المقدمة

ابن الأنبارى

هو (عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن مصعب بن أبى سعيد) كمال الدين أبو البركات بن الأنبارى (١) وقد اختلفت كتب الطبقات اختلافا يسيرا فى تسميته ، ولم يذكر جده الثانى (مصعب) إلا صاحب طبقات الشافعية الكبرى ، ويذكر القفطى جده (عبيد الله) والزيادة والنقص بعد ذلك تتصل بكنيته أو وصفه (٢).

كان مولده فى شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، وتوفى فى ليلة الجمعة تاسع شعبان من سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، ودفن يوم الجمعة بباب (أبرز) (٣) بتربة الشيخ أبى إسحاق الشيرازى (٤).

حياته :

لم تسعفنا المصادر بأخبار شافية عن ذلك الرجل الذى انتهت إليه زعامة العلم فى العراق ، وكان قبلة الأنظار بين أساتذة (النظامية) يرحل إليه العلماء من جميع

__________________

(١) طبقات الشافعية للسبكى.

(٢) (عبد الرحمن بن محمد بن أبى سعيد أبو البركات النحوى المعروف بابن الأنبارى) تاريخ الكامل. (عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبى سعيد الإمام أبو البركات كمال الدين الأنبارى) بغية الوعاة للسيوطى.

(أبو البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصارى الأنبارى) فوات الوفيات.

(أبو البركات عبد الرحمن بن أبى الوفاء محمد بن عبيد الله بن أبى سعيد الأنبارى ، الملقب كمال الدين) وفيات الأعيان.

(الكمال ابن الانبارى النحوى ، العبد الصالح أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الشافعى) شذرات الذهب.

(عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبى سعيد الأنبارى أبو البركات الملقب بالكمال النحوى) إنباه الرواة.

(٣) اسم المقبرة التى دفن فيها (باب أبرز) هى إحدى مقابر بغداد.

(٤) إنباه الرواة ١٧١ ـ ٢.

الأقطار ، وقد تخاطف الطلاب والأدباء تصانيفه ، وطولب بالتأليف فى مختلف علوم اللغة ، فلم يرد طلب المشتغلين عليه ، وألف لهم ، حتى ذاعت تصانيفه وانتشرت شهرته ، وكان خليقا بهذا العالم الفذ أن يكون له تاريخ حافل بالأخبار ، يحكى تفاصيل حياته ويروى دقائق طفولته وشبابه وكهولته.

ولعل القصور فى ذلك يرجع إلى أنه عاش حياة علمية خالصة فلم يختلط بحياة الناس العامة ، وعلى ذلك لم توجد له أخبار مثيرة ، وإن كان يشير بنفسه إلى اختلاطه حين يذكر بعض المسائل التى كان يحاج بها أساتذته ، منهم (الحواليقى وابن الشجرى).

وحين يشير إلى ردوده على بعض المسائل التى سئل عنها من أولاد الحليفة والتى ضمنها كتابه (المسائل الخرسانية). ومن أن المستضىء (١) حمل إليه خمسمائة دينار فردها فقيل له : «اجعلها لولدك» فقال : «إن كنت خلقته فأنا أرزقه (٢)».

وتروى المصادر أيضا أنه تزوج وله ولد ، وأنه أخذ العلم عن أبيه الذى لم تذكر المصادر أى شىء يدل على مكانة ذلك الوالد من الناحية الاجتماعية أو العلمية.

وهكذا تجمل الكتب حياته إجمالا عجيبا وتكاد المصادر تجمع على أقوال واحدة تتردد فيها جميعا ، ثم تذكر كتب التراجم أن له كتابا يسمى (تاريخ الأنبار (٣)) فإذا قيض لهذا الكتاب أن يظهر ، فإنى أعتقد أنه سوف يلقى ضوءا على حياة رجلنا وغيره من الرجال الذين ينتسبون لهذا البلد.

ومهما يكن من أمر ، فهو الفقيه المتفنن ، صاحب التصانيف المفيدة ، والورع والزهد ، كان إماما صدوقا فقيها مناظرا غزير العلم ورعا زاهدا تقيا عفيفا خشن

__________________

(١) الإمام المستضىء بأمر الله أمير المؤمنين أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد ... توفى ثانى ذى القعدة ٥٧٥ ه‍. تاريخ الكامل ١٨٧ ـ ١١.

(٢) شذرات الذهب ٣٥٩ ـ ٤.

(٣) الأنبار : بلدة على الضفة الشرقية للفرات على بعد عشرة فراسخ (نحو ٦٥ كم) غربى بغداد عامرة كثيرة النخيل والزروع والثمار الحسنة ، ولزمها هذا الاسم الفارسى ، لأن كسرى كان يتخذ فيها أنابير الطعام ، ومن كثرة مخازن الحنطة والشعير فيها ، والتاريخ يعرفها أول عاصمة لدولة بنى العباس ، فقد اتخذها أول خلفائهم أبو العباس السفاح مقرا له بعد الحيرة ، وبقيت كذلك أيام المنصور حتى بنى بغداد فانتقل إليها. انظر (الأنبار) فى معجم البلدان لياقوت ، وكتاب البلدان لليعقوبى ، ووفيات الأعيان ؛ ومفرد الأنبار (نبر) بكسر النون وسكون الباء.

العيش والملبس ، داخل الأندلس ، وقد ذكر ذلك ابن الزبير فى الصلة ، وكان من الأئمة المشار إليهم فى علوم النحو ، وسكن بغداد من صباه إلى أن مات ، وسمع بالأنبار عن أبيه وتفقه على مذهب الشافعى بالنظامية على ابن الرزاز ، وأعاد بها الدرس وقرأ اللغة على الشيخ أبى منصور موهوب بن الخضر الحواليقى ، وقرأ النحو على النقيب أبى السعادات بن الشجرى ، ولم يكن ينتمى فى النحو إلا إليه ، وبرع فى الأدب حتى صار شيخ وقته ، وصار شيخ العراق فى الأدب غير مدافع ، ودرّس فى المدرسة النظامية النحو مدة ، ثم انقطع فى منزله منشغلا بالعلم والعبادة ؛ وأقرأ الناس العلم على طريقة سديدة وسيرة جميلة من الورع والمجاهدة والنسك ، وترك الدنيا ومحاسنة أهلها ، واشتهرت تصانيفه وظهرت مؤلفاته وتردد الطلبة إليه واستفادوا منه ، وكان مقيما برباط له شرقى بغداد فى الخاتونية الخارجة (١).

قال الموفق عبد اللطيف : «لم أر فى العباد والمنقطعين أقوى فى طريقه ولا أصدق منه فى أسلوبه ، جد محض ، لا يعتريه تصنع ، ولا يعرف السرور ولا أحوال العالم ، وكان له من أبيه دار يسكنها ، ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار فى الشهر يقنع به ويشترى منه ورقا. وكان لا يوقد عليه ضوءا ، وتحته حصير قصب ، وعليه ثوب وعمامة من قطن يلبسهما يوم الجمعة ، فكان لا يخرج إلا للجمعة ، ويلبس فى بيته ثوبا خلقا ، وكان ممن قعد فى الخلوة عند الشيخ أبى النجيب (٢)».

قلت (٣) : «سمع الحديث عن أبى منصور بن محمد بن عبد الملك بن خيرون (٥٣٩ ه‍) ، وأبى البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطى (٥٣٨ ه‍) ، وأبى نصر أحمد بن نظام الملك (٥٦١ ه‍) وغيرهم ، وحدث باليسير ، روى عنه الحافظ أبى بكر الحازمى (٥٨٤ ه‍) ، وابن الديثنى وطائفة ، ومن تصانيفه فى المذهب (هداية الذاهب فى معرفة المذاهب ، وبداية البداية) وفى الأصول (الداعى إلى الإسلام فى أصول الكلام) والنور اللائح فى اعتقاد السلف الصالح ، واللباب ، وغير

__________________

(١) طبقات الشافعية ٢٤٨ ـ ٤ ـ بغية الوعاة ٣٠١.

(٢) عبد الله بن سعد بن الحسين بن القاسم بن علقمة بن معاذ بن عبد الرحمن الشيخ أبو النجيب السهروردى ، الصوفى الزاهد الفقيه الإمام الجليل أحد أئمة الطريقة ومشايخ الحقيقة ... روى عنه ابن عساكر وزين الأمناء أبو البركات وخلق ... توفى سنة ٥٦٣ ه‍ ـ طبقات الشافعية ٢٥٦ ـ ٣.

(٣) القائل : السبكى صاحب طبقات الشافعية.

ذلك ، وفى اللغة والنحو ما يزيد على الخمسين مصنفا ، وله شعر حسن (١) ذكروا أن له شعرا ، فروى له ابن شاكر الكتبى هذه المقطوعة :

العلم أوفى حلية ولباس

والعقل أوفى جنة الأكياس

كن طالبا للعلم تحى وإنما

جهل الغنى كالموت فى الأرماس

وصن العلوم عن المطامع كلها

لترى بأن العلم عز الباس

والعلم ثوب والعفاف طرازه

ومطامع الإنسان كالأدناس

والعلم نور يهتدى بضيائه

وبه يسود الناس فوق الناس (٢)

وأورد له القفطى مقطوعتين هذه إحداهما :

تدرع بجلباب القناعة والباس

وصنه عن الأطماع فى أكرم الناس

وكن راضيا بالله تحيا منعما

وتنجو من الضراء والبؤس والباس

فلا تنس ما أوصيته من وصية

أخى ، وأى الناس من ليس بالناس

وقد صور هذا الشعر حياة ابن الأنبارى العالم الزاهد المتصوف ، ولئن لم يعجبنا هذا الشعر من الناحية الفنية ، وهذا ملحظ على كل ما يصدر عن العلماء من شعر ، ولكن صدقه ودلالته القلبية واضحة.

إن كتب التراجم ، وواقع الكتب التى ألفها الأنبارى يشيران إلى براعته فى النحو ، فقد تخصص فيه وبرع فى سن مبكرة فى هذا العلم ، وذلك لأننا إذا رجعنا إلى تاريخ وفاة أساتذته فى اللغة والحديث والنحو ، نجد أن آخرهم وهو ابن الشجرى (توفى ٥٤٢ ه‍) ولم يتتلمذ على أحد بعده إلا على الشيخ أبى النجيب ، وكانت تلمذته عليه فى التصوف ، وتأثر به فى العبادة والزهد والانقطاع ، وعلى هذا يكون قد استوعب علم النحو وبرز فيه وهو بعد لم يتجاوز الثلاثين من عمره ، فقد ناظر وجادل أستاذيه الحواليقى وابن الشجرى كما أثبت ذلك فى ترجمته لهما فى كتابه (نزهة الألبا).

__________________

(١) طبقات الشافعية ٢٤٨ ـ ٤.

(٢) وفيات الأعيان ٣٢٠ ـ ٤ ـ وذكر صاحب الوفيات (ابن خلكان) أنه لقى جماعة من تلاميذه.

مذهبه النحوى :

المطلع على كتب ابن الأنبارى فى النحو ، لا يداخله شك فى انتماء الرجل إلى المذهب البصرى ، ولسنا فى مجال مناقشة السبب فى ذلك ، لأن ابن الأنبارى حين يتكلم عن أستاذه الشريف بن الشجرى يسلسل أساتذته السابقين وكل منهم بصرى معروف ، فيقول : «وكان الشريف بن الشجرى أنحى من رأينا من علماء العربية وآخر من شاهدنا من حذاقهم وأكابرهم ، وتوفى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، وعنه أخذت علم العربية ، وأخبرنى أنه أخذه عن ابن طباطبا ، وأخذه ابن طباطبا عن ابن عيسى الربعى عن أبى على الفارسى ، وأخذه أبو على عن أبى بكر بن السراج وأخذه ابن السراج عن أبى العباس المبرد ، وأخذه المبرد عن أبى عثمان المازنى وأبى عمر الجرمى ، وأخذه عن أبى الحسن الأخفش ، وأخذ الأخفش عن سيبويه وأخذه سيبويه عن الخليل بن أحمد ، وأخذه الخليل عن عيسى بن عمر ، وأخذه عيسى ابن عمر عن أبى إسحاق ، وأخذه ابن أبى إسحاق عن ميمون الأقرن عن عنبسة الفيل ، وأخذه عنبسة الفيل عن أبى الأسود ، وأخذه أبو الأسود الدؤلى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام» (١).

مذهبه الفقهى :

ولا جدال أيضا أنه شافعى المذهب فقد قرن اسمه (بالشافعى) والمدرسة التى تخرج فيها (النظامية) قامت لإحياء المذهب الشافعى ، ولا يتصدر للتعليم فيها إلا من نبغ من علماء هذا المذهب ، وقد أخلص لمذهبه ومدرسته لأنه درس فيها مدة طويلة وكانت أخصب أيام حياته فى التأليف ، فطالما صدّر كتبه بأنه ألفها حين طلب منه المشتغلون عليه بالمدرسة النظامية أن يؤلف لهم ، ووضع إنتاجه خدمة للعلم والمتعلمين ، ولكن الشيخ لم يستطع فى أخريات أيامه أن يصبر على قيود الوظيفة ، فاعتزلها وتفرغ لإكمال تآليفه ، ولعقد حلقات الوعظ والدرس ، واقترب اقترابا شديدا من التصوف وبخاصة بعد أن اتصل بالشيخ أبى النجيب الصوفى ، وإن أخلاقه وطبيعته لتحبب إليه هذا المذهب الصوفى ، فقد اشتهر فى حياته كلها بالورع والزهد.

رحلاته :

ليس هناك دليل قاطع على أن ابن الأنبارى غادر بغداد ، فلم يظهر أثر ذلك فى

__________________

(١) نزهة الألبا ٤٨٥.

كتاب من كتبه ، ولم يشر أية إشارة إلى ذلك فى تصانيفه ، وكان لا بد أن أشير إلى هذا الموضوع لأن السيوطى نقل عن ابن الزبير فى الصلة أنه رحل إلى الأندلس ، ومكث فيها مدة. ورد على ذلك ابن مكتوم ، فقال : «ذكر الحافظ المؤرخ أبو جعفر أحمد ابن إبراهيم الزبير الثقفى العاصمى فى تاريخه للأندلس الذى وصل به صلة أبى القاسم ابن بشكوال أن أبا البركات عبد الرحمن بن الأنبارى الملقب بالكمال هذا ، دخل الأندلس ووصل إلى أشبيلية وأقام بها زمانا. ولا أعلم أحدا ذكر ذلك غيره ، وهو مستغرب يحتاج إلى نظر ، والظاهر أنه سهو. والله أعلم».

ثقافته :

إن المطلع على ثبت الكتب التى ألفها ابن الأنبارى يعلم أن الرجل قد ألم بجميع الفنون العربية التى عرفت فى القرن السادس الهجرى ، ولقد كان لسمة العصر ووجود المدارس أثر ظاهر فى ذلك. لأن علماء ذلك العصر كانوا يتنقلون فى مرحلة التعليم بين حلقات الدرس ويختلفون إلى العلماء الذين يتصدرون للتدريس فى كل موضوع ، فيأخذون أطرافا من علوم العربية وعلوم الفقه وغير ذلك ، وهكذا فعل ابن الأنبارى ، فإنه جلس إلى العلماء واستمع منهم ، وأعجب بهم وأخذ عنهم ، وأثرّ فيه أحدهم تأثيرا كبيرا جعله يتخصص فى مادة النحو ، ذلك العالم هو ابن الشجرى الذى ترجم له واعترف بفضله وبتأثيره عليه ، ولقد ظهرت هذه النتيجة واضحة جلية فى كتبه وبخاصة المطول منها ، وهى نحوية خالصة. وكثير من رسائله التى أشار إليها فى كتبه وذكر أسماءها ، وكذلك الرسائل التى ذكرتها كتب التراجم ، فهى جميعا يغلب عليها صفة النحو ، ولا يخفى أنه نسب إلى النحو ، فقيل النحوى (كما ذكرنا ذلك فى تسمياته فى أول البحث) وهكذا برع وظهرت مواهبه فى ذلك الفن حتى استوعبه حفظا وفهما ، وساعده على ذلك ما امتاز به من عقلية رياضية ساعدته على فهم المناظرات والحدال النحوى ، حتى أسهم فى ذلك حين كان يناقش أستاذيه الحواليقى وابن الشجرى.

حقا لم يضع ابن الأنبارى نحوا جديدا ، وما كان ذلك يصعب عليه لو نشده ، والذين ألفوا فى النحو بعد سيبويه لم يخرجوا عن النطاق المضروب ، ولم يبتدعوا قواعد جديدة ، ولكن ابن الأنبارى ألف فى النحو بطريقة خاصة ، أخذ المادة القديمة وبناها بناءا جديدا ، وألبسها ثوبا عجيبا جميلا لم يشهده الناس من قبل ، لذلك كان له من عبقريته وذكائه وعقليته خير معين فى ابتكار علم جديد هو (علم أصول النحو) ،

كذلك وضع طريقة واضحة ومبادئ فى أدب المناظرة والحدل فى كتابه (الإغراب فى جدل الإعراب).

مؤلفاته :

كانت الحقبة التى عمل فيها مدرسا بالنظامية من أخصب الحقب إنتاجا فى حياته ، ففيها ألف أول كتاب فى نوعه ، وهو كتاب (الإنصاف فى مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين) وقد ألفه لكبار المشتغلين عليه ، جمع فيه جل مسائل الخلاف ، وصورها على نمط جديد فى التأليف لم يألفه الناس من قبل ، فراج ذلك الكتاب وشغف به المتعلمون وكثر الانتفاع به ، وقد أثبت ذلك فى مقدمة الكتاب إذ قال : «وبعد فإن جماعة من الفقهاء المتأدبين والأدباء المتفقهين المشتغلين علىّ بعلم العربية بالمدرسة النظامية ـ عمر الله مبانيها ورحم بانيها ـ سألونى أن ألخص لهم كتابا لطيفا يشتمل على مشاهير المسائل الخلافية بين نحويى البصرة والكوفة على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعى وأبى حنيفة ، ليكون أول كتاب صنف فى علم العربية على هذا الترتيب ، وألف على هذا الأسلوب ، لأنه ترتيب لم يصنف عليه أحد من الخلف ، فتوخيت إجابتهم على وفق مسألتهم ، وتحرّيت إسعافهم لتحقيق طلبتهم ، وفتحت فى ذلك الطريق ، ذكرت من مذهب كل فريق ما اعتمد عليه أهل التحقيق واعتمدت فى النصرة على ما أذهب إليه من مذهب أهل الكوفة أو البصرة على سبيل الإنصاف لا التعصب والإسراف» (١).

وألف الشيخ كتابا آخر فى النحو ، سار فى ترتيبه على النمط المعروف ، فبوّب النحو فى صورة أسئلة يلقيها ويجيب عليها ، ولكنه اتّبع منهجه الخاص به الفريد فى نوعه ، حيث أخذ يعلل الظواهر النحوية ويبين وجوه الخلاف ويلخصها تلخيصا موجزا لا يمل منه القارئ. ثم يحيل التفصيل فى الخلاف على كتابه (الإنصاف).

لقد تعمق ابن الأنبارى فى فلسفة النحو فى (الإنصاف) ، وقرب هذه الفلسفة للأذهان ووضحها فى (أسرار العربية) متوخيا التسهيل والإيجاز ، يقول فى مقدمة أسرار العربية :

«وبعد فقد ذكرت فى هذا الكتاب الموسوم (بأسرار العربية) كثيرا من مذاهب النحويين المتقدمين والمتأخرين من البصريين والكوفيين وصحّحت ما ذهبت إليه منها

__________________

(١) مقدمة الإنصاف ٣ ـ ١.

بما يحصل به شفاء الغليل ، وأوضحت فساد ما عداه بواضح التعليل ، ورجعت فى ذلك كله إلى الدليل ، وأعفيته من الإسهاب والتطويل ، وسهلته على المتعلم غاية التسهيل» (١).

ثم وجد ابن الأنبارى أن فن المناظرة والجدال والمحاورة يسم ذلك العصر ، فقد شغف به المتعلمون والفقهاء والمتأدبون ، وبرعوا فى هذا فيما يتصل بأصول الفقه والنحو ، فالتمسوا من الأستاذ الذى انتهت إليه زعامة الأدب والنحو فى بغداد أن يضع لهم قوانين يسيرون عليها حين يتجادلون ، وقواعد يتبعونها حين يتناظرون ، على أن تقوم هذه القواعد على أسس سليمة وقواعد متينة لا يحيدون عنها حتى لا يصبح الجدال العلمى مجرد ترّهات وأباطيل ، ويسلك المناظر سبيل الخطأ لمجرد المناقشة ، فيؤلف ابن الأنبارى لهم كتاب (الإغراب فى جدل الإعراب) وفى مقدمته يبين الغرض منه ويشرح المقصود من تأليفه فيقول : «وبعد ، فإن جماعة من الأصحاب اقتضونى بعد تلخيص كتاب (الإنصاف فى مسائل الخلاف) تلخيص كتاب فى جدل الإعراب مسعرّى عن الإسهاب ، مجردا عن الإطناب ، ليكون أول ما صنف لهذه الصناعة فى قوانين الجدل والآداب ، ليسلكوا به عند المجادلة والمحاورة والمناظرة سبيل الحق والصواب ، ويتأدبوا به عند المحاورة والمذاكرة والمضاجرة فى الخطاب. فأجبتهم على وفق طلبتهم ، طلبا للثواب ، وفصّلته اثنى عشر فصلا على غاية من الاختصار تقريبا على الطلاب فالله تعالى ينفع به إنه كريم وهاب» (٢).

ويخرج لنا بعد ذلك كتابه فى (علم أصول النحو) ولم يكتب له مقدمة تبين الغرض منه ولكنه أشار إليه فى كتابه (نزهة الألبا) حيث قال : «إن علوم الأدب ثمانية : النحو واللغة والتصريف والعروض والقوافى وصنعة الشعر وأخبار العرب وأنسابهم. وألحقنا بالعلوم الثمانية علمين وضعناهما وهما : الجدل فى النحو ، وعلم أصول النحو ، فيعرف به القياس وتركيبه وأقسامه من قياس العلة وقياس الشبه وقياس الطرد إلى غير ذلك على حد أصول الفقه ، فإن بينهما من المناسبة ما لا يخفى لأن النحو معقول من منقول كما أن الفقه معقول من منقول» (٣).

وهكذا حقق ابن الأنبارى الأمنية التى طالما داعبت أذهان علماء النحو من القديم.

__________________

(١) مقدمة أسرار العربية ٢.

(٢) الإغراب فى جدل الإعراب ٣٥.

(٣) نزهة الألبا ١١٧.

أما مؤلفه (نزهة الألبا فى طبقات الأدبا) فهو كتاب صغير الحجم ولكنه جمع فيه تراجم المتقدمين والمتأخرين ، فى تركيز عجيب يفيد الطالب والأستاذ معا ، مع صفاء الأسلوب وتحقيق الأخبار وسرعة الإدراك لخصائص الرجال.

وأخيرا يؤلف لنا الأستاذ الشيخ كتابه الجامع الذى تعرض فيه إلى إعراب غريب القرآن الكريم ، والذى اعتقد أنه ختم به مؤلفاته وبخاصة المطول منها وهو الكتاب الذى حققناه. وقد جمعنا أسماء مؤلفاته من كتب التراجم ، فزاد عددها على السبعين ، وفى اعتقادى أن معظمها رسائل صغيرة. وهاك أسماء كتبه مرتبة حسب الحروف.

١ ـ «الاختصار فى الكلام على ألفاظ تدور بين النظار».

٢ ـ «أخف الأوزان».

٣ ـ «أسرار العربية» طبع فى ليدن ١٨٨٦ م ، ١٣٠٣ ه‍ ـ وطبع فى دمشق مطبعة الترقى ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م. أشار إليه المؤلف فى (البيان).

٤ ـ «الأسمى فى شرح الأسماء» هكذا فى (الوافى) للصفدى ـ وفى الوافى بالوفيات (الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى). وذكره فى (أسرار العربية) ص ٤٦ باسم (الأسماء فى شرح الأسماء). وورد فى (البيان) لفظ (الأسمى).

٥ ـ «أصول الفصول فى التصوف».

٦ ـ «الأضداد».

٧ ـ «الإغراب فى جدل الإعراب» حققه الأستاذ سعيد الأفغانى ، وطبع بمطبعة الجامعة السورية ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م ـ وأشار إليه مؤلفه فى كتابه (نزهة الألبا) ص ١١٧ باسم علم الجدل. وجاء فى (الوافى) باسم (الإغراب فى علم الإعراب).

٨ ـ «الإنصاف فى مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين» طبع فى ليدن ١٩١٣ م. وطبع بمصر ١٣٦٤ ه‍ ـ ١٩٤٥ م ـ وأشار إليه المؤلف فى (أسرار العربية) فى ثمانية مواضع. وفى (البيان) فى ثلاثين موضعا.

٩ ـ «بداية الهداية» فى المذهب ، طبقات الشافعية ٢٤٨ / ٤ ، ويعنى بالمذهب (علم الأصول).

١٠ ـ «البلغة فى أساليب اللغة».

١١ ـ «البلغة فى الفرق بين المذكر والمؤنث».

١٢ ـ «البيان فى جمع أفعل أخف الأوزان» هكذا فى أكثر المصادر. ولكن السيوطى جعل كلا من (أخف الأوزان) و (البيان فى جمع أفعل) كتابا مستقلا.

١٣ ـ «تاريخ الأنبار» الذى نود الوقوع عليه ليجلى لنا تاريخ بلد أخرج علماء ينتسبون إليه :

١٤ ـ «تصرفات لو». وجاء فى (الوافى) باسم (كتاب لو). ويقول المؤلف فى (البيان) : «وقد أفردنا فى (لو) كتابا».

١٥ ـ «تفسير غريب المقامات الحريرية».

١٦ ـ «التفريد فى كلمة التوحيد».

١٧ ـ «التنقيح فى مسلك الترجيح» (فى الخلاف) زيادة فى كشف الظنون : وورد باسم (مسلك التنقيح فى مسألة الترجيح) و (التنقيح فى مسألة الترجيح). وقال المؤلف فى البيان فى ثنايا كلامه عن الخلاف الفقهى : «وقد بينا ذلك مستوفى فى كتابنا الموسوم (بالتنقيح فى مسائل الترجيح بين الشافعى وأبى حنيفة) رحمة الله عليهما».

١٨ ـ «جلاء الأوهام وجلاء الأفهام فى متعلق الظرف فى قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) ويقول عنه فى البيان : «ليلة منصوب على الظرف بأحل ، وقد أفردنا فى ذلك كتابا».

١٩ ـ «الجمل فى علم الجدل».

٢٠ ـ «الجوهرة فى نسب النبى وأصحابه العشرة».

٢١ ـ «الحض على تعلم العربية».

٢٢ ـ «حلية العقود فى الفرق بين المقصور والممدود».

٢٣ ـ «حواشى الإيضاح».

٢٥ ـ «الداعى إلى الإسلام فى علم الكلام» فى الأصول.

٢٦ ـ «ديوان اللغة».

٢٧ ـ «رتبة الإنسانية فى المسائل الخرسانية».

٢٨ ـ «الزهرة» فى اللغة.

٢٩ ـ «زينة الفضلاء فى الفرق بين الضاد والظاء».

٣٠ ـ «شرح الحماسة»

٣١ ـ «شرح ديوان المتبنى».

٣٢ ـ «شرح السبع الطوال». جاء فى (أسرار العربية) ص ٣٠٣ : «وقد ذكرنا ذلك فى كتابنا الموسوم بالمرتجل فى شرح السبع الطوال».

٣٣ ـ «شرح المقبوض فى العروض».

٣٤ ـ «شرح مقصورة ابن دريد». يقول المؤلف فى (البيان) : «وقد بيناها فى كتاب الإشارة فى شرح المقصورة».

٣٥ ـ «شفاء السائل فى بيان رتبة الفاعل» وذكره فى البيان باسم (شفاء السائل عن رتبة الفاعل) فى موضع ، وفى آخر باسم (شفاء السائل فى بيان رتبة الفاعل).

٣٦ ـ «عقود الإعراب».

٣٧ ـ «عمدة الأدباء فى معرفة ما يكتب بالألف والياء» أهملته كتب التراجم ، وذكره صاحب (قاموس الأعلام) محيلا على (بغية الوغاة) و (وفيات الأعيان) و (فوات الوفيات) وهو ليس فيها جميعا. وذكره صاحب كشف الظنون وقال : «أوله الحمد لله على توالى الآلاء ...».

٣٨ ـ «غريب إعراب القرآن» (هكذا فى جميع كتب التراجم ، وصحته (البيان فى غريب إعراب القرآن).

٣٩ ـ «الفائق فى أسماء المائق» يقول المؤلف فى (نزهة الألبا) ص ٣٨ : «واللغوب الأحمق ، وله أسماء كثيرة ذكرناها مستوفاة فى كتابنا الموسوم بالفائق فى أسماء المائق».

٤٠ ـ «الفصول فى معرفة الأصول» فى النحو ، وذكر فيه أوضاع الأصول المشابهة لأصول الفقه ، وذكره فى (الإغراب) ص ١٤.

٤١ ـ «فعلت وأفعلت».

٤٢ ـ «قبسة الأديب فى أسماء الذيب» يقول فى البيان : «والهملع الذئب ، وقد أفردنا فى أسمائه كتابا».

٤٣ ـ «قبسة الطالب فى شرح خطبة أدب الكاتب».

٤٤ ـ «كتاب الألف واللام» ورد الاسم فى (أسرار العربية) ص ٣٤٥ ، ٤٠١ ـ وفى (البيان).

٤٥ ـ «كتاب حيص بيص». الحيص بيص : معناهما الشدة والاختلاط ، وقد لقب بهما الشاعر سعد بن محمد بن سعد بن صيفى (ت ٥٥٤ ه‍) «كان يلقب بالحيص بيص ... قيل : إنه رأى الناس فى شدة وحركة ، فقال : ما للناس فى حيص بيص ، فلزمه ذلك لقبا ...» قال بعضهم : كان صدرا فى كل علم ، مناظرا محجاجا ، ينصر مذهب الجمهور ، ويتكلم فى مسائل الخلاف ، فصيحا بليغا ، يتبادى فى لغته ، ويلبس زى أمراء العرب ، ويتقلد بسيفين ، ويعقد القاف ، وله ديوان شعر مشهور» طبقات الشافعية ٢٢١ / ٤ ـ تاريخ الكامل ١٨٥ / ١١.

٤٦ ـ «كتاب فى يعفون» وفى البغية (معفون). ويقول المؤلف فى البيان : «وقد أفردنا فى الكلام على (يعفون) كتابا».

٤٧ ـ «كتاب كلا وكلتا».

٤٨ ـ «كتاب كيف» وجاء فى البيان : «وفى (كيف) كلام طويل ، وقد أفردنا فيه كتابا».

٤٩ ـ «كتاب لو». يقول فى البيان : «وقد أفردنا فى (لو) كتابا» ، وجاء فى بغية الوعاة (تصرفات لو).

٥٠ ـ «كتاب ما» يقول المؤلف فى البيان : «وما تأتى فى كلامهم على وجوه كثيرة ، وقد أفردنا فيها كتابا».

٥١ ـ «اللباب المختصر». وفى بغية الوعاة (اللباب. المختصر). وفى الوافى (اللباب) (المختصر) وكأنهما كتابان.

٥٢ ـ «لمع الأدلة» فى أصول النحو. حققه الأستاذ سعيد الأفغانى مع كتاب (الإغراب فى جدل الإعراب) فى مجلد واحد. مطبعة الجامعة السورية ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م.

٥٣ ـ «اللمعة فى صنعة الشعر» رسالة حققها الأستاذ السيد عبد الهادى هاشم.

وقد بلغ مع المقدمة بضع عشرة صفحة. ونشرت فى مجلة المجمع العلمى بدمشق (م. ٣٠ ص ٥٩٠ ـ ٦٠٧).

٥٤ ـ «المرتجل فى إبطال تعريف الجمل».

٥٥ ـ «مسألة دخول الشرط على الشرط».

٥٦ ـ «المعتبر فى الفرق بين الوصف والخبر».

٥٧ ـ «مفتاح المذاكرة».

٥٨ ـ «المقبوض فى علم العروض».

٥٩ ـ «مقترح السائل فى (ويل أمه)».

٦٠ ـ «منثور العقود فى تجريد الحدود». جاء فى بغية الوعاة (منشور).

٦١ ـ «منثور الفوائد».

٦٢ ـ «الموجز فى القوافى» الرسالة الثانية التى نشرها الأستاذ عبد الهادى هاشم.

فى ثمانى صفحات. مجلة المجمع العلمى بدمشق (م ٣١ ص ٤٨).

٦٣ ـ «ميزان العربية». جاء فى شذرات الذهب ص ٢٥٨ / ٤ (كتاب الميزان فى النحو).

٦٤ ـ «نجدة السؤّال فى عمدة السؤال» هكذا فى كتب التراجم. يقول المؤلف فى البيان : «وقد بينا ذلك مستوفى فى كتابنا الموسوم ب (عدة السؤال فى عمدة السؤال)».

٦٥ ـ «نزهة الألبا فى طبقات الأدبا» مطبوع بمصر ١٢٩٤ ه‍.

٦٦ ـ «نسمة العبير فى التعبير».

٦٧ ـ «نغبة الوارد» جاء فى بغية الوعاة باسم (بغية الوارد).

٦٨ ـ «نقد الوقت».

٦٩ ـ «نكت المجالس» فى الوعظ.

٧٠ ـ «النوادر».

٧١ ـ «النور اللائح فى اعتقاد السلف الصالح» فى الأصول.

٧٢ ـ «الوجيز» فى التصريف. يقول فى البيان : «وكتاب الوجيز فى علم التصريف».

٧٣ ـ «هداية الذاهب فى معرفة المذاهب» فى المذهب.

كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن

عرف هذا الكتاب فى كتب التراجم باسم : غريب إعراب القرآن ـ أو ـ إعراب القرآن. وذكر حاجى خليفة فى (كشف الظنون) أن لابن الأنبارى كتابا سماه (البيان). ثم جاء القول الفصل فى هذا بعد عثورى على النص المخطوط الذى حققته وقدمت له بدراسة وافية. والذى وجدت بأوله : «كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن ، تأليف الإمام العلم الأوحد الزاهد أبى البركات عبد الرحمن بن أبى سعيد الأنبارى النحوى».

وقدم المؤلف لكتابه مقدمة موجزة قال فيها : «فقد لخصت فى هذا المختصر غريب إعراب القرآن على غاية من البيان توخيا للتفهيم لعل الله ينفع به إنه هو البر الرحيم».

وهذه أبرز السمات التى توضح لنا منهج ابن الأنبارى فى كتابه :

١ ـ كتاب (البيان) خالص فى إعراب القرآن الكريم ، مبين للوجوه المحتملة فى إعراب كثير من كلمات الآيات ، ولكنه لا يخلط شرحه النحوى بأى شرح معنوى أو بلاغى إلا فى النادر ، ثم هو يتتبع إعراب الكلمات التى تعددت الآراء فيها ، ولذلك نراه يتنقل بين الآيات على حسب ترتيبها منتقيا ما يحتاج إلى إعراب ، تاركا إعراب ما لا يحتاج إلى إعمال فكر ، ولم تختلف فيه الآراء.

٢ ـ يبدو أن كتاب (البيان) هو آخر كتب ابن الأنبارى التى ألفها ، وعلى وجه من التوكيد هو آخر المطولات من تآليفه ، وذلك لأنه :

أولا : رجع فى كثير من مسائله إلى كتابه المشهور (الإنصاف) فقد أحال عليه كثيرا من شرح الخلافات النحوية التى تحتاج إلى إسهاب وإطناب. وقد أورد اسم (الإنصاف) فى أكثر من ثلاثين موضعا فى (البيان). كذلك أحال الكثير من المسائل على (أسرار العربية) ويمكننا بعد هذا أن نرتب هذه المطولات حسب اعتماد اللاحق على السابق ، فنجد أن الإنصاف أسبقها ، ثم الأسرار ، ثم البيان.

ثانيا : جاء فى أول ورقة من (البيان) : «قرأ علىّ كتاب البيان فى غريب

إعراب القرآن العالم الفاضل ضياء الدين أبو الفتح عبد الوهاب ... (١) بن العينى نفعه الله بالعلم ، قراءة تصحيح وتهذيب ودراية ، وذلك فى سنة سبع وسبعين وخمسمائة» وهى السنة التى توفى فيها ابن الأنبارى بغير خلاف ، ويغلب على ظنى أن الذى قرئ عليه الكتاب هو ابن الأنبارى نفسه فى آخر أيامه فى الحياة.

٣ ـ كتاب (البيان) هو الصورة الأخيرة التى أودع فيها ابن الأنبارى خبرته النحوية ، كما كان سجلا للكتب والرسائل النحوية التى ألفها ، وذلك حين أحال الإفاضة فى المسائل على هذه الكتب التى أثبت منها أربعة عشر كتابا.

٤ ـ على الرغم من أن السمة الغالبة على الكتاب هى العناية بالناحية النحوية الخالصة ، إلا أنه استعان أحيانا بالتفسير ليوضح المعنى ويثبت صحة الإعراب الذى يفضله وفساد الإعراب الذى لا يساير المعنى الصحيح ، ويمكن أن نرجع فى ذلك إلى إعرابه لقوله تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ)(٢) وفى إعراب قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٣) وفى إعراب قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ)(٤).

٥ ـ كما نلمح علمه بالفقه ، وبخاصة الفقه الشافعى الذى تفقه فنه فى النظامية ، وإلى ذلك يشير عند ما يتكلم عن ـ قوله تعالى : (حَتَّى يَطْهُرْنَ)(٥).

٦ ـ ويتبع ابن الأنبارى القراءات ، ويذكرها مفصلة ثم يعود فيوجه كل قراءة التوجيه النحوى المعترف به ، «فالقراءة سنّة متبعة». على حد قوله وإن خرجت عن القياس ، فكلمة (استحوذ) مستعملة متداولة ، والقياس فيها (استحاذ) ، فإن شئت مثالا فارجع إلى إعرابه قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(٦) و (جَعَلْنا لَكُمْ فِيها) معايش» (٧).

٧ ـ ومع أن الكلمة قد أخذت صورة واحدة فى النطق ، إلا أنها قد تقع مواقع

__________________

(١) بياض فى الأصل.

(٢) البقرة ٢١٧.

(٣) البقرة ٤٨.

(٤) البقرة ٨٨.

(٥) البقرة ٢٢٢.

(٦) البقرة ٨٣.

(٧) الأعراف ١٠.

نحوية مختلفة ولا يغير ذلك من شكلها ، لذلك يذكر المؤلف مواقع إعراب الكلمة ، ثم يعود موجها كل موقع ، رادا العجز على الصدر ، وارجع فى ذلك إلى إعرابه قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ، وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ)(١).

٨ ـ والقرآن الكريم هو المادة العربية الأولى التى يعتمد عليها ابن الأنبارى فى الاستشهاد والتمثيل لأقواله ، وهذا أمر طبيعى لأن القرآن هو مدار الدراسات العربية جميعا ، لذلك نرى المؤلف يستشهد به كثيرا ويمثل بآياته فى مجال تأييد صحة إعرابه لآية من الآيات.

٩ ـ وكان لاهتمامه بالخلاف النحوى أثر واضح ظاهر فى كتابه ، فهو يذكر وجوه الخلاف فى إيجاز فى كتابه (البيان) ولكنه إيجاز لا يخل ، ثم يحيل التطويل والإسهاب على كتابه (الإنصاف) وإن شئت مثالا لذلك ، فاقرأ إعرابه قوله تعالى : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ)(٢).

١٠ ـ استشهد ابن الأنبارى بشواهد كثيرة من الشعر ، ولم يسندها لأصحابها إلا فى القليل النادر ، ولذلك تتبعت هذه الشواهد فى مواطنها من كتب النحو والدواوين وأسندتها إلى أصحابها.

١١ ـ ضمن ابن الأنبارى كتابه كثيرا من القواعد النحوية العامة فيذكرها للمراجعة والتذكير ، ونرى مثالا لذلك فى إعرابه قوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ)(٣) فإنه يبين إعراب (ما) ويذكر حالاتها المتعددة.

١٢ ـ جاء كتاب (البيان) متأخرا ، لذلك نرى ابن الأنبارى قد بلور فيه تجاربه ومعلوماته النحوية كما جمع فيه آراءه المتقدمة بإشارات سريعة ، ثم إنه نقل نصوصا من كتبه السابقة وبخاصة (الإنصاف) و (أسرار العربية) ، ومن التطويل أن أذكر النص فى (البيان) وما يقابله فى كتاب سابق ، ولكن يمكن العودة إلى قوله فى إعراب (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)(٤) ونرى كيف عالج كلمة (خطاياكم) ثم نقارن ذلك بما جاء فى

__________________

(١) البقرة ١٠٢.

(٢) البقرة ٨٥.

(٣) المائدة ١.

(٤) البقرة ٥٨.

(الإنصاف) فى المسألة السادسة عشرة بعد المائة (١) ، ثم ما جاء فى (أسرار العربية) (٢). وسنجد بعد المقارنة كيف نقل من كتبه السابقة نقلا مباشرا ، وهذا ما جعلنا نجزم بتأخر تأليف (البيان) ، وأنه جاء خلاصة أفكاره التى طبقها على إعراب القرآن الكريم.

وبعد ، فلعل فى هذه العجالة ما يبين السمات الدالة على منهج الشيخ فى كتابه ، وكيف تناول موضوع إعراب غريب القرآن ، وكيف ضمنه معلوماته النحوية ، كما أظهر فيه درايته وعلو كعبه فى التفسير والفقه وسائر فروع اللغة العربية.

أما عن أسلوبه ، فقد تفرد بأسلوب واضح غاية الوضوح ، حيث أدّب النحو وأضفى عليه سهولة محببة ، تستهوى القارئ الذى لا يسيطر عليه ملل ولا سأم حين يقرأ له ، فهو يعرض نحوه عرضا يتوخى فيه التسهيل ، ويعمد إلى الترتيب والتنظيم.

وإن اتسم أسلوب ابن الأنبارى بالرياضة المنطقية فى كتبه جميعا فهذا فى بيانه أظهر وأوضح حيث تجده يرتب النتائج على الأسباب ولا يترك احتمالا أو شكّا إلا وضحه وبيّنه وفسره ، وقدّم كل ما قيل فيه ، ويذكر وجهات النظر المختلفة المتعددة ، ثم يتتبعها وجها وجها فى ترتيب مريح ، ذاكرا كل ما قيل من آراء ، ثم تتدخل شخصيته فنراه يؤيد وجهة نظر ويبعد أخرى ، أو يعطى رأيه الخاص ، كل ذلك يقدمه مدعما بالدليل النقلى والعقلى.

__________________

(١) الإنصاف ٢٧٤ ـ ٢.

(٢) أسرار العربية ٥.

خطة النشر

اعتمدت فى تحقيق كتاب (البيان فى غريب إعراب القرآن) على مخطوطتين ، ورمزت لهما بالرمزين (ا ، ب) كما استعنت بكتب التفسير وبخاصة ما اهتم منها بالناحية اللغوية والنحوية ، وكذلك استعنت بكتب النحو المختلفة ، وبكل المراجع التى أثبتها والتى تخدم الموضوع. وهذا وصف المخطوطتين.

المخطوطة أ :

وهى المخطوطة الكاملة التى اعتبرتها أمّا ، واعتمدت عليها ، ثم راجعت ما عملته على المخطوطة الثانية (ب). والأولى مصورة بالجامعة العربية. وهذه أهم الملاحظات عليها :

١ ـ الصفحة ١ / ١ من الورقة الأولى خالية إلا ما مما يأتى (٢٤٠ ق ٢٣ س) وهذا يعنى أن عدد ورقات الكتاب ٢٤٠ ورقة وعدد الأسطر فى الصفحة ٢٣ سطرا ، ثم كتابة بخط فارسى غير معجم وهى : (من كتب الفقير السيد فيض الله المفتى فى السلطنة العلية العثمانية عفى عنه) ثم إمضاء (فيض الله) وتحت ذلك خاتم واضح بخط نسخ فيه (وقف شيخ الإسلام السيد فيض الله افندى غفر الله له ولوالديه ، بشرط ألا يخرج من المدرسة التى أنشأها بقسطنطينية سنة ١١١٣) ثم رقم المخطوط فى مكتبة فيض الله (٢١٢).

٢ ـ الصفحة المقابلة ٢ / ١ كلام مطموس معظمه وقد استخلصت منه الكلمات الآتية :

(... هذا سكن ببغداد من صباه .. بن الشجرى وغيره .. على أبى منصور الجواليقى .. فى الأدب .. وفن وله شعر ، وكان مولده سنة .. وخمسمائة وتوفى سنة سبع وسبعين وخمسمائة) وواضح أن هذه ترجمة موجزة لحياة ابن الأنبارى ، وتحت هذا جملتان غير واضحتين ، ويبدو أن ناسخا واحدا كتب هذا.

٣ ـ بعد هذا وفى نفس الصفحة عنوان الكتاب بخط نسخ كبير ، على النحو التالى :

كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن

تأليف الإمام العالم الأوحد الزاهد أبى البركات عبد الرحمن بن أبى سعيد الأنبارى النحوى قرأ علىّ كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن الولد العالم الفاضل ضياء الدين أبو الفتح عبد الوهاب ... بن عبد الله نفعه بالعلم قراءة تصحيح وتهذيب ودراية وذلك فى سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، وكتب الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن بن محمد ابن أبى سعيد الأنبارى حامدا الله تعالى ومصليا على نبيه محمد وآله ومسلما ، وصار ملكا للشيخ الإمام العالم الأوحد المحقق سيد القراء .. (بعد ذلك سطران غير واضحين).

ملاحظات عامة :

١ ـ كتب الناسخ عناوين السور فى سياق النص وبين الكلمات فى السطر ، وبخط نسخ يكبر عن خط باقى النص.

٢ ـ فى أعلا الورقة الثانية كلمة (وقف) صورت بشكل ملأ السطر الأول.

٣ ـ عرض الكتابة فى الصفحة يتراوح بين ٥ ، ١٠ سم ، و ١١ سم ـ وطولها ١٥ سم. وعدد أسطرها ٢٣ سطرا.

٤ ـ المخطوطة (أ) غير مجزّأة ـ المخطوطة (ب) مكونة من جزءين.

٥ ـ اللحق كثير فى هذه النسخة ، وهو أن يغفل الناسخ عن جزء من النص ثم يشير إلى مكانه بخط صغير ويثبت ماسها عنه فى الهامش.

٦ ـ الخط نسخ جميل معجم مشكول وإن بدا الإعجام والشكل غريبين فى بعض المواطن.

٧ ـ فى إعراب (غريب سورة الحن) كرر الناسخ سبعة أسطر ونصف سطر ، حيث أعادها من ص ٢٢٣ ـ ١ ، ٢٢٣ ـ ٢ بخط جديد ونظام جديد ، فنجد عناوين السور مكتوبة على سطر بمفردها ، وطول الكتابة فى الصفحة ١٢ سم وعرضها ٥ ، ٩ سم وعدد الأسطر ٢١ سطرا. وهكذا سار النظام حتى آخر المخطوطة. وهذا يدل على أن هذا الجزء أعيدت كتابته بعناية وفى وقت متأخر عن وقت النسخ الأول.

٨ ـ فى أعلا الصفحة الأخيرة كلمة (وقف) كالصفحة الأولى ، وفى نهاية الصفحة الأخيرة :

(تم الكتاب والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين).

٩ ـ بلغ عدد ورقات الكتاب ٢٤٤ ورقة برغم أنه أثبت فى أنه ٢٤٠ ورقة ، وقد حدث هذا فى اعتقادى من إعادة كتابة الورقات الأخيرة بخط ونظام جديدين.

