في بقية المأثور عنه من محاورات

احتجاجية وأجوبة مسائل في شتى

فنون المعرفة ، وكتبه ، ومفردات

حَكَميةّ في آداب الأخلاق



تمهيد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله الطيبيّن الطاهرين ، سادات الخلق أجمعين ، ورضي الله عن الصحابة المهتدين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد : فهذه إضمامة عبقة ، من عِطر النبوّة منتشقة ، بشذى الإمامة مونقة ، رعى باقَتها حبرُ الأمة عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه ، فضمّنها من بليغ الكَلِم ، وموفور الحِكَم ، ومن المحاورات أعظمها حجة ، وأظهرها محجة ، وليس بغريب منه ذلك ، وهو الذي قد تربّى على يد مَن هو أفصح مَن نطق بالضاد ، وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومِن بعده تخرّج على يد مَن سنّ الفصاحة لقريش ، وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم هو بعدُ من بني هاشم الذين كانوا على حدّ قول الجاحظ : ( مِلحُ الأرض ، وزينة الدنيا ، وحُلي العالَم ، والسنام الأضخم ، والكاهل


الأعظم ، ولباب كلّ جوهر كريم ، وسرّ كلّ عنصر شريف ، والطينة البيضاء ، والمغرس المبارك ، والنصاب الوثيق ، ومعدن الفهم ، وينبوع العلم ) (١).

ولقد ذكرت جملة منها فيما تقدم في الجزء الرابع ، وهذه هي البقية المنتقاة ، تضم من محاوراته مع فئات من النواصب ، مختلفة المشارب والمذاهب ، من غير الحاكمين ، كإحتجاجاته مع الخوارج ، ومع المجبّرة من أهل الشام والقدرية ، ومَن كان يعلن بسبّ الإمام عليه‌السلام من قريش وغيرهم ، وكم هدى الله به من تائهين مضَللّين ، فآبوا إلى الحق وتابوا من ذنوبهم ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام حين أعطاه الراية في يوم خيبر : ( فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) (٢) ، فهنيئا لك أبا العباس ، كم هديت من الناس.

مضافاً إلى أجوبة مسائل سئل عنها رضي‌الله‌عنه فأجاب عليها ، وهي في شتى فنون المعرفة ، ويتلوها نماذج من كتبه التي دارت بينه وبين الآخرين ، وهي بحق تعتبر وثائق ذات قيمة معرفية في التاريخ ، لم أقف على نحوها كمّاً وكيفاً رُويت عن غيره من سائر الصحابة ، سوى معلمّه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وستأتي الإشارة إلى أنّ الإمام عليه‌السلام كان يعتمد عليه ، فربما أمره بتحرير أجوبة بعض الكتب عن لسانه ، كما سيأتي ذكر الشاهد على ذلك.

ثم أتبعتها ـ تلكم الكتب ـ بمفردات كَلِمه وبليغ حِكمه ، بما يغني التراث

____________

١ ـ زهر الآداب ١ / ٥٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ / ٢٠٧ و ٥ / ٧٧ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٢.


في محاسن الأخلاق وتهذيب النفوس ، وتصلح أن يتخذ منها نماذج تربوية صالحة في الآداب.

ولقد انتهجت نهج الشريف الرضي قدس‌سره في تبويبه ( نهج البلاغة ) ، حيث قدَم الخُطب ، ثم الرسائل ، ثم منثور الحكم ، ولم لا أقتفي أثره؟ وهو قدس‌سره أحسنَ التبويبَ ، فاختار من كلّ موضوع أعظمه خطراً ، وأبلغه فصاحة ، مستوعباً النفائس من مختاره ، وأنا أعرض من غرس زكيّ لدوحة هاشمية ، بعض ثماره ، قد سقيت بماء المكرمات من الينبوع العذب السلسال في تياره ، فهو تلميذ الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، وهو صاحبه البرّ الوفي ، ومستشاره الأمين ، ووزيره الصفيّ. فما نقرؤه من كلامه إنّما هو نبع من ينابيع تلك الحكم الخالدة ، نفعنا الله تعالى منها بإفضاله ، ومتعنا بإمتثال أقواله ، بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله عليهم‌السلام.



الفصل الخامس

مواقف ابن عباس مع أصحاب الفرق والمذاهب



لا يعدم الباحث الشواهد على ما ابتلي به ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، من خصومات عقائدية عنيفة لا تقل في عنفها عن تلك الخصومات السياسية ، فالخوارج ، والمجبّرة ، والقدرية ، وحتى اليهود والنصارى ، كانوا في مسائلهم جازوا عَنَتاً وعُنفاً ما كان يلاقيه من خصومه السياسيين من الحاكمين والتابعين لهم.

وكان أكثر أولئك جَدَلاً هم الخوارج ، وأشدّههم عنفاً وجرأة نافع بن الأزرق الخارجي ـ رأس الأزارقة ـ كما أنّ أهونهم شرّاً هو نجدة بن عامرـ ابن عويمر ـ رأس النجدات ، ولعلّ ما هو أعظم عناءاً وبلاءاً ما كان يلاقيه من مولاه عكرمة البربري ، حتى وصفه بالخبيث ، كما مرّ في ذكره مع تلامذته والرواة عنه ، وسيأتي مزيد إيضاح عنه في آخر البحث ، سوى ما يأتي في الحلقة الرابعة من نماذج أكاذيبه.

أمّا المجبّرة فكانت الفرقة التي احتضنتها السلطة في الشام ، فنفثت سُمومَها من خلال مقالاتها الباطلة ، إذ كان الأموي الماكر ، معاوية الكافر ، يغدق لهم العطاء ، وينعم عليهم بالجزاء ، ويكيد بهم الإسلام ، سواء في الشام أو غيرها مع الذين يفدون إلى الحرمين أيام الحج وغيرها ، كما ستأتي


الشواهد على ذلك.

وكذلك القدرية الذين كانوا يعلنون خلافهم حتى في المسجد الحرام ، إذ اتخذوه نادياً لإشهار مقالاتهم الفاسدة.

فكان لابن عباس معهم مواقف صارمة في دحض عقائدهم الباطلة.

وكذلك مع مستسلمة أهل الكتاب مثل كعب الأحبار وغيره من الذين أدخلوا معهم رواسب الإسرائيليات التي في نفوسهم إلى أذهان السذّج من الرعاع ، فشوشت أذهان العامّة ، ولا تزال بعض كتب التفسير والحديث تروي الكثير منها.

وأعطف على أولئك وهؤلاء ما كان يُفاجأ به معاوية الحاكم باسم الإسلام من مسائل حُكّام الأروام ، فيعجز عن الجواب ، فيلجأ إلى إمام أهل البيت عليهم‌السلام الذي هو باب مدينة العلم ، ومن بعده إلى ابن عمه عبد الله بن عباس ، كما ستأتي الشواهد على ذلك.

وهكذا كانت معاناة ابن عباس من أصحاب الفرق الضالة ، والمقالات الباطلة ، فلنبدأ بقراءة الشواهد على تلك المعاناة :


مع الخوارج

لقد ظهر أسم الخوارج والمحكّمة من حين التحكيم في واقعة صفين ، فهم الذين قبلوا به واضطروا الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى قبوله ، وبالرغم من تحذيره لهم من مغبَة العاقبة ، ولكنهم أصروا عناداً ، وازدادوا عتواً ونفوراً حين لم يرضوا إلاّ بتحكيم أبي موسى الأشعري ، ورفض من أراد الإمام تحكيمه كعبد الله بن عباس أو الأشتر أو الأحنف ، ولكنّهم أكرهوه على قبول الأشعري حَكَماً ، ثم سرعان ما نقضوا ما أبرموا ، ونكصوا عما دبّروا وأعلنوا ، ولكن بعد فوات الأوان ، إذ أن وثيقة الصلح يمتد أمدها إلى ستة أشهر على أن يجتمع الحكمان فيحكمان بما في كتاب الله تعالى ، وهذا ما رفضه الخوارج وهم بعدُ في صفين ، وأعترفوا بخطأهم وطلبوا من الإمام عليه‌السلام أن ينقض عهده ووعده قبل أن يأتي موعد التحكيم وينظر في نتيجته ، فأنخزلوا عنه عند رجوعه إلى الكوفة ، ففارقوه ونزلوا حروراء ، ومنذ ذلك الحين سمّوا بالحرورية ، وبدأت محاولات الإمام عليه‌السلام لإستصلاحهم بإرسال من يعظهم ويحاججهم ، وكان رجل الساعة والساحة هو ابن عمه عبد الله بن عباس ، الذي مرّت في الحلقة الأولى قراءة بعض مواقفه ومشاركته فيها ، ومواقفه معهم ، فهم ومن ذلك الحين صاروا يعرفون ابن عباس جيداً ، رجل علم وسياسة ، ورجل الجدال والنزال ، وكلّما مرّت السنون سراعاً في أيامها ،


ظهرت لابن عباس حقائقهم ومدى إصرارهم على ضلالاتهم ، كما ظهرت لهم أيضاً حقيقة ابن عباس على واقعها في مبادئها التي لم تعجب الخوارج كثيراً ، بل كانت ضدّ مذهبهم في مقولتهم ( إنّ من لم يكن معهم في فكرتهم فهو فاسق ، وهو غير مؤمن ، فيحلّ قتله وقتل أطفاله واستحياء نسائه ) ، ولولا سيطرة الحاكمين وضجيج المسلمين من جرائمهم وفظائع أعمالهم ، لعاثوا في الأرض فساداً أكثر ممّا عملوا ، حيث أفشوا القتل الذريع خصوصاً في مخالفيهم في العقيدة ، وقويت شوكتهم بمكة في أيام ابن الزبير ، فكانوا يحجون على راية لوحدههم على تعدد فرقهم.

وكان أشدّ فرق الخوارج منابذة لابن عباس هم الأزارقة تبعاً لرئيسهم نافع بن الأزرق ، وله مواقف خصومة وجدل مع ابن عباس ، سنأتي على ذكرها قريباً كما ستأتي جملة مسائله في غريب القرآن في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

وقد كان أهونهم تسامحاً هم النجدات أتباع نجدة بن عويمر ـ عامر ـ الذي كان يسأل ابن عباس عن بعض الأحكام الشرعية ، ويستخدم تلك الكتابات وسيلة إقناع للأتباع بأنّه لم يمرق من الدين كما مرق غيره من بقية فرق الخوارج ، وستأتي بعض كتبه.

ولنبدأ الآن بما جرى بينه وبين زعماء الخوارج من محاورات بدءاً من أيام التحكيم الأولى في حروراء ومروراً بما نجم من خلاف ، سعُر أواره في حرب النهروان ، ومن بعدُ في يوم النخيلة ، وانتهاءاً بما كان يجري مع الأفراد من رجالهم المبرّزين ، كزمعة بن خارجة ونافع بن الأزرق ـ رأس الأزارقة


من فرق الخوارج ـ ونجدة بن عامر ـ عويمر ـ رأس النجدات من فرق الخوارج ـ وغيرهم ، ثم نعقّب على هذا باستعادة ما مرّ في الجزء الرابع من الحلقة الأولى ، من فرية صلعاء ، وكذبة شنعاء ، نقلت ابن عباس من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، فجعلته مع الخوارج في رأيه ، فكفّ عنهم سيفه ، وفارق صفّه ، بل وصار محامياً عنهم (؟).

وبعد الإنتهاء من محاوراته مع الخوارج نعود إلى ذكر بقية محاوراته مع أهل الشام ، وغيرهم من النواصب الذين كانوا يعلنون بسبّ الإمام عليه‌السلام ، كما ربّاهم على ذلك معاوية ( لعنه الله ) حتى هرم على ذلك الكبير منهم وشاب عليه الصغير فيهم. وقد هدى الله تعالى بمحاورات ابن عباس رضي‌الله‌عنه بعض أولئك المغرّر بهم فصاروا من المهتدين ، نتيجة تلك المحاورات العلمية.

أوّلاً : مع الخوارج من البداية إلى النهاية.

قال أبو المظفر الإسفرايني ( ت ٤٧١ هـ ) في كتابه ( التبصير ) في الباب الرابع مقالات الخوارج وبيان فضائحهم :

( وقال ـ عليّ رضي‌الله‌عنه ـ لمّا أراد أن يبتدأ القتال : لا يقتل منّا عشرة ولا ينجو منهم عشرة ...

والتحم القتال حتى لم يبق من جملة الخوارج إلاّ تسعة ، فوقع اثنان منهم إلى سجستان ، واثنان إلى اليمن ، واثنان إلى عُمان ، واثنان إلى الجزيرة ، وواحد إلى ناحية الأنبار ، وخوارج هذه النواحي من أتباع هذه التسعة ، وأمر عليّ رضي‌الله‌عنه أصحابه بطلب ذي الثدية ، فوجدوه قد هرب


واستخفى في موضع فظفروا به وتفحصوا عنه فوجدوا له ثدياً كثدي النساء ، فقال عليّ رضي‌الله‌عنه عنه صدق الله وصدق رسوله وأمر بقتله فقتل ، وقد كان مرّ على النبيّ ذو الثدية وهو يقسم غنائم بدر فقال له : أعدل يا محمّد ، فقال له عليه‌السلام : خبت وخسرت إذاً من يعدل ، ثم قال : ( إنّه يخرج من ضئضىء هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) (١).

( هذه قصة المحكّمة الأولى ، وهم يكفرون بتكفيرهم عليّاً وعثمان وتكفيرهم فساق أهل الملّة ، ثم خرج بعدهم جماعة من الخوارج بأرض العراق فكان عليّ رضي‌الله‌عنه يبعث إليهم السرايا ويقاتلهم إلى أن استأثر الله بروحه ونقله إلى جنته ، وبقيت الخوارج على مذهب المحكّمة الأولى إلى أن ظهرت فتنة الأزارقة منهم ، فعند ذلك اختلفوا كما نذكره إن شاء الله تعالى ).

الفرقة الثانية : الأزارقة.

( منهم الأزارقة وهم أتباع رجل منهم يقال له أبو راشد نافع بن الأزرق الحنفي ، ولم يكن للخوارج قوم أكثر منهم عدداً ، وأشد منهم شوكة ، ولهم مقالات فارقوا بها المحكّمة الأولى ، وسائر الخوارج : منها أنّهم يقولون إنّ من خالفهم من هذه الأمّة فهو مشرك ، والمحكّمة كانوا يقولون أنّ مخالفهم كافر ولا يسمونه مشركاً ، وممّا اختصوا به أيضاً أنّهم يسمون من لم يهاجر إلى ديارهم من موافقيهم مشركاً وإن كان موافقاً لهم في مذهبهم ، وكان

____________

١ ـ أخرجه الشيخان وغيرهما بالفاظ متقاربة وعادة المصنف في الغالب رواية الحديث بالمعنى ، راجع جمع الفوائد ٢ / ٢٨٨.


من عاداتهم فيمن هاجر إليهم أن يمتحنوه بأن يسلّموا إليه أسيرا من أسراء مخالفيهم وأطفالهم ويأمروه بقتله ، ويزعمون أيضاً أن أطفال مخالفيهم مشركون ، ويزعمون أنّهم يخلدون في النار.

وأوّل من أظهر هذه البدع الزائدة على أولئك رجل منهم يدعى عبد ربه الكبير (١) ، وقيل عبد ربه الصغير ، وقيل عبد الله بن الوضين (٢) ، وكان نافع ابن الأزرق يخالفه حتى مات ثم رجع إلى مذهبه.

وقد أطبقت الأزارقة على أنّ ديار مخالفيهم ديار الكفر ، وأنّ قتل نسائهم وأطفالهم مباح ، وأنّ رد أماناتهم لا تجب لنص كتاب الله تعالى حيث قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )(٣) ، وزعموا أيضاً أنّ الرجم لا يجب على الزاني المحصن ، خلافاً لإجماع المسلمين ، وقالوا إنّ من قذف رجلاً محصناً فلا حدّ عليه ، ومن قذف امرأة محصنة فعليه الحدّ ، وقالوا إنّ سارق القليل يجب عليه القطع ، وهذه بدع زادوا بها على جميع الخوارج ، ( فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ )(٤).

وهذه الأزارقة غلبوا على بلاد الأهواز وأرض فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير حين بعث عاملاً له على البصرة ، فأخرج سرية إلى قتالهم

____________

١ ـ بايعه الخوارج الذين انشقوا من قطري بن الفجاءة كما تجد تفصيل ذلك في الكامل للمبرد.

٢ ـ من رؤوس الأزارقة مات في حدود سنة ( ٦٠ هـ ).

٣ ـ النساء / ٥٨.

٤ ـ البقرة / ٩٠.


وهم ألف مقاتل ، فقتلهم الخوارج ثم بعث إليهم بثلاثة آلاف من المقاتلة فظفر الخوارج أيضاً بهم ، فبعث عبد الله بن الزبير من مكة كتاباً وجعل قتالهم إلى المهلّب بن أبي صفرة (١). حتى جمع عسكراً عظيماً وهزم نافع بن الأزرق (٢) وجعدة ، وقتل نافع في تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده رجلاً آخر منهم ، فهزمه المهلّب أيضاً وقتلوه في الهزيمة ، فبايعوا قطري بن الفجاءة (٣) التميمي (٤) وسمّوه أمير الموت ، وكان المهلب يقاتلهم حتى هزمهم ، وانحازوا إلى سابور من بلاد فارس ، وجعلوا ذلك دار هجرتهم ، وكان المهلّب وأولاده يقاتلونهم تسع عشرة سنة بعضها في زمان عبد الله بن الزبير وبعضها في زمان عبد الملك بن مروان.

ولمّا ولي الحجاج بن يوسف (٥) العراق أقرّ المهلّب على قتالهم ، وكان يقاتلهم إلى أن ظهر بينهم الخلاف ، وخالف عبد ربه الكبير قطريا ، وخرج إلى جيرفت كرمان في سبعة آلاف رجل ، وخالفه أيضاً عبد ربه الصغير (٦) ، وانحاز إلى ناحية من نواحي كرمان ، وكان المهلّب يقاتل قطريا بناحية سابور إلى أن هزمه فخرج إلى كرمان ، وكان المهلّب يسير على أثره

____________

١ ـ أمير خراسان الداهي صاحب الحروب والفتوح ، مات سنة ( ٨٢ هـ ).

٢ ـ شيخ الأزارقة من الخوارج ، قتل سنة ( ٦٥ هـ ).

٣ ـ اسم امه على ما ذكره المسعودي ويقول المجد انه اسم والده.

٤ ـ هو البطل المعروف عثر به فرسه فمات سنة ( ٧٩ هـ ) وأتى برأسه إلى الحجاج.

٥ ـ هو الثقفي الظالم المشهور ، هلك سنة ( ٩٥ هـ ).

٦ ـ هو أول من هاج ضد قطري بن الفجاءة من الخوارج ، حتى عمت الفتنة بينهم واستمر قتال بعضهم لبعض إلى أن سهل على المهلّب ابادتهم.


ويقاتله حتى هزمه إلى الري ، ثم كان يقاتل عبد ربه الصغير حتى كفى شغله وقتله ، وبعث الحجاج عسكراً عظيماً إلى الري فقاتلوا قطريا فانهزم منهم إلى طبرستان وتبعوه حتى قتلوه وكفى الله تعالى شغله ، وكان قد هرب في جملة من قومه إلى قومس عبيدة بن الهلال اليشكري (١) ، فقصده جند الحجاج حتى قتلوه ، وطهر الله وجه الأرض من جملة الأزارقة ولم يبق منهم واحد.

الفرقة الثالثة : النجدات.

منهم النجدات وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي (٢) ، وكان من حاله أنّه لمّا سمى نافع بن الأزرق مَن كان قد امتنع مِن نصرته مشركاً وأباح قتل نساء مخالفيهم وأطفالهم ، خرج عليه قوم من أتباعه وصاروا إلى اليمامة وبايعوا نجدة ، وقالوا : إنّ من يقول ما قاله نافع فهو كافر ، ثم افترق هؤلاء ثلاث فرق وخرجوا على نجدة ، فصار فريق منهم مع عطية بن الأسود الحنفي (٣) إلى سجستان ، وخوارج سجستان أتباع هؤلاء ، ولذلك كانوا يدعون العطوية ... ) (٤).

ثانياً : محاورات ابن عباس مع الخوارج.

تبدأ محاورات ابن عباس مع الخوارج من بعد رجوعهم من حرب

____________

١ ـ من أصحاب قطري قتله سفيان بن الأبرد سنة ( ٧٧ هـ ) في قومس.

٢ ـ رأس النجدات من الخوارج قتله أصحابه سنة ( ٦٩ هـ ). وإنما قيل لاتباعه النجدات لتفرق من النسبة إلى النجدة.

٣ ـ كان من اصحاب نجدة أرسله إلى سجستان فاظهر مذهبه بمرو منابذاً فعرفت اتباعه بالعطوية.

٤ ـ التبصير / ٢٨ ـ ٣٠ ، الباب الرابع.


صفين ، حين انخزلوا عن الجيش في الكوفة ونزلوا في حروراء ـ قرية بظاهر الكوفة على ميلين منها (١) ـ ، وهناك بدأت أسماء بعض محاوريه تظهر ، فعرفنا منهم : عتاب بن الأعور التغلبي ، الذي تولى الحديث معه نيابة عن الخوارج كما سيأتي خبره ، وعرفنا منهم أيضاً اسم أبي زميل سماك الحنفي ، راوي حديث المحاورة الثانية في الكوفة وقد مرّت روايته في الجزء الرابع من الحلقة الأولى (٢) ، وسنأتي على ذكرها أيضاً ، وعرفنا منهم مسعر بن فدكي التميمي ، الذي رأس الخوارج بالبصرة وخرج مفسداً في الأرض فأرسل ابن عباس أبا الأسود في ألف فارس فأدركهم بالجسر الأكبر ـ جسر تستر ـ وقد مرّ خبره أيضاً في الجزء الرابع من الحلقة الأولى من الموسوعة (٣).

وبعد ذلك بدت تظهر أسماء نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عويمر ، وعطية الحروري ، وزمعة بن خارجة ، وغيرهم ، وهؤلاء جميعاً هم الذين سنقرأ محاورات ابن عباس معهم.

والآن لنقرأ من جديد محاورات ابن عباس مع المحكّمة أوّلاً في حروراء ثمّ في الكوفة ، ونأتي على البقية في مواردها حسب ورودها تاريخياً مع الأحداث :

قال البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، وابن عساكر في تاريخه ، وغيرهما بالسند عن الزهري ، قال : ( لمّا قدم عليّ بن أبي طالب إلى الكوفة من صفين ، خاصمت الحرورية عليّاً ستة أشهر ، وقالوا شككت في أمرك ،

____________

١ ـ مراصد الإطلاع ١ / ٣٩٤.

٢ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ١٦٩.

٣ ـ نفس المصدر ٤ / ٢١٠.


وحكّمت عدوك ... وطالت خصومتهم لعليّ ... فأرسل إليهم عليّ عبد الله بن عباس وصعصعة بن صوحان فدعوا هم إلى الجماعة وناشداهم ... ) (١).

محاورة ابن عباس مع المحكمة في حروراء :

قال ابن اعثم في كتابه ( الفتوح ) وغيره في غيره : ( فبينا عليّ كرّم الله وجهه مقيم بالكوفة ينتظر انقضاء المدّة التي كانت بينه وبين معاوية ثمّ يرجع إلى محاربة أهل الشام ، إذ تحركت طائفة من أصحابه في أربعة آلاف فارس ، وهم من النساك العبّاد أصحاب البرانس ، فخرجوا عن الكوفة وتحزّبوا وخالفوا عليّاً كرّم الله وجهه ، وقالوا : لا حكم إلاّ لله ولا طاعة لمن عصى الله.

قال : وانحاز إليهم نيّف عن ثمانية آلاف رجل ممّن يرى رأيهم ، فصار القوم في اثني عشر ألفاً ، وساروا حتى نزلوا بحروراء ، وأمّروا عليهم عبد الله ابن الكوّاء.

قال : فدعا عليّ رضي‌الله‌عنه بعبد الله بن عباس فأرسله إليهم ، وقال : ( يا بن عباس أمض إلى هؤلاء القوم فأنظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟

[ وأوصاه بقوله : ( لا تخاصمهم بالقرآن ).

فقال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم ، في بيوتنا نزل.

قال : ( صدقت ، ولكن القرآن حمّال ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن

____________

١ ـ أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٣ ، وتاريخ مدينة دمشق ( ترجمة ابن الكواء ).


حاججهم بالسنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً ) (١).

فخرج ابن عباس إليهم فحاججهم بالسنن فلم يبق بأيديهم حجة ] (٢).

قال ابن اعثم في حديثه : فأقبل عليهم ابن عباس حتى إذا أشرف عليهم ونظروا إليه ناداه بعضهم ، وقال : ويلك يا بن عباس أكفرت بربّك كما كفر صاحبك عليّ بن أبي طالب؟

فقال ابن عباس : إنّي لا أستطيع أن أكلمكم كلّكم ، ولكن أنظروا أيّكم أعلم بما يأتي ويذر فليخرج إليَّ حتى أكلّمه.

قال : فخرج إليه رجل منهم يقال له عتاب بن الأعور التغلبي ، حتى وقف قبالته ، وكأنّ القرآن إنّما كان ممثلاً بين عينيه ، فجعل يقول ويحتج ويتكلم بما يريد ، وابن عباس ساكت لا يكلمه بشيء ، حتى إذا فرغ من كلامه ، أقبل عليه ابن عباس ، فقال : إنّي أريد أن أضرب لك مثلاً ، فإن كنت عاقلاً فافهم.

فقال الخارجي : قل ما بدا لك.

فقال له ابن عباس : خبّرني عن دار الإسلام هذه هل تعلم لمن هي؟ ومن بناها؟

فقال الخارجي : نعم ، هي لله عزوجل ، وهو الذي بناها على أيدي أنبيائه وأهل طاعته ، ثمّ أمر من بعثه إليها من الأنبياء أن يأمروا الأمم أن لا يعبدوا إلاّ إياه ،

____________

١ ـ الإتقان للسيوطي ١ / ١٧٥ ، ولابن أبي الحديد المعتزلي في شرح هذه الوصية كلام بدأه بقوله : هذا الكلام لا نظير له في شرفه وعلو معناه ...

٢ ـ الدر المنثور للسيوطي ١ / ١٥ عن ابن سعد.


فآمن قوم وكفر قوم ، وآخر من بعثه إليها من الأنبياء محمّداً صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم.

فقال ابن عباس : صدقت ، ولكن خبّرني عن محمّد حين بعث إلى دار الإسلام فبناها كما بناها غيره من الأنبياء ، هل أحكم عمارتها وبيّن حدودها ، وأوقف الأمّة على سبلها وعملها ، وشرائع أحكامها ومعالم دينها؟

فقال الخارجي : نعم قد فعل محمّد ذلك.

قال ابن عباس : فخبّرني الآن عن محمّد هل بقي فيها أو رحل عنها؟

قال الخارجي : بل رحل عنها.

قال ابن عباس : فخبّرني رحل عنها وهي كاملة العمارة بيّنة الحدود؟ أم رحل عنها وهي خربة ولا عمران فيها؟

قال الخارجي : بل رحل عنها وهي كاملة العمارة ، بيّنة الحدود ، قائمة المنار.

قال ابن عباس : صدقت. الآن ، فخبّرني هل كان لمحمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم أحد يقوم بعمارة هذه الدار من بعده أم لا؟

قال الخارجي : بلى قد كان له صحابة وأهل بيت ووصي وذريّته يقومون بعمارة هذه الدار من بعده.

قال ابن عباس : ففعلوا أم لم يفعلوا؟

قال الخارجي : بلى قد فعلوا وعمروا هذه الدار من بعده.

قال ابن عباس : فخبّرني الآن عن هذه الدار من بعده ، هل هي اليوم


على ما تركها محمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم من كمال عمارتها وقوام حدودها؟ أم هي خربة عاطلة الحدود؟

قال الخارجي : بل هي عاطلة الحدود خربة.

قال ابن عباس : أفذريّته وليت هذا الخراب أم أمته؟

قال : بل أمته.

قال ابن عباس : فأنت من الأمّة أم من الذرية؟

قال : أنا من الأمّة.

قال ابن عباس : يا عتاب فخبرني الآن عنك كيف ترجو النجاة من النار وأنت من أمّة قد أخربت دار الله ودار رسوله ، وعطلت حدودها؟

فقال الخارجي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ويحك يا بن عباس احتلت والله حتى أوقعتني في أمر عظيم ، وألزمتني الحجة حتى جعلتني ممّن أخرب دار الله. ولكن ويحك يابن عباس فكيف الحيلة في التخلص ممّا أنا فيه؟

قال ابن عباس : الحيلة في ذلك أن تسعى في عمارة ما أخربته الأمّة من دار الإسلام.

قال : فدلّني على السعي في ذلك.

قال ابن عباس : إنّ أوّل ما يجب عليك في ذلك أن تعلم من سعى في خراب هذه الدار فتعاديه ، وتعلم من يريد عمارتها فتواليه.

قال : صدقت يا بن عباس ، والله ما أعرف أحداً في هذا الوقت يحبّذ عمارة دار الإسلام غير ابن عمك عليّ بن أبي طالب ، لولا أنّه حكّم عبد الله ابن قيس في حقّ هو له.


قال ابن عباس : ويحك يا عتّاب إنا وجدنا الحكومة في كتاب الله عزوجل أنّه قال تعالى : ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )(١) ، وقال تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ )(٢).

قال : فصاحت الخوارج من كلّ ناحية وقالوا : فكأنّ عمرو بن العاص عندك من العدول؟ وأنت تعلم أنّه كان في الجاهلية رأساً وفي الإسلام ذَنباً ، وهو الأبتر بن الأبتر ، ممّن قاتل محمّداً صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وفتن أمته من بعده.

فقال ابن عباس : يا هؤلاء إنّ عمرو بن العاص لم يكن حَكَماً ( لنا ) أفتحتجون به علينا؟ إنّما كان حَكَماً لمعاوية ، وقد أراد أمير المؤمنين عليّ رضي‌الله‌عنه أن يبعثني أنا فأكون له حَكَماً فأبيتم عليه وقلتم : قد رضينا بأبي موسى الأشعري ، وقد كان أبو موسى لعمري رضىً في نفسه وصحبته وإسلامه وسابقته ، غير أنّه خُدِع فقال ما قال ، وليس يلزمنا من خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى ، فاتقوا ربّكم وارجعوا إلى ما كنتم عليه من طاعة أمير المؤمنين ، فإنّه وإن كان قاعداً عن طلب حقّه ، فإنّما ينتظر إنقضاء المدّة ثمّ يعود إلى محاربة القوم ، وليس عليّ رضي‌الله‌عنه ممّن يقعد عن حقّ جعله الله له.

قال : فصاحت الخوارج وقالوا : هيهات يا بن عباس نحن لا نتولى عليّاً بعد هذا اليوم أبداً ، فارجع إليه وقل له فليخرج إلينا بنفسه حتى نحتج عليه

____________

١ ـ النساء / ٣٥.

٢ ـ المائدة / ٩٥.


ونسمع كلامه ويسمع من كلامنا ، فلعلنا إن سمعنا منه شيئاً يعلق إمّا أن نرجع عمّا إجتمعنا عليه من حربه.

قال : فخرج عبد الله بن عباس إلى عليّ رضي‌الله‌عنه فخبرَه بذلك.

قال : فركب على إلى القوم في مائة رجل من أصحابه حتى وافاهم بحروراء ... ) (١).

هذا جزء من أولى محاورات كانت لابن عباس مع الخوارج ، وقد كان معه في هذه المرّة جماعة من أصحاب الإمام عليه‌السلام ، منهم صعصعة بن صوحان ، وزياد بن النضر الحارثي (٢) ، كما كان معه عبد الله بن شداد ـ وهو ابن خالته ـ وقد حدّث هذا عن ذهابه معه إلى حروراء ، وذلك حين سألته عائشة عن الخوارج ، وكان ذلك بعد رجوعه من العراق إلى المدينة ، وحديثه من الأحاديث الصحيحة ، فقد أخرجه أحمد ، والطبراني ، والحاكم ، والضياء المقدسي ، وأبو يعلى ، والبيهقي ، وغيرهم ، كما سيأتي ذكرهم.

وإلى القارئ لفظ الحديث بلفظ البيهقي في ( سننه الكبرى ) بسنده عن عبد الله بن شداد بن الهاد :

( حديث ابن شداد مع عائشة )

قال : ( قدمت على عائشة رضي‌الله‌عنها ، فبينا نحن جلوس عندها مرجعها من

____________

١ ـ الفتوح ٤ / ٨٩ ، وقارن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٢ / ٣١٩ ط الحيدرية.

٢ ـ أنظر الكامل للمبرد ٣ / ٢١٠ ط نهضة مصر تحـ محمّد أبو الفضل إبراهيم ، والبدء والتاريخ المنسوب لأبي زيد البلخي ٥ / ٢٢٢.


العراق ليالي قوتل عليّ ـ قتل عليّ ـ رضي‌الله‌عنه.

إذ قالت لي : يا عبد الله بن شداد ، هل أنت صادق عمّا أسألك عنه. حدّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليّ.

قلت : وما لي لا أصدقك؟

قالت : فحدّثني عن قصتهم.

قلت : إنّ عليّاً لمّا أن كاتب معاوية وحكّم الحَكَمين ، خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس ، فنزلوا أرضاً من جانب الكوفة يقال لها حروراء ، فإنّهم أنكروا عليه ، فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله وأسماك به ، ثمّ انطلقت فحكّمت في دين الله ولا حكم إلاّ لله ، فلمّا أن بلغ عليّاً ما عتبوا عليه وفارقوه ، أمر فأذّن مؤذّن لا يدخلنّ على أمير المؤمنين إلاّ رجل قد حمل القرآن ، فلمّا أن امتلأ من قرّاء الناس الدار ، دعا بمصحف عظيم فوضعه عليّ رضي‌الله‌عنه بين يديه فطفق يصكّه بيده ويقول : أيّها المصحف حدّث الناس.

فناداه الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ما تسأله عنه ، إنّما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بما روينا منه فماذا تريد؟

قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله تعالى. يقول الله عزوجل في امرأة ورجل : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ )(١) ، فأمّة محمّد أعظم حرمة من امرأة ورجل.

ونقموا عليَّ إنّي كاتبت معاوية وكتبتُ عليّ بن أبي طالب ، وقد جاء سهيل بن

____________

١ ـ النساء / ٣٥.


عمرو ، ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً ، فكتب رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم : بسم الله الرحمن الرحيم.

فقال سهيل : بسم الله الرحمن الرحيم لا تكتب.

قلت : فكيف أكتب؟

قال : أكتب باسمك اللّهمّ.

فقال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم : أكتبه. ثمّ قال : أكتب من محمّد رسول الله.

فقال : لو نعلم أنّك رسول الله لم نخالفك ، فأكتب هذا ما صالح عليه محمّد ابن عبد الله قريشاً.

يقول الله في كتابه : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ )(١).

فبعث إليهم عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عبد الله بن عباس ، فخرجتُ معه حتى إذا توسّطنا عسكرهم ، قام ابن الكوّاء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن إنّ هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ، هذا من نزل فيه وفي قومه : ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )(٢) ، فردّوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله عزوجل ، فقام خطباؤهم فقالوا : والله لنواضعنّه كتاب الله ، فإذا جاءنا بحقّ نعرفه اتبعناه ، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتّنه بباطله ، ولنردنّه إلى صاحبه ، فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة

____________

١ ـ الأحزاب / ٢١.

٢ ـ الزخرف / ٥٨.


آلاف كلّهم تائب ، فأقبل بهم ابن الكواء حتى أدخلهم على عليّ رضي‌الله‌عنه ، فبعث عليّ إلى بقيّتهم ، فقال : ( قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، قفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمّة محمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، وتنزلوا فيما حيث شئتم ، بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلاً وتُطِلّوا دماً ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إنّ الله لا يحب الخائنين.

فقالت عائشة رضي‌الله‌عنها : يا بن شداد فقد قتلهم؟

فقال : والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء وقتلوا ابن خباب واستحلوا أهل الذمة.

فقالت : آلله؟

قلت : آلله الذي لا إله إلاّ هو لقد كان.

قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون به يقولون : ذو الثُدّي ذو الثُدّي؟

قلت : قد رأيته ووقفت عليه مع عليّ رضي‌الله‌عنه في القتلى ، فدعا الناس ، فقال : ( هل تعرفون هذا؟ ).

فما أكثر من جاء يقول قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، فلم يأتوا بثبت إلاّ يعرف ذلك.

قالت : فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟

قلت : سمعته يقول : ( صدق الله ورسوله ).

قالت : فهل سمعت أنت منه قال غير ذلك؟


قلت : اللّهمّ لا.

قالت : أجل صدق الله ورسوله ، يرحم الله عليّاً إنّه من كلامه ، كان لا يرى شيئاً يعجبه إلاّ قال : صدق الله ورسوله ) (١).

____________

١ ـ أخرج حديث عبد الله بن شدّاد بن الهاد جملة من الحفاظ منهم أحمد والطبراني والحاكم وعنهم نقله ابن حجر في فتح الباري ١٢ / ٢٩٦ ط بيروت دار المعرفة ، وأخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة / ٢٢٣ ط مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة سنة ١٤١٠ ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده ١ / ٣٦٧ ط دار المأمون بدمشق سنة ١٤٠٤ ، وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى ٨ / ١٧٩ ط دار الفكر وكذلك ط دار الباز بمكة ، وأخرجه الزيلعي في نصب الراية ٣ / ٤٦١ ط دار الحديث بمصر سنة ١٣٥٧ ، وأخرجه ابن حجر أيضاً في الدراية لتخريج أحاديث الهداية ط دار المعرفة بيروت ، وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار ٧ / ٣٤٩ ط دار الجيل بيروت سنة ١٩٧٣ وهؤلاء كلهم من جهابذة الحفاظ ، سوى غيرهم من المؤرخين كالطبري وابن اعثم وآخرين كثيرين ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الإمام / ١٥٣تحـ المحمودي. ولم يكن محاققة عائشة لعبد الله بن شداد نشأت من فراغ ، لولا أن ابن العاص كان قد كتب إليها بأنه قتل ذا الثدية بنيل مصر فقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن مسروق قالت عائشة : عندك علم عن ذي الثديّة الّذي أصابه عليّ في الحرورية؟ قلت : لا ، قالت فاكتب لي بشهادة من شهدهم ، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كلّ سُبع ثمّ اتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ، قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه فقالت : لعن الله فلاناً فإنه كتب إلي انّه أصابهم بنيل مصر ، ثمّ أرخت عينيها فبكت ، فلمّا سكنت عبرتها قالت رحم الله عليّاً لقد كان على الحقّ ، وما كان بيني وبينه إلاّ كما يكون بين المرأة وأحمائها. راجع أيضاً البداية والنهاية ٧ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ط السعادة بمصر.

ولئن كُتم اسم الكاتب الكاذب الملعون على لسان عائشة فكني عنه ( فلاناً ) ، فان ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٢٠٢ نقل عن كتاب صفين للمدائني التصريح باسمه فقال : عن مسروق ان عائشة قالت له لما عرفت ان عليّاً عليه‌السلام قتل ذا الثدية : لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب الي يخبرني أنّه قتله بالأسكندرية ... وهكذا تُضيّع الحقائق لحساب مضلّلة الأهواء ، وتبقى مقولة لعن الصحابي من الزندقة أليس هذا من الهراء؟


أقول : إنّما ذكرت هذه المحاورة بنصّها كما وردت في مصادر أهل الحديث بأسانيدهم الصحيحة فضلاً عن ورودها في المصادر التاريخية والأدبية ، لأنّي وقفت في كتاب ( العقود الفضية في أصول الأباضية ) على ذكر المحاورة التي دارت بين ابن عباس وبين الخوارج ، وفيها من الدسّ والإفتراء ما يدعو إلى العجَب ، كما سنأتي على ذكرها فيما بعد.

ونعود إلى تتمة حديث الحرورية.

فقد اختلف المؤرخون في ذكر عدد الذين رجعوا إلى الطاعة والجماعة.

فمنهم المقلّ ، فقال : ( رجع منهم ألفان ) ، كالمبرّد في كامله (١) ، والخوارزمي في مناقبه (٢) ، وابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) (٣) ، وابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) (٤) ، وابن عبد البر في ( جامع بيان العلم ) (٥) وآخرين غيرهم.

ومنهم المكثر ، فذهب إلى أنّه ( رجع من الخوارج عشرون ألفاً ) ، كأبي نعيم في ( حلية الأولياء ) (٦). وهذا لا شك عندي فيه وهم من أبي نعيم! لأنّ الخوارج

____________

١ ـ الكامل ٣ / ٢١٢ تحـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.

٢ ـ مناقب الخوارزمي / ١٢٦ ط حجرية.

٣ ـ العقد الفريد ١ / ٣٤٢.

٤ ـ شذرات الذهب ١ / ٥٠.

٥ ـ جامع بيان العلم ٢ / ١٠٤.

٦ ـ حلية الأولياء ١ / ٣١٨.


الحرورية لم يبلغ عددهم جميعاً يومئذ هذا القدر ، وقد مرّ أنّهم إثنا عشر ألفاً فكيف رجع منهم عشرون ألفاً؟! وقال ابن تيمية في كتابه ( الفرقان بين الحقّ والباطل ) : ( فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نصفهم ، والآخرون أغاروا على ماشية الناس واستحلوا دماءهم فقتلوا ابن خباب ... فقاتلهم عليّ ... ) (١).

وما بين المقلّ والمكثر أقوال ، أقومها وأقسطها عندي ما ذكره عبد الله بن شداد بن الهاد في حديثه ، وقد مرّ أنّهم أربعة آلاف ، وقد رواه عنه سوى من تقدم ذكره آنفاً وصححه الحاكم في ( المستدرك ) (٢) ، وأقره الذهبي في تلخيصه ، وذكره القسطلاني في ( إرشاد الساري ) (٣) نقلاً عن الطبراني والحاكم وأبي يعلى من طريق أفلح بن عبد الله.

وهذا هو ما يظهر من كلام المحب الطبري في ( ذخائر العقبى ) ، حيث قال : ( فرجع ثلثهم ، وانصرف ثلثهم ، وقتل سائرهم على الضلالة ) (٤).

ولم يبعد عن ذلك ابن كثير مع التحوير في التعبير ، فقد قال في ( البداية والنهاية ) : ( فرجع بعضهم واستمر بعضهم على ضلالهم ) (٥). وربّما تبع في ذلك غيره.

وحسبنا مثلاً قول ابن سعد في طبقاته : ( فرجع منهم قوم كثير ، وثبت قوم على رأيهم ) (٦).

____________

١ ـ مؤلفات ابن تيمية ١٣ / ٢٠٨ ط الثانية.

٢ ـ مستدرك الحاكم ٢ / ١٥٣.

٣ ـ إرشاد الساري ١٠ / ٨٨.

٤ ـ ذخائر العقبى / ٢٢٣.

٥ ـ البداية والنهاية ٧ / ٢٧٩.

٦ ـ طبقات ابن سعد ٣ ق ١ / ٢١٠.


محاورة ابن عباس مع المحكّمة في الكوفة

أ ـ بين يدي المحاورة :

قال المبرّد : ( ويروى أنّ عليّاً في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة ابن صوحان العبدي ـ وقد كان وجّهه إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن العباس ـ فقال لصعصعة : ( بأيّ القوم رأيتهم أشد إطافة )؟

فقال : بيزيد بن قيس الأرحبي.

فركب عليّ إليهم إلى حروراء ، فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلّى فيه ركعتين ، ثمّ خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على الناس ، ثمّ قال : ( هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة. أنشدكم الله ، أعلمتم أحداً منكم كان أكره للحكومة مني )؟

قالوا : اللّهمّ لا.

قال : ( أفعلمتم أنّكم أكرهتموني حتى قبلتها )؟

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : ( فعلامَ خالفتموني ونابذتموني )؟

قالوا : إنّا أتينا ذنباً عظيماً ، فتبنا إلى الله ، فتب إلى الله منه وأستغفره نَعُد لكَ.

فقال عليّ : ( إنّي أستغفر الله من كلّ ذنب ).


فرجعوا معه وهم ستة آلاف ، لمّا استقروا بالكوفة أشاعوا أنّ عليّاً رجع عن التحكيم ورآه ضلالاً ، وقالوا : إنّما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمنَ الكراع ويُجبى المال ، فينهض إلى الشام.

فأتى الأشعث بن قيس عليّاً عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد تحدثوا أنّك رأيت الحكومة ضلالاً ، والإقامة عليها كفراً؟

فخطب عليّ الناس ، فقال : ( من زعم إنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب ، ومن رآها ضلالاً فهو أضلّ ).

فخرجت الخوارج من المسجد فحكّمت. فقيل لعليّ : إنّهم خارجون عليك.

فقال : ( لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون ).

فوجّه إليهم عبد الله بن العباس ... ) (١).

أقول : لعن الله الأشعث بن قيس ، فقد كان كما تخيّله أبو بكر من قبل يوم أتي به أسيراً بعد ردّته ، فقد قال أبو بكر في مثلثاته : ( وأما اللاتي تركتهنّ ، فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ، فإنّه تخيّل إليّ أنّه لا يرى شراً إلاّ أعان عليه ) (٢).

ب ـ توثيق المحاورة :

والآن فلنقرأ ما رواه ابن عباس عما جرى له مع أولئك المحكمة وهم في الكوفة وقد اعتزلوا في دار ، ولنوثق ذلك أوّلاً ، وحديثه رواه النسائي في

____________

١ ـ الكامل للمبرد ٣ / ٢١٠.

٢ ـ أنظر كتاب المحسن السبط مولود أم سقط / ٢٠٢ ، فما بعدها تجد المصادر من كتب السنّة ، فراجع.


السنن (١) ، وفي الخصائص (٢) ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام عليه اسلام (٣) ، كما رواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) (٤) ، ورواه الحاكم في ( المستدرك ) (٥) ، وقد صححه وأقره الذهبي في التلخيص ، ورواه البيهقي في ( السنن الكبرى ) (٦) ، ورواه الضياء المقدسي في ( الأحاديث المختارة ) بأسانيد متعددة آخرها ذكر أنّه برواية أبي داود صاحب السنن (٧) ، ورواه البسوي في ( المعرفة والتاريخ ) (٨) ، ورواه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وقال رواه الطبراني وأحمد ببعضه ورجالهما رجال الصحيح (٩) ، ورواه ابن كثير في ( البداية والنهاية ) نقلاً عن أحمد ، وقال : واسناده صحيح (١٠) ، والذهبي في ( تاريخ الإسلام ) (١١).

وإليكم نص المحاورة برواية أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس ـ وأبو زميل هذا كان قد هوى نجدة بن عويمر الخارجي فهو خارجي الهوى غير متهم في حديثه عن ابن عباس عند أصحابه فيما جرى بينهم ـ :

____________

١ ـ السنن الكبرى ٥ / ١٠٥ ـ ١٦٩.

٢ ـ الخصائص / ٤٨ ط مصر سنة ١٣٤٨ و ٢ / ١٩٥ ـ ٢٠٠ ط مكتبة المعلا بالكويت سنة ١٤٠٦.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ( ترجمة الإمام ) ٢ / ١٥٠.

٤ ـ المعجم الكبير ١٠ / ٢٥٧ ط الموصل.

٥ ـ مستدرك الحاكم ٢ / ١٦٥ ط افست بيروت.

٦ ـ السنن الكبرى ٨ / ١٧٩.

٧ ـ الأحاديث المختارة / ٤١١ ـ ٤١٦.

٨ ـ المعرفة والتاريخ ١ / ٥٢٢ ـ ٥٢٤ ط أوقاف بغداد.

٩ ـ مجمع الزوائد ٦ / ٢٤١.

١٠ ـ البداية والنهاية ٧ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

١١ ـ تاريخ الإسلام ٢ / ١٨٣ ط القدسي بمصر سنة ١٣٦٨ هـ.


ج ـ نص المحاورة :

( قال ابن عباس : لمّا اعتزلت الخوارج الحرورية ، دخلوا داراً واعتزلوا في دار على حدتهم وكانوا ستة آلاف (١) وأجمعوا أن يخرجوا على عليّ بن أبي طالب وأصحاب النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم معه.

قال : وكان لا يزال يجيء إنسان فيقول : يا أمير المؤمنين إنّ القوم خارجون عليك. فيقول : ( دعوهم فإنّي لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون ).

فلمّا كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : يا أمير المؤمنين أبرِد بالصلاة ـ بالظهر أي أخّرها حتى يبرد الوقت ـ لعليّ آتي هؤلاء القوم فأكلّمهم.

قال : ( إنّي أخافهم عليك ).

قال : قلت : كلاّ.

قال : فخرجت آتيهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية وترجّلت ، فأتيتهم ودخلت عليهم وهم مجتمعون في دار ، وهم قائلون في نحر الظهيرة نصف النهار فسلّمت عليهم.

فقالوا : مرحباً بك يا أبا عباس فما هذه الحلّة؟

قال : قلت : ما تعيبون عليّ ، لقد رأيت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن ما

____________

١ ـ أنظر سنن النسائي ٥ / ١٠٥ ، والخصائص له أيضاً وسنن البيهقي والمعرفة والتاريخ وغيرها ذكر هذا العدد ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ١٨٣ وهم ستة آلاف أو نحوها.


يكون من الحلل ، ونزلت : ( قل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ )(١).

قالوا : فما جاء بك؟

قلت : أتيتكم من عند أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصهره ، لأبلّغكم ما يقولون ، وتُخبرون بما يقولون ، فعليهم نزل القرآن وهم أعلم بالوحي منكم ، وفيهم أنزل ، وليس فيكم منهم أحد.

فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشاً فإنّ الله يقول : ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )(٢).

قال ابن عباس : وأتيت قوماً لم أر قوماً قط أشدَّ إجتهاداً منهم ، مسهمة وجوههم من السهر كأنّ أيديهم ورُكبهم كأنّها ثفن الإبلُ ، ووجوههم معلَّمة من آثار السجود ، وعليهم قمص مرحضّة مشمرَّين.

ـ أقول : قمصٌ مرحضَة أي مغسولة ـ.

فقال اثنان أو ثلاثة : لو كلّمتهم ، فانتحى لي نفر منهم ، قال بعضهم : لنكلمنّه ولننظرن ما يقول.

قلت : أخبروني ، هاتوا ما نقمتم على ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصهره والمهاجرين والأنصار؟

قالوا : ثلاثاً.

____________

١ ـ الأعراف / ٣٢.

٢ ـ الزخرف / ٥٨.


قلت : ما هنّ؟

قالوا : أمّا إحداهنّ فإنّه حكّم الرجال في أمر الله ، قال الله عزوجل : ( إِنْ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ )(١) ، ما شان الرجال والحكم؟

فقلت : هذه واحدة.

قالوا : وأمّا الثانية فإنّه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فلئن كان الذين قاتل كفاراً لقد حلّ سبيهم وغنيمتهم ، ولئن كانوا مؤمنين ما حلّ سبيهم ولا قتالهم.

قلت : هذه ثنتان ، فما الثالثة؟

قالوا : إنّه محا اسمه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

قلت : هل عندكم شيء غير هذا؟

قالوا : حسبنا هذا.

فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله جلّ ثناؤه وسنة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يردّ به قولكم أترضون؟ أترجعون؟

قالوا : نعم.

فقلت لهم : أمّا قولكم حكّم الرجال في أمر الله ، فإنّي أقرأ عليكم ما قد ردّ حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوه من الصيد ، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه ، أرأيتم قول الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا

____________

١ ـ الأنعام / ٥٧.


قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ )(١) ، وكان من حكم الله أنّه صيّره إلى الرجال يحكمون فيه ، ولو شاء يحكم فيه ، فجاز من حكم الرجال. فنشدتكم بالله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم؟

قالوا : بل هذا أفضل.

وقال الله عزوجل في المرأة وزوجها : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )(٢) ، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل أم حكمهم في بُضع امرأة؟ فجعل حكم الرجال سنّة ماضية. أخرجت من هذه؟

قالوا : نعم.

قلت : وأمّا قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أفتسبون أمّكم عائشة تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم : إنّا نستحل منها ما نستحلّ من غيرها فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمّنا فقد كفرتم ، فإنّ الله تعالى يقول : ( النبيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )(٣) ، فأنتم تدورون بين ضلالتين أيّهما صرتم إليها صرتم إلى ضلالة ، فاتوا منها بمخرج فاختاروا أيتهما شئتم؟ ـ فنظر بعضهم إلى بعض ـ قلت : أفخرجت من هذه؟

قالوا : نعم.

____________

١ ـ المائدة / ٩٥.

٢ ـ النساء / ٣٤.

٣ ـ الأحزاب / ٦.


قال : قلت : وأمّا قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بما ترضون ، أراكم قد سمعتم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يوم الحديبية كاتب المشركين سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب ، فقال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم لأمير المؤمنين : ( أكتب يا عليّ : هذا ما أصطلح عليه محمّد رسول الله ). فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنّك رسول الله ، لو نعلم أنّك رسول الله ما قاتلناك. فقال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم : ( اللّهمّ إنّك تعلم أنّي رسولك ، أكتب يا عليّ : هذا ما أصطلح عليه محمّد بن عبد الله ). فوالله لرسول الله خير من عليّ ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوّة. أخرجت من هذه؟

قالوا : نعم.

قال عبد الله بن عباس : فرجع منهم ألفان ، وخرج سائرهم فقتلوا على ضلالهم ، قتلهم المهاجرون والأنصار ).

أقول : لقد ذكر عبد الرزاق في ( المصنف ) هذه المحاورة (١) ، ولم يذكر في أوّلها أنّهم كانوا ستة آلاف ، وذكر في آخرها : ( فرجع منهم عشرون ألفاً وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا ) ، وأحسبه قد وهم في ذكر رجوع عشرين ألفاً ، والصواب ما مرّ من رجوع الفين وبقي منهم أربعة آلاف على ضلالتهم ، فصاروا جميعاً ستة آلاف ، وهو ما مرّ ذكره عن سنن النسائي

____________

١ ـ المصنف ١٠ / ١٥٧ ـ ١٦٠ منشورات المجلس العلمي.

وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٥٧. ط أفست الإسلامية ، وقال : أخرجه الطبراني ، والحاكم وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في سننه.


والخصائص له ، وسنن البيهقي ، و ( المعرفة والتاريخ ) للبسوي ، وغيرهم.

ولمّا كانت المحاورات متعددة ومتشابهة في النقض والإبرام ، كما أنّها كانت متعاقبة من الحبر ابن عباس والإمام عليه‌السلام ، فهي مظنة للإيهام ومزلّة الأقلام على تعاقب الأيام.

ومن شاء الإستزادة في المقام فليراجع المصادر التالية مضافاً إلى ما مرّ ذكره :

١ ـ ( مصباح الأنوار ) للشيخ الجليل هاشم بن محمّد ، ( مخطوط ).

ومن المطبوعات :

٢ ـ بحار الأنوار ) ٨ / ٦١١ ـ ٦١٩ ط كمپاني.

٣ ـ ( درر البحار ) ٣ / ٢٨٥ ط حجرية.

٤ ـ ( شرح نهج البلاغة ) للمعتزلي ١ / ٢١٦ ط مصر الأولى.

٥ ـ ( مناقب الخوارزمي ) ١٧٥ ـ ١٧٦ ط حجرية.

٦ ـ ( كنز العمال ) ٦ / ٧٩ ط حيدر آباد الأولى.

٧ ـ ( أحكام القرآن ) للجصاص ٣ / ٤٩٤.

٨ ـ ( كفاية الطالب ) للشنقيطي٨١ ط الإستقامة بمصر.

٩ ـ ( رغبة الآمل في شرح الكامل ) ٥ / ١٧٠.

١٠ ـ ترجمة تاريخ ابن أعثم ٣١٩ ط حجرية. مضافاً إلى ما مرّ من أصله العربي.

١١ ـ ( مطالب السؤول ) لابن طلحة الشافعي١٥٢ ط حجرية.

١٢ ـ ( ناسخ التواريخ ) ٣ / كتاب٣ / ٥٧٥ ط حجرية.

١٣ ـ ( الفرق الإسلامية ) للبشبيشي ط الرحمانية بمصر.


فسينغضون إليك رؤوسهم

لم يبرح الخوارج قذىً في عهد الولاة منذ عهد الإمام عليه‌السلام فمن بعده ، وفي حكم الأمويين تزايد شرّهم ، وحتى أيام ابن الزبير فقد أصابه منهم نصيب غير منقوص ، وكلّما وجدوا مجالاً ثاروا وقتلوا الناس ظلماً ، وتعالى نشاطهم أيام حصار الجيش الأموي بقيادة الحصين بن نمير لعبد الله بن الزبير ، فتوافدوا على مكة رجالاً وركباناً ، وانضموا إلى صفوف جنده ، ولمّا هلك يزيد بن معاوية ( لعنه الله ) ، ووضعت الحرب أوزارها في سنة ( ٦٤ هـ ) أضحوا قوّة يُحسب لها حسابها ، وثقلاً يهددّ كيان الدولة.

وقد أفاض الطبري في سبب مفارقتهم لابن الزبير ، فلنقرأ ماذا قال :

قال الطبري في تاريخه : تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم

( ( ذكر الخبر عن فراق الخوارج عبد الله بن الزبير )

وفى هذه السنة ( ٦٤ هـ ) فارق عبد الله بن الزبير الخوارج الذين كانوا قدموا عليه مكة ، فقاتلوا معه حصين بن نمير السكوني فصاروا إلى البصرة ، ثم افترقت كلمتهم فصاروا أحزاباً.

ذكر الخبر عن فراقهم ابن الزبير والسبب الذي من أجله فارقوه والذي من أجله افترقت كلمتهم.

حدثت عن هشام بن محمد الكلبيّ ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى ، قال : حدثني أبو المخارق الراسبي ، قال : لمّا ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبى بلال ما ركب ، وقد كان قبل ذلك لا يكف عنهم ولا يستبقيهم ، غير أنّه بعد قتل أبى بلال تجرّد لاستئصالهم وهلاكهم ، واجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة وسار إليه


أهل الشام ، فتذاكروا ما أتى إليهم ، فقال لهم نافع بن الأزرق : إن الله قد أنزل عليكم الكتاب وفرض عليكم فيه الجهاد واحتج عليكم بالبيان ، وقد جرّد فيكم السيوف أهل الظلم ، وأولو العدى والغَشم ، وهذا مَن قد ثار بمكة فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق هذا الرجل ، فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو ، وإن يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا ونظرنا بعد ذلك في أمورنا ، فخرجوا حتى قدموا على عبد الله بن الزبير فسرّ بمقدمهم ونبّأهم أنّه على رأيهم ، وأعطاهم الرضا من غير توقف ولا تفتيش ، فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف أهل الشام عن مكة.

ثم إنّ القوم لقي بعضهم بعضاً فقالوا : إنّ هذا الذي صنعتم أمس بغير (١) رأى ولا صواب من الأمر ، تقاتلون مع رجل لا تدرون لعلّه ليس على رأيكم ، إنّما كان أمس يقاتلكم هو وأبوه ينادى يا لثارات عثمان ، فأتوه وسلوه عن عثمان فإن برئ منه كان وليّكم ، وإن أبى كان عدوكم (٢).

فمشوا نحوه فقالوا له : أيّها الانسان إنّا قد قاتلنا معك ولم نفتشك عن رأيك حتى نعلم أمنّا أنت أم من عدونا؟ خبرّنا ما مقالتك في عثمان؟

فنظر فإذا مَن حوله مِن أصحابه قليل ، فقال لهم : إنّكم أتيتموني فصادفتموني حين أردت القيام ، ولكن روحوا إليّ العشية حتى أعلمكم من ذلك الذي تريدون ، فانصرفوا. وبعث إلى أصحابه فقال : البسوا السلاح وأحضروني بأجمعكم العشية ففعلوا ، وجاءت الخوارج وقد أقام أصحابه حوله سماطين

____________

١ ـ ابن الأثير : ( لغير رأي ).

٢ ـ ابن الأثير : ( لغير رأي ).


عليهم السلاح ، وقامت جماعة منهم عظيمة على رأسه بأيديهم الأعمدة (١).

فقال ابن الأزرق لأصحابه : خشي الرجل غائلتكم وقد أزمع بخلافكم (٢) ، واستعد لكم ، ما ترون؟

فدنا منه ابن الأزرق ، فقال له : يا ابن الزبير اتق الله ربك وابغض الخائن المستأثر ، وعادِ أوّل من سنّ الضلالة وأحدث الأحداث ، وخالف حكم الكتاب ، فإنّك إن تفعل ذلك ترض ربك وتنج من العذاب الأليم نفسك وإن تركت ذلك فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم وأذهبوا في الحياة الدنيا طيباتهم.

يا عبيدة بن هلال صف لهذا الانسان ومن معه أمرنا الذي نحن عليه والذي ندعو الناس إليه. فتقدم عبيدة بن هلال.

قال هشام : قال أبو مخنف : وحدثني أبو علقمة الخثعمي عن قبيصة (٣) ابن عبد الرحمن القحافي من خثعم قال : أنا والله شاهد عبيدة بن هلال إذ تقدم فتكلم ، فما سمعت ناطقاً قط ينطق كان أبلغ ولا أصوب قولاً ، منه وكان يرى رأى الخوارج.

قال : وإن كان ليجمع القول الكثير ، في المعنى الخطير ، في اللفظ اليسير.

قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أمّا بعد فإنّ الله بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو إلى عبادة الله وإخلاص الدين فدعا إلى ذلك فأجابه المسلمون ، فعمل

____________

١ ـ ابن الأثير : ( العمد ).

٢ ـ ( خلافكم ).

٣ ـ ( عن أبي قبيصة ) والصواب ما أثبت.


فيهم بكتاب الله وأمره حتى قبضه الله إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستخلف الناس أبا بكر ، واستخلف أبو بكر عمر ، فكلاهما عملا بالكتاب وسنّة رسول الله ، فالحمد لله ربّ العالمين.

ثم إنّ الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الأحماء فآثر القربى واستعمل الفتى (١) ، ورفع الدرّة ، ووضع السوط ، ومزّق الكتاب وحقّر المسلم ، وضرب منكري (٢) الجور ، وآوى طريد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضرب السابقين بالفضل ، وسيرّهم وحرمهم ، ثم أخذ فيء الله الذي أفاءه عليهم فقسّمه بين فسّاق قريش ومُجّان العرب ، فسارت إليه طائفة من المسلمين أخذ الله ميثاقهم على طاعته ، لا يبالون في الله لومة لائم ، فقتلوه ، فنحن لهم أولياء ومن ابن عفان وأوليائه برآء ، فما تقول أنت يا ابن الزبير؟

قال : فحمد الله ابن الزبير وأثنى عليه ، ثم قال : أمّا بعد فقد فهمتُ الذي ذكرتم وذكرت به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو كما قلت صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفوق ما وصفته ، وفهمتُ ما ذكرت به أبا بكر وعمر وقد وُفْقت وأصبت ، وقد فهمتُ الذي ذكرت به عثمان بن عفان رحمة الله عليه ، وإنّي لا أعلم مكان أحد من خلق الله اليوم أعلم بابن عفان وأمره منّي ، كنت معه حيث نقم القوم عليه واستعتبوه ، فلم يدع شيئاً استعتبه القوم فيه إلاّ أعتبهم منه ، ثم إنّهم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنّه كتبه فيهم يأمر فيه بقتلهم ، فقال لهم : ما كتبته فإن شئتم فهاتوا بيّنتكم ، فإن لم تكن حلفت لكم ، فوالله ما جاؤوه ببينة ولا استحلفوه ، ووثبوا عليه فقتلوه ، وقد

____________

١ ـ ابن الأثير : ( الغني ).

٢ ـ ابن الأثير : ( منكر الجواد ).


سمعتُ ما عبته به ، فليس كذلك ، بل هو لكلّ خير أهل ، وأنا أشهدكم ومن حضر (١) أنّى وليّ لابن عفان في الدنيا والآخرةٌ ووليّ أوليائه وعدُوّ أعدائه.

قالوا : فبرئ الله منك يا عدو الله.

قال : فبرئ الله منكم يا أعداء الله. (٢)

____________

١ ـ ابن الأثير : ( حضرني ).

٢ ـ ذكر ابن عبد ربّه الأندلسي في ( العقد الفريد ) خطبة ابن الزبير في الخوارج فقال :

( فنظر بعضهم الى بعض ثم انصرفوا عنه ، وكتب بعد ذلك نافع بن الأزرق الى عبد الله بن الزبير يدعوه الى أمره : أمّا بعد ...

وقد حضرت عثمان يوم قتل ، فلعمري لئن كان قتل مظلوماً فقد كفر قاتلوه وخاذلوه ، وإن كان قاتلوه مهتدين ـ وإنّهم لمهتدون ـ لقد كفر من تولاه ونصره ، ولقد علمت أنّ أباك وطلحة وعليّاً كانوا أشدّ الناس عليه ... وكانوا في أمره بين قاتل وخاذل ، وأنت تتولى أباك وطلحة وعثمان ، فكيف ولاية قاتل متعمد ومقتول في دين واحد ، ولقد ملك ( ولي ) عليّ بعده ، فنفى الشبهات ، وأقام الحدود ، وأجرى الأحكام مجاريها ، وأعطى الأمور حقها فيما عليه وله ، فبايعه أبوك وطلحة ، ثم خلعا بيعته ظالمين له ، وإن القول فيك وفيهما لكما.

قال ابن عباس رحمه‌الله : إن يكن عليّ في وقت معصيتكم ومحاربتكم له كان مؤمناً لقد كفرتم بقتال المؤمنين وأئمة العدل ، وإن كان كافراً كما زعمتم وفي الحكم جائراً ، فقد بؤتم بغضب من الله بفراركم من الزحف ولقد كنت له عدواً ، وليس له عائباً ، فكيف توليته بعد موته؟ ) ( العقد الفريد ٢ / ٣٩٤ ).

وفي تاريخ ابن الأثير : ( وتفرق القوم ، فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي ، وعبد الله بن صفار السعدي من بنى صريم بن مقاعس ، وعبد الله بن أباض أيضاً من بنى صريم ، وحنظلة بن بيهس ، وبنو الماحوز : عبد الله ، وعبيد الله والزبير من بنى سليط بن يربوع وكلهم من تميم ، حتى أتوا البصرة ، وانطلق أبو طالوت بن زمان بن مالك بن صعب بن علي بن مالك بن بكر ابن وائل ، وعبد الله بن ثور أبو فديك من بنى قيس بن ثعلبة ، وعطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة ، فوثبوا باليمامة مع أبي طالوت ، ثم أجمعوا بعد ذلك على نجدة بن عامر الحنفي ، فأمّا البصريون منهم فإنّهم قدموا البصرة وهم مجمعون على رأي أبى بلال ) ( الكامل في التاريخ ٤ / ١٦٧ ).


قال هشام : قال أبو مخنف لوط بن يحيى : فحدثني أبو المثنى عن رجل من إخوانه من أهل البصرة : أنّهم اجتمعوا فقالت العامّة منهم : لو خرج منّا خارجون في سبيل الله فقد كانت منّا فترة منذ خرج أصحابنا فيقوم علماؤنا في الأرض فيكونون مصابيح الناس يدعونهم إلى الدين ويخرج أهل الورع والإجتهاد فيلحقون بالربّ فيكونون شهداء مرزوقين عند الله أحياء.

فانتدب لها نافع بن الأزرق فاعتقد على ثلاثمائة رجل فخرج ، وذلك عند وثوب الناس بعبيد الله بن زياد ، وكسر الخوارج أبواب السجون وخروجهم منها ، واشتغل الناس بقتال الأزد وربيعة وبنى تميم وقيس في دم مسعود بن عمرو ، فاغتنمت الخوارج اشتغال الناس بعضهم ببعض ، فتهيؤا واجتمعوا ، فلمّا خرج نافع بن الأزرق تبعوه ، واصطلح أهل البصرة على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب يصلى بهم ، وخرج ابن زياد إلى الشام ، واصطلحت الأزد وبنو تميم ، فتجرد الناس للخوارج فاتبعوهم وأخافوهم ، حتى خرج من بقي منهم بالبصرة فلحق بابن الأزرق إلاّ قليلاً منهم ممن لم يكن أراد الخروج يومه ذلك ، منهم عبد الله بن صفار وعبد الله بن أباض ورجال معهما على رأيهما ، ونظر نافع بن الأزرق ورأى أنّ ولاية مَن تخلف عنه لا تنبغي ، وأن من تخلف عنه لا نجاة له ، فقال لأصحابه : إنّ الله قد أكرمكم بمخرجكُم وبصّركم ما عمي عنه غيركم ، ألستم تعلمون أنّكم إنّما خرجتم تطلبون شريعته وأمره؟ فأمره لكم قائد ، والكتاب لكم إمام ، وإنّما تتبعون سننه وأثره؟


فقالوا : بلى.

فقال : أليس حكمكم في وليكم حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وليّه ، وحكمكم في عدوّكم حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدوّه؟ وعدوكم اليوم عدوّ الله وعدّو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنّ عدو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ هو عدو الله وعدّوكم اليوم.

فقالوا : نعم.

قال : فقد أنزل الله تبارك وتعالى : ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )(١) ، وقال : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ )(٢) ، فقد حرّم الله ولايتهم والمقام بين أظهرهم ، وإجازة شهادتهم ، وأكل ذبائحهم ، وقبول علم الدين عنهم ، ومناكحتهم ومواريثهم ، وقد احتج الله علينا بمعرفة هذا ، وحق علينا أن نعلّم هذا الدين الذين خرجنا من عندهم ولا نكتم ما أنزل الله ، والله عزوجل يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )(٣) ، فاستجاب له إلى هذا الرأي جميع أصحابه.

فكتب من عبيد الله نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن صفار ، وعبد الله بن أباض ، ومن قبلهما من الناس : سلام على أهل طاعة الله من عباد الله ، فإنّ من الامر كيت وكيت ـ فقصّ هذه القصة ووصف هذه الصفة ـ ثم بعث بالكتاب إليهما ، فأُتيا به ، فقرأه عبد الله بن صفار فأخذه فوضعه خلفه ، فلم

____________

١ ـ التوبة / ١.

٢ ـ البقرة / ٢٢١.

٣ ـ البقرة / ١٥٩.


يقرأه على الناس خشية أن يتفرقوا ويختلفوا.

فقال له عبد الله بن أباض : مالك لله أبوك أيّ شئ أُصبت أن قد أصيب إخواننا أو أُسر بعضهم؟

فدفع الكتاب إليه فقرأه ، فقال : قاتله الله أيّ رأي رأى ، صدق نافع بن الأزرق لو كان القوم مشركين كان أصوب الناس رأياً وحكماً فيما يشير به وكانت سيرته كسيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المشركين ، ولكنّه قد كذب وكذبنا فيما يقول ، إنّ القوم كفّار بالنعم والأحكام ، وهم برآء من الشرك ، ولا يحلّ لنا إلاّ دماؤهم ، وما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام.

فقال ابن صفار : برئ الله منك فقد قصرت ، وبريء الله من ابن الأزرق فقد غلاٌ ، برئ الله منكما جميعاً.

وقال الآخر : فبرئ الله منك ومنه.

وتفرّق القوم واشتدت شوكة ابن الأزرق وكثرت جموعه (١) وأقبل نحو البصرة ... ) (٢). انتهى ما أردنا نقله عن الطبري.

ومنه علمنا أنّ الخوارج الذين كانوا بمكة أيام ابن الزبير هم الذين ابتلي ابن عباس بمسائلهم.

ولنبدأ بعرض محاوراته مع رموزهم وزعماء فرقهم :

____________

١ ـ بعدها في ابن الأثير : ( وأقام بالأهواز يجبي الخراج ويتقوّى به ).

٢ ـ تاريخ الطبري ٤ / ٤٣٦ ـ ٤٤٠.


فأوّلهم : نافع بن الأزرق

وكان من المتشددين في مذاهبهم ، وهو أوّل من أحدث الخلاف بينهم ، ففارقه النجدات أتباع نجدة بن عويمر ـ عامر ـ وغيرهم ، وبقي معه طائفة هم الأزارقة ، ولهم تطرّف في سلوكهم مع باقي المسلمين ، فيرون كما يقول الأشعري : ( أنّ كلّ كبيرة كفر ، وأنّ الدار دار كفر ـ ويعنون دار مخالفيهم ـ وأنّ كلّ مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً ، ويكفرون عليّاً ـ رضي‌الله‌عنه ـ في التحكيم ، ويكفرون الحكمين ـ أبا موسى وعمرو بن العاص ـ ويرون قتل الأطفال ) ، ( ويرون أنّ أطفال المشركين في النار ، فإنّ حكمهم حكم آبائهم ، وكذلك أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم ) ، إلى غير ذلك من مقالات شاذة (١) ...

( محاورات نافع مع ابن عباس )

وكان جريئاً على ابن عباس ، فقد كانت تبدر منه الكلمة النابية ، فيغضي

____________

١ ـ راجع بشأنها : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين ١ / ١٥٩ ـ ١٦٢ ، لأبي الحسن الأشعري ت ٣٣٠ هـ ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط مصر ١٣٦٩ هـ ، التنبيه والرد / ٥٦ و ١٦٧ ، للملطي ت ٣٧٧ هـ ط الأولى١٣٦٩ هـ ، ولمعرفة المزيد عن نافع بن الأزرق ، فراجع شرح نهج البلاغة ٤ / ١٣٦ ، لابن أبي الحديد ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ستجد قول ابن أبي الحديد عنه : ( وكان شجاعاً مقدماً في فقه الخوارج ، واليه تنسب الأزارقة ، وكان يفتي بأن الدار دار كفر ، وأنهم جميعاً في النار ، وكل من فيها كافر ، إلا من أظهر إيمانه ، ولا يحلّ للمؤمنين أن يجيبوا داعياً منهم إلى الصلاة ، ولا أن يأكلوا من ذبائحهم ، ولا أن يناكحوهم ، ولا يتوارث الخارجي وغيره ، وهم مثل كفار العرب وعبدة الأوثان ، لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ... فتفرق عنه جماعة من الخوارج ).


عنه ابن عباس ، ويتحملها بحلمه ، رجاء أن يستصلحه بعلمه ، ولكن الذي خبث لا يخرج إلاّ نكداً.

لقد روى الشيخ الطوسي في كتابه ( التبيان ) :

( أنّ نافع بن الأزرق قال لابن عباس : يا أعمى القلب ، يا أعمى البصر ، تزعم أنّ قوماً يخرجون من النار ، وقد قال تعالى : ( وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا )(١)؟

فقال ابن عباس : ويحك أوما فقهتَ؟ هذه للكفار ) (٢).

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره ، بسنده عن يوسف بن ماهك ، أنّه حدثهم :

( إنّ ابن الأزرق ـ يعني نافعاً صاحب الأزارقة ـ كان يأتي عبد الله بن عباس ، فإذا أفتى ابن عباس ، فيرى هو أنّه ليس بمستقيم ، يقول له : قف من أين أفتيت بكذا وكذا؟ ومن أين كان؟

فيقول ابن عباس : أوقاف مَن كذا وكذا.

حتى ذكر يوماً الهدهد ، فقال : قف كيف تزعم أنّ الهدهد يرى مسافة الماء تحت الأرض ، وقد يذرّ على الفخ التراب فيصطاد؟

فقال ابن عباس : لولا أن يذهب فيقول كذا وكذا فرددت عليه لم أقل شيئاً ، إنّ البصر ينفع ما لم يأت القدر ، فإذا جاء القدر حال دون البصر.

فقال ابن الأرزق : لا أجادلك بعدها في شيء من كتاب الله. أو قال : في شيء ) (٣).

____________

١ ـ المائدة / ٣٧.

٢ ـ التبيان ٣ / ٥١١ ط العلمية بالنجف الأشرف.

٣ ـ تفسير أبي حاتم ٩ / ٢٨٦٠ ط صيدا.


أقول : لقد نقد الزمخشري في ( الكشاف ) هذه الرواية لا لقول نافع لابن عباس يا أعمى البصر يا أعمى القلب ... فحسب ، بل لأنّ الرواية فرية تمسك بها المجبرة ، فقال : ( وما يروى أنّ نافع بن الأزرق قال لابن عباس : يا أعمى البصر أعمى القلب ، تزعم أنّ قوماً يخرجون من النار وقد قال الله تعالى : ( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا )(١) ، فقال : ويحك إقرأ ما فوقها ، هذا للكفار. فمما لفّقته المجبّرة ، وليس تكاذبهم وفراهم ، وكفاك بما فيه من مواجهة ابن الأزرق ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بين أظهر أعضاده من قريش ، وأنصاره من بني عبد المطلب ، وهو حبر الأمة ، وبحرها ومفسّرها ، بالخطاب الذي لا يجسر على مثله أحد من أهل الدنيا ، وبرفعه إلى عكرمة دليلين ناصعين أنّ الحديث فرية ما فيها مرية ) (٢).

وقد ردّ عليه أحمد ابن المنبر الأسكندري المالكي في كتابه ( الإنتصاف فيما تضمنه الكشاف من الإعتزال ) ، قال : ( في هذا الفصل من كلامه وتمشدقه بالسفاهة على أهل السنة ورميهم بما لا يقولون به من الأخبار بالكذب والتخليق والإفتراء ما يحمي الكبد المملوء بحبّ السنة وأهلها على الإنتصاب للإنتصاف منه ، ولسنا بصدد تصحيح هذه الحكاية ، ولا وقف الله صحة العقيدة على صحتها ) (٣).

ونحن أيضاً نقول معه : كذلك لسنا بصدد تصحيح هذه الحكاية فإنّه :

____________

١ ـ المائدة / ٣٧.

٢ ـ الكشاف ١ / ٤٥٨ ط البابي الحلبي وأولاده بمصر ١٣٦٧ هـ.

٣ ـ المصدر السابق.


ما في الديار أخو وجد نطارحه

حديثّ نجد ولا خلٌ نجاريه

والذي لا نشك فيه أنّ ابن الأزرق كان جلفاً جافاً ، مضافاً إلى غلظة البداوة وشدّة الإنحراف في المذهب.

وقد مرّ بنا في الجزء الثاني من هذه الحلقة في المبحث الخامس في ( كشف ما استبهم علمه من المتشابه في القرآن ) بعض مسائل نافع التي كان يسألها من ابن عباس تعنتّاً لا تفقهاً ، وقد أخرج البخاري في صحيحه منها خبراً مبهماً لم يسمه فيه (١) ، لكن ابن حجر كشفه ، فقال : ( كان هذا الرجل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج ، وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه ).

ثم قال ابن حجر : ( ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحاً ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة ، قال : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله تعالى : ( هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ )(٢) ، ( فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً )(٣) ، وقوله : ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ )(٤) ، و ( هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ )(٥) ، الحديث بهذه القصة حسب ، وهي أحدى القصص المسؤول عنها في حديث الباب.

____________

١ ـ فلعله إنما أبهم اسمه لأنه كان له تعاطف مع الخوارج ، فقد ترجم في تاريخه لبعضهم وخرّج في صحيحه عمران بن حطّان شاعرهم.

٢ ـ المرسلات / ٣٥.

٣ ـ طّه / ١٠٨.

٤ ـ الصافات / ٢٧.

٥ ـ الحاقة / ١٩.


وروى الطبري من حديث الضحاك بن مزاحم ، قال : قدم نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج بمكة ، فإذا هم بابن عباس قاعداً قريباً من زمزم ، وأناس قياماً يسألونه ، فقال له نافع بن الأزرق : أتيتك لأسألك ، فسأله عن أشياء كثيرة من التفسير ساقها في ورقتين.

وأخرج الطبري من هذا الوجه بعض القصة ولفظه :

إنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عباس ، فقال : قول الله : ( وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً )(١) ، وقوله : ( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )(٢)؟

فقال : إنّي أحسبك قمتَ من عند أصحابك فقلتَ لهم : آتي ابن عباس فألقي عليه متشابه القرآن؟

فأخبرهم أنّ الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة ، قال المشركون : إنّ الله لا يقبل إلاّ من وحّده ، فيسألهم فيقولون : ( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )، قال : فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم ، انتهى ).

ثم استمر ابن حجر في التعقيب على ذلك فراجعه فلا يخلو كلامه من فائدة (٣).

ويبدو من أخبار نافع بن الأزرق مع ابن عباس ، أنّه كان يتعمّد إسماعه ما لا يليق به ، ولعلّها كوامن أحقاد من أيام الخوارج الأولى ، حيث كان ابن عباس في محاوراته معهم ينسف مزاعمهم ، ويكشف زيف ما شبّه عليهم ، وقد هدى الله تعالى به آلافاً منهم ، كما مرّ ذكر ذلك في أخباره معهم في حروراء

____________

١ ـ النساء / ٤٢.

٢ ـ الأنعام / ٢٣.

٣ ـ فتح الباري ١٠ / ١٧٧ ط مصطفى البابي الحلبي بمصر ( ١٣٧٨ هـ ).


والكوفة والنهروان وما بعدها ، لهذا كان نافع لا يحبّه ويراه خصماً خصيماً.

فكانت مسائله بلغة تحدٍّ واستعلاء ، مع سوء أدب في التعبير ، وجُلّ مسائله إن لم يكن كلّها ، كانت تعنتاً ، وليس تفقّهاً وتفّهماً ، وهو كان من أشدّ الخوارج عناداً لأهل البيت عليهم‌السلام ، ومع ذلك فقد كان ابن عباس يوليه من سعة أخلاقه مسامحة ورحابة صدر ، رجاء إستصلاحه ، ولكن الرجل على طبيعته نسباً وسبباً يزداد عتواً وتجبّراً ، فهو من بني حنيفة المرتدة الذين كانت لهم مواقف في حروب الردّة ، وكان معدوداً في أصحاب ابن عباس فيما قال ابن حزم في ( الجمهرة ) : ( وأبو راشد نافع بن الأزرق ... بن حنيفة ، الذي تنسب إليه الأزارقة من الخوارج ، وكان في أوّل أمره من أصحاب ابن عباس رضي‌الله‌عنه ثم غلب عليه الشقاء فاستعرض المسلمين بسيفه ، وقتل النساء والأطفال ، وعطل الرجم ، وفارق الإسلام ... أهـ ) (١).

ثم هو صاحب المسائل في غريب ألفاظ من القرآن الكريم التي زعم أنّه لم يعرف معناها فسأل عنها ابن عباس ، على أن يأتيه على كلّ لفظة بشاهد من شعر العرب ، فهي كانت تعجيزية أكثر منها تعليمية ، وهي تزيد على المائتين ، وستأتي في الحلقة الثالثة إن شاء الله.

أمّا الآن فإلى ذكر بعض مسائله التي سألها تعنتّاً ، وهي مسائل قرآنية في مختلف فنون المعرفة :

فمنها ما أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه في ترجمة :

( عرفة بن يزيد ـ والد الحسن بن عرفة العبدي ، حدث عن عاصم بن

____________

١ ـ جمهرة أنساب العرب / ٣٣١ ، تحقيق هارون.


سليمان الحذاء البصري ، روى عنه ابنه الحسن ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسن ابن سليمان النخاس ، أخبرني أبو الحسن علي بن سليم بن إسحاق المقرئ ، حدثنا الحسن بن عرفة ، عن أبيه ، قال : حدثني عاصم بن سليمان الحذاء البصري ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال :

جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس ، فقال : والذي نفسي بيده لتفسرن لي آيات من كتاب الله عزوجل أو لأكفرن به.

فقال له ابن عباس : ويحك أنا لها اليوم ، أيّ آي؟

قال : أخبرني عن قوله الله تعالى : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا )(١) ، وقال في آية أخرى : ( وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ )(٢) ، فكيف علموا وقد قالوا لا علم لنا؟

وأخبرني عن قول الله : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )(٣) ، وقال في آية أخرى : ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ )(٤) ، فكيف يختصمون وقد قال لا تختصموا لديّ؟

وأخبرني عن قول الله تعالى : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )(٥) ، فكيف شهدوا وقد ختم على الأفواه؟

____________

١ ـ المائدة / ١٠٩.

٢ ـ القصص / ٧٥.

٣ ـ الزمر / ٣١.

٤ ـ قّ / ٢٨.

٥ ـ يّس / ٦٥.


فقال ابن عباس : ثكلتك أمّك يا ابن الأزرق ، إنّ للقيامة أحوالاً وأهوالاً وفظائع وزلازل ، فإذا شققت السماوات وتناثرت النجوم ، وذهب ضوء الشمس والقمر ، وذهلت الأمهات عن الأولاد ، وقذفت الحوامل ما في البطون ، وسجّرت البحار ودكدكت الآكام ، ولم يلتفت والد إلى ولد ، ولا ولد إلى والد ، وجئ بالجنّة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب عن يمين العرش ، ثم جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد ، ممسك بكلّ زمام سبعون ألف ملك ، لها عينان زرقاوان ، تجر الشفة السفلى أربعين عاماً ، تخطر كما يخطر الفحل ، لو تركت لأتت على كلّ مؤمن وكافر ، ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش ، فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها ، فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول : لك الحمد إلهي إذ جعلتني أنتقم من أعدائك ، ولم تجعل شيئاً ممّا خلقت تنتقم به منّي إلاّ أهلي (١) ، فلهي أعرف بأهلها من الطير بالحبّ على وجه الأرض ، حتى إذا كانت من الموقف على مسيرة مائة عام وهو قول الله تعالى : ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ )(٢) ، زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا صدّيق منتجب ، ولا شهيد ما هنالك ، إلاّ خرّ جاثياً على ركبتيه.

قال : ثم تزفر الثانية زفرة فلا تبقى قطرة من الدموع إلاّ ندرت ، فلو كان لكلّ آدمي يومئذ عمل اثنين وسبعين نبيّاً لظنّ أنّه سيواقعها.

قال : ثم تزفر الثالثة زفرة فتتقلع القلوب من أماكنها فتصير بين اللهوات

____________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ الفرقان / ١٢.


والحناجر ، ويعلو سواد العيون بياضها ، ينادي كلّ آدمي يومئذ يا ربّ نفسي نفسي لا أسألك غيرها ، حتى إنّ إبراهيم ليتعلق بساق العرش ينادي يا ربّ نفسي نفسي لا أسألك غيرها ، ونبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( يا ربّ أمتي أمتي لا همة له غيركم ).

قال : فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم : ماذا أجبتم؟

قالوا : لا علم لنا ، طاشت الأحلام ، وذهلت العقول.

فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها ( نَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )(١).

قال : وأمّا قوله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )(٢) ، فهذا وهم بالموقف يختصمون ، فيؤخذ للمظلوم من الظالم ، وللمملوك من المالك ، وللضعيف من الشديد ، وللجمّاء من القرناء ، حتى يؤُدى إلى كلّ ذي حق حقه ، فإذا أُدي إلى كلّ ذي حق حقه ، أُمر بأهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، فلمّا أمر بأهل النار إلى النار اختصموا ، فقالوا : ( رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا )(٣) ، و ( رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ )(٤).

قال : فيقول الله تعالى : ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ )(٥) ، إنّما الخصومة بالموقف وقد قضيت بينكم بالموقف فلا تختصموا لدى.

____________

١ ـ القصص / ٧٥.

٢ ـ الزمر / ٣١.

٣ ـ الأعراف / ٣٨.

٤ ـ صّ / ٦١.

٥ ـ قّ / ٢٨.


قال : وأمّا قوله عزوجل : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )(١) ، فهذا يوم القيامة حيث يرى الكفار ما يعطى الله أهل التوحيد من الفضائل والخير ، يقولون : تعالوا حتى نحلف بالله ما كنّا مشركين.

قال : فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن ، وتشهد الأرجل تصديقاً للأيدي.

قال : ثم يأذن الله للأفواه فتنطق.

فقالوا : ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ )(٢) ، يعني جوارحهم ) (٣).

وجاء في ( تفسير الخازن ) في تفسير قوله : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )(٤) :

( سأله نافع بن الأزرق معنى الورود؟

فقال ابن عباس : هو الدخول.

فقال نافع : ليس الورود الدخول؟

فقرأ ابن عباس : ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ )(٥) ، أدخلها هؤلاء أم لا؟ وقال : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ )(٦) ، أوردَ هو أم لا؟

____________

١ ـ يّس / ٦٥.

٢ ـ فصلت / ٢١.

٣ ـ تاريخ بغداد ١٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

٤ ـ مريم / ٧١.

٥ ـ الأنبياء / ٩٨.

٦ ـ هود / ٩٨.


أمّا أنا وأنت فسندخلها ، وأنا أرجوا أن يخرجني الله منها ، فانظر هل تخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها ، بتكذيبك.

قال الراوي : فضحك نافع.

فقال ابن عباس : فيم الضحك إذاً؟ ) (١).

وقد روى ابن عبد البر في ( التمهيد ) (٢) ، عن مجاهد ، عن نافع بن الأزرق :

( سأل ابن عباس عن قول الله عزوجل : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )(٣)؟

فقال ابن عباس : واردها : داخلها.

فقال نافع : يرد القوم ولا يدخلون؟

فاستوى ابن عباس وكان متكئاً ، فقال له : أمّا أنا وأنت فسنردها ، فانظر هل تنجو منها أم لا؟ أما تقرأ قول الله عزوجل : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ )(٤) ، أفتراه ويلك أوقفهم على شفيرها؟ والله تعالى يقول : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )(٥).

وقال أيضاً : وذكر ابن جرير ، عن عطاء عن ابن عباس ، قال : إنّ الورود الذي ذكره الله عزوجل في القرآن : الدخول ، ليردنّها كلّ برّ وفاجر.

ثم قال ابن عباس : في القرآن أربعة أوراد : قوله : ( فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ )(٦) ، وقوله :

____________

١ ـ تفسير الطبري ١٦ / ١٠٨ ـ ١١١ ، تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني ٣ / ١١.

٢ ـ التمهيد ٣ / ١٤٧.

٣ ـ مريم / ٧١.

٤ ـ هود / ٩٧ ـ ٩٨.

٥ ـ غافر / ٤٦.

٦ ـ هود / ٩٨.


( حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ )(١) ، وقوله : ( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً )(٢) ، وقوله : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )(٣). قال ابن عباس : والله لقد كان من دعاء من مضى : ( اللهم أخرجني من النار سالماً وأدخلني الجنة غانماً ) (٤).

وجاء في تفسير ( التحوير والتنوير ) :

( أنّ نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟

قال : نعم ، وتلا قوله تعالى : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ_ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ )(٥) ) (٦).

وجاء في تفسير ( الدر المنثور ) في قوله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ )(٧) :

( قال السيوطي : وأخرج عبد بن حميد ، عن علي بن الحكم : أنّ نافع بن الأزرق سأل ابن عباس ، فقال : أرأيت إذا أرسلت كلبي وسمّيتُ فقتل الصيد آكله؟

قال : نعم.

____________

١ ـ الأنبياء / ٩٨.

٢ ـ الأنبياء / ٩٨.

٣ ـ مريم / ٧٢.

٤ ـ التمهيد ٣ / ١٤٧.

٥ ـ الروم / ١٧ ـ ١٨.

٦ ـ تفسير التحوير والتنوير لابن عطية ، في تفسير الآية.

٧ ـ المائدة / ٧.


قال نافع : يقول الله ( مَا ذَكَّيْتُمْ )(١) ، تقول أنت وإن قتل.

