاده الحلّية قبل ذهاب الثلاثين فلا تشرب ، يظهر ذلك من ملاحظة الأخبار في هذا الباب ، مضافا إلى الأبواب الّتي هي نظائر الباب ، مع أنّ القاعدة الشرعيّة تقتضي أن يكون كذلك.

فظهر أنّه عليه‌السلام حكم بكونه من المسكرات ، إمّا حراما (٥) كما هو الظاهر أو كونه محتمل السكر ، ومحتمل السكر مسكر شرعا ، كما أنّ محتمل الزيادة من الربا

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فقال ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فلا تشربه ).

(٣) الكافي : ٦ / ٤٢٠ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٢ الحديث ٥٢٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٢ الحديث ٣١٩٣٧.

(٤) في ألف : ( عندكم ).

(٥) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( جزما ).


ـ كما أشرنا (١) ـ والأصل في المسكر أن يكون مستعملا في معناه الحقيقي ، مع أنّه على تسليم كونه مجازا فأقرب المجازات هو كونه محتمل السكر.

وحمل الحديث على كونه ممّن يستحلّ النبيذ المسكر فاسد ، لما ذكرنا ، أو غير المستحلّ للمسكر من العامّة أكثرهم يستحلّون قبل ذهاب الثلاثين ، فأيّ فائدة في عدم استحلالهم المسكر؟ وأيّ رابطة؟ وأيّ مناسبة؟!

فإن قلت : ليس من العامّة من لا يستحلّ العصير قبل ذهاب الثلاثين.

قلت : منهم من وافقنا لكن بشرط قذف الزبد (٢) ، ومعلوم أنّه لا يصير بختجا إلّا بعد قذف الزبد ، مع أنّ كثيرا من مذاهب العامّة يظهر من الأخبار أنّه كان في ذلك الزمان ، والأصحاب ما نقلوها ، لأنّ الظاهر أنّ الأصحاب ينقلون المذاهب الّتي ضبطها المعتنين لضبط المذاهب من أهل السنّة ، وكثيرا من مذاهبهم ما اعتنوا بها أصلا.

سلّمنا ، لكن يكون قوله عليه‌السلام إشارة إلى جواز الشرب من الشيعة لا غير ، مع أنّ قوله : « من غير أصحابنا » لا يلزم أن يكون من العامّة ، فتأمّل.

مع أنّه جعله له قاعدة يمشى بها كيف كان ، ولا يلزم أن يكون أحد ملحوظ النظر بخصوصه.

وممّا يؤيّد ، نقل السيد رحمه‌الله في الانتصار عن أبي هاشم الواسطي (٣) : ( الفقّاع نبيذ الشعير ، فإذا نشّ فهو خمر ) (٤) ، وورد في الفقّاع من الأخبار ما يشيّد ذلك (٥).

__________________

(١) راجع الصفحة : ٩١ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! المغني لابن قدامة : ٩ / ١٤٤.

(٣) في النسخة : ( الواشبي ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.

(٤) الانتصار : ١٩٩.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٩ الباب ٢٧ من أبواب الأشربة المحرّمة.


إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ السكر ليس مقصورا فيما ذكره المتأخّرون من أنّه لا يعرف السماء من الأرض ، وأمثال ذلك ، بشهادة الأخبار والعرف واللغة والاعتبار وقول الأطبّاء.

أمّا الأخبار ،

فبما رواه أبو الجارود ، عن الباقر عليه‌السلام « عن النبيذ ، أخمر هو؟ قال : ما زاد على الترك جودة فهو خمر » (١).

وفي توقيع الصاحب عليه‌السلام : « إذا كان كثيره يسكر أويغيّر ، فقليله وكثيره حرام » (٢).

وما رواه السكوني عن علي عليه‌السلام أنّه اتي بشارب الخمر فاستقرأه ، فقرأ القرآن ، فألقى رداءه في أردية الناس ، فلم يخلّصه فحدّه (٣).

وأمّا العرف ،

فيقسّمون السكر إلى مزيل العقل وغير مزيل ، والفقهاء أيضا قسّموا ذلك ، منه في تزويج السكران نفسه (٤)

وربّما ترى بعض السكرانين حركاتهم وكلماتهم مضبوطة وشعورهم بحالة بحيث يكون الجاهل بحاله يعتقد عدم سكره ، لكن تصدر منه اختلالات دقيقة يسيرة (٥) ، والعارف بحاله يقول : هذا من سكره.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤١٢ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٣ الحديث ٣٢٠٨٠.

(٢) الاحتجاج للطبرسي : . ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨٣ الحديث ٣٢١٨٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٥٣ الحديث ١٩١ ، تهذيب الأحكام : ١٠ / ٩٧ الحديث ٣٧٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٣٧ الحديث ٣٤٦٤٩ ، وفيها : ( أنّه اتي بشارب الخمر واستقرأه القرآن فقرأ ، فأخذ رداءه فألقاه مع أردية الناس وقال له : خلّص رداءك ، فلم يخلّصه ، فحدّه ).

(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٥٣٨ ، نهاية المرام : ١ / ٣٠.

(٥) في النسخ : ( يشيره ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


[ وأمّا اللغة ، ]

فقال المفلح : ( اختلف الأصحاب في تعريف السكر ، قيل : ما يحصل به اختلال الكلام المبطون وظهور السرّ المكنون ، وقيل : هو ما يغيّر العقل ويحصل معه نشوة وسرور وعربدة فإذا حصل مع ذلك تغيير الحواس الخمس فهو المرقد (١) ، والمعتمد صدق المسكر بكلّ واحد من هذه الأشياء ، فإذا غلا التمر أو الزبيب حتّى [ صار ] أسفله أعلاه وحصل فيه القوّة المسكرة الّتي تفعل بالمزاج أحد هذه الأشياء حرم ، وإلّا فلا ) (٢).

وقال محقّق في اللغة في ترتيب السكر : ( إذا شرب الإنسان فهو نشوان ، وإذا (٣) دبّ فيه الشراب فهو ثمل ، فإذا مرّ عقله فهو سكران (٤) ، فإذا زاد امتلاء فهو سكران طافح ، فإذا كان لا يتماسك ولا يتمالك فهو ملتحّ وملطخ (٥) ، وإذا كان لا يعقل شيئا من أمره ولا ينطلق لسانه قيل : سكران (٦) [ باتّ ] (٧).

وقال في باب أوائل الأشياء : ( النشوة أوّل السكر ) (٨).

وفي « النهاية » : ( الانتشاء أوّل السكر ومقدّماته ) (٩).

__________________

(١) في النسخ : ( المرتد ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لم نعثر عليها.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وإن ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فإذا بلغ الحدّ الّذي يوجب الحدّ فهو سكران ) بدلا من : ( فإذا مرّ. سكران ).

(٥) لم ترد : ( وملطخ ) في المصدر.

(٦) في النسخ : ( فهو سكران ) ، بدلا من : ( قيل : سكران باتّ ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.

(٧) فقه اللغة وسرّ العربيّة : ٢٧٦.

(٨) فقه اللغة وسرّ العربيّة : ١٩.

(٩) النهاية لابن الأثير : ٥ / ٦٠.


وأمّا الأطبّاء ،

فقالوا في مقدار الشرب : ما دام السرور بترديد (١) والحركات نشيطة والذهن سليما ، فلا تخف من إفراط الشرب.

وأمّا الاعتبار ،

فشارب المسكر الّذي يزيل العقل لا يزول عقله دفعة واحدة ، بل يحسّ أوّلا بالتغيّر ثمَّ لا يزال يزداد حتّى يذهب ، ولا شكّ أنّ هذا التغيّر من جملة السكر وأوّل درجته الضعيفة ، ولا شكّ أنّ الشارع لا يرضى بهذا أيضا.

ثمَّ التغيّر السكري كما يتفاوت درجاته بتفاوت الأزمنة ، كذا يتفاوت بتفاوت الكمّية والمقادير ، فإنّ الفنجان منه يحدث تغيّرا بحسب مقداره ، فما زاد على هذا المقدار فيزداد بحسب ازدياده ، وكذا يتفاوت بتفاوت الكيفيّة ، فالخمر الردي‌ء ـ عند الشاربين ـ يحدث سكرا ضعيفا ، فكلّما يكون أردأ فيكون السكر أضعف ، وكلّما يكون أجود يكون السكر أزيد وأشدّ على تفاوت المراتب ، وكذا يتفاوت سرعة وبطء.

وأيضا ، مزاج العنب لا ينقلب إلى مزاج الخمر دفعة واحدة ، والتغيّر منه إليه لا يحصل بتمامه وكماله (٢) في آن واحد ، بل أوّلا يستعدّ لعروض شي‌ء من الحالة الخمريّة وبعده يحدث فيه من أثر الخمريّة ـ أثر ضعيف لا يشعر به إلّا الحذّاق الماهرين (٣) في فنّ السكر ـ ثمَّ لا [ يزال ] يزداد الأثر ويتقوّى إلى أن يزول المزاج العنبي وخاصّياته بالمرّة ويكمل المراج الخمري وخاصّياتها ، ثمَّ لا يزال يزداد جودة إلى أن [ يبلغ ] درجة الكمال ، هذا الشرب الريحاني ، فإذا [ أرادوا ]

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( يتزايد ).

(٢) في النسخ : ( بتمامه وكلامه ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ : ( إلّا المذاق من الماهرين ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


أن يجعلوه شرابا آخر يدخلون فيه أدوية أخر ومغيّرات ومشدّدات.

فعلى هذا القول ، لا مانع من أن يكون بالغليان والنشيش ما يحدث فيه الدرجة الضعيفة من السكر ، يعني شيئا ضعيفا من أثره وإن لم يكن يسمّى في العرف خمرا ولم يجعل داخلا في جنسه ، ويكون الشارع حرّم هذا لكونه درجة من درجات السكر ومرتبة من مراتبه وإن كانت ضعيفة غاية الضعف بحيث لا يحسّ به إلّا الحذّاق الماهرين (١) في الفنّ ، كيف وهو حرّم القطرة والذرّة ـ على حسب ما أشرنا إليه ـ مع عدم سكر أصلا حسما لمادّة الفساد؟!

فإن قلت : القطرة والذرّة خمر لغة وعرفا ، وما ذكرت واحتملت من الأثر فلا يصدق عليه السكر عرفا ، والمناط هو العرف واللغة.

قلت : العرف مناط إذا لم يظهر من الشرع اصطلاح ، كما هو المقرّر ، وقد ظهر منه ما ظهر ، والفقهاء القدماء الخبيرون الفاضلون المعاصرون الشاهدون السالمون من الشبهات والاجتهادات فهموا ما فهموا ، وأفتوا بما أفتوا ، وأجروا جميع أحكام الخمر ما أجروا ، والرواة حين سألوا عن بدء تحريم الخمر واتّخاذه فأجيبوا بحكاية الثلث والثلاثين فقط ، من دون تعرّض إلى أمر آخر ، فسكتوا بمجرّد ذلك وقنعوا من دون تأمّل ولا تحيّر ولا تزال. إلى غير ذلك ممّا أشرنا إليه.

على أنّه غير خفي أنّ المناط في المقام ليس الصدق العرفي ، بل ما هو أثر الخمر وعاقبتها وإن كان أثرا ضعيفا ، وأدنى عاقبة منها ، بل ولو على سبيل الاحتمال أيضا ، كما عرفت مفصّلا.

ألا ترى أنّ الطبيب إذا قال لمريض : يضرّك ويهلكك الخلّ والأشياء

__________________

(١) في النسخ : ( إلّا المذاق الماهرين ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.


الحامضة وكلّ حموضة وإن كان أدنى حموضة ، يحترز المريض البتّة من العنب والرطب ، وغيرهما من الثمرات الحلوة ، والطبيخات والنقيعات والأشربة ، وغير ذلك إذا حدث فيها حموضة ما بزيادة مكث أو حرارة هواء ، وإن كان أدنى حموضة ، وإن لم يصدق عليها أنّها خلّ ولا يصدق عليها أنّها حامضة ، من كون حموضتها في غاية الضعف ، والحلاوة وغيرها في غاية القوّة ، اللهم إلّا أن يقول الطبيب : إنّ الحلاوة تجرّ ضدّ الحموضة فلا بأس بالشرب ، فلو صرّح بعدم الجرّ وبقاء الضرر فلا شكّ أنّه يحترز مثله ولا يلاحظ الصدق العرفي.

وغير خفي على المطّلع بالأخبار والتشديدات والمضايقات الشرعيّة بالنسبة إلى السكر ـ على حسب ما نبّهنا عليه ـ أنّ السكر بأيّ درجة يكون لا يجبره شي‌ء.

هذا ، مضافا إلى أنّه ما وجدنا من جرّب جميع الأمزجة فوجد أنّه لا يحدث في مزاج من الأمزجة درجة ضعيفة من السكر ولو بالإفراط من الشرب ، بل ما الكلّ المنجرّ في الجملة يتغيّر الدراكة ، فلا عجب من أن يكون بإفراط الشرب هنا يتغيّر الدراكة ، ويكون هذا من باب النشو والخمار ، والأوّل من باب التجار.

والحاصل ، أنّ بعد صدور ما صدر من الشارع والفقهاء القدماء ورواه الأحاديث على التفصيل الّذي نبّهنا [ عليه ] لا وجه لدعوى الضرورة ، سيّما مع عدم تجربة الأمزجة ، وكون السكر متفاوت الدرجة ، وغير ذلك.

مع أنّ ما ذكرنا محتمل ، وإن لم يثبت ، فلا وجه لادّعاء الضرورة وإثبات اللغة بذلك ، والطعن في الأخبار وكلام القدماء ، والإعراض عنها بالنسبة إلى ما صدر في العصير العنبي ، لأنّه غير قابل للتوجيه ، كما لا يخفى على المنصف.


وعلى تقدير القابليّة ، فلا وجه للتوجيه والتأويل ثمَّ الطعن بأنّ الحكم بالنجاسة لا دليل له ، وكذا الحكم بوجوب حدّ الشرب ، مع أنّ الثاني ، مسلّم الكلّ ، والأوّل حكم به معظم الفحول وأكثر الفقهاء المتديّنين الورعين المحتاطين في الفتوى ، سيّما القدماء الّذين فتواهم مقرون على النصوص ، وعارون عن الاجتهادات والأقيسة.

وممّا ذكرنا ظهر فساد باقي أدلّة هذا الفاضل ، إذ من (١) جملة أدلّته الأخبار الواردة في باب أصل تحريم الخمر مدّعيا ظهور انحصار حكاية ذهاب الثلاثين في العنب.

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ الانحصار غير ظاهر ، إذ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه ، مع أنّ في بعض النسخ موضع « الحبلة » « النخلة » (٢) ، وهذا أيضا ممّا [ يضرّ ] بالاستدلال.

فإن قلت : لمّا كان في الخبر الآخر موضع « الحبلة » « الكرم » (٣) ، عيّن هذا فساد تلك النسخة ، لأنّ الحكايتين في منازعة نوح مع الشيطان.

قلت : يجوز أن يكون نزاعه معه وقع في التمر أيضا ، كما وقع نزاعه مع آدم وحوّاء ، حيث وقع في التمر أيضا.

فإن قلت : الأقرب كون الحكايتين لمحكي واحد.

[ قلت ] : الأقرب أن يكون نزاعه مع آدم وحوّاء أيضا كذلك ، على أنّا نقول : الوارد في نزاع نوح لفظ « الكرم » و « الحبلة » ، فمن أين ظهر الحصر في العنب حتّى يدلّ أنّ الزبيب ليس كذلك.

__________________

(١) في النسخ : ( أو من ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! مرآة العقول : ٢٢ / ٢٤٩ الحديث ٣.

(٣) لاحظ! الكافي : ٦ / ٣٩٥ الحديث ٤.


وإن قلت : في أحد الخبرين في آخره : « إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتّى يذهب الثلثان » (١).

قلت : إنّه يستدلّ بهذه الأخبار على انحصار إطلاق العصير في العنب ، فما ذكرت (٢) يصير دورا واضحا ، مع أنّ في كونه قرينة أيضا تأمّلا (٣) ، فتأمّل.

فإن قلت : صرّح في منازعة آدم عليه‌السلام بلفظ العنب ، فهو قرينة.

قلت : ما في نزاع آدم يصير قرينة لما في نزاع نوح ، ولا يصير قرينة لما في نزاع نفسه وحوّاء ، كما ورد في رواية إبراهيم (٤) ممّا ذكره بحكم واضح ، كما لا يخفى.

ومن أدلّته ،

أنّهم عليهم‌السلام قالوا : « كلّ مسكر حرام » جوابا لمن سأل عن حكم النبيذ (٥) ، زعما منه أنّ النبيذ هو مجرّد ماء التمر فيخصّص الحرمة بالتمر ، وقد عرفت ما فيه.

ومنها ،

رواية يزيد بن خليفة أنّ غلامه كان يشرب النبيذ ويشرب بمشاركته ، فقال له عليه‌السلام : « أنظر شرابك هذا الّذي تشربه ، فإن كان يسكر كثيرة فلا تقرّبن قليله ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كلّ مسكر حرام ، وقال : ما أسكر كثيره فقليله حرام » (٦).

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ الاستدلال مبني أيضا على ذلك الزعم ، وقد عرفت فساده ، مع أنّ في المقام قرينة على أنّ الّذي كانوا يشربونه في تداعيهم

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣٩٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٤ الحديث ٣١٩١٦.

(٢) في النسخ : ( ممّا ذكرت ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّية : ( سبالا ) ، فقدّرنا أنّها كما في المتن.

(٤) الكافي : ٦ / ٣٩٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٣ الحديث ٣١٩١٥.

(٥) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤٠٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٦ الحديث ٣٢٠٦٢.

(٦) الكافي : ٦ / ٤١١ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٠ الحديث ٣٢٠٧٠.


هو المسكر المعهود ، لأنّه هو الّذي يشرب في مقام العيش والسرور ، وينبّه على [ ذلك ] أنّ الإمام عليه‌السلام لم يستفصل من يزيد أنّ نبيذهم هل هو من المسكر أم لا ، فلعلّه لم يكن من المسكر ولم يحتج إلى الإنكار.

وبالجملة ، لا خفاء في أنّ نبيذهم كان مسكرا ، فالشرط وارد مورد العادة ، ومثله لم يكن له مفهوم حجّة ، وأحتمل أن يكون الغرض [ من ] الكذب مثل قول الناس : إن كان قول الله صدقا فكذا ، أو يكون شرطهم مقصورا في القليل ، بناء على أنّ كثيرة يسكر وكانوا يحترزون عن السكر ، ويظهر ذلك من الأخبار المتعدّدة فيها (١).

وكذا أنّه بعد ما نقل الصادق عليه‌السلام قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّ مسكر حرام » قال له الرجل : إنّ من عندنا يقولون : عنى بذلك القدح [ الّذي ] يسكر (٢). الحديث ، ولعلّ [ هذا ] هو السرّ في أنّ الأكثر (٣) تعرّضوا لهذا المعنى من دون منشأ.

سلّمنا ، لكن المفهوم لا عموم له عند المحقّقين.

وبالجملة ، فرق بين أن يقول : إن كان يسكر فلا تشرب ، وإن كان كثيره يسكر فلا تشرب قليله.

ومن أدلّته ،

رواية وفد اليمن حين بعثوا جمعا منهم ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن النبيذ ، فقال : « وما النبيذ؟ » ، فقال : يؤخذ ماء التمر فيطبخ فإذا انطبخ القوة في إناء آخر (٤) وصفّوه ثمَّ يصبّ عليه من عكر ما كان قبله ، ثمَّ يهدر ويغلي ، ثمَّ يسكن على عكره ، فقال : « قد أكثرت عليّ أفيسكر؟ » قالوا : نعم ، قال : « حرام » ، ثمَّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٦ الباب ١٧ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٢) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤٠٩ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٩ الحديث ٣٢٠٦٨.

(٣) في النسخ الخطيّة : ( في أن أكثر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : ( القوة وأما آخر ) ، وما أثبتناه في المتن هو الموافق للمصادر.


رجع الوفد إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه مشافهة فكان السؤال والجواب على طبق السابق (١).

قال رحمه‌الله : هذه الرواية واضحة الدلالة على إباحة ما مسّه النار ، لاشتمالها على استفصال ، وقصر التحريم فيها على المسكر ، مع أنّ المقام يقتضي شدّة الحاجة إلى بيان ما يحتاجون إليه في الحال. انتهى (٢).

قلت : إنّه رحمه‌الله اعترض على رواية عمّار بأنّه فطحي ، مع أنّ الرواية موثّقة ، ونقل الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته (٣) ، ويرى الأمر كذلك ، إذ لا يكاد يوجد باب من أبواب الفقه إلّا وعملوا بروايته ، بل ورجّحوا على روايات غيره ، بل وربّما كانت صحيحة ، ومع ذلك استدلّ بمثل هذه الرواية مع كونها في غاية الضعف.

مضافا إلى أنّ هذه الحكاية على ما نقله العامّة (٤) وذكره مشايخنا في القدماء من مثل المرتضى رحمه‌الله (٥) ، وكذا المتأخّرين من قبيل ابن الجمهور (٦) إنّما هي في شراب الذرّة ، ويشير إليه ملاحظة حال اليمن (٧) من كون شرابهم من الذرّة ، لأنّها الغالب التحقّق ، فلعلّ أنّ أحدا من الرواة توهّم ذلك موضع هذا.

وفيه (٨) ـ مضافا إلى ما ذكر من ثبوت عدم السكر أصلا ورأسا على

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤١٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٥ الحديث ٣٢١١٣.

(٢) رسالة الشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله البحراني. غير متوفّرة لدينا.

(٣) لم نعثر في كتب الشيخ على نقل إجماع الشيعة على العمل بروايته ، نعم ، قال في عدّة الأصول : ١ / ٣٨١ ما نصّه : ( فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة ، مثل : عبد الله بن بكير وغيره ) ، وبهذا وشبهه استدلّ العلماء على وثاقة عمّار وغيره من الفطحيّة.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي : ١٣ / ١٧١ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٩٢.

(٥) الانتصار : ١٩٨.

(٦) عوالي اللئالي : ١ / ٣١٦ الحديثان ٤٠ و ٤٢.

(٧) في النسخ الخطّية : ( حال التمر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّية : ( ومع ) بدلا من ( وفيه ) ، ولكنّا قدرنا أن الأنسب بالعبارة هو ما ذكرناه.


حسب ما مرّ ـ أنّ السائل وإن كان سأل عن المطبوع إلّا أنّه بعد كان مشغولا في تتمّة الوصف ، ما كان له أن يبادر بالجواب ، لأنّ الطبخ ربّما يومي إلى كمال طبخ.

ثمَّ إنّ السائل لمّا قال : يلقى عليه من العكر ويهدر ويغلي ويسكن على عكره ، فهم أنّ سؤالهم عن المسكر ، كما فهم سائر الأئمّة عليهم‌السلام في أحاديث كثيرة من هذه العبارات ذلك ، ولذا بادروا بالحكم بالحرمة من دون تأمّل ولا استفصال.

فلعلّ استفهامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استفهام تقريري ، يومئ إلى ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قد أكثرت عليّ » ، إذ أنّه لا إكثار في مقام التوصيف ، لتوقّفه على إتمام الصفات ، بل مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ من العبارات الأخيرة ظهر أنّ ما ذكرت مسكر فهلّا ذكرت أوّلا بأنّه مسكر واستغنيت بهذا [ عن ] التطويل (١)؟ ويمكن أن يكون سؤاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة أنّ العبارة وإن كان ظاهرا إلّا أنّ التصريح أولى ، ويمكن أن يكون العبارة غير ظاهرة لكن لمّا كانت موهمة لذلك سأل (٢).

على أنّه قد ذكر العامّة عن الرسول حكاية عدم شرب [ ما مسّته ] نار أو [ طال ] مكثه (٣) ، وقد أشرنا إلى نبيذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكان العبّاس أيضا في سقاية زمزم ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ ، كلّ ذلك قد أشير إليها ، فرسول الله أولى بالمعرفة ، بل الظاهر أنّ فعل العبّاس بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وبالجملة ، لعلّه لا خفاء في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أنّ النبيذ منه حلال ومنه

__________________

(١) في النسخ الخطيّة : ( أنّ ما ذكرت مسكر مهلا ذكرت أولا بأنّه مسكر واستغلب بهذا التطويل ) ، والظاهر أنّ ما يريده المصنّف هو ما ذكرناه.

(٢) في النسخ : ( لذلك سبيل ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! سنن النسائي : ٨ / ٣٣١ باب الوضوء ممّا مسّت النار.


حرام ، وغرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السؤال عن الوصف استعلام أنّ مسؤولهم هل هو من الحرام أو الحلال ، فلمّا عرف أنّه من الحرام قال : « أيسكر؟ قالوا : نعم ، فقال : حرام.

وممّا ينادي إلى ما ذكرنا ، إتيانه بكلمة « فاء » بعد همزة الاستفهام ، حيث قال : « أفيسكر؟ » ، ولم يقل : أيسكر؟ ، فتدبّر!.

وقوله : ( مع أنّ المقام. إلى آخره ) (١).

فيه ، أنّهم لم يسألوا عن حكم ماء التمر ، بل سألوا عن حكم ما هو مسكر ، فأجابهم بما احتاجوا إليه في الحال.

ومن جملة أدلّته ،

رواية مولى جرير بن يزيد أنّه سأل الصادق عليه‌السلام (٢) : « إنّي أصنع الأشربة من العسل وغيره ، فإنّهم يكلّفوني صنعها (٣) ، فأصنعها لهم؟ فقال : اصنعها وادفعها إليهم ، وهي حلال من قبل أن تصير مسكرا » (٤).

وفيه ـ بعد أنّ حكاية السند على حسب ما ذكرنا سابقا ـ أنّ الضمير في « أنّهم » و « يكلّفوني » راجع إلى العامّة ، كما لا يخفى على المدرك في الحديث ، وظاهر أنّهم كانوا يريدون منه الشراب المسكر ، ولهذا سأل المعصوم عليه‌السلام أنّه هل يصنعها لهم أم لا.

ويشير إليه قوله عليه‌السلام : « ادفعها .. قبل أن تصير مسكرا » ، فالمقام مقام

__________________

(١) هذا من قول الشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله البحراني ، ورسالته غير متوفّرة لدينا.

(٢) كذا ، وفي تهذيب الأحكام : ( عن مولى حرّ بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام. ) ، وفي وسائل الشيعة : ( عن مولى جرير بن يزيد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام. ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( صنعتها ).

(٤) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٧ الحديث ٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١ الحديث ٣٢١٧٩.


إنفاد ولعنة أولا ، فالإعانة في الإثم حرام ، وهم عليهم‌السلام كانوا يضايقون عمّا زاد مكثه عن يوم من جهة خوف السكر ، وقد قلنا محتمل السكر بما عرف.

وقد عرف أيضا أنّهم حرّموا ما لم يعلم هل ذهب ثلثاه أم لا من الأشربة في أخبار صحيحة واضحة السند والدلالة ، مفتى بمضمونها معمول بها ، والدفع قبل السكر لعلّة ممدوحة ، مثل غسل الرجلين موضع مسح الخفّين.

مع احتمال كون المراد من السكر ما يشمل ما نحن فيه ، على حسب ما مرّ مشروحا من الأخبار ، وكلام الفقهاء وحال الرواة ، فما هو جوابكم هناك فهو الجواب هاهنا.

هذا ، مضافا إلى أنّ صنعة تلك الأشربة غير معروفة ، فلعلّه يتحقّق فيها ذهاب الثلاثين والسكر بعد ذلك ، كما وقع التصريح بذلك في خبر شراب الميبة (١) ، وقد ظهر في أي أدلّتنا (٢) أنّ غير شراب الميبة أيضا كذلك ، فلا حظ.

على أنّا نقول : الأشربة شاملة لشراب العنب ، فما هو جوابكم فيه فهو جوابنا ، إلّا أن يدّعى أنّ الظاهر من لفظ الشراب انصرافه إلى غير العنبي ، فعلى هذا يلزمه الحكم بحرمة التمري والزبيبي عند عدم ذهاب الثلاثين بالغليان ، لأنّ الأخبار الدالّة على أنّه [ غير العنبي ] على تقدير الشمول للعنبي أيضا يلزمكم هذا القول ، كما ذكرنا في طيّ [ كلامنا ].

فإن قلت : خرج ذلك بالدليل وبقي الباقي.

قلت : هذا أيضا مشترك ، لما مرّ من الأدلة ، ولا يجب أن يكون المخرج هو الإجماع ، مع أنّ التوجيه غير منحصر في ذلك ، إذ قد عرفت الحال.

__________________

(١) في النسخ : ( شراب الميتة ) ، والصحيح ما أثبتناه ، لاحظ : وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٧ الحديث ٣٢١٤٠.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ المراد : ( في طيّ أدلّتنا ).


مضافا إلى أنّه يمكن الحمل على عدم تحقّق غليان أصلا بأنّه كان المعهود في الأشربة المسكرة المعمولة عند العامّة ذلك ، وما ورد من أنّ التمر والزبيب يطبخان للنبيذ لا يعلم منه ، إذ لعلّ الأشربة اصطلاح أمر مغاير للنبيذ.

أو يكون السؤال : هل يصلح طبخهما للنبيذ إن اختير ذلك؟ لا أنّه الشائع المعهود.

وبالجملة ، حكاية الغليان الّذي يكون قبل ذهاب الثلاثين غير مذكورة في الرواية أصلا ، فالاستدلال مبني على ادّعاء كون ذلك شائعا أو فردا من الشائع لا أقلّ ، ومن أين ثبت حتّى يصحّ الاستدلال؟! وعلى تقدير الثبوت يمكن الحمل على غيره ، لما عرفت من أنّه لا بدّ من توجيه.

وأيضا ، إطلاق قوله : من قبل أن يسكر ، ممّا يرجع إلى العموم ، لو لم يكن قيد ( وهو حلال ) منضما به ، فلعلّه قيد مقدّم فتدبّر.

نظيره ما ورد في بيع العصير قبل أن يغلي إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو حلال فلا بأس (١) ، كما ذكرنا ، فإن جعلت المراد من الخمر العصير الغالي فالأمر فيما نحن فيه كذلك ، وإن جعلته الخمر المعهود المتعارف وقوله : « وهو حلال » قيدا فالأمر فيما نحن فيه أيضا كذلك.

ومن أدلّته ،

ما ورد من أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّم من الأشربة كلّ مسكر (٢).

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ مفهوم اللقب ليس بحجّة عند المعظم.

سلّمنا ، لكن لا عموم للمفهوم ، سيّما مثل هذا المفهوم.

سلّمنا ، لكن ليس بحيث تعارض أدلّتنا.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨٠ الحديث ٣٢١٧٨.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٢٦ الحديث ٣٢٠٣٠.


ومن أدلّته ،

ما رواه الكليني أنّ الصادق عليه‌السلام أكل دجاجة مملوءة خبيصا (١). في « القاموس » : ( الخبيص : المعمول من التمر والسمن ) (٢).

وجه الدلالة ، أنّ ذلك يستلزم نشر الحلاوة في الدجاجة وما فيها مع مسّ النار.

وفيه ، أنّ محلّ النزاع ليس إلّا العصير الّذي غلا فصار أسفله أعلاه وأعلاه أسفله ، لا مجرّد مسّ النار.

فإن قلت : العلّة هو مسّ النار.

قلت : قياس حرام فاسد عند القائل به ، لعدم ظهور كون العلّة ذلك ، سيّما على رأيكم من أنّ حرمة الغالي قبل ذهاب الثلاثين بعيد محض ، وأمّا ما ظهر من القدماء والأخبار أنّ العلّة هي التشبّث بالسكر ، وغير خفي أنّه لا يتشبّث إلّا إذا كان مائعا ، كما هو الحال في أخذ الخمور ، بل في صورة الميعان أيضا إذا غلا وطبخ منضما إلى غيره مثل الأرز ، والطحن غير ظاهر تشبّثه به وصيرورته حراما.

روى ابن إدريس رحمه‌الله في آخر « السرائر » عن محمّد بن علي بن عيسى أنّه كتب إلى أبي الحسن علي بن محمّد عليهما‌السلام : « عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم ، وربّما يجعل (٣) فيه العصير من العنب ، وإنّما هو لحم يطبخ به ، وقد روي عنهم في العصير أنّه إذا جعل على النار لم يشرب حتّى يذهب ثلثاه [ ويبقى ثلثه ] ، وأنّ الّذي يجعل من العصير في القدر (٤) بتلك المنزلة ، وقد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣٢١ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٧٣ الحديث ٣١٢١٧.

(٢) القاموس المحيط : ٢ / ٣١١.

(٣) في السرائر : ( وربّما جعل ) ، وما في المتن موافق لما في وسائل الشيعة.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( الّذي يجعل في القدر من العصير ).


ذلك ، فكتب [ بخطّه ] : لا بأس به » (١).

والحديث صحيح ، والدلالة واضحة ، ولم يظهر من الفقهاء ولا الأخبار حرمة الممزوج في العصير العنبي فضلا عمّا نحن فيه. نعم ، الظاهر أنّ الضميمة لو كانت مثل العسل والدبس لا ينفع.

وممّا ذكر [ ظهر ] أنّ فتوى العلّامة في جواب مسائل السيّد مهنّا محض الحقّ ، ليس فيه تعسّف أصلا ، ومدّعي (٢) عدم الفرق بين المنضمّ وغيره هو المتعسّف.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن استدلال الشهيد رحمه‌الله لأنّ (٣) الصادق عليه‌السلام كان يعجبه الزبيبة (٤) ، مضافا إلى عدم معلوميّة الكيفيّة مطلقا.

فما ذكره هذا الفاضل من أنّ أهل الحجاز وغيرهم يستعملون المطبوخات المائعة.

أقول : استعمالهم غالبا لا شكّ فيه ، لكن المستعمل كذلك هو المنضمّ مع الغير لا الخالص.

سلّمنا ، لكن كون ذلك دليلا على الحلّية من أين؟!

أمّا العامّة ، فحالهم ظاهر.

وأمّا الخاصّة ، فبعد تسليم ذلك فإنّما هو من فتاوي فقهائنا المتأخّرين.

على أنّ الكلام إنّما هو في معرفة الزبيبة ، إذ غير معلوم [ أنّها ] من المائع ،

__________________

(١) السرائر : ٣ / ٥٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٨ الحديث ٣١٩٢٨ ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ : ( ويدّعي ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) كذا ، والظاهر أنّ الراد : ( بأنّ ).

(٤) لاحظ! مسالك الأفهام : ٢ / ١٩٧.


فاستعمالهم له لا يدلّ على كونه منها (١) ، سيّما الخالص ، بل لعلّه لا تأمّل في عدم كونها ماء الزبيب الخالص ، بل لعلّها ليست من المائعات ، فتأمّل!

تمّت الرسالة.

__________________

(١) في ب : ( كونه منهما ).


رسالة

في

رؤية الهلال



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين.

مسألة :

إذا رئي الهلال قبل الزوال ، فالمشهور بين الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ عدم الفرق بينه وبين أن يرى بعد الزوال ، بل هذا هو المعروف منهم ـ وما قيل أنّ الصدوق أيضا قائل وهم ، لأنّه لا يقول بالرؤية ، بل يقول بالعدد كما هو معروف (١) ـ إلّا ما نقل عن السيّد رحمه‌الله أنّه ( إذا رئي قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ) (٢) ، وظاهره وجوب الإتمام لو كان صائما في يوم الثلاثين من شعبان ، ووجوب الإفطار في يوم ثلاثين من رمضان.

حجّة المشهور وجوه :

الأوّل :

ظاهر قوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٣) ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٠ الأحاديث ٤٧٠ ـ ٤٧٤.

(٢) المسائل الناصريّة ـ ضمن الجوامع الفقهيّة ـ : ٢٤٢ المسألة ١٢٦.

(٣) البقرة (٢) : ١٨٧.


الثاني :

الأخبار المتواترة ، حيث أمروا فيها بالصوم بالرؤية (١) مطلقا ، أعمّ من أن يكون قبل الزوال أو بعده ، وأمروا بالإفطار بالرؤية كذلك ، من غير تفصيل بين قبل الزوال وبعده ، كما يقول به الخصم (٢).

وبالجملة ، التفصيل المذكور خلاف ظاهر تلك الأخبار المتواترة ، فإنّ الظاهر منها أنّ الصوم للرؤية على نهج واحد (٣) لا تفصيل فيه ، وكذلك الفطر ، فالظاهر كونها بنسق واحد.

وتخصيصها بالرؤية قبل الزوال فاسد قطعا ، بل القطع حاصل بدخول الرؤية بعد الزوال فيها ، بل في كثير منها الأمر بإنشاء الصوم بعد تحقّق الرؤية.

بل من المسلّمات أنّ المطلق منصرف إلى الشائع ، والشائع وقوع الاستهلال بعد الزوال ، والغالب الرؤية ذلك الوقت ، فتعيّن أن يكون المراد الصوم غدا والفطر غدا مشروطين بالرؤية المتعارفة ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

مع أنّ الصوم حقيقة في الكفّ المعهود من ابتداء الفجر إلى الغروب ، وظاهر في ذلك.

فالأمر بإنشاء الصوم بعد الرؤية في غاية الظهور في أنّ المراد غدا.

وامتداد وقت نيّة الصوم إلى الزوال في بعض الأحوال لا يقتضي وجود صوم بعض اليوم ، بل الإجماع والأخبار ظاهران في كون المكلّف صائما في مجموع اليوم لا في بعضه ، والمعصوم عليه‌السلام أمر في تلك الأخبار بنفس الصوم لا بإيجاد نيّته (٤).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الباب من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٣ / ٢٨٧.

(٣) في ألف : ( على أنّه واحد ).

(٤) في الأصل : ( لا بإيجاد نفيه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


سلّمنا ، لكنّه ليس من الأفراد المتبادرة من الإطلاق ، فإنّ الظاهر من إيجاد الصوم إيجاد النيّة من أوّل اليوم.

وأيضا ، الظاهر من إيجاد الصوم إيجاد صوم اليوم ، لا صوم بعض اليوم ، فظاهر هذه الأخبار أنّ وجوب الصوم مشروط بتحقّق الرؤية قبله ، حتّى يقع بعدها ، لا تحقّق الرؤية في الأثناء أيضا ووقع بعض الصوم قبل الرؤية.

وأيضا ، كلمة « الفاء » تفيد التعقيب ، والأمر يكون بالصوم بعد الرؤية ، بل ظاهرها الأمر بالصوم غدا بعد رؤية الهلال ، لا الصوم حين الرؤية وبعدها بلا فصل ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فكذلك الأمر بالإفطار ، بقرينة السياق ، ولعدم القول بالفصل. فالظاهر منها : إذا رأيتم الهلال فصوموا غدا مطلقا ، وإذا رأيتم الهلال فأفطروا غدا مطلقا ، وهذا هو المنساق إلى الأذهان.

ولو لم ترد الرواية المتضمّنة لكون الرؤية قبل الزوال للّيلة الماضية وبعده للّيلة المستقبلة ، لما كان الخصم يفهم من الروايات المتواترة سوى الّذي ذكرناه ، من دون تأمّل وتزلزل ، كما لا يخفى ، وليس هذا إلّا من جهة الدلالة ، كما أنّه يحكم بعدم الفرق بين قبل العصر وبعده وقبل المغرب وبعده. إلى غير ذلك.

بل قال جدّي العلّامة المجلسي رحمه‌الله : إنّ دلالتها على ما ذكرنا قطعي (١) ، ولا يخلو عن وجاهة ، لأنّ حمل المتواترة على خصوص ما قبل الزوال فاسد قطعا ، وإرادة ما بعده فيها قطعيّة ، والصوم والإفطار لهذه يكون من الغد قطعا ، بالضرورة من الدين ، فأمر الشارع لأصل هذه الرؤية يكون بالصوم غدا والفطر غدا ، ويكون هذا المتبادر ، وهو الظاهر ، وهو المراد ، فكيف يفهم من عبارة

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.


واحدة معنيين متفاوتين؟! بل هو أيضا فاسد قطعا ، فتأمّل جدّا.

الثالث :

الاستصحاب ، وقولهم عليهم‌السلام : « لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله » (١).

الرابع :

قولهم عليهم‌السلام في خصوص المقام : « لا يدخل الشك في اليقين » (٢) ، وقولهم عليهم‌السلام : « لا يجوز الصوم والإفطار بالتظنّي » (٣) ، وما ذكرت مضمون الأخبار ، ومتنها ليس ببالي.

ومعلوم أنّ الرؤية قبل الزوال لا تقتضي كون الهلال من الليلة الماضية قطعا ، لأنّ خروج الشعاع إذا وقع قبل المغرب بمقدار لا يتحقّق الرؤية به ليلا جزما ، يرى الهلال من الغد قبل الزوال قطعا ، بل إذا وقع خروج الشعاع عند المغرب أيضا يرى من الغد قبله قطعا ، بل إذا وقع بعد المغرب أيضا بدرجات يرى قبل الزوال قطعا ، كما لا يخفى على المطّلع ، ولذا كثيرا ما لا يرى الهلال بلا غيم ولا غبار ولا شبهة ، ومع ذلك يرى من الغد قبل الزوال.

والقطع حاصل بأنّه تعالى جعل الأهلّة مواقيت للناس والحجّ ، وورد في غير واحد من الأخبار أنّ المراد من ( مَواقِيتُ لِلنّاسِ ) (٤) المواقيت لصومهم

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ ، وفيهما : ( ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ ، وإنّما تنقضه بيقين آخر ).

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٥٩ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٥ الحديث ١٣٣٥١ ، وفيهما : ( اليقين لا يدخل فيه الشكّ ).

(٣) الكافي : ٤ / ١٧٧ الحديث ٦ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٧٦ الحديث ٣٣٤ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٥٦ الحديث ٤٣٣ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٢ الحديث ١٣٣٤٠ ، وفيها : ( إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظنّي. ).

(٤) البقرة (٢) : ١٨٩.


وفطرهم ، أو أنّهما داخلان فيها البتّة (١).

ولا شكّ في أنّه لا يصير الهلال هلالا ما لم يخرج عن الشعاع ، بل وما لم يصر إلى حدّ الرؤية ، ولا شكّ في أنّ لفظ الهلال في لغة العرب اسم للقدر الخارج من الشعاع من القمر في الليلة الاولى والثانية والثالثة (٢).

الخامس :

رواية جرّاح المدائني ، عن الصادق عليه‌السلام : « من رأى هلال شوّال بنهار في [ شهر ] رمضان فليتمّ صيامه » (٣) ، والسند منجبر بالشهرة الّتي كادت أن تكون إجماعا.

السادس :

ما رواه الشيخ عن كتاب عليّ بن حاتم الثقة الجليل ، بسنده الصحيح إلى محمّد بن عيسى ، قال : « كتبت إليه عليه‌السلام : جعلت فداك ، ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد [ الهلال ] قبل الزوال ، وربّما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : تتمّ إلى الليل ، فإنّه إن كان تامّا لرئي (٤) قبل الزوال » (٥).

قوله عليه‌السلام « فإنّه إن كان. إلى آخره » ينادي بأنّ المراد هلال شوّال ، ويؤيّده أيضا قوله : « فترى أن نفطر » ، مع أنّ الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٢ الأحاديث ١٣٣٣٩ و ١٣٣٤١ و ١٣٣٤٥ و ١٣٣٥٦ و ١٣٣٥٩ و ١٣٣٦٠ و ١٣٣٦١ و ١٣٣٦٥.

(٢) لاحظ! الصحاح للجوهري : ٥ / ١٨٥١ ، مجمع البحرين : ٥ / ٤٩٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٧ الحديث ٤٩٠ ، الاستبصار : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٢١.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( رئي ).

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٧ الحديث ٤٩٠ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٩ الحديث ١٣٤١٣ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.


مع أنّ هذه الرواية في « الاستبصار » هكذا : « ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان » (١) ، ولا شكّ في أنّه هو الصواب ، وحمل ما في « التهذيب » على السهو حتّى القائل باعتبار الرؤية قبل الزوال مثل صاحب « الوافي » (٢).

ويؤيّده أنّ الشيخ استدلّ به في « التهذيب » (٣) على مطلوبه (٤) ، وأنّ ما في « الاستبصار » أضبط ممّا في « التهذيب » في جميع المواضع كما لا يخفى ، وأنّه صنّف بعده ، وفي الغالب أنّ ما بعد أضبط ، ووجهه واضح.

السابع :

ما رواه في الصحيح عن محمّد بن قيس ، عن الباقر عليه‌السلام : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار وآخره (٥) فأتموا الصيام إلى الليل ، وإن غمّ عليكم ، فعدوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا » (٦).

ولا يخفى الدلالة على المطلوب من قوله : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا » ، بعد ما قلناه في دلالة الأخبار المتواترة ، لأنّ العبارة واحدة.

مع أنّه عليه‌السلام تعرّض لذكر النهار ، فتعيّن كون المراد الرؤية المعهودة.

مع أنّ قوله عليه‌السلام : « أو شهد عليه عدل. إلى آخره » أيضا قرينة ، لأنّ المتبادر الشهادة بالنحو المتعارف ، مع أنّ قوله عليه‌السلام : « إلّا من وسط النهار » أعمّ

__________________

(١) الاستبصار : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٢١.

(٢) الوافي : ١١ / ١٤٨ ذيل الحديث ١٠٥٨٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٧ الحديث ٤٩٠.

(٤) العبارة في ألف : ( مع مطلوبه ) ، وفي ب ، ج ساقطة ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( وسط النهار أو آخره ).

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٤٠ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٠.


من كونه قبل الزوال أو بعده بلا شبهة ، بل ظهوره فيما قبل الزوال بخصوصه محتمل ، بقرينة الأخبار (١) ، مثل موثّقة إسحاق بن عمّار الآتية (٢) ، وأنّ ما قبل الزوال (٣) لم يتعرّض المعصوم عليه‌السلام لذكره ، مع أنّ التعرّض له أهمّ ، سيّما وأن يتعرّض لذكر ما بعد الزوال وآخر النهار (٤) كلّ واحدة منهما على حدة ، مع عدم تفاوت بينهما أصلا لا من جهة الأخبار ولا من جهة الأقوال (٥) ، بل عدم التفاوت بديهي الدين.

فظهر أنّ التعرّض للآخر إنّما هو لإظهار كون حال قبل الزوال حاله من دون تفاوت ، كما صار المتعارف أنّهم يذكرون المسلّم المعروف مع غير المسلّم على نحو سواء ، إظهارا لاستواء الحكم ، ومبالغة في ذلك.

وظهر أيضا ، أنّ عدم التعارض لذكر الأوّل من جهة عدم تحقّق الرؤية فيه عادة ، لأنّ المتبادر من آخر النهار هو ما قارب الغروب ، وأنّ ما قبل الآخر داخل في وسط النهار الممتدّ المتّصل بأوّل النهار الّذي لم يذكر.

فظهر ـ بقرينة المقابلة والمقايسة الظاهرة من الرواية ـ أنّ مقدار أوّل النهار هو مقدار آخر النهار ، ونسبته إلى طلوع الشمس نسبة آخر النهار إلى الغروب ، ومعلوم عدم إمكان الرؤية فيه ، إذ لا بدّ من بعد تامّ عن الشمس حتّى يخرج عن الشعاع ، سيّما وأن يرى من الغد مع وجود الشمس في غاية شعاعه وبعده عنها

__________________

(١) في حاشية ب العبارة التالية : ( لعلّه متعلّق بقوله : أعمّ ).

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٨ الحديث ٤٩٣ ، الاستبصار : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٢٤ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٢.

(٣) في حاشية ب العبارة التالية : ( لعلّه معطوف على : الأخبار وقرينة ، للظهور ، فالنشر مرتّب ).

(٤) في ب ، ج : ( ما بعد الزوال وآخره ).

(٥) في الأصل : ( إلّا من جهة الأخبار ، ولا من جهة الأقوال ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


زيادة بعد.

وإنّما تعرّض لذكر الوسط وقيّد النهار به خوفا من أن ينصرف الذهن من إطلاق رؤية النهار إلى الرؤية المتعارفة ، كما هو متعارف ، مع أنّ النكتة في التعرّض لعلّها النكتة في تقييد الغنم بالسائمة في قوله عليه‌السلام « في الغنم السائمة زكاة » (١).

على أنّا إن سلّمنا إمكان الرؤية في أوّل النهار ، نقول : هي من الفروض النادرة.

فعلى هذا ، يكون الشرط في قوله عليه‌السلام : « وإن لم يروا. إلى آخره » واردا مورد الغالب ، فلا عبرة ، مع أنّ المفهوم لا يعارض المنطوق ، سيّما إذا كان ضعيفا من جهة أخرى أيضا.

مع أنّ الصغرى إنّما هي إذا كان للمفهوم عموم ، ولا شكّ في عدم معارضته لعموم المنطوق ، سيّما ما أشرنا إليه من القوّة الزائدة في المنطوق ، وكذلك الضعف في المفهوم.

مضافا إلى أنّ الظاهر من قوله : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا » وجوب الإفطار غدا ، كما مرّ تحقيقه.

مع أنّ المفهوم مفهوم القيد ، فلا عبرة به ، كما هو مسلّم.

والمعنى ـ والله يعلم ـ : إذا رأيتم الهلال على نحو الشائع الغالب من رؤيته حين غيبوبة الشمس وبعدها فأفطروا ، وإن لم تروا كذلك ـ سواء كان وسطه أو آخره ـ فلا تفطروا برؤيته من جهة ما سمعتم من الأمر بالإفطار وقت رؤيته ، بل لا بدّ من الإتمام إلى الليل ، لأنّ هذه الرؤية ليست داخلة فيها ، بل المراد منها ما هو

__________________

(١) عوالي اللئالي : ١ / ٣٩٩ الحديث ٥٠ ، وفيه : ( في الغنم السائمة الزكاة ).


المتعارف ، ويشير إلى ذلك (١) ما ذكرناه في الدليل الثاني (٢) ، فلا حظ.

والنكتة في عدم التعرّض للرؤية أوّل النهار في هذا الخبر (٣) هي النكتة في عدم التعرّض لها في سائر الأخبار ، وهي عدم تحقّق هذه الصورة ، أو كون تحقّقها في غاية الشذوذ والندرة ولا عبرة بالنادر في المنطوق ، فما ظنّك بالمفهوم؟! والمتعارف في الأخبار عدم التعرّض لأمثالها (٤) ، كما لا يخفى على المتتبع (٥).

الثامن :

ما رواه في الموثّق كالصحيح عن إسحاق بن عمّارقال : « سألت الصادق عليه‌السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : لا تصمه إلّا أن تراه ، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه ، وإذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل » (٦).

وجه الدلالة ، أنّه عليه‌السلام منعه من الصوم مطلقا (٧) إلّا أن يراه ، والظاهر الرؤية المتعارفة ، لا مطلق الرؤية ، لما عرفت من أنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف ، ولأنّ المعصوم ما فصّل بين الليل والزوال (٨) ، وأمره بالقضاء إن شهد أهل بلد آخر ، فمع هذين كيف يقول له : « وإذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل » ،

__________________

(١) في ألف : ( ويشترط ذلك إلى ) ، وما أثبتناه من ب ، وقد ورد في حاشيتها الملاحظة التالية : ( جعلناه كذلك من عندنا ، وفي النسخة الّتي عندنا لفظ : ذلك مقدّم على لفظ : إلى ، فراجع ).

(٢) راجع الصفحة ١٢٠ من هذا الكتاب.

(٣) في ج : ( في هذين الخبرين ).

(٤) في ب ، ج : ( لأمثالهما ).

(٥) في ب ، ج : ( على المطّلع ).

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٨ الحديث ٤٩٣ ، الاستبصار : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٢٤ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٢.

(٧) لم ترد ( مطلقا ) في : ب ، ج.

(٨) في الأصل : ( ما فصّل بليل بالزوال ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


إذ ليس هاهنا صوم متحقّق ، أو مفروض التحقّق حتّى يقول له : أتمّه إلى الليل ، لأنّه منعه عن صوم ذلك اليوم ، مع أنّه أمره بالقضاء في صورة خاصّة؟

فالظاهر ـ من جهة ما ذكره من ملاحظة الخبر الآخر ـ أنّ مراده عليه‌السلام : وإذا رأيته في صورة كونك صائما وصومك صحيحا (١) فأتمّ ، يعني : لو وقع هذا الاشتباه في آخر رمضان حين كنت صائما لصحّته ، فتأمّل (٢).

فإن قلت (٣) : في آخر الخبر هكذا يعني بقوله عليه‌السلام : « أتمّ صومه إلى الليل » على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان ، لعلّه من كلام الراوي ، فلعلّ الراوي فهم من المعصوم عليه‌السلام ذلك.

قلت (٤) : فعلى هذا يكون دلالة الرواية على المطلوب أوضح.

التاسع :

رواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان ، فإذا صمت تسعة وعشرين [ يوما ] ثمَّ تغيّمت السماء ، فأتمّ العدّة ثلاثين » (٥).

وجه الدلالة ، أنّ إطلاقها يشمل ما إذا تغيّمت ليلة الثلاثين ، فأمر عليه‌السلام بالإتمام مطلقا ، سواء رأى الهلال قبل الزوال أم لا.

ومثل هذه الرواية ، رواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوما

__________________

(١) لم ترد ( وصومك صحيحا ) في : ب ، ج.

(٢) لم ترد ( لصحّته فتأمّل ) في : ب ، ج.

(٣) في ألف : ( على أنّ ) بدلا من : ( فإن قلت ) ، وفي ج لم ترد العبارتان.

(٤) لم ترد ( قلت ) في : ألف ، ج.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٥٥ الحديث ٤٢٩ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٦١ الحديث ١٣٣٦٩ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.


فأتمّوا العدّة » (١) ، بل هذه أوضح دلالة منها ، كما لا يخفى.

ومثل الروايتين ، صحيحة هارون بن خارجة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « عدّ شعبان تسعة وعشرين يوما فإذا كانت (٢) متغيّمة فأصبح صائما ، وإن كانت (٣) مصحّية (٤) وتبصّرته ولم تر شيئا فأصبح مفطرا » (٥).

ومثل هذه الرواية ، رواية الربيع بن ولّاد ، عن الصادق عليه‌السلام : « إذا رأيت هلال شعبان فعدّ تسعة وعشرين يوما (٦) ، فإن أصحت فلم تره فلا تصم ، وإن تغيمت فصم » (٧).

هذا ، وربّما يؤيّدهم مؤيّدات ، مثل قولهم عليهم‌السلام : « صلاة العيدين لا أذان فيها ولا إقامة ، أذانها طلوع الشمس ، فإذا طلعت خرجوا. إلى آخره » (٨) ، وغير ذلك ، فلاحظ مظانّها ، مثل بعض مستحبّات العيد (٩) ، وبعض أحكام الفطرة (١٠) ، ودعاء الهلال (١١) ، وتأمّل هل فيها تأييد أم لا!

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٥٧ الحديث ٤٣٥ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٦٤ الحديث ١٣٣٧٨.

(٢) كذا ، وفي المصادر : ( فإن كانت ).

(٣) كذا ، وفي المصادر : ( فإن كانت ).

(٤) كذا في النسخ وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة ، أمّا في الكافي : ( صاحية ).

(٥) الكافي : ٤ / ٧٧ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٥٩ الحديث ٤٤٧ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٩٩ الحديث ١٣٤٦٤.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( تسعا وعشرين ليلة ) ، وفي وسائل الشيعة : ( تسعا وعشرين يوما ).

(٧) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٦٥ الحديث ٤٦٩ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٩٨ الحديث ١٣٤٦٢.

(٨) الكافي : ٣ / ٤٥٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٩ الحديث ٩٧٦٦ ، وفيها : ( ليس يوم الفطر ولا يوم الأضحى أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس. ).

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٢ الباب ١٨ و ٤٧٣ الباب ٢٩ من أبواب صلاة العيد.

(١٠) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٢ الباب ١١ من أبواب زكاة الفطرة.

(١١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٣٢١ الباب ٢٠ من أبواب أحكام شهر رمضان.