وصف المخطوطة (ب):

١ ـ هذه المخطوطة من محفوظات دار الكتب المصرية تحت رقم ٦٤٤ تفسير.

٢ ـ سقطت الأوراق الأولى من الكتاب وهى تشمل المقدمة وفيها جزء من (غريب إعراب سورة الفاتحة) وكتب عنوان الكتاب بقلم من الرصاص كما يلى : (البيان فى غريب إعراب القرآن للأنبارى).

٣ ـ خط المخطوطة نسخ معجم مشكول.

٤ ـ طول الكتابة فى الصفحة ١٨ سم أو ١٩ سم ـ وعرضها ١١ سم أو ١٢ سم.

٥ ـ هناك خرم كثير فى صفحات كثيرة ، تجدها واضحة على سبيل المثال فى الورقات ١ ، ٢ ـ ومن ٣٦ إلى ٤٥. ويبدو أنه كان هناك محاولات لإصلاح بعض الكلمات بالإعادة عليها أو كتابتها فى الهامش أو بين السطور ، لاحظ ذلك على سبيل المثال فى الورقات ٦ ، ١١ ، ١٢

٦ ـ نسى الناسخ بعض الكلمات أو الحمل ، فأشار إليها وأثبتها فى الهامش.

٧ ـ يبدو أن الكتاب تفرقت أوراقه ثم جمعت وأعيد ترتيبها ، لأن المرتّب كتب فى نهاية الصفحة الكلمة التى بدأ بها الصفحة التالية بخط مغاير للخط الأصلى.

٨ ـ نقل هذا الكتاب عن الأصل أو قورن به. ففى نهاية كل عشر ورقات تجد العبارة التالية (بلغ العرض) أو (بلغ العرض على الأصل).

٩ ـ وجدت تعليقات نادرة بخط جديد بالنسبة للخط الأصلى. ففى الورقة ٢٧ / ١ يعقب فى الهامش على معنى البيت :

ضعيف النكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل

ففى الهامش تجد العبارة الآتية (معناه يحسب أن فراره يزيد فى عمره).

١٠ ـ توجد بقع كبيرة فى الصفحات من ١٧٦ إلى ١٨٣ وغيرها طمست نصف

الخمسة الأسطر الأولى من كل صفحة.

١١ ـ فى آخر الصفحة ١٩٦ / ١ جاء الآتى (يتلوه فى الجزء الثانى غريب إعراب سورة هود).

١٢ ـ صفحة ١٩٧ / ١ خصصت لعنوان الجزء الثانى وفيها :

(الجزء الثانى من إعراب القرآن تصنيف الشيخ الإمام العالم الأوحد الفاضل الورع الزاهد نسيج وحده وفريد عصره أبى البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبى سعيد الأنبارى النحوى قدس الله روحه ونوّر ضريحه) وفى الصفحة التالية (بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين الحمد لله حق حمده وصلواته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. غريب إعراب سورة هود).

١٣ ـ نلاحظ تغير الخط ولون المداد من الورقة ٣٧١.

١٤ ـ لا يوجد إعراب السور (الانفطار ، المطففين ، البروج ، الطارق ، الأعلى ، الغاشية).

١٥ ـ الورقة ٤٠٦ مكتوبة بخط مغاير للخطوط السابقة وفيها (إعراب سورة الضحى والتين وعنوان : غريب إعراب سورة القلم) ويلاحظ عدم الترتيب. بل يبدو ن هذه الورقة أقحمت بين الورقتين ٤٠٥ ، ٤٠٧ لأن فى الأولى إعراب سورة الشمس وفى الأخيرة بقية إعراب هذه السورة.

١٦ ـ الورقتان ٤١٤ ، ٤١٥ ، مكتوبتان بخط نسخ حديث جميل فيه تأنق ، وفى نهاية الورقة الأخيرة جاء ما يلى :

(تم كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن بعون الله ومنه وتوفيقه والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وسلّم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل).

١٧ ـ فى الصفحة المقابلة الأخيرة خاتم منقوش فيه (الكتبخانة الخديوية المصرية).

منهج النشر :

لما كانت الغاية من تحقيق النصوص إنما هى إخراجها صحيحة سليمة نستطيع قراءتها بسهولة ونستوعب مادتها فى يسر ، لذلك بذلت الجهد فى إخراج النص صحيحا سليما وخدمته بالتعليق والشرح على الرغم من كبر حجمه وصعوبة مادته ، وقد

راعيت ما تستوجبه إعادة النص إلى وضعه الأول من حيطة وحذر ودقة وأمانة مع صحة المعنى وفهم العبارة ، وكانت خبرتى فى دراسة اللغويات فى كلية الآداب جامعة عين شمس مدة تزيد على عشر سنوات خير معين فى ذلك.

لقد عبر الجاحظ فى كتابه (الحيوان) عن صعوبة إعادة النص ، ووجد أن مشقة الكتابة الجديدة أيسر وأسهل من التصحيح والتنقيح فيقول : «لربما أراد مؤلف أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعانى أيسر عليه من إتمام ذلك النص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام».

ومهما يكن من الأمر فقد وفقنى الله إلى إخراج هذا السفر القيم ، وكانت مراحل عملى على الوجه التالى :

١ ـ نقلت من المخطوطة (أ) نقلا مباشرا صحيحا معتمدا فى إعادة النص على خبرتى اللغوية فى فهم المعانى ، فلم يكن الأمر مجرد رسم حروف تخل بالمعنى وتذهب بالمقصود. ثم وضعت العلامات :

(أ) علامات الترقيم.

(ب) الآيات الكريمة بين علامتى التنصيص. ورقمت هذه الآيات من واقع أرقامها فى المصحف الشريف.

(ج) وضعت اللحق ـ وهو ما سها عنه الناسخ وكان مثبتا فى الهامش ـ فى مكانه الصحيح من النص.

(د) اعتنيت بشكل الآيات القرآنية الكريمة وكتبتها على حسب رسم المصحف الشريف.

(ه) كتبت الكلمات على حسب قواعد الإملاء المعروفة والنطق السائد فى اللغة المشتركة ، وأعجمت ما أهمله الناسخ ، من ذلك على سبيل المثال ، كتب (هايد ، غايط ، فعايل ، الدناه ـ وأصلحتها : هائد وغائط وفعائل والدناءة) وقد أهمل الناسخ كثيرا من النقط وبخاصة فى حروف المضارعة (النون والياء والتاء).

وكان يكتب (لان أو لاين ويعنى بها لئن ـ ومستوفا بدل مستوفى) ويهمل الألف أمام واو الجمع ، وقد يثبتها أمام جمع المذكر المرفوع المضاف ـ وقد

يضع الناسخ نقطا تحت السين نحو (فسر ، وعلى السعة) وكثيرا ما ينهى الناسخ السطر بجزء من الكلمة ثم يكتب النصف الثانى منها فى السطر التالى ، وهذا غير متبع الآن فى الكتابة الصحيحة.

هذه هى أهم الأوضاع الإملائية التى راعيت أن تكون مطابقة للأوضاع الحالية ، وهكذا كانت فى المخطوطة (ب) ولعل ناسخها نقلها عن (أ) بنفس الوضع وفى زمن قريب من زمن نسخ المخطوط (أ).

(و) قمت باستخراج الشواهد والأمثلة من آيات قرآنية وأشعار عربية ، وبينت مكان الآية فى سورتها ورقمها ، وأسندت الأشعار بعد تتبعها فى مظانها من الدواوين وكتب اللغة والمعاجم ، فقد أهمل المؤلف والناسخ هذا الإسناد.

٢ ـ راجعت النص (أ) على النص (ب) فى دار الكتب كلمة كلمة ، وأثبت فى الحاشية الاختلاف بين النسختين ، كما رجعت فى استيضاح كثير من النصوص إلى كتب اللغة المختلفة التى أثبتها فى مواطنها.

٣ ـ قمت بعمل الفهارس المختلفة المثبتة فى نهاية ذلك الكتاب.

وبعد فهذا المجهود الذى قمت به فى إخراج كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن وفى دراسة حياة مؤلفه والعناية بدارسة كتابه هذا أقدمه إلى القارئ العربى المعنى بالدراسات اللغوية ، ولا أدعى أنى عملت الكمال فى هذا فهى خطوة أدعو الله أن يوفقنى فى متابعة أمثالها. فما عملنا هذا إلا خدمة للغتنا العربية الخالدة ، وبخاصة إذا كان الكتاب يعرض لناحية من كتاب الله الكريم ، دستور الدين الحنيف ورمز الصحة اللغوية وعنوان البلاغة العربية فى أعلا درجاتها.

وأشكر كل من عاوننى فى عملى هذا ، وقد أبى الجميع أن أذكر أسماءهم ، فلهم جزاء العلماء المخلصين ، والله الموفق والمعين.

دكتور

طه عبد الحميد طه

مدرس اللغويات

بكلية الآداب جامعة عين شمس

بسم الله الرحمن الرحيم

ربّ يسّر وأعن ، وسهّل وبلّغ ؛ وصلّى الله على نبيه محمد.

الحمد لله منزل الذكر الحكيم والصلاة الدائمة على المصطفى محمد عبده ونبيه الكريم ، وعلى آله وصحبه أولى النّهج القويم ، ما صدحت الورق بشجوها على شجرها الوارق العميم.

وبعد .. فقد لخّصت فى هذا المختصر غريب إعراب القرآن ، على غاية من البيان ، توخّيا للتفهيم ، والله تعالى ينفع به ، إنه هو البر الرحيم.

غريب إعراب سورة الفاتحة

قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) :

الباء : من (بسم الله) : زائدة ، ومعناها الإلصاق ، وكسرت لوجهين :

أحدهما : لتكون حركتها من جنس عملها.

والثانى : فرقا بينها وبين ما لا يلزم الجر؟ فيه كالكاف ، وحذفت الألف من (بسم الله) فى الخط ، لكثرة الاستعمال ، وطولت الباء لمكان حذف الألف ، ولا تحذف فى غير(بسم الله) ، ولهذا كتب ، اقرأ باسم ربك (١) ولا تحذف الألف منه إذا أدخلت عليه غير الباء من حروف الجر ، كقولك : لاسم الله حلاوة ، ولا اسم كاسم الله.

واختلف النحويون فى موضع الجار والمجرور على وجهين :

فذهب البصريون إلى أنه فى موضع رفع ، لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ،

__________________

(١) فى الأصل (بسم) وجاء فى المطالع النصرية. المطبعة الأميرية سنة ١٣٠٢ ه‍ ص ١٧٠ «أما الهمزة فتحذف فى موضعين :

الأول : أن يسبقها همزة الاستفهام كأن تقول : اسمك زيد أم عمرو.؟

الثانى : فى البسملة الكريمة الكاملة ، فتحذف منها ألف اسم لكثرة الاستعمال ، بشرط أن لا يذكر متعلق الباء ، لا متقدما ولا متأخرا ، فإن ذكر متقدما ، نحو : أتبرك باسم الله ، أو أستعين باسم الله ـ أو مؤخرا مثل : باسم الله الرحمن الرحيم استفتح ، أو أستعين مثلا ، لم تحذف ، وكذا لا تحذف إذا اقتصر على الحلالة ، ولم يذكر الرحمن الرحيم ، كما فى قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها). كما نص عليه فى الشافعية. قال : وهو الأصح ، خلافا للفراء. وجاء فى الهمع أن الكسائى جوز حذفها ، ولو أضيف إلى الجلالة كالرحمن والقاهر ، وردّه الفراء. وقال هذا باطل ولا يجوز أن تحذف ، إلا مع الله ، لأنها كثرت معه ، فإذا عدوت ذلك ، أثبت الألف وهو القياس».

ابتدائى بسم الله ، أى : كائن باسم الله ، ولا يجوز أن يكون متعلقا (١) بالمصدر ، لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر.

وذهب الكوفيون إلى أنه فى موضع نصب بفعل مقدّر ، وتقديره : ابتدأت بسم الله.

وكذلك اختلفوا فى اشتقاق الاسم :

فذهب البصريون إلى أنه مشتق من السّموّ وهو العلوّ.

وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوسم وهو العلامة.

والصحيح ما ذهب إليه البصريون ، وقد بيّناه مستوفى فى كتابنا الموسوم بالإنصاف ، فى مسائل الخلاف (٢) وغيره من كتبنا.

وحذفت الألف من (الله) فى الخط ، لكثرة الاستعمال ، ولذلك أيضا حذفت ألف (الرحمان).

والأصل فى الله : (إلاه) ، من أله (٣) إذا عبد ، وهو مصدر بمعني مألوه : أى معبود ، كقولهم : خلق الله ، بمعنى مخلوق ؛ قال الله تعالى :

(هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ). (٤)

__________________

(١) متعلق (أ) ولعله تصحيف سمعى من الكاتب.

(٢) المسألة رقم (١) الإنصاف ١ / ٤.

(٣) والله أصله (إلاه) على فعال بمعنى مفعول ، لأنه مألوه. (اللسان مادة أل ه). «ومادته قيل : لام وياء وهاء من (لاه يليه) : ارتفع ... وقيل : لام وواو وهاء من (لاه يلوه) احتجب. وقيل : الألف زائدة ومادته همزة ولام من (أله) أى فزع. وقيل : مادته واو ولام وهاء من (وله) أى طرب. وأبدلت الهمزة فيه من الواو» البحر المحيط ١ / ١٥

(٤) سورة لقمان ١١

أى مخلوق الله.

وقيل من (ألهت) أى تحيّرت ، فسمى سبحانه (إلها) لتحيّر العقول فى كنه ذاته وصفاته ، ثم أدخلت عليه الألف واللام ، وحذفت الهمزة ، وألقيت حركتها على اللام الأولى ، فاجتمع حرفان متحركان من جنس واحد ، فأسكنت اللّام الأولى ، وأدغمت فى الثانية ، وألزم التفخيم.

وقيل أصله (ولاه) من الوله ، لأنه يوله إليه فى الحوائج ، فأبدلوا من الواو المكسورة همزة ، كقولهم فى وشاح إشاح ، وفى وسادة إسادة ، ثم أدخلوا عليه الألف واللام ، وحذفوا الهمزة ، وأدغموا ، وفخّموا ، على ما بيّنا فى الوجه الأوّل.

وقيل هو من (لاهت العروس تلوه) : إذا احتجبت ، فهو سبحانه سمّى إلها لأنه احتجب من جهة الكيفية عن الأوهام.

وقيل : أصله (لاه) والألف فيه منقلبة عن ياء كقولهم : لهى أبوك. يريدون لله أبوك ، فأخّرت اللام إلى موضع العين لكثرة الاستعمال ، واللام من (الله) هاهنا مرقّقة لمكان الكسره قبلها ، فإن العرب تفخّمها إذا كان قبلها ضمة أو فتحة ، وترققها إذا كان قبلها كسرة ، فالضمة كقوله تعالى :

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)(١).

والفتحة (٢) كقوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(٣).

والكسرة كقوله تعالى :

(يُؤْمِنُ بِاللهِ)(٤).

__________________

(١) سورة الفتح ٢٩

(٢) عند هذه العلامة بدأ المخطوط ب

(٣) سورة النساء ١١ ، ٢٤

(٤) سورة البقرة ٢٣٢ وغيرها

والتفخيم فى اللام من (الله) من خواصّ هذا الاسم ؛ فإنّ لهذا الاسم (جلّ مسمّاه) من الخواصّ ما ليس لغيره ، فمنها التاء فى القسم نحو ، تالله ولا يقال : تالرّحمن ولا تالرّحيم ومنها (ها (١)) التى قامت مقام واو القسم ، نحو ، لاها الله ، أى : لا والله. ولا يقال ذلك فى غيره من الأسماء. ومنها جواز قطع الهمزة منه فى النّداء نحو : يا ألله. ومنها نداؤهم إيّاه من غير إدخال (أيها) فيه نحو ، يالله (٢) بخلاف كل ما فيه الألف واللام ، نحو ، يأيها الرجل ، ويأيها الغلام. فإنه لا ينطق به إلا بالألف واللام ، بخلاف نحو ، الرجل والغلام. ومنها إعمال حرف الجرّ فيه (٣) مع الحذف فى القسم ، نحو ، الله لأفعلنّ أى : والله. ومنها دخول الميم المشدّدة فى آخره عوضا عن (يا) فى أوّله نحو ، اللهمّ. وإذا كانت الأسماء الأعلام لها من الخواصّ ما ليس لغيرها ، فكيف لا يكون لهذا الاسم ـ جلّ مسمّاه. وهو علم الأعلام ومعرفة المعارف.

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).

مبتدأ وخبر ، ويجوز نصبه على المصدر ، وكسرت اللّام فى (لله) كما كسرت الباء فى (بسم الله).

وقيل : الأصل فى اللّام الفتح بدليل أنّها تفتح مع المضمر ، وإنما كسرت مع المظهر للفرق بينها وبين لام التوكيد.

وقراءة من قرأ بكسر الدال من (الحمد) إتباعا لكسرة اللّام من (الله) كقولهم فى (منتن ، منتن) فكسرت الميم إتباعا لكسرة التاء.

وقراءة من قرأ بضمّ اللام إتباعا لضمة الدال كقولهم : (منتن) بضم التاء

__________________

(١) «هاء» كتبت هذه اللفظة فى نسخة أ (هاء) وفوقها (معا) يريد بذلك أنها تقرأ بالمد وبالقصر

(٢) «يالله» أ

(٣) «الجر فيه» ب

إتباعا لضمة الميم ، فقراءتان ضعيفتان فى القياس ، قليلتان فى الاستعمال لأن الإتباع إنما جاء فى ألفاظ يسيرة لا يعتدّ بها فلا يقاس عليها.

قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢)

مجرور على الوصف ويجوز فيه الرفع والنصب ، فالرّفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف وتقديره ، هو ربّ العالمين. والنصب على المدح ، وعلى النداء كذلك.

قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤)

فى علة (١) الجرّ والرفع والنّصب. ومن قرأ (مالك) لم يجز فيه أن يكون مجرورا على الصّفة كما ذكر النّحّاس (٢) بل على البدل لأنّ (مالك) اسم فاعل من الملك ، جار على الفعل واسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال فإنّه لا يكتسب التعريف من المضاف إليه ، وإذا لم يكتسب التعريف كان نكرة والنكرة لا تكون صفة للمعرفة فوجب أن يكون مجرورا على البدل ، لا على الصّفة.

و (يَوْمِ الدِّينِ) ظرف جعل مفعولا على السّعة فلذلك أضيف إليه.

وقد روى عن أبى عمرو (٣) أنه قرأ : (ملك يوم الدين) بسكون اللام وأصله «ملك» بكسر اللام على فعل ، إلا أنه حذفت كسرة العين كما قالوا فى كتف : كتف. وفى فخذ. فخذ ، وفى مالك خمس قراءات وهى : مالك ، وملك ، وملك ، ومليك ، وملاك.

وفيها فى العربية أحد وثلاثون وجها. يقال : مالك بالجرّ على البدل ، والرفع على

__________________

(١) ب : على.

(٢) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ، المعروف بالنحّاس ، أخذ عن أبى إسحاق الزجّاج ، له كتب مفيدة فى القرآن وتفسير أسماء الله. توفى سنة سبع وثلثمائة.

(٣) أبو عمرو بن العلاء. إمام فى اللغة والنحو والشعر. أخذه عن أئمتها : أبو زيد ، أبو عبيدة والأصمعى بن عمار بن العريان. توفى سنة أربع وخمسين ومائة.

تقدير مبتدإ ، والنصب على المدح ، وعلى النداء ، وعلى الحال ، وعلى البدل على قراءة من قرأ :

(رَبِّ الْعالَمِينَ)

بالنصب. فهذه ستة أوجه وفى «ملك» مثلها ، وفى «مليك» مثلها وفى «ملك» مثلها وفى «ملاك» مثلها. فهذه خمس قراءات فى كل قراءة ستة أوجه ، وخمسة فى ستة ثلاثون ، والأحد والثلاثون قراءة أبى حيوة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).

قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٥)

اختلف النحويون فى «إيّاك» فذهب المحقّقون إلى أنه ضمير منصوب منفصل ، وأن العامل فيه (نعبد) والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب ولا يعمل فيه إلّا ما بعده لا ما قبله إلا أن تأتى بحرف الاستثناء نحو ، ما نعبد إلّا إيّاك ، فإن قدّمت الفعل عليه من غير استثناء صار الضمير المنفصل ضميرا متصلا فقلت : نعبدك ، فأما قول الشاعر :

١ ـ إليك حتى بلغت إيّاكا (١)

فلا يقاس عليه لأنه إنما يجوز فى ضرورة الشعر لا فى اختيار الكلام.

وذهب آخرون إلى أنه ضمير مضاف إلى ما بعده ، ولا يعلم ضمير أضيف إلى غيره.

وذهب آخرون إلى أنه اسم مبهم ، ولا يعلم إسم مبهم أضيف غيره.

وذهب آخرون إلى أنه اسم مظهر مضاف إلى ما بعده ، ويحكون عن العرب : إذا بلغ الرجل الستّين فإيّاه وإيّا الشّوابّ ، بالجر.

__________________

(١) من شواهد سيبويه (١ / ٣٨٣) ولم يذكر صاحبه ، ونسبه الأعلم الشنتمرى إلى حميد الأرقط.

وذهب آخرون إلى أن (إيّا) عماد والضمير ما بعده من الكاف وغيرها ، وهى فى موضع نصب.

وذهب آخرون إلى أن (إيّاك) بكماله الضمير ، والذى أختاره الأوّل ، وقد بينا ذلك مستوفى فى كتابنا الموسوم بالإنصاف ، فى مسائل الخلاف (١). ومن العرب من يبدل الهمزة فى (إيّاك) هاء ، فيقول : هيّاك ، قال الشاعر :

٢ ـ فهيّاك والأمر الذى إن توسّعت

موارده ضاقت عليك المصادر (٢)

أراد إياك.

وقال آخر :

٣ ـ يا خال هلّا قلت إذ أعطيتنى

هيّاك هيّاك وحنواء العنق (٣)

أراد إياك.

وهم مما يفعلون ذلك ، فإنهم يقولون فى إبرية ، هبرية وهو الحزاز فى الرأس. وفى أرحت الدابة ، هرحت ، وفى أنرت الثوب هنرته. وقالوا : مهيمن وأصله مؤيمن ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) الإنصاف مسألة ٩٨ ، ٢ / ٤٠٦

(٢) دايوان الحماسة ٢ / ٣ واللسان ٢٠ / ٣٢٢ وبعده :

فما حسن أن يعذر المرء نفسه

وليس له من سائر الناس عاذر

(٣) (شرح المضمون به على غير أهله) ص ٢٦ لعبيد الله بن عبد الكافى ـ مطبعة السعادة ١٩١٣ ـ «... والحانية والحنواء من الغنم : التى تلوى عنقها لغير علة ، وكذلك هى من الإبل ، وقد يكون ذلك من علة. أنشد اللحيانى عن الكسائى (البيت). (اللسان : حنا).

قوله تعالى : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥)

أصل نستعين : نستعون : نستفعل من العون ، فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو ، وانكسر ما قبلها فقلبت ياء نحو ، ميعاد وميزان وميقات وأصلها : موعاد وموزان وموقات لأنها من الوعد والوزن والوقت. ويجوز أن تكسر النون والتاء والألف فى هذا الفعل ونظيره فى لغة بعض العرب (١) ولا يجوز ذلك فى الياء ، لأنّ الكسرة من جنس الياء ، فلو فعلوا ذلك لأدّى إلى الاستثقال بخلاف غيرها.

قوله تعالى : (اهْدِنَا) (٦)

سؤال وطلب ، وحكمه حكم الأمر مبنىّ عند البصريّين معرب مجزوم عند الكوفيّين ، وأصله ، اهدينا ، فحذفت الياء للبناء عند البصريين وللجزم عند الكوفيين ، والهمزة فيه همزة وصل وأصلها الكسر عند البصريين ، والسكون عند الكوفيين ، وكسرت لسكونها وسكون ما بعدها.

ومنهم من قال : كسرت لكسر الثالث وقد بيّنا الخلاف فى ذلك كله مستوفى فى كتاب الإنصاف (٢).

(واهدنا) يتعدّى إلى مفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما وهما هاهنا (نا والصّراط) وأصل الصّراط ، السّراط. إلا أنهم أبدلوا من السّين صادا لتوافق الطاء فى الإطباق ، ومنهم من أبدل منها أيضا زايا فقالوا : الزّراط لتوافق الزاى فى الجهر لأنّها مهموسة ، ومنهم من أشمّ الصاد شيئا من الزّاى لأنه رأى جهر الطاء وإطباق فأتى بالصّاد مراعاة للإطباق وأشمّها شيئا من الزّاى مراعاة للجهر.

قوله تعالى : (الْمُسْتَقِيمَ) (٦)

__________________

(١) (فى هذا الفعل ونظيره فى لغة بعض العرب (ا) حرف المضارعة.

(٢) الإنصاف (فعل الأمر مبنى أو معرب) المسألة ٧٢ ، ٢ ـ ٣٠٣. الإنصاف أصل الحركة فى همزة (الوصل) المسألة ١٠٧ ، ٢ ـ ٤٣٥.

أصله : مستقوم (١). فنقلت الكسرة إلى ما قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياء على ما بينا فى (نستعين).

قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٧)

(صراط) بدل من الصراط الأوّل ، والعامل فى البدل غير العامل فى المبدل منه عند الأكثرين ، وهو العامل فى المبدل منه عند الآخرين.

و (الّذين) : اسم «موصول» يفتقر إلى صلة وعائد ، وهو صيغة مرتجلة للجمع ، وليس بجمع (الّذى) على حد زيد وزيدين ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون معربا ، ويكون فى الرفع بالواو والنّون ، وفى الجرّ والنّصب بالياء والنّون ، وليس كذلك بل هو مبنى على صورة واحدة فى جميع الأحوال ولا تخريج على لغة من قال : اللّذون فى الرفع ، واللذين فى الجر والنصب ، لقلّتها وشذوذها ، وأصله أن تكتب بلامين إلّا أنّهم حذفوا إحداهما لكثرة الإستعمال ، كما فعلوا ذلك فى الواحد ، لأنه مبنىّ مثله ، بخلاف التّثنية ، فإنها كتبت بلامين على الأصل ، كما كانت باقية فى الإعراب على الأصل ، وإنما كانت باقية فى الإعراب على الأصل ، لأنها تختلف ولا تأتى على مثال واحد ، وصلة (الذين) قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، والعائد منها الهاء والميم فى (عليهم). وأصل عليهم ، عليهمو. بضمّ الهاء ، وإثبات الواو ، فحذفت الواو تخفيفا ، والميم والواو علامة لجمع المذكر ، كما كانت النّون المشدّدة فى : (عليهنّ) علامة لجمع المؤنث ، فتكون علامة المذكر بحرفين ، كما كان علامة المؤنّث بحرفين ، لئلا يكون المذكر أنقص من المؤنث ، والمذكر أقوى من المؤنث. وإنما حذفت الواو فى الجمع ، دون الألف فى التّثنية ، لأنّ الواو أثقل والألف أخفّ ، والحذف للأثقل لا للأخفّ.

ويجوز أيضا كسر الهاء لمكان الياء ، لأنّ الياء تجلب الإمالة فى الألف ، فجعلوا الكسرة فى الهاء بمنزلة الإمالة فى الألف ، لأنّها تشبهها.

__________________

(١) (المستقوم) ب.

ومنهم من قال (١) : لا ينبغى أن تكسر الهاء لأجل الياء ، لأنّ الأصل فى (عليهم) علاهم ، ألا ترى أنّك تقول مع المظهر : على زيد ، فأصل هذه الياء ألف وقلبت مع المضمر ياء لتفرق بينها وبين الألف فى الأسماء المتمكّنة نحو ، رحاهم وعصاهم ؛ وإذا كان الأصل فيها الألف ، فينبغى ألّا تكسر كما لا تكسر فى رحاهم وعصاهم.

ويجوز أيضا ، عليهمى ، بإثبات الياء مع كسر الهاء ، لأنّهم كسروا الميم إتباعا لكسرة الهاء ، فانقلبت الواو التى فى الأصل ياء ، لسكونها وانكسار ما قبلها ؛ وموضع الجار والمجرور نصب (بأنعمت) ، ولا موضع لهذه الجملة من الإعراب ، لأنّها لم تقع موقع مفرد ، لأنّها وقعت صلة اسم موصول ، والأسماء الموصولة إنما توصل بالجمل ، لا بالمفردات.

قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (٧)

«غير» : يجوز فيه الجرّ والنصب ، فأما الجرّ ، فمن ثلاثة أوجه :

أحدها ، أن يكون مجرورا على البدل من الضّمير فى (عليهم).

والثانى ، أن يكون مجرورا على البدل من (الذين).

والثالث ، أن يكون مجرورا على الوصف (للّذين) (٢) لأنّهم لا يقصد بهم أشخاص مخصوصة ، فجرى مجرى النكرة فجاز أن يقع وصفا له ، وإن كانت مضافة إلى معرفة.

وأما النصب فمن ثلاثة :

الأول ، أن يكون منصوبا على الحال من الهاء والميم فى (عليهم) ، أو من (الذين).

والثانى ، أن يكون منصوبا بتقدير ، أعنى.

__________________

(١) (لا) أ

(٢) هذا الكلام فى أ

والثالث ، أن يكون منصوبا على الاستثناء المنقطع ، و «عليهم» الثانى ، فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله لأنّ معنى المغضوب عليهم ، الذين غضب عليهم ، وليس فيه ضمير لأنه لا يتعدّى إلا بحرف الجرّ. نحو ، ذهب بزيد ، وجلس إلى عمرو ولهذا لم يجمع.

قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ) (٧)

«لا» زائدة للتوكيد عند البصريين ، وبمعنى غير عند الكوفيين ، وجاز أن يجمع بين السّاكنين فى (الضّالين) لأن الثانى منهما مشدّد ، وإنما جاز الجمع بين حرف العلّة إذا كان ساكنا مع الحرف المشدّد بعده ، لأن المشدّد وإن كان حرفين الأول منهما ساكن والثانى متحرك ، إلا أنهما قد صارا بمنزلة الحرف الواحد لأن اللسان ينبو عنهما نبوة واحدة ، فكأنه لم يجتمع ساكنان لمكان الحرف المتحرك بخلاف غير المشدّد ، على أن بعض العرب يبدل من الألف مع المشدّد همزة. فقد قالوا : (ولّ حأرّها من تولّى قأرّها) ، لأنه رام أن يحرك الألف لالتقاء الساكنين ، فلم يمكن تحريكها ، فأبدل منها الهمزة ، لقربها فى المخرج.

وعلى هذه اللغة قرئ فى الشّواذّ.

(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) (٤) (١) ، (وَلَا الضَّالِّينَ)

بإبدال الألف همزة.

وأما «آمين» فدعاء ، وليس من القرآن وهو اسم من أسماء الأفعال ومعناه ، اللهمّ استجب ، وفيه لغتان ، القصر والمدّ. قال الشاعر فى القصر :

__________________

(١) سورة الكهف ١٧

٤ ـ تباعد منى فطحل وابن أمّه

أمين فزاد الله ما بيننا بعدا (١)

وقال آخر فى المد :

٥ ـ يا رب لا تسلبنّى حبّها أبدا

ويرحم الله عبدا قال آمينا (٢)

وأمين بالقصر على وزن فعيل ، وآمين بالمدّ فهو على وزن فاعيل ، وهذا البناء ليس من أبنية كلام العرب وإنما هو من أبنية كلام العجم كهابيل وقابيل.

وزعم بعض النحويين أنّ الألف نشأت عن إشباع الفتحة كما نشأت فى قراءة من قرأ (لا تخف دركا ولا تخشى) (٣) ، والقياس ، ولا تخش لأنه مجزوم بالعطف على (لا تخف) إلّا أنه أشبع فتحة الشين (٤) فنشأت عنها الألف وهو ضعيف فى القياس. والله أعلم.

__________________

(١) قال الزجّاج فى قول القارئ بعد الفراغ من فاتحة الكتاب (آمين) : فيه لغتان : تقول العرب (أمين) بقصر الألف ، و (آمين) بالمد ، والمد أكثر. وأنشد فى لغة القصر «تباعد منى فطحل» (البيت) ـ (لسان العرب : أمن).

(٢) قال عمر بن أبى ربيعة فى لغة من مد (آمين) : يا رب لا تسلبنّى (البيت) (لسان العرب : أمن).

(٣) سورة طه ٧٧

(٤) «اللام» ب.

غريب إعراب سورة البقرة

قوله تعالى : (الم) (١)

أحرف مقطعة مبنية غير معربة ، وكذلك سائر حروف الهجاء فى أوائل السّور ، وقد تعرب إلّا أن يخبر بها أو عنها ، أو تعطف بعضها على بعض ، فالإخبار بها نحو ، أن تقول : هذه ألف ، والإخبار عنها ، نحو ، أن تقول : الألف حسنة ، والعطف ، نحو ، أن تقول : فى الكتاب ألف ولام ، وموضعها. من الإعراب نصب بفعل مقدّر ، وتقديره ، اقرأ ألم. ويجوز أن يكون رفعا على تقدير مبتدأ ، والتّقدير : هذا ألم ، وقد أجاز الفرّا : (١) أن يكون (الم) مبتدأ ، «وذلك» خبره ، وأنكره أبو إسحاق الزّجاج (٢).

قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ) (٢)

«ذا» اسم إشارة مبنىّ لشبه الحرف ، ولتضمّنه معنى الحرف ، وهو بكماله الاسم عند البصريين.

وأصله (ذىّ) بالتشديد فحذفت إحدى الياءين وقلبت الياء الأخرى ألفا ، ولهذا جازت فيها الإملة ، وذهب الكوفيون إلى أن الإسم هو الذال وحدها ، وزيدت الألف تكثيرا للكلمة ، وتقوية لها. واللام فى (ذلك) للتنبيه بمنزله (ها) فى (هذا) ولهذا لا يجوز أن يقال : ها ذلك. كما يجوز ، ها ذاك لئلا يجمع بين علامتى تنبيه.

__________________

(١) أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء. أعلم الكوفيين بالنحو توفى سنة سبع ومائتين.

(٢) أبو إسحاق بن السّرىّ بن سهل الزجاج ـ توفى سنة ٣١١ ه‍.

وقيل : زيدت اللام لتدلّ على بعد المشار إليه ، وكسرت لالتقاء الساكنين ، وقيل : كسرت لئلا تلتبس بلام الملك ، فى قولهم : ذالك ، أى فى ملكك ، «والكاف» للخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ، لأنه لو جاز أن يكون لها موضع من الإعراب ، لم يكن إلّا الجرّ للإضافة ، وهى أيضا معدومة ها هنا لعدم الرافع والناصب ، لأن اسم الإشارة لا يضاف إلى ما بعده لأنه معرفة ، وإذا كان معرفة فى نفسه استغنى عن تعريف غيره ، فإن الكحل يغنى عن الكحل ، وإذا عدم الموجب للجرّ كما عدم الموجب للرفع والنصب ، علم أنها للخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب.

و «ذلك» فى موضع رفع ، وذلك من أربعة أوجه.

الأول : أن يكون مبتدأ ، و «الكتاب» خبره.

والثانى : أن يكون خبر مبتدإ مقدّر ، وتقديره : هو ذلك الكتاب.

والثالث : أن يكون «الكتاب» بدلا من ذلك.

والرابع : أن يكون عطف بيان.

قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) (٢)

«لا» حرف نفى يراد بنفيه نفى الجنس. وبنى «ريب» مع (لا) ، لأنه معه بمنزلة (خمسة عشر) ، وبنى على حركة تفضيلا له على ما بنى وليس له حالة إعراب ، وكانت الفتحة أولى لأنّها أخفّ الحركات.

وفى «فيه» قراءتان مشهورتان «فيه» بكسر الهاء من غير ياء ، و «فيهى» بإثبات الياء ، فمن قرأ : فيه ، بكسر الهاء من غير ياء قال : إنّا لو أثبتنا الياء الساكنة بعد الهاء وقبلها ياء ساكنة ، لكنّا قد جمعنا بين ساكنين ، وذلك لأنّ الهاء حرف خفىّ ، فلا عبرة بحركتها ، فكأنّك لم تأت بها ، والدليل على ذلك أنه يجوز أن تقول : الأمر من ردّ ، يردّ : ردّ وردّ وردّ. بالضمّ والفتح

والكسر ، فلو وصلته بضمير المذكر ، لقلت : ردّه. بالضّمّ ، لا يجوز غيره لأنّك كأنك لم تأت بالهاء ، كأنّك قلت : ردّوا.

وكذلك لو وصلته بضمير المؤنث. نحو ، ردّها ، لما جاز فيه إلا الفتح ، لأنك كأنك قلت : ردّا.

ومن قرأ ، «فيهى» بإثبات الياء ، أتى به على الأصل.

والأصل (١) فى «فيهى» : فيهو. بضم الهاء ، وإثبات الواو ، إلا أنه كسرت الهاء لمكان الياء ، لأنّ الياء تجلب الإمالة فى الألف ، فجعلوا الكسرة فى الهاء ، بمنزلة الإمالة فى الألف ، لأنّها تشبهها ، فلما كسرت الهاء انقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

وقراءة من قرأ (فيه) أوجه من قراءة من قرأ (فيهى) لما بيّنا ، وموضع (فيه) رفع ، لأنه خبر (لا) وموضع (لا ريب فيه) : رفع ، لأنه خبر (ذلك).

قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢)

«هدى» يحتمل أن يكون فى موضع رفع ونصب ، فالرفع من أربعة أوجه.

الأول : أن يكون خبر مبتدإ مقدّر ، وتقديره ، هو هدى.

والثانى : أن يكون خبرا بعد خبر ، فيكون (ذلك) مبتدأ ، و (الكتاب) عطف بيان ، (ولا ريب فيه) خبر أول (٢) ، (وهدى) خبر ثان.

والثالث : أن يكون مبتدأ (وفيه) خبره ، والوقف على هذا القول على (لا ريب).

__________________

(١) (والأ) أ

(٢) كذا فى ب. وفى أ : (خبر الأول ، وهدى خبر ثانى) وفيه تحريف.

والرابع : أن يكون مرفوعا بالظرف على قول الأخفش (١) والكوفيّين. والنصب على الحال من (ذا) أو من (الكتاب) أو من الضّمير فى (فيه) فإنّ جعلته حالا من (ذا) أو من (الكتاب) فالعامل فيه معنى الإشارة ، وإن جعلته حالا من الضمير فى (فيه) فالعامل فيه معنى الفعل المقدّر وهو استقرّ.

والتنوين من (هدى) مدغم فى اللام من (للمتقين) ، وهو يدغم فى ستّة أحرف وهى ، الياء والواو والنون والميم والراء واللام ، وهى حروف (يرملون) ، ويظهر مع ستّة أحرف ، وهى حروف الحلق ، وهى الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء ؛ ويخفى مع سائر الحروف ، وحكم النون الساكنة حكم التنوين فى الإدغام والإظهار والإخفاء ، فيما يدغم فيه من الحروف ويظهر ويخفى.

و «المتقين» أصله ، (موتقيين) على وزن مفتعلين من (وقيت) فأبدلت الواو تاء ، وأدغمت فى تاء الافتعال ، فصارتا تاء مشددة ، واستثقلت الكسرة على الياء الأولى التى هى اللام ، فحذفت تخفيفا ، فبقيت الياء التى هى اللام ساكنة ، وياء الجمع ساكنة ، فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان ، فحذفت الياء الأولى التى هى اللام لسكونها وسكون ياء الجمع بعدها ، لئلا يجمع بين ساكنين ، وكانت الأولى أولى بالحذف من الثانية ، لأن الثانية دخلت لمعنى ، وهو الجمع ، والأولى لم تدخل لمعنى ، فكان حذفها أولى ، ووزنه بعد الحذف (مفتعين) لحذف اللّام منه.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (٣)

«الذين» يحتمل أن تكون فى موضع جرّ ورفع ونصب ، فالجرّ على أنه صفة (للمتقين) أو بدل منهم ، والرفع على أنّه مبتدأ ، وخبره (أولئك على هدى). أو على أنه خبر مبتدإ مقدّر وتقديره (هم الذين) ، والنّصب ، على تقدير (أعنى). و (يُؤْمِنُونَ) صلته (٢).

__________________

(١) أبو الحسن الأخفش الأوسط : سعيد بن مسعدة المجاشعى توفى سنة خمس عشرة ومائتين (عن طبقات النحاة للزبيدى).

(٢) (صفته) ب.

وأصله : يؤأمنون بهمزتين ، فحذفت إحداهما استثقالا لاجتماع همزتين ، وكان حذف الأولى أولى لأنّها زائدة لا لمعنى والثانية أصلية ، فلمّا وجب حذف إحداهما ، كان حذف الزائدة أولى من حذف الأصليّة ، لأن الزائدة أضعف ، والأصليّة أقوى ، وحذف الأضعف أولى من حذف الأقوى فبقى (يؤمنون) بهمزة ساكنة.

ويجوز أن تقلب واوا لسكونها ، وانضمام ما قبلها كما تقلب فى (جؤنة ، وسؤل).

قال الله تعالى :

(قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(١).

إلا أن هذا القلب مع الياء والتاء والنون جائز نحو ، يومن ، وتومن ، ونومن ؛ ومع الهمزة واجب نحو ، أومن ، وذلك لأن أصله : أأأمن. بثلاث همزات. فاستثقلوا اجتماع ثلاث همزات لأنهم إذا استثقلوا اجتماع همزتين فلأن يستثقلوا اجتماع ثلاث همزات أولى ، فحذفوا الثانية ، وكان حذفها أولى من الأولى والثالثة ، أمّا الأولى فلأنّها أبعد من الطرف ، وأما الثالثة فإنّهم لو حذفوها لافتقروا إلى تسكين الثانية وقلبها واوا ، فيؤدّى إلى تغييرين. وإذا حذفوا الثانية لم يفتقروا إلّا إلى قلبها واوا فقط لأنّها ساكنة فيؤدّى إلى تغيير واحد ، والمصير إلى ما يؤدى إلى تغيير واحد أولى من المصير إلى ما يؤدّى إلى تغييرين ، وإذا جاز القلب فى (يومن) وما أشبهه وإن لم يجتمع فيه همزتان وجب فى نحو (أأأمن). لوجود اجتماع ثلاث همزات إذ ليس بعد الجواز إلا الوجوب.

قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) (٣)

أصل (يُقِيمُونَ) (يؤقومون) على وزن (يؤفعلون) فحذفوا الهمزة منه وإن لم يجتمع فيه همزتان ، حملا على ما اجتمع فيه همزتان ، ألا ترى أنّك تقول : أقيم. وأصله (أأقوم) فحذفت الهمزة الثانية لئلا يجمع بين همزتين ، ثم حذفوها

__________________

(١) سورة طه ٣٦.

مع الياء والتاء والنون. نحو ، يقيم وتقيم ونقيم ، حملا على أقيم ، لئلّا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، كما قالوا : يعد وأصله يوعد. فحذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، ثم حذفوها مع الهمزة والنون والتاء. فى نحو ، أعد ونعد وتعد ، وإن لم تقع بين ياء وكسرة حملا على يعد ، لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، فكذلك هاهنا ، حذفت الهمزة فى (يؤقومون) فبقى (يقومون) على وزن (يفعلون) ، ثم نقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها ، فقلبت ياء فصار (يقيمون) على وزن (يفعلون).

و «الصّلاة» أصلها (صلوة) على وزن (فعلة) ، فتحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، والدليل على أنّها منقلبة عن واو قولهم فى جمعها (صلوات) وكتبوا الصلاة (١) بالواو على لغة الأعراب. لأنّهم ينحون بها نحو الواو (٢).

قوله تعالى : (يُوقِنُونَ) (٤)

أصله (يؤأقنون) على وزن (يؤفعلون) من اليقين. يقال : أيقن يوقن وأصله (يؤيقن) فحذفت الهمزة لما بيّنا فى (يؤمن) ، فبقيت الياء ساكنة مضموما ما قبلها ، فقلبت واوا ، كقولهم : موسر. وأصله ، ميسر لأنّه من اليسر (٣) إلّا أنه لمّا وقعت الياء ساكنة مضموما ما قبلها ، قلبت واوا. وكذلك ، موقن ، أصله ، ميقن ، فقلبت الياء منه واوا (٤) لما بيّنا.

وهذا قياس مطّرد فى كلّ ياء ساكنة قبلها ضمّة ، ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (٥)

__________________

(١) (الصلوة) ب.

(٢) (بها) أ.

(٣) (لأنه من اليسر) أ.

(٤) (فقلبت الواو ياء) أ

«أولاء» (١) اسم إشارة ، ويصلح للجماعة والمذكر والمؤنث ، وهو مبنىّ لأنّه أشبه الحرف وتضمّن معناه ، وإنما بنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وكانت الحركة كسرة ، لأنّها الأصل فى التقاء الساكنين ، وموضعه الرفع لوجهين.

أحدهما أنه مبتدأ ، و (على هدى) خبره.

والثانى أن يكون خبر (الذين يؤمنون) إذا جعل (الذين) مبتدأ ، والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب ، وواحد (أولاء) إذا كان لجماعة المذكر (ذا) ، وإذا كان لجماعة المؤنّث (ذى وذه وتى وتا).

قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٦)

«سواء» مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ و (أنذرتهم أم لم تنذرهم) خبره. كقولهم : سواء علىّ أقمت أم قعدت.

فإن قيل : الجملة إذا وقعت خبرا للمبتدإ وجب أن يعود منها ضمير إلى المبتدإ ، وليس فى الجملة الواقعة خبرا للمبتدإ هاهنا ضمير يعود إلى المبتدإ. قلنا : هذا الكلام محمول على المعنى ، والتقدير ، سواء عليهم الإنذار وتركه ، وسواء علىّ القيام والقعود ، ونظير تنزيل الفعل هنا منزلة المصدر. قولهم : تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه. فإنه منزّل منزلة (سماعك) ، وإذا تنزّل الفعل فى هذا الكلام منزلة المصدر كان (سواء) خبرا مقدما فى المعنى ، وإن كان مبتدأ فى اللفظ. ألا ترى أنّ معنى الخبر متصوّر فيه وهو الاستواء ، ومعنى المخبر عنه متصوّر فى الإنذار وتركه ، والقيام والقعود كقولك : الإنذار وتركه مستويان عليهم ، والقيام والقعود مستويان علىّ ، والجملة من المبتدإ وخبره فى موضع رفع لأنه خبر (إنّ). والهمزة فى (ءأنذرتهم) لفظها لفظ الاستفهام ومعناها الخبر ؛ فإن الاستفهام يرد فى كلامهم والمراد به الخبر ، كما يرد الخبر والمراد به الاستفهام.

__________________

(١) (أولئك) ب

كقوله تعالى :

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١)

وتسمّى هذه الهمزة همزة التسوية ، ولا تكون التسوية إلّا مع (أم). وسمّيت همزة التسوية لأنّك إذا قلت : أزيد عندك أم عمرو ، فقد استويا عندك فى أنّك لا تدرى أيّهما عنده ، مع تحقّق (٢) وجود أحدهما ، وهاهنا استوى الإنذار وتركه فى حقّ من سبق فى علم الله أنّه لا يؤمن.

والثانى : أن يكون (سواء) مرفوعا لأنه خبر (إن) وما بعده فى موضع رفع بفعله ، لأن (سواء) فى معنى اسم الفاعل ، واسم الفاعل إذا وقع خبرا عمل عمل الفعل ، والتقدير فيه ، إنّ الّذين كفروا مستو عليهم الإنذار وتركه.

ويجوز فى (أنذرتهم) ستّة أوجه.

الأول : (أأنذرتهم) بهمزتين.

والثانى : (أانذرتهم) بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية ، بجعلها بين بين.

والثالث : (أاأنذرتهم) بإدخال ألف بين الهمزتين وتحقيقهما.