قال : ويحك يا بن الأزرق ، أرأيت لو أمسك عليَّ سنّور ، فأدركت ذكاته أكان يكون عليَّ بأس ، والله إنّي لأعلم في أيّ كلاب نزلت ، في كلاب بني نبهان من طي. ويحك يا بن الأزرق ليكونن لك نبأ ) (٢).

هذه بعض المسائل التي تعنّت نافع بن الأزرق فسألها من ابن عباس ، وستأتي بقية مسائله في غريب القرآن في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

فقد سأله حتى أضجره وأملّه. وأحسب أنّ ما رواه الطبري في تفسيره ، بسنده عن القاسم بن محمد ، قال : ( قال ابن عباس : كان عمر رضي‌الله‌عنه إذا سئل عن شيء ، قال : لا آمرك ولا أنهاك.

ثم قال ابن عباس : والله ما بعث الله نبيّه محمّد إلاّ زاجراً آمراً ، محلّلاً مُحرِّماً.

قال القاسم : فسلط الله على ابن عباس رجل يسأل عن الأنفال؟

فقال ابن عباس : إنّ الرجل يُنّفل فرس الرجل وسلاحه.

فأعاد عليه الرجل ، فقال له مثل ذلك ، ثم أعاد عليه حتى أغضبه.

فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه.

فقال الرجل : أمّا أنت فقد أنتقم الله لعمر منك ) (٣).

____________

١ ـ المائدة / ٧.

٢ ـ الدر المنثور٢ / ٢٦٠.

٣ ـ تفسير الطبري ٩ / ١٧٠.


ثانياًً : مع نجدة بن عامر ـ عويمر ـ الحنفي رأس النجدات من الحرورية

وهذا كان شريك نافع في المسائل التي عرفت باسم نافع في غريب ألفاظ من القرآن المجيد ، فأجاب عليها ابن عباس مع شاهد من الشعر ، كما ستأتي في الحلقة الثالثة ، ويبدو بعد مفارقة الخوارج لابن الزبير وتفرّقهم في البلدان بقي نجدة يكتب إلى ابن عباس يسأله في بعض المسائل ، وكان ابن عباس يجيبه مرغماً.

ففي رواية يزيد بن هرمز ، قال : ( كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس يسأله عن أشياء ، فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه وحين كتب جوابه ، فقال ابن عباس : لولا أردّه عن شر يقع فيه ، ما كتبت إليه ولا نعمة عين ) (١).

وخشية أن يكون عدم الجواب من كتمان العلم. وهذا ما صرّح به ابن عباس رضي‌الله‌عنه. فلنقرأ ما جاء في كتاب ( الأم ) للشافعي ، و ( جامع بيان العلم ) لابن عبد البر باقتضاب :

( عن يزيد هرمز : أنّ نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال.

فقال ابن عباس : إنّ ناساً يقولون إنّ ابن عباس يكاتب الحرورية ، ولولا أنّي أخاف أن أكتم علماً لم أكتب إليه.

فكتب نجدة إليه : أمّا بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهنّ بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟

فكتب إليه ابن عباس : إنّك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو

____________

١ ـ مسند احمد ١ / ٢٤٨.


بالنساء ، وقد كان يغزوبهن فيداوين المرضى ، ويُحذَين من الغنيمة ، وأمّا السهم فلم يضرب لهنّ بسهم.

وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم ، إلاّ أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله ، فتميز بين المؤمن والكافر ، فتقتل الكافر وتدع المؤمن.

وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم؟ ولعمري الرجل لتشيب لحيته وإنّه لضعيف الأخذ ، ضعيف الإعطاء ، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس ، فقد ذهب عنه اليتم.

وكتبت تسألني عن الخمس ، وإنّا كنّا نقول هو لنا ، فأبى ذلك علينا قومنا ، فصبرنا عليه ) (١).

أقول : وكان نجدة حين يسأل ابن عباس رضي‌الله‌عنه إنّما يسأله سؤال متعلم متعمق غير متعنت فيما يبدو.

فقد سأله يوماً : لماذا طلب سليمان عليه‌السلام الهدهد؟

قال : ليخبره بالماء ، فإنّه يبصر الماء تحت الأرض وإن كان إلى مائة ذراع ، فقال : إنّه لا يبصر الفخ تحت التراب فكيف يبصر الماء تحت الأرض؟

فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : إذا جاء القدر عمي البصر (٢).

وهو في هذا ألين عريكة وأكثر أدباً من زميله نافع بن الأزرق الذي

____________

١ ـ الأم ٤ / ٢٧٢ ، وجامع بيان العلم ١ / ٦ باقتضاب.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ١٠ / ٣٠.


كان أشدّ وطأة في تعنته كما مرّ سؤاله في هذا وأعظم منه جرأة. ولو أعدنا صيغة السؤال للمقارنة بين الرجلين ، عرفنا كيف كان عناد نافع وسوء أدبه.

ففي ( الكامل وشعب الإيمان ) للبيهقي : ( أنّ نافعاً سأل ابن عباس ، فقال : سليمان عليه‌السلام مع ما خوله الله تعالى من الملك كيف عني بالهدهد مع صغره؟

فقال ابن عباس : إنّه إحتاج الماء ، والهدهد كانت الأرض له كالزجاج.

فقال ابن الأزرق لابن عباس : قف يا وقّاف ، كيف ينظر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطي بقدر إصبع من تراب؟

فقال ابن عباس : إذا نزل القضاء عمي البصر ) (١).

فلو قارنا بين صيغتي السؤالين لوجدنا جفاف خلق ابن الأزرق في قوله : ( قف يا وقّاف ) ، بلغة السخرية!

وقد روى العياشي في تفسيره ، بإسناده عن أبي عبد الله ـ الصادق عليه‌السلام ـ قال : ( كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن موضع الخمس؟

فكتب إليه ابن عباس : أمّا الخمس فإنّا نزعم أنّه لنا ، ويزعم قومنا إنّه ليس لنا فصبرنا ) (٢).

وهكذا روى الإمام الصادق عليه‌السلام بقية مسائل نجدة من ابن عباس ، يجدها الباحث متفرقة ومجتمعة في المصادر التالية ، من التفاسير : ( مجمع البيان ، ونور اليقين ، والصافي ، والميزان ) ، وغيرها من التفاسير الشيعية سوى

____________

١ ـ أنظر بحار الأنوار ٦١ / ٢٨٨.

٢ ـ تفسير العياشي ٢ / ٦١.


كتب الحديث كالوسائل ، والبحار ، ومستدرك الوسائل ، وغيرها ..

أما المصادر السنيّة فحسبك رواية ( جامع الأصول ) لابن الأثير ، نقلاً عن سنن النسائي ، وصحيح أبي داود في ( بيان مواضع قسم الخمس ) عن يزيد ابن هرمز : ( أنّ نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير ، أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى ويقول لمن تراه؟

قال ابن عباس : لقربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمه لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حظّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله ) (١).

وهذا مروي في كثير المصادر الفقهية من كتب الخلاف.

كما نجد لنجدة محاورة مع ابن عباس حول العقيدة.

( فقد قال له ـ لابن عباس ـ : كيف معرفتك بربّك ، فإن مَن قبلنا قد أختلفوا علينا؟

فقال له ابن عباس : إنّ مَن ينصب دينه للقياس ، لا يزال الدهر في التباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الإعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير جميل. أعرفه بما عرّف به نفسه ، تبارك وتعالى من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير تثبيت صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بغير شبيه ، ومتدان في بُعده ، ولا تخفى عليه خافية ، لا تُتوهم

____________

١ ـ جامع الأصول ٣ / ٢٩٨.


ديمومتُه ، ولا يُمثّل بخليقته ، ولا يجور في قضيته ، فالخلق إلى ما علم منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، لا يعملون بخلاف ما منهم علم ، ولا إلى غيره يردّون ، فهو قريب غير ملتزق ، وبعيد غير منفصل ، يُحقق ولا يُمثّل ، ويُوحّدّ ولا يُبعّض ، يدرك بالآيات ، ويثبت بالعلامات ، هو الكبير المتعال تبارك وتعالى.

فقام نجدة مفحماً مخصوماً متعجباً ممّا جاء به ابن عباس رضي‌الله‌عنه ) (١).

ثالثاً : مع عطية بن الأسود الحروري

أخرج الطبري في تفسيره ، وابن أبي حاتم ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في ( الأسماء والصفات ) ، عن مقسم قال :

( سأل عطية بن الأسود ابن عباس ، فقال : إنّه قد وقع في قلبي الشك ، يقول الله : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )(٢) ، وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )(٣) ، وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ )(٤) ، وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم وشهر ربيع الأول؟

فقال ابن عباس : في رمضان ، وفي ليلة القدر ، وفي ليلة مباركة جملة

____________

١ ـ مسند الربيع بن حبيب / ١١٦.

٢ ـ البقرة / ١٨٥.

٣ ـ القدر / ١.

٤ ـ الدخان / ٣.


واحدة ، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام ) (١).

وقد روي هذا الخبر بلفظ مغاير والمعنى واحد ، رواه الرازي في تفسيره الكبير ، والخطيب الشربيني في تفسير سورة الدخان ، وغيرهما ، قال الرازي :

( المسألة السادسة : روي أنّ عطية الحروري سأل ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن قوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )(٢) ، وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ )(٣) ، كيف يصح ذلك مع أنّ الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور؟

فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : يابن الأسود لو هلكت أنا ووقع هذا في نفسك ولم تجد جوابه هلكت ، نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور ، وهو في السماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالاً فحالاً ، والله أعلم ) (٤).

وفي لفظ الطبري بسنده عن عطية بن الأسود ، قال : ( سألت ابن عباس عن قوله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )(٥) إن كان نزول القرآن في شهر رمضان فماذا نزل في الشهور الأخرى؟

قال : إنّ الله تعالى أنزل القرآن من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من

____________

١ ـ جامع البيان للطبري ٢ / ١٩٨ ، تفسير ابن أبي حاتم ١ / ٣١١ ، المعجم الكبير للطبراني ١١ / ٣٠٩ ، الدر المنثور ١ / ١٨٩ ط افست إسلامية.

٢ ـ القدر / ١.

٣ ـ الدخان / ٣.

٤ ـ التفسير الكبير ٢٧ / ٢٣٩ ط مصر بالزام عبد الرحمن محمد.

٥ ـ البقرة / ١٨٥.


شهر رمضان إلى السماء الدنيا ، ثم أنزله في بيت العزّة ، ومن ثم كان جبرئيل يأتي به نجماً نجماً على حسب الحاجة والمصلحة في مدّة ثلاث وعشرين سنة ، وذلك قوله تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ )(١) ). وهذا أخرجه البيهقي في كتاب ( الأسماء والصفات ) من حديث السدي ، عن محمد بن أبي المجالد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : سأله عطية بن الأسود ...

رابعاً : مع زمعة بن خارجة الخارجي

روي في ( مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ) لمحمد بن سليمان الكوفي من أعلام القرن الثالث الهجري ، قال :

( حدثنا محمد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو أحمد عبد الرحمن بن أحمد ، قال : حدثنا أبو حاتم الرازي ، عن عبد الله بن عبد الوهاب ، عن أبي المليح ، عن ميمون بن مهران ، قال : بينما ابن عباس قاعد على شفير زمزم إذا هو برجل قائم بين الركن والمقام رافع [ رافعاً ] يديه وهو يقول : اللهم إنّي أبرأ إليك من عليّ بن أبي طالب!

فقال ابن عباس : يا ميمون ثكلتك أمّك عليَّ بالرجل.

قال ميمون : فأخذت بيد الرجل فأتيت به ابن عباس. فقال ( له ) : ويلك لأيّ شئ تبرأ من عليّ بن أبي طالب؟

قال : لأنّه قتل أهل النهروان وأهل صفين وأهل الجمل وأهل النخلة ( و )

____________

١ ـ الواقعة / ٧٥.


كلّهم مسلمون لم يشركوا بالله طرفة عين!

قال ابن عباس : فما أسمك؟

قال : زمعة بن خارجة الخارجي.

قال ابن عباس : ( إنّك لغوي عن حجتك ، وإنّك لمخذول من إله العرش ( ويلك إنّه ) لقد سبقت لعليّ سوابق لو سبقت واحدة منهن لأهل الدنيا إذاً لوسعتهم! )

قال له الرجل : فأخبرني بها.

ف‍قال ابن عباس : أمّا الأولى فإنّ عليّاً لم يشرك بالله طرفة عين ولم يقرّب لصنم قرباناً.

فـ ( قال له ) الرجل : فالثانية يا بن عباس فإنّي تائب؟

قال ابن عباس : صلى ( عليّ ) مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القبلتين جميعاً وبايعه البيعتين.

قال له الرجل : فالثالثة يا بن عباس فإنّي تائب؟

قال : كان يسمع ( حفيف ) جناح جبرئيل حين ينزل بالوحي على بيته.

قال له الرجل : فالرابعة يا بن عباس فإنّي تائب؟

قال : لمّا فتح الله على نبيّه مكة كان صنم لخزاعة على البيت يُعبد ذلك الصنم من دون الله ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ لا يعبد الصنم فوق ما عُبد أبداً. قال له عليّ : فإنّي أطامن لك فترقى عليّ. قال : لو اجتمع عليّ الثقلان : الجن والإنس على أن يقلّوا عضواً من أعضائي إذاً لم يستطيعوا ، لموضع الوحي ، ولكنّي أطامن لك ، فترقى عليٌّ فاطمأن له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا ارتقى على كتفي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صعد إلى البيت فأخذ الصنم فرمى به فكسره إرباً إرباً ، فقال : يا عليّ الميزاب الميزاب فجاء عليّ يتساقط على قدميه ضاحكاً. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما


يضحكك؟ فقال : يا نبيّ الله كيف لا أضحك ولم أجد من سقطتي هذه ألماً. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف تألم وإنّما ( أنّا ) حملتك ، أو قال : جملك.

قال له الرجل : فالخامسة يا ابن عباس فإنّي تائب؟

قال : أوحى الله إلى نبيّه أن زوّج فاطمة من عليّ. فزفّت فاطمة إلى عليّ ، وقال : يا عليّ لا تحدثنّ أمراً حتى يأتيكما رأيي ، فدخل عليهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بفروة فبسطها ودعا بعباء فبسطه ونومّهما جميعاً ، ودعا بقعب من ماء فتفل فيه وسقى عليّاً بدئاً وفاطمة ورشّ عليهما ، فقال : ( اللهم بارك فيهما وبارك عليهما فأنت وليّهما في الدنيا والآخرة ) ، ثم خرج عنهما فتركهما ) (١).

وقد روى هذا الخبر العاصمي في ( زين الفتى / مخطوط ) ، وفرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره بتفاوت يسير في ألفاظه.

إلاّ أنّ الداعي المطلق أدريس عماد الدين القرشي ( ت ٨٧٢ هـ ) ـ من الإسماعيلية في القرن التاسع ـ ذكر الخبر بتفاوت كثير ولم يذكر لنا مصدره ، ولفظه :

قال : ( وروي عن إسماعيل بن عبد الله بإسناده عن عبد الله بن عباس أنّه بينما هو يطوف بالبيت الحرام إذ هو بشاب قد شال يديه حتى تبيّن بياض إبطيه ، وهو يبرأ من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وما أحدث في الإسلام.

فقال ابن عباس لبعض من حوله : لا يَفُتك الرجل ، فقبض عليه وأتى به إليه.

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ١ / ٢١٥ ـ ٢١٨ تح المحمودي ط الأولى ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية في إيران ، الحديث رقم ١٣٦.


فقال له عبد الله بن عباس : ممن الرجل؟

قال : من أهل الشام.

قال : ما أسمك؟

قال : ربيعة بن خارجة الخارجي.

قال : وأيّ شيء أحدث عليّ بن أبي طالب يا ربيعة في الإسلام؟

قال : قتله الموحّدين يوم صفين ويوم النهروان ويوم الجمل ويوم النخيلة.

قال له عبد الله بن العباس : ويحك إنّما قتل عليّ من خالف الملّة وطعن في الإسلام ، وأمره بقتلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهل أنت رادّ على الله ورسوله؟ ويحك يا ربيعة إنّ لعليّ أربع سوابق لو قسّمت الواحدة منهن على جميع الخلق لوسعتهم.

قال : وما هنّ؟

قال ابن عباس : إنّه أوّل من آمن بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلى مع النبيّ القبلتين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، لم يعبد قط صنماً ، ولا شرب خمراً ، وأنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن زوّج عليّاً من فاطمة عليها‌السلام ، قال : قد زوّجتها منه. فإنّ الله عزّ وجلّ أمر شجرة في الجنة يقال لها طوبى أن أحملي فحملت ، فقال لها : أثمري ، فأثمرت ، ثم قال انثري فنثرت دراً كأمثال القلال ، فالتقطته حور العين في الجنة يتفاخرن به إلى يوم القيامة ، يقلن : هذا نثار فاطمة عليها‌السلام. وكان يسمع وقع جناح جبريل على سطحه إذا هبط بالوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.


وكان صنم خزاعة مرفوعاً فوق الكعبة ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت ، فانطلقا ليلاً ، فقال له : يا أبا الحسن أرق على ظهري ، وكان طول الكعبة أربعين ذراعاً ، فقال : يا رسول الله بل ترتقي أنت على ظهري ، فأنا أولى بذلك وأحق بحملك.

قال : يا عليّ إنّك لا تقدر على ذلك ، ولو أجتمعت الأنس والجن على أن تحمل منّي عضواً ما قدرت للإيمان الذي هو في قلبي ، وحمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا استوى عليه ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتهيت يا عليّ؟ قال : نعم ، والذي بعثك بالحق لو هممت أن ألمس السماء بيدي لمستها ، وأحتمل الصنم فجلد به الأرض فتقطع قطعاً ، ثم تعلق بالميزاب وتنحى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إكراماً وإجلالاً له ، ثم رمى بنفسه إلى الأرض ، فلمّا سقط ضحك ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يضحكك يا عليّ أضحك الله سنّك؟ قال : ضحكت يا رسول الله تعجباً من أن رميت بنفسي من فوق البيت إلى الأرض وما ألمت ، وما أصابني وجع.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف تألم يا أبا الحسن أو يصيبك وجع ، وإنّك إنّما رفعك محمّد وأنزلك جبريل ) (١).

وبهذا الخبر ننهي محاوراته مع الخوارج الذين عرفنا أسماءهم ، وثمّة محاورات مع آخرين من الخوارج ممّن هم على نمط أولئك في ضلالاتهم ونُصبهم ولم نعرف أسماءهم. فلنقرأ ماوقفنا عليه من أخبارهم :

____________

١ ـ تفسير فرات بن إبراهيم / ٢٤٩ ، تح محمد الكاظم ، طهران.


( أَعليّ أَعلم عندك أَم أَنا؟ )

روى الشيخ الطوسي في ( الأمالي ) ، عن سعيد بن المسيب ، قال :

( سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقال له ابن عباس : إنّ عليّ بن أبي طالب صلّى القبلتين ، وبايع البيعتين ، ولم يعبد صنماً ولا وثناً ، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا بقدح ، وُلد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين أبداً.

فقال الرجل : إنّي لم أسألك عن هذا ، وإنّما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة ، فقتل بها أربعين ألفاً ، ثم صار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم؟

فقال له ابن عباس : أعليُّ أعلم عندك أم أنا؟

فقال : لو كان عليّ أعلم عندي منك لما سألتك.

قال سعيد بن المسيب : فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ، ثم قال : ثكلتك أَمّك ، عليّ علّمني ، فكان علمه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسول الله علّمه الله من فوق عرشه ، فَعِلمُ النبيّ من الله ، وعلم عليّ من النبيّ ، وعلمي من علم عليّ ، وعلم أصحاب محمّد كلّهم في علم عليّ كالقطرة الواحدة في سبعة


أبحر ) (١) (٢).

( عقمت النساء أن يأتين بمثل عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

روى فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره ، أنّه قال :

( قال حدثني إبراهيم بن بنان الخثعمي ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد بن يحيى بن منمس ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن القاسم الباهلي ، عن ضرار ابن الأزور : أنّ رجلاً من الخوارج سأل ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن [ أمير المؤمنين. ر ] عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأعرض عنه. ثم سأله؟

فقال : لكان والله عليّ أمير المؤمنين يشبه القمر الزاهر ، والأسد الخادر ، والفرات الزاخر ، والربيع الباكر ، فأشبه من القمر ضوؤه وبهاؤه ، ومن الأسد شجاعته ومضاؤه ، ومن الفرات جوده وسخاؤه ، ومن الربيع خصبه وحباؤه.

عقم النساء أن يأتين بمثل عليّ [ أمير المؤمنين. أ ، ب ] بعد النبيّ [ ب ، أ : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ، تالله ما سمعت ولا رأيت إنسانا [ محارباً. ر ، ب ] مثله ، وقد رأيته يوم صفين وعليه عمامة بيضاء وكأنّ عينيه سراجان ، وهو يتوقف على

____________

١ ـ الأمالي / ٧ ط حجرية إيران ، والأمالي ١ / ١٠ ط النعمان في النجف الأشرف ، والدرجات الرفيعة / ١٢٦ ط الحيدرية.

٢ ـ لقد مرّّ في ج١ من هذه الحلقة في ينابيع العلم ما يؤيد هذا ، وقد أشتهر هذا المعنى حتى تناوله بعض الشعراء بالنظم ، فقال علي بن هارون بن يحيى المنجم يمدح الإمام عليه اسلام :راجع ربيع الأبرار للزمخشري ٤ / ١٥٧.

وهل خصلة من سؤددٍ لم يكن بها

أبو حسن من بينهم ناهضاً قدما

فما فاتهم منها به سلّموا له

وما شاركوه كان أوفرهم قسما


شرذمة [ شرذمة. ب ر ] يحضّهم ويحثّهم إلى أن انتهى إليّ وأنا في كنف من المسلمين ، فقال :

( معاشر المسلمين ، استشعروا الخشية ، وغضّوا الأصوات ، وتجلببوا بالسكينة ، وأكملوا اللامة (١) ، وأقلقوا السيوف في الغمد قبل السلّة ، والحظوا الشزر ، واطعنوا [ الخزر. ب ] ، ونافحوا بالظُبا ، وصلوا السيوف بالخطي ، والرماح بالنبال ، فإنّكم بعين الله [ و. أ ، ب ] مع ابن عم نبيّكم ، عاودوا الكرّ واستحيوا من الفرّ ، فإنّه عار باق في الأعقاب ، ونار يوم الحساب ، فطيبوا عن أنفسكم نفساً [ ر : أنفسا ] ، وأطووا عن الحياة كشحاً ، وامشوا إلى الموت مشياً [ سجحا ]. وعليكم بهذا السواد الأعظم ، والرواق المطنب ، فاضربوا ثبجه ، فإنّ الشيطان عليه لعنة الله راكد في كسره ، نافج حضنيه [ ب ، أ : حضنه ] ، ومفترش ذراعيه ، قد قدّم للوثبة يداً ، وأخّر للنكوص رجلاً ، فصمداً [ أ : فصبرا ] حتى يتجلى لكم عمود [ خ ل : عمد ] الحق وأنتم الأعلون ، والله معكم ، ولن يتركم أعمالكم ).

قال : وأقبل معاوية في الكتيبة الشهباء وهي زهاء عشرة آلاف بجيش [ أ ، ب : جيش ] شاكين في الحديد لا يرى منهم إلاّ الحدق تحت المغافر [ فاقشعرّ لها الناس ] [ فقال عليه‌السلام : مالكم. ب ] تنظرون بما [ أ : مما ] تعجبون؟! إنّما هي جثث ماثلة فيها قلوب طائرة مزخرفة بتمويه [ ظ ] الخاسرين ، ورجل جراد زفت به ريح صبا ، ولفيف سداه الشيطان ولحمته

____________

١ ـ اللامة : الدرع.


الضلالة ، وصرخ بهم ناعق البدعة ، وفيهم خَور الباطل وضحضحة المكاثر ، فلو قد مستها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت الفراش في النار ، ألا فسووا بين الركب وعضّوا على النواجذ واضربوا القوانص [ ب : القوابض ] بالصوارم ، وأشرعوا الرماح في الجوانح ، وشدوا فإنّي شادّ. ( حَم ، لاَ يُنصَرُونَ ).

فحملوا حملة ذي يد ( لبد ) فأزالوهم [ عن أماكنهم ( مصافهم ) ، ودفعوهم ب ، ر ] عن أماكنهم ، ورفعوهم عن مراكزهم [ ر : مراكبهم ] ، وارتفع الرهج وخمدت الأصوات ، فلا يسمع [ أ : تسمع ] إلاّ صلصلة الحديد وغمغمة الأبطال ، ولا يُرى إلاّ رأس نادر أو يد طائحة. وأنا كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام من موضع يريد يتحال [ ب : يتحاك ] الغبار وينفض [ ب : ينفذ ] العلق عن ذراعيه ، سيفه يقطر الدماء وقد انحنى كقوس نازع! وهو يتلو هذه الآية : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )(١).

قال : فما رأيت قتالاً أشد من ذلك اليوم.

يا بني إنّي أرى الموت لا يقلع ، ومن مضى لا يرجع ، ومن بقي فإليه ينزع ، إنّي أوصيك بوصية فاحفظها [ ر ، أ : فاحفظني ] واتق الله وليكن أولى الأمور بك الشكر لله في السر والعلانية ، فإنّ الشكر خير زاد ) (٢).

____________

١ ـ الحجرات / ٩.

٢ ـ تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي / ٤٣١ ـ ٤٣٢ ، بتحقيق محمد الكاظم.


( صورة أخرى )

برواية أبي جعفر محمد بن أبي القاسم محمد بن علي الطبري من علماء الإمامية في القرن السادس ، في كتابه ( بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ) :

( أخبرنا الشيخ العفيف أبو البقاء إبراهيم بن الحسن البصري رحمة الله قراءة عليه في صفر سنة عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : حدثني الشيخ أبو طالب محمد ابن الحسين بن عتبة ، قال : حدثني أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن خالد المداري ، قال : حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله ابن المطلب الشيباني في شعبان سنة ست وثمانين وثلاثمائة ببغداد في نهر الدجاج في دار الصيداوي المنشد ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن معقل العجلي القرميسني بشهرزور ، قال : حدثنا محمد بن أبي الصهبان الباهلي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبان بن تغلب رحمة الله ، عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس ، عن عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه ، قال : عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ما كشفت النساء ذيولهن عن

____________

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، والرضي في نهج البلاغة والمسعودي في مروج الذهب وغيرهم ، وقد أورده الطبري الإمامي في بشارة المصطفى / ١٧٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١١ / ٣٣٨ ط حيدر آباد ( الثانية ) جميعاً ذكروا فقط وصف ابن عباس للإمام عليه اسلام بصفين بدءاً من قوله عقمت النساء ، وفي رواية الطبري كثير تفاوت في الألفاظ ، لذلك ذكرت روايته.


مثله ، لا والله ما رأيت فارساً محدثاً يوزن به ، لرأيته يوماً ونحن معه بصفين وعلى رأسه عمامة سوداء وكأنّ عينيه سراجاً سليط تتوقدان من تحتهما ، يقف على شرذمة شرذمة يخطبهم ، حتى انتهى إلى نفر أنا فيهم ، وطلعت خيل لمعاوية لعنه الله تدعى بالكتيبة الشهباء عشرة آلاف دارع على عشرة آلاف أشهب ، فاقشعر الناس لها لمّا رأوها وانحاز بعضهم إلى بعض.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( فيما النخع والخنع يا أهل العراق ، هل هي إلاّ أشخاص مائلة فيها قلوب طائرةٌ لو مستها سيوف أهل الحق لرأيتموها كجراد بقيعة سفته الريح في يوم عاصف ، ألا فاستشعروا الخشية ، وتجلببوا السكينة ، وأدّرعوا الصبر ، وغضّوا الأصوات ، وقلقلوا الأسياف في الأغماد قبل السلّة ، وأنظروا الخزر ، واطعنوا الشزر ، وكافحوا بالضبا ، وصلوا السيوف بالخطى ، والنبال بالرماح ، وعاودوا الكرّ ، واستحيوا من الفرّ فإنّه عار في الأعقاب ، ونار يوم الحساب ، فطيبوا عن أنفسكم نفساً ، وامشوا إلى الموت مشية سجحا ، فإنّكم بعين الله عزوجل ومع أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليكم بهذا السرادق الأدلم ، والرواق المظلم ، واضربوا بثجه ، فإنّ الشيطان راقد في كسره ، نافش حضنيه ، مفترش ذراعيه ، قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنكوص رجلاً ، فصمداً صمداً ، حتى ينجلي لكم عمود الحق ، وأنتم الأعلون والله معكم ، ولن يتركم أعمالكم ، ها أنا شادّ فشدوا ، ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ ، حَم ، لاَ يُنصَرُونَ ).

ثم حمل عليهم أمير المؤمنين ( صلى الله عليه وعلى ذريته الصلاة


والسلام ) حملة ، وتبعته خويلة لم تبلغ المائة فارس ، فأجالهم فيها جولان الرحى المسرحة بنفالها ، فارتفعت عجاجة منعتني النظر ثم انجلت ، فأثبت النظر فلم أرَ إلاّ رأساً نادراً ، ويداً طايحة ، فما كان بأسرع من أن ولوا مدبرين ( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ )(١). فإذا أمير المؤمنين قد أقبل وسيفه ينطف ووجهه كشقة القمر ، وهو يقول : ( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ )(٢).

قال عكرمة : وكان ابن عباس رضي‌الله‌عنه يحدّث فيقول : أمر رسول الله عليّاً عليه‌السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (٣).

____________

١ ـ المدثر / ٥٠ ـ ٥١.

٢ ـ التوبة / ١٢.

٣ ـ حديث أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، رواه أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب كما في مستدرك الصحيحن ( ٣ / ١٣٩ ) قال : ( أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ).

وأخرج الحاكم أيضاً بسنده عن أبي أيوب قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : ( تقاتل الناكثين والقاسطين بالطرفات والنهروانات وبالسعفات ) ، قال أبو أيوب قلت يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال : ( مع علي بن أبي طالب ).

ولأبي أيوب حديث رواه الخطيب البغدادي في تاريخه ( ١٣ / ١٨٦ ) بأوسع مما مرّ حدّث به عند منصرفه من صفين ، كما حدّث به أيضاً في صنعاء كما في مجمع الزوائد ( ٩ / ٢٣٥ )؟ نقلاً عن الطبراني. وروى هذا الحديث أيضاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن مسعود وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله مضافاً إلى الإمام عليه‌السلام الذي كان يقول على المنبر : ( والله ما كَذبت ولا كُذبت ، ولا ظللت ولا ضُلّ بي ، بل عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهده إليّ وقد خاب من أفترى ، عهد إليّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ) أخرجه البزار وأبو يعلى ، وعنهما في كنز العمال ( ٦ / ٨٢ط الهند الأولى ) ، فالحديث ثابت لا شك فيه.


وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا عليّ أنّك لمقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ) (١).

____________

١ ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى / ١٧٢ ـ ١٧٣ ط الحيدرية سنة ( ١٣٦٩ هـ ).

حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ) فأستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، قال أبو بكر : أنا هو؟ قال : ( لا ، ولكن خاصف النعل ) ، يعني علياً عليه‌السلام ، وكان تخلف علي عليه‌السلام يخصفها ، وهذا أخرجه أحمد في مسنده ( ٣ / ٣٣ و ٨٢ عن أبي سعيد الخدري والنسائي في الخصائص برقم ( ١٥٦ ) ،

وإلى القارئ نص الحديث منه بتحقيق أحمد ميرين البلوشي ط مكتبة العلا ـ الكويت :

( ٥٥ ذكر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( علي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله ).

١٥٦ ـ أخبرني إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن قدامة ، واللفظ له ، عن جرير ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنا جلوساً ننتظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج إلينا قد أنقطع شسع نعله ، فرمى بها إلى علي ، فقال : ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ) فقال أبو بكر : أنا؟ قال : ( لا ) ، قال عمر : أنا؟ قال : لا. ولكن صاحب النعل ). قال محقق الكتاب : إسناده حسن ، رجاله ثقاتُ إلا رجاء بن ربيعة الزُبيدي ـ بضم الزاي ـ أبو إسماعيل الكوفي فهو صدوق كما قال ابن حجر ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن خلفون : وثقه العجلي وغيره. التهذيب ( ٣ / ٢٦٣ ) التقريب ( ١٠٢ ).

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( ١٢ / ٦٤ ) وعنه ابن عدي ( ٧ / ٢٦٦٦ ) حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد عن أبيه.

وأخرجه أحمد في المسند ( ٣ / ٣١ ، ٣٣ ، ٨٢ ) ، والقطيعي في زوائد الفضائل ( ١٠٧١ ) ، وأبو نعيم في الحلية ( ١ / ٦٧ ) ، وابن المؤيد الجويني في فرائد السمطين ( ١ / ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ٢٨٠ ) ، وابن عساكر ( ١٢ / ١٨٠أ ) من طريق فطر بن خليفة.

وأخرجه القطيعي ( ١٠٨٣ ) ، وابن حبان ( ٥٤٤ ـ الموارد ) ، والحاكم ( ٣ / ١٢٢ ) ، والخوارزمي في المناقب ( ١٨٣ ) ، وابن الجوزي في العلل ( ١ / ٢٣٩ ) ، وابن عساكر ( ١٢ / ١٧٩ / أ ) ، والبغوي في شرح السنة ( ١٠ / ٣٣ ) ، والذهبي في معجم شيوخه ( ٣٩ق ) ، من طريق الأعمش ، ثلاثتهم ( عبد الملك ، وفطر والأعمش ) عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه به.


وكان ابن عباس يقول : ليس الحرورية بأشدّ إجتهاداً من اليهود والنصارى وهم يضلون ) (١).

____________

وصحح الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

قلت : رجاء بن ربيعة لم يخرج له البخاري.

ووهم ابن الجوزي رحمه الله تعالى فأدخل هذا الحديث العلل المتناهية ظناً منه إن إسماعيل ابن رجاء الزبيدي راوي الحديث هو الحصني الذي ضعفه الدارقطني وابن حبان ، وهذا خطأ فإن إسماعيل بن رجاء الزبيدي شخصٌ متأخر طبقة عن الزبيدي ، وقد تعقبه الذهبي في تلخيص العلل المتناهية ( ١٨ق ) وقال : ( تكلم فيه ابن الجوزي من قبل إسماعيل فأخطأ ، هذا ثقة ، وإنما المضعف رجل صغير روى عن موسى ابن الحصين ، فهذا حديث جيد السند ).

وللحديث طريق آخر عند ابن عساكر ( ١٢ / ١٨٠ / ب ) عن علي بن يزيد الصدائي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد بنحوه ، وإسناده ضعيف. علي بن يزيد هذا قال أبو حاتم عنه : منكر الحديث. وقال ابن عدي : لا تشبه أحاديثه أحاديث الثقات. الميزان ( ٣ / ١٦٢ ) وعطية صدوق يخطئ كثيراً ويدلس.

وهذا الحديث علمّ من أعلام النبوة ، وفيه منقبة عظيمة لعلي رضي‌الله‌عنه وأرضاه حيث أخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال علي للخوارج قبل وقوعه ، كما ترجم ابن كثير في البداية والنهاية ( ٧ / ٣٠٥ ) بهذا وأورد الحديث.

١ ـ التنبيه والرد للمطي / ١٧٤.


مواقف عقائدية مع بقية أصحاب المذاهب

لقد كانت في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري شدّة الصراع بين أصحاب المذاهب الضالّة ، فهي فيما بينها يكفّر بعضهم بعضاً ، فثمة المجبّرة في الشام تدعمهم السلطة الأموية ، وثمة القدرية في الحجاز والعراق ، وقد أساؤا التفكير وأعلنوا التنكير والتكفير في مسألة القضاء والقدر ، وكانت المرجئة ، وكانت فرق الخوارج في مقالاتها الجائرة الكافرة ، فهي جميعاً متنافرة ، وأحياناً متناحرة ، ولم يكن غير رجال أهل البيت عليهم‌السلام بالمرصاد لكلّ أولئك في ردّ عاديتهم عن عقائد الإسلام الصحيح ، وكان يومئذ أبرزهم مواقف هو ابن عباس رضي‌الله‌عنه فهو أكبرهم سنّاً ، وليس شأناً لوجود إمام الحق عليّ ابن الحسين عليه‌السلام الذي كان هو يحبّه حُبّاً شديداً فيدخل عليه ، وفيه يقول لنافع بن الأزرق ولنجدة كما سيأتي : ( ذلك بقية النبيّين ، وسلالة الماضين ، له الولاية مع القرابة والطهارة يوم الكساء ) ، ويقول : ( عليّ بن الحسين من الربانيّين صلى الله عليه وعلى آبائه الطيبين وسلّم تسليماً ).

فلنقرأ بعض ما جاء عنه في ذلك :

في علم الكلام

لمّا كان الكلام في إثبات أصول العقيدة الإسلامية بالبرهان العقلي


والحجة النقلية هما المنطلق لتكوين علم الكلام ـ في مراحله الأولى ـ وقد إجتاحت يومئذ الساحة الفكرية صراعات عقائدية أفرزتها قوة السلطة لتبرير السياسات الحاكمة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد مرّ بنا نماذج من تلك الإفرازات في حوارت ابن عباس مع عمر ، حين يرد على عمر بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد عليّاً للأمر من بعده ، فيرد عليه عمر : وماذا كان إذا أراد رسول الله شيئاً وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسول الله. فهذه المقولة التي في الأساس جبرية المنشأ ، كما هي للتفريق بين إرادة الله وتخلف إرادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، مضافاً إلى إختلافه معه في مسألة الخلافة بالنص أو بالإختيار؟ وقد مرّت شواهد ذلك فراجع ، وقد كان المعتزلة يرون فيه ناصراً لهم على المجّبرة.

قال الأستاذ علي سامي النشار :

( وينتقل المعتزلة إلى التكلم عن شخصية ابن عباس ، وكان لابد أيضاً أن يضعوه في سلسلة السند ، فهو مفسر القرآن الأوّل وحبر الأمّة ، وقد رأى المجبّرة بالشام يعلنون الجبر ، ويجدون التأييد والتعضيد من بني أمية ، ولكن ابن عباس لا يسكت كما سكت غيره ، فيرسل إلى هؤلاء القرآء أما بعد ... ) فذكر الكتاب الذي سيأتي ذكره في جملة كتبه.

والآن فلنقرأ ماذا عنه مع المجبّرة وهم أعوان السلطة ، والسلطة معهم.


موقفه مع المجبّرة

كان لابن عباس ، موقف صارم وقويّ في دحض مقالة المجبرّة بعد أن اتسعت عقيدتهم بالإنتشار في عهد معاوية ومَن بعده من حكام الأمويين.

قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ( المذاهب الإسلامية ) : ( ولقد أدرك ابن عباس أنّ مصدر هذا الإنحراف الفكري هو السلطة وأنصارها ، فخاطبهم خطاباً عنيفاً قال فيه : أتأمرون الناس بالتقوى ، وبكم ضلّ المتقون؟ وتنهون الناس عن المعاصي ، وبكم ظهر العاصون؟ يا أبناء سلف المنافقين وأعوان الظالمين ، وخزّان مساجد الفاسقين ، هل منكم إلاّ مفتر على الله يجعل إجرامه عليه سبحانه ، وينسبه علانية إليه ) (١).

ونَقل عن ( المنية والأمل ) لابن المرتضَى : ( إنه قيل لابن عباس : إنّ هاهنا قوماً يزعمون أنّهم أتوا ما أتوا من قبل الله تعالى ، وأنّ الله أجبرهم على المعاصي.

فقال : لو أعلم أنّ هاهنا منهم أحداً لقبضت على حلقه فعصرته حتى تذهب روحه ، لا تقولوا أجبر الله على المعاصي ، ولا تقولوا لم يعلم الله ما العباد عاملون ) (٢).

____________

١ ـ المذاهب الإسلامية / ١٧٢.

٢ ـ المذاهب الإسلامية / ١٧٣.


وسيأتي كتاب ابن عباس إلى مُجبّرة أهل الشام في جملة كتبه.

( لا عقاب إلاّ بعد الفعل إلاّ في مكة )

لقد مرّ بنا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى استنكار ابن عباس لتهديم الكعبة بأمر ابن الزبير وخروجه مغاضباً إلى الطائف.

فقالوا له : لم لا تقيم بمكة؟

فقال : لا أقدر على حفظ خاطري من إرادة ظلمي للناس ، أو ظلمي لنفسي ، فكيف لو وقعت في الفعل؟ فإنّ الله تعالى لم يتوعد أحداً على مجرَد إرادته السوء دون الفعل له إلاّ بمكة ، ويشير إلى قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )(١) ، فإرادة الإلحاد بظلم في مكة تستوجب العذاب الأليم (٢).

____________

١ ـ الحج / ٢٥.

٢ ـ أنظر موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٢٥٨ فما بعدها.


موقفه من القدرية

والقدرية هم الذين نفو القَدرَ لا الذين أثبتوه ، فأولئك يلتقون مع الجبرية في سوء المقالة ، أمّا نفاة القدر فهم كالمفوّضة ، لذا كانوا هم أولى بهذا اللقب ، ومهما يكن فقد سمّوا في الحديث ( مجوس هذه الأمّة ) ، وهؤلاء كانوا الفريق المقابل والمناوئ للجبرية ، وقد أخطأوا حين قالوا بالإرادة ومحض الإختيار ، تفويضاً إلى الإنسان من دون أي أثر للمشيئة الإلهية وإذنه ، فإفراطهم في نفي المشيئة من الله إنّما كان مقابل تفريط الجبرية في تعطيل الإرادة الإنسانية في أقواله وأفعاله ، وأنّه مجبور على ما يصدر منه ، وهكذا تجاذبت الفرقتان بين الإفراط والتفريط ، ولم يسلم من هذا التجاذب إلاّ الوسط المعتدل من المسلمين ، وفي مقدمتهم أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم القائلون : ( لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ).

والى القارئ حديث الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الشيخ الكوفي الذي سأله عن القضاء والقدر ، وهذا ممّا رواه ابن عباس كما في ( عيون أخبار الرضا ) في هذا ، ثم حديث الإمام الرضا عليه‌السلام أيضاً ، ومن ثَمَّ نعرف سبب شدّة ابن عباس ضد القدرية.

فقد روى الشيخ الكليني في كتاب ( الكافي ) ، فقال :

( علي بن محمد ، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمد وغيرهما


رفعوه ، قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه (١) ، ثم قال له : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( أجل يا شيخ ، ما علوتم تلعة (٢) ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من الله وقدر ).

فقال له الشيخ : عند الله أحتسب عنائي (٣) يا أمير المؤمنين.

فقال له : ( مَه يا شيخ! فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين ).

فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟

فقال له : ( وتظن أنّه كان قضاءً حتماً وقدراً لازماً ، إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدةٌُ للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب ، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان ،

____________

١ ـ جثا يجثوا جثواً وجثياً : جلس على ركبتيه وأقام على أطرافه أصابعه.

٢ ـ التلعة : ما أرتفع من الأرض.

٣ ـ أي منه أطلب أجر مشقتي.


وقدرية هذه الأمّة ومجوسها ، إنّ الله تبارك وتعالى كلف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مُكرهاً ، ولم يملك مفوضاً ، ولم يخلق السماوت والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيّين مُبشرين ومُنذرين عبثاً ( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ )(١).

فأنشأ الشيخ يقول :

أَنْتَ الإمَامُ الَّذي نَرجُو بِطاعتِهِ

يَوْمَ النَّجاةِ مِنَ الرَّحْمَنِ غُفْرانَّا

أَوْضَحْتَ مِنْ أَمْرِنْا مَا كَانَ مُلْتَبِساً

جَزَاكَ رَبُّكَ بِاْلأِحْسَاْنِ إِحْسَاْنَاً ) (٢)

وقد روى الصدوق في ( عيون أخبار الرضا ) هذا الخبر بعدّة أسانيد ينتهي رابعها إلى ابن عباس ، وفي آخر الشعر ذكر الشعر في ستة أبيات كما يلي :

أَنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

فليس معذرة في كلّ فاحشة

قد كنت راكبها فسقا وعصيانا

لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه

فيها عبدت اذاً ياقوم شيطانا

ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا

قتل الولي له ظلما وعدوانا

أنى يحب وقد صحت عزيمته

ذو العرش أعلن ذاك الله اعلانا

____________

١ ـ ص / ٢٧.

٢ ـ أصول الكافي كتاب التوحيد ، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ١ / ١١٩ ـ ١٢٠.


ثم قال الصدوق : ولم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث من الشعر إلاّ بيتين من أوّله ) (١).

( علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : يا يونس! لا تقل بقول القدرية فإنّ القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ، ولا بقول أهل النار ، ولا بقول إبليس ، فإنّ أهل الجنة قالوا : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ )(٢). وقال أهل النار : ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ )(٣). وقال إِبليس : ( رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي )(٤).

فقُلتُ : والله ما أقول بقولهم ، ولكنّي أقول : لا يكون إلاّ بما شاء الله وأراد وقدر وقضى.

فقال : يا يونس! ليس هكذا ، لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدر وقضى؛ يا يونس؟ تعلم ما المشيئة؟

قُلت : لا.

قال : هي الذكر الأوّل ، فتعلم ما الإرادة؟

قلت : لا.

قال : هي العزيمة على ما يشاء ، فتعلم ما القدر؟

____________

١ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٨.

٢ ـ الأعراف / ٤٣.

٣ ـ المؤمنون / ١٠٦.

٤ ـ الحجر / ٣٩.


قلت : لا.

قال : هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء.

قال : ثم قال : والقضاء هو الإبرام وإقامة العين.

قال : فاستأذنته أن أقبل رأسه ، وقلت : فتحت لي شيئاً كنتُ عنه في غفلة ) (١).

أمّا ابن عباس فله في القدرية عدّة أقوال ، منها :

ما رواه عبد الرزاق في ( المصنف ) عن طاووس :

( إنّ رجلاً قال لابن عباس : إنّ ناساً يقولون إنّ الشرّ ليس بقدر.

فقال ابن عباس : فبيننا وبين أهل القدر هذه الآية : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ _ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )(٢) ) (٣).

ومنها ما رواه ابن عبد البر في ( التمهيد ) ، عن عطاء بن أبي رباح ، يقول :

( كنت عند ابن عباس فأتاه رجل ، فقال : أرأيت من حرمني الهُدى وأورث الضلالة والردى ، أتراه أحسن إليّ أو ظلمني؟

فقال ابن عباس : إن كان الهدى شيئاً كان لك عنده فمنعه فقد ظلمك ،

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٢٠ ـ ١٢١.

٢ ـ الأنعام / ١٤٨ ـ ١٤٩.

٣ ـ المصنف ١١ / ١١٤.


وإن كان الهدى له يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئاً فلا تجالسني بعده ) (١).

ومنها ما رواه ابن عساكر عن وهب بن منبه ، قال :

( بلغ ابن عباس عن مجلس كان في ناحية باب بني سهم يجلس فيه ناس من قريش ، فيختصمون ، فترتفع أصواتهم.

فقال لي ابن عباس : أنطلق بنا إليهم.

فأنطلقنا حتى وقفنا عليهم. فقال ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلّم به أيوب وهو في حاله.

قال وهب : فقلت : قال الفتى : يا أيوب أما كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكلّ لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك؟ يا أيوب أما علمت أنّ لله عباداً أسكتتهم خشية الله من غير عيّ ولا بكم ، وأنّهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته ، ولكنّهم إذا ذكروا عظمة الله تقطّعت قلوبهم وكلّت ألسنتهم وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقاً من الله وهيبة له ، فإذا استفاقوا من ذلك استقبلوا إلى الله بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، يعدّون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين وإنّهم لأنزاه أبرار أخيار ، ومع المضيّعين المفرطين ، وأنّهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول مرضى وليسوا بمرضى ، وقد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم ) (٢).

____________

١ ـ التمهيد ٦ / ٦٤ ط المغرب.

٢ ـ تاريخ دمشق ١٠ / ٧٩ ط دار الفكر.


أقول : وأنا في شك من صحة هذا الخبر! فقد رواه مرّة أخرى أيضاً عن وهب ، قال : ( كان ابن عباس جالساً في المسجد الحرام ومعه وهب بن منبه ، فنهض ابن عباس يتهادى على عطاء بن أبي رباح وعكرمة ، فلمّا دنا من باب المسجد إذ هو بقوم يتجادلون قد علت أصواتهم ، فوقف ابن عباس عليهم وقال لعكرمة : أدع لي وهب بن منبه ، فدعاه ، فقال له ابن عباس : حدّث هؤلاء حديث الفتى ، قال : نعم.

قال : لمّا أشتد الجدال بين أيوب وأصحابه ، قال فتى كان معهم لأصحاب أيوب في الجدال قولاً شديداً ، ثم أقبل على أيوب ... ) (١).

وهذا الخبر رواه البسوي في ( المعروفة والتاريخ ) بسنده عن وهب بن منبه ، وهو أصح ممّا سبق :

( قال وهب : إنّ ابن عباس طاف بالبيت حين أصبح أسبوعاً ، قال وهب : وأنا وطاووس معه وعكرمة مولاه ، وكان قد رقّ بصره ، فكان يتوكأ على العصا ، فلمّا فرغ من طوافه انصرف إلى الحطيم ، فصلى ركعتين ، ثم نهض فنهضنا معه ، فدفع عصاء إلى عكرمة مولاه ، وتوكأ عليَّ وعلى طاووس ، ثم انطلق بنا إلى غربي الكعبة بين باب بني سهم وباب بني جمح ، فوقفنا على قوم بلغ ابن عباس أنّهم يخوضون في حديث القدر وغيره ممّا يختلف الناس فيه ، فلمّا وقف عليهم سلّم عليهم فأجابوه ، فرحبّوا به وأوسعوا له ، فكره أن يجلس إليهم.

____________

١ ـ انساب البلاذري / برقم٩٧ ، نسخة مخطوطة بقلمي ، تاريخ دمشق ١٠ / ٧٩ ط دار الفكر.


ثم قال : يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ، ولا يُردّ عليهم ، ألم تعلموا أنّ لله عزوجل عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم ، وإنّهم لهم الفصحاء النطقاء والنبلاء الأولياء والعالمون بالله عزوجل وبآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم وكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاماً لله عزوجل وإعزازاً وإجلالاً ، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عزوجل بالأعمال الزكيّة ، يعدّون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنّهم لأنزاه أبرار ، ومع المقصّرين والمفرّطين ، وإنّهم لأكياس أقوياء ، ولكنهم لا يرضون لله عزوجل بالقليل ، ولا يستكثرون له الكثير ، ولا يُدلّون عليه بالأعمال ، متى ما لقيتهم فهم مهتمون مخوَّفون مروَّعون خائفون مشفقون وجلون ، فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين. إعلموا أنّ أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه ، وأنّ أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه.

قال وهب : ثم انصرف عنهم وتركهم ، فبلغ ابن عباس أنّهم تفرّقوا عن مجلسهم ذلك ، ثم لم يعودوا إليه حتى هلك ابن عباس ) (١).

عن طاووس ، قال :

( كنت عند ابن عباس رضي‌الله‌عنه ومعنا رجل من القدرية ، فقلت : إنّ أناساً يقولون لا قدر.

قال : أوفي القوم أحد منهم؟

قلت : لو كان ما كنت تصنع به؟

____________

١ ـ المعرفة والتأريخ ١ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥.


قال : لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه ، ثم قرأت عليه آية كذا وكذا : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً )(١) ) (٢).

وجاء في كتاب ( المجروحين ) لابن حبان ، عن أنس بن مالك :

( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي ، المرجئة والقدرية ).

قال : فقال ابن عباس : يا رسول الله فمن المرجئ؟

قال : ( قوم يكونون في آخر الزمان إذا سئل أحدهم عن الإيمان ، يقولون نحن مؤمنون إن شاء الله ).

قال : فما القدرية؟

قال : ( قوم يقولون لا قدر ) (٣).

وقال ابن عباس : في قوله تعالى : ( يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ )(٤) : ( يحفظونه ممّا لم يقدر نزوله ، فإذا جاء المقدر بطل الحفظ ) (٥).

وفي ( جامع بيان العلم ) :

( قال ابن عباس : لا يزال أمر هذه الأمة موائماً ( مقارباً ) حتى يتكلموا

____________

١ ـ الإٍسراء / ٤.

٢ ـ مستدرك الحاكم ٢ / ٣٦٠.

٣ ـ المجروحين ١ / ٣٣٧ ، بحار الأنوار ٦٧ / ١٥٥.

٤ ـ الرعد / ١١.

٥ ـ جامع بيان العلم لابن عبد البر ٢ / ٩٤.


في الولدان والقدر ) (١).

إلى غير ذلك من أقواله في القدر والتنديد بالقدرية.

وروى أبو نصر السجزي في كتاب ( الإبانة ) ونقله عنه السيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) بسنده إلى عبيد الله بن أبي زياد قال :

( رآني ابن عباس وأنا أكلمّ رجلاً من القدرية.

فقال : من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.

قلت : يا أبا العباس كيف يوقّر؟

قال : تكنيّه وتبدؤه بالسلام ) (٢).

وقد جاء في ( شرح أصول الإعتقاد ) للألكائي بسنده عن عكرمة ، قال :

( كنت حاضراً عند عبد الله بن عباس فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عباس أخبرني من القدرية ، فإنّ الناس قد اختلفوا عندنا بالمشرق؟

فقال ابن عباس : القدرية قوم يكونون في آخر الزمان ، دينهم الكلام ، يقولون : إنّ الله لم يقدّر المعاصي على خلقه وهو معذّبهم على ما قدّر عليهم ، فأولئك هم القدرية ، فأولئك هم مجوس هذه الأمّة ، وأولئك ملعونون على لسان النبيين أجمعين ، فلا تقاولوهم فيفتنونكم ، ولا تجالسوهم ، ولا تعودوا مرضاهم ، ولا تشهدوا جنائزهم ، أولئك أتباع

____________

١ ـ جامع بيان العلم ٢ / ٩٣ ، لقد ذكر الحاكم النيسابوري في المستدرك هذا الحديث مرفوعاً عن ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ اللئالي المصنوعة ١ / ١٣١.


الدجّال. لخروج الدجّال أشهى إليهم من الماء البارد.

فقال الرجل : يا أبا عباس لا تجد عليَّ ، فإنّي سائل مبتلى بهم.

قال : قل.

قال : كيف صار في هذه الأمّة مجوس ، وهذه الأمّة مرحومة؟

قال : أخبرك لعل الله ينفعك؟

قال : إفعل.

قال : إنّ المجوس زعمت أنّ الله لم يخلق شيئاً من الهوام والقذر ، ولم يخلق شيئاً يضر ، وإنّما يخلق المنافع وكلّ شيء حسن ، وإنّما القذر هو الشر ، والشر كلّه خلق إبليس وفعله.

وقالت القدرية : إنّ الله لم يخلق الشر ، ولم نبتلى به ، وإبليس رأس الشر كلّه ، وهو مقر بأنّ الله خالقه.

قالت القدرية : إنّ الله أراد من العباد أمراً لم يكن ، وأخرجوه عن ملكه وقدرته ، وأراد إبليس من العباد أمراً وكان إبليس عند القدرية أقوى وأعز ، فهؤلاء القدرية. وكذبوا أعداء الله ، إنّ الله يبتلي ويعذّب على ما أبتلى وهو غير ظالم ، لا يُسأل عمّا يفعل ، ويمنّ ويثيب على منّه إيّاهم وهو فعّال لما يريد ، ولكنهم أعداء الله ظنّوا ذاتاً فحققوا ظنّهم عند أنفسهم ، وقالوا : نحن العاملون والمثابون والمعذَبون بأعمالنا ، ليس لأحد علينا منّة ، وذهب عليهم منّ الله وأصابهم الخذلان ...

فقال الرجل : الحمد الذي منّ بك عليَّ يا أبا عباس ، وفّقك الله ، نصرك


الله ، أعزك الله ، أما والله لقد كنت من أشدّهم قولاً أدين الله به ، وقد استبان لي قول الضياء ، فأنا أشهد الله وأشهدكم إنّي تائب إلى الله ، وراجع ممّا كنت أقوله ، وقد أيقنت أنّ الخير من الله ، وأنّ المعاصي من الله يبتلي بها من يشاء من عباده ، ولا مقدّر إلاّ الله ، ولا هادي ولا مضلّ غيره.

قال عكرمة : فما زال الرجل عندنا باكياً حتى خرج غازياً في البحر فاستشهد رحمه‌الله ) (١).

____________

١ ـ أصول الاعتقاد ٣ / ٣٦٤ رقم ١٠٤٠.


كلامه في التوحيد

روى البلاذري في ترجمة ابن عباس من أنسابه بسنده :

( أنّ رجلاً قال لعبد الله بن عباس : بماذا عرفت ربك؟

فقال عبد الله : ويلك من طلب الدين بالقياس ، لم يزل الدهر إلاّ في التباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الإعوجاج ، أعرفه بما عرّف به نفسه من غير رويّة ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، حيّ في ديمومته ، لا يجور في أقضيته ، يعلم ما هم عاملون وما هم إليه صائرون ، فتبارك ( الله ) الذي يسبق كلّ شيء علمه ، ونفذت في كلّ شيء مشيئته ).

أقول : وهذا الخبر ورد في التراث الشيعي الاثني عشري والزيدي كما ورد في التراث السني ، وبين رواياته تفاوت ينبغي لنا ذكره في المقام.

١ ـ في التراث الشيعي الاثني عشري.

روى الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في كتابه ( التوحيد ) باب التوحيد : ( ثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة ، قال : أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري العلائي ـ الغلابي ظ ـ البصري ، قال : حدثنا العباس بن بكار الضبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، قال :


بينما ابن عباس يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال : يا بن عباس تفتي في النملة والقملة صف لنا إلهك الذي تعبده.

فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عزوجل. وكان الحسين بن علي عليهما‌السلام جالساً في ناحية ، فقال : إليّ يابن الأزرق.

فقال : لست إياك أسأل.

فقال ابن عباس يابن الأزرق إنّه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم.

فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين عليه‌السلام ، فقال له الحسين : يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الإرتماس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الإعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل. يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه ، وأعرّفه بما عرّف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، فهو قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الكبير المتعال ) (١).

٢ ـ في التراث الشيعي الزيدي.

روى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ( ت ٦١٤ هـ ) في كتابه ( الكبير الشافي ) في رده على الفقيه العامي الذي كتب ( الخارقة ) ، وكان الفقيه استدل بهذا الخبر ، فأجابه المنصور ، فقال :

( وذكر ـ الفقيه ـ حكاية عن نجدة الحروري وابن الأزرق أنّهما أتيا ابن عباس ، فقال له نجدة : يابن عباس ما معرفتك بربّك؟

____________

١ ـ التوحيد / ٦٢ ، باب التوحيد ط حجرية ١٣٣١ هـ.


فقال : يا نجدة إنّ من نصب نفسه للقياس لم يزل الدهر في التباس ... وذكر بعد مسيرهما إلى عليّ بن الحسين فذكر فضله وعلمه.

فالجواب وهو ـ يعني ابن عباس ـ أهل لما قيل فيه من العلم ، وإن كان معترفاً بفضل أهل البيت عليهم‌السلام ، عليه الوالدِ منهم والولد ، وذلك ثابت فيما رُوينا من مكالمة الحرورية التي بترها لما بيّن لهم التوحيد ، فقالوا له : يا سيد بني هاشم؛ فقال ابن عباس : ذلك عليّ بن الحسين عليه‌السلام.

والبقية مشهورة غير متكررة ، ولو أغفلها الفقيه لحدّة بغضه.

ثم ساق الخبر كما مرّ ، وفي آخره : فقال نجدة لابن عباس : يا سيد بني هاشم.

فقال ابن عباس رحمة الله عليه : ذلك عليّ بن الحسين ، بقية النبيّين وسلالة الماضين ، له الولاية مع القرابة ، في الطهارة يوم الكساء.

فقال نافع بن الأزرق : هل لك يا نجدة أن نأتيه فإنّه حديث السنّ ، فلعلّنا أن نستظهر عليه بحجة. فمضيا نحوه ، فوجداه في الحِجر مع نفر من أصحابه.

فقال نجدة : يا عليّ بن الحسين ، ما أوّل العبادة وسبيل المعرفة؟

فقال له عليّ بن الحسين عليه وعلى آبائه السلام : ( يا نجدة أتيت ( متعنتّاً معتدياً ) على أولياء الله وأهل طاعته ...

ثم ساق الخبر بطوله ، إلى أن قال : فانطلق نجدة إلى ابن عباس فأخبره بالذي كان ، فبهج ابن عباس بذلك ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالاته (١).

____________

١ ـ هكذا في المخطوط ( رسالاته ) وهي قراءة نافع التي يتلوها أهل المغرب الإسلامي ، وهي الشهيرة بين الطائفة الزيدية الكرام في اليمن.

والقراءة المتداولة في بلاد المشرق عن حفص عن عاصم وهي ( رسالته ) ، عن هامش ص١٥٢ من المصدر.


فقال نجدة : أولستم أهل بيت يتقدم كبارُكم صغارَكم؟

فقال : أجل ، ولكن ربانيّونا كبارُنا ، وإن كانوا صغاراً ، وعليّ بن الحسين من الربانيّين صلى الله عليه وعلى آبائه الطيبين وسلّم تسليماً ) (١).

٣ ـ في التراث السني :

لقد مرّ في أوّل البحث ذكر ذلك نقلاً عن البلاذري ، غير أنّ ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) في ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام رواه بسنده عن مشايخه عن عكرمة (٢) ، ولفظه يتفق مع ما تقدم نقله عن الشيخ الصدوق في كتابه ( التوحيد ) مع زيادة فيه.

وإلى القارئ رواية ابن عساكر ... عن عكرمة عن ابن عباس :

( ( إنّه ) بينما ( كان ) يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس تفتي الناس في النملة والقملة؟ صف لي آلهك الذي تعبد؟

( و ) فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله ، وكان الحسين بن عليّ جالساً ناحية فقال : ( إليّ يا بن الأزرق ).

قال : ( ابن الأزرق ) : لست إياك أسأل.

قال ابن عباس : ( يا بن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم ).

فأقبل نافع نحو الحسين ، فقال له الحسين : ( يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس ، لم يزل الدهر في الإلتباس ، مائلاً ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً

____________

١ ـ الشافي ٣ / ٦٠ ، مجلة علوم الحديث / السنة السادسة / العدد الثاني عشر / ١٣٥.

٢ ـ تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين / ١٥٧ تحقيق المحمودي.


بالإعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل.

يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه ، وأعُرّفه بما عرّف به نفسه ، لا يدرك بالحواسّ ، ولا يقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو العلي الكبير المتعال ).

فبكى ابن الأزرق ، وقال : يا حسين ما أحسن كلامك؟

قال له الحسين : ( بلغني أنّك تشهد على أبّي وعلى أخي بالكفر وعليَّ )؟

قال ابن الأزرق : أما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام ونجوم الأحكام.

فقال له الحسين : ( إنّي سائلك عن مسألة )؟

قال : إسأل.

فسأله عن هذه الآية : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ )(١) ، ( يابن الأزرق من حفظ في الغلامين )؟

قال ابن الأزرق : أبوهما.

قال الحسين : ( فأبوهما خير أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال ابن الأزرق : قد أنبأنا الله تعالى إنّكم قوم خصمون ) (٢).

فهذا عين ما ورد عن ابن عباس في كلامه في التوحيد كما مرّ آنفاً.

____________

١ ـ الكهف / ٨٢.

٢ ـ إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف / ٥٨ : ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ).


وله في العقائد أخبار كثيرة مع المنحرفين ، تعسر الإحاطة بها جميعاً ، وجلّ ما كان يُروى عنه في هذا نجده عين ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. ولا بدع فهو في علمهم من علم الإمام عليه‌السلام كما مرّ ذلك عنه مراراً.

ونختم الكلام في هذا الجانب بالإشارة إلى ما كان يعانيه من مولاه عكرمة البربري الذي صار مع الخوارج ، فكان يكذب على مولاه ، حتى أشتهر بذلك في حياته وبعد وفاته ، وقد مرّت الإشارة إلى حاله في ذكر تلاميذه ، وتأتي في الحلقة الرابعة بعض أكاذيبه على مولاه ، مما سبّب خبطاً وخلطاً في المروي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه عند الباحثين.

ولا يفوتني التنبيه على أنّ في الرواة عن ابن عباس أربعة كلّهم اسمه عكرمة ، فاثنان منهم من مواليه ، فكان كثير من المروي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس يحسبه الكثير أنّه عن عكرمة البربري ـ الكذّاب ـ لأنّه كان أبعد الأربعة صيتاً ، وقد بينت هذا في بحث تلاميذه عند ذكرهم ، فراجع.

والآن إلى قراءة بعض مرويات عكرمة ـ المجهول ـ عن ابن عباس ممّا ليس فيه التهمة ممّا يتعلق بالعقيدة :

١ ـ روى الطبري في تفسيره بسنده ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال :

( الإسلام ثلاثون سهماً ، وما أبتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلاّ إبراهيم ، قال الله : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى )(١) ، فكتب الله له براءة من النار ) (٢).

____________

١ ـ النجم / ٣٧.

٢ ـ جامع البيان ١ / ٥٤٤.


وفي رواية أخرى عنه ، قال : ( ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كلّه غير إبراهيم ، ابتلي بالإسلام فأتمه ، فكتب الله البراءة ، فقال : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى )(١) ، فذكر عشراً في براءة ، فقال : ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(٢) ، وعشراً في الأحزاب : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )(٣) ، وعشراً في سأل سائل : ( الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ _ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ _ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ _ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ _ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ _ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ _ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ _ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ _ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ _ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ _ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ _ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ _ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ )(٤) ) (٥).

____________

١ ـ النجم / ٣٧.

٢ ـ التوبة / ١١٢.

٣ ـ الأحزاب / ٣٥.

٤ ـ المعارج / ٢٣ ـ ٣٥.

٥ ـ جامع البيان ١ / ٥٤٤.


٢ ـ روى البخاري بسنده ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، قال :

( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يقتل وهو مؤمن ).

قال عكرمة : قلت لابن عباس : كيف ينزع منه الإيمان؟

قال : هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها ، فإن تاب عاد إليه هكذا ، وشبك بين أصابعه ) (١).

٣ ـ روى الصدوق في ( علل الشرائع ) في نوادر علل الصلاة ، عن عكرمة ، قال :

( قلت لابن عباس : أخبرني لأي شيء حذف من الأذان ( حيّ على خير العمل )؟

قال : أراد عمر بذلك أن لا يتكل الناس على الصلاة ، ويدعوا الجهاد ، فلذلك حذفها من الأذان ) (٢).

أقول : لقد ذكرت في مسألة ( حيّ على خير العمل مسائل شرعية بين السنة والبدعية ) ، ما يتعلق بهذا الجواب ، وأنّه لا يتعدى التفسير الرسمي ـ إن صح التعبير ـ للمنع والرفع ، وهذا هو الجانب الواقعي المعاش ، الظاهر الذي كان يصوّر وجهة نظر الخليفة ومن تبعه من المسلمين يومئذ ، ويبقى التصديق بوجاهته وعدمه تبعاً للأشخاص وعقائدهم ..

والتزام أهل البيت عليهم‌السلام ـ وتمسك مَن يتبعهم بإصرار على الإتيان به في

____________

١ ـ صحيح البخاري ٨ / ١٦٤ ط بولاق ، كتاب المحاربين الكفر والردّة ( باب إثم الزناة ).

٢ ـ علل الشرائع / نوارد علل الصلاة ط الحيدرية.


الأذان والإقامة ـ يعني أنّ الرأي الأوّل ليس بمقنع عندهم ولديهم تفسير آخر. فما هو ذلك التفسير؟

إنّه ( الولاية ) بمعنى موالاة عليّ وأهل بيته عليهم‌السلام ...

فراجع تجد تفصيل ما يتعلق بالمقام (١).

٤ ـ روى الطبري ، وابن أبي حاتم وغيرهما ، في تفسير قوله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا )(٢) ، عن عكرمة ، قال :

( قلت لابن عباس : إنّ فلاناً يقول إنّها على عمد ـ يعني السماء ـ.

فقال ابن عباس : أقرأها ( نقرؤها ) : ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا )، أي لا ترونها ) (٣).

٥ ـ روى القرطبي نقلاً عن ( التمهيد ) لابن عبد البر وكتاب ( الردّ عن عكرمة ) لابن الأنباري ، عن عكرمة ، قال :

( قلت : لابن عباس : أرأيت ما جاء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمية بن أبي الصلت ( آمن شعره وكفر قلبه )؟

قال : هو حق فما أنكرتم من ذلك؟

قلت : أنكرنا قوله :

والشمس تطلع كلّ آخر ليلة

حمراء يصبح لونها يتورّد

ليست بطالعة لهم في رسلها

إلاّ معذّبة وإّلا تُجلد

____________

١ ـ حي على خير العمل مسائل شرعية بين السنة والبدعة / ١٢٤ ـ ١٢٧ ط قم.

٢ ـ الرعد / ٢.

٣ ـ تفسير الطبري ١٣ / ٩٣.


ما بال الشمس تُجلد؟

فقال : إنّما اضطّره الرويّ إلى الجلد ، لكنها تخاف العقاب ) (١).

٦ ـ روى الثعلبي في ( الكشف والبيان ) في تفسير قوله تعالى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ )(٢) ، عن عكرمة ، قال :

( كانوا مساكين والسفينة تساوي ألف دينار؟

قال : ـ ابن عباس ـ إنّ المسافر مسكين ولو كان معه ألف دينار ) (٣).

____________

١ ـ تفسير القرطبي ١٥ / ٦٣ ..

٢ ـ الكهف / ٧٩.

٣ ـ الكشف والبيان / تفسير سورة الكهف الآية / ٧٩.


مواقفه مع النواصب

من هم النواصب؟

لقد قرأنا فيما مضى نماذج كثيرة من مواقفه المشرّفة في إحتجاجاته على الحاكمين وغيرهم ، وجميعهم ممن كان يناوئ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وجميعهم يمكن عدّهم من النواصب ، فماذا بعد هذا من جديد؟

الجواب : إنّ الرواسب الموروثة الموبوءة ، قد عشعشت في نفوس المنافقين ، فنقّت اليوم ضفادعهم في مستنقعاتهم ، وتعالت أصواتهم في وسائلهم من جديد ، فجعلت أمجاد بني أمية أنّهم أبطال القومية العربية ، ومن الطبيعي أن يكون عندهم معاوية في قمة الهرم ، لأنّه المسخ الإنساني الذي أعلن الكفر على منابر المسلمين أيام إستحواذه على السلطة بأساليبه المخزية ، وهذا معناه ( أطلع الشيطان من مغرزه ) (١) ، وعادت الجاهلية تنغض برؤوسها وتمجد رموزها ، فصارت تلعب بالتراث تحريفاً وتصحيفاً ، وحذفاً وتغييراً ، لتسدل نسيج العنكبوت على تلك الجرائم البشعة التي إرتكبها معاوية.

لذلك رأيت العودة إلى قراءة بعض ما جرى لابن عباس رضي‌الله‌عنه من مواقف مشرّفة مع النواصب ممّا لم يسبق ذكره ، لغرض بيان وتحديد معنى النواصب من خلال تلك القراءة.

____________

١ ـ من كلام فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الخطبة ( الفدكية ).


فمن هم؟ وما هم؟

ويمكننا الإجابة على السؤالين معاً بالقدر المشترك بينهما ، وهو معنى ( النُصب ) : والرجوع إلى ما قاله اللغويون يغني عن الإطالة في البحث ، كما أنّ قراءة ما قاله من لا يتهم في قوله على قومه يبعدنا عن التهمة والتعصب.

فقد قال الفيروز آبادي الشافعي في كتابه ( القاموس ) : ( ( نَصَب ) : والنواصب والناصبية ، وأهل النُصب المتدّينون ببغضة علي رضي‌الله‌عنه ، لأنّهم نصبوا له أي عادوه ) (١).

وهذا ما أقره عليه الزبيدي في شرحه له في ( تاج العروس ) ولم يزد عليه إلاّ ببعض ألقاب أطرى بها الإمام عليه‌السلام.

وأخيراً بإشارة منه بائسة إلى مصدر أخبار الخوارج ، فماذا قال؟ : ( ( النواصب ، والناصبة ، وأهل النصب ) ، وهم ( المتديّنون ببغضة ) سيدنا أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين أبي الحسن ( عليّ ) بن أبي طالب ( رضي الله تعالى عنه ) وكرّم وجهه ( لأنّهم نصبوا له أي عادوه ) ، وأظهروا الخلاف وهم طائفة الخوارج ، وأخبارهم مستوفاة في كتاب المعالم للبلاذري ) (٢).

وهذا التفسير مهما أغمضنا النظر عن جعل التدين فيه هو مبعث النُصب ، فلا يمكن غضّ النظر عن قصر التفسير على الخوارج ففيه دفاعهما المضمر عن معاوية وأذنابه ، فهم وإن لم يكونوا أصحاب دين ،

____________

١ ـ القاموس المحيط / ١٣٣ ، الفيروز آبادي ، المجلد الأول ، دار الفكر.

٢ ـ تاج العروس ١ / ٤٨٧ مادة نصب.


إلاّ أنّهم سبقوا الخوارج في النُصب ، فالخوارج لم يتميزوا بذلك إلاّ بعد وقعة صفين سنة ( ٣٧ هـ ) فما بعدها ، بينما نجد بعض الأحاديث تسبق ذلك التاريخ وترتفع في تعميم معنى النُصب إلى عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان هو ظاهرة المنافقين التي نددّ بهم القرآن ، والنبيّ العظيم ، فقال تعالى في سورة التوبة : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )(١) ، وقال تعالى في سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ _ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ _ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ _ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ _ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ )(٢).

قال السيوطي في ( الدر المنثور ) في تفسير الآيات : ( وأخرج ابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري ، في قوله تعالى : ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )(٣) ، قال : ببغضهم عليّ بن أبي طالب ) (٤).

____________

١ ـ التوبة / ١٠١.

٢ ـ محمّد / ٢٥ ـ ٢٩.

٣ ـ محمّد / ٣٠.

٤ ـ الدر المنثور ٦ / ٦٦.


وقال تعالى في سورة الأحزاب : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً )(١).

ذكر الزمخشري في ( الكشاف ) في تفسير الآية : ( وقيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليّاً ويسمعونه ) (٢).

أمّا الواحدي في ( أسباب النزول ) فقد قال صريحاً : ( قال مقاتل : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، وذلك أنّ أُناساً من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه ) (٣).

وقال تعالى في سورة المطففين : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ _ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ )(٤).

ذكر الرازي في تفسيره في ( أسباب النزول ) وجهين :

( الأوّل : إنّ المراد من قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا )أكابر المشركين كأبي جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل السهمي ، كانوا يضحكون من عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المسلمين ويستهزئون بهم.

الثاني : جاء علي عليه‌السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم ، فقالوا : رأينا اليوم الأصلع ، فضحكوا منه ، فنزلت هذه الآية ، قبل أن يصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٥).

____________

١ ـ الأحزاب / ٥٨.

٢ ـ الكشاف ٢ / ٥٤٩ نشر مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة ١٣٦٧ هـ.

٣ ـ أسباب النزول / ٢٧٣.

٤ ـ المطففين / ٢٩ ـ ٣٠.

٥ ـ تفسير الرازي ٣١ / ١٠١.


إلى غير ذلك من آيات الذكر الحكيم نددّت بأعداء علي عليه‌السلام.

والسؤال الآن من شيخي اللغة الآنفي الذكر : هل أنّ هؤلاء الذين ندّد بهم القرآن الكريم والنبيّ العظيم كانوا من الخوارج المتديّنين ببغضة علي عليه‌السلام؟

لماذا الّلف والدوران؟ فإن النّصب هو العداء ، فكلّ من عادى عليّاً عليه‌السلام فهو ناصبّي ، من أي فئة كانوا ، سواء كانوا أفراداً أو جماعات ، وأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطتنا ميزاناً صادقاً وصالحاً لكلّ زمان وفي كلّ مكان. وذلك أنّ عليّاً عليه‌السلام هو ميزان الحق ، إذ هو مع الحق ، ( يدور الحق معه حيث دار ) (١).

____________

١ ـ راجع صحيح الترمذي ٢ / ٢٩٨ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٢٤ ( رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار ) قال الحاكم : هذا صحيح على شرط مسلم.


ابن عباس على ذلك من الشاهدين

أخرج ابن المغازلي المالكي ت ( ٤٨٣ هـ ) بإسناده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : ( كنتُ عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل عليّ بن أبي طالب غضبان.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما أغضبك )؟

قال : آذوني فيك بنو عمك.

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغضباً ، فقال : ( يا أيّها الناس ، من آذى عليّاً فقد آذاني ، إنّ عليّاً أولكم إيماناً ، وأوفاكم بعهد الله ، يا أيّها الناس من آذى عليّاً بُعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً ).

قال جابر بن عبد الله الأنصاري : يا رسول الله وإن شهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّك محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فقال : ( يا جابر كلمة يحتجزون بها أن لا تسفك دماؤهم ، وأن لا تستباح أموالهم ، وأن لا يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ) (١).

أخرج ابن عساكر الشافعي ت ( ٥٧١ هـ ) في ( تاريخ مدينة دمشق / ترجمة الإمام عليه‌السلام ) بإسناده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه :

( أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر إلى عليّ بن أبي طالب فقال : ( أنت سيد في الدنيا ،

____________

١ ـ المناقب / ٥٢ رقم٧٦.


سيد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، وحبيبك حبيب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك بعدي ) (١).

أخرج ابن المغازلي في مناقبه ، بإسناده عن عبد الرزاق بن همام ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عباس ، قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ الله عزوجل منع بني إسرائيل قطر السماء بسوء رأيهم في أنبيائهم وإختلافهم في دينهم ، وإنّه آخذ هذه الأمة بالسنين وما نعهم قطر السماء ببغضهم عليّ بن أبي طالب ).

قال معمر : حدثني الزهري ـ وقد حدثني في مرضة مرضها ، ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ـ أحسبه ولا بعدها ـ فلمّا بلّ من مرضه ندم ، فقال لي : يا يماني أكتم هذا الحديث وأطوه دوني ، فإنّ هؤلاء ـ يعني بني أمية ـ لا يعذرون أحداً في تقريض عليّ وذكره.

قلت : فما بالك أرعبت من القوم يا أبا بكر؟ وقد سمعت الذي سمعت؟

قال : حسبك يا هذا إنّهم شركونا في لهاهم فانحططنا لهم في أهوائهم ) (٢).

أقول : وقد أخرج ابن عساكر لفظ الحديث المرفوع في الرواية في ( تاريخ مدينة دمشق / ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام ) (٣).

____________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٢٣١. وهذا أخرجه ابن المغازلي في مناقبه برقم ( ١٤٥ و ٤٣١ ) ، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ وقال : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

٢ ـ مناقب ابن المغازلي / ١٤١ رقم ١٥٦.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٢١٤.


فهذه ثلاثة أحاديث يرويها ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقوبة ناصبي العداء لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وثمة عن ابن عباس ما يدلّ على أنّ قريشاً قد ناصبت العداوة على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك فيما رواه الموفق الخوارزمي الحنفي في كتابه ( مقتل الحسين عليه‌السلام ) في الفصل الخامس ، بإسناده عن ابن عباس ، قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الرحمن ابن عوف : ( يا عبد الرحمن أنتم أصحابي ، وعليّ بن أبي طالب منّي وأنا من عليّ ، فمن قاسه بغيره فقد جفاني ، ومن جفاني فقد آذاني ، ومن آذاني فعليه لعنة ربي ) (١).

وعلى ضوء هذه الأحاديث كان ابن عباس يعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، كما في ( تاريخ بغداد ) (٢) ، و ( تاريخ مدينة دمشق ) لابن عساكر (٣).

ولم يكن وحده في هذه المعرفة ، بل كان حذيفة ، وابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وآخرون غيرهم ، كلّهم مثل ابن عباس في معرفة المنافقين من خلال معرفتهم ببغضهم الإمام عليه‌السلام ، وهم جميعاً كانوا تلقوا تلك المعرفة من أقوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : ( إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ) (٤) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من

____________

١ ـ مقتل الحسين / ٦٠ تحقيق الشيخ السماوي بمطبعة الزهراء عليها‌السلام.

٢ ـ تاريخ بغداد ٣ / ١٥٣ ، تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام ) ٢ / ٢١٨.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ( ترجمة الإمام ) ٢ / ٢١٨.

٤ ـ آخرجه مسلم في صحيحه في مناقب الإمام عليه‌السلام والنسائي في السنن الكبرى والخصائص وأبو يعلي في مسنده وأحمد بن حنبل في مسنده وفي فضائل الصحابة بمعناه ، وغيرهم كثير ..


أبغضنا أهل البيت فهو منافق ) (١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ولا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار ) (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار ) (٣).

أخرج أحمد بن حنبل في ( فضائل الصحابة ) وفي ( المسند ) بسنده عن عبد الله بن بريدة ، قال : ( حدثني أبي بريدة ، قال : أبغضتُ عليّاً بغضاً لم أبغضه أحداً قط.

قال : وأحببتُ رجلاً من قريش ـ هو خالد بن الوليد كما في بقية طرق الحديث ـ إلاّ على بغضه عليّاً.

قال : فبُعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ، ما أصحبه إلاّ على بغضه عليّاً.

قال : فأصبنا سبياً ، قال : فكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إبعث إلينا من يخمّسه.

قال : فبعث إلينا عليّاً ، وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبيّ ، فخمّس وقسّم ، فخرج ورأسُه يقطر.

فقلنا : يا أبا الحسن ما هذا؟

قال : ألم ترو إلى الوصيفة كانت في السبي ، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم صارت في آل عليّ ، فوقعتُ بها.

____________

١ ـ مسند أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري.

٢ ـ كشف الإسناد عن مسند البزار ٤ / ١٢٢ ، حديث٣٣٤٨.

٣ ـ مستدرك الحاكم ٣ / ١٥٠.


قال : وكتب الرجل إلى نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : أبعثني ، فبعثني مصدّقاً.

قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق.

قال : فأمسك يدي والكتاب ، قال : ( أتبغض عليّاً؟ ).

قال : قلت : نعم.

قال : ( فلا تبغضه ، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّاً ، فوالذي نفس محمّد بيده لنصيب آل عليّ في الخمس أفضل من وصيفة ).

قال : فما كان من الناس أحداً بعد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ من عليّ ) (١).

____________

١ ـ فضائل أهل البيت من كتاب فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل / ٢٠٣ ط الثانية بتحقيق محمد كاظم المحمودي.


ابن عباس وقريش النواصب

لقد قرأنا فيما مرّ في الحلقة الأولى من الموسوعة في الجزء الثاني بعض محاوارت ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع بعض رموز القرشيين ممن ناصبوا الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام العداوة والشنئان ، وذلك في ( مظاهر الحبّ والبغض بين قريش وبين بني هاشم ) ، وقد كان أشدّ قريش عداوة هم بنو مخزوم وبنو أمية ، وفيهم نزل قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ )(١).

راجع تاريخ البخاري ، وتفاسير ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والسيوطي في تفسير الآية الكريمة ، تجد قول عمر : ( هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية ، فأمّا بنو المغيرة فقد كفيتموهم يوم بدر ، وأمّا بنو أمية فمتّعوا إلى حين ) (٢).

وقد سأل ابن عباس من عمر عن هذه الآية لينتزع منه إعترافاً يحتج به ، أو أراد على نحو ما مرّ من سؤاله عن اللتين تظاهرتا فقال له : ( هما عائشة وحفصة ) ، وفي المقام أحسّ عمر بما في نفس ابن عباس ، فقال له : ( هما الأفجران : أخوالي وأعمامك ، فأمّا أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأمّا

____________

١ ـ إبراهيم / ٢٨.

٢ ـ أنظر تفسير الدر المنثور ٤ / ٨٤ تجد التصريح بالنقل عمن ذكرناهم في المتن.


أعمامك فأملى الله لهم إلى حين ) (١).

ولم أجد كلمة أبلغ في التصوير ، وأفصح في التعبير من قول عمر في محاورة له مع ابن عباس حول الخلافة وأنّ قريشاً كرهت أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فقال : ( إنّهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره ... ) (٢)!!

لماذا هذا الحقد؟!

لأنّ رسالة الإسلام حملها نبيّ قرشي هاشمي ، وهذا هو الذي أثار حفائظ المشركين.

ألم يقل أبو جهل لهم وهو زعيم بني مخزوم ، فسأله أصحابه وهو يسير إلى بدر لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت مسيرك إلى محمّد أتعلم أنّه نبيّ؟ قال : نعم ، ولكن متى كنّا تبعاً لعبد مناف (٣).

وأعطف عليه أبا سفيان شيخ الأمويين الذي لم يؤمن بالإسلام أبداً كما أفصح هو بنفسه عن عقيدته الكافرة. ألم يقل لبني أمية حين ولي عثمان الخلافة : ( تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة ... ) (٤)!! فثمة نفثات أقلام حول أبي سفيان الغنوصي ، وهو الذي قاد المشركين يوم أحد ويوم الخندق ، وهو رأس المنافقين بعد فتح مكة ، فأورث حقده لابنه معاوية.

____________

١ ـ نفس المصدر.

٢ ـ شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٦٣ ط مصر ( الأولى ).

٣ ـ المصنف لابن أبي شيبة ١٤ / ٣٧٣ ط دار القرآن والعلوم الإسلامية.

٤ ـ راجع موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٢ / ١٨٠ ، وكتاب علي إمام البررة ٣ / ٣٩٥.


لماذا هذا الحقد؟

والجواب : قول عثمان الذي رواه ابن عباس ، قال : ( وقع بين عثمان وعليّ عليه‌السلام كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب ، تكرع أنفُهم قبل شفاههم ... ) (١). فهذا هو السبب الحقيقي في كراهة قريش ، وهو الذي عناه عمر بقوله المتقدم.

ولقد كان الإمام عليه‌السلام وابن عباس وبنو هاشم يعرفون أسباب الحقد القرشي ، فكان الإمام عليه‌السلام يقول : ( مالي ولقريش ، والله لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقتلنهم مفتونين ، وإنّي لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم.

أللهم إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ... ) (٢).

وكان يقول :

تلكم قريش تمنّاني لتقتلني

فلا وربك ما برّوا وما ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمتي لهمُ

بذات روقين ما يعفو لها أثر (٣)

والآن إلى السؤال الذي يفرض نفسه عن تفجع عثمان لقتلى السبعين من قريش ببدر ، وبراعته في التصوير لوجوههم وآنافهم؟

____________

١ ـ معرفة الصحابة لأبي النعيم ١ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ط الأولى.

٢ ـ نهج البلاغة ٢ / ١٠٣ ( عبدة ).

٣ ـ الفائق للزمخشري ( روق ) راجع ج٢ من الحلقة الأولى من الموسوعة.


إذا كانوا مستحقي القتل ، فما ذنب من قتلهم؟ فهم كفار مشركون ، جاءوا إلى الإسلام وهو في مهاجره ليحاربوه ، وشبت الحرب فقتلوا بسيف المسلمين ، ففيم التلهف والتأسف من عثمان وهو في مركزه القيادي في الإسلام؟!

إنّها الرواسب الأموية التي لم تفارق خليفتهم ، فهو دائم الحنين إليهم وعليهم ، وكأنّه لم يمحض الإسلام قلبه ، فيمحو رواسب أمويته المحمومة ، حتى كان يتمنى ( لو بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم ) (١).

( معاوية وريث الحقد القرشي والكفر الأموي )

لئن تصاعدت حُمّى الحَميّة الجاهلية الكافرة في غليانها ، فأعلنت الكفر بالله تعالى من خلال إعلان معاوية سبّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من على منابر المسلمين ، تشفيّاً لما أصاب سيف الإمام عليه‌السلام من إراقة دماء بني أمية في حرب بدر ، فلا بدع ولا غرابة ، فقد ورث البغض والشنئان ، والإحن والأضغان من أبيه أبي سفيان ، رأس الكفر والضلالة في الجاهلية والإسلام ، فمواقفه في أحد والأحزاب وغيرهما تنبئ عن حقده الدفين ، على النبيّ الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبني هاشم الطيبين ، فهو الذي يطعن بشدق حمزة سيد الشهداء وهو شلو صريع ، وقال : ( ذق عقق )! ولم يدخل حظيرة المسلمين إلاّ بعد أن قال له العباس وقد جاء به

____________

١ ـ راحع مسند أحمد ١ / ٢١٧ ط محققة ( شاكر ) و ١ / ٦٢ ط دار أفست عن المصرية الأولى.


مستأمناً قبل فتح مكة : ( أسلم قبل أن تضرب عنقك ). فقال كلمة الإسلام ليحقن بها دمه ، ولم يتخل عن كفره وزندقته ، فخرج مع المسلمين في حرب حنين ، ومعه الأزلام يستقسم بها ، وقولته التي سمعها منه ابن الزبير يوم اليرموك كشفت عن دخيلته المنافقة ، وقد رواها أهل السير والتاريخ وأهل الأدب ، وهي كما في ( التذكرة الحمدونية ) ، و ( الإستيعاب ) ، و ( أسد الغابة ) ، في ترجمته :

( قال عبد الله بن الزبير : ... فرأيت جماعة من الطلقاء فيهم أبو سفيان بن حرب ، فوقفت معهم ، فكانت الروم إذا هزَمت المسلمين ، قال أبو سفيان : إيه بني الأصفر ، فإذا كشفهم المسلمون ، قال أبو سفيان :

وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم

لم يبق منهم مذكور

فلمّا فتح الله على المسلمين حدثت أبي ، قال : قاتله الله ، أبى إلاّ نفاقاً ، أفلسنا خيراً له من بني الأصفر؟

ثم كان يأخذ بيدي فيطوف بي على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : حدّثهم ، فأحدّثهم فيعجبون من نفاقه ) (١).

أقول : وماذا قال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سمعوا بكلمته التي قالها لعثمان لمّا ولي الأمر : ( يا عثمان إنّ الأمر أمر عالمية ، والملك ملك جاهلية ، فاجعل أوتاد الأرض بني أمية ، إنّ الخلافة صارت في تيم وعدي حتى

____________

١ ـ التذكرة الحمدونية ٩ / ١٧٠ ط صادر ، الإستيعاب ٤ / ١٦٧٩ ، اسد الغابة ٥ / ٢١٦.


طمعت فيها ، وقد صارت إليكم ، تلقفوها تلقف الكرة ، فو الله ما من جنّة ولا نار ... ( فماذا بعد الكفر إلاّ الضلالة ).

وقد ذكر ابن حبيب البغدادي في كتابيه ( المحبّر ) و ( المنمّق ) أسماء الزنادقة من قريش ، فكان أبو سفيان ، وعقبة بن أبي معيط ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبيّ بن خلف ، والنضر بن الحارث ، وقال عنهم : ( تعلّموا الزندقة من نصارى الحيرة ) (١).

فهذا والد معاوية الطليق بن الطليق ، والزنديق بن الزنديق ، كما سيأتي التصريح بكفره من واليه وصهره المغيرة بن شعبة وغيره؟

أمّا أمّه ، فهي هند بنت عتبة ، قال ابن إسحاق : ( ووقعت هند بن عتبة ـ كما حدثني صالح بن كيسان ـ والنسوة اللاتي معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله ، يجدّعن الآذان والأنف ، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خذماً وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشياً غلام جبير بن مطعم ، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ... ) (٢).