حجّة القول الآخر ،

حسنة إبراهيم بن هاشم أنّ الصادق عليه‌السلام قال : « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ، وإذا رأوا بعده فهو للّيلة المستقبلة » (١).

وموثّقة ابن بكير عنه عليه‌السلام : « إذا رئي الهلال قبل الزوال ، فذلك اليوم من شوّال ، وإذا رئي بعد الزوال فهو من شهر رمضان » (٢).

ويؤيّده ، رواية داود الرقّي عنه عليه‌السلام : « إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو هاهنا (٣) هلال جديد ، رئي أو لم ير » (٤).

ويظهر من الصدوق أنّه وافق السيّد رحمه‌الله (٥).

والعلّامة في « المختلف » ، قال : ( الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر ) (٦) ، والمحقّق في بعض كتبه توقّف في ذلك في الصوم ، وفي الفطر حكم بعدم الاعتبار (٧).

ويتوجّه على الاستدلال بهذه الأخبار ، أنّها ليست بصحيحة وإن كان بعضها كالصحيح ، لأنّ كالصحيح لا يقاوم الصحيح ، وليست بصريحة في الدلالة ، فلا تعارض الصحيح.

ويضعّفها ، الأمور الخارجة ، وبالجملة أنّها لا تقاوم أدلّة المشهور ، لأنّ فيها الصحيح ، بل الصحاح ، والكثرة فيها ، بل وغاية الكثرة ، بل وتواترها بلا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٦ الحديث ٤٨٨ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٠ الحديث ١٣٤١٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٦ الحديث ٤٨٩ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٩ الحديث ١٣٤١٤.

(٣) في ألف : ( فلم يرونها هنا ) ، وفي ج : ( فلم ير فيها هنا ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣٣ الحديث ١٠٤٧ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٢ الحديث ١٣٤٢١.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٠ ذيل الحديث ٤٦٨.

(٦) مختلف الشيعة : ٣ / ٤٩٤.

(٧) المعتبر : ٢ / ٦٨٩.


شبهة ، ولذا اعترف به المحقّقون بالتواتر ، مع أنّ هذه الأخبار قليلة.

ولموافقة ظاهر القرآن فيها والمخالفة في هذه الأخبار ، وورد في الأخبار المتواترة الأمر بما وافق القرآن ، والترك لما خالفه (١) ، والقرآن قوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٢) ، وقوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) ، وتقريب الدلالة ما ذكرناه في بيان دلالة الأخبار المتواترة.

وأيضا ، أخبار المشهور موافقة لأصل البراءة ، ولاستصحاب الفطر في أوّل الشهر والصوم في آخره ، ولاستصحاب بقاء شعبان وعدم رمضان ، وأصل تأخّر الحادث ، ولذا نحكم بأنّ يوم الشكّ من شعبان لا يمكننا صومه إلّا بقصد شعبان ، ولما ورد في أخبار كثيرة من قولهم : « لا تنقض اليقين بالشكّ ، وإلّا باليقين » (٤) ، والإجماع المنقول ، كما ستعرف ، ومخالفة هذه الأخبار لجمع ذلك ، والشهرة بين الأصحاب فيها والندرة في هذه الأخبار.

ولموافقة تلك الأخبار للاعتبار ، كما نصّ عليه في رواية محمّد بن عيسى (٥) ، ومخالفة هذه الأخبار للاعتبار ، لما عرفت.

ولتصريح العلماء والعارفين بأنّه إذا كان خروج الشعاع بعد المغرب يرى قبل الزوال البتّة ، بل لا شكّ في ذلك ، بل إذا كان الخروج في المغرب ، بل قبل المغرب أيضا لا يرى الهلال ، إذ الهلال اسم ـ لغة وعرفا ـ للقدر المرئي من القمر

__________________

(١) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٣) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ ، وفيهما : ( ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ ، وإنّما تنقضه بيقين آخر ).

(٥) مرّت الإشارة إليها آنفا.


وهو المعتبر ، وورد في الآيات (١) والأخبار (٢) الأمر بمتابعة العقل وكونه حجّة ، وورد : « عليكم بالدرايات دون الروايات » (٣) ، و : « إنّ لكلّ حقّ حقيقة ، ولكلّ صواب نورا » (٤) ، وأجمع الفقهاء على أنّ الحديث الموافق للعقل مقدّم وراجح.

بل ومخالفتها للوجدان ، إذ كثيرا ما يرى الهلال قبل الزوال (٥) ، مع أنّ الليلة السابقة الدنيا صحو ، لا غيم ولا غبار أصلا ولم يره أحد ، وبالعكس ، إذ كثيرا ما يرى الهلال في الليلة الماضية إلّا أنّه ضعيف غاية الضعف ، فلا يرى في الغد إلّا بعد الزوال ، وربّما قبل الزوال ويصير الشهر ثلاثين يوما ، فيلزم أن يصير أحدا وثلاثين ، وربّما يرى بعد الزوال ويصير تسعة وعشرين.

وبالجملة ، الفرق بين الجنوبي والشمالي ، وعالي الدرجة وخلافه (٦) محسوس ، ومجرّد التفاوت بين [ أن ] يرى ولا يرى عند خروج الشعاع لا يجعل الأمر كما في هذه الأخبار دائما ، وذلك ظاهر بلا شبهة.

وعلى أيّ حال ، كيف يقول المعصوم عليه‌السلام ما قال؟! بل يحصل في كلامهم التدافع ، مضافا إلى مخالفة الوجدان ، مع أنّ موضوعات الأحكام إذا لم تكن عبادات لم تكن وظيفة الشرع ، كما حقّق في محلّه.

وبالجملة ، كلّ هذا مضعّف للدلالة ، فلا يقاوم غير المضعّف (٧) ، على أنّ ما

__________________

(١) لا حظ! البقرة (٢) : ٧٣ و ٧٦ و ٢٤٢ ، آل عمران (٣) : ١١٨ ، الأنعام (٦) : ١٥١ ، وغيرها.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ١٠ كتاب العقل والجهل.

(٣) السرائر : ٣ / ٦٤٠ ، بحار الأنوار : ٢ / ١٦٠ الحديث ١٢.

(٤) السرائر : ٣ / ٦٤٠ ، بحار الأنوار : ٢ / ١٦٠ الحديث ١٢.

(٥) في النسخ : ( بعد الزوال ) ، وقد أورد في حاشية ب ما أثبتناه في المتن وأشار له بكلمة ( ظاهرا ) ، ولعلّه هو الصواب.

(٦) في ألف : ( وخلاف ) ، والعبارة ساقطة من ب ، ج ولعل الصواب ما أثبتناه.

(٧) في الأصل : ( فلا يقاوم غير الضعف ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


ذكر قرينة على أنّه عليه‌السلام مراده المظنّة والظهور ، لأنّ كلمة « إذا » من أدوات الإجمال ، فينصرف إلى الأفراد الغالبة ، كما هو محقّق ومسلّم ، ولأنّ الغالب والأكثر كما ذكر في هذه الأخبار.

فلعلّ مراده عليه‌السلام اعتبار ذلك في مقام اعتبار الظنّ والظهور لا اليقين ، ولذا لم يأمروا بصوم ولا فطر ، بل قالوا في غير واحد من الأخبار : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي » (١) ، وقالوا : « لا تصومن الشكّ ، أفطر لرؤيته ، وصم لرؤيته » (٢) ، وقالوا : « اليقين لا يدخل فيه الشكّ ، صم لرؤيته » (٣). إلى غير ذلك.

فعلى هذا ، لو كان مراده عليه‌السلام الصوم والفطر أيضا بمجرّد الرؤية قبل الزوال ، فلعلّه محمول على التقيّة ، لمناسبته لقواعد العامّة.

ولهذا حمل بعض الأصحاب هذه الأخبار على التقيّة قائلا : ( إنّه لعلّه مذهب لبعض العامّة ) (٤).

على أنّه ورد في غير واحد من الأخبار المعتبرة السند أنّ غيبوبة الهلال بعد الشفق علامة لكونه لليلتين (٥) ، وكذا التطوّق (٦) ، وأنّ رؤية ظلّ الرأس علامة ثلاث ليال (٧) ، وهم لا يقولون بمضمون هذه الأخبار ، فما يقولون في الجواب عنها ، فهو الجواب عن تلك الأخبار أيضا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٦٠ الحديث ٤٥١ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٦ الحديث ١٣٣٥٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٦٠ الحديث ٤٥١ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٦ الحديث ١٣٣٥٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٦٠ الحديث ٤٥١ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٦ الحديث ١٣٣٥٤.

(٤) لاحظ! مشارق الشموس : ٤٦٨.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٢ الحديث ١٣٤٢٠.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨١ الحديث ١٣٤١٩.

(٧) لا حظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٢ الحديث ١٣٤١٩.


نعم ، الصدوق رحمه‌الله في « المقنع » اعتبر الغيبوبة بعد الشفق ورؤية ظلّ الرأس (١) ، ورواية أبي عليّ بن راشد ردّ عليه ، مضافا إلى الإطلاقات والعمومات ، وغيرهما ممّا أشرنا ، والاحتياط واضح ، والحمد لله (٢).

فإن قلت : يمكن أن يكون مراد المعصوم عليه‌السلام أنّه [ إذا ] رئي الهلال قبل الزوال يكون شرعا حكمه حكم ما إذا رئي في الليلة الماضية ، وإن كان خروج الشعاع بعد المغرب.

قلت : الهلال اسم للقمر الخارج عن الشعاع ، أي القدر الخارج عنه المضي‌ء في الليلة الاولى والثانية أو الثالثة ، وهذا أمر واقعي ، وكذا قوله : « فهو لليلة الماضية » ، فإنّ الضمير راجع [ إلى الهلال ] ، واللّام للاختصاص ، ومعنى الليلة الماضية أيضا معلوم ، وكلّ ذلك معان واقعيّة.

وليس ما ذكرت من قولك : حكمه حكمه ، وكذا قولك : شرعا ، مذكورين في العبارة ، ولا مدلولين لتلك العبارة لا مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما بحسب اللغة ولا بحسب العرف ، وإن شئت فاعرض العبارة على أهل العرف حتّى يحصل اليقين بما ذكرنا.

نعم ، ربّما يكون ما ذكرت تأويلا آخر ، وتوجيها ثالثا بملاحظة ما ذكرنا من أنّه ليس كذلك بحسب الواقع ـ على حسب ما عرفت ـ على حسب ما حكم به الوجدان وأقوال جميع العلماء والعارفين ، وغير ذلك من جميع ما مرّ.

ومع ذلك ، التوجيهان اللذان ذكرتهما ـ أعني الحمل على التقيّة أو المظنّة والغلبة ـ أقرب من هذا التوجيه.

__________________

(١) المقنع : ١٨٣.

(٢) وردت في ب ، ج : ( الحمد لله ربّ العالمين ، تمّت الرسالة بعون الله تعالى ) ، ولم يرد ما بعد هذه العبارة في هاتين النسختين.


أمّا الأوّل ، فظهر وجهه ، وأيّده جدّي رحمه‌الله (١) بإبهام المعصوم عليه‌السلام وكلامه ، كما هو عادتهم في التقيّة.

مع أنّه يظهر من رواية العبيدي (٢) ، ورواية جرّاح (٣) ، وصحيحة محمّد بن قيس (٤) ، ورواية إسحاق (٥) وجود هذا القول في العامّة ، بل وكونه قولا مشهورا بينهم ، مع أنّ العامّة مدارهم على الظنون في الأحكام الفقهيّة رأسا وكيف كانت سيّما في الهلال ، كما هو مشاهد محسوس منهم في الأعصار والأمصار ، وظاهر أنّه برؤية الهلال قبل الزوال (٦) يحصل ظنّ أقوى من سائر ظنونهم الّتي يعتبرونها.

ويظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الصادق عليه‌السلام قال : « أفطرت مع السلطان ، وأنا ـ والله ـ أعلم أنّه من شهر رمضان » (٧) ، وهذا ينادي بأنّ السلطان والناس كانوا يبنون أمرهم على ظنّ ، وإلّا فمن البديهيّات أنّهم ما كانوا يفطرون جهارا من غير عذر أصلا ، مع أنّه لو كانوا يفعلون كذلك في بعض الأحيان فيكون اعتمادهم على الظنّ أيضا بطريق الأولى كما لا يخفى.

بل ما ورد في الأخبار المتواترة من قصر الصوم في الرؤية وعدم جواز التظنّي (٨) ردّ على العامّة كما لا يخفى ، وورد في المتواتر أنّ الرشد في مخالفة العامّة ،

__________________

(١) لاحظ! روضة المتّقين : ٣ / ٣٤٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٧ الحديث ٤٩٠ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٩ الحديث ١٣٤١٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٨ الحديث ٤٩٢ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١١.

(٤) تهذيب الاحكام : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٤٠ و : ١٧٧ الحديث ٤٩١ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٨ الحديث ٤٩٣ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٢.

(٦) في الأصل : ( وظاهر أنّ رؤية قبل الزوال ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ١٣١ الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٢ الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان.


وأنّ ما ذا قدّم [ فقهاؤهم ] يجب تركه (١).

وهذا يقتضي الحكم بما هو مستند المشهور ، لأنّ هذه الأخبار موافقة لهم (٢) ، ومستند المشهور مخالف لهم ، بل ليس إلّا ردّا عليهم.

بل يظهر من بعضها أنّ ما هو أوفق بمذهبهم وطريقتهم يجب تركه وما إليه حكّامهم أميل وقضاتهم (٣) ، وما هو أبعد منهم يجب الأخذ به.

وأمّا الغلبة ، فلبناء العرف غالبا على التغيير ، كذلك يقول : هذا كذا ، ويريدون الغالب.

وأمّا الشرع ، فطريقه مكالماته طريقة العرف ، ألا ترى أنّه يقول : المني دافق (٤) ، و : الحيض أسود والاستحاضة أصفر (٥) ، و : الوجه من قصاص شعر الرأس إلى الذقن (٦). إلى غير ذلك ممّا لا يمكن إحصاؤه ، يريد في كلّ ذلك أنّ الغالب كذا.

فلو قيل بأنّ مراده عليه‌السلام كون الهلال قبل الزوال للّيلة الماضية بحسب الواقع يلزم الكذب الصريح ، لما عرفت ـ حاشاه عن ذلك ـ ولا شبهة في استحالته.

فلا جرم إمّا هو تقيّة ، أو الحكم على سبيل الغالب. ولا شكّ في أنّه إن قال صريحا أنّه في الغالب للّيلة ، لم يكن إلّا إخبارا عمّا في الواقع ، ولا يلزم أن يكون فيه ثمر شرعي أصلا ، وعلى تقدير اللزوم فثمرته ثمر المظنّة ، كما عرفت ، ولا شكّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) في الأصل : ( بما هو مستند المشهور ، لا هذه الأخبار وموافق لهم ) ، ويبدو أنّ ما أثبتناه هو الأصوب.

(٣) في الأصل : ( وما إليه أحكامهم أميل وقضاؤهم ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٦ الحديث ١٩١٢.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٥ الحديث ٢١٣٣.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٣ الباب ١٧ من أبواب الوضوء.


في عدم اعتبارها ، كالجدول وغيره من الظنون.

وعلى فرض التساوي ، أيضا يكون حاله حالها. وعلى تقدير كونه أجود ، أيضا لا ينفع ، لأنّ التوجيه والتأويل احتمال خلاف ظاهر كلام المعصوم عليه‌السلام ، فكيف يكون حجّة؟! إذ الحجّة إنّما هي الظاهر ، بل الظهور في الجملة أيضا لا يكفي للمعارضة ، مع [ أنّ ] أدلّة المشهور (١) هي في غاية القوّة من الدلالة ، على حسب ما عرفت ، بل ربّما كانت قطعيّة كما عرفت.

فلا بدّ أن يكون الدلالة هنا أقوى من أدلّة المشهور ، حتّى يغلب عليها ويقدّم عليها. مع أنّك عرفت أنّ ما ذكرت خلاف ظاهر عبارة المعصوم عليه‌السلام فلا يكون حجّة قطعا ، فضلا عن المقاومة ، بل الاحتمال المساوي لا يمكن أن يصير دليلا بالبديهة ، فكيف يصير المرجوح دليلا؟! بل عرفت حال الرجحان ، فكيف حال المرجوح؟!

على أنّا تقول : كون حكمه شرعا حكم ما إذا رئي في الليلة الماضية لا يلزم المشاركة في جميع الأحكام ، بل المشاركة في الجملة كافية ، ولذا لا يحكم في قولهم عليهم‌السلام : « الفقاع خمر » (٢) و « تارك الصلاة كافر » (٣) ، وكذا تارك الزكاة (٤) ، والحجّ (٥) والبرّ (٦) كافر. إلى غير ذلك من إطلاقاتهم الّتي لا تحصى المشاركة في جميع الأحكام ، بل يبنون على الاحتمال.

__________________

(١) في الأصل : ( لا يكفي المعارضة مع أدلّة المشهور. ).

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٥ الباب ٢٨ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٤١ الباب ١١ من أبواب أعداد الفرائض.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤ الحديث ١١٤٥٥.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١١ / ٣١ الحديث ١٤١٦٤.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.


فعلى هذا ، لا يظهر من هذه الأخبار ما يعارض أدلّة المشهور الصريحة في أنّ وجوب الصوم والإفطار منحصر في الرؤية ، فلا شكّ في أنّ المراد والمتبادر الرؤية حقيقة ، لا حكم الرؤية.

وكذا الحال في ثبوت الرؤية بشهادة العدلين أو الشياع ، سيّما مع صراحة بعض الأخبار بعدم العبرة برؤية الهلال قبل الزوال في وجوب الإفطار والصوم بالنسبة إلى الليلة الماضية ، بل يجب الإبقاء إلى الليل (١).

والباقي في غاية القوّة من الدلالة ، بل لعلّه يحصل اليقين ، بل ربّما كان مراد السيّد رحمه‌الله أيضا ذلك ، ولذا يحكم بكون المخالف كافرا حقيقيّا بالكفر الإسلامي (٢) ، ومع ذلك لا يجري فيه جميع أحكام الكفر ، بل أحكامه الظاهرة ، مثل : وجوب القتل والسبي واستحلال الأموال وأمثال ذلك ، بل الأظهر أنّ مراده ذلك إن ثبت هذا القول منه ، توفيقا بينه وبين تصانيفه المعروفة وأقوال الشيعة ، لأنّه رحمه‌الله في جميع كتبه موافق للمشهور.

إلّا أنّه نقل عنه أنّه قال ذلك في بعض مسائله ، وقال : إنّه مذهبنا (٣) ، والظاهر منه كونه مذهب الشيعة ، وكيف يكون مذهب الشيعة ، مع أنّه بنفسه لم يقل به في كتبه المعروفة؟! فما ظنّك بغيره ، إذ لم يوافقه أحد ممّن عاصره ، ولا من تقدّم عليه ، ولا من تأخّر عنه ، بل ادّعوا الإجماع على خلاف ذلك ، ولا شكّ في أنّه في زمن السيد رحمه‌الله لم يكن ذلك مذهب الشيعة حتّى يقول مذهبنا ، إذ لو كان كذلك لشاركه واحد من الشيعة ، بل هو ما شارك نفسه في كتبه.

فتعيّن أنّ مراده رحمه‌الله إمّا ذلك أو ما تقدّم من أنّ المراد الغالب كذا ، لأنّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الباب ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) لاحظ! روض الجنان : ١٦٣ ، كشف اللثام : ١ / ٦٨ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ١٧٦.

(٣) المسائل الناصريّة ـ ضمن الجوامع الفقهيّة ـ : ٢٤٢ المسألة ١٢٦.


عنايته رحمه‌الله في كتبه المعروفة وعناية سائر الفقهاء إنّما هي بشأن الصوم والفطر لا غير ، وكلّهم متّفقون على حصول ظنون قويّة من الجدول أو غيره ، وأنّه لا عبرة بها في الصوم والفطر ، وإن جاز اعتبارها في حكاية أعمال الشهر المستحبّة احتياطا أو غير ذلك ممّا يعتبر فيه المظنّة ، ولعلّه لهذا ادّعوا الإجماع ولم يتعرّضوا لمخالفته في بعض مسائله ، ولم يعتنوا بشأنه أصلا.

وممّا ذكرنا ، ظهر عدم التعارض أيضا لو كان مرادهم أنّه من الليلة الماضية بحسب الواقع ، لأنّهم عليهم‌السلام جعلوا الرؤية شرطا لوجوب الصوم والإفطار ، كما صرّح به الأخبار المتواترة المعمول بها عند الفقهاء ، وأنّه إن لم يتحقّق الرؤية يجب الإكمال ثلاثين يوما.

فعلى هذا ، يكون الرؤية من جملة الشرائط الشرعيّة ، كالحضر وعدم المرض وعدم الضرر إلى غير ذلك بالنسبة إلى الصوم والفطر ، ألا ترى أنّه إذا حصل لمنجّم اليقين من الجدول بأنّ الليلة من الشهر ، فأيّ مانع في أنّه لا يجوز ولا يحلّ الصوم والإفطار إلّا أن يتحقّق الرؤية ، أو تثبت بشياع أو عدلين؟!

ألا ترى أنّ القاضي إن كان له علم من الخارج بأنّ الحقّ مع [ أحد ] الخصمين (١) وقع النزاع في أنّه هل يجوز له أن يحكم بما هو يعلم أو لا بدّ من أن يحكم بشهادة العدلين وغيرها من الظنون الشرعيّة؟!

ألا ترى أنّ المعصوم عليه‌السلام إذا صرّح بما ذكرناه في حديث واحد بأن قال : إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية إلّا أنّه لا يجوز لكم ـ بحسب الحكم من الشرع ـ أن تصوموا وتفطروا بذلك ، بل لا بدّ من الصوم والإفطار من الليلة في الليلة لم يعدّ الكلامان متناقضين ، بل ولا يقال : إنّ بين ظاهريهما تناقض ، لأنّ

__________________

(١) في الأصل : ( مع الحقّين ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


كون الليلة أوّل الشهر ، وكون وجوب الصوم والإفطار مقصورا بحسب حكم الشرع في الرؤية أمر آخر ، مع أنّ كلمة « إذا » من أدوات الإهمال لا تفيد العموم ، كما هو المسلّم والمحقّق ، فيرجع إلى الغالب ، فيكون المعنى أنّه كذا غالبا ، وليس له معنى سوى ذلك ، ولا تأمّل لأحد في أنّ الغالب كذا ، إنّما [ الكلام ] في أنّ الغالبة تنفع أم لا.

مع أنّك عرفت الأدلّة على عدم الاعتبار بالمظنّة ، وأنّ المعتبر هو الرؤية ، وليس الرؤية قبل الزوال بالنسبة إلى الليلة الماضية من جملتها ، لما عرفت مشروحا ، ولأنّه على هذا يكون قوله عليه‌السلام : « من الليلة الماضية » ، أو « ذلك اليوم من شوّال » ، أو « من شهر رمضان » لغوا لا طائل تحته ، بل ينادي ذلك بأنّ العبرة بالليلة الماضية ، وكونه من شوّال ، وكونه من رمضان ، والليلة الماضية لم تقع فيها الرؤية ، وكذا أوّل شوّال وشهر رمضان ، فتأمّل جدّا.

لكنّ الظاهر ، بل المتعيّن هو ما ذكرناه أوّلا ، تنزيها للأئمّة عليهم‌السلام عن الكذب ، ولأنّ الظاهر أنّ اعتبار الرؤية لأجل ثبوت الشهر ، فتدبّر.

وخلاصة مرجّحات مستند المشهور :

تواتر الخبر ، والموافقة للقرآن متكرّرا ، والأخبار المتواترة في أنّ موافق القرآن حجّة ومخالفه ليس بحجّة (١) ، مضافا إلى الأخبار المتواترة في حجّية القرآن (٢) ، مضافا إلى أنّ القرآن متواترة في نفسه سندا ومتنا.

ومن المرجّحات ، المخالفة لمذهب العامّة وأنّه أبعد ، بل وأنّه في مقام الردّ عليهم في مقام أنّ رمضان ليس بالعدد ، واعترف الخصم بأنّ الظاهر منها كون

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ٥٩ باب الردّ إلى الكتاب. و ٦٩ باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب.


العدد مذهبا من العامّة في ذلك الزمان (١) ، وكذا في مقام عدم جواز البناء على الظنّ كما عرفت ، بل وفي خصوص كون رؤية قبل الزوال لا تصير منشأ للصوم والفطر من الحين ، كما عرفت.

ومن المرجّحات ، ما ورد في الأخبار المتواترة من أنّ ما وافق. كما أشرت.

ومن المرجّحات ، الأصول الّتي عرفت ، وأدلّة كلّها يقينيّة أو ظنّية مسلّمة ثابتة الحجّية.

ومن المرجّحات ، كونها مشهورة بين الأصحاب (٢) ، بل لعلّه لم يوجد مخالف ، كما عرفت ، مع ما ورد من الأمر بأخذ ما اشتهر بين الأصحاب في غير واحد من الأخبار (٣) ، وهو أيضا من المسلّمات ، سيّما مع ما فيها من التعليل الظاهر.

ومن المرجّحات ، الموافقة للإجماع المنقول (٤).

ومن المرجّحات ، العدالة والأعدليّة ، مضافا إلى الأخبار الواردة في اعتبارهما (٥) وخصوصا (٦) أنّ صحاحهم في غاية الكثرة بالصحّة المتّفق عليها ، ومستند الخصم ليس فيه صحيح ، فضلا عن الأعدليّة ، فضلا عن المقابلة بالعدد.

ومن المرجّحات ، قوّة الدلالة ، بل صراحة بعضها ، وكون ما بقي قريبا من

__________________

(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ١٣ / ٢٧٩.

(٢) في الأصل : ( كونها مشهورا بين الأصحاب ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٤) لاحظ! منتهى المطلب : ٢ / ٥٩٢.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٦) في الأصل : ( وخصومهم ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


القطع ، إن لم نقل قطعي ، كما عرفت.

ومن المرجّحات ، ما ورد منهم من الأخذ بمحكمات أخبارهم دون المتشابهات (١).

ومستند الخصم ، فكلّ واحد ممّا ذكر يضعّفه ، ويمنع عن الاحتجاج ، بل عرفت أنّه لا دلالة له أصلا ، لاحتمال أنّهم كانوا يخبرون بالواقع ، كما صرّح بذلك جدّي رحمه‌الله (٢) ، وعرفت الوجه ، أو أنّ المراد الغالب ، وعرفت الوجه أيضا ، أو أنّ المراد المشاركة في الجملة ، وعرفت الوجه.

وممّا ذكر ، ظهر سرّ ما قال جدّي رحمه‌الله مع غير واحد من المحقّقين من عدم الدلالة أصلا على وجوب الصوم والفطر (٣).

هذا كلّه ، مع احتمال كونه واردا على التقيّة ، لو لم نقل أنّه أقرب ، كما عرفت هذا.

هذا ، مع أنّ كثيرا من المرجّحات حجج شرعيّة بأنفسها ، ولا يكاد يوجد مسألة فقهيّة [ في ] هذه المثابة من المتانة ، كما لا يخفى على من له أدنى تأمّل.

فإن قلت : الاحتمال الأخير ـ وهو كون المراد أنّ حكمه حكم الرؤية في الليلة الماضية شرعا ـ له ظهور ، لأنّ الظاهر المشاركة في جميع الأحكام ، أو الأحكام الشائعة.

قلت : من قال بأنّ مثل ذلك مجمل لا يمكنه دعوى الظهور ، ومن قال بما ذكرت فقد عرفت أنّ الأخبار المتواترة وكلام الفقهاء أنّ الرؤية الحقيقيّة (٤) ـ على

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٥ الحديث ٣٣٣٥٥.

(٢) روضة المتّقين : ٣ / ٣٤٦.

(٣) لاحظ! منتهى المطلب : ٢ / ٥٩٢ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٢ ذيل الحديث ١٣٤٢١.

(٤) في الأصل : ( أنّ الرؤية الحقيقة ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


حسب ما عرفت ـ شرط ، لا الحكميّة ، بل صريح بعضها ذلك ، مثل رواية العبيدي (١) وما ماثلها. وأمّا الروايات المتواترة ، فقد عرفت دلالتها على ذلك أيضا ، وكذا الإجماع وغيره.

على أنّه يحتمل أن يكون شرطا ، فمع الاحتمال لا يمكن الاستدلال ، إذ لعلّ حكم الليلة الماضية بالنسبة إلى الصوم والفطر هو تلك الرؤية ، كما اتّفق عليه الفقهاء من دون ظهور خلاف ، بل ظهور عدم الخلاف ، كما عرفت ، واتّفقت عليه الأدلّة المذكورة الّتي لا يمكن التأمّل فيها.

فما صدر عن قليل من علماء أمثال زماننا ليس إلّا محض الغفلة ، كما ينادي بذلك كلماتهم ، فلا حظ وتأمّل.

مع [ أنّ هذا ] الاحتمال مجرّد احتمال ، بل الظاهر مرجوحيّته بالنسبة إلى الاحتمالين الآخرين ، كما لا يخفى على الفطن.

ثمَّ اعلم أنّ صاحب « الوافي » قال : يجب حمل رواية المدائني على خصوص ما بعد الزوال ، حملا للمطلق على المقيّد (٢).

فيه ، أنّ ذلك موقوف على التقاوم والتكافؤ سندا ، وقد عرفت المرجّحات للمطلق ، والمضعّفات للمقيّد ، إذ لا حدّ لها ولا إحصاء ، بل لا يبقى بعد ذلك تسامح بما ذكره.

وأمّا المتن ، فلا بدّ من التكافؤ أيضا ، بل كون المقيّد أقوى ، حتّى يقدّم على المطلق ، ومعلوم أنّ الأمر هنا بالعكس ، بل وأيّ نسبة بينهما ، لأنّ المطلق موافق للقرآن في موضعين وللفتاوي ، بل الإجماع والأخبار المتواترة ، بل وصريح

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٩ الحديث ١٣٤١٣ ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٢) الوافي : ١١ / ١٤٨ ذيل الحديث ١٠٥٨٤ ، وهو منقول بالمعنى.


بعضها. إلى غير ذلك ممّا ذكرنا. وأمّا المقيّد ، فمع مخالفته للجميع ، غير واضح الدلالة ، ولو سلّم أن يكون فيها دلالة ففي غاية الضعف.

ومع ذلك لو كان المراد من المطلق هو المقيّد ، لكان التقييد ب « نهار » لغوا بحسب الظاهر ، لأنّ المتعارف الرؤية بالنهار لا بالليل ، ومع ذلك كان حكمه من بديهيّات الدين في زمان النقي عليه‌السلام ، فكيف بعده بمئات [ السنين ] والنساء والأطفال كانوا يعرفون أنّ بالرؤية المتعارفة لا يمكن الإفطار من الحين ، بل لا بدّ من الإتمام إلى الليل؟!

فأيّ حاجة إلى التنبيه على مثل هذا البديهي من دون التعرّض لحال قبل الزوال (١) الّذي هو محلّ الإشكال وهو المحتاج إلى التعرّض ، ويظهر من غير واحد من الأخبار أنّه هو الّذي كان محلّ إشكالهم ، وكانوا يتعرّضون له في مقام الجواب والسؤال ، بل البديهة حاكمة بأنّه كان داخلا (٢) في الجواب على أيّ حال!

ويظهر من الكلّ غاية الظهور وجود هذا القول ـ أي كون الرؤية قبل الزوال من الليلة الماضية ـ في ذلك الزمان ، ولذا كثر التعرّض لذكره في الجواب والسؤال.

ومن العجائب ، أنّه استدلّ بصحيحة محمّد بن قيس (٣) ، ورواية إسحاق بن عمّار (٤) على مراده (٥) مخالفا لما فعله الفقهاء من زمن الشيخ إلى الآن في الاستدلال بهما أيضا على مراد الصوم ، وعرفت الوجه ، وأنّ الحقّ معهم.

__________________

(١) في الأصل : ( قبل زوال ).

(٢) في الأصل : ( داخلة ).

(٣) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٠ ، وقد مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٤) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الحديث ١٣٤١٢ ، وقد مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٥) الحدائق الناضرة : ١٣ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦.


ونزيدك (١) ـ بالنسبة إلى رواية إسحاق ـ أنّ المعصوم عليه‌السلام صرّح في صدر الرواية أنّه إذا غمّ في تسع وعشرين لا يجوز صوم الغد ، ونهى عنه مطلقا ، وجعل جواز الصوم مقصورا ومنحصرا في الرؤية.

ومعلوم أنّ المراد من هذه الرؤية المتعارفة [ بحيث ] لا تشمل رؤية قبل الزوال أيضا ، لما عرفت مشروحا ، ولذكر « وسط النهار » ، ولذكر « فإن شهد. إلى آخره » ، على حسب ما عرفت في صحيحة ابن قيس ، فهذا يدلّ على مرادهم.

ولم يظهر من قوله عليه‌السلام : « وإذا رأيته. إلى آخره » ما يخالف ذلك ، وذلك لأنّه يحتمل احتمالات :

الأوّل : ما هو بالنظر إلى ظاهر لفظ الحديث ، وهو أنّه منع عن الصوم من تقييد وتخصيص ، ولم يظهر أنّ الراوي كان يعلم جوازه بقصد شعبان ، إلّا أنّه ما كان يعلم جوازه بقصد رمضان ، وكان سؤاله عن الثاني خاصّة ، وإلّا فهو كان عارفا بالأوّل البتّة ، إذ لا شكّ في عدم ظهور ذلك من الرواية ، لو لم نقل بظهور العدم ، لأنّ علم الراوي بجواز خصوص شعبان بلا تأمّل وعدم علمه بجواز رمضان بعيد جدّا ، بل ربّما لا يتلائمان ، لأنّ جواز شعبان يستلزم عدم جواز رمضان ، إذ مع جواز رمضان وكونه منه يكون واجبا البتّة ، إذ الوجوب لازم صوم رمضان بالضرورة من الدين ، كما أنّ الاستحباب لازم صوم شعبان ، والواجب لا يجوز تركه ، فكيف يجوز شعبان حينئذ ، سيّما وأن يكون بحيث لا تأمّل للراوي فيه ، ويكون متحيّرا في جواز صوم رمضان؟! فتأمّل جدّا.

__________________

(١) هذه الكلمة غير منقّطة وغير مشخّصة المعالم في الأصل ، فرأينا أنّ الأنسب للمعنى والأقرب لرسمها هو هذا.


مع أنّ الأصل العدم ، وليس ذلك من الضروريّات (١) ، سيّما في ذلك الوقت حتّى نقول أنّ المعصوم عليه‌السلام اكتفى بذلك ، كيف وصوم يوم الشكّ معركة للآراء بين المسلمين ، أنّه هل يجوز أم لا ، وعلى تقدير الجواز هل يجوز بقصد شعبان أو بقصد رمضان أو متردّدا ولا يجوز بعض منه؟!

وما ذكرنا يظهر من الأخبار أيضا ، وأنّهم يستشكلون فيسألون فربّما أجيبوا بمرّ الحقّ ، وربّما أجيبوا بالتقيّة.

وبالجملة ، الأخبار أيضا مضطربة فيما ذكرناه ، ولعلّ عدم تعرّض المعصوم عليه‌السلام للقيد بناء على ذلك ، وأنّه عليه‌السلام ما كان يرى المصلحة في التعرّض. فمع سماع الراوي النهي المطلق ، كيف يتأتّى منه الصيام؟! لأنّه فرع قصد الامتثال. ومع ذلك ، النهي في العبادة يقتضي الفساد ، فكيف يفرض المعصوم عليه‌السلام أنّه صام صوما صحيحا حتّى يقول : أتمّ الصوم؟! وكيف يقول له : لا تصم لكن أتمّه بعد ما اتّفق أنّك رأيت الهلال؟! فقبل الرؤية كيف يتحقّق الصوم؟!

وأيضا ، قوله عليه‌السلام : « فإن شهد فاقض » ظاهر في أنّه ما صام كما اقتضاه نهيه المطلق ، لأنّ القضاء (٢) تدارك ، وكونه صام بقصد رمضان لا يجمع (٣) مع نهيه قطعا ، فكيف يفرض المعصوم عليه‌السلام صومه بعد ما نهاه عن الصوم بقصد رمضان على أيّ تقدير؟! ومع ذلك كيف يصير الفاسد صحيحا بمجرّد الرؤية ، بل يصير تتمّة للصوم الصحيح ، ولا شكّ في فساده؟!

وقوله عليه‌السلام : « أتمّ الصوم » صريح في أنّه صام ، وهذا إتمام الصوم وعدم

__________________

(١) في الأصل : ( ضروريّات ).

(٢) في الأصل : ( لأنّه القضاء ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) في الأصل : ( لا بجميع ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


قطعه ، لا أنّه إنشاؤه وإحداثه (١) من أوّل الأمر ، فبعد قوله عليه‌السلام إن كنت صمت ، قبله لا بدّ منه قطعا ، ولا شكّ في أنّ المراد : إن كنت صمت على نهج الشرع ، لما عرفت ، والصوم على نهج الشرع لا يتصوّر مع النهي المطلق ، والبناء على أنّ الراوي كان يعلم قد علمت فساده ، فينحصر عند الراوي في صوم آخر رمضان.

إلّا أن يقال : الظاهر كونه صوم يوم الشّك ، ففيه أنّه لا يتصوّر إلّا أن يكون إمّا بقصد شعبان ، وهو خلاف ظاهر الحديث على النهج الّذي قرّر ، وإن كان ظاهرا من جهة كونه صوم الثلاثين.

وعلى هذا ، إمّا أن يكون المراد الإتمام ، كما هو بحاله وبحسب ما صام من دون تغيير وتبديل ، كما هو الظاهر من قول : « فأتمّ صومه إلى الليل » ، وهذا هو المطابق لما في آخر الرواية ، وهو قوله : يعني أنّه. إلى آخره ، كما مرّ.

ولعلّه كلام الراوي ، مفهوما من المعصوم عليه‌السلام ، كما قلنا وصرّح بذلك بعض المحقّقين (٢).

ويؤيّده ، ذكر ذلك في « التهذيب » (٣) و « الاستبصار » (٤) جمعا.

ويؤيّده ـ أيضا ـ أنّهم في مقام العدول كانوا يظهرون ، وما كانوا يكتفون بالأمر بالإتمام ، كما لا يخفى على المطّلع

مع أنّ الشيخ هو الّذي استدلّ به ، فكيف يقول معناه كذا في مقام استدلاله؟! فتأمّل جدّا.

__________________

(١) في الأصل : ( واحد أنّه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! مشارق الشموس في شرح الدروس : ٤٦٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٧٨ ذيل الحديث ٤٩٣.

(٤) الاستبصار : ٢ / ٧٣ ذيل الحديث ٢٢٤.


مع أنّه عليه‌السلام لم يقل : أتمّ صومك ، بل قال : « صومه » ، والضمير ـ الهاء ـ (١) راجع إلى شعبان أو إلى النهار ، والمفروض أنّه محسوب من شعبان ، فيصير المعنى : أتمّ صوم شعبان ، يعني على أنّه شعبان ، إذ إتمام شعبان ليس معناه النقل إلى ضدّ شعبان ، بل انقلاب شعبان إلى ضدّه ، مضافا إلى أنّ النقل خلاف الأصل.

فلعلّ المراد أنّه لا يحتاج إلى عدول (٢) إلى صوم آخر ، وهو كونه من رمضان ، أو رفع اليد عن الصوم السابق وإحداث صوم لا حق.

أو أنّ المراد على سبيل الاستحباب المؤكّد ، إذ كون المراد من وسط النهار خصوص ما قبل الزوال بحيث لا يدخل فيه شي‌ء ممّا بعد الزوال لو مدّ قبله ، فيه ما فيه.

ولعلّ المراد الرجحان ، وإظهار كون وسط النهار حاله واحدا وعلى حدّ سواء.

و [ الثاني ] : يحتمل كون المراد وجوب الإتمام بعدول القصد ، وجعل النيّة من رمضان ، ويكون المراد من وسط النهار خصوص ما قبل الزوال ، كما ذكره في « الوافي » (٣).

ومن العجائب أنّه جعل وسط النهار في صحيحة ابن قيس خصوص ما بعد الزوال (٤) ، مع أنّه عليه‌السلام تعرّض لذكر آخر النهار ، وأنّ من جملة البديهيّات عدم التفاوت فيما بعد على حسب ما مرّ ، وفي المقام جعله خصوص ما قبل.

و [ الثالث ] : يحتمل أن يكون قوله عليه‌السلام : إن كنت صمت صحيحا ـ المقدّر

__________________

(١) في الأصل : ( والضمير لها ).

(٢) في الأصل : ( لا يحتاج إلى وجدول ).

(٣) الوافي : ١١ / ١٢١.

(٤) الوافي : ١١ / ١٢٢.


إشارة إلى صوم يوم الثلاثين من رمضان ، على حسب ما عرفت.

ويؤيّده ، عدم لزوم خلاف الظاهر من جهة وسط النهار وغير ذلك.

ويؤيّده أيضا ، ملاحظة بعض الأخبار الأخر (١).

وكيف كان ، لم يظهر من الذيل ما يخالف الصدر ، لأنّ كلّ ذلك احتمال ، وإن لم نقل : إنّ خير الاحتمالات أوسطها.

وممّا يضعف الاحتمال الأخير ، فهم المشايخ واستدلالهم.

ويضعفه ، بل يمنع من التمسّك به ، جميع ما ذكرناه في الروايات المتضمّنة لكون الهلال الّذي يرى قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ، فلا حظ وتأمّل.

وممّا يضعفه ويؤيّد الأوسط ، أنّ الأمر إذا ورد بعد الحظر (٢) لا يفيد سوى رفع المنع ، كما حقّق في محلّه (٣) ، فتأمّل في الدلالة.

مع أنّه على هذا يضرّك مفهوم قوله : « وإذا رأيته. إلى آخره » ، إذ مقتضاه أنّه إذا لم ير وسط النهار ، فيظهر حكمه بطريق أولى ، لأنّ وسط النهار أخفى.

وفيه ، أنّ الراوي لو كان مطّلعا على صحيحة ابن قيس وغيرها ومعتمدا عليها ، فلم يسأل عن صوم يوم الشك؟ ولم أجيب مفصّلا مشروحا؟!

وكيف يكون فهمه ممّا ذكر ومن طريق أولى على حسب ما ذكرت ، مع أنّ وسط النهار في صحيحة ابن قيس جعلته بعد الزوال خاصّة مع ذكر آخر النهار وفي هذه لم يذكر آخر النهار؟!

[ و ] على هذا ، كيف يفهم أنّ المراد من وسط في هذه الرواية خصوص قبل الزوال بدلالة صحيحة ابن قيس ، من أين إلى أين؟

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الباب ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) في الأصل : ( بعد الحصر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! الوافية في أصول الفقه : ٧٤.


وما ذكرت من الفهم بطريق أولى لأنّه أخفى ، ففيه أنّ الراوي إن لم يكن مطّلعا على الأخبار المفصّلة ، فقد عرفت أنّه لا يفهم تفاوتا أصلا ، سيّما قبل الزوال بدقيقة بالنسبة إلى بعده بدقيقة ، وإن كان مطّلعا ، فمع ما عرفت من المفسدة يفهم عدم التفاوت ـ أيضا ـ أصلا ، كما لا يخفى.

مع أنّه على ما ذكرت كان المناسب أن يذكر حال ما لو أفطر قبل الرؤية وسط النهار.

ومن العجائب ، أنّه جعله مدلولا للرواية (١) كما هو ظاهر كلامه ، وفيه ما فيه.

تمّت الرسالة.

__________________

(١) في الأصل : ( مدلولا الرواية ).


رسالة

الإفادة الإجماليّة



بسم الله الرحمن الرحيم

لعلّك قد قرع سمعك في تضاعيف المباحث الفقهيّة ما حكموا به من كراهة بعض العبادات ، وما يشكّك عليه من أنّ العبادة لا بدّ أن تكون راجحة ، فكيف تجامع الكراهة؟!

فلا [ بأس ] علينا أن نرسل عنان القلم لتحقيق الأمر فيه ، كي لا نخرج فيه عن الصواب ، كما اتّفق من كثير من الأصحاب.

فنقول :

إنّه لم يرد في الشرع من العبادات ما تعلّق الكراهة بذاتها من حيث هي ، حتّى ينافي رجحانها ، بل كلّ ما ورد الحكم فيه بالكراهة على عبادة فإنّما هو باعتبار الوصف ، كالصلاة في الحمّام (١) مثلا ، والصوم في السفر (٢) مثلا. إلى غير ذلك.

وحينئذ لا إشكال ، إذ ذات تلك العبادة من حيث هي يرجّح وجودها على عدمها ، لكن الكراهة إنّما هي في إيقاعها على هذا النحو الخاص.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ١٧٧ الحديثان ٦٢٦٥ و ٦٢٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٠٢ الباب ١٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم.


فإن قلت : خصوص الفرد المكروه [ من ] العبادة وجوده راجح على عدمه أم لا؟!

قلت : قد يكون راجحا وقد لا يكون ، ولا محذور في شي‌ء منهما.

مثلا : في الصلاة في الحمّام ، يجوز أن يكون الثواب الّذي بإزاء مطلق الصلاة يزيد على الكراهة الّتي حصلت بسبب الوصف ، وحينئذ يكون وجود الصلاة المخصوصة راجحا على عدمها ، إلّا أنّه لمّا لم يكن في غير الحمّام تلك الكراهة أيضا وقع النهي التنزيهي عنها.

وأمّا الصوم في الأيّام المكروهة أو في السفر مثلا ، فالظاهر أنّه ليس براجح ، بل يجوز أن يكون مرجوحا ، إذ الواجب إنّما هو رجحان أصل العبادة ، لا خصوص الفرد ، وحينئذ يجوز أن يكون أصل الصوم له فضيلة ، لكن كونه في هذا اليوم كان مرجوحا ، لقبح يقابل تلك الفضيلة أو يساويها ، فتساقطا أو يرجّح عليها ، على وجه لا ينتهض سببا للعقاب ، فتدبّر.

فإن قلت : إذا لم يكن خصوص تلك العبادة راجحة ، فكيف يمكن نيّة التقرّب بها إلى الله تعالى ، لأنّها ممّا لا يعقل بدون رجحانها؟! وإذا لم يكن فعلها بتلك النيّة فلا تكون عبادة ، إذ لا بدّ فيها من تلك النيّة ، بل تكون من قبيل سائر الأشياء المكروهة ، ويكون التقرّب بها محرّما.

قلت : كون نيّة التقرّب لا يستلزم إلّا كون مطلق تلك العبادة راجحا ، وإن كان كونها في هذا الوقت موجبا لمرجوحيّتها ، مثل الصلاة في المكان المغصوب ، فإنّه لو لم تكن باطلة بدليل من خارج لكان الظاهر كونها صحيحة ، ولكان يكفي في نيّتها راجحيّة أصل الصلاة ، وإن كان وقوعها في ذلك المكان موجبا لعقاب ربّما كان أزيد من ثواب أصل الصلاة.


وحينئذ فلو صام أحد يوم عاشوراء مثلا ، طالبا لثواب الصوم متقرّبا إلى الله سبحانه ، فلعلّ له ذلك ، ولكن يقارنه ما يبطل له ذلك الثواب ويبقى بعد [ ه ] كراهة.

نعم ، لو صام معتقدا ترتّب الثواب عليه بخصوصه وطالبا له فيكون حراما ، بل ربّما كان تشريعا وكفرا.

وبالجملة ، فقد تخلّص لك بما قرّرنا أنّه يجوز في العقل أن يكون لبعض العبادات فرد تقارنه خصوصيّة تعارض ثواب تلك العبادة في ضمنه مرجوحا ، لكن لا إلى حدّ ينتهض سببا للعقاب ، ولا مجال لإنكار هذا كما لا يخفى.

وإذا جاز ذلك ، فليس في الشرع إلّا الإخبار عن مثل ذلك والتعيين ، ولا محذور فيه ، فلا إشكال من هذه الجهة ، وكذا لا إشكال من حيث إطلاق العبادة عليه ، فإنّه لا أقلّ من جوازه ، باعتبار أنّ الكلّي ـ الّذي هو فرد منه ـ عبادة شرعيّة.

وإن كنت تضايق فيه ، وتعتبر في لفظ العبادة أن يكون كلّ شي‌ء أطلقت عليه راجحا وجوده بخصوصه على عدمه ، فلا مشاحّة في الاصطلاح ، ولا جدوى في النزاع في اللفظ.

وإن أردت أنّ إثبات مثل ذلك الفرد لمّا لم يكن راجحا وجوده بخصوصه على عدمه يجب أن يكون التعبّد به محرّما ، فلا يتيسّر لك ذلك بعد ما جوّزت أن يكون أمره في نفس الأمر هو ما ذكرنا من أنّه يقارنه خصوصيّة تعارض ثواب تلك العبادة إذا أتى بها في ضمنه بحيث يجعلها مرجوحة لا إلى حدّ يوجب العقاب ، إذ بعد تسليم ذلك ـ ولا محيد عنه ـ كيف يبقى لحال كونه محرّما ، فتأمل جدّا!


هذا ، وبعد ما أيقنت ذلك ، ظهر لك اندفاع ما يستشكل من أنّه إذا كانت العبادة المكروهة صحيحة راجحة وجودها على عدمها ، فلم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام يتركونها وينهون عنها بالنهي التنزيهي ، على ما نقل عنهم عليهم‌السلام؟ ولم فات عنهم تلك الفضيلة وذلك الثواب؟ إذ قد عرفت أنّه فيما كان له بدل ـ كالصلاة في الحمّام ـ لا إشكال أصلا ، وفيما لا بدل له ـ كالصوم في الأيّام المكروهة ـ يجوز أن يكون خصوصه مرجوحا وإن كان أصل الصوم راجحا ، فيكون القبح المتحقّق في تلك الخصوصيّة المقارنة له أزيد من ثواب أصل الفعل ، بحيث تبقى مع تعارضها وسقوط الثاني كراهة بعد فعله.

فلذلك تركوه ونهوا عن فعله بالنهي التنزيهي ، فتأمّل.

وظهر أيضا أنّ ما ادّعاه الفاضل المحقّق الشيخ علي رحمه‌الله من أنّ الكراهة في العبادات ليست إلّا بمعنى قلّة الثواب (١) ، إذ العبادة لا تكون إلّا راجحة أو محرّمة ، فإذا كانت العبادة صحيحة مكروهة ، فليست الكراهة فيها إلّا بمعنى قلّة الثواب ، ممّا لا حاجة إلى ارتكابه ، إذا الكراهة بالمعنى المصطلح ممّا يعقل هاهنا ، فلا حاجة إلى العدول عنه بلا دليل.

على أنّه يرد عليه أنّ قلّة الثواب لو كانت هي الكراهة لزم أن يكون كثير من العبادات مكروهة ممّا لم يقل بكراهته أحد ، مثلا : الصلاة في البيت أقلّ ثوابا بالنسبة إلى الصلاة في مسجد السوق ، وفي مسجد السوق بالنسبة إلى مسجد المحلّة ، وفي مسجد المحلّة بالنسبة إلى المسجد الجامع ، وفي المسجد الجامع بالنسبة إلى مسجد الكوفة والأقصى ، وفيهما بالنسبة إلى مسجد المدينة ، وفيه بالنسبة إلى المسجد الحرام. إلى غير ذلك من العبادات المكروهة بمرتبة لا ينتهي إليها ثواب

__________________

(١) جامع المقاصد : ٢ / ٣٧ ، ولا حظ أيضا : مشارق الشموس : ٣٧٢.


شي‌ء من العبادات الغير المكروهة ، وهو بعيد.

وأيضا ، لو كانت الكراهة فيها بمعنى قلّة الثواب ، فلم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام يتركونها أبدا ، وينهون الناس عنها (١)؟ إذ قلّة الثواب لا تقتضي ذلك ، سيما فيما لا بدل له ، إذ فيه تفويت ثواب بلا عوض ، وهو ظاهر!

وقال الفاضل الكامل المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله في كتاب الصوم من « آيات الأحكام » في أثناء بحث الصوم في السفر :

.. ويجعل بعضهم ـ بل أكثرهم ـ الصوم الغير الواجب في السفر مكروها ، وبيّن ذلك بعضهم بأنّه أقلّ ثوابا ، إذ لا تكون العبادات إلّا راجحة أو حراما ، فلو كانت جائزة مكروهة لكان بالمعنى الّذي مرّ. وذلك غير واضح ، إذ العبادة كما يجوز كونها حراما (٢) يجوز كونها مكروهة بالمعنى المحقّق (٣) أيضا ، إلّا أن يقال باعتبار النيّة ، فيحرم لأنّه تشريع ، فتأمل. فالظاهر في الصوم سفرا إمّا التحريم مطلقا إلّا ما ثبت استثناؤه ، أو الكراهة بمعناها المتعارف في الأصول ، بمعنى أنّه لو لم يصم لكان أحسن من الصوم ـ أي عدمه خير من وجوده ـ ولا يعاقب عليه ، ولا مانع في العقل أن يقول (٤) الشارع ذلك للمكلّف ، وقد ثبت في الأخبار كثيرا النهي عنه سفرا ، ولم يثبت ما يدلّ على الرجحان بخصوصه إلّا ما روي في خبرين ضعيفين جدّا من فعل أحد الأئمة عليهم‌السلام في صوم شعبان سفرا (٥) ، وليس بصريح

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٦ الباب ٢٠ و ٣٩٥ الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، و ٥ / ١٤٤ الأبواب ١٦ ـ ٢١ و ٢٣ ـ ٢٥ من أبواب مكان المصلّي ، و ١٠ / ٥٢٥ الأبواب ٧ ـ ١٠ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( محرّمة ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( الحقيقي ).

(٤) في الأصل : ( أن يكون ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي : ٤ / ١٣٠ الحديثان ١ و ٥ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٣٦ الحديثان ٦٩٢ و ٦٩٣ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٠٣ الحديثان ١٣٢٢١ و ١٣٢٢٢.


أيضا في المندوب ، لاحتمال النذر ، ويحتمل اختصاصه به عليه‌السلام [ أيضا ] ، ويبعد الجمع بحمل الأكثر الأصحّ لأجل واحد أو اثنين ضعيفين غير صريحين على الكراهة بالمعنى المذكور ، إذ يبعد أن يمنع الإمام بقوله : « لا تصم » (١) ، أو : « ليس من البرّ » (٢) عن صوم مثل يوم الغدير وأوّل رجب وسائر الأيّام المتبرّكة من يريد صومه ويسأله عن فعله ، أولا بمعنى أنّ الثواب أقلّ من ثواب الصيام (٣) في الحضر ، أو بمعنى أنّ الثواب في الإفطار سفرا أكثر من الصوم فيه ، إذ ليس الفطر عبادة في السفر ـ على ما هو المشهور في غير الواجب مثل شهر رمضان ـ ويبعد أن يكون الإنسان مثابا في السفر بالإفطار بثواب أكثر من الثواب الّذي يحصل له بالصوم فيه. وأيضا ، لا معنى لصومه عليه‌السلام في السفر مع مرجوحيّته من الإفطار ، على ما دلّ عليه الخبران اللذان هما وجه حمل الأخبار الدالّة على نهي الصوم في السفر ندبا على الكراهة ، [ ف ] تأمّل ، الله يعلم. انتهى (٤).

وأنت خبير بأنّ الظاهر أنّ مراده أنّه يجوز القول بكراهة العبادة بالمعنى المتعارف ولا محذور فيه.

وقوله : إلّا أن يقال ، كأنّه إشارة إلى ما ذكرناه من ورود الإشكال باعتبار

__________________

كما تدلّ عليه صحيحة سليمان الجعفري : تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٩٨ الحديث ٩٠١ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٠٣ الحديث ١٣٢٢٠.

ولزيادة الاطّلاع راجع : الحدائق الناضرة : ١٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، مستند العروة الوثقى : ١ / ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، مستمسك العروة الوثقى : ٨ / ٤١٠ ـ ٤١١.