والرابع : (أاانذرتهم) بإدخال ألف بين الهمزتين ، وتحقيق الأولى وتخفيف الثّانية بجعلها بين بين.

والخامس : (عليهم انذرتهم) بحذف الهمزة الأولى ، وإلقاء حركتها على الميم.

والسادس : (أنذرتهم) بهمزة واحدة.

فأمّا (أأنذرتهم) بهمزتين. فعلى الأصل ، لأنّ الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة أفعل. وهذا الوجه غير مختار ، وإن كان هو الأصل لما فيه من استثقال الجمع بين همزتين ، وهو صعب على اللسان ، ولهذا لم يكن من لغة أهل الحجاز.

__________________

(١) سورة الشعراء ٢١

(٢) (تحقيق) ب

وأما الثانى : وهو تحقيق الأولى وجعل الثانية بين بين ، فهو قوى فى القياس لأنّ به يزول استثقال الجمع بين الهمزتين ، وجعل الثانية بين بين أولى من الأولى لأنّ بها يقع الاستثقال ، ولهذا أجمعوا على ذلك فى (آمن) وما أشبهه.

وأمّا الثالث : وهو (أاأنذرتهم) بإدخال الألف بين الهمزتين وتحقيقهما فزادوا الألف استثقالا لاجتماع الهمزتين كما زادوها للفصل فى تأكيد فعل جماعة النسوة نحو ، اضربنان يا نسوة.

وأما الرابع : (آأنذرتهم) بإدخال ألف بين الهمزتين وتحقيق الأولى ، وتخفيف الثانية بجعلها بين بين فإنما خففوا الثانية بجعلها بين بين لأنهم أرادوا التخفيف من جهتين.

وأما الخامس : وهو (عليهم انذرتهم) بحذف الهمزة الأولى وإلقاء حركتها على الميم ، فإنّهم حذفوا الهمزة الأولى تخفيفا ، وألقوا حركتها على السّاكن قبلها ، لأنّ من عادتهم إذا خفّفوا الهمزة بالحذف وقبلها ساكن أن يلقوا حركتها عليه. كقولهم : من أبوك ، وكم ابلك ، وما أشبه ذلك.

وأما السادس : وهو (أنذرتهم) بهمزة واحدة ، فعلى حذف همزة الاستفهام ، وهو ضعيف فى كلامهم (١) وإنما جاء فى الشّعر ، كقول الشاعر :

٦ ـ شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (٢)

أراد : أشعيث؟

وكقول الآخر :

٧ ـ بسبع رمين الجمر أم بثمان (٣)

__________________

(١) ب : (القياس)

(٢) الشطر الثانى لبيت من شواهد سيبويه ١ / ٤٨٥ ، وهو للأسود بن يعفر التميمى. وصدره :

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

(٣) الشطر الثانى لبيت من شواهد سيبويه ١ / ٤٨ وهو لعمر بن أبى ربيعة. وصدره :

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

أراد : أبسبع؟

قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (٧)

إنما وحّد (سَمْعِهِمْ) ولم يجمعه كقلوبهم وأبصارهم لثلاثة أوجه.

الأول : أن السّمع مصدر والمصدر اسم جنس يقع على القليل والكثير ، ولا يفتقر إلى التثنية والجمع.

والثانى : أن يقدّر مضاف على لفظ الجمع ، والتقدير ، على مواضع سمعهم. فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.

والثالث : أن يكون اكتفى باللفظ المفرد لمّا أضافه إلى الجمع. لأن إضافته إلى الجمع يعلم بها أنّ المراد به الجمع وهو كثير فى كلامهم وأشعارهم. قال الشاعر :

٨ ـ فى حلقكم عظم وقد شجينا (١)

أى : فى حلوقكم.

وقال الآخر :

٩ ـ كلوا فى بعض بطنكم تعفّوا (٢)

أى : فى بعض بطونكم.

وضعّف سيبويه هذا الوجه وزعم أن هذا إنما يجىء كثيرا فى الشّعر ، وليس كذلك لمجيئه كثيرا فى كتاب الله تعالى : قال الله تعالى :

(لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ)(٣).

__________________

(١) الشطر الثانى لبيت من شواهد سيبويه ١ / ١٠٧ وهو للمسيب بن زيد بن مناة الغنوى. وصدره :

لا تنكر القتل وقد سبينا

(٢) هذا الشطر الأول لبيت من شواهد سيبويه ١ / ١٠٨ ولم ينسبه لقائل ، وعجزه :

فإن زمانكم زمن خميص

(٣) سورة إبراهيم ٤٣

وقال تعالى :

(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(١).

وقال تعالى :

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ)(٢).

ومن قرأ بإمالة «أبصارهم» فلمكان كسرة الرّاء ؛ فإنّ الرّاء إذا كانت مكسورة ، جلبت الإمالة ، وإذا كانت مضمومة أو مفتوحة منعت الإمالة ، وإن وجد سببها. ومن قرأ «غشاوة» بالرّفع ؛ فلأنّه مبتدأ وخبره الجارّ والمجرور قبله ، ومن قرأ «غشاوة» بالنصب ، فعلى تقدير فعل ، والتقدير ، وجعل على أبصارهم غشاوة.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) (٨).

إنما حرّكت نون «من» لالتقاء الساكنين ، وكان الفتح أولى بها من الكسر ، وإن كان هو الأصل (٣) ، لانكسار الميم قبلها ، وكثرة الاستعمال ، ألا ترى أنهم قالوا : عن الناس ، فكسروا النون لفتحة العين قبلها ، وجوّزوا كسرة النّون فى قولهم : من ابنك. لعدم كثرة الاستعمال ، وإن وجدت الكسرة قبلها.

«والناس» عند سيبويه أصله ، أناس ؛ لأنه من الأنس أو الإنس ، فحذفت الهمزة ، وجعلت الألف واللام عوضا عنها كما جعلت عوضا عن همزة (إله) ووزن النّاس (العال) لذهاب الفاء منه.

وقيل : أصله (نوس) على وزن فعل ، من ناس ينوس إذا اضطرب. فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، والدليل على أن الألف منقلبة عن واو ، قولهم فى تصغيره : نويس.

__________________

(١) سورة الأعراف ١٥٧

(٢) سورة سبأ ١٥

(٣) (وإن كان هو الأصل) ب فى هامش الصفحة

وذهب الكوفيون إلى أن أصله : نسى. على وزن فعل (١) من نسيت. فقدّمت اللّام إلى موضع العين فصار نيسا فتحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، ووزنه (فلع) لتقدّم اللّام على العين.

و «يقول» أصله (يقول) على يفعل بضمّ العين ، فنقلت الضمة عن الواو التى هى العين إلى القاف التى هى الفاء لاعتلالها فى الماضى ، وهو (قال) لأنه الأصل فى الإعلال فى الكلام (٢) ، ووحّد الضمير فى الفعل حملا على لفظ (من) ولو جمع فى الكلام (٣) حملا على المعنى لكان جائزا لأنّها تارة يحمل الضمير فى الفعل على لفظها فيوحّد ، وتارة يحمل على معناها فيجمع.

قال الله تعالى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)(٤)

وقال فى موضع آخر :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٥)

قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) (٩)

جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (من) ويجوز أن تكون جملة مستأنفة فلا يكون لها موضع من الإعراب.

قوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (٩)

وقرئ «وما يخدعون».

__________________

(١) (على وزن فعل) ب

(٢) (فى الكلام) ب

(٣) ولو جمع (الضمير فى الفعل) ب

(٤) سورة الأنعام ٢٥

(٥) سورة يونس ٤٢

فمن قرأ : «يخادعون» بالألف أراد به ازدواج الكلام والمطابقة لأن قبله (يخادعون الله) ليطابق لفظ المنفىّ لفظ المثبت ، لأنّه نفى بقوله : وما يخادعون ، ما أثبت لهم بقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ). ومعنى (يخادعون الله) أى ، يفعلون فعل المخادع ، وإن كان الحقّ تعالى ، لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السّماء. وقيل : يخادعون الله ، أى ، يخادعون نبىّ الله. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، كقوله تعالى :

(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)(١)

أى ، حبّ العجل. وكقوله تعالى :

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(٢)

أى ، أهل القرية وأهل العير وهذا كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠)

«الباء» تتعلّق بفعل مقدّر ، والتقدير ، ولهم عذاب أليم استقرّ لهم بما كانوا يكذبون و «ما» مع الفعل بعدها فى تقدير المصدر ، والتقدير ، بكونهم يكذبون. و «يكذبون» جملة فعلية فى موضع نصب ، لأنّها خبر كان.

وفى «يكذبون». قراءتان ، التّخفيف والتّشديد ، فالتخفيف من كذب ، والتشديد من كذّب. وكذّب أبلغ من كذب ، لأن من كذّب الرّسل فقد كذب أيضا.

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) (١١)

«إذا» ظرف زمان مستقبل ، وهو مبنىّ لثلاثة أوجه :

__________________

(١) سورة البقرة ٩٣

(٢) سورة يوسف ٨٢

الأول : أنّها تضمّنت معنى الحرف ، لأنّ كلّ ظرف لا بدّ فيه من تقدير حرف وهو (فى) ألا ترى أنّك إذا قلت : صمت يوما ، وقمت ليلة أى ، صمت فى يوم ، وقمت فى ليلة. فلمّا لم يجز ها هنا فيه تقدير (فى) فكأنّه قد تضمّن معنى الحرف ، والاسم إذا تضمّن معنى الحرف ، وجب أن يكون مبنيّا.

والثانى : أنه لا يفيد مع كلمة واحدة كما أنّ الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة ، والحرف مبنىّ فكذلك ما أشبهه.

والثالث ، أنّه تضمّن معنى حرف الشّرط ، والاسم متى تضمّن معنى الحرف ، وجب أن يكون مبنيا.

واختلفوا فى العامل فيه ، فمنهم من ذهب إلى أنّ العامل فيه (قيل). ومنهم من ذهب إلى أنّ العامل فيه فعل دلّ عليه الكلام.

قال : ولم يجز أن يكون العامل فيه (قيل) لأنّه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف (١).

ومنهم من ذهب إلى أنّ العامل فيه (قالوا) وهو جواب (إذا).

و «قيل» أصله (قول) فنقلت الكسرة من الواو إلى القاف فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

وقرئ بإشمام القاف الضّمّة ، تنبيها بالإشمام على أصل الكلمة.

وحكى عن بعض العرب إخلاص ضمّة القاف ، وحذف كسرة الواو ، وإبقاء الواو على حالها.

و «لهم» فى موضع رفع بقيل ، لأنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله.

قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١١)

«ما» من «إنّما» كافّة ، وليس للجملة بعدها موضع من الإعراب.

__________________

(١) (والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف) ب

وزعم ابن السّرّاج أنّ لها موضعا من الإعراب وهو الرفع بخبر (إنّ) وذلك غلط : لأنّ (ما) كفّت (إنّ) عن العمل ، فلا تعمل نصبا ولا رفعا ، لا لفظا ولا موضعا ، و «ما» تأتى فى كلامهم على وجوه كثيرة ، وقد أفردنا فيها كتابا.

و «نحن» ضمير مرفوع (١) منفصل ، وهو مبنىّ لأنّه مضمر ، وبنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وبنى على الضّم لأنّه يقع للجمع والواو من علامات الجمع ، والضمّ أخو الواو فكان الضمّ أولى.

وقيل : هو من علامات المرفوع فحرّك بما يشبه الرّفع وهو الضّمّ ، وقد قيل فيه عدة أقاويل (٢).

قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (١٢)

«ألا» حرف استفتاح ، وكسرت (إنّ) لأنّها مبتدأة.

ويجوز أن تفتح إذا جعلت (ألا) بمعنى ، حقّا. و (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) يجوز أن يكون (هم) مبتدأ. و (الْمُفْسِدُونَ) خبرا ، والجملة من المبتدإ والخبر فى موضع رفع لأنّها خبر (إنّ).

ويجوز أن يكون (هم) فصلا لا موضع لها من الإعراب ، أو تكون توكيدا للهاء والميم فى (إنّهم) ، و «والمفسدون» خبر (إن).

قوله تعالى : (كَما آمَنَ النَّاسُ) (١٣)

«الكاف» فى (كما) فى موضع نصب لأنّها وصف لمصدرا محذوف ، وتقديره ، آمنوا إيمانا كما آمن الناس. و «ما» هاهنا مصدريّة وتقديره ، كإيمان الناس.

__________________

(١) (ضمير رفع) ب

(٢) (وقد قيل فيه عدّة أقاويل) أ

وكذا القول فى قوله تعالى :

(كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) (١٣).

قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥)

«يعمهون» (١) جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم (٢) فى (يمدّهم) والعامل فيه الفعل ، وهو (يمدّ) ، وتقديره : يمدّهم عمهين وإن شئت (عامهين) فقد قالوا عمه فهو عمه وعامه إذا تحيّر.

قوله تعالى : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) (١٦)

أصل «اشتروا» اشتريوا ، فتحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وحذفت الألف لسكونها وسكون واو الجمع بعدها ، وكان حذفها أولى لأنّ الواو دخلت لمعنى ، والألف ما دخلت لمعنى ، فكان حذفها أولى.

وقيل : استثقلت الضمّة على الياء فحذفت تخفيفا ، فاجتمع ساكنان الياء والواو ، فحذفت الياء لالتقاء السّاكنين ، وكانت أولى بالحذف لما قد بيّنا (٣) فى الوجه الأول وهو أقيس القولين ؛ وحرّكت الواو لالتقاء الساكنين ، ولم تحرّك بالكسر على الأصل فى التحريك لالتقاء الساكنين ، فرقا بين واو الجمع ، والواو الأصليّة ، نحو ، لو استطعنا ، وكانت الضمة أولى لثلاثة أوجه :

الأول : أنّها واو جمع ، فضمّت كما ضمّت النّون فى (نحن).

والثانى : أنّها حرّكت بمثل حركة الياء المحذوفة قبلها.

والثالث : لأنّ الضمة فى الواو أخفّ من الكسرة التى هى الأصل ، لأنّها من جنسها.

__________________

(١) (يعمهون) ب

(٢) (والميم) ب

(٣) (لما قدمنا فى القول الأول) ب

وقد قرئ بالكسر على الأصل ، وقرئ بالفتح طلبا للخفّة ، وأجاز الكسائى همزها لانضمامها وهو ضعيف لأن الواو إنّما تقلب همزة إذا انضمّت ضمّا (١) لازما ، وهذه ضمة عارضة لالتقاء الساكنين ، فلا تقلب لأجلها همزة.

قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧)

إنما قال : (اسْتَوْقَدَ) و «ما حوله» (٢) بالإفراد. ثم قال : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ) بالجمع ، لأنّه نزّل (الّذى) منزلة (من) ، و (من) يردّ الضمير إليها تارة بالإفراد ، وتارة بالجمع ، ونظير هذه الآية. قوله تعالى :

(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)

بالإفراد ، ثم قال :

(أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(٣) بالجمع.

و «استوقد» فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون (استوقد) بمعنى (أوقد) كاستجاب بمعنى أجاب فيكون متعدّيا إلى مفعول واحد وهو قوله : نارا.

والثانى : أن تكون السّين فيه للطّلب فيكون متعدّيا إلى مفعولين ، والتقدير ، استوقد صاحبه. فصاحبه المفعول الأول ، ونارا المفعول الثانى ، (فَلَمَّا أَضاءَتْ) «لما» ظرف زمان ، والعامل فيه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ). و «أضاءت» أصله ، أضوأت. لأنّه من الضّوء ، إلّا أنّهم نقلوا فتحة الواو إلى ما قبلها ، وقلبت ألفا لتحرّكها فى الأصل وانفتاح ما قبلها الآن ، فصار ، أضاءت. و «ما» اسم

__________________

(١) (ضمة) ب

(٢) (وما حولها) ب

(٣) سورة الزمر ٣٣

موصول بمعنى الذى. و «حوله» الصّلة ، وهو فى تقدير الجملة ، و «ما» فى موضع نصب لأنّه مفعول أضاءت ؛ وأضاءت ، يكون لازما ، ومتعديا ، والأفعال التى تكون لازمة ومتعدية تنيّف على ثمانين فعلا.

و (لا يُبْصِرُونَ) جملة فعلية منفية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (تركهم) أى ، تركهم فى ظلمات غير مبصرين.

قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (١٨)

«صم» جمع أصمّ ، و «بكم» جمع أبكم ، وعمى جمع أعمى. وهو مرفوع لأنّه خبر مبتدإ محذوف ، وتقديره ، هم صم ، هم بكم عمى (١). وقد قرئ بالنصب لوجهين :

أحدهما : على الحال من الهاء والميم فى (تركهم).

والثانى : على تقدير (أعنى).

قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (١٩)

«أو» هاهنا للإباحة ، والكاف من (٢) «كصيّب» فى موضع رفع بالعطف على الكاف فى قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) لأنّه مرفوع لكونه خبرا لقوله مثلهم. وتقديره ، مثلهم كمثل أصحاب صيّب ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والدليل على صحة هذا التقدير قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) فعود هذا (٣) الضّمير يدلّ على صحّة هذا التقدير ، وأصل «صيّب» صيوب ، لأنّه من صاب يصوب إذا نزل ، ووزنه عند البصريين (فيعل) إلّا أنّه لمّا اجتمعت الياء والواو ، والسابق منهما ساكن قلبوا الواو

__________________

(١) (هم صم بكم عمى) ب

(٢) (فى) ب

(٣) (هذا) ب

ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، وأصله عند الكوفيين (صويب) على وزن (فعيل) فقلبوا وأدغموا ، وفى المسألة كلام طويل ذكرناه مستوفى فى كتابنا الموسوم بالإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) (١٩).

(فِيهِ ظُلُماتٌ) جملة (٢) فى موضع جرّ على الوصف لصيّب ، و (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) جملة فعلية فى موضع جرّ صفة لأصحاب المقدّر ، والعائد من الصّفة إلى الموصوف هو الضمير الذى هو الفاعل. و (حَذَرَ الْمَوْتِ) منصوب لأنّه مفعول له ، والعامل فيه (يجعلون) والتقدير ، يجعلون أصابعهم فى آذانهم من الصواعق لحذر الموت ، فحذفت اللّام ، فاتّصل الفعل به فنصبه.

قوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ) (٢٠)

«يكاد» مضارع كاد ، وهو فعل من أفعال المقاربة ينفى فى الإيجاب ويوجب فى النّفى ، تقول : كاد يفعل كذا ، إذا قارب الفعل ولم يفعل. وما كاد يفعل كذا إذا فعله بعد إبطاء.

قال الله تعالى :

(فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٣)

أى ، فعلوا الذّبح بعد إبطاء ، وأصل كاد يكاد ، كود يكود. مثل ، خاف يخاف أصله ، خوف يخوف ، فقلبت الواو فى الماضى ألفا لتحرّكها وانفتاح

__________________

(١) المسألة ١١٥ ـ ٢ / ٤٦٩ الإنصاف

(٢) (فيه ظلمات جملة) أ

(٣) سورة البقرة ٧١

ما قبلها ، وقلبت فى المضارع ألفا لأنّهم نقلوا حركتها إلى ما قبلها فتحرّكت فى الأصل وانفتح ما قبلها الآن.

قوله تعالى : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (٢٠).

«كلّما» كلمة مركبة من (كلّ) و (ما) وتفيد التّكرار وتقتضى الجواب ، وهى منصوبة لأنّها ظرف زمان ، والعامل فيها جوابها وهو ، مشوا.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (٢١).

«يا» حرف نداء «وأىّ» اسم منادى مضموم ، و «ها» تنبيه وقع بين المنادى والمنادى.

«والناس» وصف «أىّ» ، ولا يجوز فيه النصب على الموضع لأنّه المقصود بالنّداء ، ولهذا لا يجوز حذفه ، بخلاف غيره من الأوصاف.

وذهب أبو عثمان المازنى (١) إلى أنّه يجوز فيه النّصب حملا على الموضع ، كقولهم : يا زيد الظريف بالنصب حملا على الموضع. والأكثرون على خلافه.

قوله تعالى : (تَتَّقُونَ) (٢١).

أصل «تتّقون» (توتقيون) على وزن (تفتعلون) من وقيت ، وقلبت الواو تاء وأدغمت فى تاء الافتعال ، واستثقلت الضمّة على الياء ، فنقلت إلى ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون واو الجمع بعدها ، ووزنه بعد الحذف (يفتعون) لحذف اللام منه.

قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (٢٢)

«الذى» يجوز أن يكون فى موضع نصب ورفع.

__________________

(١) من العلماء والرواة الموثوق بهم ، له تواليف فى النحو والتصريف ، توفى سنة ٢٤٧ ه‍ (عن نزهة الألبا).

فأمّا النصب فمن أربعة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا لأنّه صفة (ربّكم).

فى قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٢١).

والثانى : أن يكون منصوبا لأنّه مفعول (تتّقون).

والثالث : أن يكون منصوبا على المدح (١) ، بتقدير فعل.

والرابع : أن يكون منصوبا صفة للفظ الله.

من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠)

وأمّا الرفع فمن ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنّه خبر مبتدإ محذوف وتقديره ، هو الّذى.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنّه مبتدأ وخبره.

(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) (٢٢).

وكان الأصل أن يقول (٢) : فلا تجعلوا له أندادا. ليعود من الصّفة إلى الموصوف ذكر إلّا أنّه أقام المظهر مقام المضمر للتّفخيم.

قال الشاعر :

١٠ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شىء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٣)

وإقامة المظهر مقام المضمر كثير فى كلامهم.

__________________

(١) (على المدح) أ

(٢) (يقال) ب

(٣) نسب سيبويه هذا البيت لسوادة بن عدى ، وقال الأعلم الشنتمرى : وقيل : لأمية بن أبى الصلت ١ / ٣٠ سيبويه.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنّه صفة للفظة (الله).

من قوله :

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (٢٠).

قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢).

«أنتم» ضمير المرفوع المنفصل ، وأصله (أنتمو) فحذفت الواو تخفيفا ، والضمير منه (أن) ، والتاء للخطاب ، والميم لمجاوزة الواحد ، والواو المحذوفة هى واو الجمع.

وقيل : الميم والواو جميعا لجمع التذكير ، كما قالوا : (أنتن) فزادوا حرفين لجمع التأنيث ، وضمّت التاء فى (أنتم) إتباعا لضمة الميم فى (أنتمو) ، وضمت الميم فى (أنتمو) توطيدا للواو ، وضمّت التاء فى (أنتما) فى التّثنية ، وإن لم تكن فى الميم ضمّة حملا للتثنية على الجمع ، كما قالوا : نحن.

و «أنتم» مبتدأ ؛ و «تعلمون» جملة فعلية فى موضع الخبر ، والمبتدأ وخبره فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (تجعلوا).

قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٢٣).

«الهاء» فى «مثله» فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون عائدة على «عبدنا» وتكون (من) لابتداء الغاية ، أى ، ابتدئوا فى الإتيان بالسّورة من مثل محمد.

والثانى : أن تكون عائدة على «ما نزّلنا» وهو القرآن ، فتكون (من) زائدة وهو قول أبى الحسن الأخفش ، وتقديره ، فأتوا بسورة مثله ، كما جاء فى الآية الأخرى :

(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ)(١)

قوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) (٢٥).

«أتوا» أصله (أتيوا) فاستثقلت الضّمّة على الياء ، فنقلت إلى التّاء ، فبقيت الياء ساكنة ، وواو الجمع بعدها ساكنة ، فاجتمع ساكنان ، وهما لا يجتمعان ، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وكان حذف الياء أولى لأنّها لم تدخل لمعنى ، فكان حذفها أولى.

و «متشابها» منصوب على الحال من المضمر فى (به) ، والعامل فيه (أتوا).

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢٦).

«لا يستحى» جملة فعلية منفية فى موضع رفع لأنّها خبر (إنّ) و (أن يضرب) فى موضع نصب (بيستحى) لأنّ تقديره ، لا يستحى من أن يضرب. فلما حذف حرف الجرّ تعدّى الفعل إليه ، وحسن حذف حرف (٢) الجرّ هنا لأنّ (أن) هنا مصدريّة ، و (أن) المصدرية تطول بصلتها ، فحسن الحذف لطول الكلام ، ولهذا لو سبكت منها ومن صلتها مصدرا لم يجز حذف حرف الجرّ لعدم طول الكلام ، ألا ترى أنّك لو فلت فى : عجبت من أن يفعل كذا : عجبت أن يفعل كذا ، لكان جائزا ؛ ولو قلت فى : عجبت فعلك كذا ، لكان ممتنعا ، و «ما» فى قوله : (مَثَلاً ما بَعُوضَةً) فيها ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون زائدة. أى ، مثلا بعوضة ، و «بعوضة» بالنّصب على البدل من (مثل).

__________________

(١) سورة يونس ٣٨

(٢) (حرف) ب

والثانى : أن تكون (ما) نكرة بدلا من (مثل) أى ، مثلا شيئا بعوضة ، أى ، ببعوضة.

والثالث : أن تكون بمعنى الذى ، و «بعوضة» مرفوع لأنّه خبر مبتدإ مقدّر ، وتقديره ، الذى هو بعوضة. كقوله تعالى :

(تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)(١)

أى هو أحسن.

(فَما فَوْقَها) (ما) عطف على (ما) الأولى أو على (بعوضة) إن جعلت (ما) زائدة.

قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ) (٢٦).

«أمّا» حرف فيه طرف من الشّرط ، ألا ترى أنّك تقول : أمّا زيد فعالم. فيكون المعنى ، مهما يكن من شىء فزيد عالم. ولهذا وقع فى جوابها الفاء ، والأصل فى الفاء أن تقع مقدّمة على المبتدإ ، إلّا أنّها أخّرت إلى الخبر لئلّا يلى حرف الشّرط فاء الجواب وجعل المبتدأ عوضا ممّا يليه حرف الشرط من الفعل ، والدليل على أنّ الفاء فى تقدير التقديم قولهم : أمّا زيدا فأنا ضارب. فينصبون زيدا بضارب ، وإن كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ، والمبتدأ هاهنا (الّذين).

و «فيعلمون» وما بعده الخبر.

قوله تعالى : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) (٢٦).

«ماذا» فيها وجهان :

أحدهما : أن تجعل «ماذا» بمنزلة كلمة واحدة للاستفهام فى موضع نصب بأراد ، والمعنى ، أىّ شىء أراد الله بهذا المثل.

__________________

(١) سورة الأنعام ١٥٤

والثانى : أن تجعل (ذا) بمعنى الّذى ، فتكون (ما) فى موضع رفع لأنّه مبتدأ وما بعدها الخبر ، ولا يعمل فيها (أراد) لأن التقدير ، أىّ شىء الذى أراده الله. فهو مشغول بالضّمير العائد إلى الاسم الموصول ، ولأنّه وقع فى صلة الّذى ، وما بعد الاسم الموصول لا يعمل فيما قبله ولا فيه.

و «مثلا» منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على التمييز.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من (ذا) فى (هذا) ، والعامل فيه ، ما فى (هذا) من معنى الفعل وهو ، أنبّه عليه (١) ، أو أشير إليه ، لأن معناه الإشارة والتنبيه.

قوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) (٢٧)

«أن يوصل» فى موضعه وجهان :

أحدهما ، أن يكون فى موضع نصب على البدل من (ما).

والثانى : أن يكون فى موضع جرّ على البدل من الهاء فى (به).

قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (٢٨).

«كيف» اسم ، وفى الدلالة على إسميّتها ، وجهان :

أحدهما : ما حكى عن العرب ، أنّهم قالوا : على كيف تبيع الأحمرين ، فأدخلوا عليها حرف الجرّ ، فدل على أنّها اسم.

والثانى : وهو أوجه الوجهين ، وهو أن تقول : لا تخلو كيف إمّا أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا ؛ بطل أن يقال حرف لأنّها تفيد مع كلمة واحدة ، والحرف

__________________

(١) (عليه) ب

لا يفيد مع كلمة واحدة ، وإنّما وقعت به الفائدة فى النّداء ، نحو ، يا زيد. مع كلمة واحدة باعتبار الجملة المقدّرة لا باعتبار الحرف مع كلمة واحدة.

وبطل أيضا أن تكون فعلا ، لأنها لا تخلو إمّا أن تكون فعلا ماضيا أو مضارعا أو أمرا ، بطل أن تكون فعلا ماضيا لأنّ الماضى لا يخلو إمّا أن يكون على فعل كضرب وذهب ، أو على فعل كشرف وظرف ، أو على فعل كسمع وعلم ، و (كيف) على وزن فعل.

وبطل أن تكون فعلا مضارعا ، لأنّ الفعل المضارع ما فى أوّله إحدى الزوائد الأربع ، و (كيف) ليس فى أوّلها إحدى الزوائد الأربع.

وبطل أن يكون أمرا ، لأنّ معناها الاستفهام ، والاستفهام غير الأمر.

وإذا بطل أن تكون حرفا أو فعلا ، تعيّن أن تكون اسما ، وفى (كيف) كلام طويل وقد أفردنا فيه كتابا. وموضعها هاهنا نصب على الحال بتكفرون.

قوله تعالى (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (٢٩).

(سَبْعَ سَماواتٍ) منصوب ، وذلك من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على البدل من الهاء والنون فى (سوّاهنّ).

والثانى : أن يكون منصوبا لأنّه مفعول (سوّى) ، على تقدير ، فسوّى منهنّ سبع سماوات ، فحذف حرف الجرّ ، فصار (سوّاهنّ) ، كقوله :

(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ)(١)

أى ، من قومه ، ثم حذف حرف الجرّ ، فاتّصل (سوّاهنّ) بما بعده ، فنصبه ، وأعاد الضمير بلفظ الجمع على السماء ، ولفظها واحد ، لأنّها جمع (سماوة) كبرّة وبرّ ، وذرّة وذرّ. فلما حذفت الهاء انقلبت الواو همزة لوقوعها طرفا وقبلها ألف زائدة.

__________________

(١) سورة الأعراف ١٥٥

وقيل : قلبت ألفا لأن الألف التى قبلها زائدة خفيّة ساكنة ، والحرف الساكن حاجز غير حصين ، فكأنّه قد تحرّكت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان ، فقلبت المنقلبة همزة لالتقاء الساكنين ، وكان قلبها إلى الهمزة أولى لأنّها أقرب الحروف إليها.

قوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٩).

قرئ ، «هو» بضمّ الهاء وسكونها ، فمن ضمّها فعلى الأصل ، ومن أسكنها جعل الواو كأنّها من نفس الكلمة لأنّها لا تنفصل عنها ، وهو بمنزلة عضد ، فكما جاز أن يقال فى : عضد عضد بالإسكان. فكذاك هاهنا ، وحكم الفاء مع (هو) حكم الواو فى جواز الضّمّ والسكون بخلاف (ثمّ) ، ولم يجز السّكون معها إلّا الكسائى (١) ، فإنّه قرأ.

(ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٢)

بسكون الهاء حملا على الواو والفاء لأنّها من أخواتهما ، وفرّق الأكثرون بينهما ، لأنّ (ثمّ) منفصلة منها ، وتقوم بنفسها. بخلاف الواو والفاء.

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٣٠).

«إذ» ظرف زمان ماض ، وهو مبنى لوجهين :

أحدهما ، لتضمّنه معنى الحرف ، لأنّ كلّ ظرف لا بدّ فيه من تقدير حرف ، وهو (فى). ألا ترى أنّك تقول : صمت يوما ، وقمت ليلة ، أى ، فى اليوم وفى

__________________

(١) عالم أهل الكوفة ، وإمامهم غير مدافع ، أبو الحسن على بن حمزة الكسائى توفى سنة ٢٨٩ ه

(٢) سورة القصص ٦١

اللّيلة ، فلمّا لم يجز هاهنا فيه تقدير (فى) صار كأنّه قد تضمّن معنى الحرف ، والاسم إذا تضمّن معنى الحرف وجب أن يكون مبنيا.

والثانى : أن يكون بنى لأنّه لا يفيد مع كلمة واحدة كما أنّ الحرف كذلك ، والحرف مبنى ، فكذلك ما أشبهه وبنى على السكون لأنّه الأصل فى البناء ، وهو فى موضع نصب بفعل مقدّر ، وتقديره ، واذكر إذ قال ربّك للملائكة.

وقيل العامل فيه قال.

وقيل لا يجوز أن يكون هو العامل لأنّه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف ، لأنّ رتبة العامل قبل المعمول ، ورتبة المضاف إليه بعد المضاف ، فلم يعمل فيه لتنافى أن يكون كلّ واحد منهما قبل الآخر.

و «الملائكة» جمع (ملك) على أصله فى الهمز بعد القلب وهو ، ملأك ، وأصل ملأك ، مألك ، لأنّه من ألك إذا أرسل ، ووزنه على الأصل مفعل. فنقلت العين إلى موضع الفاء فصار ملأكا ، كما قال الشاعر :

١١ ـ فلست لإنسىّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السماء يصوب (١)

ووزنه معفل ، لنقل العين إلى موضع الفاء ، ثم حذفت الهمزة من ملأك ، فصار ، ملكا ووزنه (معل) ، لحذف الفاء.

وقيل : هو مشتق من (لأك) إذا أرسل أيضا ، فاللام فاء ، والهمزة عين ، ولا قلب فيه.

وقيل : ملك هو مشتق من ملكت. فالميم أصلية ووزنه فعل.

ووزن ملائكة على قول من جعله مشتقا من (ألك) معافلة (٢) وعلى قول

__________________

(١) من شواهد سيبويه ، وقد نسبه الشنتمرى إلى علقمة بن عبدة ٢ ـ ٣٧٩ سيبويه.

(٢) ب : (مفاعلة). تحريف.

من جعله من (ملكت) فعائلة. ومجىء هذا الوزن فى الجمع يدلّ على فساد قول من جعل (ملكا) على وزن فعل ، لأن (فعلا) لا يجوز أن يجمع على فعائلة ، والهاء فى (ملائكة) أصلها التاء ، الدليل على ذلك أنّها تثبت فى الوصل ، والوصل هو الأصل ، فدلّ على أنها الأصل ، وإنما تقلب هاء فى الوقف لأنّه باب تغيير ، وكذلك الهاء فى (خليفة) منقلبة عن تاء التأنيث ، وقلبها هاء من تغييرات الوقف.

وكان الكسائىّ يميل فتحة الفاء من (خليفة) فى حالة الوقف ، وكذلك مذهبه فى كلّ موضع وقعت فيه تاء التأنيث فى حالة الوقف إذا وقعت بعد أحد الحروف التى يجمعها قولك : (فجثت زينب لذود شمس) وذلك لأنّ الهاء تشبه الألف ، والفتحة قبل الألف تمال : فقد حكى سيبويه (١) (طلبنا يريدون طلبنا) فيميلون فتحة النون قبل الألف ، فكذلك هاهنا.

قوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) (٣٠)

«الباء» فى «بحمدك» (٢) تسمى باء الحال ، والمعنى ، نسبحك حامدين لك ، ونظيره قوله تعالى :

(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)(٣).

أى ، دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، ومنه قولهم خرج بسلاحه أى ، متسلّحا : وقال الشاعر :

١٢ ـ مشينا مشية الليث غدا والليث غضبان

بضرب فيه تفجيع وتخضيع وإقران (٤)

__________________

(١) عمرو بن قنبر ، أعلم الناس بالنحو بعد أستاذه الخليل. وهو من موالى بنى الحارث ابن كعب من أهل فارس توفى سنة ثمانين ومائة. (عن طبقات الزبيدى).

(٢) (الباء فى بحمدك) ب.

(٣) سورة المائدة ٦١

(٤) هذا البيت جاء فى ديوان الحماسة (١ ـ ٢٠) منسوبا للفند الزّقانىّ ، فى حرب البسوس

أى ، مشينا ضاربين.

قوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٠).

قرئ بفتح الياء وسكونها ، فمن فتحها ، قال أوّلا : إنّما بنيت على حركة لأنّ الأصل فى كلّ حرف مفرد أن يبنى على حركة تقوية له ، وكانت الحركة فتحة ، لأنّها أخفّ الحركات ، فياء المتكلم ككاف الخطاب ، فكما حرّكت الكاف بالفتحة فكذلك الياء ، ومن أسكنها فلأنّ الحركة تستثقل على الياء لأنّها حرف علّة ، وحرف العلة تستثقل عليه الحركة ، ولهذا قالوا : معدى كرب ، وقاليقلا ، وبادى بدا ، بسكون الياء فيها كلّها ، وإن كان ينبغى أن تفتح كحضر موت وبعلبكّ لأنّ الحركة تستثقل عليها.

قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) (٣١).

إنّما قال : عرضهم ولم يقل : عرضها لأنّه أراد مسمّيات الأسماء ، وفيهم من يعقل ، وفيهم من لا يعقل ، فغلّب جانب من يعقل على جانب ما لا يعقل ، فجمعهم بضمير من يعقل (١).

قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ) (٣٢).

«سبحان» ينصب انتصاب المصادر ، وهو عند المحققين اسم أقيم مقام المصدر ، وليس بمصدر لأنّ سبّح فعّل ، وفعّل يجىء مصدره على التفعيل والفعال لا على فعلان.

وزعم قوم أنّه مصدر. كقولهم : كفّر عن يمينه تكفيرا وكفرانا. والصحيح أنّ سبحانا وكفرانا اسمان أقيما مقام مصدرين وليسا بمصدرين (٢).

__________________

(١) (فجمعهم جمع من يعقل) ب.

(٢) (وليسا بمصدرين) ب.

قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٣٢).

«أنت» فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون «أنت» مبتدأ ، و «العليم» خبره ، و «الحكيم» صفة له أو خبر بعد خبر ، والجملة من المبتدإ والخبر فى موضع رفع لأنّه خبر (إنّ).

والثانى : أن يكون «أنت» فصلا ولا موضع لها من الإعراب.

و «العليم» خبر (إنّ) ، و «الحكيم» صفة له ، أو خبر بعد خبر وأجريت (أنت) توكيدا للكاف المنصوبة بإنّ ، وإن لم يجز دخول (أنّ) على (أنت) كما تدخل على الكاف ، لأنّ (أنت) صارت تابعة وقد يكون للتابع ما ليس للمتبوع ، ألا ترى أنّك تقول : يا زيد والحارث ، ولا يجوز ، يا الحارث ، لأنّ الواو تابع ويا متبوع ، فكان للتابع ما ليس للمتبوع ، وكذلك جاز ، إنّك أنت ، ومررت بك أنت. وإن لم يجز ، إنّ أنت ، ولا مررت بأنت.

ولا يجوز فى هذا النحو أن تجمع بين ضميرين متواليين للتوكيد ، فلا يجوز أن يقال : أكرمتك أنت إيّاك ، كما لم يجمع فى التوكيد بين (إنّ) واللّام فى نحو ، إنّ لزيدا فى الدار. فإن لم يكونا متواليين كان جائزا ، كما إذا فصل فى التوكيد بين إنّ واللّام. كقولك : إنّ فى الدار لزيدا وقد أجاز سيبويه : أظنّه هو خيرا منه إيّاه. لوجود الفصل ، ولم يجز ، أظنّه هو إيّاه خيرا منه. لعدم الفصل ، وقد أجاز الخليل (١) الجمع بين الضميرين المتواليين إذا كانا بلفظين مختلفين ، كما إذا اختلف مذهب التأكيد والوصف.

__________________

(١) أبو عبد الرحمن ابن أحمد البصرى الفرهودى الأزدى. سيد أهل الأدب قاطبة فى علمه وزهده. صاحب معجم العين ، ومخترع علم العروض ت ١٦٠ ه‍.

قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (٣٤).

«قلنا» أصله (قولنا) إلّا أنّه تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، فصار (قالنا) فالتقى ساكنان وهما الألف واللّام ، فحذفوا الألف لالتقاء الساكنين ، فصار (قلنا) وضمّت القاف (١) ليدلّوا على أنّه من ذوات الواو ، وإن شئت أن تقول : نقلناه من (قولنا) بفتح العين إلى (قولنا) بضمّها ، ثم نقلنا الضّمة من العين إلى الفاء فبقيت الواو ساكنة ، واللام ساكنة ، فحذفوا الواو لالتقاء الساكنين ، ووزن (قلنا) فى كلا الوجهين (قلنا) لذهاب العين. و «آدم» لا ينصرف للعجمة والتعريف.

وقيل : هو مشتق من الأدمة ، ولا ينصرف لوزن الفعل والتعريف وأصله (أأدم) بهمزتين ، إلّا أنّه قلبت الهمزة الساكنة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها نحو ، آخر وآدر. وأصله أأخر وأأدر. فقلبوا الهمزة الساكنة الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها.

و «إبليس» منصوب على الاستثناء المنقطع على قول من قال : إنّه لم يكن من الملائكة. أو لأنّه استثناء من موجب على قول من قال : إنّه من الملائكة ولا ينصرف للعجمة والتعريف.

وقيل : إنّه مشتق من (أبلس) إذا يئس وليس بصحيح لأنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون منصرفا ، لأنّه ليس فيه علة منع الصرف إلّا التعريف ، والتعريف وحده لا يكفى فى منع الصرف.

قوله تعالى : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) (٣٥).

__________________

(١) (اللام) أ ، (القاف) ب.

«رغدا» منصوب لأنّه صفة مصدر محذوف ، تقديره أكلا رغدا.

وذهب ابن كيسان (١) إلى أنّه منصوب على الحال.

قوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٥).

فى حذف النون من «تكونا» ، وجهان :

أحدهما : أن يكون حذفها للنصب بتقدير (أن) لأنّه جواب النهى ، وتكون (أن) مع الفعل فى تقدير المصدر ، والفاء عاطفة له على المصدر الذى دلّ عليه قوله : ولا تقربا. كأنّه قال : لا يكن منكما قربان وكون من الظّالمين.

والثانى : أن يكون حذفها للجزم بالعطف على (ولا تقربا).

قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (٣٧).

قرئ برفع (آدم) ونصب كلمات ونصب (آدم) ورفع كلمات فأيّهما رفعته كان فاعلا لتلقّى ، وأيّهما نصبته كان مفعوله ، وإسناد هذا الفعل إلى كل واحد منهما جائز ، كإسناده إلى الآخر. ألا ترى أنّك تقول : تلقّيت الحديث ، وتلقّانى الحديث. فيكون جائزا ، لأنّ كلّ ما تلقّيته فقد تلقّاك.

قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (٣٦).

هذه جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من الضمير فى ، (اهبطوا) ، وفى الكلام حذف واو واستغناء عنها بالضمير العائد إلى المضمرين فى (اهبطوا) وتقديره ، قلنا اهبطوا وبعضكم لبعض عدو ، أى ، اهبطوا فى هذه الحالة ، ولو لا الضمير العائد لما جاز حذف الواو.

ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، فلا يكون لها موضع من الإعراب.

قوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) (٣٨).

__________________

(١) أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان النحوى. ت ٢٩٩ ه‍.

«إمّا» أصلها (إن) الشرطية زيدت عليها (ما) للتأكيد ، وتسمّى المسلّطة ، لأنّها سلّطت نون التوكيد على الفعل بعدها ، وهو مبنىّ لدخول نون التوكيد عليه ، لأنّها أكّدت فيه الفعليّة فردتّه إلى أصله وهو البناء.

قوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) (١) (٣٨).

«من» شرطية مبنية لأنّها تضمنت حرف الشّرط وموضعها رفع لأنّها مبتدأ ، و «اتّبع» خبره ، وهو فى موضع جزم (بمن) الشّرطية ، ولم يؤثّر فى لفظه لأنّه فعل ماض ، وإن نقلته (من) الشّرطية إلى معنى الاستقبال. «وهداى» مفعوله. وقرئ ، «هدىّ» وذكر أنّها قراءة النبىّ عليه‌السلام ، ووجه هذه القراءة ، أنّه قلب الألف ياء ، وأدغمها فى ياء المتكلم لأنّ ياء المتكلّم لا يكون قبلها إلّا مكسورا ، فجعل قلبها إلى الياء لأنّها من جنس الكسرة.

قوله تعالى : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٩).

جملة اسميه فى موضع نصب على الحال من (أصحاب أو النار) لعود الضميرين إليهما ، كما تقول : زيد مالك الدّار وهو جالس فيها. وقولك : وهو جالس فيها يجوز أن يكون حالا من المضمر فى (مالك) ومن (الدار) ، لأنّ فى الجملة ضميرين يعودان عليهما.

ولو قلت : زيد مالك الدار وهو جالس. لكانت الجملة حالا من المضمر فى (مالك) دون الدّار ، لأنّه ليس فى الجملة ضمير يعود إليها.

ولو قلت : زيد مالك الدار وهى مبنيّة لكانت الجملة حالا من الدار دون الضمير فى (مالك) لأنه ليس فيها ضمير يعود إليه.

فإن قلت : زيد مالك الدارّ وهى مبنيّة فى ملكه ، جاز أن يكون حالا من المضمر ومن الدّار ؛ كما جاز فى الآية من أصحاب النار.

__________________

(١) (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) هكذا الآية فى القرآن الكريم.

وذهب قوم إلى أنّه لا يجوز أن يكون حالا من النار ، لأنّ الحال لا تقع حالا من المضاف إليه ، فإنّك إذا قلت : رأيت صاحبة دعد قاعدة. لم يكن فى الكلام عامل يعمل فى الحال ، وأجازه الآخرون لأن لام الملك مقدّرة مع المضاف إليه ، فمعنى الملك هو العامل فى الحال ، أو معنى المصاحبة.

قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤٠).

«إيّاى» ضمير منصوب منفصل وهو منصوب بفعل مقدّر وتقديره ، إيّاى ارهبوا فارهبون. وإنّما وجب تقدير (ارهبوا) ولم يعمل فيه (فارهبون) الملفوظ به لأنّه مشغول بالضمير المحذوف وهو الياء ، ووجب أن يكون هذا الفعل المقدّر بعد (إيّاى) لأنّه ضمير منفصل ، والضمير المنفصل إنّما يعمل فيه على هذا الحدّ ما بعده لا ما قبله ، لأنّه لو كان قبله لصار متصلا لا منفصلا ، ولم يأت ذلك إلّا فى ضرورة الشعر. كقوله :

١٣ ـ ضمنت ... إيّاهم الأرض فى دهر الدّهارير (١)

وذلك شاذ لا يقاس عليه.

قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً) (٤١).

«مصدقا» منصوب على الحال من الهاء المحذوفة من (أنزلت) ، وتقديره ، أنزلته ، لأنّ (ما) بمعنى الّذى ، فلا بدّ من الهاء لتكون عائدة إلى الذى ، إلّا أنّها حذفت تخفيفا كما حذفت فى قوله تعالى :

(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٢)

__________________

(١) البيت للفرزدق يمدح يزيد بن عبد الملك بن مروان. والبيت بتمامه :

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

أياهم الأرض فى دهر الدهارير

(٢) سورة الفرقان ٤١.

أى ، بعثه الله.

قوله تعالى : (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) (٤١).

«أوّل» وزنه أفعل ، فاؤه واو ، وعينه واو. ولم تنطق العرب منه بفعل.

وذهب الكوفيون إلى أنّه أفعل من (وأل) أى ، نجا ، وأصله : أؤل ، فخففت الهمزة الثانية ، وأبدل منها واو وأدغمت الأولى فيها ، كما قالوا فى : مقروءة ، مقروّة ، وفى مخبوءة ، مخبوّة. ولو كان مخففا على القياس لكان الوجه أن يقال (أول) بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، كما قالوا فى تخفيف صوأة ، صوة ، ولا يجب قلب الواو لأنّ الحركة عارضة فلا يعتدّ بها.

و «كافر» وصف لموصوف محذوف. وتقديره ، أوّل فريق كافر ، ولهذا جاء بلفظ الواحد والخطاب لجماعة.

قوله تعالى : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢).

«تكتموا» فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير (أن) لأنّه جواب النّهى بالفاء.