فمعاوية ربيب هذين الكافرين ، وكان يعيّر بأمّه فهو ابن آكلة الأكباد.

ومالنا نشتط بعيداً للدلالة على كفره وأمامنا شهادة المغيرة بن شعبة وهو ممن لا يتهم في شهادته عليه بذلك ، لأنّه كان صهره على أخته ، وواليه على الكوفة ، فلنقرأ ماذا قال المغيرة في كفر معاوية وخبثه :

____________

١ ـ المحبّّر / ١٦١ ، المنمّق / ٤٨٧ ط حيدر آباد الهند.

٢ ـ سيرة ابن اسحاق المسماة كتاب السير والمغازي / ٣٣٣ تح الدكتور سهيل زكار ط دار الفكر بيروت ١٣٩٨ هـ ١٩٧١ م.


( كفر معاوية بشهادة المغيرة بن شعبة وغيره )

ليعلم القارئ ـ أيّاً كان ـ إنّا لن نستفزّ مشاعره بالتجاوز عن حدود الأدب الإسلامي ، فما ذكرناه في العنوان إنّما ذلك هو دون ما قاله المغيرة بن شعبة في معاوية بن أبي سفيان ، وهو غير متهم عليه فيه ، فقد كان من رجاله المخلصين ، ثم هو واليه على الكوفة ، وفوق هذا وذاك كان مصاهراً له على أخته آمنة بنت أبي سفيان (١) ، وقد شهد بكفر معاوية وخبثه في حديثه مع ابنه المطرف بين المغيرة بعدما عاد من معاوية في ليلة مغتمّاً متبرّماً وهو يتأفف ، فسأله ابنه عن سبب تأففه وغمّه؟ فقال : ( يا بني جئت من أكفر الناس وأخبثهم ) ، ثم حدّثه بما سمعه من كلام معاوية ممّا ساءه سماعه وهو قول معاوية : ( وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به في كلّ يوم خمس مرات ( أشهد أنّ محمّد رسول الله ) فأيّ عمل يبقي؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا. لا أباً لك؟ لا والله إلاّ دفناً دفناً ) (٢).

وليس دون كلمة معاوية هذه فظاعة وكفراً ما قاله عند سماع المؤذن يقول : ( أشهد أنّ محمّد رسول الله ) ، فقال معاوية : ( لله أبوك يا بن عبد الله ، لقد كنت عالي الهمة ، ما رضيت لنفسك إلاّ أن تقرن اسمك باسم ربّ العالمين ) (٣).

وثالثة الأثافي ما قاله لبني أمية : ( يا معشر بني أمية إنّ محمّداً لم يدع

____________

١ ـ جاء في أنساب الأشراف للبلاذري ١ / ٦ بتحقيق إحسان عباس ، إنه خلف عليها بعد زوجين هما حويطب بن عبد العزّ ى في قريش ، ثم صفوان بن أمية الجُمحي.

٢ ـ الموفقيات / ٥٧٦ ط أوقاف بغداد ، مروج الذهب ٤ / ٤٠ في أوآخر ترجمة المأمون العباسي ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١٧٦ط مصر الأولى ، كشف الغمة ١ / ٥٥٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٣٧ ط مصر الأولى و ١٠ / ١٠١ ط محققة.


من المجد شيئاً إلاّ حازه لأهله وقد أعنتم عليهم بخلتين : في ألسنتهم ذَرَب ، وفي العرب أنف ، وهم محدودون ... ) ، ثم جعل يوصيهم فيما يفعلون بما يبلغوا به مرادهم وعنادهم (١).

وقد أنكر عليه المخضرم الجاهلي الإسلامي المعمر أمد بن أبد الحضرمي الذي سأله هل رأيت أمية ، فأجابه بما أساءه ، وعن هاشم فأحسن وصفه ، فتميّز غيظاً ، فقال له : أفرأيت محمّداً؟ قال : ومن محمّد؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنكر الرجل ذلك ، وقال له : ويحك أفلا فخمتَه كما فخّمه الله تعالى فقلت ( رسول الله ) (٢).

وأنكر من ذلك كلّه ، أنّ بنيامين اليهود النضري تناول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوصفه بالغدر علانية بمحضره وفي مجلسه ولم ينكر عليه! فأغضب ذلك محمد بن مسلمة الأنصاري وكان حاضراً ، فقال : يا معاوية ، أتمسك عنه وقد نسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الغدر ، فقال لليهودي : أخرج عنّا ، وطلبه محمد فلم يقدر عليه ، وقال لمعاوية : لا كلّمتك أبداً ، ولأقتلنّ اليهودي إن قدرت عليه (٣).

وقد تجاوز الحدّ حين سلّم عليه وفد أهل مصر ـ حمص ـ بالرسالة ، فلم

____________

١ ـ أنساب الأشراف ١ / ٥١ ق ٤ تح الدكتور احسان عباس.

٢ ـ كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني / ١٠٩ تحقيق عبد المنعم عامر ط دار احياء الكتب العربية بمصر سنة ١٩٦١.

٣ ـ أنساب الأشراف ١ق ٤ / ١٦٠. وهذا ذكره الواقدي في مغازيه ، كما ذكره ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول ٢ / ٢٨٥ ط الأولى دار ابن حزم بيروت ١٤١٧ هـ.


يردعهم. وأنكر عمرو بن العاص ذلك منهم ولعنهم (١).

وحسب القارئ ما تقدم من شواهد كفر معاوية ، وقد أنكر عليه ذلك المغيرة ، ومحمد بن مسلمة ، وعمرو بن العاص ، وهؤلاء جميعاً من الصحابة ، كما أنّه ليس بدونهم في قبول قوله عند أموي الهوى في هذا الزمان ما قاله المحدثون ..

فبعد هذا لا لوم على الجاحظ ـ وهو في عثمانيته وغير متهم في إدانته ـ حيث يقول عن كفر معاوية في رسالته في بني أمية :

( ... استبدّ معاوية على الملك ، وأستبدّ على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمّوه عام الجماعة ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام فُرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة منصباً قيصرياً ، ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق ، ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا.

حتى ردّ قضية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّاً مكشوفاً ، وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش ، وما يجب للعاهر ، مع إجماع الأمّة على أن سميّة لم تكن لأبي سفيان فراشاً ، وإنّه إنّما كان بها عاهراً ، فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفّار.

____________

١ ـ البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٣١ ق ٤ ، تاريخ الطبري ٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ط دار المعارف ، ورواه ابن الأثير ابن كثير أيضاً في تاريخيهما بتفاوت يسير في الجميع.


وليس قتل حجر بن عدي ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر ، وبيعة يزيد الخليع ، والإستئثار بالفيء ، واختيار الولاة على الهوى ، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس جحد الكتاب وردّ السنّة ، إذ كانت السنّة في شهرة الكتاب وظهوره ، إلاّ أنّ أحدهما أعظم ، وعقاب الآخرة عليها أشدّ.

فهذه أوّل كفرة كانت من الأمّة ، ثم لم تكن إلاّ فيمن يدّعي إمامتها والخلافة عليها ، على أنّ كثيراً من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره ، وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ، ومبتدعة دهرنا ، فقالوا : ( لا تسبّوه فإنّ له صحبة ) ، و ( سبّ معاوية بدعة ) ، و ( من يبغضه فقد خالف السنّة ) ، فزعمت من السنّة ترك البراءة ممن جحد السنّة ... إلى آخر ما ذكر من جرائم الأمويين.

إلى أن قال : فإن كان على ما وصفنا لا يعدو الفسق والضلال ، وذلك أدنى منازله ، فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون ) (١).

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو : دعنا عنك ، كناية عن الإلحاد بل تصريح به ـ أي دع هذا الكلام لا أصل له ، فإنّ إعتقاد الآخرة وأنّها لا تُباع بعرض الدنيا من الخرافات ـ قال رحمه الله تعالى : وما زال عمرو بن العاص ملحداً ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله ، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأنّ معاوية عض أذن عمرو ، أين هذا من أخلاق

____________

١ ـ رسالة الجاحظ / ٢٩٢ ـ ٢٩٧ ، الرسالة الحادية عشر ، جمع ونشر حسن الطبعة الأولى بالمطبعة الرحمانية بمصر١٣٥٢ هـ.


علي عليه‌السلام وشدّته في ذات الله ، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة ) (١).

أقول : فهذه جملة من أقوال الذين قالوا بكفر معاوية بصراحة لا لبس فيها ، وهم بدءاً من المغيرة بن شعبة ، ومروراً بمن ذكرنا حتى الجاحظ ، كلّهم لا يتهمون عليه ، لأنّهم من رموز أهل السنة المبرّزين ، وقد قالوا فيه حقيقة ما عرفوه عنه ، وتأبى الحقيقة إلاّ أن تنتزع نفسها وإن رُغمت معاطسهم.

ويزداد الباحث إطمئناناً بصحة شهادات أولئك لأنّهم جميعاً ليسوا من الفئات التابعة للإمام عليه‌السلام ، وإنّما ذكرت أقوالهم للدلالة على كفر معاوية ، ولئلا يستفز العنوان مشاعر بعض الناس ممن لا يزال مخدوعاً بأكاذيب جعلت معاوية من كتّاب الوحي وهو خال المؤمنين وو ... إلى كثير من المفتريات التي ذكرت له ، لترفع بضبعه إلى مصاف الصحابة المهتدين.

ولعلّ كثيراً من المخدوعين لم يقرأوا ولم يعلموا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لعن معاوية من قبل من ذكرناهم آنفاً. وقد يرى البعض في هذا إستفزازاً آخر وأكثر إيلاماً وإيغالاً في نسف بهرجة ما ذكروه لمعاوية برواية المتزلفة من شيوخ الفقه السلطاني.

أمّا نحن فعلينا أن نهدئ من رَوع القارئ فنذكر له موارد اللعن ومصادره ، ونحيله على كتاب ( النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ) للسيد الشريف العلاّمة المتظلع ( السيد محمد بن عقيل العلوي الحسيني الشافعي ) المتوفى سنة ( ١٣٥٠ هـ ) ، وهو كتاب قيّم ومن خيرة الكتب في بابه ، وقد طبع

____________

١ ـ شرح النهج ١ / ١٣٧ ط مصر الأولى.


مكرراً منذ سنة ( ١٣٢١ هـ ) في الهند ، ثم سنة ( ١٣٦٦ هـ ) ببغداد ، ثم سنة ( ١٣٨٦ ) بالنجف الأشرف ، ثم توالت طبعاته في إيران وبيروت فيما أحسب أيضاً ، ونرشده لقراءة ما ذكره ابن حجر الهيتمي المكي المتوفي سنة ( ٩٧٤ هـ ) في كتابه ( تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان ) ، فهو كتاب في الدفاع عن معاوية ، فليس المؤلف بمتهم في نقله ، فقد قال :

( وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلاّ واحداً فمختلف فيه ، لكن قوّاه الذهبي بقوله : ( إنّه أحد الأثبات وما علمت فيه جرحاً أصلاً ) : أن عمرو بن العاص صعد المنبر فوقع في عليّ ، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة. فقيل للحسن : إصعد المنبر لتردّ عليهما ، فامتنع إلاّ أن يعطوه عهداً أنّهم يصدّقونه إن قال حقاً ، ويكذّبونه إن قال باطلاً.

فأعطوه ذلك ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أشهدك الله يا عمرو ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لعن السائق والقائد ، هما أبو سفيان ومعاوية )؟

قالا : بلى.

ثم قال : ( أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما أنّ النبيّ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لعن عمراً بكلّ قافية قالها لعنة )؟

قالا : اللهم بلى.

ثم قال : ( أنشدك الله يا عمرو ويا معاوية ألم تعلما أنّ النبيّ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لعن قوم هذا )؟


قالا : بلى.

قال الحسن : ( فإنّي أحمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا ـ يعني عليّاً ـ مع أنّه صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لم يسبّه قط ، وإنّما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة ) (١).

( بدعة السبّ منتهى النُصب )

روى ابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) في ( أصناف الإخوان ) في ( كتاب الياقوتة ٢ / ٣٠٧ ) : وفد رحيم الكلبي على أمير المؤمنين رضي‌الله‌عنه فما زال يذكر معاوية ويطريه في مجلسه ، فقال له عليّ رضي‌الله‌عنه :

صديق عدّوي داخل في عداوتي

وإنّي لمن ودّ الصديق ودود

فلا تقربن مني وأنت صديقه

فإنّ الذي بين القلوب بعيد (٢)

موقفٌ أمويٌ صارخ في التحدّي ، ولولا حلم أمير المؤمنين عليه‌السلام وسعة أخلاقة

____________

١ ـ تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان ، بهامش الصواعق المحرقة / ١٢٠ ط الميمنية بمصر ١٣١٢ هـ. نقل هذا أيضاً السيد ابن عقيل في كتابه المشار إليه أعلاه / ١١ ط الحيدرية بالنجف ، ومسألة لعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاوية وأبيه وأخيه ، روتها أم سلمة أم المؤمنين ، ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالساً فمرّ أبو سفيان على بعير ومعه معاوية وأخ له أحدهما يقود البعير والآخر يسوقه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق ) ، وهذا رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٤ / ١٢٩ ق ١ بتحقيق الدكتور إحسان عباس وذكر في الهامش تخريجه عن تاريخ الطبري ٣ / ٢١٧٠ ط أوربا وفيه يزيد وأبنه ، وشرح النهج ٢ / ١٢٠ وفيه وأخوه عتبة.

٢ ـ العقد الفريد ٢ / ٣٠٧ تح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الابياري ط مصر سنة١٣٥٩ هـ ـ ١٩٤٠ م.


الفاضلة ، لأنزل بالكلبي عقوبة رادعة ، إلاّ أنّه عليه‌السلام اكتفى بقراءة البيتين في نهيه عن الاٍستمرار في غيّه.

وأستمرت سيرة أذناب معاوية في التحدي من بعد شهادة الإمام عليه‌السلام ، فكانت لهم في خصوص الحرمين الشريفين ( مكة والمدينة ) مواقف مخزية ، بعد أن رجع الإمام الحسن عليه‌السلام وأهل البيت عليهم‌السلام من العراق إلى مهابط الوحي والتنزيل، فكان الأمويون يسمعونهم شتم الإمام عليه‌السلام جهاراً نهاراً ، فيردّ عليهم الإمام الحسن عليه‌السلام ، كما في حديث علي بن أبي طلحة مولى بني أمية ، قال :

( حج معاوية ومعه معاوية بن حُديج وكان من أسبّ الناس لعليّ ، فمرّ في المدينة والحسن والحسين في جماعة من أصحابه ، فأتاه رسول فقال : أجب الحسن ، فأتاه فسلّم عليه ، فقال له : ( أنت معاوية بن حُديج )؟

قال : نعم.

قال : ( فأنت السابّ عليّاً رضي‌الله‌عنه

قال : فكأنه أستحيى.

فقال : ( أما والله لئن وردتَ عليه الحوض ـ وما أراك ترده ـ لتجده مشمّراً الإزار على ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل ، قول الصادق المصدق ، ( وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى )(١) ) (٢).

____________

١ ـ طه / ٦١.

٢ ـ رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤ / ٢٣١ ط دار الفكر ، عن ابن عساكر بسنده وراجع المتن في مختصر في تاريخ مدينة دمشق ٢٤ / ٣٩٣ ط دار الفكر.


وما كان ابن حُديج يجرأ على السبّ لولا تعميم ابن هند أوامره الصارمة بفرض السبّ المقذع ، فكان يأمر الولاة بتشديد العقوبة بمن لا يرضى بالسبّ. وقد بدأ هو بنفسه تطبيق ذلك الإجراء الصارم حين أستلب الأمر من الإمام الحسن عليه‌السلام باسم الصلح ، فكأنّ المهادنة فرشت له المهاد ، فساس بظلمه العباد والبلاد.

قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : ( وجلس معاوية بالكوفة يبايع الناس على البراءة من عليّ رحمة الله ، فجاء رجل من بني تميم فأراده على ذلك ، فقال يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم ، فالتفت إلى المغيرة ، فقال : إنْ هذا رجل ، فاستوص به خيراً ... ) (١).

وروى الطبري وغيره : ( أنّه قال للمغيرة لمّا ولاه الكوفة في جمادى الأولى سنة ( ٤١ هـ ) :

أما بعد : لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ، وقد قال المتلمس :

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

وما عُلمّ الإنسان إلاّ ليعلما

وقد يجزي عنك الحلم بغير التعلّم ، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة ، فأنا تاركها إعتماداً على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ، ويصلح به رعيتي ، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة : لا تتحمّ عن شتم عليّ وذمّه ، والترحّم على عثمان والإستغفار له ، والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم ، وترك الإستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه ، والإدناء لهم والإستماع منهم.

____________

١ ـ البيان والتبيين ٢ / ١٠٥ تح هارون.


فقال المغيرة : قد جَرّبتُ ، وعملت قبلك لغيرك ، فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلوا فتحمد أو تذم.

قال : بل نحمد إن شاء الله تعالى ) (١).

ولم يكتفي معاوية بهذه الوصية حتى كتب إليه من الشام : ( أظهر شتم عليّ وتنقّصه ).

ويبدو أن المغيرة ـ بالرغم من مشاركته في كفره ونفاقه ، وبالرغم من مصاهرته له على أخته آمنة بنت أبي سفيان ـ لم يستسغ الإيغال في السبّ فكتب إليه : ( ما أحبّ لك يا أمير المؤمنين أن كلّما عتبت تنقصت ، وكلّما غضبت ضربت ، ليس بينك وبين ذلك حاجز من حلمك ولا تجاوز من عفوك ) (٢).

والمغيرة هو الذي كشف عن كفر معاوية لابنه كما مرّ عنه الخبر في ذلك.

قال الشعبي ـ وهو من شيعة الأمويين النواصب ـ : ( وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حُبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذكر عليّ والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والإستغفار له ، والتزكية لأصحابه.

فكان حُجر بن عدي إذا سمع ذلك قال : بل إياكم فذمم الله ولعن ، ثم قام فقال : إنّ الله عزوجل يقول : ( كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٥ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ تح إبراهيم.

٢ ـ انساب الأشراف ١ / ٨٣ ق ٤ تح أحسان.


أَنفُسِكُمْ )(١) ، وأنا أشهد أنّ مَن تذمّون وتعيّرون لأحق بالفضل ، وأنّ مَن تزكّون وتطرون ، أولى بالذم ...

قال الشعبي في حديثه المشار إليه آنفاً : فلم يزل المغيرة حتى كان في آخر إمارته ، قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول ... فقام حُجر ابن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كلّ من كان في المسجد وخارجاً منه ، وقال : إنّك لا تدري بمن تولع من هرمك أيها الإنسان ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا ، فإنّك قد حبستها عنّا ، وليس ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك مَن كان قبلك ، وقد أصبحتَ مولعاً بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين.

قال الشعبي ـ راوي الخبر ـ فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حُجر وبرّ ، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يجدي علينا شيئاً ، وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه ) (٢).

ولمّا هلك المغيرة ضمّ معاوية ولاية الكوفة مع البصرة إلى زياد ، وفي أيامه عظم الخطب ، وظهر أفظع النُصب ، وهو الذي سعى في قتل حُجر بن عدي رحمة الله عند معاوية ، لأنّه أنكر السبّ ، وحمله ومن معه مقيّدين بالحديد إلى الشام ، فأمر معاوية بقتلهم بمرج عذراء ، وقد كان حُجر رحمة الله هو الذي أفتتح تلك الأرض وأوّل من سُمع منه الأذان فيها ، فكانت شهادتهم إحدى بوائق معاوية كما قال الحسن البصري : ( أربع خصال كنّ في معاوية لو لم

____________

١ ـ النساء / ١٣٥.

٢ ـ تاريخ الطبري ٥ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.


تكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة : أنتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاءَ بالسيف ـ حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة ، وذووا الفضيلة ، وإستخلافه ابنه بعده سكيراً خمّيراً ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وإدعاؤه زياداً ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، وقتله حُجراً وأصحاب حُجر ، ويا ويلاً له من حُجر وأصحاب حُجر ، قالها مرتين ) (١).

وليتني أدري ما الذي جعل الحسن البصري لا يذكر من بوائق معاوية إلاّ هذه الأربع! مع أنّ أفعال معاوية كلّها بوائق ، بدءاً من أيام عثمان ومروّراً بأيام الإمام عليه‌السلام ، وحرب صفين تكفي في إدانته بإراقة دماء الآلاف من المسلمين ، وإنتهاءاً بأيام الإمام الحسن عليه‌السلام وغدره به في نكثه شروط الصلح ولم يف له بواحدة منها.

ومهما يكن فاستعظامه قتل حُجر حتى قال مرتين : ( ويلاً له من حُجر وأصحاب حُجر ) ، لأنّ حُجر كان من عباد الله الصالحين الذين أغضب اللهَ قتلُه وأهلَ السماء ، كما في حديث عائشة فيما روته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد قالت لمعاوية حين دخل عليها بالمدينة : ( يا معاوية ، قتلت حُجر وأصحابه ، أنا والله لقد بلغني أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ) : ( أنّه سيقتل بعذراء سبعة رجال يغضب الله لهم وأهل السماء ) ، أخرجه يعقوب بن سفيان البسوي في ( المعرفة والتاريخ ) (٢).

____________

١ ـ الطبري ٥ / ٢٧٩.

٢ ـ المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ ط أوقاف بغداد ، وأخرجها البيهقي في دلائل النبوة ٦ / ٤٥٧ بسنده إلى أبي الأسود عن عائشة٠


ورواه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ، بإسناده عن أبي الأسود ، قال : ( دخل معاوية على عائشة ، فقالت : ما حملك على قتل حجر وأصحابه؟

فقال : يا أم المؤمنين رأيت قتلهم صلاحاً للأمّة ، وأنّ بقاءهم فساداً للأمّة (!!)

فقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( سيقتل بعذراء ناسٌ يغضب الله لهم وأهل السماء ) (١). هذا هو لفظ ابن عساكر في تاريخه ، إلاّ أنّ اليد الأثيمة أمتدت إليه فحرّفته كما في ( تهذيب تاريخه ) لابن بدران ، فصارت كلمة ( سمعت ) ( لقد بلغني ). فظن خيراً (٢) ، ورواه ابن كثير في ( البداية والنهاية ) ، وقال : ( إسناد ضعيف منقطع ) (٣).

أقول : ولا غرابة منه ، فهو شامي البلد ، وأموي الهوى ، وناصبيّ العقيدة ، كيف لا يفزع للدفاع عن عاهل الشام ولو بأوهن من بيت العنكبوت ، ولكن هلم الخطب فيمن صحّف وحرّف في كلمة ( بعذراء ) فجعلها ( بعدي ) ، كما في إصابة ابن حجر المطبوعة في ترجمة حُجر!! وقد راجعت طبعتين من الكتاب في مصر الطبعة الأولى التي بهامشها ( الإستيعاب ) نشر مصطفى محمد بمصر ، والثانية بتحقيق البجاوي طبعة مصر.

على أنّ ابن عبد البر قد ذكر في ترجمة حُجر في ( الإستيعاب ) ما هو أشدّ وقعاً وإيلاماً للأمويين وأنصارهم ، فقد روى عن مسروق بن الأجدع ، قال : ( سمعت عائشة أم المؤمنين تقول : أما والله لو علم معاوية

____________

١ ـ تاريخ دمشق ١٢ / ٢٢٦٠.

٢ ـ تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٨٩.

٣ ـ البداية والنهاية ٦ / ٢٢٦ و ٨ / ٥٥.


أنّ عند أهل الكوفة منعة ما أجترأ على أن يأخذ حُجراً وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام ، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنّه قد ذهب الناس ، أما والله أن كانوا لجمجمة العرب عزاً ومنعة وفقهاً ، لله درّ لبيد حيث يقول :

ذهب الذين يُعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

لا ينفعون ولا يرجّى خيرهم

ويعاب قائلهم وأن لم يشغب ) (١)

روى البلاذري في ( أنساب الأشراف ) بسنده عن شريك ، قال : ( كتبت عائشة في قتل حُجر أو غير ذلك : أما بعد يا معاوية فلا يغرنك حلم الله عنك

____________

١ ـ الاستيعاب ١ / ٣٣١ ، ومما يستظرف في المقام ذكره ما في كشف المشكل ٤ / ٤١١ ، في مسند عائشة : كان ابن عباس لا يدخل عليها .. أقول : ولم يمنعه ذلك أن يذكرها لما بلغه قولها في شعر لبيدَ رواه ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس ٢ / ٧٩٧ يصلح أن يكون من باب استدراك ابن عباس على عائشة : فقال : روى عروة عن عائشة أنها تمثلت بقول لبيد :

ذهب الذين يُعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

يتحدثون ملالة وخيانة

ويعاب قائلهم وأن لم يشغب

ثم قالت كيف لو أدرك لبيد زماننا هذا؟

قال عروة : كيف لو أدركت عائشة زماننا هذا ، بلغ ابن عباس قول عائشة رحم الله لبيداً كيف لو أدرك زماننا هذا؟ فقال : ابن عباس : رحم الله لبيداً ورحم عائشة ، لقد أصبت باليمن سهماً في خزائن عاد كأطول ما يكون من رماحكم هذه ، مرتين مفوّق مكتوب عليه :

فهل لي إلى أجبال هند بذي اللوى

لِوَى الرمل من قبل الممات معاد

بلاد بها كنا ونحن نحبّها

إذا الناس ناس والبلاد بلاد

أنظر الخبر في العقد الفريد ٢ / ٣٣٩ ، ومحاضرات الأدباء ٢ / ١٦٩ ، مع أختلاف قليل في الرواية.


فيزيدك ذلك استدراجاً ، فإنّه بالمرصاد ، وإنّما يعجل من يخاف الفوت ) (١).

وقد استعظم الناس قتل حجر ، فذكر البلاذري جملة ممن استنكر ذلك ومدح حُجرا أو رثاه فراجع ( ١ / ٢٤٢ ـ ٢٧١ ق ٤ ) ، وقد عمّ السخط بين الأوساط فصار زياد يعتذر ممّا بدر.

( قال الهُجَيْعُ بنُ قيْسٍ : كتب زياد إلى الحسن والحسين وعبد الله بن عباس يعتذر إليهم في شأن حُجْر وأصحابه ، فأمّا الحسن فقرأ كتابه وسكت ، وأمّا الحسين فأخذ كتابه فمزَّقه ولم يقرأه ، وأما ابن عباس فقرأ كتابه وجعل يقول : كذب كذب ، ثم أنشأ يُحدِّث قال : إنّي لمّا كنتُ بالبَصْرة كَبَّر الناس بي تكبيرةً ، ثم كَبَّروا الثانية ، ثم كبَّروا بي الثالثة ، فدخل عليَّ زياد ، فقال : هل أنت مطيعي يستقم لك الناس؟ قلت : ماذا؟ قال : أرسل إلى فلان وفلان وفلان ـ ناس من الأشراف ـ تضرب أعناقهم يستقم لك الناس. فعلمتُ أنّه إنّما صنع بحُجْر وأصحابه مثل ما أشار به عليَّ ) (٢).

وربما أشدّ من ذلك ما رواه البلاذري في أنسابه ، عن المدائني ، قال :

( قال معاوية لمعاوية بن حُدَيج : ما جَرّأك على قتل محمد بن أبي بكر؟

قال : الذي جرأك على قتل حُجر بن عدي ، أفتقتل حلماءنا وتلومنا على قتل سفهائكم ، فأبتلعها ابن هند ولم يردّ عليها ببَنت شفة ).

ولا بن حُديج هذا كلاماً غيرذلك ذكره البلاذري ، فراجع (٣).

____________

١ ـ أنساب الأشراف ١ / ٤١ ق ٤.

٢ ـ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٩ / ٧٥ ط دار الفكر.

٣ ـ انساب البلاذري ١ / ٤٠ ـ ٤٥ ق ٤ تح احسان عباس برقم١٥٠.


( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )

فهذا لفظ حديث شريف تظافر نقله عند أئمة الحديث بدءاً من عبد الرزاق ، ثم الطيالسي ، والحُميدي ، وأحمد ، والدارمي ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والبزار ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأبو يعلى ، وابن حبّان ، والطبراني ، وأبو عوانة ، والبغوي ، والطحاوي ، والدارقطني ، وابن مندة ، والشاشي ، والخلال ، وأبو نعيم ، والخطيب ، والبيهقي ... إلى غير هؤلاء ممن صححه ولم يطعن فيه.

ولمّا كان الحديث فيه إدانة واضحة لمن مارس سبّ المسلم أو قتاله ، ومعاوية مارسهما معاً مع سيد المسلمين ويعسوب المؤمنين ، وهذا من المتيقن عند جميع المسلمين ، إلاّ من طبع على قلبه من نابتة الأمويين ممن لا يرضى بذكر معاوية ذلك الكافر الفاسق بشهادة أصحابه وأذنابه ، ولئلا نتهم ـ لسوء الظن ـ أنا نستفزّ المشاعر ، فسندخل في البحث من بابه الذي فتحه أبو حيان الأندلسي وهو غير متهم في دينه.

ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة ) في ترجمة أبي حيان الأندلسي : ( أنّه قال مرّة لبدر الدين ابن جماعة : قد روى عليّ ، قال : ( عهد إليَّ النبيّ لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ) ، هل صدق في هذه الرواية؟

فقال له ابن جماعة : نعم.

فقال : فالذين قاتلوه وسلّوا السيوف في وجهه كانوا يحبّونه أو


يبغضونه؟ ) (١).

ولم يذكر لنا ابن حجر ماذا كان جواب ابن جماعة ، ولعلّه سكت على مضض ، ولربما كان السكوت جواباً!

ونحن لسنا بحاجة إلى معرفة جواب ابن جماعة ، ففي سؤال أبي حيان منه دلالة على غلبة هوى الشام والشاميين عليه. لكنا بحاجة إلى توعية المنظومة الأموية التي تنظر إلى الصحابة بمنظارين ، فهي توفر الحماية لمعاوية وأذنابه ، ولا توفرها لحجر بن عدي وأصحابهS الذين قتلهم معاوية بمرج عذراء ، وتمنع من سبّ حتى فسّاق الصحابة ، بحجة ما رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تسبوا أحداً من أصحابي ... ) (٢) ، لكنها لا تمنع من سبّ الإمام عليه‌السلام وابنيه عليهما‌السلام وابن عباس!! فلماذا لم يمنع هذه الحديث معاوية والأمويين من سبّ الإمام عليه‌السلام طيلة ثمانين شهراً ، فالحديث عندهم صحيح لأنّ مسلماً رواه في الصحيح ، فهل هو حلال لهم وعليهم ، وحرام على غيرهم؟! إنّها قسمة ضيزى ، ونحن ندينهم بما دانوا به أنفسهم ، ألم يقل السرخسي الحنفي في أصوله : ( فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام ، دواؤه السيف إن لم يتب ) (٣).

ونعود إلى ما قاله أبو حيان الأندلسي ، فالذين قاتلوا الإمام عليه‌السلام وسلّوا السيوف في وجهه كانوا يحبّونه أو يبغضونه؟ مع أنّ الحديث الصحيح عن

____________

١ ـ الدرر الكامنة ٦ / ٦٤ ط حيدر آباد.

٢ ـ صحيح مسلم / فضائل الصحابة ٧ / ١٨٨.

٣ ـ أصول السرخسي ٢ / ١٣٤.


النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق ) (١).

ولمّا كان معاوية قد لعن الإمام عليه‌السلام وابنيه الحسن والحسين عباس وقيس بن سعد ومالك الأشتر في حياة الإمام عليه‌السلام ، وبلغ ذلك الإمام عليه‌السلام فخطب خطبة طويلة استعرض فيها بعض مواقفه في خدمة الإسلام ، وما خصّه الله تعالى بفضله من الأسماء ، قال في آخرها :

( ألا وإنّه بلغني أنّ معاوية سبّني ولعنني ، اللهم أشدد وطأتك عليه ، وأنزل اللعنة على المستحق ) ، ثم نزل عن أعواده ، فما عاد إليها حتى قتله ابن ملجم لعنه الله (٢).

وقد مرّ في الحلقة الأولى لعن الإمام عليه‌السلام لمعاوية وأشياعه ، وبيان السبب في ذلك ، واستطردت في بحث مسألة اللعن التي يستنكرها نابتة الأموين ، وذكرت لعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأقوام وأشخاص بأعيانهم ، وكان ممن لعنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أمية ، على ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ )(٣) ، فراجع تجد لعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي سفيان وأبنائه ، وللحكم وما يخرج من صلبه. كما أجبت عن التساؤل عن شرعية سبّ الإمام عليه‌السلام لمعاوية لأنّه باغٍ ، وعدم شرعية سبّ معاوية للإمام عليه‌السلام لأنّه كان على الحق (٤) ، فراجع.

____________

١ ـ أنظر كتاب علي إمام البررة ١ / ٩٣ ـ ١٠١.

٢ ـ أنظر العسل المصفى في تهذيب زين الفتى / ٤٢٧ للحافظ العاصمي ،

٣ ـ الإسراء / ٦٠.

٤ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ١٩١ ـ ٢٠٥.


وثمة أحاديث تدين كلّ من آذى الإمام عليه‌السلام أو أهل بيته ، قالها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مناسبات عديدة ، ووردت أقواله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بألفاظ مختلفة. كما يراها القارئ فيما يلي :

أربعون حديثاً أَرويها وأُرويها :

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً ) (١) ، وفي لفظ ( من أمر دينهم ) (٢) ، وفي لفظ ( ينفعهم الله بها ، قيل له : أدخل من أيّ أبواب الجنة ) (٣).

وهذه الأحاديث كلّها أرويها بأسانيدي عن مشايخ الحديث من أهل السنة ، وحسبي فعلاً بذكر كلّ حديث مع مصدره ، وسأختمها بحديث ابن عباس ، وقد مرّ على قوم من قريش ـ أهل الشام ـ يسبوّن عليّاً عليه‌السلام ، فوقف عليهم وردّ عليهم. وقد ذكرت مصادره وسيأتي تفصيل ما يتعلق به وتحقيق ما فيه من شعر دار بينه وبين قائده ، ومَن كان هو القائد؟ إن شاء الله في الحلقة الثالثة.

والآن فإلى قراءة ألفاظ الأحاديث الأربعين :

١ ـ نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذاني في أهلي ـ أهل بيتي ـ فقد آذى الله ) (٤).

____________

١ ـ موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ٨ / ٢٣٧.

٢ ـ نفس المصدر.

٣ ـ نفس المصدر.

٤ ـ كنزل العمال ٧ / ٣٤١ ، ذخائر العقبى / ٧ ، كنز الحقائق للمناوي / ١٣٤.


٢ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ) (١).

٣ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذاك فقد آذاني ) (٢).

٤ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) (٣).

٥ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) (٤).

٦ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذى شعرة من شعري فقد آذاني ) (٥).

٧ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذى عليّاً فقد آذّاني ) ، عن عمرو وبن شَاس وجابر ابن عبد الله وسعد بن أبي وقاص ... وغيرهم (٦).

٨ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن أبغض عليّاً فقد أبغضني ) (٧).

____________

١ ـ تنزيه الشرعية ١ / ٤٠٩ ، وبلفظ السيوطي في الجامع الصغير ( أشتد غضب الله على من آذاني في عترتي ) نقلاً عن الفردوس للديلمي.

٢ ـ تاريخ جرجان / ٣٦٧.

٣ ـ تفسير ابن كثير ٦ / ٤٦٩ ، مورد الظمآن ١ / ٥٦٨ ، والترمذي في سننه.

٤ ـ مسند احمد ٥ / ٥٤ ـ ٥٥ ط الأولى ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ١ / ٤٧ ، والسنة لابن أبي عاصم برقم / ٩٩٢ وغيرها.

٥ ـ مسووعة أطراف الحديث النبوي ٢ / ١٩٧.

٦ ـ مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٢ ، وصححه الذهبي ، تاريخ البخاري ٦ / ٣٠٧ ، بداية ابن كثير ٥ / ١٠٥ ، و ٧ / ٣٤٧ ، كنز العمال ١ / ٣٢٩ ، دلائل النبوة ٥ / ٣٩٥ وش١٢ / ٧٥ ، وحسب٢٢٠٢ ، تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام / ٣٨٨ ـ ٣٩٣ ، وموسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ٨ / ٤ ـ ٥.

٧ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٣٢ ، تاريخ الخطيب ١٣ / ٣٢.


٩ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهودياً ) (١).

١٠ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً ) (٢).

١١ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن أبغضنا أهل البيت فهو منافق ) ، عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن عدي (٣).

١٢ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد إلا ذيد يوم القيامة بسياط من نار ) ، أخرجه الطبراني عن الإمام الحسن بن عليّ مرفوعاً (٤).

١٣ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت موتى ويسكن جنّة الخلد فليوال عليّاً ) (٥).

١٤ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحبّ عليّاً بقلبه فله ثواب ثلث هذه الأمة ) (٦).

١٥ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحبّ عليّاً فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ الله ) (٧).

١٦ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحبّ عليّاً فقد أحبّني ، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني ) (٨).

____________

١ ـ تاريخ جرجان / ٣٦٩ ، الموضوعات ٢ / ٧.

٢ ـ تاريخ ابن عساكر ٢ / ٦٩ ، ضعفاء العقيلي ٢ / ١٨٠ ، لئالي السيوطي ١ / ٢١١ ، تنزيه الشريعة ١ / ٤١٤ ، الفوائد المجموعة / ٣٩٦.

٣ ـ الدر المنثور ٦ / ٧.

٤ ـ الدر المنثور ٦ / ٧ ، معجم الطبراني الكبير ٥ / ٢٢٠ ، كنز العمال / ٣٢٩٥٩ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٤٩ كما في موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ٨ / ٢٦.

٥ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

٦ ـ الحاوي ٢ / ١٠٣.

٧ ـ مستدرك الحاكم ٣ / ١٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٢ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني / ١٢٩٩.

٨ ـ صحيحة الألباني ٣ / ٣٨٨.


١٧ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( بغض بني هاشم والأنصار كفر وبغض العرب نفاق ) ، عن ابن عباس (١).

١٨ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحبّني فليحبّ عليّاً ) (٢).

١٩ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في الجنة ) (٣).

٢٠ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحسن القول في عليّ فقد استمسك بالعروة الوثقى ) (٤).

٢١ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أطاع عليّاً فقد أطاعني ) (٥).

٢٢ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : ( من أطاعك فقد أطاع الله ) (٦).

٢٣ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن تنقّص عليّاً فقد تنقصَني ) (٧).

٢٤ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن تولى عليّ بن أبي طالب فأحبّه ) (٨).

٢٥ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن سَبّ عليّاً جلد الحدّ ) (٩).

____________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢.

٢ ـ موسوعة أطراف الحيدث النبوي الشريف ٨ / ٣٣ ، نقلاً عن سبعة مصادر. فراجع

٣ ـ سنن الترمذي ١٢ / ٣٧٣٣ ، مسند أحمد ١ / ٧٦ ـ ٧٧ .. وغيرها.

٤ ـ العلل المتناهية ١ / ٢٥٣.

٥ ـ مستدرك الحاكم ٣ / ١٢١.

٦ ـ نفس المصدر.

٧ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٢٨. عن معجم الطبراني الأوسط.

٨ ـ كامل ابن عدي ٦ / ٢١٢٦.

٩ ـ موضوعات ابن الجوزي ١ / ٣٢٨.


٢٦ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن سَبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سّبني فقد سبّ الله ) (١).

٢٧ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن فارق عليّاً فارقني ، ومن فارقني فارق الله ) (٢).

٢٨ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن فارقك يا عليّ فقد فارقني ) (٣).

٢٩ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا عليّ إنه مَن فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني ) (٤).

٣٠ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن مات وفي قلبه بغض لعليّ بن أبي طالب فليمت يهودياً ونصرانياً ) (٥).

٣١ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن مات وهو يبغضك يا عليّ مات ميتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ) ، عن ابن عمر.

وحديثه قال : ( بينما أنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظل بالمدينة ، وهو يطلب عليّاً رضي‌الله‌عنه إذ إنتهينا إلى حائط ، فنظرنا فيه ، فنظر إلى عليّ وهو نائم في الأرض وقد أغبّر فقال : ( لا ألوم الناس يكنونك أبا تراب ـ فلقد رأيت عليّاً قد تغير وجهه واشتد ذلك عليه ـ فقال : ( ألا أرضيك يا عليّ؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي ، فمن أحبّك

____________

١ ـ صحيح الألباني ٣ / ٢٨٨ ، وأخرجه النسائي وأحمد والحاكم ... وغيرهم راجع موسوعة أطراف الحديث ٨ / ٢٩٨.

٢ ـ رواه ابن عمر كما في معجم الطبراني ١٢ / ١٣٢٣ برقم١٣٥٥٩ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ / ١٢٨.

٣ ـ رواه البزار ورجال ثقات في زين الفتى ٢ / ٢٣٥ عن أبي ذر.

٤ ـ زين الفتى ٢ / ٢٣٥ برقم ٤٥٨ عن أبي ذر.

٥ ـ موسوعة أطراف الحديث ٨ / ٥٦٢.


في حياة مني فقد قضى نحبه ، ومن أحبّك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبّك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا عليّ مات ميتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ) (١).

٣٢ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبيّ مجاب ، المستحل من عترتي ما حرّم الله .... ) (٢).

٣٣ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما بال أقوام يؤذون قرابتي وذوي رحمي ، ألا ومن آذى ذوي نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله عزوجل ) (٣).

٣٤ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن نظر إلى عليّ فقال : ( مَن أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغضيك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك بعدي ) (٤).

٣٥ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا عليّ أنه لا يبغضك أحد إلا أدخله الله النار ، قد أوجب الله حبّي وحبّ أهل بيتي وعترتي على كلّ مسلم ، فمن لم يقبل

____________

١ ـ المعجم الكبير للطبراني ١٢ / ٣٢١.

٢ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٧٦ ، مستدرك الحاكم ١ / ٩١ بسنده عن عائشة وصححه ، وقال الذهبي في تلخيصه صحيح لا أعرف له علة.

٣ ـ الحديث أورده ابن حجر في الأصابة في ترجمة درة بنت أبي لهب ، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة ٥ / ٤٥٠ ط١.

٤ ـ زين الفتى للعاصمي ٢ / ٢٢٧ برقم ٤٥٠عن أبي سعيد الخدري.


ذلك فقد هلك ) (١).

٣٦ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أيّها الناس مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله عزوجل ، ومَن أبغض عليّاً فقد أبغضني ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزوجل ) (٢).

٣٧ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( عليّ ابن أبي طالب باب حطة من دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ) (٣).

قال المناوي في ( فيض القدير ) يعني أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ كما جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سبباً للغفران ، جعل لهذه الأمّة مودّة عليّ والإهتداء بهديه وسلوك سبيله ، وتولّيه سبباً للغفران ودخول الجنان ونجاتهم من النيران ، والمراد يخرج منه من خرج عليه (٤).

٣٨ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تسبوا عليّاً فإنّه مسوس بذات الله عزوجل ) (٥).

٣٩ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نظر إلى عليّ : ( أنت سيّد في الدنيا والآخرة ، مَن أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، والويل لمن أبغضك بعدي ،

____________

١ ـ نفس المصدر ٢ / ٢٢٧ برقم٤٤٧ عن أبي سعيد الخدري.

٢ ـ زين الفتى٢ / ٢٢٨ برقم ٤٥٠ عن أنس.

٣ ـ الجامع الصغير للسيوطي ٢ / ٦٦ ، السراج المنير ٢ / ٤٥٨ للعزيزي ، الصواعق المحرقة / ٧٥ ، سمط النجوم العوالي ٢ / ٥٠٣ .. وغيرها.

٤ ـ فيض القدير ٤ / ٣٥٦.

٥ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠ ، رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، حلية الأولياء ١ / ٦٨ ، كفاية الطالب / ١٩٤.


وبغيضي بغيض الله ، ويل لمن أبغضك بعدي ) (١).

٤٠ ـ حديث : ( مَن سَبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبه الله على منخره في جهنم ) (٢). وسيأتي ذكره مفصلاً بإسنادي عن مشايخ الحديث من السنة مع مصادره ومن رواه وسبب روايته وما جرى لابن عباس مع مَن كان يسب الإمام عليه‌السلام.

( إمتحان معاوية لشخصيات إسلامية في إعلان السبّ )

وتمادى معاوية في غيّه ، وصار يلح على شخصيات من وجوه المسلمين ، منهم من الصحابة ومنهم من التابعين ، أن يصعدوا المنبر فيعلنوا بسبّ الإمام عليه‌السلام ، فكان الكثير يمتنع من ذلك ، ومَن خشي على نفسه يصعد فيوريّ كما صنع صعصعة بن صوحان ، وقيل عن عقيل أيضاً وغيره كذلك ، فإنّهم لمّا يصعدوا المنبر ويخاطبوا الناس يقول قائلهم : ألاّ إنّ معاوية أمرني أن أسبّ عليّاً ألاّ فالعنوه ، وللأحنف بن قيس أيضاً موقف مشرّف مع معاوية في مسألة السبّ.

وطمع معاوية في سعد بن أبي وقاص فبلغت به القحّة والنصب أن عاتبه على عدم سبّه للإمام عليه‌السلام ، وحديثه في هذا أخرجه مسلم في صحيحه ،

____________

١ ـ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن عباس في باب جامع فيمن يحبه ومن يبغضه ٩ / ١٣٣.

وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات ، وفي لفظ أحمد في فضائل الإمام والحاكم في المستدرك وعبد الرزاق حدث به وهو خائف يعرف كما في سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٧ في ترجمة أبي الداهر أحمد بن الأزهر.

٢ ـ كتاب الشريعة ٤ / ١٩٦ للآجري ، والمناقب لابن المغازلي المالكي / ٣٩٤ ، والموفق بن أحمد الخوارمي الحنفي في المناقب / ٨١ ط الحيدرية ... وغيرهم الكثير.


والترمذي في سننه ، كلّ منهما في باب مناقب الإمام عليه‌السلام ، ولفظه كما في صحيح مسلم بإسناده عن :

( قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟

فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حُمر النَعم : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليّ : يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هرون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ).

وسمعته يقول يوم خيبر : ( لأعطينّ الراية رجلاً يُحِبّ الله ورسوله ويُحِبّه الله ورسولهُ ). قال : فتطاولنا لها ، فقال : ( أدعوا لي عليّاً ) ، فأتي به أرمد فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولمّا نزلت هذه الآية : ( تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ )(١) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، فقال : ( اللهم هؤلاء أهلي ) (٢).

وكان سعد ينكر بدعة السبّ تلك ، وحمل الناس عليها ، فقد أخرج ابن حجر في ( المطالب العالية ) ، فقال : ( أبو بكر بن خالد بن عرفطة ، قال : أتيتُ سعد بن مالك بالمدينة ، فقال : ذُكر لي أنّكم تسبّون عليّاً؟

قال : قد فعلنا.

قال : فلعلك قد سببته؟

____________

١ ـ آل عمران / ٦١.

٢ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ط صبيح ، سنن الترمذي ٢ / ٣٠٠ ط بولاق ١٢٩٢ هـ ، وقد رواه أحمد في مسنده ١ / ١٨٥ ، وغيرهم.


قال : قلت معاذ الله.

قال : لا تُسبّه ، فلو وَضع المنشار على مفرقي على أن أسبّ عليّاً ما سببته بعدما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعت ) (١). ( لأبي بكر ) ( وأبي يعلى ) وفي الهامش : كذا في الزوائد ، قال الهيثمي : إسناده حسن ، وسكت عليه البوصيري (٢).

وقد روي أنّ سعداً رأى قوماً قد ازدحموا على رجل ، فقال : ما هذا؟

فقالوا : انّه يشتم عليّاً عليه‌السلام.

فقال : أفرجوا ، حتى انتهى إليه ، فقال : ( اللهم إن كان كاذباً فخذه ).

قال : فما وصل إلى منزله حتى أتي فقيل له الرجل الذي دعوت عليه أتاه بختي فخبطه فكسره وقتله (٣).

وأخرج الحاكم في ( المستدرك ) في كتاب معرفة الصحابة بعد أن أشار إلى الأثر السابق ، فقال :

( فحدثنا بشرح هذا الحديث الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، أنا الحسن بن علي بن زياد السري ، ثنا حامد بن يحيى البلخي بمكة ، ثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن حازم ، قال : كنت بالمدينة ، فبينما أنا أطوف في السوق إذ بلغت أحجار الزيت فرأيت قوماً مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم عليّ بن أبي طالب ، والناس وقوف حواليه ، إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فوقف عليهم ، فقال : ما هذا؟

____________

١ ـ المطالب العالية ٤ / ٦٤ ، برقم٣٩٦٧.

٢ ـ الزوائد ٩ / ١٣٠.

٣ ـ فرائد السمطين ١ / ٢٠٤ ، أنساب الأشراف ٢ / ١٧٧ ترجمة الإمام عليه‌السلام تح الحميري.


فقالوا : رجل يشتم عليّ بن أبي طالب.

فتقدم سعد ، فأفرجوا له حتى وقف عليه ، فقال : يا هذا على ما تشتم عليّ بن أبي طالب؟ ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟

ثم استقبل القبلة ورفع يديه ، وقال : اللهم إنّ هذا يشتم وليّاً من أوليائك ، فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك.

قال قيس : فو الله ما تفرّقنا حتى ساخت به دابته فرمته على هامته في تلك الأحجار ، فأنفلق دماغه ومات.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرّجاه ) (١).

أقول : وأخرج هذا الذهبي في تلخيص المستدرك بهامشه ، ولم يغمز فيه (٢).

قال ابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) في أخبار معاوية :

( ولمّا مات الحسن بن عليّ حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليّاً على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل له : إنّ ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخذ رأيه ، فأرسل إليه وذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لأخرجنّ من المسجد ثم لا أعود إليه ، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد ، فلمّا مات سعد لعنه على المنبر ، وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا.

فكتبت أم سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى معاوية : إنّكم تلعنون الله ورسوله

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ٤٩٩.

٢ ـ نفس المصدر.


على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها ) (١).

أقول : إن لم يلتفت معاوية إلى كلامها كما يقول ابن عبد ربه الأندلسي ، فإنّها لم تترك إستنكارها لهذه البدعة ، فمّا جاء لزيارتها أحد من العراقيين أو غيرهم إلاّ ذكرت له أنّها سمعت من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ عليه‌السلام وفيه من أحاديث الفضل ما لم يقله لأحد غيره من الصحابة ، وإنّما كانت تخص العراقيين بالإنكار ، لأنّ ولاة معاوية في العراق كانوا معلنين بالسبّ ، فالمغيرة بالكوفة ، وزياد بالبصرة وكلاها كان ناصبيين (٢) ، وأخبار جرائمها كثيرة فعليهما وعلى من ولاّهم ووالاهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وقد كانت عائشة ربما تلمح من طرف خفيّ وعلى إستحذاء إلى ما يفعله معاوية ومَن شايعه من سبّ الإمام عليه‌السلام.

فتقول لإبن أختها : ( أمرُوا بالإستغفار لأصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسبّوهم ) (٣).

( إمتحان عسير لغير البصير الخبير )

أخرج الحاكم في المستدرك بإسناده ، عن أبي صادق ، قال :

____________

١ ـ العقد الفريد ٥ / ١١٤.

٢ ـ راجع عن مواقف أم سلمة ( رضوان الله عليها ) في إنكارها على أهل الكوفة حين دخل عليها منهم جماعة فيهم شبث بن ربعي ، المعجم الكبير للطبراني ٢٣ / ٢٦٣ ط الموصل ، وتاريخ بغداد ٧ / ٤٠١ ، وجمع الفوائد للروداني ٢ / ٣٣١ ، وفيض القدير للمناوي ٦ / ١٤٧ وغيرها.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٤١ ط صبيح.


( قال علي رضي‌الله‌عنه : ( إنّكم ستعرضون على سبيِّ فسبّوني ، فإن عرضت عليكم البراءة منّي فلا تبرؤا منّي ، فإنّي على الإسلام ، فليمدد أحدكم عنقه ، ثكلته أمه فإنّه لا دنيا له ولا آخرة بعد الإسلام ، ثم تلا : ( إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ )(١) ). قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٢). وكذلك الذهبي أخرجه في ( التلخيص ) وتابعه على التصحيح (٣).

وأخرج أيضاً بإسناده عن طاووس ، قال :

( كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال له عليّ يوماً : ( يا حجر إنّك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ مني ).

قال طاووس : فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ووكل به ليلعن عليّاً أو يقتل.

فقال حجر : أما أن الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليّاً فالعنوه ، لعنه الله.

فقال طاووس : فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال ) (٤).

أقول : وهذا ذكره الذهبي في ( التلخيص ) وكأنّه لم يعجبه ، فقال : ( يحيى ضعيف سمعه منه عبيد بن قنفذ البزار ، ولا أدري من هو ) (٥)!

____________

١ ـ النحل / ١٠٦.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٥٨ ط دمج.

٣ ـ نفس المصدر.

٤ ـ نفس المصدر.

٥ ـ نفس المصدر / الهامش.


وأخرج الحاكم في ( المستدرك ) في كتاب الفيء بإسناده عن عبد الله ابن بريدة الأسلمي ، قال :

( إنّي لأمشي مع أبي إذ مرّ بقوم ينقصون عليّاً رضي‌الله‌عنه يقولون فيه.

فقام ، فقال : إنّي كنت أنال من عليّ وفي نفسي عليه شيء ، وكنت مع خالد بن الوليد في جيش فأصابوا غنائم ، فعمد عليّ إلى جارية من الخمس فأخذها لنفسه ، وكان بين عليّ وبين خالد شيء ، فقال خالد هذه فرضتك ، ( فرصتك / ظ ) وقد عرف خالد الذي في نفسي على عليّ.

قال : فانطلق إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاذكره ذلك له.

فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحدثته وكنتُ رجلاً مكباباً ، وكنت إذا حدثت الحديث أكببت ، ثم رفعت رأسي فذكرت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الجيش ، ثم ذكرت له أمر عليّ ، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أحمرت.

قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه ).

وذهب الذي في نفسي عليه ).

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة ، إنّما أخرجه البخاري من حديث على بن سويد بن منجوف ، عن عبد الله بريدة ، عن أبيه مختصراً ، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا عن الأعمش عن سعد بن عبيدة.

وهذا رواه وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ( أخبرناه ) أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنبأ موسى بن إسحاق القاضي ، ثنا عبد الله بن أبي شيبة ، ثنا


وكيع عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه : أنّه مرّ على مجلس ... ثم ذكر الحديث بطوله (١).

أقول : أخرجه الذهبي في ( التلخيص ) أيضاً في هامش ( المستدرك ) ، ولم يغمزه بشيء (٢).

قال الأبشيهيّ : ( حُكيَ أنّ معاوية بينما هو جالس في بعض مجالسه وعنده وجوه النّاس فيهم الأحنف بن قيس ، إذ دخل رجل من أهل الشّام فقام خطيباً وكان آخر كلامه أنْ لَعَنَ عليّاً ـ رضي الله تعالى عنه ولعن لاعنيه­.

فقال الأحنف : يا أمير المؤمنين إنّ هذا القائل لو يعلم أنّ رضاك في لعن المرسلين للعنهم فاتق الله يا أمير المؤمنين ، ودع عنك عليّاً رضي‌الله‌عنه ، فلقد لقيَ ربّه وأفرد في قبره وخلا بعَمَله ، وكان والله المبرورَ سيفُه ، الطّاهرَ ثوبُه ، العظيمةَ مصيبتُه.

فقال معاوية : يا أحنف لقد تكلّمت بما تكلّمت وأيمُ والله لتصعدنّ على المنبر فتَلعَنه طوعاً أو كرهاً.

فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين إن تعفني فهو خيرٌ لك ، وإن تجبرني على ذلك فو الله لا تجري شفتايَ به أبداً.

فقال : قُم فاصعد.

قال : أما والله لأُنصفنَّك في القول والفعل.

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ١٢٩.

٢ ـ نفس المصدر / الهامش.


قال : وما أنت قائل إن أنصفتني؟

قال : أصعدُ المنبرَ فأحمد الله وأُثني عليه وأُصلّي على نبيّه محمّد ، ثمّ أقول : أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين معاوية أمرني أن العنَ عليّاً ألا وإنّ معاوية وعليّاً إقتتلا فاختلفَا ، فادّعى كلّ واحد منهما أنه مبغيٌّ عليه وعلى فئَته ، فإذا دعوت فأمّنوا رحمكم الله ثمّ أقول : ( اللهمّ العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغيَ منهما على صاحبه ، والعَن الفئة الباغية ، اللهمّ العنهم لعناً كثيراً ) ، أمّنوا رحمكم الله. يا معاوية لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفاً ولو كان فيه ذهاب روحي.

فقال معاوية : إذاً نعفيك يا أبا بحر.

وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب : إنّ عليّاً قد قطعك وأنا وصلتُك ولا يرضيني منك إلاّ أن تلعنه على المنبر.

قال : أفعل.

فصعدَ المنبر ، ثمّ قال بعد أن حمد الله وأَثني عليه وصلّى على نبيّه : أيّها النّاس إن معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن عليّ بن أبي طالب فالعنوه ، فعليه لعنة الله. ثمّ نزل.

فقال له معاوية : إنّك لم تبيّن من لعنتَ منهما بيّنه.

فقال : والله لا زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً ، والكلام إلى نيّة المتكلّم ... اهـ ) (١).

أقول : ليس عجيباً أن تنطليَ مغالطةٌ ما على أهل حيّ أو قرية ، لكن

____________

١ ـ المستطرف في كلّ فن مستظرف ١ / ١٠٠.


عجيبٌ أن تنطليَ على أجيال من أهل القراءة والكتابة ، الذين تتميّز عندهم المفاهيم بحدودها ورسومها؛ فكيف غاب عمّن ينسبون إلى معاوية الحلم ، أنّ قلبه كان غليظاً لا أثر للرّحمة فيه؟! وهل يجتمع الحلم وبغض عليّ والحسن والحسين؟ أليس الحليمُ هو الذي يعفو عند المقدرة عمّن أساءَ إليه؟ فمتى فعل معاوية هذا وتلك قصّته مع حجر بن عديّ وأصحابه ، وله قصّة مع عمر وبن الحمق وقصّة مع عبد الرحمن العنزيّ تجعل الولدان شيباً (١) ، وقصّة أخرى مع عبد الرحمن بن عديس البلويّ الذي بايع تحت الشجرة؛ إنّ الحليم لا يذكر الموتى إلاّ بخير ، ومعاوية كان يسبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ويشتمه ويلعنه على المنبر ، ويشترط ذلك على كلّ من يُوليّه على رقاب المسلمين؛ وهل يجتمع الحلم والغدر؟ وقد افتتح معاوية حكمه بالغدر حين قال أمام الملأ في مسجد الكوفة ( ألا وإنّ كلّ شرط أعطيته للحسن بن عليّ فتحت قدميّ هاتين ) (٢)!

قال الجاحظ في ( البيان والتبيان ) :

( قيل لشريك بن عبد الله : كان معاوية حليماً؟

____________

١ ـ القصة مذكورة في كلّ من تاريخ الطّبريّ ٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت وتاريخ ابن عساكر٢ / ٣٧٩ دار الفكر ١٤١٥ ، والكامل لابن الأثير ٣ / ٢٠٩ ، دار الكتب العلمية بيروت ١٤١٥ هـ. فقد أمر بعقوبته ، فدفن حيّاً بقس الناطف.

٢ ـ العبارة في شرح نهج البلاغة كما يلي : وأما أبو إسحاق السّبيعيّ فقال : إنّ معاوية قال في خطبته بالنّخيلة : ألا إنّ كلّ شيء أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين لا أُفي به ، قال أبو إسحاق : وكان والله غدّاراً ، ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ / ٤٦ ).


قال : لو كان حليماً ما سفه الحق ولا قاتل عليّاً ، ولو كان حليماً ما حمل أبناء العبيد على حُرمه ، ولما أنكح الحرائر غير الأكفاء ) (١).

أقول : لقد قرأت كلاماً قاله عبد الباقي قرنة الجزائري في كتابه ( معاوية ) ، وقد طبع كلامه الآتي على ظهر كتابه على الغلاف فأعجبني نقله للقرآء :

( في تصوري أنّ ثقافة الكرسيّ قد جنت على التفكير لدى المسلمين ، ودجّنت الهمَمَ ، وخنَقَت الطموح ، ووظّفت الدّين لخدمة الطاغوت ، حتى صار مثل معاوية يجد من يدافع عنه. ولو أننّا قدّمنا معاوية إلى أحد المفكّرين غير المسلمين ، وسردنا له بنزاهة وانصاف أعماله الإجرامية واحدةً واحدةً وبيّنّا له أنّه مات مصرّاً عليها ، لما وسعه إلاّ أن يصنّفه في الاستبداديّين المجرمين.

ما الذي جناه الإسلام والمسلمون من معاوية غير العداوات والحزازات وتفريق الصفوف وتشتيت القوة وترسيخ الخلاف؟!

ما هي إنجازات معاوية التي يستطيع المسلمون أن يفخروا بها أمام خصومهم ويرفعوا بها هاماتهم؟ ألم يقدّم معاوية لخصوم الإسلام ما يحتجون به عليهم في مجال حقوق الإنسان ، وهو الذي كان يدفن الناس أحياء لمجرّد حبّهم لعليّ بن أبي طالب الذي يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله؟ أو ليس معاوية هو الذي أسّس لثقافة الحقد والكراهيّة وشرع

____________

١ ـ البيان والتبيين ٣ / ٢٥٨ تح هارون.


سبّ الأموات بصورة رسميّة؟ أولم يمنع معاوية المسلمين من تسمية أبنائهم عليّاً وحسناً وحسيناً؟ (١)

وأمّا الذي يدافعون عن معاوية باسم الدين وعدالة الصحابة وأمور من ذلك القبيل ، فيُقال لهم بالحرف الواحد ما جاء في سورة النساء : ( هَا أَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم

____________

١ ـ قال ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة علي بن عبد الله بن عباس :

( ولما ولد علي بن عبد الله ولد معه في تلك السنة لعبد الله بن جعفر غلام فسماه علياً وكناه بأبي الحسن ، فبلغ معاوية ، فوجّه إليهما أن انقلا أسم أبي تراب وكنتيه عن ابنيكما ، وسمياهما باسمي ، وكنيّاهما بكنّّيتي ، ولكل واحد منكما ألف ألف درهم ...

فلما قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع إلى ذلك عبد الله بن جعفر فسمى ابنه معاوية ، وأخذ ألف ألف درهم ، وأما عبد الله بن عباس فإنه أبى ذلك ، وقال : حدثني علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : ما من قوم يكون فيهم رجل صالح فيموت فيخلف فيهم مولود فيسمونه بأسمه إلا خلفهم الله بالحسنى ، وما كنت لأفعل ذلك أبدا ، فأتى الرسول معاوية فأخبره بخبر ابن عباس ، فرد الرسول وقال : فانقل الكنية عن كنيته ولك خمسمائة ألف.

فلما رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة ، قال أما هذا فنعم ، فكناه بأبي محمد.

أقول : ويبدو للباحث تزيد الرواة في الخبر ، وذلك تسمية ابن جعفر لأبنه بمعاوية ، مع أن ابنه علي وهو المعروف بالزينبي ، لأن أمه زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين ، وهو أكبر ولد أبيه كان مولوداً ولم يغيرّ اسمه ، نعم كان لابن جعفر ولد اسمه معاوية ، وفيما ذكره ابن عساكر بعد ما تقدم نظر ـ.

ثم قال : وقيل أن على بن عبد الله بن عباس لما قدم على عبد الملك بن مروان من عند أبيه قال له عبد الملك : ما أسمك؟ قال علي ، قال أبو من؟ قال : أبو الحسن ، قال لا تجمعهما علي حوّل كنيتك ولك مائة ألف درهم ، قال : أما وأبي حي فلا ، فلما مات عبد الله كناه عبد الملك أبا محمد. ( أنظر مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ، في ترجمة علي بن عبد الله عباس ).


مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً )(١) ) (٢).

ونزيدهم نحن تنويراً بأنّ ابن عباس حبّر الأمّة قال عنهم : ( أكبّهم الله في جهنم على مناخرهم ).

فإلى أحاديثه مع النواصب ، وقد أخرجها الفريقان : ( هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ )(٣).

____________

١ ـ النساء / ١٠٩.

٢ ـ كتاب ( معاوية ) ط نينوى سنة١٤٢٦ هـ.

٣ ـ الحاقة / ١٩.


ابن عباس يتصدى للتيار الأموي القرشي

لقد قرأنا في الجزء الرابع محاورات ابن عباس مع معاوية ، وقد بلغت عشرين محاورة سوى ما كان فيه مع أذنابه وبقية الشانئين من قريش ممن سخرّهم الحكم الأموي ، لإشاعة الإعلام الكاذب ضد بني هاشم عامّة وضد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة.

فعن ابن الحديد : ( إنّه افتعل في أيام معاوية خاصة حديث كثير على هذا الوجه ـ يعني صدر عن قوم غير صحيحي العقيدة ـ قصدوا به الإضلال وتحبيط القلوب والعقائد ، وقصد به بعضهم التنويه بذكر قوم كان لهم في التنويه بذكرهم غرض دنيوي. ولم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث عن هذا ، بل ذكروا كثيراً من هذه الأحاديث الموضوعة ...

إلاّ أنّ المحدثين إنّما يطعنون فيما دون طبقة الصحابة ، ولا يتجاسرون في الطعن على أحد من الصحابة لأنّ عليه لفظ ( الصحبة ) ، على أنّهم قد طعنوا في قوم لهم صحبة كبسر بن أرطاة وغيره.

فإن قلت : من أئمة الضلالة الذين يتقرب إليهم المنافقون الذين رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحبوه للزور والبهتان ، وهل هذا إلاّ تصريح بما تذكره الإمامية وتعتقده؟

قلت : ليس الأمر كما ظننت وظنوا ، وإنّما يعني معاوية وعمرو بن


العاص ومن شايعهما على الضلال ، كالخبر الذي رواه من رواه في حق معاوية : ( اللهم قه العذاب والحساب وعلمه الكتاب ) (١).

____________

١ ـ الخبر ساقط بكل معنى من الرواة والمروي فيه ، رواه العرباض بن سارية كما في مسند أحمد ٤ / ١٢٧ ، ولفظه : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية ـ يعني بن صالح ـ عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي برهم عن العرباض بن سارية السلمي قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : ( هلموا إلى الغذاء المبارك ) ثم سمعته يقول : ( اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ).

ونظرة خاطفة على رجال السند من الأعلى إلى الأدنى ، فالعرباض بن سارية صحابي من أهل الصفّة نزل حمص مات في فتنة ابن الزبير قال محمد بن عوف : كلّ واحد من العرباض بن سارية وعمر بن عسبة يقول انا رابع الإسلام ـ لا ندري أيهما أسلم قبل صاحبه ( أنظر تهذيب التهذيب ٧ / ١٧٤ ، والإصابة في ترجمته ) وحسبنا توهيناً له كذبه بأنه رابع الإسلام إذ أن رابع الإسلام هو زيد بن حارثة فقد أسلم بعد أن أسلمت خديجة عليها‌السلام وأسلم علي عليه‌السلام وأسلم جعفر ( أنظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٤٧ ط تراث الإسلام ) ـ

روى عنه الخبر أبو برهم هو السماعي ـ السمعي ـ مختلف في صحبته ، وقال ابن يونس : هو جاهلي عداده في التابعين ، وقال ( أبو حاتم ) : ليست له صحبة ، وقال البخاري : هو تابعي ( أنظر تهذيب التهذيب ١ / ١٩٠ ).

روى الخبر عنه الحارث بن زياد شامي قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ٢ / ١٤٢ وقرأت بخط الذهبي في الميزان مجهول وشرطه أن لا يطلق هذه اللفظة إلا إذا كان أبو حاتم الرازي قالها.

وقال أبو عمرو وبن عبد البر في الاستيعاب : مجهول وحديث منكر.

وروى الخبر عنه يونس بن سيف القيسي الكلاعي الحمصي مات / ١٢٠ هـ ، وحسبنا معرفة عصره فهو عاش في حكم الأمويين وطاعة الشاميين لهم معروفة على تربية معاوية الشانئة البغيضة لأهل البيت عليهم‌السلام.

وروى الخبر عنه معاوية بن صالح وهو الحمصي خرج من حمص كان يحي بن معين لا يرضاه ، وقال ابن معين : ليس بمرضي وقال : كان ابن مهدي إذا تحدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد وقال : أيش هذه الأحاديث ( أنظر تهذيب التهذيب في ترجمته ).


وكرواية عمرو بن العاص تقرباً إلى قلب معاوية : ( إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، إنّما وليي الله وصالح المؤمنين ) (١).

وكرواية قوم في أيام معاوية أخباراً كثيرة من فضائل عثمان ، تقرباً إلى معاوية بها. ولسنا نجحد فضل عثمان وسابقته ، ولكنّا نعلم أنّ بعض الأخبار الواردة فيه موضوع ، كخبر عمرو بن مرّة فيه ، وهو مشهور ، وعمرو بن مرّة ممن له صحبة وهو شامي (٢) ) (٣).

أقول : ولم يذكر ابن أبي الحديد في المقام أبا هريرة الذي روى ـ

____________

١ ـ صحيح البخاري كتاب الأدب باب تبل الرحم ببلالها ٨ / ٦ ط بولاق ، ولفظه : ( إن عمرو بن العاص قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهاراً غير سّر يقول : إن آل أبي ـ قال عمرو في كتاب محمد ابن جعفر بياض ـ ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين.

زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها ) يعني أصلها بصلتها.

أقول : ولم يذكر البخاري سوى هذا الخبر في هذا الباب ، وقد أربك شراح صحيحه في معنى هذا الخبر ، فمن مشرّق إلى مغرّب ، وبالتالي طفح النُصب في كلماتهم.

ولابن حجر في فتح الباري ١٣ / ٢٤ ـ ٢٨ كلام كثير ورد فيه : ان من رواته قيس بن حازم الراوي عن عمرو بن العاصي كان يحمل على علي ولذلك كان يتجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين ، وكان يقدّم عثمان علي علىَّ ، ومع هذا قال ابن حجر : والمعتمد عليه أنه ثقة ثبت مقبول الرواية وهو من كبار التابعين (؟!) ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم .. ).

٢ ـ عمرو بن مرة : قال البخاري : كان يقول : أنا مرجئ ، وقال أحمد : خبيث ، وقال العجلي : وكان يرى ألا رجاء ، وقال : نظرت في هذه الآراء فلم أر قوماً خيراً من المرجئة ، وأنا مرجئ ، فقال له سليمان الأعمش : لم تُسمّ باسم غير الإسلام؟ قال : أنا كذلك.

أقول : ومع هكذا التجريح قالوا فيه من معادن الصدق (؟!) ( باقتضاب من جامع الجرح والتعديل ٢ / ٣٥٠ ـ ٣٠٦ ).

٣ ـ شرح النهج ١١ / ٤٢.


كذباً ـ : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الخلافة بالمدينة والملك بالشام ) (١).

وروى لصالح معاوية الباغي في قتاله الإمام الشرعي : ( إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما في الجنة.

فقالوا : كيف يا رسول الله؟

قال : يُقتل هذا فيلج الجنة ، ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ، ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد ) (٢).

وعلى هذا فلا مؤاخذة على من زجّ بهم معاوية في صفّين فقاتلوا وقتلوا!!

وروى أيضاً ما يوافق هوى معاوية : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( ما من أحد يدخله عمله الجنة ) ، فقيل : ولا أنت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : ( ولا أنا إلاّ أن يتغمدني ربّي برحمته ) (٣).

ولمّا كانت رحمة الله تعالى وسعت كلّ شيء ، فمعاوية له نصيبٌ منها!!

وعامّة رواياته في نحو ما سبق طامة عامة تدلّ على منهج عدائي ، مقصود منه خدمة الجهاز الحاكم القرشي في الشام ، وإلاّ كيف نحتمل سلامة القصد حين يروي أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( اللهم فأيّما عبد مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة ) (٤). فسبّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاوية وأبيه وأخيه ، قربة لهم إلى الله وزكاة!!

____________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٢ لابن كثير ، نقلاً عن البيهقي.

٢ ـ صحيح مسلم ٦ / ٤٠ ط صبيح باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة.

٣ ـ نفس المصدر ٨ / ١٤٠ باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى.

٤ ـ نفس المصدر ٨ / ٢٦.


وحديثه فيما يرويه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يحكي عن ربّه عزوجل قال : ( أذنب عبد ذنباً ، فقال : اللهم إغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنباً فعلم أنّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب.

ثم عاد فأذنب ، فقال : أي ربّ إغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنباً فعلم أنّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب.

ثم عاد فأذنب ، فقال : أي ربّ إغفر ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنباً فعلم أنّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، إعمل ما شئت فقد غفر لك ) (١).

ونحو هذا ممّا فتح على الأمّة باب الإفتراء وأدخلهم فيه أفواجاً.

وما دام جراب أبي هريرة مفتوحاً ، فسوف لن تواجه معاوية أيّ معضلة في محاربته مبادئ الإسلام العادلة ، بل وحتى ردّ جميع ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أراد ، فلديه زمرة أفّاكة قد وضعت جميع طاقاتها في خدمته ، وتنفيذ أغراضه ، ولهم من حماية أبي هريرة ما يكفي للدفاع عنهم ، فعمرو ابن العاص ، وبسر بن أبي ارطأة ، وسمرة بن جندب ، وأضرابهم من حثالات منافقي الصحابة الذين خاضوا في دماء المسلمين مع معاوية أيام حكمه ، فقد روى لهم حصانتهم أبو هريرة من خلال حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تسبّوا أصحابي ، لا تسبّوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحُد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه ) (٢).

____________

١ ـ نفس المصدر ٨ / ٩٩ باب قبول التوبة من الذنوب وأنّ تكررت الذنوب والتوبة.

٢ ـ نفس المصدر ٧ / ١٨٨ باب تحريم سب الصحابة رضي‌الله‌عنهم.


وليت شعري ، أين كانت هذه الرواية غائبة عن ذهن أبي هريرة يوم صفين وقد حارب معاوية وهو رأس الفئة الباغية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه من الصحابة الجمع الكثير ومنهم عمار بن ياسر الذي قال فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تقتله الفئة الباغية ) (١).

وأين كان أبو هريرة يوم صار معاوية يلعن الإمام والحسن وال وعبد الله بن عباس ، وقيس بن سعد (٢).

أو ليس هؤلاء من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! ولكن أبا هريرة لمّا كان على رأس المجندين في مدرسة الوضع التي أسسها معاوية ، فهو يذكر من جرابه ما يريده معاوية.

ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة على عليّ عليه‌السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جُعلا يُرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ) (٣).

وكان أبو هريرة مدرسة سيّارة مع معاوية ، فقد حكى ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي ، قال : ( وروى الأعمش ، قال : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس ، جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً ، وقال :

____________

١ ـ صحيح البخاري ٣ / ٣٠٧.

٢ ـ واقعة صفين / ٦٣٦.

٣ ـ شرح النهج ١ / ٣٥٨ط مصر الأولى.


يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار ، والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( إنّ لكلّ نبيّ حرماً وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) ، وأشهد بالله أنّ عليّاً أحدث فيها ، فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاّه إمارة المدينة ) (١).

ولست في مقام إستعراض ما قام به أبو هريرة في خدمة الحكم الأموى وتثبيت عرشه ، فقد أغنانا عن هذا ما كتبه العَالمَان العلمان السيد شرف الدين والشيخ أبو رية رحمهما الله تعالى. وإنّما الغرض من ذكر ما مرّ فضح النُصب القرشي ، وما قام به رموزه من حاكمين وأتباعهم من معاداة ومحادّة لله ولرسوله في إيذائهم لأهل البيت عليهم‌السلام الذين أمر الله بمودتهم ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )(٢) ، فكانت مودتهم في قاموس زمرة النصب القرشي معناها محاربة الإمام عليه‌السلام حيّاً وفرض سبّه على المنابر ميّتاً.

تضليل الشجرة الملعونة بظِلالها وضَلالها في الآفاق

لقد استمرت بدعة السبّ طيلة حكم السفيانية والمروانية إلاّ أيام عمر ابن عبد العزيز الذي أمر برفع السبّ فترة حكمه.

قال الحافظ السيوطي : ( إنّه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بما سنّه لهم معاوية من ذلك ) ، وفي

____________

١ ـ شرح النهج ١ / ٣٥٩ط مصر الأولى.

٢ ـ الشورى / ٢٣.


ذلك يقول العلامة أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته :

وقد حكى الشيخ السيوطي إنّه

قد كان فيما جعلوه سنّه

سبعون ألف منبر وعَشَرةَ

من فوقهن يلعنون حيدرة

وهذه في جنبها العظائمُ

تصغر بل توجّه اللوائمُ

فهل ترى مَن سنّها يعادي؟

أم لا؟ وهل يَسُّر أم يهادي؟

أو عالم يقول عنه نسكتُ؟

أجبّ فإني للجواب منصتُ

وليت شعري هل يقال اجتهدا؟

كقولهم في بغيه أم ألحدا؟

أليس ذا يؤذيه أم لا فاسمعن

إن الذي يؤذيه من ومن ومن؟

بل جاء في حديث أم سلمة

هل فيكم الله يُسبُ مه ، لَمه؟

عاون أخا العرفان بالجواب

وعاد من عادى أبا تراب (١)

والتاريخ مليء بأخبار تلك الشناعة ، حتى كانت البلاد التي يأبى أهلها الإذعان للسبّ تذكر بخير ، فقد ذكر ياقوت في ( معجم البلدان ) في ( سجستان ) عن محمد بن بحر الرهني بعض محامد أهلها ، إلى أن قال :

( وأجلّ من هذا كلّه أنّه لُعن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على منابر الشرق والغرب ، ولم يلعن على منبرها إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد ... وأيّ شرف أعظم من إمتناعهم

____________

١ ـ النصائح الكافية / ٩٥ ـ ٩٦ ط الحيدرية.


من لعن أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منبرهم ، وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ ) (١).

كما أنّ البلاد التي تجاوبت مع نُصب الأمويين والتزمت بدعة السبّ شهّر بهم كما قيل عن أهل أصفهان أيام عمر بن عبد العزيز ، حيث استمهلوه في رفع السبّ أربعين يوماً.

وسواء صح ذلك عنهم أم لا ، فإنّّ الأمويين إمعاناً في النُصب أحدثوا بدعاً لتثبيت بدعة السبّ في أذهان المسلمين ، فقدّموا الخطبة على الصلاة في العيدين خلافاً للتشريع الثابت منذ عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل به الخلفاء من بعده.

قال ابن حزم في ( المحلى ) : ( ومنها ما أحدث بنو أمية من تأخير الصلاة ، وإحداث الأذان والإقامة ، وتقديم الخطبة قبل الصلاة ) ـ يعني هذا في صلاة العيدين ـ.

ثم قال : ( وأعتلّوا بأنّ الناس كانوا إذا صلّوا تركوهم ولم يشهدوا الخطبة ، وذلك لأنّهم كانوا يلعنون عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فكان المسلمون يفروّن ، وحقّ لهم ، فكيف وليس الجلوس للخطبة وأجباً ) (٢).

ومع هذا التمادي في الغيّ تبقى الشجرة الملعونة تلقي بِظِلالها وضَلالها على كثير ممن يفخرون بإنتمائهم إليهم ، ويلوكون ثمارها الوبيء ، ويعتبرونه رصيد شرف للعروبة والإسلام ، ويتحدثون لهم بأمجاد

____________

١ ـ معجم البلدان ٣ / ١٩١.

٢ ـ المحلى ٥ / ٨٥ ـ ٨٦.


إشاعة الظلم والفساد بين العباد ، مع أنّ جوامع الحديث المقبولة عندهم تروي لعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم برواية أم المؤمنين عائشة ـ وهي غير متهمة عندهم ـ.

فقد قالت لمروان : ( أنت فضض من لعنة نبيّ الله ) (١).

ولمّا أتاها في آخر أيام عثمان يستمهلها عن سفرها إلى الحج وعثمان محصور ، فقالت له : وددت والله أنّه في غرارة من غرائري هذه ، وأنّي طُوّقت حمله حتى ألقيه في البحر.

فأنشد مروان :

وحرّق قيس عليّ البلاد

حتى إذا اضطرمت أجذما

فقالت له : أيها المتمثل عليّ بالأشعار ، وددت أنّك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كلّ واحد منكما رحىً وأنكما في البحر ، سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك وجدك إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن (٢).

وعن ابن عباس : ( إنّ الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية ) (٣).

راجع مواقف السيدة عائشة من عثمان ما مرّ في الجزء الثاني من الحلقة الأولى من الموسوعة تجد الشواهد الكثيرة نقلاً عن تاريخ الطبري ، وطبقات ابن سعد ، وأنساب الأشراف للبلاذري ، وغيرهما.

____________

١ ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير ٣ / ٢١٦ حوادث سنة ٥٦ في ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد ، ط بولاق بمصر.

٢ ـ الدر المنثور ٤ / ١٩١.

٣ ـ الجامع الأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٣ للقرطبي ، تفسير الرازي ٢ / ٢٣٧ ط عبد الرحمن محمد بمصر سنة ( ١٣٥٧ ).


وراجع أيضاً تفاسير الطبري ، والقرطبي ، المالكي ، والبغوي ، وابن الجوزي ، وابن كثير ، والشوكاني ، والسيوطي ، والآلوسي ، وغيرها في تفاسير الآيات الكريمة : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ )(١) ، وقوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )(٢) ، وقوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )(٣).

قال البغوي في تفسير الآية الأولى : ( وروي من غير وجه عنه عن علي عليه‌السلام : ( هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة ، فأمّا بنو المغيرة فأهلكوا يوم بدر ، وأمّا بنو أمية فمتعوا إلى حين ) (٤).

وروى البغوي وغيره ذلك أيضاً عن عمر بن الخطاب : ( فعن عمرو بن مرّة قال : قال ابن عباس لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين هذه الآية : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ )(٥)؟

قال : هم الأفجران من قريش أخوالي وأعمامك ، فأمّا أخوالي فأستأصلهم الله يوم بدر ، وأمّا أعمامك فأملى الله لهم إلى حين ) (٦).

وبقي ابن عباس بالمرصاد صامداً أمام التيار الأموي القرشي ، الذي كثرت أساليب الخداع عنده ، شامخاً بالقرشية ، ويحكم الناس باسم الإسلام

____________

١ ـ إبراهيم / ٢٨.

٢ ـ الْقَدْر / ١.

٣ ـ الكوثر / ١.

٤ ـ تفسير البغوي / في تفسير الآية ٢٨ من سورة إبراهيم.

٥ ـ إبراهيم / ٢٨.

٦ ـ تفسير البغوي / في تفسير الآية ٢٨ من سورة ابراهيم.


الذي جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبنو هاشم هم رهط الأدنون ، ولكنهم معادون ومبعدون ، فكان ابن عباس من أشدّ المجاهدين بلسانه وبيانه ، وحججه وواضح برهانه ، ينسف مقولة الحاكمين في سواسية البطون القرشية في الفضل ، ويكشف زيف دعاواهم بأمجادهم في الجاهلية ، فكان يقول :

( والله لقد علمت قريش أنّ أوّل من أخذ الإيلاف وأجاز لها العبرات لهاشم.

والله ما شدّت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر ، ولا أناخت بعيراً بحضر ، إلاّ بهاشم.

والله إنّ أوّل من سقى بمكة ماءاً عذباً وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب ) (١).

واللافت للنظر في كلام ابن عباس رضي‌الله‌عنه تأكيده بالقسم ثلاث مرّات في كلّ مأثرة من المآثر القرشية التي تميّزت بها على العرب ، وأنّ تلك المآثر في أساسها الراسخ المتين إنّما هي لجديه هاشم وعبد المطلب.

فما دامت قريش الحكومة اتخذت الإنتماء القرشي حجة لتولي الحكم ، حتى تعسّفت في تفسير الحديث الشريف : ( الأئمة من قريش ) ، فجعلت لها الهيمنة على الناس ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك ، فيحق لها الإنفراد بالخلافة والحكم دون غيرها من العرب والعجم ، بإرادة حتمية من السماء على لسان رسول السماء!!

قلت : فما دامت تلكم هي الحجة ، فبنو هاشم رهط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذن هم أولى

____________

١ ـ شرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ٤٥٨ ط مصر الأولى.


من سائر بطون قريش لقرباهم منه ، فهو منهم وهم منه ، وجداهم هاشم وعبد المطلب هما مؤسسا الفخر القرشي ، فلماذا يشمخ حاكم الشام في نزوة من نزواته على الناس بفخر قريش ، ثم هو يحارب أصحاب الفخر من قريش؟!

فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الأدب في أوّل باب مناقب قريش قال : ( حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : كان محمد ابن جبير بن مطعم يحّدث : أنّه بلغ معاوية وهو عنده في وفدٍ من قريش أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان.

فغضب معاوية فقام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أمّا بعد فإنّه بلغني أنّ رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تؤثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأؤلئك جهّالكم ، فأياكم والأماني التي تُضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول الله يقول : ( إنّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) (١).

فهذا الذي رواه البخاري في صحيحه بسند رجاله كلّهم غير متهم على معاوية ، فرووا لنا كلامه ، وقد خلا من الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد الثناء على الله سبحانه وتعالى! كما هي العادة في إفتتاح الخطاب ، لكن معاوية الحقود العنيد لا يذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو لا يرضيه ( إلاّ دفناً دفناً ) (٢).

وهذا ما كان يثير حفيظة ابن عباس رضي‌الله‌عنه فيعلن للملأ كذب الإعلام الأموي ويفضح عداءه للإسلام ، ويُغلّب على أحاديثه ذكر فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام

____________

١ ـ صحيح البخاري ٤ / ١٧٩ كتاب الأدب ، باب مناقب قريش ط بولاق.

٢ ـ في الأخبار الموفقيات وغيرها ، وقد مرّ ذكرها في تكفيرها معاوية بشهادة المغيرة ، فراجع.


رداً على زمرة الأفّّاكين الذين سخرّهم معاوية لتناول الإمام عليه‌السلام بالسبّ.

فروى ابن أبي الحديد عن المدائني ، قال : ( كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئاًَ من فضل أبي تراب وأهل بيته.

فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ) (١).

وليت الراوي محمد بن جبير بن مطعم والوفد القرشي الذي خطبهم معاوية وروى لهم سماعه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) ، ليتهم سألوه ألم يسمع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبّه يوم القيامة على وجهه في النار ) ، وسيأتي هذا الحديث وملابساته ، برواية ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، فإنّه كان الوحيد الشديد في محاوراته مع عمر وعثمان ومعاوية وأشياع الضلالة من زمر المنافقين ، فهو بحق كان يمثل دور المعارضة الغاضبة التي ترى أنّها صاحبة الحق المغتصب. وقد مرتّ محاوراته مع من ذكرت من رموز قريش نسباً.

أمّا الآن فسنقرأ محاوارته مع أذناب لقريش ، فهم منهم سبباً ، لنعرف أنّه الشخصية الفذة التي تفانت في ولائها للإمام عليه‌السلام معلناً أمام المنافقين بنصرته وولائه ، مظهراً للحقائق التي غيبها السلطان الجائر بإعلامه الكاذب.

____________

١ ـ شرح النهج ١١ / ٤٤.


وقد عانى من معاوية كثيراً ، لأنّ معاوية كان وريث الحقد القرشي والكفر الأموي ، وقد تحكم في مقادير الأمور ومصائر الناس ، ولديه من أسباب الترغيب والترهيب ما يعجز القلم عن وصفه ، ولولا أساليبه في الخداع لما إستدام حكمه أربعين سنة ، ولولا مواقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه معه لضاعت جملة الحقائق التي وصلت إلينا بعض أخبارها.

فلقد مرّ بنا في أولى محاوراته قول معاوية له : ( إنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر عليّ بن أبي طالب فكفّ لسانك يا بن عباس وأربع على نفسك ... ) ، فكان جواب ابن عباس بمنتهى القوة والحجة حين قال : ( إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان؟ أو أسأل عنه آل أبي معيط؟ أو اليهود والنصارى والمجوس؟ ) ، وفي ختام ذلك الحوار قال ابن عباس : ( قال الله في القرآن : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(١) ). فتلك المحاورة جديرة بالقراءة مراراً للحفظ والإستظهار.

كما إنّ استشهاد ابن عباس بالآية المذكورة يثير علامة إستفهام! هل أنّ ابن عباس كان هادفاً إلى أظهار كفر معاوية؟ ولم لا يكون كذلك بعد أن أطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، وبدت جاهلية الأمويين تطلّ بوجهها القبيح من خلال سلوك معاوية أقوالاً وأفعالاً.

____________

١ ـ التوبة / ٣٢.


والآن فلنقرأ نماذج من محاوراته مع الذين استمرؤا بدعة السبّ للإمام وأهل بيته عليهم‌السلام ممن سخرّهم النظام الحاكم الفاسد في الشام لإشاعة إعلامه الكاذب ، أن لا فضل لعليّ ولا لأهل بيته عليهم‌السلام :

١ ـ مع رجل من أهل الشام.

أخرج الحاكم النيسابوري في ( المستدرك على الصحيحين ) ، وكذلك الذهبي تابعه في ( التلخيص ) ، ورواه السيوطي في ( الدر المنثور ) عن الحاكم ، قال الحاكم :

( أخبرني محمد بن أحمد بن تميم القنطري ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الله بن المؤمل ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مليكة ، عن أبيه ، قال : جاء رجل من أهل الشام فسبّ عليّاً عند ابن عباس ، فحصبه ابن عباس ، وقال : يا عدو الله آذيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً )(١) ، لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً لآذيته ).

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه (٢). وقال الذهبي : صحيح (٣).

٢ ـ مع السائل عن آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أخرج ابن شاذان في ( إيضاح دفائن النواصب ) ، قال :

____________

١ ـ الاحزاب / ٥٧.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣١ برقم٤٦١٨.

٣ ـ الدر المنثور ٥ / ٢٢٠.


( قام إلى ابن عباس رجل ، فقال : يا بن عباس أخبرني عن آل محمّد؟

فقال ابن عباس : آل محمّد صلوات الله عليهم ، المعلمون التقى ، والباذلون الجدوى ، والتاركون الهوى ، الناكبون عن الردى ، لا خُشعُ ملظ ، ولا طمغ جُحظ ، ولا غلظُ فظظ ، أحلاس الخيل ، وأنجم الليل ، وبحر النيل ، خِفاف الميل ، هامات هامات ، وسادات سادات ، وغيوث جدبات ، وليوث غابات ، المقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، المفيدون الحسنات ، والمميتون السيئات ) (١).

وما كان ابن عباس مغالياً في وصفه ، بل كان مغالباً لزمرة الشانئين لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأين هذا ممّا رواه هو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : ( إنّ الله جمع لنا أهل البيت عشر خصال لم يجمعها لأحد قبلنا ، ولا تكون في غيرنا ، فينا الحكم ، والحلم ، والعلم ، والنبوة ، والسماحة ، والشجاعة ، والصدق ، والفضل ،

____________

١ ـ إيضاح دفائن النواصب / ٤٤ ط النجف.

تفسير غريب الألفاظ في الخبر أخذاًً من ( القاموس ) :

الجدوى : العطية.

خُشّع مُلَظ : لا يخضعون لكل أحد ، وملُظ من اللظ : الرجل العسر المتشدد.