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٣٣ الحديث ٦٨٣ و ٢٣٥ الحديث ٦٩٠ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ١٩٩ الحديث ١٣٢١٢ و ٢٠٢ الحديث ١٣٢١٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٩٢ الحديث ٤١١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢١٧ الحديث ٦٣٢ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ١٧٧ الحديثان ١٣١٥٠ و ١٣١٥١.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( من ثواب الصائم ).

(٤) زبدة البيان : ١ / ٢١١ ـ ٢١٢.


النيّة ، لأنّه لا يمكن نيّة التقرّب فيحرم فعلها بهذا النيّة ، فيكون تشريعا ، إذ فعل ما لم يطلبه الشارع ، بل طلب عدمه بقصد أنّه مطلوب الشارع وهو موجب التقرّب إليه تشريع ، فلا يمكن تحقّق عبادة مكروهة. وكأنّ قوله : فتأمّل ، إشارة إلى إمكان دفعه : أمّا فيما له بدل فظاهر ، وأمّا فيما لا بدل له فبما قدرنا.

هذا ، ثمَّ إنّه إشارة إلى أنّ كراهتها بالمعنى المتعارف في الصوم في السفر وأمثاله إنّما هو بمعنى أنّ فعله ـ أي فعل خصوصه ـ مرجوح ليس فيه فضيلة ، بل عدمه خير من وجوده وإن كان لمطلقه رجحان ، لا بمعنى أنّ للفعل المخصوص أيضا ثواب إلّا أنّ ثواب تركه أكثر منه.

وتمسّك في ذلك بأنّه ليس الفطر عبادة في السفر في غير الواجب ـ كما هو المشهور ـ ويبعد أن يكون الإنسان مثابا بالإفطار في السفر بثواب أكثر من ثواب الصوم فيه هذا :

فإن قلت : إنّه رحمه‌الله يجوّز القول بحرمة الصوم في السفر ، بل يقوّيه ، وحينئذ يكون للفطر فيه ثواب كثير ، على ما هو المشهور ، وكيف يقول بمثل هذا الثواب فيه ويستبعد القول بتحقّق الثواب فيه في الجملة؟!

قلت : يحتمل أن يكون بناء كلامه على عدم تسليم وجوب ترتّب الثواب على ترك كلّ محرّم ومكروه ، وقد أشرنا إلى وجه ذلك فيما علّقناه على « شرح المختصر » ، وفيه بعد ، وإلّا ظهر أنّ مراده أنّ القول بأنّ الفطر في السفر في نفسه ـ مع قطع النظر عن كونه ترك الصوم ـ عبادة ويكون الصوم عبادة أخرى لكن يكون ثواب الفطر أكثر من ثوابه ، بعيد.

وأمّا القول بأنّ فيه ثوابا باعتبار كونه ترك الصوم الحرام ، فلا بعد فيه ، وكذا لو قيل : لكراهة الصوم في السفر ، وقيل : ترتّب ثواب في الجملة على الفطر


باعتبار تركه ، لكن للصوم ثواب ، كأنّه لا بعد فيه أيضا عنده.

وكذا ما نقله عن المشهور من أنّ الفطر ليس عبادة في غير الواجب ، فلعلّه بناء على أنّهم لم يقولوا بحرمة الصوم المندوب في السفر ، فمن قال بها فلعلّ له أن يجعله عبادة فيه ، فتأمّل.

لكن لا يخفى أنّهم وإن لم يقولوا بحرمته لكنّهم يقولون بكراهته ، فينبغي أيضا أن يجعلوا الفطر عبادة مندوبة ، كما هو الظاهر من طريقتهم ، حيث يجعلون ترك كلّ محرّم واجبا وترك كلّ مكروه مندوبا.

والظاهر أنّ من قال بأنّ الفطر في شهر رمضان ليس عبادة أراد أنّ مجرّد الفطر إذا لم يكن قاصدا للصوم وكان فطره باعتبار حرمة الصوم في السفر أو كراهته ، حتّى أنّه لو لم يكن كذلك بل كان مندوبا أيضا لأفطره ليس عبادة ، وأمّا إذا كان فطره بذلك الاعتبار ولولاه لصام ، فلعلّه يجعله عبادة ، وهذا بخلاف شهر رمضان ، لأنّه لا بدّ أن يكون الفطر فيه سفرا ، باعتبار حرمة الصوم فيه ، ولولاها لكان صائما فيه ، لوجوبه.

والحاصل ، أنّه لمّا تعيّن الصوم فيه شرعا لغير المسافر ، فإفطار المسافر ليس إلّا لحرمة الصوم بالنسبة إليه ، فيكون عبادة ، وأمّا في غيره فلا ، إذ لعلّ إفطاره لعدم إرادته الصوم ، فافهم.

وعلى هذا ، فلو فرض أنّ أحدا أفطر فيه سفرا لا لأجل وجوبه ـ حتّى أنّه لو لم يكن واجبا عليه بل حراما أيضا لأفطره ـ فلعلّه ليس عبادة بالنسبة إليه ، بل لو لم يكن كذلك أيضا ولكن لو لم ينو الإفطار لوجوبه ، بل ذهل عن حكم الإفطار والصوم جميعا ، فكأنّه ليس عبادة بالنسبة إليه أيضا ، فتأمّل.

فإن قلت : على ما قرّرت يمكن أن يوجّه القول بكون ثواب الصوم في


السفر أقلّ من ثواب الفطر فيه ، بأن يجعل الأقليّة بالنسبة إلى الفطر الّذي كان من قصد صاحبه الصوم لو لم يكن الحكم كذلك.

قلت : على هذا لم يكن إطلاق المكروه عليه بالمعنى المصطلح ، إذ ليس حينئذ ترك الصوم مطلقا خيرا منه ، بل تركه على نحو خاص ، بل ليس ذلك إلّا القول بأنّ معنى كراهته بمعنى أقليّة ثوابه بالنسبة إلى أمر آخر بدل منه ، فتأمّل.

ثمَّ إنّ بعض الأعاظم حقّق أنّ الكراهة في العبادات بالمعنى المصطلح بمعنى أنّ تركها راجح على فعلها ، ووجّه بأنّ في جميع العبادات المكروهة يكون أصل العبادة ـ من حيث هي ـ راجحة على عدمها ، ولكن يقارنها خصوصيّة يكون عدمها راجحا على وجودها ، ورجحان عدم الخصوصيّة على وجودها راجح على وجود رجحان أصل العبادة على عدمه ، ولذلك صارت مكروهة ، فإذا ترك الصلاة في الحمّام ـ مثلا ـ يترتّب ثواب على ترك الخصوصيّة ويفوت عنه ما هو بإزاء أصل الصلاة ، وإذا صلّى في الحمّام كان على عكس ذلك ، فأدرك الثواب الّذي بإزاء نفس الصلاة وفات عنه ما هو بإزاء ترك خصوص الفرد.

وحينئذ ، فربّما كان الثواب المترتّب على عدم الخصوصيّة أزيد من الثواب المترتّب على وجود نفس العبادة ، ولذلك وقع النهي عنها وارتكب الأئمّة عليهم‌السلام ترك تلك العبادة ، لتحصيل تلك الفضيلة والزيادة وإن فات به ثواب آخر مترتّب على نفس الفعل لكنّه أقلّ منه.

وبالجملة ، فيظهر منه : إن اعتقد أنّ فعل العبادة المكروهة سيكون له ثواب وإن ترك يكون له ثواب أكثر منه ، ولعلّ هذا لا يخلو عن بعد ، بل الظاهر أنّ الثواب على ترك المكروه إنّما هو من حيث أنّه ترك ، ويكون بإزاء كراهة الفعل ، كوقوع الصوم في السفر ـ مثلا ـ بما لا يقابل ثواب أصل الصوم بل يبقى مع


تعارضها ثواب أصل الصوم بحاله ـ كما يظهر من كلامه ـ ولا أقلّ من بقاء شي‌ء منه ، على رأيه.

فكيف يكون ثواب تركه من حيث أنّه ترك له أزيد من ثواب أصل الصوم ، وكأنّه لم يعتقد أنّ الثواب على ترك المكروه من حيث أنّه ترك وأنّ في فعله صفة يوجب كراهته وعدم ملائمته ـ كما حقّقنا ـ بل يجعل الصوم في السفر ـ مثلا ـ عبادة والفطر فيه عبادة أخرى برأسها ، ويزعم أنّ ثواب الثاني أكثر من الأوّل؟!

وهذا مع بعد مخالفته للمشهور ـ على ما نقلنا من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله ـ يرجع إلى القول بكون الكراهة في العبادة بمعنى قلّة الثواب.

وهذا وإن لم يرد عليه شي‌ء ممّا أورده على المحقّق المذكور ـ لأنّه يخصّص قلّة الثواب بالنسبة إلى تركها لا بالنسبة إلى عبادة أخرى ـ يرد عليه ما أوردنا من الوجوه.

ولكن يرد أنّه يمكن أن يحمل كلام المحقّق المذكور أيضا على هذا المعنى ، بأن يكون أنّه ليست العبادة المكروهة على قياس سائر المكروهات من أنّه لا يترتّب ثواب على فعلها ، بل فيه غضاضة وعدم ملائمة ، وإنّما يترتّب الثواب على تركها ، بل الكراهة فيها بمعنى أنّ ثوابها أقلّ من ثواب تركها ، وحينئذ لا يرد عليه شي‌ء ممّا أورد عليه ، مع أنّ هذا الفاضل قد أورد عليه جميع ذلك.

هذا ، ولعلّ في كلام الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله ـ حيث قال : ( بمعنى أنّ الثواب ـ إلى قوله : ـ أو بمعنى. إلى آخره ) ـ إشارة إلى إمكان حمل كلام المحقّق المذكور على كلّ من الاحتمالين ، فلا تغفل.

ثمَّ نقل هذا الفاضل عن بعض علمائنا ـ وهو الفاضل الأردبيلي ، على ما


نقلنا عنه ـ أنّه قال بعدم جواز بعض العبادات كالصوم المندوب في السفر ، أو كراهته اصطلاحا مع عدم رجحانه بحسب الذات أيضا فلا ينعقد عبادة ، ونيّة عباديّته تشريع حرام.

ثمَّ قال : ( وكأنّه رحمه‌الله ظنّ أنّ المعنى المصطلح لا يكاد يجتمع مع رجحان العبادة في نفسه ، فاختار عدم الجواز أو عدم الصحّة عبادة ، وقد عرفت تصحيحه ، فتدبّر ) (١). انتهى.

فلا يذهب عليك أنّ ما نسب إليه من حديث النيّة والتشريع فهو وإن كان قد ذكره رحمه‌الله ، لكن قد عرفت أنّ قوله : ( فتأمّل ) كأنّه إشارة إلى اندفاعه ، يشهد بذلك قوله بعد ذلك : ( فالظاهر. إلى آخره ).

وأمّا ما نسب إليه من اعتقاد عدم رجحانه بحسب الذات أيضا.

ففيه ، أنّه إن أراد به رجحان أصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيّة ، فليس في كلامه منه عين ولا أثر.

وإن أراد رجحان أصل العبادة لا يبقى مع الخصوصيّة ـ أي لا يترتّب على خصوص العبادة المكروهة ثواب أصل تلك العبادة أصلا ـ فإن استفاد ذلك ممّا ذكره من حديث النيّة ، فقد عرفت حقيقة الأمر ، وإن استفاد ممّا ذكره بعده من قوله : ( فالظاهر. إلى آخره ) ، ففيه ، أنّ الظاهر أنّ قوله بالحرمة أو الكراهة بالمعنى المصطلح لكن في جميع العبادات بمعنى المرجوحيّة على الوجه الّذي سبق على ما هو الظاهر من معنى قوله : الكراهة ، لا أنّ فيه ثوابا أيضا لكن أقلّ من ثواب تركه ، إنّما قال به ـ على ما يظهر من كلامه ـ في خصوص الصوم باعتبار ما عرفته ، أمّا احتمال الحرمة ، فلما أشار إليه من ورود النهي عنه كثيرا وظهور

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.


ظهوره في الحرمة ، وأمّا الكراهة بذلك المعنى ـ لا بمعنى كون ثوابه أقلّ من ثواب الفطر ـ فلعدم كون الفطر عبادة ، واستبعاد زيادة ثوابه على ثواب الصوم. إلى غير ذلك ممّا علم من كلامه ـ على ما نقلنا ـ ولم يقل بأنّه لا يجتمع الكراهة في شي‌ء مع رجحانه أصلا ، وليس في كلامه إشعار عليه ، فقوله : كأنّه ظنّ ، كأنّه من بعض الظنّ.

وها هنا كلام آخر ، وهو أنّه يستفاد من كلام هذا الفاضل أنّه أورد الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله ها هنا احتمالين :

أحدهما : عدم جواز الصوم المندوب مطلقا سواء اعتقده عبادة أم لا.

وثانيهما : كراهته لكن يكون بقصد العبادة حراما.

وأنت خبير بأنّ هذا ممّا لا يرجع إلى محصّل ، ولا يستفاد ذلك من كلامه رحمه‌الله أصلا.

نعم ، ذكر احتمال الحرمة ، وكذا احتمال الكراهة ، وأورد على احتمال الكراهة ذلك بالمعنى المصطلح على سبيل الإشكال أنّه حينئذ لا تنعقد العبادة ، فيكون حراما ، فلا يصحّ حمل الكراهة على المعنى المصطلح.

وأين هذا ممّا فهمه هذا الفاضل رحمه‌الله ، فتأمل؟!

تمّت الإفادة الإجماليّة بالكمال ، ولله الحمد.


رسالة

في صحّة الجمع بين الفاطميّتين



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

ربّ وفّقنا لما تحبّ وترضى ، وأيّدنا وأرشدنا بمحمّد وآله.

اعلم يا أخي ، أنّ الجمع بين الفاطميّتين صحيح بلا شبهة ، إجماعيّ عند المسلمين ، حتّى الصدوق والشيخ ، كما ستعرف.

ويدلّ على الصحّة ، بل الحلّية أيضا :

إطباق الفقهاء في فتاواهم ، حتّى أنّهم ما عدوّا ذلك من المكروهات ، ولا خلاف الآداب أيضا ، كما ينادي به فتاواهم ، وعمل جميع المسلمين في الأعصار والأمصار ، حتّى أنّهم ما كانوا ينزّهون عنه في مقام الكراهة ، ولا ترك الأولويّة أيضا.

ومثل هذا الإجماع مرادف للضروريّ ، لأنّ حال هذا الجمع كان حال غيره من المحلّلات بالضرورة عند الفقهاء والمسلمين ، من دون تفاوت ، كما هو ظاهر على المتأمّل في كلماتهم وأحوالهم.

إلى أن عرض في هذه الأزمان شبهة على بعض المتوهّمين من اطّلاعه على بعض الأخبار الّذي يظهر حاله مع غفلته عن حقيقة الحال ، ولو لا عروضها


لكان حاله حالهم بلا شبهة.

ولو سلّم كونه نظريّا ، فلا خفاء في الحجّية ، كما هو المسلّم عند الشيعة ، والمحقّق في موضعه.

ويدلّ عليهما أيضا :

أصالة البراءة ، والإباحة ، فجميع ما دلّ عليها من الإجماعات المنقولة ، والآيات القرآنيّة ، والأخبار المتواترة ، والعقل ، واستصحاب الحالة السابقة ـ على ما بيّناه في رسالتنا في « أصل البراءة » ـ يدلّ عليهما البتّة ، بل بيّنا فيها ـ غاية التبيين ـ كون الإجماعات المنقولة واقعيّة على القطع واليقين ، فلا حظ (١).

ويدلّ عليهما أيضا :

أصالة الاستصحاب ، إذ في أوّل الشرع لم يكن حراما بالبديهة ، فكذا بعده ، لما ورد منهم : « لا تنقض اليقين إلّا باليقين » (٢) ، وقولهم : « لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله » (٣) ، وقولهم : « لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا » (٤). إلى غير ذلك ممّا كتبناه في الرسالة.

ويدلّ عليهما أيضا :

الآيات ، مثل قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥).

وقوله تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٦).

__________________

(١) لاحظ! الرسائل الأصوليّة : ٣٤٩.

(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ٢٧٤ الحديث ١٧ و ٢٨١ الحديث ٥٣.

(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ٢٧٤ الحديث ١٧ و ٢٨١ الحديث ٥٣.

(٤) لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، ٤٢١ الحديث ١٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

(٥) النساء (٤) : ٢٤.

(٦) النساء (٤) : ٢٣.


وقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (١).

وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٢) ، فإنّ كلّ واحد من العلويّات ممّا طاب ، فلا مانع من المثنى والثلاث والرباع منها.

وقوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٣) ، فلو كان الجمع بين الفاطميّتين أيضا حراما لما خصّ ذلك بالأختين.

إلى غير ذلك من الآيات.

ويدلّ عليهما أيضا :

الأخبار المتواترة (٤) ـ بل الزائدة عن حدّ التواتر ـ عن الأئمّة عليهم‌السلام ، فإنّهم في مقامات لا تحصى تعرّضوا لذكر ما يحرم نكاحها ، وما يكره ، وما لا يحسن ، ولم يشيروا إلى ذلك أصلا ، إذ الشاذّ الّذي نقل أمرونا بترك العمل به من وجوه كثيرة ، ستعرفها.

مع أنّ بديهيّات الدين أو المسلّمات عند المسلمين أو المشهورات عندهم تعرّضوا لأمثال ذلك ، فكيف لم يتعرّضوا لما هو في غاية الخفاء وأحالوا على ما أمروا بعدم العمل [ به ] قطعا؟!

مع أنّ المطلقات من النساء الواردة في مقام الحمل والصحّة يزيد عن المتواتر بما لا يحصى ، والمطلق يرجع إلى العموم ، كما هو المحقّق والمسلّم عند الكلّ ، والمدار عليه في الفقه.

__________________

(١) النور (٢٤) : ٣٢.

(٢) النساء (٤) : ٣.

(٣) النساء (٤) : ٢٣.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٦١ أبواب ما يحرم بالنسب.


ونقل تلك الأخبار ممّا لا يفي له الدفاتر ، منها : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بناتنا لبنينا » (١) ، مشيرا إلى أولاد عليّ عليه‌السلام وجعفر ، وقولهم عليهم‌السلام : « المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » (٢) ، وقولهم : العرب يتزوّج في قريش ، وقريش يتزوّج في بني هاشم (٣). إلى غير ذلك.

وقال الصدوق في كتابه « الخصال » : ( الفروج المحرّمة في الكتاب والسنّة على أربعة وثلاثين وجها ، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن حمزة ـ إلى أن قال ـ قال : حدّثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد عليهم‌السلام أنّه قال : « سئل أبي عليه‌السلام عمّا حرّم الله عزوجل من الفروج في القرآن ، وعمّا حرّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سنّته ، فقال : الّذي حرّم الله من ذلك أربعة وثلاثين وجها (٤) ، سبعة عشر في القرآن ، وسبعة عشر في السنّة. فأمّا الّتي في القرآن : فالزنا ، قال الله سبحانه ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) (٥) ، ونكاح امرأة الأب ، قال الله عزوجل ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦) ، ( أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ). إلى قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ ) (٧) ، والحائض حتّى

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤٩ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٧٤ الحديث ٢٥٠٦٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤٩ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٧٤ الحديث ٢٥٠٦٨.

(٣) لاحظ! الكافي : ٥ / ٣٤٥ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٧٠ الحديث ٢٥٠٥٩.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فقال : الّذي حرّم الله أربعة وثلاثون وجها ).

(٥) الإسراء (١٧) : ٣٢.

(٦) النساء (٤) : ٢٢.

(٧) النساء (٤) : ٢٣.


تطهر ، لقوله تعالى (١) ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ ) (٢) الآية ، والنكاح في الاعتكاف ، لقوله تعالى (٣) ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٤) ، وأمّا [ الّتي في ] السنّة ، فالمواقعة في نهار رمضان ، وتزويج الملاعنة بعد اللعان ، [ والتزويج في العدّة ] ، والمواقعة في الإحرام ، والمحرم يتزوّج أو يزوّج ، والمظاهر قبل أن يكفّر. ». إلى آخر الحديث ) (٥).

وذكر فيه كثيرا ولم يذكر الجمع بين الفاطميّتين أصلا.

فانظر أيّها الفطن إلى دلالة هذه الرواية المطابقة للآيات الكثيرة ، والأخبار المتواترة ، والأصول الثابتة من الأخبار والآيات والإجماع أو غيره.

ومنها : أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مأمورا بإنذار حضور (٦) عشيرته ، وأقاربه بالخصوص أيضا ، حيث قال تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٧) ، وكان يفعل كذلك بلا شبهة.

وأيضا ، قال عزوجل ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) (٨). الآية.

وورد في الأخبار ما هو أشدّ من هذا وآكد ، وأنّ الرجل مؤاخذ ومعاقب بما صدر من أهله إذا لم يبلّغ ولم يبالغ (٩) ، فلا حظ.

فمع جميع ذلك لم لم ينذر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عشيرته وأولاده عن ذلك وبناته عن

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( قال الله عزوجل ).

(٢) البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( قال الله عزوجل ).

(٤) البقرة (٢) : ١٨٧.

(٥) الخصال : ٢ / ٥٣٢.

(٦) في النسخ الخطّية : ( حظور ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٧) الشعراء (٢٦) : ٢١٤.

(٨) التحريم (٦٦) : ٦.

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٦ / ١٤٧ الباب ٩ من أبواب الأمر والنهي.


الاجتماع في عقد واحد ، وكونهنّ تحت حبالته؟! ، وكذلك عليّ عليه‌السلام مع كونه نائب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قائما مقامه ، يجب عليه إبلاغ ما وجب على الرسول؟!.

وكذلك الحال في كلّ واحد واحد من الأئمة عليهم‌السلام ، بل فاطمة عليها‌السلام كأنّه كذلك ، مع ما عرفت من وجوب حفظ الأهل من النار والحرمة والزنا وعدم طيب الولادة.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما ورد وثبت من وجوب إبلاغ أحكام الشرع باهاليها (١) عليهم عليهم‌السلام ، وأنّهم عليهم‌السلام كانوا مفردين مخلوقين لذلك ، ومبعوثين على ذلك ـ أصالة أو نيابة ـ مع القطع بعدم تقصير واحد منهم عليهم‌السلام أصلا.

فلم لم يبلّغ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عليّ عليه‌السلام ولا فاطمة عليها‌السلام ولا الحسن عليه‌السلام ولا الحسين عليه‌السلام ولا غيرهما صلوات الله عليهم ، ولم ينهوا بناتهم عن الرضا بالعقد المذكور؟ ولم يعرض كلّ واحد منهم ذلك بالنسبة إلى أولادهم و [ أولاد ] أولادهم إلى يوم القيامة ، كما صدر ما صدر منهم بالنسبة إلى الأحكام المختصّة بالعشيرة والأولاد والأقارب؟!

ومع ذلك لم يصدر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا علي عليه‌السلام وغيره نهي بناتهم عليهم‌السلام عمّا ذكر ، ولا الوصيّة بذلك مطلقا ، مع أنّ في أمر الفرج تشديد ، بل أشدّ الأمور ، وطيب الولادة أهمّ وأولى الأمور ، فكيف اتّفقوا على هذا التقصير العظيم في عدم إنذار العشيرة ، وعدم وقايتهم عن النار الّتي وقودها الناس والحجارة؟! غير ما نقل أنّ الصادق عليه‌السلام قال لأجنبي من الرجال الّذين لا دخل لهم بالعشيرة والأهل أصلا : لا يحلّ كذا وكذا (٢) ، ولم يظهر ذلك لبنات فاطمة عليها‌السلام اللاتي (٣) هنّ عشيرته

__________________

(١) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( وإيصالها ).

(٢) لاحظ وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الحديث ٢٦٢٠٦.

(٣) في النسخ : ( الّتي ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


وأهله وبناته ، أو بنات عشيرته اللاتي أيضا بناته وأهله.

مع أنّ مانع الحلّية ومنشأ الحرمة إنّما هو من جانب البنات ، وأنّ فاطمة عليها‌السلام يشقّ عليها اجتماع بناتها تحت رجل ، فلم [ لم ] ينه بناته عن ذلك ، ولا غيره من آبائه عليهم‌السلام وأبنائه المعصومين؟!.

ولو كان واحد منهم ينهى البنات عن ذلك لم يرضين قطعا بذلك ، ولو كان يوصي بذلك لم يخالفن الوصيّة ، ويشتهر ذلك بين بنات فاطمة عليها‌السلام ، وبينهم وغيرهم من أهل البيت عليهم‌السلام ، وترتفع الفاحشة من العترة الطاهرة ، ويصير مثل سائر خصائصهم عليهم‌السلام الطاهرة الشائعة.

وأين هذه الفاحشة من الخصائص الأخر ، وهم قالوا : حلّلنا الخمس لشيعتنا ، لطيب ولادتهم (١)؟! ، فكيف أرادوا طيب المولد لشيعتهم ، ولم يريدوا ذلك لذرّيتهم الطاهرة ، مع ما عرفت من وجوب الإنذار للأقربين ، ولزوم وقايتهم عن النار ، وغير ذلك ممّا لا يحتاج إلى ذكره؟!

وأين التحريم الإلهي للفروج من عدم إعطاء الخمس؟ وأين تأثير التحريم في طيب الولادة من تأثير عدم إعطاء الخمس؟!

ومن المعلوم ـ بالبديهة ـ أنّ بنات فاطمة عليها‌السلام إلى زمان الصادق عليه‌السلام من أهل بيته عليهم‌السلام ، فضلا أن يكنّ من أهله ، ومع ذلك كنّ في غاية الإطاعة له ، كما كنّ في غاية الإطاعة لجدّهنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيهنّ عليّ عليه‌السلام ، وأمّهنّ فاطمة عليها‌السلام ، وكذا الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ عليهم‌السلام.

فإذا كانوا عليهم‌السلام قد أنذروا العشيرة ووقوا عن النار وأبلغوا إليهنّ الحكم الّذي قدّر الله فيهنّ من عدم إيذائهنّ فاطمة عليها‌السلام ، وعدم إدخالهنّ الحرمة والزنا

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٥٤٥ الحديث ١٢٦٧٨ و ٥٤٧ الحديث ١٢٦٨٣.


والفاحشة في نسلها ونسبها ، وتحصيل طيب الولادة لها ، لكنّ في غاية الإطاعة لهم عليهم‌السلام.

بل إذا أبلغوا إليهنّ هذا الحكم من حيث كونه حكم الله لكنّ كذلك جزما ، وإن كان التبليغ بعنوان الوصيّة إليهنّ ، فضلا عن الخطاب.

وكذلك الحال بالنسبة إلى ذكور أولاد فاطمة عليها‌السلام إذا أنذروهم من تزويج بناتهم لمن تحته بنت من أولاد فاطمة ، وأنّهم بأنفسهم أيضا لا يجمعون (١) ، وإن كان بعنوان وصيّة الأعقاب والأصلاب.

ولو حصل ذلك من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد من أوصيائه أو فاطمة ـ صلوات الله عليهم ـ لاشتهر ذلك في الذرّية الطاهرة ، ثمَّ اشتهر في الأمّة ، كما اشتهر خصائص آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وخصائص نسبهم وأحوالهم ، ويذكر ذلك في كتب أنسابهم وأحوالهم ، بل يشتهر ذلك اشتهار الشمس.

ومن المعلوم عدم اطّلاع بنات فاطمة عليها‌السلام على ذلك إلى زمان شيخنا الحرّ (٢) ، بل وبعده أيضا إلى الآن ، وأنّ المدار كان في الأعصار والأمصار على عدم الفرق بين الذرّية الطاهرة وغيرهنّ في جواز الجمع ، حتّى أنّه ذكر في كتب الأنساب أنّ عليّ بن جعفر الجليل ـ الّذي كان في غاية الطاعة للصادق عليه‌السلام ومن بعده من الأئمّة عليهم‌السلام ـ كان تحته علويّتان ، كما نقل (٣) ، فلا حظ وتتّبع!.

ومع جميع ذلك ، رواية « الخصال » (٤) الّتي ذكرنا وغيرها من الروايات

__________________

(١) في النسخ : ( لا يجتمعون ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الباب ٤٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، بداية الهداية : ٢ / ٢٣٧.

(٣) لم نعثر على من نقل هذا الأمر بعد الفحص التام.

(٤) الخصال : ٢ / ٥٣٢ ، وقد مرّ في الصفحة ١٧٠ من هذا الكتاب.


الموافقة لها والآيات القرآنيّة مطابقة لإجماع المسلمين ، فضلا عن الفقهاء ، حتّى الصدوق ، إذ كلامه ينادي بموافقته لسائر الفقهاء والمسلمين.

كما أنّ كلامه في « الفقيه » أيضا ينادي بها ، حيث قال : ( باب ما أحلّ الله عزوجل [ من النكاح ] وما حرّم منه ) (١) ، ثمَّ شرع في ذكر الأخبار الدالّة عليها ، وهي في غاية الكثرة ، ولم يشر إلى حرمة الجمع المذكور ، بل ولا إلى كراهته ، ولا كونه من خلاف آداب النكاح مع تعرّضه للكلّ ، مع أنّه رحمه‌الله صنّف « الفقيه » لمن لا يحضره الفقيه ، ومع ذلك قال في أوّله ما قال ، بل أظهر أنّ قصده فيه ليس قصد المصنّفين في إيرادهم جميع ما رووه ، سواء عملوا وأفتوا به أم لا (٢).

وصرّح الشيخ أيضا بأنّ عادة المصنّفين كما ذكره (٣) ، مع أنّا نرى عيانا من الخارج كون الأمر على ما صرّحنا به.

ومن هذا صرّح الصدوق في « علله » بأنّ كتابه « العلل » ليس ككتاب فتواه والعمل (٤) ، كما لا يخفى على المطّلع المتأمّل ، وإن كان يذكر فيه كثيرا ممّا يعمل به ، كما هو عادة المصنّفين في إيرادهم المقبول والمردود عندهم ، وعادته فيه في المقبول أنّه يقول : باب علّة وجوب شي‌ء أو حرمته ، أو أمثالهما من الأحكام ، ثمَّ يذكر الخبر الدالّ على ذلك ، كما فعل في « الخصال » في المقام ، وغيره ، وفي « الفقيه » أيضا وغيره.

ولم يذكر في « علله » أيضا ما يشير إلى اعتقاده وحكمه بحرمة الجمع المذكور ولا كراهته ، ولا كونه خلاف الأدب كسائر كتبه ، ولم يذكر في كتاب

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٥٦ الباب ١٢٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

(٣) لاحظ! المبسوط للطوسي : ١ / ٢.

(٤) لاحظ! علل الشرائع : ٢ / ٣٥٠ ذيل الحديث ٦.


النكاح منه ما يشير إلى شي‌ء من ذلك ، بل ولا في باب نوادر علل النكاح أصلا.

نعم ، ذكر في آخر الكتاب ، عند ذكر باب نوادر العلل رواية غير صحيحة في جملة روايات ذلك الباب (١) ، ومع ذلك ليست واضحة الدلالة في حرمة الجمع المذكور ، كما ستعرفها ، فلو كان قائلا بمضمونها ـ على ما فهمه المتوهّم ـ لكان يعقد له بابا ، ويقول : باب علّة تحريم الجمع بين علويّتين ، أو علّة المنع عنه (٢) ، أو علّة كراهته ، وأمثال ذلك ، ثمَّ يذكر الرواية المذكورة ، كما هو عادته في كتابه « العلل » وغيره من كتبه.

مع أنّه لم يشر إلى الرواية المذكورة في كتاب النكاح منه بوجه من الوجوه ، لا عند ذكره محرّمات النكاح ، ولا مكروهاته ، ولا غيرهما من أحكامه أصلا ورأسا ، بل لم يشر إليها في باب نوادر علل النكاح أيضا أصلا ورأسا.

وهذا منه ينادي بأنّ هذه الرواية عنده لا دخل لها في أحكام النكاح وآدابه أصلا ، كما سيذكر عن خالي العلّامة (٣).

نعم ، الشيخ روى في باب زيادات النكاح هذه الرواية بطريق أضعف (٤) ، وبين صريح في صحّة هذا النكاح ، كما ستعرف ، مع تصريحه بأنّه يذكر في « التهذيب » المقبول والمردود من الروايات (٥) ، مع تصريحه في كتاب « العدّة » بأنّ خبر الواحد لا يكون حجّة إلّا أن يرويه الثقات والعدول (٦) ، وضبط في كتب

__________________

(١) علل الشرائع : ٢ / ٥٩٠ الحديث ٣٨.

(٢) في النسخ : ( إذ علّة المنع عنه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) يأتي في الصفحة ١٧٨ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٦٣ الحديث ١٨٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الحديث ٢٦٢٠٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٣.

(٦) عدّة الأصول : ١ / ٣٣٦.


علم الرجال كلّ من كان ثقة عنده.

فيكون هذه الرواية من غير الثقات عنده جزما.

نعم ، يظهر منه في « عدّته » وغيره أنّ خبر غير الثقة إذا كانت منجبرة بجابر يظهر منه صدقه ، يكون حجّة أيضا ، مثل أن يكون منجبرا بعمل الأصحاب (١).

وبالجملة ، يظهر من كلامه في « العدّة » وغيره ظهورا تامّا ـ بل بعنوان الصراحة ـ عدم حجّية مثل الرواية المذكورة البتّة ، كما لا يخفى على المطّلع.

ومن هذا يظهر من كلامه في « التهذيب » عدم حرمة هذا الجمع ، بل وعدم كراهته أيضا ، فلاحظ في جميع كتب فتاواه صرّح بانحصار حرمة النكاح في الأمور الّتي عدّها ، ولم يذكر من جملتها (٢) هذا الجمع أصلا ، بل ولم يذكر في المكروهات أيضا ، ولا في الآداب أيضا ، موافقا للصدوق وغيره من فقهاء الشيعة من المتقدّمين والمتأخّرين ، بل جميع المسلمين أيضا ، مع أنّ كتابه « النهاية » على طبق أحاديثه الّتي أوردها في « التهذيب » وعمل بها ، كما هو مسلّم عند المحقّقين ، بل بيّن بالوجدان والمشاهدة ، فلا حظ وتتبّع واختبر ، حتّى يحصل لك اليقين بذلك.

ومع ذلك حال « نهايته » حال سائر كتب فتاواه ، على حسب ما ذكرنا.

مع أنّ عادة فقهائنا المسامحة في المستحبّات والمكروهات ، كما هو معلوم عند كلّ من له فهم واطّلاع ، حتّى أنّهم كثيرا ما يعملون في المقام المذكور بخبر ضعيف رواه العامّة في كتبهم ، بل ورواه بعض منهم مع نهاية ضعفه ، كما لا يخفى.

بل ربّما يكتفون بفتوى فقيه من دون وجدان خبر أصلا ، مثل ما صدر

__________________

(١) عدّة الأصول : ١ / ٣٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٣ ـ ٤.

(٢) في النسخ الخطّية : ( من حملها ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


منهم في الحكم بكراهة الصلاة إلى الباب المفتوح (١) ، وغير ذلك ممّا هو كثير ، كما لا يخفى أيضا على المطّلع.

بل ربّما يكتفون في المقام المذكور بما هو أضعف من فتوى فقيه أيضا.

ومع جميع ما ذكر ، معلوم اتّفاق جميعهم في عدم اعتبار [ هم ] للرواية المذكورة في مقام مكروهات النكاح ، ولا في خلاف مستحبّاته ، ولا خلاف آدابه ، لأنّهم يتعرّضون لذكر الكلّ في كتبهم ، ولم يشر واحد منهم إلى كراهة الجمع المذكور ، ولا كونه خلاف المستحبّ أو خلاف الأدب ، مع أنّهم في باب النكاح والفروج يبالغون في الاحتياط ، ويشدّدون.

مع أنّ كلّهم كانوا مطّلعين على الرواية المذكورة ، مثل الشيخ والصدوق ، حتّى أنّ منهم من صرّح في بعض إجازاته أنّه درّس « التهذيب » من أوّله إلى آخره أزيد من خمسين مرّة أو أربعين بمراتب (٢) ، كما لا يخفى على المطّلع ، فإذا كان تدريسه بهذا القدر ، فما ظنّك باطّلاعاته وقراءته وملاحظاته في مقام التصانيف الكثيرة الصادرة منهم ، والفتاوى وغيرها؟!

ومع ذلك ، كلّهم أطبقوا على ما ذكرنا إلى زمان المتوهّم وبعده إلى آن كتابة هذه الرسالة.

ولهذا قال خالي العلّامة المجلسي عند ذكر رواية « التهذيب » : ( لم أجد قائلا بمضمونها أصلا ورأسا ) (٣) ، مع أنّه كان وحيد عصره في الاطّلاع على أقوال الفقهاء ، بل كان فريد سائر الأعصار ، كما لا يخفى على المطّلع.

بل الإصفهان كان مملوءا من الفضلاء والفقهاء ، وأكثرهم ـ بل كلّهم ـ كانوا

__________________

(١) لاحظ! المعتبر : ٢ / ١١٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٣٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ١٣٥ و ١٤٢.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) ملاذ الأخيار : ١٢ / ٤٦٢ ، وفيه : ( ولم أر عاملا به ).


في غاية الاحتياط في الفروج ، ولذا كانوا يكرّرون كثيرا في صيغة النكاح ، وأزيد منه كانوا يحتاطون في ذلك وغير ذلك ممّا هو أضعف ، ومع ذلك لم ير من واحد منهم احتياط في الجمع المذكور ، بل ولا كراهة فيه ، ولا خلاف استحباب وأدب.

وبالجملة ، لم ير من واحد منهم عين ولا أثر في شي‌ء ممّا ذكر ، ولا ظنّ منه ، ولا احتمل ، ولا تخيّل ، بل كذلك (١) حال سائر البلدان الّتي كانت مجمع العلماء والفقهاء ، حتّى المشهد المقدّس الرضوي إلى زمان شيخنا المتوهّم رحمه‌الله وما بعده أيضا.

والحاصل ، أنّ الفرقة المحقّة الناجية لم تكن مجتمعة على الضلالة إلى زمان المتوهّم رحمه‌الله وبعده أيضا ، إذ يظهر فساد هذا من الأخبار المتواترة ، مضافا إلى غيرها من أدلّة الإجماع ، مضافا إلى شياعه ، وتحقّق اختلاط الأنساب في أولاد الأئمّة عليهم‌السلام والذرّية الطاهرة ، كما مرّ وسنشير إليه ، لكون المدار في الأعصار والأمصار على فتاواهم ، وهذا أشدّ شي‌ء على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام وفاطمة عليها‌السلام ، ومع ذلك يكونوا مقصّرين في نشر شرائع الأحكام البتّة!

مع أنّهم عليهم‌السلام كما ذكروا في زيارة الجامعة الكبيرة : « فجاهدتم في الله حقّ جهاده ، حتّى أعلنتم دعوته ، وبيّنتم فرائضه ، وأقمتم حدوده ، ونشرتم شرائع أحكامه ، وسننتم سنّته » (٢). إلى غير ذلك من فقرات هذه الزيارة ، وغيرها ممّا يؤدّي مؤدّاها.

فيكف يكونون غير ناشرين لشرائع الأحكام؟! سيّما بما هو في غاية الاهتمام من حفظ أنسابهم الطاهرة عن الحرمة والزنا ـ العياذ بالله من ذلك ـ لعدم ذكر

__________________

(١) في النسخ : ( بل كل حال ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣٧١ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٣٠٦ ، بحار الأنوار : ٩٩ / ١٢٩.


أحد منهم عليهم‌السلام حرمة الجمع المذكور إلّا خصوص الصادق عليه‌السلام ، وأنّه عليه‌السلام ذكر ذلك لرجل بعنوان الشذوذ ، وبعنوان يظهر منه غاية الظهور صحّة هذا العقد وهذا الجمع ، كما ستعرف!

ومع ذلك هو عليه‌السلام وغيره من الأئمّة عليهم‌السلام أمرونا بترك العمل بهذه الرواية من جهة شذوذها ، ومن جهة مخالفتها للقرآن والسنّة وسائر أحاديثهم ، ومن جهة أنّ الراوي غير ثقة ، وغير ذلك.

بل الأخبار متواترة عنهم عليهم‌السلام فيما ذكر ، سيّما في مخالفة الكتاب ، حيث ورد منهم عليهم‌السلام : « أنّ ما خالفه فاضربوه على الحائط » (١) ، وورد : « أنّه زخرف » (٢) ، وورد : « إنّا لا نقول بما يخالف القرآن » (٣). إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ، وربّما ورد مكرّرا كثيرا ، كما لا يخفى على المطّلع ، وسنذكر بعض ذلك.

هذا ، مع أنّ الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام بالغوا في إظهار حرمة الزنا وإن كان بامرأة الكفّار (٤) ، ووجوب حفظ الأنساب وإن كان نسب كافر (٥) ، حتّى جعلوا عقوبة الدنيا أيضا فيه من الجلد والرجم وغيرهما ، كما هو معلوم ، بل بالغوا في الاحتياط في الفروج ، وقالوا : « إنّ أمر الفرج لشديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط فيه » (٦). إلى غير ذلك.

فكيف في حفظ نسب آل فاطمة عليها‌السلام عنه ، وعدم اختلاطه به لم يصدر منه

__________________

(١) لاحظ! التبيان في تفسير القرآن : ١ / ٥.

(٢) الكافي : ١ / ٦٩ الحديثان ٣ و ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٠ الحديثان ٣٣٣٤٥ و ٣٣٣٤٦.

(٣) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٩ الحديث ٥.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٢١ الحديث ٢٥٧٢٥.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣١١ الحديث ٢٥٦٩٩.

(٦) الكافي : ٥ / ٤٢٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٧٠ الحديث ١٨٨٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٥٨ الحديث ٢٥٥٧٢ ، وفيها : ( .. هو الفرج ، وأمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط .. ).


شي‌ء؟! بل صدر منه خلافه مكرّرا ، وكذلك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، سوى ما روى رجل مجهول عن الصادق عليه‌السلام أنّه : « لا يحلّ الجمع بين اثنتين من ولد فاطمة ، لأنّه يبلغها فيشقّ عليها » (١) ، وأين الشاقّية على خصوص فاطمة عليها‌السلام من التهديدات البالغة والعقوبات الشديدة في الآخرة ، مضافا إلى الدنيا ، الصادرة من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام على سبيل الجزم واليقين؟!

مع أنّ الجمع المذكور لو كان حراما ، فأيّ معنى للتعليل بكونه شاقّا على خصوص فاطمة عليها‌السلام ولم يكن شاقّا على الله ولا على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا على أحد من الأئمّة عليهم‌السلام ، مع أنّ فاطمة عليها‌السلام مع الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام كلمتهم واحدة ، ورضاهم واحد ، وعدم رضاهم واحد بالبديهة؟!

ولو لم يكن الجمع شاقّا على الله ولا على رسوله ولا على أحد من الأئمة عليهم‌السلام لم يكن شاقّا على فاطمة عليها‌السلام أيضا بالبديهة.

مع أنّ ابنة فاطمة عليها‌السلام غير منحصرة في بنات ذكور أولادها ، بل بنات بناتها إلى يوم القيامة داخلة ، كما هو المحقّق المسلّم عند المتوهّم ، فلا يكاد يوجد في بلاد المسلمين ونسلهم بنت لم يكن لها نسب إلى فاطمة نسبا أو رضاعا ، إذ « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) ، فشيع التحريم واختلاط النسب بين عامّة المسلمين ، سيّما بملاحظة ما ورد في تفسير سورة ( إِنّا أَعْطَيْناكَ ) (٣).

وأين ما ذكر من تحليل الخمس لطيب ولادة الشيعة (٤) وأمثال ذلك؟!

مع أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو الأئمّة عليهم‌السلام ، وعزيز عليه مشقّة الأمّة ، كما قال عزّ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الحديث ٢٦٢٠٦ ، مع اختلاف في الألفاظ ، وقد سبقت الإشارة إلى مصادره.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٧١ الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٣) لاحظ! مجمع البيان : ٦ / الجزء الثلاثون / ٢٥٢.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٥٤٥ الأحاديث ١٢٦٧٨ و ١٢٦٨٣ و ١٢٦٨٩ و ١٢٦٩٠


وجلّ ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١). إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ، ممّا ورد فيه ، ولم يكن شاقّ عليه الجمع بين أربع من نساء أمّته ، وأزيد من الأربع ، بل إلى حدّ لا يتناهى في نكاح المتعة ، وملك اليمين.

وفاطمة عليها‌السلام أيضا كانت كذلك قطعا ، مع كونها بمنزلة أمّ المؤمنين ، عزيز عليها ما عنتوا ، حريصة عليهم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فكيف لم يشقّ عليها الجمع بين نساء الأمّة آلاف ألوف حتّى يصير منشأ للتحريم ، ومع ذلك يشقّ عليها بخصوصها الجمع بين بنتيها حتّى صار حراما؟!

على أنّه لا شكّ في أنّه يشقّ عليها ـ قطعا ـ أن يأخذ اللوطي الكاولي المؤذي للنساء الضارب لهنّ ، غير الموفي بحقّهنّ ، واحدة من بناتها عليها‌السلام ، كما يشقّ عليها أن يأخذوا واحدة من بنات الأمّة ، سيّما الصائنات النجيبات العفيفات الصالحات ، سيّما إذا أخذها لتخدم ضرّتها الكاوليّة الرذيلة القاينة (٢) الفاحشة المتبرّجة غير الصالحة ولا الصائنة ولا العفيفة ، ومع ذلك هذا العقد صحيح عند المتوهّم بلا شبهة ، موقوف رفعه على الطلاق بلا مرية!

وإن كان يترتّب على العقد المذكور فتن شديدة ، ومفاسد غير عديدة ، من البغضاء والنفرة بين النسائب ، بل القتال والمحنة بين الأقارب ، بل وإن سرت إلى الأباعد والأجانب.

وهكذا في سائر العقود ، بل الإيقاعات أيضا ، مثل الطلاق ، وربّما يحصل فيه أو في العقد عقوق الآباء والأمّهات. وغير ذلك من المحرّمات.

__________________

(١) التوبة (٩) : ١٢٨.

(٢) القينة هي الأمة المغنّية. لاحظ! لسان العرب : ١٣ / ٣٥١.


وأيضا ، معلوم أن يشقّ على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام أن نضيّع أعمارنا في غير تحصيل الآخرة فيما لا يغني من أمور الدنيا ، وإن لم يكن حراما.

وبالجملة ، ممّا ذكرنا وغيره ممّا ستعرف ، ما اعتنى أحد من الفقهاء بشأن الرواية المذكورة في مقام الاستحباب والكراهة ، والآداب ، مع كون عادتهم كمال المسامحة في أدلّة السنن والكراهة ، كما أنّ عادتهم كمال الاحتياط في الفروج.

فكيف أطبقوا على عدم الكراهة ، فضلا عن الحرمة أو الاحتياط في الفروج ، كما لا يخفى على من له أدنى اطّلاع ، وأشرنا إليه في الجملة؟!

وأيضا ، الشاقّية إن كانت بسبب الأمور الدنيويّة ، فغالب ما صار عليها من الدنيا كان في غاية الشاقيّة عليها ، بل « الدنيا سجن المؤمن » (١) ، فكيف فاطمة؟! ومعلوم يقينا أنّ الحسنين عليهما‌السلام إذا كانا يهتزّان يزحفان من الجوع والضعف ، كان ذلك في غاية الشاقّية عليها ، ومعلوم أنّ سبب ذلك إيثار إطعامهم (٢) المسكين واليتيم والأسير (٣) ، وقس على ذلك أمثال ذلك ، ولم يصر الشاقية عليها سببا للحرمة بالبديهة.

وإن كان من جهة الآخرة وحرمة الجمع شرعا ، فالله حرّمه ، وهو العلّة ، وفاطمة عليها‌السلام كأبيها وبعلها وبنيها عليهم‌السلام ، لا يشقّ عليهم إلّا من جهة تحريم الله ، لا أنّ تحريم الله من جهة الشاقية على خصوص فاطمة عليها‌السلام ، فتأمّل جدّا!

وهذا أيضا من أسباب الريبة ، وورد منهم عليهم‌السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٤) ، وورد : « إنّ لكلّ حقّ حقيقة ، ولكلّ صواب نورا » (٥) ، وورد :

__________________

(١) عوالي اللئالي : ١ / ٢٩٢ الحديث ١٦٦.

(٢) في النسخ : ( إيثار طعامهم ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! مجمع البيان : ٦ / الجزء التاسع والعشرون / ١٣٨.

(٤) عوالي اللئالي : ٣ / ٣٣٠ الحديث ٢١٤.

(٥) الكافي : ١ / ٦٩ الحديث ١ ، وفيه : ( إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا. ).


« عليكم بالدرايات دون الروايات » (١). إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم جواز العمل بالرواية المذكورة وحرمته ، كما ستعرف أيضا.

فالرواية المذكورة يجب عدم العمل بها من وجوه لا تخفى ، عرفت وستعرف كثيرا منها.

ثمَّ إنّه حدث في هذه الأزمان قول بحرمة الجمع المذكور ، مع غاية بعد العهد عن أوان الشريعة المقدّسة بزمان طويل يزيد عن ألف سنة بكثير ، من غير أن يكون ذلك الزمان قول من فقيه أو فعل من مسلم ، بل كون الأمر بخلاف ذلك ، مع عدم قول بالكراهة أو فعل ، فضلا عن الحرمة ، على ما عرفت.

ومنشأ إحداثه هذا القول أنّ الشيخ رحمه‌الله في زيادات « التهذيب » روى عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن السندي بن ربيع ، عن أبي عمير ، عن رجل من أصحابنا ، قال : « سمعته يقول : لا يحلّ لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة عليها‌السلام ، إنّ ذلك يبلغها فيشقّ عليها ، قلت : يبلغها؟ قال : إي والله » (٢).

قال : ورواه الصدوق في « العلل » (٣) عن محمّد بن عليّ بن ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن [ محمّد ] ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن حمّاد ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يحلّ. » الحديث ، ثمَّ ادّعى أنّ هذه الرواية عنده حجّة البتّة ، وأمّا عند المتأخّرين ، فطريق « العلل » صحيح البتّة ، وأمّا طريق الشيخ ، فمن المعلوم أنّه إنّما نقل أخبار كتبه من الأصول المحقّقة الثبوت ، المقطوعة الاتّصال بالأئمة عليهم‌السلام.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢ / ٢٠٦ الحديث ٩٧ ، وفيه : ( عليكم بالدرايات لا بالروايات ).

(٢) تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٦٣ الحديث ١٨٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الحديث ٢٦٢٠٦.

(٣) علل الشرائع : ٢ / ٥٩٠ الحديث ٣٨.


ثمَّ قال في الدلالة : إن « لا يحلّ » صريح في التحريم ، ويتبادر منه ، والتبادر أمارة الحقيقة ، كما عليه محقّقوا الأصول ، ويؤكّده التعليل بالمشقّة ، فإنّها أذيتها عليها‌السلام ، وهي حرام (١).

واستدلاله بالرواية ، بعد ادّعائه أنّ الصدوق كان قائلا بالحرمة لأنّه ذكرها ولم يطعن ولا وجّه ، وادّعى أنّ عادته الطعن في كلّ موضع لا يرضى به ، وذكر غير واحد من المواضع من « العلل » و « العيون » و « الفقيه » ما استدلّ به على مطلبه.

ثمَّ قال : وظاهر الشيخ العمل بها ، لما ذكر في « العدّة » ، وأوّل « الاستبصار » ، ولم يذكر من « العدّة » شيئا ، وذكر من « الاستبصار » ما ذكره في أوّله من أنّ خبر الواحد إذا لم يعارضه خبر آخر ولم يعلم فتوى الأصحاب بخلافه يجوز العمل به ، ثمَّ قال : ( هذا الخبر ـ كما ترى ـ ليس له معارض ، ولم يعلم فتوى الأصحاب بخلافه ) (٢) انتهى.

واستدلّ بالاحتياط أيضا.

وفساد استدلاله ، وإن كان ظاهرا في نفسه ، وظهر أيضا فساده ممّا ذكرنا ، بحيث لا يخفى على من له أدنى فهم ، إلّا أنّه لا بأس بالتطويل ، فنقول :

أوّلا : يا أخي ، ورد في الكتب الأربعة ، وغيرها من الكتب المعتبرة أحاديث لا تحصى ظاهرة في وجوب قراءة دعاء أو عمل آخر عقيب الصلوات ، أو في يوم كذا أو ساعة أو عند كذا ، كلّها ظاهرة في الوجوب ، مثل أن قالوا : أقرأ أو افعل ، أو عليك أن تقرأ أو تفعل ، أو وجب عليك كذلك. إلى غير ذلك من

__________________

(١) الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٥١.

(٢) الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٥١ ، مع اختلاف يسير في الألفاظ.


أمثال ذلك ، بل وأظهر دلالة وآكدها ، ومع ذلك أنت تحكم بالاستحباب من دون وجود معارض ، كما هو الحال في الأكثر ، أو من دون ملاحظته إن وجد ، أو من دون ملاحظة مقاومته ، بل وأنت قاطع بما ذكرنا ، ورجحان المعارض لا يحصّل القطع قطعا.

مثلا ، ذكر في « العلل » : ( باب العلّة الّتي من أجلها يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثا : حدّثنا ـ إلى أن قال : ـ « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأيّ علّة يكبّر المصلّي ـ إلى أن قال ـ فقال : لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كلّ [ صلاة ] مكتوبة ، فإنّ من فعل هذا (١) وقال هذا القول كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله [ تعالى ] على تقوية الإسلام وجنده » (٢).

وفي « الفقيه » و « التهذيب » : رويا عنهم عليهم‌السلام أنّ « سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ، تتمّ بها صلاتك. إلى آخره » (٣).

وفي بعض الأخبار في الكتب المعتبرة المكتوبة للعمل قطعا : أنّ من حقوقنا اللازمة على الأمّة والشيعة أن يدعون كذا وكذا (٤).

إلى غير ذلك ممّا لا يفي لذكره الدفاتر ، مع أنّهم ذكروها للاعتبار والعمل قطعا ، وكثيرا ما كان السند قطعيّا أو صحيحا ، مع أنّ المصنّف الراوي لا يتعرّض إلى توجيه وتأويل أصلا ، واعتبار كتابه ، مثل « الفقيه » وغيره أزيد من اعتبار « العلل » بمراتب ، ومع ذلك لم يظهر من كتابه الآخر أنّه لم يفت بالوجوب ، كما

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم ).

(٢) علل الشرائع : ٢ / ٣٦٠ الباب ٧٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٠ الحديث ٩٧٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٠ الحديث ٤١٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٦ الحديث ٨٥٦٤.

(٤) لاحظ! بحار الأنوار : ٨٣ / ٥٩ الحديث ٦٧.


ظهر منه ومن كتبه الأخر عدم فتواه بحرمة الجمع المذكور بالبديهة ، بل ربّما كان كلامه صريحا في عدم الحرمة ، كما عرفت ممّا ذكرنا ، بل عرفت عدم فتواه بالكراهة وترك الأولى ، فضلا عن الحرمة.

وأيضا ، يذكر هو وغيره لهذه الأحاديث عنوانا يظهر منه قوله واعتقاده بمضامينها ، بخلاف الرواية المذكورة ، إذ عرفت أنّه لم يذكرها في باب نوادر علل النكاح ، فضلا أن يذكرها في أبواب النكاح ، فضلا أن يذكر لها عنوانا ثمَّ يذكر (١) الرواية دليلا له ، كما هو عادته في « العلل » ، فضلا عن غيره.

فإن قلت : يمكنه الجواب بأنّ هذه الأخبار الّتي لا تحصى في التعقيب تحمل على الاستحباب بملاحظة ما يظهر من أخبار أخر : أنّ التعقيب بكذا وكذا مستحبّ.

قلت : لا معارضة بلا شبهة.

فإن قلت : من أخبار أخر : أنّ التعقيب مستحبّ.