والثانى : أن يكون مجزوما بالعطف على (تلبسوا). وعلامة النصب والجزم فى الوجهين حذف النون ، والنصب فى (تفعلون) ونحوه من الخمسة الأمثلة محمول على الجزم كما كان النصب محمولا على الجرّ فى التثنية والجمع لأنّ الجزم فى الأفعال نظير الجرّ فى الأسماء ، وكما حمل النصب على الجرّ هناك ، فكذلك هاهنا إجراء للفرع على الأصل.

و (أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (تكتموا).

وكذلك قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) (٤٤).

جملة إسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (تنسون) وأصله (تنسيون) فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فاجتمع ساكنان ، الألف والواو ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وإن شئت أن تقول : استثقلوا الضمة على الياء ، فحذفوها ، فبقيت الياء ساكنة والواو ساكنة ، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وكانت الياء أولى لما بيّنّا فى (اشتروا).

قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) (٤٥)

الهاء فى (إنّها) تعود على الصلاة ، وإنّما قال : وإنّها ، ولم يقل : وإنهما ، وإن تقدّم ذكر الصبر والصلاة لأنّ العرب [ربما (١)] تذكر اسمين وتكنّى عن أحدهما. قال الله تعالى :

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ)(٢)

ولم يقل : ينفقونهما. وقال تعالى :

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(٣)

ولم يقل : إليهما فكذلك هاهنا.

وقيل : الهاء فى (إنّها) تعود على الاستعانة لدلالة (استعينوا) عليها ، لأنّ ذكر الفعل ذكر المصدر ، ولذلك قالوا : من كذب كان شرا له ، أى كان الكذب شرا له ، وعلى هذا قراءة من قرأ :

(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٤)

بكسر الهاء. أى ، اقتد الاقتداء ، لدلالة (اقتد) عليه.

__________________

(١) فى أ ، ب (مما) ويحسن أن تكون (قد) أو (ربما)

(٢) سورة التوبة ٣٤.

(٣) سورة الجمعة ١١ ، هذه الآية الكريمة. وكذلك (ولم يقل إليهما ، فكذلك هاهنا) أ

(٤) سورة الأنعام ٩٠

قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦).

الضّمير فى قوله : «إليه». عائدة على الله تعالى. وقيل : عائدة (١) على اللقاء لدلالة قوله :

(أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (٤٦).

عليه ، على ما بيّنا فى (استعينوا).

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (٤٨).

«يوما» منصوب لأنّه مفعول (اتّقوا) لا على الظّرف لأنّه كان يوجب تكليفهم يوم القيامة ، وليس المعنى كذلك. وإنّما المعنى ؛ واتّقوا عذاب يوم. فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. كقوله تعالى :

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ)(٢)

أى ، عذاب يوم الأزفة أى القيامة.

و «لا تجزى» وما بعده من الجمل المنفيّة ، صفات ليوم وفى كلّ جملة ضمير مقدّر يعود على يوم ، ولو لا ذلك الضمير لم يجز أن يكون صفة ، لأنّه لا بدّ أن يعود من الصفة إلى الموصوف ذكر ، والتّقدير ، لا تجزى فيه ، ولا تقبل شفاعة فيه ، ولا يؤخذ منها عدل فيه ، ولا هم ينصرون فيه.

وقيل : التقدير لا تجزيه نفس. بجعل الظّرف مفعولا على السّعة ثم تحذف الهاء من الصّفة ، وهو أولى من حذف (فيه). و «شيئا» منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون مفعول (تجزى).

__________________

(١) أى هاء فى (عليه).

(٢) سورة غافر ١٨

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر لأنّه فى موضع (جزاء).

كقوله تعالى : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(١)

أى إشراكا.

قوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (٤٨).

قرئ ، تقبل بالتّاء والياء ، فمن قرأ بالتاء فلأنّ الشفاعة مؤنثة ، ومن قرأ بالياء فلأنّ تأنيثها غير حقيقىّ ، ولأنّه فصل بين (يقبل) وبين (شفاعة) ، وإذا وجد الفصل بين الفعل والفاعل قوى التّذكير ، وقد حكى عنهم : حضر القاضى اليوم امرأة. وإذا كان ذلك فيما تأنيثه حقيقى ، فلأن يكون فيما تأنيثه غير حقيقىّ أولى وأحرى.

قوله تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) (٤٩)

«إذ» منصوب لأنّه معطوف على قوله تعالى : (نعمتى) وتقديره ، واذكروا إذ نجّيناكم ، وكذلك قوله تعالى : (وإذ فرقنا) ، (وإذ وعدنا موسى) ، (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى) و «آل» أصله أهل ، فأبدلوا من الهاء همزة فصار ، أأل ، فاستثقلوا اجتماع همزتين ، فقلبوا الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ، ولهذا لو صغّرته لرددته إلى أصله فقلت : أهيل ، لأنّ التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها.

وقد قيل فى تصغيره ، أويل ، وهذا يدلّ على أنّ الألف فيه منقلبة عن واو. و «فرعون» لا ينصرف للتعريف والعجمة ، و «فرعون» بالقبطية التمساح سمّى به و (يَسُومُونَكُمْ) جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من آل فرعون. وكذلك «يذبّحون» و «يستحيون» ، حال منهم أيضا.

قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (٥١)

__________________

(١) سورة النور ٥٥

وقرئ «واعدنا» وهو بمعنى وعدنا ، لأنّ الأصل فى (فاعلنا) أن تكون من اثنين ولا يحسن هاهنا ، لأنّ الله تعالى وعد موسى ، ولم يكن من موسى وعد لله تعالى ، إلّا أنّه قد جاء فاعلنا ولا يكون من اثنين كقولهم : سافرت ، وطارقت النّعل ، وعافاه الله ، وقاتله الله.

وقيل : لمّا كان الوعد من الله تعالى ، والوفاء من موسى. قال : واعدنا. و «موسى» ، مفعول أوّل لوعدنا ، ولا ينصرف للعجمة والتعريف ، وإمالته جائزة ، لأنّه على وزن (فعلى) وألفه تنقلب ياء فى التثنية نحو ، موسيان. و (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) مفعول ثان لوعدنا. وتقديره ، تمام أربعين ليلة ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على الظّرف لأنّه يصيّر المعنى ، واعدناه فى أربعين ليلة ، وليس المعنى على ذلك ، وإنّما المعنى أنّ الوعد كان بتمام أربعين ليلة.

قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٥١).

(اتَّخَذْتُمُ) فعل يتعدّى إلى مفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما ، الأول منهما (العجل) والثانى مقدر وتقديره ، ثمّ اتخذتم العجل إلاها (١) من بعده والهاء تعود على (٢) موسى ، والتقدير فيه ، بعد خروجه ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وأدغمت الذال فى التاء من «اتّخذتم» لقربها منها فى المخرج ، ويجوز الإظهار ، لأنّ الذال حرف مجهور ، والتاء حرف مهموس ، والمجهور أقوى من المهموس فلا يدغم فيه ، لأنّ الأقوى لا يدغم فى الأضعف. و (أَنْتُمْ ظالِمُونَ) جملة اسميّة فى موضع الحال من المضمر فى «اتّخذتم».

__________________

(١) (إلها) ب.

(٢) (إلى) ب.

قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) (٥٤) (١).

روى عن أبى عمرو اختلاس الكسرة فى الهمزة من «بارئكم» لكثرة الحركات طلبا للتخفيف ، وقال : ذلكم ، ولم يقل : ذانكم وإن كان قد أشار إلى القتل والتّوبة ، لأنّه أراد ما ذكرناه ، والمذكور يشتمل عليهما ، وهو مفرد.

قوله تعالى : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (٥٥) (٢).

«جهرة» منصوب على المصدر فى موضع الحال من المضمر فى «قلتم» وتقديره ، قلتم ذلك مجاهرين.

وقيل : صفة لمصدر محذوف وتقديره ، أرنا الله رؤية جهرة.

والوجه الأوّل أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (سُجَّداً) (٥٨).

هو جمع ساجد ، كشاهد وشهّد ، وبازل وبزّل. وهو منصوب على الحال من المضمر فى «ادخلوا».

قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) (٥٨).

«حطّة» مرفوع لأنّه خبر مبتدإ محذوف وتقديره ، مسألتنا حطّة. أى ، حطّ عنّا ذنوبنا ، ومن نصب (حطّة) أعمل الفعل ، و (نَغْفِرْ لَكُمْ) روى عن أبى عمرو : إدغام الرّاء فى اللام وهو على خلاف القياس ، لأنّ الراء حرف تكرير وهى أزيد صوتا منها وأقوى ، واللّام أنقص صوتا وأضعف ، فلو أدغمت فيها لأدّى

__________________

(١) (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) هكذا نص الآية.

(٢) وردت الآية هكذا فى أ ، ب وصحة الآية (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) أما (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ففى الآية ١٥٣ سورة النساء.

ذلك إلى أن يدغم ما هو أزيد صوتا فى الأنقص ، وما هو الأقوى فى الأضعف ، فتكون كأنّك قد أدغمت حرفين فى حرف وذلك لا يجوز.

وزعم بعض البصريّين أنّ أبا عمر وأخفى الراء ، فتوهّم السامع أنّه أدغم ، فالغلط فى ذلك ينسب إلى الرّاوى لا إلى أبى عمرو.

وقيل : إنّها لغة.

و «خطايا» جمع خطيئة ، واختلف النحويّون فى وزنه ، فذهب سيبويه وأكثر البصريّين إلى أنّ وزنه (فعائل) وذلك لأنّ خطيئة على وزن فعيلة ، وفعيلة تجمع على فعائل ، فالأصل أن يقال (خطايى) مثل خطايع ، ثم أبدلوا من الياء همزة ، كما قالوا : صحيفة وصحائف ، فصار ، خطائى مثل : خطاعع.

وقد حكى عنهم الكسائىّ أنّهم قالوا : اللهمّ اغفر لى خطائئيه ، مثل خطاععيه ، فاجتمع همزتان فى كلمة ، والكلمة جمع ، فاستثقلوا اجتماعهما ، فقلبوا الثانية ياء للكسرة قبلها ، فصار ، خطائى مثل خطاعى ثم أبدلوا من الكسرة فتحة ، ومن الياء ألفا فصار ، خطاءا مثل خطاعا. فاستثقلوا الهمزة بين ألفين ، فأبدلوا منها ياء. فصار خطايا. وذهب الكوفيون والخليل بن أحمد من البصريّين ، إلى أنّ وزنه (فعالى). وذلك لأنّ الأصل أن يقال فى جمع خطيئة خطايى ، مثل ، خطايع. إلّا أنّهم قدّموا الهمزة على الياء لئلّا يؤدّى إلى إبدال الياء همزة كما تبدل فى صحائف ، فيؤدّى إلى إجتماع همزتين ، وذلك مرفوض فى كلامهم فصارت ، خطائى ، مثل ، خطاعى ، ثم أبدلوا من الكسرة فتحة ، ومن الياء ألفا ، فصارت خطاءا مثل ، خطاعا ، فاستثقلوا الهمزة بين ألفين ، فقلبوا الهمزة ياء ، فصار خطايا. مثل وزن : فعالى.

وذهب بعض الكوفيّين إلى أنّه جمع (خطيّة) على ترك الهمز ، لأنّ ترك الهمز يكثر فيها ، فصارت (خطيّة) بمنزلة فعيلة من ذوات الواو والياء نحو : حشيّة ووصيّة. وهذا النحو يجمع على (فعالى). نحو ، حشايا ووصايا. فكذلك هاهنا.

والمذهب الأوّل أذهب فى القياس من هذين المذهبين ، وقد بيّنا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) (٦٠)

«انفجرت» معطوف بالفاء على فعل مقدر. وتقديره ، فضرب فانفجرت ، لأنّ الإنفجار إنّما يحصل عن الضرب لا عن الأمر بإيجاده ، وقد يحذف المعطوف عليه ، ويكتفى بالمعطوف للدلالة عليه. قال تعالى :

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٢)

أى ، فأفطر فعدة من أيام أخر. وقال تعالى :

(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٣)

أى ، فأكل فلا إثم عليه ، وقال الشاعر :

١٤ ـ ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث (٤).

وتقديره ، فالبثا شهرين أو شهرين ونصف ثالث ، لأنّك لا تقول مبتدئا : لبثت نصف ثالث ، وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) (٦١)

«يخرج» فعل متعدّ إلى مفعول واحد ، وهو محذوف ، وتقديره ، يخرج لنا مأكولا.

__________________

(١) المسألة ١١٦ ـ ٢ ـ ٤٧٤ الإنصاف.

(٢) سورة البقرة ١٨٤

(٣) سورة البقرة ١٧٣

(٤) شطر بيت جاء فى الإنصاف ٢ ـ ٢٨٤ ، وأنشده ابن فارس فى الصاحبى ص ١٠٠ مع خلاف فى الرواية.

فذلكما شهرين أو نصف ثالث

إلى ذا كما ما غيبتنى غيابيا

وقيل : مفعوله (ما) و (من) زائدة والأوّل أوجه ؛ لأنّ (من) تزاد فى النفى لا فى الإيجاب. و (مِنْ بَقْلِها) بدل من (ممّا) (١) بإعادة حرف الجرّ.

كقوله تعالى :

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ)(٢).

فقوله (لِبُيُوتِهِمْ) بدل من قوله : لمن يكفر بالرّحمن ، بإعادة حرف الجرّ. وكقوله تعالى :

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ)(٣)

فقوله : (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بدل من قوله : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) بإعادة حرف الجرّ وهو كثير.

قوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (٦١).

«أدنى» فيه وجهان.

أحدهما أن يكون (٤) «أدنى» أفعل من الدّنوّ. وهو القرب. أى أقرب فى القيمة ، كقولك : هذا ثوب قريب ، إذا أردت تقليل قيمته.

والثانى : أن يكون من الدّون ، كما تقول : هذا دون ذاك ، وأصله (أدون)

__________________

(١) (من ما) أ

(٢) سورة الزخرف ٣٣

(٣) خلط الناسخ فى أ ، ب بين آيتى الأعراف وسبأ ، وصحة الآيتين :

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) سورة سبأ ٣٢

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) سورة الأعراف ٧٥.

(٤) ب : (أدنى فيه وجهان ، أحدهما أن يكون).

فقدّمت اللّام إلى موضع العين فصار ، ادنو. فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار ، أدنى ووزنه (أفلع) لتقدّم اللّام على العين ، فصار أدنى ، ولا يجوز أن يكون أدنى ، أفعل ، من الدناءة لأنّ ذلك يوجب أن يكون مهموزا ، ولم يهمزه أحد من القرّاء. وقلب الهمزة ألفا إنما يجوز إذا سكنت وانفتح ما قبلها ، ولم يوجد هاهنا ، وإذا لم يوجد ما يقتضى جواز القلب فكيف يدّعى وجود ما يقتضى وجوبه.

قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً) (٦١).

صرف «مصرا» لثلاثة أوجه :

الأول : إنّما صرفه لأنّه أراد به مصرا من الأمصار ، لا مصر بعينها.

والثانى : صرفه لأنّه اسم البلد وهو مذكّر.

والثالث : صرف مصر وإن كانت مؤنثة معرفة لأنها على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن ، فصار خفّة الوزن بمنزلة أحد السببين ، فجاز أن تصرف كهند ، ودعد ، وجمل ، ويجوز أن لا يصرف للتعريف والتأنيث وقد قرئ به.

قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (٦١).

«النّبيّين» جمع نبىّ ، وقرئ بالهمز وغير الهمز ، فمن قرأه بالهمز ، جعله من النّباء وهو الخبر ، لأنّه يخبر عن الله تعالى ، والدليل عليه أنّه قيل فى جمعه : نبآء بالهمز.

قال الشاعر :

١٥ ـ يا خاتم النّبآء إنّك مرسل

بالحقّ. كلّ هدى السّبيل هداكا (١)

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ٢ ـ ١٢٦ وهو للعباس بن مرداس السلمى.

ونبآء فى جمع نبئ ، كشريف وشرفاء ، وظريف وظرفاء ، ومن قرأه بغير الهمز فيحتمل أن يكون مأخوذا من (النباوة) التى بمعنى الارتفاع ، لارتفاع أمر النّبىّ عليه‌السلام وعلوّ شأنه ، ويحتمل أن يكون من النّبأ ، وهو الخبر ، فأبدل من همزته ياء ، وأدغم الياء فى الياء ، وجاء فى الحديث ، أنّ رجلا جاء إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا نبئ الله. بالهمز ، فقال عليه‌السلام : «إنّما أنا نبىّ الله» بغير همز ، وإنما قاله عليه‌السلام بغير همز ، لأنّ الهمز لم يكن من لغته ، فلذلك ترك همزه.

قوله تعالى : (وَالصَّابِئِينَ) (٦٢).

قرئ بالهمز وتركه ، فمن قرأه بالهمز أتى به على الأصل ، لأنّه مأخوذ من قولهم : صبأ ناب البعير ، إذا خرج ، و «الصابئون» جمع (صابئ) وهو الخارج من دين إلى دين ، ومن ترك الهمز ، حذفه لاستثقاله طلبا للتخفيف ، وهذا الحذف على خلاف القياس.

قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) (٦٢).

«من» فى موضعها وجهان : الرفع والنصب :

فالرفع على أنّ (من) شرطيّة فى موضع رفع لأنّه مبتدأ ، و (فلهم) جواب الشرط وخبر المبتدإ ، والجملة خبر (إنّ).

والنصب على أن تكون (من) بدلا من (الّذين) ، فيبطل معنى الشّرط ، لأن الشرط لا يعمل فيه ما قبله ، لأنّ له صدر الكلام كالاستفهام ، وتكون الفاء فى (فلهم) داخلة لجواب الإبهام ، كقولك : إنّ الّذى يأتينى فله درهم. وإنما دخلت الفاء فى خبر (الذى) إذا دخلت عليه (إنّ) لأنّها لم تغيّر معنى الابتداء ، لأنها للتأكيد ، وتأكيد الشىء لا يغيّر معناه ، فصار بمنزلة ، الّذى يأتينى فله درهم. بخلاف (ليت ولعلّ). فإنّه لا يجوز دخول الفاء معهما ، ألا ترى

أنّك لو قلت : ليت الّذى يأتينى فله درهم ، أو ، لعلّ الّذى يأتينى فله درهم ، لم يجز ، لأنّ (ليت ولعل) يغيّران معنى الابتداء فلم يجز معهما دخول الفاء ، ولا بدّ من عائد يعود على الّذين من خبرهم إذا جعلت (من) مبتدأة وتقديره ، من آمن منهم.

قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (٦٣).    

التقدير فيه ، قلنا لهم خذوا ما آتيناكم ، فحذف القول ، وحذف القول كثير فى كلامهم.

قال الله تعالى :

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ ، إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(١).

أى ، يقولون ما نعبدهم ، فحذف للعلم به.

و «ما» اسم موصول بمعنى (الّذى) وصلته آتيناكم ، والعائد الهاء المحذوفة ، وتقديره ، آتيناكموه ، فحذفت الهاء تخفيفا ، كما حذفت من قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٢)

أى ، بعثه الله ، فحذفت الواو تبعا لحذف الهاء ، لأنّها إنما تثبت لدخولها ، لأنّ الضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها فإذا حذفت تبعا لها فى الحذف كما كانت تبعا فى الإثبات.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) (٦٤).

__________________

(١) سورة الزمر ٣

(٢) سورة الفرقان ٤١.

«لو لا» حرف يمتنع له الشّىء لوجود غيره. تقول : لو لا زيد لأكرمتك ، فيكون امتناع الإكرام وجود زيد. وهى مركّبة من (لو ولا) و (لو) حرف يمتنع له الشىء لامتناع غيره ، فلمّا ركّبت معها (لا) ومعناها النفى ، انتفى الامتناع فى أحد الطّرفين ، فصار إثباتا ، لأنّ نفى النفى إثبات.

و (فَضْلُ اللهِ) مرفوع بالابتداء عند البصريّين ، وخبره محذوف. أى ، موجود أو كائن ، ولا يجوز إظهاره لطول الكلام بجواب (لو لا) وهو قوله تعالى :

(لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).

ونظيره حذف خبر المبتدإ فى قوله تعالى :

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١)

فإنّ (لعمرك) مبتدأ ، وخبره محذوف (٢) ، ولا يجوز إظهاره لطول الكلام بجواب القسم.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ الاسم بعد (لو لا) يرتفع به ارتفاع الفاعل بفعله.

قوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥).

«كونوا» أمر تكوين لا أمر تكليف والمراد به تكوّنهم (٣) قردة ، «و (قِرَدَةً) خبر كان ، و (خاسِئِينَ) فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن يكون صفة لقردة.

والثانى : أن يكون خبرا بعد خبر.

والثالث ، أن يكون حالا من الضّمير فى كونوا.

__________________

(١) سورة الحجر ٧٢

(٢) (وتقديره ، لعمرك حلفى أو قسمى) ب.

(٣) (تكوينهم) ب.

قوله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها) (٦٦).

فى «جعلناها» وجهان :

أحدهما : أن يكون عائدا على المسخة.

والثانى ، أن يكون عائدا على القردة ، وكذلك (ها) فى قوله (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها).

قوله تعالى : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) (٦٧).

أى ، ذوى هزء ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، ويجوز أن يكون التقدير ، أتتّخذنا مهزوءا بهم ، فإنّ المصدر بمعنى المفعول. قال الله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ)(١)

أى ، مخلوق الله ، ويكون أيضا بمعنى الفاعل. قال الله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً)(٢)

أى ، غائرا.

قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) (٦٨).

«لا فارض» فى رفعه وجهان :

أحدهما ، أن يكون خبر مبتدإ محذوف وتقديره ، لا هى فارض.

الثانى : أن يكون صفة بقرة.

__________________

(١) سورة لقمان ١١

(٢) سورة الملك ٣٠

و «بكر» عطف عليه فى الوجهين ، وهذان الوجهان فى قوله (عوان).

و (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) أى بين الفارض والبكر ، وقال : بين ذلك ، ولم يقل : بين ذينك ، لأنّه أراد بين هذا المذكور.

(فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) أى ، الذى تؤمرون به ، فحذف الجارّ والمجرور من الصلة ، كقوله تعالى :

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(١)

أى بالّذى تؤمر به ، فحذف الجارّ والمجرور من الصلة ، ولو قلت : الذى مررت زيد. فى قولك : الذى مررت به زيد ، لم يجز ، لأنّك تقول فى أمرتك بالخير أمرتك الخير. ولا تقول فى مررت يزيد ، مررت زيدا.

قوله تعالى : (يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) (٦٩).

«ما» فى موضع رفع ، وذلك لوجهين :

أحدهما ، أن تكون فى موضع رفع لأنّها مبتدأ ، و «لونها» خبره.

والثانى : أن يكون «لونها» مبتدأ و (ما) خبره ، ولا يجوز أن يكون (ما) فى موضع نصب (بيبيّن) ، لأنّ (ما) استفهامية ، والاستفهام لا يعمل فيه الفعل الذى قبله ، ولا يجوز أيضا أن تكون زائدة ، لأنّها لو كانت زائدة لوجب أن يكون «لونها» منصوبا.

قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (٦٩).

«صفراء» صفة لبقرة و «فاقع» فعل (لونها). وهو فى المعنى صفة للبقرة.

__________________

(١) سورة الحجر ٩٤

و «لونها» مرفوع بفاقع ، ارتفاع الفاعل بفعله ، وجاز ذلك لعود الضمير من لونها إلى البقرة ، وهذا كقوله تعالى :

(أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها)(١)

ويجوز أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء وخبره (تسرّ النّاظرين).

وإنما جاز أن يكون الخبر (تسرّ الناظرين) بلفظ التأنيث ، لوجهين :

أحدهما ، لأنّ اللّون بمعنى الصّفرة ، وكأنّه قال : صفرتها تسرّ الناظرين. والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والثانى : لأنّه أضيف اللّون إلى مؤنث والمضاف يكتسب من المضاف إليه التأنيث ، كقراءة من قرأ :

(تلتقطه بعض السيارة) (٢)

بتاء التأنيث ، وقد قالوا : ذهبت بعض أصابعه. وقال الشاعر :

١٦ ـ إذا بعض السنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبى اليتيم (٣)

فقال تعرّقتنا بالتأنيث. وقال الآخر :

١٧ ـ لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع (٤)

__________________

(١) سورة النساء ٧٥

(٢) سورة يوسف ١٠

(٣) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٢٥ وهو لجرير بن عطية الخطفى.

(٤) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٢٥ وهو لجرير أيضا.

وقال الآخر :

١٨ ـ .......... تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم (١)

فقال : تسفّهت بالتاء لتأنيث الرياح ، وهذا كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) (٧١).

(لا ذَلُولٌ) فى رفعه وجهان :

أحدهما ، أن يكون مرفوعا لأنّه صفة بقرة.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنّه خبر مبتدإ محذوف ، وتقديره ، لا هى ذلول. وهذان الوجهان فى قوله : (مُسَلَّمَةٌ). وكذلك فى قوله : (لا شِيَةَ فِيها). إلّا أنّه يكون خبرا ثانيا (لهى) المقدّرة ، والهاء فى «شية» عوض عن الواو التى هى فاء الكلمة وأصله وشى لأنّ ما حذف منه الفاء من هذا النّحو عوّض الهاء فى آخره نحو ، وعد وعدة ، ووزن وزنة وما أشبه ذلك.

قوله تعالى : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) (٧١).

حذفت الواو من «قالوا» لالتقاء السّاكنين ، وهما الواو واللام من «الآن».

وقد قرئ : قالوا الان (٢). بحذف الهمزة من الآن ، وإلقاء حركتها على اللام الساكنة قبلها ، وإثبات الواو لتحرّك اللّام.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٢٥ وهو لذى الرمة ، والبيت :

مشين كما اهتزت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النواسم

وقد جاء فى (ب) البيت بتمامه ، والكلمة الأخيرة (الرواسم) ، وجاء فى هامش ب (كذا فى نسخة الشيخ ، وصوابه (النواسم).

(٢) (قالوا لان) ب.

وقرئ أيضا : قالوا الآن. بحذف الواو ، وإن كانت اللام متحركة لأنّها وإن كانت متحركة فهى فى تقدير السّكون ، لأنّ حركتها عارضة.

و «الآن» ظرف للوقت الحاضر ، وهو مبنىّ. واختلفوا فى بنائه ، فذهب أكثر البصريّين إلى أنّه بنى لأنّه خالف سائر الأسماء ، لأنّ الألف واللام إنّما يدخلان للجنس والعهد ، فلما دخلا فى (الآن) على غير هذين الوجهين ودخلا على معنى الإشارة إلى الوقت الحاضر ، صار معنى قولك (الآن). كقولك : هذا الوقت ، فأشبه اسم الإشارة. واسم الإشارة مبنى ، كذلك هاهنا.

ومنهم من ذهب إلى أنّه مبنى لأنّه وقع فى أوّل أحواله بالألف واللام وسبيل ما يدخله الألف واللام أن يكون منكورا (١) أوّلا ثمّ يعرّف بهما ، فلمّا خالف سائر الأسماء ، وخرج عن بابه أشبه الحروف لأنّ الحروف تلزم مواضعها الّتى وضعت فيها فى أوّليّتها ، والحروف مبنية ، فكذلك ما أشبهها ، ومنهم من ذهب إلى أنّه بنى لأنّه تضمّن معنى لام التعريف ، وهذه اللام زيادة ، وليست التى يعرّف بها ، لأنّ لام التعريف إنّما تدخل فيما استعمل منكورا ، ألا ترى أنّك تقول : رجل. ثم تقول : الرجل. ولا تقول آن. ثم تقول : الآن. فبان أنّ اللام المنطوق بها زائدة ، وليست للتعريف وفيه مذاهب وأقوال يطول شرحها ، وقد شرحناها مستوفاة فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).

قوله تعالى : (فَادَّارَأْتُمْ فِيها) (٧٢).

أصله (تدارأتم) من الدّرء. وهو الدّفع ، فأبدل من التاء دالا وأدغمت الدال المبدلة من التاء فى الدال الأصلية وأسكنت الدال الأولى المبدلة ، فاجتلبت همزة الوصل لئلّا يبتدأ بالساكن فصار (ادّارأتم).

__________________

(١) (مذكورا) أ ، ب

(٢) المسألة ٧١ ـ ٢ ـ ٢٩٩ الإنصاف.

قوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) (٧٣).

«الكاف» الأولى فى كذلك ، كاف تشبيه فى موضع نصب لأنّها صفة مصدر محذوف وتقديره ، يحيى الله الموتى إحياء مثل ذلك.

قوله تعالى : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (٧٤).

«أشدّ» مرفوع لأنّه معطوف على قوله : (كالحجارة) وهو فى موضع رفع لأنه خبر (فهى) ؛ و (قسوة) منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤).

قرئ ، تعملون بالتاء والياء ، فمن قرأ بالتاء ، قال : لأنّ ما قبله ؛ وإذ قتلتم نفسا ثم قست قلوبكم. وبعده ، أفتطمعون أن يؤمنوا لكم. فلمّا كان ما قبله خطابا ، وما بعده خطابا. قرئ بالتاء على الخطاب. ومن قرأ بالياء ، انتقل من الخطاب إلى الغيبة. كقوله تعالى :

(وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(١).

وكقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ)(٢) وكقول الشاعر :

١٨ ـ يا دار ميّة بالعلياء فالسّند

أقوت وطال عليها سالف الأبد (٣)

__________________

(١) سورة الروم ٣٩

(٢) سورة يونس ٢٢

(٣) البيت مطلع قصيدة للنابغة الذبيانى بمدح فيها النعمان بن المنذر ، ويعتذر إليه.

فخاطب ثم قال : أقوت ، وهذا كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ (١) لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٧٤).

«لما» فى هذه المواضع نصب ، لأنّه اسم «إنّ» واللام جاءت للتوكيد ، والجار والمجرور فى موضع رفع لأنّه خبر «إنّ».

قوله تعالى : (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) (٧٥).

فى موضع نصب لأنّ التقدير فيه ، فى أن يؤمنوا لكم. فلمّا حذف حرف الجرّ ، اتصل الفعل به فنصبه.

وذهب الكوفيّون والخليل من البصريّين إلى أنها فى موضع خفص بتقدير حرف الخفض.

قوله تعالى : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) (٧٥).

«منهم» فيه وجهان :

أحدهما : أنّه فى موضع رفع ، لأنّه وصف لفريق ، و «يسمعون» جملة فعلية فى موضع نصب لأنّها خبر كان.

والثانى : أن تكون «منهم» فى موضع نصب لأنّه خبر كان ، و «يسمعون» وصف لفريق.

قوله تعالى : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥).

مبتدأ وخبر فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (يحرّفون).

__________________

(١) أ : (وإن منها لما ينفجر) .. الخ. وهو تحريف

قوله تعالى : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ) (٧٦).

«اللّام» لام (كى) ، وهى تنصب الفعل بتقدير (أن) عند البصريّين ، وهى لام الجرّ ، وإنّما دخلت على الفعل لأنّ أن المقدرة والفعل فى تقدير الاسم.

ومن العرب من يفتح لام (كى).

واختلفوا فى أصل اللّام فذهب بعضهم إلى أنّ أصلها الفتح بدليل فتحها مع المضمر فى (لك وله) وما أشبه ذلك.

وذهب آخرون إلى أنّ أصلها الكسر على ما بيّنا فى الباء فى (بسم الله) (١).

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٧٨).

(مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) مبتدا وخبر ، المبتدأ (أمّيّون) و (منهم) الخبر وهو مقدم عليه.

وذهب الكوفيّون والأخفش إلى أنّ (أمّيّون) مرفوع بالجار والمجرور ارتفاع الفاعل بفعله.

و (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) مرفوع لأنّه وصف لأميّيّن.

و (إِلَّا أَمانِيَّ) منصوب لأنّه استثناء منقطع من غير الجنس ، لأنّ الأمانىّ ليست من العلم.

و (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أى ، وما هم إلّا يظنّون ، و «هم» مبتدا وما بعده خبره ، واختلفوا فى إعمال (إن) إذا كانت بمعنى (ما) ، فمنهم من يعملها عمل (ما) فيجعل لها اسما مرفوعا وخبرا منصوبا. فيقول : إن زيد قائما. كما يقول :

__________________

(١) (على ما بينا فى الباء فى بسم الله) أ.

ما زيد قائما. وكقولهم : إنّ قائما. أى : إن أنا قائما. بمعنى ، ما أنا قائما ، فحذفوا الهمزة المتحركة ، وأدغموا النون من (إن) فى النون من (أنا).

كقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(١)

على ما سنبيّنه فى موضعه إن شاء الله. ولا يجوز إعمالها فى الآية لدخول (إلّا) ، لأنّ (إلّا) إذا أبطلت عمل ما يشبه (ليس) لأنّها توجب ما نفته (ما) وهى الأصل ، فلأن تبطل عمل (إن) التى هى الفرع أولى.

ومنهم من لا يعملها ويجعلها بمنزلة (ما) فى لغة بنى تميم فى ترك العمل ، فلا يكون لدخول (إلّا) أثر سوى الإيجاب بعد النفى.

قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ) (٧٩).

مبتدا وخبر ، وجاز أن يكون «ويل» مبتدا وإن كان نكرة ، لأنّ فى الكلام معنى الدعاء ، كقولهم : سلام عليكم.

ويجوز أن ينصبه على المصدر بفعل مقدّر لم يستعمل إظهاره ولم يستعمل منه فعل لأنّ فاءه وعينه من حروف العلّة ، ولم يأت فى كلامهم ما فاؤه وعينه من حروف العلّة إلّا كلمات معدودة وهى : ويل وويح وويب وويه وويس.

قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٨١).

«بلى» حرف يأتى فى جواب الاستفهام فى النفى ، و (نعم) يأتى فى جواب الاستفهام فى الإيجاب ، فإذا قال فى النفى : ألست فعلت كذا. فجوابه ، بلى ، أى إنّى قد فعلت. كقوله تعالى :

__________________

(١) سورة الكهف ٣٨.

(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١)

أى ، بلى أنت ربّنا. ولو قالوا : نعم ، لكفروا لأنه يصير المعنى ، نعم لست ربّنا. وإذا قال فى الإيجاب : هل فعلت ، فجوابه نعم.

كقوله تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ)(٢).

و «من» شرطية فى موضع رفع بالابتداء.

والفاء فى (أولئك) ، جواب الشرط ، و «فأولئك» مبتدأ ثان ، و (أَصْحابُ النَّارِ) خبره ، والجملة من المبتدإ الثانى وخبره فى موضع رفع لأنه خبر المبتدإ الأوّل وهو «من».

و (هُمْ فِيها خالِدُونَ) جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من أصحاب ، أو من النار.

ويجوز أن يجعل «أولئك» : مبتدأ ، و (أصحاب) بدلا منه و (هم) فصلا و (خالدون) خبر أولئك ويجوز أن يجعل «هم» مبتدأ. و «خالدون» خبره. والجملة فى موضع رفع لأنّها خبر «أولئك».

و «فيها» فى موضع نصب لأنه من صلة خالدون. وتقديره خالدون فيها.

قوله تعالى : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) (٨٣).

فى رفعه أربعة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنه جواب لقوله تعالى :

__________________

(١) سورة الأعراف ١٧٢

(٢) سورة الأعراف ٤٤

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١)

لأنه فى معنى القسم ، بمنزلة والله ، فكأنه قال : استحلفناهم لا يعبدون. كما يقال : حلف فلان لا يقوم.

والثانى : أن يكون «لا يعبدون» نفيا والمراد به النهى ، والقول مضمر ، فرفع الفعل بعده على الاستئناف والحكاية فكأنه قال : قلنا لهم لا تعبدون.

والثالث : أن يكون «لا تعبدون» فى موضع الحال ، أى ، أخذنا ميثاقهم غير عابدين إلّا الله.

والرابع : أن يكون مرفوعا لأنّ التقدير فيه ، بأن لا تعبدوا ، فلما حذفت الباء وأن ؛ لطول الكلام ارتفع الفعل كقول الشاعر :

٢٠ ـ ألا أيّهذا الزاجرى أحضر الوغى

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى (٢)

أى ، أن أحضر. فلما حذف أن رفع.

ومثل (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) فى جميع وجوهه (لا تَسْفِكُونَ) وقد قرأ ابن مسعود ، (لا تعبدوا) بحذف النون للجزم على أن تكون (لا) الناهية لا النافية.

وزعم الكوفيون (إلى) (٣) أنه منصوب بأن المحذفة لأنّ التقدير فيه ، أن لا تعبدوا إلّا الله. فحذف (أن) وأعملها مع الحذف ، والوجه الأول أوجه الوجهين ؛ لأنّ (أن) لا تعمل مع الحذف ، إلّا أن تحذف إلى خلف وبدل يدلّ

__________________

(١) سورة البقرة ٨٣

(٢) هذا البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٤٥٢ ، وهو من معلقة طرفة بن العبد

(٣) زيادة فى أ ، ب على تضمين زعم معنى : ذهب.

على حذفها ، كالفاء والواو واللام وحتى ، ولم يوجد هاهنا. وقد بيّنا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (٨٣).

الجار والمجرور فى موضع نصب من وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على الباء المحذوفة و (أن) فى قوله تعالى : (لا تعبدون) وتقديره ، وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل بأن لا تعبدوا إلّا الله وبأن تحسنوا بالوالدين أى إلى الوالدين.

والثانى : أن يكون فى موضع نصب بفعل مقدر ، وتقديره ، وأحسنوا بالوالدين إحسانا.

وقيل : يجوز أن يكون (بالوالدين) متعلقا ب (إحسانا) ، وإن كان مصدرا ، لأن المصدر قد ينوب عن الأمر. كقولك : ضربا زيدا. أى ، اضرب زيدا ضربا ، ويدلّ على وجوده هاهنا قوله : وقولوا للناس حسنا. فلو لا أنّ ما قبله فى تقدير (أحسنوا) وإلّا لما عطف عليه بفعل أمر ، لأنّ عطف الأمر يكون على مثله ، وهذا القول يرجع عند التحقيق إلى أنه متعلّق بالفعل ، لأنّ العامل على التحقيق فى قولك : ضربا زيدا. هو الفعل لا المصدر. و (إِحْساناً) فى نصبه وجهان :

أحدهما ، أن يكون منصوبا على المصدر بالفعل المقدّر الذى تعلّق به الجار والمجرور فى قوله : (بِالْوالِدَيْنِ) وتقديره ، وأحسنوا بالوالدين إحسانا على مثل ما قدمنا.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول فعل مقدّر. وتقديره ، واستوصوا بالوالدين إحسانا.

قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٨٣).

__________________

(١) المسألة ٧٧ ـ ٢ : ٣٢٧ ـ الإنصاف.

«حسنا» فيه ثلاث قراءات : «حسنا» بضمّ الحاء وسكون السين ، و «حسنا» بفتح الحاء والسين ، و «حسنا» بألف ممالة.

فمن قرأ ، «حسنا» بالضم كان منصوبا لأنه مفعول. لأنّ التقدير فيه ، قولوا قولا ذا حسن. فحذف المصدر وصفته ، وأقيم ما أضيفت الصفة إليه مقام المصدر.

ومن قرأ «حسنا» بفتح الحاء والسين ، كان صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، قولا حسنا.

ومن قرأ «حسنا» بألف ممالة ، كان اسما مشتقّا من الحسن مؤنثا بألف التأنيث ، وهذه القراءة ضعيفة فى القياس ، لأنّ باب فعلى وأفعل لا يستعمل إلا مضافا أو معرّفا بالألف واللام ، ولم يوجد واحد منهما.

قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) (٨٣).

«قليلا» منصوب على الاستثناء الموجب من المضمر المتصل فى «تولّيتم».

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (٨٥).

«أنتم» مبتدأ. و «هؤلاء» خبره. و «تقتلون» جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (ألاء). ولا يستغنى عنها ، لأنه كما لا يستغنى عن وصف المبهم ، كذلك لا يستغنى عن حاله.

وقيل : «أنتم» مبتدأ. و «تقتلون» خبره. و «هؤلاء» فى موضع نصب بتقدير ، أعنى.

وقيل : «هؤلاء» منادى مفرد. وتقديره ، يا هؤلاء. فحذف حرف النداء و «تقتلون» الخبر ، وهو ضعيف ولا يجيزه سيبويه ، لأنّ حرف النداء إنّما يحذف

ممّا لا يحسن أن يكون وصفا (لأىّ). نحو ، زيد وعمر ، و «هؤلاء» يحسن أن يكون وصفا لأىّ. نحو ، يأيّها هؤلاء. فلا يجوز حذف حرف النداء منه.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ «هؤلاء» بمعنى الّذين ، فيكون خبرا (لأنتم) وما بعده صلته.

قوله تعالى : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) (٨٥).

قرئ بتشديد الظاء وتخفيفها.

فمن قرأ بالتشديد ، قال : لأنّ أصله (تتظاهرون) فاستثقلوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد فأزال استثقال اجتماع المثلين المتحرّكين بأن أبدل من التاء الثانية ظاء ، وأدغم الظاء فى الظاء.

ومن قرأه بالتخفيف ، حذف إحدى التاءين من (تتظاهرون). واختلفوا فى المحذوفة منهما.

فذهب البصريّون إلى أنّ المحذوفة منهما الأصلية وهى الثانية ، لأنّ التكرار بها وقع ، والثقل بها حصل.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ المحذوفة هى الأولى الزائدة ، لأنّ الزائد أضعف من الأصلىّ فلمّا أرادوا حذف إحداهما كان حذف الأضعف أولى من حذف الأقوى.

والصحيح أنّ المحذوف منهما الثانية الأصلية دون الأولى الزائدة ، وهذا لأنّ الأولى الزائدة دخلت لمعنى ، والثانية الأصلية (١) لم تدخل لمعنى ، فلما أرادوا حذف إحداهما كان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى) (٨٥).

وقرئ «أسارى» «فأسرى» على وزن (فعلى) جمع أسير. نحو ، جريح وجرحى. ومريض ومرضى. وفعلى هو الأكثر فى جمعه. وأما «أسارى» فهو

__________________

(١) (الأصلية) ب.

على وزن (فعالى) وأكثر ما يجىء (فعالى) فى جمع فعلان. نحو ، سكران وسكارى وكسلان وكسالى وإنّما شبّه أسير بسكران وكسلان لأنه لمّا كان الأسير محبوسا عن التصرف فى الأمور أشبه السكران والكسلان لأنهما كالمحبوسين عن التصرف لاستيلاء السكر والكسل عليهما ، «وأسرى وأسارى» فى موضع النصب على الحال من ضمير الفاعل فى «يأتوكم».

قوله تعالى : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) (٨٥).

«هو» فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون كناية عن الإخراج الذى دلّ عليه قوله : (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً) فهو مبتدأ. و «محرّم» خبره. و «إخراجهم» بدل من «هو».

والثانى : أن يكون «هو» ضمير الشّأن والحديث. وهو مبتدأ أوّل. و «إخراجهم» مبتدأ ثان. و «محرم» ، خبر مقدّم. والجملة من المبتدإ والخبر خبر المبتدأ الأوّل ومفسّرة له.

قوله تعالى : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ) (٨٥).

«ما» استفهامية. أى ، أىّ شىء جزاء من يفعل ذلك منكم. وموضع «ما» رفع بالابتداء ، و «جزاء» خبره و «خزى» بدل من جزاء ؛ ويجوز أن تكون (ما) نفيا. و «جزاء» مبتدأ ، و «إلّا خزى» خبره.

قوله تعالى : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ) (٨٥).

(يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف زمان منصوب ، والعامل فيه الفعل الذى بعده وهو (يردّون).

قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) (٨٧).

«الهمزة» همزة استفهام بمعنى التوبيخ ، و «الفاء» حرف عطف. و «كلّما»

ظرف زمان وفيه معنى التكرار ، ويقتضى الجواب ، والعامل فيه جوابه وهو (استكبرتم).

قوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) (٨٧).

«فريقا» منصوب (بكذبتم). «وفريقا» الثانى منصوب (بتقتلون). وإنما تقدم المفعول للاهتمام به ، وإنّما قال : تقتلون ، وإن كان الوجه قتلتم لتطابق كذّبتم ، لأجل الفواصل ، فإنّ فواصل الآيات كرءوس الأبيات.

قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) (٨٨).

قرئ «غلف» بضمّ اللام وسكونها. فمن قرأ بضمّ اللّام جعله جمع (غلاف). نحو ، إزار وأزر ، وحمار وحمر. ومن سكّنها جعله جمع (أغلف) وهو الذى عليه غلاف. نحو ، أحمر وحمر ، وأصفر وصفر.

ويجوز أيضا أن يجعل جمع (غلاف).

وقال : كل ما جاء من الجمع على فعل بضمّ العين ، فإنه يجوز فيه تسكينها. فإنه يجوز فى : أزر جمع إزار أزر ، وفى حمر جمع حمار حمر وكذلك ما أشبهه ، فمن جعله جمع غلاف كان المعنى ، إن قلوبنا أوعية للعلم ، فلو كان ما جئت به حقا لقبلنا ؛ ومن جعله جمع أغلف كان المعنى ، إن قلوبنا عليها أغطية وموانع من الفهم فما نعقل ما تقول.

كقوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ)(١)

قوله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (٨٨).

«قليلا» منصوب لأنّه صفة مصدر محذوف و «ما» زائدة. وتقديره ، فإيمانا قليلا يؤمنون. والمراد بالقلّة هنا النفى.

__________________

(١) سورة فصلت ٥

كقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)(١)

أى ، لا يشكرون أصلا ، و (قليلا ما يذكرون) (٢) أى لا يذكرون أصلا ، وكقولهم : قلّ ما يقول ذاك إلّا زيد. أى ما أحد يقول ذاك إلّا زيد.

وكقول الشاعر :

٢١ ـ أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة

قليلا بها الأصوات إلا بغامها (٣)

أى ، لا صوت بها.

قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) (٨٩).

«لمّا» ظرف زمان مبنى ، وبنى لوجهين :

أحدهما : لأنّه أشبه الحرف ، لأنّه لا يفيد مع كلمة واحدة كما أنّ الحرف كذلك. والحرف مبنىّ فكذلك ما أشبهه.

والثانى : لأنّه تضمّن معنى الحرف لأنّ كلّ ظرف لا بدّ فيه من تقدير حرف ، و «لمّا» لا يحسن فيه تقدير الحرف فكأنّه صيغ على معنى الحرف ، وإذا تضمّن معنى الحرف وجب أن يكون مبنيّا ؛ واختلفوا فى جواب «لمّا».

فذهب البصريّون إلى أنه محذوف دلّ عليه الكلام وتقديره ، ولمّا جاءهم كتاب من عند الله مصدّق لما معهم نبذوه أو كفروا به.

__________________

(١) سورة الأعراف ١٠

(٢) سورة المؤمنين ٧٨ ، سورة السجدة ٩.

(٣) هذا بيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٣٧٠ ، وهو لذى الرمة.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ جواب «لمّا» الأولى فى الفاء فى قوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ.)

كقول الشاعر :

٢٢ ـ ولمّا رأيت الخيل زورا كأنّها

جداول زرع خلّيت فاسبطرّت

فجاشت إلىّ النفس أوّل مرة

وردّت على مكروهها فاستقرّت (١)

فأجاب (لمّا) بالفاء فى (فجاشت) ، وجواب (فلمّا) الثانية فى : (فلما جاءهم ما كفروا به) (٢).

وقيل : كفروا أغنى عن جواب الأولى والثانية ، وكرّر (لمّا) لطول الكلام.

قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) (٩٠).

«ما» هاهنا ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون نكرة موصوفة على التمييز بمعنى شىء ، والتقدير ، بئس الشىء شيئا ، فحذف الشىء المرفوع وجعل شيئا تفسيرا له ، و (اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) صفته.