طُمُغ جحظ : أطُمغ من طمِغت عينه كثر غمصها ، والجحظ : من جحطت عينه ، خرجت مقلتها.

غُلظ فظظ : الغُلظ من الغلظة ضد الرقة ، وفُظُظ : جمع فظ الغليظ الجانب السيء الخلق القاسي الخشن الكلام.

أحلاس الخيل : جمع حَلسّ ككَتف : الشجاع ، يعني شُجعان الخيل فوارس.

غيوث جّدبات : غيوث جمع غيث ، والغيث المطر ، وجدبات جمع جدبات جمع جدبة وأرض جدبةُ أصابها المحل يعني هم كالمطر متى يَصيب محل الأرض فأحياها وأخصبت.

ليوث غابات : ليوث جمع ليث وهو الأسد ، وغابات جمع غابة وهي عرين الأسد.


والطهور ، والعفاف. ونحن كلمة التقوى ، وسبيل الهدى ، والمثل الأعلى ، والحجة العظمى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، ونحن الذين أمر الله تعالى بالمودة لنا ، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال فأنّى تؤفكون ) (١)؟!

٣ ـ الحمصي سفير أهل الشام إلى ابن عباس.

ومن كلام ابن عباس الجاري مجرى الإحتجاج ، ما دار بينه وبين الحمصي سفير أهل الشام ورائدهم إليه (٢) ، وإلى القاريء حديثه في ذلك :

( كان عبد الله بن عباس بمكة يحدّث الناس على شفير زمزم ونحن عنده ، فلمّا قضى حديثه قام إليه رجل من الملأ ، فقال : يا بن عباس إنّي أمرؤ من أهل الشام.

فقال : أعوان كلّ ظالم إلاّ من عصمهم الله منهم ، فسل عما بدا لك.

قال : يابن عباس إنّي رجل من أهل حمص ، إنّهم يتبرأون من عليّ بن أبي طالب ويلعنونه.

فقال ابن عباس : بل ، لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً. ألبُعد قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أو أنّه لم يكن أوّل ذُكران العالمين إيماناً بالله ورسولهُ ، وأوّل من صلى وركع ، وعمل بأعمال البر؟

____________

١ ـ الخصال / باب العشرة ، للشيخ الصدوق قدس‌سره ، غرر الأخبار للديلمي / ٣٣٥ ط قم.

٢ ـ ورد ذكر هذا الخبر في كتاب ( الهمّة في آداب أتّباع الأئمة / ٧٥ ) للقاضي نعمان ، تح الدكتور محمد كامل حسين ط دار الفكر العربي ، وفي سلسلة مخطوطات الفاطميين / ٣ ، وفي كتاب المحاسن والمساويء للبيهقي الشافعي ط النعساني ١٣٢٥ هـ ، وغيرهما من المصادر.


فقال الشامي : إنّهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته ، غير أنّهم يزعمون أنّه قتل الناس. وإنّما جئتك لأسألك عن عليّ وقتاله أهل لا إله إلاّ الله ، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحج ولا بصيام رمضان.

فقال ابن عباس : ثكلتك أمّك ، سلّ عما يعنيك ولا تسأل عمّا لا يعنيك.

فقال يا ابن عباس : ما جئت أضرب إليك من حمص لحج ولا لعمرة ، ولكن جئتك لأسألك لتشرح لي من أمر عليّ وقتاله أهل لا إله إلاّ الله؟

فقال ابن عباس : ثكلتكم أمهاتكم ، إنّ عليّاً أعرف بالله عزوجل وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبحكمهما منكم ، فلم يقتل إلاّ مَن استحق.

قال : يا ابن عباس إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ، ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي ، فإنّ القوم هالكون في أمره ، ففرّج عنهم فرّج الله عنك.

فقال ابن عباس : ويحك إنّ علم العالِم صعب ولا يحتمل ولا تقبله القلوب ، ولا تقرّ به قلوب أكثر الناس ، إلاّ قلب من عصمه الله ، يا أخا أهل الشام ، إنّما مثل عليّ في هذه الأمّة في فضله وعمله كمثل موسى والعالم ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ )(١) ، فظن موسى عليه‌السلام أنّه بلغ غاية العلم ، كما ظننتم أنّ علماءكم قد بلغوا ذلك أثبتوا لكم جميع الأشياء ، فأراه الله عزوجل عجزه بإمتحان العالم إياه وصحبته له ، فلمّا انتهى موسى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه فأقّر له

____________

١ ـ الأعراف / ١٤٥.


بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم عليّاً ، في عمله : ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً )(١) ، فعلم العالم أنّ موسى لا يطيق صحبته ، ولا يصبر على علمه ، فقال له العالم : ( قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً _ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً )(٢) ، قال موسى وهو يعتذر : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً )(٣) ، فعلم أنّ موسى لم يصبر على علمه ، فقال له : ( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً _ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا )(٤) ، فلمّا خرق العالم السفينة عن علم بذلك ، كان خرقه إياه برضى الله عزوجل ، ولأهلها صلاحاً ، وسخط موسى عليه‌السلام وجهله ، وكان عند موسى عليه‌السلام سخطاً وفساداً ، فلم يصبر عليه‌السلام وترك ما ضمن له ، فقال : ( أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً )(٥) ، ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً )(٦) ، ( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً )(٧) ، فكفّ عنه العالم : ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ )(٨) ، وقتل العالِم الغلام عن علم ، فكان قتله

____________

١ ـ الكهف / ٦٦.

٢ ـ الكهف / ٦٧ ـ ٦٨.

٣ ـ الكهف / ٦٩.

٤ ـ الكهف / ٧٠ ـ ٧١.

٥ ـ الكهف / ٧١.

٦ ـ الكهف / ٧٢.

٧ ـ الكهف / ٧٣.

٨ ـ الكهف / ٧٤.


لله عزوجل رضى ولأبويه صلاحاً ، وكان عند موسى ذنباً عظيماً ، وسخط موسى عليه‌السلام وجهله ، قال موسى ولم يصبر : ( قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً )(١) ، قال العالِم : ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً )(٢) ، ( قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً )(٣) ، ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً )(٤) ، ( قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )(٥) ، وكان العالم أعلم بما يأتي من موسى عليه‌السلام ، وكبر على موسى عليه‌السلام الحق وعظم ، إذ لم يكن يعرفه.

هذا وهو نبيّ مرسل من أولي العزَم ، ممن قد أخذ الله عزوجل ميثاقه على النبوة ، فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك؟

إنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لم يقتل إلاّ من كان يستحلّ قتله ، ولله رضى ، ولأهل الجهالة من الناس سخطاً. أجلس أخبرك الذي سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاينته :

أخبرك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج زينب بنت جحش فأولم ، وكان في وليمته الحيس ، فكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين ، فكانوا إذا أصابوا

____________

١ ـ الكهف / ٧٤.

٢ ـ الكهف / ٧٥.

٣ ـ الكهف / ٧٦.

٤ ـ الكهف / ٧٧.

٥ ـ الكهف / ٧٨.


طعام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أستأنسوا إلى حديثه ، وأشتهوا النظر إلى وجهه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشتهي أن يخففوا عنه فيخلوا له المنزل ، لأنّه كان حديث عهد بعرس ، وكان محبّاً لزينب ، وكان يكره أذى المؤمنين ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه قرآناً ، قوله عزوجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً )(١) ، فكانوا إذا أصابوا طعاماً لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال : فمكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أيام ولياليهن ، ثم تحوّل إلى أم سلمة بنت أبي أمية ، وكانت ليلتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصبيحة يومها ، فلمّا تعالى النهار وانتهى عليّ بن أبي طالب إلى الباب يريد الدخول على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقر نقراً خفيّاً ، فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقره ، فقال : ( يا أم سلمة قومي فافتحي الباب ) ، فقالت : يا رسول الله مَن هذا الذي يبلغ خطره أن أفتح له الباب ، وقد نزل فينا بالأمس حيث يقول : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ )(٢)؟ من هذا الذي بلغ من خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟

____________

١ ـ الأحزاب / ٥٣.

٢ ـ الأحزاب / ٥٣.


فقال لها نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهيئة المغضب : ( يا أم سلمة إنّ طاعتي طاعة الله عزوجل ، قال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )(١) ، قومي يا أم سلمة وافتحي له الباب ، فإنّ بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا النزق ، ولا بالعجل في أمره ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. يا أم سلمة إنّه إن تفتحي له الباب فليس بفاتحه حتى تتواري ، آخذ بعضادتي الباب فلا يدخل البيت حتى يخفى عليه الوطء إن شاء الله ).

فقامت أم سلمة وهي لا تدري من بالباب غير أنّها قد حفظت المدح ، فمشت نحو الباب وهي تقول : بخ بخ لرجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت ، وتمسك عليّ بعضادتي الباب ، فلم يزل قائماً حتى غاب عنه الوطء ، ودخلت أم سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل ، فسلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردّ عليه‌السلام ، وقال : ( يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟ ) قالت : نعم ، فهنيئاً له هذا عليّ ابن أبي طالب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( نعم ، صدقتِ هو عليّ ، سيط لحمه بلحمي ، ودمه بدمي ، وهو بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي.

يا أم سلمة إسمعي واشهدي : هذا عليّ سيد مبجّل مؤمل المسلمين وأمير المؤمنين ، وهو موضع سري وعيبة علمي ، وبابي الذي أوتى منه ، وهو الوصي على الأموات من أهل بيتي ، والخليفة على الأحياء من أمتي ، وهو أخي في الدنيا والآخرة ، وهو معي في السنام الأعلى.

اشهدي يا أم سلمة إنّ عليّاً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ).

____________

١ ـ النساء / ٨٠.


قال ابن عباس : وقتلهم لله رضى ، وللأمة صلاح ، ولأهل الضلالة سخط.

قال الشامي : يا بن عباس من الناكثون؟

قال : الذين بايعوا عليّاً بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة ، أصحاب الجمل ، والقاسطون معاوية وأصحابه ، والمارقون أهل النهروان ومن معهم.

قال الشامي : يا بن عباس ملأت صدري نوراً وحكمة ، وفرّجت عني فرّج الله عنك ، أشهد أنّ عليّاً رضي‌الله‌عنه مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ) (١).

٤ ـ مع الأعرابي حديث الإسلام.

أخرج العاصمي في ( زين الفتى ) بسنده عن الأصبغ بن نباتة ، قال :

( أسلم إعرابي على يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام فخلع عليه حلتين ، وخرج الإعرابي من عنده فرحاً مستبشراً وبحضرة الباب قوم من الخوارج ، فلمّا أن نظروا إلى الإعرابي وفرحه بإسلامه على يدي عليّ حسدوه على ذلك ، وقال بعضهم لبعض : أما ترون فرح هذا الأعرابي بإسلامه ، فقالوا : لنزلّه عن ولايته

____________

١ ـ فضائل ابن شادان / ١٠٦ ط حجرية ، اليقين لابن طاووس / ١٠٦ و ١٢٩ ط الحيدرية ( الأولى ) ، الدر النظيم في مناقب الأئمة الهاميم في فضائل علي عليه‌السلام ( مخطوط ) / ٢١٧ ـ ٣١٩ طبع قم. مصباح الأنوار محمد بن هاشم / باب ٣٦ ( مخطوط ). كتاب الهمة في أداب أتباع الأئمة للقاضي النعمان المصري / ٧٥ ط دار الفكر العربي ، مصر. شرح الأخبار في فضائل الأطهار للقاضي النعمان المصري٢ / ١٩٧ط مؤسسة النشر الإسلامي قم. بحار الأنوار ٥ / ٢٩٤ ط حجرية ، و ٨ / ٤٦٤ ط حجرية. المحاسن والمساوي ١ / ٣٠ ، للبيهقي ، مناقب الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ١ / ٤٢٥ ـ ٤٢٨ ، علل الشرائع ١ / ٥٤ وهو الحديث الثالث من الباب ٥٤ وغير ذلك.


عن إمامته ، فأقبلوا بأجمعهم عليه وقالوا له : يا أعرابي من أين أقبلت؟

قال : من عند أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قالوا : وما الذي صنعت عنده؟

قال : أسلمت على يديه.

قالوا : ما أصبت رجلاً تسلم على يديه إلاّ على يدي رجل كافر؟!

فلما سمع ذلك الإعرابي غضب غضباً شديداً ، وثار القوم في وجهه ، وقالوا : لا تغضب بيننا وبينك كتاب الله ، فقال : أتلوه ، فتلا بعضهم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً )(١).

فقال لهم الأعرابي : ويلكم فيمن هذه الآية؟

قالوا : في صاحبك الذي أسلمت على يديه.

فإزداد الأعرابي غضباً ، وضرب بيده إلى قائم سيفه وهمّ بالقوم ، ثم رجع إلى نفسه ، وكان عاقلاً ، فقال : والله لاعجلت على القوم وأسأل عن هذا الخبر ، فإنّ كان كما يقولون خلعت عليّاً ، وإن كان على خلاف ما يقولون جالدتهم بالسيف إلى أن تذهب نفسي.

قال : فأتى ابن عباس وهو قاعد في مسجد الكوفة ، فقال : السلام عليك يا ابن عباس.

قال له ابن عباس : وعليك السلام.

____________

١ ـ النساء / ١٣٧.


قال : ما تقول في أمير المؤمنين؟

قال : أيّ الأمراء تعني يا أعرابي؟

قال : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : وكان ابن عباس متكئاً فاستوى قاعداً ، ثم قال : لقد سألت يا أعرابي عن رجل عظيم يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ذاك والله صالح المؤمنين ، وخير الوصيين ، وقامع الملحدين ، وركن المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، ونور المهاجرين ، وزين المتعبدين ، ورئيس البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، وسراج الماضين ، وأوّل السابقين ، من آل ياسين ، المؤيد بجبرئيل الأمين ، والمنصور بميكائيل المتين ، والمحفوظ بجند السماء أجمعين ، والمحامي عن حرم المسلمين ، ومجاهد أعدائه الناصبين ، ومطفي نيران الموقدين ، وأصدق بلابل الناطقين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، عين رسول ربّ العالمين ، ووصي نبيّه في العالمين ، وأمينه على المخلوقين ، وقاصم المعتدين ، وجزار المارقين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكم العابدين ، وناصر دين الله في أرضه ، وولي أمر الله في خلقه ، وعيبة علمه ، وكهف كتبه ، سمح سخي ، سند حبّي ، بهلول بهيّ ، سنحنح جوهري ، زكي رضي ، مطهر أبطحي ، باسّل جري ، قرم همام ، صابر صوام ، مهذب مقدام ، قاطع الأصلاب ، عالي الرقاب ، مفرق الأحزاب ، المنتقم من الجهال ، المبارز للأبطال ، الكيّال في كلّ الأوصال ، أضبطهم عناناً ، وأثبتهم جناناً ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، وأسدّهم نقيبة ، أسدٌ بازل ، صاعقة برقة ، يطحنهم في الحروب إذا أزدلفت الأسنّة


وقرّبت الأعنّة ، طحن الرحى بثفالها ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، باسل بازل صنديد ، هزبر ضرغام ، عازم عزّام ، خطيب حصيف محجاج ، مقول ثجّاج ، كريم الأصل ، شريف الفضل ، نقيّ العشيرة ، فاضل القبيلة ، عبل الذراع ، طويل الباع ، ممدوح في جميع الآفاق ، أعلم من مضى وأكرم من مشى ، وأوجب من والى بعد النبيّ المصطفى ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مصادم الأبطال ، المنتقم من الجهال ، زكي الركانة ، منيع الصيانة ، صلب الأمانة ، من هاشم القمقام ، ابن عم نبيّ الأنام ، السيد الهمام ، الرسول الإمام ، مهدي الرشاد ، المجانب للفاسد ، الأشعث الحائم ( الكاظم ظ ) ، والبطل المحاجم ( المهاجم ظ ) ، والليث المزاحم ، بدريّ أُحديّ ، خيَفيّ مكيّ مدني ، شعشعاني روحاني نوراني ، له من الجبال شوامخها ، ومن الهضاب ذراها ، وفي الوغى ليثها ، ومن العرب سيدها ، الليث المقدام ، والبدر التمام ، والماجد الهمام ، مجل الحرمين ، ووارث المشعرين ، وأبو السبطين الحسن والحسين ، من أهل بيت أكرمهم الله بشرفه ، وشرّفهم بكرمه ، وأعزّهم بهداه ، وخصّهم لدينه ، استودعهم سره ، واستحفظهم علمه ، عمداء لدينه ، وشهداء على خلقه ، وأوتاد أرضه ، ونجباء ( ظ ) في علمه ، إختارهم وإصطفاهم وفضلهم وإجتباهم علماء لعباده ، وأدلاء على الصراط المستقيم ، فهم الأئمة الدعاة ، والسادة الولاة ، والقادة الحماة ، والخيرة الكرام ، والقضاة والحكام ، والنجوم والأعلام ، القدوة الهادية ، والقدرة العالية ، والأسرة الصافية ، الراغب عنهم مارق واللازم بهم لاحق ، هم الرحمة الموصولة والآية المخزونة ، والباب المبتلى به الناس ، من أتاهم نجا ومن نأى عنهم هوى ، حطة لمن


دخلهم ، وحجة على من تركهم ، هم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، تتصدع عنهم الأنهار المتشعبة ، وتنغلق عنهم الأقاويل الكاذبة ، يفوز من ركبها ويغرق من جانبها ، هم الحصن الحصين ، والنور المبين ، وهدى لقلوب المهتدين ، والبحار السابغة للشارين ، وأمان لمن تبعهم أجمعين ، إلى الله يدعون ، وبأمره يعملون ، وإلى آياته يرشدون ، فبهم يؤيد رسله ، وعليهم هبطت ملائكته ، وإليهم بعث الروح الأمين ، فضلاً من ربه ورحمة ، فضلهم بذلك ، وخصهم وضربهم مثلاً لخلقه ، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين من اليمن والبركة ، فروع الطيبة ، وأصول مباركة ، معدن الرحمة ، وورثة الأنبياء ، بقية النقباء ، وأوصياء الأوصياء ، فيهم الطيب ذكره المبارك اسمه أحمد الرّضي ، ورسوله الأمّي ، من الشجرة المباركة ، صحيح الأديم ، واضح البرهان ، والمبلّغ من بعده تبيان التأويل ومحكم التفسير ، عليّ بن أبي طالب عليه من الله الصلاة الرضية والزكاة السنية ، لا يحبّه إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي.

قال : فلمّا سمع الأعرابي ذلك ضرب يده إلى قائم سيفه وقام مبادراً ، فضرب ابن عباس يده إليه ، وقال : إلى أين يا أعرابي؟

قال : أجالد القوم أو تذهب نفسي.

قال ابن عباس : أقعد يا أعرابي فإنّ لعليّ محبين لو قطعتهم إرباً أرباً ما أزدادوا له إلاّ حبّاً ، وإنّ لعليّ مبغضين لو ألعقتهم العسل ما أزدادوا إلاّ بغضاً.

قال : فقعد الأعرابي وخلع عليه ابن عباس حلتين حمراويين ) (١).

____________

١ ـ زين الفتى ، ونقله المحمودي في نهج السعادة / ٣٨١ ـ ٣٨٣ من الوصايا ط النعمان ١٣٨٥.


٥ ـ حديثه مع تسعة رهط يفسدون في الأرض.

هذا حديث صحيح السند ، وعظيم المتن ، لإشتماله على عشر فضائل للإمام أمير المؤمين عليه‌السلام خاصة به ، لا يشاركه فيها أحد من غير أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ومن تلك الفضائل حديث الولاية الذي فيه الدلالة الواضحة والقاطعة على أنّه الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ ابن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ، ذكر تلك الخصائص وهو في مقام إلزام الخصم بما هو معلوم لديه ولديهم ، وثابت عنده وعند المسلمين ، ولو لم يكن كذلك لردّ عليه بعض السامعين قوله وإستدلاله ، لكنهم أخبتوا بصحته ، وخضعوا لدلالته ، ولمّا كانت الخصائص العشر التي ذكرها ابن عباس لها دلالاتها على مطلوبه ، وعدم ردّ أحد عليه في ذلك ، فهي تستحق الإهتمام بها ، وإشباع البحث عنها بمفرداتها ، وذكر ما ورد منها من غير رواية ابن عباس لها من رواية سائر الصحابة ، لهذا سأذكر حديث ابن عباس رحمة الله سياقة واحدة بمصادره التي نيّفت على العشرين ، ثم أعود إلى تفريد كلّ منقبة منقبة مقارنة بما رواه غير ابن عباس من الصحابة في جزء خاص فيما جاء عن ابن عباس في ذكر أهل البيت عليهم‌السلام يأتي في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

والآن فإلى الحديث كاملاً برواية الحافظ النسائي المتوفى سنة ( ٣٠٣ هـ ) في ( الخصائص ) ، وفي ( السنن الكبرى ) ، ذكر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ الله جلّ ثناؤه لا يخزيه أبداً ) :


( أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا الوضّاح وهو أبو عوانة ، قال : حدثنا أبو بلج ( يحيى ) بن أبي سليم ، قال : حدثنا عمرو بن ميمون ، قال : إنّي لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط.

فقالوا : يا ابن عباس ، إمّا أن تقوم معنا ، وإمّا أن تخلونا هؤلاء؟

فقال ابن عباس : بل أقوم معكم ـ قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ـ.

قال : فانتدوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا.

قال : فجاء ابن عباس وهو ينفض ثوبه ، ويقول : أفّ وتفّ ، وقعوا في رجل له عشر خصال ، وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لأبعثنّ رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، لا يخزيه الله أبداً ) ، قال : فاستشرف لها من استشرف ، فقال : ( أين ابن أبي طالب )؟ قيل : هو في الرحا يطحن ، قال : ( وما كان أحدكم ليطحن )؟ قال : فدعاه وهو أرمد لا يكاد يبصر ، فنفث في عينيه ، ثم هزّ الراية ثلاثاً فدفعها إليه ، فجاء بصفية بنت حُيّي.

وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث عليّاً خلفه فأخذها منه ، فقال : قال النبيّ : ( لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه ).

وقال : وقال لبني عمّه : ( أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة ) ـ قال : وعليّ معه جالس ـ فقال عليّ : أنا أواليك في الدنيا والآخرة.

قال : وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال : وأخذ رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ


أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(١).

قال : وشرى عليّ نفسه ، لبس ثوب النبيّ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ثم نام مكانه.

قال : وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ، فجاء أبو بكر وعليّ نائم ـ قال ـ وأبو بكر يحسبه أنّه نبيّ الله ـ قال : فقال له عليّ : إنّ نبيّ الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون ، فأدركه ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، قال : وجعل عليّ يُرمى بالحجارة كما كان يُرمى نبيّ الله وهو يتضوّر قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن رأسه ، فقالوا : إنّك للئيم ، كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر ، وأنت تتضوّر ، وقد استنكرنا ذلك ( منك ).

قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك ـ قال ـ فقال له عليّ : أخرج معك؟ فقال له نبيّ الله : ( لا ) ، فبكى عليّ ، فقال له ( النبيّ ) : ( أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي ).

قال : وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ).

قال : وسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ ، قال : فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

قال : وقال : ( من كنت وليّه فعليّ وليّه ).

____________

١ ـ الأحزاب / ٣٣.


قال : وأخبرنا الله عزوجل في القرآن أنّه قد رضي عنهم ـ يعني ـ عن أصحاب الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فهل حدثنا أنّه سخط عليهم بعدُ؟

قال : وقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر حيث قال : أئذن لي فلأضربن عنقه ـ قال : ( أوكنت فاعلاً؟ وما يدريك لعلّ الله قد أطلّع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) (١).

تعقيب على الحديث

١ ـ لقد ورد في بعض مصادر الحديث ، أنّه قال : ( وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليس لأحد غيره ). كما في رواية الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) وصححه (٢) ، كما أنّ الذهبي أقره في تلخيصه على روايته وتصحيحه ، وكذلك الخوارزمي في ( المناقب ).

٢ ـ لقد ورد الحديث في كثير من المصادر الآّتي ذكرها ، ولدى المقارنة نجد التفاوت في سياق الفضائل وترتيبها ، فبعض يقدّم فضيلة نجدها عند آخر مؤخرة ، وهذا لا يضر بصحة الحديث ، وإنّما هو من جهة حفظ الرواة وتفاوتهم في ذلك زماناً ومكاناً وحفظاً وضبطاً.

٣ ـ مصادر الحديث في التراث السني في الكتب التالية التي ذكرت الحديث بتمامه :

____________

١ ـ الخصائص / ٦٩ تح المحمودي ، السنن الكبرى ٥ / ١١٢.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣.


(١) كتاب مسند أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) ، بتحقيق شاكر ٥ / ٢٥ ، برقم ٣٠٦٢ و ٣٠٦٣ ، بسند آخر ط مصر.

(٢) كتاب فضائل الصحابة له أيضاً ( مناقب الإمام عليه‌السلام ) ٢ / ٦٨٢ برقم١١٦٨ ، بتحقيق وصي الله بن محمد عباس ط جامعة أم القرى بمكة المكرمة ١٤٠٣ هـ.

(٣) كتاب ( أنساب الأشراف ) للبلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) ٢ / ١٠٦ ، بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي ط مؤسسة الأعلمي بيروت ١٣٩٤ هـ.

(٤) كتاب السنة لابن أبي عاصم ( ت ٢٨٧ هـ ) ، أورد الحديث في ( باب ذكر ما ذكر في فضائل علي رضي‌الله‌عنه ) ص٥٦٢ برقم١٣٥١.

(٥) كتاب السنن الكبرى للحافظ النسائي ( ت ٣٠٣ هـ ) ، أورد بعض الحديث في ذكر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ : ( إنّ الله جلّ ثناؤه لا يخزيه أبداً ).

(٦) كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي أيضاً ، أورد الحديث في ذكر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ ( إنّ الله جلّ ثناؤه لا يخزيه أبداً ) ، والكتاب مطبوع كثيراً محققاً وغير محقق ، منذ سنة ١٣٠٣ هـ وحتى سنة ١٤٢٦ هـ فله أكثر من عشر طبعات على ما رأيت.

(٧) كتاب ( المستدرك على الصحيحين ) للحاكم النيسابوري ( ت ٣٤٩ ) ذكره بإسناده ، ثم قال : ( وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه بهذه ) ، ثم قال : ( وقد حدثنا السيد الأجل أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي رضي‌الله‌عنه ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أميرويه القزويني القطان ، قال : سمعت أبا


حاتم الرازي يقول : كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه ).

(٨) كتاب ( المعجم الكبير ) للحافظ الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) في ١٢ / ٧٧ ـ ٧٨ ، بتحقيق حمدي السلفي ط الموصل ، وقد أخرج الطبراني بعض مفردات المناقب المذكورة في ( المعجم الأوسط ) ٣ / ٣٨٨ / ٢٨٣٦ ، كما أعاد حديث سد الأبواب في الكبير بسند آخر ، سنأتي على ذكره في محله من الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

(٩) كتاب ( مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ) للحافظ الموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي ( ت ٥٦٨ هـ ) في ٧٤ ـ ٧٥ ط حجرية١٣١٣ هـ.

(١٠) كتاب ( تاريخ دمشق ) ترجمة الإمام عليه‌السلام ، لابن عساكر الشافعي ( ت ٥٧١ ـ ٥٦٨ ) بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي١ / ١٨٢ ، بالأرقام التالية : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ـ ٢٥١ ط دار التعارف للمطبوعات ، بيروت.

(١١) كتاب ( الأربعين الطوال ) لابن عساكر أيضاً ، وقد رواه عنه الكنجي في الباب ٦٢ من كفاية الطالب.

(١٢) كتاب ( تذكرة خواص الأمة ) ، لسبط ابن الجوزي ( ت ٦٥٤ هـ ) ، ذكر بعض الحديث ممّا يتعلق بليلة الهجرة ٢١ط حجرية.

(١٣) كتاب ( كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) للحافظ الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٩ ) ٢٤٠ ـ ٢٤٤ ط الحيدرية.

(١٤) كتاب ( ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ) للحافظ محب


الدين الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) ٨٦ ط مكتبة القدسي بمصر ١٣٥٦ هـ.

(١٥) كتاب ( الرياض النضرة في مناقب العشرة ) للحافظ المحب الطبري الآنف الذكر في الفصل السادس في خصائصه عليه‌السلام.

(١٦) كتاب ( فرائد السمطين ) للحافظ الحموئي الجويني ( ت ٧٣٠ هـ ) ١ / ٣٢٧ ـ ٣٢٩ ، بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي.

(١٧) كتاب ( تلخيص المستدرك على الصحيحين ) للحافظ الذهبي ( ت ٧٣٠ هـ ) المطبوع بهامش المستدرك ، وقد أقر الذهبي تصحيح الحاكم للحديث راجع هامش المستدرك ١٣٢ ـ ١٣٤.

(١٨) كتاب ( البداية والنهاية ) لابن كثير الشامي ( ت ٧٧٤ ) ٧ / ٣٧٧ط السعادة بمصر.

(١٩) كتاب ( مجمع الزوائد ) للحافظ الهيثمي ( ت ٨٠٧ ) ٩ / ١١٩ ـ ١٢٠ط القدسي بمصر ١٣٥٣ هـ.

(٢٠) كتاب ( مجمع البحرين في زوائد المعجمين ) للحافظ الهيثمي الآنف الذكر ٣ / ٣٨٦ برقم ٣٧١٦ ط دار الكتب العلمية بيروت ، وثمة نقص بعض فقرات الحديث لم يتنبه له المحقق للكتاب ، وقد نبهت على ذلك في ( الخصائص العشرة ) ، كما ستأتي في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

(٢١) كتاب ( جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) للحافظ أبي البركات الباعوني الشافعي ( ت ٨٧١ ) ١ / ٢١٠ ، بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي.


( توثيق رجال سند الحديث من النسائي إلى ابن عباس ) :

١ ـ النسائي ، هو الحافظ أحمد بن شعيب ، الإمام في الحديث بلا مدافعة ، كان إماماً حافظاً ثبتاً ، أثنى عليه الأعلام في تفرده بالمعرفة والإتقان وعلو الإسناد ، وسماه الذهبي الحافظ : الإمام شيخ الإسلام.

وكتابه ( الخصائص ) اعتمده أئمة الحديث ، فقال عنه ابن حجر في ( فتح الباري ) في فضائل الإمام : ( وأوعب ـ أي استوفى ـ جميع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص ) (١).

وقال أيضاً في ( الإصابة ) في ترجمة الإمام : ( وتتبع النسائي ما خصّص به عليّ من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرها جياد ) (٢).

وقال عنه المباركفوري في ( مقدمة تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي ) : ( وللنسائي رسالة طويلة الذيل في مناقبه كرّم الله وجهه ، وعليها نال الشهادة في دمشق من أيدي نواصب الشام لفرط تعصّبهم وعداوتهم معه ) (٣).

٢ ـ محمد بن المثنى ، أبو موسى البصري المتوفى ( ٢٥٢ هـ ) ، وهو من رجال الصحاح الست كما علّم عليه ابن حجر في أوّل ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) (٤).

____________

١ ـ فتح الباري ٧ / ٦١.

٢ ـ الإصابة ٤ / ٤٦٤.

٣ ـ مقدمة فتح الباري ١ / ٦٥.

٤ ـ تهذيب التهذيب ٩ / ٤٢٥.


٣ ـ يحيى بن حمّاد بن أبي زياد الشيباني ، مولاهم البصري المتوفى ( ٢١٥ هـ ) ، ختن أبي عوانة الوضّاح من رجال الصحاح الست كما في ترجمته ( تهذيب التهذيب ) (١).

٤ ـ وضاح : هو الوضاح بن عبد الله اليشكري المكنى بأبي عوانة الواسطي المتوفي سنة ١٧٥ ـ ١٧٦ ، وهو من رجال الصحاح الستة كما في ترجمته (٢).

٥ ـ أبو بلج ، اسمه يحيى بن سليم بن بلج ، ويقال ابن أبي سليم ، من رجال الأربعة من الصحاح ـ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ كما في ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) (٣) ، وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي والدارقطني ، وغيرهم. وفي التهذيب : أنّ البخاري قال : ( فيه نظر ) ، قال شاكر : وما أدري أين قال هذا ، فانّه ترجمه في ( الكبير ٤ / ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولم يترجمه في الصغير ، ولا ذكره هو ولا النسائي في الضعفاء ، وقد روى عنه شعبة وهو لا يروي إلاّ عن ثقة.

٦ ـ عمرو بن ميمون الأودي الكوفي ، من كبار التابعين من الكوفيين ، روي أنّه أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان مسلماً في حياته وعلى عهده عليه‌السلام ، وقالوا حج سبعين حجة ، مات سنة ٧٤ هـ ، وثقه ابن معين والنسائي وابن حجر وابن حبان وغيرهم ، أخرج له الثلالثة من أصحاب الصحاح.

____________

١ ـ نفس المصدر ١١ / ١٨.

٢ ـ تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٧

٣ ـ نفس المصدر ١٢ / ٤٧.


٧ ـ عبد الله بن عباس حبر الأمّة وترجمان القرآن ، فمن الغباء تعريف الشمس بالضياء.

ماذا عن موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع قريش الشام في صُفّة زمزم؟

إنّ موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع نواصب قريش الشام فيه من عمق الدلالة وقوّة الحجة ما يحمل الباحث الواعي على تدبّره بعناية بالغة ، فهو كما يدّل على موقع ابن عباس يومئذ في حماية مبادئ الإسلام ، يدلّ أيضاً على موقفه الرافض المعارض من السلطان الجائر ، الذي استحوذ على الحكم مراغماً للمسلمين ، ومستهتراً في إعلانه بسبّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وممّا يستلفت النظر في حيثياته ما نجده زماناً ومكاناً ومحاورة ورموزاً ومصادراً وما إلى ذلك ، حتى فيما لحقه بعدُ من تعتيم ، كلّ ذلك فيه من الدلالة على شدّة الضغط والمعاناة التي عاشها ابن عباس رضي‌الله‌عنه كبقية أهل البيت عليهم‌السلام من النظام الحاكم بأتباعه وأشياعه ، من خلال تلك السياسة الرعناء الحاقدة ، الداعية إلى عودة الجاهلية الجهلاء إلى أقدس ديار الدين ، ومهبط الوحي المبين ، ومثابة المسلمين.

لهذا سنقف عند هذا الموقف وقفة تحقيق في قراءة النص ودلالاته ، وأسبابه لمعرفة سلبياته وإيجابياته ، ومدى تأثير نتائج تلك المحاورة على الوجدان الإسلامي الواعي غير الضال ولا المضل على إختلاف المذاهب والمشارب ، وفي مختلف أدوار تاريخه ، من خلال معرفة أصحاب المصادر ورواتهم.


ومن هذا العرض الشامل سندرك أيضاً عمق الدلالة وقوّة الحجة في موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع قريش الشام النواصب كما قلت آنفاً ، وابن عباس هو ذو النفس الكبيرة ، والمقام الإجتماعي المرموق ، وما أوتي من علم وفهم وسعة إدراك ووعي لخطر السياسة الحاكمة ، لم يكن بوسعه أن يأتي بغير ما أتى ، ولا يسعه السكوت على ما تقترفه زبانية معاوية من أساليب الإغراء والترهيب والتحدي لطمس معالم الحق والحقيقة.

ومن منطلق شعوره بالمسؤولية الشرعية ، فلابد له من الوقوف بشجاعة الإيمان وليقال عنها إنّها حميةٌ النسب لابن عمه ، فلا غضاضة ، فهو ابن عم محمّد ، كما هو ابن عمه وهو إمامه ومعلّمه ، وكان له تلميذاً باراً ، وواليا أميناً ، ومستشاراً ناصحاً ، فمن الوفاء أن يقف كذلك بل هو الواجب عليه ، وإلاّ يفعل فهو العقوق ، وهذا على حدّ الكفر بقيم الإسلام التي كاد التيار الأموي الزاحف إلى المسجد الحرام أن يعلنها كلمة الكفر التي قالها من قبل أبو سفيان في مجلس عثمان .. ( فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنّة ولا نار ).

والآن وقبل عرض الموقف بتفاصيله ، لنبحث عن سرّ مجيئ الزمرة الباغية إلى المسجد الحرام والجلوس في صُفّة زمزم وإعلانهم السبّ حتى سمعه ابن عباس رضي‌الله‌عنه؟ وهذا مرتبط بإستذكار بعض ما مرّ من أسباب بُغض قريش للإمام عليه‌السلام.

أمّا لماذا كانت قريش النواصب تبغض الإمام عليه‌السلام وتعلن سبّه على المنابر؟ فهو ناشئ عن الحقد الموروث عندهم على بني هاشم جميعاً ، لأنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، وقد مرّت كلمات بعضهم في هذا.


ويبقى حديث العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه حين جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاكياً قريش ، خير شاهد ، فقد رواه أحمد في مسنده ، وابن ماجة في سننه ، والحاكم في ( المستدرك ) ، وعنهما السيوطي في ( الخصائص الكبرى ) ، واللفظ للأوّل :

( عن العباس بن عبد المطلب ، قال : قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها.

قال : فغضب رسول الله غضباً شديداً ، وقال : ( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّكم لله ولرسوله ) (١).

فهذا عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش تبغض أهل البيت عليهم‌السلام ، ومنهم علي عليه‌السلام لأنّه من بني هاشم نسباً وحسباً ، وزاد الطين بلّة والقلوب علّة ، وجعله مستهدفاً أكثر من غيره تبغضه البطون القرشية الحاقدة التي قد منيت بالهزيمة في حروبها مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان عليّ عليه‌السلام بطلها المغوار وبسيفه ذي الفقار ، أورد أوّلهم النار ، وألزم آخرهم العار ، كما قال الإمام زين العابدين عليه‌السلام حيث سأله طاووس اليماني : ما بال قريش لا تحبّ علياً عليه‌السلام ...! (٢).

وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى بعض مواقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع بعض رموز قريش النواصب ، فكان له الفضل والدالة عليهم ، كما في شفاعته لفتيان من قريش عند الإمام عليه‌السلام وذلك بعد حرب الجمل ، وفي ذلك الحين تشفّع أيضاً لمروان ، فعفا الإمام عليه‌السلام عنهم جميعاً ووبّخهم على خروجهم

____________

١ ـ أخرجه احمد في المسند ٣ / ٢٠٦ تحقيق شاكر وقال : اسناده صحيح.

٢ ـ أنظر تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الإمام أمير المؤمينن عليه‌السلام ) ٢ / ٢٩٩ ، بتحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي.


لحربه ، ويبقى النُبل يفيض من الإمام عليه‌السلام وابن عمه على من أساء إليهما فاستكان واعترف ، حتى بعد أن ولي الحكم معاوية وابنه يزيد ، وفي أيام الحرّة حين دعا ابن الزبير لنفسه ، فأفل نجم الأمويين ، فطُردوا من الحرمين الشريفين ، ونالهم من الأذى ما أذلّهم فلجأوا إلى أهل البيت عليهم‌السلام يستودعونهم عيالاتهم ، ويهربون بأنفسهم ، كما فعل ذلك مروان حين أودع عياله عند الإمام عليّ بن الحسين عليه‌السلام في وقعة الحرّة بالمدينة ، وفي مكة المكرمة فقد استعطف من بقي منهم ابن عباس رضي‌الله‌عنه فرقّ لهم ، وتعطفته المنافية عليهم حتى بكى لمّا سمع من بعضهم بيت شعر يندب فيه حظهم التعيس ، وقد مرّ هذا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى ، ولكن بني أمية لم تتبدّل سجيتهم الخبيثة.

كما أنّ بني هاشم كانوا كما قال شاعرهم (١) :

من طينة بيضاء قدسيةٍ

صلصلها الله وصفاها

وقال في بني أميّة :

والطينة السوداء من خبثها

هيهات تبيّض سجاياها

وما عقدهم مجلس السبّ في صُفّة زمزم وذلك في أواخر أيام ابن عباس رضي‌الله‌عنه بعد ما كفّ بصره ، إلاّ استمرارً لسنّة معاوية في تدني القحّة إلى أسفل سافلين ، فهم بتحديهم الصارخ لمشاعر المسلمين بسبّ أمير

____________

١ ـ السيد حيدر بن سليمان الحلي المتوفى ١٣٠٤ والقصيدة في ديوانه.


المؤمنين عليه‌السلام وإقتحامهم عرين الأسد عند قبّة الشراب في زمزم ، وإسماعه ما لا يرضى من القول ، أثاروا ثائرته ، فعاد إليهم منقضّاً عليهم بصولة العُقاب على بغاث الطير ، فتركهم واجمين خاضعين ، خزايا أذلة صاغرين ، كما ورد في الشعر في نهاية المحاورة ، كما سيأتي.

( سؤال بعد سؤال؟ )

ونتيجة إهتمام الباحث بهذا الخبر ، فقد يطفوا على الذهن لدى القارئ سؤال يستتبع مثله حول المكان والزمان وبعض حيثيات الحدث ، وهي على النحو التالي :

١ ـ ما هو الصحيح في اسم المكان؟ هل هو الصُفّة بالصاد المهملة ، أو الضَفّة بالضاد المعجمة؟

٢ ـ أين يكون موقعها من بئر زمزم؟

٣ ـ لماذا اختار النفر ـ من قريش الشام النواصب ـ الإجتماع هناك يسبّون الإمام عليه‌السلام؟

٤ ـ متى كان زمان الحَدَث؟

٥ ـ لماذا كانت ثورة ابن عباس رضي‌الله‌عنه عارمة على أولئك النفر ، وهو كان يسمع السبّ قبلاً على المنابر من الولاة غيرهم؟

٦ ـ ماذا كانت النتائج المثمرة لذلك الموقف؟

هذه نقاط الأسئلة التي قد تعرض للقارئ ، وربما يجهل الجواب عليها ، وإن كان الجواب لا يحتاج إلى مزيد عناء في التفكير ، بل يحتاج إلى شيء


من التنوير لغير الواعي البصير ، فإلى إيضاح ذلك :

ج س١ : أمّا عن الصحيح في اسم المكان ـ الصُفّة ـ بالصاد المهملة ـ أو الضفة ـ بالضاد المعجمة ـ فحسبنا ما ذكره البخاري وعنه ابن حجر في ( فتح الباري ) في باب صلاة الكسوف جماعة : ( وصلى ابن عباس لهم في صُفة زمزم ... سمعت طاووساً يقول : كسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفّة زمزم ... عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، قال : رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ... ( قوله في صفة زمزم ) كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشدد الفاء وهي معروفة.

وقال الأزهري : الصُفة موضوع بهو مظلّل ، وفي نسخة الصغاني : بضاد معجمة مفتوحة ومكسورة ، وهي جانب النهر ولا معنى لها هنا إلا بطريق التجوّز ... ) (١).

أقول : لقد تبيّن أنّ الصحيح الاسم بضم الصاد المهملة.

ج س٢ : أمّا عن موقعها ، فإنّها كانت مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه الذي يجلس فيه ، ويفتي الناس ، وإذا دعت الحاجة صلى هناك ، كما مرّ في صلاة الكسوف ، وربما غيرها أيضاً ، ومتى عرفنا موقع المجلس من بئر زمزم ، عرفنا مكان الصُفّة ، لقد كان مجلس ابن عباس عند زمزم حيث قبّة الشراب عند صُفّة زمزم ، وقد جاء تحديد الموضع بدقة في كلام أبي الوليد الأزرقي من

____________

١ ـ فتح الباري ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ١٣٧٨ هـ.


القرن الثالث ـ في كتابه ( أخبار مكة ) ـ وهو أقدم كتاب ذكرته المعاجم في تاريخ مكة تصل نسخته إلينا ـ قال :

( وقال غير واحد من أهل العلم من أهل مكة : كان موضع مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه في زاوية زمزم التي تلي الصفا والوادي ، وهو على يسار من دخل زمزم ، وكان أوّل من عمل على مجلسه القبّة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، وعلى مكة يومئذ خالد بن عبد الله القسري عاملاً لسليمان بن عبد الملك ... ) (١).

وقال أيضاً : ( وفي ركنها ـ زمزم ـ الذي يلي الصفا على يسارك كنيسة على موضع مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه عمّرها عمر بن فرج ، فسقّف زمزم كلها بالساج المذهَّب ... ) (٢).

وتكرّرت الإشارة ثالثاً إلى مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه (٣).

وما دمنا عرفنا موضع مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه حسب تحديد الأزرقي ، فقد عرفنا مكان الصُفّة التي كانت قريش الشام جلست عندها تسبّ الإمام عليه‌السلام ، إذ هي التي كان ابن عباس يجلس عندها ويفتي الناس فيها.

ولعلّ أقدم نص نجد فيه التعبير صراحة في ذلك هو كتاب ( المعمرون والوصايا ) لأبي حاتم السجستاني ( ت ٢٥٠ هـ ) ـ فهو من معاصري الأزرقي

____________

١ ـ أخبار مكة ٢ / ٦٠ ط بتحقيق رشدي الصالح سنة ١٣٨٥ هـ.

٢ ـ نفس المصدر ٢ / ٦٢.

٣ ـ نفس المصدر ٢ / ١٠١.


الآنف الذكر ـ ، فقد جاء فيه : ( ... عن الشعبي ، قال : كنّا عند ابن عباس وهو في صُفّة زمزم يفتي الناس ، إذ قال أعرابي : أفتيت الناس فأفتنا ، فقال : هات؟ قال : أرأيت قول الشاعر المتلمّس :

لذي الحلم قبل اليوم ماتقرع العصا

وما علّم الإنسان إلا ليعلما

قال ابن عباس : ذاك عمرو بن حممة الدوسي ، قضى على العرب ثلثمائة سنة ، فكبر ، فألزموه السابع من ولده فكان معه ، فكان الشيخ إذا غفل كانت الأمارة بينه وبينه أن تقرع العصا حتى يعاوده عقله ، فذلك قول المتلمس اليشكري من بكر بن وائل : لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... ) (١).

ج س٣ : وممّا تقدم عرفنا لماذا كان أولئك النواصب من قريش الشام اتخذوا الصُفّة مجلساً لهم يسبّون الإمام عليه‌السلام فيه ، فإنّهم أتوا من الشام معلنين حرباً لا هوادة فيها على بني هاشم ، حرباً كلامية ظالمة ، وإعلامية غاشمة ، في أعزّ مكان لدى بني هاشم ، وأقدس بقعة عندهم ، يسمعونهم فيها سبّ سيدهم و ( سيد العرب كما في حديث عائشة ) (٢) ، و ( سيد المسلمين كما في حديث أنس ) (٣) ، و ( سيد الدنيا وسيد في الآخرة كما في حديث ابن

____________

١ ـ أخبار مكة ٢ / ١٠١ ، المعمرون والوصايا / ١٥٣ لابي حاتم السجستاني ط مصر.

٢ ـ في مجمع الزوائد ٩ / ١٣١ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنس : ( أنطلق فادع لي سيد العرب ـ يعني علياً فقالت عائشة : ألست سيد العرب؟ قال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ) ، وفي مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٤ رواه عن عائشة وقال : هذا حديث صحيح.

٣ ـ رواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٦٣.


عباس ) (١).

وفي إختيارهم المكان ، اجتياح لكرامة بني هاشم جهاراً نهاراً على ملأ من المسلمين ، ففي المسجد الحرام وفي قبال الكعبة وفي صُفّة زمزم ، فهذا لم يكن صدفة عفوياً ، بل هو تخطيط أصابع خبيثة لإيغال التحدي ومراغمة بني هاشم ، وتلك سيئة من بعض سيئات معاوية التي كانت يغيض بها بني هاشم ، فهو يشتم الكرام ، والشتم سلاح اللئام ، وفي التاريخ شواهد على ذلك كثيرة ، إنّها غطرسته التي كان إذ يرفع عقيرته أمام بني هاشم وبحضور الإمام الحسن عليه‌السلام فيقول مفتخراً كذباً وزوراً :

( أنا ابن بطحاء مكة ، أنا ابن أغزرها جوداً ، وأكرمها جدوداً ، أنا ابن من ساد قريش فضلاً ناشئاً وكهلاً ).

فقال الحسن عليه‌السلام : ( أعليَّ تفتخر يا معاوية؟ أنا ابن عرق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد الدنيا بالفضل السابق ، والجود الرائق ، والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني به؟ أو قديم كقديمي تساميني به؟ ).

قل : نعم أو لا؟

قال : بل أقول : لا وهي لك تصديق.

____________

١ ـ رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٧ ، وصححه ، والخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤١ بعدة أسانيد ، وابن عساكر في تاريخه ( ترجمة الإمام عليه‌السلام ) ٢ / ٢٣١ وأحمد في فضائل أهل البيت من كتاب فضائل الصحابة / ١٤٧.


فقال الحسن عليه‌السلام :

الحق أبلج ما يحيل سبيله

والحق يعرفه ذووا الألباب (١)

ولمّا كانت سقاية زمزم عرين مجد بني هاشم الذي يفاخرون به بطون قريش ، فقد أراد معاوية أن يستلبها منهم ، بأن يجعلها في دار الندوة ، فأرسل إليه ابن عباس رضي‌الله‌عنه : ( أن ليس ذلك لك ) ، فقال : صدق فسقي حينئذ بالمحصّب ثم رجع فسقي بمنى (٢).

وقد روى ابن الجوزي الحنبلي في ( المنتظم ) ، وابن أبي الحديد في ( شرح النهج ) نقلا عن الزبير ـ بن بكار / ظ ـ قال :

( وحدثني محمد بن حسن ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، قال : قال عبد الله بن عباس : والله لقد علمت قريش إنّ أوّل من أخذ الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم.

____________

١ ـ لقد ذكر في نقض معنى ما تقدم عن معاوية أن بعض الأمويين قال للرشيد :

يا أمين الله إني قائل

قول ذي فهم وعلم وأدب

عبد شمس كان يتلو هاشما

وهما بعد لأم ولأب

فاحفظ الأرحام فينا إنما

عبد شمس عم عبد المطلب

لكم الفضل علينا ولنا

بكم الفضل على كلّ العرب

القول الفصل / ٩٣ ـ ٩٤ ، لعلوي طاهر الحداد.

٢ ـ أخبار مكة للأزرقي ٢ / ٦٠.


والله ما شدت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر ، ولا أناخت بعيراً لحضر إلاّ بهاشم.

والله إنّ أوّل من سقى بمكة ماءً عذباً وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب ) (١).

فسقاية زمزم وراثة جدهم عبد المطلب شيبة الحمد وسيد البطحاء ، وقد أقرّ الإسلام لهم هذه الوراثة ، فكانت تعدّ من جملة مفاخرهم ، ولهم في هذا من كتاب الله شاهد شافع حيث يقول تعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر )(٢) (٣).

فهي معلم قائم ظاهر ، يشهد لبني هاشم بالفضل على قريش وغيرهم ، فإذا ما هاجهم الشرّ فيها فأنّى لهم الصبر على ضيم يراد بهم ، وهم الأعزون فخراً في الحرم ، فلا صبر على ذلّة.

وبهذا عرفنا لماذا كان السبّ في صُفة زمزم ، لأنّه بمثابة إعلان حرب على بني هاشم من خلال سبّ عميدهم وعمادهم ، ومدره (٤) حجتهم الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في أعزّ مكان لديهم وفي أقدس بقعة عندهم ، في المسجد الحرام وفي قبالة الكعبة ، حيث قبة زمزم.

ويبدو أنّ أصابع خبيثة قد خططت لذلك الموقف المهين المشين ، لغرض

____________

١ ـ المنتظم ٢ / ٢١٤ ، شرح النهج ٣ / ٤٥٨ط مصر الأولى ، لابن أبي الحديد.

٢ ـ راجع موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ١ / ١١٢ تجد الحديث عن شواهد أن شؤون السقاية مفصلاً.

٣ ـ التوبة / ١٩.

٤ ـ المِدره : زعيم القوم والمتكلم عنهم ( الصحاح : دره ).


التحدي والإثارة! وإلاّ لماذا يجلسون عند صُفة زمزم ، وهم يعلمون أنّ هناك مجلس ابن عباس؟! ثم لماذا يسبّون علانية ، فيرفعوا أصواتهم ليسمعوا ابن عباس سب ابن عمّه وإمامه؟! ما ذلك إلاّ لغرض إغاظته وإثارته.

وهذا ما حصل ، حيث تثور ثائرته ، فيعود إليهم ، مستجمعاً قواه الإيمانية ، مستفهماً إياهم عن طبيعة السبّ ، مفتتحاً محاوراته الكلامية باستفهام بعد استفهام ، منتهياً إلى خاتمة الخصام ، بأنّ كلّ من سبّ عليّاً عليه‌السلام فقد سبّ الله ورسوله ، ومن سبّهم فإلى جهنم وبئس المصير.

ج س٤ : وأمّا تعيين الزمان متى كان هذا الحدث؟

فإنّ من يقرأ الخبر تطالعه في بداياته فقرات ذات دلالة تاريخية لمن تفطّن لها نحو : ( بعد ما كفّ بصره ) ، أو ( بعد ما حجب بصره ) ، و ( وكان سعيد يقودة ) ، و ( فقال لقائده ... ) ، كما يقرأ في آخره : ( كيف رأيتهم ... ) ، فهذه الفقرات تدلّ على زمان وقوع المحاورات مع قريش الشام عند صُفة زمزم ، كان بعدما كفّ بصره.

وإذا رجعنا إلى قراءة تاريخ حياته ، نجد في ( الحلقة الأولى في عنوان ( وأبيضّت عيناه من الحزن ) (١) بحث تاريخ فقدانه بصره مع بيان أسبابه ، وما رجح عندي من كثرة بكائه على الإمام عليه‌السلام وعلى الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وما لم يرجح من إدخاله الماء في عينيه عند الوضوء.

ومهما كان السبب ، فهو في آخر حكم معاوية كان ضعيف البصر أو

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ٣٠٢.


كفيفه تقريباً.

كما جاء في ( المحاورة الثامنة عشر ) ، ما يدلّ على جانب من ذلك ، حيث قال معاوية لابن عباس : ( أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم ) ، فقال ابن عباس : ( وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم ).

وجاء في ( المحاورة العشرين ) أيضاً ما يمكن أنّ يستدل به على هذا ، وهي آخر محاورة له مع معاوية بالشام فلم يلتقيا بعد ، فقد جاء فيها فصلة تستدعي إعادة قراءتها في المقام ، لأنّها تسلط الضوء على بدايات القطيعة بين الطرفين ، فقد جاء فيها : ( ... فلمّا صلى جاء ابن عباس حتى دخل عليه ، فقال له معاوية ما حاجتك يابن عباس؟

قال : دين علي.

قال : قد أداه الله عنك.

قال : وما استعين به على الزمان.

قال : وذلك لك ، أبقيت لك حاجة؟

قال : لا.

قال : أدخل بيت المال فاحمل ما بدا لك.

قال : إنّا بنو عبد المطلب لا نأخذ من مال المسلمين إلاّ ما احتجنا إليه.

قال : عزمت عليك ألاّ ما فعلت.

قال : فدخل ابن عباس بيت المال ، فتلفت يميناً وشمالاً ، فرأى برنساً من خزّ أدكن ، فتدرّعه ثم خرج به.


قال : قد أخذت حاجتك؟

قال : نعم.

قال : الحق ببلادك.

قال : يا أمير المؤمنين إنّك حيث نعيت إليّ الحسن بن عليّ آليت على نفسي أن لا أسكن المدينة بعده أبداً ، ولا أجد مكاناً أجلّ من جوار أمير المؤمنين.

قال : هيهات ليس إلى ذلك سبيل.

قال : فبقيت لي حاجة هي أهم الحوائج إليّ ، وهي لك دوني.

قال : فأي حاجة لك هي لنا دونك؟ إنّا نخاف أن نسارع إليها.

قال : عليّ بن أبي طالب ، قد كفاك الله مؤنته ، ومضى لسبيله ، وقد عرفتَ منزلته وقرابته ، فكفّ عن شتمه على المنابر.

قال : هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، يا بن عباس هذا موضع ديّن ، إنه غشَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسم ( وشتم ) أبا بكر ، وذّم عمر ، وقتل عثمان ، فليس إلى الكف عن ذلك سبيل.

فقال له ابن عباس : الله حسبك فيما قلت ، ثم خرج فلم يلتقيا ـ يعني بالشام ـ ).

ففي هذه الفصلة من ( المحاورة العشرين ) براوية حُميد الشهيد الزيدي ، قرأنا ( فتلفت يميناً وشمالاً فرأى ... ) وهذا يدلّ على بقاء بصره إلى ذلك الحين ، كما قرأنا طلب الكف عن الشتم ، وجواب معاوية ، وجواب ابن


عباس ( الله حسبك فيما قلت ).

وفي رواية رواها الأربلي في ( كشف الغمة ) : ( فقال : ما حاجتك ، فما سأله حاجة إلاّ قضاها ، وقال : أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك ـ وإنّما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده ـ.

فقال : إنّ ذلك ليس لي ولا لك ، فإن أذنت أن أعطي كلّ ذي حق حقه فعلت.

قال : أقسمت عليك الاّ دخلت فأخذت حاجتك.

فدخل فأخذ برنس خزّ أحمر يقال أنّه كان لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثم خرج ، فقال : يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة.

فقال : ما هي؟

قال : عليّ بن أبي طالب ، قد عرفت فضله وسابقته وقرابته ، وقد كفاكه الموت ، أحبّ أن لا يشتم على منابركم.

قال : هيهات يا بن عباس ، هذا أمر دين ، أليس ، أليس؟ وفعل وفعل؟ فعدّد ما بينه وبين عليّ كرّم الله وجهه.

فقال ابن عباس : أولى لك يا معاوية ، والموعد القيامة ( لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )(١) ) (٢).

وفي لفظ الوزير الآبي في ( نثر الدر ) : ( قال لمعاوية : أيشتم عليّ على

____________

١ ـ الأنعام / ٦٧.

٢ ـ كشف الغمة ٢ / ٥١.


منبر الإسلام وهو بناه بسيفه؟ ) (١).

ولم يكن ابن عباس في هذا مدفوعاً بدافع قرابته حين قال : ( وهو بناه بسيفه ) ، فإنّ القاصر والداني يعرف ذلك.

ومن قبل قد قالها عمر بن الخطاب فيما رواه أبو بكر الأنباري في أماليه : ( إنّ عليّاً عليه‌السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرّض واحد بذكره ، ونسبه إلى التيه والعُجب.

فقال عمر : حق لمثله أن يتيه ، والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعدُ أقضى الأمة وذو سابقتها وذو شرفها.

فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟

قال : كرهناه على حداثة سنّه وحبّه بني عبد المطلب ) (٢).

فمن هذه المحاورة عرفنا أنّ ابن عباس حتى ذلك الوقت لم يكن فاقد البصر بالمرّة ، وقد روى أحمد بن حنيل في ( فضائل الصحابة ) (٣) خبراً عن علي بن عبد الله بن عباس ، وفيه ذكر وجوده مع أبيه عند معاوية وذلك بعدما أصيب ابن عباس في بصره ... فالإصابة هنا ليست العمى وكف البصر بالمرة.

وعرفنا أيضاً أنّه لم يلتق بمعاوية بعد في الشام وإنّما التقيا بعد في الحرمين حين كان معاوية يوطد بيعة يزيد من بعده ، كما عرفنا في نهاية

____________

١ ـ نثر الدر ١ / ٢٨٨ ط دار الكتب العلمية بيروت.

٢ ـ أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ / ٨٢.

٣ ـ فضائل الصحاية ٢ / ٩٨٤ برقم ١٩٩٥.


الملتقى بلوغ التشنج أقصاه.

فبعد أن خاطب ابن عباس مستدرجاً معاوية ( يا أمير المؤمنين ) وطلب منه رفع الشتم ، ولمّا أبى ، خاطبه ( يا معاوية ... ) وتوعده بعقاب يوم القيامة ، دلالة على بدايات التشنج.

وفي ( المحاورة الثالثة والعشرون ) وهي آخر المحاورات التي كانت بين ابن عباس وبين معاوية ، وقد كانت في الروحاء من الفرع على نحو أربعين ميلاً من المدينة حين رجع معاوية بعد إعلانه بيعة يزيد بالترهيب والترغيب ، ومنع بني هاشم عطاءهم ، فخرج في أثره ابن عباس حتى لحقه في الفرع ، فجلس ببابه.

فجعل معاوية يقول : من بالباب؟

فيقال : عبد الله بن عباس.

فلم يأذن لأحد ، فلمّا استيقظ قال : مَن بالباب؟

فقيل : عبد الله بن عباس. فدعا بدابته ، فأدخلت عليه ثم خرج راكباً ، فوثب إليه عبد الله بن عباس فأخذ بلجام البغلة ، ثم قال : أين تذهب؟

قال : إلى الشام.

قال : فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا؟

فأومأ إليه معاوية ، فقال : والله ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم.

قال ابن عباس : فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد ، وأبى عبد


الله بن عمر فأخرجت جائزة بني عدي.

فمالنا إن أبى صاحبنا وقد أبى صاحب غيرنا؟

فقال معاوية : لستم كغيركم ، لا والله لا أعطيتكم درهماً حتى يبايع صاحبكم.

فقال ابن عباس : أما والله لئن لم تفعل لألحقنّ بساحل من سواحل الشام ثم لأقولنّ ما تعلم ، والله لأتركنّهم عليك خوارج.

فقال معاوية : لا بل أعطيكم جوائزكم.

فبعث بها من الروحاء ومضى راجعاً إلى الشام (١).

فكان هذا الموقف الذي فيه قمة التشنج قد بلغت منتهاها. كان ابن عباس لا يزال بصيراً لم يحجب بصره. وهذا كان في سنة ( ٥٩ هـ ).

وفي خبر رواه المرتضى الزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين ) جاء فيه :

( قال عامر بن مسعود الجمحي : كنّا جلوساً في مجلس عند الكعبة إذ مرّ بريد ينعى معاوية ، فقلت لأصحابي : قوموا بنا إلى ابن عباس ـ وهو يومئذ بمكة وقد كُفّ بصره ـ فنكون أوّل من يخبره ونسمع ما يقول ... ) (٢).

فهذا الخبر بالرغم من جهالة بعض رجال إسناده ، لا يخلو من دلالة ظاهرة في أنّ ابن عباس رضي‌الله‌عنه كان عند مجئ نعي معاوية مكفوف البصر ، ولمّا كان هلاك معاوية في سنة ( ٦٠ هـ ) كما قال الطبري في تاريخه : ( وفي هذه

____________

١ ـ الإمامة السياسية لابن قتيبة ١ / ٧٥٧.

٢ ـ اتحاف السادة المتقين ١٤ / ١٩٣.


السنة هلك معاوية بن أبي سفيان بدمشق فأختلفت في وقت وفاته بعد إجماع جميعهم على أنّ هلاكه كان في سنة ستين من الهجرة ) (١).

فهذا النص مع الذي قبله يجعلان فترة فقدان البصر ما بين ( ٥٩ ـ ٦٠ هـ ) ، وهذا موائم لتاريخ أخر لقاء بين ابن عباس رضي‌الله‌عنه ومعاوية في الروحاء ، فيومئذ كان ما زال بعد بصيراً كما يظهر من سياق المحاورة التي جرت بينهما في الروحاء ، كما هو كذلك في موائمته أيضاً لما ورد في خبر المحاورة مع النفر الذين كانوا يسبّون الإمام عليه‌السلام عند صفة زمزم.

ج س٥ : ويبدو لي في خبر الزبيدي نحو دلالة أيضاً على إعلان معاوية الحرب النفسية من طرق المهاترات الكلامية عبر الوسائل الإعلامية.

فمعاوية الأمس في طبيعته العدوانية ، إذ كان يشنّ غاراته على مناطق نفوذ الحكم العلوي ، فيعيث في الأرض فساداً قتلاً ونهباً وسبياً وتشريداً ، ما زالت تلك الأحقاد الأموية تزيد الأرض دماراً وتورث بني هاشم سُعاراً ، لأنّهم لم يرضوا ببيعة يزيد ، وقد حاول إخضاعهم بالضغط الإقتصادي فلم يعطهم جوائزهم ومنعهم العطاء يوم كان بمكة كما مرّ ذلك ، وقد فشل في خطته ، إذ أفسدها عليه تهديد ابن عباس رضي‌الله‌عنه بأن يترك في جند الشام من هم خوراج على معاوية ، فإستجاب مكرهاً أخاك لا بطل ، خاضعاً ومتذللاً فقال لابن عباس : ( لا بل أعطيكم جوائزكم ).

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٤ / ٣٢٣ ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم.


ولمّا كان ابن هند في كبرياء حكمه وغليان حقده لم يشفه من بني هاشم إلاّ أن يغيضهم بكلّ الوسائل المتاحة له ، ومنها اقتحام نواديهم ومواطن عزّهم فيسمعهم سبّ الإمام عليه‌السلام فيها ، فكان مجئ قريش الشام إلى الحجاز والجلوس في صُفة زمزم ، وإعلان السبّ حتى يسمعه ابن عباس فيغيضه ذلك ، أوّل بادرة من نوعها في الحرب النفسية التي خطط لها معاوية. وإلاّ فسبّ الإمام عليه‌السلام على منابر المسلمين كان معلناً منذ تم لمعاوية استحواذه على الحكم من بعد مهادنة الصلح ، وقد قام بذلك ولاته معلنين به في كلّ صقع ، وقد أسمعوا الحسن والحسين عليهما‌السلام وابن عباس وسائر بني هاشم ، فلم يستطيعوا غير الإستنكار وإظهار الكراهية ، وقد مرّت بنا قراءة أقوال الإمام الحسن عليه‌السلام مع معاوية ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة ، ومعاوية ابن حديج ، في الردّ عليهم لسبّهم الإمام عليه‌السلام. وروى الزمخشري في ( الكشاف ) قول الإمام الحسن عليه‌السلام للوليد : ( كيف تشتم عليّاً وقد سمّاه الله مؤمناً في عشر آيات وسمّاك فاسقاً ) (١). فجميع ما مرّ لم يحسم الداء ، وبقي إعلان السبّ سنّة أموية متبعة.

والآن فما بال ابن عباس رضي‌الله‌عنه هذه المرّة ينتفض ويصول صولة الأسد الغاضب الذي يصرّ بأسنانه حرداً ، ويصرخ بأنّ من سبّ الإمام عليه‌السلام فقد سبّ الله وسبّ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن سبّهم أكبّه الله على منخريه في جهنم؟

فكان وقع ذلك الموقف على قريش الشام الذين احتلّوا عرين ابن

____________

١ ـ الكشاف ٢ / ٥٢٦ للزمخشري.


عباس في زمزم وأسمعوه سبّ الإمام عليه‌السلام كوقع الصاعقة ، إذ أسكت نامّتهم فلم ينبسوا ببنت شفة ، كما سيأتي وصف حالهم ، وهذا ما شاع خبره وذاع ، وتسامع الناس بموقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه من الحكم القائم ، وسخطه على معاوية ، وفي قول عامر بن مسعود الجمحي : ( فنكون أوّل من يخبره ونسمع ما يقول ... ) ، ما يشير إلى ذلك ، حيث يتوقع الراوي ومن معه شيئاً يقوله ابن عباس رضي‌الله‌عنه في معاوية وقد بلغه نعيه ، ولا بد أن سيبدي كامن صدره ، فالهوة بين الحيّ والميت بعيدة القعر ضاربة الجذر ..

وفي نهاية هذا الخبر ما لم يكن موائماً مع ما هو متوقع أن يكون قد قاله ابن عباس رضي‌الله‌عنه ولا يبعد حدوث تحوير وتزوير ، لغرض التضليل ، فكان من التقويل ما يرفضه موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه المعلن من قبل المغاضب للحاكم الغاصب الناصب ، وقد اشرت إلى ذلك في الجزء الخامس من الحلقة الأولى (١) ، فراجع.

ج س٦ : ماذا كانت النتائج المثمرة لذلك الموقف؟

هذا جواب عن سؤال ربّما لم يدر في خلد القارئ فعلاً أن يسأله ، ما دام هو بعدُ لم يقرأ نص المحاورة التي كانت هي مجادلة أقوى من مجالدة ، لأنّها كانت مسوقة بالطريقة الفنيّة لصناعة علم الجدل ، كما سيأتي توضيح هذا فيما بعد.

ولمّا كان عرضها بجميع صورها المروية ـ مسندة ومرسلة ـ كما وردت في مصادر الفريقين وقد نيّفت على الثلاثين ، ربما كان من التطويل المملّ

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٢١١ تحت عنوان ( وجاءت سكرة الموت بالحق ).


لدى هواة قرّاء العصر كما يقولون ، وتركها جميعاً والإكتفاء بالإشارة المقتضبة والإحالة على المصادر يكون من التقصير المخلّ في نظر القارئ الفاضل. فرأيت فعلاً جمع ما ورد من صور وتوثيق وما إليها من شرح وتحقيق ، وضم هذا إلى شرح حديث الخصائص العشرة الذي مرّت الإشارة إليه فيما تقدم بعنوان : ( مع تسعة رهط يفسدون في الأرض ) فأجعله جزءاً من الحلقة الثالثة مجموعاً مع ما ورد عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه في أهل البيت عليهم‌السلام.

أما الآن فأكتفي بذكر ثلاث صور من رواية المحاورة ، مسندة موثّقة بأسانيد مخرّجيها في كتبهم ، انتخبتها من رواية أقدم من رواها من كلّ مذهب ، حسب نشأته تاريخياً ، فكان فيما وقفت عليه :

فمن تراث الشيعة الاثنى عشرية : رواية الشيخ الصدوق ابن بابويه ( ت ٣٨١ هـ ) في كتابه ( الأمالي ).

ومن تراث الشيعة الزيدية : رواية السيد المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري ( ت ٢٩٨ هـ ) في كتابه ( الأمالي الشجرية ).

ومن تراث السنة الأشعرية : رواية الشيخ أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري ( ت ٣٦٠ هـ ) في كتابه ( الشريعة ). وبه أكتفيت عن ذكر بقية ما رواه أهل السنة من مختلفي المذاهب كالمالكية والأحناف والحنابلة والشافعية ، لأنّهم جميعاً من الأشاعرة ، وسوف تأتي مروياتهم في مصادرهم الخاصة مسندة ومرسلة في الجزء الخاص بمرويات ابن عباس رضي‌الله‌عنه في أهل البيت عليهم‌السلام في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.


فالآن إلى قراءة نصوص الصور الثلاث التي أشرت إليها :

الصورة الأولى : رواها الشيخ الصدوق ( ت ٣١٨ هـ ) في المجلس٢١ من أماليه ، قال :

( حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا العباس بن الفضل المقري ، قال : حدثنا علي بن الفرات الأصبهاني ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البصري ، قال حدثنا جندل بن والق (١) ، قال : حدثنا علي بن حماد ، عن سعيد ، عن ابن عباس : أنّه مرّ بمجلس من مجالس قريش وهم يسبّون عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقال : لقائده : ما يقول هؤلاء؟

قال : يسبوّن عليّاً.

قال : قرّبني إليهم. فلمّا أن وقف عليهم ، قال : أيّكم الساب الله؟

قالوا : سبحان الله ومن يسبّ الله فقد أشرك بالله.

قال : فأيّكم السابّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قالوا : ومن يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كفر بالله.

قال : فأيّكم السابّ عليّ بن أبي طالب؟

قالوا : قد كان ذلك.

قال : فأشهد بالله وأشهد لله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله عزوجل ). ثم مضى ، فقال لقائده : فهل

____________

١ ـ سيأتي ذكر هذا الراوي في سند الأمالي الشجرية ، إلا أنه يختلف في رجاله إلى سعيد بن جبير ، وهذا ـ بناء على صحة النسخة ـ يعني أنه روى الخبر عن غير واحد ، فلاحظ.


قالوا شيئاً حين قلت لهم ما قلت؟

قال : ما قالوا شيئاً.

قال : كيف رأيت وجوههم؟

قال :

نظروا إليك بأعين محمرّة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال : زدني فداك أبوك.

قال :

خزر الحواجب ناكسوا أذقانهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال : زدني فداك أبوك.

قال : ما عندي غير هذا.

قال لكن عندي :

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميّتون فضيحة للغابر ) (١)

الصورة الثانية : رواها بإسناده الإمام المرشد بالله ( الهادي إلى الحق ) يحيى بن الحسين الشجري المتوفى سنة ( ٢٩٨ هـ ) ، في كتابه ( الأمالي الشجرية ) ، قال :

( أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي بن محمد المؤدّب المعروف بالمكفوف بقراءتي عليه ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر

____________

١ ـ الأمالي / ٨٦ المجلس ٢١ ط الحيدرية.


ابن حيان ، قال : حدثنا أبو سعيد الثقفي ، عن جندل بن والق ، عن حماد ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن جبير ، قال : بلغ ابن عباس رضي‌الله‌عنه أنّ قوماً يقعون في عليّ عليه‌السلام.

فقال لابنه علي بن عبد الله : خذ بيدي فاذهب بي إليهم. فأخذ بيده حتى انتهى إليهم ، فقال : أيّكم السابّ الله؟

قالوا : سبحان الله من سبّ الله فقد أشرك.

فقال : أيّكم السابّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قالوا : من سبّ رسول الله فقد كفر.

فقال : أيّكم السابّ لعليّ؟

قالوا : قد كان ذلك.

قال : فأشهد ، لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله كبّه الله على وجهه في النار ). ثم تولى عنهم ، فقال لابنه : كيف رأيتهم؟

فأنشأ يقول :

نظروا إليك بأعين محمرّة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال : زدني فداك أبوك.

فقال :

خزر الحواجب ناكسوا أذقانهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر


قال : زدني فداك أبوك.

قال : ما أجد مزيداً.

قال : لكني أجد :

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميّتون فضيحة للغابر ) (١)

الصورة الثالثة : رواها أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري ( ت ٣٦٠ هـ ) في كتابه ( الشريعة ) ، قال في باب عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( حدثني أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني في المسجد الحرام ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي البصري ، قال : حدثنا يعقوب بن جعفر ابن سليمان الهاشمي ، قال : حدثني أبي جعفر بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن علي ، عن أبيه علي بن عبد الله ، قال : كنت مع أبي عبد الله بن عباس بعدما كفّ بصره وهو بمكة ، فمّر على قوم من أهل الشام في صفّة زمزم يسبّون عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال لسعيد بن جبير وهو يقوده : ردّني إليهم ، فردّه.

فقال : أيّكم السابّ الله؟

قالوا : سبحان الله ما فينا أحدٌ يسبّ الله.

قال : فأيّكم السابّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قالوا : والله ما فينا أحدٌ يسبّ رسول الله.

قال : فأيّكم السابّ عليّاً؟

____________

١ ـ الأمالي الشجرية ١ / ١١٠ ط حيدر آباد ، وفي المطبوع باسم الأمالي الخميسية ١ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ط عالم الكتب بيروت ومكتبة المثنى بالقاهرة.


قالوا : أما هذا فقد كان.

فقال ابن عباس : فإنّي أشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله عزوجل أكبّه الله على منخريه في نار جهنم ). ثم ولى عنهم ، فقال لي : يا بني ما رأيتهم صنعوا؟

فقلت : يا أبت

نظروا إليك بأعين محمرّة نظر

التيوس إلى شفار الجازر

قال : زدني يا بني.

قلت :

خزر العيون نواكس أبصارهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال : زدني يا بني.

قلت : ليس عندي زيادة يا أبت غير الذي قلت.

قال : لكن عندي زيادة :

أحياؤهم عار على أمواتهم

والميّتون فضيحة للغابر ) (١)

فهذه الصور الثلاث أحسبها كافية في إعطاء الصورة الواضحة لموقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع قريش الشام النواصب الذين تحدّوه فجلسوا في صُفّة زمزم وسبّوا الإمام عليه‌السلام وأسمعوه الشتم ، فغاضه ذلك وأغضبه فعاد إليهم ، وجرى ما مرّ ، وبعد هذا ماذا كانت النتائج؟

____________

١ ـ الشريعة ٤ / ١٩٦.


ما أظن القارئ في غفلة عن إدراك النتيجة التي توخاها ابن عباس رضي‌الله‌عنه في محاورته مع أولئك النواصب من قريش الشام ، فهو قد استعمل الطريقة الفنية في علم الجدل ، التي تلزم الخصم بالنتيجة المتوخاة للطرف المخاصم بكلّ حذق ومهارة.

وتلك الطريقة فيما يذكرها المناطقة لا تتم إلاّ بين طرفين ، وتتم بأمرين سؤال وجواب ، يوجّه السائل بطريق الإستفهام ما يُلزم به خصمه من دون أن يشعر بأنّه يريد مهاجمته وبالتالي غلبته وهزيمته ، حتى لا يراوغ ويحتال في الجواب ، ثم يتدرج السائل بالسؤال من البعيد عن الغرض المقصود له إلى القريب منه ، حتى يصل إلى النتيجة ، وهي إلزام الخصم بها من حيث لا يشعر ، وعندها يتبين الإنكسار عليه ، وينتصر السائل المحاور بتلك الطريقة.

وابن عباس رضي‌الله‌عنه وهو الحبر والبحر قد استعمل الطريقة الجدلية بحنكة ورويّة ، وهو الخبير القدير ، المتمرس المتحمس ، حتى حصر خصومه في زاوية لا مناص لهم فيها ولا خلاص .. فسألهم عن سبّهم الله تعالى ، فأنكروا وشهدوا على أنّ من سبّ الله فهو كافر ، فسألهم ثانياً : من منّكم سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فأنكروا ذلك وقالوا : من سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو مشرك ، فسألهم ثالثاً : أيّكم السابّ لعليّ عليه‌السلام؟ ، وهذا السؤال هو المقصود أوّلاً وبالذات ، وما تقدم كان بالعرض للوصول إلى تحقيق الغرض ، وإفحام من في قلبه مرض ، وقد تمّ له ما يريد عندما روى الحديث النبوي الشريف : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبه الله على منخره في جهنم ).

ولمّا سمعوا ذلك منه ، أسقط ما في أيديهم ، وتيقنوا هزيمتهم أمام حجة


ابن عباس البالغة الذي أثبت كفرهم وكفر من أسس أساس الظلم والجور ، وهذا يعني أنّهم جميعاً تبعاً لمعاوية صاروا في الهاوية. ( وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ )(١).

وأصدق من يحدثنا عن هذه النتيجة ، هو الشعر الذي تناشده ابن عباس وقائده ، فهو تعبير صادق في تصوير الحال ، ودقة الوصف لما عرى النفر من كسوف الحال والمئآل ، فوجوم شابه خوف وحنق ، فبدت أعراضهما على ملامحهم ، فالعيون قد أحمرّت لما استولى الخوف والحنق على النفس ، فكأن نظرهم في ذلك ( نظر التيوس إلى شفار الجازر ) ، ونكّسوا أذقانهم بحالة الذليل مع العزيز القاهر ، كما وصفهم الحق في كتابه المجيد : ( يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ )(٢).

وهذا الجانب كان يمثل الجزاء الأخلاقي لهم ، وثمة جانب آخر يحكي الجزاء الإجتماعي قد ذكره البيت الثالث الذي تلاه ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، والذي جعل أولئك النفر عاراً على أمواتهم ، كما أنّ أمواتهم مسبّة للغابر ـ ولمّا كان لفظ الغابر من الأضداد للباقي وللماضي ـ فمسبة أولئك الأموات ستكون سنّة مستديمة للحاضر والماضي ، كلّ هذا عن النتائج العاجلة المنظورة في الحياة الدنيا.

وأمّا عن النتائج غير المنظورة ، ولم يتطرق إليها الشعر بوصف أو بإيماءة عابرة ، فهي مواقف الرواة منذ زمان الحدَث وحتى يومنا الحاضر ،

____________

١ ـ الأنعام / ١٣٠.

٢ ـ الأنفال / ٦.


حيث أخبتوا بصحة الحديث المتضمن بالجزاء العقابي في الآخرة ، وهذا الجانب هو الذي ذكره ابن عباس رضي‌الله‌عنه في روايته للحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبّه على منخريه في جهنم ) ، ( ولِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )(١).

وقد أبقى طريق الرواية مفتوحاً أمام الأجيال ، يلجه من آمن به مصدّقاً ، ومن كفر به مكذّباً ، ويبقى هذا الخبر بمثابة رسالة مفتوحة من ابن عباس رضي‌الله‌عنه موجهة إلى الأجيال يدعوهم فيها إلى تصحيح مواقفهم الخاطئة أزاء الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد حمل هذه الرسالة الرواة وأصحاب المصادر التي روت ذلك الخبر. فإلى :

( قراءة عابر ة في مصادر المحاورة )

لقد روى حديثها أكثر من خمسين إنساناً من رواة الفريقين ، وهم من أعلام الرواة والحفاظ من المحدثين والمؤرخين وأصحاب السير ، وفيهم من أخرجه في مؤلّفه مسنداً ، وفيهم من رواه مرسلا إرسال المسلّمات إذ لا يرتاب في صحته.

وإلى القارئ كشفاً بأسماء المصادر التي ورد فيها الحديث عنهم ، حسب وفيّات أصحابها :

١ ـ الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري المتوفى سنة ( ٢٩٨ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في كتابه ( الأمالى الشجرية١ / ١١٠ ) طبع حيدر آباد ،

____________

١ ـ الأنعام / ٦٧.


وقد طبع كتابه باسم ( الأمالي الخميسية ) في منشورات عالم الكتب بيروت ، ومكتبة المتنبي بالقاهرة ، والحديث في ( ١ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ).

٢ ـ أبو جعفر محمد بن سليمان الكوفي قاضي صعدة المتوفى سنة ( ٢٩٨ هـ ) ، في ( مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ) ، وقد طبع محققاً بتحقيق المرحوم الشيخ محمد باقر المحمودي عن وزارة الإرشاد في طهران ، ومجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، ولدى المقارنة مع سابقه نجد النص واحداً تقريباً ، وهو في ( الأمالي الشجرية ) أتم ، كما مرّت الصورة.

٣ ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ( ٣١٠ هـ ) ، أخرج الحديث في كتابه ( الولاية ) (١) ، وعنه الحافظ ابن شهر آشوب في ( المناقب ) ، وستأتي صورته.

٤ ـ أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة ( ٣٤٦ هـ ) ، ذكر الخبر في ( مروج الذهب ٢ / ٣٤٥ ) بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، طبع السعادة بمصر سنة ( ١٣٧٧ هـ ) ، الطبعة الثالثة.

٥ ـ أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري المتوفى سنة ( ٣٦٠ هـ ) ، في كتابه ( الشريعة ٤ / ١٩٦ ) في باب عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخرج الحديث مسنداً كما مرّت صورته.

٦ ـ الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق المتوفى سنة ( ٣٨١ هـ ) ، أخرج الحديث في كتابه ( الأمالي / المجلس ٢١ / ٨٦ ) طبع الحيدرية سنة ( ١٣٨٩ هـ ) ، بإسناده إلى ابن عباس رضي‌الله‌عنه كما مرّت صورته.

____________

١ ـ ذكر كتاب الولاية والتعريف به ومن ذكره من أعلام العامة زميلنا المرحوم المحقق الطباطبائي في كتابه القيّم ( أهل البيت في المكتبة العربية ٦٦١ ـ ٦٦٤ ) ، فراجع.


٧ ـ الوزير أبو سعد الآبي المتوفى سنة ( ٤٢١ هـ ) ، أخرج الحديث في كتابه ( نثر الدر ١ / ٢٨٦ ) ، تحقيق خالد عبد الغني محفوظ ، طبع العلمية بيروت سنة ( ١٣٨٩ هـ ).

٨ ـ الحافظ أبو عبد الله الجلابي ابن المغازلي الواسطي المالكي المتوفى سنة ( ٤٨٣ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في كتابه ( مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام / ٣٩٤ ) ، طبعة طهران سنة ( ١٣٩٤ هـ ) ، كما ستأتي صورة روايته.

٩ ـ أبو جعفر محمد بن أبي القاسم علي بن محمد بن علي الطبري الإمامي المتوفى سنة ( ٥٢٥ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في كتابه ( بشارة المصطفى لشيعة المرتضى / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ) طبع الحيدرية سنة ( ١٣٨٣ هـ ) ، وستأتي صورة روايته.

١٠ ـ الحافظ أخطب خوارزم الموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي المتوفى سنة ( ٥٦٨ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في ( مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام / ٨١ ) طبع الحيدرية ، في الفصل الرابع عشر ، وتأتي صورة روايته.

١١ ـ الحافظ محمد بن علي بن شهر آشوب المتوفى سنة ( ٥٨٨ هـ ) ، أخرج الحديث مرسلاً في ( مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٩ ) طبعة حجرية سنة ( ١٣١٧ هـ ) نقلاً عن كتابي ( الولاية ) للطبري العامي ، و ( الإبانة ) للعكبري ، وستأتي صورة روايته وكتابه الآخر ( متشابه القرآن١ / ١١٨ ) طبعة بيدار إيران.

١٢ ـ الشيخ منتجب الدين ابن بابويه المتوفى في القرن السادس هجري ، أخرج الحديث مسنداً في آخر كتابه ( الأربعين ) حديث عن أربعين شيخاً عن أربعين صحابياً ، طبع قم سنة ( ١٤٠٨ هـ ) ، وستأتي صورة روايته.


١٣ ـ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الشافعي المتوفى سنة ( ١٥٧١ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في معجم شيوخه في ترجمة طلحة بن أحمد ، وستأتي صورة روايته.

١٤ ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى سنة ( ٦٥٨ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في كتابه ( كفاية الطالب ) في الباب العاشر منه ، وستأتي صورة روايته.

١٥ ـ السيد الشريف أحمد بن طاووس توفي سنة ( ٦٩٤ هـ ) ، في كتابه ( بناء المقالة الفاطمية / ٩٥ ) ، ذكر ما سمعه ابن عباس رضي‌الله‌عنه من حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن سبّ عليّاً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من دون مقدمة الخبر.

١٦ ـ الحافظ المحب الطبري الشافعي المتوفي سنة ( ٦٧٣ هـ ) ، أخرج الحديث مرسلاً في كتابه ( الرياض النضرة ٢ / ١٦٦ ) نقلاً عن أبي عبد الله الملا في سيرته ، وستأتي صورة روايته ، وروى حديث السبّ فقط عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه أيضاً في كتابه الآخر ( ذخائر العقبى / ٦٦ ) ط القدسي.

١٧ ـ الحافظ صدر الدين الحموئي المتوفى سنة ( ٧٣٠ هـ ) ، أخرج الحديث مسنداً في كتابه ( فرائد السمطين١ / ٣٠٢ ) طبع مؤسسة المحمودي بيروت في الباب ٥٦ برقم ٢٤١ ، وستأتي صورة روايته.

١٨ ـ العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف الحلي المتوفى سنة ( ٧٢٦ هـ ) في كتابه ( كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ) تحقيق علي آل كوثر ، طبع مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

١٩ ـ الحافظ أبو الربيع سليمان بن سبع السبتي المتوفى سنة ( ٧٣٤ هـ ) ،


ذكر الحديث مرسلاً في آخر كتابه ( شفاء الصدور ) ، وعنه رواه الدميري في ( حياة الحيوان ) في مادة ( التيس ) ، وستأتي صورة روايته.

٢٠ ـ الحافظ الزرندي المتوفى بضع وخمسين وسبعمائة ، أخرج الحديث مرسلاً في كتابه ( نظم درر السمطين / ٩٩ ) طبعة النجف ، وستأتي صورة روايته.

٢١ ـ الحافظ السيد علي الهمداني المتوفى سنة ( ٧٨٦ هـ ) ، وأخرج الحديث مرسلاً في كتابه ( مودة ذوي القربى ) أخر حديث المودة الثالثة كما في ( ينابيع المودة ) ، وستأتي صورة روايته.

٢٢ ـ الحافظ كمال الدين محمد بن موسى الدميري الشافعي المتوفى سنة ( ٨٠٨ هـ ) ، أخرج الحديث مرسلاً نقلاً عن ( شفاء الصدور ) لابن سبع ، وستأتي صورة روايته.

٢٣ ـ الحافظ ابن الصباغ المالكي المتوفى سنة ( ٨٥٥ هـ ) ، أخرج الحديث مرسلاً في كتابه ( الفصول المهمة ) ، وستأتي صورته.

٢٤ ـ الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الباعوني المتوفى سنة ( ٨٧١ هـ ) ، أخرج الحديث في كتابه ( جواهر المطالب ) نقلاً عن ( كفاية الطالب ) للحافظ الكنجي الآنف الذكر.

٢٥ ـ الداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي المتوفى سنة ( ٨٧٢ هـ ) ، في كتابه ( عيون الأخبار / السبع الرابع / ١٨٦ برقم ٢٦٠ ).

٢٦ ـ الشيخ المجلسي المتوفي سنة ( ١١١ هـ ) في موسوعته الجامعة ( بحار الأنوار ) نقلاً عن ( أمالي الصدوق ) ، و ( مناقب ابن شهر آشوب ) ، و ( كشف


الغمة ) للإربلي.

٢٧ ـ المؤرخ عبد الملك بن حسين العصامي المكي الشافعي المتوفى سنة ( ١١١١ هـ ) ، في كتابه ( سمط النجوم العوالي٢ / ٤٨ ) الحديث ٢٧ من ( الأحاديث في شأن أبي الحسنين كرّم الله وجهه ).

٢٨ ـ السيد علي خان المدني الشيرازي المتوفى سنة ( ١١٢٠ هـ ) ، في كتابه ( الدرجات الرفيعة ) في ترجمة ابن عباس نقلاً عن ( مناقب الخوارزمي ).

٢٩ ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفى سنة ( ١٢٩٣ هـ ) في كتابه ( ينابيع المودة / ٢٤٧ ).

٣٠ ـ السيد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي المصري الشافعي المتوفى سنة ( ١٣٠٨ هـ ) ، في كتابه ( نور الأبصار / ١٢١ ) طبع العلمية بيروت.

٣١ ـ الشيخ يوسف بن إسماعيل الشافعي النبهاني المتوفى سنة ( ١٣٥٠ هـ ) ، في كتابه ( الشرف المؤبد لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم / ١٢٦ ) من دون ذكر الشعر ، فراجع.

٣٢ ـ السيد محمد بن عقيل بن يحيى العلوي الحسيني الشافعي المتوفى سنة ( ١٣٥٠ هـ ) ، في كتاب ( النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ) (١) ، وهذا الكتاب من خيرة الكتب في بابه.

____________

١ ـ النصائح الكافية لمن يتولى معاوية / ٧٣ ـ ٧٤ ط الهند سنة ( ١٣٢٦ هـ ) ، و ص٩٤ ط في النجف الأشرف / ١٣.


٣٣ ـ الشيخ عبد الحسين الأميني المتوفى سنة ( ١٣٩٠ هـ ) ، في كتابه ( الغدير ) (١).

إلى غير هؤلاء ممن لم أقف على كتبهم فعلاً ، وقد أكتفيت بمن ذكرت تذكرة للقارئ ، وبلاغاً حسناً لمن ألقى السمع وهو شهيد. وما أظن في القارئ الواعي عنه يحيد ، ومن ثم فيستفيد ويفيد ، بأنّ ابن عباس رضي‌الله‌عنه قد أفادنا في محاوراته مع أولئك النواصب ، الذين جاؤا من الشام ـ أعوان كلّ ظالم ـ فجلسوا في صُفّة زمزم وأسمعوه سبّ إمامه وابن عمه ، وعلى مرأى ومسمع من المسلمين من طائفين وعاكفين ، فأقبل عليهم معلناً كفر من سبّ الإمام عليه‌السلام ، لأنّ من سبّه فقد سبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن سبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد سبّ الله تعالى ، ومن سبّ الله تعالى فقد كفر ، وبهذا الأسلوب الرصين أثبت كفر الطرف الآخر ومن أمرهم وشايعهم وتابعهم.