قلت : على تقدير تسليم وجود ما يظهر منه الشمول لهذه الأخبار ، وحتّى لما ورد من أنّ سجدة الشكر واجبة ـ مثلا ـ بناء المستدلّ على تقديم الخاصّ ، ويكون البناء على التخصيص البتّة لا غير.

ومع ذلك ربّما كان ناقل الخبر لم يبن على غير التخصيص ، كما ادّعاه في الرواية المذكورة وبنى أمرها على ذلك قطعا وأصرّ في ذلك بالجملة (٢).

[ و ] كما استدلّ به في قوله بالحرمة من جهة الرواية المذكورة يلزمه القول بالوجوب في الروايات المعتبرة والصحيحة بلا شبهة ، بل وبطريق أولى بمراتب

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( لم يذكر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٥٨.


شتّى.

وكلّما أجاب في جانب الصحاح فهو بعينه جوابه في الرواية المذكورة بطريق أولى بمراتب شتّى ، كما أشرنا إلى وجهه.

مع أنّه غير خفي ربّما نقلوا القائل بالوجوب صريحا ، ومع ذلك لا يعتنى بشأنه أصلا ، كقول ابن أبي عقيل بوجوب قراءة دعاء هلال شهر رمضان عند رؤيته (١) ، وقول السيّد بوجوب الأذكار في يومي العيدين (٢). إلى غير ذلك.

إنّ حكمه بالاستحباب في غير ما نقلنا عن السيّد ـ بل ربّما كان فيه أيضا ـ غير موقوف على ملاحظة المعارض وكونه أقوى.

كما أنّ حكمه بعدم قول مصنّف تلك الروايات بوجوب ، وقوله بالاستحباب غير موقوف على ذلك ، مع أنّه على تقدير التوقّف والحصول من ملاحظته وترجيحه ، فالترجيح لا يفيد إلّا الترجيح ، لا القطع ، وغير خفيّ أنّه قاطع.

فما ذكرنا (٣) كلّه ينادي بأنّ منشأ فهم الاستحباب ليس إجماع الفقهاء ، وينادي بذلك ـ بعنوان القطع ـ أنّ كثيرا من المواضع لا يوجد معارض في كتاب من الكتب ، فضلا عن كتاب ناقلها أو كتاب من كتب ناقلها ، كما هو الحال فيما ورد من الأمر بقراءة دعاء في يوم عرفة أو الغدير أو غيرهما ، أو ساعة كذا ، وأمثال ذلك ، والأمر حقيقة في الوجوب.

أو ورد النهي عن تركه ، والنهي حقيقة في الحرمة ، كما هو المحقّق المسلّم ، والمدار على ذلك.

__________________

(١) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٢٣٦.

(٢) الانتصار للسيّد المرتضى : ٥٧ ـ ٥٨.

(٣) في النسخ الخطّية : ( فيما ذكرنا ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


وربّما يرد بعبارة : عليك ، أو وجب ، أو غيرهما ، فتتّبع.

وربّما يكون عطفا على واجب من أفعال الحج أو غيره وتأمّل.

وهذه الرسالة لا تفي لذكر الكلّ ، ولا الجلّ ، ولا كثير منها.

وأمّا حكمه بصحّة طريق الصدوق على طريقة المتأخّرين ، فليس إلّا من جهة عدم اطّلاعه على طريقتهم ، وعدم اطّلاعه على شرائط صحّتهم ، وعدم اطّلاعه على علم الرجال ، لأنّ الصحيح عندهم ليس إلّا ما رواه ثقة عن ثقة ، وهكذا عن المعصوم عليه‌السلام (١) ، ومحمّد بن علي ماجيلويه غير مذكور في الرجال إلّا مهملا (٢) ، وإن صحّح العلّامة بعض طريق الصدوق وهو فيه (٣) ، وهذا غير كاف ، لأنّ كثيرا ممّن صحح العلّامة حديثه لا يعدّ حديثه صحيحا وإن أكثر تصحيحه ، بل ربّما يصحّح بوجه تصحيح على وجه يحصل القطع بأنّه ليس مراده ما هو المصطلح عليه عندهم ، ولذا ربّما يصرّح بفساد مذهبه مع حكمه بتصحيح حديثه (٤).

وأمّا محمّد بن عيسى الأشعري ، فهو من الحسان عندهم بلا شبهة (٥) ، وإن صحّح العلّامة بعض أحاديثه (٦).

__________________

(١) لاحظ! الرعاية في علم الدراية : ٧٧.

(٢) لاحظ! جامع الرواة : ٢ / ١٥٧.

(٣) لاحظ! رجال العلّامة الحلّي ( الخلاصة ) : ٢٧٨ ، حيث صحّح العلّامة رحمه‌الله طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رباح الكوفي وهو فيه ، إذ أنّ الصدوق رحمه‌الله ذكر في مشيخة الفقيه : ( وما كان فيه عن إسماعيل بن رباح ، فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن إسماعيل بن رباح الكوفي ). من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٤ من شرح مشيخة الفقيه.

(٤) لاحظ! رجال العلامة الحلّي ( الخلاصة ) : ٢٧٧.

(٥) لاحظ! جامع الرواة : ٢ / ١٦٥.

(٦) لاحظ! رجال العلامة الحلّي ( الخلاصة ) : ١٥٤ الرقم ٨٣.


وأمّا أبان بن عثمان ، فالمعروف عند المتأخّرين أنّه من الناووسيّة (١) ، واضطرب آراؤهم في عدّ حديثه ، فمنهم من حكم بضعفة ، لكون الكفر أعظم فسق (٢) ، ومنهم من حكم بكونه موثّقا ، لنقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ [ عنه ] (٣).

وفيه ، أنّ تصحيح القدماء ليس تصحيح المتأخّرين ، ولذا جعل حديثه قويّا.

لكن حكاية إجماع العصابة لم يعتبرها الشيخ في كتبه أصلا ، ولا النجاشي ـ مع كونه أضبط الكلّ في الرجال ـ ولا ابن الغضائري ، بل الكشّي أيضا لم يحكم بها ، بل نقله عن بعض مشايخه (٤).

مع أنّ إجماع العصابة في عثمان بن عيسى منقول ، ولا يعدّ حديثه صحيحا قطعا ، بل ويحكم بضعفة ، بملاحظة أنّه ممّن (٥) جحد موت الكاظم عليه‌السلام وأظهر مذهب الوقف طمعا في المال الّذي كان عنده (٦).

وبالجملة ، هذا الطريق معتبر عند من يفسّر الاعتبارات الظنّية الضعيفة فيه.

وأمّا حكمه بكونها من الأحاديث القطعيّة الصدور لكونها مأخوذة من الأصول القطعيّة (٧) ، ففي غاية وضوح الفساد ، إذ لو كانت كذلك لكان الكليني ذكرها واعتمد عليها ، لكونه أقرب عهدا من الكلّ بالنسبة إلى الأصول ، وأعرف

__________________

(١) لاحظ! جامع الرواة : ١ / ١٢.

(٢) لاحظ! منهج المقال : ١٧.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥ ، رجال ابن داود : ٣٠ الرقم ٦.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٥) في النسخ : ( من ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٦) لاحظ! الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٥١ ذيل الحديث ٣١١.

(٧) الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٥١.


بحالها ، وأضبط ، ولذا صار ثقة الإسلام عند الخاصّة والعامّة ، ومع ذلك ألّف « الكافي » في عرض عشرين سنة وفي السياحة في البلدان ، وأحاط بكلّ بلد كان فيه أصل من تلك الأصول ، وحقّق ، ووفّق [ في ] الأخذ والانتخاب.

وأيضا ، لو كانت كما ذكره ، لكان الصدوق ذكره في « الفقيه » الّذي صنّفه لمن لا يحضره الفقيه ، وقال في أوّله ما قال ، بل لم يذكرها في كتاب من كتب فتاواه أصلا ، بل وأظهر في الكلّ غاية الإظهار بعدم تحريم الجمع ، وعدم كراهته أيضا على حسب ما نبهناك عليه ، سيّما كتاب « الخصال » (١).

بل عرفت أنّه لم يذكرها في كتابه « العلل » في باب النكاح ، بل ولا في نوادر النكاح ، وهذا ينادي بأنّه فهم منها معنى آخر ، كما سنذكر عن خالي العلّامة المجلسي ، بل عرفت أنّ عادته ذكر عنوان لما اعتمد عليه ، ولم يذكر لها عنوانا أصلا.

وما ذكره من أنّ الصدوق لم يردّها ولم يوجّهها ، وأنّ هذا دليل على قوله بمضمونها وفتواه بظاهرها لأنّه في مقام كذا ومقام كذا فعل كذا ، أي تعرّض للردّ أو التوجيه.

ففيه ، ما عرفت من أنّه رحمه‌الله كغيره في مقامات لا تحصى أورد روايات ظاهرة في الوجوب ومتضمّنة لما هو حقيقة فيه ، بل ربّما كانت في غاية الظهور ، مع أنّ مراده الاستحباب قطعا ، ولم يتعرّض لتوجيه أصلا ، وكذا أورد روايات ظاهرة في الجبر (٢) ، أو التشبيه وجسميّة الرب (٣) ، أو كونه في سمت ، أو عدم

__________________

(١) الخصال للصدوق : ٢ / ٥٣٢ ، وقد مرّ في الصفحة ١٧٠ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! التوحيد للصدوق : ٣٥٧ الحديث ٥.

(٣) التوحيد للصدوق : ٣٥٧ الحديث ٤ و ٣٩٠ الحديث ١ و ١٠٠ الحديث ١٠ و ١٥٢ الحديث ١٠.


حكمته تعالى (١) ، أو كون الحسن والقبح شرعيّين لا غير (٢) ، أو بتكليفه تعالى ما هو خارج عن الوسع (٣). إلى غير ذلك من المسائل الأصوليّة القطعيّة [ البطلان ] عند الشيعة.

ومنها ، أنّ فاطمة عليها‌السلام ردّت (٤) على الله قول بأنّي أعطيك ولدا تقتله الأمّة بأن قالت : « ما أريد هذا الولد ولا حاجة لي فيه » (٥). إلى غير ذلك ممّا هو ظاهره فاسد قطعا عند الشيعة ، ومع ذلك لا يتعرّض ناقل الرواية لتوجيه أصلا ورأسا.

وكذلك الحال في المسائل الفروعيّة ، ولذا نقيّد أخبار كلّ واحد منهم في كثير من المقامات بالخبر الّذي رواه غيره أو بالإجماع أو بدليل العقل ، وكذلك يخصّص أو يحمل جزما.

وبالجملة ، ما ذكرناه غير خفي على المطّلع على أدلّة الفقه وكتب الاستدلال والأخبار ، وممّا ذكر الأخبار (٦) الظنّية ، فإنّ الكلّ اتّفقوا على نقلها من دون توجيه ، والسيّد رحمه‌الله أنكرها رأسا ، وغير السيّد في غاية الاستشكال في توجيهاتها ، وكذلك الحال في غيرها.

بل وكتاب « الكافي » مملوء ممّا ذكر ، وكذلك كتاب « التوحيد » للصدوق ، وغير ذلك بالبديهة ، حتّى أنّه من المسلّمات عندهم أنّ عادة المصنّفين منهم إيرادهم في تصانيفهم جميع ما رووه ، قالوا بمضمونه أم لا ، رضوا به أم أعرضوا

__________________

(١) التوحيد للصدوق : ٣٩٤ الحديث ٩.

(٢) التوحيد للصدوق : ٣٩٥ ذيل الحديث ١٢.

(٣) التوحيد للصدوق : ٤١٦ الحديث ١٥.

(٤) في النسخ الخطّية : ( رأت ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٥) لاحظ! علل الشرائع : ٢٠٥ الحديث ١.

(٦) في النسخ : ( ذكر أخبار ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


عنه ، ومن ذلك قول الصدوق في أوّل « الفقيه » ، وقول الشيخ ، وغيرهما.

[ و ] في كتابه « العلل » أيضا ذكر أخبارا كثيرة لا تحصى ، غير قائل بظاهرها قطعا ، بل وربّما لم يقل ببعضها أصلا ، ومع ذلك لم يذكر (١) توجيه لها أصلا.

مثل : ما روى في باب علّة الخلق « أنّ الله تعالى قال لآدم عليه‌السلام : تكلّم ، فإنّ روحك روحي وطبيعتك من خلاف كينونتي ـ إلى أن قال تعالى ـ خالفت بين صورهم ـ أي صور أولاد آدم ـ وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم ، فجعلت منهم السعيد والشقي ». إلى آخر الحديث (٢).

وكلّه في غاية الإشكال.

مثل ما ذكر وروى أيضا فيه الحديث المشكل المشهور المتضمّن لقوله تعالى : « ما تردّدت في شي‌ء أنا فاعله كتردّدي في قبض نفس المؤمن ـ إلى قوله ـ ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا » (٣) الحديث.

وروى في « العلل » : « أنّ إدريس النبيّ عليه‌السلام كان إحدى أذنيه أعظم من الأخرى » (٤).

إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ، ولم يتعرّض لتوجيه ، ولا لردّ أصلا ، بل أظهر في مقامات متعدّدة منه أنّ كتابه ليس كتاب فتواه والعمل ، بل كلّ رواية تضمّنت علّة (٥) أذكرها ، فلاحظ وتأمّل.

__________________

(١) في النسخ : ( ان يذكر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) علل الشرائع : ١ / ١٠ الحديث ٤.

(٣) علل الشرائع : ١ / ١٢ الحديث ٧ ، وفيه : ( ما تردّدت في شي‌ء أنا فاعله مثل تردّدي. ).

(٤) علل الشرائع : ١ / ٢٧ الحديث ١.

(٥) في النسخ الخطّية : ( تضمّنت بمثله ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.


وهذه الرسالة لا تفي لذكر الكلّ ، من أراد الاطّلاع فعليه بملاحظة « العلل » (١).

هذا كلّه ، مضافا إلى ما عرفت سابقا من عدم ذكره الرواية المذكورة في كتاب النكاح ولا باب نوادر النكاح ، ولم يعنون له بابا ، ولم يفت بكراهته ـ فضلا عن الحرمة ـ في كتب فتاواه ، ومرّ عن « الخصال » ما مرّ (٢) ، وغير ذلك مع أنّ عادة المصنّفين أنّهم ربّما يتوجّهون.

وأمّا ما ذكر في « العلل » من الفروع منها : قوله : باب العلّة الّتي من أجلها إذا استيقظ الرجل من نومه لم يجز له أن يدخل يده في الماء (٣) ، وباب العلّة الّتي من أجلها لا يجوز الكلام على الخلاء (٤). إلى غير ذلك ممّا يعنون بابا على حسب ما ذكر ، أو يذكر الرواية في علل الشرائع ، أو علل الوضوء والآذان والصلاة وأمثالهما من الأبواب ، فلاحظ.

ومنها (٥) أيضا ، « ما هذا النور الّذي يشبه نور ربّنا » (٦). وأمثال ذلك.

وبالجملة ، ما ذكرناه إنّما هو إشارة : [ و ] العاقل تكفيه الإشارة إلى التوجيه.

وربّما لا يتوجّهون ، فلاحظ « الكافي » و « التهذيب » وغيرهما ، بل ما لا يتوجّهون أكثر ، ثمَّ أكثر بمراتب شتّى ، كما عرفت.

__________________

(١) لاحظ : علل الشرائع : ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١ ذيل الحديث ١ و ٤٥٠ ـ ٤٥١ ذيل الحديث ١ و ٤٧٨ ذيل الحديث ١ ، وغيرها.

(٢) في النسخ الخطّية : ( ومن غير الخصال ما مرّ ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) علل الشرائع : ١ / ٢٨٢ الباب ١٩٦ ، وفيه : ( لم يجز له أن يدخل يده في الإناء ).

(٤) علل الشرائع : ١ / ٢٨٣ الباب ٢٠١.

(٥) في النسخ : ( وقتها ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٦) علل الشرائع : ٢ / ٣١٣ ضمن الحديث ١.


وأمّا ما ذكره من أن ظاهر الشيخ العمل بالرواية الضعيفة معلّلا بما يظهر من « عدّته » وما قاله في أوّل « الاستبصار » ، ففساده بحيث لا يقبل الاستتار ، لأنّ ما ذكره في « العدّة » صريح في اشتراط العدالة في قبول خبر الواحد ، وأنّ كلّ خبر واحد ليس بحجّة قطعا ، وادّعى إجماع الشيعة على ذلك (١) ، كما ادّعاه غيره من فقهائنا ، بل نسبوا الخلاف فيه إلى أبي حنيفة ، ومعلوم ذلك منهم في كتب الرجال وغيرها (٢) ، ولذا كتب الشيخ الرجال وظهر من رجاله أيضا ذلك كرجال غيره ، بل تتبّع كتب الرجال يوجب اليقين البتّة وإن كان رجال الشيخ رحمه‌الله.

نعم ، هو وغيره من المجتهدين يعملون بأخبار الموثّقات أيضا ، بناء على كون العدالة المشترطة بالمعنى الأعمّ ، ويعملون أيضا بما انجبر بعمل الأصحاب ونحوه.

وأمّا ما ذكر في أوّل « الاستبصار » (٣) ، فهو مقتض لعدم عمله بها قطعا من جهتين ، من جهة وجود المعارض والراجح من وجوه شتّى ، [ و ] هو العمومات والإطلاقات الّتي أشرنا إليها والخصوص الّذي عرفته ، والعام معارض للخاص ، والمطلق للمقيّد عند الشيخ وجميع الفقهاء بالبديهة ، كيف ونقيض الموجبة الكلّية السالبة الجزئيّة نقيض صريح؟! وكذلك الحال في السالبة الكلّية والموجبة الجزئيّة!

والشيخ في أبواب كتابي حديثه وغيرهما بناؤه (٤) على ذلك قطعا ، إذ يجعلهما (٥) متعارضين بلا شبهة ، وربّما يرفع تعارضهما بالتخصيص أو التقييد ، (٦)

__________________

(١) عدة الأصول : ١ / ٣٤١.

(٢) لاحظ! الرعاية في علم الدراية : ١٨٤.

(٣) لاحظ! الاستبصار : ١ / ٣ ـ ٥.

(٤) في النسخ : ( بناء ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٥) في النسخ : ( نجعلهما ).

(٦) في النسخ : ( البعيد ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


وربّما يرفعه بغيرهما ، وربّما يطرح أو يحمل على التقيّة.

مع أنّ المطلقات والعمومات من الكثرة خارجة عن حدّ الإحصاء ، ومع ذلك مطابقة لظاهر القرآن ، بل ظواهره ، كما عرفت ، وظاهر القرآن عند الشيخ من القطعيّات والمعلومات ـ كما صرّح في أوّل « الاستبصار » ـ والحديث الموافق له يكون من القطعيّات عنده وإن لم يكن متواترا ، فضلا عن المتواتر ، ومع ذلك إجماع المسلمين والشيعة عنده أيضا من القطعيّات كما صرّح به أيضا هناك ، والخبر الموافق له يكون قطعيّا عنده وإن لم يكن متواترا (٧) ، فما ظنّك بالمتواتر؟ ثمَّ ما ظنّك بالمتواتر المذكور إذا كان موافقا للقرآن أيضا ، فضلا عن مواضع متعدّدة منه؟!

مع أنّ المطلقات والعمومات كثير منها أخبار العدول والثقات ، وغير الأعدل لا يقاومه غير الأعدل ، فما ظنّك إذا لم يكن عادلا؟! فضلا عن أن يكون بر الأعدل قطعيّا ، بل قطعيّات متواترة موافقة الإجماع والقرآن.

ومن هذا لم يذكر الرواية المذكورة في « الاستبصار » أصلا ، مع كون عادته ذكر المتعارضين اللذين أحدهما عام أو مطلق والآخر خاص أو مقيّد.

وأمّا « التهذيب » ، وإن ذكرها ، لكن لم يذكرها للفتوى والعمل ، ولم يأت بها في مقابل المطلقات والعمومات الّتي ذكرها وأفتى بها ، ولذا لم يعتن بشأنها أصلا في مقام فتواه بالمكروهات والمستحبّات للنكاح في كتاب « نهايته » ، ولا غيره فتاواه بالبديهة ، مع غاية مسامحته [ في ] دليل السنّة والكراهة ، وقد أشرنا

__________________

(٧) الاستبصار : ١ / ٣ و ٤.


إلى حال « النهاية ».

وممّا ذكر ، أعرض كلّ من وافق الشيخ وتابعه عن الرواية المذكورة بالمرّة ، مع كمال مسامحتهم في أدلّة السنن والكراهة.

ومن هذا صرّح المستدلّ بهذه الرواية على التحريم في صدر كلامه بما هذا نصّه (١) : ( لا يخفى أنّ هذه المسألة لم يجر لها ذكر في كلام أحد من علمائنا المتقدّمين ولا المتأخّرين ، ولم يتعرّضوا للبحث عنها في الكتب الفروعيّة ، ولا [ ذكروا حكمها في الكتب ] الاستدلاليّة ، ولم أقف على قائل بها (٢) سوى شيخنا [ الشيخ محمّد بن الحسن ] الحرّ [ العاملي ] قدس سرّه ، فإنّه جزم بالتحريم. ) (٣). انتهى.

أقول : هو ، وإن حكم بالتحريم ، إلّا أنّه لم يحكم بالفساد أيضا كالمستدلّ ، وستعرف غاية وضوح فساده وأنّ الرواية الّتي [ هي ] مستندهما تنادي بصحّة هذا العقد ، بل قالوا : إنّه توقّف في الحرمة في « وسائل الشيعة » (٤) ، ومع ذلك لا عبرة بما فعله أصلا كالمستدلّ ، لمخالفته للإجماع ، والمتواتر ، والقرآن ، والسنّة ، وغير ذلك ، كما عرفت وستعرف.

وبالجملة ، جميع فقهائنا المتقدّمين والمتأخّرين أفتوا بالحلّية وعدم الحرمة ، بل وعدم الكراهة أيضا ، وكلماتهم تنادي بذلك ، فما قال المستدلّ : ( فلم يعلم فتوى الأصحاب بخلافه ) (٥) فيه ما فيه ، بل الشيخ أفتى بخلافه ، فما ظنّك بغيره؟!

__________________

(١) في النسخ : ( ففيه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( بمضمونها ).

(٣) الدرر النجفيّة : ١٩٨ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) القائل هو : المحقّق عبد الله التستري ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٤٥ ـ ٥٤٦.

(٥) الدرر النجفيّة : ٢٠٠ ، وفيه : ( ولم يعلم. ).


مع أنّ الشيخ صنّف كتابه « الخلاف » لنقل الخلافيّات والأقوال والآراء ، حتّى أنّه ينقل آراء العامّة وغيرهم من أهل الخلاف ، فضلا عن الخاصّة ، ووضع كتابه وتأليفه ليس إلّا لذلك ، وبذل جهده في ذلك ، فهو مع نهاية قرب عهده بالمتقدّمين ، بل وكونه منهم وأدرك أعاظمهم ، واطّلع على كلام من لم يدركه بالبديهة ، لكمال مهارته ، ومع ذلك لم ينقل من أحد قولا بتحريم الجمع المذكور ، بل ولا إشكالا ولا شبهة في عدمه ، بل ولا في عدم كراهته.

بل كلامه ينادي بإباحته ، كإباحة الجمع بين النساء ما عدا الأختين ، مع أنّه هو الراوي للرواية المذكورة ، وتأليفه لـ « الخلاف » بعد « التهذيب » قطعا ، بل « التهذيب » أوّل كتبه في الفقه ، ثمَّ ألّف بعده « النهاية » على طبق ما اختار وذكر في « التهذيب » ، ثمَّ بعده « الاستبصار » وغيره من تأليفاته ، فجميعها بعد « التهذيب » بلا شبهة.

فلو كان قائلا بحرمة الجمع المذكور ، فكيف أظهر في الخلافيّة خلافه ، بل أعرض عن ذكره بالمرّة حتّى في مقام الكراهة ، وترك الأولى ، مع أنّه روى ما روى ، ورأيه بالمسامحة فيهما بلا خفاء ، ووافق في جميع ما ذكره باقي الفقهاء ، مع أنّه أظهر عن حال الفقهاء بأجمعهم فيما ذكر؟!

مع أنّه قد أكثر من نقل أقوال شاذّة شديدة الشذوذ خالية عن المستند ـ بحسب الوجدان ـ وفي المقامات الّتي ليس الاهتمام بحالها كالاهتمام بحال الفروج ، فكيف لم ينقل قولا بالتحريم المذكور ، بل ولم يستشكل أصلا ، مع أنّه هو الراوي للرواية المذكورة؟!

بل سلك في « المبسوط » و « الجمل » وغيرهما مسلك « الخلاف » ، مع أنّه يذكر فيها الأقوال الموردة للاستشكال بلا شبهة.


مع أنّه ، على فرض تسليم الغلط الواضح من وجوه كثيرة لا تحصى ، وأنّه (١) في خصوص « التهذيب » كان قائلا بالحرمة ، فلا شكّ في رجوعه عنه في جميع كتبه ، بحيث لم يعتن بشأنه أصلا إلى أن ترك ذكره بالمرّة حتّى في مقام المستحبّات والمكروهات ، بل في مقام احتمال الاستحباب والكراهة ، فليس ذلك إلّا لكمال ظهور خطئه إلى أن لم يستأهل للإشارة إليه في مقام من المقامات ، مع كون عادته كمال الاحتياط في الفروج ، وكمال المسامحة في المستحبّات والمكروهات ، وكمال اعتنائه بشأن أخبار الآحاد ، وغير ذلك ، ومع جميع ذلك صدر منه في جميع كتبه ما صدر ، فتدبّر!

ثمَّ إنّه قس على كتاب الشيخ كتاب « المختلف » و « المنتهى » وأمثالهما من كتب الفقهاء الّتي ذكروا فيها الأقوال وإن كانت شاذّة ، بل وخالية عن المستند بالمرّة ، فضلا [ عن ] أن يكون مستنده رواية.

فبملاحظة مجموع الكتب المذكورة يحصل القطع بعدم قول بالحرمة أصلا ورأسا ، فلو كانت الرواية المذكورة قطعيّة الصدور حجّة ـ كما ادّعاه المستدلّ ـ كيف صار الحال فيها بذلك المنوال؟! فإنّ غالب الأخبار الضعاف الموهنة بالموهنات الظاهرة لم يصر بهذا الحال.

فإن قال قائل : لا نفهم كثيرا ممّا تقول ، لأنّ الحديث الّذي رواه شيخ منّا (٢) يكون مأخوذا من الأصول القطعيّة الصدور عن الأئمّة عليهم‌السلام ، وما صدر من الفقهاء المتأخّرين والقدماء لعلّه اجتهاد منهم ، فيجوز خطؤهم وإن اتّفقوا كلّ الاتّفاق.

نقول له : إذا جاز الخطأ عليهم في حال إجماعهم ، وأنّهم أجمعوا على الخطأ ،

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( واححه أية؟ ) ـ بدون تنقيط ـ والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) كذا ، والظاهر أنّ المراد : ( الحديث الّذي رواه الشيخ هنا ).


يجوز الخطأ منهم في مقام نقل الحديث أيضا ، لعدم عصمتهم ، فكيف صاروا في مقام نقل الحديث المعصومين وفي غيره غير معصومين؟! مع أنّه ورد في أخبار كثيرة وقوع الخطأ من الرواة البتّة في مقام نقلهم الرواية ، وأنّ ذلك ربّما صار منشأ للاختلاف في الأخبار.

وفي بعض الأخبار في شأن عمّار الموثّق ـ الّذي أجمع الشيعة على قبول روايته (١) ـ « أين يذهب؟ ما قلت كذا ، بل قلت له كذا » (٢). إلى غير ذلك.

فإذا كان مثل هذا وقع منه الخطأ ، فما ظنّك بغيره ممّن لم تعرفه ، بل وممّن قال علماء الرجال : إنّه كذّاب ، وأمثال ذلك ، بل وأشدّ من ذلك ، مع أنّ الواسطة جماعة ، كلّ واحد منهم يجوز عليه الخطأ.

مع أنّ كون الأصول قطعيّة في زمان الصدوق والشيخ مقطوع بفساده ، لأنّ الشيخ صرّح بخلاف ذلك في أوّل « الفهرست » (٣) وغيره ، وادّعى في « العدّة » إجماع المسلمين على العمل بالأخبار الظنّية من زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمان القائم عليه‌السلام (٤) ، وصرّح في أوّل « الاستبصار » بأنّ الأخبار الّتي يقع فيها التعارض كلّها ظنّية (٥) ، وعرفت معنى التعارض عنده.

وأمّا الصدوق ، فقد صرّح ـ مكرّرا ـ أنّ تصحيح حديث بمجرّد أنّ شيخه ابن الوليد صحّحه (٦) ، وهذا ينادي أنّ الأصول لم تكن قطعيّة عنده ، ولذا احتاج

__________________

(١) لاحظ! عدّة الأصول : ١ / ٣٨١ ، تعليقات على منهج المقال : ٢٤٣.

(٢) لاحظ! الكافي : ٣ / ٣٦٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٧٠ الحديث ٤٥٤٠.

(٣) الفهرست للطوسي : ٢ و ٣.

(٤) لاحظ! عدّة الأصول : ١ / ٣٣٨.

(٥) لاحظ! الاستبصار : ١ / ٤.

(٦) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٥٥ ذيل الحديث ٢٤١.


إلى تصحيح شيخه ، وأنّ الأحاديث الّتي يرويها غير منحصرة في القطعي.

بل في « العيون » عند نقله حديثا عن المسمعي قال : ( كان شيخنا محمّد بن الحسن [ سيّئ ] الرأي فيه ، وإنّما أخرجت هذا الخبر لأنّه كان في كتابه « الرحمة » وقد قرأته عليه ، فلم ينكره ورواه لي ) (١) ، فتدبّر.

وربّما يصرّح بأنه لم يجد في شي‌ء من الأصول ، وأنّه تفرّد بروايته فلان (٢) ، ومع ذلك يعمل به ، لإيراده في « الفقيه » مع أنّه قال في أوّله ما قال.

وربّما يقول : لا أعرف هذا الحديث ، لأنّ رواته مجهولين ، وغرضه الإرسال والانقطاع ، ومع ذلك يجوّز العمل به من جهة تضمنه الرخصة ، وأنّ الرخصة [ رحمة ] (٣) ، كما فعل في « الفقيه » في باب الصلاة إلى الصورة (٤) ، وأمثالها.

إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنّ أحاديثه عنده لم تكن منحصرة في الأصول القطعيّة ، قد ذكرناها في رسالتنا في « الاجتهاد والأخبار » (٥).

مع أنّه لو كان كلّ ما يروى منهم (٦) يكون من الأصول القطعيّة ، فلم لم يرو كلّ منهم جميع ما رواه الآخرون ، ولم لم يرض بما رواه الآخرون ، بل ربّما يطعن عليه بأنّه ليس من المعصوم عليه‌السلام وأمثال هذه العبارة ، ولم يكتف كلّ منهم بما اكتفى به الآخرون؟!

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٢٤ ذيل الحديث ٤٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٧٣ ذيل الحديث ٣١٣.

(٣) في النسخ الخطّية يوجد فراغ يستوعب كلمة بدلا من : [ رحمة ] ، ونحن أثبتناها بملاحظة المصدر.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٢ ذيل الحديث ٧٦٤.

(٥) الرسائل الأصوليّة : ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٦) في النسخ الخطّية : ( مع أنّه لو كان كلّ من لم يروي منهم ) ، والظاهر أنّ مراد المصنّف رحمه‌الله هو ما أثبتناه.


وبالجملة ، لا شبهة في فساد ما ذكره من الانحصار في الرواية عن القطعية ، من أراد الاطلاع فعليه بملاحظة تلك الرسالة.

ومع ذلك لا نحتاج إلى منع ما ذكرته (١) ، بل نسلّمه ونجعل ذلك بعينه حجّة عليك ، يضرّك بمراتب شتّى ، لانبّه الفطن [ بأنّه ] لم يكن منحصرا في خصوص روايتك.

فنقول : الأخبار الّتي رواها مشايخنا رحمه‌الله في منع الأئمّة عليهم‌السلام عن العمل بمثل الحديث الّذي جعلته حجّة كلّ واحد واحد منها حديث رووه ، فإنّهم رووا في أخبار لا تحصى أنّه « إذا ورد عليكم حديث رووه منّا ، ولم يكن له شاهد من كتاب الله فاضربوه على الحائط » (٢) ، أو « زخرف » (٣) ، أو « لا تعملوا به » (٤). إلى غير ذلك ممّا ورد ، وهي من الكثرة بحيث لا تفي له هذه الرسالة ، لكن نذكر واحدا منها هنا :

ذكر الكشّي في كتابه في ترجمة المغيرة بن سعيد حديثا طريقه الثقات ، عن يونس بن عبد الرحمن الثقة الجليل : « إنّ بعض أصحابنا [ سأله وأنا حاضر ف ] قال له : يا أبا محمّد ، ما [ أشدّك في الحديث و ] أكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا! فما الّذي حملك (٥) على ردّ الأحاديث؟ فقال : حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ـ إلى أن قال ـ فاتّقوا الله ، ولا تقبلوا علينا ما

__________________

(١) في الأصل : ( ما ذكر منه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! مجمع البيان : ١ / ٢٧.

(٣) الكافي : ١ / ٦٩ الحديثان ٣ و ٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٩ ـ الحديث ٣٣٣٤٣ ، وهو منقول بالمعنى.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( يحملك ).


خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله [ ، فإنّا إذا حدّثنا قلنا : قال الله عزوجل ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال يونس : ] وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، ووجدت أصحاب الصادق عليه‌السلام (١) متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت [ كتبهم ] ، فعرضت (٢) من بعد على [ أبي الحسن ] الرضا عليه‌السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث الصادق عليه‌السلام (٣) ، وقال [ لي ] : إنّ أبا الخطّاب قد كذب على الصادق عليه‌السلام (٤) [ لعن الله أبا الخطّاب ] ، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث [ إلى يومنا هذا ] في كتب أصحاب الصادق عليه‌السلام (٥) ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة ـ إلى أن قال ـ فإذا جاء من الحديث خلاف [ ذلك ] فردّوه عليه (٦) ، وقولوا : أنت أعلم وما جئت به ، فإنّ مع كلّ قول منّا حقيقة ، وعليه نورا ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان » (٧).

وفي « الكافي » باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، روى في الصحيح عن أيّوب بن الحرّ ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كلّ شي‌ء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله ، فهو زخرف » (٨).

وفي [ المجهول ] (٩) كالصحيح عن ابن أبي يعفور أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن

__________________

(١) في المصدر : ( قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فعرضتها ).

(٣) كذا ، وفي المصدر ( من أحاديث أبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( فإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه ).

(٧) رجال الكشّي : ٢ / ٤٨٩ الحديث ٤٠١ ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٨) الكافي : ١ / ٦٩ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٠ الحديث ٣٣٣٤٥.

(٩) لم ترد في الأصل كلمة [ المجهول ] ، وإنّما أثبتناها اعتمادا على : مرآة العقول : ١ / ٢٢٨.


اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومن لا نثق به ، قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله ومن قول رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وإلّا فالّذي جاءكم به أولى به » (٢).

إلى غير ذلك ممّا ورد في منع العمل بحديث يخالف كتاب الله ، وكذا الحال فيما ورد فيما خالف السنّة ، وكذلك الحال فيما ورد في الحديث الّذي لم يكن له شاهد من سائر أحاديث الأئمة عليهم‌السلام ، فإنّها في غاية الكثرة.

فإن قلت : الفقهاء يتّفقون على تخصيص الكتاب بخبر الواحد [ وطريقتهم ] في الفقه على ذلك ، فليكن فيما نحن فيه من جملة ذلك!

قلت : اتّفاق الفقهاء لا عبرة به عندك أصلا ، ولا يجوز بسببه رفع اليد عن الحديث مطلقا ، فضلا عن الأحاديث الّتي لا تحصى ، لجواز إجماعهم على الخطأ.

ومع ذلك ، ظاهر أنّ اتّفاقهم على انحصار ما يحرم عقدها من النساء وما لا يجوز جمعها في النكاح منهنّ فيما ذكروه أشدّ وأزيد وآكد ، وأنت أعسر (٣) أصلا ورأسا ، ونسبتهم إلى الاتّفاق على الخطأ وأنّه ليس بحجّة بالنسبة إلى رواية غير صحيحة شاذّة ، غير واضحة الدلالة ، بل واضحة الدلالة على صحّة الجمع المذكور ، وصحّة العقد بلا شبهة ـ كما ستعرف ـ ومع ذلك مستجمعة لمفاسد أخر ، كما ستعرف.

وأين هذه الرواية بالنسبة إلى الصحاح ، والمعتبرة الّتي لا تحصى؟! قائلا بأنّ الحديث كلّما يكون راويه شيخ من شيوخنا يكون حجّة من الأصول القطعيّة!

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( ومن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٠ الحديث ٣٣٣٤٤.

(٣) هاتان الكلمتان ليستا واضحتين في النسخ الخطّية.


وأين دلالة هذه الرواية من دلالات الصحاح والمعتبرة؟!

وأين شيخ من الشيوخ بالنسبة إلى جلّ مشايخنا القدماء؟!

ومع جميع ذلك ، ما ذكرت من اتّفاقهم على تخصيص القرآن بخبر الواحد كذب محض ، وفرية بلا مرية ، كيف وكلماتهم في كتبهم الأصوليّة وغيرها تنادي بفساد ذلك ، وأنّ جمعا منهم لا يرضون بذلك ويقولون : لا يجوز (١) ، ويستدلّون على ذلك ، ويصرّح بعضهم بأنّ خبر الواحد إنّما يكون حجّة في موضع لم يكن له دليل (٢) ، ومع وجود القرآن ـ الّذي هو أقوى الأدلّة ـ كيف يكون حجّة ، سيّما وأن يعارض القرآن ويغلب عليه؟!

لأنّ حجّية خبر الواحد خلاف الأصل ، وخلاف مقتضى الآيات والأخبار المتواترة الدالّة على عدم حجّية ما يحتمل الخطأ ، وما ليس بيقين ، وغير ذلك.

وحجّيته عند هؤلاء لا تتمّ إلّا في موضع يحتاج إلى معرفة حكمه من دليل ولم يكن دليل يدلّ. وأمّا غيرهم ، فيقول : خبر الواحد خبر من يجوز عليه الخطأ عمّن يجوز عليه الخطأ عمّن يجوز عليه الخطأ ، وهكذا إلى أن يصل إلى المعصوم عليه‌السلام ، إنّ الله تعالى قال كذا.

هذا أقلّ ما يكون في الخبر ، وإلّا فاحتمال الكذب وغير ذلك موجود فيه بلا شكّ ولا شبهة ، بل ظهر ذلك من الأخبار منها : الصحيح السابق (٣) وغيره.

وأين هذا من قول الله اليقيني والقطعي الصادر منه تعالى بلا شكّ ولا شبهة؟!

__________________

(١) لاحظ! معارج الأصول : ٩٦ ، معالم الأصول : ١٤٠.

(٢) لاحظ! معارج الأصول : ٩٦ ، معالم الأصول : ١٤١.

(٣) أي : حديث يونس بن عبد الرحمن آنف الذكر.


فكيف يعارض خبر الواحد كتاب الله ، سيّما بعد ملاحظة أخبار آحاد كثيرة لا تحصى أنّ ما خالف كتاب الله يجب ترك العمل به (١) ، وغير ذلك ممّا عرفت من التأكيدات في منع العمل؟!

وأمّا القائلون بجواز التخصيص ، فلا يرضون بتخصيصه بما ذكرت من الرواية قطعا ، كما هو صريح كلماتهم ، لادّعائهم الإجماع على اشتراط العدالة في قبول خبر الواحد في نفسه (٢) ، فضلا عن [ أن ] يعارض كتاب الله [ و ] يغلب عليه ، وصرحوا أيضا بأنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ، فلا بدّ عندهم من ثبوت عدالة كلّ واحد واحد من رواته.

ومع ذلك ، الخبر الشاذ لا يكون عندهم حجّة أصلا ، فضلا عن أن يغلب على كتاب الله.

وروايتك شاذّة بلا شبهة ، واعترفت بذلك.

ومع جميع ذلك ، صرّحوا بوجوب كون الخبر الواحد قطعيّ الدلالة ، حتّى يصحّ تخصيص الكتاب به (٣) ، حتّى يحصل التعادل والتقاوم بينه وبين الكتاب ، لأنّه قطعيّ المتن ظنّي الدلالة من جهة عمومه ، والخبر وإن كان ظنّي المتن إلّا أنّه قطعيّ الدلالة ، ومن المعلوم أنّ هذا العذر خطأ ، لأن الأصل إذا كان غير يقيني كونه من الله ، فالدلالة أيّ نفع فيها؟ وأنّ الخبر يخلف في الدلالة ، والأصل إذا كان يقينا من الله ، فالظنّ يكفي في الدلالة ، لأنّ إرادة خلاف الظاهر قبيح على الله تعالى.

ولعلّ عذرهم ـ في الحقيقة ـ هو الإجماع الّذي ادّعوه على كون خبر

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٩ الحديث ٣٣٣٤٣ و ١١٢ الحديث ٣٣٣٥١ ، وغيرهما.

(٢) لاحظ! المعتبر للمحقّق الحلي : ١ / ٢٩ ، معالم الأصول. ٢٠١.

(٣) لاحظ! معالم الأصول : ١٤٠ ـ ١٤١.


الواحد حجّة في نفسه ، إن تمَّ بالنسبة إلى ما يعارض الكتاب ، لما عرفت من منع جمع حجّيته حينئذ.

نعم ، لمّا كان الكتاب اقتضى حجّية خبر العادل ، لقوله تعالى ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) (١). إلى آخره ، بالتقريب الّذي ذكروا ، لا جرم يكون تخصيص الكتاب ـ في الحقيقة ـ بالكتاب ، مضافا إلى دلائل أخر على حجّية الخبر.

هذا غاية ما يمكن أن يعتذر لهم ، ومع ذلك لا يتمّ الاعتذار بملاحظة الأخبار المتواترة الصريحة الدلالة واضحتها (٢) في أنّ ما خالف كتاب الله يجب ترك العمل [ به ]. لكن إن تمَّ ، فإنّما هو في خبر العدول الثابتة العدالة ، وكذلك فيما هو دلالته قطعيّة وأقوى من دلالة الكتاب البتّة ، بل وبمراتب.

وأين هذا من سند روايتك؟ ومن دلالتها أيضا؟ لكونها ضعيفة :

أمّا السند ، فقد عرفت ، لأنّ العدالة شرط عندهم جزما.

وأمّا الدلالة ، فستعرف يا أخي [ أنّ ] عذر اتّفاق جميعهم على عدم حرمة الجمع بين علويّتين كان براهين قاطعة ، وأنوار ساطعة ، كما عرفت وستعرف أيضا.

وأنت قلت : لا نفقه كثيرا ممّا تقول ، ونسبتهم إلى الإجماع على الخطأ (٣) ، فكيف جعلت اتّفاق جمع منهم منشأ لردّ كلمات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام في الأخبار المتواترة الّتي كثير منها صحيح ، وكثير منها في غاية الاعتبار ، أشدّ اعتبارا من روايتكم بمراتب شتّى ، كما عرفت وستعرف ، ومع ذلك ظهر حال هذا الاتّفاق القليل؟!

__________________

(١) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٢) في الأصل : ( واحتجّها ) ، والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الأنسب بالعبارة.

(٣) في الأصل : ( ونسبتهم الإجماع إلى الخطأ ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


فإن قلت : المدار على حجّية الأخبار المخالفة للقرآن.

قلت : تردّ على الله تعالى كلامه ، بل كلماته الّتي هي في غاية الكثرة؟! وتردّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ما قاله في خطبته بمنى ، حيث قال : « أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله ، فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله ، فلم أقله » (١) ، والخطبة مشهورة معروفة عند الكلّ؟! وتردّ أيضا على الأئمّة عليهم‌السلام كلماتهم في أخبار لا تحصى ، عرفت بعضها؟!

وتعتذر في ردّك على الله وعليهم أنّ المدار على حجّية الأخبار المخالفة للقرآن!

أو ما يخاف أن يكون يعصي الله ورسوله والأئمة عليهم‌السلام وبمجرّد العذر المذكور؟! ويعلم أنّ من يعص الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ له نار جهنّم ، فضلا أن يعصي الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد ورد في عصيانهم ما ورد ، بل ورد في عصيان الله والمعصومين أشدّ ممّا ذكر وأشدّ ، ويجعل هذا العصيان للكلّ حكم الله تعالى؟ مع علمك بأنّ ( مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢) و ( هُمُ الظّالِمُونَ ) (٣) و ( هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٤) أيضا ، ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٥). إلى غير ذلك من التخويفات الهائلة والتفريعات البالغة.

وفي الأخبار أشدّ من ذلك ، ثمَّ أشدّ ، ومنها ما ورد عن عليّ عليه‌السلام في ذمّ فقهاء السوء من المطاعن الشديدة ، ومن جملتها : « يستحلّ بقضائه الفرج الحرام ،

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٩ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١١ الحديث ٣٣٣٤٨.

(٢) المائدة (٥) : ٤٤ ، وفيها ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ ) ..

(٣) المائدة (٥) : ٤٥.

(٤) المائدة (٥) : ٤٧.

(٥) يونس (١٠) : ٥٩.


ويحرّم بقضائه الفرج الحلال » (١).

يا أخي ، أما تخاف أن تكون ممّن يحرّم بقضائه الفرج الحلال؟! أو ما تحتاط عن ذلك وعن معاصي الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام وتجعل معاصيهم حكما شرعيّا داخلا في دين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع التحذيرات والتوبيخات والتخويفات والتهديدات الّتي لا تحصى؟!

ترتكب كلّ ذلك بمجرّد عذر كون المدار على حجّية ما يخالف القرآن!

أما تقول مدار من ، وفي أيّ موضع؟ إذ في موضع الإجماعي هم أمروا ورخّصوا بقولهم : « خذ بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » (٢) ، وغير ذلك من الأدلّة اليقينيّة على حجّية إجماعهم ، وقد حقّقه المحقّقون في مظانّه ، وحقّقنا في رسالتنا فيه (٣) وفي « شرح المفاتيح » (٤) وغيرهما ، بحيث لا يبقى شبهة ولا سترة ولا ريبة!

ومنه يظهر حلّية الجمع بين الفاطميّتين بلا ريبة ، فكما يكون الإجماع عذرا بالنسبة إلى ما يخالف كلام الله وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام في الأخبار المتواترة ، كذلك يصير عذرا بالنسبة إلى الرواية الضعيفة الواحدة الشاذّة المخالفة للإجماع والآيات والأخبار المتواترة ، وما ورد في « الخصال » (٥) وغيره ، وغير ذلك ممّا مرّ وسيجي‌ء.

مع أنّ المدار أيضا على ردّ الأخبار الشاذّة ، والأخبار المخالفة للأخبار

__________________

(١) الكافي : ١ / ٥٤ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩ الحديث ٣٣١٥٥.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٨ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

(٣) لاحظ! الرسائل الأصوليّة : ٢٧٥.

(٤) شرح مفاتيح الشرائع : مخطوط.

(٥) الخصال للصدوق : ٢ / ٥٣٢ ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.


المتواترة والقرآن واتّفاق الفقهاء ، وغير ذلك بالبديهة.

وإن قلت : المدار على حجّية الأخبار المخالفة للقرآن في المواضع الخلافيّة ، فأيّ حجّية في المدار المذكور حتّى يخالف الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام في الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة بمجرّد ذلك ، وبجعله حكما شرعيّا ننسبه إلى الله تعالى ، مع كونه خلاف قوله تعالى وقول حججه على سبيل القطع.

مع أنّ الشيعة منهم من لا يعمل بالخبر الواحد مطلقا (١) ، ومنهم من لا يعمل به إذا خالف القرآن (٢) ، ومن يعمل فإنّما يعمل في موضع يحصل التعادل والتقاوم ، والقرآن قطعي السند ، وقطعي المتن ، وآيات [ ه ] متعدّدة ، ومطابق للأخبار المتواترة والسنّة النبويّة والأصول الثابتة والعقل ، إذ يلزم أن يكون الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام مقصّرون ـ العياذ بالله منه ـ لو كانت الرواية ضعيفة.

ومع ذلك ، لا معنى لكون علّة التحريم المشقّة على خصوص فاطمة عليها‌السلام.

ومع ذلك ، ورد الأخبار المتواترة في وجوب التمسّك بالقرآن ، منها الأخبار المذكورة ، ومنها المتواتر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين » (٣) الحديث. إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

كما أنّه ورد الأخبار المتواترة بعدم جواز العمل بالرواية الضعيفة المتضمّنة لحرمة الجمع بين علويّتين ، والإجماع من المسلمين وقع على العمل بالقرآن حينئذ ، كما أنّه وقع على خلاف تلك الرواية الضعيفة ، يظهر أنّ العمل بما يخالف القرآن في المقام متّفق عليه بين الجميع ، والمدار على خلافه في أمثال المقام بلا

__________________

(١) لاحظ! الوافية في أصول الفقه : ١٥٨.

(٢) لاحظ! الوافية في أصول الفقه : ١٤٠.

(٣) كنز العمّال : ١ / ١٨٦ الحديث ٩٤٤ ، مصابيح السنّة : ٤ / ١٨٥ الحديث ٤٨٠٠.


كلام.

سلّمنا حجّية ما ذكرت من المدار ، لكن روايتك شاذّة بالبديهة ، وهم عليهم‌السلام أمرونا بترك العمل بالشاذ بلا شبهة (١) ، وكلامك أيضا ينادي باعترافك به كما مرّ.

فإذا كانوا [ أمروا ] بترك العمل بها ، فكيف تجعلها حجّة وتقول : الله حكم بالتحريم؟ أما تخاف أن تكون ممّن يقول على الله بعض الأقاويل ، وأن تكون ممّن افترى وحكم بغير ما أنزل ، وغير ذلك؟! وأيضا ، هذه الرواية مخالفة لسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد سنّته المعروفة المشهورة بلا شبهة لا سنّته في الجفر والجامعة وأمثالهما ، لأنّهم عليهم‌السلام أمروا الأصحاب باعتبارهم موافقة السنّة (٢) ، وعدم مخالفتها لقبول الرواية ، وجعلها حجّة وتميّزها من غير الحجّة ، وبالبديهة الرواية الضعيفة مخالفة للسنّة المعروفة بلا شبهة.

وأيضا ، ورد منهم عليهم‌السلام أنّه « إذا ورد عليكم حديث فاعرضوه على سائر أحاديثنا ، فإن وجدتموه لا يشبهها فلا تعملوا به » (٣) ، والرواية الضعيفة كذلك.

وأيضا ، ما روينا عن « الخصال » أيضا حديث رواه الصدوق معيّنا بمضمونه صريحا ، ومع ذلك مضمونه موافق للقرآن والسنّة وسائر أخبار الأئمّة عليهم‌السلام وإجماع الأمّة والفقهاء.

وغير ذلك من المرجّحات الّتي لا يحصى عددها ، ولا يخفى صحّتها أو اعتبارها ، أمر المعصوم عليه‌السلام في كلّ واحد واحد منها بترك العمل بمثل الرواية المذكورة ، أمر عليه‌السلام أمرا صريحا واضحا لائحا موافقا للآثار والشواهد ، ولا

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٧ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٢٣ الحديث ٣٣٣٨١ ، والحديث منقول بالمعنى.


اعتبار بعد الأدلّة الواضحة.

وأيضا ، أمروا بترك العمل بالرواية الّتي وقع فيها ريبة ، ومعلوم أنّ عدم صحّة روايتك يوجب الريبة ، مضافا إلى اتّفاق الفقهاء على ترك العمل حتّى الّذي رواه. إلى غير ذلك ممّا مرّ وسيجي‌ء.

فمع جميع ذلك ، إذا لم يحصل فيها الريبة ، ففي أيّ رواية تكون أسوأ حالا منها تكون فيها ، مع أنّك تجعل كلّ حديث رواه الشيخ قطعيّة الصدور خالصة عن الريبة! وأيضا ، منعوا عليهم‌السلام عن العمل برواية لم يكن لها نور وحقيقة ، وأيّ نور ، وأيّ حقيقة (١) في روايتك لم يكن في غيرها؟! مع أنّهم قالوا عليهم‌السلام : الحديث الّذي [ عليه ] نور يرجّح على ما لا نور فيه (٢) ، ومعلوم أنّ كلّ خبر من الأخبار الّتي تعارض خبرك له نور ليس في خبرك ، بل أنوار خلا عن جميعها خبرك.

وأيضا ، ورد في الأخبار عنهم عليهم‌السلام : « عليكم بالدرايات دون الروايات » (٣) ، والقرآن والأخبار مطابقة له والأصول مطابق للدراية ، بخلاف خبرك ، إذ قد عرفت أنّه لا معنى لكون فاطمة عليها‌السلام يشقّ عليها ما هو حلال عند الله وعند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع كونها أرضى الناس بأحكام الشرع ، كأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم.

ولو كان الشي‌ء حراما عند الله وعند الرسول والأئمة عليهم‌السلام ، فلا معنى للتعليل للحرمة بأنّ فاطمة عليها‌السلام يشقّ عليها.

__________________

(١) في الأصل : ( لم يكن لها مورد حقيقة وأيّ مورد أيّ حقيقة ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه ، إذ هو المناسب لما في الحديث.

(٢) لاحظ! الكافي ١ / ٦٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٩ الحديث ٣٣٣٤٣.

(٣) بحار الأنوار : ٢ / ١٦٠ الحديث ١٢ ، وفيه : ( عليكم بالدرايات لا بالروايات ).


وأيضا ، يلزم على تقدير صحّة روايتك الضعيفة ـ الّتي أمروا عليهم‌السلام في الأخبار المتواترة بالمنع عن العمل بها بوجوه كثيرة ، وعلل غير عديدة ـ يلزم أن يكون الله تعالى والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام مقصّرين ، سيّما في الفروج ، وخصوصا في فروج آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويلزم أن يكثر منهم أولاد [ ال ] ـ زنا والحرام ، على حسب ما عرفت. إلى غير ذلك ممّا عرفت وستعرف.

وأيضا ، في القرآن (١) والأخبار (٢) وإجماع الشيعة المنع عن قبول خبر الفاسق ، بل وغير العادل ـ على ما هو مقتضى الأخبار والإجماع ـ مع أنّ المراد من الفاسق من خرج عن الطاعة واقعا ، كالسارق والزاني والقاتل ، وغير ذلك من المشتقّات ، فإذا احتمل أنّ الراوي فاسقا ، احتمل كون خبره غير حجّة مردودا ، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال بالبديهة.

وعرفت أنّ هذه طريقة الشيعة ، وخالفها أبو حنيفة ، فعمل برواية المجهول ، كما قالوا في الأصول (٣).

والاحتمال في بعض رواه روايتك موجود بالبديهة ، بل في غير واحد منها ، فكيف يحتجّ بها ، سيّما في مقابل القرآن والمتواتر وغير ذلك؟ ونردّ بها كلام الله وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، على سبيل العموم والخصوص. إلى غير ذلك ، ومع ذلك تجعله حكم الله وتنسبه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، مع ما عرفت من التخويفات الهائلة؟!

__________________

(١) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٢) لاحظ! عوالي اللئالي : ٤ / ١٣٣ الحديث ٢٢٩ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٢١ الحديث ٣٣٣٧٣ و ١٢٢ الحديث ٣٣٣٧٤.

(٣) لاحظ! المستصفى للغزّالي : ٢ / ١٤٦ ، المحصول للرازي : ٤ / ٤٠٢.


وبالجملة ، كيف يمكن أن تردّ على الله قوله ، وكذا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام أقوالهم الواردة عنهم في المتواتر من أخبارهم بأنّه لا يجوز العمل بمثل الرواية الّتي عملت بها ، وأنّهم أمروا بترك العمل بها من وجوه شتّى غير عديدة ، وبالغوا في منع العمل وأنذروا وحذّروا ، وشدّدوا وأكّدوا ، ومع ذلك أنت لا تسمع قولا واحدا منهم عليهم‌السلام ، وتردّ عليهم جميع هذه الأقوال القطعيّة الصدور؟!