والثانى : أن تكون «ما» بمعنى الّذى فى موضع رفع ، و (اشْتَرَوْا بِهِ)

__________________

(١) هذان البيتان لعمرو بن معد يكرب الزبيدى ، شاعر مخضرم ، أسلم وشهد حرب القادسية ، وشهد واقعة نهاوند ، وقتل بها عام ٢٤ ه‍ (ديوان الحماسة لأبى تمام) ١ ـ ٧٣.

(٢) صحة الآية (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) سورة البقرة ٨٩.

صلته. وتقديره ، بئس الذى اشتروا به أنفسهم ، و (أَنْ يَكْفُرُوا) فى تقدير المصدر وهو المقصود بالذمّ وهو فى موضع رفع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ وما تقدّم خبره.

والثانى : أن يكون خبر مبتدإ محذوف وتقديره ، هو أن يكفروا ، أى ، كفرهم ، وهو بمنزلة قولك : بئس رجلا زيد. فى الوجهين جميعا.

وقيل : (أَنْ يَكْفُرُوا) فى موضع جرّ ، لأنه بدل من الهاء فى «به» والرفع أوجه. و «بغيا» منصوب لأنه مفعول له ، و (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) فى موضع نصب لأنه مفعول له أيضا. وتقديره ، لأن ينزّل الله. أى ، لإنزال الله.

قوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) (٩١).

نصب «مصدّقا» على الحال من الحق ، والعامل فيها معنى الجملة ، وهذه الحال حال مؤكّدة ، ولو لا أنّها مؤكّدة لما جاز أن يعمل فيها معنى الجملة ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : هو زيد قائما. لأنّ زيدا قد يفارق القيام ، وهو زيد بحاله ، والحقّ لا يجوز أن يفارق التصديق لكتب الله عزوجل ، ولو فارق التصديق لها لخرجت عن أن تكون حقّا.

قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (٩٣).

أى ، حبّ العجل ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(١)

أى : أهل القرية وأهل العير.

__________________

(١) سورة يوسف ٨٢.

وكقول الشاعر :

٢٣ ـ كأنّ عذيرهم بجنوب سلىّ

نعام قاق فى بلد قفار (١)

أى ، كأن عذيرهم عذير نعام ، لأنّ العذير الحال ، والحال عرض والنعام جسم ، فلا يشبّه به. وكقول الآخر :

٢٤ ـ قليل عيبه والعيب جمّ

ولكن الغنى ربّ غفور (٢)

أى ، ولكنّ الغنى غنى ربّ غفور. والشواهد على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كثيرة جدّا.

قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) (٩٤).

فى نصب «خالصة» وجهان :

أحدهما ، أن تكون منصوبة لأنه خبر كان.

والثانى : أن تكون منصوبة على الحال من «الدّار» ، وبجعل (عِنْدَ اللهِ) خبر كان.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ١٠٩ وهو للنابغة الجعدى ، شاعر قديم معمر ، أدرك الجاهلية والإسلام ـ وأنشده صاحب اللسان مادة (قوق) وفسر البيت بقوله : أراد : غدير نعام ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، ومعناه : أى كان حالهم فى الهزيمة حال نعام تغدو مذعورة. قال : وهذا البيت نسبه ابن برى لشقيق بن جزء بن رباح الجاهلى.

(٢) البيت ورد فى الإنصاف ١ ـ ٤٨ ولم يذكر صاحبه.

قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) (٩٦).

«هو» ضمير مرفوع منفصل. وفى «هو» وجهان :

أحدهما ، أن يكون كناية عن أحد ، وموضعه الرفع لأنه اسم (ما) و «أن يعمّر» فى موضع رفع بأنه فاعل (مزحزح) ، كأنه قال : ما أحدهم يزحزحه من العذاب تعميره.

والثانى : أن يكون «هو» كناية عن التعمير ، و «أن يعمّر» بدل من «هو» و «بمزحزحه» خبر (ما) والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) (٩٧).

«من» شرطية فى موضع رفع لأنه مبتدا. «وكان» واسمها وخبرها جملة هى خبر المبتدإ ، والعائد إلى المبتدإ المضمر فى «كان» ، وهو اسمها ، و «عدوّا» الخبر ، و «جبريل» فيه لغتان ، ولا ينصرف للعجمة والتعريف وجواب (من) الشرطية قوله : «فإنه». و «والهاء» فيه تعود إلى جبريل ، و «نزّله» الهاء يراد بها القرآن ، وإنّما جاز ذلك وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه ، لأنه قد علم أنه يعنيه :

كقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(١)

فالهاء يراد بها القرآن ، وإن لم يجر له ذكر.

وكقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)(٢)

__________________

(١) سورة القدر ١.

(٢) سورة الرحمن ٢٦.

وأراد به الأرض.

وكقوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(١)

أراد به الشمس ، وإن لم يجر لها ذكر ، وإنما جاز ذلك فى هذه المواضع كلّها لدلالة الحال عليه. و «مصدّقا» منصوب على الحال من الهاء فى «نزّله» وكذلك «هدى» و «بشرى» حال أيضا من الهاء فى «نزّله» وتقديره فيه ، نزّله مصدّقا هاديا مبشّرا.

قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (٩٨).

أى ، عدوّ لهم. فأقام المظهر مقام المضمر ، وإنما قلنا ذلك ليعود على (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) عائد من قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ).

كقوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(٢).

أى ، أجرهم ، وقد يقام المظهر مقام المضمر. قال الشاعر :

٢٥ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شىء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٣)

أى ، يسبقه شىء. فأقام المظهر مقام المضمر وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) (١٠٠).

__________________

(١) «ص ٣٢

(٢) «يوسف ٩٠

(٣) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٣٠ وهو لسوادة بن عدى وقيل : لأمية بن أبى الصلت ، واسمه عبد الله بن ربيعة بن عوف بن أمية أدرك الجاهلية والإسلام.

«الهمزة» همزة استفهام بمعنى التوبيخ ، و «الواو» حرف عطف. وزعم الأخفش أنّها زائدة ، وليس لقول من قال إنّها (أو) حرّكت (واوها) وجه.

قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١).

«الكاف) حرف تشبيه ولا موضع لها من الإعراب ، وموضع الجملة رفع وصف لفريق.

قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) (١٠٢).

«اتّبعوا» معطوف على قوله تعالى : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) و «تتلوا» أى تتبع بمعنى : تلت. فأقام المستقبل مقام الماضى ، كقول الشاعر :

٢٦ ـ وإذا مررت بقبره فانحر له

كرم الهجان وكلّ طرف سابح

وانضح جوانب قبره بدمائها

فلقد يكون أخا دم وذبائح (١)

أى ، فلقد كان. فأقام المستقبل مقام الماضى. و (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) فيه أربعة أوجه :

__________________

(١) هذان البيتان من قصيدة طويلة ، عدتها خمسون بيتا ، لزياد الأعجم ، رثى بها المغيرة ابن المهلب بن أبى صفرة الأزدى ، ذكرها صاحب خزانة الأدب (٤ ـ ١٩٢) طبعة بولاق.

ورواية البيت الأول فيها :

فإذا مررت بقبره فاعقر به

كرم الجلاد وكل طرف سابح

الأول : أن يكون فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (كفروا) أى ، كفروا معلّمين.

والثانى : أن يكون حالا من الشياطين.

والثالث : أن يكون بدلا من (كفروا) ، لأنّ تعليم السحر كفر فى المعنى.

والرابع : أن يكون خبرا ثانيا (للكنّ) ، فى قراءة من قرأ بتشديد النون.

(وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) فيه أربعة أوجه : الأول : أن تكون (ما) بمعنى الّذى فى موضع نصب بالعطف على السّحر.

والثانى : أن يكون فى موضع نصب بالعطف على «ما» فى قوله تعالى :

(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ).

والثالث : أن يكون فى موضع جرّ بالعطف على (ملك سليمان).

والرابع : أن تكون «ما» حرف نفى ، أى ، لم ينزل على الملكين. وهو عطف على قوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) وهذا الوجه ضعيف جدا ، لأنه خلاف الظاهر والمعنى ؛ فكان غيره أولى.

قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ) (١٠٢).

فيه أربعة أوجه :

أحدها ، أن يكون معطوفا على (يعلّمان).

والثانى : أن يكون معطوفا على فعل مقدّر. وتقديره ، يأتون فيتعلّمون.

والثالث : أن يكون معطوفا على (يعلّمون النّاس) أى ، يعلّمونهم فيتعلّمون ، ولم يجزه الزّجّاج ، ولا يجوز أن يكون جوابا لقوله : (فلا تكفر) لأنه كان ينبغى أن يكون منصوبا.

والرابع : أن يكون مستأنفا ، وهو أوجه الأوجه.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (١٠٢).

«اللّام» فى (لَمَنِ اشْتَراهُ) لام الابتداء ، و «من» بمعنى الّذى فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره ، (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) ، و «اشتراه» صلته ، و «من» زائدة لتأكيد النفى. وتقديره ، ماله فى الآخرة خلاق ، و «خلاق» مبتدأ ، و (لَهُ فِي الْآخِرَةِ) خبره ، والمبتدأ وخبره فى موضع رفع لأنه خبر المبتدإ الأوّل الّذى هو (من) ، و «اللّام» علّقت «علموا» أن تعمل فيما بعدها لأنّ لام الابتداء تقطع ما بعدها عمّا قبلها ، كحروف الاستفهام والشرط.

ويجوز أن تكون «من» (١) شرطية ، و «اشتراه» فعل الشرط وموضعه الجزم بها ، وجواب الشرط قوله تعالى : (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) وهو وإن كان فى الظاهر جواب الشرط فهو جواب القسم فى الحقيقة ، لأنّ التقدير ، والله لمن اشتراه ما له فى الآخرة. و «اللام» فى (لَمَنِ اشْتَراهُ) ، هى اللّام التى تدخل على إن الشرطية. كقوله تعالى :

(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ)(٢).

قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) (١٠٣).

«أنّ» هاهنا مصدرية ، وهى وصلتها فى موضع رفع بفعل مقدر ، وتقديره ، ولو وقع إيمانهم ، ولا يليها إلّا الفعل إما مظهرا أو مقدرا ، لأنّ فيها معنى الشرط والشرط إنّما يكون بالفعل (٣) ولم تعمل الجزم على ما فيها من معنى الشرط لأنّها

__________________

(١) (إن) أ.

(٢) سورة الحشر ١٢.

(٣) (والشرط إنما يكون بالفعل) أ.

لا تنقل الفعل الماضى إلى معنى المستقبل ، بخلاف حرف الشرط ، والشرط إنّما يكون بالمستقبل. فامتنعت من العمل لذلك ، و «لو» حرف يمتنع له الشىء لامتناع غيره ، ولا بدّ له من جواب مظهر أو مقدّر ، وجوابه اللّام فى قوله تعالى :

(لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ).

وقد أفردنا فى (لو) كتابا.

و «مثوبة» مبتدأ وجاز أن يكون مبتدأ وإن كان نكرة لأنّه تخصّص بالصفة وهو (مِنْ عِنْدِ اللهِ) فقرب من المعرفة ، فجاز أن يكون مبتدأ ، وخبره «خير».

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) (١٠٤).

«راعنا» جملة فعلية فى موضع نصب بتقولوا.

ومن قرأ «راعنا» بالتنوين نصبه بتقولوا على المصدر ، أى ، لا تقولوا رعونة لأنّه يعمل فيما كان قولا ، ويحكى بعده ما كان كلاما.

قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (١٠٥).

«ما» نافية و «يودّ» أصله (يودد) لأنّه مضارع (وددت) إلا أنّه نقلت الفتحة عن الدال الأولى إلى ما قبلها ، فسكنت وأدغمت فى الدال الثانية.

و «أن ينزّل» مفعول يودّ ، و «من» الأولى زائدة لتأكيد النفى ، و «خير» فى موضع رفع لأنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله. و «من» الثانية معناها ابتداء الغاية ، وما عملت فيه فى موضع نصب لأنها تتعلق «بينزّل».

قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) (١٠٦).

«ما» شرطية فى موضع نصب «بننسخ» ، و «ننسخ» مجزوم بها.

وقرئ ، ننسخ بفتح النون ، وننسخ بضمّها.

فمن قرأ بالفتح جعله من نسخت الشىء إذا رفعته ، ومن قرأ بالضمّ جعله من أنسخت فلانا الشىء إذا حملته على نسخه.

و «ننسأها» قرئ بفتح النون بالهمز ، و «ننسها» بضمّ النون بغير همز.

فمن قرأ بالفتح والهمز جعله من نسأت أى أخّرت.

ومن قرأ بالضمّ بغير همز جعله من أنسيت فلانا الشىء إذا حملته على تركه ، ومعنى «ننسها» أى نأمر بتركها ، وقد حذف من «ننسها» مفعولا أوّل ، وتقديره ، «ننسكها ، فحذف الكاف وهى المفعول الأول ، فبقى «ننسها». و «ننسأها وننسها» كلاهما مجزوم بالعطف على «ننسخ» المجزوم بما الشرطية ، وجواب الشرط ، نأت (١) بخير منها ، أى بالإضافة إلى مصالح العباد إليها فى نفسها.

قوله تعالى : (كَما سُئِلَ مُوسى) (١٠٨).

«الكاف» فى موضع نصب لأنّها صفة لمصدر محذوف وتقديره ، أم تريدون أن تسألوا رسولكم سؤالا كما سئل موسى ، و «ما» فى «كما» مع الفعل بعدها فى تقدير المصدر ، وتقديره ، كسؤال موسى. والمصدر مضاف إلى المفعول ، والمصدر يضاف إلى المفعول كما يضاف إلى الفاعل. قال الشاعر :

٢٧ ـ أفنى تلادى وما جمّعت من نشب

قرع القواقيز أفواه الأباريق (٢)

يروى : أفواه بالرفع وأفواه بالنصب ، فمن روى (أفواه) بالنصب جعل المصدر مضافا إلى الفاعل ، ومن روى (أفواه) بالرفع جعله مضافا إلى المفعول ، وكلاهما كثير فى كلامهم.

__________________

(١) (تأت) ب.

(٢) البيت من كلام الأقيشر الأسدى ، واسمه المغيرة بن عبد الله.

قوله تعالى : (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (١٠٩).

«كفّارا» منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون مفعولا ثانيا «ليردونكم».

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من الكاف والميم فى «يردّونكم». و «حسدا» منصوب لأنه مفعول له ، أى ، لأجل الحسد ، و (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) فيه وجهان :

أحدهما ، أنه فى موضع نصب لأنه متعلّق (يودّ) (١).

والثانى : أنه يتعلق «بحسد». والوجه الأوّل أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (هُوداً أَوْ نَصارى) (١١١).

«هودا» جمع هائد أى تائب من قوله تعالى :

(إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)(٢)

أى ، تبنا. وهائد وهود كعائذ وعوذ ، وغائط وغوط. والهود اليهود ، والمعنى ، أنّ اليهود قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديّا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنّة إلا من كان نصرانيا ، ملفّق بين قوليهما فى لفظ واحد ، ولا يجوز حمل الكلام على ظاهره ، لأنّ اليهود لا تشهد للنصارى بدخول الجنة ، ولا النصارى تشهد لليهود بدخولها ، لأنّ كلّ طائفة منهما تكفّر الأخرى ، فثبت أنه محمول على التلفيق وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (١١٤).

__________________

(١) (بيود) ب.

(٢) سورة الأعراف ١٥٦.

فى موضع نصب لوجهين :

أحدهما ، أن يكون بدلا من «مساجد» وهذا البدل بدل الاشتمال ، كقوله تعالى :

(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ)(١).

والثانى : أن يكون مفعولا له ، أى ، لئلّا يذكر فيها اسمه (٢). وكراهة أن يذكر فيها اسمه ، كقوله تعالى :

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ)(٣)

أى ، لئلا تميد بهم ، وكقوله تعالى :

(يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(٤)

أى ، لئلا تضلّوا ، وكراهة أن تضلّوا.

قوله تعالى : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) (١١٤).

«أن يدخلوها» فى موضع رفع لأنه اسم «كان» ، و «لهم» الخبر.

و «خائفين» منصوب على الحال من الواو فى «يدخلوها».

قوله تعالى : (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١١٧).

قرئ «فيكون» بالرفع والنصب.

فمن قرأ بالرفع جعله عطفا على قوله تعالى : «يقول» وقيل تقديره ، فهو يكون.

__________________

(١) سورة البروج ٤ ، ٥.

(٢) (اسمه) ب.

(٣) سورة الأنبياء ٣١.

(٤) سورة النساء ١٧٦.

ومن قرأ بالنصب اعتبر لفظ الأمر وجواب الأمر بالفاء منصوب والنصب ضعيف ، لأنّ (كن) ليس بأمر فى الحقيقة ، لأنه لا يخلو قوله : كن. إمّا أن تكون أمرا لموجود أو معدوم ، فإن كان موجودا فالموجود لا يؤمر بكن ، وإن كان معدوما فالمعدوم لا يخاطب ، فثبت أنه ليس بأمر على الحقيقة ، وإنّما معنى (كُنْ فَيَكُونُ) أى ، يكوّنه فيكون. فإنه لا فرق بين أن يقول : إذا قضى أمرا فإنّما يكوّنه فيكون ، وبين أن يقول له كن فيكون ، فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة.

قوله تعالى : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) (١١٨).

«الكاف» فى موضعها وجهان : النصب والرفع.

فالنصب على أنه صفة لمصدر محذوف. أى ، قولا مثل ذلك ، والرفع على أنه مبتدأ وما بعد ذلك خبره.

و (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) فى نصبه وجهان :

أحدهما ، أن يكون منصوبا «بقال».

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه صفة لمصدر محذوف.

قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (١١٩).

«بشيرا» منصوب على الحال من الكاف فى «أرسلناك» ، و «نذيرا» عطف عليه.

و «لا تسأل» قرئ بالرفع ، والجزم على النهى.

فمن قرأ «تسأل» بالرفع كانت (لا) نافية ، وكانت الجملة بعدها خبرية فى

__________________

(١) (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) أ.

موضع نصب على الحال ، والتقدير ، أرسلناك بالحق بشيرا غير مسئول عن أصحاب الجحيم.

ومن قرأ ، «تسأل» بالجزم كانت (لا) ناهية وكان الفعل مجزوما بها.

قوله تعالى : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١٢٠).

فيه وجهان :

أحدهما ، أن يكون التقدير فيه ، مالك من عذاب الله من ولىّ.

والثانى : أن يكون المعنى ، مالك الله وليّا ولا نصيرا ، والعرب تقول مثل هذا بحرف الجرّ كقوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ)(١)

أى ، ماء لكم هو شراب. وكقول الشاعر :

فيا لرزام رشّحوا بى مقدّما (٢).

أى : رشّحونى.

وقال الآخر :

٢٨ ـ وفى الله إن لم تعدلوا حكم عدل (٣).

أى : الله حكم عدل وهذا النحو يسمّى التجريد.

قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) (١٢١)

__________________

(١) سورة النحل ١٠.

(٢) صدر بيت لسعد بن ناشب ، وهو شاعر إسلامى فى الدولة المروانية وعجزه :

إلى الموت خوّاضا إليه الكتائبا

(ديوان الحماسة لأبى تمام) ١٢ ـ ٣٤.

(٣) لم أقف على قائله.

«الّذين» إسم موصول فى موضع رفع بالابتداء ، و «آتيناهم (١)» صلته ، و (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) خبره ، و «يتلونه» جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر المنصوب فى «آتيناهم» ولا يجوز أن يكون «يتلونه» الخبر لأنه يوجب أن يكون كلّ من أوتى الكتاب يتلوه حقّ تلاوته ، وليس الأمر كذلك ، إلّا أن يكون الّذين أوتوا الكتاب الأنبياء عليهم‌السلام ، و (حَقَّ تِلاوَتِهِ) منصوب على المصدر.

قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ) (١٢٦).

«من» فى موضع نصب لأنه بدل من «أهله» بدل البعض من الكلّ ، والضمير فى «منهم» يعود إلى المبدل منه ، لأنّ بدل البعض من الكلّ لا بدّ أن يعود منه ضمير إلى المبدل منه إمّا ملفوظا به ، أو مقدّرا.

قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) (١٢٦).

«من» فى موضعها وجهان : النصب والرفع.

فالنصب بفعل مقدر وتقديره ، وارزق من كفر.

والرفع لأنّها مبتدأ وهى شرط و «فأمتّعه» الخبر والجواب.

ويقرأ بالتشديد والتخفيف. و «قليلا» ، فى نصبه وجهان :

أحدهما ، أن يكون منصوبا لأنّه صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، تمتيعا قليلا. على قراءة من قرأ بالتشديد ، وإمتاعا قليلا. على قراءة من قرأ فأمتعه بالتخفيف.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه صفة لظرف محذوف ، وتقديره ، زمانا قليلا.

__________________

(١) (ويتلونه) أ ، ب

قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) (١٢٧).

أى يقولان ربّنا تقبّل منّا ، فحذف (يقولان) وحذف القول كثير فى كتاب الله وكلام العرب.

ومن القرّاء من كان يقف على قوله : من البيت ، ويبتدئ واسماعيل. أى واسماعيل يقول ربّنا ، يريد أنّ البناء كان من إبراهيم وحده ، والدعاء كان من إسماعيل وحده.

قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (١٣٠).

فى نصب «نفسه» ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا ، لأن التقدير فيه ، سفه فى نفسه ، فحذف حرف الجرّ ، فاتّصل الفعل بالاسم فنصبه.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنّ «سفه» فى معنى جهل وهو فعل متعدّ بنفسه ، فلذلك نصب «نفسه».

والثالث : أن يكون منصوبا على التمييز وهو قول الكوفيّين ، وهذا الوجه ضعيف جدا لأنه معرفة والتمييز لا يكون إلّا نكرة.

قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٣٠).

«فى» متعلقة بعامل مقدر وتقديره : وإنه صالح فى الآخرة لمن الصالحين ، ولا يجوز أن تكون «فى» متعلقة بالصالحين ، لأنه يؤدّى إلى تقديم معمول الصّلة على الموصول وأجازه أبو عثمان المازنى ، لأنّ الألف واللام ليستا بمعنى (الذى) ، وإنما هما للتعريف ، فجاز أن يتقدم حرف الجرّ عليه وهو متعلق به.

قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) (١٣٢).

وقرئ ، «أوصى». وهما لغتان ، «وبها» الضمير فيه يعود إلى الملّة ، وقد تقدّم ذكرها فى قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ).

قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً) (١٣٣).

«ما» فى موضع نصب «بتعبدون» وتقديره ، أىّ شىء تعبدون من بعدى ، أى بعد موتى ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، و (إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) فى موضع جرّ على البدل من «آبائك» ولا ينصرف للعجمة والتعريف ، و (إِلهاً واحِداً) منصوب وفى نصبه وجهان :

أحدهما ، أن يكون منصوبا على البدل من قوله : «إلهك».

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال منه.

قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ) (١٣٤)

(تِلْكَ أُمَّةٌ) مبتدأ وخبر. (قَدْ خَلَتْ) صفة (لأمة) ، وكذلك (لَها ما كَسَبَتْ) وقد يجوز أن يكون منقطعا عمّا قبله فلا يكون له موضع من الإعراب.

قوله تعالى : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١٣٥).

«ملّة» منصوب بفعل مقدر وتقديره ، بل نتبع ملّة إبراهيم.

وزعم الكوفيّون أنّ تقديره ، بل نكون أهل ملّة إبراهيم.

والوجه الأوّل أوجه الوجهين لأنّك تفتقر فى هذا الوجه إلى إضمار بعد إضمار ، إضمار الفعل وإضمار المضاف والإضمار على هذا الحدّ من المتناولات البعيدة ، فلا يصار إليها ما وجد عنها مندوحة.

و «حنيفا» منصوب من وجهين :

أحدهما ، أن يكون منصوبا على الحال من إبراهيم لأنّ معنى «بل نتبع ملة إبراهيم» (١) (بل نتبع إبراهيم).

والثانى : أن يكون منصوبا بتقدير أعنى. إذ لا يجوز وقوع الحال من المضاف إليه.

قوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (١٣٧).

«الباء» فى «بمثل» زائدة ، وزيادة الباء كقوله تعالى :

(جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(٢)

أى : مثلها. كقوله تعالى فى الآية الأخرى :

(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٣).

ويجوز أن تكون «مثل» زيادة ، وتقديره ، فإن آمنوا بما آمنتم به. وزيادة الحروف أحسن من زيادة الاسم.

و (ما آمَنْتُمْ) «ما» مع الفعل بعدها فى تأويل المصدر وتقديره ، بمثل إيمانكم به أى بالله ، ولا يجوز أن يكون التقدير ، بمثل الّذى آمنتم به. فتجعل «ما» بمعنى الّذى لأنه يؤدّى إلى أن نجعل لله تعالى مثل ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (١٣٨).

__________________

(١) (بل نتبع ملة إبراهيم) أ

(٢) سورة يونس ٢٧.

(٣) سورة الشورى ٤٠ (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) ب.

(صِبْغَةَ اللهِ) أى دين الله ، وهو منصوب وذلك من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا بتقدير فعل وتقديره ، اتّبعوا صبغة الله.

والثانى : أن يكون منصوبا على الإغراء ، أى عليكم صبغة الله.

والثالث : أن يكون منصوبا بدلا من قوله : (مِلَّةِ إِبْراهِيمَ). (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أى دينا. كما قال تعالى فى الآية الأخرى :

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)(١)

و «صبغة» منصوب على التمييز. كقولك : زيد أحسن القوم وجها.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) (١٤٣).

«إن» مخففة من إنّ الثقيلة ، واللام فى «لكبيرة» لام التأكيد التى تأتى بعد (إن) المخففة من الثقيلة ليفرّق بينها وبين (إن) التى بمعنى (ما) فى نحو قوله تعالى :

(إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ)(٢).

وذهب الكوفيّون إلى أنّ (إن) بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلّا) كقوله تعالى :

(إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)(٣)

أى ، ما الكافرون إلّا فى غرور. و «كبيرة» منصوب لأنه خبر (كانت). والتاء فى «كانت» فيها وجهان :

__________________

(١) سورة النساء ١٢٥

(٢) سورة الفرقان ٤٤

(٣) سورة الملك ٢٠

أحدهما ، أن يراد بها التولية ، أى وإن كانت التولية من بيت المقدس إلى الكعبة لكبيرة ، فأضمر التّولية.

والثانى : أن يراد بها الصلاة ، أى وإن كانت الصلاة لكبيرة إلّا على الذين هدى الله ، أى ، هداهم الله ، فحذف ضمير المفعول العائد من الصّلة إلى الموصول كقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(١)

أى ، بعثه الله ، وإنما حذف ضمير المفعول العائد إلى الاسم الموصول تخفيفا لأنّ الاسم الموصول وصلته المركّبة من الفعل والفاعل بمنزلة كلمة واحدة فلما طال الكلام حسن الحذف ، لأنّ طول الكلام يناسب الحذف ، وكان حذف العائد أولى من الموصول والصلة والفعل والفاعل ، لأنّ هذه الأشياء كلّها لازمة فى الجملة ، والعائد ضمير المفعول ، والمفعول فضلة فى الجملة ، وحذف ما كان فضلة فى الجملة أولى من حذف ما كان لازما فيها.

قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (١٤٧).

«الحقّ» مرفوع وفى رفعه وجهان :

أحدهما ، أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ وخبره محذوف ، وتقديره ، الحقّ من ربّك يتلى عليك أو يوحى إليك.

والثانى : أن يكون خبر مبتدإ مقدر ، وتقديره ، هذا الحقّ من ربّك.

وقد قرئ فى الشواذ «الحقّ» بالنصب (بيعلمون).

قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) (١٤٨).

«وجهة» مرفوع لأنه مبتدأ ، و «لكلّ» خبره والوجهة جاءت على خلاف

__________________

(١) سورة الفرقان ٤١.

القياس لأنّ القياس أن يقال (جهة) كما يقال فى (وعد عدة وفى وصل صلة) بحذف الواو ، إلّا أنّهم استعملوها استعمال الأسماء على خلاف القياس ويجوز أن تكون الوجهة اسما للمتوجّه إليه فلا يكون شاذا على خلاف القياس والذى أضيف إليه «كلّ» بمنزلة الملفوظ به ولهذا لم يجز جماعة من النحويّين دخول الألف واللام عليه لأنّ الألف واللام والإضافة لا تجتمعان (١). و «هو مولّيها» مبتدأ وخبر ، والجملة فى موضع رفع صفة لوجهة و (هو) يعود إلى كلّ ، وتقديره ، لكلّ إنسان وجهة مولّيها وجهه. ويجوز أن يعود إلى الله تعالى ، أى ، الله مولّيها إيّاهم ، والمفعول الثانى محذوف على كلا الوجهين.

ومن قرأ «مولّاها» فهو يعود إلى كلّ لا غير ولا يجوز على هذه القراءة أن يعود إلى الله تعالى لاستحالة المعنى ولا يقدّر فى الكلام معها حذف كما فى القراءة الأولى ، لأنّ أحد المفعولين صار مضمرا فى «مولّاها». مرفوعا لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، والثانى الهاء والألف فى «مولّاها» وإلى ما ذا يرجعان ، فيه وجهان :

أحدهما ، أنهما يرجعان إلى الوجهة لتقدّم ذكرها.

والثانى : أنهما يرجعان إلى التّولية ، وجاز إضمارها لدلالة الفعل عليها.

كقوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً)(٢)

أى ، البخل ، لدلالة يبخلون عليه. وكقولهم : من كذب كان شرّا له. أى ، كان الكذب شرّا له ، وكقول الشاعر :

__________________

(١) بالهامش فى أو هو غير ظاهر فى الصورة ، ونقلته من ب.

(٢) سورة آل عمران ١٨٠.

٢٩ ـ إذا نهى السّفيه جرى إليه

وخالف والسّفيه إلى خلاف (١)

إليه. أى ، إلى السّفه ، فأضمره لدلالة السفيه عليه ، والشواهد على هذا النحو كثيرة جدّا.

قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً) (١٥١).

«الكاف» فى «كما» وفيما يتعلق به ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون متعلقة بقوله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) أى ، لأتمّ نعمتى عليكم فى تحويل القبلة كما أرسلنا فيكم رسولا منكم.

والثانى : أن تكون متعلقة بقوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) أى ، اذكرونى كما أرسلنا فيكم رسولا منكم.

والثالث : أن يكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره ، اهتداء كما أرسلنا ، لأنّ قبله يهتدون ، ولا يمتنع هذا التقدير فى الوجهين الأوّلين فيكون فيهما وصفا لمصدر «لأتمّ واذكرونى» فيكون التقدير ، إتماما كما أرسلنا وذكرا كما أرسلنا.

قوله تعالى : (أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) (١٥٤).

«أموات وأحياء» مرفوعان لأنّ كلّ واحد منهما خبر مبتدإ محذوف والتقدير ، هم أموات بل هم أحياء.

قوله تعالى : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١٥٨).

«من» فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون شرطية و «تطوّع» شرط ، فعل ماض فى معنى المستقبل وموضعه جزم (بمن) الشرطية.

__________________

(١) البيت لم أقف على قائله ، وقد جاء فى الإنصاف ص ٨٩ ـ ١ الخزانة ٢ ـ ٣٨٣. والبيت غير مطابق ، لأن الهاء فيه ت عود إلى الظاهر ، والضمير فى الآية يعود إلى معنى الفعل.

والثانى : أن تكون «من» بمعنى الّذى و «تطوّع» جملة فعلية لا موضع لها من الإعراب لأنّها وقعت صلة ، والجملة إذا وقعت صلة لا يكون لها موضع من الإعراب لأنّها لم تقع موقع مفرد ، هذا على قراءة من قرأ «تطوع» بالتخفيف. فأمّا على قراءة من قرأ «يطوّع» بالتشديد والياء «فمن» شرطية لا غير ، والفعل مستقبل مجزوم بها ، وأصله (يتطوع) فاجتمعت التاء والطاء ، والتاء مهموسة والطاء مجهورة مطبقة ، فاستثقلوا اجتماعهما فأبدلوا من التاء طاء ، وأدغموا الطاء فى الطاء ؛ و «خيرا» منصوب لأن التقدير فيه ، ومن تطوّع بخير. فحذف حرف الجرّ فاتصل الفعل به فنصبه. (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) جواب الشرط ، والجملة فى موضع جزم (بمن) الشرطية كقوله تعالى :

(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ)(١)

فإن موضع قوله : فلا هادى له جزم لأنه جواب الشرط ولهذا جزم (يذرهم) لأنه معطوف عليه.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١٦١).

«أولئك» مبتدأ أول ، و (لَعْنَةُ اللهِ) فى رفعه وجهان :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالظرف على كلا المذهبين ، لأنه جرى خبرا.

الثانى : أن يكون (لَعْنَةُ اللهِ) مبتدأ ثانيا و «عليهم» خبره مقدّم عليه ، والمبتدأ الثانى وخبره فى موضع رفع لأنه خبر للمبتدأ الأوّل ، والمبتدأ الأوّل وخبره خبر إنّ.

وقرئ ، لعنة الله والملائكة والناس أجمعون. برفع الملائكة والناس بالعطف

__________________

(١) سورة الأعراف ١٨٦.

على موضع اسم الله تعالى وهو فى موضع رفع ، لأن تقديره ، أولئك يلعنهم الله. كقولك : يعجبنى قيام زيد وعمرو وبشر. ترفع عمرا وبشرا بالعطف على موضع زيد ، وموضعه رفع لأنّ التقدير ، يعجبنى أن يقوم زيد ، والحمل على الموضع فى العطف والوصف كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (١٦٢).

«خالدين» منصوب على الحال من المضمر فى «عليهم» و (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «خالدين». و (لا هُمْ يُنْظَرُونَ) جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «خالدين» أو من المضمر فى «عنهم» ، ويجوز أن يكون (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ) وما بعده منقطعا ممّا قبله فلا يكون له موضع من الإعراب.

قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣).

«لا إله» فى موضع رفع على الابتداء ، والخبر محذوف وتقديره ، لا إله لنا أو فى الوجود ، و «هو» فى موضع رفع على البدل من موضع «لا إله». كقولك : لا رجل إلّا عبد الله ، ولا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا على. و «الرّحمن» مرفوع وذلك من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا على البدل من «هو».

والثانى : أن يكون مرفوعا خبر مبتدإ محذوف وتقديره ، هو الرّحمن ، ولا يجوز أن يكون وصفا لقوله : «هو» لأنّ هو اسم مضمر والمضمر لا يوصف ولا يوصف به.

قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي) (١٦٤).

معطوف على المجرور قبله ، و «الفلك» يكون واحدا ويكون جمعا ، فكونه واحدا كقوله تعالى :

(فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(١).

و «والفلك» هاهنا واحد ، لقوله : «المشحون» ولو كان جمعا لقال : المشحونة. وكونه جمعا :

كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ)(٢).

فالفلك هاهنا جمع لقوله تعالى : (وجرين) فكذلك الفلك هاهنا جمع لقوله : (الَّتِي تَجْرِي) والضمة فى الفلك إذا كان واحدا كالضمة فى (قفل وقلب) وإذا كان جمعا كانت الضمة فيه كالضمة فى (كتب وأزر).

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (١٦٥).

إنما فتحوا نون «من» مع الألف واللّام للكسرة قبلها ، وكثرة دورهما فى الكلام ، فعدلوا عن الكسر إلى الفتح باعتبار هذين الوصفين ، ولهذا كسروا النون من (عن) مع الألف واللام فقالوا : عن الرّجل. لعدم كسرة ما قبلها ، وجوّزوا فتح النون فى نحو ، من ابنك. لأنّها لا يكثر دورها فى الكلام كثرة دور الألف واللّام.

و «من» لمن يعقل وتصلح للواحد والجمع ، ولقد وحّد الضمير العائد عليه

__________________

(١) سورة الشعراء ١١٩. وسورة يس ٤١.

(٢) سورة يونس ٢٢.

فى «تتّخذ» حملا على لفظه ، وجمعه فى «يحبّونهم» حملا على معناه و «يحبّونهم» جملة فعلية ، وفى موضعها وجهان ، النصب والرفع.

فأمّا النصب فمن وجهين :

أحدهما : أن يكون على الحال من المضمر فى «تتّخذ».

والثانى : أن يكون وصفا لأنداد.

وأما الرفع فعلى أن يكون وصفا لمن ، وتكون «من» نكرة موصوفة كقول الشاعر :

٣٠ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النبىّ محمّد إيّانا (١)

أى ، على إنسان غيرنا.

و «الكاف» فى (كحبّ الله) فى موضع نصب وصف لمصدر محذوف أى ، حبّا مثل حبّكم الله.

قوله تعالى : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ) (١٦٥).

قرئ ، «يترى» بالياء والتاء ، فمن قرأه بالياء كان (الَّذِينَ ظَلَمُوا) فى موضع رفع لأنه الفاعل ، ويرى بمعنى يعلم ، وسدّت أنّ وصلتها مسدّ المفعولين ؛ ومن قرأه بالتاء كان (الَّذِينَ ظَلَمُوا) فى موضع نصب لأنه مفعول «ترى» ، وهو من رؤية العين ، وهو العامل أيضا فى «إذ» ، وإنّما جاء «إذ» هاهنا وهى لما مضى ومعنى الكلام لما يستقبل لأنّ الإخبار من الله تعالى كالكائن الماضى لتحقق كونه وصحة وقوعه.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٢٦٩ وهو لحسّان بن ثابت صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المتوفى سنة ٦٠ ه‍.

و (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ) متعلق بجواب «لو» وتقديره على قراءة من قرأ بالياء ، ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب لعلموا أنّ القوّة لله.

وعلى قراءة من قرأ بالتاء ، لعلمت أنّ القوة لله.

وذهب أبو الحسن الأخفش وأبو العباس المبرد (١) إلى أن فتح «أنّ» محمول على يرى ، فى قراءة من قرأ بالياء ، وتقديره ، ولو يرى الذين ظلموا أنّ القوة لله لظهر لهم ضرر اتخاذ الأنداد من دون الله تعالى ، ولا يجوز أن يكون (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ) بدلا من (الَّذِينَ ظَلَمُوا) لأنه لا تعلّق له به.

قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) (١٦٦).

إذ ، فى موضع نصب ، وفى العامل الذى يتعلق به قولان :

أحدهما : أن يكون العامل الذى يتعلق به (شَدِيدُ الْعَذابِ) فى آخر الآية التى قبلها.

والثانى : أن يكون العامل فعلا مقدرا أى ، اذكر إذ تبرأ.

وحكم (إذ) فى وقوعها لما يستقبل وإن كان فى الأصل للماضى حكم (إذ) فى الآية التى قبلها.

قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) (١٦٧).

فنتبرأ ، منصوب بتقدير (أن) بعد الفاء التى فى جواب التمنى لأن قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) تمنّ ، فينزّل منزلة ليت وجوابه بالفاء منصوب ، والفاء فيه عاطفة ، وتقديره ، لو أن لنا أن نكرّ فنتبرأ. والكاف فى (كَما تَبَرَّؤُا) فى موضع نصب لوجهين :

__________________

(١) أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى المعروف بالمبرد. إليه انتهى علم العربية بعد طبقة الجرمى والمازنى ت ٢٨٥ ه‍.

أحدهما : لأنها صفة مصدر محذوف ، و (ما) مصدرية والتقدير ، تبرّأ مثل تبرّئهم منا.

والثانى : أن تكون فى موضع نصب على الحال من الواو فى (تبرءوا) وتقديره ، فنتبرأ منهم مشبهين تبرّأهم منا ، وفى موضع الكاف فى (كذلك) وجهان : النصب والرفع. فالنصب على أن تكون صفة لمصدر محذوف وتقديره ، يريهم الله إراءة (١) مثل ذلك.

والرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، الأمر كذلك.

وحسرات منصوب لوجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال من الهاء والميم فى (يريهم). ويكون من رؤية البصر.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول ثالث (ليريهم) ويكون من رؤية القلب لأن [يرى مضارع] أرى إذا كان من رؤية القلب تعدى إلى ثلاثة مفاعيل. والمفعول الأول هاهنا الهاء والميم فى يريهم ، والثانى أعمالهم ، والثالث حسرات.

قوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (١٦٨).

كلوا ، أصله أأكلوا فاجتمع همزتان همزة أصلية وهمزة أجتلبت لئلا يبتدأ بالساكن فاستثقلوا اجتماعهما فحذفوا إحداهما ، وكان حذف الهمزة الأصلية أولى من المجتلبة ، لأن المجتلبة دخلت لمعنى والأصلية لم تدخل لمعنى فكان حذفها أولى ، فلما حذفت الأصلية استغنى عن المجتلبة لأنها دخلت لئلا يبتدأ بالساكن وهى الهمزة الأصلية وقد حذفت ، فاستغنى عنها لزوال الساكن الذى اجتلبت من أجله فصار (كلوا) ووزنه علوا بحذف الفاء التى هى الهمزة ، وحلالا منصوب لوجهين :

__________________

(١) (إراءة) فى أ ، وهذه الكلمة ساقطة من ب. وجاء فى النسفى (مثل ذلك الإراء القطيع). ص ١٠٧ ح ١.

أحدهما : أن يكون وصفا لمفعول محذوف وتقديره ، كلوا شيئا حلالا طيّبا.

والثانى : أن يكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره ، كلوا أكلا حلالا طيبا.

قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) (١٧٠)

الهمزة فى (أولو) همزة استفهام ومعناه التوبيخ ، والواو واو عطف ، وجواب (لو) محذوف ، وتقديره ، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون يتبعونهم على ضلالتهم ، فحذف (يتبعونهم) للعلم به.

قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) (١٧١).

فى تقدير الآية وجهان :

أحدهما : أن يكون التقدير ، ومثل داعى الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

والثانى : أن يكون التقدير فيه ، مثل دعاء الذين كفروا كمثل دعاء الذى ينعق ، فحذف المضاف فى الموضع وأقام المضاف إليه فيهما مقام المضاف ، ودعاء ونداء منصوب بيسمع.

قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) (١٧٣).

قرئ : الميتة بالرفع والنصب.

فالرفع على أن تكون (ما) بمعنى (الذى) ، و (حرّم) مع المضمر فيه صلته ، والمضمر هو العائد من الصلة إلى الموصول ، والميتة ، مرفوع لأنه خبر (إنّ).

والنصب على أن تكون (ما) فى (إنما) كافة ، وإنما تجىء فى الكلام لإثبات المذكور ونفى ما سواه.

كقوله تعالى : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(١)

أى ، ما إلهكم إلا إله واحد ، ولهذا قال الشاعر :

٣١ ـ وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى (٢).

فقال : إنما يدافع عن أحسابهم أنا ، وإن كان لا يجوز أن يقول : يفعل أنا ، وإنما يقول أفعل أنا ، لأن التقدير ، ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا ، فحمل الكلام على إثبات المذكور ونفى ما سواه.

قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (١٧٣).

قرئ : فمن اضطر بكسر النون وضمها فمن كسرها فعلى الأصل فى التقاء الساكنين ، ومن ضمها فللإتباع استثقالا وكراهية للخروج من كسر إلى ضم ، ولهذا ليس فى كلامهم ما هو على وزن فعل بكسر الفاء وضم العين.

واضطر ، أصله (أضترر) فأبدل من تاء الافتعال طاء لتوافق الضاد فى الإطباق ، وحذفت كسرة الراء الأولى وأدغمت فى الثانية ، وقد قرئ : اضطر بكسر الطاء لأنه نقل كسرة الراء الأولى إلى الطاء ولم يحذف الكسرة كما حذفت فى قراءة من قرأ بضم الطاء. وغير باغ ، منصوب على الحال من المضمر فى (اضطر).

قوله تعالى : (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) (١٧٤).

فى بطونهم ، ظرف فى موضع الحال وتقديره ، ما يأكلون إلا النار ثابتة (٣) فى بطونهم. كقوله تعالى فى موضع آخر :

__________________

(١) ١١٠ سورة الكهف ، ١٠٨ سورة الأنبياء ، ٦ سورة فصلت.

(٢) قطعة من بيت وصدره :

أنا الذائد الحامى الذمار ، وإنّما

وهو من قصيدة للفرزدق يعارض بها جريرا ، ويفخر عليه.

(٣) (كائنة) فى ب.

(إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)(١).

وتقديره ، يأكلون نارا كائنة فى بطونهم ، ففى بطونهم صفة لنار فى الأصل ، إلا أنه لما قدّم عليها انتصب على الحال ، لأن صفة النكرة إذا تقدم عليها انتصب على الحال. قال الشاعر :

٣٢ ـ والصّالحات عليها مغلقا باب (٢).

أى ، باب مغلق. فلما قدّم صفة النكرة عليها انتصب على الحال فكذلك هاهنا.

قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (١٧٥).

ما ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون تعجبية وتقديره ، شىء أصبرهم.

والثانى : أن تكون استفهامية وتقديره ، أىّ شىء أصبرهم ، وعلى كلا الوجهين فهى مبتدأ وما بعدها الخبر.

وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن (ما) فى التعجب بمعنى (الذى) ، وهو مبتدأ وأصبرهم صلته وخبره محذوف ، وتقديره ، الذى أصبرهم على النار شىء ، فحذف الخبر ، والأكثرون على الأول.

قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) (١٧٧).

قرئ (البر) بالرفع والنصب.

فالرفع على أنه اسم (ليس) ، و (أن تولوا) خبرها ، أى ، ليس البر توليتكم.

__________________

(١) سورة النساء ١٠.

(٢) لم أقف على قائل هذا الشاهد. شواهد التوضيح ١٥٤ غير منسوب.

والنصب على أن يكون (البرّ) خبر ليس و (أن تولوا) اسمها ، ورجّحه بعض النحويين لأنّ أن المصدرية (١) مع صلتها أعرف من البر لأنها لا توصف كما لا يوصف المضمر والمضمر أعرف المعارف ، فلما أشبهت أعرف المعارف كان جعلها الاسم أولى ؛ ولكن البر من آمن بالله ، قرئ بكسر الباء وفتحها. فمن قرأ بكسر الباء كان فى تقديره وجهان :

أحدهما : أن يكون التقدير (ولكن البرّ برّ من آمن بالله) فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

والثانى : أن يكون التقدير (ولكن ذا البر من آمن بالله) فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

ومن قرأ بفتح الباء من البرّ أراد به البارّ كأنه قال : ولكن البارّ من آمن ، أى ، المؤمن.

قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (١٧٧).

آتى : أصله (أأتى) بهمزتين على وزن أفعل من الإيتاء والهمزة الأولى مفتوحة والثانية ساكنة ، فاستثقلوا اجتماعهما فأبدلوا من الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ؛ وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. والمال أصله (مول) لقولهم فى تصغيره (مويل) وفى تكثيره أموال ، وقولهم : تموّلت ، فتحركت (الواو) (٢) وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. و (على حبه) الهاء فيها أربعة أوجه :

أحدها : أنها تعود على المال ، فالمصدر مضاف إلى المفعول.

والثانى : أنها تعود على (من) فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل ، والمفعول محذوف وتقديره ، على حبه المال.

__________________

(١) (المصدر) فى ب ، بدلا من (أن المصدرية) فى أ.

(٢) (الياء) فى أ.

والثالث : أنه يعود على الإتيان وتقديره ، وآتى المال على حب الإتيان (١).

والرابع : أن يعود على الله تعالى ، وجاز أن يعود على هذه الأشياء لتقدم ذكرها ، والوجه الأول أوجه الأوجه لأن المضمر فيه أقرب إلى المضمر من سائرها.

قوله تعالى : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) (١٧٧).

الموفون ، مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنه عطف على المضمر فى (آمن بالله).

والثانى أن يكون معطوفا على (من آمن) أى ، ولكن البار المؤمنون والموفون (٢).

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره (وهم الموفون). والصابرين ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المدح وتقديره أمدح الصابرين.