ولم لا يكونوا كذلك؟ وابن عباس رضي‌الله‌عنه إنّما روى ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديثه أخرجه الحفاظ بأسانيدهم ممن لا يتطرق الريب إلى رواياتهم ، مضافاً إلى ما كان يرويه أيضاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الباب ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : ( ألا من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية ) (٢) ، فماذا تعني ميتة الجاهلية سوى الخلود في النار؟

ولنختم الحديث في هذا بما روته أمّ المؤمنين عائشة ـ كما في

____________

١ ـ الغدير ٢ / ٢١٤.

٢ ـ أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في كنز العمال ٦ / ١٥٤ ط الهند ( الأولى ).


المستدرك على الصحيحين للحاكم ، والمعجم الكبير للطبراني ، ومجمع الزوائد للهيثمي ، والذهبي في تلخيص المستدرك قال : صحيح لا أعرف له علّة ـ ، قالت : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ستة لعنتهم ولعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب : المكذّب بقدر الله ، والزائد في كتاب الله ، والمتسلط بالجبروت يذلّ من أعز الله ويعز من أذلّ الله ، والمستحل لحرم الله ، والمستحل من عترتي ما حرّم الله ، والتارك لسنتي ) (١).

وقال الهيثمي : ( رواه الطبراني في الكبير ، وفيه عبد الله بن عبد الرحمن ابن موهب ، قال يعقوب بن شيبة : في ضعفاء ، وضعّفه يحيى بن معين في رواية ووثقه في أخرى ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، ووثقه ابن حبان ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) (٢).

فليقرأ المسلم الواعي لحرمة إسلامه ، الملتزم بأحكام دينه ، ولينظر كم كان معاوية متقمصاً شخصية هؤلاء الستة في أفعاله! إذن فلا مؤاخذة على من اتبع رضوان الله تعالى ولعن أعداء الله تعالى ، ودعا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللهم ما صليتُ من صلاة فعلى من صليتَ ، وما لعنتُ من لعنة فعلى من لعنتَ ) ، وفي بعض ألفاظ الحديث : ( اللهم من صليتَ عليه فصلاتي عليه ،

____________

١ ـ المستدرك على الصحيحين ١ / ٣٦ وقال الحاكم : قد احتج البخاري بعبد الرحمن بن أبي الموالي ، وهذا حديث صحيح الإسناد لا أعرف له علّة ولم يخرجاه ، مجمع الزوائد للهيثمي ١ / ١٧٦ وقال رواه الطبراني في الكبير ، تلخيص المستدرك بهامش ١ / ٣٦ من المستدرك وقال الذهبي : صحيح ولا أعرف له علّة رواه قتيبة وإسحاق الفروي عنه.

٢ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٧٦.


ومن لعنتَ فلعنتي عليه ) (١) ، وعلى هذا جاء قول الفضل بن روز بهان الحنفي الشهير بخواجة مولانا وكان حيّاً سنة ( ٨٥٢ هـ ) :

من يكن تاركاً ولاء علي

لستُ أدعوه مؤمناً وزكيّاً

كيف بين الأنام يذكر

سبّاً للذي كان للنبيّ وصيّاً

ليس قولي لفاعل السبّ إلاّ

لعن الله من يسبّ علياً (٢)

ولم يكن بدعاً في شعره ، فقد سبقه كثير بن كثير السهمي ، فقد قال حين كتب هشام بن عبد الملك إلى عامله بالمدينة أن يأخذ الناس بسبّ علي عليه‌السلام ، فقال :

لعن الله من يسبّ عليّاً

وحسيناً من سوقة وإمام

أيُسبّ الطيِّبون جددوا

والكرام الأخوال والأعمام

يأمن الظبي والحمام ولا

يأمن آل الرسول عند المقام

طبت ميتاً وطاب أهلك أهلاً

أهل بيت النبيّ والإسلام

رحمة الله والسلام عليهم

كلّما قام قائم بسلام (٣)

____________

١ ـ مسند أحمد ٥ / ١٩١ ، معجم الطبراني الكبير ٥ / ١١٩ و ١٥٧.

٢ ـ دلائل الصدق ٣ / ق ١ / ٢٣١ ط چاب خانه بوذر جمهري سنة ( ١٣٧٣ هـ ).

٣ ـ معجم الشعراء / ٣٤٨ للمرزباني.



الفصل السادس

في أدعيته



لقد مرَّ في الحلقة الأولى بعض أدعيته التي كان يدعو بها ، في ( ما روي عنه من الدعاء وآدابه ) (١) ، ولمّا كان له غير ذلك ممّا ينبغي أن يلحق به ، فقد آثرت ذكر جميع ذلك في مكان واحد تيسيراً على القارئ.

ما روي عنه من الدعاء وآدابه

أخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : ( إنّ الدعاء ليردّ القضاء وقد نزل من السماء ، اقرءوا إن شئتم ( إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُم )(٢) فدعوا صرف عنهم العذاب ) (٣).

ولقد روي عنه في هذا الباب كثيراً مرفوعاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونجد بعض ذلك أيضاً موقوفاً ، وفي نظري القاصر أنّه في هذا هو أيضاً بحكم الرفع لأنّه من أين تلقّاه؟ ومن الذي ربّاه؟ أليس قد مرّت بنا في الجزء الأوّل شواهد إختصاصه بمدينة العلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ من بعد بباب مدينة علمه أمير

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٤٤٧.

٢ ـ يونس / ٩٨.

٣ ـ الدر المنثور ٣ / ٣١٧ ..


المؤمنين عليه‌السلام فحمل عنهما ما وسعه فهمه ، ففاض بذلك علمه ، إذن لا مشاحّة لو رأينا بعض الموقوف في مصدر مرفوعاً في مصدر آخر.

نعم هناك مرويات عنه ظاهرة الوقف نحو قوله في هذا المجال : ( كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم إذا دعا جعل باطن كفه إلى وجهه ) (١) ، وقوله : ( إياك والسجع في الدعاء فإنّي شهدت النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وأصحابه لا يفعلون ذلك ) (٢).

أو مرفوعة متبوعة منه بقول نحو قوله : ( كان النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم إذا نظر في المرآة يقول : ( الحمد لله ربّ العالمين الذي خلقني وسوّى خلقي وجعلني بشراً سويّاً ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ).

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنها : فما تركتها منذ سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم. ثمّ قال : لا يمسّ وجه من قالها سوءٌ أبداً ) (٣) ، إلى غير ذلك.

ومن شواهد ما روي عنه موقوفاً في مصدر كما روي عنه مرفوعاً في مصدر آخر ، ما ورد في كيفية الدعاء ، حيث روي موقوفاً بلفظ عند ابن قتيبة عنه ، قال : ( الإخلاص هكذا : وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى.

والدعاء هكذا : وأشار براحتيه إلى السماء.

والإبتهال هكذا : ورفع يديه فوق رأسه ظهورها إلى وجهه ) (٤).

____________

١ ـ المعجم الكبير للطبراني ١١ / ٣٤٤ ط الموصل.

٢ ـ نهاية الإرب للنويري ٥ / ٢٨٥ ط دار الكتب بمصر.

٣ ـ نفس المصدر ٥ / ٣١٤.

٤ ـ عيون الأخبار ٢ / ٢٨٣ ط دار الكتب بمصر. وقارن : المصنف لعبد الرزاق في الصلاة ٢ / ٢٥٠.


ورواه ابن عبد ربه أيضاً بإستبدال اليمنى باليسرى وبالعكس في المقامين موقوفاً (١) ، غير أنّ النويري ذكر ذلك عنه مرفوعاً ، فقال : ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنّ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال : ( الإخلاص هكذا ورفع اصبعاً واحداً من اليمنى ، والدعاء هكذا وجعل بطونهما ممّا يلي السماء ، والابتهال هكذا ومدّ يديه شيئاً وجعل ظهر الكف ممّا يلي السماء ) (٢).

وممّا روي عنه مرفوعاً وموقوفاً الدعاء الذي رواه عنه سعيد بن جبير ، وأخرجه الطبراني في معجمه بسنده إلى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ( إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك فقل : الله أكبر ، الله أكبر من خلقه جميعاً ، الله أعزّ ممّا أخاف وأحذر ، وأعوذ بالله الذي لا إله إلاّ هو الممسك السماوات السبع أن تقعن على الأرض إلاّ بإذنه ، من شرّ عبدك ـ فلان ـ وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والأنس ، إلهي كن لي جاراً من شرّهم ، جلّ ثناؤك ، وعزّ جارك ، وتبارك اسمك ، ولا إله غيرك. ثلاث مرات ) (٣). وهذا ما رواه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وقال : ( ورجاله رجال الصحيح ) (٤).

كما رواه أبو نعيم في حليته بتفاوت يسير (٥) ، ورواه الشعراني في ( لواقح

____________

١ ـ العقد الفريد ٣ / ٢٢١ تحـ أحمد أمين ورفيقيه.

٢ ـ نهاية الارب ٥ / ٨٤ ط دار الكتب بمصر ، ورويت الكيفية عنه بلفظ آخر في نزهة المجالس للصفوري ١ / ١٥٢ و ٢ / ٤٣ ( إذا أشار أحدكم باصبع واحدة فهي الإخلاص في الدعاء ، وإذا رفع يديه حذو صدره فهو الدعاء ، وإذا رفعهما حتى يجاوز بهما رأسه وظهرهما ممّا يلي وجهه فهو الابتهال ).

٣ ـ المعجم الكبير للطبراني ١٠ / ٢٥٨ ط الموصل.

٤ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ١٣٧ ط القدسي. ، ورواه ابن أبي شيبة كما في موسوعة آثار الصحابة ٣ / ٣٦.

٥ ـ الحلية ١ / ٣٢٢.


الأنوار القدسية ) (١) ، وكلّ هؤلاء رووه موقوفاً ، إلاّ أنّ النويري رواه عنه مرفوعاً (٢). ولا ضير.

وممّا روي عنه من الدعاء موقوفاً ما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن سعيد ابن جبير ، قال : ( كان ابن عباس يقول : اللّهمّ إنّي أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض أن تجعلني في حرزك وحفظك وجوارك وتحت كنفك ) (٣). ورواه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وقال : ( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ) (٤).

وكان من الدعاء الذي لم يدعه بعد ما سمعه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قوله : ( اللّهمّ قنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيه ، واخلف عليّ كلّ غائبة لي بخير ) (٥) ، ( وأخلفني في كلّ غائبة لي بخير ) (٦).

وكان إذا دخل المسجد قال : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) (٧).

ومن أدعيته ما رواه السيّد ابن طاووس في كتابه ( التشريف بالمنن ) نقلاً عن كتاب زكريا بن يحيى بن الحارث البزاز ، فقال : ( روى باسناده عن ابن عباس قال : من نزل به غمّ أو همّ أو كرب ، أو خاف من سلطان ظلماً فدعا بهذه الدعوات استجيب

____________

١ ـ لواقح الأنوار القدسية / ٣٨٨ ط البابي الحلبي سنة ١٣٨١ هـ.

٢ ـ نهاية الإرب ٥ / ٣١٩.

٣ ـ المعجم الكبير للطبراني ١٠ / ٢٥٩.

٤ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ١٨٤.

٥ ـ تاريخ جرجان السهمي / ٦٣ ط أفست أوربا.

٦ ـ القناعة لأبي بكر ابن السني ١ / ٦.

٧ ـ المصنف لعبد الرزاق في الصلاة ١ / ٤٢٩.


له ، قال : يقول : ( أسألك بلا إله إلاّ أنت ربّ السماوات السبع وربّ العرش العظيم ، وأسألك بلا إله إلاّ أنت ربّ العرش الكريم ، وأسألك بلا إله إلاّ أنت ربّ السماوات السبع وما فيهن إنّك على كلّ شيء قدير. ثمّ تسأل حاجتك ) (١).

وهذا أخرجه أحمد في مسنده وفيه : ( انّه يقول أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو بهذه الدعوات عند الكرب ) (٢) ، وقد أخرجه مكرراً مرفوعاً وموقوفاً وفيه تفاوت وفي بعضه ( وربّ الأرض ) (٣).

ومرّ بنا دعاء علّمه له الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين ـ الهرير وسيأتي ذكره بروايته ـ إلى غير ذلك من الأدعية التي رواها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى في فضلها الكثير ممّا سمعه ، ولعلّ دعاء التسبيح الذي أخرجه السيّد ابن طاووس في ( مهج الدعوات ) (٤) من مهمات تلك الأدعية ، حريّ بأن يُرغب المؤمن في قراءته وسيأتي ذكره ، كما أنّ روايته لدعاء الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي كتبه لليماني المروي في ( مهج الدعوات ) أيضاً ، وكتابته له ما يشعر بالتزامه به ، فليراجع فيما يأتي بعد هذا.

وقد مرّ بنا في حياته بالبصرة أيام ولايته (٥) عن طاووس أنّه كان يعلّمهم الدعاء كما يعلّمهم السورة من القرآن ...

____________

١ ـ التشريف بالمنن / ٣٤٩ ط مؤسسة صاحب الأمر ( عج ).

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ٨١.

٣ ـ المصدر نفسه ( مسند ابن عباس ).

٤ ـ مهج الدعوات / ٨٢ ـ ٨٣.

٥ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٣ / ٢٣٧.


وذكر الشيخ النجاشي في رجاله في ترجمة عبد العزيز بن يحيى الجلودي الأزدي البصري ، من جملة كتبه ممّا يخص ابن عباس بروايته عنه منها : كتاب قوله ـ أي ابن عباس ـ في الدعاء والعَوذ وذكر الخير وفضل ثواب الأعمال والطب والنجوم (١).

وأخرج ابن أبي الدنيا القرشي المتوفي سنة ( ٢٨١ هـ ) في كتابه ( التهجد وقيام الليل ) المطبوع ضمن ( موسوعة ابن أبي الدنيا ) (٢) ، قال :

( أخبرني سليمان بن منصور بن سليمان الخزاعي ، حدثني أبي ، عن الحسن بن عمارة ، عن داود بن علي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يدعو بهذه الدعوات من الليل وهو جالس حين يفرغ من الوتر : ( اللَّهم إني أسألك رحمة تهدي بها قلبي ، وتجمع بها أمري ، وتلم بها شعثي ، وترد بها غائبي ، وترفع بها شاهدي ، وتزكي بها عملي ، وتبيّض بها وجهي ، وتلهمني بها رشدي ، وتعصمني بها من كلّ سوء ، اللَّهم إني أسألك إيماناً صادقاً ، ويقيناً ليس بعده كفر ، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة ، اللَّهم إني أسألك الفوز عند القضاء ، ومنازل الشهداء ، وعيش السعداء ، والنصر على الأعداء ، ومرافقة الأنبياء. اللَّهم إني أسألك وأن قَصَّر عملي وضَعُف رأيي وافتقرت إلى رحمتك من عذاب السعير ، ومن دعوة الثبور ، ومن فتنة القبور. اللَّهم وما قَصُرَ عن عملي ولم تبلغهُ مسألتي من خير وعدته أحداً من عبادك أو من خير أنت معطيه أحداً من خلقك فإني أسألك

____________

١ ـ رجال النجاشي / ١٦٩ ط بمبئ.

٢ ـ موسوعة الإمام ابن أبي الدنيا١ / ٢٥٥ ط المكتبة العصرية صيدا ، بيروت.


وأرغب إليك فيه برحمتك يا رب العالمين.

اللَّهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك نحبّ بحبّك الناس ، ونعادي بعداوتك من خالفك. اللَّهم ذا الأمر الرشيد والحبل الشديد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود ، مع المقربين الشهود ، الرُّكَّع السجود ، الموفين بالعهود ، إنك رحيم ودود ، وأنت تفعل ما تريد. اللَّهم ربي وإلهي هذا الدعاء وعليك الاستجابة ، وهذا الجهد وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللَّهم اجعل لي نوراً في قبري ، ونوراً في بصري ، ونوراً في شعري ، ونوراً في بشري ، ونوراً في لحمي ، ونوراً في دمي ، ونوراً في عظامي ، ونوراً بين يدي ، ونوراً من خلفي ، ونوراً عن شمالي ، ونوراً من فوقي ، ونوراً من تحتي. اللَّهم زدني نوراً وأعطني نوراً ) قال : ثم يرفع صوته؛ ( سبحان الذي لبس العزَّ وطال به ، سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به ، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له ، سبحان الذي أحصى كلّ شيء بعلمه ، سبحان ذي الطَّوْلِ والفضل ، سبحان ذي المَن والنِّعم ، سبحان ذي القدرة والتكرم ) (١).

قال السيد ابن طاووس رحمة الله في كتابه ( مهج الدعوات ) :

( ومن ذلك دعاء لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام المعروف بدعاء اليماني : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن علي القمي المعروف بابن الخياط ، قال : أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثنا أبو القاسم

____________

١ ـ أخرجه الترمذي في سننه كتاب الدعوات ، باب منه ( ٣٠ ) عن هامش المصدر.


عبد الواحد ( عبد الله خ ل ) بن يونس الموصلي بحلب ، قال : حدثنا علي بن محمد بن أحمد العلوي المعروف بالمستنجد ، قال : حدثنا أبو الحسن الكاتب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن علي بن زياد ، قال : قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر : بينما نحن عند مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ذات يوم ، إذ دخل الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين بالباب رجل يستأذن عليك ، ينفح منه ريح المسك ، قال له : ائذن له.

فدخل رجل جسيم وسيم ، له منظر رائع ، وطرف فاضل ، فصيح اللسان ، عليه لباس الملوك.

فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، إنّي رجل من أقصى بلاد اليمن ، ومن أشراف العرب ، ممن انتسب إليك ، وقد خلفت ورائي ملكاً عظيماً ، ونعمة سابغة ، وإنّي لفي غضارة من العيش ، وخفض من الحال ، وضياع ناشئة ، وقد عجمت الأمور ، ودربتني الدهور ، ولي عدوّ مشجٍ وقد أرهقني ، وغلبني بكثرة نفيره ، وقوّة نصيره ، وتكاثف جمعه ، وقد أعيتني فيه الحيل. وإنّي كنت راقداً ذات ليلة حتى أتاني الآتي ، فهتف بي أن قم يا رجل إلى خير خلق الله بعد نبيّه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، وعلى آلهما ، فاسأله أن يعلمك الدعاء الذي علمه حبيب الله وخيرته وصفوته من خلقه ، محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلوات الله عليه وعلى آله ، ففيه اسم الله [ الأعظم ] عزّ وجلّ فادع به على عدوك المناصب لك. فانتبهت يا أمير المؤمنين ولم أعوّج على شئ حتى شخصت نحوك في أربع مائة عبد ، إنّي أشهد الله وأشهد رسوله وأشهدك أنّهم أحرار ، وقد أعتقتهم


لوجه الله جلت عظمته ، وقد جئتك يا أمير المؤمنين من فج عميق ، وبلد شاسع ، قد ضؤل جرمي ، ونحل جسمي فامنن علي يا أمير المؤمنين بفضلك ، وبحق الأبوة والرحم الماسة ، علمني الدعاء الذي رأيت في منامي ، وهتف بي أن أرحل فيه إليك.

فقال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه : نعم أفعل ذلك إن شاء الله ، ودعا بدواة وقرطاس وكتب له هذا الدعاء وهو :

( بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أنت الله الملك الحق الذي لا إله إلاّ أنت ، وأنا عبدك [ وأنت ربّي ] ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، ولا يغفر الذنوب إلاّ أنت ، فاغفر لي يا غفور يا شكور. اللهم إنّي أحمدك وأنت للحمد أهل على ما خصصتني به من مواهب الرغائب وما وصل إلي من فضلك السابغ ، وما أوليتني به من إحسانك إلي ، وبوّأتني به من مظنة العدل ، وأنلتني من منّك الواصل إلي ، ومن الدفاع عني ، والتوفيق لي والإجابة لدعائي ، حتى أناجيك داعياً ، وأدعوك مضاماً ، وأسألك فأجدك في المواطن كلها لي جابراً ، وفي الأمور ناظراً ، ولذنوبي غافراً ، ولعوراتي ساتراً ، لم أعدم خيرك طرفة عين مذ أنزلتني دار الإختبار ، لتنظر ما أقدم لدار القرار ، فأنا عتيقك من جميع الآفات ، والمصائب في اللوازب ، والغموم التي ساورتني فيها الهموم ، بمعاريض أصناف البلاء ، ومصروف جهد القضاء ، لا أذكر منك إلاّ الجميل ، ولا أرى منك غير التفضيل ، خيرك لي شامل ، وفضلك علىّ متواتر ، ونعمتك عندي متصلة ، وسوابق لم تحقق حذاري بل صدّقتَ رجائي ، وصاحبتَ أسفاري ، وأكرمتَ أحضاري ، وشفيتَ أمراضي


وأوصابي ، وعافيتَ منقلبي ومثواي ، ولم تشمت بي أعدائي ، ورميت من رماني ، وكفيتني مؤنة من عاداني. فحمدي لك واصل ، وثنائي لك دائم من الدهر إلى الدهر ، بألوان التسبيح خالصاً لذكرك ، ومرضياً لك بناصع التوحيد ، وإمحاض التمجيد ، بطول التعديد ومزية أهل المزيد ، لم تُعنَ في قدرتك ، ولم تشارك في إلهيتك ، ولم تعلم مائية ، فتكون للأشياء المختلفة مجانساً ، ولم تعاين إذ حبست الأشياء على الغرائز ، ولا خرقت الأوهام حُجُب الغيوب فتعتقد فيك محدوداً في عظمتك ، فلا يبلغك بُعدُ الهمم ، ولا ينالك غوصُ الفكر ، ولا ينتهى إليك نظر ناظر في مجد جبروتك ، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفات قدرتك ، وعلا عن ذلك كبرياءُ عظمتك ، لا ينقص ما أردت أن يزداد ، ولا يزداد ما أردت أن ينقص ، ولا أحد حضرك حين برأت النفوس. كلّت الأوهام عن تفسير صفتك ، وانحسرت العقول عن كنه عظمتك ، وكيف توصف وأنت الجبار القدوس ، الذي لم تزل أزليا دائماً في الغيوب وحدك ، ليس فيها غيرك ، ولم يكن لها سواك ، حار في ملكوتك عميقات مذاهب التفكير ، فتواضعت الملوك لهيبتك ، وعنت الوجوه بذل الاستكانة لك ، وانقاد كلّ شيء لعظمتك ، واستسلم كلّ شيء لقدرتك ، وخضعت لك الرقاب ، وكلّ دون ذلك تحبير اللغات ، وضلّ هنالك التدبير في تصاريف الصفات ، فمن تفكّر في ذلك رجع طرفه إليه حسيراً ، وعقله مبهوراً ، وتفكره متحيراً.

اللهم فلك الحمد متواتراً متوالياً ، متسقاً مستوثقاً ، يدوم ولا يبيد ، غير مفقود في الملكوت ، ولا مطموس في العالم ، ولا منتقص في العرفان ، ولك


الحمد ما لا تحصى مكارمه في الليل إذا أدبر ، والصبح إذا أسفر ، وفي البراري والبحار ، والغدو والآصال ، والعشي والابكار ، وفي الظهاير والأسحار. اللهم بتوفيقك قد أحضرتني الرغبة ، وجعلتني منك في ولاية العصمة ، فلم أبرح في سبوغ نعمائك ، وتتابع آلائك ، محفوظاً لك في المنعة والدفاع ، محوطاً بك في مثواي ومنقلبي ، ولم تكلفني فوق طاقتي إذ لم ترض منّي إلاّ طاعتي ، وليس شكري وإن أبلغت في المقال وبالغت في الفعال ، ببالغ أداء حقك ، ولا مكافياً لفضلك ، لأنّك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت ، لم تغب ولا تغيب عنك غائبة ، ولا تخفى عليك خافية ، ولم تضل لك في ظلم الخفيات ضالة ، إنّما أمرك إذا أردت شيئاً أن تقول له كن فيكون.

اللهم لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك ، و [ أضعاف ما ] حمدك به الحامدون ومجّدك به الممجدون ، وكبّرك به المكبرون ، وعظّمك به المعظمون ، حتى يكون لك منّي وحدي في كلّ طرفة عين وأقلّ من ذلك مثل حمد الحامدين ، وتوحيد أصناف المخلصين ، وتقديس أجناس العارفين ، وثناء جميع المهللين ، ومثل ما أنت به عارف من جميع خلقك من الحيوان ، وأرغب إليك في رغبة ما أنطقتني من حمدك ، فما أيسر ما كلفتني به من حقك ، وأعظم ما وعدتني على شكرك ، ابتدأتني بالنعم فضلاً وطولاً ، وأمرتني بالشكر حقاً وعدلاً ، ووعدتني عليه أضعافاً ومزيداً ، وأعطيتني من رزقك اعتباراً وفضلاً ، وسألتني منه يسيراً صغيراً ، وأعفيتني من جهد البلاء ، ولم تسلمني للسوء من بلائك. مع ما أوليتني من العافية ، وسوغت من كرايم النحل ، وضاعفت لي الفضل مع ما أودعتني من الحجة الشريفة ، ويسرت لي


من الدرجة الرفيعة ، واصطفيتني بأعظم النبيين دعوة ، وأفضلهم شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

اللهم اغفر لي ما لا يسعه إلاّ مغفرتك ، ولا يمحقه إلاّ عفوك ، ولا يكفره إلاّ فضلك ، وهب لي في يومي هذا يقيناً تهون عليّ به مصيبات الدنيا وأحزانها بشوق إليك ، ورغبة فيما عندك ، واكتب لي عندك المغفرة ، وبلغني الكرامة ، وارزقني شكر ما أنعمت به عليّ ، فإنّك أنت الله الواحد الرفيع البدئ البديع السميع العليم ، الذي ليس لأمرك مدفع ، ولا عن قضائك ممتنع. أشهد أنّك ربّي وربّ كلّ شيء ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة العليّ الكبير.

اللهم إنّي أسئلك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، والشكر على نعمتك ، وأعوذ بك من جور كلّ جائر ، وبغى كلّ باغ ، وحسد كلّ حاسد ، بك أصول على الأعداء ، وبك أرجو ولاية الأحباء ، مع ما لا أستطيع إحصاءه ولا تعديده من عوائد فضلك وطرف رزقك ، وألوان ما أوليت من إرفادك ، فإنّك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت ، الفاشي في الخلق رفدك ، الباسط بالجود يدك ، ولا تضاد في حكمك ، ولا تنازع في أمرك ، تملك من الأنام ما تشاء ، ولا يملكون إلاّ ما تريد.

قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير إنّك على كلّ شئ قدير ، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ، وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ، وترزق من تشاء بغير حساب. أنت المنعم المفضل الخالق


البارئ القادر القاهر المقدس في نور القدس ترديت بالمجد والعز ، وتعظمت بالكبرياء ، وتغشيت بالنور والبهاء ، وتجللت بالمهابة والسناء ، لك المنّ القديم ، والسلطان الشامخ ، والجود الواسع ، والقدرة المقتدرة ، جعلتني من أفضل بني آدم وجعلتني سميعاً بصيراً صحيحاً سوياً معافاً [ و ] لم تشغلني بنقصان في بدني ، ولم تمنعك كرامتك إياي ، وحسن صنيعك عندي ، وفضل إنعامك عليّ ، أن وسعت علي في الدنيا ، وفضلتني على كثير من أهلها : فجعلت لي سمعاً يسمع آياتك ، وفؤاداً يعرف عظمتك ، وأنا بفضلك حامد ، وبجهد نفسي لك شاكر ، وبحقك شاهد ، فإنّك حيّ قبل كلّ حيّ ، وحيّ بعد كلّ حيّ ، وحىّ لم ترث الحياة من حيّ ، ولم تقطع خيرك عني طرفة عين في كلّ وقت ، ولم تنزل بي عقوبات النقم. ولم تغيّر عليّ دقائق العصم ، فلو لم أذكر من إحسانك إلاّ عفوك وإجابة دعائي حين رفعت رأسي بتحميدك ، وتمجيدك ، وفي قسمة الأرزاق حين قدرت ، فلك الحمد عدد ما حفظه علمك ، وعدد ما أحاطت به قدرتك ، وعدد ما وسعته رحمتك.

اللهم فتمم إحسانك فيما بقي كما أحسنت فيما مضى ، فانّي أتوسل بتوحيدك وتمجيدك وتحميدك وتهليلك وتكبيرك وتعظيمك ، وبنورك ورأفتك ورحمتك وعلوّك وجمالك وجلالك وبهائك وسلطانك وقدرتك ، وبمحمد وآله الطاهرين ألاّ تحرمني رفدك وفوائدك ، فإنّه لا يعتريك لكثرة ما يندفق به عوائق البخل ، ولا ينقص جودك تقصير في شكر نعمتك ، ولا تفني خزائن مواهبك النعم ، ولا تخاف ضيم إملاق فتكدى ، ولا يلحقك خوف عُدم فينقص فيض فضلك.


اللهم ارزقني قلباً خاشعاً ، ويقيناً صادقاً ، ولساناً ذاكراً ، ولا تؤمني مكرك ، ولا تكشف عني سترك ، ولا تنسني ذكرك ، ولا تباعدني من جوارك ، ولا تقطعني من رحمتك ، ولا تويسني من روحك ، وكن لي أنيساً من كلّ وحشة ، واعصمني من كلّ هلكة ، ونجّني من كلّ بلاء ، فإنّك لا تخلف الميعاد.

اللهم ارفعني ولا تضعني ، وزدني ولا تنقصني ، وارحمني ولا تعذبني ، وانصرني ولا تخذلني ، وآثرني ولا تؤثر عليّ ، وصل على محمّد وآل محمّد الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.

قال ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه : ثم قال له : أنظر إن حفظ لك ، ولا تدعنّ قراءته يوماً واحداً ، فانّي أرجو أن توافي بلدك ، وقد أهلك الله عدوك ، فانّى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو أنّ رجلا قرأ هذا الدعاء بنية صادقة ، وقلب خاشع ثم أمر الجبال أن تسير معه لسارت ، وعلى البحر لمشى عليه.

وخرج الرجل إلى بلاده فورد كتابه على مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد أربعين يوماً أن الله قد أهلك عدوه ، حتى أنّه لم يبق في ناحيته رجل واحد ، فقال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله : قد علّمت ذلك ، ولقد علّمنيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما استعسر علي أمر إلاّ استيسر به ).

وقال السيد ابن طاووس في كتابه ( مهج الدعوات ) :

( ومن ذلك دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روى ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه أنّه قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيته ضاحكاً مسروراً ، فقلت : ما الخبر؟ فداك أبي وأمي يا رسول الله؟


فقال : يا بن عباس أتاني جبرئيل عليه‌السلام وبيده صحيفة مكتوب فيها كرامة لي ولأمتي خاصة ، فقال لي : خذها يا محمد ، واقرء ما فيها وعظّمه! فإنّه كنز من كنوز الآخرة وهذا دعاء أكرمك الله عزوجل به ، ولأمتك.

فقلت له : وما هو يا جبرئيل؟

فقال صلى الله عليه وعلى جميع الملائكة المقربين : سبحان الله وبحمده ... وهو الدعاء في هذا الكتاب :

( سبحان الله العظيم وبحمده ( تقول ثلاث مرات ) ، سبحانه من إله ما أقدره ، وسبحانه من قدير ما أعظمه ، وسبحانه من عظيم ما أجله ، وسبحانه من جليل ما أمجده ، وسبحانه من ماجد ما أرأفه ، وسبحانه من رؤوف ما أعزه ، وسبحانه من عزيز ما أكبره ، وسبحانه من كبير ما أقدمه ، وسبحانه من قديم ما أعلاه ، وسبحانه من عال ما أسناه ، وسبحانه من سني ما أبهاه ، وسبحانه من بهي ما أنوره ، وسبحانه من منير ما أظهره ، وسبحانه من ظاهر ما أخفاه ، وسبحانه من خفي ما أعلمه ، وسبحانه من عليم ما أخبره ، وسبحانه من خبير ما أكرمه ، وسبحانه من كريم ما ألطفه ، وسبحانه من لطيف ما أبصره ، وسبحانه من بصير ما أسمعه ، وسبحانه من سميع ما أحفظه ، وسبحانه من حفيظ ما أملاه ، وسبحانه من مليّ ما أهداه ، وسبحانه من هاد ما أصدقه ، وسبحانه من صادق ما أحمده ، وسبحانه من حميد ما أذكره ، وسبحانه من ذاكر ما أشكره ، وسبحانه من شكور ما أوفاه وسبحانه من وفي ما أغناه ، وسبحانه من غني ما أعطاه. وسبحانه من معط ما أو سعه ، وسبحانه من واسع ما أجوده ، وسبحانه من جواد ما أفضله ، وسبحانه من مفضل ما أنعمه ،


وسبحانه من منعم ما أسيده ، وسبحانه من سيد ما أرحمه ، وسبحانه من رحيم ما أشدّه ، وسبحانه من شديد ما أقواه ، وسبحانه من قوي ما أحكمه ، وسبحانه من حكيم ما أبطشه ، وسبحانه من باطش ما أقومه ، وسبحانه من قيوم ما أحمده ، وسبحانه من حميد ما أدومه ، وسبحانه من دائم ما أبقاه ، وسبحانه من باق ما أفرده ، وسبحانه من فرد ما أوحده ، وسبحانه من واحد ما أصمده ، وسبحانه من صمد ما أملكه ، وسبحانه من مالك ما أولاه ، وسبحانه من ولي ما أعظمه ، وسبحانه من عظيم ما أكمله ، وسبحانه من كامل ما أتمه ، وسبحانه من تام ما أعجبه ، وسبحانه من عجيب ما أفخره ، وسبحانه من فاخر ما أبعده ، وسبحانه من بعيد ما أقربه ، وسبحانه من قريب ما أمنعه ، وسبحانه من مانع ما أغلبه ، وسبحانه من غالب ما أعفاه ، وسبحانه من عفو ما أحسنه ، وسبحانه من محسن ما أجمله ، وسبحانه من جميل ما أقبله ، وسبحانه من قابل ما أشكره ، وسبحانه من شكور ما أغفره ، وسبحانه من غفور ما أكبره ، وسبحانه من كبير ما أجبره ، وسبحانه من جبار ما أدينه ، وسبحانه من ديان ما أقضاه ، وسبحانه من قاض ما أمضاه ، وسبحانه من ماض ما أنفذه ، وسبحانه من نافذ ما أرحمه ، وسبحانه من رحيم ما أخلقه ، وسبحانه من خالق ما أقهره ، وسبحانه من قاهر ما أملكه ، وسبحانه من ملك ما أقدره ، وسبحانه من قادر ما أرفعه ، وسبحانه من رفيع ما أشرفه ، وسبحانه من شريف ما أرزقه ، وسبحانه من رازق ما أقبضه ، وسبحانه من قابض ما أبدأه ، وسبحانه من بادء ما أقدسه ، وسبحانه من قدوس ما أطهره ، وسبحانه من طاهر ما أزكاه ، وسبحانه من زكي ما أبقاه ، وسبحانه من باق ما أعوده ، وسبحانه من عواد


( معيد / خ ل ) ما أفطره ، وسبحانه من فاطر ما أوهبه ، وسبحانه من وهاب ما أتوبه ، وسبحانه من تواب ما أسخاه ، وسبحانه من سخي ما أبصره ، وسبحانه من بصير ما أسلمه ، وسبحانه من سلام ما أشفاه ، وسبحانه من شاف ما أنجاه ، وسبحانه من منج ما أبره ، وسبحانه من بار ما أطلبه ، وسبحانه من طالب ما أدركه ، وسبحانه من مدرك ما أشدّه ، وسبحانه من شديد ما أعطفه ، وسبحانه من متعطف ما أعدله ، وسبحانه من عادل ما أتقنه ، وسبحانه من متقن ما أحكمه ، وسبحانه من حكيم ما أكفله ، وسبحانه من كفيل ما أشهده ، وسبحانه هو الله العظيم وبحمده ، والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولله الحمد ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، دافع كلّ بلية ، وهو حسبي ونعم الوكيل ).

قال سفيان الثوري : ويل لمن لا يعرف حرمة هذا الدعاء! فإنّ من عرف حق هذا الدعاء وحرمته ، كفاه الله عزوجل كلّ شدّة وصعوبة ، وآفة ومرض وغم ببركة هذا الدعاء ، فتعلموه وعلّموه ، ففيه البركة والخير الكثير في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى ) (١).

ومن ذلك دعاء علّمه جبرائيل عليه‌السلام للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان من أدعيته المرفوعة ، قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال :

( اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهنّ ، ولك الحمد أنت قيّم السموات والأرض ومن فيهنّ ، ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك

____________

١ ـ مهج الدعوات / ١٠٥ ـ ١١١ ط حجرية سنة ( ١٣٢٣ هـ ) أوفست.


الحق ، وقولك حق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، اللهم لك أسلمت ، وعليك توكلت ، وبك آمنت ، واليك أنبت ، وبك خاصمت ، واليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدّم وأنت المؤخّر : لا إله إلا أنت ( أو لا إله غيرك ).

وزاد أحد الرواة في روايته ( ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ) (١).

وعن ابن عباس قال : كان من دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( ربّ أعني ولا تعن عليَّ ، وأنصرني ولا تنصر عليَّ ، وأهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى عليَّ ، رب اجعلني لك شاكراً ، لك ذاكراً ، لك مطواعاً ، إليك راغباً ، إليك مخبتاً ، لك أواهاً منيباً ، ربّ تقبل توبتي ، وأغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وأهد قلبي وثبت حجتّي ، وسدّد لساني ، وأسلل سخيمة قلبي ) (٢).

وفي دعاء ابن عباس الذي رواه عنه حنش ، فقال في آخره : ( وأستجب دعائي ، ثم تبدأ بالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول : اللهم إنّي أسألك أن تصلي على محمّد عبدك ونبيك ورسولك أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجمعين آمين ) (٣).

وجاء في ( أخبار مكة ) للفاكهي بسنده عن عكرمة ، قال : ( وجدت في

____________

١ ـ صحيح البخاري ٢ / ٤٨ باب التهجد بالليل ، ورواه عبد الرزاق في المصنف ٢ / ٧٩ بتفاوت يسير ، وابن الدنيا في كتاب التهجد ١ / ٢٥٢ ( في موسوعته ).

٢ ـ سنن أبي داود في كتاب الصلاة باب ما يقول الرجل إذا سلّم ، وسنن الترمذي كتاب الدعوات ، باب في دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ عذب الكلام / ٢٣٣ ، وهو في كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى٢ / ٦٦.


كتاب ابن عباس رضي‌الله‌عنه يقول : إذا أردت وداع البيت فارتحل ثم إئت المسجد فطف بالبيت سبعاً ، فإذا فرغت من سعيك ، فأت الملتزم بين الركن والباب فضع خديك بينهما وابسط يديك وقل : ( اللهم هذا وداعي بيتك فحرّمني وعيالي على النار ، اللهم خرجت إليك بغير منة عليك ، أنت أخرجتني ، فإن كنت قد غفرت ذنوبي ، وأصلحت عيوبي ، وطهرت قلبي وكفيتني المهم من دنياي وآخرتي ، فلا ينقلب المنقلبون إلاّ لفضل منك ، وإن لم تكن فعلت ذلك فذنوبي وما قدمت يداي فاغفر لي وارحمني ).

ثم تنح خلف المقام فصل ركعتين وتطيل فيهما ، ولا تأل أن تحسن الدعاء ، ثم تنصرف إلى زمزم فاستق دلوا فاشرب واستقبل القبلة ، ثم قل : ( اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً ، وشفاءاً من كلّ داء ) (١).

عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ( لمّا أن بعث الله عيسى عليه‌السلام تعرّض له الشيطان فوسوسه فقال عيسى عليه‌السلام : ( سبحان الله ملء سمواته وأرضه ، ومدار كلماته ، وزنة عرشه ، ورضا نفسه ) ، فلما سمع إبليس ذلك ذهب على وجهه لا يملك من نفسه شيئاً حتى وقع في اللجة الخضراء ) (٢).

عن أبي زميل ، قال : ( سألت ابن عباس عمّا يجد الإنسان في صدره من الشك ، فقال : ما نجا من ذلك أحد ، وقد أنزل الله : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ )(٣) فإذا وجدت ذلك فقل : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ

____________

١ ـ أخبار مكة / رقم ٦٧٦.

٢ ـ أمالي الصدق / ١٢٢ ، بحار الأنوار ٩٥ / ١٣٦.

٣ ـ يونس / ٩٤.


عَلِيمٌ )(١) ) (٢).

عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( من أكثر الإستغفار جعل الله عزوجل له من كلّ هم فرجاً ، ومن كلّ ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب ) (٣).

دعاء ابن عباس المأثور في طواف الوداع : ( اللهم إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، حملتني على ما سخرّت لي من خلقك ، وسيّرتني في بلادك ، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك ، وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عنّي فازدد عنّي رضاً ، وإلاّ فمن الآن فأرض عنّي قبل أن تنأى عن بيتك داري ، فهذا أوان أنصرافي ، إن أذنت لي غير مستبد بك ولا ببيتك ، ولا راغباً عنك ولا عن بيتك ، اللهم فأصحبني العافية في بدني ، والصحة في جسمي ، والعصمة في ديني ، وأحسن منقلبي ، وأرزقني طاعتك ما أبقيتني ، وأجمع لي بين خير الدنيا والآخرة إنك على كلّ شيء قدير ) (٤).

عن عكرمة عن ابن عباس قال : ( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد حاجة ، أبعد في المشي ، فأتى يوماً وادياً لحاجة فنزع خفّه وقضى حاجته ، ثم توضاً وأراد لبس خفّه ، فجاء طائر أخضر فحمل الخفّ فارتفع به ، ثم طرحه

____________

١ ـ الحديد / ٣.

٢ ـ بحار الأنوار ٩٥ / ١٣٧.

٣ ـ أخرجه أحمد في المسند ١ / ٢٤٨ ط الأولى ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٢٦٢ ، وابن كثير في التفسير ٨ / ١٧٢ وغيرهم.

٤ ـ مختصر منسك شيخ الإسلام / ٢٧ ط ٣ لابن تيمية سنة ( ١٤٢٤ هـ ).


فخرج منه أسود ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه كرامة أكرمني الله بها ( اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ من يمشي على بطنه ، ومن شرّ من يمشي على رجلين ، ومن شرّ من يمشي على أربع ، ومن شرّ كلّ ذي شرّ ، ومن شرّ كلّ دابة أنت آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم ) (١).

عن ابن عباس في خبر الرجل الذي أتى عمر فشكا إليه ما ناله من إبل له بناحية أذربيجان فكتب له رقعة فيها : من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن والشياطين أن يذللوا هذه المواشي له ، فأخذ الرجل الرقعة ومضى ، فقال ابن عباس : فاغتممت غمّاً شديداً ، فلقيت عليّاً فأخبرته بما كان ، فقال عليه‌السلام : ( والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليعودن بالخيبة ، فهدأ مابي ، ثم ذكر عودة الرجل خائباً فمضى به إلى الإمام عليه‌السلام فعلّمه هذا الدعاء :

( اللهم إنّي أتوجه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، وأهل بيته الذين اخترتهم على علم من العالمين ، اللهم ذللّ لي صعوبتها وأكفني شرها ، فإنّك الكافي المعافي ، والغالب القاهر ) ... فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كلّ من أستصعب عليه شيء من مال أو أهل أو ولد أو أمر فليبتهل إلى الله بهذا الدعاء ، فإنّه يكفي ممّا يخاف إن شاء الله ) (٢).

وأخرج عبد الرزاق في ( المصنف ) وعبد بن حميد ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه : ( أنّه كان إذا صلى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( اللهم تقبلّ شفاعة محمّد الكبرى ، وارفع درجته العليا ، وأته سؤله في الآخرة والأولى ، كما أتيت إبراهيم

____________

١ ـ بحار الأنوار ٩٥ / ١٤١ ـ ١٤٢.

٢ ـ بحار الأنوار ٤١ / ٢٤٠.


وموسى عليهما‌السلام ) (١).

قال القاضي عياض في ( الشفاء ) : ( وعن وهيب بن الورد ـ أنّه كان يقول في دعائه : ( اللهم أعط محمّداً أفضل ما سألك لنفسه ، وأعط محمّداً أفضل ما سألك له أحد من خلقك ، وأعط محمّداً أفضل ما أنت مسئول له إلى يوم القيامة ) (٢).

ومن دعائه لمّا أخرجه ابن الزبير من مكة إلى الطائف ، فمرّ في طريقه بنعمان ـ بين مكة والطائف ـ فنزل وصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو فقال : ( اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن بلد أحبّ إليّ من أن أعبدك فيه من البلد الحرام ، وإنني لا أحبّ أن تقبض روحي إلاّ فيه ، وأن ابن الزبير أخرجني منه ليكون الأقوى في سلطانه ، اللهم فأوهن كيده ، واجعل دائرة السوء عليه ) (٣).

____________

١ ـ المصنف ٢ / ٢١٢

٢ ـ أخرجه ابن كثير في تفسيره في فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : اسناد جيد قوي صحيح ، وأخرجه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نشر الكتب الإسلامية تحقيق الألباني والسيوطي في الدر المنثور ، وجامع الأحاديث برقم ٣٨٧٤٤ وعنه في كنز العمال برقم ٢٢٣٦٠ وعياض في الشفاء ٢ / ٦٣ ط أسطنبول سنة ( ١٣٠٤ هـ ).

٣ ـ أنظر موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٣٦٦.


آخر أدعيته

وبه كان ختام عمله ، فقد روى أحمد بن حنبل بإسناده كما روى هذا غيره وقد مرّ في الحلقة الأولى : ( لمّا حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال : اللهم إنّي أتقرب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب ).

وفي لفظ الخزاز في ( كفاية الأثر ) عن عطاء : ( قال لي يا عطاء خذ بيدي واحملني إلى صحن الدار ، فأخذنا بيده أنا وسعيد وحملناه إلى صحن الدار ، ثم رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم إنّي أتقرب إليك بمحمد وآله ، اللهم إنّي أتقرب إليك بولاية الشيخ عليّ بن أبي طالب. فما زال يكررها حتى وقع إلى الأرض ، فصبرنا عليه ساعة ، ثم أقمناه فإذا هو ميت رحمة الله ) (١).

ـ وممّا يحسن ذكره في المقام ما أورده الشيخ المجلسي في ( البحار ) ، قال : باب ما يدفع قلّة الحفظ : ( ورأيت منقولاً من خط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلاً من خط الشهيد ( قدس‌سرهما ) عن ابن عباس قال : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اتقوّى به على الحفظ حين شكوت إليه قلّة الحفظ ، فقال : ( ألا أهدي لك هدية يا ابن عباس ، علمني إياها جبرائيل عليه‌السلام؟ ).

فقلت : بلى يا رسول الله.

____________

١ ـ نفس المصدر.


فقال لي : ( تكتب في طست بزعفران وماء الورد فاتحة الكتاب والتوحيد والمعوذتين ويس والحشر والواقعة والملك ، ثم تصبّ عليها ماء زمزم ، أو ماء السماء ، وتشرب على الريق وقت السحر ، وذلك مع ثلاث ( ثلاثة ) مثاقيل لبان ، وعشر ( عشرة ) مثاقيل عسل ، وعشر ( عشرة ) مثاقيل سكّر ، ثم تصلي بعد شربه عشر ركعات ، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب عشر مرات ، وقل هو الله أحد ، ثم تصبح صائماً ذلك اليوم ، فما تأتي عليك أربعون يوماً حتى تكون حافظاً بإذن الله تعالى ).

قيل : وكان الزهري يكتبها لأولاده ويسقيهم إيّاها.

قال ابن عاصم كتبتها كثيراً وكنت ابن اثنين وخمسين سنة ، فما أتى علي شهر حتى صرت حافظاً بإذن الله تعالى ) (١).

أدعية أيام شهر رمضان لكل يوم دعاء مخصوص

نقل الكفعمي في مصباحه عن كتاب ( الذخيرة ) أدعية الأيام في شهر رمضان لكلّ يوم دعاءً مخصوصاً مروية عن ابن عباس ، قال : رواها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يذكر لها سنداً عن ابن عباس ، ولنا مندوحة في ذكرها إستناداً إلى التسامح في أدلة السنن ، وأخبار من بلغه ثواب على عمل فأتى به رجاء ذلك الثواب أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه يعني رعاية جانب الإنقياد في الطاعة ، فنحن نذكر خصوص الأدعية نقلاً عن ( مصباح الكفعمي ) (٢) مع ترك ما ذكر لها من ثواب لكلّ دعاء ، فمن أراد

____________

١ ـ بحار الأنوار ٩٥ / ٢٤٠ ط الإسلامية.

٢ ـ مصباح الكفعمي / ٦١٢ ط حجرية سنة ١٣٢١ هـ.


الإطلاع عليه مراجعة المصدر.

دعاء اليوم الأوّل : ( اللهم اجعل صيامي فيه صيام الصائمين ، وهب لي جرمي فيه يا إله العالمين ، وأعف عني يا عافياً عن المجرمين ).

دعاء اليوم الثاني : ( اللهم قرّبني فيه إلى مرضاتك ، وجنّبني فيه سخطك ونقماتك ، ووفقّني فيه لقراءة آياتك ، برحمتك يا أرحم الراحمين ).

دعاء اليوم الثالث : ( اللهم أرزقني فيه الذهن والتنبيه ، وأبعدني من السفاهة والتمويه ، وأجعل لي نصيباً في كلّ خير أنزلته فيه يا أجود الأجودين ).

دعاء اليوم الرابع : ( اللهم قوّني فيه على إقامة أمرك ، وأوزعني لأداء شكرك بكرمك ، وأحفظني بحفظك وسترك يا أبصر الناظرين ).

دعاء اليوم الخامس : ( اللهم اجعلني فيه من المستغفرين ، واجعلني فيه من عبادك الصالحين ، واجعلني فيه من أوليائك المتقين برأفتك يا أكرم الأكرمين ).

دعاء اليوم السادس : ( اللهم لا تخذلني لتعرض معاصيك ، وأعذني من سياط نقمتك ومهاويك ، وأجرني من موجبات سخط بمنّك وأياديك ، يا منتهى رغبة الراغبين ).

دعاء اليوم السابع : ( اللهم أعنّي على صيامه وقيامه ، وجنّبني فيه من هفواته وآثامه ، وأرزقني ذكرك وشكرك بدوام هدايتك يا هادي المؤمنين ).

دعاء اليوم الثامن : ( اللهم أرزقني فيه رحمة الأيتام ، وإطعام الطعام ،


وإفشاء السلام ، وأرزقني فيه صحبة الكرام ومجانبة اللئام ، بطولك يا أمل الآملين ).

دعاء اليوم التاسع : ( اللهم اجعل لي فيه نصيباً من رحمتك الواسعة ، واهدني فيه ببراهينك القاطعة ، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة ، بحجتك يا أمل المشتاقين ).

دعاء اليوم العاشر : ( اللهم اجعلني فيه من المتوكلين عليك ، الفائزين لديك ، المقربّين إليك ، يا غاية الطالبين ).

دعاء اليوم الحادي عشر : ( اللهم حبّب إليَّ فيه الإحسان ، وكرّه إليّ فيه الفسوق والعصيان ، وحرّم عليّ فيه السخط والنيران بقوتك يا غوث المستغيثين ).

دعاء اليوم الثاني عشر : ( اللهم ارزقني فيه الستر والعفاف والبسني فيه لباس القنوع والكفاف ، ونجني فيه ممّا أحذر وأخاف بعصمتك يا عصمة الخائفين ).

دعاء اليوم الثالث عشر : ( اللهم طهّرني فيه من الدنس والأقذار ، وصبّرني على كائنات الأقدار ، ووفقني للتقى وصحبة الأبرار ، بعونك يا قرّة عيون المساكين ).

دعاء اليوم الرابع عشر : ( اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات ، وأقلني فيه من الخطيئات والهفوات ، ولا تجعلني غرضاً للبلايا والآفات ، بعزّك يا عزّ المسلمين ).


دعاء اليوم الخامس عشر : ( اللهم ارزقني فيه طاعة العابدين ، واشرح فيه صدري بإنابة المخبتين يا أمان الخائفين ).

دعاء اليوم السادس عشر : ( اللهم اهدني فيه لعمل الأبرار ، وجنّبني فيه مرافقة الأشرار ، وأدخلني فيه برحمتك دار القرار ، بإلهيتك يا إله العالمين ).

دعاء اليوم السابع عشر : ( اللهم اهدني فيه لصالح الأعمال ، واقض لي فيه الحوائج والآمال ، يا من لا يحتاج إلى السؤال ، يا عالماً بما في صدور العالمين ).

دعاء اليوم الثامن عشر : ( اللهم نبّهني فيه لبركات أسحاره ، ونورّ قلبي بضياء أنواره ، وخذ بكلّ أعضائي إلى إتباع آثاره ، يا منّور قلوب العارفين ).

دعاء اليوم التاسع عشر : ( اللهم وفرّ حظي ببركاته ، وسهّل سبيلي إلى خيراته ، ولا تحرمني قبول حسناته ، يا هادياً إلى الحق المبين ).

دعاء اليوم العشرين : ( اللهم افتح لي فيه أبواب الجنان ، واغلق عني أبواب النيران ، ووفقني فيه لتلاوة القرآن ، يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين ).

دعاء اليوم الواحد والعشرين : ( اللهم اجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلاً ، ولا تجعل عليَّ فيه للشيطان سبيلاً ، يا قاضي حوائج السائلين ).

دعاء اليوم الثاني والعشرين : ( اللهم افتح لي فيه أبواب فضلك ، وأنزل عليَّ فيه بركاتك ، ووفقني فيه لموجبات مرضاتك ، وأسكنّي فيه بحبوحة جنّاتك يا مجيب دعوة المضطرين ).


دعاء اليوم الثالث والعشرين : ( اللهم اغسلني فيه من الذنوب ، وطهّرني فيه من العيوب ، وامتحن فيه قلبي بتقوى القلوب ، يا مقيل عثرات المذنبين ).

دعاء اليوم الرابع والعشرين : ( اللهم إنّي أسألك فيه ما يرضيك ، وأعوذ بك فيه ممّا يؤذيك ، بأن أطيعك ولا أعصيك ، يا عالماً بما في صدور العالمين ).

دعاء اليوم الخامس والعشرين : ( اللهم اجعلني محبّاً لأوليائك ، ومعادياً لأعدائك ، ومتمسّكاً بسنة خاتم أنبيائك ، يا عظيماً في قلوب النبيين ).

دعاء اليوم السادس والعشرين : ( اللهم اجعل سعيي فيه مشكوراً ، وذنبي فيه مغفوراً ، وعملي فيه مقبولاً ، وعيبي فيه مستوراً ، يا أسمع السامعين ).

دعاء اليوم السابع والعشرين : ( اللهم وفّر حظي فيه من النوافل ، وأكرمني فيه بإحضار الإحراز من المسائل ، وقرّب وسيلتي إليك من بين الوسائل ، يا من لا يشغله إلحاح الملّحين ).

دعاء اليوم الثامن والعشرين : ( اللهم غشّني فيه بالحرمة والتوفيق والعصمة ، وطهّر قلبي من عائبات التهمة ، يا رؤوفاً بعباده المؤمنين ).

دعاء اليوم التاسع والعشرين : ( اللهم ارزقني فيه ليلة القدر ، وصيّر لي كلّ عسر إلى يُسر ، واقبل معاذيري وحطّ عني الوزر ، يا رحيماً بعباده المؤمنين ).

دعاء اليوم الثلاثين : ( اللهم اجعل صيامي فيه بالشكر والقبول ، على ما ترضاه ويرضاه الرسول ، محكمة فروعه بالأصول ، بحق محمّد وآله الطيبين


الطاهرين ) (١).

____________

١ ـ ومما يلحق بالدعاء عنه قال : إن قوماً من عرينة جاؤا الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلموا ، وكان منهم مؤاربة قد شلت أعضاؤهم ، واصفرت وجوههم ، وعظمت بطونهم ، فأمرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى إبل الصدقة يشربوا من أبوالها وألبانها ، فشربوا حتى صحوا وسمنوا ، فعمدوا الى راعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقتلوه واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام ، وجاء جبريل فقال : يا محمد ابعث في آثارهم ، فبعث ثم قال : ادع بهذا الدعاء : ( اللهم إن السماء سماؤك ، والأرض أرضك ، والمشرق مشرقك ، والمغرب مغربك ، اللهم ضيّق على من مسك جملاً حتى تقدرني عليهم ) فجاؤا بهم ، فأنزل الله تعالى ( انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ... ) الآية ، فأمره جبريل : أن من أخذ المال وقتل يصلب ، ومن قتل ولم يأخذ المال يقتل ، ومن أخذ المال ولم يقتل تقطع يده ورجله من خلاف.

وقال ابن عباس : هذا الدعاء لكل آبق ، ولكل من ضلت له ضالة من انسان وغيره ، يدعو هذا الدعاء ، ويكتب في شيء ويدفن في مكان نظيف الا قدره الله عليه. ( الدر المنثور ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ).



الفصل السابع

في كتبه وما ورد عنه من حكم الكلم القصار

وفيه ستة مباحث



لا شك كانت لابن عباس رضي‌الله‌عنه مراسلات إبتداءً أو جواباً مع رجال عصره ، وفيهم الأولياء ومنهم الأعداء ، ولم يصل إلينا من تلك الرسائل إلاّ القليل ، وهذا ما يدعو إلى الغرابة ، نظراً لمكانته الإجتماعية منذ عهد عمر حيث لمع اسمه ، وتألق نجمه ، وما زال يتعاظم ذكره في أيام عثمان ، فلم أقف له على كتابة كتاب لا إبتداءاً ولا جواباً في فترة خلافتهما. وهذا قد يثير التساؤل ، كيف لشخصية كمثله يتمتع بقدرات فائقة في جميع أبعاد شخصيته ، نسباً وحسباً وعلماً وأدباً وكياسةً وسياسةً ، ثم لا توجد له رسالة واحدة كتبها ابتداءاً أو جواباً؟!

وأقدم ما وقفت عليه من كتبه هو ما كان في عصر خلافة الإمام عليه‌السلام فكانت له معه ، فمنه وإليه مراسلات جرت بينهما أيام ولايته على البصرة ، وقد مرّت في الحلقة الأولى في مناسبات ذكرها ، وهي قليلة أيضاً.

كما جرت بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص أيام صفين ، وهذا أيضاً مرّ ذكره هناك.

وقد توالت كتبه من بعدُ في أيام معاوية وابنه يزيد ، وعبد الملك بن


مروان ، ومع ابن الزبير ، ونجدة الخارجي ، وابن أبي مليكة عامل ابن الزبير على اليمن ، وقد مرّت الإشارة إليها أيضاً.

كما توجد شذرات متفرقة في جواب بعض المسائل لم نعرف أسم المكتوب إليه ، واعطف عليها جوابات كتب قيصر ملك الروم إلى معاوية واليه ، ولم يسبق ذكرها بشكل وافٍ. فرأيت جمعها جميعاً في هذا الجزء ، إلحاقاً بشعره وخطبه وإحتجاجاته ، وأدعيته.

كما سأتبعها بمنثور كلماته الحكمية ، وبهذا أكون قد وفرت على القارئ عناء البحث عنها في أماكنها المتفرقة في الحلقة الأولى ، فيبتهج بما يستمتع فيه من قراءة نافعة حيث سيجد في شخص ابن عباس عدّة مواهب ما لو تفرّد بواحدة منها ، لأغنته عما يتباهى بها الرجال ، فهو إذ يندّد في إحتجاجاته بالطغاة من المستولين ، ينوّه أيضاً بمقام الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وأهل البيت الطاهرين عليهم‌السلام.

ولا عجب في رسائله وخطبه نبع من فيض مربيّه أمير البيان إذ يفيض فصاحة وبلاغة ، وسلاسة بيان تغني القارئ بمعرفته.

وسأعرضها في مباحث :

المبحث الأول : ما كان بينه وبين الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ومع ابنه الإمام الحسن السبط عليه‌السلام ، وأخيراً كتابه إلى محمد بن الحنفية منه وإليهما.

المبحث الثاني : فيما دار بينه وبين الطغاة من مردة الحاكمين.

المبحث الثالث : في رسائله إلى أصحاب المذاهب المنحرفة كالمجبرة والخوارج وقيصر الروم.


المبحث الأول

في كتبه إلى الإمام أمير المؤمنين

وإلى الإمام الحسن الزكي المجتبى عليهما‌السلام



وهي في قسمين :

القسم الأوّل : في كتبه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

القسم الثاني : في كتابه إلى الإمام الحسن عليه‌السلام ، وكتابه إلى محمد بن الحنفية.

والقسم الأوّل فيه ثلاثة أبحاث :

البحث الأوّل : في معلوم الموضوع.

والبحث الثاني : في مجهول الموضوع.

والبحث الثالث : في كتب غير صحيحة النسبة.



القسم الأوّل

البحث الأوّل

في معلوم الموضوع

فمنه كتابه إلى الإمام عليه‌السلام وذلك أيام ولايته على البصرة كما مرّ (١) ، فقد كتب إليه يسأله عن ميراث ستة إخوة وجدّ ، فهو إنّما يستفتيه في مسألة ميراث الجدّ مع الإخوة ، لأنّ هذه المسألة كانت قد وقع فيها الخلاف في فتاوى الصحابة ، فأبو بكر جعل الجدّ أباً كما رواه البخاري في صحيحه في باب ميراث الجدّ ، ولم يتبعه عمر من بعده على ذلك حيث أراد أن يأخذ المال كلّه إذ مات له ابن في حياته.

قال الشعبي : ( أوّل جدّ ورث في الإسلام عمر فأخذ ماله ، فأتاه عليّ وزيد فقالا : ليس لك ذلك ، إنّما كنت كأحد الأخوين ) (٢).

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ٦٨.

٢ ـ سنن الدارمي ٢ / ٣٥٤.


وقد أخرج البيهقي في سننه الكبرى ، عن عبيدة ( ابن عبيدة ) ، قال : ( إنّي لأحفظ عن عمر في الجدّ مائة قضية ، كلّها ينقض بعضها بعضاً ) (١)!

وفي ( مستدرك الحاكم ) عن مروان بن الحكم : ( أنّ عمر بن الخطاب لمّا طعن استشارهم في الجدّ ، فقال : إنّي كنت رأيت في الجدّ رأياً فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه ، فقال له عثمان : إن نتبع رأيك فإنّه رشد وإن نتبع رأي الشيخ فلنعم ذو الرأي كان ) (٢).

ولمّا كان الخلفاء الثلاثة لم يتفقوا على رأي واحد ، فكان الصحابة كذلك حتى لقد روى العامّة عن الإمام عليّ عليه‌السلام ثلاث روايات في المسألة :

إحداها : أنّه يدفع إلى الجدّ السدس أو المقاسمة ، فإن كانت المقاسمة خيراً له من السدس فالمقاسمة ، وإلاّ فالسدس (٣).

والثانية : للجدّ المقاسمة أو السبع (٤).

والثالثة : المقاسمة أو الثمن (٥).

قال الشيخ الطوسي : ( وروي عنه أنّه قال في سبعة إخوة وجدّ ( هو كأحدهم ) ، وهذه الرواية تدلّ على مذهبنا لأنّها مثل ما رويناه عنه عليه‌السلام ) (٦).

____________

١ ـ السنن الكبرى ٦ / ٢٤٥.

٢ ـ المستدرك ٤٤ / ٣٤٠.

٣ ـ الخلاف ٤ / ٩٠ ، للشيخ الطوسي ط مؤسسة النشر الإسلامية.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ الخلاف ٤ / ٩٠ ، للشيخ الطوسي ط مؤسسة النشر الإسلامية.


أقول : لعلّه يريد بهذا ما قاله الشيخ الصدوق رحمة الله في كتابه من لا يحضره الفقيه ، فقد قال : ( وقال الفضل بن شاذان : إعلم أنّ الجدّ بمنزلة الأخ أبداً يرث حيث يرث ، ويسقط حيث يسقط ، وغلط الفضل في ذلك ، لأنّ الجدّ يرث مع ولد الولد ولا يرث معه الأخ ، ويرث الجدّ من قبل الأب مع الأب ، والجدّ من قبل الأم مع الأم ، ولا يرث الأخ مع الأب والأخ ، وابن الأخ يرث مع الجدّ ولا يرث مع الأخ ، فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ أبداً؟ وكيف يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط؟ بل الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحد منهم ، فأمّا أن يكون أبداً بمنزلتهم يرث حيث يرث الأخ ويسقط حيث يسقط فلا.

وذكر الفضل بن شاذان من الدليل على ذلك : ما رواه فراس ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، أنّه قال : كتب إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في ستة إخوة وجدّ : ( أن إجعله كأحدهم وامح كتابي ) فجعله عليّ عليه‌السلام سابعهم ، وقوله عليه‌السلام : ( وامح كتابي ) كره أن يشنّع عليه بالخلاف على من تقدمه ، وليس هذا بحجة للفضل بن شاذان ، لأنّ هذا الخبر إنّما يثبت أنّ الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحدة منهم ، وليس يثبت كونه أبداً بمنزلة الأخ ، ولا ثبت أنّه يرث حيث يرث الأخ ، ويسقط حيث يسقط الأخ به ) (١).

أقول : وما ذكره الصدوق عن فراس عن الشعبي ، رواه البيهقي بسنده في سننه الكبرى ، ولفظه قال : ( كتب ابن عباس إلى عليّ رضي‌الله‌عنه يسأله عن ستة

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٨.


إخوة وجدّ ، فكتب إليه : ( إجعله كأحدهم ، وأمح كتابي ) (١).

وتبقى مسألة ميراث الجدّ من معضلات المسائل حتى روي عن الإمام عليه‌السلام أنّه قال : ( من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجدّ ) (٢).

وسيأتي مزيد إيضاح في الحلقة الثالثة في فقهه.

ومن الكتب المعلوم موضوعها ما كتب به إلى الإمام عليه‌السلام معزّياً بمقتل محمد بن أبي بكر جواباً عن كتابه.

قال الطبري في تاريخه : ( قال أبو مخنف في كتابيه مقتل محمّد بن أبي بكر والأشتر ، وقد ذكر كتاب الإمام إلى ابن عباس بصورة أوسع ممّا مرّ وهي : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله ابن عباس ، سلام عليك ، فإنّي أحمد الله إليك الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت ، ومحمّد بن أبي بكر قد استشهد ، فعند الله نحتسبه وندّخره ، وقد كنت قمت في الناس في بدئه ، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، ودعوتهم سراً وجهراً ، وعَوداً وبدءاً ، فمنهم من أتى كارهاً ، ومنهم من اعتل كاذباً ، ومنهم القاعد حالاً ( خاذلاً ) ، أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجاً ومخرجاً ، وأن يريحني منهم عاجلاً ، والله لولا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة ، لأحببت ألاّ أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً ، عزم الله لنا ولك على الرشد ، وعلى تقواه وهداه ، إنّه على كلّ شيء قدير والسلام ) (٣).

____________

١ ـ السنن الكبرى ٦ / ٢٤٩.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٨ تح المرحوم السيد الوالدR.

٣ ـ أنظر تاريخ الطبري ٥ / ١٠٩ ط محققه.


وهذا الكتاب كما تضمن إعلام ابن عباس بفتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر ، كذلك تضمّن إعلامه بحال الناس معه في عدم إستجابتهم حين يدعوهم لما يحييهم ، فهو يبثّ ابن عمه شكواه منهم ، ومن تمنّيه مفارقتهم يُعلم مبلغ حزنه عليه‌السلام ، ولا ريب أنّ ابن عباس أحزنه جميع ذلك ، فبادر بالجواب معزّياً ومواسياً ، ومخفّفاً بعض ما يجده الإمام من الناس بمداراتهم فكتب إليه :

( بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس ، سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه إفتتاح مصر ، وهلاك محمّد بن أبي بكر ، فالله المستعان على كلّ حال ، ورحم الله محمّد بن أبي بكر ، وآجرك يا أمير المؤمنين ، وقد سألت الله أن يجعل لك من رعيّتك التي ابتليت بها فرجاً ومخرجاً ، وأن يُعزّك بالملائكة عاجلاً بالنصرة ، فإنّ الله صانع لك ذلك ، ومعزّك ومجيب دعوتك ، وكابت عدوك ، أخبرك يا أمير المؤمنين أنّ الناس ربّما تثاقلوا ثمّ ينشطون ، فارفق بهم يا أمير المؤمنين ، وداجنهم ومنّهم ، واستعن بالله عليهم ، كفاك الله المهمّ والسلام ) (١).

ويبدو أنّ حزن الإمام عليه‌السلام على مقتل محمّد قد ألقى بظلاله الحزينة على ابن عباس من خلال كتابه إليه وجوابه هو الآخر عليه ، وشقّ على ابن عباس ذلك التشرذم الذي عرا المجتمع بالكوفة ، فرأى أنّ جوابه على كتاب الإمام عليه‌السلام وحده لن يخفف من غلواء حزنه ، فصمّم على التوجّه إلى الكوفة بنفسه ليسلّي الإمام عليه‌السلام عن تلك الفوادح التي تضافرت عليه فانتابته غرضاً ، وأورثته حزناً كاد معه أن يكون حَرَضاً.

____________

١ ـ أنظر تاريخ الطبري ٥ / ١٠٩ ط دار المعارف.


فقد ذكر الطبري : بسنده عن أبي نعامة ، قال : ( لمّا قتل محمّد بن أبي بكر بمصر ، خرج ابن عباس من البصرة إلى عليّ بالكوفة واستخلف زياداً ) (١).

وقال إبراهيم بن محمّد الثقفي : ( في حديثه عن فتنة ابن الحضرمي بالبصرة ـ كما سيأتي ـ وإنّ الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن عباس وقدم على عليّ عليه‌السلام إلى الكوفة يعزّيه عن محمّد بن أبي بكر ... ) (٢).

____________

١ ـ نفس المصدر ٥ / ١١٠ ط دار المعارف.

٢ ـ الغارات / ٣٨٧ تح ـ الأرموي.


البحث الثاني

في مجهول الموضوع

فمنه ما أخرج الخطيب البغدادي في كتاب ( الفقيه والمتفقه ) ، قال : ( أخبرني علي بن أبي علي البصري ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن همام الشيباني ، حدثني حمد بن محمد الخوارزمي ، نا بقية ، نا أبو حاتم الرازي ، نا أحمد بن أبي الحواري ، قال : حدثني أبو حفص الماعوني ، عن عبد الله بن لهيعة ، قال : كتب ابن عباس إلى عليّ يستحثّه (؟) فكتب إليه مجيباً : ( إنّه ينبغي لك أن يكون أوّل عملك كما أنت فيه البصر بهداية الطريق ، ولا تستوحش بقلة أهلها ، فإنّ إبراهيم كان أمّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين ، لم يستوحش مع الله في طريق الهداية إذ قلّ أهلها ، ولم يأنس بغير الله ) (١).

ولم يذكر الراوي لنا من موضوع الكتاب سوى أنّه يستحثه ، أمّا على ماذا كان يستحثه؟ وهذا ما أشرت إليه بعلامة الإستفهام بين قوسين ، والذي يبدو لي من جواب الإمام عليه‌السلام أنّه ينصحه بالتريث في الأمر والأناة ، وفي ضربه المثل

____________

١ ـ الفقيه والمتفقه ٢ / ١٩١ نشر دار إحياء السنة النبوية سنة ( ١٣٩٥ هـ ).


بإبراهيم عليه‌السلام ، أنّ الأمر الذي أراده ابن عباس في كتابه ، ممّا يتعلق بشؤون الخلافة ، أمّا في أي زمان كان ذلك؟ فظاهره كان في زمان ولايته على البصرة حيث احتاج أن يكتب كتاباً ، وأمّا قبل ذلك فقد كان مع الإمام عليه‌السلام في المدينة فليس بحاجة أن يكتب كتاباً ، وأخال أن ذلك كان بعد خيانة الحكمين وتشتت كلمة المسلمين ، وخروج الخوارج بالنهروان وقتلهم.


البحث الثالث

في كتب غير صحيحة النسبة

تلكم هي الكتب التي وردت في تهمة خيانة مال البصرة ، وهي عدّة كتب دارت بينه وبين الإمام عليه‌السلام ، وسنأتي على ذكرها في الحلقة الرابعة ( ابن عباس في الميزان ) ، فلا حاجة إلى ذكرها قبل ذلك.

وممّا يلحق بما كتبه في أيام ولايته على البصرة من قبل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كتابه إلى معقل بن قيس قائد الحملة التأديبية للخوارج الذين خرجوا مع الخريت بن ناجية يعيثون في الأرض فساداً حتى بلغوا الأهواز ونزلوا جانباً منه ، وتلاحق مع الخريت مَن كان على رأيه من أهل الكوفة نحو من مائتين ، فأتى زياد بن خصفة إلى البصرة ، وكان ابن عباس يومئذ بها ، فأخبره وكتب إلى الإمام عليه‌السلام بتفصيل ما جرى له ، فندب الإمام عليه‌السلام ألفين من أهل الكوفة مع معقل بن قيس ، وكتب إلى ابن عباس : ( أمّا بعد فابعث رجلاً من قبلك صليباً شجاعاً معروفاً بالصلاح في ألفي رجل فليتبع معقلاً ، فإذا مرّ ببلاد البصرة فهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلاً ، فإذا لقي معقلاً فمعقل أمير


الفريقين ، وليسمع من معقل وليُطعه ، ولا يخالفه ، ومر زياد بن خصفة فليُقبل ، فنعم المرء زياد ، ونعم القبيل قبيله والسلام ).

فندب ابن عباس الناس مع خالد بن معدان الطائي ـ وكان من ذوي البأس والنجدة والحزم والرأي ـ وأوصاه بطاعة معقل إذا لقيه ، وأنّه الأمير عليه ، وخرج خالد ومعه ألفان من مقاتلة البصرة ، وأرسل ابن عباس بفيج (١) يشتد ليلحق معقل ومعه كتاب فيه :

( أمّا بعد فإن أدركك رسولي بالمكان الذي كنت فيه مقيماً ، أو أدركك وقد شخصت منه فلا تبرح المكان الذي ينتهي فيه إليك رسولي واثبت فيه حتى يقدم عليك بعثنا الذي وجّهناه إليك. فإنّي قد بعثت إليك خالد بن معدان الطائي ، وهو من أهل الإصلاح والدين والبأس والنجدة فاسمع منه واعرف ذلك والسلام ).

فأدرك الفيج معقلاً وقد سار من الأهواز فلمّا قرأ الكتاب أقام حتى أتاه خالد ومن معه من مقاتلة البصرة ، فسار يتتبع آثار الخرّيت فبلغه أنّه وأصحابه يرتفعون نحو جبال رامهرمز (٢) يريدون قلعة حصينة بها ، فخرج معقل في إثرهم ... (٣).

____________

١ ـ الفيج : هو رسول السلطان يسعى على قدمه ( المصباح المنير ).

٢ ـ رامهرمز : مدينة مشهورة بنواحي خوزستان ( مراصد الاطلاع ).

٣ ـ راجع بقية الخبر في الموسوعة / الحلقة الأولى ٤ / ٢٦٧.


القسم الثاني

ما كتب به إلى الإمام الحسن عليه‌السلام

بعد شهادة أبيه عليهما‌السلام

وكان كتابه من البصرة يستحثه على مناجزة معاوية القتال.

وأقدم من وقفت على رواته من المؤرخين هو شيخهم أبو مخنف المتوفى سنة ( ١٥٧ هـ ) ، وعوانة بن الحكم ( ت ١٥٨ هـ ) (١) ، كما أشار إلى ذلك البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) ، فقال : ( ثمّ مكث ـ الحسن عليه‌السلام ـ أياماً ذات عدد يقال : خمسين ليلة ، ويقال : أكثر منها ـ وهو لا يذكر حرباً ولا مسيراً إلى الشام. وكتب إليه عبد الله بن عباس كتاباً يعلمه فيه أنّ عليّاً لم يجب إلى الحكومة إلاّ وهو يرى في أنّه إذا حكم بالكتاب يردّ الأمر إليه ، فلمّا مال القوم إلى الهوى فحكموا به ونبذوا حكم الكتاب ، رجع إلى أمره الأوّل ، فشمّر للحرب ودعا إليها أهل طاعته ، فكان رأيه الذي فارق الدنيا عليه جهاد هؤلاء القوم ، ويشير عليه أن ينهد إليهم وينصب لهم ولا يعجز ولا يهن ) (٢).

____________

١ ـ نكت الهميان للصفدي / ٢٢٢.

٢ ـ أنساب الأشراف ( ترجمة الإمام الحسن u ) رقم ٤٣.


هذه إشارة البلاذري.

ولكنه في ترجمة ابن عباس ذكره مختصراً بسنده عن عوانة ، قال : ( كتب ابن عباس إلى الحسن بن عليّ : إنّ المسلمين قد ولّوك أمورهم بعد عليّ ، فشمّر لحربك ، وجاهد عدوك ، ودار أصحابك ، واشتر من الظنين دينه ولا تسلم دينك ، ووال أهل البيوتات والشرف تستصلح عشائرهم ، واعلم أنّك تحارب من حادّ الله ورسوله ، فلا تخرجن من حقّ أنت أولى به ، وإن حال الموت دون ما تحبّ ) (١).

وبنحو هذا رواه ابن قتيبة ( ت ٢٧٦ ) (٢) ، وبأخصر من ذلك رواه ابن عبد ربه (٣) ، ولم أعرف مغزى إختصارهم جميعاً وإعراضهم عن ذكر جميعه!

وأوفى من رواه هو المدائني ( ت ٢٢٥ هـ ) ، وعنه ابن أبي الحديد ( ت ٦٥٥ هـ ) في ( شرح النهج ) ، وروايته تكاد تكون مطابقة لما رواه ابن أعثم ( ت ٣١٤ هـ ).

وها نحن نذكر الكتاب نقلاً عنه بإضافة ما في رواية المدائني نقلاً عن ( شرح النهج ) لابن أبي الحديد (٤) ، جاعلين ذلك بين قوسين للتمييز :

( ذكر كتاب عبد الله بن عباس من البصرة إلى الحسن بن عليّ رضي‌الله‌عنها.

قال : فلمّا مضى عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه إلى سبيل الله اجتمع الناس إلى

____________

١ ـ أنساب الأشراف ( ترجمة ابن عباس ) رقم ١٠٧.

٢ ـ عيون الأخبار ١ / ١٤ ط دار الكتب.

٣ ـ العقد الفريد ١ / ٣٠ و ٤ / ٣٦١ تحـ أحمد أمين ورفيقيه.

٤ ـ شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٨ ط مصر الأولى و ١٦ / ٢٣ ط محققة.


ابنه الحسن ، فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسين من بعده.

قال : فنادى الحسن في الناس فجمعهم في مسجد الكوفة ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

( أيّها الناس إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة ، وكلّ ما فيها فائل إلى زوال واضمحلال ، وقد نبأنا الله عنها لكي نعتبه وتقدم إلينا فيها بالوعيد لكي نزدجر ، فلا يكون له علينا حجة بعد الإعذار والإنذار ، فازهدوا فيما يفنى ، وارغبوا فيما يبقى ، وخافوا الله في السر والعلانية ، ألا وقد علمتم أنّ أمير المؤمنين عليّاً رحمة الله حيّاً وميتاً عاش بقدر ومات بأجل ، وإنّي أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت وتسالموا من سالمت ).

فقال الناس : سمعنا وأطعنا ، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين.

قال : فأقام الحسن بالكوفة بعد أبيه شهرين كاملين لا يُنفّذ إلى معاوية أحداً ، ولا ذكر المسير إلى الشام.

قال : وإذا بكتاب عبد الله بن عباس قد ورد عليه من البصرة فإذا فيه :

( لعبد الله الحسن أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس ، أمّا بعد يا بن رسول الله فإنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد أبيك رضي‌الله‌عنه ( عليّ عليه‌السلام ) وقد أنكروا أمر قعودك عن معاوية ، وطلبك لحقك ، فشمّر للحرب ، وجاهد عدوّك ، ودار ( وقارب ) أصحابك ، ( واشتر من الظنين دينه بما لا يثلم لك ديناً ) وولّ ( ووال ) أهل البيوتات والشرف ما تريد من الأعمال ، فإنّك تشتري بذلك قلوبهم ( وتستصلح به عشائرهم ، حتى يكون الناس جماعة ، فإنّ بعض ما يكره الناس ـ ما لم يتعدّ الحقّ وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز


الدين ـ خير من كثير ممّا يحبّه الناس ، إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور وذلّ المؤمنين ، وعز الفاجرين ) واقتد بما جاء عن أئمّة العدل من تأليف القلوب والإصلاح بين الناس ( فقد جاء عنهم أنّه لا يصلح الكذب إلاّ في حرب أو إصلاح بين الناس ) ، واعلم بأنّ الحرب خدعة ، ولك في ذلك سعة ( إذا ) ما كنت محارباً ( ما لم تبطل حقاً ) ما لم ينتقص مسلماً حقاً هو له.

( واعلم ) وقد علمت أنّ أباك عليّاً إنّما رغب الناس عنه ( وصاروا ) إلى معاوية ، لأنّه واسى بينهم في الفيء ، وسوّى بينهم في العطاء ، فثقل ذلك عليهم.

واعلم أنّك تحاربُ من قد حارب الله ورسوله ( في إبتداء الإسلام ) حتى أظهره الله أمره ، فلمّا أسلموا ووحدّوا الربّ ، ومحق الله الشرك ، وأعزّ الدين ، وأظهروا الإيمان ، وقرءوا القرآن وهم بآياته مستهزئون ، وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى ، وأدّوا الفرائض وهم لها كارهون ، فلمّا رأوا أنّه لا يعزّ في هذا الدين إلاّ الأتقياء الأبرار ، والعلماء الأخيار ، توسّموا أنفسهم بسيماء الصالحين ، ليظن بهم المسلمون خيراً ، وهم عن آيات الله معرضون ( فما زالوا بذلك حتى شركوهم في أماناتهم وقالوا : حسابهم على الله ، فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين ، وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين ) وقد مُنيت أبا محمّد بأولئك القوم وأبنائهم وأشباههم ، والله ما زادهم طول العمر إلاّ غيّاً ، ولا زادهم في ذلك لأهل الدين إلاّ غشاً ( مقتاً ) فجاهدهم رحمك الله ، ولا ترضى منهم بالدنية ( ولا تقبل خسفاً ) فإنّ أباك عليّاً رضي‌الله‌عنه لم يجب إلى الحكومة في حقه حتى غُلب على أمره فأجاب ، وهو يعلم ( وأنّهم يعلمون ) أنّه أولى بالأمر أن حكم القوم بالعدل ، فلمّا حكموا


بالهوى رجع إلى ما كان عليه ، وعزم على حرب القوم ، حتى أتى عليه ( وافاه ) أجله ، فمضى إلى ربّه رحمة الله ، فانظر رحمك الله أبا محمّد ولا تخرجن من حقّ أنت أولى به من غيرك ( حتى يحول الموت ) إن أتاك دون ذلك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ).

قال ابن أعثم : فلمّا ورد كتاب عبد الله بن عباس وقرأه سرّه ذلك ، وعلم أنّه قد بايعه (؟) وأنّه قد أمره بما يجب عليه في حقّ الله. دعا بكاتبه وأمره أن يكتب إلى معاوية ـ وذكر الكتاب بطوله ) (١).

وقال الخطي : ( لمّا وصل كتاب عبد الله بن عباس إلى الإمام الحسن عليه‌السلام وقرأه قال : لقد نصح ابن عباس فيما يراه ، ولكن هيهات أن أخالف سنّة سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين بعدهما طلباً لإلتماس دنيا ، فإنّ في الحقّ سعة عن الباطل ) (٢).

وأنا على تحفظ من رواية الخطي التي لم يسندها إلى مصدر لنرى مدى صحته!

وإلحاقاً منّا بما مرّ ، نذكر كتابه إلى ابن الحنفية ، بعد أن أشتدت عليهما مضايقات ابن الزبير بمكة ، فخرج ابن الحنفية متوجهاً إلى الشام حيث دعاه عبد الملك إلى النزول عنده ، وأخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس إلى الطائف ، وقد مرّ حديث جميع ذلك في الجزء الخامس من

____________

١ ـ الفتوح ٤ / ١٤٨ ـ ١٥٠ ط دار الندوة الجديدة أفست حيدر آباد ط الأولى.

٢ ـ المقتل للخطي / ٩٩ ط بمبىء.


الحلقة الأولى (١) :

وشاع خبر إخراج ابن الزبير له عن مكة ، فعظم ذلك على المسلمين ، وورد إليه كتاب تسلية من محمّد بن الحنفية ـ الذي كان برضوى فيما أخال ، وربّما كان بعدُ في طريقه إياباً أو ذهاباً إلى الشام ـ جاء فيه :

( أمّا بعد فقد بلغني أنّ ابن الكاهلية ـ ابن الجاهلية ـ سيّرك إلى الطائف ، فرفع الله عزوجل اسمه بذلك لك ذكراً ، وأعظم لك أجراً ، وحطّ به عنك وزراً ، يا بن عم إنّما يبتلى الصالحون ، وإنّما تهدى الكرامة للأبرار ، ولو لم تؤجر إلاّ فيما نحبّ وتحبّ إذاً قلّ الأجر ، فاصبر فإنّ الله تعالى قد وعد الصابرين ، قال الله عزوجل : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )(٢) ، وهذا ما لست أشك أنّه خير لك عند بارئك ، وعظم الله لك الصبر على البلوى والشكر في النعماء ، ولا أشمت بنا ولا بك عدواً إنّه على كلّ شيء قدير والسلام ).

فكتب إليه ابن عباس مجيباً عن ذلك :

( أمّا بعد فقد أتاني كتابك تعزّيني فيه على تسييري ، وتسأل ربّك جلّ اسمه أن يرفع لي به ذكراً ، وهو تعالى قادر على تضعيف الأجر ، والعائدة بالفضل ، والزيادة من الإحسان ، ما أحبّ أنّ الذي ركب منّي ابن الزبير كان ركبه منّي أعدى خلق الله لي ، إحتساباً ، وذلك في حسناتي

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٣٢٩ فما بعدها.

٢ ـ البقرة / ٢١٦.


ولما أرجو أن أنال به رضوان ربّي ، يا أخي الدنيا قد ولّت وإن الآخرة قد أظلّت ، فاعمل صالحاً تجز صالحاً ، جعلنا الله وإياك ممّن يخافه بالغيب ، ويعمل لرضوانه في السرّ والعلانية ، إنّه على كلّ شيء قدير ) (١).

____________

١ ـ لقد روى الكتاب والجواب الشيخ المفيد في أماليه / ١٨٦ ط الحيدرية سنة ١٣٦٧ وعنه رواه الشيخ الطوسي في أماليه أيضاً ١ / ١١٩ ـ ١٢٠ وبين الكتابين تفاوت لفظي يسير ليس بشيء إلاّ أن الحسن ابن شعبة الحراني ـ من القرن الرابع الهجري ـ روى في كتابه تحف العقول / ٥٨ ط حجرية سنة ١٢٩٩ ص٢٥٠ طبعة كتابفروشي إسلامية هذا الكتاب بزيادة في آخره : ولا أشمت بنا ولا بك عدواً حاسداً أبداً والسلام. ونسبه إلى الحسين عليه‌السلام ، فقد رواه فيما روي عن الحسين فقال : وكتب إلى عبد الله بن العباس حين سيّره عبد الله بن الزبير إلى اليمن وذكر الكتاب. ولما كان التبعيد من ابن الزبير أيام حكومته وهي بعد شهادة الحسين عليه‌السلام فلا يعقل أن يكون الكتاب منه عليه‌السلام ، واحتمال انّه من عليّ بن الحسين بعيد ، لأنّ ابن عباس خاطب المكتوب إليه بـ ( يا أخي ) ممّا يكشف أنّه من أقرانه سنّاً ، وعليّ بن الحسين ليس كذلك في سنّه. فاحتمال وهم المؤلف أو من روى عنهم وارد ، ويؤكد أن مرسل الكتاب هو محمّد بن الحنفية رواية اليعقوبي له في تاريخه ٣ / ٩ ط الغري فقد ذكره مرسلاً من دون ذكر الجواب. والزمخشري في ربيع الأبرار باب الصبر والاستقامة ( مخطوطة السماوي والرضوية ) وفي المطبوعة ٢ / ٥٣٣ ، ورواه التنوخي في الفرج بعد الشدة ١ / ٣٥.



المبحث الثاني

فيما دار بينه

وبين الطغاة ومردة الحاكمين

وفيه بحثان



البحث الأوّل

في كتبه إلى معاوية

وعمرو بن العاص أيام صفين

لقد مرّت بنا نصوص ما دار بينهم في ( الحلقة الأولى ج٤ / ١١١ ـ ١٢٤ ) وإن بعدت على القارىء ، فليرجع إلى الجزء الرابع من هذه الحلقة ( ص٤٣٢ ) تحت عنوان ( محاوراته مع عمرو بن العاص ) وما بعدها.

وممّا يلحق بالمقام :

فيما دار بينه وبين الطغاة

ما قد مرّ بنا في ( الحلقة الأولى من هذه الموسوعة ) (١) ذكر كتاب لابن عباس رضي‌الله‌عنه كتبه إلى معاوية وهو بعد في ولايته على البصرة في أيام الإمام الحسن الزكي عليه‌السلام حيث كانت جواسيس معاوية تأتي المصرين ، الكوفة والبصرة ـ لإفساد الناس على خلافة الإمام الحسن عليه‌السلام ـ فكان ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، وقد بلغه ذلك يقظاً حذراً ، قد اتخذ بطانة ممن يخشون الله تعالى ، ولم يتخذوا

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ٣٤٥.


إيمانهم دغلاً ، يخبرونه بما يحدث في البلاد من حركات مريبة ، وكان رحمه‌الله وهو في حزمه وعزمه لم تزل تساوره الشكوك في استقامة الأمور ما دام العدو اللدود يتربّص الدوائر ويتحيّن الفرص وقد وافته ، وزاد في قلق ابن عباس ما بلغه من إختراق معاوية لمجتمع المصرَين ـ الكوفة والبصرة ـ فأرسل إليهما جاسوسين ، رجلاً من حمير إلى الكوفة ، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ، يكتبان له بالأخبار ، ويفسدان الرجال ، فدُلّ الإمام الحسن عليه‌السلام على الحميري عند لحام بن جرير ، فأخذه وقتله ، ودُلّ ابن عباس على القيني وكان نازلاً في بني سليم بالبصرة فأخذه وقتله ، وكتب إلى معاوية :

( أمّا بعد ، فإنّك ودسّك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيّتك لكما قال أمية بن الأسكر (١) :

لعمرك إنـّي والخزاعيّ طارقاً

كنعجة عاد حتفها تتحفّر

أثارت عليها شـفرة بكراعها

فظلّت بها من آخر الليل تنحر

شمتّ بـقوم من صديقك أهلكوا

أصابهم يوم من الدهر أصفر

فأجابه معاوية : أمّا بعد ، فإنّ الحسن بن عليّ قد كتب إليَّ بنحو ممّا كتبت به ، وأنبأني بما لم أجز ظناً وسوء رأي ، وإنّك لم تصب مثلكم ومثلي ، ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر :

____________

١ ـ الأغاني ١٨ / ١٦٢ ط دار الكتب ، مقاتل الطالبين / ٥٣ – ٥٤ ط مصر ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ١٢ ط مصر الأولى و ١٦ / ٣٢ ط محققة.