بل عندك أنّ كلّ واحد من أخبارهم قطعيّ ، فما ظنّك إذا زاد عن التواتر ، ووافق العقل والنقل والنور والحقيقة ، على حسب ما عرفت سابقا ، وستعرف أيضا؟!

أو ما تخاف من أن تردّ عليهم كلامهم؟! فكيف تردّ عليهم متواتر كلماتهم الّتي آحادها عندهم كلامهم يقينا ، ولا تسمع قولهم ، بل أقوالهم في أنّ مثل روايتك لا يجوز العمل به ، وتهديداتهم في ذلك ، وتشديداتهم في عدم العمل؟!

وأنت تعلم أنّ من يعص الله أو رسوله أو أحدا من الأئمة عليهم‌السلام كيف حاله من الوبال والنكال ، والعذاب والعقاب ، وإن كان القول قولا واحدا ، فكيف يعص الله والرسول والأئمّة عليهم‌السلام فيما لا يحصى من أقوالهم ، وأعجب [ منه أنّه ] من بعض فقهائهم ورواه أحكامهم أيضا ، وتردّ على جميع كلامهم المجمع عليه ، الّذي قالوا : إنّه « لا ريب فيه » (١) ، وتنسبهم إلى الإجماع على الخطإ؟!

كما أنّه يلزم أن تنسب إلى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام كمال التقصير في أمر الفروج ، سيّما فروج الذرّية الطاهرة ، وأنّهم ما نشروا أحكام الشرع. إلى غير ذلك ممّا يثبت بطلانه أخبارهم والأدلّة العقليّة ، وغير ذلك ممّا ورد [ من ] أنّ الرادّ عليهم كالرادّ علينا وعلى الله تعالى ، وأنّه شرك بالله (٢).

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٨ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٢ الحديث ٣٣٣٥٢.

(٢) لاحظ! الكافي : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٥ ، الاحتجاج للطبرسي : ٢ / ٣٥٦.


مع أنّه ورد منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنّه لا يزال طائفة على الحقّ إلى يوم القيامة » (١) ، وغير ذلك.

وورد في هؤلاء الفقهاء « أنّهم حجج الله على العباد » (٢) ، و « أنّهم المروّجون لدين الرسول » (٣) ، و « أنّهم المتكفّلون لأيتام الأئمّة عليهم‌السلام بعد غيبة صاحب الأمر عليه‌السلام » (٤). إلى غير ذلك.

وأعجب من هذا أن يحمل هذا الّذي يعص الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام فيه بهذا العصيان المغلّظ الشديد الطويل حكما لله تعالى وتنسبه إلى الله ، وتقول : الله حرّم الجمع بين الفاطميّتين ، وتجعل أنساب الذرّية الطاهرة إلى يوم القيامة مشوبة بالزنا والحرمة ـ على حسب ما عرفت ـ وتكون ممّن يشيع الفاحشة فيهم ، ويطعن في أنسابهم.

مع أنّك تعرف أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهم الكافرون ، والظالمون ، والفاسقون (٥). وغير ذلك ممّا ورد فيهم ما لا يخفى عليك في الآيات والأخبار المتواترة.

فما ظنّك إذا كنت جعلت من الذي (٦) عصيت الله ورسوله والأئمّة عليهم‌السلام بعصيانات لا تحصى وارتكاب القبائح الشنيعة فيه ـ على حسب ما عرفت ـ هو بعينه نفس حكم الله؟! أو لا تخاف أن تكون ممّن حرّم ما أحلّ الله من الفروج ، مع

__________________

(١) لاحظ! عوالي اللئالي : ٤ / ٦٢ الحديث ١٣.

(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ٩٠ الحديث ١٣.

(٣) بحار الأنوار : ٢ / ٥. الحديث ، وهو منقول بالمعنى.

(٤) بحار الأنوار : ٢ / ٥. الحديث ، وهو منقول بالمعنى.

(٥) لاحظ! المائدة (٥) : ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.

(٦) في النسخ : ( جعلت ما الّذي ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


ما ورد فيه من أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، وقال الله رسوله ( لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) (٢). إلى غير ذلك؟!

مع أنّه ورد في بعض الأخبار في « النوادر » تحريم التمتّع في أولاد الأئمّة عليهم‌السلام (٣) ، وهو أيضا حديث ، مع أنّه من الأخبار [ الأخبار ] الدالّة على وجوب دعاء أو عمل عقيب صلاة أو في ساعة أو في يوم ، أو غير ذلك ، كلّ واحد منها حديث ، وكذلك الآية (٤).

والأخبار الظاهرة في عدم محرميّة أمّ الزوجة (٥) ، أخبار موافقة لظاهر الآية ، ولا تبالون في ذلك ، وتبنون على المحرميّة دون حديث. إلى غير ذلك ممّا لا تحصى كثرة.

وأمّا الكلام في دلالة الرواية الضعيفة :

فعلى تقدير ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ الحلّ الّذي تبادر منه ضدّ الحرمة في اصطلاح المتشرّعة دون اصطلاح الشارع ، ففي غاية الوضوح في صحّة العقد على فاطميّتين ، إذ لو لم يكن صحيحا لا جرم وجوده كعدمه ، ويكون بنتاها

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩ الحديث ٣٣١٥٥ ، وقد سبقت الإشارة إليه.

(٢) التحريم (٦٦) : ١.

(٣) لاحظ! كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي : ٨٦ ، الكافي : ٥ / ٤٤٩ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢١ / ٦ الحديث ٢٦٣٥٩.

على أنّنا لم نعثر على رواية تدلّ على حرمة التمتّع بأولاد الأئمّة ، إلّا أنّ السيّد شبّر الحويزي استنبط من الحديث المشار إليه حرمة التمتّع بالفاطميّات وكتب رسالة مستقلّة في هذا الموضوع. لاحظ : الذريعة إلى تصانيف الشيعة : ٦ / ٣٩٥. والظاهر أنّ مراد المصنّف هنا أيضا هذا الحديث!.

(٤) النساء (٤) : ٢٣. ومراد المصنّف من عدم محرميّة أمّ الزوجة هي الّتي لم يدخل بابنتها ، لا مطلقا!

(٥) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٤٦٢ الحديثان ٢٦٠٩٧ و ٢٦٠٩٨ و ٤٦٤ الحديثان ٢٦١٠١ و ٢٦١٠٢.


خاليتين عن الزوج ، غير متزوّجتين أصلا ورأسا ، كما كان الحال قبل العقد الفاسد. هذا إذا جمع بينهما في عقد واحد.

والأخيرة كذلك إن وقع العقد عليها مرتّبا.

وعلى أيّ حال ، يبلغ فاطمة عليها‌السلام عدم الجمع بين بنتيها في العقد قطعا ، فلم يشقّ عليها؟! فلو كان عدم الجمع شاقّا لزم وجوب الجمع لا حرمته ، أو نقول : إذا كان فساد الجمع يشقّ عليها لزم صحّته ، وقس عليها أمثال التعبيرين.

والبناء على أنّ المراد من الجمع هنا الجمع بالمعنى العرفي واللغوي ، حتّى لا يضادّ العلّة في هذا الخبر معلوله ، يحقّق ما ذكرنا من أنّ الصدوق لم يفهم منه معنى النكاح أصلا ، ولذا لم يورد هذا الخبر في باب من أبواب النكاح من كتابه « العلل » أصلا ، حتّى باب علل نوادر النكاح أيضا.

ونقل بعض الفضلاء عن خالي العلّامة المجلسي رحمه‌الله أنّه قال : ( ليس « ابنتين » ، بل « ابنين » (١) بلفظ الذكور ، وعندي نسخة من « العلل » بتصحيح خالي العلّامة ، وبخطّه الشريف ، وصحّح لفظ « ابنتين » [ بحذف ] (٢) مركز التاء ، وجعله « ابنين » ، كما نقله عنه ذلك الفاضل.

مع أنّ الجمع اللغوي بين الابنين متحقّق بأن يجمعهما الزوج في دار واحد أو حجرة واحدة.

وأمثال هذا هو المناسب للشاقّة عليها ، ولإعراض قاطبة الفقهاء عن تحريم الجمع بينهما في النكاح ، حتّى الصدوق وغيره ، وكذلك هو المناسب للآيات والأخبار والأدلّة العقليّة الّتي ذكرناها سابقا من لزوم تقصير الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) لعلّ المراد ببعض الفضلاء : المحقّق الشيخ أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني رحمه‌الله.

لاحظ : الدرر النجفيّة : ١٩٨.

(٢) في النسخ : ( ابنين ) بدلا من ( ابنتين ) ، وبعدها فراغ يستوعب كلمة واحدة ، فقدّرناها كما هي عليه في المتن.


والأئمّة عليهم‌السلام ـ والعياذ بالله منه ـ ولعدم مناسبة علّة التحريم الشاقّية على خصوص فاطمة عليها‌السلام ، على حسب ما عرفت ، وغير ذلك.

على أنّ الموافق لرأي جمع من المحقّقين أنّ مثل العبارة المذكورة مجمل لا يتعيّن إلّا بمعيّن ، ولا نعرف المعنى ، إلّا [ أنّه ] (١) من الموافق لرأي الآخرين أنّ المتبادر منه النكاح أو الوطء ، من دون تفاوت بينهما أصلا ، فكما يمكن أن يكون المراد الجمع في النكاح كذلك يمكن أن يكون الجمع في الوطء ، يعني : لا توطئان معا ومجتمعة في بيت أو حجرة أو فراش ، وأمثال ذلك.

والأوّل وإن كان أقرب ـ من حيث عدم الاحتياج إلى تقدير محلّ الوطء و ( مجتمعة ) ـ إلّا أنّه يترتّب عليه مفاسد لا تحصى ، أكثرها قطعيّ الفساد ، ومنها : التدافع الّذي عرفت بين العلّة ومعلولها ، فيصير الثاني أولى ، ثمَّ أولى بمراتب لا تحصى.

بل الأوّل قطعيّ الفساد قطعا ، كما لا يخفى.

فإن قلت : لعلّ المراد أنّه يبلغها هذا الفاسد فيشقّ عليها نفس وقوعه ، [ فإنّ ] فاطمة عليها‌السلام كانت عالمة بالأحكام الشرعيّة وأنّ الجمع الفاسد وقوعه وعدمه على السواء ، بل وأنّه لم يقع جمع ، والملائكة أيضا عارفون بحقيقة الحال ، فلم يتحقّق حرام ، فلم يشقّ عليها ، كما عرفت ، فإنّ الّذي يجمع في العقد لا يعرف فساده ، والعلويّات أيضا لم يكنّ يعرفن ويرضين [ أنّه ] بالفاسد شرعا يحصل بينهما المجامعة ويتحقّق النسل والولد.

قلت : على ما ذكرت ، نفس الجمع لا يشقّ عليها ، بل اعتقاد صحّته وترتّب ثمرات الصحّة من المجامعة والنسل ، وغير ذلك ، وفي الرواية أنّ نفس

__________________

(١) في الأصل فراغ يستوعب كلمة واحدة ، فقدرناها كذلك.


الجمع يبلغها ونفس الجمع يشقّ عليها ، وما ذكرت قيود كثيرة :

الأوّل : الاعتقاد.

والثاني : الصحّة.

والثالث : فعليّة ثمرات الصحّة من المجامعة والنسل وغيرها.

وكلّ ذلك قيود ، والأصل عدمها ، وأنت ما رضيت بتقدير قيد ، فكيف رضيت بتقدير قيود يترتّب عليها مفاسد شنيعة لا تحصى ، كما عرفتها؟!

سيّما وأنّ الله أولى بعدم الرضا ، وكذلك رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام نيابة عنه ، وكذلك فاطمة عليها‌السلام ، وكان عليهم ـ واجبا ـ وقايتهنّ من النار ، وغير ذلك ممّا مرّ في صدر الرسالة الإشارة إلى بعض منها ، فهم بلّغوا وأنذروا ووصّوا ، ومع ذلك ما نفع.

فأيّ فائدة في الخبر المذكور؟ وسيّما تعليل المنع بخصوص الشاقيّة على خصوص فاطمة عليها‌السلام ، وأين التحذيرات الهائلة ، والتخويفات البالغة ، والعذابات الشديدة ممّا ذكر؟!

وإذا كانوا قصّروا ـ العياذ بالله من تجويزه ـ فاللازم على الصادق عليه‌السلام أن يقول : لا تجمعوا ، بل ويقول لبنات فاطمة عليها‌السلام : لا ترضين ، بل ويصرّح بالفساد ، وتركا للّازم (١) عليه أن يترك التعليل المذكور ، لكونه موهما (٢) لخلاف المقصود ، كما عرفت.

بل وكونه دليلا على صحّة العقد البتّة ، لأنّ ظاهر الرواية حينئذ أنّ الجمع بين بنات فاطمة عليها‌السلام حرام وصحيح ، يصير بسببه كلّ البنات أو اثنتين منها

__________________

(١) في النسخ : ( وترك اللازم ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) في النسخ : ( متوهّما ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


زوجة رجل واحد ، فيصير الجمع المؤثّر المذكور شاقّا عليها.

كما إذا نهى والد أو والدة ولده عن تزويج دنيئة رذيلة ، وكذا أقرباؤه ، وقالوا : إن فعلت فقد عصيتنا وتكون عاقّا وقاطعا حبّنا ، وربّما يصير عليه الفتن من القتل وغيره إلى غير ذلك ، ومع ذلك تزوّج بها ، فلا شكّ في حرمة هذا التزويج من وجوه شتّى ، ومع ذلك صحيح ، بل الحرمة ما نشأت إلّا من الصحّة ، بأنّه لو تزوّج تزويجا فاسدا شرعا لم يتحقّق عقوق ، ولا فتنة ولا غيرها.

وبالجملة ، النهي إذا كان خارجا عن المعاملة لا يبطل المعاملة بالبديهة ، وإجماعا من كلّ من له فهم ، بل وحرمتها فرع صحّتها ، كما عرفت ، بل العبادة أيضا لا تفسد بالاتّفاق ، فضلا عن المعاملة.

فالتعليل المذكور يجعل النهي متعلّقا بشاقّيته على فاطمة عليها‌السلام ، فيصير الحرام هو الشاقّية ، ويصير فرعا للصحّة ، وكون الجمع المذكور هو الجمع الشرعي ، كما هو الظاهر والمسلّم عند المستدلّ ، بل بناء استدلاله عليه.

هذا ، مضافا إلى أنّ النهي في المعاملات لا يقتضي [ الفساد ] ، مع أنّ النهي إذا وقع في نفس المعاملة لا يقتضي الفساد ، كما حقّق في محلّه واختاره المحقّقون منّا (١) ، إلّا شاذّا ووجهه في غاية الوضوح ، لأنّ معنى النهي والتحريم وعدم الحلّ ليس أزيد من طلب الترك ، مع عدم تجويز الفعل ، ومعنى الفساد هو عدم ترتّب ثمر شرعا على النهي ، وبين الأوّل والثاني امتياز تامّ ، والثاني زيادة عن الأوّل بالبديهة ، فليس عين الأوّل ولا جزأه ، ولا لازمه ، لعدم اللزوم عقلا ولا لغة ولا عرفا ، إذ القلب السالم عن الشبهات بمجرّد لفظ التحريم من دون [ ذكر الفساد ] لا يتبادر إليه سوى المعنى الموضوع له لهذا اللفظ ، دون المعنى الّذي له لفظ

__________________

(١) لاحظ! معارج الأصول : ٧٧ ، معالم الأصول : ٩٦ ، الوافية : ١٠٥ ـ ١٠٧.


الفساد ، كما أنّ باستماع لفظ الفساد لا يفهم سوى معنى نفسه ، لا معنى التحريم أيضا.

ومن هذا ، لو وطئ رجل الحائض من زوجاته ، فلا شكّ (١) في تحريمه ، ومع ذلك صحيح شرعا ، لاستحقاقها بذلك تمام المهر لزوما ، ولزوم العدّة ، وصحّة نسب الولد الّذي حصل منه ، وترتّب جميع آثار [ ال ] نسب الصحيح ، وغير ذلك من الثمرات.

وقس على هذا غيره ممّا لم يفسد بالنهي.

فعلى هذا ، إدخال معنى الفساد في معنى مجرّد لفظ التحريم بعد عن قول الشارع بالبديهة ، وحكم بغير ما أنزل الله قطعا ، وفهم الفساد في آية ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) (٢) الآية وأمثالها إنّما هو من الإجماع بالبديهة ، لإجماع جميع المسلمين على الفساد ، بل كونه ضروري الدين ، ولذا نعلم الفساد بالبداهة ، بل النساء والجهّال والأطفال يعلمون الفساد بالبديهة.

ومن هذا ، محقّقونا يحكمون بالفساد بالبديهة مع قولهم بعدم اقتضاء النهي الفساد ، والشاذّ القائل ظانّ في قوله به بالبديهة.

فإن قلت : مع من تباحث وقد قلت : شيخنا الحرّ رحمه‌الله لم يقل بصحّة هذا العقد ، بل قال بالحرمة ، ومع ذلك نقل أنّه توقّف فيه (٣)؟

قلت : مع بعض مشايخنا المعاصرين سلّمه الله وعافاه ، فإنّه حكم بالفساد ،

__________________

(١) في الأصل : ( لو وطئ رجل الحائض من زوجته ولا شكّ. ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) النساء (٤) : ٢٣.

(٣) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧ ، وقد مرّت الإشارة إليه في الصفحة ١٩٧ من هذا الكتاب.


ويحكم بالتفريق لو اتّفق (١) ، وإن كان الزوج أيضا من أولاد فاطمة عليها‌السلام ، والتفريق بالنسبة إليه وزوجاته في غاية الشدّة ، ونهاية المحنة ، ويكون على الكلّ أعظم مصيبة ، كما اتّفق أنّي شاهدت ما ذكرت.

وأعجب من هذا أنّه يدّعي وفاق جماعة من المتأخّرين معه ، وكلمات بعضهم تنادي بخلاف أنّه وافق الفقهاء ، ومع ذلك أتعجّب أنّه ما قرع سمع واحد منهم أنّ النهي إذا تعلّق بخارج المعاملة لا يقتضي فسادها بلا شبهة ، وأنّه وفاقيّ.

فإن قلت : هؤلاء يدّعون عدم العبرة بما قاله المجتهدون ما لم يرو فيه حديث ، ولم يرو حديث أنّ هذا النهي لا يقتضي الفساد ، ويقولون : فهم الحديث لا يراعى فيه القواعد الأصوليّة ، لأنّها من بدع العامّة ، لأنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانت مكالماتهم على وفق مكالمات أهل العرف العام مع الناس ، فالحجّة في الحديث فهم العوام ، لا العلماء الأعلام ، لأنّهم يجتهدون ، وعلى قواعده يمشون.

قلت : ما قالوه من أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانت مكالماتهم مكالمات العرف والعوام والكلام حقّ صدر منهم ، وقواعد الأعلام ما شيّدت إلّا لتحصيل هذا الفهم ، فأنا متعجّب من أنّ هؤلاء لم لا يراعون ما قالوا ، ويشنّعون على المجتهدين بأنّهم لا يراعون؟!

فلم لا يعرضون فهمهم هذا الحديث على طريقة مكالمات أهل العرف وفهمهم فيها ، فإنّهم إذا سمعوا واحدا يقول لشخص : لا تزوّج فلانة ، فإنّه يبلغ والديك وأجدادك الموجودين فيشقّ عليهم ويؤذيهم بحيث لا يكادون يصبرون ، فتصير عاقّا قاطعا من كلّ واحد واحد ، فهل يفهم أطفالهم وجهّالهم ـ فضلا عن غيرهم ـ من القول المذكور سوى التزويج الشرعي ، وأنّه إذا صارت فلانة

__________________

(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٤٤ ـ ٥٤٥.


زوجته شرعا يترتّب عليه الشاقّية والأذيّة والعقوق المزبورة.

كما أنّهم إذا سمعوا واحدا قال لآخر : لا يحلّ لك أن لا تطلّق (١) ابنة عمّك ، فإنّه يبلغ آباءك الموجودين ونسائبك وعمّك فيشقّ عليهم بما لا يصبرون ، فتصير عاقّا قاطعا. إلى غير ذلك من الأمثلة ، مثل : لا تشتر [ الجارية ] الفلانيّة ، لأنّها مغنّية فتدخلك النار ويلزمك العار. إلى غير ذلك.

فعلى هذا الفهم السليم والدرك المستقيم ، يصير حديثهم الّذي استدلّوا به على بطلان العقد خصما لهم ، وحجّة عليهم ، وأنّه بخصوصه يكفي للحكم ، بالصحّة ، من دون حاجة إلى الأدلّة الواضحة الّتي لا تحصى ، كلّ واحد منها كالشمس في الضحى ، بل شموس طالعة ، وأنوار ساطعة ، لا حدّ لها من الكثرة.

سلّمنا ، لكن من أين يحكم بصحّة العقود والإيقاعات الّتي تعلّق بخارجها نهي ، كما ذكرنا سابقا ، بل العبادات أيضا؟!

سلّمنا ، لكن نقول : كما لم يرو حديث يدلّ على أنّ النهي إذا تعلّق بخارج المعاملة لا يقتضي الفساد ، لم يرو أيضا حديث يقتضي الفساد ، فمن أيّ سبب رجّحوا الثاني على الأوّل وأوقعوا أنفسهم في المهالك الّتي لا تحصى ، وخالفوا الأوامر الّتي لا تخفى؟!

فإن قلت : إنّهم لمّا نظروا إلى قوله [ تعالى ] ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٢) ، وأنّه يدلّ على الفساد أيضا بالبديهة ورأوا أنّ هذا الحديث موافق له في العبادات ، حكموا بالفساد هنا أيضا.

قلت :

أوّلا : عرفت عدم دلالة الآية على الفساد ، لأنّه من ضروريّات الدين ،

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ المراد : ( أن تطلّق ).

(٢) النساء (٤) : ٢٣.


من أنكره أو توقّف فيه يكون منكرا لضرورة الدين كافرا ، وإن كان من عوام المسلمين ، وأين هذا من دلالة الآية الّتي لا تكون حجّة عند الأخباريين؟!

وأمّا المجتهدون ، فعندهم أنّ دلالة الألفاظ كلّها ظنّية ، وأنّ القرآن ظنّي الدلالة ، ومع ذلك عرفت أنّ النهي لا يقتضي الفساد ، كما عليه المجتهدون والفقهاء إلّا نادر منهم.

وعرفت غاية وضوح دليل المعظم ، وأنّ الحقّ معهم بلا شبهة.

وثانيا : كون عبارة الحديث عين عبارة القرآن فيه ما فيه ، إذ لم يذكر في القرآن علّة لتحريم الجمع بين الأختين ، وذكر في الحديث أنّ علّة الحرمة الشاقيّة على فاطمة عليها‌السلام ، ليس نفس العقد ، ولا جزؤه بالبديهة ، بل أمر خارج عنه بلا ريبة.

فقياسه بالآية قياس مع الفارق ، بل مع الفوارق ، لما عرفت وستعرف.

وثالثا : عرفت أنّ حمل التزويج في الحديث على الفاسد منه ممّا لا يستقيم ، ولا يتلائم ظاهر أجزائه ، بخلاف الآية.

ورابعا : إنّ القياس ليس بحديث ، بل حرام عند الشيعة بالضرورة ، وكونه حراما ضروريّ مذهب أهل البيت.

فهذا أيضا حرام آخر يزيد على ما مرّ من المحرّمات والشنائع.

وخامسا : إنّ هذا القياس ممّا يتبرّأ عنه أهل السنّة ، فضلا عن الشيعة ، إذ ما يقولون : إنّ الأمر في حديث كذا نحمله على الاستحباب ، لقوله تعالى : ( فَكاتِبُوهُمْ ) (١) وغيره ممّا ورد في استحباب شي‌ء أو الإباحة ، لقوله تعالى : ( فَانْتَشِرُوا ) (٢) ، أو التهديد أو غير ذلك.

__________________

(١) النور (٤) : ٣٣.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٥٣.


وكذلك الحال في سائر الألفاظ واللغات.

وسادسا : لما [ ذا ] لا يقيسون عبارة « لا يحلّ » في هذا الحديث بعبارة « لا يحلّ » في الأحاديث الأخر ، المسلّم عندهم أنّه محمول على الكراهة ، مثل ما رواه الصدوق عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه « لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر أن تدع عانتها فوق عشرين يوما » (١). إلى غير ذلك ، مع أنّ ذلك غير واجب إجماعا؟!

هذا وغيره من الأخبار الظاهرة في الحرمة حملت على الكراهة ، وهذه الكثرة بمكان لا يحصى ، كما لا يخفى على من له أدنى اطّلاع ، كما أنّ لفظ الوجوب المحمول على الاستحباب أيضا كما مرّ ، بل الإشارة إلى ذلك ، مع أنّ التأكيد الّذي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تؤمن بالله واليوم الآخر » يشهد على التحريم ، ومع ذلك حمل على الكراهة.

فإن قلت : ذكر الشيخ المعظم هذا الإيراد في الجملة ، وأجاب عنه بأنّ الأصل حمل الألفاظ على حقائقها ما لم يصرف عنه صارف ، وإلّا لبطلت القواعد والأحكام. هكذا قال ، بعد أن استدلّ بالتبادر على كون « لا يحمل » حقيقة في الحرمة (٢) ، لأنّ التبادر علامة الحقيقة عند علماء الأصول.

قلت : كما أنّ المتبادر من لفظ « لا يحلّ » الحرمة ، يكون الحرمة منه أيضا هو عدم الرخصة خاصّة ، لأنّ المتبادر من الحلّ هو الرخصة وعدم المنع خاصّة ، لا يزيد على ذلك شي‌ء أصلا ورأسا ، كما عرفت مبيّنا.

وأيّ عاقل يمكنه التأمّل في كون معنى كلمة « لا » هو النفي خاصّة ، ومعنى « يحلّ » أنّه لا مانع منه ، وأنّ ما زاد على ما ذكر لا يتبادر ، وأنّ علماء الأصول

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٧ الحديث ٢٦٠ ، وهو منقول بالمعنى.

(٢) لاحظ! الدرر النجفيّة : ٢٠٠ ـ ٢٠١.


أيضا صرّحوا بذلك؟!

فإن قلت : شاذّ منهم ادّعى الدلالة الالتزاميّة بالنسبة إلى معنى الفساد.

قلت : الشاذّ ما ادّعى ذلك إلّا في الموضع الّذي علم تعلّق النهي فيه بنفس المعاملة ، وأمّا في مثل المقام ، فقد صرّح هو أيضا بعدم الدلالة الالتزاميّة البتّة ، بل ظهر عليك صحّة ذلك ، وأنّ النهي عنه فرع الصحّة.

مع أنّك عرفت الحال في الدلالة الالتزاميّة ، [ الّتي ] ادّعى ، وأنّها لا أصل لها أصلا ، ووضح عليك غاية الوضوح ، والحقّ أحقّ أن يتّبع.

مع أنّا نقول : علماء الأصول فرقتان ، فرقة تدّعي الحقيقة الشرعيّة ، وأنّ المتبادر عندنا هو الحقيقة في كلام الشارع ، وفرقة تنكر ذلك (١) ، ويقولون : التبادر عندنا يقتضي كون ذلك حقيقة عندنا ، وكونه حقيقة باصطلاح المعصوم عليه‌السلام من أين؟!

بل أكثر المحقّقين منهم اختار هذا ، وهذا الشيخ المعظّم إليه غافل عن هذا على ما نقول (٢) لم لم يقل الشيخ ومشاركوه بحرمة ترك العانة عليها أزيد من عشرين؟ لأنّه روى الرواية المذكورة ومعلوم عامل بها ، معتقد لها.

وعلى فرض أن يكون موجّها لها بالحمل على الكراهة وثبت اتّفاق الكلّ عليها ـ كما ذكر ـ لا يلتفت إليه في مقابل الحديث ، ولا يرفع عمّا ظهر من الحديث بسببه ، بل الإجماع عنده لا عبرة به أصلا ، لأنّ المجمعين غير معصومين ، يجتمعون على الخطأ.

وبالجملة ، أيّ فرق عنده بين الحديث الّذي دلّ على حرمة الجمع بين

__________________

(١) لاحظ! معالم الأصول : ٣٤ ، الوافية في أصول الفقه : ٦.

(٢) في ب : ( على ما نقول به ).


فاطميّتين والّذي دلّ على حرمة تركها عانتها أزيد من عشرين؟ مع أنّ المفاسد الّتي تترتّب على الاستدلال بالأوّل كثير منها غير مترتّب على الثاني ، كما لا يخفى ، فاستدلاله بالثاني على حرمة ترك العانة عليها أولى ثمَّ أولى.

والله الهادي إلى الرشاد والسداد.

تمّت الرسالة بعون الملك الوهّاب.



رسالة

في

حكم متعة الصغيرة



بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين. ربّ وفّقني وأيّدني وسدّدني وأرشدني واهدني للصواب.

ما تقول فيمن زوّج بنته الرضيعة لزيد متعة يوما أو ساعة ، بمهر درهم ـ مثلا ـ لأجل محرميّة أمّها عليه؟

اعلم! أنّ فقهاءنا اختلفوا في أنّ تزويج الولي إذا كان أبا أو جدّا ، هل يشترط أن يكون على وجه الغبطة والمصلحة أم لا؟

فعلى القول بالاشتراط ، لا تأمّل في عدم صحّة هذا العقد ، فلا تصير الام محرما البتّة.

واشترط بعضهم كونه بمهر المثل أو أزيد ، وبعضهم كون التزويج بالكف‌ء ، فحال هذين الشرطين حال السابق.

قال في « المفاتيح » : ( تثبت ولاية النكاح (١) للأب والجدّ [ وإن علا ] على

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( يثبت الولاية ).


الصغير بالنصوص (١) المستفيضة (٢) ، وعلى السفيه والمجنون ـ ذكورا كانوا أو إناثا ـ مع اتّصال الجنون والسفه بالصغر بلا خلاف ، سواء كان فيه مصلحة أم لا ، على المشهور ، ومال بعض المتأخّرين إلى اشتراطها ، ولا يخلو من قوّة ) (٣). انتهى.

وقال في « الكفاية » : ( إذا عقد عليها الولي من كف بمهر المثل ، فإن كان على وجه المصلحة فلا اعتراض [ لها في شي‌ء ] مطلقا ، وإن كان لا على وجه المصلحة فوجهان .. وإذا عقد عليها من كف‌ء بدون مهر المثل ، فقيل : يصحّ مطلقا ، وقيل : لا يصحّ ، وقيل : لها الاعتراض في المسمّى ـ إلى أن قال ـ : ولو زوّجها من غير كف‌ء بمهر المثل احتمل بطلان العقد ، وأن يكون لها الخيار في العقد ، وإن كان بدون مهر المثل ثبت احتمال الخيار في المسمّى والرجوع إلى مهر المثل أيضا ) (٤). انتهى.

وقال صاحب « المدارك » في شرحه على « المختصر النافع » : ( ولم يعتبر المصنّف في هذا الكتاب في صحّة عقد الصغيرة وقوعه بمهر المثل ، وقد اعتبره جماعة ، منهم العلّامة رحمه‌الله في جملة [ من ] كتبه (٥) ، والشهيد رحمه‌الله في « اللمعة » (٦) ـ إلى أن قال ـ : والمعتمد أنّه إن زوّجها بدون مهر المثل مع المصلحة .. فلا اعتراض [ لها أصلا ] ، وإلّا كان لها فسخ النكاح ـ ثمَّ قال ـ : ويحتمل (٧) قويّا

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( للنصوص ).

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٧٥ الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

(٣) مفاتيح الشرائع : ٢ / ٢٦٥.

(٤) كفاية الأحكام : ١٥٦.

(٥) لاحظ! قواعد الأحكام : ٢ / ٧ ، إرشاد الأذهان : ٢ / ٩.

(٦) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة : ٥ / ١٣٩.

(٧) كذا ، وفي المصدر : ( بل يحتمل ).


بطلانه من رأس ، لأنّ العقد جرى (١) على خلاف المصلحة ، فلا يكون صحيحا ، لأنّ تصرّف الولي منوط بالمصلحة ) (٢). انتهى.

وفيه شهادة واضحة على أنّ كون تصرّف الولي منوطا بالمصلحة وبعنوان العموم من الواضحات.

والظاهر أنّ منشأ اعتبار الجماعة الوقوع بمهر المثل هو هذا ، ولا يتصوّر منشأ غيره ، كما لا يخفى.

وأمّا اشتراط الكف‌ء ، فلعلّ المنشإ أيضا ذلك ، إذ الظاهر أنّه ليس المراد اشتراط الكفاية الّتي هي شرط لصحّة العقد مطلقا.

وبالجملة ، على القول باشتراط الشروط ظهر حاله.

وأمّا على القول بعدمه ، فالحكم بصحّة هذا العقد مشكل أيضا ، لأنّ الصحّة حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي ، ولم يوجد كما ستعرف ، وما توهّم كونه دليلا ستعرف فساده.

وأيضا ، الصحّة عبارة عن ترتّب أثر شرعي ، والأصل عدمه.

وأيضا ، الأصل بقاء ما كان على ما كان حتّى يثبت خلافه.

وأيضا ، [ ما ] ورد من أنّها لو لم تف بما عقدت عليه يحبس عنها المهر بمقدار ما لم تف ، وأنّ مثل الحيض معفوّ عنه (٣) .. إلى غير ذلك.

ولا شكّ في أنّ هذه الرضيعة ليست بمستأجرة (٤).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( لأنّه عقد جرى ).

(٢) نهاية المرام : ١ / ٨٩.

(٣) لاحظ! الكافي : ٥ / ٤٦١ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٩٤ الحديث ١٣٩٧ ، وسائل الشيعة : ٢١ / ٦١ الحديثين ٢٦٥٣٥ و ٢٦٥٣٦.

(٤) في ج : ( بمستأمرة ).


وأيضا ، ظاهر قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ) (١). الآية اعتبار الاستمتاع منها ، ولا أقلّ بتمكينها من الاستمتاع منها ، لأنّ القاعدة المقرّرة في الشرع في أمثال هذه العقود بأنّ في الوفاء بإعطاء العوض يكفي التمكين (٢) ، والتسليم ، وأنّ ظاهرها (٣) فعليّة الاستمتاع ، لأنّ الشارع جعل حكم ذلك حكم الفعليّة (٤).

وأيضا ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.

وأيضا ، إذا تعذّرت الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات ، فالمستفاد من الإتيان أنّ المهر عوض الاستمتاع وأجرته ، ولم يتحقّق شي‌ء من الأمرين فيما نحن فيه.

وأيضا ، قد عرفت أنّ الصحّة في المعاملات عبارة عن ترتّب أثر شرعي ، ولم نجده فيما نحن فيه أصلا ، إذ لا توارث بين هذين الزوجين ، على المذهب الحقّ (٥).

ورؤية مثل هذه الرضيعة لم تكن حراما حتّى تصير حلالا بهذا العقد ، وبالقدر المذكور فيه مثل الساعة أو اليوم لا أزيد ولا أنقص ، وأن يكون استحلال الدرهم المذكور بإزاء هذا القليل من الرؤية.

وكذا الكلام في القبلة والملامسة وأمثالهما ، بل حال هذه الرضيعة في هذه الساعة أو اليوم حال قبلهما وحال بعدهما ، من دون تفاوت أصلا ، ولا خروج أثر من العدم إلى الوجود مطلقا.

__________________

(١) النساء (٤) : ٢٤.

(٢) في ألف ، ب : ( التمليك ).

(٣) في ج : ( والتسليم إن كان ظاهرها ).

(٤) في ألف : ( لأنّ الشارع حكمه وكذلك حكم الفعليّة ).

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢١ / ٦٦ الباب ٣٢ من أبواب المتعة.


وأيضا ، الأب لا يقصد بهذا العقد حصول أثر أصلا بين المتعاقدين ، بل وربّما لا يبالي بأخذ الدرهم من الزوج وضبطه للصغيرة أو صرفه ، بل ولا يخطر هذا بباله أصلا ، مع أنّه لا يجوز رفع اليد عن مال الصغيرة بغير عوض إجماعا ، مع أنّ المهر ركن ولا يجوز المسامحة فيه بأن لا يخطر بالبال أخذه أصلا.

وأيضا ، الزوج [ أعطى ] هذا الدرهم بغير شي‌ء يجعل في العقد بإزائه ، فيكون مبنيّا على الغرر والضرر ، وعدم تحقّق الذكر فيه.

وأيضا ، ذكر المدّة ركن وشرط للصحّة ، وقد عرفت أنّ ذكرها لغو بحت لا يراد منها كونها ظرفا لأثر شرعي ، فضلا عن أن يكون في هذه المدّة خاصّة دون ما قبلها وما بعدها.

وأيضا ، معاني عبارات العقود لا بدّ أن تكون مقصودة ، وإلّا لكانت فاسدة مثل عقود الغافلين والهازلين ، ومعنى متّعتك بنتي : جعلتها متعتك ، ومعنى متعتك : ما يتمتّع به ، تتمتّع بها شرعا ، ولم يقصد الأب نوعا من أنواع التمتّع أصلا ، وإن فرض جواز الاستمتاع بها وحلّيته بحسب العقد ، وخصوصا في خصوص المدّة وكونه بإزاء الدرهم.

بل كلّ ما كانت البنت أكبر ، وتحقّق الاستمتاع الشرعي أكثر ، كان استنكاف الأب وإباؤه عن الاستمتاع أشدّ وأزيد.

بل لو كانت بالغة لا يرضى الأب ـ من جهة هذا العقد ـ أن ينظر الزوج إليها تحت الإزار والثياب أيضا ، فضلا عن أن يكون في خصوص المدّة وبإزاء الدرهم ، وكذا الكلام في قصد الزوج.

فإن قلت : الأب قصد من هذا العقد حلّية نظر أمّ البنت على الزوج ، وهذا أثر


من آثار العقد ، ويكفي لصحّته ، إذ لا يجب قصد الجميع. وأمّا كونه بإزاء الدرهم ، فالمفروض صحّة عقد من قصد كونه بإزاء الدرهم واعتنى بشأن الدرهم : إمّا بالأخذ من الزوج ، أو بأن يهب الزوج ويعطيه من نفسه.

قلت : إن أردت أنّ الأب أراد من قوله : متّعتك بنتي ، متّعتك أمّ بنتي على سبيل المجاز ، وتكون الامّ متمتّعا بها والمهر مهر الأب وحلّية نظر الأمّ في خصوص المدّة وبإزاء الدرهم ، وتكون الامّ غير ذات البعل ، فهذا عقد صحيح على القول بصحّة العقد باللفظ المجازي وأن يذكر في متن العقد خصوص هذا النوع من التمتّع ، ويكون العقد وكالة عنها ، لكنّه غير مفروض المسألة بغير خفاء.

وإن أردت أنّ الأب يريد أنّ بنته تكون متعة الزوج إلّا أنّ الزوج لا يستمتع بها أصلا ، بل يستمتع من أمّها بخصوص النظر إليها لا غيره من أنواع الاستمتاع ، ففيه ما فيه من الفضاعة والشناعة.

ووجوه الاعتراض :

الأوّل : أنّ الأب لم يقصد من العقد معناه ـ كما عرفت ـ فيكون عقده كعقد الغافل والهازل.

الثاني : كون ذكر المدّة لغوا ، لأنّ رؤية الأمّ على الدوام لا في المدّة.

الثالث : كون المهر لا بإزاء الاستمتاع ، وقد عرفت أنّه بإزائه من الزوجة.

والقول بأنّه بإزائه من الأمّ إلّا أنّ الحقّ حقّ البنت ، فيه ما فيه.

الرابع : أنّ حلّية نظر أمّ الزوجة أمر قهري بحسب الشرع لا مدخليّة لقصد الأب فيها أصلا ، إذ ليست بحيث أنّ قصد الأب يتحقّق شرعا وإلّا فلا ، بل موقوفة على صحّة عقد البنت ، فإن ثبت ثبت الحلّية وإن لم يقصدها الأب ، بل وإن قصد عدمها أيضا ، فإنّ الحلّية ثابتة قهرا. وإن لم يثبت صحّة العقد لم تثبت الحلّية ، سواء


قصدها الأب أم لا ، أو قصد عدمها.

فالعبرة بصحّة العقد على البنت ، لا قصد الأب إيّاها.

والكلام في صحّة العقد وحلّية النظر إلى الأمّ معا ، وأنّه لا يحلّ النظر إلى الأمّ [ إلّا ] بثبوت صحّة العقد ، دور واضح.

الخامس : صحّة العقد عبارة عن تحقّق الأثر بين طرفي العقد ، وهما هنا المتمتّع والمتمتّع بها ، لا أنّها عبارة عن تحقّق الأثر بين أحد طرفي العقد خاصّة وأمر خارج عن العقد أجنبي بالنظر إليه ولا يكون بينهما أثر.

وممّا ذكر ظهر فساد الاستدلال على صحّة هذا العقد بعموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، وقوله تعالى ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٢) ، فإنّ الكلام الّذي ليس معناه مقصودا ليس بعقد ولا عهد ، سيّما إذا لم يكن تحقّق أثر حادث من جهتها.

مضافا إلى أنّ الأمر بالوفاء تكليف ، والتكليف لا يكون إلّا في الأفعال الاختياريّة ، والصحّة الّتي ثبتت من الآيتين لا تثبت إلّا من هذين الأمرين.

فهذه الصحّة لا تثبت إلّا في الفعل الاختياري للعاقد الّذي أوقع عقده عليه ، وليس فيما نحن فيه فعل اختياري للأب أوقع عقده عليه وأمكنه الوفاء وعدم الوفاء ، إلّا أنّه أمر شرعي بالوفاء ، فتثبت الصحّة من جهة هذا الأمر ، وتتبعه وتتفرّع عليه.

وممّا ذكر ظهر فساد الاستدلال بما ورد في غير واحد من الأخبار من أنّ الأب إذا زوّج ابنته الصغيرة أو ولده الصغير وكذا وكذا. وأمثال ذلك ممّا يدلّ على

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) الإسراء (١٧) : ٣٤.


صحّة عقد الأب مطلقا (١) ، فإنّه يشمل ما نحن فيه ، وذلك لأنّ التزويج عقد وعهد بلا شبهة ، وقد عرفت الحال فيهما.

مضافا إلى أنّ في جلّ تلك الأخبار قرينة واضحة على إرادة خصوص الدوام ، والشاذّ الّذي ليس فيه قرينة معلوم أنّ الإطلاق ينصرف إلى الدوام.

ألا ترى أنّك إذا سمعت أحدا قال : إنّ فلانا زوّج بنته الصغيرة وأطلق ، لم يتبادر إلى ذهنك سوى الدوام؟! بل الظاهر أنّ لفظ التزويج المطلق الغير المقيّد بمدّة لا ينصرف إلّا إلى الدوام ، ولذا لو أوقع العقد كذلك لم ينصرف إلّا إلى ذلك ، كما هو المشهور وورد في الخبرين المفتي بهما (٢).

فقد ظهر بما ذكرناه أنّ الحكم بصحّة هذا العقد مشكل ، بل الحكم بالفساد أولى ، إلّا أنّ الأحوط أن لا يتزوّج الزوج أمّ البنت أبدا ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، لأنّ أمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، فاحتط.

تمّت الرسالة.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٧٥ الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٥٨ الباب ١٥٧ من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.


رسالة

في القرض بشرط المعاملة المحاباتيّة



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

اللهم امددني وأيّدني وسدّدني ووفّقني لما تحبّ وترضى بمحمّد وآله المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

أمّا بعد :

اعلم! أنّ جمعا من علماء هذا الزمان ـ أيّدهم الله تعالى ـ اعتقدوا حلّية القرض بشرط المعاملة المحاباتيّة ، ومرادي منها هنا أن يبيع المقرض من المقترض بأزيد من ثمن المثل أو يشري منه بأنقص منه ، أو يؤجر بأزيد من اجرة المثل ، أو يستأجر منه بأنقص منها ، أو يصالح كذلك ، أو يعاوض كذلك ، أو يملك منه عينا أو منفعة بعقد هبة أو غيره.

وادّعى بعضهم عدم الخلاف بين الشيعة في هذه الحلّية ، وأنّ الخلاف فيها من العامّة (١) ، وبهذا السبب شاعت هذه المعاملة وذاعت ، بحيث لا يرون فيها

__________________

(١) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ / ٣٩.


منعا ولا كراهة ، ولا ريبة ولا شبهة ، ولا يحتاطون أصلا ومطلقا ، وإن كان ديدنهم التجنّب عن الشبهة ، مثل أنّهم لا يشربون التتن في الصوم ، وإن كان الصوم مستحبّا ، وترك الشرب مضرّا في الجملة ، مع كون تركهم إيّاه في غاية المشقّة ، ويورث اختلال دماغ وتشويش ذهن بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من العبادات ، هذه وغيرها من الشبهات الّتي هي أدون منها شبهة ، وربّما كان الأمر فيها في غاية السهولة ، ولا يحتاطون في القرض المذكور ونفعه.

مع أنّ درهما من الربا أشدّ عند الله من سبعين زنية كلّها بذات محرم ـ مثل الامّ والأخت والخالة والعمّة ـ في جوف الكعبة (١). إلى غير ذلك من التهديدات البالغة والتخويفات الهائلة ، حتّى أنه تعالى في القرآن ما اكتفى بتحذير ، أو تحذيرين ، أو ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة ، أو ستّة ، بل الّذي عثرت عليه سبع آيات.

ومن تحذيراته فيها ، ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٢) ، ومنها ( وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٣) ، ومنها ( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ ) (٤).

وأمّا الّتي في السنة ، فهي أكثر من أن تحصى ، مثل ما ورد « من أكل الربا ملأ الله بطنه [ من ] نار جهنّم بقدر ما أكل ، وإن حصل منه بغير أكل ما قبل الله منه عملا ، ويكون دائما في لعنة الله والملائكة ما دام معه قيراط منه » (٥) ، وما ورد

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢١ الحديثين ٢٣٢٨١ و ٢٣٢٨٨.

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٩.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٤) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢٢ الحديث ٢٣٢٨٤ ، مع اختلاف يسير.


من أنّه « إذا أراد الله هلاك بلد أظهر فيه الربا » (١) ، وغير ذلك (٢) ، حتّى ورد أنّ الكاتب والشاهد والمعطي والمعطى شركاء في الملعونيّة ، وأنّ الله تعالى لعنهم (٣) ، وورد أنّ « للربا في هذه الأمّة [ دبيب ] (٤) أخفى من دبيب النمل » (٥) ، وورد أنّ الله تعالى قد عظّم أمر الربا وأكثر وبالغ لأجل حصول المعروف بين الناس ، وقرض الحسنة ، وبفتح هذا الباب انسدّ باب المعروف بالكلّية ، واندرس بالمرّة ، حتّى لا يوجد رسمه ولا يسمع اسمه (٦). إلى غير ذلك ، وستعرف بعضا آخر.

هذا ، مع أنّ فقهاءنا ـ رحمهم‌الله ـ بأجمعهم صرّحوا بأنّ القرض بشرط النفع حرام ، مطلقين للفظ النفع ، غير مقيّدين بما إذا لم تكن المعاملة محاباتيّة (٧) ، مثل البيع بغير ثمن المثل ، أو الإجارة كذلك ، أو غير ذلك ، مثل الهبة والعارية وغيرهما ، بل وخصّصوا الحلّية بصورة التبرّع ليس إلّا ، واتّفقت عباراتهم على هذا ، ولم تختلف مقالاتهم فيه أصلاورأسا (٨).

بل جمع منهم صرّحوا بعدم التقييد والتخصيص (٩) ، أو ظهر منهم ظهورا واضحا أنّ القرض بشرط تلك المعاملة حرام ، مثل : الشيخ في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢٣ الحديث ٢٣٢٨٦ ، وفيه : ( إذا أراد الله بقوم هلاكا ظهر فيهم الربا ).

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ١١٧ الباب ١ من أبواب الربا.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢٦ الباب ٤ من أبواب الربا.

(٤) أثبتناه من تهذيب الأحكام : ٧ / ٦ الحديث ١٦.

(٥) وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٨١ الحديث ٢٢٧٩٤.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ١١٨ الحديثين ٢٣٢٧٢ و ٢٣٢٨٠.

(٧) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ / ٣٩ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٦٠.

(٨) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ / ٣٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٦٧.

(٩) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ / ٣٨.


« الاستبصار » (١) وغيره أيضا ، والمحقّق في رسالته (٢) ، ويظهر ذلك منه من كلام العلّامة رحمه‌الله في « المختلف » (٣) أيضا.

ويظهر من غيرهم أيضا ، مثل الفقهاء والمحدّثين الّذين حملوا صحيحة يعقوب بن شعيب (٤) على الشرط ، وستعرف.

ويظهر أيضا من العلّامة في بعض كتبه ، مثل « التحرير » (٥) ، و « القواعد » (٦) ، و « المختلف » (٧) ، والشهيد في « الدروس » (٨) ، والفاضل المحقّق أبو طالب الحسيني في رسالته الفارسيّة في حرمة الربا صرّح فيها مكرّرا.

ويظهر من المحقّق الشيخ علي أيضا في شرحه على « القواعد » ، حيث يظهر منه موافقته للمصنّف (٩).

ويظهر من مولانا المقدّس الأردبيلي في « شرح الإرشاد » (١٠) ، والشيخ مفلح أيضا (١١).

ويظهر من الشروح المذكورة ، ومن الرسالة عدم كون ذلك خلافيّا ، إذ لو كان

__________________

(١) الاستبصار : ٣ / ٩ ذيل الحديث ٣.

(٢) لم نعثر عليها.

(٣) مختلف الشيعة : ٥ / ٣٩١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٠٤ الحديث ٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨ ، وستأتي في الصفحتين ٢٦١ و ٢٦٢ من هذا الكتاب.

(٥) تحرير الأحكام : ١ / ١٩٩.

(٦) قواعد الأحكام : ١ / ١٥٦.

(٧) مختلف الشيعة : ٥ / ٣٩١.

(٨) الدروس الشرعيّة : ٣ / ٣١٨.

(٩) جامع المقاصد : ٥ / ٢١.

(١٠) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ١١٠.

(١١) لم نعثر عليه.


خلافيّا لتعرّضوا له كما تعرّضوا لسائر الخلافات النادرة في ذلك المقام.

وبالجملة ، المطّلع على طريقتهم ، والمتأمّل في كلامهم يظهر له ما ذكرنا.

وممّا يدلّ عليه ، ما سنذكر من حمل الفقهاء صحيحة يعقوب بن شعيب على صورة الشرط.

وممّا يؤيّد أيضا ، أنّهم ذكروا الحيلة لجعل المدّة في القرض لازمة بأن تجعل شرطا في عقد لازم (١) ، ولم يتعرّض واحد منهم لذلك بالنسبة إلى النفع أصلا.

وممّا يؤيّد (٢) أيضا ، أنّ غير المصرّحين والمظهرين لم يذكروا لهم اصطلاحا في لفظ النفع في المقام ، ولم يشر إلى ذلك غيرهم أيضا ، بل لا شكّ في أنّهم ما غيّروا لغتهم فيه ولا أحدثوا اصطلاحا أصلا في ذلك ، مع أنّهم يسمّون المعاملة محاباة ، والمحاباة بعينها منفعة ، مع أنّهم في كتاب الربا يذكرون الحيلة ، وفي كتاب القرض اتّفقوا على الحكم بالتحريم مطلقا ، واستثنوا صورة التبرّع خاصّة ، من دون تعرّض إلى حيلة اخرى ، وذلك لأنّهم في حيلة الربا يشترطون أن لا تقع مشارطة فيها ، ولا يبقى سوى التبرّع.

وممّا يشهد ، أنّ المظهرين والمصرّحين في كتبهم المختصرة وافقوا غيرهم في الإطلاق المذكور ، فعلم أنّ مرادهم ما يطلق عليه لفظ النفع لغة وعرفا مطلقا ، لأنّ الأصل حمل اللفظ على حقيقته وحمل المطلق على إطلاقه ، سيّما كلام الفقيه في مقام فتواه ، إذ معلوم ـ حينئذ ـ أنّ مراده ما هو نفع عند الناس ، حيث ما ينبّه على خلاف ذلك ، خصوصا مع اتّفاق كلّهم في مقام الفتوى على الإطلاق إلّا قليلا منهم ، وذلك القليل أيضا صرّح بالعموم والشمول لتلك

__________________

(١) لاحظ! جامع المقاصد : ٥ / ٢٥ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٨٢ ، مفتاح الكرامة : ٥ / ٥٤.

(٢) في ألف ، ب : ( وممّا يدلّ ).


المعاملة ، والشرّاح صدر منهم ما صدر. إلى غير ذلك ممّا مرّ وسيجي‌ء (١).

ومعلوم ـ بعنوان اليقين ـ أنّ المعاملة المحاباتيّة نفع عند الناس ، فاستعلم الحال منهم ، ولا شكّ في أنّ ما يجعل الفلس ألف تومان أو آلاف تومان ـ مثلا ـ يكون نفعا ، فلو كان قرض مائة ألف تومان ـ مثلا ـ بشرط فلس يكون حراما ، لكون الفلس نفعا ، بل ونصف الفلس أو عشرة ، فكيف لو أقرض مائة ألف تومان بشرط أن يهب عشرين ألف تومان أو يشتري فلسا منه بعشرين ألف تومان أو أزيد لا يكون قرضا بشرط نفع بحسب العرف واللغة ، ويكون (٢) داخلا في القرض الخالي عن النفع مطلقا عند أهل العرف واللغة ، وأيّ عاقل يمكنه أن يقول هذا ويدّعيه ويجوّزه؟!

ومجرّد تسمية النفع بالهبة أو المحاباة لا يخرجه عن كونه نفعا ، ولا يمنع عن تسميته بالنفع ، إذ لا منافاة بين الإطلاقين والتسميتين ، بل النفع الحرام القطعي ربّما يكون له أسام أخر ، وأقلّه أنّه مأخوذ من مسلم بطيب نفسه ، أو إعطاء منه بطيب نفسه ، وورد : أنّ مال المسلم بطيب النفس منه حلال (٣) ، ولم يشترط في النفع الحرام أن لا يكون له اسم آخر وعبارة أخرى.

على أنّ القرض لم يقع بشرط نفس المعاملة ـ أي من حيث هي هي مع قطع النظر عن نفعها ـ بل بشرط نفعها ، فالشرط يرجع إلى القيد أو المقيّد مع القيد لا المقيّد فقط ، وهم قالوا : لو شرط النفع حرم ، أعمّ من أن يكون النفع منضما مع

__________________

(١) سيأتي في الصفحة ٢٦٠ من هذا الكتاب.

(٢) في ألف : ( بل يكون ).

(٣) لاحظ! عوالي اللئالي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٨ و ٢ / ١١٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩٩ الباب ٩ من أبواب السلف و ٢٥ / ٣٨٦ الحديث ٣٢١٩٠ ، وهو نقل للحديث بالمعنى ، حيث ورد في المصدر : ( لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه ).


شي‌ء أم لا ، وكذا (١) انضمام النفع الحرام القطعيّ بشي‌ء لا يجعله حلالا ، ولو كان الشرط راجعا إلى خصوص المقيّد من دون اعتبار القيد في الشرط أصلا يكون حلالا عند العلّامة (٢) ، وعندي ، لما حقّقته في حاشيتي على شرح مولانا الأردبيلي رحمه‌الله (٣).

نعم ، هو حرام ـ أيضا ـ عند من يقول بحرمة شرط مطلق المنفعة ، كما ستعرف.

وممّا يدلّ أيضا ، اتّفاقهم على أنّ الشرط في المعاملة جزء العوض (٤) ، فثمن دار ـ مثلا ـ لو كان عشرين تومانا بشرط هبة بستان معيّن أو مصالحة بدرهم ، أو شرائه به ، لم يكن الثمن مجرّد عشرين ، بل هو مع الشرط جميعا ثمن ، وهكذا الحال في النكاح والصلح وغيرهما ، حتّى أنّهم في الحيل الشرعيّة للتخلّص عن الربا صرّحوا بأن لا يجعل هبة الزائد وغيرها شرطا ، وعلّلوا بأنّ الشرط جزء العوض ، فيلزم المحذور (٥).