والثانى : أن يكون معطوفا على قوله : (ذوى القربى) أى ، وآتى الصابرين. وإذا كان معطوفا على (ذوى القربى) لم يكن (الموفون) مرفوعا بالعطف على المضمر فى (آمن) ليكون داخلا فى صلة (من) ، ولا يجوز أن يكون عطفا على (من) ، لأنه يؤدى إلى أن يفصل بين الصلة والموصول بأجنبى.

قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) (١٧٨).

الهاء فى (له) تعود إلى (من). ومن أخيه ، أى من حق أخيه فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والهاء فى أخيه ، تعود على (من) ، والأخ يراد به ولىّ

__________________

(١) (الإتيا) فى ب ولعله سهو من الناسخ.

(٢) (والموفون أصله موفيون ، نقلت حركة الياء إلى الفاء بعد سلب حركة الفاء ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الياء ، فصار موفون ، على وزن مفعون) زيادة فى أعلى الصفحة فى ب.

المقتول. و (شىء) يراد به الدم ، وشىء مرفوع (بعفى) لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وقال ابن جنى (١) : ويمكن أن يكون تقديره (فمن عفى له من أخيه عن شىء) فلما حذف حرف الجر ارتفع (شىء) لوقوعه موقع الفاعل ، كما أنك لو قلت : سير بزيد. وحذفت الباء قلت : سير زيد.

قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (١٨٠).

حضر أحدكم الموت ، أى ، أسباب الموت فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والوصيّة ، مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بكتب لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وتقديره ، كتب عليكم الوصية.

والثانى : أنه مرفوع بالابتداء على إضمار الفاء ، وتقديره ، إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا فالوصية للوالدين ، والفاء جواب الشرط وقد حذفها. وهذا القول ضعيف لأن حذف الفاء موضعه الشعر كقول الشاعر :

٣٣ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها (٢)

أى ، فالله يشكرها. وأما فى اختيار الكلام فهو قبيح جدا.

قوله تعالى : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (١٨٠).

__________________

(١) أبو الفتح عثمان بن جنى النحوى. كان من حذاق أهل الأدب وأعلمهم بعلم النحو والتصريف وهو تلميذ أبى على الفارسى. ت ٣٩٢ ه‍.

(٢) البيت لحسان بن ثابت وعجزه :

والشر بالشر عند الله سيّان

وهو من شواهد سيبويه ص ٤٣٥ ح ١.

حقّا ، منصوب على المصدر ، وتقديره ، حق حقّا. وحذف لأن قوله : للوالدين والأقربين ، ناب عنه.

قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) (١٨١).

الهاءات فى بدّله وسمعه ويبدلونه ، فيها وجهان :

أحدهما : إنما أتى بضمير المذكر دون ضمير المؤنث ، وإن كان الذى تقدم ذكر الوصية لأنه أراد بالوصية الإيصاء ، والإيصاء مذكر فحمله على المعنى ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والثانى : أن هذه الهاءات تعود على الكتب لأن (كتب) تدل عليه ، والكتب مذكر.

قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (١٨٣).

الكاف فى (كما) فى موضع نصب ، لوجهين :

أحدهما : أن يكون فى موضع نصب لأنها صفة لمصدر محذوف. وتقديره (كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب) ، وما مصدرية أى ، مثل كتابته.

والثانى : أن يكون فى موضع نصب على الحال من الصيام وتقديره (كتب عليكم الصيام مشبّها لما كتب على الذين من قبلكم) ولا يجوز أن ينصب (أياما معدودات) بالصيام لما يؤدى إليه من الفصل بين الموصول وصلته بأجنبي وهو قوله تعالى : (كَما كُتِبَ) فالموصول المصدر وهو الصيام ، وصلته (أياما معدودات) فعلى هذا يكون (أياما معدودات) منصوبا بتقدير فعل ، وتقديره ، صوموا أياما معدودات ، فحذف صوموا لدلالة (كتب عليكم الصيام) عليه.

وقيل : يجوز أن تكون الكاف فى موضع رفع لأنها صفة للصيام ، لأنه عام لم يأت

بيانه إلا فيما بعده ، فعلى هذا الوجه يجوز أن تنصب (أياما معدودات) بالصيام لأنه داخل فى صلته.

قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (١٨٤).

فعدة : مرفوع لأنه مبتدأ ، وخبره مقدر. وتقديره ، فعليه عدة من أيام أخر. و (من أيام) فى موضع رفع لأنه صفة (عدة) وأيام أصله (أيوام) إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشددة. وأخر جمع أخرى ، وهو فعلى أفعل التى للتفضيل وهى (١) صفة أيام ، ولا ينصرف للوصف والعدل عن آخر.

وقيل : للوصف والعدل عن الألف واللام فاجتمع فيها العدل والوصف فلم ينصرف.

قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١٨٤).

فدية ، مبتدأ ، وعلى الذين يطيقونه خبره مقدم عليه (طعام مسكين) بدل من فدية على قراءة من قرأها بالتنوين ومن قرأها بغير تنوين أضافها إلى طعام ، وما جمع (٢) المسكين لأنه كان على كل واحد منهم فى ابتداء الإسلام إطعام مسكين ، ثم نسخ ذلك بقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه. والطعام بمعنى الإطعام ، كما جاء العطاء بمعنى الإعطاء. قال الشاعر :

٣٤ ـ وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٣)

__________________

(١) زيادة فى أ.

(٢) (وجمع) بإسقاط (ما) فى أ.

(٣) البيت من كلام القطامى ، واسمه عمير بن شييم ، شاعر إسلامى مقل ، وكان نصرانيا توفى سنة ١١٧ ه‍. وصدره :

أكفرا بعد ردّ الموت عنىّ

أى ، إعطائك.

قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (١٨٥).

قرئ بالرفع والنصب.

فالرفع على أنه مبتدأ وخبره (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ).

وقيل : الذى صفته ، وخبره (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وكان حقه أن يقال : فمن شهده منكم فليصمه ، إلا أنه أقام المظهر مقام المضمر كقول الشاعر :

٣٥ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شىء (١)

أى يسبقه وقيل : شهر رمضان مرفوع على البدل من الصيام فى قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) والنصب على تقدير فعل ، والتقدير ، صوموا شهر رمضان ، ويكون (الذى) وصفه ، ولا يجوز أن يكون منصوبا (بتصوموا) فى قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) لأنه يؤدى إلى أن يفصل بين الصلة والموصول بأجنبى ، وهو خبر (أن تصوموا) وهو (خير لكم) لأن الاسم لا يخبر عنه وقد بقيت منه بقية ، والهاء فى (فيه) تعود إلى شهر رمضان. وهدى ، منصوب على الحال من القرآن ، أى هاديا للناس ، وبينات ، عطف عليه.

قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١٨٥).

الشهر ، منصوب على الظرف لأن التقدير فيه (فمن شهد منكم المصر فى الشهر) لأن المسافر قد شهد الشهر ولا يجب عليه الصوم فيه ، فدل على أنه لا بد من إضمار

__________________

(١) البيت من كلام سوادة بن عدى ، وعجزه :

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا

وهو من شواهد سيبويه ص ٣٠ ح ١. وتقدم الكلام عليه في الشاهدين : ١٠ ، ٢٥

المصر ولهذا قال : فليصمه لأنه نصب نصب المفعول به ، ولم يرده إلى الظرف الذى يجب إبرازه فى موضع ضميره. نحو ، اليوم صت فيه.

قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (١٨٥).

الواو عاطفة (لتكملوا العدة) على محذوف مقدر ، والتقدير يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ليسهل عليكم ولتكملوا العدة. فحذف المعطوف عليه وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) (١٨٧).

ليلة : منصوب على الظرف بأحل وقد أفردنا فى ذلك كتابا.

قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١٨٧).

وأنتم عاكفون : جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر المرفوع فى تباشروهن.

قوله تعالى : (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) (١٨٨).

فى (تدلوا) وجهان : الجزم والنصب.

أما الجزم فعلى أن يكون معطوفا على قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا) فى أول الآية فكأنه قال : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ).

وأما النصب فعلى تقدير (أن) بعد الواو التى وقعت جوابا للنهى وهى بمعنى الجمع (١) فكأنه يقول : لا تجمعوا بين أن تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأن تدلوا بها إلى الحكام كقول الشاعر :

__________________

(١) زيادة فى أ.

٣٦ ـ لا تنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

أى ، لا تجمع بين أن تنهى عن خلق وأن تأتى مثله.

قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٨).

جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر المرفوع فى (لتأكلوا).

قوله تعالى : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١٩٦).

ما ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ وخبره مقدر ، وتقديره ، فعليكم ما استيسر. فما استيسر مبتدأ ، وعليكم ، خبره.

قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١٩٧).

فى تقديره وجهان :

أحدهما : أن يكون التقدير فيه ، أشهر الحج أشهر معلومات. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ولو لا هذا المحذوف لكان الوجه ، نصب أشهر. كما تقول : الخروج يوم السبت والدخول يوم الأحد.

والثانى : أن يكون التقدير ، الحج حج أشهر معلومات.

وقيل : يجوز أن يجعل تفسير (٢) الحج ، نفس الأشهر لكثرة وقوعه فيها كما قال الشاعر :

__________________

(١) هو من كلام أبى الأسود الدؤلى ، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان ، وهو من شواهد سيبويه ص ٤٢٤ ح ١ ، وقيل للأخطل ، وهو غياث بن غوث النصرانى.

(٢) (نفس) فى ب.

٣٧ ـ فإنما هى إقبال وإدبار (١)

فجعلها إقبالا وإدبارا لكثرة وقوعه منها.

قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) (١٩٧).

اختلف القراء فيها.

فمنهم من قرأها كلها بالفتح ومنهم من قرأ ، لا رفث ولا فسوق بالرفع وقرأ ، لا جدال بالفتح. فأما من قرأها كلها بالفتح ، جعل النكرة مبنية مع (لا) كما قدمنا فى قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) و (لا) مع النكرة فيها كلها فى موضع مبتدأ ، وفى الحج الخبر عنها كلها.

ومن قرأ ، لا رفث ولا فسوق بالرفع ، ولا جدال بالفتح ، لم يبن الفكرة مع لا رفث ولا فسوق لمكان العطف ، ورفعها بالابتداء ، والخبر مقدر وتقديره ، فى الحج. وبنى (لا جدال) على الفتح لأنه أراد أن يفرق بين الرفث والفسوق ، وبين الجدال لأن المراد بقوله : لا رفث ولا فسوق ، لا ترفثوا ولا تفسقوا ، والمراد بقوله : ولا جدال فى الحج أى ، لا شك فى وقت الحج. فعلى هذا يكون قوله : فى الحج خبرا عن قوله : لا جدال فقط دون ما قبله لاختلافهما ، إذ لا يجوز الجمع بين خبرين فى خبر واحد.

و (ما تفعلوا) ، (ما) شرطية فى موضع نصب بتفعلوا. وتفعلوا ، مجزوم (بما). ويعلمه ، مجزوم لأنه جواب الشرط.

__________________

(١) عجز بيت من كلام الخنساء. وهى تماضر بنت عمرو بن الشريد. وصدره :

ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت

وهو من شواهد سيبويه ١ : ١٦٩.

قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) (١٩٨).

التنوين فى عرفات بمنزلة النون فى زيدون ، وليست للصرف ، لأنها لو كانت للصرف لكان ينبغى أن يحذف للتعريف والتأنيث لأنها اسم لبقعة مخصوصة وقد نصبوا عنها الحال فقالوا : هذه عرفات مباركا فيها.

ومن العرب من يفتح التاء من غير تنوين فى حالة النصب والجرّ ، ويجريها مجرى تاء التأنيث ، فى نحو ، فاطمة وعائشة.

قوله تعالى : (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) (٢٠٠).

الكاف : فى موضع نصب لوجهين :

أحدهما : أن يكون صفة لمصدر محذوف وتقديره ، ذكرا كذكركم آباءكم.

والثانى : أن يكون فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (فاذكروه) أى ، فاذكروه مشبهين ذكركم آباءكم.

قوله تعالى : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (٢٠٠).

فى (أشد) وجهان ، الجر والنصب.

فالجر بالعطف على (ذكركم).

والنصب على تقدير فعل والتقدير ، واذكروه ذكرا أشد من ذكركم آباءكم. فيكون وصفا لمصدر فى موضع الحال. أى ، اذكروه مبالغين فى الذكر له.

قوله تعالى : (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (٢٠٤).

الخصام : فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون جمع خصم.

والثانى : أن يكون مصدرا (لخاصم) بمعنى الخصومة ، يقال : خاصم خصاما

كضارب ضرابا وقاتل قتالا. وكل ما كان من الأفعال على (فاعل) ، فإنه مصدره على الفعال ، فيكون معنى (ألد الخصام) أى ، شديد الخصومة.

قوله تعالى : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (٢٠٨).

كافة : منصوب على الحال من المضمر فى (ادخلوا) والعامل فيه الفعل.

قوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ) (٢١١).

سل : فعل أمر من سأل يسأل ، وأصله (اسأل) إلا أنه حذفت الهمزة تخفيفا ، ونقلت حركتها إلى السين قبلها فاستغنى عن همزة الوصل. و (كم) منصوب على الظرف وتقديره ، كم مرة ، والعامل فيه قوله : آتيناهم. ولا يجوز أن يكون العامل فيه (سل) ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، وآتيناهم مع كم فى موضع نصب لأنه المفعول الثانى لسل.

قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢١٢).

إنما قال : زين ، ولم يقل : زينت وإن كانت الحياة مؤنثة لوجود الفصل الواقع بينهما على أنه يجوز ترك علامة التأنيث مع عدم الفصل ، لأن تأنيث الحياة ليس بحقيقى ، والفعل يجوز فيه ترك علامة التأنيث إذا كان التأنيث غير حقيقى نحو : حسن الدار ، واضطرم النار إلا أن وجود الفصل يزيد ترك العلامة حسنا ، نحو ، حسن اليوم الدار ، واضطرم الليلة النار. والذين اتقوا ، مبتدأ. وفوقهم ، خبره.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) (٢١٤).

أم : تكون متصلة ومنقطعة.

فالمتصلة لا تكون إلا بعد الاستفهام بالهمزة ، والمراد بها تعيين المسئول عنه ، بمنزلة (أىّ) نحو ، أزيد عندك أم عمرو. أى ، أيهما عندك.

والمنقطعة تكون بمنزلة (بل) والهمزة تقع بعد الاستفهام والخبر.

و (أم) هاهنا منقطعة بمعنى (بل والهمزة) وتقديره : بل أحسبتم. وأن تدخلوا : أن وصلتها فى موضع المفعولين بحسب.

قوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) (٢١٤).

حتى : تكتب بالياء لأنها أشبهت الاسم. نحو ، سكرى ، ولهذا لمّا أشبهت الاسم جازت فيها الإمالة ، ولا يجوز أن تكتب (أمّا) بالياء كما تكتب حتى ، لأن (أمّا) مركبة من أن وما ، بخلاف حتى فإنها مفردة وليست مركبة ، و (يقول) قرئ بالنصب والرفع.

فالنصب بتقدير أن بعد حتى وتقديره حتى أن يقول. وحتى هاهنا غاية (١) بمعنى : (إلى أن). فجعل قول الرسول غاية لخوف أصحابه.

والرفع على أنه فعل قد مضى وانقضى ، وأنه يخبر عن الحال التى كان فيها الرسول فيما مضى ، والفعل دال على الحالة التى كان عليها فيما مضى.

و (حتى) لا ينتصب الفعل بعدها إلا إذا كان بمعنى الاستقبال فأما إذا كان بمعنى الماضى أو الحال ، فلا ينتصب بعدها بتقدير (أن) لأن (أن) تخلصه للاستقبال. ومعنى الآية ، وزلزلوا حتى قال الرسول ، أو حتى كان من شأنه أن يقول. فيكون حكاية الحال ، كقوله تعالى :

(هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ)(٢)

فحكى تلك الحالة ، ألا ترى أنه لو لم يحمل على الحكاية لما صحّ ، لأن هذا إشارة إلى الحاضر ، وليس الرجلان حاضرين الآن ، فالمعنى ، فوجد فيها رجلين حالهما أنهما يقتتلان يشار إليهما بأن هذا من شيعته وهذا من عدوه. وإنما لم ينتصب الفعل بعد

__________________

(١) زيادة فى ب.

(٢) ١٥ سورة القصص.

(حتى) إلا إذا كان بمعنى الاستقبال دون الماضى والحال ، لأنه إذا كان بمعنى الاستقبال كان فى تقدير مفرد لأنه يكون مع (أن) فى تقدير المصدر ، و (حتى) تعمل فى المفردات ، وإذا كان بمعنى الماضى والحال كان جملة ، و (حتى) لا تعمل فى الجمل ، ولهذا لم نحكم للجملة بعد حتى بموضع من الإعراب فى قول الشاعر :

٣٨ ـ وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (١)

لأن حتى لا تعمل فى الجمل.

قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (٢١٧).

قتال ، بدل من الشهر ، بدل الاشتمال ، ألا ترى أن الشهر مشتمل على القتال ، والهاء فى فيه : تعود على الشهر وبدل الاشتمال لا بد أن يعود منه ضمير إلى المبدل منه ، فأما قول الشاعر :

٣٩ ـ لقد كان فى حول ثواء ثويته (٢)

فتقديره ، ثواء ثويته فيه. فحذف العائد إلى المبدل منه للعلم به.

قوله تعالى : (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (٢١٧).

قتال : مرفوع لأنه مبتدأ وإنما جاز أن يكون مبتدأ وإن كان نكرة ، لأنه وصفه بقوله : فيه ، فتخصّص والنكرة إذا تخصصت جاز أن تكون مبتدأ. وكبير ، خبر

__________________

(١) البيت من كلام امرئ القيس بن حجر بن عمرو الكندى ، من قصيدته التى مطلعها :

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

ورسم عفت آياته منذ أزمان

وصدر البيت

سريت بهم حتى تكلّ مطيّهم

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان

وهو من شواهد سيبويه (١ ـ ١٤٧).

(٢) لم أقف على اسم الشاعر.

المبتدأ. وقال : قل قتال فيه كبير ، ولم يقل : القتال ، لأن النكرة إذا كررت عرّفت ، ألا ترى أن إنسانا إذا قال : لفلان (١) علىّ مائة درهم ، لفلان علىّ مائة الدرهم. لزمه مائة درهم ، لأن المائة الثانية هى الأولى. وإذا قال : لفلان علىّ مائة درهم له على مائة درهم. لزمه مائتان ، لأن المائة الثانية غير الأولى ؛ لأنهم سألوه عن قتال ، وقع ذلك فى ذلك الوقت بعينه ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث سريّة لقتال المشركين وأظل شهر رجب ، فبعثوا إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه عن ذلك القتال الذى بعثهم فيه ، وأجابهم فى الآية بأن كل قتال يقع فى هذا الشهر كبير ، لا ذلك القتال الواحد بعينه حتى يلزمه التعريف بالألف واللام.

قوله تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) (٢١٧).

وصدّ عن سبيل الله ، مبتدأ ؛ وكفر به معطوف عليه ، وإخراج أهله منه ، معطوف عليه ايضا ، وخبر هذه الأشياء الثلاثة قوله : (أكبر عند الله).

وقول من قال : (صد وكفر) معطوف على (كبير) ، فاسد لأنه يؤدى إلى أن يكون القتال فى الشهر الحرام كفر ، أو لأنه قد جاء بعده ، وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، وهذا يؤدى إلى أن إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند الله من الكفر ، وهذا محال.

وكذلك أيضا قول من قال : صد ، مبتدأ وكفر ، معطوف عليه والخبر محذوف لدلالة الخبر الأول عليه ، وتقديره ، كبيران عند الله. يؤدى أيضا إلى أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام عند الله أكبر من الكفر ، وذلك محال. والمسجد الحرام ، معطوف على (سبيل الله) ، أى : صد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام.

وقول من قال : إنه معطوف على الشهر الحرام فضعيف ، لأن سؤالهم إنما كان عن

__________________

(١) (له) ب.

الشهر الحرام ، هل يجوز فيه القتال لا عن المسجد الحرام ، فقيل لهم : القتال فيه كبير الإثم ، لكن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام والكفر بالله وإخراج أهل المسجد الحرام منه ، أكبر عند الله إثما من القتال فى الشهر الحرام ، وكذلك أيضا قول من قال : إن المسجد الحرام معطوف على الهاء فى (به) من قوله : (وكفر به) غير مرضى أيضا ، لأن العطف على الضمير المجرور لا يجوز ، ولأنه يصير التقدير فيه ، وكفر به وبالمسجد الحرام ، ولا يقال : كفرت بالمسجد ، وإنما يقال : صددت عن المسجد. فدل على أنه معطوف على (سبيل الله) لا على الهاء فى (به).

فإن قيل : فأنتم إذا جعلتم (والمسجد الحرام) معطوفا على (سبيل الله) كان فى صلة المصدر وهو الصد ، فيؤدى إلى الفصل بين (سبيل الله) وبين (لمسجد) بقوله : وكفر به ، لأنه معطوف على المصدر الموصول ، ولا يعطف عليه إلا بعد تمامه.

قلنا : يقدر له ما يتعلق به لتقدم ذكره ، فالتقدير : وصدّوكم عن المسجد الحرام.

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٢١٩).

العفو ، يقرأ بالنصب والرفع.

فمن قرأ بالنصب جعل (ما وذا) كلمة واحدة فى موضع نصب بينفقون فرد العفو إليه ، ونصبه بتقديره ، والتقدير ، قل ينفقون العفو. فكأنه قال : يسألونك أىّ شىء ينفقون ، قل ، ينفقون العفو.

ومن قرأ بالرفع جعل (ما) الاستفهامية مبتدأ ، و (ذا) بمعنى (الذى) خبره ، وينفقون صلته.

ولا يجوز أن تكون (ما) منصوبة به ، لأنه لا يجوز أن تعمل الصلة فيما قبل الموصول ، ولأن الفعل فى الصلة مشغول بالعائد المنصوب وتقديره ، ما الذى ينفقونه ، فجاء الجواب ، العفو. أى ، هو العفو. وإنما وجب أن يكون إعراب العفو مثل إعراب (ما) فى الوجهين جميعا لأنه جواب (ما) فوجب أن يكون إعرابه كإعرابها.

قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٢١٩ ـ ٢٢٠).

فى الدنيا : جار ومجرور فى موضع نصب ، وفى الفعل الذى يتعلق به وجهان :

أحدهما : أنه يتعلق (بتتفكرون).

والثانى : أنه يتعلق (بيبيّن). وتقديره ، يبين الله لكم الآيات فى الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون.

قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (٢٢٠).

الألف واللام فيهما للجنس لا للمعهود (١). كقوله تعالى :

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(٢).

وكقولهم : الرجل خير من المرأة ، أى ، جنس الرجال خير من جنس النساء ، وكقولهم : أهلك الناس الدينار والدرهم ، أراد به جنس الدراهم والدنانير ، وكذلك حكى عنهم : الدينار الصّفر والدرهم البيض ، فدل على أنهم أرادوا الجنس فكذلك معنى قوله تعالى :

(يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)(٣).

أى ، يعلم هذين الصنفين.

قوله تعالى : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) (٢٢٢).

قرئ بتشديد الطاء وتخفيفها.

__________________

(١) (للعهد) فى ب وهما سواء.

(٢) ٢ ، ٣ سورة العصر.

(٣) ٢٢٠ سورة البقرة.

فمن قرأ بالتشديد أراد ، حتى يغتسلن وأصله يتطهرن ، فاجتمعت التاء والطاء ، والتاء مهموسة والطاء مطبقة مجهورة ، فكرهوا اجتماعهما فأسكنوا التاء وأبدلوا منها طاء لقرب مخرجهما وأدغموا الطاء فى الطاء.

ومن قرأ يطهرن بالتخفيف أراد : ينقطع دمهن.

وعلى هاتين القراءتين ينبنى الخلاف بين الشافعى وأبى حنيفة فى جواز وطء الحائض إذا انقطع دمها لأكثر (١) الحيض قبل الغسل ، فأجازه أبو حنيفة وأباه الشافعى ، وقد بيّنا ذلك مستوفى فى كتابنا الموسوم بالتنقيح فى مسائل الترجيح بين الشافعى وأبى حنيفة رحمة الله عليهما.

قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) (٢٢٤).

عرضة : منصوب لأنه مفعول ثان لتجعلوا ، و (أن تبرّوا) فى موضعه ثلاثة أوجه : النصب والجر والرفع.

فأما النصب فعلى تقدير ، ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم لئلا تبروا ، فحذفت (لا) وإن شئت على تقدير (كراهة أن تبرّوا) ، أى ، لكراهة. وهذا التقدير أولى لأن حذف المضاف أكثر فى كلامهم من حذف (لا).

وأما الجر فعلى تقدير حرف الجر وإعماله ، لأنه يحذف مع (أن) كثيرا لطول الكلام ، ونظائره كثيرة.

وأما الرفع فعلى أن تكون أن وصلتها ، مبتدأ ، وخبره محذوف ، وتقديره ، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس أمثل وأولى من تركها.

قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (٢٢٦).

__________________

(١) (إثر) فى ب.

اللام من (للذين) تفيد الاستحقاق ، كقولك : الرحمة للمؤمنين واللعنة للكفار ، ومن نسائهم : جار ومجرور متعلق بالظرف ، كما تقول : لك منى المعونة ، ولك منى النّصرة. وليست (من) متعلقة بيؤلون لأنه يقال : آلى على امرأته وقول العامة آلى من امرأته غلط وكأنه لما سمع قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) ظن أن (من) تتعلق بيؤلون ، فجوّز أن يقال : آلى من امرأته ، وليس كذلك.

قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢٢٨).

يتربصن ، لفظه لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، أى ، ليتربصن ، وجاز ذلك لأن المعنى مفهوم ، وثلاثة قروء ، وتقديره ، ثلاثة أقراء (١) من قرء فحذف المضاف إليه.

كقول الشاعر :

٤٠ ـ مالك عندى غير سهم وحجر

وغير كيداء شديدة الوتر

جادت بكفّى كان من أرمى البشر (٢)

أى ، بكفّى رجل كان من أرمى البشر.

فحذف المضاف إليه وأقام الجملة الفعلية مقامه ، وإنما وجب هذا الحذف ، لأن إضافة العدد القليل وهو من الثلاثة إلى العشرة إلى جمع القلة أولى من إضافته إلى جمع الكثرة ، لما فى إضافته إليه من التنافى ، وأقراء جمع قلة ، وقروء جمع كثرة ، فلو أضفناه إلى جمع الكثرة لكان فيه من التنافى ما لا خفاء به فلذلك وجب هذا الحذف.

__________________

(١) (إقراء) فى أ ، ب.

(٢) البيت من شواهد الإنصاف ص ٧٥ ح ١ ، وذكره الأشمونى.

وقال الصينى : رجز لم يعلم راجزه (ص ٧١ ح ٣ حاشية الصبان على شرح الأشمونى).

قوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ٢٢٨

مثل ، مبتدأ ، ولهن خبره. وعليهن ، صلة (الذى) ويتعلق بفعل مقدر وتقديره ، الذى استقر عليهن. وبالمعروف ، يتعلق بلهنّ وتقديره ، استقر لهن حق مثل الذى عليهن بالمعروف. أى استقر لهن بالمعروف. أى ، بالذى أمر الله فى ذلك.

قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (٢٢٩).

الطلاق مرتان ، مبتدأ وخبر ، وهذا الكلام فيه اتساع ، وتقديره ، الطلاق فى مرتين ، والطلاق فى معنى التطليق ، وقيل تقديره ، عدة الطلاق الرجعى مرتان ، فإمساك بمعروف ، مبتدأ وخبره محذوف وتقديره ، أى فعليه إمساك بمعروف ، ومثله أو تسريح بإحسان.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (٢٢٩).

أن وصلتها ، فى موضع نصب على الاستثناء من غير الجنس. وأن لا يقيما ، فى موضع نصب لأن تقديره ، من أن لا يقيما ، فلما حذف حرف الجر تعدى الفعل إليه.

قوله تعالى : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (٢٣٢).

إذا ظرف زمان ، وفيما يتعلق به وجهان :

أحدهما : أنه يتعلق بلا تعضلوهن.

والثانى : أنه يتعلق بقوله : أن ينكحن ، والواو فى (تراضوا) يراد به الأزواج والنساء ، إلا أنه لما اجتمع المذكر والمؤنث غلّب جانب المذكر على جانب المؤنث كما يقال : هذا ما اشترى فلان وفلانة ابنا فلان ، ولا يقال : ابنتا ، تغليبا لجانب المذكر على جانب المؤنث ، وكذلك قالوا : قام أخواك زيد وهند. وكذلك لو كان المذكر واحدا والمؤنث جماعة. وقوله : بالمعروف ، جار ومجرور وبماذا يتعلق فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا بتراضوا.

والثانى : أن يكون متعلقا بينكحن ، والأولى أن يكون متعلقا بتراضوا لأنه أقرب إليه.

قوله تعالى : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ) (٢٣٢).

إنما وحد الكاف ، وإن كان الخطاب لجماعة ، لأنه أراد به الجمع ، كأنه قال : أيها الجمع ، والجمع لفظه مفرد وهى لغة لبعض العرب ، ويجوز أن يثنّى ويجمع على العدد كقوله تعالى :

(ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)(١)

وقد جاء التنزيل بهما ، وتثنيتها وجمعها على العدد أكثر اللغتين.

قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (٢٣٣).

لفظه لفظ الخبر والمراد به الأمر ، ومعناه ، ليرضعن ، كقوله تعالى :

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ)(٢)

ومجىء الخبر بمعنى الأمر كثير فى كلامهم ، ولمن أراد ، فى موضعه وجهان : النصب والرفع.

فالنصب لأن اللام تتعلق (بيرضعن) ، وتقديره ، يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد من الآباء أن يتم إرضاع ولده.

والرفع لأن اللام تتصل بمحذوف وتقديره ، هذا الذى ذكرناه لمن أراد أن يتم الرضاعة ، فيكون فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف.

__________________

(١) ٢٣٢ سورة البقرة.

(٢) ٢٢٨ سورة البقرة ، (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) أى (ليتربصن) هكذا فى ب

قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها (١) لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) (٢٣٣).

قوله : وعلى المولود له ، تقديره ، وعلى المولود له الولد ، والمفعول المحذوف فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله.

ولا تضار ، يقرأ بالرفع والفتح.

فالرفع على أن يكون (لا) نفيا والمراد به النهى كقوله تعالى :

(فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ)(٢)

والفتح على أن يكون (لا) نهيا و (تضار) مجزوم بها وحركت الراء لسكونها وسكون ما قبلها ، وحركت بالفتح لثلاثة أوجه :

الأول : أن الفتحة أخف الحركات.

الثانى : لأن ما قبل الألف فتحة ففتحت إتباعا لها.

والثالث : أن الفتحة نقلت من عين الفعل إلى لامه لما احتيج إلى تحريكها لأنها أولى من اجتلاب حركة لا أصل لها فى الكلمة ، وهذا الوجه إنما يستقيم إذا جعلت (تضارّ) مبنيا لما لم يسمّ فاعله. ووالدة ، على هذا مرفوعة لأنها مفعول ما لم يسم فاعله.

وأصله (تضارر) فاستثقلوا اجتماع حرفين من جنس واحد ، فسكنوا الأول وحركوا الثانى لالتقاء الساكنين لأن الثانى كان ساكنا للجزم ، وأدغموا أحدهما فى الآخر ، وحركت بالفتح لما بيّنا ، وعلى هذا يكون المعنى : لا يفعل الضّرر بالوالدة من أجل ولدها ولا بالمولود له.

__________________

(١) ساقطة من أ ، ب.

(٢) ١٩٧ سورة البقرة.

ويجوز أن يكون والدة ، مرفوعة بفعلها على أن يكون أصل تضارّ تضارر بكسر الراء الأولى ، ويقدر (١) مفعول محذوف. وتقديره ، لا تضارر والدة بولدها أباه ، ولا يضارر مولود له بولده أمّه.

والكلام فى إدغام الراء فى هذا الوجه كالكلام فى إدغام الراء فى الوجه الأول.

قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) (٢٣٣).

أراد لأولادكم فحذف حرف الجر فاتصل الفعل بالاسم فنصبه ، ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ).

قرئ ، أتيتم ، بالمد والقصر.

فمن قرأ : آتيتم بالمد ، حذف المفعولين ، لأن (آتى) يتعدى إلى مفعولين ، لأنه بمنزلة أعطى ، وأعطى يتعدى إلى مفعولين ، فكذلك ما كان بمنزلته ، وتقديره ، آتيتموه المرأة. أى ، أعطيتموه المرأة.

ومن قرأ ، أتيتم بالقصر فالتقدير فيه ، إذا سلمتم ما أتيتم به. فحذف الجار والمجرور للعلم به.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) (٢٣٤).

الذين ، مبتدأ. وفى الخبر أربعة أوجه :

الأول : أن يكون خبره مقدرا وتقديره ، فيما يتلى عليكم الذين يتوفون منكم.

كقوله تعالى :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(٢)

__________________

(١) (وتقديره) أ.

(٢) سورة المائدة ٣٨.

أى ، فيما يتلى عليكم السارق والسارقة.

والثانى : أن يكون خبره (يتربصن بأنفسهن) على تقدير ، يتربصن بعدهم بأنفسهن. فحذف (بعدهم) للعلم به ، لأن الجملة إذا وقعت خبرا للمبتدأ فلا بد أن يعود منها عائد إليه ، ونحو هذا قوله تعالى :

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١)

أى ، إن ذلك الصبر منه لمن عزم الأمور ، فحذف (منه) للعلم به.

والثالث : أن يكون التقدير ، فأزواجهم يتربصن فحذف المبتدأ ، وحذف المبتدأ كثير فى كلامهم. ويتربصن خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنه خبر الذين.

والوجه الرابع : أن يكون الخبر يتربصن على أن يكون التقدير ، وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فصار (الذين) مبتدأ ، و (يتربصن) خبرا عن الأزواج اللائى قام (الذين) مقامهنّ.

قوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) (٢٣٥).

عقدة النكاح ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، ولا تعزموا على عقدة النكاح ، فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه ، كقولهم : ضرب زيد البطن والظهر ، أى ، على البطن والظهر ، وكقول الشاعر :

٤١ ـ آليت حبّ العراق الدهر أطعمه

والبر يأكله فى القرية السوس (٢)

__________________

(١) ٤٣ سورة الشورى.

(٢) البيت من شواهد سيبويه ص ١٧ ح ١ وجاء فى الكتاب (الحب) بدل (البر) وهو للمتلمس ، واسمه جرير بن عبد المسيح الضبعى.

أى ، على حب العراق. فحذف حرف الجر فنصبه ، وهذا كثير فى كلامهم.

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر بمعنى تعقدوا عقدة النكاح.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) (٢٣٦).

ما ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون شرطية ، أى ، إن لم تمسوهن.

والثانى : أن تكون ظرفية زمانية مصدرية أى ، مدة لم تمسوهن.

قوله تعالى : (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (٢٣٦).

متاعا ، اسم أقيم مقام التمتع وهو منصوب على المصدر ، أى ، متعوهن متاعا. وحقا ، منصوب أيضا على المصدر وتقديره ، حق ذلك حقا.

قوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) (٢٣٧).

فنصف ، مرفوع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف وتقديره ، فعليكم نصف ما فرضتم.

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فالواجب نصف ما فرضتم. وإلا أن يعفون ، (أن) حرف ينصب الأفعال المستقبلة ، ولم تحذف النون من يعفون ، لأن النون فيها ضمير جماعة النسوة ، فهى علامة جمع لا علامة رفع ، وإذا اتصلت بالفعل المضارع صار مبنيا ، كما إذا اتصلت به نون التوكيد ، وصار فى موضع الرفع والنصب والجزم على لفظ واحد ، وإذا ثبت هذا صح إثبات النون ، بخلاف فعل الرجال. نحو ، هم يعفون ولن يعفوا ، ولم يعفوا. فإنه ثبت فيه النون فى حالة الرفع وتحذف فى حالة الجزم والنصب. ووزن يعفون إذا كان فعلا للرجال ، يعفون ، لذهاب

اللام التى هى الواو ، وأصله ، يعفوون إلا أنه استثقلت الضمة على الواو الأولى فحذفت فبقيت ساكنة ، وواو الجمع بعدها ساكنة ، فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان ، فحذفت الواو التى هى اللام لئلا يجتمع ساكنان وكان حذف الواو الأصلية أولى من واو الجمع ، لأن واو الجمع دخلت لمعنى واللام الأصلية لم تدخل لمعنى ، فكان حذفها أولى ، وصار يعفون على وزن يفعون. ووزن يعفون إذا كان فعلا لجماعة النسوة يفعلن لأن الواو لام الكلمة ولم يوجد ما يوجب حذفها فكانت باقية على أصلها ، وقد أفردنا فى الكلام على يعفون كتابا.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) (٢٤٠).

الذين ، فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف ، وتقديره ، يوصون وصية ، والوصيّة هاهنا قائمة مقام المصدر وهو الإيصاء ، واللام فى (لأزواجهم) تتعلق إن شئت بالمصدر وإن شئت بالفعل المقدر.

ومن قرأ ، وصية بالرفع كان مرفوعا لأنه مبتدأ ، وخبره مقدر وتقديره ، فعليهم وصيّة لأزواجهم ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر الذين ؛ ومتاعا : منصوب لوجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر ، وغير إخراج ، صفة له ، أى ، متاعا لا يخرجهن.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من الموصين المتوفين ، وتقديره ، متاعا إلى الحول غير ذوى إخراج ، أى ، غير مخرجين لهن.

وهذه الآية منسوخة وناسخها متقدم عليها وهو قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(١).

__________________

(١) سورة البقرة ٢٣٤.

وهو من غرائب التنزيل.

قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) (٢٤٥).

من ، استفهامية وهى مبتدأ ، وذا ، خبره ، والذى : صفة (ذا) أو بدل منه ، ولا يجوز أن تركب (ذا) مع (من) كما ركبت مع (ما) لأن (ذا) مبهمة و (ما) مبهمة فجاز أن تركب إحداهما مع الأخرى ، وليست (من) كذلك فى الإبهام ، فلم تتركب إحداهما مع الأخرى ، وقرضا ، منصوب لأنه (اسم (١)) أقيم مقام المصدر ، وهو الإقراض فانتصب انتصاب المصدر. وفيضاعفه ، قرئ بالرفع والنصب. فأما الرفع فمن وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على صلة (الذى) وهو ، يقرض ، فيكون داخلا فى صلة (الذى).

والثانى : أن يكون منقطعا عمّا قبله. وأما النصب فعلى العطف بالفاء حملا على المعنى دون اللفظ ، كأنه قال : من ذا الذى يكون منه قرض فتضعيف من الله تعالى ، فقدر (أن) بعد الفاء ونصب بها الفعل ، وصيّرها مع الفعل فى تقدير مصدر ليعطف مصدرا على مصدر ، ولا يحسن أن يجعل منصوبا على ظاهر اللفظ فى جواب الاستفهام ، لأن القرض ليس مستفهما عنه ، وإنما الاستفهام عن فاعل القرض ، ألا ترى أنك لو قلت : أزيد يقرضنى فأشكره. لم يجز النصب على جواب الاستفهام بإلفاء وإنما جاز هاهنا حملا على المعنى على ما بينا.

قوله تعالى : (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢٤٦).

__________________

(١) زيادة فى ب.

عسيتم ، فعل من أفعال المقاربة ، وفيه لغتان : عسيتم ، بفتح السين وكسرها ، ولا يتصرف لأنه فى معنى (لعل) وهو حرف والحرف لا يتصرف فكذلك ما كان فى معناه ، وهو يشبه (كان) فى اقتضائه اسما مرفوعا وخبرا منصوبا ، ولا يكون خبرها إلا (أن) مع الفعل ولا تحذف (أن) إلا فى ضرورة الشعر ، فالتاء والميم فى عسيتم اسمها ، وألا تقاتلوا خبرها ، وقد فصل بينهما الشرط الذى هو (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ). قالوا وما لنا ألا نقاتل (ما) مبتدأ. و (لنا) خبره. وتقديره ، أى شىء لنا فى ألّا نقاتل فحذف حرف الجر ، واختلفوا فى إعماله مع الحذف ، فأباه البصريون وأعمله الكوفيون.

وقيل : إنّ (أن) زائدة. ولا نقاتل ، جملة فعلية فى موضع الحال وتقديره ، ما لنا غير مقاتلين.

قوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٤٧).

واسع ، فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون (واسع) بمعنى ذو سعة. كلابن وتامر. أى ، ذو لبن وتمر.

والثانى : أن يكون (واسع) بمعنى ، موسع على حذف الزوائد كقوله تعالى :

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)(١)

بمعنى ملقحات.

قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) (٢٤٨).

__________________

(١) ٢٢ سورة الحجر.

آية ، فيها أربعة أوجه :

أحدها : أن يكون أصلها ، (أيية) عينها ياء ولامها ياء فقلبت العين التى هى الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وكان القياس يقتضى أن تقلب الياء الثانية التى هى اللام ، لأن إعلال اللام أكثر من إعلال العين.

والثانى : أن يكون أصلها (أوية) لأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ياء ولامه ياء ، ألا ترى أن باب طويت أكثر من باب حييت ، فقلبت الواو ألفا لما بيّنا فى الوجه الأول.

والثالث : أن يكون أصله (أيّة) فقلبت الياء الأولى ألفا كما قالوا : (طاىّ).

والرابع : أن يكون أصله (آيّية) على وزن فاعلة ، فحذفوا الياء الأخيرة التى هى اللام فصار (آية) ووزنها فاعة لحذف اللام منها.

و (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من التابوت ، وكذلك قوله تعالى : تحمله الملائكة ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من التابوت أيضا.

قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (٢٤٩).

قرئ ، غرفة بفتح الغين وضمها. فالغرفة بالفتح المرة الواحدة وهى قراءة أبى عمرو ، يقال : غرف غرفة. كما يقال : ضرب ضربة ، وقتل قتلة. ومن قرأ : غرفة بالضم فمعناه ، ملء الكف.

وقيل : هما لغتان كنغبة ونغبة (١) ، وحسوة وحسوة ، وفرجة وفرجة.

قوله تعالى : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) (٢٤٩).

كم ، للعدد وهى هاهنا خبرية ويراد بها الكثرة ، وهى مبنية لأنها فى الخبر نقيضة

__________________

(١) (النّغبة) بالضم الجرعة ، وقد تفتح ، وجمعها (نغب) بوزن رطب.

(ربّ) ، وربّ ، مبنية فكذلك نقيضتها ، لأنهم يحملون الشىء على نقيضه كما يحملون على نظيره وهى فى موضع رفع لأنها مبتدأ. وغلبت ، خبره.

قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) (٢٥١).

قرئ ، دفع الله ، ودفاع الله. وهما مصدران لدفع ، ويقال : دفع دفعا ودفاعا ، كما يقال : كتب كتبا وكتابا. ويجوز أن يكون (دفاعا) مصدر. دافع دفاعا ، كما يقال : ضارب ضرابا ، وكل واحد من المصدرين مضاف إلى الفاعل. والناس ، منتصب لأنه مفعول المصدر المضاف ، و (بعضهم) بدل من الناس.

قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) ٢٥٢.

تلك ، أصلها (تى) وهى اسم إشارة واللام زيدت لتدل على بعد المشار إليه ، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين وهما الياء واللام ، والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب. هذا مذهب البصريين.

وذهب الكوفيون إلى أن الاسم هو التاء وحدها ، والياء زيدت تكثيرا للكلمة وتقوية لها وقد بيّنا فساده فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١). ونتلوها ، جملة فعلية فى موضع الحال من (آيات).

قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) (٢٥٣).

تلك ، مبتدأ. والرسل ، وصف له أو عطف بيان. وفضلنا ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها خبر المبتدأ. و (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) من ، اسم موصول يفتقر إلى صلة وعائد ، فصلته (كلم الله) والعائد محذوف وتقديره ، كلمه الله ، وهو وصلته فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره (منهم).

__________________

(١) المسألة ٩٥ ص ٣٩١ ح ٢ الإنصاف.

قوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (٢٥٤)

[قرئ] بالرفع والبناء على الفتح.

فالرفع بالابتداء أو على أن يجعل (لا) بمعنى ليس ، و (فيه) الخبر.

والبناء على الفتح لما بيّنا من قبل.

ويجوز فيه فى العربية عدة أوجه ، والقراءة سنّة متبعة ، وكل هذه الجمل فى موضع الوصف المكرّر (ليوم) ، والعائد من الصفة إلى الموصوف الهاء فى (فيه).

قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢٥٥).

الله ، مبتدأ أول ، ولا إله ، مبتدأ ثان ، وخبره محذوف وتقديره (لا إله معبود إلا هو). والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول ، و (هو) ضمير المرفوع المنفصل ، و (هو) هاهنا مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا على البدل من موضع لا إله.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر لا إله (١).

والأكثرون على الأول.

و (الحى القيوم) مرفوعان وذلك من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكونا مرفوعين على الوصف لله تعالى.

والثانى : على البدل من (هو).

والثالث : على تقدير مبتدأ.

قوله تعالى : (لَا انْفِصامَ لَها) (٢٥٦).

هذه الجملة فى موضع نصب على الحال من (العروة الوثقى) وهى (لا إله إلا الله).

__________________

(١) ساقطة من ب.

قوله تعالى : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (٢٥٧).

الطاغوت ، تصلح للواحد والجمع ، ويراد به هاهنا الجمع ، لقوله : أولياؤهم الطاغوت ، وأولياء ، جمع فلذلك يجب أن يكون الطاغوت جمعا ، لأنّ أولياء ، مبتدأ. والطاغوت ، خبره وخبر المبتدأ يكون على وفق المبتدأ.

وأصل طاغوت : طغيوت على وزن فعلوت من الطغيان ، وهو بمعناه ، مثل ، رغبوت ورهبوت بمعنى الرغبة والرهبة ، إلا أنهم قلبوا الياء التى هى لام إلى موضع العين فصار طيغوتا (١) فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار طاغوتا ، ووزنه بعد القلب فلعوت.

ويجوز أن تكون لامه واوا فيكون أصله (طغووت) ، لقولهم : طغا يطغو ونظيره فى القلب ، حانوت فإن أصله (حنووت) ، لأنه من حنا يحنو ، ثم قلب وأعلّ (٢) على ما بينا فى طاغوت ، ولا يجوز أن يكون من (حان يحين) ، لقولهم فى جمعه حوانيت.

وقيل : أصله طاغوّ على فاعول ، فأبدلت من الواو الثانية تاء (٣) فصار طاغوت.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) (٢٥٨).

الهاء فى (ربه) تعود على (الذى) وهو نمروذ ، وأن آتاه الله الملك ، فى موضع نصب لأنه مفعول له وتقديره ، لأن آتاه الله ، فحذف اللام فاتصل الفعل به ، والهاء فى (أن آتاه الله) فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون عائدة على إبراهيم ، أى ، أن آتى الله إبراهيم النبوة.

__________________

(١) (طغيوتا) فى ب ، وهو واضح الخطأ.

(٢) (وأعل) زيادة فى ب.

(٣) (ياء) فى أ ، ب وإقامة السياق ما أثبتناه.

والثانى : أن تكون عائدة على (الذى حاج إبراهيم) وهو نمروذ [الذى] خاصم إبراهيم لأن آتاه الله الملك.

و (إذ قال إبراهيم) : إذ ، ظرف زمان والعامل فيه (تر) ، والياء فى (ربى) يجوز فيها التحريك والإسكان فمن حركها شبهها بالكاف فى (رأيتك) ، ومن سكّنها استثقل الحركة عليها لأن الحركات تستثقل على حرف العلة ، وحذفها لالتقاء الساكنين وهما الياء واللام من (الذى) وأنا ، يجوز فيها إسقاط الألف وإثباتها ، فمن أسقطها فعلى الأصل ومن أثبتها أجرى الوصل مجرى الوقف.

قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (٢٥٩).

الكاف فى (كالذى) فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون زائدة وتقديره ، أو الذى مر على قرية على عروشها وهى خاوية. و (الذى) فى موضع جر لأنه معطوف على قوله : إلى الذى حاج إبراهيم.

والثانى : أن تكون الكاف للتشبيه ، ويكون معطوفا على معنى ما تقدمه من الكلام ، لأن معنى قوله تعالى : ألم تر إلى الذى حاج وأ لم تر كالذى حاج ، واحد ، معطوف (١) بقوله : أو كالذى مرّ. على معنى ما تقدمه.

وقوله : على عروشها ، فى موضع نصب لأنه بدل من قوله : على قرية. فعلى هذا يكون فى الكلام تقديم وتأخير ، ويكون (وهى خاوية) ، اعتراضا بين بعض الصلة وبعضها ، لأنها تؤكد الأول وتبينه. وفسرّ قوم (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أى ، ساقطة سقوفها (٢) ، فعلى هذا لا يكون فى الكلام تقديم وتأخير.

قوله تعالى : (كَمْ لَبِثْتَ) (٢٥٩).

__________________

(١) (فعطف) ب

(٢) (ساقطة على سقوفها) هكذا فى ب.

كم ، فى موضع نصب على الظرف ، وهو ظرف زمان. سئل بها عزير عن قدر الزمان الذى لبث فى موته. وتقديره ، كم يوما لبثت. قال : لبثت يوما أو بعض يوم.

له تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (٢٥٩).

فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون أصله (يتسنّن) من قوله :

(حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(١)

أى ، متغير ، فقلبت النون الثالثة ياء كراهية اجتماع ثلاث نونات ، كما قالوا : تظنيت فى تظننت ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار (يتسنّى) ثم حذفت الألف للجزم فصار يتسن وأدخلت عليه هاء السكت لبيان حركة النون فى الوقف.

والثانى : أن يكون من (تسنّه وسانهت) وهو يتفعل من السّنة فيكون المعنى ، لم يتغير بمرّ السنين ، وأصل سنة سنهة لقولهم فى التصغير : سنيهه. وسانهت النخلة إذا حملت سنة ولم تحمل سنة ، فتكون الهاء لام الفعل ، وسكنت للجزم ، ولا يجوز حذفها فى وصل ولا وقف لأنها أصلية.

قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) (٢٥٩).

حمارك ، يقرأ بالتفخيم والإمالة.

فمن قرأه بالتفخيم فعلى الأصل.

ومن قرأه بالإمالة فلكسرة الراء بعد الألف لأن الألف إذا كان بعدها كسرة جلبت الإمالة خصوصا إذا كانت فى راء لأنها حرف تكرير ، فالكسرة فيها بكسرتين ، ولهذا إذا وجدت مع الحروف التى توجب منع الإمالة وهى حروف

__________________

(١) ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣ سورة الحجر.

الاستعلاء والإطباق وهى ، الصّاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف ، فإنها توجب جواز الإمالة لما فيها من التكرير ، وكما أنّ الراء توجب جواز الإمالة مع ما يوجب منعها إذا كانت مكسورة ، فإنها توجب منع الإمالة مع ما يوجب جوازها ، إذا كانت مضمومة أو مفتوحة ، فإنّ الضمة فيها بضمتين والفتحة بفتحتين لما فيها من التكرير.

ولنجعلك ، الواو عطف على فعل مقدر وتقديره ، انظر إلى حمارك لتتيقن ما تعجبت منه حين قلت : أنّى يحيى هذه الله بعد موتها ولنجعلك آية للناس.

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٢٦٠) إذ ، تتعلق بفعل مقدر وتقديره ، واذكر إذ قال إبراهيم.

و (أرنى) أصله (أرإنى). وأصل (أرإنى) أرإينى. فحذفت الياء للوقف عند البصريين وللجزم عند الكوفيين ، وحذفت الهمزة تخفيفا ، ونقلت كسرتها إلى الراء قبلها وقرئ بإسكان الراء والاختلاس فمن أسكن الراء شبه الكلمة بكتف وكبد ، فكما قالوا فى كتف وكبد ، كتف وكبد ، فكذلك قرأ ، أرنى فى أرنى.

ومن قرأ بالاختلاس أراد منزلة بين الحركة والسكون ليجمع بين التخفيف والتنبيه على الأصل ، ووزن (أرنى) أفنى لأنه حذفت منه عينه ولامه. وكيف ، فى موضع نصب (بيحيى) ، وهو سؤال عن الحال وتقديره ، بأى حال تحيى؟ ، ولا يجوز أن يكون العامل فيه (أرنى) لأن كيف للاستفهام ، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.

و (أو لم) الهمزة فيه همزة الاستفهام دخلت على واو العطف ، ولا يدخل شيىء من حروف الاستفهام على شىء من حروف العطف إلّا الهمزة لأنها الأصل فى حروف الاستفهام. ولا يجوز أن تدخل همزة الاستفهام على (أو) من بين حروف العطف

وذلك لأن (أو) إنما تقع بين اسمين أو فعلين بمعنى أحد ، ألا ترى أنك إذا قلت : ذهب زيد أو عمرو. كان المعنى ذهب أحدهما ، ولو جاز أن تدخل همزة الاستفهام على (أو) لوجب أن تسبق همزة الاستفهام الاسم الذى كان سابقا (لأو) ، وأن يعمل فى ذلك الاسم ما كان عاملا فيه قبل ذلك ، وأن يتعدى الفعل إلى الاسم الذى بعد (أو) فيكون ما قبل حرف الاستفهام عاملا فيما بعده ، وذلك لا يجوز لأنه لا يكون إلا منقطعا مما قبله. (وليطمئن قلبى) فى اللام وجهان :

أحدهما : أن تكون لام كى وهى متعلقة بفعل مقدر وتقديره ، ولكن سألتك ليطمئن قلبي أو أرنى ليطمئن قلبي.

والثانى : أن تكون اللام لام الأمر والدعاء كأنه دعا لقلبه بالطّمأنينة.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) (٢٦٠).

سعيا ، منصوب لأنه مصدر فى موضع الحال ، أى يأتينك ساعيات ، كقولهم : جاء زيد ركضا أى راكضا.

قوله تعالى : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) (٢٦١).

أنبتت ، جملة فعلية فى موضع جر صفة (لحبة) ، وإدغام التاء فى السين من (أنبتت سبع) جيد جدا لقربهما فى المخرج ، وهما من حروف طرف اللسان وحروف الهمس. وفى كل سنبلة مائة حبة ، مبتدأ وخبر ، مائة حبة ، مبتدأ. وفى كل سنبلة ، خبر مقدم.

وفى قول الكوفيين وأبى الأخفش : انه مرفوع بالظرف قبله ، وكذلك فى قول سيبويه هاهنا ، لأن الظرف قد وقع وصفا لسنابل ، وقد قال سيبويه فى قولهم. مررت برجل معه صقر صائدا به. إن الصقر مرفوع بمعه ، لأن معه وصف للرجل فكذلك هاهنا.

قوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) (٢٦٣).

قول معروف ، مبتدأ ، ومغفرة ، عطف عليه. وخير من صدقة ، الخبر أى هذه الأشياء خير من صدقة يتبعها أذى. ويتبعها أذى ، جملة فعلية فى موضع جر لأنها صفة لصدقة.

قوله تعالى : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) (٢٦٤).

الكاف ، فى موضع نصب صفة لمصدر محذوف وتقديره ، إبطالا كالذى. ورئاء الناس ، منصوب لثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون مفعولا له.

والثانى : أن يكون حالا.

والثالث : أن يكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره ، إنفاقا رئاء الناس.

قوله تعالى : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) (٢٦٤).

كمثل ، فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ وهو (مثله). وصفوان ، فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون واحدا.

والثانى : أن يكون اسم جنس واحدته صفوانة ، كقولهم : درّ ودرّة ، وبرّ وبرّة ، وشعير وشعيرة. وقال : (عليه) بالتذكير لأن اسم الجنس مذكر ، وعليه تراب ، جملة اسمية فى موضع جر لأنها صفة لصفوان ، ويجوز أن يكون (تراب) مرفوعا بعليه عند الكوفيين وأبى الحسن وسيبويه على ما قدمنا من قبل.

قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ) (٢٦٥)

ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم ، منصوبان على المفعول له ، والكاف فى (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ ، وهو قوله : ومثل الذين ينفقون.

وبربوة ، جار ومجرور فى موضع جر لأنه صفة لجنة ، (وأصابها وابل ، جملة فعلية فى موضع جر صفة لجنة أو لربوة) (١).

قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) (٢٦٦).

من نخيل ، جار ومجرور فى موضع رفع وصف لجنة. وتجرى من تحتها الأنهار ، جملة فعلية فى موضع نصب (٢) من ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون وصفا ثانيا للجنة.

والثانى : أن تكون فى موضع نصب على الحال من (جنة) لأنها قد وصفت.

والثالث : أن تكون منصوبة لأنها خبر يكون.

وله فيها من كل الثمرات ، فى موضع نصب على الحال من (أحدكم). وأصابه الكبر ، عطف على قوله : فيها. وله ذرّيّة ، فى الذرية أربعة أوجه :

أحدها : أن يكون أصلها ذرّوءة بالهمز على وزن فعّولة (٣) ، من ذرأ الله الخلق أى خلقهم ، فترك همزها كما ترك همز الخابية من خبأت ، والنبىّ من أنبأت ، والبريّة من برأ الله الخلق أى خلقهم ، وأبدل من الهمزة ياء ، ومن الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء فصار ذريّة.

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) هكذا بالنص مع أن جنة مرفوعة

(٣) ساقطة من ب.

والثانى : أن يكون أصلها ذرّيرة ثم أبدل من الراء الأخيرة ياء كما قالوا : تظنيت فى تظننت ، لاجتماع النونات ، (فاجتمع الياء والواو والسابق منهما ساكن فقلبوا الواو ياء) (١) ، وجعلوهما ياء مشددة.

والثالث : أن يكون (ذرية) منسوبة إلى الذرّ ، فتكون الياء ان زائدتين للنسب ، ووزنها فعليّة ، وضموا الذال من ذرية فى النسب إلى الذّر كما ضموا الدال من دهرى فى النسب إلى الدهر إذا أرادوا به الرجل المسن ، وتكون الضمة من تغيير النسب والتغيير فى النسب جاء كثيرا على خلاف القياس المتلئبّ (٢) المطرد فى كلامهم.

والرابع : أن يكون أصلها ذروّة على وزن فعولة من ذروت ، ثم فعل بها مثل ما فعل فى الوجه الأول (٣). فأصابها إعصار ، صفة لجنة أيضا. وفيه نار ، صفة لإعصار وتقديره ، إعصار استقر فيه نار. ونار ، يرتفع بالظرف على ما قدمنا من الخلاف. واحترقت ، معطوف على قوله : فأصابها. والتاء فى احترقت لتأنيث الجنة.

قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا) (٢٦٧).

بتشديد التاء وتخفيفها ، فالتشديد لأن أصله (تتيمموا) ، فكرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد وهما التاءان فسكنوا التاء الأولى وأدغموها فى الثانية ، والتخفيف على حذف إحدى التاءين وقد قدمنا الخلاف فى أيتهما المحذوفة منهما ، فمن شدد لم يمكن أن يبتدئ تتيمموا دون (لا) لأنه يؤدى إلى أن يبتدئ بالساكن والابتداء بالساكن محال ، ولا يستحيل ذلك فيمن خفف.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (٢٦٧).

أن وصلتها ، فى موضع نصب بآخذيه لأن التقدير ، بأن تغمضوا ، فلما حذفت الباء اتصل بآخذيه ، وقيل هو فى موضع جر بالياء المقدرة وقد قدمنا الخلاف فيه.

__________________

(١) لو أنه قال (فاجتمع ياءان فأبدلوهما ياءا مشددة) لكان أوفق.

(٢) المتلئب : الممتد المستقيم.

(٣) لا شبه بين الوجهين الأول والرابع كما يزعم.

قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) (٢٦٨).

الشيطان ، فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون فيعالا من شطن أى بعد ، فسمّى شيطانا لأنه بعد عن رحمة الله.

والثانى : أن يكون فعلانا من شاط يشيط إذا احترق.

والوجه الأول هو الوجه لقولهم : شيطنته فتشيطن ولو كان من شاط يشيط لقيل شيّطته فتشيّط ولكان شيطنته على وزن فعلنته وليس فى كلامهم فعلنته فيجب أن يكون (فيعلته (١)) كبيطرته.

قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) (٢٧١).

نعم : فيها أربع لغات :

نعم بفتح النون وكسر العين وهى الأصل ، ونعم بفتح النون وسكون العين للتخفيف ، ونعم بكسر النون إتباعا لكسرة العين فى الأصل ، ونعم بكسر النون وسكون العين بنقل كسر العين إلى النون.

فأمّا إسكان العين مع الإدغام فردىء جدا لما يؤدى إليه من التقاء الساكنين ، وليس أحدهما حرف لين ولعل القارئ اختلس الحركة فتوهمه الراوى إسكانا.

و (ما) فى موضع نصب على التمييز ، وفى نعم ضمير مرفوع والتقدير ، نعم الشىء شيئا إبداؤها ، وإبداؤها هو المقصود بالمدح وهو مرفوع لأنه مبتدأ ، وما قبله الخبر ، ثم حذف (إبداء) وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه فصار الضمير المجرور المتصل ضميرا مرفوعا منفصلا ، مرفوعا بالابتداء لقيامه مقام المبتدأ ، وزعم الأخفش أن (ما) بمعنى

__________________

(١) ساقطة من ب.

الذى ، وجعل (هى) خبر مبتدأ محذوف فى صلة الذى ، ويكون التقدير ، فنعم الذى هو هى. ويكون المقصود بالمدح محذوفا وهو إبداء الصدقات ، فكأنه قال : إن تبدوا الصدقات فنعم الذى هو هى إبداؤها. وجاز ذلك عنده لأنها استعملت للجنس كما استعملت الذى ، وأنكر الأكثرون ذلك ، وقالوا لا يجوز أن يكون فاعل نعم وبئس (الذى) ولا (ما) لأنهما اسمان موصولان توضحهما الصلة وتبينهما فيصيران لشىء بعينه ، وحدّ فاعل نعم وبئس أن يكون الألف واللام فيه للجنس لا يقصد به واحد من أمته. وفى نعم وبئس خلاف وكلام طويل استوفيناه فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١). وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء ، عطف على قوله : إن تبدو الصدقات ، (فهو خير لكم) فى موضع جزم لأنها جواب إن ، ولهذا قرئ : ويكفّر عنكم ، بالجزم على موضع (فهو خير).

ومن قرأ : يكفّر بالرفع فعلى الاستثناف وتقديره ، ونحن نكفّر. و (من سيئاتكم) من للتبعيض ، أى ، شيئا من سيئاتكم.

وقيل : من زائدة وتقديره ، ويكفر عنكم سيئاتكم ، والأكثرون على أنها ليست زائدة لأن (من) لا تزاد فى الإيجاب ، وإنما تزاد فى النفى نحو ، ما جاءنى من أحد ، أى ، ما جاءنى أحد.

وقوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا (٢) مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) (٢٧٢).

(ما) (شرطية) (٣) فى موضع نصب (بتنفقوا ، وتنفقوا) (٤) جملة فعلية فى موضع جزم (بما) ، وما تنفقون ، (ما) حرف نفى. وابتغاء ، منصوب لأنه مفعول له.

__________________

(١) المسألة ١٤ ص ٦٦ ح ١ الإنصاف.

(٢) (وما أنفقتم) فى ب وهو خطأ.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) (بأنفقتم وأنفقتم) هكذا فى أ ، ب.

قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ (١) لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (٢٧٣).

للفقراء ، جار ومجرور ، وفى موضعه وجهان :

أحدهما : الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، الصدقات للفقراء.

والثانى : أن يكون فى موضع نصب لأنه يتعلق بقوله : وما تنفقوا من خير للفقراء. ولا يستطيعون جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (أحصروا) ويحسبهم ، جملة فعلية فى موضع الحال من الفقراء ، وكذلك ، تعرفهم بسيماهم ، وكذلك ، لا يسألون الناس إلحافا.

ويحتمل أن يكون ذلك كله حالا من المضمر فى (أحصروا).

ويحتمل أن يكون مستأنفا فلا يكون له موضع من الإعراب ، وإلحافا ، مصدر فى موضع الحال.

ومعنى لا يسألون الناس إلحافا ، أى لا يسألون ولا يلحفون. كقول الشاعر :

٤٢ ـ ولا ترى الضبّ بها ينجحر (٢)

أى ليس بها ضب فينجحر ، ولم يرد أن بها ضبا ولا ينجحر.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٢٧٤).

__________________

(١) (تعرفهم بسيماهم) ساقطة من أ.

(٢) من شواهد ابن جنى ، والبيت :

لا تفزع الأرنب أهوالها

ولا ترى الذئب بها ينجحر

ينسبه ابن جنى إلى عمرو بن الأحمر. الخصائص ٣ / ١٦٥. ط دار الكتب ١٣٧٦ ه‍ ـ ١٩٥٦ م.

الذين ينفقون ، مبتدأ موصول ، وتمت الصلة عند قوله : سرا وعلانية وهما مصدران فى موضع الحال من المضمر فى (ينفقون) ، ثم أخبر عن المبتدأ بعد تمام الصلة بقوله : فلهم أجرهم ، ودخلت الفاء فى خبر المبتدأ لأن المبتدأ الموصول متضمّن لحرف الشرط ، ولا يكون هذا إلا إذا كانت الصلة جملة فعلية ولم (١) يدخل على عامل يغيّر معناه نحو ليت ولعل وكأنّ ، وفى أنّ خلاف.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ) (٢٧٥).

الذين وصلته ، مبتدأ ، ولا يقومون خبره. ولام الربا واو ، لأنه من ربا يربو ، ولقولهم فى التثنية : ربوان والبصريون يكتبونه بالألف والكوفيون يكتبونه بالياء للكسرة فى أوّله ، وكذلك يفعلون فى كل ثلاثى إذا انكسر أوله أو انضم ، وإن كان من ذوات الواو نحو صبى وضحى ، وإن انفتح نحو عصا وقفا ، (ثنوه بالواو) (٢) وكتبوه بالألف كالبصريين.

قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (٢٧٥).

إنما ذكّر جاء لثلاثة أوجه :

الأول : أنه إنما ذكّره حملا على المعنى لأن موعظة بمعنى (وعظ) ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والثانى : إنما ذكّر لأن تأنيث موعظة ليس بحقيقى.

والثالث : إنّما ذكّر لوجود الفصل بالهاء.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (٢٨٠).

__________________

(١) (لا) ب

(٢) ساقطة من ب.

كان ، هاهنا تامة بمعنى حدث ووقع ، ولا تفتقر إلى خبر. كقول الشاعر :

٤٣ ـ إذا كان الشتاء فأدفئونى (١)

أى ، حدث ووقع. وذ عسرة ، عامّ فى حق كل أحد ، ولو قال : ذا عسرة على خبر (كان) لصار مخصوصا فى قوم بأعيانهم. فنظرة ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فشأنه أو حاله فنظرة إلى ميسرة. وميسرة ، فيها لغتان :

ميسرة بفتح السين على مفعلة ، وميسرة بضم السين على مفعلة ، وقرئ إلى ميسرة بالإضافة على مفعل مفعلة ، ومفعل فى كلامهم قليل.

وقيل : لم يأت إلا فى كلمتين : مكرم ومعون ، فى جمع مكرمة ومعونة. قال الشاعر :

٤٤ ـ ليوم روع أو فعال مكرم (٢)

وقال آخر :

٤٥ ـ بثين الزمى (لا) إنّ (لا) إن لزمته

على كثرة الواشين أىّ معون (٣)

وأن تصدقوا ، مبتدأ. وخير لكم ، خبره. وتصدقوا يقرأ بالتشديد والتخفيف ، وأصله تتصدقوا فكرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد فى كلمة واحدة ،

__________________

(١) الشطر الأول من بيت ، والشطر الثانى : فإن الشيخ يهرمه الشتاء. وهو للربيع بن ضبع الفزارى ـ الاقتضاب للبطليوسى ص ٣٦٩.

(٢) عزاه ابن السيد فى الاقتضاب ـ ٤٦٩ للأخزر الحمانى. وانظر شواهد الشافية ص ٦٨ ، و (الخصائص ٣ : ٢١٢).

(٣) البيت لجميل بثينة ، واسمه جميل بن عبد الله بن معمر العذرى شاعر إسلامى. توفى سنة ٨٠ ه‍.

فمنهم من أدغم وشدّد ، ومنهم من حذف إحدى التاءين طلبا للتخفيف ، وقد بينا ذلك فيما تقدم.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (٢٨١).

يوما ، منصوب لأنه مفعول (اتقوا). وترجعون ، جملة فعلية فى موضع نصب لأنه صفة يوم ، و (رجع) يكون لازما ومتعديا ، يقال : رجع زيد ورجعته كما يقال : زاد الشىء وزدته (١) ، ونقص ونقصته ، وغاض الماء وغضته ، ووقف زيد ووقفته ، وخسأ الكلب وخسأته ، ومدّ النهر ومدّه نهر آخر.

قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) (٢٨٢).

كما ، فى موضع نصب ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا (بيكتب).

والثانى : أن يكون متعلقا بقوله : فليكتب. والهاء فى (وليه) تعود على (المدين).

قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (٢٨٢).

فى رفعه وجهان :

أحدهما : أن يكون (فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) (٢) خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فالشاهد رجل وامرأتان.

والثانى : أن يكون مرفوعا بتقدير فعل وتقديره ، فليكن رجل وامرأتان ، ويكون (فليكن) تامة.

و (ممن ترضون من الشهداء) فى موضعه ثلاثة أوجه : الجر والنصب والرفع.

__________________

(١) (زيدته) فى أ.

(٢) ساقطة من ب.

فالجر على أنه بدل من قوله : من رجالكم.

والنصب على الوصف بشهيدين ، أى ، شهيدين ممن ترضون.

والرفع على أنه وصف لقوله : رجل وامرأتان ، أى رجل وامرأتان ممن ترضون.

وأن تضل ، يقرأ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن فتحها كانت (أن) مصدرية فى موضع نصب بتقدير فعل ، وتقديره ، يشهدون أن تضل (١) إحداهما ، ومن كسر (إن) جعلها شرطية وجوابه رفع لأنه وصف لقوله : وامرأتان ، والشرط والجزاء يكونان صفة للنكرة كما يكونان خبرا للمبتدأ.

قوله تعالى : (أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) (٢٨٢).

صغيرا وكبيرا ، منصوبان على الحال من الهاء فى (تكتبوه) وهى عائدة على الدين.

قوله تعالى : (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً). (٢٨٢).

أن وصلتها ، فى موضع نصب بأدنى وتقديره ، وأدنى من ألّا ترتابوا ، فحذف حرف الجر فاتصل به. وإلا أن تكون تجارة ، أن وصلتها فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

وتجارة ، تقرأ بالرفع والنصب ، فالرفع على أن تكون تامة لا تفتقر إلى خبر ، والنصب على أن تكون ناقصة فيكون خبرها ، واسمها مقدر فيها والتقدير ، إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة.

قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (٢٨٢).

يجوز أن يكون الكاتب والشهيد فاعلين ليضار فيكون أصله ، يضار بكسر الراء

__________________

(١) (ولا تضل) ب.

الأولى ، وأن يكونا مفعولين لما لم يسمّ فاعله فيكون أصله ، يضارر بفتحها فأدغمت الراء الأولى فى الثانية على ما قدمنا فى قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ) ، والأحسن أن يكونا فاعلين لقوله تعالى : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) يخاطب الكتّاب والشهود.

قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢٨٣).

وقرئ (فرهان مقبوضة) وكلاهما جمع رهن ، وزعم قوم أن (رهن) جمع رهان ، جمع الجمع ، والأكثرون على الأول لأن جمع الجمع إنما يسمع سماعا ولا يقاس عليه لقلته. ورهان فى جمع رهن ك (كلام) فى جمع كلم ، وكعاب فى جمع كعب ، وهو كثير فى كلامهم ، ورهن فى جمع رهن كسقف فى جمع سقف وقد يجوز أن يقال : فى رهن رهن ، وفى سقف سقف بسكون العين طلبا للتخفيف ، كما قالوا فى : رسل رسل ، وفى كتب كتب ، وكذلك فى كل جمع جاء على فعل بضم العين ، فإنه يجوز فيه فعل بسكونها حتى جعله بعضهم قياسا مطردا فى كل ما جاء على فعل ، وإن كان مفردا نحو عنق وعنق ، وأكل وأكل طلبا للتخفيف ، إلا أن التخفيف فى الجمع أقيس من المفرد لثقل الجمع وخفة المفرد. ورهن مقبوضة ، مبتدأ ، وخبره مقدّر وتقديره ، ورهن مقبوضة تكفى من ذلك.

قوله تعالى : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (٢٨٣).

أوتمن ، أصله : أؤتمن على وزن افتعل ، إلا أنه أبدلت الهمزة الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها فصار ، أوتمن ، فإن وصلتها بما قبلها حذفت الهمزة المضمومة لأنها همزة وصل فيقرأ ، الذى اؤتمن. بذال مكسورة بعدها همزة ساكنة خالصة كالهمزة فى بئر وذئب ، وقد قرئ : الذى ايتمن بياء وهى بدل من الهمزة الساكنة التى هى فاء الفعل من اؤتمن ، وإنما أبدلت الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، كما قالوا فى بئر بير ، وفى ذئب ذيب. وقد قرئ بهما. قال الله تعالى :

(وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)(١)

وقال تعالى :

(فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)(٢)

بغير همز ، وهذا قياس مطرد فى كل همزة ساكنة مكسور ما قبلها أن تقلب ياء ، فالياء التى فى اللفظ فى (الذى) هى فاء الفعل من (اوتمن) ، وياء الذى حذفت لالتقاء الساكنين ، ولا يجوز أن تشمّ الهمزة فى (اؤتمن) شيئا من الضمة اعتبارا بضمة همزة الوصل فى الأصل ، لأن أصله أؤتمن. لوجهين :

أحدهما : أن همزة الوصل تسقط فى الدّرج ، فنقل الحركة عنها محال.

والثانى : أن هذا على خلاف كلام العرب لأنهم إنما ينقلون حركة الحرف إلى ما قبله لا إلى ما بعده ، وهذا نقل إلى ما بعده لا إلى ما قبله ، فكان على خلاف كلامهم ، فلا وجه لإشمام الهمزة من (اؤتمن) لأنها لا حركة لها أصلا ، وليس هذا كما حكى من أنه قرئ : فى القتلى الحر. بإشمام الفتحة على اللام الكسرة مع حذف الألف بعدها ، كما كان يميل ، والألف ثانية لأن الألف المحذوفة فى القتلى فى حكم الثبات لأنها حذفت لالتقاء الساكنين ، وما حذف لالتقاء الساكنين فى حكم الثابت الموجود ، ألا ترى أنه قرأ (٣) بعضهم :

(وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ)(٤)

فنصب النهار مع حذف التنوين كما ينصب مع إثباته ، وأنشدوا :

__________________

(١) سورة الحج ٤٥.

(٢) سورة يوسف ١٧.

(٣) (قرئ) فى أ.

(٤) ٤٠ سورة يس.

٤٦ ـ فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلا قليلا (١)

فنصب الاسم مع حذف التنوين ، كما ينصب مع إثباته لأنه فى تقدير الثبات فكذلك هاهنا أميلت الفتحة فى (القتلى) لمكان الألف ، وإن كانت محذوفة لأنها فى تقدير الثبات ، بخلاف إشمام الهمزة الضمة هاهنا ، بان الفرق بينهما.

قوله تعالى : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (٢٨٣).

آثم قلبه ، فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون آثم خبر (إن) وقلبه ، مرفوع ارتفاع الفاعل بفعله.

والثانى : أن يكون قلبه مبتدأ. وآثم ، خبره وقد تقدم عليه ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها خبر (إن).

والثالث : أن يكون آثم ، خبر إن. وقلبه ، بدلا من المضمر المرفوع فى آثم ، وهو بدل البعض من الكل كقولك : ضرب زيد رأسه ، وقطع عمر ويده.

قوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (٢٨٤).

يجوز فى (فيغفر) الجزم والرفع والنصب ، فالجزم بالعطف على (يحاسبكم). والرفع على الاستئناف وتقديره ، فهو يغفر والنصب ضعيف وهو على تقدير (أن) بعد الفاء ، ونصب الفعل بها وجعلها مع الفعل فى تقدير المصدر ليعطف بالفاء مصدرا على مصدر حملا على المعنى دون اللفظ كأنه قال : إن يكن إبداء أو إخفاء منكم فمحاسبة فغفران منّا. وهذه القراءة ليست بقوية فى القياس لأنه إذا استوفى الشرط الجزاء ضعف النصب ، ونظير هذه القراءة فى الضعف فى القياس.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ح ١ ص ٨٥ ، وقال : زعم عيسى ان بعض العرب ينشد هذا البيت لأبى الأسود الدؤلىّ.

قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ. وَيَعْلَمَ)(١)

بنصب الميم ، وإن كان على هذه القراءة كثير من القرّاء (٢) بخلاف (فيغفر) ، وقد فرّق بعض النحويين بينهما فقال : إنما قوى النصب فى (ويعلم) لأنه قد وجد مع جواز النصب سبب آخر ، وهو فتح اللام قبل الميم ، فلما اجتمع سببان قوى النصب الذى كان ضعيفا مع سبب واحد ؛ فلهذا كثرت القراءة بالنصب فى (ويعلم) ولم تكثر فى (فيغفر) لأن الفاء فى (فيغفر) مكسورة لا مفتوحة فبان الفرق.

قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (٢٨٥).

والمؤمنون ، فى رفعه وجهان :

أحدهما : أنه مرفوع لأنه معطوف على (الرسول) فكأنه قال : آمن الرسول والمؤمنون.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ. (وكلّ (٣)) ، مبتدأ ثان. وآمن بالله ، خبره. والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الأول ، وهو (المؤمنون) والعائد من الجملة إليه محذوف وتقديره ، كلهم آمن بالله. فحذف المضاف إليه وهو فى حكم المنطوق به ، ولهذا جاز أن يكون مبتدأ. وقال : (آمن) بالإفراد ولم يقل آمنوا بالجمع حملا على لفظ كل ، لأن كلا فيه إفراد لفظى وجمع معنوى ، ولهذا يجوز أن نقول : كل القوم ضربته. حملا على اللفظ ، وكل القوم ضربتهم حملا على المعنى ، و (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ

__________________

(١) ٣٤ ، ٣٥ سورة الشورى.

(٢) (القراءة) فى أ ، ب.

(٣) ساقطة من ب.

مِنْ رُسُلِهِ) أضاف (بين) إلى أحد لأن المراد به هاهنا الكثرة ، لأن (أحدا) فى سياق النفى يدل على الكثرة كقوله تعالى :

(وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)

ثم قال :

(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما)(١).

ونظائره كثيرة فى كتاب الله وكلام العرب ، ولو كان المراد به الواحد لما جاز إضافة (بين) إليه ، لأنها لا تضاف إلى الواحد ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : المال بين زيد. حتى يقول : وعمرو.

قوله تعالى : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) (٢٨٥).

غفرانك ، منصوب على المصدر ، يقال : غفر غفرانا ، كما يقال : كفر كفرانا ، وهو هاهنا منصوب بفعل مقدر ، وتقديره ، اغفر لنا غفرانك. فحذف للعلم به ، والحذف للعلم بالمحذوف لوجود الدلالة عليه كثير فى كلامهم والله أعلم.

__________________

(١) سورة البقرة ١٠٢

غريب إعراب سورة آل عمران

قوله تعالى : (الم. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (١ ، ٢)

الكلام على (ألم) كالكلام على (الم ذلِكَ الْكِتابُ) ، إلا أنه فتحت الميم هاهنا لسكونها وسكون اللام بعدها.

وقيل : فتحت لسكونها وسكون الياء قبلها ، ولم ينو الوقف عليها.

وقيل : فتحت لأنه ألقى عليها حركة همزة الوصل من الله.

وقيل : إن الألف فى الله قطع وكذلك كل ألف مع لام التعريف لأن (أل) بمنزلة (قد) وإنما وصلت لكثرة الاستعمال ، فنقلت حركتها إلى الميم ، لأنها همزة قطع.

والصحيح هو الأول ، وأما قول من قال : إنها فتحت لالتقاء الساكنين ففاسد لأنه لو كان كذلك لوجب فتحها فى (الم ذلِكَ الْكِتابُ) وفى (حم) وفى (ن) وفى كل حرف من حروف التهجى التى فى أوائل السور ، فلما لم تفتح دل على أن هذا التعليل ليس عليه تعويل.

وأما قول من قال : إنها فتحت لأنه ألقى عليها حركة همزة الوصل ففاسد أيضا ، لأن همزة الوصل تسقط فى الدّرج فكذلك حركتها ، وإنما تنتقل حركة همزة القطع لأنها تستحق أن تثبت فى الوصل.

وأما قول من قال : إن الأصل فى الألف مع لام التعريف القطع ، لأن (أل) بمنزلة (قد) ففاسد من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه يعمل ما قبلها فيما بعدها ، ولو كانت بمنزلة قد لم يعمل.

والثانى : أنه لا يعدّ اجتماع رجل والرجل ، وغلام والغلام فى القافية إيطاء ولو كانت بمنزلة (قد) لعدّ إيطاء.

والثالث : أنك لو قلت : قام زيد وقعد لكان حكم الفعل الثانى حكم الأول فى القرب من الحال. ولو قلت : جاءنى الرجل وغلام. لم يكن الاسم الثانى فى حكم الأول فى التعريف فبان الفرق بينهما ، وقد أفردنا فى هذا كتابا استوفينا فيه القول.

قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢).

قد قدمنا ذكره. ويجوز أن يكون ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة فى موضع نصب على الحال من الله تعالى.

ويجوز أن يكون حالا من المضمر فى (نزّل) وتقديره ، الله نزّل عليك الكتاب متوحّدا.

قوله تعالى : (بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) (٣).

جار ومجرور مع موضع نصب على الحال ، والعامل فيه فعل مقدر وتقديره ، نزّل عليك الكتاب كائنا بالحق. ومصدّقا ، منصوب على الحال من المضمر فى الحق وتقديره ، نزّل عليك الكتاب محققا مصدقا لما بين يديه ، وكلنا الحالين مؤكدة.

قوله تعالى : (التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٣).

فى التّوراة وجهان.

أحدهما : وهو مذهب البصريين أن تكون فوعلة من ورى الزند يرى وأصله وورية ، فأبدلت الواو الأولى تاء ، وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

والثانى : وهو مذهب الكوفيين أن تكون تفعلة من ورى الزند. فالتاء زائدة غير منقلبة كالتاء فى توصية ، فأبدلت من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ، كما قالوا فى جارية : جاراة ، وفى ناصية : ناصاة.

والوجه الأول أوجه الوجهين لوجهين :

أحدهما : لأن فوعلة أكثر من تفعلة ، فحمله على الأكثر أولى من الأقل.

والثانى : أن زيادة الواو ثانية فى الأسماء أكثر من زيادة التاء أوّلا ، فكان حمله على الأكثر أولى.

وتقرأ : التورية بالتفخيم والإمالة.

فالتفخيم على الأصل ، والإمالة لأن الألف بدل من الياء على ما قدمنا.

قوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) (٤).

بنيت (قبل) لأنها اقتطعت عن الإضافة فنزلت منزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة مبنى ، وبنى على حركة تفضيلا له على ما بنى وليس له حالة إعراب ، وكانت الحركة ضمة لوجهين :

أحدهما : أنهم عوّضوا بأقوى الحركات تعويضا عن المحذوف.

والثانى : أن (قبل) يدخلها النصب والجر تقول : جئت قبلك ، ومن قبلك ، ولا يدخلها الرفع ، فلو بنيت على الفتح أو الكسر لالتبست حركة الإعراب بحركة البناء ، فبنوها على حركة لا تدخلها لئلا تلتبس حركة الإعراب بحركة البناء.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (٧).

منه ، جار ومجرور فى موضع نصب على الحال من الكتاب ، وتقديره ، أنزل عليك الكتاب كائنا منه آيات. وآيات ، مرتفعة به ارتفاع الفاعل بفعله ، لأنه جرى حالا ، لأنه نائب عن كائن. ومحكمات ، صفة لآيات ، وهن أم الكتاب ، جملة اسمية فى موضع رفع لأنها صفة لآيات أيضا ، وأخر ، معطوف على قوله : آيات محكمات. وأخر ، لا ينصرف للوصف والعدل ، فمنهم من قال : هو معدول عن آخر من كذا (١) ، ومنهم من قال : هو معدول عن الألف واللام لأنه على وزن فعل ، وفعل إذا كان صفة

__________________

(١) (كذى) فى أ.

جمع فعلى مؤنث أفعل ، فالأصل ألّا يستعمل إلا بالألف واللام أو ما يجرى مجراها نحو ، الصّغر والكبر فى جمع ، الصّغرى والكبرى. فلما لم يستعملوا أخر بالألف واللام والأصل فيها ذلك فقد عدلت عن الألف واللام. والقول الأول فى العدل أقوى القولين.

قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٧).

الراسخون ، فى رفعه وجهان :

أحدهما : أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء ، وخبره ، يقولون آمنا به ودليله قراءة ابن عباس : ويقول الراسخون فى العلم آمنّا به.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على الله تعالى ، فكأنه قال : لا يعلم تأويله إلا الله ويعلمه الراسخون. والهاء فى تأويله ، تعود على المتشابه.

قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) (١١).

الكاف فى كدأب ، فى موضعها وجهان : الرفع والنصب.

فالرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، دأبهم كدأب آل فرعون.

والنصب على أن يكون متعلقا بفعل دل عليه ما قبله وهو قوله : (أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ.) أى ، يتوقّدون توقّد آل فرعون. وقال الفراء : تقديره ، كفرت العرب كفرا ككفر آل فرعون.

والذين من قبلهم ، فى موضعه وجهان : الرفع والجر.

فالرفع على الابتداء ، والخبر ، كذبوا بآياتنا ، والجر على أن يكون معطوفا على (آل فرعون).

قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) (١٣).

فئة ، قرئ بالرفع والجر.

فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، إحداهما فئة.

والجر على أنه بدل من فئتين. وهى قراءة الحسن (١) ومجاهد (٢).

وأخرى كافرة ، ويجوز فيه الرفع والجر بالعطف على (فئة) بالرفع والجر. ويرونهم ، قرئ بالتاء والياء ، فالتاء للخطاب والهاء والميم مفعول يرونهم ، وفى موضع الجملة ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون فى موضع نصب على الحال من الكاف والميم فى (لكم).

والثانى : أن يكون فى موضع رفع على الوصف لأخرى.

والثالث : أن يكون فى موضع جر على الوصف لأخرى إن جعلتها فى موضع جر بالعطف على فئة فى قراءة من قرأها بالجر. ومثليهم ، منصوب على الحال من الهاء والميم فى ترونهم ، لأنه من رؤية البصر بدلالة قوله تعالى : (رَأْيَ الْعَيْنِ) والمضمر المنصوب فى ترونهم ، يعود على الفئة الأخرى الكافرة ، والمرفوع فى قراءة من قرأ بالتاء ، يعود على الكاف والميم فى (لكم). وفى قراءة من قرأ بالياء يعود على الفئة المقاتلة فى سبيل الله ، والهاء والميم فى مثليهم ، يعود على الفئة المقاتلة فى سبيل الله وفيه خلاف هذا أظهره :

قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤).

__________________

(١) الحسن هو أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن البصرى ، كان من سادات التابعين وكبرائهم ، جمع من كل فن وعلم ت ١١٠ ه‍.

(٢) مجاهد هو : مجاهد بن جبر ، المكى ، المقرئ المفسر أبو الحجاج المخزومى ت ١٠٤ ه‍.

الله ، مرفوع لأنه (١) مبتدأ. وحسن ، مبتدأ ثانى. وعنده ، خبر عن المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول ، والمآب ، أصله مأوب على وزن مفعل من آب يئوب ، إلا أنه نقلت حركة الواو إلى الهمزة ، فتحركت الواو فى الأصل ، وانفتح ما قبلها الآن فقلبت ألفا نحو ، مقام ومقال.

قوله تعالى : (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) (١٥).

جنات ، مبتدأ ، وخبره ، للذين اتقوا ، خبر مقدم كقولك لله الحمد (٢). وتجرى من تحتها الأنهار ، جملة فعلية فى موضع رفع صفة جنات. وخالدين فيها ، منصوب على الحال من الذين المجرور باللام.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) (١٦).

الذين ، فى موضع جر على البدل من قوله : للذين اتقوا عند ربهم. وقد قدمنا ما يجوز فيه من الأوجه ، ويجوز أن يكون مجرورا لأنه وصف للعباد فى قوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ).

قوله تعالى : (الصَّابِرِينَ) (١٧).

فى إعرابه وجهان :

أحدهما : النصب والجر فالنصب على المدح وتقديره ، أمدح الصابرين ، والجر من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون بدلا من الذين.

والثانى : أن يكون وصفا للذين.

والثالث : أن يكون وصفا للعباد.

__________________

(١) (لأنه خبر مبتدأ) فى أ. ب وهذا خطأ.

(٢) (للبر الجنة) ب.

قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) (١٨).

منصوب على الحال من (هو) ، وهى حال مؤكدة.

قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ١٩.

يقرأ بكسر (إن) وبفتحها ، فمن قرأ بالكسر جعلها مبتدأ ، ومن قرأ بالفتح جاز فى موضعها وجهان ، النصب والجر ، فالنصب على أن يكون بدلا من قوله : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بدل الشىء من الشىء وهو هو.

ويجوز أن يكون بدل الاشتمال على تقدير اشتمال الثانى على الأول ، لأن الإسلام يشتمل على شرائع كثيرة منها التوحيد الذى تقدم ذكره كقولك : سلب زيد ثوبه.

والجر على أن يكون بدلا من (القسط) فى قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) وهو بدل الشىء من الشىء وهو هو.

قوله تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) (١٩).

فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من الذين.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩).

من ، شرطية فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره ، قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) والعائد من الجملة إلى المبتدأ مقدر وتقديره ، فإن الله سريع الحساب لهم

قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) (٢٠).

ومن اتبعن ، فى موضع رفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالعطف على التاء فى (أسلمت).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ وخبره محذوف وتقديره ، ومن اتبعن أسلم وجهه لله متبعا.

قوله تعالى : (أَأَسْلَمْتُمْ) (٢٠).

لفظه لفظ الاستفهام ، والمراد به الأمر أى ، أسلموا ، وقد يأتى لفظ الاستفهام والمراد به الأمر. قال الله تعالى :

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(١)

أى ، انتهوا.

قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١).

خبر (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) فى أول الآية ودخلت الفاء فى الخبر للإبهام الذى فى الذين مع كون صلته جملة فعلية ولم يغيّر معناها العامل ، ولا يجوز أن تدخل الفاء فى خبر الذى إذا وقع مبتدأ حتى يكون صلته جملة فعلية ، ولم يغير العامل معناها ، فلو كانت صلته جملة اسمية نحو ، الذى أبوه منطلق فقائم ، أو غيّر العامل معناها نحو ، ليت الذى انطلق أبوه فقائم. لم يجز دخول الفاء فى خبره ، وجاز فى ، إن الذى انطلق أبوه فقائم. لأن إنّ معناها التأكيد ، وتأكيد الشىء لا يغيّر معناه.

قوله تعالى : (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣).

منهم ، جار ومجرور فى موضع رفع لأنه صفة فريق وتقديره ، فريق كائن منهم. وهم معرضون ، الواو فيه واو الحال ، والجملة بعده جملة اسمية فى موضع نصب على الحال.

__________________

(١) سورة المائدة ٩١.

قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) (٢٥).

كيف ، استفهام عن الحال ، وهو هاهنا بمعنى التهدّد والوعيد ، وهى هنا فى موضع نصب ، والعامل فيها ما دلت عليه من معنى الفعل وتقديره ، فى أى حال يكونون إذا جمعناهم. وإذا ، موضعها نصب على الظرف ، والعامل فيها ما دلت عليه (كيف) من معنى الفعل. والظرف يكتفى بروائح الفعل وما يدل عليه الكلام من معنى الفعل ، بخلاف غيره من المنصوبات. و (ليوم) ، اللام تتعلق بجمعناهم. ولا ريب فيه ، فى موضع جر صفة ليوم.

قوله تعالى : (مالِكَ الْمُلْكِ) (٢٦).

منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه نداء مضاف وتقديره ، يا مالك الملك.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه وصف (اللهم) لأنه بمنزلة : يا الله ، وكما جاز الوصف مع (يا الله) فكذلك يجوز مع اللهم.

وأنكر سيبويه أن يكون منصوبا على الوصف (للهم) لأنه قد تغير بما فى آخره ، وأجازه الأكثرون.

قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (٢٦).

هذه الجمل كلها جمل فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (مالك). ويجوز أن تكون فى موضع رفع لأنها خبر (١) مبتدأ محذوف وتقديره ، أنت تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء. إلى آخرها.

__________________

(١) أ (فى).

قوله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧).

مواضع هذه الجمل كلها فى هذه الآية بمنزلة : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) فى النصب والرفع.

وقرئ ، الميت بالتشديد والتخفيف وهما بمعنى واحد ، وزعم بعضهم أن الميت ما مات والميّت ما سيموت ، وتمسّك بقوله تعالى :

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١)

أى ، سيموت ويموتون. وليس بصحيح ، وإنما هما لغتان بمعنى ، فمن شدّد أتى به على الأصل ، ومن خفف حذف إحدى الياء بن طلبا للتخفيف والدليل على أنهما بمعنى واحد قول عدى بن رعلاء :

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميّت الأحياء (٢)

فأتى باللغتين فيما سيموت.

قوله تعالى : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٢٨).

ليس من الله ، أى ، ليس من دين الله أو ثواب الله فى شىء فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ومن الله ، فى موضع نصب على الحال ، لأن التقدير فيه ، فليس فى شىء كائن من دين الله. فلما قدّم صفة النكرة عليها انتصب على الحال. ونحوه قول الشاعر :

__________________

(١) سورة الزمر ٣٠.

(٢) الشاهد قد نسبه المؤلف ومحقق قطر الندى إلى عدى بن الرعلاء ـ قطر الندى ص ٢٣٤ الطبعة التاسعة. المكتبة التجارية ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م.

٤٧ ـ ليسوا من الشّرّ فى شىء وإن هانا (١)

تقديره ، ليسوا فى شىء كائن من الشر. وفى شىء ، فى موضع نصب لأنه خبر ليس. و (تتقوا) أصله : توتقيوا ، فأبدل من الواو تاء ، كما قالوا : تراث وتجاه وتخمة وتهمة ، واستثقلت الضمة على الياء فسكنت الياء وواو الجمع ساكنة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار : يتّقوا ووزنه ، يفتعوا ، لذهاب اللام. وتقاة ، أصلها وقية ، فأبدل من الواو تاء ، ومن الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت تقاة ، وهى منصوبة على المصدر.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ) (٣٠).

يوم ، منصوب بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يوم تجد كل نفس.

وقيل : هو منصوب على الظرف ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا بالمصير فى قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وتقديره ، وإليه المصير فى يوم تجد.