فوالله ما أدري وإنّي لصادق

إلى أيٍّ من يـظنّني أتعذّر

أعنّف أن كانت زبينة أهـلكت

ونال بني لحيان شرُّ فأنفروا

كتابه إلى زياد في تفسير بعض الصفات المتضادة في الإنسان :

روى النويري في ( نهاية الارب ) ، والراغب في ( المحاضرات ) ، والسيوطي في ( الكنز المدفون ) :

( إن زياد كتب إلى ابن عباس كتاباً يقول فيه : صف لي الشجاعة والجبن ، والجود والبخل؟

فكتب اليه :

كتبت تسألني عن طبائع رُكبت في الإنسان تركيب الجوارح ، إعلم أنّ الشجاع من يقاتل من لا يعرفه ، والجبان يفرّ عن عرسه ، وأنّ الجواد يعطي من لا يلزمه حقه ، وأنّ البخيل يمسك عن نفسه ) (١).

____________

١ ـ نهاية الارب ٣ / ٣٥٣ ، المحاضرات ٢ / ٥٧ ، الكنز المدفون / ٢٨.



البحث الثاني

في كتبه إلى يزيد

وعبد الملك بن مروان وابن الزبير

لم تكن صلات ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع أولئك الجبّارين ، صلات مودة تستدعي أن يكتب إليهم رغبة في مال أو جاه ، بل على العكس ، فقد كان كارهاً لهم مبغضاً لهم ، غير أنّ قساوة الظروف أرغمته أن يكتب إليهم جواباً كما في :

كتاب يزيد إلى ابن عباس في أمر الحسين عليه‌السلام وجوابه

روى سبط ابن الجوزي في ( التذكرة ) : ( وقال الواقدي : ولمّا نزل الحسين مكة كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس :

أمّا بعد ، فإنّ ابن عمك حسيناً وعدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدَين للفتنة ، معرّضين أنفسهما للهلكة. فأمّا ابن الزبير فإنّه صريع الفناء وقتيل السيف غداً ، وأمّا الحسين فقد أحببت الإعذار اليكم أهل البيت


ممّا كان منه ، وقد بلغني أنّ رجالاً من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ، ويمنّيهم الإمرة ، وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام ، وقد قطع ذلك الحسين وبتّه ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيّد أهل بلادك فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّه عن هذه الفتنة ، فإن قبل منك وأناب إليك فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإن طلب الزيادة فأضمن له ما أراك الله أنفذ ضمانك ، وأقوم له بذلك ، وله عليَّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كلّ الأمور عليه ، عجّل بجواب كتابي وبكل حاجة لك إليَّ وقبلي والسلام.

قال هشام بن محمّد : وكتب يزيد في أسفل الكتاب :

يا أيها الراكب الغادي لطيته ... الأبيات الآتية ) (١).

جواب ابن عباس إلى يزيد :

قال السبط في ( التذكرة ) : ( فكتب إليه ابن عباس :

أمّا بعد ، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة ، فأمّا ابن الزبير فرجل منقطع عنّا برأيه وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغاناً يسرّها في صدره يوري علينا وري الزناد ، لا فكّ الله أسيرها فارء في أمره ما أتيت رأيه.

وأمّا الحسين فإنّه لمّا نزل مكة وترك حرم جدّه ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه فأخبرني أنّ عمّالك في المدينة أساؤا إليه وعجّلوا عليه بالكلام

____________

١ ـ تذكرة الخواص ط حجرية ، و ٢١٥ ط منشورات الشريف الرضي بقم.


الفاحش ، فأقبل إلى حرم الله مستجيراً به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به النائرة ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمّة ، فاتق الله في السرّ والعلن ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ، ولا تحفر له مهواة ، فكم من حافر لغيره حفراً وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملاً لم يؤتَ أمله ، وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام والقيام ، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كلّ ما شغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكلّ ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى والسلام ) (١).

هذه صورة الكتابين ، وقد رواهما السبط عن الواقدي وعن الكلبي كما ذكرهما ، وروايته أتم ممّا رواه ابن سعد والطبري فضلاً عن المتأخرين الّذين أخذوا عنهما. ويبدو أنّ السبط حصل على بعض كتب الواقدي وهشام بن محمّد الكلبي ، كما يبدو أنّ إختزالاً متعمداً عند ابن سعد والطبري.

وإلى القارئ صورة ما ذكره ابن سعد في طبقاته :

قال ابن سعد في ( الطبقات ) : ( وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة : ونحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة ، وعندك علم منهم خبرة وتجربة ، فإنّ كان فعل فقد قطع واشج القرابة ، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه ، فاكففه عن السعي في الفُرقة.

____________

١ ـ التذكرة / ٢١٦.


وكتب بهذه الأبيات إليه وإلى من بمكة والمدينة من قريش :

يا أيّها الراكب الغادي لطيّته (١)

على عذافرة (٢) في سيرها قحم (٣)

أبلغ قريشاً على نأي (٤) المزار بها

بيني وبين حسين الله والرحم

وموقف بفناء البيت أنـشده

عهد الإله وما توفى به الذمم (٥)

عنّيتم (٦) قومكم فخراً بأمّكمُ

أمّ لعمري حَـصانٌ عفةٌ (٧) كرم

هـي الّتي لا يـداني فضلها أحدٌ

بنت الرسول وخير الناس قد علموا (٨)

وفضلها لكم فضلٌ وغيركمُ

مـن قومكم لهمُ في فضلها قِـسَمُ

____________

١ ـ طيّته : حاجته.

٢ ـ العذافرة : الناقة الشديدة العظيمة ( اللسان ٤ / ٥٥٥ ).

٣ ـ قحم : أي سريعة تطوي المنازل وتتقحمها منزلاً بعد منزل ( نفس المصدر ١٢ / ٤٦٤ ).

٤ ـ تاريخ الطبري ٨ / ٢٠٢ ط دار المعارف على شحط المزار.

٥ ـ تاريخ الطبري : وما ترعى له الذمم.

٦ ـ وفيه : عنّفتم وببالي في بعض المصادر هُنّيتم ، وهو الأنسب بالسياق.

٧ ـ في الطبري وتاريخ دمشق وتاريخ ابن كثير ( بَرّة ) ، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٢١٨ ط الزهراء : ( عمّها الكرم ).

٨ ـ في مقتل الخوارزمي ( وكلّ الناس قد علموا ).


إنـّي لأعلم أو ظناً كعالمه

والظن يصدق أحياناً فينتظم

أن سوف يترككم ما تدّعون به (١)

قتـلى تهاداكمُ العِقبان والرَخَم

يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت (٢)

ومـسّكوا بحبال السلم واعتصموا (٣)

قد غرَت الحرب (٤) من قد كان قبلكم

من القرون وقد بادت بها الأمم

فانصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً (٥)

فربّ ذي بذخٍ زلّت به القدم (٦)

____________

١ ـ في الطبري ( ما تطلبون بها ).

٢ ـ في الطبري ( إذ خمدت ).

٣ ـ في الطبري بعد هذا البيت :

لا تركبوا البغي ان البغي مصرعه مَصرَعةٌ

وإن شارب كأس البغي يتّخم

٤ ـ في الطبري ( قد جرب الحرب ) ، وفي مقتل الخوارزمي ( قد عضّت الحرب ).

٥ ـ في مقتل الخوارزمي ( لا تشمخوا بذخاً ).

٦ ـ في كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ومقتل الخوارزمي ، واحسبه نقله من الأوّل قال : فنظر أهل المدينة إلى هذه الأبيات ثمّ وجهوا بها وبالكتاب إلى الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنه فلمّا نظر فيه علم انّه كتاب يزيد بن معاوية فكتب الحسين الجواب.

بسم الله الرحمن الرحيم ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) والسلام. والآية في سورة يونس / ٤١ ( وَإِنْ كَذَّبُوكَ ... ) فاقتبس الإمام معنى الآية.


قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس : إنّي لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولست أدع النصيحة له فيما يجمع الله به الألفة ، ويطفي به النائرة.

قال : ودخل عبد الله بن عباس على الحسين فكلّمه ليلاً طويلاً ، وقال : أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة ، لا تأتي العراق ، وإن كنت لابدّ فاعلاً فأقم حتى ينقضي الموسم ، وتلقى الناس وتعلم على ما يصدرون ثمّ ترى رأيك ـ وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين ـ ).

قال سبط ابن الجوزي : ( ذكر الواقدي ، وهشام ، وابن إسحاق وغيرهم ، قالوا : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن عباس ليبايعه وقال : أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر وقد علمت سيرتي وسيرته ، وسوابق أبي الزبير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوابق معاوية.

فامتنع ابن عباس ، وقال : الفتنة قائمة وباب الدماء مفتوح ، وما لي ولهذا ، إنّما أنا رجل من المسلمين. فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فكتب إلى ابن عباس ... ) (١).

وروى البسوي بسنده عن شقيق بن سلمة ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب ثار عبد الله بن الزبير ، فدعا ابن عباس إلى بيعته ، فامتنع ابن عباس وظنّ يزيد بن معاوية أنّ إمتناع ابن عباس تمسكاً منه ببيعته فكتب إليه ... ) (٢).

وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) ـ وعنه الهيثمي ـ بسنده عن أبان

____________

١ ـ تذكرة الخواص / ١٥٥ ط حجرية و ٢٤٧ ط منشورات الشريف الرضي بقم.

٢ ـ المعرفة والتاريخ ١ / ٥٣١ ط الأوقاف ببغداد.


ابن الوليد ، قال : ( كتب عبد الله بن الزبير إلى ابن عباس في البيعة فأبى أن يبايعه ، فظنّ يزيد بن معاوية أنّه إنّما إمتنع عليه لمكانه ، فكتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس ... ) (١).

ولمّا كانت روايات الرواة لهذا الكتاب تتفاوت في بعض الألفاظ ، فأنا اخترت للقارئ رواية الطبراني التي إختارها الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ، ونقلتها بلفظه ، لأنّ المطبوع من ( معجم الطبراني ) فيه تصحيف لبعض الألفاظ مخرج للمعنى ، ولم يتنبه إليه محقق الكتاب.

وإليك نسخة ما كتب به يزيد وما أجاب به ابن عباس برواية ( مجمع الزوائد ) بعد تصحيح الأخطاء المطبعية فيه :

قال : ( فكتب يزيد بن معاوية : أمّا بعد ، إنّه بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته ليدخلك في طاعته فتكون على الباطل ظهيراً وفي المأثم شريكاً ، فامتنعت عليه ، وانقبضت ، لما عرفك الله في نفسك من حقنا أهل البيت ، فجزاك الله أفضل ما جزى الواصلين عن أرحامهم ، الموفين بعهودهم ، ومهما أنس من الأشياء فلن أنس برّك وصلتك وحسن جائزتك التي أنت أهلها ، في الطاعة والشرف والقرابة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنظر مَن قبلك من قومك ومن يطرأ عليك من أهل الآفاق ممّن يسحره ابن الزبير بلسانه وزخرف قوله ، فخذّلهم عنه ، فإنّهم لك أطوع ، ومنك أسمع منهم للملحد والخارق المارق والسلام.

____________

١ ـ المعجم الكبير ١٠ / ٢٤١ ط الأوقاف الثانية ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٥٠ ط القدسي.


فكتب ابن عباس إليه : أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه دعاء ابن الزبير إياي للذي دعاني إليه ، وإنّي امتنعت عليه معرفة لحقك ، فإن يكن ذلك كذلك فلست برّك أرجو بذلك ولكن الله بما أنوي به عليم.

وكتبت إليّ أن أحثّ الناس عليك وأجذبهم عن ابن الزبير فلا ، ولا سروراً ولا حبوراً ، بفيك الكثكث (١) ولك الأثلب (٢) ، إنّك العازب إن منّتك نفسك ، وغنّك لأنت المفقود المثبور.

وكتبت إليَّ بتعجيل بري وصلتي ، فاحبس أيّها الإنسان عنّي برّك وصلتك ، فإنّي حابس عنك ودي ونصرتي. ولعمري ما تعطينا ممّا في يدك لنا إلاّ القليل ، وتحبس منه الطويل العريض لا أباً لك.

أتراني أنسى قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطلب ، مصابيح الدجى ونجوم الأعلام ، وغادرتهم خيولك بأمرك ، فأصبحوا مصرّعين في صعيد واحد ، مرمّلين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، لا مكفّنين ولا موسّدين ، تسفيهم الرياح ، وتغزوهم الذئاب ، وتنتابهم عوج الضباع ، حتى أتاح الله لهم قوماً لم يشركوا في دمائهم فكفنوهم وأجنّوهم.

وبهم والله وبي منّ الله عليك فجلست في مجلسك الذي أنت فيه.

ومهما أنس من الأشياء فلست أنسى تسليطك عليهم الدعيّ ابن الدعي ، الذي كان للعاهرة الفاجرة ، البعيد رحماً ، اللئيم أباً وأماً ، الذي اكتسب أبوك في ادعائه له العار ، والمأثم ، والذلة ، والخزي في الدنيا والآخرة ، لأنّ رسول

____________

١ ـ صغار الحجارة والتراب.

٢ ـ الحصى والحجر.


الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، وإنّ أباك يزعم أنّ الولد لغير الفراش ، ولا يضير العاهر ويلحق به ولده كما يلحق ولد البغي الرشيد ، ولقد أمات أبوك السنة جهلاً ، وأحيى الأحداث المضلّة عمداً.

ومهما أنس من الأشياء فلست أنس تسييرك حسيناً من حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حرم الله ، وتسييرك إليه الرجال ، وإدساسك إليهم إن هو نذر بكم فعاجلوه ، فما زلت بذلك وكذلك ، حتى أخرجته من مكة إلى أرض الكوفة ، تزأر إليه خيلك وجنودك زئير الأسد ، عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته ، ثمّ كتبت إلى ابن مرجانة يستقبله بالخيل والرجال والأسنة والسيوف ، ثمّ كتبت إليه بمعاجلته وترك مطاولته ، حتى قتلته ومن معه من فتيان بني عبد المطلب أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

نحن أولئك لا كآبائك الأجلاف الجفاة أكباد الحمير ، ولقد علمت أنّه كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديماً ، وأعزّه بها حديثاً لو ثوى بالحرمين مقاماً ، واستحلّ بها قتالاً ، ولكنه كره أن يكون هو الذي يستحل حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرمة البيت الحرام ، فطلب الموادعة ، وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلّة أنصاره وإستئصال أهل بيته ، كأنّكم تقتلون أهل بيت من الترك أو كابل.

وكيف تحدوني على ودّك وتطلب نصري ، وقد قتلت بني أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثاري ، فإن يشأ الله لا يطلّ لديك دمي ، ولا تسبقني بثاري ، وإن تسبقنا به ، فقبلنا ما قُتلت النبيون وآل النبيين ، فطلّت دماؤهم في الدنيا ، وكان الموعد الله ، وكفى بالله للمظلومين ناصراً ، ومن الظالمين منتقماً.


والعجب كلّ العجب وما عشت يريك الدهر العجب ، حملك بنات عبد المطلب وحملك أبناءهم أغيلمة صغاراً إليك بالشام ، تُري الناس أنّك قد قهرتنا ، وأنّك تذلّنا ، وبهم والله وبي منّ الله عليك وعلى أبيك وأمك من السباء.

وأيم الله إنّك لتصبح وتمسي آمناً لجراح يدي ، وليعظمن جرحك بلساني وبناني ، ونقضي وإبرامي فلا يستعزنّك (١) الجذل ، فلن يمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ قليلاً ، حتى يأخذك الله أخذاً أليماً ، ويخرجك من الدنيا آثماً مذموماً ، فعش لا أباً لك ما شئت فقد أرداك عند الله ما اقترفت.

فلمّا قرأ يزيد الرسالة قال : لقد كان ابن عباس مضبّاً (٢) على الشرّ ) (٣).

ولقد ذكر هذا الكتاب غير واحد من المؤرخين والمحدّثين ، وبين رواياتهم تفاوت في الألفاظ فمن شاء مزيد الإطلاع فليرجع إلى المصادر التالية :

١ ـ ( المعرفة والتاريخ ) للفسوي ( ت ٢٧٧ هـ ) : ١ / ٥٣١ ط الأوقاف ببغداد.

٢ ـ ( أنساب الأشراف ) للبلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) : ١ق ٤ / ٣٠٥ تح احسان عباس وذكر شطراً من الكتاب.

٣ ـ تاريخ اليعقوبي ( ت بعد ٢٩٢ هـ ) : ٢ / ٢٢٠ ط الغري بالنجف الأشرف.

٤ ـ ( المعجم الكبير ) للطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) : ١٠ / ٢٤١ ط الثانية بالموصل.

____________

١ ـ في جملة من المصادر تصحيف ، والصواب ما أثبتناه ، ومعناه لا يغلب عليك ، يقال استعزّ به الحال أي غلب عليه.

٢ ـ في جملة من المصادر تصحيف ، والصواب ما أثبتناه ، ومعناه أخفى غلّه في قلبه وأمسكه.

٣ ـ مجمع الزوائد ٧ / ٢٥٠ ط القدسي.


٥ ـ ( مقتل الحسين ) للخوارزمي ( ت ٥٦٨ هـ ) : ٢ / ٧٧ ط الزهراء في النجف الأشرف.

٦ ـ تاريخ ابن الأثير ( ت ٦٣٠ هـ ) : ٤ / ٥٤ ط بولاق.

٧ ـ ( تذكرة الخواص ) لسبط ابن الجوزي ( ت ٦٥٤ هـ ) : ١٥٥ ط حجرية و ٢٧٤ ط منشورات الشريف الرضي.

٨ ـ ( مجمع الزوائد ) للهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) : ٧ / ٢٥٠ ط القدسي.

٩ ـ ( تطهير الجنان ) لابن حجر الهيتمي ـ بالتاء المثناة ـ ( ت ٩٧٤ هـ ) : / ١٣٥ بهامش ( الصواعق المحرقة ).

١٠ ـ ( بحار الأنوار ) للمجلسي ( ت ١١١١ هـ ) : ٤٥ / ٣٢٣.

فهذه عشرة كاملة وحسبي بها ، فضلاً عن مصادر ثانوية كثيرة كـ ( الدرجات الرفيعة ، وأعيان الشيعة ، والمجالس السنية ، وإقناع اللائم ، ومشكوة الأدب ، وناسخ التواريخ ( فارسي ) ) ، وغيرها.

وقد ورد في جملة من المصادر الأولية : أنّ يزيد لمّا وصلت إليه رسالة ابن عباس غضب غضباً شديداً وهمّ بقتل ابن عباس ، ولكن الله شغله بأمر ابن الزبير ثمّ أخذه أخذ عزيز مقتدر ، فمات السكران بحوارين.

وقد جاءت الرسالة في بلاغتها كأنّها مستقاة من نهج إمامه وابن عمه سيّد البلغاء في نهج البلاغة ، في قوّة الحجة وبليغ الكلام.

كما أنّها تعتبر وثيقة تاريخية تدين يزيد بجرائمه ، وتدمغ الذين برؤوه من جريمة القتل وأدانوا بها ابن زياد.


وأخيراً فقد كانت آخر ما عُرف عن ابن عباس من موقف سياسي مع يزيد ، ولم يكد جور السلطة الأموية ينتهي بموته ، فإنّه سيأتي لابن عباس مع عبد الملك بن مروان ما سنذكره.

ولقد أعجبت الرسالة بعضهم ، فقال :

نصرت ابن عباس حسين بن فاطم

بحدّ لسان ما عن السيف ينقص

دعتك إليه شيمة هاشمية

لعمرك أنت الهاشمي المخلّص (١)

غداة ابن هند أسلس القول طامعاً

بودّك حاشا الله ودّك ينكص

فلقّيته صعباً شديداً مراسه

فتى ثأر أهليه به يتربّص

وتالله لولا حكمة الله لانثنت

لكم غارة منها السماء تقلّص (٢)

ويبقى هذا الكتاب خير شاهد على تفجّر غيظه جُملاً حمماً ، تطاير حرفُها فصكّ بها وجه يزيد حتى همّ بقتله ، لولا أنّه شُغل بأمر ابن الزبير. وهو في وضعه المؤثّر المعبّر عن عظم المأساة وشدّة النكبة التي مُني بها المسلمون ، لم يتعدّ عن الواقع يومئذ ، كما أنّه في كتابه إستبان عظيم حزنه المتصل ، فهو في حداد مستمر وبكاء دائم ، وهذا حال بقية الهاشميين والهاشميات ، حتى لقد روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ( ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس سنين ، حتى قتل عبيد الله بن زياد ) (٣).

____________

١ ـ الدرجات الرفيعة / ١٤٥ ط الحيدرية.

٢ ـ زيادة في مجموع المرحوم السيّد جعفر الخرسان بخطه ( عندي ).

٣ ـ أصدق الأخبار للسيّد الأمين / ٩١ ط صيدا.


ويبقى كتاب ابن عباس يعطي المسلمين صورة واضحة عن مدى ما وصلت إليه الأمور من الشدّة ، والمشاعر من التوتر بالنسبة لأكثر الناس حكمة ، وأوفرهم علماً ، وأرجحهم عقلاً مثل ابن عباس ، فكيف بمن هو دونه من عامة الناس.

ويبقى ابن عباس في موقفه الرافض والناقم على بني أمية.

ولما هلك يزيد لعنه الله ورفض ابنه معاوية تولي الخلافة المغتصبة ، ووليها مروان بعد هياط ومياط (١) ومن بعده ابنه عبد الملك ، وكان ابن الزبير دعا الناس إلى بيعته ، وجرت بينه وبين الأمويين من حروب استحلوا فيها حرمة البيت الحرام ، وكان الطرفان يريد أن يكسب ابن عباس وابن الحنفية إلى جانبهما ليخادعوا الناس بذلك ، وقد مرّت في الحلقة الأولى (٢) بعض أخبار تلك المحنة التي أبتلي بها بنو هاشم ، وأشدّها إيلاماً ما كان من ابن الزبير من أخبار التحريق والحبس ممّا جعل عبد الملك يتودد إلى بني هاشم ، ويدعوهم إلى الوفود عليه.

ولقد مرّ بنا ذكر خروج محمّد بن الحنفية إلى الشام بدعوة من عبد الملك بن مروان. وأنّه لمّا وصل مدين وبلغه غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد ندم على إتيانه وخافه ، فنزل أيلة ... وقد ذكر جمال الدين بن يوسف الشامي من أعلام القرن السابع في كتابه ( الدر النظيم ) صورة كتاب من ابن عباس

____________

١ ـ تماطوا : فسد ما بينهم وتباعدوا ، وهم في هياط ومياط بكسرهما دنوّ وتباعد ( القاموس ( هيط ).

٢ ـ موسوعة عبد الله بن عباس الحلقة١ ج٤ / ٢٦٩.


إلى عبد الملك بن مروان يوصيه بمحمّد بن الحنفية ورعاية حقه ، فقال :

( كتب عبد الله بن عباس إلى عبد الملك بن مروان لمّا عزم محمّد بن الحنفية على التوجه إلى بلاد الشام :

( أمّا بعد فإنّه توجّه إلى بلادك رجل منّا ، لا يَبدأ بالسوء ، ولا يكافيء على الظلم ، ولا بعجول ولا بجهول ، سميع إلى الحقّ أصم عن الباطل ، ينوي العدل ، ويعاف الحيف ، ومعه نفر من أهل بيته وعدّة رجال من شيعته ، لا يدخلون داراً إلاّ بإذن ، ولا يأكلون شيئاً إلاّ بثمن ، رهبان الليل ليوث بالنهار ، فاحفظنا فيهم رحمك الله ، فإنّ ابن الزبير قد نابذنا بالعداوة ونابذناه والسلام ).

فأجابه عبد الملك بكتاب يقول فيه :

أمّا بعد فقد أتاني كتابك توصيني فيه بمن توجّه إلى ما قبلي من أهل بيتك ، فما أسرّني بصلة رحمك ، وحفظ وصيتك ، وكلّما هويت من ذلك فمفعول ومتّبع ، فأنزل بي حوائجك رحمك الله كيف أحببت ، فلن أتحرج حاجة عرضت لك قبلي ، فإنّك قد أصبحت عظيم الحقّ عليَّ ، مكيناً لديّ ، وفقنا الله وإياك لأفضل الأمور ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ) (١).

ما دار بينه وبين ابن الزبير من مكاتبة مغاضبة :

كان ابن عباس رضي‌الله‌عنه بعد أن أتى الطائف منفياً عن مكة ، مغاضباً لابن الزبير ، قد أتخذ من مجلسه الذي يجتمع إليه فيه أهل الطائف ، وسيلة

____________

١ ـ الدر النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم ج٢ ( مخطوط بمكتبة العلامة السماوي ). وقد طبع أخيراً بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي.


للتنديد بابن الزبير يبث فيه ما وعى وحوى من العلم النافع ، وكثر عكوف الناس عليه ، فصار يخطب فيهم مندداً بابن الزبير من غير أن يسمّيه ، ويكنّي عنه كناية أبلغ من التصريح ، وبلغ خبره ابن الزبير فغاضه ذلك.

وقد حدّث المدائني عن جانب من ذلك ، فقال :

( كان يحمد الله ويذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء بعده ويقول : ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم ولا أشباههم ولا من يدانيهم ، ولكن بقي أقوام يطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، ويلبسون جلود الضأن تحتها قلوب الذئاب والنمور ، ليظن الناس أنّهم من الزاهدين في الدنيا ، ويراؤون الناس بأعمالهم ، ويسخطون الله بسرائرهم ، فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمّة بالخير والإحسان ، فيولّي أمرها خيارها وأبرارها ، ويهلك فجّارها وأشرارها. ارفعوا أيديكم إلى ربّكم وسلوه ذلك ) (١). فيفعل ذلك أهل الطائف ذلك ويؤمّنون على دعائه.

وتطايرت الأخبار إلى ابن الزبير بواسطة رجاله عن نشاط ابن عباس في الطائف وحاله ، ومدى تأثيره في الناس واستجابتهم لمقاله ، فأقلقه ذلك وتميّز غيظاً وغضباً ، فكتب إليه كتاباً يفيض بالحقد والشنآن والإحن والأضغان ، يقول فيه :

( أمّا بعد ، فقد بلغني أنّك تجلس بالطائف العصرين ، فتفتيهم بالجهل ، وتعيب أهل العقل والعلم ، وإنّ حلمي عليك ، واستدامتي فيأك جرأك عليَّ ، فاكفف لا أباً لغيرك من غربك ، وأربع على ضلعك ، واعقل إن كان لك

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٢٥.


معقول ، وأكرم نفسك ، فإنّك إن تهنها تجدها على الناس أعظم هواناً ، ألم تسمع قول الشاعر :

فنفسك أكرمها فإنّك إن تهَن

عليك فلن تلق لها الدهر مكرماً

وإنّي أقسم بالله لئن لم تنته عمّا بلغني عنك لتجدنّ جانبي خَشِناً ، ولتجدنني إلى ما يردعك عني عجلا ، فرأيك ، فإن أشفى بك شقاؤك على الردى فلا تلم إلاّ نفسك ) (١).

فهذا كتاب ابن الزبير فيه تنديد وفيه تهديد ووعيد.

فلنقرأ ماذا عن ابن عباس في جوابه ، قالوا :

فأجابه ابن عباس : ( أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك ، قلت إنّي أفتي الناس بالجهل ، وإنّما يفتي بالجهل من لم يعرف من العلم شيئاً ، وقد أتاني الله من العلم ما لم يؤتك.

وذكرت أنّ حلمك عني واستدامتك فيئي جرأني عليك ، ثمّ قلت أكفف من غربك ، وأربع على ظلعك ، وضربت لي الأمثال ، أحاديث الضبع ، متى رأيتني لعرامك هائباً ، ومن حدك ناكلاً.

وقلت : لئن لم تكفف لتجدنّ جانبي خشناً ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت ، فوالله لا أنتهي عن قول الحقّ ، وصفة أهل العدل والفضل ، وذم الأخسرين أعمالاً ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ

____________

١ ـ نفس المصدر.


الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )(١) والسلام ) (٢).

وهذا جواب فيه تقريع وزراية ، وفيه إهانة وإستهانة نافت على الغاية. وأيّ غايةٍ بعد قوله : ( فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت )؟

ولعلّ ابن عباس إنّما أجابه على كتابه لأنّه كان يقول : ( إنّي لأرى ردّ جواب الكتاب حقاً عليَّ كردّ السلام ) (٣) ، ولئلا يظن به الجبن والإنهزامية أمام تهديد ووعيد ابن الزبير ، وهو هو لا يزال في صلابة موقفه المتماسك ، وقوة شخصيته المتعالية.

وقد روى البلاذري في أنسابه خبر ذلك بسنده عن أبي مخنف بتفاوت يسير ، قال :

( لمّا نزل ابن عباس الطائف حين نافره ابن الزبير ، كان صلحاء الطائف يجتمعون إليه ، ويأتيه أبناء السبيل يسألونه ويستفتونه ، فكان يتكلم في كلّ يوم بكلام لا يدعه وهو :

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وعلّمنا القرآن ، وأكرمنا بمحمّد عليه‌السلام ، فانتاشلنا به من الهلكة ، وأنقذنا به من الضلالة ، فأفضل الأئمة أحسنها لسنّته إتّباعاً ، وأعلمهم بما في كتاب الله إحتساباً ، وقد عمل بكتاب الله ربّكم وسنّة نبيّكم قوم صالحون ، على الله جزاؤهم ، وهلكوا فلم يدعوا بعدهم أمثالهم ،

____________

١ ـ الكهف / ١٠٤.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٢٥ ، ونثر الدر ٣ / ١٤٣ ـ ١٢٤.

٣ ـ الطبقات الكبري لابن سعد / ١٦٦ تحـ السُلمي.


ولا موازياً لهم ، وبقي قوم يريغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون جلود الضأن لتحسبوهم من الزاهدين ، يرضونكم بظاهرهم ، ويسخطون الله بسرائرهم ، إذا عاهدوا لم يوفوا ، وإذا حكموا لم يعدلوا ، يرون الغدر حزماً ، ونقض العهد مكيدة ، ويمنعون الحقوق أهلها ، فنسأل الله أن يهلك شرار هذه الأمّة ويولّي أمورَها خيارَها.

فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب إليه : إنّك تجلس العصرين فتفتي بالجهل ، وتعيب أهل البرّ والفضل ، وأظنّ حلمي عنك واستدامتي إياك جرّءاك عليَّ ، فأكفف عنّي من غربك ، وأربع على ظلعك ، وأربح على نفسك.

فكتب إليه ابن عباس : فهمت كتابك ، وإنّما يفتي بالجهل من لم يؤت من العلم شيئاً ، وقد أتاني الله منه ما لم يؤته إياك ، وزعمت أنّ حلمك عنّي جرأني عليك ، فهذه أحاديث الضبع أستها ، متى كنت لعرامك هائباً ، وعن حدّك ناكلاً.

ثمّ تقول : إنّي إن لم أنته وجدت جانبك خشناً ، ووجدتك إلى مكروهي عجلاً ، فما أكثر ما طرت إليَّ بشقّة من الجهل ، وتعهدتني بفاقرة من المكروه ، فلم تضرر إلاّ نفسك ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إن رعيت ، فوالله لا انتهيت عن ارضاء الله بإسخاطك ) (١).

____________

١ ـ أنساب الأشراف ( في ترجمة ابن عباس ) نسخة بخط يدي.


المبحث الثالث

في رسائله إلى المجبّرة والخوارج وقيصر الروم

في رسائله إلى المجبّرة والخوارج وقيصر الروم



قال المعلّم بطرس البستاني في ( دائرة المعارف ) : ( قال ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ، وعاش ابن عباس بعد ابن مسعود نحو ( ٣٥ ) سنة تُشدّ إليه الرحال ، ويُقصد من جميع الأقطار ، ومشهور في الصحيحين تعظيم عمر بن الخطاب لابن عباس وإعتداده به ، وتقديمه مع حداثة سنّه ، وعاش بعده ابن عباس نحو ( ٤٧ ) سنة يُقصد ويُفتي ويُعتمد ... وممّا يحكى عن فطنة ابن عباس أن ملك الروم كتب إلى معاوية ... وساق الخبر الذي سوف يأتي ) (١).

ولا شك في أنّ ابن عباس رضي‌الله‌عنه احتلت مكانة الصدارة بين بقايا الصحابة في عهد معاوية ، فمن بعد من الحاكمين الغاشمين ، لكونه أكبر الهاشميين سنّاً وكذلك شأناً من بعد الحسنين عليهما‌السلام ، فكان المبرّز في المجتمع الإسلامي والمنظور إليه في رأس المعارضين للسلطة ، وله من علمه ما يسمو به إلى أوج العظمة ، حيث كان يحتاج إليه حتى الظلَمة ، وما مسائل قيصر الروم من معاوية ، وعجزه عن الجواب وإستغاثته بابن عباس رضي‌الله‌عنه إلاّ شاهد عدل وقول فصل في المقام ، ولمّا كان ابن عباس رضي‌الله‌عنه يرى لإجابة السائل فرضاً ولجواب الكتاب حقاً ، فهو يجيب مَن سأله ، ويكتب جواب من كتب إليه.

____________

١ ـ دائرة المعارف ١ / ٥٨٣ ط دار المعرفة بيروت.


فقد أخرج البخاري في ( الأدب المفرد ) بسنده عنه قال : ( إنّي لأرى لجواب الكتاب حقاً كرد السلام ) (١).

وعلى ضوء ما روى البخاري عنه تقدمت الشواهد عليه ، فقد سبق منّا ذكر موقف ابن عباس مع المجبرة (٢) ، وأشرنا إلى أنّه كتب إليهم كتاباً وهم في معقلهم الذي يتحصنون فيه بحماية السلطة إذ كانوا من أنصارها ، ومن هناك كانت أقاويلهم الباطلة ينشرونها بين الوافدين على معاوية من سائر البلاد

____________

١ ـ الأدب المفرد / ٢١١ ط عثمانية سنة ( ١٣٠٩ هـ ).

٢ ـ حكى السيد ابن طاووس في كتاب الطرائف ٢ / ٧ ، ١٣ ط الأولى نشر الأعلمي بيروت سنة ( ١٤٢٠ هـ ) بعض عقائدهم ثم نقل عن الخوارزمي فقال : وهو من أعيان علماء الإسلام في كتاب الفائق قوله : فأما المجبّرة فإن شيوخنا كفّروهم ، وأن قاضي القضاة حكى عن الشيخ أبي علي أنه قال : المجبّّر كافر ، ومن شك في كفّرهم فهو كافر ، ثم شرح تصديق ذلك القول وتحقيقه. وللسيد في هذا كلام دقيق وتحقيق رشيق تحسن مراجعته ، ثم حكى مستحسناً قول ابن الحجاج ( الشاعر ) حيث يقول :

المجبّرون يجادلون بباطل

وخلاف ما يجدون في القرآن

كلّ مقالتها إلآله أضلني

وارادني ما كان عنه نهاني

أيقول ربّك للخلائق آمنوا

جهرا ويجبرهم على العصيان

إن صحّ ذا فتعوذوا من ربّكم

وذروا تعوذكم من الشيطان

وأحسن من هذا في الرد على المجبّرة مقالتهم الفاسدة ما قاله إلإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، كما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام١ / ١١٤ ط الحيدرية من خبر أبي حنيفة مع الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام حيث قال له ممن المعصية؟ فقال الإمام عليه‌السلام : لا تخلو من ثلاث : إما أن تكون من الله تعالى ـ وليست منه ـ ولا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه ، وإما أن تكن من الله عزوجل ومن العبد ، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإما أن تكون من العبد ـ وهي منه ـ فإن عاقبه الله فبذنبه ، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.


الإسلامية ، تبريراً لما يقوم به معاوية من جرائم وموبقات ، وهم كانوا أعوانه.

قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب ( المذاهب الإسلامية ) : ( ولقد أدرك ابن عباس أنّ مصدر هذا الإنحراف الفكري هو السلطة وأنصارها ، فخاطبهم خطاباً عنيفاً قال فيه : أتأمرون الناس بالتقوى ، وبكم ضلّ المتقون ... ) ، يشير إلى كتابه الذي كتبه إليهم.

وإلى القارئ نص ما كتب نقلاً عن ( جمهرة رسائل العرب ) ، نقلاً عن ( المنية والأمل ) لابن المرتضى ، وكذلك نقله العلامة التقي التستري في ( بهج الصباحة ) ، كما وقد ذكره ابن تيمية في ( تاريخ الجدل ) ، وعنه في كتاب ( ابن تيمية حياته وعصره ، آراؤه وفقهه ) لمحمد أبو زهرة :

( أما بعد ، أتأمرون الناس بالتقوى ، وبكم ضلّ المتقون ، وتنهون الناس عن المعاصي وبكم ظهر العاصون ، يا أبناء سَلَفِ المقاتلين ، وأعوان الظالمين ، وخزّان مساجد الفاسقين ، وعُمّار سَلف الشياطين ، هل منكم إلاّ مفتر على الله يحمل إجرامه عليه ، وينسبها علانية إليه ، وهل منكم إلاّ من السيف قلادته ، والزور على الله شهادته ، أعلى هذا تواليتم؟ أم عليه قاليتم حظكم منه الأوفر ، ونصيبكم منه الأكثر ، عمدتم إلى موالاة من لم يدع لله مالاً إلاّ أخذه ، ولا مناراً إلاّ هدمه ، ولا مالاً ليتيم إلاّ سرقه أو خانه ، فأوجبتم لأخبث خلق الله أعظم حق الله ، وتخاذلتم عن أهل الحق حتى ذلّوا وقلّوا ، وأعنتم أهل الباطل حتى عزّوا وكثروا ، فأنيبوا إلى الله وتوبوا ، تاب الله على من تاب ، وقَبَلَ من أناب ) (١).

____________

١ ـ جمهرة رسائل العرب ٢ / ٢٥ ، المنية والأمل / ٩ ، بهج الصباحة ٨ / ٢٨٢ ، تاريخ الجدل كما في ابن تيمية حياته وعصره ، آراؤه وفقهه لأبي زهرة / ١٧٦.


كتبه إلى الخوارج

كانت مواقف ابن عباس مع الخوارج منذ عهد الإمام عليه‌السلام معلومة ومتصفة باللين في محاوراته معهم ، غير أنّها من بعد شهادة الإمام عليه‌السلام تبدلت ، ولقد مرّت بنا في صفحات إحتجاجاته ما كان يعانيه من رؤساء الخوارج الذين يواجهونه بفظاظة أيضاً في مسائلهم ، ولعلّ ألينهم عريكة هو نجدة بن عامر ، فكان يسأله عن بعض المسائل الشرعية ممّا يجهل أحكامها ، وكان ابن عباس رضي‌الله‌عنه يتبرّم من ذلك للحرج السياسي الذي كان يعانيه من بني أمية ومن ابن الزبير ، فكان يقول : ( إنّ ناساً يقولون إنّ ابن عباس يكاتب الحرورية ، ولولا أنّي أخاف أن أكتم علماً لم أكتب إليه ـ إلى نجدة ـ ) ، وقال مرّة : ( لولا أردّه عن شرّ يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين ) ، وقال مرّة ثالثة : ( لولا أن تأتيني منه أحموقة ما كتبت إليه ).

وهذه كلّها مرّت في أوّل هذا الجزء ، كما مرّت نماذج من مسائل نجدة التي كان يسألها من ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، وعمدة ما كان يسأله عنه هو ما كان مبتلى به ، حيث كانت المقالات في العقائد قد تفشّت في فرق الخوارج ، وصاروا يكفّر بعضهم بعضاً ، فضلاً عن تكفيرهم لسائر المسلمين ، ومن المسائل التي أشكل حكمها عند نجدة الخارجي :

١ ـ هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو بالنساء وهل كان يقسم لهنّ شيئاً؟


٢ ـ وعن موضع الخمس؟

٣ ـ وعن اليتيم متى ينقطع يتمه؟

٤ ـ وعن قتل الذراري؟

وقد أجاب ابن عباس رضي‌الله‌عنه على كلّ مسائله ، وأمر يزيد بن هرمز مولاه أن يكتب إليه الجواب ، وهو الذي روى لنا ذلك كما في كتاب ( الخراج ) لأبي يوسف ، و ( الأموال ) لأبي عبيد القاسم بن سلام ، ومصادر غيرها ، وقد اختلفت المصادر الحديثية في رواية الجواب عن سهم ذوي القربى ، فراجع مسند أحمد وغيره ، تجد أنّ نجدة حج في فتنة ابن الزبير وأرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى لمن تراه؟ قال : ( هو لنا لقربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمه الله لهم ، وقد كان عمر عرض علينا شيئاً رأيناه دون حقنا فأبينا أن نقبله ... ) (١) إلى آخر ما مرّ في إحتجاجه على الخوارج.

لقد كانت كتب نجدة بن عامر الخارجي ترد على ابن عباس يسأله عن مسائل شرعية دلّ عليها القرآن بوضوح ، إلاّ أنّ السياسة الخاطئة الخانقة أشاعت مفاهيم مزيّفة ، غيبّت عن الأذهان حقيقة الأمر ، فأضحى حقيقة مغيبّة ، ومن ذلك مسألة وجوب الخمس لذوي القربى ، فقد كتب فيها نجدة يسأل ابن عباس.

فعن عطاء ، عن ابن عباس : ( أنّ نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى؟ فكتب إليه كتاباً : نزعم أنّا نحن هم ، فأبى ذلك علينا قومنا ) (٢).

____________

١ ـ الخراج / ٢٤ ، الأموال / ٣٣٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٢١ ط١ ، سنن أبي داود ٧ / ١٠٧ ، سنن النسائي ٢ / ١٧٦.

٢ ـ تفسير القرطبي ١٠ / ٠٢٥


وفي لفظ سعيد المقبري ، قال : ( كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى؟ قال : فكتب إليه ابن عباس : قد كنّا نقول : إنّا لَهم ، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلّها ذوو قربى ).

وهذه المسألة أشرت إليها في الحلقة الأولى وفي هذه الحلقة ، وسوف نذكرها في مسائل الفقه عنه بتفصيل أوفى.

وكان ابن عباس رضي‌الله‌عنه يندّد بالحرورية ، فيقول : ( ليس الحرورية بأشد إجتهاداً من اليهود والنصارى ، وهم يضلّون ) (١).

وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه : أنّ نجدة لمّا رجع إلى البحرين قطع الميرة عن أهل الحرمين منها ومن اليمامة ، فكتب إليه ابن عباس :

( أما بعد إنّ ثمامة بن أثال لمّا أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون ، فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة ، فجعلها لهم ، وإنّك قطعت الميرة عنّا ونحن مسلمون ).

فلما قرأ كتاب ابن عباس ، جعلها لهم ولم يقطعها عنهم (٢).

وهكذا رفع ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن أهل الحرمين ذلك الحصار الإقتصادي الذي فرضه نجدة الخارجي ، إنتقاماً من السلطات المستولية على الحرمين ـ بني أمية وابن الزبير ـ.

____________

١ ـ التنبيه والرد للملطي / ١٧٤.

٢ ـ تاريخ ابن الأثير ٤ / ٨.


جواب كتاب رجل من الخوارج

رواه العاصمي ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ في كتابه ( زين الفتى ) بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي ، ومن المتأخرين البستاني المسيحي في ( دائرة المعارف ) بأخصر منه ، واللفظ للأوّل ، قال :

( ـ برقم / ٢١٤ ـ ونظير هذا الحديث ما روي عن أبي الحسن المدائني ، قال : كتب رجل من الخوارج إلى ابن عباس يسأله عن أشياء ، فكان فيما سأله أن قال : أخبرني عن رجل دخل الجنّة ونهى الله عزوجل محمّداً عليه‌السلام أن يعمل بعمله؟

وعن شيء تكلّم ليس له لحم ولا دم؟

وعن لحم ودم لم يلده ذكر ولا أنثى؟

وعن شيء تنفّس ليس له لحم ولا دم؟

وعن رجل كان جالساً وامرأته حلال [ عليه ] فلمّا أستوى قائماً حرمت [ عليه ] امرأته ، فلمّا جلس عادت حلالاً؟

وعن اسم كلّ طائر في القرآن؟

وعن منذر ليس من الملائكة ولا من الإنس ولا من الجنّ؟

وعن امرأة أوحي إليها؟

وعن الشيء الذي قليله حلال وكثيره حرام؟

وعن رجل صاد صيداً ومعه آخر ، فأحلّ لأحدهما وحرّم على الآخر؟

وعن رجلين أحدهما بالكوفة والآخر بالبصرة ولهما امرأتان فمات الذي بالكوفة فحرمت على الذي بالبصرة امرأته؟


وعن شيء مشى [ وأكل ] ليس له لحم ولا دم؟

وعن نفس خرجت من نفس وليس بينهما رحم ولا نسب؟

وعن اثنين تكلما ليس لهما لحم ولا دم؟

وعن الرجل الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها من هو؟

وعن شيء إن فعلته كان حراماً وإن لم تفعله كان حراماً؟

وعن مكان يصلّى فيه حيث شئت؟

وعن موسى عليه‌السلام كم أرضعته أمّهُ قبل أن تقذفه في البحر؟

وفي أيّ بحر قذفته؟

وعن اثنين مؤمنين كانا في بيت فرعون حين لطم موسى فرعون وأخذ بلحيته؟

وعن موسى في أيّ يوم كلّمه الله؟

ومن حمل التوارة إليه؟

وكم عدّة من حملها من الملائكة؟

وكيف خلق الله تعالى آدم؟ ومن أيّ شيء خلقه؟ وكم كان طوله؟ وكم عاش؟ ومن وصيّه؟

ومن كان بعد إدريس؟

ومن كان بعد هود؟

وعن الأنبياء كم كانوا؟

وكم كان المرسلون منهم؟

وعن السنّة كم هي؟

وعن أرض لم تصبها الشمس إلاّ مرّة واحدة؟


وعن طائر لم يبض ولم يحضن عليه طائر؟

وعن اثنين متباغضين أبداً؟

وعن مكان ليس فيه قبلة؟

وعن نفس ماتت وأحيت غيرها؟

وعن أثنين قائمين أبداً؟

وعن اثنين ساعيين أبداً؟

وعن [ أثنين ] مشتركين أبداً؟

فكتب إليه ابن عبّاس :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، من عبد الله بن عباس إلى الرجل السائل الذي سأل تعنّتاً ولم يسأل تفقّهاً ، الذي أضلّه هواه ، وأرداه عماه.

أمّا بعد ، فإنّي مفسّر لك جميع ما سألت ولا قوّة إلاّ بالله.

أمّا الرجل الذي دخل الجنّة ونهى الله عزوجل محمّداً عليه‌السلام أن يعمل بعمله ، فهو يونس عليه‌السلام ، قال الله تعالى : ( وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ )(١) ، أي مأخوذ بمجرى نفسه.

أمّا الشيء الذي يتكلّم [ و ] ليس له لحم ، فهو النّار ، قال تعالى : ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ )(٢).

وأمّا اللّحم والدم الذي لم يلده ذكر ولا أنثى ، فهو آدم عليه‌السلام خلقه الله

____________

١ ـ القلم / ٤٨.

٢ ـ قّ / ٣٠.


بيديه ونفخ فيه من روحه.

وأمّا النفس التي تنفّس [ و ] ليس لها لحم ولا دم ، فالصبح ، قال الله تعالى : ( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ )(١).

وأمّا الرجل الذي كان جالساً وعنده امرأته وهي حلال [ له ] فقام فحرمت عليه امرأته قبل أن يجلس ، فلمّا جلس حلّت له بعد ما جلس ، فإنّ هذا رجل قام من عند امرأته فظاهر منها ثمّ أحلّ يمينه بعتق رقبة قبل أن يجلس ، فحلّت له امرأته بعد الظهار.

وأمّا عدّة الطير التي في القرآن ، فطير أبابيل ، ومنها طير عيسى عليه‌السلام ، وطير إبراهيم عليه‌السلام ، والذباب ، والهدهد ، والغراب ، والبعوض.

وأمّا المنذر الذي ليس من الإنس ولا من الجنّ ولا من الملائكة ، فهو النملة [ كما ذكر الله تعالى في قوله ] : ( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )(٢).

وأمّا المرأة التي أوحى الله إليها ، فهي أمّ موسى ، إذ يقول : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ )(٣).

وأمّا الشيء الذي كان قليله حلالاً وكثيره حراماً ، فهو ( نهر طالوت ) الذي ابتلاه الله به فقال : ( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي

____________

١ ـ التكوير / ١٨.

٢ ـ النمل / ١٨.

٣ ـ القصص / ٧.


إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ )(١).

وأمّا الرجل الذي صاد صيداً ومعه آخر [ فـ ] أحلّ [ الصيد ] لأحدهما وحرم على الآخر ، فذلك الرجل المحرَّم عليه هو رجل مُحرِم ، والآخر المحلَّل له هو الحلال.

وأمّا الرجلان اللّذان أحدهما بالكوفة والآخر بالبصرة فهلك الذي بالكوفة فحرمت على الذي بالبصرة أمرأته ، فإنّ المرأة هي أمّ الكوفي وكانت أمرأة البصري وهو غلام للكوفي ، فلمّا مات الكوفي ورثت زوجها من ابنها فحرم عليها وحرمت عليه.

وأمّا الشيء الذي مشى فأكل [ و ] ليس له لحم ولا دم ، فهو عصا موسى ، والنار أيضاً.

وأمّا النفس التي خرجت من نفس وليس بينهما رحم ولا نسب ، فهو يونس خرج من بطن الحوت.

وأمّا الإثنان اللذان تكلّما [ و ] ليس لهما لحم ولا دم ، فهما السماء والأرض إذ قال الله جلّ ثناؤه لهما : ( ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )(٢).

وأمّا الرجل الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، فهو عزير.

وأمّا الشيء الذي إن فعلته كان حراماً وإن لم تفعله كان حراماً ، فهو صلاة السكران إن صلّاها كان قد أتى ما نهي عنه ولم يقبل منه ، قال الله تعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى )(٣) ، وإن تركها كتب عليه وزرها.

____________

١ ـ البقرة / ٢٤٩.

٢ ـ فصلت / ١١.

٣ ـ النساء / ٤٣.


وأمّا الموضع الذي يصلّى فيه إلى أيّ ناحية ، فهو داخل البيت الحرام.

وأمّا رضاع أمّ موسى قبل أن تقذفه في البحر ، فهو ثلاثة أشهر ، ثمّ القته بعد ذلك في بحر القلزم ، وقد قيل : النيل.

وأمّا خبر المؤمنَين الّذين كانا في بيت فرعون ، فهما آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، والرجل المؤمن الذي كان يكتم إيمانه.

وأمّا اليوم الذي كلّم الله فيه موسى ، فهو يوم الجمعة.

وأمّا عدّة من حمل التوراة ، فقد حملتها الملائكة ، ويقال : كانوا سبعين ألف ملك.

وأمّا خلق آدم ، فإنّ الله تعالى خلقه بيده من طين من أدمة الأرض فسمّاه آدم ، وهو أوّل الأنبياء ، ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه ، وكتب التوراة بيده ، وخلق جنّة عدن بيده.

وأمّا طول آدم ، فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ طوله كان سبعين ذراعاً ، بذراع ذلك القرن بعد أن حطّ وقد كان يحاب رأسه؟ وعاش فيما بلغنا ـ والله العالم­ ـ ألف سنة إلّا سبعين عاماً ثمّ قبضه الله تعالى إليه.

وأمّا وصيّه ، فبلغنا ـ والله العالم ـ بأنّه أوصى إلى شيث بن آدم أن ينقل جسده إلى الشام إذا كان الطوفان [ و ] يوصي بذلك ولده.

وأمّا من كان بعد شيث بن آدم ، فهو إدريس وهو أخنوخ ، قال الله تعالى : ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً )(١) ، ثمّ كان بعده نوح وهو أوّل الرسل ، ثمّ كان

____________

١ ـ مريم / ٥٧.


بعد نوح هود ، ثمّ كان بعد هود صالح ، ثمّ كان من بعد صالح إبراهيم ، ثمّ كان من بعد إبراهيم إسحاق ، ثم يعقوب ، ثمّ يوسف ، ثمّ يونس ـ ثم موسى­ ـ ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد ( صلى الله عليه وعليهم أجمعين ).

أمّا [ عدد ] الأنبياء ، فبلغنا أنّ عددهم مائة ألف وأربع وعشرون ألف نبيّ ، المرسلون منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر ، ومن سمّى منهم فهم في القرآن.

وأمّا السنّة ، فكثيرة هي سنن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والسنن التي نحتاج إلى معرفتها عشرة : خمس منها في الرأس ، وخمس في الجسد. وأمّا التي في الرأس فالمضمضة ، والإستنشاق ، والسواك ، والفرق ، وحلق الشارب. وأمّا اللّواتي في الجسد : فالإستنجاء ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار. ومن السنن ما يكثر تفسيره في الصلاة والزكاة والصيام والمناسك والجهاد ، وغير ذلك.

وأمّا الأرض التي لم تصبها الشمس إلاّ مرّة واحدة ، فهو الموضع الذي فلقه الله في البحر لبني إسرائيل بموسى ثمّ أطبقه بعد ذلك.

وأمّا الطائر الذي لم يبض ولم يحضن عليه طائر ، فهو الطائر الذي خلقه عيسى بن مريم بإذن الله.

وأمّا الإثنان المتباغضان أبداً ، فالموت والحياة.

وأمّا المكان الذي ليس فيه قبلة ، فهو ظهر الكعبة.

وأمّا الذي قليله حرام وكثيره حرام ، فالخمر قليلها وكثيرها حرام.

وأمّا الشيء الذي أحلّ بعضه وحرّم بعضه ، فهو الشحم الذي حرّمه الله


على اليهود فقال : ( حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا )(١).

وأمّا النفس التي ماتت وأحيت غيرها ، فهي البقرة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى )(٢).

وأمّا الإثنان القائمان أبداً ، فالسماء والأرض.

وأمّا الإثنان الساعيان أبداً ، فالشمس والقمر.

وأمّا الإثنان المشتركان أبداً ، فهما الليل والنهار ). تم الحديث.

قال العاصمي : ( وهذان الحديثان وإن كانا من مناقب ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه وفضله وبراعته في العلوم وعقله ، وكنّا في ذكر المرتضى ( رضوان الله عليه ) ورجوع الأئمة إليه ، فإنّ فيهما تأييداً لما ذكرناه على الوجهين المذكورين فيه وفي ذكر الشواهد إثبات الحجج والفوائد ) (٣).

قياصرة الروم يكيدون المسلمين

لقد مرّ في الجزء الخامس من الحلقة الأولى شواهد على ما في العنوان ، وذلك في إرسالهم مسائل تعجيزية يسألون بها الحاكم القائم يومئذ ، فيعجز عن الجواب عليها ، ويلجأ إلى من يفرّج عنه من أهل البيت عليهم‌السلام لأنّهم السادة والقادة ، والهداة الذين يردون عادية الكفار والمنافقين عن المسلمين ، وإن تولى الأمور غيرهم من المستولين.

____________

١ ـ الإنعام / ١٤٦.

٢ ـ البقرة / ٧٣.

٣ ـ زين الفتى ١ / ٢٩٦ ـ ٣٠١ ، دائرة المعارف ١ / ٥٨٣.


وقد روى الأثبات بعض الشواهد على ذلك ، فقد ذكر الحافظ ابن شهر آشوب مسائل رسول ملك الروم لأبي بكر وجواب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عنه (١).

وروى سبط ابن الجوزي في ( التذكرة ) نقلاً عن أحمد في ( الفضائل ) مسائل ملك الروم من عمر وعجزه عن الجواب ، فأجاب الإمام عليه‌السلام أيضاً عنه حتى قال ابن المسيب راوي الخبر : وسيقول عمر ، أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ، كان هو جواب تلك المسائل.

وروى الحافظ ابن شهر آشوب نماذج أخرى عن معاوية في مسائل سأله عنها قيصر فعجز عن الجواب فاحتال في تحصيل الجواب من الإمام عليه‌السلام بوسائل ملتوية.

هذا في أيام حياة الإمام عليه‌السلام ، أمّا بعد وفاته فكان مفزعه في ذلك إلى ابن عباس.

فقد روى ابن قتيبة ( ت ٢٧٦ هـ ) في ( عيون الأخبار ) (٢) مسائل قيصر من معاوية فعجز عن جوابها فاستعان بابن عباس ، ورواها البسوي ( ت ٢٧٧ هـ ) في ( المعرفة والتاريخ ) (٣) ، وبين روايتيهما بعض التفاوت. ورواها ابن عبد البر في كتابه ( التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد ) (٤).

____________

١ ـ أنظر المناقب ٢ / ١٨٠ ط الحيدرية.

٢ ـ عيون الأخبار ١ / ١٩٩ ط دار الكتب المصرية.

٣ ـ المعرفة والتاريخ ١ / ٥٣٠ ط الأوقاف ببغداد.

٤ ـ التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد ٣ / ٢٥ ط دار إحياء التراث العربي بيروت سنة ( ١٤٢٠ هـ ) وفي كتابه بهجة المجالس ٢ / ١٥٤.


كما رواها المعلم بطرس البستاني ( ت ١٣٠١ هـ ـ١٨٨٣ م ) في ( دائرة المعارف ) (١) ، وفي روايته أيضاً بعض التفاوت ، فأنا أذكر الخبر مرتباً منها جميعاً :

قالوا : ( كتب قيصر ملك الروم إلى معاوية :

سلام عليك ، أمّا بعد ، فأنبأني بأحبّ كلمة إلى الله عزوجل؟ وثانية وثالثة ورابعة وخامسة؟ ومَن أكرم عباده عليه؟ ومَن أكرم إمائه عليه؟ وعن أربعة أشياء فيهم الروح لم يركضوا في رحم؟ وبقبر يسير بصاحبه؟ وبمكان لم تصبه الشمس إلاّ مرة؟ وبالمجرّة وما موضعها من السماء؟ وبقوس قزح وما بدء أمره؟

قال ابن قتيبة والبسوي : فلمّا قرأ كتابه قال : اللّهمّ ألعنه ما أدري ( ما يدريني ) ما هذا.

وفي لفظ البستاني : ( قال معاوية : أخزاه الله وما علمي بما هنا. فقيل له اكتب إلى ابن عباس ، فكتب إليه بذلك ).

فكتب إليه ابن عباس : إنّ أفضل الكلام لا إله إلاّ الله كلمة الإخلاص لا يقبل عمل إلاّ بها وهي المنجية ، فإذا قالها العبد يقول الله عزوجل : أخلص عبدي.

والثانية التي تليها : سبحان الله وبحمده ، صلاة الخلق ( الحقّ ) ، فإذا قال سبحان الله ، قال : عبدني عبدي.

والثالثة التي تليها : كلمة الشكر ، فإذا قال الحمد لله ، قال : شكرني عبدي.

والرابعة التي تليها : الله أكبر ، فواتح الصلوات والركوع والسجود ، فإذا قال الله أكبر ، قال : صدق عبدي أنا أكبر.

____________

١ ـ دائرة المعارف ١ / ٥٨٤.


والخامسة التي تليها : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وإذا قال لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، قال : ألقى إلي عبدي السلم.

وأمّا أكرم عباد الله ( أكرم الخلق على الله عزوجل ) ، فآدم عليه‌السلام الذي خلقه بيده وعلّمه الأسماء كلّها.

وأمّا أكرم إمائه عليه ، فهي مريم التي أحصنت فرجها فنفخ فيه الروح.

وأمّا الأربعة التي فيهن الروح ولم يركضن في رحم ، فآدم وحواء وعصا موسى حين ألقاها وكانت ثعباناً مبيناً ، ( وفي رواية ناقة صالح بدل العصا ) والكبش الذي ذبح عن إسماعيل ( وفي هامش البسوي في الأصل إسحاق ) ( وصوّبه بطرس أيضاً! ).

وأمّا القبر الذي سار بصاحبه ، فهو بطن الحوت الذي كان فيه يونس.

وأمّا المكان الذي لم تصبه الشمس إلاّ مرة واحدة ، فالبحر حين انفلق لموسى وبني إسرائيل.

وأمّا المجرّة ، فباب من أبواب السماء.

وأمّا قوس قزح : فأمان من الغرق بعد قوم نوح.

قال البسوي في روايته : ( فلمّا قرأ قيصر كتابه ، قال : أيم الله ما علمتَها وما كنت تعلمها إلاّ من رجل من أهل بيت نبيّ ).

معاوية يستنجده ثانياً فينجده

روى العاصمي ( من القرن الرابع ) في ( زين الفتى ) (١) ، والابشيهي

____________

١ ـ زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ( مخطوط ).


( ت ٨٥٠ هـ ) في ( المستطرف ) (١) ، والأمير حيدر الشهابي ( ت ١٢٥١ هـ ) في ( الغرر الحسان ) (٢) ، والخبر مرتباً منهم جميعاً ، قالوا :

( إنّ هرقل ملك الروم كتب إلى معاوية عن الشيء ولا شيء؟ وعن كلمة ( دين ) لا يقبل الله غيرها؟ وعن مفتاح الصلاة؟ وعن غرس الجنّة؟ وعن صلاة كلّ شيء؟ وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء؟ وعن رجل لا أب له؟ وعن رجل لا أم له؟ وعن امرأة ولدت من غير أم؟ وعن رجل لا قوم له؟ وعن قبر جرى بصاحبه؟ وعن قوس قزح ما هو؟ وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها؟ وعن ظاعن ظعن مرة واحدة ولم يظعن قبلها ولا بعدها؟ وعن شجرة نبتت من غير ماء؟ وعن شيء تنفس ولا روح له؟ وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد؟ وعن البرق والرعد وصوته؟ وعن المجرة؟ وعن المحو الذي في القمر؟

قيل لمعاوية : لست هناك ، ومتى أخطأت في شيء من ذلك سقطت من عينه ، فاكتب إلى ابن عباس وسله عن تفسيرهن يخبرك عن هذه المسائل.

فكتب إليه ، فأجابه :

أمّا الشيء ، الماء قال الله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )(٣).

وأمّا لا شيء ، فإنّها الدنيا تبيد وتفنى.

____________

١ ـ المستطرف ١ / ٤٦ ط دار إحياء التراث العربي ( أفست ).

٢ ـ الغرر الحسان ١ / ٥٣.

٣ ـ الأنبياء / ٣٠.


وأمّا دين لا يقبل الله غيره ، فشهادة أن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له.

وأمّا مفتاح الصلاة ، فهو الله أكبر.

وأمّا غرس الجنة ، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

وأمّا صلاة كلّ شيء ، فسبحان الله وبحمده.

وأمّا الأربعة الذين فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فآدم وحواء وناقة صالح وكبش إسماعيل.

وأمّا الرجل الذي لا أب له ، فالمسيح ابن مريم.

وأمّا المرأة التي ولدت من غير أم ، فهي حواء.

وأمّا الرجل الذي لا قوم له ، فأبونا آدم عليه‌السلام.

وأمّا القبر الذي جرى بصاحبه ، فهو الحوت الذي ابتلع يونان وسار به في البحر.

وأمّا قوس قزح ، فأمان من الله لعباده من الغرق ، وليست بقوس قزح ، وانّما قزح شيطان.

وأمّا البقعة التي طلعت عليها الشمس مرّة واحدة ، فهي أرض البحر الذي انشق قدام بني إسرائيل ( حين انفلق لبني إسرائيل ).

وأمّا الظاعن الذي ظعن مرة ولم يظعن قبلها ولا بعدها ، فجبل طور سيناء ، كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال ، فلمّا عصت بنو إسرائيل أطاره الله تعالى بجناحين من نور فيه ألوان العذاب ، فنادى مناد : إن قبلتم التوراة كشفته عنكم وإلاّ القيته عليكم فأخذوا التوراة معذرين ، فرده الله تعالى إلى موضعه


فذلك قوله تعالى : ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ... )(١) الآية.

وأمّا الشجرة التي نبتت من غير ماء ، فشجرة اليقطين التي أنبتها الله تعالى على يونس عليه‌السلام.

وأمّا الشيء الذي تنفس بلا روح ، فالصبح قال الله تعالى : ( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ )(٢).

وأمّا اليوم ، فعمل ، وأمّا أمس ، فَمَثَل ، وأمّا غد ، فأجل ، وبعد غد ، فأمل.

وأمّا البرق ، فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب.

وأمّا الرعد ، فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره.

وأمّا المجرة ، فأبواب السماء ومنها ما يفتح أبواب السماء.

وأمّا المحو الذي في القمر ، فقول الله تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً )(٣) ، ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ).

قال العاصمي : فبعث معاوية بهذا التفسير إلى هرقل ملك الروم.

وفي ذلك قال البراء بن عازب القرشي :

سأل الهرقل ابن هند عن عجائبه

عند التخلف فيه فروة الناس

____________

١ ـ الأعراف / ١٧١.

٢ ـ التكوير / ١٨.

٣ ـ الاسراء / ١٢.


لمـّا أتته أضاقت من مخانقه

حتى استغاث جهاراً بابن عباس

لمّا جلا غيّها عنه ونوّرها

باهى الهرقل بما أعيي على الناس

س هـذا لعمرك أمر ليس ينفعه

علم ابن هند وما بالحق من با

وقال معاوية لابن عباس : ويح لك يا بن عباس إذا دفنت تحت التراب أيّ علم دفن معك ، وإنّ قريشاً لتغبط بك ، بل جميع العرب بل أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال في ذلك أيمن بن خريم الأسدي :

ما كان يعلم هذا العلم من أحد

بعد النبيّ سوى الحبر ابن عباس

مستنبط العلم غـضاً من معادنه

هذا اليقين وما بالحق من باس

دينوا بقول ابن عباس وحكمته

إنّ الفتى فيكُم من أعلم الناس

كالقطب قطب الرحى في كلّ معضلة

أو كاللجام فمنه فروة الراس

من ذا يفرّج فيكم كل معضلة

إذ صاررمساً رميماً بين أرماس

أقول : لقد روى أبو نعيم في ( الحلية ) بعض هذه المسائل ، كما لا يفوتني التنبيه على تداخل بعض الصورتين ، فنجد تكرار بعض المسائل ، وفيما عندي أنّ ذلك من خلط الرواة. وقد حدّد الأمير الشهابي تاريخ الواقعة بسنة ٤٣ هـ ولم أقف على ذلك عند غيره.


كتاب قيصر ملك الروم إلى ابن عباس وجوابه

ذكر القليوبي في ( النوادر ) في المغالطة في السؤال وحسن الجواب ، فقال :

( كتب ملك الروم إلى ابن عباس رضي‌الله‌عنه : هل يليق من المضيّف أن يخرج الضيف من داره؟ يعني آدم وحواء في إخراجهما من الجنة.

فكتب إليه ابن عباس كتاباً ، قال فيه :

إنّه لم يخرجهما ، وأنه قال لهما ضعا لباسكما ثم أذهبا إلى قضاء الحاجة ، كالضيف إذا خلع ثيابه وذهب إلى المستراح ليقضي حاجته ثم يعود إلى المائدة ) (١).

____________

١ ـ نوادر القليوبي / ٤٢ط مصر.


المبحث الرابع

بعض أجوبة المسائل

وفي معارف عامّة



لقد مرّت جملة وافرة من أجوبة المسائل في إحتجاجاته وفي جوابات كتبه وما بقي أكثر ممّا مرّ ، ولا يسعني الإتيان بالجميع ، لكن هذا لا يمنعني من إختيار بعض ما سئل عنه ، ممّا فيه دلالة على سعة علمه ، ومزيد فضله ، وفي بعض ذلك ما بلغ في إستحسانه أن ذكره الحكماء والعرفاء فضلاً عن الأدباء نحو قوله في جواب :

١ ـ من سأله : أين تذهب الأرواح عند مفارقة الأبدان؟

فقال له : أين يذهب ضوء المصباح عند فناء الأدهان؟

٢ ـ ونحوه في جواب من سأله : أين تذهب الجسوم إذا بليت؟

فقال له : أين يذهب لحمها إذا مرضت؟

فهذه الإجابة استوقفت الحكيم المشهور صدر المتألهين الشيرازي المعروف بملا صدرا ( ت ١٠٥٠ هـ ) إعجاباً بها ، فقال في كتابه ( الحكمة المتعالية ) مفسراً لها : ( وأمّا قول ابن عباس حين سئل وقيل له : ( أين تذهب الأرواح عند مفارقة الأبدان؟ فقال : أين يذهب ضوء المصباح عند فناء الأدهان؟ ) ، فغرضه أنّ ذهاب الروح إلى المقام الذي جاء منه ، فمن علم


كيفية مجيء الروح من ذلك المقام العقلي من غير لزوم حركة وتجسم ، يمكنه أن يعلم ذهابه إلى ذلك العالم من غير زيادة مكان أو تغيّر أو تكثر هناك. وقيل له : ( أين تذهب الجسوم إذا بليت؟ قال : أين يذهب لحمها إذا مرضت؟ ) (١) ، انتهى.

أمّا الحكيم الآخر الملا هادي السبزواري صاحب ( المنظومة في الحكمة ) ( ت ١٢٨٩ هـ ) فقد علّق على ما مرّ بقوله : ( لمّا كان ابن عباس جليل القدر ، عظيم الشأن ، ومن أعاظم تلامذة مولى العارفين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان ظاهر كلامه فناء الأراواح عند بوار الأشباح وتلاشي الروح البخاري ، ونفاذ الدم الذي في الجوف الأيمن من القلب الذي مثلوه بالزيت ، فكما لا يبقى لضوء المصباح عند فناء الأدهان ، كذلك لا بقاء للروح عند نفاد أدهان الروح البخاري والدم القلبي ، أشار قدس‌سره ـ يعنى الملا صدرا ـ إلى أنّ من الواضحات أن ليس مراده رضي‌الله‌عنه ـ ابن عباس ـ ذلك ، بل مراده إذا فرض مصباح أصل ثابت ومصابيح فروع ، وفرض إطفاؤها دون الأصل ، فأين تذهب تلك الفروع ، ومعلوم أنّها ترجع إلى المصباح الأصل ، فهكذا الأرواح التي هي تجليات روح القدس ولا سيّما الأرواح التي صارت بالفعل ترجع عند دثور الأبدان إلى روح القدس المسمّى بلسان المشّائين بالعقل الفعّال الذي هو مكمّل النفوس ، فالمراد بالمصباح في كلامه المصباح الأصل ، وبالضوء المصابيح المشتعلة منه ، ولو مثل بمصباح أصل محفوظ ، ومصابيح عكسية منه في مرآئي ـ أي مرايا ـ متعددة ، وفرض دثور المرائي ، بل تبدّلها بمرآئي

____________

١ ـ الحكمة المتعالية / ٢٧٦ ، الأسفار ط دار إحياء التراث العربي.


أخر وعكوس أخرى ، وهكذا لكان أظهر ، وقول ابن عباس رضي‌الله‌عنه : ( أين يذهب لحمها إذا مرضت؟ ) ، أيضاً تمثيل حسن ، فإنّه أشار إلى أنّه كما في المرض يذهب اللحم وغيره من الأعضاء الغير الأصلية ، كذلك يبقى حقائق الأجساد وصورها في الآخرة في عين أضمحلال موادها في الدنيا ، كما سيجيء ( س / و ) (١).

٣ ـ ومن نمط ما تقدم ، ما أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن يزيد ابن الأصم : أنّ رجلاً من أهل الأديان قال لابن عباس : تقولون جنّة عرضها السموات والأرض ، فأين النار؟

فقال له ابن عباس : إذا جاء الليل فأين النهار ، وإذا جاء النهار فأين الليل (٢).

٤ ـ ونحو ما مرّ في أجوبته عن الغرائز عند الإنسان ، فقد سئل عن الغضب والحزن أيّهما أشد؟

فقال : مخرجهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع مَن يقوى عليه أظهره غضبا ، ومن نازع من لا يقوى عليه كتمه حزناً (٣).

وقد روي الجواب بلفظ آخر من دون تغيير في المعنى ، فقد سئل عن الغضب والحزن أيّهما أشدّ؟

فقال : أصلهما واحد ، وذلك وقوع الشيء بخلاف المحبّة ، وفرعاهما مختلفان ، فمن أتاه المكروه ممن فوقه نتج عليه حزناً ، ومن أتاه ممن دونه نتج غضباً (٤).

____________

١ ـ عن هامش الحكمة المتعالية المصدر السابق.

٢ ـ تفسير الدر المنثور ٢ / ٧٢.

٣ ـ محاضرات الراغب ١ / ١٠٩.

٤ ـ ربيع الأبرار ٣ / ٣٩٥ ط بغداد ، ( وفي نسختي المرحوم السماوي ومكتبة الأوقاف ببغداد باب الغموم والمكاره والشدائد ... ) ، وقريب منه في محاضرات الراغب ٢ / ٢٢٦.


٥ ـ وسئل أيضاً عن الشجاعة والجبن؟

فقال : الشجاع يقاتل عمّن لا يعرفه ، والجبان يفرّ عن عرسه (١).

٦ ـ وسئل عن الجود والبخل؟

فقال : الجواد يعطي من لا يلزمه حقه ، والبخيل يمنع نفسه (٢).

٧ ـ وسئل عن منى ، وقيل : عجباً لمنى وضيقه في غير الحج وما يسع من الحاج؟

فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : إنّ منى ليتسع بأهله كما يتسع الرحم بالولد (٣).

٨ ـ وسئل عن حروف الكتابة بالعربية ، ومعرفة قريش بها؟ سأله عبد الله ابن فروخ.

فقال : قلت : يا معشر قريش أخبروني عن هذا الكتاب العربي ، هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث الله تعالى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تجمعون منه ما أجتمع ، وتفرقون منها ما تفرّق ، مثل الألف واللام والنون؟

قال : نعم.

قلت : وممن أخذتموه؟

قال من حرب بن أمية.

قلت : وممن أخذه حرب؟

قال : من عبد الله بن جدعان.

____________

١ ـ نثر الدر للآبي ١ / ٢٨٧.

٢ ـ نفس المصدر.

٣ ـ نفس المصدر ١ / ٢٩٣.


قلت : وممن أخذه عبد الله بن جدعان؟

قال : من أهل الأنبار.

قلت : وممن أخذه أهل الأنبار؟

قال : من طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن؟

قلت : وممن أخذ ذلك الطارئ؟

قال من الخلجان بن القسم كاتب الوحي لهود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهو الذي يقول :

في كلّ عام تحدثونها ورأي على غير الطريق يعبر

وللموت خير من حياة تسبنّا بهاجرهم فيمن يُسبّ وحمير (١)

٩ ـ وسأل رجل عن خصاء البهائم؟

فكرهه ، وقال : ( لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )(٢) (٣).

١٠ ـ وسأله آخر عن ( يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ )(٤)؟

فقال له : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟

قال : إنّما سألتك لتخبرني؟

قال : هما يومان ذكرهما الله في القرآن ، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم (٥).

____________

١ ـ تفسير الآلوسي ، ( روح المعاني ) في تفسير قوله تعالى : ( أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ) النمل / ٢٩.

٢ ـ الروم / ٣٠.

٣ ـ الدر المنثور ٢ / ٢٢٣.

٤ ـ السجدة / ٥.

٥ ـ أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وعنهم السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٢٢٣ في تفسير الآية في سورة النساء.


١١ ـ وسألة صعصعة بن معاوية ، فقال : إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة؟

فقال له : فتقولون ماذا؟

قال : نقول : ليس علينا بأس في ذلك.

قال : هذا كما قال أهل الكتاب : ( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )(١) ، إنّهم إذا أدّوا الجزية لم تحلّ لكم أموالهم إلاّ بطيب أنفسهم (٢).

١٢ ـ وسئل عن النيروز لم أتخذ عيداً؟

قال : لأنّه أوّل السنة المستأنفة ، وآخر النقطة ، فكانوا يستحبون أن يقدموا على ملوكهم بالطُرف والهدايا ، فأتخذته الأعاجم سنّة ، وكان الملك لا يأخذ من أهل الخراج هدية إلاّ السكّر ، وهو أوّل يوم من فروردين ماه (٣).

١٣ ـ وسئل ألمن قتل مؤمناً توبة؟

قال : لا توبة له ، إلاّ النار.

وكان قد سئل مرّة قبل ذلك عن توبة القاتل؟

فقال : له توبة.

فقيل له : ما هكذا كنت تفتينا! قد كنت تفتينا إنّ لمن قتل مؤمناً توبة مقبولة ، فما بال هذا اليوم؟

قال : إنّي أحسبه ـ الرجل الأوّل ـ رجلاً مغضباً يريد أن يقتل مؤمناً ، فرأيت في عينيه أرادة القتل ، وأما الثاني فجاء مسكيناً قد قتل فلم أقنطه ،

____________

١ ـ آل عمران / ٧٥.

٢ ـ تفسير عبد الرزاق ١ / ٣٩٨ في تفسير الآية في سورة آل عمران / ٧٥

٣ ـ ربيع الأبرار باب الأول ( نسخة الرضوية ) ١ / ٨٥ ط أوقاف بغداد.


فأرسل أصحابه في أثر الأوّل فوجدوه كذلك (١).

١٤ ـ وسأله أعرابي : أتخاف علي جناحاً إن ظلمني رجل فظلمته؟

فقال : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )(٢) ، ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ )(٣) (٤).

١٥ ـ وسأله رجل ، فقال : إنّي نذرت أن أبيت على قيقعان عرياناً حتى أصبح؟

فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : أنظروا إلى هذا أراد الشيطان أن يكشف عورته ثم يضحك منه هو وأصحابه ، انطلق فألبس ثيابك ثم صلّ حتى تصبح (٥).

____________

١ ـ أخرجه عبد بن حميد والنحاس عن سعد بن عبيدة وعنهما السيوطي في تفسيره الدر المنثور ٢ / ١٩٨ ، كما أخرجه عن الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر / ٤٧ ، ومنية المريد للشهيد / ١٨٠ ط حجرية.

وقد ورد بلفظ آخر أخرجه أحمد وسعيد بن منصور والنسائي وابن ماجة وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في ناسخه ، والطبراني من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس إن رجلاً أتاه فقال : أرأيت رجلاً قتل رجلاً متعمداً؟ قال : ( جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ) ، قال : لقد نزلت في آخر ما نزل ، نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما نزل وحي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم أهتدى؟ قال : وأنى له بالتوبة وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( ثكلته أمه رجل قتل رجلا متعمداً يجيء يوم القيامة آخذاً قاتله بيمنيه أو بيساره ، وأخذا رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دماً في قبل العرش ، يقول : يا ربّ سل عبدك فيم قتلني؟ ) الدر المنثور ٢ / ١٩٦ للسيوطي ط الإسلامية افست.

٢ ـ البقرة / ٢٣٧.

٣ ـ الشورى / ٤١.

٤ ـ محاضرات الراغب ١ / ١١٨.

٥ ـ ربيع الأبرار ١ / ٣١٠ ط أوقاف بغداد ، ورواه السيوطي في الدر المنثور ١ / ٢٥٢ بتفاوت نقلاً عن أبي شيبة عن سعيد بن حجر قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني نذرت أن أقوم على قيقعان عرياناً إلى الليل ، فقال : أراد الشيطان أن يبدي عورتك وأن يضحك الناس بك ، البس ثيابك وصلّ عند الحجر ركعتين.


١٦ ـ وسئل عن الطيرة ، وقد مرّ طائر يصيح ، فقال رجل من القوم ، خير؟

فقال ابن عباس : لا خير ولا شر (١).

١٧ ـ وسأله كعب ـ الأحبار ـ ما تقول في الطيرة؟

قال : وما عسيت أن أقول فيها ، لا طير إلاّ طير الله ، ولا خير إلاّ خير الله ، ولا إله إلاّ الله ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

قال كعب : إنّ هذه الكلمات في كتاب الله المنزل ، يعني التوراة (٢).

١٨ ـ وسأله علي الأزدي عن الجهاد؟

فقال : ألا أدلك على ما هو خير؟ تبني مسجداً تعلم الناس فيه القرآن وسنن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والفقه في الدين (٣).

١٩ ـ وسأله مجاهد أين الجنة؟

فقال : فوق سبع سموات.

فقال : وأين النار؟

فقال : تحت أبحر مطبقة (٤).

٢٠ ـ وقال له سعيد بن جبير : آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟

قال : إن خفت أن يقتلك فلا.

____________

١ ـ نفس المصدر السابق ٣ / ٤٥٦.

٢ ـ نفس المصدر السابق ١ / ٤٦٨.

٣ ـ نفس المصدر السابق ١ / ٣٠٧ ، ومجموعة ورام / ٤٤١ ط الحيدرية.

٤ ـ الحكمة المتعالية ٩ / ٢٨٥ للملا صدرا ط دار إحياء التراث الإسلامي بيروت.


قال : ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، وقال : إن كنت لابد فاعلاً ففيما بينك وبينه (١).

٢١ ـ وعن طاووس ، قال : أتى رجل ابن عباس فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فأمره وأنهاه؟

قال : لا تكن له فتنة.

قال : أفرأيت إن أمرني بمعصة الله عزوجل؟

قال : ذاك الذي تريد؟ فكن حينئذ رجلاً (٢).

٢٢ ـ وسأله عطاء عن قوله تعالى : ( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )(٣)؟

قال : هذه من كنوز علمي ، سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : ( أمّا الظاهرة فما سوىّ من خلقك ، وأمّا الباطنة فما ستر من عورتك ، ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم ) (٤).

٢٣ ـ وسأله الضحاك عن الآية نفسها؟

فقال : هذا من محرزي الذي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلت : يا رسول الله ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة؟

قال : ( يا بن عباس أمّا الظاهرة فالإسلام وما حسّن من خَلقك ، وما

____________

١ ـ أخرجه ابن أبي الدنيا في موسوعته ٢ / ٢١٥ ، شعب الإيمان ١٣ / ٢٧٣ للبيهقي.

٢ ـ موسوعة ابن أبي الدنيا ٢ / ٢١٩.

٣ ـ لقمان / ٢٠.

٤ ـ الدر المنثور ٥ / ١٦٧ نقلاً عن البيهقي في شعب الإيمان.


أفاض عليك من الرزق. وأمّا الباطنة ما ستر من سوء عملك ولم يفضحك به.

يا بن عباس يقول الله تعالى : ثلاث جعلتهن للمؤمن ولم يكنّ له ، صلاة المؤمنين عليه من بعد إنقطاع عمله ، وجعلت له ثلث ماله أكفّر عنه خطاياه ، والثالث : سترت عليه من مساوي عمله فلم أفضحه بشيء منها ، ولو أبديتها لنبذه أهله فمن سواهم ) (١).

٢٤ ـ وسأله رجل عن قوله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )(٢) ، فقال : كيف يكون في الآخرة أعمى؟

فقال له : أخطأت التأويل ، ألا ترى أنّه جلّ وعزّ عدّد النعم ، ثم قال : ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى ... )، أي : من عمي عن هذه النعم (٣).

٢٥ ـ قال أبو الحسين الملطي ( ت ٣٧٧ هـ ) في كتابه ( التنبيه والرد على الأهواء والبدع ) : لقي سماك ابن عباس في المدينة ، فقال : ما تقول في أمر غمني وأهتممت به؟

قال : ما هو؟

قلت : نفسان أتفق موتهما في طرفة عين ، واحد في المشرق وآخر في المغرب ، كيف قدر عليهما ملك الموت؟

قال : والذي نفسي بيده ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والنور والهواء إلاّ كقعدة الرجل على مائدة يتناول من أيّها شاء ...

____________

١ ـ تفسير الكشف والبيان ٧ / ٣١٨ للثعلبي ، الدر المنثور ٥ / ١٦٧ للسيوطي نقلاً عن ابن مردويه والبيهقي والديلمي وابن النجار ، ورواه الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الآية.

٢ ـ الأسراء / ٧٢.

٣ ـ معاني القرآن ٤ / ١٧٧ للنحاس.


وقال : إنّ الدنيا يديرها أربعة أملاك : فجبريل على الريح والجنود ، وميكائيل على القطر والنبات ، وملك الأنفس على الأنفس ، وكلّ هؤلاء يرفع إلى إسرفيل (١).

٢٦ ـ أخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه : أن أعرابياً أتاه فقال : إنّا أناس من المسلمين وههنا أناس من المهاجرين يزعمون أنّا لسنا على شيء؟

فقال ابن عباس : قال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وحج البيت الحرام ، وصام رمضان ، وقرى الضيف ، دخل الجنة ) (٢).

٢٧ ـ عن عامر الشعبي ، قال : سألت ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن قوله تعالى : ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )(٣)؟

قال : نزلت في أكثم بن صيفي.

قلت : فأين الليثي؟

قال : هذا من قبل الليثي بزمان ، وهي خاصة عامّة (٤).

٢٨ ـ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي غالب الخلجي ، قال : سألت ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يحول بين المرء وقلبه )؟

قال : يحول بين المؤمن وبين معصيته التي يستوجب بها الهلكة ، فلا بد

____________

١ ـ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / ١١٧.

٢ ـ الدر المنثور ١ / ٢٩٧.

٣ ـ النساء / ١٠٠.

٤ ـ الدر المنثور ١ / ٢٠٧.


لابن آدم أن يصيب دون ذلك ولا يدخل على قلبه الموبقات التي يستوجب بها دار الفاسقين ، ويحول بين الكافر وبين طاعته فلا يصيب من طاعته ما يستوجب ما يصيب أولياءه من الخير شيئاً ، وكان ذلك في العلم السابق الذي ينتهي إليه أمر الله تعالى وتستقر عنده أعمال العباد (١).

٢٩ ـ وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي غالب ، قال : سألت ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن قوله : ( يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ )(٢)؟

قال : قد سبقت بها عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ وصف لهم عن القضاء ، فقال لعمر رضي‌الله‌عنه وغيره ممن سأله من أصحابه : ( أعمل فكلّ ميسّر ).

قال : وماذاك التيسير؟

قال : ( صاحب النار ميسّر لعلم النار ، وصاحب الجنة ميسّر لعلم الجنة ) (٣).

٣٠ ـ أخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، قال : قال لي ابن عباس رضي‌الله‌عنه : احفظ عنّي : كلّ شيء في القرآن : ( وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )(٤) ، فهي للمشركين ، فأمّا المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم (٥).

٣١ ـ أخرج الحكيم الترمذي ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال : لم أر شيئاً أحسن طلباً ولا أحسن إدراكا من حسنة حديثة لسيئة قديمة :

____________

١ ـ الدر المنثور ٣ / ١٧٦.

٢ ـ الأنفال / ٢٤.

٣ ـ نفس المصدر السابق ٣ / ١٧٦.

٤ ـ التوبة / ٧٤.

٥ ـ الدر المنثور ٣ / ٢٦٠.


( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )(١) (٢).

٣٢ ـ قال أوحى الله إلى داوود عليه‌السلام : ( قل للظالمين : لا يذكروني ، فإن حقاً عليّ أن أذكر من ذكرني ، وإن ذكري إياهم أن ألعنهم ) (٣).

٣٣ ـ وسئل عن صفة الذين صدقوا الله المخافة؟

فقال : هم قوم قلوبهم من الخوف قرحة ، وأعينهم على أنفسهم باكية ، ودموعهم على خدودهم جارية ، يقولون بم نفرح والموت من ورائنا ، والقبور أمامنا ، والقيامة موعدنا ، وعلى الله عرضنا.

ثم قال : يا سبحان الله عجباً! لألسن واصفة في قلوب عارفة وأعمال مخالفة (٤).

٣٤ ـ وسئل أيّ الأعمال أفضل؟

قال : ولذكر الله أكبر ، إنّه ما جلست جماعة في بيت من بيوت الله يذكرون ربهم ويعظّمونه إلاّ كانوا أضياف الله ، أظلتهم الملائكة وتغشاهم الرحمة (٥).

٣٥ ـ ذكر الفتال في ( روضة الواعظين ) عن ابن عباس ، أنه قال : إنّ ممّا خلق الله تعالى لوحاً محفوظاً من درة بيضاء حافتاها ياقوتة حمراء كتابه نور

____________

١ ـ هود / ١١٤.

٢ ـ الدر المنثور ٣ / ٣٥٣.

٣ ـ مجموعة ورام / ٢ ط الحيدرية.

٤ ـ مجموعة ورام / ٤٥٩ ط الحيدرية.

٥ ـ نفس المصدر / ٤٦٨.


وقلمه نور ، وعرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر الله فيه كلّ يوم ثلثمائة وستين نظرة ، ففي كلّ نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )(١) (٢).

٣٦ ـ ذكر الفتال في ( روضة الواعظين ) : قال ابن عباس : إنّ أوّل درهم ودينار ضربا في الأرض نظر إليهما إبليس ، فلمّا عاينهما أخذهما فوضعهما في عينه ، ثم ضمهما إلى صدره ، ثم صرخ صرخة ، ثم ضمهما إلى صدره ، ثم قال : أنتما قرة عيني وثمرة فؤادي ، ما أبالي من بني آدم إذا أحبّوكما أن لا يعبدوا وثناً ، حسبي من بني آدم أن يحبوكما (٣).

٣٧ ـ قال أبو هلال العسكري في ( جمهرة الأمثال ) في شرح المثل : ( عشّ ولا تغتر ) :

وجاء رجل إلى ابن عباس ، قال : كما لا تنفع مع الشرك حسنة ، كذلك لا يضر مع الإيمان ذنب؟

فقال له ابن عباس : عَشّ ولا تغتر ، أي لا تغتر بهذه الشبهة ، واعمل ، فإنّ الإيمان قول وعمل (٤).

____________

١ ـ الرحمن / ٢٩.

٢ ـ روضة الواعظين / ٤٨ ط الحيدرية.

٣ ـ روضة الواعظين / ٤٢٨ ط الحيدرية.

٤ ـ جمهرة الأمثال٢ / ٤٧.


المبحث الخامس

قصار الكلم غزار الحكم



لقد كان لابن عباس رضي‌الله‌عنه كسائر بني هاشم سلطة تفتيق المعاني ، وإبرازها بألفاظ تليق بها ، بعيدة عن التقعر والإحرنجام ، ولا بدع فيمن كان من أهل بيت هم معدن الفصاحة أن يكون كذلك.

وقد زاد في نضجه وشموخه تربيته على يد المعلم الذي سنّ الفصاحة لقريش ، فتعلم منه ، وحفظ من كلامه بإسلوب نظامه ، ما رفع من مقامه ، حتى شهد له بذلك عدوه اللدود معاوية بن أبي سفيان في بعض محاوراته التي جرت بينهما ، وكان ابن عباس هو الفائز بحجته على محاوره ، فقال فيه معاوية :

حصيد اللسان ذليق الكلام

غير عييّ ولا مسهب

يبذّ الجياد بتقريبه

ويأوي إلى حُصُر ملهب

كما كانت لديه نظرات ثاقبة يستكشف بها دخائل بعض النفوس ، وينظر إلى عواقب الأمور قبل وقوعها ، وهذا هو معنى كلمة الإمام عليه‌السلام ( ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ) (١).

____________

١ ـ التذكرة الحمدونية ٣ / ٣٠٥ ، وعيون الأخبار ١ / ٣٥ ، والعقد الفريد للملك السعيد / ٤٥ ( يقوله في العباس عمه ).


لقد أخرج ابن مردويه ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) ، وعنهما السيوطي في ( الدر المنثور ) ، ورواه الآبيّ في ( نثر الدر ) ، والشيخ ورام في مجموعته ، وابن حمدون في تذكرته عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، بلفظ السيوطي :

( إنّه جاءه رجل فقال : يابن عباس إنّي أريد أن أعظ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.