فإن كان مرادهم من الربا ما يشمل القرض بشرط المنفعة ، فهو صريح فيما ذكرنا ، وإلّا فهو أيضا كالصريح (٦) ، لاتّفاقهم جميعا في مبحث الربا على ذكر التخلّص المذكور ، واتّفاقهم جميعا في عدم الذكر في القرض ، بل ذكر المنع مطلقا ، وتخصيص الحلّية بصورة التبرّع فقط. إلى غير ذلك ممّا ذكر.

__________________

(١) في ألف ، ب : ( ولذا ).

(٢) قواعد الأحكام : ١ / ١٥٦.

(٣) حاشية مجمع الفائدة والبرهان : ٢٩١.

(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٥ / ٢٩٨ ، التنقيح الرائع : ٢ / ٧٣.

(٥) لاحظ! الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة : ٣ / ٤٤٤.

(٦) في ألف : ( كالتصريح ).


هذا ، مع أنّ الحلال واحد ، إذ لا وجه للزوم المحذور لو جعل شرطا هناك وعدم اللزوم هنا.

فإن قلت : ليس ها هنا قرض.

قلت : كيف لا يكون قرض؟ فإنّ الّذي يعطيه القرض يريد عوضه ، بل المشهور يقولون : لا يمكنه أخذ عين ماله وإن كانت موجودة (١) ، وغير المشهور ، وإن كان يجوّز ذلك (٢) ، إلّا أنّه يجعل طلب العين فسخ المعاملة ، من جهة أنّ المعاملة ليست بلازمة ، وذكروا صيغة القرض أنّه : أقرضك كذا ، أو : خذه وعليك ردّ عوضه ، أو : خذه بمثله ، فتدبّر.

على أنّك عرفت أنّ جمعا كثيرا من الفقهاء قالوا بأنّ القرض بشرط تلك المعاملة حرام (٣) ، فالباقون من الفقهاء إن كانوا مخالفين لهم في ذلك ، فكيف يمكنهم الحكم بحرمة شرط مطلق النفع من دون تقييد بعدم تلك المعاملة ولا تعرّض أصلا ، سيّما وأن يتّفقوا على ذلك ، وخصوصا بعد ملاحظة ما ذكرناه؟!

مع أنّهم ربّما يحكمون بحرمة اشتراط الرهن على دين آخر ، أو الكفيل أو الضامن أو الاستقراض أو البيع بثمن المثل ، وأمثال ذلك (٤) ، وهذا ينادي ببقاء الإطلاق في كلامهم على حاله ، وأنّه يشمل العقود ، لأنّ كلّ واحد من الكفالة والضمان وأمثالهما عقد ، فضلا عن البيع ، وينادي أيضا بأنّهم يحرّمون شرط تلك المعاملة أيضا ، بل بطريق أولى بمراتب.

مع أنّ الهبة وغيرها من العقود الجائزة لا تنحصر صيغتها في لفظ : وهبت

__________________

(١) لاحظ! كفاية الأحكام : ١٠٣.

(٢) لاحظ! كفاية الأحكام : ١٠٣.

(٣) راجع الصفحتين : ٢٤٣ و ٢٤٤ من هذا الكتاب.

(٤) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٣ / ٣١٩.


ـ مثلا ـ ، بل مثل : أعطيت ، وما أفاد مفاده أيضا هبة ، فلا يبقى ربا حرام (١) عند هؤلاء الأعلام ، بمقتضى ما يلزمهم من كلامهم.

وممّا يؤيّد الإطلاق ، أنّ المحقّق رحمه‌الله وبعض من وافقه لا يرضون بالمعاملة المحاباتيّة بشرط القرض ، كما سنذكر (٢) ، ومع ذلك في مبحث القرض يقولون : لو شرط النفع حرم ، فتأمّل جدّا.

فإن قلت : إنّ بعضهم ذكر من جملة الحيل في الربا ضمّ الضميمة (٣) ، فلم لا يجوز ذلك في القرض؟

قلت : ضمّها هناك لأجل الخروج عن المثليّة ، وفي المقام يحرم المثل وغير المثل لو كان زيادة ، مع أنّ الضميمة هناك تجعل جزء العوض الواحد في المعاملة الواحدة ، فالثمن ـ مثلا ـ عشر توأمين فضّة وفلس ، والمبيع عشرين تومانا فضّة ، فلو جعل الثمن عشر توأمين بشرط أن يعطي عشر توأمين أخر بإزاء فلس ، يكون حراما عندهم ، لأنّ المبيع ليس مجرّد عشر توأمين مطلقا ، بل مشروطا بمعاملة أخرى ، فيكون المجموع عوضا.

نعم ، لو جعل ذلك معاملتين في صيغة واحدة يجوز ذلك عندهم ، لو لم تكن إحداهما شرطا للأخرى ، ولا يتحقّق سفاهة أيضا ، إذ مع السفاهة تكون المعاملة باطلة ، وهذا يتحقّق في القرض أيضا ، ولو جعل كلّ واحد من العشر توأمين والفلس عوضا مستقلّا بإزاء عوض واحد وهو عشرون تومانا ، يكون هذا أيضا حراما عندهم ، لأنّ بناء هذا التقسيط بالنسبة إلى القيمة السوقيّة ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) في ج : ( فلا يبقى بها حرام ).

(٢) سيأتي في الصفحتين : ٢٨٦ و ٢٨٧ من هذا الكتاب.

(٣) لاحظ! الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة : ٣ / ٤٤١.


ثمَّ اعلم أنّ الحيلة الشرعيّة إنّما هو متحقّق بالنسبة إلى موضوعات الأحكام لا نفس الأحكام ، لأنّها على حسب ما حكم به الشارع ، فأيّ حيلة لنا فيها؟فالنفع المحرّم في القرض بحسب الشرع لو كان أعمّ من المعاملة المحاباتيّة فأيّ حيلة لنا فيه؟ والنفع لو كان مختصّا بغيره فكيف يكون المعاملة حيلة؟ بل هي أمر على حدة.

هذا ، وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ يحرّمون القرض المذكور ، ويؤكّد ذلك ـ أيضا ـ أنّ ديدنهم التعرّض للاحتمالات وإن كانت بعيدة ، والفروض وإن كانت نادرة ، بل ربّما كان مجرّد فرض الفقيه ، فكيف اتّفقوا غاية الاتّفاق في عدم التعرّض للقيد أصلا ، بل وإظهار خلاف ذلك ، سيّما بالنحو الّذي أشرنا.

وممّا يؤيّد ، أنّه وقع منهم اختلاف في بعض المواقع (١) ، وتصريح في الخلاف ، ولم يظهر بالنسبة إلى ما نحن فيه أصلا ، بل أظهروا خلاف ذلك ، فتدبّر.

فإن قلت : عبارة « الدروس » ظاهرة في عدم التحريم ، حيث نسب المنع إلى العلّامة.

قلت : ليس كذلك ، لأنّه بعد ما ذكر أنّ صيغة القرض : ( خذه بمثله ، أو عليك ردّ عوضه ) (٢) ، قال : لا يجوز اشتراط الزيادة في العين أو الصفة ، ربويّا كان أو غيره (٣) ، للنهي عن قرض جرّ منفعة ـ إلى قوله ـ : ولو شرط [ فيه ] رهنا على دين آخر أو كفيلا [ كذلك ] فللفاضل قولان ، أجودهما المنع ، وجوّز أن يشترط

__________________

(١) في ج : ( في بعض المنافع ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( وعليك ردّ عوضه ، أو خذه بمثله ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( سواء كان ربويّا أم لا ).


عليه إجارة أو بيعا أو إقراضا ، إلّا أن يشترط إجارة أو بيعا بدون (١) عوض المثل (٢). انتهى.

فإنّه نسب (٣) تجويز شرط البيع بثمن المثل ، وكذا الإجارة والإقراض إلى العلّامة ، فلو كان نسبة التجويز إليه دليلا على عدم ارتضائه ، فكيف لا يرضى به ويرضى باشتراط البيع والإجارة بدون عوض المثل؟ سيما مع حكمه بالمنع من اشتراط الرهن والكفيل على دين آخر تفريعا على عدم جواز اشتراط الزيادة المعلّل بالنهي عن قرض جرّ منفعة ، وخصوصا بعد أن ذكر الصيغة بما ذكر.

فربّما يظهر منه موافقته للمشهور ، من تحريم مطلق النفع وأنّ البيع بالمثل والإجارة كذلك والإقراض منفعة داخل في زيادة الصفة ، لكن العلّامة لا يجعل مثل ذلك داخلا فيه ، ويخصّص المنفعة المحرّمة بإحدى الزيادتين ، لكن الكلّ متّفقون على جواز اشتراط الرهن أو الضامن أو الكفيل على ذلك القرض ، وفي الحقيقة ليس شرطا زائدا ، بل هو استئناف رأس المال ، وحفظ العوض والمثل من التلف.

فإن قلت : الفقهاء وإن اتّفقوا على الحرمة ، لكن ليس اتّفاقهم حجّة ما لم يكشف عن دخول المعصوم عليه‌السلام ، أو عن قوله عليه‌السلام.

قلت : لهم أخبار كثيرة تدلّ على مطلوبهم.

منها :

الصحيح : « من أقرض [ رجلا ] ورقا فلا يشترط إلّا مثلها ، فإن جوزي بأجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترطه من

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( بيعا أو إجارة ).

(٢) الدروس الشرعيّة : ٣ / ٣١٩.

(٣) في ألف : ( وفيه أنّه نسب ).


أجل قرض ورقه » (١) ، فإنّه عليه‌السلام نهى عن كلّ شرط سوى شرط عوضه ، وأخذ مثله ، وحصر الشرط الجائز فيه فقط ، وأكّد ذلك بقوله : « فإن جوزي. إلى آخره » ، ثمَّ أكّد بقوله : « ولا يأخذ. إلى آخره » ، وغير خفي أنّ العارية من العقود والمعاملات ، فلا ينفع تسميته عارية ، كما ذكرنا.

ويؤكّد الدلالة ، ما ذكرنا من أنّ الشروط جزء العوضين ، بالتقريب الّذي مرّ.

على أنّه كيف يجوّز عاقل أنّه إذا أقرض ألف تومان بشرط أن يعطي فوق الألف عشر معشار فلس يكون شرطا زائدا على ما أقرض فيكون حراما وربا البتّة ، لكن إذا بدّل لفظ يعطي بلفظ يهب وأمثاله لا يكون شرطا زائدا أصلا ، وإن قال : أقرضت ألف تومان بشرط أن تهب خمسين ألف تومان زائدا على ألف تومان القرض الّذي أقرضت ، لا يكون ها هنا شرطا زائدا أصلا ورأسا ، ويكون القرض بشرط ردّ نفس ما أقرض خاليا عن شرط زائد بالمرّة؟!

وكذلك إن قال : أقرضت الألف بشرط أن تردّه عليّ وتهب لي بعد ذلك خمسين ألف تومان بإزاء فلس منّي يكون لك ، أو يقول : تشتري فلسا منّي بألف ألف تومان ، ويشترط (٢) ذلك في عقد القرض ، هذا وأمثاله ـ بل وأضعافه بمراتب ـ يكون جميع ذلك قرضا خاليا عن شرط زائد على شرط ردّ نفس مال القرض! فإنّ المجنون لا يرضى بذلك ، فضلا عن العاقل.

هذا ، مع ما عرفت من عدم الفرق بين لفظ يعطي ولفظ يهب ، لا عند الفقهاء ولا بحسب الواقع ، فيكون الربا عند هؤلاء مجرّد اللفظ ، والحرام محض حروف

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٠٣ الحديث ٤٥٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٤٠.

(٢) في ج : ( يشتري ).


كلمة : تعطي ، وتركيبها مثلا ، لا أخذ الزيادة المخصوصة من عين أو منفعة ، ومن البديهيّات أنّ الربا أمر معنوي ، وهو ذلك الأخذ.

ومنها :

صحيح آخر : « الرجل يستقرض الدراهم [ البيض ] عددا ، ويقضي سودا وزنا ، وقد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ ، وتطيب نفسه أن يجعل فضلها له ، قال : لا بأس إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها له كلّها صلح » (١) ، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم.

ويؤكّده ، عدوله عليه‌السلام عن عبارة « ما لم يشترط » إلى قوله : « ما لم يكن فيه شرط » ، سيّما بملاحظة ازدياد كلمة « فيه » ، وعدم الاقتصار على قوله عليه‌السلام ما لم يكن شرطا (٢) ، فتأمّل جدّا.

ويؤكّده أيضا ، التصريح بلفظ « الهبة » ، مع أنّها أيضا من المعاملات مثل البيع ، فلا ينفع التسمية بالهبة ، مع أنّ المعاملة لو كانت مصحّحة أو محلّلة ، فإن كانت بالشرط لكان المناسب أن يقول : ما لم يكن شرطا ومعاملة ، فالإخلال غير مناسب ، سيّما مع تعبيره بالنحو الّذي أشرنا.

ويؤكّده أيضا ، ما ذكرنا من أنّ الشروط من تتمّة العوض.

هذا ، وغير ذلك ممّا ذكرنا في الصحيحة الأولى ، فإنّ جميعه جار هنا في الأخبار الآتية أيضا ، إذ كيف يجوّز عاقل أنّه إذا قال : بشرط أن يعطي ، وما ماثله يكون شرطا ، وإن قال : بشرط أن تهب أو أن تهب بإزاء فلس أو ببيع كذلك ، لا يكون ها هنا شرطا أصلا ورأسا ، مع ما عرفت من عدم الفرق ، وأنّ الربا ليس

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٨٠ الحديث ٥١٥ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٠٠ الحديث ٤٤٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩١ الحديث ٢٣٤٦٤.

(٢) في ألف ، ج : ( شرط ).


مجرّد عبارة ، بل أمر معنوي ، وهو زيادة مخصوصة تؤخذ على سبيل التسلّط من جهة المشارطة ، وليس مخصوصا بهذه العبارات أيضا ، بل يجوز تعبيره بعبارات أخر ، مثل أن يقال : نوع من الاكتساب في الأيّام الجاهليّة ، أو ازدياد العوض بنحو معلوم معهود ، أو يحصل المال والمنفعة بالطريقة المخصوصة ، أو بالنهج المعروف. إلى غير ذلك؟! فتدبّر.

ومنها ،

صحيح آخر : « إذا أقرضت الدراهم ثمَّ أتاك بخير منها فلا بأس ، إذا لم يكن بينكما شرط » (١) ، والتقريب ما مرّ.

ومنها ،

صحيح آخر : « الرجل يستقرض [ من الرجل الدرهم ] فيردّ عليه المثقال .. فقال : إذا لم يكن شرط فلا بأس » (٢) ، والتقريب أيضا كما تقدّم.

وتنبّه لحكاية العدول عن عبارة « شرطا » المنصوب إلى الشرط المرفوع ، واتّفاق الأخبار ، مع كثرتها ووفورها ، وصحّة أكثرها في هذا العدول. وتنبّه ـ أيضا ـ لكون الشرط تتمّة العوض ، ولغير ذلك ممّا مرّ.

وقريب من الصحيحين ، الروايات المتعدّدة المرويّة عن إسحاق بن عمّار ، عن الكاظم عليه‌السلام بمتون مختلفة (٣) ، ويوجد غيرها أيضا.

__________________

(١) الكافي : ٥ / ٢٥٤ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٠١ الحديث ٤٤٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩١ الحديث ٢٣٤٦٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٨٠ الحديث ٨١٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٣ الحديث ٢٣٤٦٩.

(٣) لا حظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٤ الحديث ٢٣٨٣٢ و ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٤٢ و ٣٥٨ الحديث ٢٣٨٤٤.


ومنها :

معتبر آخر : « الرجل كانت لي عليه مائة درهم عددا قضانيها (١) وزنا ، قال : لا بأس ما لم يشترط ، وقال : جاء الربا من قبل الشروط ، إنّما يفسده الشروط » (٢) ، والجمع المحلّى باللام يفيد العموم ، مع أنّ في العدول عن المفرد إلى الجمع تنبيه واضح ، وإلّا فالشرط عندكم أمر واحد لا تعدّد فيه ، ولا يناسبه التعدّد.

وفي الحديث أيضا شهادة واضحة ، على أنّ المعيار وما به الاعتبار في تحقيق الربا وفساده إنّما هو الشرط ليس إلّا ، وهذا عين ما ذكره الفقهاء ، فتدبّر.

ومنها :

مارواه علي بن إبراهيم ـ في « تفسيره » ـ عن الصادق عليه‌السلام : « الربا رباءان :

أحدهما حلال ، والآخر حرام ، أمّا الحلال فهو : أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده ويعوّضه بأكثر ممّا أخذ بلا شرط بينهما ، فإن أعطاه أكثر بلا شرط فهو مباح له وليس له عند الله ثواب ، وأمّا الحرام فهو : أنّ الرجل يقرض ويشرط أن يردّ أكثر ممّا أخذه » (٣).

وفيه شهادة واضحة على أنّ المعيار إنّما هو الشرط ، وأنّ الربا هو مطلق الزيادة ـ كما سيجي‌ء ـ وأنّ الحلال ما هو بمحض الطمع ، وهذا هو الّذي عبّر الفقهاء بكونه من نيّتهما ، ويعبّر عنه بالداعي والسبب.

__________________

(١) في الكافي والتهذيب : ( قضانيها مائة درهم وزنا ) ، وفي الوسائل : ( قضانيها مائة وزنا ).

(٢) الكافي : ٥ / ٢٤٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ١١٢ الحديث ٤٨٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٠ الحديث ٢٣٤٦٣.

(٣) تفسير القمّي : ٢ / ١٥٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٠ الحديث ٢٣٣٨٩.


ولو كان بشرط المعاملة أيضا حلالا لما خصّص المعصوم عليه‌السلام الحلال بصورة الطمع ، سيّما مع كون نظر آكلي الربا إلى المشارطة ، لا يرضون بغيرها ، وخصوصا إذا لم يكن في المعاملة كراهة أيضا ، كما يظهر من هؤلاء الأعلام.

ومنها :

الخطبة المذكورة في « نهج البلاغة » : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا علي ، إنّ القوم سيفتنون بأموالهم ـ إلى أن قال ـ : يستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة ، والأهواء الساهية ، فيستحلّون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهديّة ، والربا بالبيع » (١).

وفي خبر آخر ، ذكره شرّاح « نهج البلاغة » : « إنّ القوم ستفتن من بعدي ، فيؤوّل القرآن ، ويعمل بالرأي ، ويستحلّ الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهديّة ، والربا بالبيع ، ويحرّف الكتاب عن مواضعه » (٢).

فلاحظ كلّ واحدة من الخطبتين من أوّلهما إلى آخرهما ، حتّى يحصل العلم لك بعدم إمكان التأويل بالحمل على الكراهة ، وعدم إمكان الحمل على التقيّة ، مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يتّقي ، سيّما في مثل ما نحن فيه.

وربّما يحصل العلم بصدورهما عن المعصوم عليه‌السلام ، بل الظاهر ذلك بعد ملاحظة الخطبة.

والدلالة في غاية الوضوح ، بل عند التأمّل يظهر أنّه الّذي حلّله هؤلاء الإعلام لا غير.

__________________

(١) نهج البلاغة ( بشرح محمد عبده ) : ٣٣٧ الخطبة ١٤٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٣ الحديث ٢٣٣٩٤.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٩ / ٢٠٦ الخطبة ١٥٧ ، وفيه : ( إنّ أمّتي ستفتن من بعدي ، فتتأوّل القرآن ، وتعمل بالرأي ، وتستحلّ الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهديّة ، والربا بالبيع ، وتحرّف الكتاب عن مواضعه. ).


وعلى تقدير العموم ، خرج منها الحلّية في الربا البيعي ، لمجرّد تصحيح المعاملة بالنصّ والوفاق.

مع أنّ الظاهر من قوله : « يحلّلون الربا بالبيع » أنّ هذا الربا من غير نوع البيع ، والبيع من غير نوع ذلك الربا ، مع أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « سيفتنون بأموالهم » ، قرينة على أنّ مقصودهم زيادة المال وتربيته ، لا مجرّد تصحيح المعاملة.

مضافا إلى أنّ الفرد المتعارف من الربا إنّما هو لزيادة المال ، بل في مقام المذمّة لا يتبادر إلّا ذلك.

ومنها :

ما رواه الفقهاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ كلّ قرض يجرّ منفعة فهو حرام » (١) ، وهذا من جملة الأحاديث الّتي رووها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معتقدين به ، معتمدين عليه ، نظير : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٢) ، وغيره ممّا كتبوا فيه أحكاما كثيرة ، معمولا بها من غير تأمّل.

ومن نهاية اهتمامهم واعتمادهم على هذا الحديث أنّهم ربّما لا يستدلّون على حرمة شرط المنفعة في القرض إلّا به ، ولا يذكرون مستندا سواه ، ويعبّرون [ عن ] الحرام بقرض يجرّ المنفعة (٣) ، ومنفعة القرض ، على وجه يظهر أنّ اعتمادهم في الحقيقة عليه ، يقولون : يحرم شرط النفع ، ويعلّلون بورود النهي عن قرض يجرّ المنفعة (٤) ، فلاحظ.

__________________

(١) لاحظ! السنن الكبرى للبيهقي : ٥ / ٣٥٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٦١.

(٢) عوالي اللئالي : ١ / ٣٨٩ الحديث ٢٢ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٨٠٢ الحديث ٢٤٠٠.

(٣) لاحظ! التنقيح الرائع : ٢ / ١٥٤.

(٤) لاحظ! الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة : ٤ / ١٣.


فالضعف منجبر بعمل الأصحاب ، على قياس الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة المرويّة بطريق العامّة (١) ، أو الزيديّة ، أو الفطحيّة ، أو غير ذلك ، مع أنّه يظهر من الأحاديث الصحيحة ما يشير إلى صحّة هذه الرواية ، كما ستعرف.

فما في بعض الأخبار أنّ راويا قال لهم عليهم‌السلام : « إنّ من عندنا يروون أنّ كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد ، فأجابوا عليهم‌السلام (٢) أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة؟! » (٣) ، لا يظهر منه أنّ مرادهم عليهم‌السلام تكذيب الراوي ، بل المراد تخطئة فهمه ، وما يفهم من ظاهره من حيث أنّه مقيّد بالشرط ، كما أثبتناه مشروحا في حاشيتنا على « شرح الإرشاد » للمولى المقدّس الأردبيلي رضى الله عنه (٤).

ومنها :

صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن الصادق عليه‌السلام : « عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينارا ، ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير .. قال : لا يصلح ، إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح. قال : وسألته عن رجل يأتي حريفه وخليطه فيستقرض منه [ الدنانير ] فيقرضه ، فلو لا أن يخالطه ويحارفه ويصيب عليه لم يقرضه ، فقال : إن كان معروفا بينهما فلا بأس ، وإن كان إنّما يقرضه من أجل أنّه يصيب عليه فلا يصلح » (٥).

ولا يخفى أنّ السؤال ليس عن حكم القرض على حدة وحكم السلم على حدة ، وإلّا لأجاب المعصوم عليه‌السلام عنهما [ كلّ ] على حدة ، مع أنّه ما أجاب عن حال

__________________

(١) في ب : ( بطرق العامّة ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فقال ).

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٤ الحديث ٢٣٨٣٣.

(٤) حاشية مجمع الفائدة والبرهان : ٣١٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٠٤ الحديث ٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.


السلم أصلا ، وأمّا القرض فما أجاب فيه غير أنّه « إذا كان يجرّ نفعا فلا يصلح » ، وفيه شهادة واضحة على أنّ السؤال كان عن حكم القرض لأجل السلم.

ويشهد أيضا ، باقي الحديث ، فظاهر أنّ السؤال كان عن صحّة المعاملة وفسادها بقرينة الجواب ، حيث قال : « إذا كان يجرّ نفعا فلا يصلح » ، والصلاح لغة مقابل للفساد ، مع أنّ المقام (١) من المعاملات ، ولذا فهم الكلّ من الحديث الحرمة والفساد ، ولذا حملوه على الشرط وغيره.

ويؤكّد الدلالة ، تكرير قوله : « لا يصلح » ، لأنّ الظاهر من العبارة الإشارة إلى ما اشتهر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ قرض جرّ منفعة فهو فاسد » (٢) كما سمعت ، وأنّ الظاهر أنّ السائلين في أمثال هذا المقام ليس سؤالهم عن معرفة تحقّق خصوص الكراهة ، فالجواب بالنحو المذكور مريدا خصوص الكراهة فيه ما فيه.

وربّما يؤيّد أيضا آخر الحديث ، حيث قال الراوي : « ولو لا أن يصيب عليه لم يقرضه » ، فأجاب عليه‌السلام عن ذلك بعنوان التفصيل : « إن كان معروفا بينهما » يعني الّذي سألت ، ويمكن أن يكون المراد أنّه إن كان الّذي سألت مجرّد المعروفيّة والمعهوديّة بينهما « فلا بأس ، وإن كان إنّما يقرضه من أجل. إلى آخره » ، فيكون المراد أزيد من المعهوديّة ، وهو الاطمئنان ، فيكون ظاهره الشرط.

وربّما يقوّيه حصر كلمة « إنّما » في قوله : « إنّما يقرضه » ، فتأمّل.

مع أنّه يظهر من الأخبار أنّ المحرّم هو الشرط (٣) ، فتأمّل.

__________________

(١) في النسخ : ( من أنّ المقام ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٣ / ٤٠٩ الحديث ١٥٧٤٥ ، وفيه ( فهو ربا ) ، السنن الكبرى للبيهقي : ٥ / ٣٥٠.

(٣) راجع الصفحتين : ٢٥٢ ـ ٢٥٦ من هذا الكتاب.


ثمَّ إنّ الفقهاء لمّا رأوا دلالته على الحرمة والفساد مطلقا من غير قيد الاشتراط ، توجّهوا إلى الحمل.

فمنهم : من حمل على الاشتراط فقط ، كمولانا الأردبيلي رضى الله عنه (١).

ومنهم : من حمل على الشرط تارة ، وعلى الكراهة أخرى ، كالشيخ (٢) ومن تبعه (٣).

ومنهم : من زاد على الحملين التقيّة أيضا ، كبعض مقاربي عصرنا (٤).

فالكل اتّفقوا على الحمل على الشرط ، وهذا ينادي بأعلى ، صوته على أنّ الشرط عندهم حرام.

ثمَّ إنّ هذا الحمل أولى من الحمل على الكراهة والتقيّة ، لأنّه تخصيص ، وما من عام إلّا وقد خصّ ، ومؤيّد بما ذكرنا من وجوه التأكيد في الدلالة على الحرمة.

ويؤيّده أيضا ، أنّ الغالب من حال السائلين السؤال عن الشرط والتسلّط ، لا مجرّد التبرّع ، ولذا أجاب المعصوم عليه‌السلام بأنّه فاسد ، مع أنّ البناء على كون السؤال عن خصوص غير الشرط فيه ما فيه.

مع أنّ الحمل على الكراهة يقتضي التخصيص أيضا ، أي التخصيص بغير صورة الشرط ، لما عرفت من اتّفاقهم على حرمة الشرط.

وأيضا ، الحمل على الشرط غير مختصّ بهذا الحديث ، بل لعلّ نظيره مكرّر ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٦٤.

(٢) الاستبصار : ٣ / ١٠ الحديث ٢٧.

(٣) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٣٠٩.

(٤) الوافي : ١٨ / ٦٥٩ الحديث ١٨٠٦٠ ، الحدائق الناضرة : ٢٠ / ١١٤.


وأيضا ، ورد أخبار كثيرة في أنّ الفارق بين الحلال والحرام هو الشرط ليس إلّا (١) ، والحمل على التقيّة طرح للخبر لا يرتكب مهما أمكن ، مع أنّ التأكيدات الّتي في الخبر لا تلائم التقيّة ، فتأمّل.

مع أنّه ربّما يظهر من « نهج البلاغة » عدم التقيّة في ذلك (٢) ، مع أنّ فقهاءنا ما نقلوا عن العامّة سوى أنّهم يجعلون العادة بمنزلة الشرط ، وهذا ظاهر في عدم المخالفة بين الخاصّة والعامّة في المقام ، فتأمّل جدّا.

ومنها :

ما رواه الصدوق في « الفقيه » ـ مع ضمانه صحّة ما فيه (٣) ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « يا أيّها الناس الفقه ثمَّ المتجر ، الفقه ثمَّ المتجر ، الفقه ثمَّ المتجر ، فإنّ للربا في هذه الأمّة دبيبا أخفى من دبيب النملة » (٤).

وغير خفي أنّ الربا عند هؤلاء الأعلام حرمته منحصرة فيما هو ضروري الدين ، يعرفه جميع المسلمين ، بل وغيرهم من أهل العرف واللغة ، لأنّه من المعاملات كالبيع والهبة ، فلذا كانوا يقولون ( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) (٥) ، فإنّ هؤلاء الأعلام بمجرّد تزوير وحيلة للخروج عمّا هو حرام بالبديهة ، يحكمون بعدم الحرمة البتّة.

وأين هذا من الخفاء ، بل وكونه أخفى من دبيب النملة ، ومن الحثّ الشديد ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٠ الأحاديث ٢٣٤٦٣ و ٢٣٤٦٤ و ٢٣٤٦٥ و ٢٣٤٦٩.

(٢) نهج البلاغة ـ المطبوع ضمن المعجم المفهرس الألفاظ نهج البلاغة ـ : ٨٢ الخطبة ١٥٦.

(٣) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٢١ الحديث ٥١٩ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٨١ الحديث ٢٢٧٩٤ ، وفيه : ( يا معشر التجّار ، الفقه ثمَّ المتجر ، الفقه ثمَّ المتجر ، الفقه ثمَّ المتجر ، والله للربا في هذه الأمّة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا. ).

(٥) البقرة (٢) : ٢٧٥.


والتأكيد والتشديد في معرفة مخايلة الدقيقة ، والاحتراز عن غوائله الخفيّة ، الّتي لا تكاد تحسّ وتدرك كما لا تحسّ دبيب النملة.

وبالجملة ، الربا عند الشارع أخفى من دبيب النملة ، وعند هؤلاء أجلي وأظهر من الشمس ، والحرام شرعا في غاية الخفاء ، بنصّ سيّد الأوصياء ، وعند هؤلاء متى ما عرض أدنى شائبة من الخفاء يكون حلالا البتّة ، بل متى ما توهّم أدنى شائبة منه يصير حلالا بلا ريبة.

بل مئال أمرهم عند التحقيق إلى تحليل الربا وتحريم مجرّد لفظ وعبارة ، كما عرفت ، إذ من البديهيّات على جهّال الكفّار ـ فضلا عن عقلاء المسلمين ـ أنّ الربا أمر معنوي ، زيادة مخصوصة من العين أو المنفعة ونموّ في المال على سبيل المشارطة والسلطنة ، لا أنّه عبارة : أعطني ، أو تعطني ، أو تزيد لي ، وأمثال هذه ، وأنّه لو بدّل العبارة بعبارة : تهب لي ، أو تعوّضني أو تعطي بإزاء الفلس أو أقلّ منه كذا وكذا ، يصير حلالا ، مع كون الزيادة في الصورتين على حدّ سواء.

مع ما عرفت من عدم تفاوت أصلا بين العبارات المذكورة بالنسبة إلى [ ما هو ] ثابت من الأخبار وكلام الأخيار ، مضافا إلى ما مرّ من النصوص الصريحة ، والظاهرة في عدم التفاوت.

والشروط الّتي هم اعتبروها في تحقّق الربا لا تزيد عمّا به يتميّز الربا عن غيره لغة وعرفا ، ولو سلّم زيادتها ، فلا تزيد عمّا هو ضروري الدين ، ولو سلّم زيادتها فظاهر أنّها أشهر وأعرف من سائر شروط التجارة ، وهو عليه‌السلام في مقام التأكيد في معرفة التجارة.

ولو فرض أنّها ليست بأعرف وأشهر ، فمعلوم أنّ في معرفتها يكفي أدنى إشارة ، لكونها في غاية القرب من الفهم ، ونهاية سهولة المعرفة.


وأين هذا من كونها أخفى من دبيب النملة؟!

نعم ، الرياء الّذي هو الشرك بالله تعالى جعل شريكا للربا في العلّة المذكورة.

فاللازم على هؤلاء الأعلام أن يسلكوا في الربا والتجنّب عن أخذ الزيادة في المال مسلكهم في الرياء الّذي هو الشرك بالله تعالى ، وما أراهم يرتكبون الحيل لتصحيح الرياء ـ الّذي هو الشرك الخفي ـ واستحلالها مقدار ذرّة ، ولا عشر معشار رأس شعرة بالقياس إلى ما يرتكبونها في استحلال الربا وأخذ الزيادة.

وهل يكفي في استحلال الشرك بالله تعالى مجرّد شائبة تغيّر التسمية الّتي توهّموها في الربا ، أم لا بد من الاجتناب عن دبيبة الّذي هو أخفى من دبيب النملة؟!

وأعجب من هذا أنّهم لا يجعلون حيلهم من الشبهات أيضا ، بل يصرّحون بأنّه لا شبهة لنا أصلا ، ويجتنبون عن الشبهات مثل شرب التتن في الصوم ، و [ ما هو ] أضعف منه شبهة ، ولا مبالاة لهم في الحيل الّتي يرتكبونها أصلا وبوجه من الوجوه ، مع أنّك رأيت الفتاوى وعرفت أدلّتهم وستعرف أيضا ، وسمعت عظم الخطر ، وشدّة الضرر ، وستعرف أيضا.

ومنها :

ما ورد في أخبار كثيرة معتبرة أنّ الله تعالى حرّم الربا ، وعظّم أمر الربا ، وأكثر من ذكره والتهديد والتخويف ، لأجل تحقّق المعروف ، وقرض الحسنة (١).

وهؤلاء الأعلام بتصحيحهم حيلهم وارتكابهم إيّاها ، ونشرها بين

__________________

(١) راجع الصفحة : ٢٤٣ من هذا الكتاب.


المسلمين سدّوا باب ما أراد الله فتحه وبالغ وأكثر فيها ، وفتحوا الباب الّذي أراد الله سدّه وبالغ وأكثر في المبالغة ، ويقتضي فتحه سدّ ذلك الباب بالمرّة واندراس المعروف وقرض الحسنة بالكلّية إلى أن لا يسمع الاسم ، ولا يوجد الرسم (١).

ومع ذلك فتحوا باب الحيلة وسهّلوها في نظر العالمين ، وأشاعوها بينهم ، إلى أن صار المدار في الأعصار والأمصار عليها ، من دون تفاوت عندهم بينها وبين غيرها من المباحات ، مع أنّه تعالى مسخ طائفة من بني إسرائيل بارتكابهم الحيلة في صيد البحر ، وقال تعالى ( فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) ، والمراد ب ( لِما بَيْنَ يَدَيْها ) الجماعة الموجودون في ذلك الزمان ، وب ( ما خَلْفَها ) الجماعة الآتون بعدهم إلى يوم القيامة.

ومن عجائب الاتّفاقات أنّي لمّا أوردت الاعتراض على بعض المحلّلين بهذه الحيل حين استدلاله بقوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) بأنّه تعالى قال أيضا ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) ، فمن أين ظهر دخول ما ذكرت في الأوّل دون الثاني؟! دعاه ذلك إلى أن يلاحظ قول المفسّرين ، فأخذ القرآن لينظر أنّ الآية في أيّ موضع ، فأوّل ما فتح القرآن وقع نظره على حكاية بني إسرائيل واستحلالهم الصيد ، وما صار عليهم من النكال ، وأنّه نكال غيرهم إلى يوم القيامة ، تغيّر وجه ذلك الفاضل واضطرب ، وشرع في الاستغفار ، ثمَّ ذكر بعد ذلك بمدة أنّه رجع عن اعتقاده ، وحكم بفساد هذه الحيلة.

ومن عظم خطر هذه الحيل ـ مضافا إلى ما مضى ويأتي ـ أنّ كثيرا من

__________________

(١) في ألف : ( إلى أن يسمع الاسم ولا يوجد الرسم ).

(٢) البقرة (٢) : ٦٦.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.


المواضع المباحة منع الشرع عنها بسبب التشبّه بالربا ، بل وربّما أكّد إلى أن قال الفقهاء بحرمته.

والموضع الّذي لا شبهة فيه ولا شباهة ، مثل إعطاء الزيادة من دون شرط ولا نيّة ولا عادة أصلا كره الشرع أخذها ، بل وربّما أمر بعد الأخذ باحتسابها من أصل الدين (١) ، والعلّامة في « التذكرة » صرّح ـ في الحيلة الّتي هم يصحّحوها بلا تأمّل ـ أنّه لا يرتكب هذه الحيلة إلّا لضرورة (٢) ، وتبعه في ذلك مولانا المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله (٣).

ومن حزازة (٤) هذه الحيل ما هو مشاهد محسوس مجرّب من أنّ المستقرض بها لا يفلح أبدا [ ويبقى ] دائما في القرض ، وإن بذل جهده في الأداء ، بل ودينه في الزيادة إلى أن يذهب ملكه ومستقلّاته مثل الدار والبستان وغيره من يده ، أمّا مرهونة أو مبيعة ، وكان في بلدي جمع بهذه الحالة فمنعتهم ، فمن سمع قولي جاءني بعد مدّة قليلة يشكر الله تعالى على أداء جميع ديونه ، وشراء الدار والدكان وأمتعة الدكّان وغير ذلك ، مصرّحا بأنّه من سماع قولي متيقّنا بذلك. وأمّا المقرضون ، وإن كانوا من أوّل أمرهم يحصل لهم ، إلّا أنّهم يعرض أموالهم وأنفسهم حوادث تذهب ما لهم ، ودائما في الخسارات وتذهب منهم البركة ، وربّما صاروا فقراء [ من ] أهل السؤال. هذا على حسب حالهم في السعادة والشقاوة ، كلّما كانوا أحسن حالا كانت الحوادث إليهم أسرع ، بل البلد الّذي تشيع فيه هذه الحيل تشيع فيه

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٢ الحديث ٢٣٨٣٠.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٨٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤٨٨.

(٤) في ألف ، ب : ( ومن حقارة ).


تلك الحوادث ، ولذا شاعت في البلدان في هذه الأزمان إلى أن خربت ، ومرّ في الحديث أنّه « إذا أراد الله تعالى هلاك بلد أظهر فيه الربا » (١).

انظر يا أخي إلى ما ذكرنا من صدر الرسالة إلى هاهنا ، وما سنذكر أيضا ، وأمعن النظر حتّى يتّضح لك أنّه تعالى في غاية التشديد في أمر الربا ، ونهاية الاهتمام في تركه والاحتراز عنه ، وإن كان مجهولا ، بل ولو كان خفيّا غاية الخفاء ، لا أنّه يسعى في استحلاله ويرتكب الحيل في ذلك مهما أمكن من توهّم شائبة خفاء ، بل وبمجرّد تبديل عبارة ، وإن لم يكن في العبارات فرق بالنسبة إلى المانع والمقتضي الثابتين من الأدلّة وكلام الفقهاء الأجلّاء.

أصلح الله تعالى أحوالنا بمحمّد وآله الطاهرين.

ومنها :

ما رواه الشيخ بسنده عن الصادق عليه‌السلام : « الرجل يبيع البيع ، والبائع يعلم أنّه لا يسوى ، والمشتري يعلم أنّه لا يسوى إلّا أنّه يعلم أنّه سيرجع [ فيه ] ، فيشتريه منه؟ قال : فقال عليه‌السلام : [ يا يونس ] إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجابر [ بن عبد الله ] : كيف أنتم إذا أورثتم الذلّ (٢)؟ فقال [ له ] جابر : لا أبقيت (٣) إلى ذلك الزمان ، [ و ] متى يكون ذلك [ بأبي أنت وأمّي ]؟ قال : إذا ظهر الربا ، [ يا يونس ] وهذا الربا ، فإن لم تشتره يردّه عليه (٤)؟ قلت : نعم ، قال : فلا تقربنّه » (٥).

__________________

(١) راجع الصفحة : ٢٤٣ من هذا الكتاب.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( كيف أنت إذا ظهر الجور وأورثهم الذلّ ).

(٣) في وسائل الشيعة : ( لا بقيت ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فإن لم تشتره منه ردّه عليك ).

(٥) تهذيب الأحكام : ٧ / ١٩ الحديث ٨٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٢ الحديث ٢٣٠٩٥.


وهذا الحديث موافق لما ذكرنا من « نهج البلاغة » من وقوع هذه الحيل بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أعدائه المحدثين في الدين ، والخبر محمول على صورة الشرط ، لما سبق ، ولما في الأخبار المتعدّدة في خصوص المقام ، مثل :

ما رواه الحميري بسنده إلى الكاظم عليه‌السلام : « عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ، ثمَّ اشتراه بخمسة [ دراهم ، أيحلّ؟ ] قال : إذا لم يشترط ورضيه (١) فلا بأس » (٢).

وما رواه الكليني رحمه‌الله والشيخ بسندهما إلى الصادق عليه‌السلام : « يجيئني الرجل فيطلب العينة ، فأشتري له المتاع مرابحة ثمَّ أبيعه إيّاه ، ثمَّ أشتريه منه مكاني ، فقال : إن كان (٣) بالخيار ، إن شاء باع وإن شاء لم يبع ، وكنت أنت بالخيار ، إن شئت اشتريت ، وإن شئت لم تشتر ، فلا بأس » (٤).

وظاهر أنّ المراد عدم تحقّق مشارطة.

ثمَّ اعلم يا أخي هذا القدر الّذي عثرت عليه من الأخبار التي تصلح لكونها مستند الفقهاء ، وأمّا غير الأخبار ـ ممّا دلّ على قولهم ـ فهو أيضا كثير ، سنشير إلى طائفة منها.

فإن قلت : لا تأمّل في دخول محلّ النزاع في الأخبار الّتي تدلّ على التحريم ، وفي دلالة بعضها على حرمته بالخصوص ، أو ظهوره فيها ، لكن عموم ما دلّ على حلّية العقود وصحّتها يشمله أيضا ، وخصوص بعض الأخبار أيضا

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( ورضيا ).

(٢) قرب الإسناد : ١١٤ الحديث ١٠٦٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( إذا كان ).

(٤) الكافي : ٥ / ٢٠٢ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٥١ الحديث ٢٢٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٤١ الحديث ٢٣٠٩٤.


يدلّ عليها بالخصوص ، فما وجه ترجيح ما دلّ على الحرمة ، مع أنّ الأصل الإباحة؟!

قلت : أمّا ما دلّ على الحلّ بالخصوص فسيجي‌ء فيه الكلام مشروحا ، وأمّا الجواب عن العموم :

فأوّلا : بالنقض ، بالقرض بشرط النفع الّذي لا يكون عقدا ، لأنّه داخل في عموم ما دلّ على حلّية مال المسلم وغيره إذا كان بطيب نفسه ، وعن تراض ، وأمثال ذلك.

فإن قلت : خرج هذا بالدليل.

قلت : المخرج ليس إلّا الأخبار وكلام الفقهاء ، إذ ليس في القرآن إلّا أنّ الربا حرام ، وأمّا أنّه ليس بعقد فلا. وأمّا العقل ، فلا شكّ في أنّه لا فرق عنده بين عبارة وعبارة ، مع أنّ أثرهما واحد.

وأمّا الأخبار ، فقد عرفت الحال فيها ، وكذا كلام الفقهاء ، وأنت سلّمت ، وأمّا غير الفقهاء فإمّا يقولون بعدم التفاوت وأنّه حيلة غير مؤثرة ، بل الحيلة عندهم فسخ مطلقا ، وتراهم يستهزئون ويضحكون ، وإمّا يقولون : لا نعرف الحال ، ويسكتون ويقولون : الفقهاء يعرفون ، فإن كان فيهم من يقول بالصحّة ، فإنّما هو بنقله وبتقليدهم هؤلاء الأعلام بلا شبهة.

وثانيا : بالحلّ ، وهو أنّ ما دلّ على صحّة العقود يدلّ على صحّتها بأنفسها ومن حيث هي هي ، لا أنّه إذا عرفها من الخارج ما حرّمها وأدخلها في الأدلّة الدالّة على التحريم وأفتى بها الفقهاء يكون حلالا أيضا.

وأيضا ، هذه الأخبار بالنظر إلى العمومات الدالّة على صحّة العقود خاص بالبديهة ، وإذا تعارض العام والخاص فالخاص مقدّم وفاقا ، وبرهن عليه


أيضا ، وبناء هؤلاء الأعلام على ذلك في الفقه.

هذا ، مضافا إلى مرجّحات كثيرة غاية الكثرة لجانب الحرمة ، قد عرفت البعض وستعرف البعض ، بل وربّما يحصل منها الجزم واليقين ، بل وإنّ هؤلاء لا يحرّمون الربا الّذي هو أمر معنوي وطلب زيادة مال أو منفعة ، على سبيل التسلّط من جهة المشارطة ، بل لا يحرّمون إلّا لفظا وعبارة ، مع ما عرفت من عدم الفرق بين الألفاظ والعبارات أيضا أصلا ورأسا.

وإن قلت : لم لا يجوز أن يكون اشتراط المعاملة حراما ، وأمّا نفس المعاملة فتكون حلالا؟

قلت : إن أردت أنّ المرتكب يعذّب عذابا واحدا لا أنّه يعذّب ثلاث عذابات ، أحدها بإزاء القرض ، والثاني بإزاء الشرط ، والثالث بإزاء المبيع ، مثلا.

فالأمر على ما ذكرت ، إلّا أنّ العذاب من يطيقه؟! سيّما وأن يكون درهم منه أشدّ عند الله من سبعين زنية بذات محرم في جوف الكعبة! مع أنّ الحيلة إنّما هي للخلاص من العذاب.

وإن أردت أنّ المعاملة تكون صحيحة بناء على أنّ النهي وقع من خارج المعاملة.

ففيه ، أنّ الحقّ أنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، وإن وقع في نفس المعاملة ، لكن الإجماع ـ بل الضرورة من الدين ـ على الفساد في الربا ، وضروري الدين أنّ نفع القرض إن كان حراما يكون ربا ، ويظهر من الأخبار أيضا ، فلا حظ وتأمّل.

مع أنّ الكلام في أنّ هؤلاء الأعلام يستحلّون القرض بشرط المنفعة إذا كانت


عقدا أو معاوضة.

هذا ، مع أنّ الكلام في صحّة هذه المعاملة ، أو عدم صحّتها سيجي‌ء ، فانتظر.

وأمّا ما دلّ على فتوى الفقهاء من غير جهة الخبر :

فمنها :

ما استدلّ به لما ذهب إليه فقهاؤنا ـ سوى العلّامة ـ من عدم اختصاص الربا بالبيع والقرض ، بل هو جار في جميع المعاملات أيضا ، من أنّه لو كان مختصّا بهما لما وقع آكلو الربا في الضيق الشديد ، وما صاروا معرضا للوعيد والتهديد ، وما خالفوا الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع ما في المخالفة من خطر الدنيا والآخرة ، ولما بقوا على مخالفتهم إلى أن نزل فيهم ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (١) ، وغير ذلك ، إذ غرضهم ما كان إلّا تحصيل المنفعة من دون مضايقة في حصولها من المصالحة أو الهبة أو القرض أو المبايعة وغير ذلك.

والحاصل ، أنّ امّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم ، كانوا مشغوفين بأكل الربا ، حريصين عليه على عاداتهم الجاهليّة ، فلمّا أنزل حرمة الربا فمنهم من أطاع الله ، أو خوفا منه ، أو خوفا من مؤاخذة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على تفاوت حالاتهم.

وكان الترك شاقّا عليهم ، حتّى أن بعضهم من شدّة المشقّة ما ترك أصلا ، وما أطاع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع كونه من أمّته واختياره إطاعته في جميع الأمور ، واختار عظيم خطر المؤاخذة الدنيويّة والعقوبة الأخرويّة على تلك المشقّة إلى أن نزل فيهم ما نزل.

ومع ذلك بقي جمع من الأمّة على التمرّد والعصيان ، في البلدان والأزمان ، إلى هذا الزمان ، فلو كان أهل الصدر الأوّل ـ الّذين هم المخاطبون في التكليفات ،

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٩.


والحاضرون في مجلس التهديدات والتخويفات ـ كانوا يفهمون اختصاص الربا بخصوص البيع أو القرض ، وعدم التعدّي إلى غيرهما من المعاملات ، فلم كان المطيع يرفع يده بالمرّة ، والعاصي يلقي بيده إلى التهلكة وخزي الدنيا والآخرة ، مع أنّ غرضهما لم يكن إلّا زيادة المال وتحصيل المنفعة؟! وليس في هذا الغرض تفاوت أصلا وبالمرّة بين البيع والقرض ، وبين غيرهما مثل الصلح والهبة ، والمسائل الشرعيّة كلّها مبنيّة على انسداد طريق وانفتاح طريق ، ولم يسدّ أحد الطريق المفتوح بسبب انسداد طريق آخر في تلك المسائل ، فكيف في هذه المسألة؟!

مع ما قد عرفت (١) من شدّة مشقّة الترك وإلقاء النفس إلى التهلكة ، ولا يرتكب السفهاء والبلهاء مثل ذلك ، فضلا عن العقلاء.

مع أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رحمة للعالمين ، عزيز عليه مشقّة أمّته ، حريص عليهم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم (٢).

مع أنّه كان مبعوثا لتبليغ أحكام الشرع وتكميل دينه المتين في الخلق ، فلم ما بيّن وما أمرهم بأن يبدّلوا لفظا بلفظ ويستريحوا من شرّ الدنيا والآخرة ، مع بقاء غرضهم بعينه من دون تفاوت أصلا؟!

فكان اللازم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ ويبالغ ولا يقنع ، ولا يتركهم في مضائقهم الجارية ، بل المشعرة بعدم المبالاة بالدين ، والاستخفاف المشير إلى الكفر ، لأنّه بلا تفاوت أصلا بفعل الحرام ، بل ربّما كانت معاملاتهم باطلة من جهة سفاهتهم.

ولو كانوا تركوا الطريق الممنوع ، وأقبلوا إلى الطريق المفتوح ، وهجموا إلى

__________________

(١) في ب : ( مع أنّك عرفت ) ، وفي ج : ( مع ما عرفت ).

(٢) إشارة إلى الآية : ١٢٨ من سورة التوبة (٩).


تحصيل الزيادة بمثل الهبة والمصالحة لشاع وذاع ، على حدّ نظائره من المسائل الشرعيّة ، بل الأمر فيما نحن فيه أشدّ ، لما عرفت من شدّة الرغبة ونهاية المشقّة ، مع رغبة المستقرضين لاحتياجهم ، وتشابه أجزاء الزمان ، وبني نوع الإنسان.

هذا حال استدلالهم على تعميهم الربا في المعاملات.

وأنت لو تأمّلت وجدت أنّ هذا الدليل كما يدلّ على ذلك التعميم يدلّ ـ أيضا ـ على بطلان الحيل الّتي يرتكبها هؤلاء الأعلام ، بل ودلالته أشدّ وأظهر ، لوجود الخلاف في ذلك بين المسلمين ، وعدم وجدان خلاف هاهنا ، فأيّ عاقل يرضى بأن يقول : أقرضك ألف تومان على أن تعطيني تومانا زائدا ، أو بشرط أن تعطيني عشر معشار فلس ، ويعرّض نفسه لهلكات الدنيا والآخرة ، ولا يرضى أن يقول : أن تهب لي تومانا ، موضع : تعطيني تومانا ، وليس فيه حزازة أصلا لا في الدنيا ولا في الآخرة ـ كما توهّم ـ بل ولا يرضى أن يقول موضع تعطيني تومانا : تهب لي مائة تومان أو ألف تومان ، أو يقول تهب لي ألف تومان بإزاء فلس تأخذ منّي.

والشاهدون أعرف بالخطاب من الغائبين ، أتظنّ أنّهم بأجمعهم كانوا عشّاق لفظ ( تعطيني ) أو ما ماثله؟! كلّا ، بل وكانوا محبّين للمال ، وعرض الدنيا من دون تعب في تحصيله ، ولا خوف في تلف أو خسران ، لأنّ التجارة لا تخلو من التعب وخوف الخسارة ، ومع ذلك لا شكّ في أنّ الله تعالى أشفق على عباده منكم ، وكذلك رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّهما يحبّان اليسر والتوسعة في الدين والسهولة والسماحة ، فلم أبقيا العباد في الضيق والشدّة ، وما أرشداهم إلى طريقة التخلّص والحيلة ، وتركاهم عاصين متمرّدين ، وفي الطغيان متمادين؟!


وأعجب من ذلك أنّه تعالى منع عن الحيلة ، بل وجعل مرتكبيها قردة خاسئين ، وجعل ذلك نكالا للعالمين ، وموعظة للمتّقين ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرّح بالمنع عن استحلال الربا بالبيع ، وأخبر بأنّه سيحدث ذلك من المبتدعين في الدين. إلى غير ذلك ممّا مرّ.

وظهر عن الأئمّة عليهم‌السلام أيضا ما ظهر من حرمة اشتراط ما زاد على مثل الّذي أقرض أيّ شرط يكون ، بل وحرمة اشتراط الهبة والعارية والبيع المحاباتية ، وغير ذلك ممّا مرّ.

والفقهاء أيضا ظهر منهم ما ظهر ، والشواهد أيضا قد كثرت على ذلك ، على حسب ما مرّ الإشارة إلى بعض منها ، وسيجي‌ء أيضا ، وربّما يحصل من ملاحظتها القطع ، بل وأنّ هؤلاء استحلّوا الربا وحرّموا بعض الألفاظ والعبارات.

هذا ، وإن كان ورد عنهم عليهم‌السلام بعض ما لعلّه ظاهر في التجويز أيضا ، إلّا أنّك ستعرف ما فيه.

مضافا إلى أنّ أحدا من الفقهاء لم يفت بالجواز ، بل اتّفقوا على المنع ، وأنّ المراد من ذلك الخبر غير ما نحن فيه ، كما ستعرف.

فلو كان الربا مختصّا بالمنفعة الّتي لا تكون معاملة ، لصار الأمر من الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وفقهائهم بخلاف ما ذكره البتّة ، وكذلك صار المسلمون في الأعصار والأمصار يرتكبون على قياس ما ذكر في جريان الربا في غير البيع والقرض.

وأمّا الحيلة لمجرّد تصحيح المعاملة ـ لا لتحصيل الزيادة ـ فهي ممّا لا يرغب إليها آكلو الربا ، لأنّ غرضهم من الربا تحصيل الزيادة في المال ، وقد عرفت


أنّ الحيلة المصحّحة لتحصيل الزيادة منحصرة في عدم الشرط عند الفقهاء ، والبناء على عدم الشرط ووكول الأمر إلى المستقرض ـ بحيث إنّه إن كان يريد أن يعطي وإلّا فلا شي‌ء ـ لا يرضى به الآكلون.

فظهر أنّ في مثل المقام يشكل الاستناد إلى ظاهر أخبار الآحاد ، سيّما وأن تكون قاصرة سندا ودلالة ، ومعارضة لأخبار وأدلّة كثيرة تكون مفتى بها بين الفقهاء ، بل ولعلّه يحصل اليقين ، وتلك الظواهر مهجورة عندهم لو كانت تلك الظواهر متحقّقة ، وسيجي‌ء الكلام.

ومنها :

أنّ تلك المعاملة لم يثبت بعد صحّتها ، وكونها حيلة شرعيّة فرع ثبوت الصحّة من دليل شرعي ، لأنّ الصحّة حكم شرعي ، لأنّها عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي ، فما لم يثبت من دليل شرعيّ فالأصل عدمها حتّى يثبت.