فقال : أو بلغت ذلك؟

قال : أرجو.

قال : فإن لم تخشَ أن تفتضح بثلاث آيات ( بثلاثة أحرف ) من كتاب الله تعالى فافعل.

قال : وما هن؟

قال : قوله عز وجل : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ )(١) ، أحكمت هذه الآية؟

قال : لا.

قال : فالحرف الثاني؟

قال : وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ _ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )(٢) ، أحكمت هذه الآية؟

قال : لا.

____________

١ ـ البقرة / ٤٤.

٢ ـ الصف / ٢ ـ ٣.


قال : فالحرف الثالث؟

قال : قول العبد الصالح شعيب : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(١) أحكمت هذه الآية؟

قال : لا.

قا ل : فابدأ بنفسك ) (٢).

وسمع كعباً يقول : مكتوب في التوراة من يظلم يخرب بيته ، فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : تصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ : ( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا )(٣) (٤).

وكان يشعر بكرامة ما فضله الله به من فضله ، من مؤهلات تكامل الشخصية ، فيزداد شكراً على ذلك.

ومن نوادر أخباره في ذلك :

تكلم رجل عنده فأكثر الخطأ ، فدعا بغلام له فأعتقه ، فقال له الرجل ما سبب هذا الشكر؟

فقال : إذ لم يجعلني مثلك (٥).

____________

١ ـ هود / ٨٨.

٢ ـ الدر المنثور ١ / ٣٥ ، نثر الدر ١ / ٤١٣ ، مجموعة ورام / ٢٦٥ط الحيدرية ، تذكرة ابن حمدون / ١٠٥.

٣ ـ النمل / ٥٢.

٤ ـ نثر الدر للآبيّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ١ / ٤١٤ ، والتذكرة الحمدونية ١ / ١٠٦.

٥ ـ التذكرة الحمدونية ٤ / ١٠٢ ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور.


قال جندب لابن عباس رضي‌الله‌عنه : أوصني بوصية

قال : ( أوصيك بتوحيد الله ، والعمل له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فإنّ كلّ خير أنت آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول وإلى الله مرفوع.

يا جندب إنّك لن تزداد من يومك إلاّ قرباً ، فصل صلاة مودع ، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر ، فإنّك من أهل القبور ، وابك على ذنبك ، وتُب عن خطيئتك ، ولتكن الدنيا أهون عليك من شسع نعليك ، وكأن قد فارقتها ، وصرت إلى عدل الله ، ولن تنتفع بما خلفت ، ولن ينفعك إلاّ عملك ) (١).

قا ل ابن بريدة : ( رأيت ابن عباس رضي‌الله‌عنه آخذا بلسانه وهو يقول : ويحك قل خيراً تغنم أو أسكت عن شر تسلم ، وإلاّ فاعلم إنّك ستندم.

قال : فقيل له يابن عباس لم تقول هذا؟

قال بلغني إنّ الإنسان ـ أراه قال ـ : ليس على شيء من جسده أشدّ حنقاً أو غيضاً يوم القيامة ـ لعلّه قال ـ : منه على لسان إلاّ قال به خيراً أو أملى به خيراً ) (٢).

نماذج من نصائحه تبعا لما مرّ :

قال : إنّ هذا العلم دين فأجيزوا الحديث ما اسند إلى نبيّكم (٣).

قال : خذوا الحكمة ممن سمعتموها ، فإنّ الرجل قد يتكلم بالحكمة

____________

١ ـ مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن منظور.

٢ ـ مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن منظور.

٣ ـ الكامل لابن عدي ١ / ١٤٩.


وليس بحكيم ، كما أنّ الرمية قد تجيئ من غير رام (١).

في ( الدر المنثور ) في تفسير قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )(٢) ، قال ميمون بن مهران لابن عباس رضي‌الله‌عنه : أوصني.

قال : أوصيك بتقوى الله وإياك وعلم النجوم فإنّه يدعوا إلى الكهانة. نقلا عن الخطيب (٣). وستأتي النصيحة بأوسع مما هنا.

وقد ذكر الآلوسي في تفسيره النصيحة في نهيه عن علم النجوم فقط ، نقلاً عن الخطيب فراجع تفسير قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ).

جاء رجل فقال : إنّي أريد أن أعظ؟

فقال : فإن لم تخشَ أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالى قوله عزّ وجلّ : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ )(٤) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ )(٥) ، وقول العبد الصالح شعيب : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(٦) ، أأحكمت هذه الآيات؟

____________

١ ـ الامثال لأبي هلال العسكري كما في كنز العمال ١٠ / ٣٠٩ وجامع بيان العلم ١ / ١٠٦ وبهجة المجالس ١ / ٣٨ والتمثيل والمحاضرة للثعالبي ٨١٦٠.

٢ ـ الانعام / ٩٧.

٣ ـ الدر المنثور ٤ / ١٠٧.

٤ ـ البقرة / ٤٤.

٥ ـ الصف / ٢.

٦ ـ هود / ٨٨.


قال : لا.

قال : فابدأ بنفسك إذاً.

أقول : لقد مرّت هذه النصيحة بأوسع ممّا هنا.

عن مجاهد عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه إنّه قال : عاد في الله ، ووال في الله ، فإنّه لا ينال ولاية الله إلاّ بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته حتى يكون كذلك (١).

وقال : ملاك أمركم الدين ، وزينتكم العلم ، وحصون أعراضكم الأدب ، وعزكم الحلم ، وصلتكم الوفاء ، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف. فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسرا (٢).

وقال له رجل : إنّ رجلاً من أصحابي يغتابني ، فقال : ما من غرة إلاّ ومن جانبها عرّة ، وما الذئب في فريسته بأسرع من ابن العم الدنئ في عرض ابن عمه السري (٣).

وقال : ( إنّكم من الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، من زرع خيراً أوشك أن يحصد رغبة ، ومن عمل شراًَ أوشك أن يحصد ندامة ، وكلّ زارع وما زرع ، ولا يسبق بطئ بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له بحرصه ، ومن أوتي خيراً فالله آتاه ، ومن وقي شراً فالله وقّاه ، المتقون سادة والعلماء قادة ، ومجالستهم زيادة ) (٤).

____________

١ ـ كنز العمال١ / ٢٨٨ط مؤسسة الرسالة في حلب.

٢ ـ نثر الدر ١ / ٢٨٦.

٣ ـ نفس المصدر ١ / ٢٩٣.

٤ ـ نثر الدر ١ / ٢٩٣ ، والتذكرة الحمدونية ١ / ١٠٦ط دار صادر.


وقال : ( إذا حدث أحدكم وأعجبه الحديث فليسكت ، فإن أعجبه السكوت فليتحدث ) (١).

وقال : ( تواعظوا وتناهوا عن معصية ربكم تعالى ، فإنّ الموعظة تنبيه للقلوب من سنة الغفلة ، وشفاء من داء الجهالة ، وفكاك من رقّ ملكة الهوى ) (٢).

وقيل له : أيّما أحبّ إليك رجل يكثر من الحسنات ويكثر من السيئات ، أم رجل يقل من الحسنات ويقل من السيئات؟

قال : ( ما أعدل بالسلامة شيئاً ) (٣).

وقال : خذ الحكمة ممن سمعتها.

وقال رضي‌الله‌عنه : كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله ، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل (٤).

قال الشاعر :

وما من كاتب إلا ستبقى

كتابته وإن فنيت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء

يسرك في القيامة أن تراه (٥)

____________

١ ـ نثر الدرر ١ / ٢٨٧.

٢ ـ التذكرة الحمدونية ١ / ١٠٥.

٣ ـ نفس المصدر ١ / ١٠٣.

٤ ـ العقد الفريد ٢ / ٤٢٣ ت احمد أمين ورفيقيه.

٥ ـ نفس المصدر ٢ / ٢٠٨.


وقال : إذا دخلتم على الرجل وهو في الموت فبشّروه ليلقى ربه وهو حسن الظن ، ولقنّوه الشهادة ولا تضجروه (١).

وقال : من سلّم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً ، ذلك بأنّ الله يقول : ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )(٢) (٣).

وقال : لو أنّ فرعون قال لي بارك الله فيك ، لقلت : وفيك بارك الله (٤).

وقال : خيّر سليمان النبيّ بين العلم والملك والمال ، فاختار العلم ، فاعطي الملك والمال معه (٥).

وقال : إنّ من السنة إذا دعوت الرجل إلى منزلك فخرج أن تخرج معه إلى باب الدار (٦).

وقال : من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه ويضعهما إلى جانبه (٧).

____________

١ ـ العقد الفريد ٢ / ٤٥٠.

٢ ـ النساء / ٨٦.

٣ ـ الدر المنثور ٢ / ١٨٨.

٤ ـ نفس المصدر٢ / ١٨٨.

٥ ـ روضة الواعظين / ١١ط الحيدرية.

٦ ـ الكامل لأبي علي٢ / ١٩.

٧ ـ الكامل ٤ / ٢٦٠.


المبحث السادس

نماذج من كلماته القصار في الحكم

والمواعظ والآداب

مرتبة أوائلها على الحروف الهجائية



حرف الألف

١ ـ قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : أوّل ذلّ دخل العرب موت الحسن عليه‌السلام (١).

٢ ـ إياك والقبالات فإنّها صغار وفضلها رباً (٢).

٣ ـ أكرموا الخبز فإنّ الله سخّر له السموات والأرض (٣).

٤ ـ ألذ اللذات الإفضال على الإخوان ، والرجوع إلى كفاية ، وخير العطية ما وافق الحاجة ، وخير المحبّة ما لم يكن عن رغبة ولا رهبة (٤).

٥ ـ إلتسموا الرزق بالنكاح (٥).

٦ ـ إنّ العاقل الكريم صديق لكلّ أحد ، إلاّ لمن ضرّه ، والجاهل اللئيم عدو لكلّ أحد إلاّ لمن نفعه (٦).

٧ ـ أوّل من يدعى إلى الجنّة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كلّ حال (٧).

٨ ـ إنّ الله جعل الدنيا ثلاثة أجزاء ، جزء للمؤمن ، وجزء للمنافق ، وجزء

____________

١ ـ نهج البلاغة ٤ / ٤.

٢ ـ نثر الدر ١ / ٢٨٤.

٣ ـ نفس المصدر ١ / ٢٨٨.

٤ ـ نفس المصدر ١ / ٢٩٣.

٥ ـ نفس المصدر.

٦ ـ جمهرة الأمثال ٢ / ٤٠٥ لابن هلال العسكري ط محققة إبراهيم وقطامش.

٧ ـ مجموعة ورام / ١٩١ ط الحيدرية.


للكافر ، فالمؤمن يتزوّد والمنافق يتزين ، والكافر يتمتع (١).

٩ ـ إنّ الخشوع في الصلاة أن لا يعرف المصلي مَن على يمينه وشماله (٢).

١٠ ـ اختلف الناس في كلّ شئ إلاّ الرزق والأجل ، فإنّهم أجمعوا على أن لا رازق ولا مميت إلاّ الله (٣).

١١ ـ أربع من كنّ فيه فقد ربح : الصدق ، والحياء ، وحسن الخلق ، والشكر (٤).

١٢ ـ إياك والنظر في النجوم فإنّها تدعو إلى الكهانة ، وإياك والقدر فإنّه يدعو إلى الزندقة ، وإياك وشتم أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكبّك الله في النار على وجهك (٥).

١٣ ـ إذا طلبت حاجة من أحد فلا تطلبها ليلاً ولا من ورائه ، فإنّ الحياء في العينين (٦).

١٤ ـ أبهم عن البهائم كلّ الأمور إلاّ أربع : معرفة صانعها ، وإبتغاء النسل ،

____________

١ ـ إحياء العلوم ٣ / ١٨٠ ، المحجة البيضاء / ٣٧٠.

٢ ـ مجموعة ورام / ١٩١ ط الحيدرية.

٣ ـ احياء العلوم ٤ / ٢٣٠ ، نهاية الارب ٥ / ٢٨٠.

٤ ـ إحياء العلوم ٤ / ٣٣٠.

٥ ـ فضل علم السلف لابن رجب الحنبلي / ١٥ ، قال ذلك لميمون بن مهران ، لأن ميمون كان يحمل على علي عليه‌السلام ، وكان على خراج الجزيرة وقضائها ، راجع ما تقدم في ترجمته : الحلقة الثانية ج١ في تلاميذه.

٦ ـ نزهة المجالس ٢ / ٩٢.


وطلب المعاش ، وحذر الموت (١).

١٥ ـ وقد نظر إلى درهم بيد رجل ، فقال له : إنّه ليس لك حتى يخرج من يدك (٢).

١٦ ـ إنّما الطلاق عند كلّ طهر ، فتلك السنّة التي عليها الناس والتي أمر الله بها (٣).

١٧ ـ إذا أشار أحدكم باصبع واحدة فهو الإخلاص في الدعاء ، وإذا رفع يديه حذو صدره فهو الدعاء ، وإذا رفعهما حتى يجاوز بهما رأسه وظهرهما ممّا يلي وجهه فهو الإبتهال (٤).

١٨ ـ إنّا لا نكتب العلم ولا نُكتُبُه (٥).

١٩ ـ ( إنّما ضلّ من قبلكم بالكتب ). وكان ينهى عن كتابة العلم (٦).

٢٠ ـ الإيمان يزيد وينقص (٧).

٢١ ـ أيّما عبد زنى نزع الله منه الإيمان ، فإن شاء ردّه عليه وإن شاء منعه منه (٨).

٢٢ ـ إستعينوا بالصبر على أداء الفرائض ، وبالصلاة على تمحيص الذنوب (٩).

____________

١ ـ كشكول البحراني ١ / ٦٦ و ٢٨٢

٢ ـ العقد الفريد ٢ / ٢٧٧

٣ ـ محاضرات الراغب ٢ / ١٠٠.

٤ ـ نزهة المجالس ١ / ١٥٢ و ٢ / ٤٢ ، وقريب منها في العقد الفريد ١ / ٣٩٥ و ٢ / ١٤٤ ، نهاية الارب ٥ / ٢٨٤ ، عيون الاخبار ٢ / ٢٣٨.

٥ ـ جامع بيان العلم ١ / ٦٤ ، ومختصره / ٣٣.

٦ ـ جامع بيان العلم ١ / ٦٥ ، ومختصره / ٣٣.

٧ ـ التنبيه والرد للملطي / ١٤٧.

٨ ـ التبيه والرد للملطي / ١٤٦.

٩ ـ طهارة القلوب بهامش نزهة المجالس ٢ / ٥.


٢٣ ـ إذا سلّم المسلم على المسلمين فلم يردّوا عليه نزع الله عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة (١).

٢٤ ـ إنّما سمي إلانسان إنساناً لأنّه عهد إليه فنسي (٢).

٢٥ ـ أفضل العدّة الصبر عند ـ على ـ في الشدّة (٣).

٢٦ ـ أحبّ إخواني إليَّ أخ إن غبت عنه عذرني وإن جئته قبلني (٤).

٢٧ ـ أساس الدين بني على العقل ، وفرضت الفرائض على العقل ، وربّنا يُعرف بالعقل ، ويُتوسل إليه بالعقل ، والعاقل أقرب إلى ربّه من جميع المجتهدين بغير عقل ، ولمثقال ذرة من برّ العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام (٥).

٢٨ ـ ( إن عاش فتنك وإن مات أحزنك ). قالها لرجل معه ابنه (٦).

٢٩ ـ إنّ الله خلق البركة عشرة أجزاء : فتسعة منها في قريش وواحد في سائر الناس.

وجعل الكرم عشرة أجزاء : فتسعة منها في العرب وواحد في الناس.

وجعل الغيرة عشرة أجزاء : فتسعة منها في الأكراد وواحد في سائر الناس.

وجعل المكر عشرة أجزاء : فتسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس.

____________

١ ـ نزهة المجالس ١ / ١٨٢.

٢ ـ نهاية الارب ٢ / ١٥.

٣ ـ سراج الملوك / ١٨١ ، الكنز المدفون / ٢٥ ، الخلق الكامل ٤ / ٢٨٩ ، ادب الدنيا والدين / ٢٥٩.

٤ ـ الظرف والظرفاء ( الموشّى ) ١ / ١٥.

٥ ـ روضة الواعظين / ٩.

٦ ـ محاضرات الراغب ١ / ١٥٤


وجعل الجفاء عشرة أجزاء : فتسعة منها في البربر وواحد في سائر الناس.

وجعل النجابة عشرة أجزاء : فتسعة منها في الروم وواحد في سائر الناس.

وجعل الصناعة عشرة أجزاء : فتسعة منها في الصين وواحد في سائر الناس.

وجعل الشهوة عشرة أجزاء : فتسعة منها في النساء وواحد في سائر الناس.

وجعل العمل عشرة أجزاء : فتسعة في الأنبياء وواحد في سائر الناس.

وجعل الحسد عشرة أجزاء : فتسعة منها في اليهود وواحد في سائر الناس (١).

٣٠ ـ أعزّ الناس عليَّ الجليس لو إستطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت (٢).

٣١ ـ أكرم الناس عليَّ جليسي وأنّ الذباب يقع على وجه جليسي فيؤذيني (٣). ( في لفظ ثان ).

٣٢ ـ أكرم الناس عليَّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس فيجلس إليَّ ، لو استطعت أن لا يقع عليه الذباب لفعلت. وفي لفظ : إنّ الذباب يقع عليه فيؤذيني (٤). ( في لفظ ثالث ).

٣٣ ـ إنّ الرجل لا يزال يزاد في صحة رأيه ما نصح لمستشيره ، فإذا غشّ

____________

١ ـ نهاية الارب للنويري ١ / ٢٩٢

٢ ـ تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٠٤.

وزاد الشيخ ورام في مجموعته / ٢٤ قوله ( وإني استحي من الرجل ان يطأ بساطي ثلاثا فلا يرى عليه اثر من بري ).

٣ ـ ربيع الابرار ١ / ٢٠٠.

٤ ـ منية المريد / ٩٠ ، تذكرة السامع / ٤٩.


مستشيره سلبه الله صحة رأيه (١).

٣٤ ـ إذا ترك العالم قول لا أدري أُصيبت مقاتله (٢).

٣٥ ـ أربعة لا أقدر على مكافأتهم ، رجل بات ليلته وحاجته تتململ في صدره حتى أصبح فقصدني بها ، ورجل أفشى اليّ سره فوضعني مكان قلبه ، ورجل إبتدأني بالسلام ، ورجل دعوته فأجابني (٣).

٣٦ ـ إنّ لكلّ داخل دهشة فآنسوه بالتحية (٤).

٣٧ ـ إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك (٥).

قال ابن أبي الحديد : وهذا مشتق من كلام أمير ألمؤمنين عليه‌السلام (٦).

٣٨ ـ إنّ أحدكم يشرك حتى يشرك بكلبه ، يقول : لولاه لسرقنا الليلة (٧).

٣٩ ـ إجتنبوا أبواب الملوك فإنّكم لا تصيبون من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينكم ما هو أفضل منه (٨).

٤٠ ـ إنّها كلمة نبيّ :

____________

١ ـ محاضرات الراغب ( مخطوطة الرضوية ).

٢ ـ البيان والتبيين تحقيق هرون ١ / ٣٩٨ و ٩ / ٩٠ ، عيون الاخبار ٢ / ١٢٥ ، منية المريد / ١١٦.

٣ ـ ربيع الابرار باب الطلب نسخة المرتضوية والنسخة السماوية.

٤ ـ البيان والتبيين ٢ / ٩١.

٥ ـ مجموعة ورام / ٩٤ ط الحيدرية ، المحجة البيضاء ٥ / ٢٥٤.

٦ ـ شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٤١٣.

٧ ـ المحجة البيضاء ٥ / ٢٨٦.

٨ ـ اداب النفس للعيناتي ١ / ١٣٤.


ستبدي لك الايام ماكنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود (١)

٤١ ـ أمر الله المؤمنين أن لا يقربوا المنكر بين ظهرانيّهم فيعمّهم بعذاب (٢).

٤٢ ـ إذا دعوت الله فاجعل في دعائك الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الصلاة عليه مقبولة ، والله أكرم من أن يقبل بعض دعائك ويردّ بعضه (٣).

٤٣ ـ إنّ الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد ، وإنّ الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل (٤).

٤٤ ـ أكرموا الخبز. فقيل له : وما كرامته؟ قال : لا ينتظر به الأدم ، إذا وجدتم الخبز فكلوه حتى تؤتوا بغيره (٥).

٤٥ ـ إذا أردت النجاة فأنكر من تعرف ، ولا تتعرف إلى من لا تعرف (٦).

٤٦ ـ إذا استشارك عدوك في الأمر فأمحضه النصيحة في الرأي (٧).

٤٧ ـ أكرموا الشهود ، فإنّ الله يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم (٨).

____________

١ ـ عيون الاخبار ٢ / ١٩١.

٢ ـ تفسير ابن كثير ٢ / ٢٩٩.

٣ ـ العقد الفريد ٣ / ٢١٨ تح أحمد أمين.

٤ ـ ربيع الأبرار ٢ / ٤٩.

٥ ـ نفس المصدر ٢ / ٧٢٨.

٦ ـ شرح النهج للمعتزلي ١٠ / ٢٥٢ ط الاعلمي.

٧ ـ نفس المصدر ١٨ / ٣٥٧.

٨ ـ ربيع الأبرار ٣ / ٦٣٢.


حرف التاء

١ ـ التفكر في الخير يدعو إلى العمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه (١).

٢ ـ تذاكر العلم بعض ليلة أحبُّ إلي من إحيائها (٢).

٣ ـ تمام المعروف تعجيله وتصغيره وستره (٣).

٤ ـ تواعظوا وتناهوا عن معصية ربكم تعالى ، فإنّ الموعظة تنبيه للقلوب من سنة الغفلة ، وشفاء من داء الجهالة ، وفكاك من رق ملكة الهوى (٤).

حرف الثاء

١ ـ ثلاث من كنّ فيه فقد إستحق ولاية الله : حلم أصيل يدفع به سفه السفيه ، وورع يمنعه من المعاصي ، وحسن خلق يداري به الناس (٥).

٢ ـ ثلاثة لا أكافئهم : رجل بدأني بالسلام ، ورجل وسّع لي في المجلس ، ورجل إغبرّت قدماه في المشي إرادة التسليم عليَّ ، فأمّا الرابع فلا

____________

١ ـ إحياء العلوم ٤ / ٢٦٤ ، مجموعة ورام / ٢٠.

٢ ـ ربيع الأبرار ٢ / ٩٠ نسخة السماوي٢ / باب العلم والحكمة ... الخ وخطية ألأوقاف ، وجامع بيان العلم ١ / ٢٤. وفي سنن الدارمي بلفظ ( تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائه ).

٣ ـ تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٠٤.

٤ ـ التذكرة الحمدونية ١ / ١٠٥ ، نثر الدر للآبي ١ / ٤٠٩. وقد مرّ هذا من قبل.

٥ ـ نزهة المجالس ١ / ١٧٥.


يكافئه إلاّ الله عزّوجلّ ، قيل : من هو؟ قال : رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكّر بمن ينزله ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي (١).

٣ ـ ثلاث تجلو البصر : النظر إلى الخضرة ، والأثمد عند النوم ، والوجه الحسن (٢).

٤ ـ ثلاث آيات محكمات لا يعمل بها اليوم تركهنّ الناس : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )(٣) ، وهذه الآية : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(٤). فأبيتم إلاّ فلان بن فلان وفلان بن فلان.

أقول : وإلى هنا انقطع نفس الراوي فغصّ فلم يذكر الآية الثالثة في المصدر! وقد علق المحقق (٥) ، فقال : لم يذكر إلاّ آيتين فقط.

فأقول له : انّها آية المودّة في القربى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً )(٦).

ولقد عوّدنا رواة السوء على كتمان الثالثة من الخصال العددية المروية عن ابن عباس ، ففي حديث الكتف والدواة : ( فأوصى بثلاث :

____________

١ ـ عيون الأخبار ٣ / ١٧٦.

٢ ـ الكامل لابن عدي ٢ / ٢٢٩.

٣ ـ النور / ٥٨.

٤ ـ الحجرات / ١٣.

٥ ـ المصنف ١٠ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، لعبد الرزاق.

٦ ـ الشورى / ٢٣.


اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) ، قال الراوي : ونسيت الثالثة ، وقد بحثتها في الحلقة الأولى من هذه الموسوعة (١) فراجع.

حرف الجيم

١ ـ الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلّها سوء الظن بالله عزّوجلّ (٢).

حرف الحاء

١ ـ الحرمان خير من الإمتنان (٣).

٢ ـ الحدث حدثان : حدث من فيك ، وحدث من فرجك (٤).

٣ ـ حقيق على الله أن لا يرفع للكاذب درجة ، ولا يثبت له حجة (٥).

٤ ـ الحلم من الخلال التي ترضي الله ، وهو يجمع لصاحبه شرف الدنيا والآخرة ، ألم تسمعوا الله تعالى وصف خليله بالحلم ، فقال : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ج١ في حديث الرزية ، وكشفت عن اسم الناسي ، وذكرت ما نسي ، فراجع.

٢ ـ بهجة المجالس ١ / ٤٢٠.

٣ ـ مجمع الأمثال / ٣٧٤ ، جمهرة خطب العرب ١ / ٢٧١.

٤ ـ عيون الأحبار لابن قتيبة ٢ / ٢٥ ، يريد بحدث الفم ذم الكذب.

٥ ـ التذكرة الحمدونية ٣ / ٧٧ ، نهاية الأرب ٣ / ٣٦١ ، محاضرات الراغب ١ / ١٢٢.


لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ )(١) (٢).

حرف الخاء

١ ـ خمس خصال تورث خمس أشياء : ما فشت الفاحشة في قوم قط إلاّ أخذهم الله بالموت ، وما طفّف قوم الميزان إلاّ أخذهم الله بالسنين ، وما نقض قوم العهد إلاّ سلّط الله عليهم عدوهم ، وما جار قوم في الحكم إلاّ كان القتل بينهم ، وما منع قوم الزكاة ألاّ سلط الله عليهم عدوهم (٣).

٢ ـ الخائف من يخاف نفسه أكثر ممّا يخاف من عدوه (٤).

٣ ـ الخط لسان اليد (٥).

٤ ـ خمس لَهُنّ أحسن من الدُهَم المونقة (٦) هي أحسن وأنفع من حمر النَعم :

أ ـ لا تتكلم فيما يعنيك فإنّه فضل ، ولا آمن عليك الوزر.

ب ـ ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعاً ، فإنّه ربّ متكلم في

____________

١ ـ هود / ٧٥.

٢ ـ موسوعة ابن أبي الدنيا ٢ / ٥٣.

٣ ـ بحار الأنوار ١٧ / ٣٣٩ ، أعلام الدين للديلمي / ١٥٤ط مؤسسة آل البيت ، كنز الفوائد / ٢٧٢ ، معدن الجواهر / ٥٠.

هكذا في الرواية ولعله اشتباه من الناسخ حيث تقدم أن تسلط العدو عقوبة نقض العهد ولعل مكان ذلك ما جاء في علل الشرائع للصدوق / ١٤٩ ومنعت الأرض بركتها من الزرع والمعادن كلها. وهو انسب بالمقام والكلمة مقتبسة من كلام لأمير المؤمنين مذكور في العلل ، بهجة المجالس ١ / ٤٢٠

٤ ـ محاضرات الراغب ١ / ٢٥٢.

٥ ـ البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي / ٨٧ ط مصر.

٦ ـ الدهم المونقة أي العدد الكثير من النوق المحملة بذخا وترفا ونعيما.


أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه ففتن (١).

ج ـ ولا تمار حليماً ولا سفيها ، فإنّ الحليم يقليك ـ أي يبغضك ويكرهك­ ـ بصمته ، وإنّ السفيه يؤذيك بمنطقه.

د ـ واذكر أخاك إذا تغيّب عنك بما تحبّ أن يذكرك به إذا غبت عنه ، وأعفه ممّا تحبّ أن يعفيك منه.

هـ ـ واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإجرام (٢).

٥ ـ خير المجالس مجلس في قعر بيتك حيث لا تَرى ولا تُرى (٣).

٦ ـ خيّر سليمان بن داود بين العلم والمال والملك ، فاختار العلم فأعطي المال والملك معه (٤).

حرف الدال

١ ـ الدنيا العافية ، والشباب الصحة ، والكرم التقوى ، والمرؤة الصبر ، والحسب المال (٥).

____________

١ ـ وفي بعض المصادر ( فعيب ) وفي بعضها ( فعتب ).

٢ ـ أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت كما في الترغيب والترهيب ٣ / ٥٣٥ ، المحجة البيضاء ٥ / ٢٠٢ ، مجموعة الشيخ ورام تنبيه الخواطر / ٣ ، شرح النهج للمعتزلي ٢ / ٥٤٩.

٣ ـ آداب النفس ١ / ١٨٧.

٤ ـ التذكرة الحمدونية ١ / ٦١.

٥ ـ العقد الفريد ٣ / ٢٨ ت أحمد أمين ووردت الكلمة بلفظ الدنيا الصحة والشباب ٣ / ٤٥ و ٤٦ بلفظ الدنيا العافية.


حرف الذال

١ ـ ذللتُ طالباً فعززت مطلوباً (١).

حرف الراء

١ ـ ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة بلا قلب (٢).

٢ ـ ربّ ناظر في النجوم ومتعلم حروف ـ أبيّ جاد ـ ليس له عند الله من خلاق (٣).

٣ ـ الرخصة من الله صدقة فلا تردوا صدقته (٤).

حرف السين

١ ـ ستة لا يدخلون الجنة ، فذكر الجواظ والجعثل والقتات ، فقيل له وما الجعثل؟ فقال : الفظ الغليظ (٥) (٦).

____________

١ ـ ربيع الأبرار باب العلم والحكمة ٢ / ١٠ نسخة الأوقاف ، عيون الأخبار ١ / ١٢٢ ، أدب الدنيا والدين / ٤٥ ، جامع بيان العلم ١ / ١١٧ ، العقد الفريد ١ / ٢٦٤ ، منية المريد وتذكرة السامع.

٢ ـ مجموعة ورام / ٢٠٨ ط الحيدرية.

٣ ـ فضل علم السلف على الخلف / ١١لابن رجب الحنبلي.

٤ ـ زهر الأداب ١ / ٥٠ ، الأعجاز والإيجاز / ٣٦ للثعلبي ، لطائف للطف / ٢٩ للثعالبي.

٥ ـ جاظ الرجل جوظاناً إذا أختال على سمن وثقل في بدنه وقيل هو الجموع المنوع ، والفتان النّّمام.

٦ ـ الفائق ١ / ١١٥.


حرف الشين

١ ـ الشعر ديوان العرب ، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزل بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه (١).

٢ ـ شيب الناصية من الكرم ، وشيب الصدغين من الورع ، وشيب الشاربين من الفحش ، وشيب القفا من اللؤم (٢).

٣ ـ شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزّه استغناؤه عمّا في أيدي الناس (٣).

حرف الصاد

١ ـ الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه : صبر على أداء فرائض الله تعالى فله ثلثمائة درجة ، وصبر عن محارم الله فله ستمائة درجة ، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة (٤).

٢ ـ صلوا في مصلى الأخيار ، واشربوا من شراب الأبرار ، فسئل عن ذلك؟ فقال : مصلى الأخيار تحت الميزاب بمكة ، وشراب الأبرار ماء زمزم (٥).

____________

١ ـ تاريخ آداب العرب للرافعي ٢ / ٥٧.

٢ ـ بهجة المجالس ٢ / ٢٢٣.

٣ ـ اللئالي المصنوعة ٢ / ١٦ ط مصر الأولى.

٤ ـ إحياء علوم الدين ٤ / ٦٢.

٥ ـ نزهة المجالس ١ / ١٥٢.


٣ ـ صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد له متكأ (١).

٤ ـ صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله تعالى فيما استعملوها وهو أعلم بذلك (٢).

حرف الضاد

١ ـ الضرار في الوصية من الكبائر (٣).

حرف العين

١ ـ العجز والكيس بالقدر (٤).

٢ ـ العلم كثير فارعوا أحسنه ، أما سمعتم قول الله تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ )(٥) (٦).

٣ ـ العلم أكثر من أن يحاط به ـ يحصى ـ يؤتي على آخره ـ فخذو من كلّ شيء أحسنه (٧).

____________

١ ـ محاضرات الراغب ١ / ٢١٠ ، عيون الأخبار ٢ / ١٧٥ ، مجمع الأمثال / ٣٧٤.

٢ ـ مجموعة ورام / ٣٦ ط الحيدرية.

٣ ـ ربيع الأبرار ٤ / ٢٠٢ ط بغداد.

٤ ـ التنبيه والرد / ١٥٨ للملطي.

٥ ـ الزمر / ١٧ ـ ١٨.

٦ ـ محاضرات الراغب ١ / ٢٢.

٧ ـ الموشّى ٢ / ١ ، جامع بيان العلم ١ / ١٠٦ ، أدب الدنيا والدين / ٢ ، رغبة الأمل ٦ / ٦٥ ، البيان والتبين ١ / ٤٠٤ تحقيق هرون.


وفي لفظ ابن عبد البر عنه : العلم أكثر من أن يحصى فخذوا أرواحه ودعوا ظروفه (١).

٤ ـ العلماء فوق المؤمنين مائة درجة ، ما بين الدرجتين مائة عام (٢).

٥ ـ عجباً لم يطلب أمراً بالغلبة وهو يقدر عليه بالحجة ، فالحجة دين تعقد به الطاعة ، وسلطان الغلبة يزول بزوال القدرة (٣).

٦ ـ عورة سترها الله ومؤنة كفاها الله وأجر ساقه الله (٤) ، قالها وقد فقد ابنته.

٧ ـ عوضك الله منه ما عوضه الله منك (٥) ، قالها لمن فقد ابنه.

٨ ـ العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا (٦).

٩ ـ عهدت الناس وأهواؤهم تبع لأديانهم ، وإنّ الناس اليوم أديانهم تبع

____________

١ ـ بهجة المجالس ١ / ٣٧.

٢ ـ تذكرة السامع / ٥ للكناني.

٣ ـ محاضرات الراغب ١ / ٣٣.

٤ ـ العقد الفريد ٢ / ١٢٨ ، محاضرات الراغب ٢ / ٢٢٨ ، ربيع الأبرار باب الموت وما يتصل به نسختي السماوي والرضوية.

قالها وقد نعي إليه ابنة له ، وهي في السفر في طريق مكة ، فنزل عن دابته فصلى ركعتين ثم رفع يده وقال ( الكلمة ).

٥ ـ العقد الفريد ١ / ٤١ ، البيان والتبين ٢ / ١٤٢.

قالها وقد عزى بها عمر بن الخطاب في ابن له صغير قد مات.

٦ ـ ربيع الأبرار باب الفال والزجر .. إلخ ، نسخة السماوي ٣ / ٤٦١ ط بغداد.

ومعنى إذا استغسلتم فأغسلوا ، أن يطلب من أصابته العين ممن عاين أن يغتسل فليجيبه وفي لسان العرب ( مادة غسل ) ذكر كيفية اغتسال العاين. فراجع


لأهوائهم (١).

أقول : رحمك الله يا بن عباس تقول هذا في زمانك ، فكيف بنا في هذا الزمان؟ فساءت الأخلاق ، وساد النفاق إلاّ من عصم الله وقليل ما هم.

١٠ ـ عليك بالفرائض وما وظّف الله تعالى عليك من حقه فأدّه ، واستعن الله على ذلك ، فإنّه لا يعلم من عبد صدق نيّة وحرصاً فيما عنده من حسن ثوابه إلاّ أخّره عمّا يكره ، وهو الملك يصنع ما يشاء (٢).

١١ ـ العتق ما ابتغي به وجه الله ، والطلاق ما كان عن وطر (٣).

قال ابن قيم الجوزية ، وقد عقب على ذلك بقوله : ( فتأمل هاتين الكلمتين الشريفتين الصادرتين عن علم قد رسخ أسفله ، وبسق أعلاه ، وأينعت ثمرته ، ذللت للطالب قطوفه ، ثم حكّم الكلمتين على أيمان الحالفين بالعتق والطلاق ، هل تجد الحالف بهذا ممن يبتغي وجه الله والتقربّ إليه بإعتاق هذا العبد؟ وهل تجد الحالف بالعتق بالطلاق ممن له وطر في طلاق زوجته؟ فرضي الله عن حبر هذه الأمة ، لقد شفت كلمتاه هاتان الصدور ، وطبقتا المفصل وأصابتا المحزّ ، وكانتا برهاناً على استجابة دعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له أن يعلّمه الله التأويل ويفقهه في الدين ).

____________

١ ـ ربيع الأبرار باب الشر والفجر .. الخ ، نسخة السماوي والرضوية ، مجموعة ورام / ٣٢ ط الحيدرية ، والمستطرف ١ / ١٥٥.

٢ ـ حلية الأولياء ١ / ٣٢٦ ، عن أبي غالب الخلجي.

٣ ـ أعلام الموقعين ٣ / ٣٤٦ لابن القيم الجوزية.


١٢ ـ العاقل صديق كلّ أحد إلا من ضرّه ، والجاهل عدو كلّ أحد حتى من نفعه ، فإذا سلم الناس منك فلا عليك ألاّ تسلم منهم ، فإنه قلّ من اجتمعت هاتان النعمتان له (١).

١٣ ـ عزّى عمر بن الخطاب في ابن له مات ، فقال : عوّضك الله منه ما عوّضه منك (٢). وقد مرّت الكلمة عن مصدر آخر.

١٤ ـ عيادة المريض أوّل مرّة سنّة ، وما ازدادت فنافلة (٣).

١٥ ـ عشر من السنن : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ، فأمّا التي في الرأس فالسواك ، والفرق ، والإستنشاق والمضمضة ، والأخذ من الشارب (٤).

ولم يذكر التي في الجسد في المصدر ، وهي مذكورة في غيره ، كما مرّت في جواب كتاب رجل من الخوارج وهي : الإستنجاء ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الأبط ، وتقليم الأظفار.

حرف الغين

١ ـ الغني الذي كمل في غناه ، والحليم الذي كمل في حلمه (٥).

____________

١ ـ أعلام الدين / ٢٧٦ للديلمي ط مؤسسة آل البيت.

٢ ـ بهجة المجالس ١ / ٣٥٠.

٣ ـ سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٢٣.

٤ ـ الكامل لابن عدي ٣ / ١٣.

٥ ـ الدر المنثور ١ / ٣٣٨.


حرف القاف

١ ـ قيّدوا العلم بالكتاب (١).

٢ ـ القرابة تقطع ، والمعروف يُكفر ، ولم يَرَ كالمودة.

وبلفظ آخر : كتقارب القلوب. وثالث : وما رأيت كتقارب القلوب (٢).

وروى ابن عبد البر هذه الكلمة بصورة أخرى ، فقال في ( بهجة المجالس ) : قال ابن عباس : قد تقطع الرحم ، وقد تكفر النعمة ، ولا شيء كتقارب القلوب.

وفي رواية أخرى عنه : تكفر النعمة ، والرحم تقطع ، والله يؤلف بين القلوب ، وإذا قارب بين القلوب لم يزجرها شيء أبداً ، ثم تلا : ( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(٣) (٤).

٣ ـ القناعة مال لا نفاد له (٥).

____________

١ ـ جامع بيان العلم ١ / ٧٤١.

٢ ـ حلية الأولياء ١ / ٣٢٦.

٣ ـ الانفال / ٦٣.

٤ ـ وأخرج ذلك أبو عبيد بن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان وعنهم السيوطي في الدر المنثور ٣ / ١٩٩.

٥ ـ حلية الأولياء ١ / ٣٢٦.


حرف الكاف

١ ـ الكبائر : الإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا ، والسحر ، والزنا ، واليمين الغموس الفاجرة ، والغلول ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر ، وترك الصلاة متعمداً ، وأشياء ممّا فرضها الله ، ونقض العهد ، وقطيعة الرحم ، وكلّ ذنب أصرّ عليه العبد كبير ، وكلّ ما نهى الله عنه فهو كبيرة.

وقيل له : الكبائر سبع؟ فقال : هي إلى السبعين أقرب (١).

٢ ـ الكبائر : كلّ ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب (٢).

٣ ـ أنّ رجلاً قال لابن عباس : كم الكبائر ، سبع هي؟ قال : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع الإستغفار ـ أي التوبة بشروطها ـ ولا صغيرة مع الإصرار (٣).

٤ ـ كلّ ما شئت والبس ما شئت إذا ما أخطأتك اثنتان : سرف ومخيلة (٤).

____________

١ ـ إحياء العلوم ٤ / ١٦.

٢ ـ نثر الدر ١ / ٤١٥ ، التذكرة الحمدونية ١ / ١٠٦ ، عيون الأخبار ٣ / ٢٩٦ ، محاضرات الراغب ١ / ١٠٠ ، ٢ / ١٥٦.

٣ ـ نفس المصدر.

٤ ـ الزواجر ١ / ٧.


٥ ـ الكذب فجور ، والنميمة سحر ، فمن كذب فقد فجر ، ومن نمّ فقد سحر (١).

٦ ـ كفى بك ظالماً ألاّ تزال مخاصماً ، وكفى بك آثماً ألاّ تزال ممارياً ، وكفى بك كاذباً ألاّ تزال محدثا بغير ذكر الله (٢).

٧ ـ كلب أمين خير من صاحب خؤون (٣).

٨ ـ كفى بالمرء من الشر أن يكون فاجراً وأن يكون بخيلاً (٤).

حرف اللام

١ ـ لا يزال أمر هذه الأمّة مؤاماً ومقارباً ما لم ينظروا ـ يتكلموا خ ل ـ في الولدان والقدر (٥).

٢ ـ لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر (٦).

٣ ـ ليس الحرورية بأشد إجتهاداً من اليهود والنصارى وهم يضلون (٧).

٤ ـ لا تسبوا الريح فإنّها تجيء بالعذاب والرحمة ، ولكن قولوا اللهم

____________

١ ـ عيون الاخبار لابن قتيبة ٢ / ٢٦ ط دار الكتب.

٢ ـ عيون الاخبار ٢ / ١٨٠ ، بهجة المجالس ١ / ٤٢٩.

٣ ـ بحار الأنوار ٦٢ / ٥٨.

٤ ـ كنز العمال ٣ / ١٠٣ ط الرسالة ـ حلب.

٥ ـ الفائق ١ / ٢٦ ، جامع بيان العلم ٢ / ٩٣ ، فضل علم السلف / ١٥.

٦ ـ مستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي ٢ / ٣٥٠.

٧ ـ التنبيه والرد للملطي / ١٧٤.


اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً (١).

٥ ـ لو أنّ فرعون مصر مدّ إليّ يداً صالحة لشكرته عليه (٢).

٦ ـ لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرّت على أهل الأرض معيشتهم ، فكيف بمن هو طعامه وشرابه ليس له طعام غيره (٣).

٧ ـ لم يمل إلى الغضب إلاّ من أعياه سلطان الحجة (٤).

٨ ـ لم يكن كفر من مضى إلاّ من قبل النساء ، وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء (٥).

٩ ـ لأن أذنب سبعين ذنباً برُكبة (٦) ، أحبّ إلي من أن أذنب ذنباً واحداً بمكة (٧).

١٠ ـ لو كانت البصرة أمة للكوفة فضلّت ما طلبتها رغبة عنها (٨).

١١ ـ لم يرنَ أبليس مثل ثلاث رنّات قط : رنّة حين لعن فأخرج من ملكوت السموات ، ورنّة حين ولد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورنّة حين أنزلت سورة الحمد

____________

١ ـ مكارم الأخلاق للخرائطي / ٣.

٢ ـ عقد الفريد ١ / ١٤٠.

٣ ـ ربيع الأبرار النسخة الرضوية ونسخة مكتبة الأوقاف المخطوطة.

٤ ـ نهاية الأرب ٦ / ٩٥.

٥ ـ نهاية الأرب ٢ / ١٨٥.

٦ ـ رُكبة منزل بين مكة والطائف.

٧ ـ ربيع الأبرار / باب البلاد والديار .. الخ مخطوطة الرضوية والأوقاف ١ / ٣٠٠ ط بغداد.

٨ ـ محاضرات الأدباء ٢ / ٢٦٣.


وفي ابتدائها بسم الله الرحمن الرحيم (١).

١٢ ـ لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحبّ إلي من حجة بعد حجة ، ولطبق بدانق أهديه إلى أخ لي في الله عزوجل أحبّ إلي من دينار أنفقه في سبيل الله عزوجل (٢).

١٣ ـ لو جعل الله لأحد أن يحكم برأيه لجعل ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قال له : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )(٣) ، وقال تعالى : ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ )(٤) ، ولم يقل بما رأيت (٥).

١٤ ـ ليس للظالم عهد ، فإن عاهدته فانقضه ، فإنّ الله يقول : ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )(٦) (٧).

١٥ ـ لأن أقرأ البقرة وآل عمران في ليلة وأرتلّهما وأتدبرهما ، وأتفكر فيهما أحبّ إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة ـ هدرة خ ل ـ (٨).

____________

١ ـ ربيع الأبرار / باب الأسماء والكنى مخطوطة الرضوية وسماوي ، و ٢ / ٣٣٥ ط بغداد ، المستطرف٢ / ٣٧.

٢ ـ صفوة الصفوة ١ / ٣١٨ ، حلية الأولياء ١ / ٣٢٨.

٣ ـ المائدة / ٤٩.

٤ ـ النساء / ١٠٥.

٥ ـ الدرجات الرفيعة / ١٣٦.

٦ ـ البقرة / ١٢٤.

٧ ـ محاضرات الراغب ١ / ١٠٧ ، نهاية الأرب ٦ / ٤٠.

٨ ـ المستطرف ١ / ١٨ ، ربيع الأبرار / باب الدين وما يتعلق به نسخة الرضوية والسماوي ، شرح النهج للمعتزلي ٤ / ٤٧٧ ، صفوة الصفوة ١ / ٣١٧.


١٦ ـ لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما شكى عبدٌ الرزق ( رزقه ) (١).

١٧ ـ لا كبيرة مع توبة وإستغفار ، ولا صغيرة مع لجاجة وإصرار (٢).

١٨ ـ لا تقبلوا أقوال العلماء بعضهم على بعض ، فإنّهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة (٣).

١٩ ـ لا تسألن حاجة بالليل ، ولا تسألن أعمى ، فإنّ الحياء بالعينين (٤).

٢٠ ـ لا تقبل صلاة أمرئ في جوفه حرام (٥).

٢١ ـ لو بغى جبل على جبل لدكّ الباغي منهما (٦).

٢٢ ـ لا يكافئ من أتاني يطلب حاجة فرآني لها موضعاً إلاّ الله ، وكذا رجل بدأني بالسلام أو أوسع لي في مجلس أو قام لي عن المجلس أو رجل سقاني شربة ماء على ظمأ ، ورجل حفظني بظهر الغيب (٧).

٢٣ ـ لا تحقر كلمة الحكمة أن تسمعها من الفاجر ، فإنّما مثله كما قال الأوّل ( ربّ رمية من غير رام ) (٨).

____________

١ ـ شرح النهج ٤ / ٤٧٧ ، محاضرات الراغب ٢ / ٢٧٦ ، ربيع الأبرار ١ / ٣٤٧ باب البلاد والديار .. الخ ، ونسخة الرضوية والسماوي والأوقاف ، المخطوطات.

٢ ـ عقد الفريد ٢ / ١٤٤ ، البصائر والذخائر / ٢٣٣.

٣ ـ محاضرات الراغب ١ / ١٩.

٤ ـ نفس المصدر ١ / ٢٦١.

٥ ـ طبقات الشعراني ١ / ٢٢ ، منهاج العابدين / ٣٥ للغزالي ط مصر سنة ( ١٣٢٧ هـ ).

٦ ـ حلية الأولياء ١ / ٣٢٢ ، طبقات الشعراني ١ / ٢٢.

٧ ـ تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٠٤.

٨ ـ عقد الفريد ١ / ٢٠٦.


٢٤ ـ لا يزال عالم يموت ، وأثر للحق يدرس ، حتى يكثر الجهل ، وقد ذهب أهل العلم فيعملون بالجهل ، ويدينون بغير الحق ويضلون عن سواء السبيل (١).

٢٥ ـ لو كان أحد مكتفياً من العلم لاكتفى منه موسى على نبيّنا وعليه‌السلام : ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً )(٢) (٣).

٢٦ ـ لاتمار فقيها ولا سفيها ، فإنّ الفقيه يغلبك ، والسفيه يؤذيك (٤).

٢٧ ـ لا تستعن على رجل بمن له إليه حاجة (٥).

٢٨ ـ لكلّ داخل دهشة فابدؤه بالتحية ، ولكلّ طاعم حشمة فابدأوه باليمين (٦).

٢٩ ـ لجليسي عليّ ثلاث : أن أرميه بطرفي إذا أقبل ، وأن أوسّع له إذا جلس ، وأصغي إليه إذا تحدث (٧).

٣٠ ـ لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فإنّه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه ، وإني والله ما رأيت أحداً أسعفته في حاجته إلاّ أضاء ما بيني

____________

١ ـ جامع بيان العلم لابن عبد البر ١ / ١٥٥.

٢ ـ الكهف / ٦٦.

٣ ـ أدب الدنيا والدين / ٥٠٩.

٤ ـ فضل علم السلف لابن رجب الحنبلي / ٤٤ ، العقد الفريد ٣ / ٦ تح أحمد أمين.

٥ ـ المخلاة للبهائي / ٣٨.

٦ ـ المخلاة للبهائي / ٢١٨ ، نهاية الارب ٢ / ٦.

٧ ـ مجموعة ورام / ٢٤ ط الحيدرية ، ربيع الأبرار ١ / ٢٠٠ وخطية السماوي ، عيون الأخبار ١ / ٢٠٦ ، رغبة الأمل ٢ / ٢٠٥.


وبينه ، ولا رأيت أحداً رددته عن حاجة إلاّ أظلم ما بيني وبينه (١).

٣١ ـ لولا الوسواس ، ما باليت ألاّ أكلم الناس (٢).

٣٢ ـ لا أعطي من يعصي الرحمن ويطيع الشيطان ويقول البهتان (٣).

قاله في جواب منع عتيبة بن مرداس لمّا مدحه.

٣٣ ـ لا أعدل بالسلامة شيئاً.

قيل له ما تقول في رجلين ، أحدهما كثير الخير كثير الشر ، والآخر قليل الخير قليل الشر؟ فقال : لا أعدل بالسلامة شيئاً (٤).

٣٤ ـ لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.

عن سعيد بن جبير : قال له رجل : المجوسي يوليني خيراً فأشكره ، ويسلّم عليّ فأردّ عليه؟ فقال سعيد : سألت ابن عباس عن نحو هذا؟ فقال لي : لو قال لي فرعون .. الخ (٥).

٣٥ ـ لا يتم المعروف إلاّ بثلاث : تعجيله وتصغيره وستره ، فإنّه إذا عجّله هنأه ، وإذا صغّره عظّمه ، وإذا ستره تمّمه (٦).

____________

١ ـ بهجة المجالس ١ / ٣٠٤ ، المخلاة / ٣٨ ، رغبة الأمل ٢ / ١٢٢ ، عين الادب والسياسة / ٢٥٩ بهامش الخصائص ، عيون الأخبار ٣ / ١٧٨.

٢ ـ البيان والتبين ١ / ٢ تحقيق هارون.

٣ ـ نفس المصدر ١ / ٢٨٤.

٤ ـ منهاج العابدين للغزالي / ٤٠.

٥ ـ عيون الأخبار لابن قتيبه ٣ / ١٦٥ ، إحياء العلوم ٢ / ١٠٢ ، المحجة البيضاء ٥ / ٢١٣.

٦ ـ عيون الأخبار ٣ / ١٧٧ ط دار الكتب.


٣٦ ـ عزى عبد الله بن جعفر ، فقال له : لا أعدمك الله الأجر على الرزية ، ولا الخلف من الفقيد ، وثقل به ميزانك (١).

٣٧ ـ لا تتخذوا الدجاج والكلاب فتكونوا من أهل القرى ، وتلا : ( أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ )(٢) (٣).

٣٨ ـ لو أنّ حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبّهم الله ، ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله وهانوا على الناس (٤).

وفي لفظ آخر رواه عنه سفيان بن عيينة ، قال : بلغنا عن ابن عباس ، أنّه قال : لو أن حملة العلم أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله وملائكته والصالحون ولهابهم الناس ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله وهانوا على الناس (٥).

وفي لفظ ثالث برواية ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق في ترجمة ابن عباس أنّه قال : لو أنّ العلماء أخذوا العلم بحقه ، لأحبهّم الله عزوجل والملائكة والصالحون من عباده ، ولهابهم الناس (٦).

٣٩ ـ لا غنى بالناس عن الناس ، ولكن سل الله أن يغنيك عن شرار الناس (٧).

____________

١ ـ بهجة المجالس ١ / ٣٥٠.

٢ ـ الأعراف / ٩٨.

٣ ـ تفسير ابن أبي حاتم ٥ / ١٥٢٩.

٤ ـ تفسير القرطبي ١ / ٢٠.

٥ ـ جامع العلم والبيان لابن عبد البر ١ / ٨٨ ، المدخل لابن الحاج ١ / ٦٦.

٦ ـ مختصر تاريخ دمشق / ترجمته ابن عباس.

٧ ـ نثر الدر ١ / ٢٩٣.


حرف الميم

١ ـ ملعون من أكرم بالغنى وأهان بالفقر (١).

٢ ـ متى ما نقلوا تحققوا (٢).

٣ ـ مثل علم لا يظهره صاحبه ، كمثل كنز لا ينفق منه صاحبه (٣).

٤ ـ معلّم الخير يستغفر له ويشفع له كلّ شئ حتى الحيتان في البحر (٤).

٥ ـ معلّم الخير تصلي عليه دوابّ الأرض حتى الحوت في البحر (٥).

٦ ـ ما قيل لقوم طوبى إلاّ خبأ الدهر لهم يوم سوء (٦).

٧ ـ من وضع الماء على شارع ، نظر الله إليه بالرحمة كلّ يوم مرتين (٧).

٨ ـ ما ذكر الله الهوى في شيء إلاّ ذمّه (٨).

٩ ـ المرؤة أن تحقق التوحيد ، وأن تركب المنهج السديد ، وتستدعي من الله المزيد (٩).

____________

١ ـ إحياء علوم الدين ٤ / ١٧٢.

٢ ـ الفائق ١ / ١٤٠.

قال ذلك لقرآء القرآن.

٣ ـ جامع بيان العلم ١ / ١٢٢.

٤ ـ نفس المصدر ١ / ٣٨ و ١٢٨.

٥ ـ مختصر جامع بيان العلم / ٢١.

٦ ـ تاريخ بغداد ٢ / ١٣٥.

٧ ـ نزهة المجالس ١ / ١٩٢.

٨ ـ العقد الفريد ٣ / ١١٣ت أحمد أمين.

٩ ـ مجلة البيان ١ / ٩٨٣ ، محاضرات الراغب ١ / ١٥٤.


١٠ ـ مجالسة الأحمق خطر ، والقيام عنه ظفر (١).

١١ ـ ما أحد أكرم علي من جليسي ، إن الذباب يقع عليه فيشق علي (٢).

١٢ ـ من لم يجلس في الصغر حيث يكره ، لم يجلس في الكبر حيث يحبّ (٣).

١٣ ـ مجامعة العاقل في الغل والوثاقَّ ، خير من مجامعة الجاهل على السندس والإستبرق (٤).

١٤ ـ مجالسة العقلاء تزيد الشرف (٥).

١٥ ـ ما أوتي عالم علماً إلاّ وهو شاب (٦).

١٦ ـ ما سألني رجل إلاّ عرفت أفقيه هو أم غير فقيه (٧).

١٧ ـ ملاك أمركم الدين ، وزينتكم العلم ، وحصون أعراضكم الأدب ، وعزّكم الحلم ، وحليتكم الوفاء ، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف ، فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسراً (٨).

١٨ ـ ما الأسد الضاري على فريسته بأسرع من الدنيء في عرض

____________

١ ـ مجموعة الشيخ ورام / ٢٤٠ ط الحيدرية.

٢ ـ عيون الإخبار ١ / ٢٧٠.

٣ ـ العقد الفريد ١ / ٣٦٣.

٤ ـ غرر الخصائص / ٧٢ ، مشكوة الأدب ١ / ٩١٤.

٥ ـ سراج الملوك / ١٣٥.

٦ ـ منية المريد / ١٢٣.

٧ ـ جامع باب العلم ١ / ١١٥.

٨ ـ نثر الدر ١ / ٤٢٣ ، التذكرة الحمدونية ١ / ١٠٦ ، مجمع الأمثال / ٢٧٤ ، جمهرة خطب العرب ١ / ٢٧١.


السري ـ البري ـ (١).

١٩ ـ ما رأيت رجلاً أسعفته بحاجته ـ أوليته معروفاً ـ إلاّ أضاء ما بيني وبينه ، ولا رأيت رجلاً رددته عن حاجة إلاّ أظلم ما بيني وبينه (٢).

٢٠ ـ ما أستلت السيوف ولا زحفت الزحوف ولا أقيمت الصفوف ، حتى أسلم ابنا قبيلة ـ يعني الأوس والخزرج وهما الأنصار ـ (٣) (٤).

٢١ ـ من سره أن يرى كيف يقبض العلم ـ ذهاب العلم في خ ل ـ فلينظر ذهابه ، فهكذا يقبض (٥) (٦).

٢٢ ـ ما ملك أحد قط إلاّ شوطر عقله وضوعف بلاؤه وحزنه (٧).

٢٣ ـ المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازة ، وإذا سأل الناس الله سألوا الناس ولا يحضرون جمعة ، وإذا اجتمع الناس في أعيادهم ومساجدهم يسألون الله من فضله اجتمعوا يسألون الناس ، في أيديهم.

٢٤ ـ ما اجتمعوا قط إلاّ ضرّوا ، ولا افترقوا إلاّ نفعوا (٨).

____________

١ ـ شرح النهج ٢ / ٤١٤ ، ربيع الأبرار / باب الذم والهجو إلخ الرضوية والسماوي.

٢ ـ عيون الأخبار ٣ / ١٥٧ ، ربيع الأبرار ١ / ٢٦٢ ، سماوي وبهجة المجالس ١ / ٣٠٢ بتفاوت.

٣ ـ قالها في مدح الأنصار.

٤ ـ العقد الفريد ١ / ٦١.

٥ ـ قالها حين وارى الناس زيد بن ثابت في قبره.

٦ ـ عيون الأخبار ١ / ١٢٦ ، العقد الفريد ١ / ٢٦٩.

٧ ـ العقد الفريد ٣ / ١٣٨ ، عيون الأخبار ٣ / ١٨٧.

٨ ـ عقد الفريد ١ / ٢٩٤.

قالها في الغوغاء فقيل له قد علمنا ما ضرر اجتماعهم فما نفع افتراقهم قال يذهب الحجام إلى دكانه والحداد إلى أكياره وكل صانع إلى صناعته.


٢٥ ـ من حقّر حرم (١).

٢٦ ـ من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار (٢).

٢٧ ـ من سره أن يكثر خيره فليتوضأ عند حضور الطعام (٣).

٢٨ ـ من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه‌السلام ، وإن كان مجوسياً ، إنّ الله يقول : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )(٤) (٥).

٢٩ ـ من لم تكن فيه ثلاث خصال فلا توافه : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يطرد به فحشه ، وخلق يعيش به (٦).

٣٠ ـ من سعادة المرء خفة عارضيه (٧).

٣١ ـ من السنة إذا دعوت أحداً إلى منزلك أن تخرج معه حين يخرج (٨).

٣٢ ـ من مشى بدين عليه لأخيه ، كتب الله له بكلّ خطوة حسنة (٩).

٣٣ ـ ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولولا أنّ

____________

١ ـ محاضرات الراغب ١ / ٢٦٦.

٢ ـ مجموعة الشيخ ورام / ٢٩ ط الحيدرية.

٣ ـ نفس المصدر / ٤٠.

٤ ـ النساء / ٨٦.

٥ ـ المحجة البيضاء ٥ / ٢١٣.

٦ ـ الجن / ٦٤.

٧ ـ ربيع الأبرار يرفعه / باب الخلق وصافتها إلى وصفاتها مخطوطة الرضوية والسماوي.

٨ ـ المخلاة / ٣٦.

٩ ـ ربيع الأبرار / باب القضاة او الشهود مخطوطة الرضوية وقريب منه نسخة السماوي و ٣ / ٦٢٠ ط بغداد.


عمر نهى ما أحتاج إلى الزنا إلاّ شقي (١).

٣٤ ـ ما من مؤمن ولا فاجر إلاّ وقد كتب الله تعالى له رزقه من الحلال ، فإن صبر حتى يأتيه أتاه الله تعالى ، وإن جزع فتناول شيئاً من الحرام نقصه الله من رزقه الحلال (٢).

٣٥ ـ ما ظهر البغي في قوم قط إلاّ ظهر فيهم الموتان (٣).

٣٦ ـ من أذنب ذنباً وهو يضحك دخل النار وهو يبكي (٤).

٣٧ ـ من قلّة مرؤة الرجل نظره في مرآة الحجام واطلاعه في بيت الحائك (٥).

٣٨ ـ ما أعلم على وجه الأرض بلدة تدفع فيها بالحسنة مائة إلاّ مكة.

ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلى فيها ركعة مائة ركعة غير مكة.

ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يتصدق فيها بدرهم فيكتب له ألف درهم إلاّ مكة.

ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس فيها شيء إلاّ وفيه تكفير للخطايا إلاّ مكة.

ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن نظر إلى بعض بنيانها عبادة الدهر

____________

١ ـ الدرجات الرفيعة / ١٣٥.

٢ ـ حلية الأولياء ١ / ٣٢٦.

٣ ـ نفس المصدر ١ / ٣٢٢.

٤ ـ مجموعة شيخ ورام / ٧٩ ، المحجة البيضاء ٥ / ٢٣٢.

٥ ـ الموشّى المسمى بالظرف الظرفاء ١ / ١٥.


وصيام الدهر إلاّ مكة.

ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يحشر فيها الأنبياء غير مكة.

ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كلّ يوم من روح الجنة ما ينزل بمكة (١).

٣٩ ـ من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه ، فإنّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية (٢).

٤٠ ـ ما ظهر الغلول في قوم قط إلاّ فشا فيهم الموت ، ولا نقص قوم المكيال إلاّ أنقطع عنهم الرزق ، ولا حكم قوم بغير حق إلاّ فشا فيهم الدم ، ولا خفر قوم بالعهد إلاّ سلّط عليهم العدو (٣).

٤١ ـ من كرم الرجل سلامه على من عرفه ومن لم يعرفه (٤).

٤٢ ـ من أهديت له هديّة وعنده قوم فهم شركاؤه فيها.

فأهدى إليه صديق ثياباً من ثياب مصر ، وعنده أقوام فأمر برفعها ، فقال له رجل : ألم تخبرنا أن من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها ، فقال : إنّما ذلك فيما يؤكل ويشرب ، فأمّا في ثياب مصر فلا (٥).

____________

١ ـ ربيع الأبرار / باب البلاد والديار ، ١ / ٢٩٩ ط بغداد.

٢ ـ سراج الملوك / ٢١٣.

٣ ـ سراج الملوك / ٢٨٣ ، وهذا روي مرفوعاً في مستدرك الحاكم ٢ / ١٢٦ ، وصححه هو والذهبي ، ورواه البيهقي في سننه الكبرى ٣ / ٣٤٦ ، وساقه بسند آخر صحيح موقوفاً عن ابن عباس ، وهو بحكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي.

٤ ـ عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ / ٣٦ ط دار الكتب.

٥ ـ علل الحديث لابن أبي حاتم ٢ / ٤٢٢ برقم ٢٧٧٣ ط السلفية سنة ( ١٣٧٧ هـ ).


٤٣ ـ ما نقض قوم العهد إلاّ أظهر الله عليهم عدوهم ، وما جار قوم في الحكم إلاّ كان القتل بينهم ، وما فشت الفاحشة في قوم إلاّ أخذهم الله بالموت ، وما طففّ قوم في الميزان إلاّ أخذهم الله بالسنة ، وما منع قوم الزكاة إلاّ منعهم الله القطر من السماء (١).

٤٤ ـ من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله (٢).

٤٥ ـ من أستؤذن عليه فهو ملك (٣).

٤٦ ـ من اشترى ما لايحتاج إليه ، يوشك أن يبيع ما يحتاج إليه (٤).

٤٧ ـ من دخل على مريض لم تحضر وفاته فقال : أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات شفي (٥).

٤٨ ـ المعروف أيمن زرع وأفضل كنز ، ولا يتم إلاّ بثلاث خصال : بتعجيله وتصغيره وستره ، فإذا عجّل فقد هني ، وإذا صُغر فقد عظم ، وإذا سُتر فقد تمم (٦).

٤٩ ـ المزاح بما يحسن مباح ، وقد مزح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقل إلاّ حقاً (٧).

____________

١ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ١ / ١٧٠ للألباني بتفاوت يسير.

٢ ـ الندوة الحمدونية ١ / ١٠٥ ، عيون الأخبار ٢ / ١٢٥ ، أنساب الأشراف ٣ / ٥٢ ، نثر الدرر ١ / ٤١٢ ، البيان والتبيان ٢ / ٩٠ ، ونسبت في النهج إلى الإمام علي عليه اسلام١٢ / ٤ ، ونسبت في حلية الأولياء ٧ / ٢٤٧ لسفيان بن عيينة ، ونسبت في العقد الفريد ٢ / ٢١٧ لمالك بن أنس.

٣ ـ نثر الدر ١ / ٤٠٩ ، التذكرة الحمدونية ١ / ١٠٥.

٤ ـ بهجة المجالس ١ / ١٣٦.

٥ ـ نفس المصدر ١ / ٢٦٢.

٦ ـ بهجة المجالس ١ / ٣٠٣.

٧ ـ بهجة المجالس ١ / ٥٦٧ ، سراج الملوك / ٢٢٤ ، المخلاة / ٥٩.


٥٠ ـ من تغنّى أغناه الله ، ومن سأل الناس الحافاً فإنّما يستكثر من النار (١).

٥١ ـ جاء في ( عيون الأخبار ) ، كان ابن عباس يقول : مثل المرأة السوء : كان قبلكم رجل صالح له أمرأة سوء ، فعرض له رجل فقال إنّي رسول الله إليك بأنّه قد جعل لك ثلاث دعوات ، فسل ما شئت من دنيا أو آخرة ، ثم نهض ، فرجع الرجل إلى منزله ، فقالت له أمرأته : مالي أراك مفكراً محزوناً؟ فأخبرها ، فقالت : ألست أمرأتك وفي صحبتك وبناتك منّي؟ فاجعل لي دعوة فأبى ، فأقبل عليه ولده وقلن أمّنا. فلم يزلن به حتى قال لك دعوة ، فقالت : اللهم أجعلني أحسن الناس وجهاً فصارت كذلك.

وجعلت توطئ فراشها وهو يعظها فلا تتعظ ، فغضب يوماً فقال : اللهم أجعلها خنزيرة.

فتحولت كذلك ، فلمّا رأين بناته ما نزل بأمهنّ بكين ، وضربن وجوههن ، ونتفن شعورهن ، فرقّ لهنّ قلبه ، فقال : اللهم أعدها كما كانت أوّلاً ، فذهبت دعواته الثلاث فيها.

وقال : ما ظهر البغي قط في قوم إلاّ ظهر فيهم الموتان ، ولا ظهر البخس في الميزان إلاّ وظهر فيهم الخسران والفقر (٢).

قال أبو خليفة : أحد رجال السند ـ بدل الفقر عن أبي كثير إلاّ إبتلوا بالسنة ، ولا ظهر نقض العهد في قوم إلاّ أديل عليهم عدوهم (٣).

____________

١ ـ الدر المنثور ١ / ٣٥٩.

٢ ـ عيون الأخبار ٤ / ١١٧ ط دار الكتب.

٣ ـ أمالي الطوسي ٢ / ١٧ ط النوان.


٥٢ ـ ما رضّى الله الناس بشيء من أقسامهم كما رضّاهم بأوطانهم.

قال أبو صالح : حدثت أبا زيد النحوي بقول ابن عباس ـ وذكر ما مرّ ، فقال : بلى والله وبأحسابهم ، قلت : كيف؟ قال : تراه من عكل أو سلول أو محارب وهو يناظر وهو قوله تعالى : ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )(١) (٢).

حرف النون

١ ـ النعمة تكفر ، والرحم يقطع ، وإنّ الله تعالى إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شئ ثم تلا : ( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ )(٣) (٤). أخرجه ابن المبارك ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، والبيهقي.

حرف الواو

١ ـ ويل للعالم من الأتباع ، يزلّ زلّة فيرجع عنها ويحملها الناس فيذهبون بها في الآفاق (٥).

٢ ـ ويل للاتباع من عثرات العالم ، قيل وكيف ذلك يا أبا عباس؟ قال : يقول العالم من قبل برأيه ثم يسمع الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدع ما كان عليه.

____________

١ ـ المؤمنون / ٥٣.

٢ ـ نثر الدر ١ / ٢٨٣ ، ربيع الأبرار ٤ / ٣٨٢ ط بغداد.

٣ ـ الانفال / ٦٣.

٤ ـ الدر المنثور ٣ / ١٩٩.

٥ ـ إحياء ٤ / ٣٠ ، طهارة القلوب بهامش نزهة المجالس ١ / ١٧٢.


وفي لفظ : فيلقى من هو أعلم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه فيخبره فيرجع ، ويقضي الأتباع بما حكم (١).

٣ ـ ومن السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما إلى جنبه (٢).

٤ ـ الوزغ بريد الشيطان ، لأنّه يرسله ليفسد على الناس ملحهم (٣).

حرف الهاء

١ ـ هو علم من علوم النبوة ، وليتني كنت أحسنه ـ يعني علم النجوم ـ (٤).

٢ ـ هل تدرون ما ذهاب العلم؟ هو ذهاب العلماء من الأرض (٥).

٣ ـ الهوى آله معبود يعبد من دون الله ثم قرأ : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه )(٦).

٤ ـ الهدي الصالح والسمت الحسن ، والإقتصاد جزء من خمس وعشرين جزءاً من النبوة (٧).

____________

١ ـ اعلام الموقعين لابن القيم ٢ / ١٣٣ط المغيرية.

٢ ـ الأدب المفرد للبخاري / ٢٢١ العثمانية ١٣٠٩ ، تذكرة السامع / ٢٣٠.

٣ ـ ربيع الأبرار ٤ / ٤٧٠.

٤ ـ ربيع الابرار / باب السماء والكواكب نسخة السماوي.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢٣.

٦ ـ عيون الاخبار ١ / ٢٧ ، ادب الدنيا والدين / ١٣ ، محاضرات الراغب١ / ٢٥٣ ، التذكرة الحمدونية ١ / ٣٦٦ ، والآية في سورة الجاثية ٢٣.

٧ ـ بهجة المجالس ١ / ٢١٧.


٥ ـ هو الفصل لا حرّ ولا برد ، وهو عوسجة لا ظل ولا ثمر (١). وقد سئل عن رجل.

حرف الياء

١ ـ قال سعيد بن جبير : رأيت ابن عباس رضي‌الله‌عنه في الكعبة آخذاً بلسانه وهو يقول : يا لسان قل خيراً تغنم ، أو أسكت عن شر تسلم ، فقيل له في ذلك ، فقال : بلغني أنّ العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق من لسانه (٢).

٢ ـ يؤتى يوم القيامة بالدنيا في صورة عجوز شمطاء زرقاء ، أنيابها بادية مشوهة خلقها ، وتشرف على الخلائق ، فيقال : تعرفون هذه؟ فيقولون : نعوذ بالله من معرفة هذه ، فيقال : هذه الدنيا التي تشاجرتم عليها ، وبها تقاطعتم للأرحام ، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ، ثم تقذف في جهنم ، فتقول : ياربّ أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله عزّ وجلّ : ألحقوا بها أتباعها وأشياعها (٣).

٣ ـ ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره (٤).

____________

١ ـ التذكرة الحمدونية ٥ / ١٥٩.

٢ ـ بهجة المجالس ١ / ٥٥ ، وفي سبل الهدى والرشاد للصالحي.

٣ ـ مجموعة ورام / ١١٨.

٤ ـ شرح النهج ١٠ / ٣١٥ ط الاعلمي.


الخاتمة



حسبي الآن ما ذكرت من نماذج حكم ابن عباس رضي‌الله‌عنه وكلماته القصار ، فإنّ إستيعاب ما وقفت عليه سابقاً وانتقيته ، لا يسعني فعلاً تذكره لبعثرة الأوراق ، وقد مرّت عليها السنون العجاف ، وحتى تلك الشذرات اللطاف التي أشرت إليها على ظهر كلّ كتاب أجدها فيه ، فهي لكثرتها يستغرق جمعها وقتاً طويلاً ، لا تسمح به سنّي العمر وقد أذنت شمسه بالغروب ، وستبقى رهينة حبسها حتى يقيّض الله تعالى لها من يبعثها فيفك اسارها ، وينشر آثارها.

أمّا الآن فأختتم بما ذكرت الجزء الخامس من الحلقة الثانية من موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن رضي‌الله‌عنه ، وبه أيضاً يكون ختام الحلقة الثانية من الموسوعة.

وإنّي أبقى معترفاً بالقصور وبالتقصير إزاء حبر الأمّة رضي‌الله‌عنه وأرضاه ، فلم أبلغ ما كنت أتمناه من استيفاء بحث جميع الجوانب المضيئة من علومه وآثاره ، وما أكثرها وأظهرها.


وما مرّ في هذه الحلقة بأجزائها الخمسة لدة أختها الحلقة الأولى نهجاً وبياناً سيبقى خاضعاً لمعنى كلمة الأديب الأريب العماد الاصفهاني رحمه‌الله حيث قال :

( إنّي رأيت أنّه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلاّ قال في غده : لو غُيرّ هذا لكان أحسن ، ولو ترك هذا لكان يستحسن ، ولو قدم هذا لكان أفضل ، ولو ترك هذا لكان أجمل ، وهذا من أعظم العبر ، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر ).

وكم كنت أتمنى أن أكتب كتاباً لا أحتاج فيه بعد إلى تغيير أو إعادة تفكير وتنظير ، ولكن

ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

ومع كلّ ما مرّ بي من صروف الظروف ، فقد انجزت ـ والحمد لله ـ بعض ما كتبت على ما فيه من هنات وددت أن لا تكون ، وليست فرصة إعادة النظر سانحة ، ورسل المنيّة غادية ورائحة ، وأنا عازم على إخراج بقية حلقات الموسوعة فيما تبقى من أيام عمري ، وأترك الباب مفتوحا أمام من شاء أن يكتب الأحسن ، وفي الختام أسأل الله العون على الإتمام.

إذا لم يكن عون من الله للفتي

فأكثر ما يجني عليه اجتهاده

( اللهم ربنا لك الحمد كلّه ، وبيدك الخير كلّه ، وإليك يرجع الأمركلّه ، علانيته وسره ، أهلٌ ان تحمد إنّك على كلّ شيء قدير ، اللهم اغفر لي ما


أسلفتُ من ذنوبي ، واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني أعمالاً زاكية ترضى بها عني ) (١).

وآخر دعوانا

أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

تم تبيضه

١٠ جمادى الآخر١٤٣١ هـ

____________

١ ـ مصنّف عبد الرزاق ٤ / ٣٢٤.



فهرس المصادر

١ ـ ( الأئمة الإثنا عشر ) لشمس الدين محمد بن طولون ( ت ٩٥٣ هـ ).

٢ ـ ( ابن تيمية حياته وعصره آراؤه وفقهه ) لأبي زهرة.

٣ ـ ( إتحاف السادة المتقين ) لمحمد مرتضى الزبيدي ( ت ١٢٠٥ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

٤ ـ ( الإتقان في علوم القرآن ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، مطبعة حجازي بالقاهرة سنة ١٣٦٨ هـ. ، وطبعة مصطفى محمد ١٢٦٨ هـ مصر.

٥ ـ ( إثبات الهداة ) لمحمد حسين الحر العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ، والكتاب في مجموعته برقم ( ١٣ ) مجاميع خطية بمكتبة المرحوم المغفور له الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

٦ ـ ( الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ) لبدر الدين الزركشي ( ت ٧٩٤ هـ ) ، تح سعيد الأفغاني ، طبعة دمشق سنة ١٣٥٨ هـ ، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.

٧ ـ ( الأحاديث المختارة ) لمحمد بن عبد الواحد المقدسي ( ت ٦٤٣ هـ ) ، طبعة مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة سنة ١٤١٠ هـ.

٨ ـ ( الإحتجاج ) لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) ، طبعة النعمان.

٩ ـ ( أحكام القرآن ) لأحمد بن علي الرازي الجصاص ( ت ٣٧٠ هـ ) ، طبعة افست دار الكتاب العربي بيروت.


١٠ ـ ( أحكام القرآن ) لمحمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المالكي ( ت ٥٤٣ هـ ).

١١ ـ ( الأحكام في أصول الأحكام ) لعلي بن حزم الأندلسي الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ) ، طبعة السعادة بمصر.

١٢ ـ ( الاحكام في أصول الأحكام ) لعلي بن محمد أبو الحسن سيف الدين الآمدي ( ت ٦٣١ هـ ).

١٣ ـ ( إحياء علوم الدين ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ) ، طبعة مصر.

١٤ ـ ( أخبار الدولة العباسية ) لعلي بن عبد الله بن جعفر المديني ( ت ٢٣٤ هـ ) ، تح عبد العزيز الدوري وعبد الجبار المطلبي ، طبعة دار الطليعة بيروت ١٩٧١ هـ.

١٥ ـ ( أخبار القضاة ) لمحمد بن خلف بن حيان الملقب بوكيع ( ت ٣٠٦ هـ ) ، طبعة مصر.

١٦ ـ ( الأخبار الموفقيات ) للزبير بن بكار ( ت ٢٥٦ هـ ) ، تح الدكتور سامي مكي العاني ، طبعة أوقاف بغداد.

١٧ ـ ( أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ) لمحمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ( ت ٢٥٠ هـ ) ، تح رشدي الصالح محسن مطابع دار الثقافة مكة المكرمة ، الطبعة الثانية سنة ١٣٨٥ هـ ، وطبعة الماجدية بمكة المكرمة سنة ١٣٥٢ هـ.

١٨ ـ ( الإختصاص ) لمحمد بن محمد بن النعمان المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ، طبعة سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد.


١٩ ـ ( اختيار معرفة الرجال / رجال الكشي ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، تح حسن المصطفوي ، طبعة جامعة مشهد ١٣٤٨ هـ ش.

٢٠ ـ ( أخلاق العلماء ) لأبي بكر الآجري ( ت ٨٦٠ هـ ) ، طبعة دمشق سنة ١٣٩٢ هـ ١٩٧٢ م.

٢١ ـ ( أدب الدنيا والدين ) لعلي بن محمد الماوردي ( ت ٤٥٠ هـ ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، وطبعة مصر.

٢٢ ـ ( أدب النفس ) لمحمد بن محمد بن قاسم العاملي العيناتي ( ق ١١ هـ ).

٢٣ ـ ( الأذكياء ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ) ، طبعة الحيدرية ، وطبعة مصر.

٢٤ ـ ( الأربعين ) للشيخ منتجب الدين ابن بابويه ( ق ٦ هـ ) ، طبعة قم سنة ١٤٠٨ هـ ..

٢٥ ـ ( إرشاد الساري ) لأحمد بن محمد القسطلاني ( ت ٩٢٣ هـ ) ، طبعة مصر ، وطبعة أفست دار الكتاب العربي بيروت.

٢٦ ـ ( إرشاد القلوب ) للحسن بن محمد الديلمي ( ق ٨ هـ ) ، طبعة النجف الحيدرية ( الأولى ) ، وطبعة بتوسط سفينة البحار.

٢٧ ـ ( الإرشاد الى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد ) لإمام الحرمين الجويني ( ت ٤٧٨ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٨ ـ ( الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ) لمحمد بن محمد بن النعمان المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ، طبعة الحيدرية ، وطبعة حجرية سنة ١٣٢٠ هـ ، وطبعة حجرية ثانية سنة ١٣٠٨ هـ.

٢٩ ـ ( إرواء الغليل ) لمحمد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثانية المكتب الإسلامي بيروت ١٤٠٥ هـ.


٣٠ ـ ( أساس البلاغة ) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري ( ت ٥٨٣ هـ ).

٣١ ـ ( الاستبصار ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ).

٣٢ ـ ( الإستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار ) ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية.

٣٣ ـ ( الإستيعاب في معرفة الأصحاب ) ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة حيدر آباد ، وطبعة مصطفى محمد سنة ١٣٥٨ هـ بهامش الإصابة ، وطبعة محققة في تراجم زياد ، ونافع ، وأبي بكرة ، والمغيرة.

٣٤ ـ ( أسد الغابة ) لعلي بن محمد الشيباني ابن الأثير الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) ، طبعة أفست الإسلامية.

٣٥ ـ ( أسرار البلاغة ) لمحمد بن الحسين البهائي ( ت ١٠٣١ هـ ) ، بذيل المخلاة المنسوبة للبهائي.

٣٦ ـ ( إسعاف المبطأ ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة مصر ، مع تنوير الحوالك له.

٣٧ ـ ( الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ) لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ).

٣٨ ـ ( الأسماء والصفات ) لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي ( ت ٤٥٨ هـ ).

٣٩ ـ ( الأشباه والنظائر ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٤٠ ـ ( الإصابة في تمييز الصحابة ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، الطبعة الأولى بنفقة عبد الحفيظ في ترجمة جندب بن عمرو بن


حممة ، وطبعة مصطفى محمد بمصر سنة ١٣٥٨ هـ ، وطبعة البابي الحلبي ، وطبعة ، تح البجاوي.

٤١ ـ ( أصدق الأخبار ) للسيد الأمين ، طبعة صيدا.

٤٢ ـ ( أصل الشيعة وأصولها ) للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.

٤٣ ـ ( أصول التفسير ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ )

٤٤ ـ ( أصول السرخسي ) لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي ( ت ٤٩٠ هـ ).

٤٥ ـ ( أصول الكافي / الفروع ) لمحمد بن يعقوب الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) ، الطبعة الحجرية ١٣١٢ هـ ، وطبعة دار الكتب الإسلامية طهران.

٤٦ ـ ( الأضداد في كلام العرب ) لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي ( ت ٣٥١ هـ ) ، تح الدكتور عزة حسن ، طبعة دمشق ١٣٨٢ هـ مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق.

٤٧ ـ ( الأضداد ) لمحمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر الأنباري ( ت ٣٢٨ هـ ) ، طبعة الكويت.

٤٨ ـ ( أضواء على السنة المحمدية ) لأبي رية ، طبعة الأولى.

٤٩ ـ ( الإعتصام بحبل الإسلام ) لأحمد التايعي المصري ، الطبعة الأولى مطبعة السعادة ١٣٢٧ هـ.

٥٠ ـ ( الإعتصام ) لإبراهيم بن موسى الشاطبي ( ت ٧٠٩ هـ ) ، طبعة المنار سنة ١٣٣٢ هـ بمصر.

٥١ ـ ( إعجاز القرآن ) لمحمد بن الطيب الباقلاني ( ت ٤٠٣ هـ ) ، طبعة السلفية سنة ١٣٤٩ هـ.


٥٢ ـ ( الإعجاز والإيجاز ) لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي ( ت ٤٢٩ هـ ).

٥٣ ـ ( الأعلاق النفسية ) لأحمد بن عمر بن رستة ( ق ٤ هـ ) ، طبعة ليدن ١٨٩١ م.

٥٤ ـ ( أعلام الدين ) للحسن بن أبي الحسن الديلمي ( ق ٨ هـ ) ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٥٥ ـ ( أعلام الموقعين عن رب العالمين ) لمحمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي ابن قيم الجوزية ( ت ٧٥١ هـ ) ، طبعة المنيرية.

٥٦ ـ ( الأعلام ) لخير الدين الزركلي ( ت ١٤١٠ هـ ) ، طبعة مصر.

٥٧ ـ ( أعيان الشيعة ) للسيد محسن الأمين ( ت ١٣٧١ هـ ) ، الطبعة الأولى دمشق.

٥٨ ـ ( الأغاني ) لأبي الفرج علي بن الحسن الأصفهاني ( ت ٣٥٦ هـ ) ، طبعة الساسي ، وطبعة السادسة دار الكتب المصرية.

٥٩ ـ ( الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع ) لشمس الدين محمد بن أحمد الشربيني ( ت ٩٧٧ هـ ).

٦٠ ـ ( إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم ) لمحمد بن خلفة الوشتاني الآبي المالكي ( ت ٨٢٧ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

٦١ ـ ( إكمال الإصابة ) للعلائي ، تح الدكتور محمد سليمان الأشقر ، طبعة الكويت.

٦٢ ـ ( إكمال الدين وإتمام النعمة ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، طبعة الحيدرية.

٦٣ ـ ( ألف باء ) للبلوي ، طبعة حجازي بمصر.

٦٤ ـ ( الأمّ ) لمحمد بن ادريس الشافعي ( ت ٢٠٤ هـ ).

٦٥ ـ ( أمالي ابن الشجري ) هبة الله بن علي ( ت ٥٧٢ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.


٦٦ ـ ( الأمالي الخميسية ) للإمام يحيى بن الحسين المرشد بالله ( ت ٤٩٩ هـ ) أحد أئمة الزيدية ، طبعة عالم الكتب بيروت مكتبة المتنبي بالقاهرة.

٦٧ ـ ( الأمالي الشجرية ) ليحيى بن الحسين الشجري ( ت ٢٩٨ هـ ) ، طبعة الحيدرية.

٦٨ ـ ( الأمالي ) لعلي بن الحسين المرتضى ( ت ٤٣٦ هـ ) ، طبعة مصر.

٦٩ ـ ( الأمالي ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٣٦٠ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٣١٣ هـ ، وطبعة النعمان النجف الأشرف.

٧٠ ـ ( الأمالي ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، طبعة الحيدرية.

٧١ ـ ( الأمالي ) لمحمد بن محمد بن النعمان المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ، طبعة الحيدرية سنة ١٣٦٧ هـ.

٧٢ ـ ( الإمام مالك ) لمحمد أبو زهرة.

٧٣ ـ ( الإمامة والسياسة ) لمحمد بن عبد الله ابن قتيبة الدينوري ( ت ٢٧٦ هـ ) ، طبعة مصر مطبعة الأمة سنة ١٣٢٨ هـ ، وطبعة مصطفى محمد.

٧٤ ـ ( إمتاع الأسماع ) لأحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ( ت ٨٤٥ هـ ) ، طبعة مصر.

٧٥ ـ ( أمثال وحكم ) لعلي أكبر دهخدا القزويني ، طبعة إيران.

٧٦ ـ ( الأمل والمأمول ) لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي ( ت ٢٥٥ هـ ) ، تح رمضان ششن ، طبعة دار الكتاب الجديد بيروت سنة ١٣٨٧ هـ ..

٧٧ ـ ( الإملاء في إشكالات الإحياء ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ) ، ملحقاً بكتابه الإحياء ج٥ ، طبعة مصر المكتبة التجارية.


٧٨ ـ ( الأموال ) لأبي عبيد قاسم بن سلام البغدادي ( ت ٢٢٤ هـ ) ، طبعة الكليات الأزهرية ، تح محمد خليل هراس سنة ١٣٨٨ هـ.

٧٩ ـ ( أنباء نجباء الأبناء ) لمحمد بن محمد بن ظفر الصقلي المكي ( ت ٥٦٥ هـ ) ، طبعة مصر.

٨٠ ـ ( أنباه الرواة بأخبار النحاة ) لجمال الدين القفطي ( ت ٦٤٦ هـ ) ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة دار الكتب المصرية.

٨١ ـ ( أنساب الأشراف ) لأحمد بن يحيى البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) ، ، طبعة بيروت سنة ١٤١٧ هـ ، وطبعة أفست المثنى ببغداد ، وطبعة ، تح المحمودي ، وتح احسان عباس ، وترجمة ابن عباس مخطوط بمكتبتي ، وطبعة دار المعارف بتح الدكتور محمد حميد الله ، وطبعة بولس آبل سنة ١٨٨٤ م.

٨٢ ـ ( الأنوار الكاشفة ) لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ( ت ١٣٨٦ هـ ) ، طبعة السلفية.

٨٣ ـ ( أهل البيت في المكتبة العربية ) للسيد عبد العزيز الطباطبائي ، طبعة مؤسسة آل البيت قم المقدسة.

٨٤ ـ ( إيضاح دفائن النواصب / مائة منقبة ) لمحمد بن أحمد بن شاذان القمي ( ق ٥ هـ ) ، طبعة النجف.

٨٥ ـ ( الإيضاح ) للفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيسابوري ( ت ٢٦٠ هـ ) ، طبعة الأعلمي بيروت.

٨٦ ـ ( بحار الأنوار ) لمحمد باقر المجلسي ، طبعة حجرية الكمپاني ، وطبعة المكتبة الإسلامية ، وطبعة تبريز.

٨٧ ـ ( البدء والتاريخ ) المطهر بن طاهر المقدسي ، طبعة أوربا ، ، طبعة أفست.


٨٨ ـ ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ) لأبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ( ت ٥٨٧ هـ ) ، طبعة مصر.

٨٩ ـ ( البداية والنهاية / السيرة النبوية ) لإسماعيل بن كثير الدمشقي ( ت ٧٧٤ هـ ) ، طبعة السعادة بمصر.

٩٠ ـ ( البرهان في علوم القرآن ) لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي ( ت ٧٩٤ هـ ) ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة الأولى ١٣٧٦ هـ.

٩١ ـ ( بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ) لمحمد بن أبي القاسم محمد بن علي الطبري ( ت ٥٢٥ هـ ) ، طبعة الحيدرية سنة ١٣٨٣ هـ ، وطبعة ١٤٦٩ هـ.

٩٢ ـ ( بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ) لمحمد بن يعقوب مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي ( ت ٨١٧ هـ ).

٩٣ ـ ( البصائر والذخائر ) لعلي بن محمد أبي حيان التوحيدي ( ت ٢٨٠ هـ ) ، طبعة مصر.

٩٤ ـ ( بلاغات النساء ) لأبي الفضل بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور ( ت ٣٨٠ هـ ) ، طبعة مصر ١٣٢٦ هـ ١٩٠٨ م.

٩٥ ـ ( بناء المقالة الفاطمية ) للسيد الشريف أحمد بن موسى بن طاووس ( ت ٦٧٣ هـ ).

٩٦ ـ ( بهجة المجالس وأنس المجالس ) ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية.

٩٧ ـ ( البيان في تفسير القرآن ) لأبي القاسم الخوئي ، الطبعة الثانية سنة ١٣٨٥ هـ.

٩٨ ـ ( البيان والتبيين ) لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي ( ت ٢٥٥ هـ ) ، تح عبد السلام هارون.


٩٩ ـ ( البيان والتعريف في أسباب الحديث الشريف ) لإبراهيم بن محمد بن كمال الدين الحسيني الحنفي ( ت ١١٢٠ هـ ).

١٠٠ ـ ( تاج العروس في جواهر القاموس ) لمحمد مرتضى الزبيدي ( ت ١٢٠٥ هـ ) ، طبعة مصر ، وطبعة أفست بيروت.

١٠١ ـ ( تاريخ ابن خلدون ) لعبد الرحمن بن خلدون ( ت ٨٠٨ هـ ) ، طبعة دار التربية ، ودار الكتاب اللبناني بيروت سنة ١٩٥٦ م ، وطبعة النهضة ١٣٥٥ هـ.

١٠٢ ـ ( تاريخ آداب العرب ) لمصطفى صادق الرافعي ( ت ١٣٥٦ هـ ).

١٠٣ ـ ( تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام / طبقات ) لمحمد بن أحمد ابن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، طبعة القدسي بمصر سنة ١٣٦٨ هـ.

١٠٤ ـ ( تاريخ الأمم والملوك / تاريخ الطبري ) لمحمد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) ، طبعة ليدن ، وطبعة الحسينية الثالثة ، وطبعة دار المعارف بمصر ١٩٧٠ م ، وطبعة الاستقامة بمصر ، وطبعة ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم.

١٠٥ ـ ( تاريخ التراث العربي ) للدكتور فؤاد سزكين ، طبعة الهيئة المصرية سنة ١٩٧١ م.

١٠٦ ـ ( تاريخ الخلفاء ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة موسكو سلسلة آثار الآداب الشرقية سنة ١٩٦٧ م ، وطبعة المنيرية سنة ١٣٥١ هـ.

١٠٧ ـ ( تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه ) لمحمد طاهر الكردي ، الطبعة الثانية مصر ١٣٧٢ هـ.

١٠٨ ـ ( التاريخ الكبير ) لأحمد بن أبي خثيمة.

١٠٩ ـ ( التاريخ الكبير ) لمحمد بن إسماعيل البخاري ( ت ٢٥٦ هـ ) ـ ، طبعة أفست المكتبة الإسلامية ديار بكر تركيا ، وطبعة دار الفكر بيروت.


١١٠ ـ ( تاريخ المدينة المنورة ) لعمر بن شبة النميري ( ت ٢٦٢ هـ ) ، تح فهيم محمد شلتوت.

١١١ ـ ( تاريخ اليعقوبي ) لأحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي ، طبعة الحيدرية سنة ١٣٥٨ هـ ، وطبعة الغري بالنجف الأشرف.

١١٢ ـ ( تاريخ بغداد ) لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة السعادة بمصر.

١١٣ ـ ( تاريخ جرجان ) لحمزة بن يوسف السهمي ( ت ٤٢٧ هـ ) ، طبعة افست أوربا.

١١٤ ـ ( تاريخ خليفة بن خياط / طبقات ) لخليفة بن خياط العصفري ( ت ٢٤٠ هـ ).

١١٥ ـ ( تاريخ مدينة دمشق ) ( ترجمة الإمام عليّ ) لعلي بن الحسن ابن عساكر ( ت ٥٧١ هـ ) ، تح المحمودي.

١١٦ ـ ( التاريخ والجغرافية ) لعمر كحالة ، طبعة دمشق ١٣٩٢ هـ.

١١٧ ـ ( تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ) للسيد حسن الصدر.

١١٨ ـ ( التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية ) لأبي المظفر طاهر بن محمد الاسفراييني ( ت ٤٧١ هـ ).

١١٩ ـ ( التبيان ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، تح أحمد القصير الطبعة العلمية النجف الأشرف.

١٢٠ ـ ( تحف العقول ) للحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ( ق ٤ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٢٩٩ هـ ، وطبعة كتابفروشي إسلامية.

١٢١ ـ ( تحقيق الغاية بترتيب الرواة المترجم لهم في نصب الراية ) للزاهدي.

١٢٢ ـ ( تدريب الراوي بتقريب النواوي ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، الطبعة الثانية ، تح عبد الوهاب عبد اللطيف.


١٢٣ ـ ( تذكرة الحفاظ ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، طبعة دمج بيروت ، وطبعة حيدر آباد.

١٢٤ ـ ( التذكرة الحمدونية ) لمحمد بن الحسن ابن حمدون البغدادي ( ت ٥٦٢ هـ ) ، تح احسان عباس وبكر عباس ، طبعة دار صادر بيروت.

١٢٥ ـ ( تذكرة الخواص ) لسبط ابن الجوزي يوسف بن قزاوغلي ( ت ٦٥٤ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٢٩٩ هـ ، وطبعة كتابفروشي إسلامية ، وطبعة منشورات الشريف الرضي بقم.

١٢٦ ـ ( تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ) لمحمد بن إبراهيم الحموي ابن جماعة الكناني ( ت ٧٣٣ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

١٢٧ ـ ( التراتيب الإدارية ) لمحمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني ( ت ١٣٨٢ هـ ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي.

١٢٨ ـ ( ترتيب المدارك في أصحاب مالك ) للقاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي البستي المالكي ( ت ٥٤٤ هـ ).

١٢٩ ـ ( التسهيل لعلوم التنزيل ) لمحمد بن أحمد الغرناطي ابن جزي الكلبي ( ت ٧٤١ هـ ) ، طبعة مصر سنة ١٣٥٥ هـ.

١٣٠ ـ ( تصحيفات المحدثين ) للحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ( ت ٣٨٢ هـ ) ، طبعة القاهرة ، تح محمود أحمد ميرة ، طبعة ١٤٠٢ هـ.

١٣١ ـ ( تطهير الجنان واللسان ) لشهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهيتمي الشافعي ( ت ٩٧٣ هـ ) ، طبعة بهامش الصواعق المحرقة له ، وطبعة الميمنية ، وطبعة ، تح حمزة.


١٣٢ ـ ( تعجيل المنفعة ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة حيدر آباد

١٣٣ ـ ( تفسير ابن أبي حاتم ) لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت ٣٢٧ هـ ) ، طبعة صيدا.

١٣٤ ـ ( تفسير ابن عباس دراسة وتحليل ) لعبد المجيد محمد أحمد الدوري ، اطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الشريعة في جامعة بغداد. وهي جزء من متطلبات درجة الماجستير في الدين بإشراف الدكتور محسن عبد الحميد ، مطبوعة بالآلة الكاتبة في محرم ١٤٠٩ هـ أيلول ١٩٨٨ م.

١٣٥ ـ ( تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة ) للدكتور عبد العزيز بن عبد الله الحميدي ، جامعة أمّ القرى بمكة المكرمة.

١٣٦ ـ ( تفسير البحر المحيط ) لمحمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي ( ت ٧٤٥ هـ ).

١٣٧ ـ ( تفسير البغوي / معالم التنزيل ) للحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي ( ت ٥١٠ هـ ).

١٣٨ ـ ( تفسير الحبري ) للحسين بن الحكم بن مسلم الحبري ( ت ٢٨٦ هـ ) ، تح السيد محمد رضا الجلالي ، طبعة مؤسسة آل البيت.

١٣٩ ـ ( تفسير الخازن ) لعلاء الدين بن إبراهيم الخازن ( ت ٧٢٥ هـ ).

١٤٠ ـ ( تفسير السمرقندي / بحر العلوم ) أبو الليث السمرقندي ( ت ٣٨٣ هـ ).

١٤١ ـ ( تفسير القرآن العظيم ) لإسماعيل بن كثير الدمشقي ( ت ٧٧٤ هـ ) ، طبعة دار الفكر بيروت.

١٤٢ ـ ( تفسير القرآن ) لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ( ت ٢١١ هـ ).


١٤٣ ـ ( تفسير الكاشف ) لمحمد جواد مغنية.

١٤٤ ـ ( التفسير الكبير ) لمحمد بن عمر بن حسين الفخر الرازي ( ت ٦٠٦ هـ ) ، طبعة البهية بمصر ١٣٥٧ هـ.

١٤٥ ـ ( تفسير الكشاف ) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري ( ت ٥٨٣ هـ ) ، طبعة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر سنة ١٣٦٧.

١٤٦ ـ ( تفسير الماوردي ) لأبي الحسن علي بن حبيب الشافعي ( ت ٤٥٠ هـ ).

١٤٧ ـ ( تفسير النيسابوري ) بهامش تفسير الطبري ، الطبعة الأولى بمصر.

١٤٨ ـ ( تفسير عبد الرزاق ) لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ( ت ٢١١ هـ ).

١٤٩ ـ ( تفسير فرات ) لفرات بن إبراهيم الكوفي ( ت ٣٥٢ هـ ) ، طبعة الحيدرية ، وطبعة طهران ، تح محمد الكاظم

١٥٠ ـ ( التفسير والمفسرون ) لمحمد حسين الذهبي ( ت ١٣٩٧ هـ ) ، الطبعة الأولى بمصر سنة ١٣٨١ هـ.

١٥١ ـ ( تقريب التهذيب ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة مصر.

١٥٢ ـ ( تقريب المعارف ) لأبي الصلاح تقي بن نجم الحلبي ( ت ٤٤٧ هـ ).

١٥٣ ـ ( تقييد العلم ) لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة مصر.

١٥٤ ـ ( تكملة الصلة ) لابن الأبّار ، الطبعة الثانية.

١٥٥ ـ ( تلخيص الحبير ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، تح وتعليق الدكتور شعبان محمد اسماعيل ، جامعة الأزهر ، الناشر مكتبة ابن تيمية القاهرة


١٥٦ ـ ( تلخيص الشافي ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، طبعة ملحقاً بكتاب الشافي حجرية ، وطبعة النجف.

١٥٧ ـ ( تلخيص المستدرك ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، بهامش المستدرك ، طبعة أفست بيروت ، وطبعة دمج.

١٥٨ ـ ( التمثيل والمحاضرة ) لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي ( ٤٢٩ هـ ).

١٥٩ ـ ( تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ) لمصطفى عبد الرازق ، طبعة القاهرة ١٣٦٣ هـ.

١٦٠ ـ ( التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد ) ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة المغرب ، وطبعة دار إحياء التراث العربي بيروت سنة ( ١٤٢٠ هـ ).

١٦١ ـ ( التنبيه والإشراف ) لعلي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت ٣٤٦ هـ ) ، طبعة مصر.

١٦٢ ـ ( التنبيه والرد على الأهواء والبدع ) لمحمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي العسقلاني ( ت ٣٧٧ هـ ) ، الطبعة الأولى١٣٦٩ هـ.

١٦٣ ـ ( تنزيه الشرعية ) لابن عراق الكناني ( ت ٩٦٤ هـ ).

١٦٤ ـ ( تنقيح المقال ) ، للشيخ محمد علي بن محمد البلاغي النجفي ( ت ١٠٠٠ هـ ) ، طبعة حجرية.

١٦٥ ـ ( التهجد وقيام الليل ) لابن أبي الدنيا القرشي ( ت ٢٨١ هـ ) ، مطبوع ضمن موسوعة الإمام ابن أبي الدنيا ، طبعة المكتبة العصرية صيدا ، بيروت.

١٦٦ ـ ( تهذيب الأثار ) لمحمد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) ، طبعة مصر.


١٦٧ ـ ( تهذيب الأحكام ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، تح السيد حسن الموسوي الخرسان.

١٦٨ ـ ( تهذيب الأسماء واللغات ) ليحيى بن شرف النووي ( ت ٦٧٦ هـ ) ، طبعة المنيرية بمصر.

١٦٩ ـ ( تهذيب التهذيب ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة أفست عن حيدر آباد.

١٧٠ ـ ( تهذيب الكمال ) ليوسف المزي الحافظ ( ت ٧٤٢ هـ ) ، تح بشار عواد ، طبعة مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤٠٠ هـ.

١٧١ ـ ( تهذيب تاريخ دمشق ) لعبد القادر بن بدران ( ت ١٣٤٦ هـ ) ، طبعة افست دار المسيرة بيروت.

١٧٢ ـ ( التهذيب ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ).

١٧٣ ـ ( التوحيد ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، طبعة حجرية ١٣٢١ هـ.

١٧٤ ـ ( تيسير الوصول إلى جامع الأصول ) لأبي السعادات بن الاثير الجزري ( ت ٦٠٦ هـ ).

١٧٥ ـ ( الثقات ) لمحمد بن حبان ( ت ٣٥٤ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت ، وطبعة بيضون.

١٧٦ ـ ( ثمرات الأوراق في المحاضرات ) لأبي بكر بن علي بن حجة الحموي ( ت ٨٣٧ هـ ) ، بهامش المستظرف ، طبعة مصر.

١٧٧ ـ ( جامع الأحاديث ) لجعفر بن أحمد بن علي القمي المعروف بابن الرازي ( ق ٤ هـ ) ، الطبعة الإسلامية بطهران سنة ١٣٦٩ هـ.


١٧٨ ـ ( جامع الأصول لأحاديث الرسول ) لأبي السعادات مبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجرزي الشافعي ( ت ٦٠٦ هـ ).

١٧٩ ـ ( جامع البيان / تفسير ) لمحمد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) ، طبعة مصر مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة ١٣٧٣ هـ ، وطبعة دار المعارف ، تح أحمد محمد شاكر.

١٨٠ ـ ( الجامع الصغير ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة دار الفكر.

١٨١ ـ ( جامع العلوم والحكم ) للحافظ زين الدين أبو الفرج بن رجب الحنبلي ( ت ٧٩٥ هـ ) ، طبعة دار المعرفة بيروت

١٨٢ ـ ( جامع بيان العلم وفضله ) ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، طبعة مصر ، والطبعة الثانية محققة نشر المكتبة السلفية سنة ١٣٨٨ هـ.

١٨٣ ـ ( الجامع لأحكام القرآن / تفسير ) لمحمد بن أحمد القرطبي ( ت ٦٧١ هـ ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت ، وطبعة دار الشعب بالقاهرة.

١٨٤ ـ ( الجرح والتعديل ) لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت ٣٢٧ هـ ) ، طبعة افست عن الطبعة الأولى بحيدر آباد سنة ١٣٧١ هـ.

١٨٥ ـ ( الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي ) لأبي الفرج معافي بن زكريا النهرواني الجريري ( ت ٣٩٠ هـ ).

١٨٦ ـ ( جمع الفوائد ) لمحمد بن سليمان الروداني السوسي ( ت ١٠٩٤ هـ ) ، طبعة مكة المكرمة.


١٨٧ ـ ( الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه ) لمحمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد الأزدي الحميدي ( ت ٤٨٨ هـ ).

١٨٨ ـ ( الجمل ) لمحمد بن محمد بن النعمان المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ، الطبعة الثانية بالحيدرية سنة ١٣٦٨ هـ ، ونسخة مخطوطة في مكتبة المرحوم السيد الوالد.

١٨٩ ـ ( جمهرة الأمثال ) لأبي هلال حسن بن عبد الله العسكري ( ت ٣٩٥ هـ ) ، طبعة محققة إبراهيم وقطامش ، وطبعة الأولى بمصر سنة ١٣٨٤ هـ.

١٩٠ ـ ( جمهرة النسب ) لهشام بن محمد الكلبي ( ت ٢٠٤ هـ ) ، تح عبد الستار أحمد فراج ، طبعة الكويت.

١٩١ ـ ( جمهرة أنساب العرب ) لعلي بن حزم الأندلسي الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ) ، تح پروفنسال.

١٩٢ ـ ( جمهرة خطب العرب ) لأحمد زكي صفوت.

١٩٣ ـ ( جمهرة رسائل العرب ) لأحمد زكي صفوت ، طبعة الأولى بمصر سنة ١٣٥٦ هـ.

١٩٤ ـ ( جواهر الأدب ) للسيد أحمد الهاشمي ، طبعة مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.

١٩٥ ـ ( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) لمحمد حسن النجفي ( ت ١٢٦٦ هـ ) ، تح الشيخ عباس القوجاني ، طبعة النجف.

١٩٦ ـ ( جواهر المطالب ) لمحمد بن أحمد الباعوني الشافعي ٨٧١ هـ ( نسخة مصورة بمكتبة المؤلف ).

١٩٧ ـ ( الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة ) لمحمد بن أبي بكر التاهساني المعروف بالبري ( ق ٧ هـ ) ، تح الدكتور محمد التنوجي الأستاذ بجامعة


حلب ، طبعة دار الرفاعي بحلب.

١٩٨ ـ ( الحاسد والمحسود ) لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي ( ت ٢٥٥ هـ ) ، طبعة مصر.

١٩٩ ـ ( حاشية الفوائد الشنشورية ) لإبراهيم بن محمد الباجوري ( ت ١٢٧٧ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٠٠ ـ ( حاشية رد المحتار ) لمحمد أمين المشهور بابن عابدين ( ت ١٢٥٢ هـ ) ، طبعة دار الفكر بيروت.

٢٠١ ـ ( الحاوي ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٠٢ ـ ( الحجة على المذاهب على تكفير أبي طالب ) لأبي علي فخار بن معد الموسوي.

٢٠٣ ـ ( الحدائق الوردية في أحوال الأئمة الزيدية ) لحُميد بن أحمد المحلي الشهيد الزيدي ( ت ٦٥٢ هـ ) ، نسخة مكتبة الإمام كاشف الغطاء ( مخطوطة ) ، وتح الدكتور المرتضى بن زيد المحظوري الحسني ١٤٢٣ هـ مطبوعات مكتبة مركز بدر العلمي والثقافي في صنعاء.

٢٠٤ ـ ( الحديث والمحدثون ) لمحمد محمد أبو زهو ، الطبعة الأولى مصر ١٣٧٨ هـ شركة ساهمة مصرية.

٢٠٥ ـ ( الحكمة المتعالية / الأسفار ) للحكيم المشهور صدر المتألهين الشيرازي المعروف بملا صدرا ( ت ١٠٥٠ هـ ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، وطبعة دار إحياء التراث الإسلامي ، بيروت.

٢٠٦ ـ ( الحلة السيراء ) لمحمد بن عبد الله القضاعي ابن الأبار ( ت ٦٥٨ هـ ) ، تح حسين مؤنس ، طبعة الأولى بالقاهرة سنة ١٩٦٣ م.


٢٠٧ ـ ( حلية الأولياء ) لأحمد بن عبد الله أبو نعيم الأصفهاني ( ت ٤٣٠ هـ ) ، طبعة السعادة بمصر.

٢٠٨ ـ ( حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ) لسيف الدين أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفّال الشافعي ( ت ٥٠٧ هـ ) ، طبعة مؤسسة الرسالة الحديثة.

٢٠٩ ـ ( حي على خير العمل ) مسائل شرعية بين السنة والبدعة للسيد محمد مهدي الخرسان ( المؤلف ) ، طبعة قم.

٢١٠ ـ ( حياة الحيوان ) لمحمد بن موسى الدميري ( ت ٨٠٨ هـ ) ، طبعة بولاق ، وطبعة مصر.

٢١١ ـ ( الخراج ) لأبي يوسف ، طبعة السلفية.

٢١٢ ـ ( الخراج ) للقاضي أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم البغدادي.

٢١٣ ـ ( الخصائص الكبرى ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، تح الدكتور محمد خليل هراس وط حيدر آباد.

٢١٤ ـ ( خصائص أمير المؤمنين عليّ ) لأحمد بن شعيب النسائي ( ت ٢٠٣ هـ ) ، طبعة التقدم بمصر سنة ١٣٤٨ هـ ، وطبعة مكتبة المعلا بالكويت سنة ١٤٠٦ هـ.

٢١٥ ـ ( الخصائص ) لابن جني ( ت ٣٩٢ هـ ) ، تح محمد علي النجار ، طبعة دار الكتب المصرية ١٣٧٦ هـ ـ ١٩٥٦ م.

٢١٦ ـ ( الخصال ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، طبعة الحيدرية تقديم السيد محمد مهدي الخرسان.

٢١٧ ـ ( الخلاف ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، طبعة جماعة المدرّسين بقم.

٢١٨ ـ ( الخلق الكامل ) لمحمد أحمد جاد المولى ، طبعة مصر.


٢١٩ ـ ( الخيرات الحسان ) لشهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهيتمي الشافعي ( ت ٩٧٣ هـ ).

٢٢٠ ـ ( دائرة المعارف ) للمعلم بطرس البستاني ، طبعة دار المعرفة بيروت.

٢٢١ ـ ( داعية وليس نبيّاًً ) قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التكفير ، لحسن بن فرحان المالكي ، طبعة دار الرازي عمان الأردن سنة ١٤٢٥ هـ.

٢٢٢ ـ ( الدر المنثور / تفسير ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة افست الإسلامية.

٢٢٣ ـ ( الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ) لجمال الدين يوسف بن حاتم الشامي ق ٧ هـ ( مخطوط ) ، طبعة قم ، تح المحمودي.

٢٢٤ ـ ( در بحر المناقب ) لجمال الدين الموصلي من مخطوطته على ما ذيل احقاق الحق.

٢٢٥ ـ ( دراسات تاريخية في رجال الحديث ) للدكتور عبد الحميد بخيت.

٢٢٦ ـ ( الدرجات الرفيعة ) لعلي خان المدني الشيرازي ( ت ١١٢٠ هـ ) ، ( مخطوط ) بمكتبة الشيخ السماوي ، وطبعة الحيدرية سنة ١٣٨٢ هـ.

٢٢٧ ـ ( الدرر الكامنة ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٢٢٨ ـ ( الدعاء ) لسليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ. ) ، تح مصطفى عبد القادر عطا ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت سنة ١٤١٣ هـ.

٢٢٩ ـ ( دلائل الإمامة ) لمحمد بن جرير الطبري الإمامي ( ق ٤ هـ ) ، طبعة الحيدرية النجف ١٣٦٩ هـ.


٢٣٠ ـ ( دلائل الصدق ) لمحمد بن الحسن بن محمد المظفر ( ت ١٣٧٥ هـ ) ، طبعة چاب خانه بوذر جمهري سنة ١٣٧٣ هـ.

٢٣١ ـ ( دلائل النبوة ) لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي ( ت ٤٥٨ هـ ) ، طبعة بيروت.

٢٣٢ ـ ( دول العرب وعظماء الإسلام ) لأحمد شوقي ، طبعة مصر.

٢٣٣ ـ ( الدولة العربية وسقوطها ) لولهاوزن ، ترجمة الدكتور يوسف العش ، طبعة الجامعة السورية.

٢٣٤ ـ ( الديباج ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة دار ابن عفان الخُبر السعودية ١٤١٦ هـ.

٢٣٥ ـ ( ديوان الشريف الرضي ) ، لمحمد بن الحسين الموسوي ( ت ٤٠٦ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٣٦ ـ ( ديوان حافظ إبراهيم ) شاعر النيل ، طبعة مصر.

٢٣٧ ـ ( ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ) لأحمد بن عبد الله محب الدين الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) ، طبعة القدسي سنة ١٣٧١ هـ.

٢٣٨ ـ ( ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث ) لعبد الغني بن إسماعيل النابلسي ( ت ١١٤٢ هـ ).

٢٣٩ ـ ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) للشيخ آقا بزرك الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ).

٢٤٠ ـ ( ذم الكلام وأهله ) لعبد الله بن علي الأنصاري الهروي ( ت ٤٨١ هـ ).

٢٤١ ـ ( ذيل طبقات الحنابلة ) لعبد الرحمن بن رجب الحنبلي ( ت ٧٩٥ هـ ).

٢٤٢ ـ ( ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري


( ت ٥٨٣ هـ ) ، طبعة أوقاف بغداد ، ونسخة الشيخ السماوي بخطه ، ونسخة الأوقاف ببغداد رقم ٣٨٨ ، ونسخة الرضوية بخراسان.

٢٤٣ ـ ( رجال النجاشي ) لأحمد بن علي النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) ، طبعة بمبيء ١٣١٧ هـ.

٢٤٤ ـ ( رسائل الجاحظ ) جمع ونشر حسن السندوبي ، الطبعة الأولى مصر مطبعة الرحمانية سنة ١٣٥٢ هـ ، وطبعة نشر الساسي بمصر بمطبعة التقدم ، ، تح عبد السلام هارون.

٢٤٥ ـ ( الرسالة اللدنية ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ).

٢٤٦ ـ ( رغبة الآمل ) سيد بن علي المرصفي.

٢٤٧ ـ ( روح الإسلام ) لأمير علي سعادت علي الهندي تعريب عمر الديراوي ، طبعة دار العلم للملايين بيروت.

٢٤٨ ـ ( روح المعاني / تفسير ) لأبي الثناء محمود الآلوسي ( ت ١٢٧٠ هـ ) ، طبعة المنيرية بمصر.

٢٤٩ ـ ( روضات الجنات ) لمحمد باقر بن زين الدين الخوانساري ( ت ١٣١٣ هـ ) ، طبعة إسماعيليان.

٢٥٠ ـ ( روضة الواعظين ) لمحمد بن الفتال النيسابوري ( ت ٥٠٨ هـ ) ، طبعة الحيدرية.

٢٥١ ـ ( الرياض النضرة ) لأحمد بن عبد الله المحب الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) ، طبعة بدر الدين النعساني بمصر سنة ١٣٢٧ هـ.

٢٥٢ ـ ( زاد المسير ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ).

٢٥٣ ـ ( زاد المعاد ) لمحمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي ابن قيم الجوزية ( ت ٧٥١ هـ ) ، طبعة دار الكتاب العربي بيروت ( افست ).


٢٥٤ ـ ( الزهد ) لابن أبي عاصم ، طبعة دار الريان للتراث القاهرة سنة ١٤٠٨ هـ بتح عبد العلي عبد الحميد حامد.

٢٥٥ ـ ( زهر الآداب وثمر الالباب ) لإبراهيم بن علي الحصري القيرواني ( ت ٤٥٣ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٥٦ ـ ( زهر الربيع ) لنعمة الله الجزائري ، طبعة بمبئ سنة ١٣٤٢ هـ ، وطبعة الحيدرية ١٣٧٥ هـ.

٢٥٧ ـ ( زين الفتى في شرح سورة هل أتى ) لأحمد بن محمد العاصمي ( ق ٤ هـ ) ، ( مخطوطة ) في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مكتبة الشيخ الأميني.

٢٥٨ ـ ( سبل السلام ) لمحمد بن إسماعيل الكحلاني المعروف بالأمير ( ت ١١٨٢ هـ ).

٢٥٩ ـ ( سبل الهدى والرشاد ) لمحمد بن يوسف الصالحي الدمشقي ( ت ٩٤٢ هـ ) ، طبعة العلمية بيروت.

٢٦٠ ـ ( السجود على التربة الحسينية ) للسيد محمد مهدي الخرسان ( المؤلف ) ، طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.

٢٦١ ـ ( سر العالمين ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ) ، طبعة بومبي الهند حجرية سنة ١٣١٤ هـ.

٢٦٢ ـ ( سراج الملوك ) لمحمد بن الوليد الفهري الطرطوشي ( ت ٥٢٠ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٦٣ ـ ( السراج المنير في شرح الجامع الصغير ) لعلي بن أحمد بن محمد العزيزي ( ت ١٠٧٠ هـ ).

٢٦٤ ـ ( سعد السعود ) لعلي بن موسى بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) ، طبعة الحيدرية سنة ١٣٦٩ هـ.


٢٦٥ ـ ( سفينة البحار ) للشيخ عباس بن محمدرضا القمي.

٢٦٦ ـ ( السقيفة ) لأحمد بن عبد العزيز أبو بكر الجوهري ( ت ٣٢٣ هـ ) ، بتوسط شرح النهج لابن أبي الحديد.

٢٦٧ ـ ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) لناصر الدين الالباني ، طبعة مكتبة المعارف الرياض ، والمجلد الأول الطبعة الرابعة نشر المكتب الإسلامي ١٤٠٥ هـ.

٢٦٨ ـ ( السمط المجيد ) لأحمد بن محمد بن يونس القشاشي ( ت ١٠٧١ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٢٦٩ ـ ( سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي ) لعبد الملك بن حسين العصامي المكي ( ت ١١١١ هـ ) ، طبعة السلفية بمصر.

٢٧٠ ـ ( السنّة قبل التدوين ) للدكتور محمد عجاج الخطيب ، طبعة دار الفكر بيروت.

٢٧١ ـ ( السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ) للدكتور مصطفى السباعي.

٢٧٢ ـ ( السنّة ) لعمر بن أبي عاصم الشيباني ( ت ٢٨٧ هـ ) ، طبعة المكتب الإسلامي ، تح الالباني.

٢٧٣ ـ ( سنن ابن ماجة ) لمحمد بن يزيد القزويني ابن ماجة ( ت ٢٧٣ هـ ) ، الطبعة الأولى بمصر سنة ١٣١٣ هـ ، وطبعة ، تح محمد فؤاد عبد الباقي.

٢٧٤ ـ ( سنن أبي داود ) لسليمان بن الأشعث السجستاني ( ت ٢٧٥ هـ ) ، طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد نشر دار إحياء السنة الشريفة ، وطبعة دار الفكر ، وطبعة هندية.

٢٧٥ ـ ( سنن الترمذي ) لمحمد بن عيسى الترمذي ( ت ٢٧٩ هـ ) ، طبعة ، تح عطوة ، وطبعة هندية ، وأخرى مصرية بشرح تحفة الاحوذي.


٢٧٦ ـ ( سنن الدارقطني ) لعلي بن عمر الدارقطني ( ت ٣٨٥ هـ ) ، تح هاشم نشر المدينة المنورة.

٢٧٧ ـ ( سنن الدارمي ) لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ( ت ٢٥٥ هـ ) ، طبعة دار المحاسن للطباعة سنة ١٣٨٦ هـ.

٢٧٨ ـ ( السنن الكبرى / المجتبى ) لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي ( ت ٤٥٨ هـ ) ، طبعة دار الفكر بيروت افست عن حيدر آباد ، وطبعة دار الباز بمكة المكرمة سنة ١٤١٤ هـ ، وطبعة بيروت سنة ١٤١١ هـ ، وطبعة مصر.

٢٧٩ ـ ( السنن الكبرى ) لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( ت ٣٠٣ هـ ) ، طبعة المصرية بالأزهر.

٢٨٠ ـ ( سير أعلام النبلاء ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، طبعة مصر ، وطبعة دار الفكر بيروت ، وطبعة مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤١٣ هـ.

٢٨١ ـ ( سيرة ابن إسحاق / كتاب السير والمغازي ) لمحمد بن إسحاق بن يسار ( ت ١٥١ هـ ) ، تح الدكتور سهيل زكار ، طبعة دار الفكر بيروت ١٣٩٨ هـ ١٩٧١ م.

٢٨٢ ـ ( السيرة الحلبية / إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ) لعلي بن برهان الدين الحلبي ( ت ١٠٤٤ هـ ) ، طبعة الخيرية بمصر ١٣٢٩ هـ.

٢٨٣ ـ ( السيرة النبوية والأثار النبوية ) لأحمد زيني دحلان ، بهامش السيرة الحلبية ، طبعة محمد افندي مصطفى بمصر ١٣٢٠ هـ.

٢٨٤ ـ ( السيرة النبوية ) لعبد الملك بن هشام برهان الدين الحلبي ( ت ٢١٨ هـ ) ، طبعة البهية بمصر سنة ١٣٢٠ هـ ، وطبعة الخيرية بمصر سنة ١٣٢٩ هـ. وطبعة التراث الإسلامي.

٢٨٥ ـ ( الشافي ) لعلي بن الحسين المرتضى ( ت ٤٣٦ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٣٠١ هـ.


٢٨٦ ـ ( شدو الربابة ، الصحابة والصحابة ) لخليل عبد الكريم ، طبعة سينا للنشر.

٢٨٧ ـ ( شذرات الذهب ) لعبد الحي بن العماد الحنبلي ( ت ١٠٨٩ هـ ) ، طبعة مصر.

٢٨٨ ـ ( شرح أصول الإعتقاد ) للألكائي.

٢٨٩ ـ ( شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار ) للنعمان بن محمد المغربي ( ت ٣٦٣ هـ ) ، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي ، وطبعة مصر.

٢٩٠ ـ ( الشرح الكبير ) لعبد الرحمن بن قدامة المقدسي ( ت ٦٨٢ هـ ) ، طبعة دار الكتاب العربي.

٢٩١ ـ ( شرح المفصّل ) لأبي البقاء موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش الموصلي الحلبي النحوي ( ت ٦٤٢ هـ ).

٢٩٢ ـ ( شرح المواقف ) لعلي بن محمد الجرجاني ( ت ٨١٦ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

٢٩٣ ـ ( شرح المواهب اللدنية ) لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني ( ت ١١٢٢ هـ ) ، طبعة الأولى الأزهرية ١٣٢٥ هـ

٢٩٤ ـ ( شرح الموطأ ) لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني ( ت ١١٢٢ هـ ) ، تح إبراهيم عطوه عوض.

٢٩٥ ـ ( شرح تجريد الإعتقاد ) لعلاء الدين علي بن محمد القوشجي ( ت ٨٧٠ هـ ).

٢٩٦ ـ ( شرح ثلاثيات الإمام أحمد بن حنبل ) لمحمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ( ت ١١٨٨ هـ ) ، طبعة محققة.

٢٩٧ ـ ( شرح ديوان الحماسة أبي تمام ) للخطيب يحيى بن علي التبريزي ( ٥٠٢ هـ ) ، مطبعة حجازي بالقاهرة ، تح محمد محيي الدين عبد الحميد.

٢٩٨ ـ ( شرح ديوان حسان ) لعبد الرحمن البرقوقي.


٢٩٩ ـ ( شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ) لأبي أحمد للعسكري ( ت ٣٨٢ هـ ) ، الطبعة الأولى محققة سنة ١٣٨٤ هـ.

٣٠٠ ـ ( شرح معاني الآثار ) لأحمد بن سلامة القضاعي الطحاوي الحنفي ( ت ٣٢٩ هـ ) ، تح محمد زهري النجار ، طبعة دار الكتب العلمية سنة ١٣٩٩ هـ بيروت.

٣٠١ ـ ( شرح نهج البلاغة ) لابن أبي الحديد المعتزلي ( ت ٦٥٦ هـ ) ، طبعة مصر الأولى ، وطبعة دار الكتب العربية بمصر الأولى ، والطبعة الحديثة بتح محمد أبو الفضل إبراهيم.

٣٠٢ ـ ( شرح نهج البلاغة ) لمحمد عبده ( ت ١٣٢٣ هـ ) ، طبعة الاستقامة الأولى بمصر.

٣٠٣ ـ ( الشرف المؤبد لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ليوسف بن إسماعيل الشافعي النبهاني المتوفى سنة ( ١٣٥٠ هـ ).

٣٠٤ ـ ( الشريعة ) لأبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري ( ت ٣٦٠ هـ ).

٣٠٥ ـ ( شعب الإيمان ) لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي ( ت ٤٥٨ هـ ) ، تح محمد السعيد بسيوني زغلول نشر دار الكتب العلمية بيروت سنة ١٤١٠ هـ ، ونسخة مصورة ميكروفيلم بمكتبة المؤلف.

٣٠٦ ـ ( شفاء الصدور ) للحافظ أبو الربيع سليمان المعروف بابن سبع السبتي ( ت ٧٣٤ هـ ).

٣٠٧ ـ ( الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ) للقاضي عياض اليحصبي المالكي ( ت ٥٤٤ هـ ) ، طبعة اسلامبول سنة ١٣٠٤ هـ.

٣٠٨ ـ ( شواهد التنزيل ) لعبد الله بن أحمد الحاكم الحسكاني ( ق ٥ هـ. ).

٣٠٩ ـ ( شواهد التوضيح ) لمحمد بن عبد الله بن مالك الطائي ( ت ٦٧٢ هـ ).

٣١٠ ـ ( شيخ المضيرة ) لمحمود أبو رية ، الطبعة الثالثة دار المعارف.


٣١١ ـ ( الشيخان ) للدكتور طه حسين.

٣١٢ ـ ( الصاجي في فقه اللغة ) لابن فارس ( ت ٣٦٥ هـ ).

٣١٣ ـ ( الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ ) ، طبعة مصر ، والطبعة دار ابن حزم بيروت ١٤١٧ هـ.

٣١٤ ـ ( صحيح البخاري ) لمحمد بن إسماعيل البخاري ( ت ٢٥٦ هـ ) ، طبعة مصر بولاق سنة ١٣١٢ هـ ، طبعة مصر بولاق سنة ١٣١٤ هـ.

٣١٥ ـ ( صحيح مسلم ) لمسلم بن الحجاج القشيري ( ت ٢٦١ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٢٧٢ هـ ، وطبعة بولاق بمصر ، وطبعة محمد علي صبيح.

٣١٦ ـ ( الصراط المستقيم ) لعلي بن يونس البياضي العاملي ( ت ٨٧٧ هـ ) ، طبعة الحيدري طهران.

٣١٧ ـ ( صفوة الصفوة ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٣١٨ ـ ( الصناعتين ) لأبي هلال حسن بن عبد الله العسكري ( ت ٣٩٥ هـ ) ، الطبعة الثانية محمد علي صبيح بمصر.

٣١٩ ـ ( الصوارم المهرقة ) لنور الله التستري ( ت ١٠٩١ هـ ) ، تح جلال الدين الحسيني ، الطبعة الأولى.

٣٢٠ ـ ( الصواعق المحرقة ) لشهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهيتمي الشافعي ( ت ٩٧٣ هـ ) ، طبعة الميمنية ١٣١٢ هـ الأولى ، وطبعة ، تح عبد الوهاب عبد اللطيف ، وطبعة محققة بمصر.

٣٢١ ـ ( ضحى الإسلام ) للدكتورأحمد أمين ( ت ١٣٧٣ هـ ).

٣٢٢ ـ ( الضعفاء الكبير ) لمحمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي ( ت ٣٢٢ هـ ).


٣٢٣ ـ ( ضياء العاملين في فضائل الأئمة المصطفين ) لأبي الحسن بن محمد بن طاهر الفتوني ( ت ١١٤٠ هـ ) ، ( مخطوط ) نسخة مصور بمكتبة المؤلف.

٣٢٤ ـ ( طبقات الحنابلة ) لمحمد بن أبي يعلى الحنبلي ( ت ٥١٦ هـ ) ، تح حامد الفقي.

٣٢٥ ـ ( طبقات الشافعية ) لعبد الوهاب بن علي السبكي ( ت ٧٧١ هـ ) ، طبعة مصر الأولى ، وطبعة سنة ١٣٢٤ هـ ، وطبعة ، تح عبد الفتاح الحلو.

٣٢٦ ـ ( طبقات القرآء ) لمحمد بن محمد الجزري ( ت ٨٣٣ هـ ).

٣٢٧ ـ ( الطبقات الكبير ) لمحمد بن سعد ( ت ٢٣٠ هـ ) ، تح د محمد بن صامل السُلمي ، طبعة الطائف ، وتح د محمد بن صامل السُلمي سنة ١٤١٤ هـ ، وطبعة الخانجي بمصر ، وطبعة أفست ليدن ، وطبعة مؤسسة ال البيت بيروت سنة ١٤١٤ هـ ، وطبعة لجنة الثقافة القاهرة سنة ١٣٥٨ هـ. ، وطبعة أوربا ( أفست ).

٣٢٨ ـ ( طبقات المدلّسين ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة المحمودي بمصر.

٣٢٩ ـ ( طبقات المفسرين ) لشمس الدين محمد بن علي الداودى ( ت ٩٤٥ هـ ).

٣٣٠ ـ ( طبقات المفسرين ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة سنة ١٨٣٩ م افست طهران سنة ١٩٦٠ م.

٣٣١ ـ ( طبقات النحويين واللغويين ) لمحمد بن الحسن أبو بكر الزبيدي ( ت ٣٧٩ هـ ).

٣٣٢ ـ ( الطبقات ) لعبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني ( ت ٩٧٣ هـ ).

٣٣٣ ـ ( الطرائف ) لعلي بن موسى بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) ، الطبعة الأولى نشر الأعلمي بيروت سنة ١٤٢٠ هـ.


٣٣٤ ـ ( ظهر الإسلام ) للدكتور أحمد أمين ( ت ١٣٧٣ هـ ).

٣٣٥ ـ ( عائشة والسياسة ) لسعيد الأفغاني ، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر سنة ١٩٤٧ م.

٣٣٦ ـ ( العبر ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ).

٣٣٧ ـ ( العثمانية ) لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي ( ت ٢٥٥ هـ ) ، تح وشرح عبد السلام محمد هارون ، طبعة دار الكتاب العربي بمصر. والطبعة الأولى بالمطبعة الرحمانية بمصر١٣٥٢ هـ.

٣٣٨ ـ ( العسل المصفى في تهذيب زين الفتى ) لأحمد بن محمد بن علي العاصمي الشافعي ( ق ٤ هـ ) ، تح المحمودي ، طبعة قم.

٣٣٩ ـ ( العظمة ) لأبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر ابن حبان الاصبهاني ( ت ٣٦٩ هـ ) ، طبعة دار العاصمة الرياض سنة ١٤٠٨ هـ.

٣٤٠ ـ ( العقد الفريد للملك السعيد ) لمحمد بن طلحة القرشي النصيبيني الوزير ( ت ٦٥٢ هـ ) ، نسخة عند الشيخ السماوي.

٣٤١ ـ ( العقد الفريد ) لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ( ت ٣٢٨ هـ ) ، تح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري ، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة ١٣٦٣ هـ ، وطبعة مصر الأولى ابن زكريا الحريري سنة١٣٥٩ هـ ـ ١٩٤٠ م

٣٤٢ ـ ( علل الحديث ) لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت ٣٢٧ هـ ) ، طبعة السلفية بمصر.

٣٤٣ ـ ( علل الشرائع ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، طبعة منشورات مكتبة الشريف الرضي بقم ، وطبعة الحيدرية.


٣٤٤ ـ ( العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ).

٣٤٥ ـ ( العلل ومعرفة الرجال ) لأحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) ، طبعة انقرة ١٩٦٣ م.

٣٤٦ ـ ( العلل ومعرفة الرجال ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ ) ، تح وصي الله بن محمود ، طبعة المكتب الإسلامي بيروت ٢٠٠٨ م.

٣٤٧ ـ ( عليّ إمام البررة ) لسيد مهدي الخرسان ( المؤلف ).

٣٤٨ ـ ( عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري ) لمحمود بن أحمد العيني ( ت ٨٥٥ هـ ) ، طبعة مصر.

٣٤٩ ـ ( العمدة ) لابن رشيق أبو علي الحسن القيرواني ( ت ٤٦٣ هـ ).

٣٥٠ ـ ( عين الأدب والسياسة ) لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل الفزاري ( ق ٨ هـ ) ، طبعة مصر.

٣٥١ ـ ( عيون الأخبار ) الداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي ( ت ٨٧٢ هـ ).

٣٥٢ ـ ( عيون الأخبار ) لعبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدنيوري ( ت ٢٧٦ هـ ) ، طبعة دار الكتب المصرية.

٣٥٣ ـ ( الغارات ) لمحمد بن إبراهيم الثقفي ( ت ٢٨٣ هـ ) ، تح السيد جلال الدين الحسيني المحدث الأرموي.

٣٥٤ ـ ( غاية المرام في حجة الخصام ) لهاشم بن سليمان البحراني ( ت ١١٠٧ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٢٧٢ هـ.

٣٥٥ ـ ( غاية النهاية في طبقات القرآء ) لمحمد بن محمد الجزري ( ت ٨٣٣ هـ ).

٣٥٦ ـ ( الغدير ) لعبد الحسين أحمد الأميني ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، طبعة مركز الغدير.


٣٥٧ ـ ( غرر الأخبار ودرر الآثار ) للحسن بن محمد الديلمي ( ق ٨ هـ ) ، ( نسخة مخطوطة ناقصة عند شيخنا العلامة الحجة الشيخ شير محمد الهمداني الجورقاني ).

٣٥٨ ـ ( الغرر الحسان ) للأمير حيدر بن أحمد الشهابي ١٢٥١ هـ.

٣٥٩ ـ ( غرر الخصائص الواضحة ) لمحمد بن إبراهيم بن يحيى الوطواط ( ت ٧١٨ هـ ) ، طبعة سنة ١٢٩٩ هـ بمصر.

٣٦٠ ـ ( الغيبة ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ).

٣٦١ ـ ( الفائق في غريب الحديث ) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري ( ت ٥٨٣ هـ ) ، طبعة حيدر آباد ، وطبعة ، تح الطناحي بمصر.

٣٦٢ ـ ( الفاخر ) للمفضل بن سلمة الضبي ( ت ٢٩٠ هـ ) ، طبعة مصر ( تراثنا ).

٣٦٣ ـ ( الفتاوى ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ ).

٣٦٤ ـ ( فتح الباري / شرح صحيح البخاري ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة ١٣٧٨ هـ ، وطبعة دار المعرفة بيروت ، تح محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب.

٣٦٥ ـ ( الفتح الربّاني بترتيب مسند الشيباني ) لأحمد بن عبد المنعم الدمنهوري ( ت ١١٩٢ هـ ) ، طبعة مصر.

٣٦٦ ـ ( فتح القدير / تفسير ) لمحمد بن علي الشوكاني ( ت ١٢٥٠ هـ ).

٣٦٧ ـ ( فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ) للحافظ زين الدين العراقي.

٣٦٨ ـ ( فتح الملك المعبود / تكملة المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود ) لأمين بن محمود المصري ، طبعة الاعتصام بالخيمية سنة ١٣٧٥ هـ.

٣٦٩ ـ ( الفتن ) لنعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي المروزي ( ت ٢٢٩ هـ ) ، تح سهيل زكار ، طبعة بيروت ، ونسخة مصورة ( ميكروفلم ) عن مكتبة المتحف


البريطاني في لندن بمكتبة المؤلف ). وطبعة المكتبة التجارية بمكة ، وطبعة المكتبة الحيدرية بقم بتح أبو عبد الله أيمن محمد محمد عرفة.

٣٧٠ ـ ( الفتنة الكبرى ) لطه حسين ، طبعة دار المعارف بمصر.

٣٧١ ـ ( الفتوح ) لأحمد بن محمد بن علي بن أعثم الكوفي ( ق ٤ هـ ) ، طبعة دار الندوة الجديدة افست بيروت ، وطبعة دار المعارف بحيدر آباد ، طبعة الأولى ، والترجمة الفارسية ، طبعة الهند.

٣٧٢ ـ ( الفتوحات المكية ) لأبي عبد الله محمد بن علي المعروف بمحيي الدين ابن عربي ( ت ٦٣٨ هـ ).

٣٧٣ ـ ( فجر الإسلام ) لأحمد أمين ، الطبعة السابعة ، والطبعة الثانية البابي الحلبي ١٣٧٣ هـ.

٣٧٤ ـ ( فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين ) لإبراهيم بن محمد الجويني الحمويني ( ت ٧٢٢ هـ. ) ، تح المحمودي

٣٧٥ ـ ( الفرج بعد الشدّة ) للقاضي أبي علي الحسن بن أبي القاسم التنوخي ( ت ٣٨٤ هـ ).

٣٧٦ ـ ( فرحة الغري ) لعلي بن موسى بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) ، طبعة حجرية إيران.

٣٧٧ ـ ( الفردوس ) لشيرويه بن شهردار الديلمي ( ت ٥٠٩ هـ ) ، طبعة بيروت.

٣٧٨ ـ ( الفرقان بين الحقّ والباطل ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ ) ، مؤلفات ابن تيمية الطبعة الثانية.

٣٧٩ ـ ( الفِصَل ) لعلي بن حزم الأندلسي الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ).

٣٨٠ ـ ( الفصول المختارة من العيون والمحاسن ) لعلي بن الطاهر الشريف المرتضى ( ت ٤٣٦ هـ ) ، طبعة الأولى بالحيدرية.


٣٨١ ـ ( فضائل الخلفاء ) لأبي حفص عمر بن عيسى الخطيب الدهلقي ( ق ٦ هـ ) ، مخطوطة مكتبة آيا صوفيا بتركيا برقم ( ٣٣٤٣ ) تاريخها ٩١٩ هـ.

٣٨٢ ـ ( فضائل الصحابة ) لأحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) ( نسخة مصورة بمكتبة المؤلف ) ، وط مؤسسة الرسالة سنة ١٤٠٣ هـ ، تح وصي الله محمد بن عباس.

٣٨٣ ـ ( فضائل القرآن ) لإسماعيل بن كثير الدمشقي ( ت ٧٧٤ هـ ) ، المطبوع في آخر تفسير ابن كثير.

٣٨٤ ـ ( الفضائل ) لابن شاذان ( ق ٧ هـ ) ، طبعة حجرية ملحقة بعلل الشرائع والروضة.

٣٨٥ ـ ( فضل الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لإسماعيل بن إسحاق الجهضمي ( ت ٢٨٢ هـ ) ، تح محمد ناصر الألباني ، نشر الكتب الإسلامية.

٣٨٦ ـ ( فضل علم السلف على الخلف ) لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي ( ت ٧٩٥ هـ ).

٣٨٧ ـ ( فقه السيرة ) للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، طبعة دار الفكر.

٣٨٨ ـ ( الفقيه والمتفقه ) لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ) ، نشر دار إحياء السنة النبوية سنة ١٣٩٥ هـ.

٣٨٩ ـ ( الفهرس الموجز لمخطوطات مؤسسة علال الفاسي ) لعبد الرحمن بن العربي الحريسي مدير المؤسسة.

٣٩٠ ـ ( الفهرست ) لمحمد بن إسحاق الوراق ابن النديم ( ت ٤٣٨ هـ ) ، طبع وتح رضا تجدد.

٣٩١ ـ ( الفوائد المجموعة ) لمحمد بن علي الشوكاني ( ت ١٢٥٠ هـ ) ، طبعة مصر.

٣٩٢ ـ ( فوات الوفيات ) لمحمد بن شاكر بن أحمد الكتبي ( ت ٧٦٤ هـ ).


٣٩٣ ـ ( فيض القدير شرح الجامع الصغير ) لمحمد بن علي الشوكاني ( ت ١٢٥٠ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية.

٣٩٤ ـ ( القاموس المحيط ) لمحمد بن يعقوب الفيروزابادي ( ت ٨١٧ هـ ) ، طبعة دار الفكر مصر.

٣٩٥ ـ ( قبول الأخبار ومعرفة الرجال ) لأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي الخراساني ( ت ٣١٩ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

٣٩٦ ـ ( قرب الاسناد ) لعبد الله بن جعفر الحميري ( ت ٣٠٠ هـ ) ، طبعة سلسلة مصادر البحار.

٣٩٧ ـ ( قصد الأمّم ) ليوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي ( ت ٤٦٣ هـ ).

٣٩٨ ـ ( قصص الأنبياء ) لإسماعيل بن كثير الدمشقي ( ت ٧٧٤ هـ ) ، طبعة حجازي بالقاهرة سنة ١٣٧١ هـ.

٣٩٩ ـ ( القضايا الكبرى في الإسلام ) لعبد المتعال الصعيدي ، الطبعة الثانية بمصر سنة ١٩٦٠ م.

٤٠٠ ـ ( قطر المحيط ) لبطرس بن بولس بن عبد الله البستاني ، طبعة بيروت ١٩٦٩ م.

٤٠١ ـ ( القناعة ) لأبي بكر ابن السني.

٤٠٢ ـ ( قواعد التحديث ) لجمال الدين بن محمد بن سعيد القاسمي ( ت ١٣٣٣ هـ ).

٤٠٣ ـ ( قوت القلوب ) لمحمد بن علي المعروف بأبي طالب المكي ( ت ٣٨٦ هـ ) ، طبعة مصر.

٤٠٤ ـ ( القول الفصل ) للعلوي طاهر الحداد الحضرمي.


٤٠٥ ـ ( الكاشف ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ).

٤٠٦ ـ ( الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ).

٤٠٧ ـ ( الكامل في التاريخ / التاريخ الكامل ) لعلي بن محمد ابن الأثير الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) ، طبعة بولاق بمصر.

٤٠٨ ـ ( الكامل في ضعفاء الرجال ) لعبد الله بن عدي الجرجاني ( ت ٣٦٥ هـ ).

٤٠٩ ـ ( الكامل ) لمحمد بن يزيد المبرد ( ت ٢٨٥ هـ ) ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة دار نهضة مصر.

٤١٠ ـ ( الكتاب المقدس ) مترجم من اللغات الأصلية ، نشر جمعيات الكتاب المقدس المتحدة ساحة النجمة ، طبعة بيروت سنة ١٩٥١ م.

٤١١ ـ ( كتاب سليم ) لسليم بن قيس الهلالي ( ق ١ هـ ) ، طبعة الحيدرية ، وطبعة الهادي سنة ١٤١٥ هـ ، تح الشيخ محمد باقر الأنصاري.

٤١٢ ـ ( كشف الخفاء ) لإسماعيل بن محمد العجلوني ١١٦٣ هـ ، طبعة مصر ، وط مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤٠٥ هـ ..

٤١٣ ـ ( كشف الظنون عن أسامي الكتب والمتون ) لمصطفى بن عبد الله الجلبي ( ت ١٠٦٧ هـ ) ، طبعة المعارف التركية.

٤١٤ ـ ( كشف الغمة ) لعلي بن عيسى الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) ، طبعة حجرية ١٢٩٤ هـ ، وطبعة الحيدرية ، وطبعة مكتبة الشريف الرضي بقم.

٤١٥ ـ ( كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ) للعلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ( ت ٧٢٦ هـ ) ، تح علي آل كوثر ، طبع مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، وطبعة حجرية.


٤١٦ ـ ( الكشف والبيان / تفسير ) لأحمد الثعلبي ( ت ٤٢٧ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية.

٤١٧ ـ ( الكشكول / أنيس المسافر وجليس الخاطر ) ليوسف البحراني ، طبعة النجف.

٤١٨ ـ ( الكشكول ) لمحمد بن عبد الصمد البهائي ( ت ١٠٣١ هـ ) ، طبعة نجم الدولة ، وطبعة الحيدرية.

٤١٩ ـ ( كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثنى عشر ) لعلي بن محمد بن علي الخزاز ( ق ٤ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٣٠٥ هـ ، وطبعة محققة إيران.

٤٢٠ ـ ( كفاية الطالب ) لمحمد بن يوسف الحافظ الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٨ هـ ) ، طبعة الحيدرية سنة ١٣٩٠ هـ.

٤٢١ ـ ( كنز العرفان في فقه القرآن ) للمقداد بن عبد الله السيوري ( ت ٨٢٦ هـ ) ، تح السيد محمد القاضي.

٤٢٢ ـ ( كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ) لعلاء الدين عبد الرحمن المتقي الهندي ( ت ٩٧٥ هـ ) ، طبعة مؤسسة الرسالة بحلب ، وطبعة حيدر آباد ، وطبعة بهامش مسند أحمد ، وطبعة حيدر آباد ( الأولى والثانية ).

٤٢٣ ـ ( الكنز المدفون والفلك المشحون ) منسوب لجلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة مصر.

٤٢٤ ـ ( الكنى والألقاب ) لعباس بن محمدرضا القمي ( ت ١٣٥٩ هـ ) ، طبعة صيدا ، وطبعة الحيدرية.

٤٢٥ ـ ( الكنى ) لمحمد بن إسماعيل البخاري ( ت ٢٥٦ هـ ).


٤٢٦ ـ ( كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري ) لمحمد الخضر بن عبد الله الجكني الشنقيطي ( ت ١٣٥٤ هـ ) ، طبعة مؤسسة الرسالة ١٤١٥ هـ.

٤٢٧ ـ ( اللئالي المصنوعة ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة مصر الأولى.

٤٢٨ ـ ( لسان العرب ) لمحمد بن مكرم ابن منظور ( ت ٧١١ هـ ) ، طبعة أفست عن بولاق.

٤٢٩ ـ ( لسان الميزان ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٤٣٠ ـ ( لطائف المعارف ) لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي ( ٤٢٩ هـ ).

٤٣١ ـ ( الله والعلم الحديث ) لعبد الرزاق نوفل.

٤٣٢ ـ ( لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية ) لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني ( ت ٩٧٣ هـ ) ، الطبعة الأولى نشر البابي الحلبي سنة ١٣٨٠ هـ ، و ١٣٨١ هـ.

٤٣٣ ـ ( مالك بن أنس ) لأمين الخولي.

٤٣٤ ـ ( المبسوط ) لمحمد بن أبي سهل السرخسي ( ت ٤٨٢ هـ ) ، طبعة بيروت أفست عن مصر.

٤٣٥ ـ ( المبسوط ) لمحمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، طبعة ونشر المكتبة المرتضوية.

٤٣٦ ـ ( متشابه القرآن ومختلفه ) لمحمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ( ت ٥٨٨ هـ ) ، طبعة بيدار إيران.


٤٣٧ ـ ( المجتبى ) لمحمد بن الحسن بن دريد ( ق ٤ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٤٣٨ ـ ( المجروحين ) لمحمد بن حبان التميمي البستي ( ت ٣٥٤ هـ ).

٤٣٩ ـ ( مجلة المجمع العلمي العراقي ) ١ / السنة الأولى ، مقال للدكتور جواد علي.

٤٤٠ ـ ( مجلة علوم الحديث ) ، السنة السادسة / العدد الثاني عشر.

٤٤١ ـ ( مجمع الأمثال ) لأحمد بن محمد الميداني النيسابوري ( ت ٥١٨ هـ ) ، طبعة دار الفكر مصر.

٤٤٢ ـ ( مجمع البيان / تفسير ) للفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) ، طبعة صيدا ، وطبعة الأعلمي.

٤٤٣ ـ ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ) لعلي بن أبي بكر الهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) ، طبعة القدسي سنة ١٣٥٣ هـ بمصر.

٤٤٤ ـ ( المجموع / شرح المهذب ) لمحيي الدين بن شرف النووي ( ت ٦٧٦ هـ ).

٤٤٥ ـ ( المجموع الرائق ) للسيد أحمد العطار ، مخطوط بمكتبة الإمام الصادق العامّة في الكاظمية.

٤٤٦ ـ ( مجموعة الحاج عيسى كبة ) وهي بخطه في مكتبة الإمام كاشف الغطاء.

٤٤٧ ـ ( المحاسن والأضداد ) لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي ( ت ٢٥٥ هـ ) ، طبعة المعاهد بمصر سنة ١٣٥٠ هـ.

٤٤٨ ـ ( المحاسن والمساوي ) لإبراهيم بن محمد البيهقي ( ت ٣٢٠ هـ ) ، طبعة السعادة ، وطبعة النعساني بمصر سنة ١٣٢٥ هـ.

٤٤٩ ـ ( محاضرات الأدباء / ومحاورات الشعراء والبلغاء ) لحسين بن محمد الراغب الاصفهاني ( ت ٥٠٠ هـ ) ، طبعة مصر الأولى ، والطبعة الشرقية ، ومخطوطة الرضوية برقم ( ٤٤٠٣ ).


٤٥٠ ـ ( محاضرة الأبرار ) لأبي عبد الله محمد بن علي المعروف بمحيي الدين ابن عربي ( ت ٦٣٨ هـ ).

٤٥١ ـ ( المحبّر ) لمحمد بن حبيب النحوي الهاشمي ( ت ٢٤٥ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٤٥٢ ـ ( المحجة البيضاء ) لمحمد محسن بن المرتضى الفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ هـ ) ، طبعة الإسلامية إيران.

٤٥٣ ـ ( المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ) لأبي محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي ( ت ٣٦٠ هـ ) ، طبعة دار الفكر بيروت سنة١٤٠٤ هـ.

٤٥٤ ـ ( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) لعبد الحق بن أبي بكر بن غالب بن عطية الأندلسي ( ت ٥٤٦ هـ ).

٤٥٥ ـ ( المحسن السبط مولود أم سقط ) للسيد محمد مهدي الخرسان ( المؤلف ).

٤٥٦ ـ ( المحلى ) لعلي بن حزم الأندلسي الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ) ، طبعة افست دار الفكر.

٤٥٧ ـ ( المحور الوجييز / تفسير ابن عطية ) لعبد الله بن عبد الحق ابن عطية.

٤٥٨ ـ ( مختصر اتحاف السادة المهرة ) لأحمد بن أبي بكر البوصيري ( ت ٨٤٠ هـ ).

٤٥٩ ـ ( مختصر تاريخ الخلفاء ) لشهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهيتمي الشافعي ( ت ٩٧٣ هـ ) ، طبع موسكو ١٩٦٧ م.

٤٦٠ ـ ( مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي ) لأمير علي بن سعادت الهندي ترجمة رياض رأفت ، طبعة التمدن الإسلامي ، لجنة التاليف والترجمة والنشر سنة ١٩٣٨.

٤٦١ ـ ( مختصر تاريخ دمشق ) لمحمد بن كرم ابن منظور ( ت ٧١١ هـ ) ، طبعة بيروت.

٤٦٢ ـ ( مختصر منسك شيخ الإسلام ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ ) ، الطبعة الثالثة سنة ( ١٤٢٤ هـ ).


٤٦٣ ـ ( المخلاة ) منسوب لمحمد بن الحسين البهائي ( ت ١٠٣٠ هـ ) ، طبعة مصر.

٤٦٤ ـ ( المدخل ) لأبي عبد الله العبدري المالكي المعروف بابن الحاج ( ت ٧٣٧ هـ ).

٤٦٥ ـ ( المذاهب الإسلامية ) لمحمد أبي زهرة.

٤٦٦ ـ ( مذاهب التفسير الإسلامي ) لجولد زيهر ، ترجمة عبد الحليم النجار.

٤٦٧ ـ ( مرآة الجنان وعبرة اليقظان ) لعبد الله بن أسعد اليافعي ( ت ٧٦٨ هـ ) ، طبعة بيروت.

٤٦٨ ـ ( المراجعات ) للسيد عبد الحسين شرف الدين ( ت ١٣٧٧ هـ ).

٤٦٩ ـ ( مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ) لعبد المؤمن بن عبد الحقّ البغدادي ( ت ٧٣٩ هـ ) ، طبعة مصر ، تح البجاوي.

٤٧٠ ـ ( مروج الذهب ) لعلي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت ٣٤٦ هـ ) ، طبعة مصطفى محمد ، وطبعة بولاق سنة ١٢٨٣ هـ ، وطبعة الأزهرية سنة ١٣٠٣ هـ ، وطبعة مصرية بهامش تاريخ ابن الأثير ، وطبعة العامرة البهية سنة ١٣٤٦ هـ ، وطبعة مصر بتح محمد محيي الدين عبد الحميد سنة ١٣٦٧ هـ مطبعة السعادة ، وطبعة الثالثة سنة ١٣٧٧ هـ ، وطبعة بيروت دار الفكر ، وطبعة دار الأندلس ، وطبعة منشورات الشريف الرضي بقم ، تح شارل بلا.

٤٧١ ـ ( مرود الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان ) لعلي بن أبي بكر الهيتمي ( ت ٨٠٧ هـ ).

٤٧٢ ـ ( مسائل الرازي وأجوبتها من غرائب آي التنزيل ) لمحمد بن أبي بكر الرازي ، طبعة مصر سنة ١٣٨١ هـ.


٤٧٣ ـ ( المستجاد من فعلات الأجواد ) للحسن بن أبي القاسم القاضي التنوخي ( ت ٣٨٤ هـ ) ، تح محمد كرد علي ، طبعة الترقي بدمشق سنة ١٣٦٥ هـ.

٤٧٤ ـ ( مستدرك الوسائل ) للميرزا حسين النوري الطبرسي ( ١٣٢٠ هـ ).

٤٧٥ ـ ( المستدرك على الصحيحين ) لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية ، تح مصطفى عبد القادر ، وطبعة دمج بحلب أفست عن حيدر آباد.

٤٧٦ ـ ( المسترشد في الإمامة ) للمحدث الكبير أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري المتوفى في أوائل الأربعمائة ، معاصر الطبري المعروف ويشاركه إسماً ونسباً وكنية ونسبة ، نسخة مخطوطة بمكتبة المؤلف ( بخط المرحوم السيد الوالد قد سره ).

٤٧٧ ـ ( المستصفى في علم الأصول ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ).

٤٧٨ ـ ( المستطرف في كل فن مستظرف ) لمحمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة دار احياء التراث العربي ( أفست ) ، وطبعة مصر.

٤٧٩ ـ ( المستقصى في أمثال العرب ) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري ( ت ٥٨٣ هـ ).

٤٨٠ ـ ( مسند أبي يعلى ) لإسماعيل بن محمد بن فضل الموصلي ( ت ٣٠٧ هـ ) ، طبعة دار المأمون للتراث بدمشق سنة ١٤٠٤ هـ ونشر دار الكتب العلمية.

٤٨١ ـ ( مسند أحمد ) لأحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) افست ، طبعة مصر الأولى ، وطبعة مكتبة التراث الإسلامي ، تح أحمد محمد شاكر ، وطبعة مصر الأولى ، وطبعة مؤسسة قرطبة بمصر.


٤٨٢ ـ ( مسند الربيع بن حبيب ).

٤٨٣ ـ ( مسند الطيالسي ) لسليمان بن داود بن جارود ( ت ٢٠٤ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٤٨٤ ـ ( مشاهير علماء الأمصار ) لأبي حاتم محمد بن حبان ( ت ٣٥٤ هـ ).

٤٨٥ ـ ( مشكاة الأدب الناصري ) لعباس قلي خان سبهرثاني ( ت ١٣٤٠ هـ ).

٤٨٦ ـ ( مشكاة المصابيح ) لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي ( ت ٥١٦ هـ ) ، طبعة المكتب الإسلامي ، تح الالباني ، وطبعة مصر ، وطبعة الهند.

٤٨٧ ـ ( المصاحف ) لعبد الله بن سليمان ابن أبي داود السجستاني ( ت ٣١٦ هـ ) ، طبعة الرحمانية ١٣٥٥تح آرثر جفري ، ، طبعة افست المثنى.

٤٨٨ ـ ( مصباح الأنوار ) لهاشم بن محمد ( ق ٦ هـ ) ، نسخة ( مخطوطة ) بمكتبة المرحوم السيد حسن الخرسان ( مكتبة آل الخرسان ).

٤٨٩ ـ ( مصباح الكفعمي ) لإبراهيم بن علي الكفعمي ( ت ٩٠٥ هـ ) ، طبعة حجرية سنة ١٣٢١ هـ.

٤٩٠ ـ ( المصباح المضيء في خلاصة المستضيء ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ).

٤٩١ ـ ( المصنف ) لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ( ت ٢١١ هـ ) ، طبعة المكتب الإسلامي المجلس العلمي.

٤٩٢ ـ ( المصنف ) لعبد الله بن محمد ابن أبي شيبة ( ت ٢٣٥ هـ ) ، تح اللحام ، وطبعة نشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية كراتشي باكستان سنة ١٤٠٦ هـ ، وطبعة مكتبة الرشد في الرياض سنة ١٤٠٩ هـ.


٤٩٣ ـ ( المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة الكويت.

٤٩٤ ـ ( المعارف ) لعبد الله بن مسلم بن قتيبة ( ت ٢٧٠ هـ ) ، تح ثروت عكاشة ، وطبعة ليدن سنة ١٩٦٠ م.

٤٩٥ ـ ( معاني الأخبار ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، طبعة الحيدرية سنة ١٣٩١ هـ.

٤٩٦ ـ ( معاني القرآن ) لأبي جعفر أحمد بن أحمد النحاس ( ٣٣٨ هـ ).

٤٩٧ ـ ( معاوية ) لعبد الباقي قرنة الجزائري ، طبعة نينوى سنة١٤٢٦ هـ.

٤٩٨ ـ ( معجم أدباء ذوي العاهات أعلام الجبابرة ) لكارين صادر ونصير الجواهري ، طبعة بيروت.

٤٩٩ ـ ( معجم الأدباء ) لياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ( ت ٦٢٦ هـ ).

٥٠٠ ـ ( المعجم الأوسط ) لسليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ. ).

٥٠١ ـ ( معجم البلدان ) لياقوت بن عبد الله الحموي ( ت ٦٢٦ هـ ) ، طبعة دار صادر.

٥٠٢ ـ ( معجم الشعراء ) للمرزباني ، تح عبد الستار أحمد فراج.

٥٠٣ ـ ( المعجم الكبير ) لسليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) ، الطبعة الثانية بمطبعة الزهراء بالموصل ، وطبعة الأولى بمطبعة الوطن العربي ونسخة مخطوطة في الظاهرية.

٥٠٤ ـ ( معجم رجال الحديث ) للسيد أبو القاسم الخوئي ( قدس ) ، الطبعة الأولى ، وطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة ١٣٩٥ هـ ..

٥٠٥ ـ ( معجم ما استعجم ) لعبد الله بن العزيز البكري ( ت ٤٨٧ هـ ) ، تح مصطفى السقى ، طبعة القاهرة ١٣٦٦ هـ.


٥٠٦ ـ ( معدن الجواهر ) لمحمد بن علي بن عثمان الكراجكي ( ت ٤٤٩ هـ ).

٥٠٧ ـ ( معرفة الناسخ والمنسوخ ) لأبي عبد الله محمد بن حزم ، بهامش تنوير المقياس من تفسير ابن عباس.

٥٠٨ ـ ( معرفة علوم الحديث ) لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ هـ ) ، طبعة حيدر آباد.

٥٠٩ ـ ( المعرفة والتاريخ ) ليعقوب بن سفيان البسوي ( ٢٧٧ هـ ) ، طبعة الاوقاف الإرشاد بغداد سنة ١٣٩٤ هـ.

٥١٠ ـ ( المعمرون والوصايا ) لأبي حاتم السجستاني ( ق ٣ هـ ) ، تح عبد المنعم عامر ، طبعة دار احياء الكتب العربية سنة ١٩٦١ م مصر.

٥١١ ـ ( المغني في الضعفاء ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ).

٥١٢ ـ ( المغني ) بحاشية الدسوقي ، طبعة حنفي بمصر ١٣٥٨ هـ.

٥١٣ ـ ( المغني ) لابن قدامة الحنبلي المقدسي ، طبعة دار المنار بمصر سنة ١٣٦٧ هـ ، والطبعة الثالثة بالمنار.

٥١٤ ـ ( مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ) للسيوطي ( ضمن الرسائل المنبرية ).

٥١٥ ـ ( مفتاح السعادة ) للمولى أحمد طاش كبرى زاده ( ت ٩٦٢ هـ ).

٥١٦ ـ ( مقاتل الطالبين ) لأبي الفرج الاصبهاني ( ٣٥٦ هـ ) ، تح السيد أحمد صقر ، طبعة مصر سنة ١٣٦٨ هـ بالقاهرة ، وطبعة الحيدرية.

٥١٧ ـ ( مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين ) لأبي الحسن الأشعري ( ت ٣٣٠ هـ ) ، تح محمد محيي الدين عبد الحميد ، طبعة مصر ١٣٦٩ هـ.

٥١٨ ـ ( مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ) ، طبعة ، تح محمد جاسم الحديثي.


٥١٩ ـ ( مقاييس اللغة ) لأحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين اللغوي ( ت ٣٩٥ هـ ).

٥٢٠ ـ ( مقتل الحسين عليه‌السلام ) لعبد الرزاق الموسوي المقرّم ، طبعة الآداب النجف ١٩٧٣ م.

٥٢١ ـ ( مقتل الحسين عليه‌السلام ) للموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم الحنفي ( ت ٥٦٨ هـ ) ، تح الشيخ السماوي مطبعة الزهراء بالنجف الأشرف.

٥٢٢ ـ ( المقتنى في سرد الكنى ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية.

٥٢٣ ـ ( مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ) لعثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري ( ت ٦٤٣ هـ ).

٥٢٤ ـ ( مقدمة ابن خلدون ) لعبد الرحمن بن محمد ابن خلدون ، طبعة دار الكتاب اللبناني.

٥٢٥ ـ ( مقدمة التفسير ) المطبوع ملحقاً بكتاب تنزيه القرآن على المطاعن ، للقاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد ، طبعة الجمالية ١٣٢٩ هـ.

٥٢٦ ـ ( مقدمتان في علوم القرآن ) صححه ونشره آرثر جفري ، طبعة السنّة المحمدية ١٩٥٤ م.

٥٢٧ ـ ( المقفى الكبير ) لأحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ( ت ٨٤٥ هـ ) ، طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت.

٥٢٨ ـ ( مكارم الأخلاق ) لأبي بكر الخرائطي ، طبعة السلفية بمصر سنة ١٣٥٠ هـ.

٥٢٩ ـ ( مكارم الأخلاق ) للحسن بن الفضل الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) ، طبعة مصر ، وطبعة حجرية ، وطبعة الحيدرية.


٥٣٠ ـ ( الملاحم والفتن / التشريف بالمنن ) لعلي بن موسى بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) ، طبعة مؤسسة صاحب الأمر ( عج ).

٥٣١ ـ ( الملاحن ) لمحمد بن الحسن المعروف ابن دريد ( ت ٣٢١ هـ ) ، طبعة السلفية بمصر ١٣٤٧ هـ.

٥٣٢ ـ ( الملل والنحل ) لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني ( ت ٤٥٨ هـ ) ، طبعة الأزهر الحديثة الثانية سنة ١٣٩٥ هـ ، وطبعة بيروت.

٥٣٣ ـ ( من لا يحضره الفقيه ) لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ، تح المرحوم السيد حسن الخرسان ، طبعة دار الكتب الإسلامية النجف.

٥٣٤ ـ ( المنار المنيف في الصحيح والضعيف ) لمحمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي ابن قيم الجوزية ( ت ٧٥١ هـ ).

٥٣٥ ـ ( المنازل والديار ) للأمير أسامة بن منقذ المتوفى ( ت ٥٤٨ هـ ) ، طبعة موسكو ١٩٦١ م نشر آثار الآداب الشرقية السلسلة الكبرى.

٥٣٦ ـ ( مناقب أبي حنيفة ) للخوارزمي ، طبعة حيدر آباد.

٥٣٧ ـ ( مناقب أبي حنيفة ) للكردري ( بهامش مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ).

٥٣٨ ـ ( مناقب آل أبي طالب ) لمحمد بن علي بن شهرآشوب السروي ( ت ٥٨٨ هـ ) ، طبعة الحجرية ، وطبعة الحيدرية.

٥٣٩ ـ ( مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ) لأحمد بن محمد الخوارزمي ( ت ٥٦٨ هـ ) ، طبعة حجرية ، وطبعة الحيدرية.

٥٤٠ ـ ( مناقب الشافعي ) لمحمد بن عمر بن الحسن بن الحسين فخر الدين الرازي ( ت ٦٠٦ هـ ).


٥٤١ ـ ( مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ) لمحمد بن سليمان الكوفي ( ق ٣ هـ ) ، تح المحمودي ، طبعة الأولى ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية في إيران.

٥٤٢ ـ ( مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) لأحمد بن موسى بن مردويه الإصفهاني ( ت ٤١٠ هـ ).

٥٤٣ ـ ( المناقب ) لابن المغازلي المالكي ( ت ٤٨٣ هـ ) ، طبعة الإسلامية.

٥٤٤ ـ ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام ) للدكتور علي سامي النشار ، طبعة دار المعارف بمصر ١٩٦٥ م.

٥٤٥ ـ ( مناهل العرفان ) للزرقاني ، طبعة مصر.

٥٤٦ ـ ( منتخب المختار / تاريخ علماء بغداد ) لمحمد بن رافع السلامي.

٥٤٧ ـ ( منتخب كنز العمال ) بهامش مسند أحمد ، طبعة مصر الأولى.

٥٤٨ ـ ( المنتخب من كناية الأدباء وإشارات البلغاء ) للقاضي الجرجاني ( ت ٤٨٢ هـ ) ، طبعة السعادة بمصر ١٣٥٦ هـ.

٥٤٩ ـ ( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ) ، طبعة حيدر آباد ، وطبعة دار الكتب العلمية.

٥٥٠ ـ ( المنتقى ) لأبي محمد عبد الله بن الجارود ( ت ٣٠٧ هـ ) ، طبعة مؤسسة الكتاب الثقافية بيروت.

٥٥١ ـ ( المنمّق ) لمحمد بن حبيب الهاشمي ، طبعة حيدر آباد.

٥٥٢ ـ ( منهاج السنة ) لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ هـ ) ، طبعة مؤسسة قرطبة سنة ١٤٠٦ هـ ، وطبعة أفست بولاق سنة ١٣٢٢ هـ ، وطبعة مصر ( الأولى ).


٥٥٣ ـ ( منهاج العابدين إلى جنّة ربّ العالمين ) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت ٥٠٥ هـ ) ، طبعة مصر سنة ١٣٢٧ هـ.

٥٥٤ ـ ( منية المريد ) لزين الدين بن علي العاملي الشهيد ( ت ٩٦٥ هـ ) ، طبعة حجرية النجف.

٥٥٥ ـ ( مهج الدعوات ومنهج العنايات ) لعلي بن موسى بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) ، طبعة حجرية.

٥٥٦ ـ ( الموافقات ) لإبراهيم بن موسى الشاطبي ( ت ٧٩٠ هـ ) ، طبعة الرحمانية بمصر.

٥٥٧ ـ ( المواقف ) لعبد الرحمن بن أحمد الإيجي ( ت ٧٥٦ هـ ).

٥٥٨ ـ ( مواهب الجليل ) لأبي عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب الرعيني ( ت ٩٥٤ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

٥٥٩ ـ ( الموجز في الناسخ والمنسوخ ) المظفر بن الحسين ابن خزيمة الفارسي ، ملحقاً بكتاب النحاس.

٥٦٠ ـ ( موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ) ، طبعة عالم التراث بيروت.

٥٦١ ـ ( الموشّى في الظرف والظرفاء ) لأبي الطيب الوشاء الدؤلي.

٥٦٢ ـ ( موضح أوهام الجمع والتفريق ) لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ).

٥٦٣ ـ ( الموضوعات ) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ).

٥٦٤ ـ ( الموطأ لمالك بشرح تنوير الحوالك ) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) ، طبعة مصطفى محمد بمصر.

٥٦٥ ـ ( الموطأ ) برواية ابن زياد ، طبعة تونس.


٥٦٦ ـ ( ميزان الاعتدال ) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) ، طبعة مصر الأولى.

٥٦٧ ـ ( الميزان في تفسير القرآن ) لمحمد حسين الطباطبائي ( ت ١٤١٢ هـ ) ، طبعة بيروت.

٥٦٨ ـ ( ناسخ التواريخ ) لمحمد تقي سبهر ( فارسي ) ، طبعة حجرية.

٥٦٩ ـ ( الناسخ القرآن ومنسوخه ) لأبي جعفر أحمد بن محمد النحاس ( ت ٣٣٨ هـ ) ، طبعة السعادة بمصر١٣٢٣ هـ.

٥٧٠ ـ ( الناسخ والمنسوخ ) لعلي بن حزم الأندلسي الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ) ، بهامش تفسير الجلالين.

٥٧١ ـ ( الناسخ والمنسوخ ) لهبة الله بن سلامة بن أبي القاسم البابي ( ت ٤١٠ هـ ) ، بهامش اسباب النزول للواحدي.

٥٧٢ ـ ( نثر الدر ) لأبي سعيد منصور بن حسين الآبي ( ت ٤٢١ هـ ) ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

٥٧٣ ـ ( نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد ) للأمير محمد باشا ، طبعة بيروت سنة ١٣٢٦ هـ.

٥٧٤ ـ ( نزهة المجالس ) لعبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري ( ت ٨٩٤ هـ ) ، طبعة مصر.

٥٧٥ ـ ( نزهة الناظر وتنبيه الخاطر / مجموعة ورام ) للحسن بن محمد بن الحسن الحلواني ( ق ٥ هـ ) ، طبعة النجف.

٥٧٦ ـ ( النسب الأصيلي ) لابن الطقطقي ( ق ٧ هـ ) ، ( نسخة مصورة ).

٥٧٧ ـ ( نسب قريش ) لمصعب الزبيري ، طبعة دار المعارف بمصر ، تح بروفنسال.


٥٧٨ ـ ( نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ) للدكتور علي سامي النشار ، الطبعة الرابعة دار المعارف بمصر ١٩٦٦ م ، والطبعة السابعة سنة ١٩٧٧ م.

٥٧٩ ـ ( النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ) للسيد محمد بن عقيل بن يحيى العلوي الحسيني الحضرمي الشافعي المتوفى سنة ( ١٣٥٠ هـ ) ، طبعة بمبئ سنة ١٣٢٦ هـ. ، والطبعة الحيدرية النجف الأشرف.

٥٨٠ ـ ( نصب الراية لأحاديث الهداية ) لجمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي ، طبعة المجلس العلمي دار الحديث بمصر سنة ١٣٥٧ هـ الأولى.

٥٨١ ـ ( نظرات في اللغة والنحو ) لطه الراوي ، نشر المكتبة الأهلية بيروت.

٥٨٢ ـ ( النظم الفني في القرآن ) لعبد المتعال الصعيدي ، طبعة النموذجية بمصر.

٥٨٣ ـ ( نظم درر السمطين ) لجمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي ( ت ٧٥٠ هـ ) ، طبعة النجف.

٥٨٤ ـ ( نفح الطيب ) ( نقلا عن محاضرات المقري الكبير ) ، طبعة مصر.

٥٨٥ ـ ( نكت الهميان ) للصفدي ، طبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٩ هـ.

٥٨٦ ـ ( نهاية الإرب ) للنويري ، طبعة دار الكتب بمصر.

٥٨٧ ـ ( نهاية التحقيق فيما جرى في أمر فدك للصديقة والصدّيق بالنصّ والتوثيق ) ، للسيد محمد مهدي الخرسان ، ( المؤلف ).

٥٨٨ ـ ( النهاية في غريب الحديث ) لعلي بن محمد الشيباني ابن الأثير الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) ، طبعة بمط الخيرية بمصر سنة ١٣٢٢ هـ الأولى ، وطبعة محققة.

٥٨٩ ـ ( نهج البلاغة ) نسخة جديدة محققة وموثقة ، ، تح وتوثيق صبري إبراهيم السيد ، جامعة عين شمس وجامعة قطر.


٥٩٠ ـ ( نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ) لمحمد باقر المحمودي ، طبعة النعمان النجف ١٣٨٥ هـ.

٥٩١ ـ ( النوادر ) للقليويي ، طبعة مصر.

٥٩٢ ـ ( نور الأبصار في مناقب ال بيت النبيّ المختار ) لمؤمن بن حسن الشبلنجي ( ت ٢٩٨ هـ ) ، طبعة مصر الأولى.

٥٩٣ ـ ( نور القبس ) ليوسف بن أحمد اليغموري ( ت ٦٧٣ هـ ).

٥٩٤ ـ ( نيل الأوطار ) لمحمد بن علي الشوكاني ( ت ١٢٥٠ هـ ) ، طبعة العثمانية بمصر سنة ١٣٥٧ هـ ، وطبعة دار الجيل بيروت سنة ١٩٧٣ م.

٥٩٥ ـ ( هدي الساري في مقدمة فتح الباري ) لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) ، طبعة مصطفى البابي الحلبي.

٥٩٦ ـ ( الهمّة في آداب اتباع الأئمة ) لنعمان محمد بن منصور المغربي التميمي القاضي النعمان ، تح الدكتور محمد كامل حسين ، طبعة دار الفكر العربي القاهرة.

٥٩٧ ـ ( الهواتف / مجموعة رسائل ابن أبي الدنيا ) لعبد الله بن محمد بن عبيد ابن سفيان المعروف بابن أبي الدنيا ( ت ٢٨١ هـ ).

٥٩٨ ـ ( الوابل الصيّب من الكلم الطيّب ) لمحمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي ابن قيم الجوزية ( ت ٧٥١ هـ ) ، تح سعيد محمود الطبعة الأولى نشر دار الجيل.

٥٩٩ ـ ( الوافي بالوفيات ) للصفدي ، طبعة بيروت سنة ١٤٢٠ هـ دار احياء التراث.

٦٠٠ ـ ( وفيات الاعيان في أنباء ابناء الزمان ) لأحمد بن محمد ابن خلكان ( ت ٦٨١ هـ ) ، طبعة بولاق ، تح إحسان عباس ، وبيروت في ترجمة يزيد بن زياد بن مفرغ ، وطبعة حجرية في إيران.


٦٠١ ـ ( وقعة صفين ) لنصر بن مزاحم المنقري ، تح عبد السلام هارون ، وطبعة حجرية الطبعة الثانية بمصر ١٣٨٢ هـ ،وطبعة الأولى بالقاهرة سنة ١٣٦٥ هـ.

٦٠٢ ـ ( اليقين باختصاص مولانا أمير المؤمنين عليّ بإمرة المؤمنين ) لعلي بن موسى بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) ، طبعة الحيدرية.

( ينابيع المودة لذوي القربى ) لسليمان بن إبراهيم القندوزي ( ت ١٢٩٤ هـ ) ، طبعة اسلامبول سنة ١٣٠٢ هـ ، وطبعة الحيدرية تقديم محمد مهدي الخرسان.


فهرس الجزء العاشر

تمهيد........................................................................ ٩

الفصل الخامس

مواقف ابن عباس مع أصحاب الفرق والمذاهب................................. ١٣

مع الخوارج................................................................. ١٧

أوّلاً : مع الخوارج من البداية إلى النهاية........................................ ١٩

ثانياً : محاورات ابن عباس مع الخوارج......................................... ٢٣

محاورة ابن عباس مع المحكمة في حروراء :...................................... ٢٥

( حديث ابن شداد مع عائشة )............................................... ٣٠

محاورة ابن عباس مع المحكّمة في الكوفة......................................... ٣٧

أ ـ بين يدي المحاورة :...................................................... ٣٧

ب ـ توثيق المحاورة :........................................................ ٣٨

ج ـ نص المحاورة :......................................................... ٤٠

فسينغضون إليك رؤوسهم.................................................... ٤٦

فأوّلهم : نافع بن الأزرق..................................................... ٥٤

( محاورات نافع مع ابن عباس )............................................... ٥٤

ثانياًً : مع نجدة بن عامر ـ عويمر ـ الحنفي رأس النجدات من الحرورية........... ٦٧

ثالثاً : مع عطية بن الأسود الحروري........................................... ٧١


رابعاً : مع زمعة بن خارجة الخارجي........................................... ٧٣

( أَعليّ أَعلم عندك أَم أَنا؟ ).................................................. ٧٨

( عقمت النساء أن يأتين بمثل عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).......... ٧٩

مواقف عقائدية مع بقية أصحاب المذاهب...................................... ٨٧

في علم الكلام............................................................... ٨٧

موقفه مع المجبّرة............................................................. ٨٩

( لا عقاب إلاّ بعد الفعل إلاّ في مكة )......................................... ٩٠

موقفه من القدرية............................................................ ٩١

كلامه في التوحيد.......................................................... ١٠٣

مواقفه مع النواصب........................................................ ١١٣

ابن عباس على ذلك من الشاهدين........................................... ١١٨

ابن عباس وقريش النواصب................................................. ١٢٣

( معاوية وريث الحقد القرشي والكفر الأموي )............................... ١٢٦

( كفر معاوية بشهادة المغيرة بن شعبة وغيره )................................. ١٢٩

( بدعة السبّ منتهى النُصب ).............................................. ١٣٥

( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )......................................... ١٤٤

أربعون حديثاً أَرويها وأُرويها :.............................................. ١٤٧

( إمتحان معاوية لشخصيات إسلامية في إعلان السبّ )....................... ١٥٤

( إمتحان عسير لغير البصير الخبير ).......................................... ١٥٨

ابن عباس يتصدى للتيار الأموي القرشي..................................... ١٦٧


تضليل الشجرة الملعونة بظِلالها وضَلالها في الآفاق.............................. ١٧٣

١ ـ مع رجل من أهل الشام............................................... ١٨٢

٢ ـ مع السائل عن آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم........................................ ١٨٢

٣ ـ الحمصي سفير أهل الشام إلى ابن عباس................................. ١٨٤

٤ ـ مع الأعرابي حديث الإسلام........................................... ١٩٠

٥ ـ حديثه مع تسعة رهط يفسدون في الأرض............................... ١٩٥

تعقيب على الحديث....................................................... ١٩٨

ماذا عن موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع قريش الشام في صُفّة زمزم؟................. ٢٠٤

( سؤال بعد سؤال؟ )...................................................... ٢٠٨

الفصل السادس

في أدعيته................................................................. ٢٤٣

ما روي عنه من الدعاء وآدابه............................................... ٢٤٥

آخر أدعيته............................................................... ٢٦٧

أدعية أيام شهر رمضان لكل يوم دعاء مخصوص............................... ٢٦٨

الفصل السابع

في كتبه وما ورد عنه من حكم الكلم القصار................................. ٢٧٥

في كتابه إلي الطغاة الحاكمين................................................ ٢٧٧

المبحث الأول في كتبه إلى الإمام أمير المؤمنين وإلى الإمام الحسن الزكي المجتبى عليهما‌السلام ٢٧٩

القسم الأوّل البحث الأوّل في كتبه إلي الإمام أمير المومنين عليه‌السلام وأولاده......... ٢٨٣


البحث الثاني في مجهول الموضوع............................................. ٢٨٩

البحث الثالث في كتب غير صحيحة النسبة.................................. ٢٩١

القسم الثاني ما كتب به إلى الإمام الحسن بعد شهادة أبيه عليهما‌السلام................ ٢٩٣

المبحث الثاني فيما دار بينه وبين الطغاة ومردة الحاكمين........................ ٣٠١

البحث الأوّل فيما دار بينه وبين الطغاة....................................... ٣٠٣

البحث الثاني في كتبه إلى يزيد وعبد الملك بن مروان وابن الزبير................. ٣٠٧

كتاب يزيد إلى ابن عباس في أمر الحسين عليه‌السلام وجوابه......................... ٣٠٧

جواب ابن عباس إلى يزيد :................................................. ٣٠٨

ما دار بينه وبين ابن الزبير من مكاتبة مغاضبة :................................ ٣٢٠

المبحث الثالث في رسائله إلى المجبّرة والخوارج وقيصر الروم..................... ٣٢٥

كتبه إلى الخوارج.......................................................... ٣٣٠

جواب كتاب رجل من الخوارج............................................. ٣٣٣

قياصرة الروم يكيدون المسلمين.............................................. ٣٤٠

معاوية يستنجده ثانياً فينجده................................................ ٣٤٣

كتاب قيصر ملك الروم إلى ابن عباس وجوابه................................. ٣٤٨

المبحث الرابع بعض أجوبة المسائل وفي معارف عامّة........................... ٣٤٩

المبحث الخامس قصار الكلم غزار الحكم..................................... ٣٦٥

نماذج من نصائحه تبعا لما مرّ :.............................................. ٣٧٠

المبحث السادس نماذج من كلماته القصار في الحكم والمواعظ والآداب........... ٣٧٥


حرف الألف.............................................................. ٣٧٧

حرف التاء................................................................ ٣٨٤

حرف الثاء................................................................ ٣٨٤

حرف الجيم............................................................... ٣٨٦

حرف الحاء............................................................... ٣٨٦

حرف الخاء............................................................... ٣٨٧

حرف الدال............................................................... ٣٨٨

حرف الذال............................................................... ٣٨٩

حرف الراء............................................................... ٣٨٩

حرف السين.............................................................. ٣٨٩

حرف الشين.............................................................. ٣٩٠

حرف الصاد.............................................................. ٣٩٠

حرف الضاد.............................................................. ٣٩١

حرف العين............................................................... ٣٩١

حرف الغين............................................................... ٣٩٤

حرف القاف.............................................................. ٣٩٥

حرف الكاف............................................................. ٣٩٦

حرف اللام............................................................... ٣٩٧

حرف الميم................................................................ ٤٠٤

حرف النون............................................................... ٤١٢


حرف الواو............................................................... ٤١٢

حرف الهاء................................................................ ٤١٣

حرف الياء................................................................ ٤١٤

الخاتمة.................................................................... ٤١٥

فهرس المصادر............................................................. ٤٢١

فهرس الجزء العاشر........................................................ ٤٧٥

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ١٠

المؤلف:
الصفحات: 480