وما يقول الفقهاء [ من ] أنّ الأصل الصحّة ، مرادهم من الأصل عموم دليل شرعي أو قاعدة شرعيّة ثابتة من دليل شرعي ، وإلّا فلا شكّ في أنّ الأصل عدم الحكم الشرعي حتّى يثبت بدليل شرعي.

وأمّا الدليل.

أمّا الإجماع :

فهو في المقام مفقود قطعا ، لو لم نقل بالإجماع على عدم الصحّة.

وأمّا الكتاب :

فهو مثل قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١).

وفيه ، أنّه وإن قال ذلك ، إلّا أنّه قال أيضا ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٢).

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٦.

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.


وورد أيضا أنّ القرض بشرط المنفعة حرام ، كما مرّ.

فما نحن فيه من أين ظهر دخوله في الأوّل ، وعدم دخوله في الثاني والثالث؟!

فإن قلت : دخوله في الأوّل معلوم ، وفي الأخيرين مشكوك فيه.

قلت : إن أردت أنّ المراد بالبيع المعنى اللغوي ، فالربا أيضا لغة مطلق الزيادة ، وقد ذكرنا عن تفسير علي بن إبراهيم ما يؤكّد ذلك ، وكذا يظهر من موارد الاستعمالات ، مثل قوله تعالى ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) (١) ، وغير ذلك.

وأمّا القرض بشرط المنفعة : فهو أظهر دلالة ، وكذا : لا يشترط إلّا مثل ورقه (٢) ، وغير ذلك ممّا مرّ.

فإن قلت : الربا اللغوي ليس بحرام قطعا.

قلت : البيع اللغوي أيضا ليس بحلال قطعا.

فإن قلت : مقتضى العموم حلّية كلّ بيع لغوي ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.

قلت : فكذلك الحال في الربا ، مع أنّ شمول العموم للفروض النادرة محلّ كلام ، وكون ما نحن فيه من الصور المتعارفة في زمان نزول الآية محلّ كلام ، بل الظاهر عدمه.

فإن قلت : الفقهاء عرّفوا البيع بكذا وكذا ، وهو شامل له.

قلت : فكلامهم في منفعة القرض أيضا شامل ، بل وصرّح بعضهم ، وقد

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٤٠ ، وقد مرّ ذكره في الصفحة ٢٥١ من هذا الكتاب.


سبق الكلام في ذلك ، مع أنّكم لا تعتبرون تعريف الفقهاء أصلا ، ولا ترجعون اللفظ إليه مطلقا ، ولذا تؤاخذونهم في كلّ قيد بإثباته بدليل وتنكرون اعتباره لو لم تجدوا دليلا ، ومنه اعتبار الصيغة المعهودة عندهم.

وبالجملة ، كلّ شي‌ء يقولون في ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) نقول في ( حَرَّمَ الرِّبا ).

وأمّا السنّة :

فقد عرفت الأخبار الصحاح الكثيرة والمعتبرة الوافرة وغيرها ، وأنّها تقتضي البطلان ، وقد عرفت أنّها المفتي بمضمونها.

وعلى تقدير تسليم أن يكون هذه الأخبار يعارضها أخبار أخر وتقاومها أيضا ، غاية الأمر التصادم ، فمن أين ثبت الصحّة؟!

وأمّا الأصول :

فقد عرفت أنّ الأصل عدم الصحّة ، وعدم انتقال الملك من المستقرض ، وعدم دخوله في ملك المقرض ، وعدم تسلّط المقرض ، وبقاء الملك المقترض ، وهو العوض الّذي يعطي.

وأمّا أصل البراءة :

فلا يعارض دليلا وإن كان الدليل هو الأصل ، وكذا لا يثبت صحّة ، مع أنّ الأصل براءة ذمّة المقترض من لزوم إعطاء الزيادة ، مع أنّ الكلام في صحّة هذه المعاملة والاحتياج إلى الحيلة وكون الأخذ والإعطاء بسبب هذه الحيلة ، فتدبّر.

ومنها :

ما أشرنا سابقا من أنّ الحيلة لا تتحقّق إلّا في موضوعات الأحكام لا نفسها ، وهذا بديهي.


فإن كان الحرام شرعا أعمّ من العقد والمعاملة ، فكيف يمكن الإخراج؟

وإن كان مختصّا بما ليس بعقد أو معاملة ، فلم سمّيتموه بالحيلة؟ ولا شبهة في أنّها حيلة ، ولا يمكن إنكار ذلك ، ولا يرضى بالإنكار أحد من المتشرّعة ، ولا أحد من غيرهم من العقلاء وأهل العرف ، وليس ذلك إلّا من ظهور أمر عليهم.

والعام المخصّص لا يمكن أن يقال : الخاص بالنسبة إلى عامّة حيلة ، مثلا : لا يمكن أن يقال : طهارة غسالة الاستنجاء أو القليل من المطر أو الجاري حيلة بالنسبة إلى ما دلّ على انفعال القليل ، وعلى هذا الحال أوّل الفقه إلى آخره ، بل وأوضح ، ومع ذلك هؤلاء يقولون : ما دلّ على حرمة النفع لا شمول له للمعاملة والعقد من أوّل الأمر ، بل من أوّل الأمر مخصوص بغير العقد ، فكيف يصير العقد حيلة؟!

ومنها :

ما أشرنا من عدم الفرق بين عبارة الهبة والعطيّة والنحلة والتبرّع ، وغير ذلك ممّا دلّ على نقل الملك لا بعنوان اللزوم ، وكذا مثل بيع خمسين ألفا بفلس يقتضي النقل بعنوان اللزوم ، لأنّ جميع ما ذكر نفع لغة وعرفا ، وواقعا وقع القرض بشرطه ، فيكون حراما بمقتضى الأدلّة السابقة وكلام الفقهاء.

فإن قلت : الفرق أنّه [ إذا ] قال : أقرضت بشرط هبة كذا ، يكون معناه أنّه لا يكون بإزاء القرض ، لأنّ شرط ما هو بإزاء القرض حرام ، وكذا الحال في البيع ، بأن يكون خمسين ألف بإزاء الفلس لا بإزاء القرض.

قلت : لو صحّ ما ذكرت لم يحتج إلى حيلة ، بل يكفي أن أقرضك بشرط أن تعطي كذا لا بإزاء القرض مع أنّه معلوم يقينا أنّه لا يهب إلّا بإزاء ولا يعطي


الخمسين ألف تومان إلّا بإزاء القرض ، ولو لا القرض لم يعط نصف فلس ، مع أنّه لو أعطى خمسين بإزاء فلس لكان سفيها قطعا ، ومعاملته باطلة جزما ، ولا يخرجه عن السفاهة إلّا كون ذلك بإزاء القرض ، مع أنّه في العقد أيضا يقول : ليس قرضي إلّا بهذا الشرط ، والمستقرض قبل كذلك ، ووقع المشارطة كذلك ، فيكون بإزاء القرض قطعا ، سيّما مع ما عرفت من أنّ الشروط في العقود أجزاء العوضين ، مع أنّ العقود ليس إلّا شروطا ، فالعقد فيه تدافع واضح ، بل في الحقيقة بإزاء القرض.

نعم ، ما يساوي فلسا لعلّه بإزاء الفلس ، والباقي ليس بإزائه جزما ، بل بإزاء القرض قطعا كما عرفت ، على أنّك عرفت من كلام الفقهاء ومن الأخبار أنّ القرض بشرط مطلق النفع حرام ، سواء كان عقدا أو معاوضة وسواء كان نفع عقد أو معاوضة ، إذا كان النفع جزء الشرط أو نفس الشرط.

أمّا إذا شرط به العقد لا بشرط المحاباة والنفع ، ثمَّ حصل النفع من العقد ، فهو حلال عندي وعند من يقول : الحرام زيادة المال والنفع ، أمّا عند من يقول بحرمة كلّ نفع يكون هذا أيضا حراما عنده ، بعد كونه نفعا لغة وعرفا.

ومنها :

ما أشرنا من أنّ الله مسخ أصحاب السبت وجعله نكالا لما بين يديها وما خلفها ، مع أنّ حيلتهم كانت أحسن من حيلتكم ، كما لا يخفى.

وأيضا ، أشرنا [ إلى ] أنّ الله تعالى منع أمورا كثيرة بشباهتها بالربا ، بل وربّما حرّم ، وأين هذا من نقلكم (١)؟ هذا وغير ذلك ممّا أشرت وسنشير أيضا.

استدلّ هؤلاء الأعلام على الحيلة والصحّة ، بالأصل والعمومات ، مثل :

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعلّ الصواب : ( وأين هذا من حيلكم ).


( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) ، وقد عرفت الجواب ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٣).

والجواب ، أنّ المقترض إن أعطى بطيب النفس ، فلا حاجة إلى الحيلة ، فلا فائدة فيها أصلا ، وإلّا فلا وجه للتمسّك بمثل هذه الأخبار ، إذ مقتضاها أنّ الإنسان ما دام المال ماله ، له أن يتصرّف فيه بالطرق الشرعيّة ، لا أنّ له (٤) أن ينقله عن ملكه بغير النواقل الشرعيّة.

فإن قلت : يعطي من طيب النفس ، لكن لمّا كان حراما لكونه نفع القرض يرتكب حيلة لإخراجه عن نفع القرض وإدخاله في نفع البيع.

قلت : فلا بدّ من ثبوت مقدّمتين حتّى يتأتّى لك هذه الحيلة :

الاولى : أنّ نفع القرض الحرام مختصّ بغير المعاملة ، وأنّى لك بإثباته؟! بل قد مرّ ما يظهر منه عدم الاختصاص.

والثانية : ثبوت صحّة هذه الحيلة والمعاملة من دليل شرعي ، وقد عرفت ـ آنفا ـ الإشكال فيه.

واستدلّوا أيضا ، بالأخبار ، مثل :

ما رواه محمّد بن إسحاق بن عمّار : « قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّ سلسبيل طلبت منّي مائة ألف درهم على أن تربحني عشرة آلاف درهم ، فأقرضها تسعين ألف وأبيعها ثوب وشي‌ء (٥) تقوّم بألف درهم بعشرة آلاف

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٦.

(٢) عوالي اللئالي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٩ ، و ٤٥٧ الحديث ١٩٨ و ٢ / ١٣٨ الحديث ٣٨٣ ، و ٣ / ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٣) عوالي اللئالي : ٢ / ١١٣ الحديث ٣٠٩.

(٤) في النسخ : ( لأنّ له ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٥) في النسخ : ( وأبيعها شيئا ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.


درهم؟ قال : لا بأس » (١)

وفي رواية أخرى : « لا بأس [ به ] ، أعطها مائة ألف وبعها الثوب بعشرة آلاف ، واكتب عليها كتابين » (٢)

وعن سليمان الديلمي ، عن رجل كتب إلى العبد الصالح عليه‌السلام : « إنّي أعامل قوما أبيعهم الدقيق ، أربح عليهم في القفيز درهمين إلى أجل معلوم ، وأنّهم سألوني أن أعطيهم عن نصف الدقيق دراهم ، فهل من حيلة لا أدخل في الحرام؟ فكتب عليه‌السلام [ إليه ] : أقرضهم الدراهم قرضا وازدد عليهم في نصف القفيز بقدر ما كنت تربح عليهم » (٣).

وما رواه محمّد بن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : يكون لي على الرجل دين (٤) فيقول : أخّرني بها وأنا أربحك ، فأبيعه جبّة تقوّم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم [ أو قال : بعشرين ألفا ] وأؤخّره بالمال ، قال : « لا بأس » (٥).

وما رواه مسعدة بن صدقة ، عن الصادق عليه‌السلام : « عن رجل له مال على رجل من قبل عينة [ عيّنها إيّاه ] ، فلمّا حلّ عليه [ المال ] لم يكن عنده ما يعطيه ، [ فأراد أن يقلب عليه ويربح ] ، أيبيعه لؤلؤا [ أو غير ذلك ما ] يسوى مائة درهم بألف درهم ويؤخّره؟ قال : لا بأس [ بذلك ] ، قد فعل [ ذلك ]

__________________

(١) الكافي ٥ / ٢٠٥ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الحديث ٢٣١٢٥.

(٢) الكافي : ٥ / ٢٠٥ ذيل الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الحديث ٢٣١٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٥ الحديث ١٩٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٦ الحديث ٢٣١٣١.

(٤) كذا ، وفي المصادر : ( دراهم ).

(٥) الكافي : ٥ / ٢٠٥ الحديث ١١ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٥٢ الحديث ٢٢٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٥ الحديث ٢٣١٢٨.


أبي عليه‌السلام (١) وأمرني أن أفعل ذلك في شي‌ء كان عليه » (٢).

وما رواه عبد الملك بن عتبة ، قال : « سألته عن الرجل يريد أن أعينه المال ، أو يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب منّي مالا أزيده على مالي الّذي لي عليه ، أيستقيم أن أزيده مالا وأزيده (٣) لؤلؤة [ تسوى ] مائة درهم بألف درهم فأقول : أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخّرك بثمنها وبما لي عليك كذا وكذا شهرا؟ قال : لا بأس » (٤).

والجواب عن هذه الأخبار

أمّا مجملا :

فبأنّها مشتركة ـ جميعا ـ في القصور من حيث السند ، وهو تعالى منع عن العمل بخبر غير العادل ، كما يظهر من الآية (٥) ، والأخبار (٦) ، وإجماع الشيعة في الأعصار والأمصار ، ونقل ذلك الإجماع الشيخ (٧) وغيره ، وحقّق في محلّه.

وخبر غير العادل إنّما يكون حجّة إذا انجبر بالشهرة أو ما ماثلها ، وهنا الأمر بالعكس ، بل وأشدّ ، وفي مقام التعارض أمرنا الأئمة عليهم‌السلام بالأخذ برواية الأعدل (٨) ، لا برواية غير العادل وترك أخبار العدول.

__________________

(١) في المصدر : ( رضي‌الله‌عنه ).

(٢) الكافي : ٥ / ٣١٦ الحديث ٤٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الحديث ٢٣١٢٧.

(٣) كذا ، وفي المصادر : ( وأبيعه ).

(٤) الكافي : ٥ / ٢٠٦ الحديث ١٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٥٢ الحديث ٢٢٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٥ الحديث ٢٣١٢٩.

(٥) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣٨ الحديث ٣٣٤١٩ و ١٤٤ الحديث ٣٣٤٣٨ و ١٤٧ الحديث ٣٣٤٤٨ و ١٤٩ الحديث ٣٣٤٥٥.

(٧) عدّة الأصول : ١ / ٣٤١.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.


وأيضا ، الخبر إذا كان مخالفا للمشتهر بين الأصحاب أمرونا بتركه ، والعمل بما اشتهر (١).

وأيضا ، الخبر إذا لم يوافق ظاهر القرآن أمرونا بترك العمل به (٢) ، وهو تعالى في ستّة آيات أو سبعة هدّد على أكل الربا.

وقد عرفت أنّ الربا أمر معنوي ، لا أنّه لفظ وعبارة ، وعرفت ظهورها في حرمة كلّ منفعة مشروطة ، كما كان دأب الفقهاء واللغة والعرف ، وعند آكلي الربا.

وأيضا ، أمرونا بترك الخبر الّذي يخالف العقل والدريّة (٣) ، كما حقّق في محلّه ، وقد عرفت حال الربا.

وأمّا العامّة ، فلم يظهر [ منهم ] المخالفة للشيعة ، كما عرفت هذا.

وسيجي‌ء بعض جوابات (٤) أخر.

ومع ذلك ، كلّها مشترك في القصور من حيث الدلالة ، كما ستعرف.

ومع ذلك معارضة لما هو أكثر عددا وأصحّ سندا وأقوى دلالة ، وهو المفتي به بين الفقهاء ، والمعتضد بأدلة أخرى ، على حسب ما مرّ مفصّلا.

وغير خفي أنّ مسألة من مسائل الفقه لم تسلم عن تعارض الأخبار والأدلّة ، بل مسائل أصول الدين أيضا ، بل ورد الآيات والأخبار الظاهرة في الجبر والتشبيه ، وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ، فلا يحسن الأخذ بمجرّد ما يظنّ من

__________________

(١) لاحظ! عوالي اللئالي : ٤ / ١٣٣ الحديث ٢٢٩.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٩ الأحاديث ١ ـ ٥.

(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١ الأحاديث ١٢ و ١٣ و ٢١ و ١٨٤ الحديثين ٤ و ٥ و ٢٠٦ الحديثين ٩٧ و ٩٨ و ٢٠٨ الحديث ١٠١.

(٤) في ج : ( بعض حزازات ).


بعض الأخبار ، سيّما أن يكون ضعيفا سندا ودلالة.

وعلى تقدير تسليم الدلالة ، فيكون مهجورا عند الفقهاء ، ومع ذلك يعارضه ما هو أقوى منه بمراتب شتّى ، مع أنّ المسائل الفقهيّة مبنيّة على مرجّح واحد ، فكيف ما نحن فيه لا ينفع فيه المرجّحات ، مع أنّ من المرجّحات فتوى الفقهاء ، سيّما واتّفاقهم في الفتوى؟! ألا ترى أنّ هؤلاء الأعلام وغيرهم يحكمون بأنّ رضاع يوم وليلة ـ مثلا ـ يحرم ، وليس دليله سوى خبر غير صحيح موافق لمذهب العامّة أو أوفق بمذهبهم (١).

وما ورد من أنّه لا يحرم ما لم يكن [ في ال ] حولين (٢) صحيح ، متعدّد ، مخالف لمذهب العامّة ، ومع ذلك لا يفتون به ، وكذا الحال في غالب الفقه ، وغير خفي أنّ المنشأ هو فتوى الفقهاء ، فكيف لا يعتبر في المقام؟ سيّما مع الانضمام بمرجّحات أخر كثيرة كلّ واحد منها يعتبرونه في الفقه على حدة على حدة ، ويبنون الأمر عليه ، بل عرفت أنّ الأمر يؤول إلى العلم بعد التأمّل الصادق.

وأعجب من هذا أنّهم في غير المقام ، وإن رجّحوا حكما إلّا أنّهم يحتاطون احتياطا تامّا ـ كشرب التتن في الصوم وغيره ـ وفي المقام لا يحتاطون أصلا ، ولا يبالون مطلقا ، مع عظم خطره وشدّة ضرره ، بل قد عرفت أنّه مع عدم الترجيح في المقام لا يمكن الحكم بالصحّة ، فكيف مع المرجّحات الكثيرة في جانب الفساد يحكمون بالصحّة البتّة من دون شائبة تأمّل أو احتياط أو تجنّب عن شبهة؟!

وممّا يضعّف دلالة هذه الأخبار ، أنّ المحدّثين من الأخباريّين أيضا فهموا من

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ / ٣١٥ الحديث ١٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٧ الحديث ٢٥٨٦٠.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٨٦ الحديثين ٢٥٨٩٧ و ٢٥٨٩٩.


هذه الأخبار عكس ما نحن فيه ، وهو ارتكاب المعاملة بشرط القرض ، وهذا حلال عند العلّامة وكثير ممّن وافقه ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

قال المحدّث الماهر الشيخ محمّد الحرّ رحمه‌الله في « الوسائل » : باب أنّه يجوز أن يبيع الشي‌ء بأضعاف قيمته ويشترط قرضا أو تأجيل دين ، ثمَّ أتى بهذه الأخبار (١).

وأمّا الجواب مفصّلا :

فلأنّ رواية سلسبيل ـ مع ضعفها ـ ليس فيها دلالة على تحقّق الشرط من طرف المقرض ، إذ لم يزد فيها على أن قال : « فأقرضها سبعين ، وأبيعها شيئا » (٢) ، فلو كان شرطا كان يقول : أقرضها بشرط أن أبيع ، مع أنّه أيضا غير مناسب ، بل المناسب أن يقول : أقرضها كذا بشرط أن تقبل منّي شيئا أو أن تشتري منّي كذا بكذا ، كما لا يخفى.

وربّما كان قوله عليه‌السلام : « واكتب عليها كتابين » (٣) كناية عن جعلها معاملتين ، كلّ واحدة منهما برأسه من دون أن يكون الثاني شرطا في الأوّل.

وربّما يؤيّد ذلك أيضا ما يظهر [ من ] أنّ سلسبيل كانت تعطي بلا مضايقة ، بل كان الإعطاء بالتماس منها لا بسبب شرط المقرض الّذي كانت تريد أن تعطي [ إيّاه ] ربح معاملة (٤) ، لأنّه قال : على أن تربحني ، والربح ظاهر فيه ، ولذا قال : فأقرضها وأبيعها كذا وكذا ، واختيار البيع لأجل اللزوم والاستحكام ، وعدم الاختيار في الرجوع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الباب ٩ من أبواب أحكام العقود.

(٢) في المصدر : ( فأقرضها تسعين وأبيعها ثوب وشي‌ء ).

(٣) الكافي : ٥ / ٢٠٥ الحديث ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٤) في ب : ( لا بسبب شرط المقرض الّذي يريد أن يعطي ربح معاملة ).


نعم ، يظهر منها كون الإقراض بطمع الربح ، ولا مانع منه ، بل المانع عند الفقهاء كونه بشرط الربح ، وقد مرّ ما نقلناه عن تفسير علي بن إبراهيم ، وسيجي‌ء الفرق بين الطمع والشرط.

وقوله : « على أن تربحني » أيضا غير ظاهر في الشرط ، بل الظاهر منه التطميع ، أو أعمّ منه ومن الشرط ، والعام لا يدلّ على الخاص.

وعلى تقدير تسليم دلالته على الشرط ، فهو من طرف المستقرض لا المقرض.

قال الفاضل المحقّق أبو طالب الحسيني في رسالته الفارسية في حرمة الربا ما هذا لفظه (١) : ( يعني پنج تومان قرض مى‌دهند ، ودستمالى كه پنجاه دينار ارزش دارد به يك تومان مى‌فروشند ، ومقترض پنج تومان مى‌گيرد ، ودستمال را مى‌خرد به مبلغ مزبور ، وشش تومان سند مى‌نويسد ، اين خوب است ، واگر گويد : پنج تومان بتو قرض مى‌دهم به شرط آنكه دستمال مرا به يك تومان بخرى وأو قبول كند ، ربا حكمي وحرام است.

وهمچنين اگر گويد مبلغ يك تومان قرض مى‌دهم به تو بشرطى كه منافع فلان ملك با من صلح كنى به ده دينار فلوس ، ونيز قبول كند جائز نيست ، به جهت آنكه رباى حكمي است ، واما اگر گويد : مصالحه كردم منافع فلان

__________________

(١) ويمكن توضيح معناه هكذا : ( أي يقرضون خمسة توأمين ، ويبيعون منديلا قيمته خمسون دينارا بتومان واحد ، والمستقرض يأخذ خمسة توأمين ويكتبون هذا العقد في السند ـ ورقة المعاهدة ـ باحتساب سعر المنديل ستّة توأمين ، هذا جيّد لا بأس به. وإن قال له : أقرضك خمسة توأمين بشرط أن تشتري منديلي بتومان واحد وقبل ، فيكون ربا حكميا وهو حرام. وهكذا إن قال له : أقرضك تومانا واحدا بشرط أن تصالحني على منافع الملك الفلاني بعشرة دنانير وقبل ، فهو أيضا حرام ، لأنّه ربا حكمي. وأمّا إذا قال له : صالحتك على منافع الملك الفلاني سنة واحدة بعشرة دنانير بشرط أن تقرضني تومانا واحدا وأجله سنة واحدة ، وقبل وأقرضه بدون أي شرط فهو جيد لا بأس به ).


ملك را با تو مدت يك سال بده دينار بشرط آنكه مبلغ يك تومان قرض دهى به وعده يك سال بعد از آن مبلغ قرض را دهد بوعده مزبوره وشرطي نكند خوب است ) (١).

فتأمّل فيما ذكره ، حتّى يتّضح لك الحال ، فإنّه رحمه‌الله ذكر أربع مسائل :

الأولى : وفاقيّة ، وهي حيلة صحيحة عند جميع الفقهاء (٢) ، لعدم الشرط (٣).

والثانية : أيضا وفاقيّة.

وكذا الثالثة.

وقد ذكر في رسالته مضمون هاتين المسألتين ، وحكمه بالحرمة مكرّرا متكثّرا ، وهذا هو الّذي ذكرنا اتّفاق الأصحاب على حرمته ، ومحلّ النزاع بيني وبين هؤلاء الأعلام.

وأمّا المسألة الرابعة : فهي محلّ النزاع بين المحقّق (٤) ، والعلّامة (٥) ومن وافقه حتّى الشيخ الحرّ رحمه‌الله (٦).

وذكرنا أنّهم يفهمون من هذه الأخبار هذه الصورة.

ويظهر من كلام السيّد المذكور أنّ شرط المقرض في هذه الصورة أيضا حرام ، فتأمّل ، حتّى تجد أنّ رواية سلسبيل ظاهرة إمّا في هذه الصورة أو في

__________________

(١) لم نعثر عليها.

(٢) في ج : ( عند جميع فقهائنا ).

(٣) حكم المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله بحرمة جميع الحيل المذكورة في الفقه إلّا للمضطرّ ، واستظهره من كلام التذكرة أيضا. لا حظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤٨٨.

(٤) لاحظ! شرائع الإسلام : ٢ / ٤٧.

(٥) لاحظ! مختلف الشيعة : ٥ / ٣٠٠.

(٦) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الباب ٩ من أبواب أحكام العقود.


الصورة الأولى الوفاقيّة ، لا في الثانية الوفاقيّة ، فكيف يمكن لهؤلاء الأعلام الاستدلال بها على بطلان فتوى الفقهاء ، والمعارضة بها لأدلّتهم الكثيرة الصحيحة الواضحة ظاهرة الدلالة؟! فضلا عن أن يقدّموا هذه الرواية على جميع أدلّتهم ، ويرجّحوها عليها.

وكذا الحال في رواية الديلمي ، مع أنّ في سندها ضعفا زائدا ، إذ بعد التأمّل يظهر لك أنّ حالها حال رواية سلسبيل ، وأنّه عليه‌السلام قال : « أقرضهم [ الدراهم ] قرضا وازدد عليهم. إلى آخره » (١) ، ولم يقل : أقرضهم بشرط أن تزداد ، مع أنّ المناسب أن يقول : بشرط أن يشتري المستقرض كذا وكذا ، كما مرّ.

والمتبادر من لفظ الإقراض على الإطلاق لعلّه هو الإتيان بنفس القرض من حيث هو هو ، من دون التعدّي إلى معاملة أخرى ، كما هو الحال في جميع المعاملات.

فلذا من وكلّ غيره بفعل معاملة يكون مأذونا في خصوص تلك المعاملة ، أمّا التعدّي إلى معاملة أخرى فلا ، وإن كان بعنوان الشرط في تلك المعاملة كما لا يخفى.

فمن قال لوكيله : أقرض أو استقرض لي لم يكن للوكيل سوى نفس الإقراض أو بحت الإقراض ، لا أنّه يشترط معاملة أخرى أيضا.

ويؤكّد ما ذكرنا ، تأكيده عليه‌السلام بقرضه قرضا.

وممّا ذكر يظهر حال قوله : « وازدد عليهم. إلى آخره ».

وربّما يؤيّده ، أنّه عليه‌السلام أمر بجعل هذا النصف حال النصف الّذي كان يربح ، ولا شكّ في أنّه ما كان مشروطا بالقرض ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٦ الحديث ٢٣١٣١ ، وقد سبقت الإشارة إليه.


فظهر ممّا ذكرنا أنّه ربّما كان الظاهر من الرواية عدم الاشتراط ، بل الظاهر منها أن لا يجعل الربح الّذي زيد (١) شرطا في القرض وجزء لعوض ما أقرضت ، إذ عرفت أن الشرط في العقد جزء له ومن تتمّة العوض ، فإذا جعله شرطا في القرض لا جرم يصير القرض بشرط المنفعة (٢) ، ولذا قال عليه‌السلام : « وازدد عليهم إلى آخره » ، فإنّه كالصريح في جعل الربح المذكور شرطا في معاملة الدقيق لا غير ، فيكون شرط نفع في المعاملة ، فيكون حلالا.

سلّمنا عدم الظهور ، لكن ظهور الاشتراط من أين؟!

سلّمنا ، لكن كون هذا الظهور بحيث يقاوم أدلّة الفقهاء ويترجّح عليها من أين؟!

وكذا الحال في باقي هذه الأخبار.

ومنها : رواية محمّد بن إسحاق بن عمّار ، إذ بالتأمّل يظهر أنّ حالها حال رواية سلسبيل ، ويزيد عليها أنّها في غاية الظهور في صورة العكس ، كما فهمه الأصحاب (٣).

مضافا إلى أنّه يتوقّف استدلالهم بها على ثبوت عدم التفاوت بين تأجيل الدين الحالّ الّذي ظاهره اللزوم ، وبين القرض الّذي هو محض التبرّع.

مع أنّه تعالى سدّ باب الربا لأجل حصول هذا القرض ، وأنّ الفقهاء اتّفقوا على حرمة شرط النفع مطلقا في القرض ، وورد « كلّ قرض يجرّ المنفعة فهو حرام » (٤). إلى غير ذلك ممّا مرّ ، وأنّ كلامنا إنّما هو في شرط المقرض المنفعة

__________________

(١) في ألف : ( الربح الّذي يريد ).

(٢) في ج : ( يصير القرض شرط المنفعة ).

(٣) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٣٤٥.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي : ٥ / ٣٥٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٦١


في قرضه.

هذا ، مع أنّ هؤلاء الأعلام طريقتهم ودعواهم عدم التعدّي عن النصوص ، فأيّ نصّ ورد في اتّحاد حالهما؟! ومع العدم فكيف يستدلّون بأمثال هذه الرواية؟ سيّما ويبطلون بها ما دلّ عليه أدلّة الفقهاء الكثيرة الصحيحة الواضحة الدلالة ، فتأمّل!

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة ، إذ بالتأمّل يظهر أنّ حالها حال رواية محمّد بن إسحاق بن عمّار ، بل وأسوأ حالا ، إذ ليس فيها ما يشير إلى مشارطة أصلا وبوجه من الوجوه.

مع أنّ فيها إشكالا آخر من جهة قوله عليه‌السلام : « قد فعل [ ذلك ] أبي وأمرني أن أفعل ذلك » (١) ، لأنّ الشيعة ما كانوا يتعاملون مع إمامهم هذه المعاملة وهذه المضايقة بلا شبهة ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف ، لأنّهم ما كانوا يضايقون في تأخير دينهم الّذي على إمامهم مع أنّهم كانوا يعتقدون بأنّه أولى منهم بأنفسهم وأموالهم ، سيّما عوامّهم ، فإنّ حميّتهم في دينهم وسماحتهم في مالهم بالنسبة إلى سيّدهم ومولاهم ومن كان أعزّ عندهم من أموالهم وأولادهم ، بل وأنفسهم أيضا كانت أزيد من حميّة فضلائهم ، وسماحتهم أكثر من سماحة فقهائهم وعلمائهم.

ومع ذلك يبعد في النظر غاية البعد أنّ علماءهم كانوا يفعلون بالنسبة إليهم هذه الأمور ، سيّما وهم كانوا يخرجون أموالا ويصرفونها في طريق محبّتهم وسلوك سبيل إرادتهم ، مثل زيارتهم وصلاتهم وغيرهما ممّا كانوا يتوصّلون به إلى قربهم ومودّتهم ورضاهم وفرحهم ، وخصوصا بعد ملاحظة أنّ طريقة النبي

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الحديث ٢٣١٢٧ ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.


والأئمّة عليهم‌السلام أنّهم عليهم‌السلام إذا استقرضوا أو وقع عليهم دين كانوا يتبرّعون ويتفضّلون بإعطاء الزيادة في غاية الطوع ونهاية الرغبة ، بل وربّما كان الديّانون يضايقون عن الأخذ وهم صلوات الله عليهم يأبون عن عدم الأخذ ولا يرضون إلّا أن يعطوا ، وكانوا يعدّون هذا إحسانا ومستحبّا شرعا ، ويحثّون غيرهم عليه أيضا ، فهم صلوات الله عليهم كانوا يعطون ويحسنون ، وإذا وعدوا يوفون البتّة ، فأيّ داع وحاجة إلى هذه الحيلة والمعاملة ، سيّما وأن يكون بعنوان المشارطة للتأخير والقرض وبالعقود اللازمة؟!

فيظهر ـ إن صحّ أمثال هذه الأخبار ـ أنّهم عليهم‌السلام كانوا يعاملون أمثال هذه المعاملات مع الجاحدين لإمامتهم ، والجاهلين بعلوّ مرتبتهم وهمّتهم ، وهذا لا يلائم ما ادّعاه هؤلاء الأعلام من أنّ أدلّة الفقهاء وأخبارهم ـ الّتي هي مستندهم ـ محمولة على التقيّة.

مضافا إلى ما أشرنا [ إليه ] من أنّ خطبة « نهج البلاغة » (١) ممّا لا يمكن حملها على التقيّة ، فليلاحظ تلك الخطبة ، وكذا بعض الأخبار والأدلّة أيضا ممّا لا يناسبه التقيّة ، فليراجع وليتأمّل (٢).

مضافا إلى أنّ القول بأنّ الحيلة بعنوان الشرط حرام ليس من خصائص العامّة ، بل الشيعة أيضا يوافقونهم.

نعم ، القول بأنّ ما لا شرط فيها أيضا حرام من خصائص العامّة (٣).

__________________

(١) نهج البلاغة ـ المطبوع ضمن المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة ـ : ٨٢ ذيل الخطبة ١٥٦.

(٢) راجع! الصفحات : ٢٥٦ ـ ٢٦٧ من هذا الكتاب.

(٣) هذا ليس من خصائص جميع العامّة ، بل الشافعيّة والحنفيّة والظاهريّة حكموا بحليّة الزيادة


مضافا إلى ما عرفت من أنّ الحيلة لا تتأتّى في الأحكام الشرعيّة ، بل تتأتّى في موضوعات الأحكام ، فلا يمكن تحقّق الحيلة بعنوان الشرط ، كما عرفت من أنّ المنفعة المحرّمة لو كانت شاملة للمعاملة المحاباتيّة فلا يمكن الحيلة ، وإلّا فلا تتحقّق الحيلة ، بل هو تخصيص أو تقييد وحكم على حدة.

وهؤلاء الأعلام يدّعون أنّ حيلتهم ليست بحيلة بل يسمّونه حيلة ، وإلّا ففي الواقع حكم شرعي برأسه ، مع أنّ الظاهر من أخبارهم كونها حيلة ، سيّما رواية الديلمي.

وأيضا ، أمثال هذه الأخبار لا تلائم ما ادّعاه هؤلاء الأعلام من احتمال الكراهة في الأخبار المخالفة لهذه الأخبار ، إذ كيف يصير أنّهم عليهم‌السلام في الأخبار الصحيحة يقولون : من أقرض ورقا فلا يشترط شرطا سوى ورقه الّذي أعطاه (١).

وفي القرض والسلم يقولون : « لا يصلح ، إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح » (٢) ، بهذا التأكيد يقولون ، بل في استحلال الربا في البيع (٣) قالوا ما به يظهر أنّه في أعلى درجات الحرمة. إلى غير ذلك ممّا مرّ.

وفي هذه الأخبار يقولون : لا بأس مطلقا ، لأنّه نكرة في سياق النفي ، ولا يكتفون به أيضا ، بل يقولون : نحن أيضا نفعله ، وحاشاهم عليهم‌السلام أن يكونوا ممّن يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وممّن يقولون ما لا يفعلون ، ويعظون بما لا يتّعظون ، وينهون عمّا لا ينتهون.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٤٠ ، وفيه : ( من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلّا مثلها. ).

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

(٣) في النسخ : ( الربا والبيع ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


ثمَّ إنّه من التأمّل في جميع ما ذكرناه ظهر حال رواية عبد الملك من أنّ الظاهر هو استحلال القرض بشرط المعاملة المحاباتيّة ، ومفاد الرواية هو حيلة المعاملة المحاباتيّة بشرط تأخير أجل الدين ، وأين هذا من ذاك؟!

هذا ، بعد تسليم وضوح الدلالة على الشرط ، وكونه واقعا من الطرفين بحيث يرفع اليد عن جميع أدلّة الفقهاء وفتاواهم بمجرّد هذا الوضوح ، سيّما وأن لا يبقى شبهة أصلا ورأسا ، ولا يحتاج إلى الاحتياط مطلقا ، وخصوصا أنّ هذه الرواية ـ مع ضعفها ـ مضمرة أيضا ، وليس الراوي من الثقات والأجلّة حتّى يقال : إنّ مثله لا يروي عن غير المعصوم عليه‌السلام.

فانظر أيّها العاقل إلى حالة الأدلّة من الطرفين ، واتّفاق الفقهاء ، واتّفاق هؤلاء على خلافهم.

بل من التأمّل في الأدلّة يظهر أنّ استحلال صورة العكس ـ الّتي هي محلّ النزاع بين المحقّق والعلّامة رحمهما‌الله ـ أيضا محلّ الإشكال ، لضعف هذه الأخبار سندا ، بل ودلالة أيضا ، لما عرفت من الإشكال في كون وضوحها بحيث يترجّح على إطلاق الأدلّة المانعة ، بل وكون بعضها في صورة العكس أظهر ، مثل صحيحة يعقوب (١) ، لأنّ ترك الاستفصال يفيد العموم ، والمذكور في السؤال بالترتيب المذكور أظهر أفراده.

مع أنّ الظاهر أنّ السؤال نقل حكاية ، ولعلّ مثل ذلك يكون ظاهرا في مطابقة النقل المحكي بحسب الترتيب أيضا ، فتأمّل.

وممّا ذكر ظهر أنّ المحقّق غير متفرّد ، بل كلّ من حمل صحيحة يعقوب على الشرط لم يوافق العلّامة رحمه‌الله ، ويكون شريكا للمحقّق ، سيّما إذا كان رأيه أنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨ ، وقد سبقت الإشارة إليه آنفا.


الترتيب الذكري يفيد الترتيب ، أو كلمة الواو تفيده ، كالشيخ (١) ومن وافقه.

وممّا يؤيّد الإشكال ، عظم الخطر في الربا ـ كما مرّ ـ واستبعاد الفرق في النظر بين ما إذا تقدّم المحاباة أو تأخّر ، مع أنّ الفقهاء يستبعدون مع ورود النصّ ، ويستشكلون في حكاية العتق بشرط التزويج ، وكونه مهرا ، وحكاية كفالة المال والبدن ، وغير ذلك ، فتأمّل.

ويؤيّد أيضا ، أنّ المستقرض لو شرط المنفعة الّتي ليست بمعاملة ، والمقرض أقرض ، هذا الشرط يكون حراما البتّة ، وأيّ فرق في ذلك بين أن يكون المنفعة معاملة محاباتيّة أو غيرها؟ ولعلّهم في الغير لا ينكرون ، فتأمّل.

ثمَّ إنّ بعض العلماء اعتقد حرمة المشارطة ، لكن يجعل الحيلة ذكر المشارطة والمقاولة سابقا على الإقراض والإعطاء ، زعما منه أنّ الشرط إذا لم يذكر في ضمن العقد يكون لغوا.

وهذا حقّ لو لم يكن الإقراض والإعطاء بناء على الشرط السابق ، وإلّا فلا شكّ في كونه شرط القرض لغة وعرفا ، وعند الفقهاء أيضا ، لعدم التزامهم في العقود الجائزة ما يلتزمونه في اللازمة ، سيّما بالنسبة إلى الشروط والعقود.

مع أنّه لو كان كما زعم لكان معاملة باطلة ، لأنّ ما وقع به التراضي لم تدلّ عليه الصيغة ، وما دلّت عليه الصيغة لم يقع به التراضي.

هذا إن قرؤوا الصيغة ، والغالب عدم القراءة بالنحو الّذي اعتبر ، مع أنّها لو كانت صحيحة لم يكن فرق بينهما وبين النفع بغير معاملة ، فلم يحتج إلى معاملة أصلا ، بل يكفي تقديم الشرط للصحّة وإن لم يكن معاملة أصلا ، مع أنّه على هذا

__________________

(١) عدّة الأصول : ١ / ١٥٢ ، ولمزيد من الاطّلاع راجع : تمهيد القواعد للشهيد الثاني ـ المطبوع مع ذكري الشيعة ـ : ٦٤ ، الفوائد الحائريّة : ٤٣٩ ، مفاتيح الأصول : ١٠١.


لا يكاد يتحقّق ، لأنّه ليس المتعارف قراءة الصيغة ، ولا ذكر الشرط حال الإعطاء وتسليم القرض ، فتدبّر.

ثمَّ إنّ الطمع والنيّة هو مثل ما يهدي الفقير إلى الأغنياء طمعا منهم في العوض بأزيد ، بل بأضعافه ، ومثل ما يرشى إلى الحكّام والقضاة للحكم لهم ، ومثل أن تؤخذ بنت رجل بعنوان النكاح طمعا في البكارة أو الوجاهة من دون شرط.

والله عالم بأحكامه ورسوله المطهّر وخلفاؤه الاثنا عشر ، صلوات الله عليهم صلاة تنفعنا يوم المحشر.

تمّت الرسالة بعونه وتوفيقه.


رسالة

في أصالة عدم الصحّة في المعاملات



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، اللهم إيّاك نعبد ، وإيّاك نستعين ونستهدي ، فلا تكلنا إلى أنفسنا القاصرة.

اعلم! أنّ الصحة في المعاملات عبارة عن ترتّب أثر شرعي عليها ، وهي حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي ، فلو لم يكن دليل فالأصل عدم الصحّة حتّى يثبت بدليل ، لأصالة العدم ، وأصالة بقاء ما كان على ما كان.

مثلا : الثمن كان ملكا للمشتري ، والمبيع ملكا للبائع ، فالأصل عدم النقل والأصل بقاؤهما على حالهما حتّى يثبت الخلاف ، للاستصحاب والعمومات والإطلاقات المقتضية لذلك (١) ، والإجماع على ذلك ، كما لا يخفى على المطّلع.

وأيضا ، الحكم الشرعي بالنسبة إلينا منوط بالدليل بلا شبهة ، فعدم الدليل دليل عدمه بالنسبة إلينا ، لأنّ عدم العلّة علّة للعدم (٢).

وأيضا ، الأصل براءة الذمّة عن لزوم أمر من الأمور الشرعيّة وآثارها.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٥ ، النساء (٤) : ٢٩ ، المائدة (٥) : ١.

(٢) في ب : ( علّة العدم ).


وأيضا ، ورد في الكتاب والسنّة المنع عن الحكم الشرعي بغير ثبوت من الشرع ، مثل ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (١) ، وغير ذلك (٢) ممّا لا يحصى كثرة.

وأيضا ، إجماع المسلمين قاطبة واقع على ذلك ، سيّما الفرقة الناجية.

وبالجملة ، لا تأمّل في أنّ الأصل عدم الصحّة حتّى تثبت بدليل.

فإن قلت : الفقهاء يقولون : الأصل الصحّة.

قلت : مرادهم منه العمومات الدالّة على الصحّة مثل ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) وغيره ، ولا شكّ في أنّه إذا دلّ عموم على الصحّة تكون صحيحة البتّة ، فالعموم دليل ، والكلام في أنّه ما لم يكن دليل على الصحّة فالأصل عدمها.

فإن قلت : فأيّ فائدة في هذا الأصل بعد تحقّق العموم؟

قلت : الفائدة أنّه كثيرا ما لا يثبت الصحّة من العموم ، مثلا : إذا أردنا إثبات صحّة بيع من عموم ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) ، فلا شكّ في أنّ إثباتها يتوقّف على أمور :

الأوّل :

ثبوت كون ذلك بيعا حقيقة في اصطلاح الشرع ، فيحتاج إلى استفراغ الوسع ، وبذل الجهد بحسب الطاقة في تحصيل اصطلاح الشارع وما هو الحقيقة في محاوراته في ذلك الزمان ، فلا يمكن الإثبات لغير المجتهد.

وأمّا المجتهد ، فإن حصّل الاصطلاح فذلك ، وإن لم يحصّل ـ كما هو الظاهر

__________________

(١) يونس (١٠) : ٥٩.

(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ١١١ الباب ١٦.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٤) البقرة (٢) : ٢٧٥.


من أنّه لا يحصّل ـ فلا بدّ من تحصيل المعرفة بكونها بيعا حقيقة ، عرفا أو لغة ، والمعرفة إنّما تكون بالأمارات المذكورة في أصول الفقه ، إذ مجرّد إطلاق البيع عليه لا يقتضي أن يكون حقيقة ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة عند معظم المحقّقين من الفقهاء ، والمجاز خير من الاشتراك عندهم.

مع أنّ الاشتراك أيضا لا ينفع مجرّدا عن القرينة بالنسبة إلى اللفظ ، كما أنّ المجاز لا ينفع بالنسبة إلى اللفظ مجرّدا عن القرينة ، فلا يتأتّى الإثبات من هذه الجهة أيضا إلّا للمجتهد العارف بالأمارات الأصولية ، وحجّية تلك الأمارات.

مع أنّه ربّما لا يتأتّى في موضع أمارة من تلك الأمارات ، فلا يثبت الصحّة.

وإذا تحقّق الأمارة ، وثبتت الحقيقة العرفيّة أو اللغويّة ، فلا يكفي ذلك ما لم يضمّ إليه أصالة عدم التغيّر والتعدّد ، حتّى يثبت كون ذلك اصطلاح الشارع أيضا ، لأنّ المعتبر هو اصطلاح زمان صدور ذلك الكلام ، كما هو الظاهر ومحقّق في موضعه.

وربّما لا يتأتّى أصالة عدم التعدّد والتغيّر ، لثبوت التعدّد ، أو ظهور التغيّر مع عدم مرجّح ومعيّن.

الثاني :

ثبوت كونه من الأفراد المتعارفة للبيع الحقيقي ، لأنّ المفرد المحلّى باللام غير موضوع للعموم ، فالعموم الحاصل منه لا يزيد عن الأفراد المتعارفة (١) ، ولا يشمل الفروض النادرة.

مع أنّه على تقدير كون عمومه من قبيل عموم الموضوع للعموم ، فربّما يتأمّل في شموله للفروض النادرة أيضا ، فتأمّل.

__________________

(١) في ج : ( لا يراد به غير الأفراد المتعارفة ).


الثالث :

ثبوت أنّ الحلّية تستلزم الصحّة في المقام ، والظاهر ثبوته كما لا يخفى على المتأمّل ، إذ ظاهر أنّ المراد ليس حلّية قراءة صيغة البيع ، بل المراد حلّية نفس البيع ، وهو أمر كانوا يرتكبونه بعنوان الانتقال واللزوم ، فالله تعالى قرّرهم على ذلك ، فتدبّر.

الرابع :

عدم تحقّق نهي من الشارع عليه‌السلام عن الّذي يراد إثبات صحّته ، لا بعنوان الخصوص ولا بعنوان العموم.

والمناهي الخاصّة لا ضبط لها ، بل هي مذكورة في مواضعها ، وأمّا العامّة فسنشير إليها.

فساد المعاملة بالنهي

وإنّما قلنا : عدم تحقّق نهي من الشارع لأنّ الفقهاء منهم من يقول : بأنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد ـ وهم الأقلّون (١) ـ فالمعاملة المنهي عنها فاسدة عندهم البتّة.

وأمّا القائلون بعدم اقتضائه الفساد فيها ـ وهم الأكثرون (٢) ـ فإنّهم يقولون بذلك فيما إذا ثبت صحّته من دليل لا ينافيه النهي ، ولا يضاده التحريم.

فإذا لم يثبت صحّته أصلا لم يكن صحيحا ، مع قطع النظر عن ورود النهي عنه ، فكيف إذا ورد النهي عنه؟! إذ لا شكّ في فساد مثله عندهم ، لما عرفت ،

__________________

(١) لاحظ! الذريعة للسيّد المرتضى : ١ / ١٨٠ ، عدّة الأصول : ١ / ٩٩ ، معالم الأصول : ٩٦.

(٢) لاحظ! الهامش السابق.


وكذا إذا ثبت صحّته من خصوص مثل ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) ، و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، و ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٣) ، لأنّ الحلّية تنافي النهي والحرمة ، وكذا وجوب الوفاء.

وكذا استثناء قوله ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤) ، لأنّه استثناء من النهي والحرام.

فظهر أنّ النهي في مثل ذلك أيضا يقتضي الفساد عندهم بلا شكّ ولا شبهة ، إذ النهي يقتضي خروج ذلك عن العمومات عندهم ، كما لا يخفى على المطّلع على أقوالهم وطريقتهم ، فإنّهم صرّحوا بأنّ الأحكام الخمسة متضادّة ، وأنّ اجتماع الضدّين في الحكم الواحد من المحالات عندهم ، وإن تعدّدت الجهة والحيثيّة وظهر ذلك التعدّد ، مع أنّه ربّما لا يظهر ذلك فيما نحن فيه ، فتدبّر.

نعم ، لو كان الصحّة ثابتة من غير أمثال العمومات المذكورة ، فالنهي لا يقتضي الفساد ، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب أثر شرعي ، فلا ينافي ذلك النهي والحرمة ، لأنّ الحرام كثيرا ما يترتّب عليه الآثار الشرعيّة ، فإنّ الشارع مثلا قال : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل والمهر والعدّة والرجم وغير ذلك (٥) ، وإذا دخل أحد بزوجته وهي حائض ـ مثلا ـ عالما عامدا يكون حراما بلا شبهة ، ومع ذلك يجب عليه المهر كاملا وعليها العدّة ، وعليهما الغسل.

لكن يتداخل الغسلان في الحائض على القول بالتداخل ، وكذا يترتّب

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٣) النساء (٤) : ٢٩.

(٤) النساء (٤) : ٢٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٩ الحديث ٣١٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٤ الحديث ١٨٧٩.


عليه سائر ما يترتّب على الدخول بالزوجة ، وكذا الحال في الدخول بالأجنبية. وغير ذلك من المعاملات وأحكامها ، فتدبّر.

فساد العبادات بالنهي

أمّا العبادات ، فجلّ الشيعة ـ بل كاد أن يكون كلّهم ـ اتّفقوا على أنّ النهي فيها يقتضي الفساد (١) ، لأنّ الصحّة فيها عبارة عن موافقة الأمر ، وما هو مثل هذا المعنى ، والعبادة أمر راجح ومأمور به قطعا ، والمرجوحيّة ضدّه ، فضلا عن أن يكون حراما.

ولذا يقولون : إنّ العبادة المكروهة معناها أنّها أقلّ ثوابا (٢) ، وإلّا فهي راجحة عندهم من دون مرجوحيّة ، وربّما يقولون : إنّ الكراهة تتعلّق بما هو خارج عن نفس العبادة أو جزئها أو شرطها.

ومن هذا حكم بعضهم بصحّة مثل البيع وقت النداء ، مصرّحا بأنّ النهي تعلّق بأمر خارج (٣) ، وهو ترك السعي إلى الجمعة والاشتغال عنها.

الخامس :

تحقّق شرائط مورد البيع ، فإنّ البيع هو نقل ملك عين إلى آخر بعنوان المبايعة العرفيّة أو اللغويّة أو الاصطلاحيّة على حسب ما مرّ.

وربّما زيد على ذلك كونه بصيغة مخصوصة (٤) ، وربّما قيل بأنّ البيع هو نفس

__________________

(١) لاحظ! الذريعة للسيّد المرتضى : ١ / ١٨٠ ، عدّة الأصول : ١ / ٩٩ ، معالم الأصول : ٩٦.

(٢) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٤٧ ، جامع المقاصد : ٢ / ٣٧ ، مشارق الشموس : ٣٧٢.

(٣) لاحظ! القواعد والفوائد : ١ / ١٩٩ القاعدة ٥٧.

(٤) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٤ / ١٤٥ ـ ١٤٦.


تلك الصيغة (١) ، وربّما قيل : يتحقّق البيع في المنفعة أيضا (٢) فلا بدّ من معلوميّة كون المبيع ـ مثلا ـ ممّا يملك شرعا ، ومعلوميّة الإذن في النقل شرعا ومعلومية تحقّق النقل والخروج من ملك البائع ، ومعلوميّة تحقّق الدخول إلى ملك المشتري وعدم المانع من الخروج والدخول شرعا ، ومعلوميّة أنّ الصيغة هل هي معتبرة شرعا أو لغة أو عرفا أو هي نفس البيع ، أو ليست بمعتبرة أصلا ، وغير ذلك.

وبالجملة ، الحكم بتحقّق الصحّة ، وترتّب الآثار شرعا ، مثل الانتقال بعنوان اللزوم أو الجواز ، وغير ذلك من الآثار الشرعيّة يتوقّف على الثبوت من الشرع ، ومن لوازم الانتقال تعيّن الشي‌ء بحسب الواقع ، إذ غير المعيّن كيف ينتقل؟!

نعم ، يتحقّق الانتقال في الأمر الكلّي الّذي هو قدر المشترك بين أفراده والكائن مع مشخّص ، وهو معيّن والتشخصات خارجة ، وشروط لتحقّقه.

وأمّا التعيّن عند المتبايعين ، فلعلّه يرجع إلى الغرر والسفه وكون الشي‌ء معرضا للنزاع بين المسلمين والناس.

وربّما يظهر النهي عن مثله من الأخبار ، مثل ما ورد في باب السلف (٣) وبيع التمر (٤) وبيع الدينار غير الدرهم (٥) ، وغير ذلك ، فليلاحظ وليتأمّل.

هذا ، مع ادّعاء الإجماع فيما ادّعوه فيه ، فتأمّل.

__________________

(١) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٤ / ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٢) لاحظ! المكاسب للشيخ الأنصاري : ٧٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨٣ ـ ٢٨٦ الباب ١ من أبواب السلف.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٤٨ الباب ١٤ من أبواب الربا.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ٨٠ الباب ٢٣ من أبواب أحكام العقود.


المناهي العامّة

ثمَّ اعلم أنّ المناهي الواردة بالعنوانات العامّة عندهم ، مثل النهي عن بيع الغرر (١) والضرر (٢) والمسكر (٣) والخبائث (٤) والميتة (٥) وما لا منفعة معتدّا بها له ، لأدائه إلى السفاهة ، فيدخل في عموم ما دلّ على فساد معاملة السفيه وحرمتها (٦).

وكذا النهي عن بيع الحرام ، لما ورد من أنّ الله تعالى إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه (٧) ، ولعلّه يظهر ذلك من فحاوى الأخبار أيضا (٨).

وكذا النهي عن البيع الّذي هو إعانة في الإثم (٩) ، والّذي هو إسراف (١٠) ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٥٠ ، الحديث ١٦٨ ، عوالي اللئالي : ٢ / ٢٤٨ ، النهاية لابن الأثير : ٣ / ٣٥٥.

(٢) عوالي اللئالي : ١ / ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٤٧ الباب ١٢ من كتاب احياء الموات.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٢٣ الباب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) قرب الإسناد : ١٧٢ ، مستدرك الوسائل : ١٣ / ٦٤ الحديث ١٤٧٥٦.

(٥) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٣ و ٩٤ الأحاديث ٢٢٠٦١ و ٢٢٠٦٤ و ٢٢٠٦٥.

(٦) وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٦٠ الحديث ٢٢٧٥٢ و ٣٦١ الحديث ٢٢٧٥٣ ، جامع أحاديث الشيعة : ١ / ٤٢١ الأحاديث ٧٢١ ـ ٧٢٣.

(٧) لاحظ! عوالي اللئالي : ١ / ١٨١ الحديث ٢٤٠ ، بحار الأنوار : ١٠٠ / ٥٥ الحديث ٢٩ ، مستدرك الوسائل : ١٣ / ٧٣ الحديث ١٤٧٨٧.

(٨) الكافي : ٥ / ٢٣٠ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ١٣٥ الحديث ٥٩٩ و ١٣٦ الحديث ٦٠١ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٢٣ ذيل الحديث ٢٢٣٨٣ و ٢٢٥ الحديث ٢٢٣٨٨.

وورد في حاشية ب العبارة التالية : ( قد ورد في الأخبار المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا ). كما ورد أيضا العبارة التالية : ( في العوالي : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله إذا حرّم على قوم أكل شي‌ء حرّم ثمنها ، وفيه أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لعن اليهود ، حرّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها. وفي أخبار الكتب الأربعة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخمر : إنّ الّذي حرّم شربها حرّم ثمنها ).

(٩) وسائل الشيعة : ١٧ / ٨٤ ذيل الحديث ٢٢٠٤٧.

(١٠) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٥٢.


وبيع النجس الّذي لا يقبل الطهارة (١) إلّا الدهن للاستصباح (٢) أو أعمّ منه ، أو العذرة (٣) أيضا كما قال به بعض المتأخّرين (٤) ، وربّما يظهر هذا النهي من إجماعهم (٥) ، وفحاوى الأخبار (٦) ، فليلاحظ.

وكذا يظهر من كلام القدماء أيضا ، فلينظر.

وقس على ما ذكرنا حال الإجارة وغيرها ، فتأمّل.

ومن المناهي العامّة ، قول المكلّف : لا أفعل إلّا بالعوض ، فيما ثبت وجوب عطائه عينا كان أو منفعة ، عينيّا كان الوجوب أو كفائيّا ، إذا كان الوجوب من مثل الخطاب بأفعل مطلقا ، لأنّ القول بأنّي لا أفعل إلّا بالعوض عصيان ، كأن يقول : لا أصلّي اليوميّة ، أو : لا أصلّي على هذا الميّت إلّا أن تعطوني اجرة.

وأمّا ما ثبت وجوبه لأجل حصول النظام ورفع الضرر ، مثل الصناعات ، ووجوب بيع الأعيان المحتاج إليها ، عينيّا كان الوجوب ـ كما هو الحال في الفروض النادرة ـ أو كفائيّا ـ كما هو الحال في الفروض الشائعة ـ يجوز أخذ العوض ، لأنّ القدر الثابت من العقل والنقل هو القدر المشترك بين الإعطاء مجّانا وبلا عوض

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٠٠ الحديثان ٢٢٠٨٣ و ٢٢٠٨٤.

وورد في حاشية ب : ( والظاهر أنّ العجين النجس حكمه حكم المائع الّذي لا يقبل التطهير ، كما يظهر من الأخبار ، إلّا أن يقال : يجوز التطهّر بجعله خبزا يابسا غاية اليبوسة ).

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٨ الأحاديث ٢٢٠٧٦ ـ ٢٢٠٧٩.

وورد في حاشية ب : ( وقد ادّعى ابن إدريس الإجماع على الاستصباح تحت السماء ، لا السقف ) [ السرائر : ٢ / ٢٢٢ ].

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٥ الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) مفاتيح الشرائع : ٣ / ٥١ ، ومال إلى هذا القول الأردبيلي رحمه‌الله في : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٣٩.

(٥) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٤ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤١.

(٦) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٥ الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به.


والإعطاء بالعوض.

بل الثابت منهما بعنوان الضرورة أو اليقين جواز الإعطاء بالعوض وعدمه بغير العوض ، إلّا في فرض نادر غاية الندرة لو تحقّق ، وهو عدم تمكّن المحتاج المضطرّ من العوض حالّا ولا مؤجّلا بوجه من الوجوه ، فإنّه حينئذ يجب الإعطاء بغير العوض ، إلّا أنّه له أن لا يعطي ما لم يشتره منه فيحسبه مكان زكاته وأمثالها ، وإن لم يشتره فله أن يجبره بالشراء بوساطة حاكم الشرع إن كان ، وإلّا فبالمؤمنين حسبة ، وإن لم يكونوا فله أن يعطي بقصد العوض ويأخذه قهرا حفظا إيّاه عن الهلاك.

على أنّ النظام لا يحصل في غير صورة نادرة ، إلّا بجواز أخذ العوض وعدم الإعطاء بغير العوض.

الأجرة بإزاء العبادات

وأمّا العبادات ـ واجبة كانت أم مستحبة ، لاشتراط قصد القربة والإخلاص فيها ـ فلا يجوز أخذ الأجرة بإزائها إذا فعلها المكلف أصالة ولنفسه.

وأمّا فعلها نيابة وبعد الاستئجار ، فلا مانع من أخذ الأجرة ، إذ حال الاستئجار لم تكن واجبة عليه ، ولم يكن هناك قصد قربة ، وأمّا بعد الاستئجار فهي حينئذ واجبة عليه البتّة ، يتأتّى منه قصد القربة والإخلاص حينئذ بل يجب.

ولا فرق فيما ذكر بين الحج ، وغيره من العبادات الّتي يجوز فعلها للغير ، ولذا يشمله عموم ما دلّ على صحّة الإجارة (١) ، وورد في غير واحد من الأخبار أنّ

__________________

(١) النساء (٤) : ٢٩ ، المائدة (٥) : ١ ، وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٩٩ الحديث ٢٧١٢٧.


الإتيان بالعبادات عن الميّت ينفعه وتصل إليه (١).

وإذا لم يتحقّق الاستئجار ، وفعلت لله تعالى بعنوان الإخلاص ، ثمَّ اعطي شي‌ء وهو لا يعلم ، فلا مانع أصلا.

ومع العلم لو لم يؤخذ ، أريد كمال الأجر والشكور من الله تعالى ، فبخ بخ.

ولو أخذ ، فلا أعلم الآن مانعا منه أيضا.

والله هو العالم بأحكامه.

تمّت الرسالة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٦ ـ ٢٨٢ الباب ١٢.



رسالة

في أصالة الصحّة والفساد في المعاملات



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد ،

فيقول الأقلّ الأذلّ ، محمّد باقر بن محمّد أكمل عفى الله عنهما :

فاعلم يا أخي ، أنّ المهم والمقصود الأصلي في المعاملات هو الصحّة والفساد. في كثير من المواضع يحكم الفقهاء بالفساد ، والغافل عن حقيقة الحال إذا رأى دليلا على الفساد يقبل ، وإذا لم ير يطعن على الفقهاء ، ويقول بالصحّة ، مدّعيا أنّ الأصل هو الصحّة حتّى يثبت خلافه فلم يثبت ، ولا يتفطّن بأنّ الأصل عدم الصحّة لا الصحّة ، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي ، فهي حكم شرعي بل ربّما يكون أحكاما شرعيّة إذا كان المترتّب آثارا شرعيّة ، كما هو الغالب.

ولا شبهة في أنّ الحكم الشرعي موقوف على الدليل الشرعي فيما لم يكن


الحكم شرعيّا.

على أنّه إذا كان الأصل هو الصحّة ، يلزم أنّ يكون كلّ من يعامل معاملة يكون شارعا أو شريك الشارع في الشرع والتشريع ، وأن لا يكون التشريع حراما.

فإن قلت : الفقهاء يستدلّون بأصالة الصحّة.

قلت : يتمسّكون بها في موضع ثبت حكم من الشرع صحّة وفسادا ، ولا يدري أنّ الواقع من المسلم هل يكون من الصحيح ، أو الّذي ثبت فساده ، فيقولون : الأصل صحّة ما وقع منه ، حملا لتصرّف المسلم على الصحّة ، وهو إجماعي ، وظاهر من الأخبار (١). وأمّا إذا لم يعلم حكم شرعا ، فكيف يمكنهم القول بأنّ الأصل ثبوت الحكم شرعا إلى أن يثبت عدم ثبوته شرعا؟!

فإن قلت : ربما نراهم يتمسّكون بهذا الأصل ، فما لم يعلم حكمه يثبتون به حكمه.

قلت : لعلّ المراد من الدليل مثل العمومات. ولو ظهر أنّ مرادهم غيره ، فلا شبهة في توهّم المتمسّك ، إلّا أن يريدوا منه مجرّد قراءة صيغة تلك المعاملة ، وإعطاء كلّ واحد من المتعاملين ما له بطيب نفسه منه ، فمنعهما عن الأمرين (٢) تكليف لم يثبت من الشرع ، والأصل عدمه ، والأصل براءة ذمّتهما.

مع أنّ « الناس مسلّطون على أموالهم » ، كما ورد في النصّ (٣) ، وورد أيضا « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه » (٤).

__________________

(١) لاحظ! بحار الأنوار : ٦٥ / ٢٠٠ الحديث ٤ و ٧١ / ١٦٥ الحديث ٢٩ و ٧٢ / ١٩٦ الأحاديث ١١ ـ ١٦.

(٢) في ب : ( فإنّ منعهما عن الأمرين ).

(٣) عوالي اللئالي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٩ و ٢ / ١٣٨ الحديث ٣٨٣ و ٣ / ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٤) عوالي اللئالي : ٢ / ١١٣ الحديث ٣٠٩.


لكن ليس هذا صحّة المعاملة ، إذ لم يترتّب على المعاملة أثر أصلا ، مثل نقل الملك ولزومه وغير ذلك ، بل العوضان باقيان على حالهما السابق من أنّ كلّ واحد منهما يتصرّف الآخر في ماله ليس بمعاملة (١) ، فإنّ ثمرة البيع هي النقل وغير ذلك ممّا هو معروف.

فظهر ممّا تلوناه ، أنّ الأصل في المعاملة الفساد وعدم الصحّة ، إلّا أن يثبت الصحّة بدليل ، من إجماع أو نصّ خاص أو عام ، مثل ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) وأمثاله.

فإن قلت : غاية ما ثبت ممّا ذكرنا أنّ الصحّة لا يثبت إلّا بدليل ، لأنّ الأصل الفساد ، وعدم الصحّة ، لأنّ الفساد شرعا أيضا يحتاج إلى دليل شرعي ، فكيف يكون الأصل الفساد؟! قلت : قبل وقوع المعاملة المشكوكة حالها كان الثمن مال المشتري والمبيع مال البائع ، ولم يكن خيار وأمثال ذلك من مراتب البيع ، فالأصل بقاء الكلّ على ما كان عليه وعدم تحقّق تغيّر أصلا ، ولا يترتّب أثر (٣) مطلقا ، وهذا عين الفساد.

وأصالة البقاء إجماعي ، مضافا إلى استصحابه وظهوره من الأخبار (٤) ، مع أنّ عدم الدليل دليل عدم الحكم عندنا ، كما هو الحال في سائر الأحكام الشرعيّة ، فتأمّل.

والحاصل ، أنّ فساد المعاملة لا يحتاج إلى دليل ، بل الأصل الفساد ، وإنّما المحتاج إليه هو الصحّة ، ودليلها غالبا هو العمومات ، أو الإطلاقات.

__________________

(١) في ألف : ( يتصرّف الآخر في ما ليس له بمعاملة ).

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٣) في ب : ( ولا ترتّب أثر ).

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ٢١ الباب ٩ من أبواب الخيار و ٢٣ الباب ١٠ من أبواب الخيار.


ولا بدّ أن تكون المعاملة فردا حقيقيّا للعام ، فمجرّد إطلاق لفظه عليها لا يكفي ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، فلا بدّ من مراعاة أمارات الحقيقة ، وأن يكون من الأفراد المتبادرة المتعارفة للعام إن كان الاستدلال من الإطلاقات ، لانصرافها إلى الأفراد المتعارفة والشائعة ، بل وإن كان الاستدلال بالعمومات أيضا ، على إشكال.

ولا بدّ أن يكون الأمران بالنسبة إلى اصطلاح زمان الشارع ولسانه ، ولو كان بكونه من أصالة العدم والبقاء ، وما ماثلها في موضع يجري فيه.

ولا بدّ أن تكون أيضا مستجمعة للشرائط الشرعيّة الثابتة المذكورة في مواضعها ، وأن تكون خالصة من الموانع الشرعيّة والموانع العامّة ، مثل معاملة ما لا نفع فيه أصلا ولا نفع منه نفعا معتدّا به عند العقلاء ، أو يكون له نفع معتدّ به لكن بحيث يرتكب المعاملة لتحصيله (١) عند العقلاء ، والكلّ سيجي‌ء.

وحجّة فسادها أداء معاملتها إلى السفاهة ، فيدخل في عموم ما دلّ على فساد معاملة السفيه (٢).

ومثل النهي عن بيع الغرر (٣).

ومثل معاملة الضرر ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ضرر ولا ضرار » (٤) ، وغيره.

وإن كان الضرر على النفس فهو داخل أيضا في السفاهة.

__________________

(١) في ب : ( لكن لا يجب يرتكب المعاملة لتحصيله ).

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٦٠ الحديثين ٢٢٧٥٢ و ٢٢٧٥٣.

(٣) لاحظ! عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٤٥ الحديث ١٦٨ ، عوالي اللئالي : ٢ / ٢٤٨ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٤٨ الحديث ٢٢٩٦٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٣٠٢.

(٤) لاحظ! عوالي اللئالي : ١ / ٣٨٣ الحديث ١١ و ١ / ٢٢٠ الحديث ٩٣ و ٢ / ٧٤ الحديث ١٩٥ و ٣ / ٢١٠ الحديث ٥٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٢ الأحاديث ٢٣٠٧٣ ـ ٢٣٠٧٥.


ومثل النهي عن بيع الحرام وشرائه ، لما رواه « الغوالي » عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله إذا حرّم على قوم أكل شي‌ء حرم ثمنه » (١).

ومنه أيضا ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعن الله اليهود ، حرّم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها » (٢).

وفي أخبار الكتب الأربعة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخمر : « إنّ الّذي حرّم شربها حرّم ثمنها » (٣).

ولعلّه يظهر من فحاوى أخبار أخر أيضا (٤).

والمراد ما له أهليّة الأكل والشرب إلّا أنّ الشارع حرّمها ، فلا يشمل مثل التراب وغيره ممّا يحرم أكله وشربه ويصحّ بيعه.

ومن الموانع ، النجاسة الّتي لا تقبل التطهير إلّا الدهن للاستصباح ، كما سيجي‌ء.

ودليل المنع في نجس العين هو الإجماع ، والاستقراء يؤيّده ، وكذا دليل المنع فيما لا يقبل التطهير ، واستثني من ذلك الكلب والكافر على النحو الّذي سيذكر ، وفي الموانع السابقة أيضا ربّما ادّعوا الإجماع ، كما سيجي‌ء ، وسيجي‌ء أيضا بعض الموانع الأخر والموانع الخاصّة.

وفي « الفقه الرضوي » : « كلّ مأمور به ممّا هو صلاح للعباد (٥) وقوام لهم في

__________________

(١) عوالي اللئالي : ١ / ١٨١ الحديث ٢٤٠ و ٢ / ١١٠ الحديث ٣٠١.

(٢) لاحظ! الهامش السابق!

(٣) الكافي : ٥ / ٢٣٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ١٣٦ الحديث ٦٠١. الاستبصار : ٣ / ٥٥ الحديث ١٧٩ وهو منقول بالمعنى.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٢ الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٥) في النسخ : ( ممّا كذا على العباد ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.


أمورهم من وجوه الصلاح الّذي لا يقيمهم غيره ، ممّا يأكلون ويشربون ، وينكحون ، ويستعملون ، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وهبته ، وعاريته. وكلّ أمر فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد [ ممّا قد نهي عنه ] مثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلك فحرام ضارّ للجسم وفساد للبدن (١) » (٢).

وفيه أيضا ، « اعلم يرحمك الله ، أنّ كلّما يستعمله (٣) العباد من أصناف الصنائع مثل الكتابة والحساب والتجارة والنجوم والطبّ وسائر الصناعات [ والأبنية ] والهندسة ، والتصاوير ما ليس فيه مثال [ الروحانيّين ، وأبواب ] صنوف الآلات الّتي يحتاج إليها ممّا فيه منافع وقوام ومعايش (٤) ، وطلب الكسب ، فحلال كلّه : تعليمه والعمل به ، وأخذ الأجرة عليه. وإن قد تصرّف بها في وجوه المعاصي أيضا مثل استعمال ما جعل للحلال ، ثمَّ يصرف إلى أبواب الحرام ، [ في ] مثل معاونة الظالم وغير ذلك من أسباب المعاصي ، مثل الإناء والأقداح [ وما أشبه ذلك ، ولعلّة ] ما فيه من المنافع جائز تعليمه وعمله ، وحرم على من يصرفه إلى غير وجوه الحقّ والصلاح [ الّتي ] أمر الله تعالى بها دون غيرها ، اللهم إلّا أن يكون صناعة محرّمة أو منهيّا عنها مثل الغناء ». إلى آخر ما قال (٥).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وفاسد للنفس ).

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٠ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( كلّما يتعلّمه ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( وقوام المعايش ).

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٠١ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.


فإن قلت : النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، فكيف جعلته مانعا عن الصحّة؟!

قلت : مختار بعض الفقهاء أنّه يقتضي الفساد مطلقا (١). وأمّا على ما اختاره المشهور من عدم اقتضائه الفساد فإنّما يمنع الصحّة في موضع يكون مثبت الصحّة منحصرا في مثل قوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) ، ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ، ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٥) و « والمسلمون عند شروطهم » (٦) ، لأنّ الحرمة لا تجتمع مع الحلّية ، لكونهما متضادّين عند الشيعة والمعتزلة ، بل عند الكلّ ، ولذا يدّعي الأشعري أنّ متعلّق الأمر غير متعلّق النهي في الصلاة في الدار المغصوبة (٧).

وبالجملة ، من المسلّمات التضادّ بين الأحكام الخمسة.

وأمّا الحرمة ووجوب الوفاء ، الظاهر أيضا أنّهما متضادّان ، مع أنّه إذا حصل الشكّ في تضادّهما لا يمكن الحكم بالصحّة ، لما عرفت من أنّ الأصل عدم الصحّة إلى أن يثبت الصحّة ، وبمجرّد الاحتمال لا يثبت.

لا يقال : إحلال البيع ووجوب الوفاء بالعهد كيف يدلّان على الصحّة؟! لأنّا نقول : البيع عبارة عن نقل الملك من الطرفين بعنوان اللزوم ، فإذا

__________________

(١) لاحظ! الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ١٨٠ ، العدّة : ١ / ٩٩ ، الوافية : ١٠٠ و ١٠٣ ، وغيرها.

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٤) المائدة (٥) : ١.

(٥) الإسراء (١٧) : ٣٤.

(٦) عوالي اللئالي : ٢ / ٢٥٨ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ الحديثان ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١.

(٧) لاحظ! المستصفى : ١ / ٧٩ ، فواتح الرحموت : ١ / ٤٠١.


حصل ذلك (١) دلّ على الرضا والإمضاء والتقرير ، وكذا الحال بالوفاء ، لا لتضمّنه عقدا واقتضائه ، وقس عليها حال غيرها.

تمّت الرسالة بعون الله ، والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) في النسخ : ( فإذا حمل ذلك ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.


فهارس الكتاب

* فهرس الايات

* فهرس الاحاديث

* فهرس الكتب

* المنابع والماخذ

* فهرس الموضوعات



( فهرس الآيات )

ءالله أذن لكم أم على الله تفترون................................................... ٢٠٨ ، ٢٩٨

أحل الله البيع...................................... ٢٦٤ ، ٢٧٦ ، ٢٩٨ ، ٣٠١ ، ٣١٣ ، ٣١٧

أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا........................................................... ٤٠

إلا أن تكون تجارة عن تراض....................................................... ٣٠١ ، ٣١٧

إن جاءكم فاسق بنبإ....................................................................... ٢٠٧

إنا أعطيناك............................................................................... ١٨١

أوفوا بالعقود.............................................................. ٢٣٧ ، ٣٠١ ، ٣١٧

ثم أتموا الصيام إلى الليل............................................................ ١١٩ ، ١٣١

حرمت عليكم امهاتكم.................................................................... ٢٢١

خلق لكم ما في الارض................................................................ ٥١ ، ٨٠

فأما من طغى وآثر الحيوة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى.......................................... ٤٠

فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله............................................ ٢٤٢ ، ٢٧٠

فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم................................................... ١٦٨

فانتشروا................................................................................. ٢٢٤

فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.......................................... ١٦٩

فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين....................................... ٢٦٤

فكاتبوهم................................................................................. ٢٢٤

فلو لا نفر من كل فرقة...................................................................... ٣٧

فما استمتعتم............................................................................. ٢٣٤


فمن شهد منكم الشهر فليصمه............................................................. ١٣١

فمن عاد فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.............................................. ٢٤٢

قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم............................................ ٤٠

قوا أنفسكم وأهليكم نارا.................................................................. ١٧١

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها................................................................ ١٧

لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم.............................. ١٨٢

لم تحرم ما أحل الله لك..................................................................... ٢١٦

مواقيت للناس............................................................................ ١٢٢

هم الظالمون.............................................................................. ٢٠٨

هم الفاسقون............................................................................. ٢٠٨

وأحل الله البيع........................................................................... ٢٧٤

واحل لكم ما وراء ذلكم.................................................................. ١٦٨

وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة......................................... ٤٠

والله لا يحب كل كفار أثيم................................................................. ٢٤٢

وأوفوا بالعهد..................................................................... ٢٣٧ ، ٣١٧

وأن تجمعوا بين الأختين............................................................ ١٦٩ ، ٢٢٣

وأنذر عشيرتك الأقربين................................................................... ١٧١

وأنكحوا الأيامى منكم.................................................................... ١٦٩

وحرم الربا....................................................................... ٢٦٤ ، ٢٧٤

ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون............................................... ٢٠٨

يمحق الله الربا ويربي الصدقات............................................................. ٢٧٥

يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد................................................ ٤١


( فهرس الأحاديث )

أتم الصوم................................................................................ ١٤٦

أتم صومه إلى الليل........................................................................ ١٢٨

إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان................................................. ١٠٧

إذا أراد الله هلاك بلد أظهر فيه الربا......................................................... ٢٤٣

إذا أقرضت الدراهم ثم أتاك بخير منها فلا بأس............................................... ٢٥٤

إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو حلال فلا باس................................................ ٩٥

إذا رئي الهلال قبل الزوال ، فذلك اليوم من شوال............................................ ١٣٠

إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية................................................... ١٣٠

إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين..................................... ١٢٤

إذا رأيت هلال شعبان فعد تسعة وعشرين يوما............................................... ١٢٩

إذا شرب الرجل النبيذ المخمور............................................................... ٦٦

إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير...................................................... ١٣٠

إذا كان كثيره يسكر أو يغير ، فقليله وكثيره حرام............................................ ١٠١

إذا لم يشترط ورضيه...................................................................... ٢٦٧

إذا لم يكن شرط فلا بأس.................................................................. ٢٥٤

إذا نش فلا تشرب.......................................................................... ٦٥

إذا ورد عليكم حديث رووه منا ولم يكن له شاهد............................................ ٢٠٢


إذا ورد عليكم حديث فاعرضوه على سائر أحاديثنا........................................... ٢١١

إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله........................................ ٢٠٤

إصنعها وادفع إليهم......................................................................... ٦٧

اعلم يرحمك الله ، أن كلما يستعمله العباد من أصناف الصنائع................................. ٣١٦

أفطرت مع السلطان ، وأنا ـ والله ـ أعلم أنه من شهر رمضان............................... ١٣٥

أقرضهم [ الدراهم ] قرضا وازدد عليهم..................................................... ٢٨٧

انظر شرابك هذا الذي تشربه ، فإن كان يسكر كثيره فلا تقربن قليله.......................... ١٠٧

إن كان بالخيار ، إن شاء باع وإن شاء...................................................... ٢٦٧

إن كان مسلما عارفا مأمونا فلا بأس.......................................................... ٦٦

إنا لا نقول بما يخالف القرآن............................................................... ١٨٠

إن إبليس ـ لعنه الله ـ بعد وفاة آدم عليه السلام بال في أصل النخل والكرم..................... ٧٦

أن إدريس النبي عليه السلام كان إحدى اذنيه أعظم من الاخرى............................... ١٩٣

إن الذي حرم شربها حرم ثمنها.............................................................. ٣١٥

إن الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم ثمنه.................................................. ٣١٥

أن الله تعالى قال لآدم عليه السلام : تكلم ، فإن روحك روحي................................ ١٩٣

إن الله تعالى لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث............................................. ٧٤

إن أبا الخطاب قد كذب على الصادق عليه السلام [ لعن الله أبا الخطاب ]...................... ٢٠٣

إن أمر الفرج لشديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط فيه..................................... ١٨٠

إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدوا بالتظني..................................... ١٣٣

إن القوم ستفتن من بعدي ، فيؤول القرآن ، ويعمل بالرأي.................................... ٢٥٦

إن كل قرض يجر منفعة فهو حرام........................................................... ٢٥٧


إن لكل حق حقيقة ، ولكل صواب نورا............................................. ١٣٢ ، ١٨٣

أن ما خالفه فاضربوه على الحائط........................................................... ١٨٠

أنه لا يزال طائفة على الحق إلى يوم القيامة................................................... ٢١٥

أنهم المتكفلون لأيتام الأئمة : بعد غيبة صاحب الأمر عليه السلام............................... ٢١٥

أنهم المروجون لدين الرسول................................................................ ٢١٥

أنهم حجج الله على العباد.................................................................. ٢١٥

إني تارك فيكم الثقلين..................................................................... ٢١٠

بل أنا أصف ... كل مسكر حرام............................................................ ٨٤

بناتنا لبنينا................................................................................ ١٧٠

تأخذ ربعا من زبيب (سئل عن الزبيب ، كيف [ يحل ] طبخه ...).............................. ٦٠

تارك الصلاة كافر......................................................................... ١٣٧

تتم إلى الليل ، فإنه إن كان تاما لرئي قبل الزوال............................................. ١٢٣

حرام حتى يذهب ثلثاه....................................................................... ٧٠

حللنا الخمس لشيعتنا ، لطيب ولادتهم....................................................... ١٧٣

خذ بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه................................................ ٢٠٩

خذ ماء الزبيب فاغله حتى يذهب ثلثاه........................................................ ٦٥

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.............................................................. ١٨٣

الدنيا سجن المؤمن......................................................................... ١٨٣

الربا رباءان : أحدهما حلال ، والآخر حرام ، أما الحلال....................................... ٢٥٥

سجدة الشكر واجبة على كل مسلم........................................................ ١٨٦

سيفتنون بأموالهم.......................................................................... ٢٥٧


شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان.................................... ١٢٨

صلاة العيدين لا أذان فيها ولا إقامة ، أذانها طلوع الشمس.................................... ١٢٩

عد شعبان تسعة وعشرين يوما فإذا كانت متغيمة فأصبح صائما................................ ١٢٩

على اليد ما أخذت حتى تؤدي.............................................................. ٢٥٧

عليكم بالدرايات دون الروايات............................................................ ١٣٢

فأتم صومه إلى الليل....................................................................... ١٤٧

الفقاع خمر............................................................................... ١٣٧

فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن.............................................................. ٢٠٣

فللعوام أن يقلدوه........................................................................... ٣٧

فما نبيذهم؟ قلت : يجعلون فيه ... فقال : حرام............................................... ٩٨

فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وهبته.......................................................... ٣١٦

في الغنم السائمة زكاة..................................................................... ١٢٦

قد أكثرت علي أفيسكر........................................................... ١٠٨ ، ١١٠

قد فعل [ ذلك ] أبي وأمرني أن أفعل ذلك................................................... ٢٨٩

كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة.......................................................... ٢٠٣

كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر............................................................. ٥٥

كل مأمور به مما هو صلاح للعباد وقوام لهم في امورهم........................................ ٣١٦

كل مسكر حرام...................................................... ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠٧ ، ١٠٨

لا بأس [ به ] ، أعطها مائة ألف وبعها الثوب بعشرة......................................... ٢٨٠

لا بأس (سألته عن الرجل أاعينه المال ...)................................................... ٢٨١

لا بأس (عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ ...).................................................. ٦٤


لا بأس ( يكون لي على الرجل دين فيقول : أخرني بها ... )................................... ٢٨٠

لا تصمه إلا أن تراه ، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه................................. ١٢٧

لا تصومن الشك ، أفطر لرؤيته ، وصم لرؤيته............................................... ١٣٣

لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة............................................... ٢٠٢

لا تنقض اليقين إلا باليقين................................................................. ١٦٨

لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله....................................................... ١٢٢ ، ١٦٨

لا تنقض اليقين بالشك أبدا................................................................ ١٦٨

لا تنقض اليقين بالشك ، وإلا باليقين....................................................... ١٣١

لا ضرر ولا ضرار......................................................................... ٣١٤

لا يجوز الصوم والإفطار بالتظني............................................................. ١٢٢

لا يحل الجمع بين اثنتين من ولد فاطمة عليها السلام........................................... ١٨١

لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة عليها السلام................................... ١٨٤

لا يحل لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر أن تدع عانتها......................................... ٢٢٥

لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه.................................................. ٣١٢

لا يدخل الشك في اليقين.................................................................. ١٢٢

لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا.......................................................... ٦٦

لعن الله اليهود ، حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها..................................... ٣١٥

لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن ... (شكوت إلى الصادق عليه السلام قراقر تصيبني).................. ٦٣

ما اريد هذا الولد ولا حاجة لي فيه.......................................................... ١٩٢

ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في قبض نفس المؤمن..................................... ١٩٣

ما زاد على الترك جودة فهو خمر............................................................ ١٠١


المؤمنون بعضهم أكفاء بعض............................................................... ١٧٠

من أكل الربا ملأ الله بطنه [ من ] نار جهنم بقدر ما أكل..................................... ٢٤٢

من رأى هلال شوال بنهار في [ شهر ] رمضان فليتم صيامه.................................... ١٢٣

الناس مسلطون على أموالهم................................................................ ٣١٢

وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه إلى الليل................................................... ١٢٧

وإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروقه....................................................... ٦٢

ولكن انبذوه غدوة واشربه بالعشي............................................................ ٨٤

هو شراب طيب لا يتغير [ إذا بقي ].................................................... ٦٣ ، ٦٤

يستحل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرم بقضائه الفرج الحلال.................................... ٢٠٨

يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه........................................................ ٦٥

[ يا يونس ] إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لجابر : كيف أنتم إذا اورثتم الذل........ ٢٦٦

اليقين لا يدخل فيه الشك ، صم لرؤيته...................................................... ١٣٣


فهرس الكتب

الاجتهاد والأخبار......................................................................... ٢٠١

الاستبصار.......................... ١٢٤ ، ١٤٧ ، ١٨٥ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢٤٤

أصل البراءة............................................................................... ١٦٨

التحرير.................................................................................. ٢٤٤

التذكرة.................................................................................. ٢٦٥

تعليقتنا على الرجال......................................................................... ٧١

تعليقتنا على رجال الميرزا..................................................................... ٦١

التوحيد.................................................................................. ١٩٢

التهذيب............ ١٢٤ ، ١٤٧ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٩٤ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ١٩٩

الجمل.................................................................................... ١٩٨

الخصال............................................ ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٩١ ، ١٩٤ ، ٢٠٩ ، ٢١١

الخلاف.................................................................................. ١٩٨

الدروس............................................................................ ٥٦ ، ٢٤٤

الذخيرة..................................................................................... ٥

الذكرى................................................................................... ٥٥

الرحمة................................................................................... ٢٠١

شرح الإرشاد............................................................................ ٢٤٤

شرح المفاتيح............................................................................. ٢٠٩

الصحاح................................................................................... ٧٧


العدة....................................................... ٧٢ ، ١٧٦ ، ١٨٥ ، ١٩٥ ، ٢٠٠

العلل............................... ١٧٥ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ٢١٧

العيون............................................................................ ١٨٥ ، ٢٠١

الفقيه........................................ ٩٤ ، ١٧٥ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ٢٠١

الفهرست................................................................................ ٢٠٠

القاموس...................................................................... ٦٥ ، ٧٩ ، ١١٤

القواعد............................................................................ ٥٨ ، ٢٤٤

الكافي.................................................. ٥ ، ٧١ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٤ ، ٢٠٣

الكفاية................................................................................... ٢٣٢

اللمعة.................................................................................... ٢٣٢

المبسوط.................................................................................. ١٩٨

المختصر النافع............................................................................ ٢٣٢

المختلف.................................................................. ١٣٠ ، ١٩٩ ، ٢٤٤

المدارك................................................................................... ٢٣٢

المفاتيح.................................................................. ٥ ، ٥٥ ، ٥٩ ، ٢٣١

المقنع.................................................................................... ١٣٤

المنتهى................................................................................... ١٩٩

من لا يحضر الفقيه.......................................................................... ٩٤

النوادر................................................................................... ٢١٦

نهايته....................................................................... ٦٥ ، ١٧٧ ، ١٩٦

النهاية................................................................................... ١٩٨

نهج البلاغة................................................................... ٥ ، ٢٥٦ ، ٢٦٧

الوافي............................................................................ ١٤٣ ، ١٤٨

الوسائل.......................................................................... ١٩٧ ، ٢٨٤

 


المنابع والمآلخذ

١ ـ أجوبة المسائل المهنائية :

تاليف : جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف ب : العلامة الحلي ( ٦٤٥ ـ ٧٢٦ هـ ) نشر مطبعة الخيام قم سنة ١٤٠١ه ق.

٢ ـ اختيار معرفة الرجال ( الرجال الكشي) :

تأليف أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) نشر مؤسسو ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم.

٣ ـ إرشاد الأذهان :

تاليف الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) نشر جماعة المدرسين قم الطبعة الاولى ١٤١٠ هـ.

٤ ـ الاحتجاج :

تاليف : أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب المعروف ب : الشيخ الطبرسي (٥٨٨ هـ).

٥ ـ الاستبصار :

تاليف : أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) نشر دارالكتب الاسلامية طهران الطبعة الرابعة سنة ١٣٦٣ هـ. ش.

٦ ـ الانتصار :

تاليف : علي بن الحسين بن موسى علم الهدى المعروف ب : السيد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ) منشورات الشريف الرضي قم.

٧ ـ إيضاح الفوائد :

تاليف : فخر المحققين أبي طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (٦٨٢ ـ ٧٧١ هـ) نشر إسماعيليان الرضي قم.

٨ ـ بحار الأنوار :

تاليف محمد باقر المجلسي (١١١١ هـ) نشر مؤسسة الوفاء بيروت الطبعة الثانية سنة ١٤٠٣ هـ. ق.


٩ ـ البدائع الصنائع :

تاليف : علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي الملقب بملك العلماء (٥٨٧ هـ) نشر المكتبة العلمية بيروت.

١٠ ـ بداية الهداية :

تاليف الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

١١ ـ تاج العروس من جواهر القاموس :

تاليف محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (١١٤٥ ـ ١٢٠٥ هـ) نشر دار الهداية بيروت.

١٢ ـ التبيان في تفسير القران :

تاليف أبي جعفر بن محمد بن حسن الطوسي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) نشر دار احياء التراث العربي بيروت.

١٣ ـ تحرير الأحكام :

تاليف : الحسن بن يوسف ين علي بن المطهر الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ه )نشر موسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

١٤ ـ تذكرة الفقهاء :

تاليف الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) نشر المكتبة الرضوية لاحياء الأثار الجعفرية.

١٥ ـ تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم :

تاليف أبوالفتح عبد الواحد بن محمد بن عبدالواحد الأمدي (٥٥٠ هـ) نشر مكتب الإعلام الاسلامي قم الطبعة الاولى.

١٦ ـ تعليقات على منهج المقال :

تاليف العلامة محمد باقربن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) الطبعة الحجرية.

١٧ ـ تفسير القمي :

تاليف أبي حسن علي بن ابراهيم القمي نشر مؤسسة دار الكتاب قم الطبعة الثالثة سنة ١٤٠٤.


١٨ ـ تفسير نورالثقلين :

تاليف عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (١٠٦٥ هـ) انتشارات اسماعيليان قم الطبعة الرابعة سنة ١٤١٢ هـ. ق.

١٩ ـ تمهيد القواعد :

تاليف زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) المطبوع مع ذكرى الشيعة.

٢٠ ـ التنقيح الرائع :

تاليف جمال الدين مقداد بن عبدالله السيوري (٨٢٦ هـ) نشر مكتبة آية الله المرعشي رحمة الله قم سنة ١٤٠٤ هـ. ق.

٢١ ـ تنقيح المقال للمامقاني :

تاليف الشيخ عبدالله بن محمد حسن المامقاني (١٢٠٩٠ ـ ١٣٥١ هـ) الطبعة الحجرية.

٢٢ ـ التوحيد :

تاليف أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) نشر جماعة المدرسين قم.

٢٣ ـ تهذيب الأحكام :

تاليف ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) نشر دار اكتب الاسلامية طهران الطبعة الرابعة ١٣٦٥ هـ. ش.

٢٤ ـ جامع الرواة :

تاليف محمد بن علي الاردبيلي الغروي (١١٠٠ هـ) نشر مكتبة اية الله المرعشي رحمه الله قم سنة ١٤٠٣ هـ. ق.

٢٥ ـ جامع الرواة :

تاليف المحقق الشيخ علي بن الحسين الكركي (٨٦٨ ـ ٩٤٠ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم لاحياء التراث الطبعة الاولى ١٤٠٨ هـ.

٢٦ ـ جواهر الكلام :

تاليف الشيخ محمد حسن بن محمد باقر النجفي (١٢٦٦ هـ) نشر دار الكتب الاسلامية طهران الطبعة الثالثة ١٣٦٧ هـ. ش.


٢٧ ـ حاشية مجمع الفائدة والبراهان :

تاليف العلامة المجدد المولي محمد باقر الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) نشر موسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني قم سنة ١٤١٧ هـ. ق.

٢٨ ـ الحدائق الناضرة :

تاليف يوسف بن احمد بن ابراهيم البحراني (١١٠٧ ـ ١١٨٦ هـ) نشردار الاضواء بيروت الطبعة الثانية سنة ١٤٠٥ هـ. ق.

٢٩ ـ الحق المبين :

تاليف محسن بن مرتضى المعروف ب : الفيض الكاشاني ( ١٠٠٧ ـ ١٠٩١ هـ) نشر دار احياء الاحياء قم (المطبوع ضمن الاصول الاصيلة)

٣٠ ـ الخصال :

تاليف الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بايويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) نشر جماعة المدرسين قم سنة ١٤٠٣ هـ. ق.

٣١ ـ الدرر النجفية :

تاليف يوسف بن احمد بن ابراهيم البحراني (١١٠٧ ـ ١١٨٦ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث قم.

٣٢ ـ الدروس الشرعية :

تاليف محمد بن مكي بن محمد العاملي المعروف ب : الشهيد الاول (٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ) ، نشر جماعة المدرسين قم الطبعة الاولى سنة ١٤١٤ هـ. ق.

٣٣ ـ ذخيرة المعاد :

تاليف محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري (١٠١٧ ـ ١٠٩٠ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث قم.

٣٤ ـ الذريعة الى أصول الشريعة :

تاليف علي بن الحسين بن موسى علم الهدت المعروف ب : السيد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ) نشر جامعة طهران.

٣٥ ـ ذكرى الشيعة :

تاليف محمد بن مكي بن محمد العاملي المعروف ب : الشهيد الاول (٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ) مكتبة بصيرتي قم.


٣٦ ـ رجال العلامة الحلي ( الخصلاصة) :

تاليف أبي منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) انتشارات الرضي قم سنة ١٤٠٢ هـ. ق.

٣٧ ـ رجال النجاشي :

تاليف أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ) نشر جماعة المدرسين ، قم ، سنة ١٤٠٧ هـ. ق.

٣٨ ـ الرجال لابن داود :

تاليف حسن بن علي بن داود الحلي المعروف ب : أبن داود (٦٤٧ ـ ٧٤٠ هـ) انتشارات الرضي قم.

٣٩ ـ الرسائل الاصولية :

تاليف العلامة المجدد محمد باقر محمد أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ)

نشر مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني الطبعة الاولى ١٤١٦ هـ.

٤٠ ـ رسائل محقق الكركي :

تاليف الشيخ علي بن الحسين الكركي المعروف ب : المحقق الثاني (٩٤٠ ـ ٨٦٨ هـ).نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي رحمه الله قم الطبعة الاولى سنة ١٤٠٩ هـ. ق.

٤١ ـ الرعاية في علم الدارية :

تاليف زين الجين بن علي بن أحمد العاملي المعروف ب : الشيهد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٥ هـ) نشر مكتبة آية الله المرعشي رحمه الله الطبعة الثانية سنة ١٤١٣ هـ. ق.

٤٢ ـ روض الجنان في شرح إرشاج الأذهان :

تاليف زين الدين بن علي بن احمد العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) مؤسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

٤٣ ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية :

تاليف زين العابدين بن علي بن احمد العاملي الجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) نشر مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت.

٤٤ ـ روضة المتقين :

تاليف العلامة المولى محمد تقي المجلسي (١٠٠٣ ـ ١٠٧٠ هـ) نشر مؤسسة المعارف الاسلامية الطبعة الثانية ١٤٠٦ هـ.


٤٥ ـ رياض المسائل :

تاليف علي بن محمد بن علي الطباطبائي (١١٦١ ـ ١٢٣١ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث قم سنة ١٤٠٤ هـ. ق.

٤٦ ـ زبده البيان :

تاليف أحمد بن محمد الأردبيلي المعروف ب : المقدس الأردبيلي (٩٩٣ هـ) نشر مؤتمر المقدس الأردبيلي رحمه الله الطبعة الأولى قم سنة ١٣٧٥ ش.

٤٧ ـ السرائر :

تاليف أبي جعفر محمد بن منصور بن احمد بن أدريس الحلي (٥٩٨ هـ) نشر جماعة المدرسين قم الطبعة الثانية سنة ١٤١٢ هـ. ق.

٤٨ ـ سنن ابن ماجة :

تاليف محمد بن يزيد القزويني (٢٠٧ ـ ٢٧٥ هـ) نشر دار الفكر بيروت.

٤٩ ـ السنن الكبرى :

تاليف أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (٣٨٤ ـ ٤٥٨ هـ) نشر دار المعرفة بيروت سنة ١٤١٣ هـ. ق.

٥٠ ـ سنن النسائي :

تاليف : أبي عبد الرحمان أحمد بن علي بن شعيب النسائي (٢١٥ ـ ٣٠٣ هـ) نشر إحياء التراث العربي بيروت.

٥١ ـ شرائع الاسلام :

تاليف أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف ب : المحقق الحلي نشر دار الأضواء بيروت الطبعة الثانية ١٤٠٣ هـ.

٥٢ ـ شرح نهج البلاغة :

تاليف عبدالله بن هبة الله المعروف ب : ابن ابي الحديد (٥٨٦ ـ ٦٥٦ هـ) نشردار احياء الثراث العربي بيروت الطبعة الثانية سنة ١٣٨٥ هـ. ق.

٥٣ ـ عدة الاصول :

تاليف أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) نسر موسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث قم الطبعة الاولى سنة ١٤٠٣ هـ. ق.


٥٤ ـ علل الشرائع :

تاليف أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) نشر المكتبة الحيدرية النجف الأشرف سنة ١٣٨٥ هـ. ق.

٥٥ ـ عوالي اللالي :

تاليف محمد بن علي بن ابراهيم الإحسائي المعروف ب : ابن أبي جمهور (٨٨٠ هـ) انتشارات سيد الشهداء قم الطبعة الاولى سنة ١٤٠٣ هـ. ق.

٥٦ ـ عيون اخبار الرضا عليه السلام :

تاليف أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت الطبعة الأولى سنة ١٤٠٤ هـ.

٥٧ ـ غرر الحكم ودرر الكلم للأمدي :

تاليف عبد الواحد بن محمد تميمي أمدي (٥٥٠ هـ) مشر مكتب الإعلام الاسلامي طبعة الاولى.

٥٨ ـ الغيبة للطوسي :

تاليف : أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) نشر مؤسسة المعارف الإسلامية قم الطبعة الاولى سنة ١٤١١ هـ. ق.

٥٩ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري :

تاليف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ) نشردارالريان للتراث القاهرة الطبعة الاولى سنة ١٤٠٧ هـ. ق.

٦٠ ـ فقه اللغة وسر العربية :

تاليف أبي منصور إسماعيل الثعالبي (٤٢٩ هـ) منشورات اسماعيليان.

٦١ ـ الفقه المنسوب للامام الرضا عليه السلام :

نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام الطبعة الأولى ١٤٠٦ هـ.

٦٢ ـ الفوائد الحائرية :

تاليف العلامة المجدد محمدباقر بن أكمل الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ) نشر مجمع الفكر الاسلامي الطبعة الاولى ١٤١٥ هـ.


٦٣ ـ الفوائد المدنية :

تاليف : محمد أمين بن محمد شريف الاسترابادي (١٠٣٣ هـ) دارالنشر لأهل البيت عليه السلام.

٦٤ ـ فواتح الرحموت :

تاليف عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري (١٢٢٥ هـ) المطبوع مع المستصفى.

٦٥ ـ الفهرست :

تاليف أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) منشورات الشريف الرضي قم.

٦٦ ـ القاموس المحيط :

تاليف مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروز آبادي (٧٢٩ ـ ٨١٧ هـ) نشر دار الجيل بيروت.

٦٧ ـ قرب الاسناد :

تاليف أبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري ( القرن الثالث هـ) نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم الطبعة الاولى سنة ١٤١٣ هـ. ق.

٦٨ ـ قواعد الأحكام :

تاليف حسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف ب : العلامة الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) نشر منشورات الرضي قم.

٦٩ ـ القواعد والفوائد :

تاليف أبي عبدالله محمد بن مكي العاملي المعروف ب : الشهيد الأول (٧٣٤ ـ ٧٨٦).نشر مكتبة المفيد قم.

٧٠ ـ الكافي :

تاليف أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (٣٢٩ هـ) نشردار الكتب الاسلامية طهران الطبعة الرابعة سنة ١٣٦٥ هـ. ش.

٧١ ـ كشف اللثام :

تاليف محمد بن الحسن بن محمد الاصفهاني المعروف ب : الفاضل الهندي (١٠٦٢ ـ ١١٣٧ هـ) نشر مكتبة آية اللهه المرعشي رحمه الله قم سنة ١٤٠٥ هـ. ق.


٧٢ ـ كفاية الأحكام :

تاليف محمد باقر بن محمد مومن السبزواري (١٠٩٠ هـ) نشر مدرسة صدر المهدوي اصفهان.

٧٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة :

تاليف أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) جماعة المدرسين قم.

٧٤ ـ كمال الدين وتمام النعمة :

تاليف أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي الصدوق (٣٠٩ ـ ٣٨١ هـ) جماعة المدرسين قم.

٧٥ ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال :

تاليف علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (٩٧٥ هـ) نشر مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤١٣ هـ. ق.

٧٦ ـ لسان العرب :

تاليف أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (٦٣٠ ـ ٧١١ هـ) نشردار الفكر بيروت.

٧٧ ـ المبسوط في فقه الإمامية :

تاليف أبي جعفر محمدبن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) المكتبة الرضوية.

٧٨ ـ مجمع البحرين :

تاليف فخر الدين بن محمد بن علي بن احمد الطريحي (٩٧٩ ـ ١٠٨٥ هـ) منشورات دار مكتبة الهلال بيروت.

٧٩ ـ مجمع البيان في تفسير القران :

تاليف أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (٥٤٨ هـ) نشردار مكتبة الحياة بيروت.

٨٠ ـ مجمع الفائدة والبرهان :

تاليف أحمد بن محمد الأردبيلي المعروف ب : المقدس الأردبيلي (٩٩٣ هـ) نشر جماعة المدرسين قم سنة ١٤٠٣ هـ. ق.


٨١ ـ المحاسن :

تاليف أبي جعفر بن محمد بن خالد البرقي (٢٧٤ هـ) نشر المجمع العالمي لاهل البيت قم الطبعة الأولى سنة ١٤١٣ هـ. ق.

٨٢ ـ المحصول في علم اصول الفقه :

تاليف فخر الدين محمدبن عمر بن الحسين الرازي (٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ) نشر مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية سنة ١٤١٢ هـ. ق.

٨٣ ـ مختلف الشيعة :

تاليف أبي منصور حسن بن يوسف ين علي بن المطهر الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) نشر مكتبة نينوى الحديثة طهران.

٨٤ ـ مدارك الأحكام :

تاليف السيد محمد بن علي الموسوي العاملي ـ ٩٤٦ ـ ١٠٠٩ هـ).

نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث مشهد المقدس الطبعة الأولى سنة ١٤١٠ هـ. ق.

٨٥ ـ مرآة العقول :

تاليف محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي الثاني (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ)

نشر دار الكتب الإسلامية طهران الطبعة الثانية سنة ١٤٠٤ هـ. ق.

٨٦ ـ مسالك الأفهام :

تاليف زين الدين بن على بن أحمد العاملي والجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) نشر دار الهدى للطباعة والنشر قم.

٨٧ ـ المسائل الناصرية (ضمن جوامع الفقهية) :

تاليف علي بن الحسين بن موسى علم الهدى المعروف ب : السيد المرتضى (٤٣٦ ـ ٣٥٥ هـ) نشر مكتبة اية الله المرعشي النجفي رحمه الله قم سنة ١٤٠٤

٨٨ ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل :

تاليف الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد النوري الطبرسي (١٢٥٤ ـ ١٣٢٠ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم الطبعة الاولى سنة ١٤٠٧ هـ. ق.


٨٩ ـ المستصفى من علم الأصول :

تاليف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (٤٤٥ ـ ٥٠٥ هـ) نشردار الفكر بيروت.

٩٠ ـ مستمسك العروة الوثقى :

تاليف محسن بن مهدي بن صالح الطباطبائي الحكيم (١٣٠٦ ـ ١٣٩٠ هـ) نشر مكتبة اية الله المرعشي رحمه الله قم الطبعة الرابعة سنة ١٤٠٤ هـ. ق.

٩١ ـ مستند العروة الوثقى :

تاليف السيد أبوالقاسم ين علي أكبر الموسوي الخوئي (١٤١٣ ـ ١٣١٧ هـ). نشر مدرسة دار العلم.

٩٢ ـ مسند الامام أحمد بن حنبل :

تاليف أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (١٦٤ ـ ٢٤١ هـ) دار إحياء التراث العربي بيروت.

٩٣ ـ مشارق الشموس :

تاليف حسين بن محمد بن حسين الخوانساري (١٠١٦ ـ ١٠٩٩ هـ) نشرمؤسسة ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم.

٩٤ ـ مطارح الأنظار ( تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري) :

تاليف الشيخ أبوالقاسم كلانتري نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم سنة ١٤٠٤ هـ. ق.

٩٥ ـ معارج الأصول :

تاليف أبوالقاسم جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الهذلي المعروف ب : المحقق الحلي (٦٠٢ ـ ٦٧٦ هـ) نشر مؤسسة ال البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم الطبعة الأولى سنة ١٤٠٣ هـ. ق.

٩٦ ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين= معالم الاصول :

تاليف الشيخ السعيد جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي (٩٥٩ ـ ١٠١١ هـ) نشر جماعة المدرسين قم سنة ١٤٠٦ هـ. ق.

٩٧ ـ المعتبر :

تاليف أبوالقاسم جعفر بن الحسن بن يحيى المحقق الحلي (٦٠٢ ـ ٦٧٦ هـ) نشر مؤسسة سيد الشهداء قم سنة ١٣٦٤ هـ. ش.


٩٨ ـ المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة :

تاليف سيد كاظم محمدي وشيخ محمد دشتي نشر الامام علي عليه السلام قم الطبعة الثانية سنة ١٣٦٩ هـ. ش.

٩٩ ـ مفاتيح الاصول :

تاليف محمد بن علي بن محمد علي المجاهد الطباطبائي (١١٨٠ ـ ١٢٤٢ هـ) نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام قم.

١٠٠ ـ مفاتيح الشرائع :

تاليف محسن بن مرتضى بن فيض الله المعروف ب : ملا محسن الفيض الكاشاني (١٠٠٨ ـ ١٠٩٠ هـ) نشر مجمع الذخائر الاسلامية قم سنة ١٤٠١ هـ. ق.

١٠١ ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة :

تاليف السيد محمد جواد الحسيني العاملي (١٢٢٦ هـ) مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

١٠٢ ـ المقنع :

تاليف أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) المطبوع مع الجوامع الفقهية.

١٠٣ ـ المكاسب :

تاليف الشيخ المرتضى الأنصاري (١٢١٤ ـ ١٢٨١ هـ) نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم.

١٠٤ ـ ملاذ الأخيار :

تاليف العلامة محمد باقر المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ) نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي ١٤٠٦ هـ.

١٠٥ ـ منتهى المطلب :

تاليف أبي منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) الطبعة الحجرية.

١٠٦ ـ المنخول :

تاليف أبوحامد محمد بن محمد الغزالي (٤٥٠ ـ ٥٠٥ هـ) نشردار الفكر دمشق الطبعة الثانية سنة ١٤٠٠.


١٠٧ ـ من لايحضره الفقية :

تاليف أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ) نشر دار الكتب الاسلامية طهران الطبعة الخامسة سنة ١٣٩٠ هـ. ق.

١٠٨ ـ منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال :

تاليف المولى الميرزا محمد الاستر آبادي (طبعة حجرية ايران)

١٠٩ ـ منية المريد :

تاليف زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب : الشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ هـ) نشر مكتب الإعلام الاسلامي قم الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ. ق.

١١٠ ـ المهذب :

تاليف عبد العزيز بن بحر ابن البراج الطرابلسي (٤٠٠ ـ ٤٨١ هـ) نشر جماعة المدرسين قم سنة ١٤٠٦ هـ. ق.

١١١ ـ المهذب البارع :

تاليف جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي (٧٥٧ ـ ٨٤١ هـ) جماعة المدرسين قم ١٤٠٧ هـ.

١١٢ ـ النودار :

تاليف أحمد بن محمدبن عيسى الاشعري القمي (٢٠٣ هـ) نشر مدرسة الامام المهدي (عج) قم المقدسة سنة ١٤٠٨

١١٣ ـ نهاية المرام :

تاليف السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (٩٤٦ ـ ١٠٠٩ هـ) جماعة المدرسين قم الطبعة الاولى ١٤١٣ هـ.

١١٤ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر :

تاليف أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ) انتشارات إسماعيليان قم الطبعة الرابعة سنة ١٣٦٧ هـ. ش.

١١٥ ـ نهج البلاغة (شرح محمد عبده) :

نشر مكتب الأعلام الإسلامي الطبعة الأولى سنة١٤١١ هـ. ق.


١١٦ ـ الوافي :

تاليف محسن بن مرتضى بن فيض الله المعروف ب : ملا محسن الفيض الكاشاني (١٠٠٨ ـ ١٠٩٠) نشر مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام اصفهان الطبعة الاولى سنة ١٤١٢ هـ. ق.

١١٧ ـ الوافية :

تاليف عبد الله بن محمد التوني البشروي المعروف ب : الفاضل التوني (... ـ ١٠٧١) نشر مجمع الفكر الإسلامي قم الطبعة الاولى سنة ١٤١٢ هـ. ق.

١١٨ ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :

تاليف الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ) نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم الطبعة الاولى سنة ١٤٠٩ هـ. ق.


فهرس الموضوعات

العنوان

الصفحة

عدم جواز تقليد الميت......................................................................... ٥

حكم عبادة الجاهل.......................................................................... ٣١

أصالة طهارة الأشياء........................................................................ ٤٩

حكم العصير التمري والزبيبي................................................................ ٥٥

رؤية الهلال............................................................................... ١١٩

الإفادة الإجمالية........................................................................... ١٥٣

صحة الجمع بين الفاطميتين................................................................ ١٦٧

حكم متعة الصغيرة........................................................................ ٢٣١

القرض بشرط المعاملة المحاباتية.............................................................. ٢٤١

أصالة عدم صحة المعاملات................................................................. ٢٩٧

أصالة الصحة والفساد في المعاملات......................................................... ٣١١

فهرس الآيات............................................................................. ٣٢١

فهرس الأحاديث.......................................................................... ٣٢٣

فهرس الكتب............................................................................. ٣٢٩

المنابع والمآخذ............................................................................. ٣٣١

فهرس الموضوعات......................................................................... ٣٤٧

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:
الصفحات: 345