والثانى : أن يكون متعلقا بقدير ، وتقديره ، قدير فى يوم تجد. وما عملت ، فى موضع نصب بتجد. ومحضرا ، منصوب على الحال من (ما) والعامل فيه تجد. وما عملت من سوء ، (ما) فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى الذى وفى موضعه وجهان النصب والرفع. فالنصب على العطف على (ما عملت من خير). وتودّ ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال

__________________

(١) الشاهد لقربط بن أنيف أحد بنى العتير وهو شاعر إسلامى وصدره :

لكن قومى وإن كانوا ذوى عدد

ديوان الحماسة ص ١٩ ح ١.

والتقدير ، تجد ما عملت من سوء وادّة. والرفع على [أن] يكون مرفوعا بالابتداء وخبره ، تود لو أن بينها.

والثانى : على أن تكون (ما) شرطية فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وعملت ، فى موضع الجزم بما. وتود ، جواب الشرط على تقدير الفاء ، وهو خبر المبتدأ.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٣٤).

ذرية ، منصوب على الحال من الأسماء التى تقدمت عليها ، أى ، متناسبين بعضهم من بعض.

قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) (٣٥).

إذ ، منصوب ، وبما يتعلق به وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يا محمد إذ قالت.

والثانى : أن يكون متعلقا بقوله : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وتقديره ، والله سميع عليم حين قالت.

قوله تعالى : (نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (٣٥).

محررا ، منصوب على الحال من (ما).

وقيل : تقديره ، غلاما محررا ، أى ، خالصا لك ، ووقعت (ما) لمن يعقل للإبهام كقوله تعالى :

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١)

كما قالوا : خذ من عبيدى ما شئت.

__________________

(١) سورة النساء ٣.

قوله تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) (٣٦).

الهاء والألف فى وضعتها : عائدة على (ما) حملا على المعنى ، ومعناها التأنيث كقولهم : ما جاءت حاجتك ، أى ، أىّ شىء صارت حاجتك. فقال : جاءت بالتأنيث ، وإن كان عائدا إلى (ما) لأنّ (ما) حاجة فى المعنى. وأنثى ، فى موضع نصب على الحال من ضمير المفعول وهو الهاء والألف فى وضعتها.

قوله تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) (٣٧).

يقرأ : كفلها بالتخفيف والتشديد ويقرأ : زكرياء بالرفع والنصب.

فمن قرأ : كفلها بالتخفيف رفع زكرياء لأنه فاعل.

ومن شدّد كفّلها نصب زكرياء لأنه مفعول.

والهمزة فى زكرياء للتأنيث لأنها لا تخلو إما أن تكون أصلية ، أو منقلبة عن حرف أصلى ، أو للإلحاق ، أو للتأنيث [و] بطل أن تكون أصلية لأنه ليس فى أبنيتهم ما هو على هذا البناء ، وبطل أن تكون منقلبة عن حرف أصلى لأن الواو والياء لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف ، وبطل أن تكون للإلحاق لأنه ليس فى أصول أبنيتهم ما هو على هذا البناء فيكون هذا ملحقا به. وإذا بطلت هذه الأقسام تعين أن تكون الهمزة فيه للتأنيث ولهذا لم ينصرف.

وكذلك الكلام على قراءة من قرأه بقصر الألف.

وذهب بعضهم إلى أنه إنما لم ينصرف للعجمة والتعريف ، ولو كان كذلك لوجب أن يكون منصرفا فى النكرة وقد انعقد الإجماع على أنه لا ينصرف فى النكرة كما لا ينصرف فى المعرفة.

قوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) (٣٨).

هنا لك ، ظرف زمان وهو يتعلق بدعا أى ، دعا زكريا فى ذلك الوقت وأصلها أن يكون ظرف مكان ، وإنما اتسع فيها فاستعملت للزمان كما استعملت للمكان ، ويحمل على أحدهما بدلالة الحال ، وقد تجىء محتملة لوجهين : كقوله تعالى :

(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ)(١)

والظرف منه (هنا) واللام للتأكيد (٢) ، والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب.

قوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي) (٣٩).

وقرئ ، فناداه الملائكة. فمن قرأ ، فنادته بالتأنيث أراد جماعة الملائكة.

ومن قرأ : فناداه بالتذكير أراد جمع الملائكة ، وكذلك لك فى فعل جماعة التذكير والتأنيث سواء كانت الجماعة للمذكر أو المؤنث نحو ، قال الرجال وقالت الرجال وقال النساء وقالت النساء ، فالتذكير بالحمل على معنى الجمع ، والتأنيث بالحمل على معنى الجماعة. وهو قائم ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من الهاء فى (فنادته).

قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٩).

قرئ (أن) بفتح الهمزة وكسرها ، فمن فتح جعله مفعولا ثانيا لنادته ، ومن كسر فعلى الابتداء على تقدير ، قال إن الله يبشرك. ومصدقا منصوب على الحال من يحيى ، وكذلك سيدا وحصورا ونبيا.

قوله تعالى : (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) (٤٠).

__________________

(١) سورة الكهف ٤٤.

(٢) الشهير أنها للبعد.

إنما جاء بغير هاء ، لأنه أراد به النّسب. أى ، وامرأتى ذات عقر ، كقولهم : امرأة طالق وطامث وحائض. أى ، ذات طلاق وطمث وحيض. ولو أجرى على الفعل لقيل : عقيرة ، كما لو أجرى طالق وطامث وحائض على الفعل لقيل : طالقة وطامثة وحائضة.

قوله تعالى : (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (٤٤).

مبتدأ وخبر ، والجملة فى موضع نصب بفعل دل عليه الكلام وتقديره ، ينظرون أيّهم يكفل مريم ، ولا يعمل فى لفظ أى لأنها استفهام والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.

قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) (٤٥).

إذ ، ظرف زمان ماض ، وهو بدل من قوله : (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) فى قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) وتقديره ، ما كنت لديهم إذ قالت الملائكة. واسمه المسيح ، جملة اسمية فى موضع جر صفة لكلمة ، وعيسى ، بدل من المسيح.

وابن مريم ، فى رفعه وجهان :

أحدهما : أن يكون بدلا من (عيسى).

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو ابن مريم ، ولا يجوز أن يكون وصفا لعيسى لأن اسمه عيسى فقط وليس اسمه عيسى بن مريم ، وإذا كان كذلك وجب إثبات الألف فى الخط من قوله : ابن مريم ، لأن الألف من ابن إنما تسقط إذا وقعت وصفا بين علمين ، ولا يجوز أن يكون هاهنا وصفا فوجب أن تثبت.

قوله تعالى : (وَجِيهاً).

وقوله تعالى : (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥).

وقوله تعالى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ).

وقوله تعالى : (وَكَهْلاً).

وقوله تعالى : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٤٦).

كل ذلك أحوال من عيسى.

وكذلك قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ) (٤٨).

(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (٤٩).

وقيل : رسولا ، منصوب بفعل مقدر وتقديره ، ونجعله رسولا.

وقيل : هو حال على تقدير ، ويكلمهم رسولا.

قوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ) (٤٩).

قرئ بكسر الهمزة من (إن) وفتحها ، فمن قرأ بالكسر فعلى الابتداء.

ومن فتحها ففى موضعها ثلاثة أوجه ، النصب والجر والرفع.

فالنصب على أن يكون بدلا من (أن) الأولى فى قوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) وهى فى موضع نصب لأن التقدير ، جئتكم بأنى قد جئتكم ، فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به.

والجر على أن يكون بدلا من آية وهى مجرورة بالياء.

والرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو (١) أنى أخلق.

وكهيئة الطير ، الكاف فى موضع نصب لأنها صفة مصدر محذوف وتقديره ، خلقا مثل هيئة الطير. وفى الهاء فى (فيه) ثلاثة أوجه :

__________________

(١) (هى) ب.

الأول : أن تعود على الهيئة (١) وهى الصورة ، والهيئة إنما هى المصدر ولا نفخ فيها ، إلا أنه أوقع المصدر موقع المفعول كقولهم : هذا نسج اليمن ، أى ، منسوجه.

وقوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ)(٢)

أى ، مخلوقه.

والثانى : أن يعود على المخلوق لدلالة أخلق عليه ، لأنه يدل على الخلق ، والخلق يدل على المخلوق.

والثالث : أن يعود على الكاف فى كهيئة الطير لأنها بمعنى (مثل).

قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) (٥٠).

مصدقا ، منصوب على الحال من التاء فى (جئتكم) أى ، جئتكم مصدقا ، ولا يحسن أن يكون معطوفا على (وجيها) ، لأنه يلزم أن يكون اللفظ : لما بين يديه ، والقرآن : لما بين يدى. ولأحل لكم ، معطوف على فعل مقدر وتقديره ، لأبين لكم ولأحل.

وقيل : الواو زائدة ، وأجاز زيادة الواو الكوفيون ، وأباه البصريون.

قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (٥٥).

إذ ، تتعلق بفعل مقدر وتقديره ، اذكر أنى متوفيك و (رافعك إلىّ) تقديره ،

__________________

(١) (المهيأ) أ.

(٢) سورة لقمان ١١.

إنى رافعك إلىّ ومتوفيك ، إلا أنه لما كانت الواو لا تدل على الترتيب قدم وأخر. وقيل معنى إنى متوفّيك : قابضك ورافعك إلىّ ، أى ، إلى كرامتى ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا : فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون معطوفا على ما قبله لأنه خطاب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما قبله خطاب لعيسى.

والثانى : أنه معطوف على الأول وكلاهما لعيسى.

قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) (٥٩).

خلقه من تراب ، جملة مفسرة للمثل وهى فى موضع رفع لأنها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ما المثل؟ فقال : خلقه من تراب ، أى ، المثل خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون. ولا يجوز أن يكون وصفا لآدم ، لأن آدم معرفة والجملة لا تكون إلا نكرة ، والمعرفة لا توصف بالنكرة ، ولا يجوز أيضا أن يكون حالا لأن (خلقه) فعل ماض والفعل الماضى لا يكون حالا.

قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (٦٠).

الحق ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هذا الحق من ربك أو هو الحق.

قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) (٦٤).

سواء ، مجرور لأنه صفة لكلمة ، أى ، كلمة مستوية. وقرأ الحسن ، سواء بالنصب على المصدر وتقديره ، استوت الكلمة استواء. وألا نعبد فى موضع جر لأنه بدل من كلمة ، ويجوز أن يكون ألّا نعبد ، فى موضع رفع لوجهين :

أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هى ألّا نعبد إلا الله.

والثانى : أن يكون مبتدأ ، أى ، بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ، أى ، بيننا وبينكم ترك عبادة غير الله.

وعند أبى الحسن الأخفش والكوفيين يكون مرفوعا بالظرف.

قوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ) (٦٨).

للّذين اتبعوه ، فى موضع رفع لأنه خبر (إنّ) وهذا ، عطف عليه.

والنبى ، مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنه وصف لهذا.

والثانى : أن يكون بدلا منه.

والثالث : أن يكون عطف بيان.

قوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) (٧٣).

أن يؤتى ، فى موضع نصب لأنه مفعول (تؤمنوا) ، وتقدير الكلام ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا من تبع دينكم. فتكون اللام على هذا زائدة. ومن ، فى موضع نصب لأنه استثناء منقطع.

وقيل التقدير : ولا تصدقوا إلّا من تبع دينكم بأن يؤتى أحد.

ويجوز أن تكون اللام غير زائدة وتكون متعلقة بفعل مقدر دل عليه الكلام ، لأن معناه ، لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم ، فتتعلق الباء واللام (بتقرّوا) ، كما يقال : أقررت له بمال ، وجاز ذلك لأنه بمنزلة ، مررت فى السوق بزيد ، وقال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء : تم الكلام عند قوله : دينكم.

ثم قال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل إنّ الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. أى ، لئلا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. وقال أبو العباس المبرد وغيره : تقديره ، كراهة أن يؤتى أحد ، فأما على قراءة ابن كثير (١) : أأن يؤتى؟ على الاستفهام فيكون فى موضع (أن يؤتى) وجهان : الرفع والنصب.

فالرفع بالابتداء والخبر مقدر وتقديره ، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم تذكرونه أو تشيعونه ، وهذا كقولهم : أزيد ضربته؟.

والنصب بتقدير فعل بين الألف وبين (أن يؤتى) وتقديره ، أتذكرون أو تشيعون أن يؤتى ، والدليل على هذا التقدير قوله تعالى :

(أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ)

أى ، أتحدثون المؤمنين بما وجدتم من صفة نبيهم فى كتابكم ليحاجوكم وهذا الوجه أوجه من الوجه الأول ، لأن قولهم : أزيدا ضربته بالنصب أوجه من قولهم : أزيد ضربته بالرفع لاعتماد الكلام على حرف الاستفهام والاستفهام لطلب الفعل وهو أولى به فكان تقديره أولى.

قوله تعالى : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا) (٨٠)

يأمركم ، يقرأ بالنصب والرفع.

فالنصب بالعطف على (أن يؤتيه) أو على (ثمّ يقول) والضمير المرفوع فى (يأمركم) ، للبشر.

والرفع على الاستئناف والاقتطاع مما قبله ، وتكون (لا) بمعنى ليس.

والضمير المرفوع فى (يأمركم) لله تعالى.

__________________

(١) الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير البصرى الفقيه الشافعى. ت ٧٧٤ ه‍.

قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) (٨١).

إلى قوله : (لَتَنْصُرُنَّهُ).

لما ، قرئ بفتح اللام وكسرها ، فمن قرأ بكسر اللام علقها بأخذ ، أى ، أخذ الله ميثاق النبيين لما أوتوا من الكتاب والحكمة ، ولا تكون (ما) إلا بمعنى الذى. ومن فتح اللام جعلها لام الابتداء وهى جواب لما دل عليه الكلام من معنى القسم لأن أخذ الميثاق إنما يكون بالأيمان والعهود ، ويجوز فى (ما) وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى الذى.

والثانى : أن تكون شرطية ، وإذا كانت بمعنى الذى ، كانت فى موضع رفع لأنها مبتدأ. وآتيناكم ، صلته ، والعائد من الصلة محذوف وتقديره : آتيتكموه. وخبر المبتدأ : من كتاب وحكمة. ومن ، زائدة. وقيل : خبره (لتؤمنن به). ثم جاءكم رسول ، معطوف على الصلة ، والعائد منه إلى (ما) محذوف وتقديره ، ثم جاءكم رسول به أى ، بتصديقه ، أى ، بتصديق ما آتيتكموه ، واشترط تقدير هذا الضمير فى الجملة المعطوفة على الصلة لأنها تنزّل منزلة الصلة ، ألا ترى أنك لو قلت : الذى قام أبوه وعمر وجالس ، لم يجز حتى تقول معه أو عنده ، ثم تأتى بعد ذلك بخبر المبتدأ ، وحذف العائد من الجملة المعطوفة فيه ضعيف لاتصاله بحرف الجر ، وفيه حذف حرف وضمير ، وذلك ضعف. وإذا كانت شرطية فهى فى موضع نصب بآتيتكم ، وآتيتكم فى موضع (جزم) بما ، وكذا (ثم جاءكم) ، فى موضع الجزم. وقوله لتؤمنن به ، جواب قسم مقدر ينوب عن جواب الشرط. واللام فى (لما) بمنزلة اللام فى (لئن) فى قوله تعالى :

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)(١)

__________________

(١) سورة الإسراء ٨٨.

فلا يأتون ، جواب قسم مقدر ينوب عن جواب (إن) (وليس بجوابها ، ولهذا قال (١)). لا يأتون بإثبات النون ، وهذه اللام كما دخلت على (إن) الشرطية دخلت على (ما) الشرطية ، قال الشاعر :

٤٨ ـ ولما بقيت ليبقينّ جوى

بين الجوانح مضرع جسمى (٢)

وإذا كانت (ما) شرطية لم تفتقر الجملة المعطوفة إلى عائد ، كما تفتقر إلى عائد إذا كانت بمعنى الذى ، ولهذا كان هذا الوجه أوجه من الوجه الأول عند كثير من المحققين لعدم العائد فى الآية من الجملة المعطوفة إذا كانت شرطية ، وضعف حذف الحرف مع الضمير إذا كانت بمعنى الذى.

قوله تعالى : (طَوْعاً وَكَرْهاً) (٨٣).

منصوبان على المصدر فى موضع الحال ، أى ، طائعين ومكرهين.

قوله تعالى : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ) ٨٤.

فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون التقدير فيه ، قل قولوا آمنا بالله. فحذف (قولوا) ، وحذف القول كثير فى كتاب الله عزوجل ، وكلام العرب.

الثانى : أن يكون الخطاب للنبى عليه‌السلام والمراد به أمته كقوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ)(٣).

__________________

(١) بياض فى أ.

(٢) البيت لأبى صخر الهذلى الشاعر الإسلامى. وكان من شعراء الدولة الأموية. ديوان الحماسة ص ٩٨ ح ٢ ـ الجوانح : الضلوع ـ وأضرع : أذل وهنا بمعنى أنحل.

(٣) سورة الطلاق ١.

وقوله تعالى :

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ)(١)

الخطاب للنبى عليه‌السلام والمراد به الأمة.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) (٨٥).

دينا ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه مفعول (يبتغ). ويكون (غير) منصوبا على الحال وتقديره ، ومن يبتغ دينا غير الإسلام. فلما قدّم صفة النكرة عليها انتصبت على الحال.

والثانى : أن يكون منصوبا على التمييز (٢).

قوله تعالى : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٨٥).

(فى الآخرة (٣)) يتعلق بفعل دل عليه الكلام وتقديره ، وهو خاسر فى الآخرة من الخاسرين ، ولا يجوز أن يتعلق بالخاسرين لأن الألف واللام فيه بمنزلة الاسم الموصول ، فلو تعلّق به لأدى إلى أن يتقدم معمول الصلة على الموصول ولا يجوز تقديم الصلة ولا معمولها على الموصول ، وأجاز بعض النحويين أن يتعلق بالخاسرين ويجعل الألف واللام للتعريف لا بمعنى الّذين (٤).

قوله تعالى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) (٨٧).

أولئك ، مبتدأ. وجزاؤهم ، مبتدأ ثان. وأن عليهم ، خبر المبتدأ الثانى ،

__________________

(١) يونس ٩٤.

(٢) (النبيين) فى أ ، ب.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) (الذى) فى ب.

والمبتدأ الثانى وخبره خبر المبتدأ الأول ، ويجوز أن يكون (جزاؤهم) بدلا من أولئك بدل الاشتمال ، وأن عليهم خبر (جزاؤهم).

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٨٨).

خالدين ، منصوب على الحال من المضمر المجرور فى (عليهم) ولا يخفف عنهم ، مثله ، ويجوز أن يكون مستأنفا منقطعا عن الأول.

قوله تعالى : (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) (٩١).

وهم كفار ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (ماتوا). وذهبا ، منصوب على التمييز.

وقوله تعالى : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٩١).

ما ، نافية. ومن ، زائدة. وناصرين ، مبتدأ. ولهم ، خبره. والجملة جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر المجرور فى (لهم) الأوّل.

قوله تعالى : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً) (٩٦).

ببكّة ، صلة الذى وتقديره ، استقر ببكة ، وفيه ضمير يعود إلى الموصول. ومباركا وهدى ، منصوبان على الحال من الضمير.

ويجوز فيه الرفع على تقدير ، هو مبارك ، ويجوز فيه أيضا الجرّ على الوصف (لبيت).

قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٩٧).

مقام إبراهيم ، مرفوع لأنه مبتدأ وخبره محذوف وتقديره ، من الآيات مقام إبراهيم.

وقيل : هو بدل من الآيات. ومن دخله ، معطوف على مقام.

يجوز أن يكون مبتدأ منقطعا عمّا قبله. وكان آمنا ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ.

قوله تعالى : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٩٧).

من ، فى موضعها وجهان : الجر والرفع.

فالجر على البدل من (الناس).

والرفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون فى موضع رفع ارتفع بالمصدر ارتفاع الفاعل بفعله ، والمصدر مضاف إلى المفعول وهو حج البيت ، وتقديره ، ولله على الناس أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا. ويجوز إضافة المصدر إلى المفعول كما يجوز إضافته إلى الفاعل.

قال الشاعر :

٤٩ ـ أفنى تلادى وما جمّعت من نشب

قرع القواقيز أفواه الأباريق (١)

ومن روى (أفواه) بالرفع جعله مضافا إلى المفعول ، ومن روى بالنصب جعله مضافا إلى الفاعل ، وهذا كثير فى كلامهم.

والثانى : أن تكون (من) شرطية فى موضع رفع بالابتداء. و (استطاع)

__________________

(١) البيت من كلام الأقيشر الأسدى واسمه المغيرة بن عبد الله. أوضح المسالك ص ٢٤٤ ح ٢ مطبعة السعادة ١٣٦٨ ه‍ ـ ١٩٤٩ م. وقد مر ذكره.

فى موضع جزم بمن ، والجواب محذوف وتقديره ، فعليه الحج. والهاء فى إليه ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون عائدة على الحج.

والثانى : أن تكون عائدة على البيت.

قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا) (١٠٣).

الجار والمجرور فى موضع نصب لأنه خبر كان. وشفا ، أصله شفو بدليل قولهم فى تتنيته ، شفوان ، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) (١٠٦).

يوم ، منصوب وفى العامل فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، وتقديره ، اذكر يا محمد يوم تبيض وجوه.

والثانى : أن يكون منصوبا بقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، أى استقر لهم هذا العذاب فى يوم تبيض وجوه.

قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) (١٠٦).

تقديره ، فيقال لهم أكفرتم. فحذف القول لدلالة الكلام.

وحذفت الفاء تبعا للقول ، وحذف القول كثير فى كلامهم. والهمزة فى (أكفرتم) همزة استفهام ومعناها التوبيخ والإنكار.

قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١١٠).

أخرجت ، جملة فعلية فى موضع جر لأنها صفة لأمة. وللناس ، جار ومجرور فى موضع نصب ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أنه يتعلق (بأخرجت).

والثانى : أنه يتعلق (بخير).

قوله تعالى : (إِلَّا أَذىً) (١١١).

منصوب لأنه استثناء منقطع.

وكذلك قوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ) (١١٢).

أى ، ولكن قد يثقفون بحبل من الله وحبل من الناس فيأمنون على أنفسهم وأموالهم ، وزعم بعض النحويين أنه استثناء متصل وليس بصحيح لأنه يوجب أن يكونوا غير أذلاء إذا كانوا أولى ذمّة ، وليسوا كذلك ، بل الذلة عليهم فى كل حال (١) حربا كانوا أو ذمّة.

قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (١١٣).

الواو فى ليسوا ، اسم ليس. وسواء ، خبرها. وأمة قائمة ، فى رفعه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا على البدل من الضمير فى ليسوا والتقدير ، ليس أمة قائمة وأمة غير قائمة سواء. فحذف (غير قائمة) كقوله تعالى :

(سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٢).

ولم يقل : البرد. وهذا كثير فى كلامهم.

والثانى : أن يكون مرفوعا على الابتداء. ومن أهل ، خبر مقدم.

والثالث : أن يكون مرفوعا بالجار والمجرور على قول الأخفش والكوفيين. وليس قول من قال : إنه مرفوع بسواء صحيحا ، لأنه يؤدى إلى ألّا يعود من خبر ليس إلى اسمها شىء ، وذلك لا يجوز. ويتلون آيات الله ، جملة فعلية فى موضع رفع

__________________

(١) (مكان) فى ب.

(٢) سورة النحل ٨١.

لأنها صفة (لأمة). وآناء الليل ، ظرف زمان يتعلق (بيتلون). وهم يسجدون ، فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون فى موضع نصب على الحال من المضمر فى يتلون ، ويكون المراد بالسجود ههنا الصلاة لأن التلاوة لا تكون فى السجود.

والثانى : أن تكون الواو فى (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) للعطف على (يتلون) ، ويكون المراد بالسجود السجود بعينه ، والمعنى ، يتلون آيات الله ويسجدون أيضا ، لا أن التلاوة فى حال السجود ، لكن يجمعون بين الأمرين ، وهذا أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (١١٤).

يؤمنون بالله ، جملة فعلية وفيها ثلاثة أجه :

الأول : أن يكون فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (يسجدون) ، أو فى (يتلون) ، أو فى (قائمة).

والثانى : أن يكون فى موضع رفع لأنه صفة (لأمة).

والثالث : أن تكون مستأنفة ، ومثله فى هذه الأوجه (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ).

قوله تعالى : (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) (١١٧).

كمثل ريح ، فى موضع رفع لأنها خبر المبتدأ وهو (مثل ما ينفقون). وفيها صرّ ، جملة فى موضع جر لأنها صفة (ريح) ، وكذلك قوله : (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ). وظلموا أنفسهم ، فى موضع جر صفة لقوم.

قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (١١٨).

لا يألونكم ، جملة فى موضع نصب صفة لبطانة. خبالا ، منصوب على التمييز. وودّوا ، فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون جملة فعلية فى موضع نصب لأنها صفة لبطانة.

والثانى : أن تكون جملة مستأنفة وما عنتم (ما) مصدرية وتقديره ، ودّوا عنتكم. أى هلاككم. وقد بدت البغضاء ، مثل (ودّوا) فى الوصف والاستئناف.

قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) (١١٩).

(ها) للتنبيه. وأنتم ، مبتدأ. وأولاء ، خبر أنتم. وتحبونهم ، فى موضع نصب على الحال من اسم الإشارة.

وذهب الكوفيون إلى أن (أنتم) مبتدأ ، وأولاء ، بمعنى الذين وتحبونهم ، صلة. والصلة والموصول خبر أنتم.

قوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) (١٢٠).

يقرأ : لا يضركم بالتخفيف والتشديد.

فمن قرأ : (لا يضركم) بالتخفيف جعله من ضاره يضيره بمعنى : ضرّه ، وهو مجزوم لأنه جواب (وإن تصبروا).

ومن قرأ : (لا يضرّكم) بالتشديد مع ضم الراء ، فإنما ضمه وإن كان مجزوما لأنه جواب الشرط ، لأنه لما افتقر إلى التحريك حرّكه بالضم إتباعا لضمّة ما قبله. كقولهم : لم يردّ ولم يشدّ. كقول الشاعر :

٥٠ ـ داو ابن عمّ السّوء بالنّأى والغنى

كفى بالغنى والنّأى عنه مداويا

يلّ الغنى والنأى أدواء صدره

ويبدى التّدانى غلظة وتقاليا (١)

فقال : يسلّ يضم اللام اتباعا لضمة السين وإن كان مجزوما لأنه جواب الأمر.

وقيل : هو مرفوع على تقدير التقديم والتأخير وتقديره ، ولا يضرّكم كيدهن شيئا إن تصبروا وتتقوا. كقول الشاعر :

٥١ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع (٢)

تقديره ، إنك تصرع إن يصرع أخوك.

وقيل ، هو مرفوع على تقدير الفاء.

والوجه الأول أوجه من الوجهين الآخرين ، لأن التقديم والتأخير وتقدير الفاء ضعيف ، يكون فى حال الاضطرار. وشيئا ، منصوب على المصدر كأنه قال : لا يضركم كيدهن ضرّا. كقوله تعالى :

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً)(٣)

وتقديره ، لن يضروكم إلا ضر ما. كقوله تعالى :

(فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً)(٤)

__________________

(١) جاء البيت الأول فى ب ، ولم يأت الناسخ بالبيت الثانى الذى به الشاهد ، وهذان بيتان من الطويل ، وهما من ديوان الحماسة ص ١٥٩ ح ١ ولم ينسبها أبو تمام لشاعر.

(٢) البيت من شواهد سيبويه ص ٤٣٦ ح ١ ، وقد عزاه إلى جرير بن عبد الله البجلىّ.

(٣) سورة آل عمران ١١١.

(٤) سورة آل عمران ١٤٤.

أى ، لن يضر الله ضررا. وكقوله تعالى :

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(١)

وتقديره ، ولا تشركوا به إشراكا.

قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) (١٢١).

إذ ، يتعلق بفعل مقدر وتقديره ، اذكر إذ غدوت ؛ وإذ همت طائفتان ، متعلق (بعليم) من قوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). أى ، يعلم إذ همت طائفتان.

وقيل : يتعلق (بتبوئ).

و (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٤).

فيه ثلاثة أوجه :

الأول : انه يتعلق بقوله :

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) (١٢٣).

والثانى : أن يكون بدلا من (إذ همت) ولا يجوز أن يتعلق بنصركم لأن النّصرة كانت يوم بدر.

و (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) (١٢٢).

كان فى يوم أحد.

والثالث : أن يتعلق بفعل مقدر وتقديره ، اذكروا.

قوله تعالى : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ) (١٢٤).

أن وصلتها فى تقدير المصدر فى موضع رفع بأنه فاعل وتقديره ، ألن يكفيكم إمداد ربكم إياكم بثلاثة آلاف.

__________________

(١) سورة النساء ٣٦.

قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) (١٢٦).

الهاء فى به ، فيها خمسة أوجه :

الأول : أنها تعود على الإمداد الذى دل عليه قوله : أن يمدكم.

والثانى : أن تعود على المدد.

والثالث : أن تعود على التسويم الذى دل عليه قوله : مسومين.

والرابع : أن تعود على الإنزال الذى دل عليه : منزلين.

والخامس : أن تعود على العدد الذى دل عليه ، خمسة آلاف وثلاثة آلاف. ولتطمئن قلوبكم به : هذه اللام ، لام كى وينتصب الفعل بعدها بتقدير ، أن ، وإذا أدخلت عليها حرف العطف وليس قبلها لام كانت متعلقة بمحذوف بعدها والتقدير ، ولتطمئن قلوبكم به جعله بشرى لكم.

قوله تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) (١٢٧).

فيما تتعلق به هذه اللام ثلاثة أوجه :

الأول : أنه يتعلق بفعل دل عليه الكلام وتقديره ، ليقطع طرفا نصركم.

والثانى : أنه يتعلق بيمددكم.

والثالث : أنه يتعلق بقوله : ولقد نصركم الله ببدر. وقد اعترض بين الكلامين قوله : إذ تقول للمؤمنين ، وما بعده إلى قوله تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً ؛) فهو فى نيّة التقديم.

قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) (١٢٨).

يجوز فى (أو) وجهان :

أحدهما : أن يكون عطفا على قوله : ليقطع ، وتقديره ، ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم.

والثانى : أن تكون (أو) بمعنى (إلّا أن) وتقديره ، ليس لك من الأمر شىء إلا أن يتوب عليهم أو يعذبهم. كقولهم : لألزمنك أو تقضينى حقى. أى ، إلّا أن تقضينى.

قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (١٣٠).

أضعافا ، منصوب على الحال من الربا. ومضاعفة ، صفة له.

قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣).

قرئ (وسارعوا) بواو وغير واو ، فمن قرأها بالواو قدرها معطوفة على ما قبلها من القصص ، ومن حذفها جعله كلاما مستأنفا. وعرضها السموات والأرض ، جملة اسمية فى موضع جر صفة لجنة. وقوله : أعدت للمتقين ، جملة فعلية صفة لجنة أيضا.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) (١٣٥).

من ، استفهام ومعناه النفى. ومن ، مبتدأ ، ويغفر ، خبره ، وفيه ضمير يعود إلى من. وإلا الله ، بدل من الضمير فى يغفر وتقديره ، ما يغفر الذنوب إلّا الله.

قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (١٣٦).

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(١) جملة فعلية فى موضع رفع صفة لجنّات ، والعائد إليها (الهاء) فى تحتها. وخالدين فيها ، منصوب على الحال من (أولئك). ونعم أجر العاملين ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، ونعم أجر العاملين الجنة ، وحذف لدلالة الكلام المتقدم عليه.

قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (١٣٩).

الواو ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون للعطف.

والثانى : أن تكون للحال ، فيكون المعنى ، ولا تضعفوا ولا تحزنوا وهذه حالكم.

قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) (١٤٠).

نداولها ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الأيام. وليعلم الله الذين آمنوا ، فى الواو وجهان :

أحدهما : أن تكون عاطفة على فعل مقدر ، والتقدير ، وتلك الأيام نداولها بين الناس لئلا يغترّوا (٢) وليعلم الله الذين آمنوا.

والثانى : أن تكون زائدة ، وتقديره ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ليعلم الله.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢).

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) (يكفروا) فى ب.

أم ، ههنا المنقطعة لأنها ليس قبلها همزة. ولما ، حرف نفى معناه النفى لما قرب من الحال ، كقولك : قد قام زيد ، ونفيه ، لمّا يقم. ولو قلت : قام زيد ، كان نفيه ، لم يقم. ويعلم ، مجزوم بلمّا وإنما كسرت الميم لالتقاء الساكنين ، ويعلم ههنا بمعنى يعرف ، ولهذا تعدت إلى مفعول واحد وهو الذين. ويعلم ، منصوب على الصرف بتقدير (أن) أى ، لم يجتمع العلم بالمجاهدين والصابرين.

وزعم بعضهم أن قوله : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ، مجزوم بالعطف على قوله : يعلم الله.

ولكنه فتح ولم يكسر تبعا لفتحة اللام وهذا ضعيف والوجه هو الأول (١).

قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) (١٤٣).

أن تلقوه ، فى موضع جر بإضافة (قبل) إليه ، ولهذا كانت قبل معربة (٢) ولو اقتطعت عن الإضافة لكانت مبنية على الضمة لأنها غاية. والهاء فى تلقوه ، تعود على الموت وكذلك الهاء فى رأيتموه ، والتقدير فى (فقد رأيتموه) ، فقد رأيتم أسبابه. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) (١٤٥).

أن تموت ، أن وصلتها فى تقدير مصدر فى موضع رفع لأنه اسم كان. وإلّا بإذن الله ، خبر كان. وكتابا مؤجلا ، منصوب على المصدر.

قوله تعالى : (نُؤْتِهِ مِنْها) (١٤٥).

قرئ : نؤته بالإشباع ، وقرئ بالاختلاس وقرئ بالإسكان ، وأحسنها الإشباع لأنه الأصل ثم الاختلاس ثم الإسكان وهو أضعفها ، لأن الهاء إنما تسكن تشبيها لها بهاء

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) (معرفة) فى ب.

التأنيث فى حالة الوقف نحو : ضاربة وذاهبة وهذا إنما يكون فى الشعر لا فى الكلام.

قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) (١٤٦).

كأين ، بمنزلة (كم) فى الدلالة على العدد الكثير ، وأصلها (أى) أدخلت عليها كاف التشبيه ، وخلع عنها معنى التشبيه ، وأثبت (١) فى كتابتها بعد الياء (نون) لأنها غيّرت عن أصلها ، ووقف عليها بالنون إتباعا للمصحف ، وروى عن أبى عمرو ابن العلاء أنه وقف بغير نون على الأصل ، ومن قرأ ، كائن على لفظ فاعل فهو مقلوب من (كأى) وذلك أنه أخر الهمزة التى هى فاء الفعل فصار (كيّأ) على وزن (كعلف) ثم خفف الياء المشددة كما خفف ميّت وسيّد وجيّد ، فصار بعد التخفيف (كيأ) على وزن (كعف) لأن الياء عين ، والهمزة فاء ، ثم قلبت الياء ألفا كما قالوا فى طىّ طاىّ ، وفى حيرة حارىّ والياء المحذوفة هى الثانية التى هى لام ، وكان حذفها أولى من الأولى التى هى عين ، وإن كانت ساكنة ، والساكن أضعف لأن الحذف إلى الطرف الأخير أسرع ، لأن الأخير معدن التغيير ، ألا ترى إلى كثرته فى نحو ، يد وغد ودم. وقلته فى نحو ، منذ. ولهذا قلنا ، إن وزنه كعف ولم نقل : كلف.

وقيل : قدمت إحدى الياءين من كأىّ على الهمزة فتحركت بالفتح كما كانت الهمزة وصارت الهمزة ساكنة فى موضع الياء المتقدمة ، فلما تحركت وانفتح ما قبلها قلبوها ألفا ، والألف ساكنة وبعدها همزة ساكنة فكسرت الهمزة لالتقاء الساكنين وبقيت إحدى الياءين طرفا فحذفت للتنوين بعد حذف حركتها طلبا للتخفيف كما تحذف ياء قاض ورام ، وأكثر ما تستعمل (كأىّ) مع (من) كقوله تعالى :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها)(٢).

__________________

(١) (زيدت) فى ب.

(٢) سورة الطلاق ٨.

قال الشاعر :

٥٢ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يرانى لو أصيب هو المصابا (١)

وربيون ، مرفوع لأنه فاعل قاتل ، والجملة فى موضع جر لأنه صفة لنبى ، وخبر كأين مقدر وتقديره ، كأين من نبي قاتل معه ربيون فى الدنيا أو فى الوجود أو ما أشبه ذلك ، ومن قرأه قتل. فربيون ، مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه مرفوع (بقتل) لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، وصارت (معه) متعلقة بقتل ، فيصير (قتل) وما بعده صفة لنبى ، وخبر كأين مقدر كما قدر على قراءة من قرأ ، قاتل معه ربيون.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالابتداء. ومعه ، خبر مقدم.

والثالث : أن يكون مرفوعا بالظرف وهو مذهب سيبويه لأن الظرف وقع صفة لما قبله ففيه معنى الفعل ، فكان أولى من الابتداء لأنه عامل لفظى والابتداء عامل معنوى ، والعامل اللفظى أقوى من العامل المعنوى ، وقد ضعّف قوم هذه القراءة لأنه لم يقتل نبى قط فى معركة ، وقرأوا بقراءة من قرأ (قاتل) على ما قدمنا.

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ) (١٥٤).

__________________

(١) قال ابن هشام فى (شرح حال الضمير المسمى فصلا وعمادا : فأما قول جرير بن الخطف :

وكائن بالأباطح من صديق

يرانى لو أصبت هو المصابا

مغنى اللبيب ص ١٠٥ ح ٢.

أمنة نعاسا ، فى نصبهما وجهان :

أحدهما : أن تكون (أمنة) منصوبا بأنزل. ونعاسا ، بدلا منه.

والثانى : أن تكون (أمنة) مفعولا له ، ونعاسا ، منصوبا بأنزل ، وتقديره ، ثم أنزل عليكم من بعد الغم نعاسا لأمنة. ثم حذفت اللام فاتصل الفعل به فنصبه. ويغشى طائفة ، يقرأ : يغشى بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء ردّ إلى النعاس ، ومن قرأ بالتاء ردّ إلى الأمنة ، ويقرأ بإمالة الألف من يغشى ، لأنها منقلبة عن ياء ، لأنها من غشى غشيانا. وطائفة قد أهمتهم. طائفة ، مبتدأ. وقد أهمتهم ، خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع نصب على الحال ، وفى هذه الواو ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون واو الحال.

وقيل : واو الابتداء.

وقيل : هى بمعنى (إذ).

قوله تعالى : (يَظُنُّونَ) (١٥٤).

جملة فعلية ، وفى موضعها وجهان :

أحدهما : أن تكون فى موضع نصب على الحال من المضمر المنصوب فى (أهمتهم).

والثانى : أن تكون فى موضع رفع لأنها صفة لطائفة.

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (١٥٤).

كله ، يقرأ بنصب اللام ورفعها.

فالنصب على أن يكون تأكيدا للأمر المنصوب لأنه اسم (إنّ). ولله ، خبر (إنّ).

والرفع على أن يكون مبتدأ. ولله ، خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها خبر (إنّ).

قوله تعالى : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) (١٥٤).

اللام ، لام كى ، وهى متعلقة بفعل مقدر دل عليه الكلام وتقديره ، وليبتلى الله ما فى صدوركم أوجب عليكم القتال. (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ، معطوف على ليبتلى ، والكلام عليهما واحد.

قوله تعالى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى) (١٥٦).

إنما قال : إذا ضربوا ، فأتى بالفعل الماضى بعد (إذا) وهى للاستقبال ، لأن إذا بمنزلة إن ، وإن تنقل الفعل الماضى إلى معنى المستقبل ، ألا ترى أنك تقول : إن قمت قمت. أى : إن تقم أقم. فكذلك (إذا) لأنها تتنزّل منزلتها. وغزّى ، جمع غاز على حد جمع الصحيح ، فإن فاعلا من الصحيح يجمع على فعّل نحو ، شاهد وشهّد ، وبازل وبزّل. وإن كان المعتل ، إذا كان على وزن فاعل يجمع على فعلة ، وهو من الأبنية التى يختص بها المعتل : نحو ، قاض وقضاة ، ورام ورماة لأن المعتل يختص بأبنية ليست للصحيح كفيعل كسيّد وجيّد وهيّن وميّت : وبفيعلولة. نحو ، كينونة ، وسيدودة ، وقيدودة ، وهيعوعة. وأصلها : كيّنونة ، وسيدّودة ، وقيّدودة ، وهيّعوعة بالتشديد ، إلا أنه خفّف ، وتخفيفه على سبيل الوجوب لا على سبيل الجواز بخلاف ، سيّد وجيّد لما ذكرنا فى كتاب الانصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) (١٥٦).

هذه اللام فى (ليجعل) لام العاقبة ، ومعناه ، لتصير عاقبتهم إلى أن يجعل الله جهاد المؤمنين وإصابة الغنيمة أو الفوز بالشهادة حسرة فى قلوبهم. وهذا كقوله تعالى :

__________________

(١) الإنصاف ح ٢ ص ٤٦٩ المسألة ١١٥.

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(١).

ولم يلتقطوه ليكون عدوا وحزنا ، وإنما معناه ، أنه كان عاقبة التقاطهم إياه أن صار لهم عدوا وحزنا.

والكوفيون يسمون هذه اللام الصيرورة ، والبصريون يسمونها لام العاقبة ، ولكل منها وجه.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) (١٥٧).

متّم ، يقرأ بضم الميم وكسرها وهما لغتان ، فمن قرأ بالضم ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون الأصل فيه موت كقلت أصله (قولت) فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقبلت ألفا ثم حذفت الألف لسكونها وسكون اللام بعدها لاتصالها بضمير الفاعل ، وضمت الميم ليدلوا على أنه من ذوات الواو.

والثانى : أن يكون أصله موت فنقل من فعلت بفتح العين إلى فعلت بضم العين فنقلت الضمة من الواو إلى الميم فبقيت الواو ساكنة والتاء ساكنة كما ذكرناه ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار ، متّ ووزنه فى كلا الوجهين قلت. ومن قال : متّ بالكسر كان الأصل فيه موت على وزن فعلت ، كخفت أصله خوفت فنقلت الكسرة من الواو إلى الميم فبقيت الواو ساكنة ، والتاء ساكنة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فبقى متّ ، ووزنه فلت.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) (١٥٨).

إنما لم تدخل النون مع اللام فى الجواب كقوله تعالى :

(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)(٢)

__________________

(١) سورة القصص ٨.

(٢) سورة الإسراء ٨٦.

لأنه فصل بين اللام والفعل بالجار والمجرور ، فلما فصل بينهما لم يأت بالنون لأن النون إنما تدخل مع هذه اللام لئلا تشتبه بلام الابتداء ، وههنا قد زال الاشتباه بدخول اللام على الجار والمجرور وهما فضلة ، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلة. ونحوه ، (فلسوف يعلمون) لم تدخل النون لأن لام الابتداء لا تدخل على سوف ، والفعل فى نحو ، لئن جئتنى لأفعلن ، ليس جوابا للشرط وإنما هو جواب قسم مقدر وتقديره ، لئن جئتنى والله لأفعلنّ ، واللام فى (لئن) عوض عن ذلك القسم ، وقد تحذف هذه اللام وهى مرادة. قال الله تعالى :

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ)(١)

وإنما وجب أن تكون مرادة لأنك لو لم تقدر اللام لم تأت بما يكون عوضا عن القسم ، وإذا لم يوجد قسم ولا ما يقوم مقامه لم يجر ليمسّنّ ، لأنه لا يجوز أن يؤتى بجواب قسم غير ملفوظ به ولا مقدر.

قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (١٥٩).

ما ، زائدة مؤكدة ، والتقدير ، فبرحمة من الله.

وقول من قال : إن (ما) ليست زائدة وإنما هى نكرة فى موضع جر. ورحمة ، بدل من (ما) وتقديره ، فبشىء رحمة فليس بشىء وهو خلاف قول الأكثرين ، لأن زيادة (ما) كثير فى كلامهم ، والقرآن نزل بلغتهم.

وبرحمة ، فى موضع نصب لأن التقدير ، لنت لهم برحمة من الله. فقدم الباء على (لنت) ، والأصل فى لنت لينت ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وحذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها لاتصالها بضمير المخاطب (٢) ، وكسرت اللام ليدلوا بذلك على أنها من ذوات الياء.

__________________

(١) سورة المائدة ٧٣.

(٢) (المتكلم) فى أ ، ب.

وقيل إنه نقلت من فعلت بفتح العين إلى فعلت بكسرها ، ونقلت الكسرة من العين إلى الفاء ، فسكنت الياء والنون ، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار لنت ووزنه فلت.

قوله تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) (١٦٠).

الهاء فى بعده ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون عائدة على الله تعالى.

والثانى : أن تكون عائدة على الخذلان لدلالة قوله تعالى : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) كقولهم : من كذب كان شرّا له. أى كان الكذب شرا له. ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) (١٦١).

أن يغل ، فى موضع رفع لأنه اسم كان. ولنبي خبر كان. والمعنى ، ما كان لنبي أن يخون. وقرئ : وما كان لنبي أن يغل. بضم الياء وفتح الغين ، أن يخوّن. أى ، ينسب إلى الخيانة.

قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) (١٦٣).

أى ، هم ذو درجات عند الله. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) (١٦٨).

الذين ، فى موضعه وجهان : النصب والرفع.

فالنصب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون وصفا للذين فى قوله تعالى :

(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا).

والثانى : أن يكون على البدل منهم.

والثالث : أن يكون على تقدير أعنى.

والرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هم الذين.

قوله تعالى : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ) (١٧٠).

فرحين ، منصوب على الحال من المضمر المرفوع فى (يرزقون). وآتاهم ، أصله أأتاهم (١) فاجتمع فى أوله همزتان ، فاستثقلوا اجتماعهما فأبدلوا من الهمزة الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها كما قالوا : آمن وآخر وأصلهما أأمن وأأخر. فقلبت الفاء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

قوله تعالى : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ) (١٧١).

قرئ بفتح (أن) وكسرها ، فمن فتحها جعلها معطوفة على قوله : بنعمة من الله ، ومن كسرها جعلها مبتدأة مستأنفة.

قوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (١٧٥).

تقديره ، يخوفكم بأوليائه. فحذف المفعول الأول ، والباء من المفعول الثانى كقوله تعالى :

(لِيُنْذِرَ بَأْساً)(٢)

وتقديره ، لينذركم ببأس شديد. فحذف المفعول الأول ، والياء من المفعول الثانى على ما قدمنا.

قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ) (١٧٦).

قرئ بفتح الياء وضمها ، فمن قرأ بالفتح جعله من حزنه وهو فعل ثلاثى ، وحرف

__________________

(١) (أأتيهم) فى أ ، ب.

(٢) سورة الكهف ٢.

المضارع (١) من الفعل الثلاثى مفتوح للفرق بينه وبين الرباعى. ومن قرأ بالضم جعله من أحزنه وهو فعل رباعى ، وحرف المضارع من الفعل الرباعى مضموم. وإنما فعلوا ذلك للفرق بينهما ، وإنما كان الثلاثى أولى بالفتح ، والرباعى أولى بالضم لأن الثلاثى أكثر والرباعى أقل ، فأعطوا الأكثر الأخف وهو الفتح ، وأعطوا الأقل الأثقل وهو الضم ليعادلوا بينهما.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) (١٧٨).

يحسبن ، قرئ بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء كان (الذين كفروا) فى موضع رفع بأنه فاعل يحسبن وتقديره ، ولا يحسبن الكافرون. وكانت (ما) فى أنما ، اسما موصولا بمعنى الذى. والهاء ، التى هى العائد إليه من (نملى) محذوفة وتقديره ، أن الذى نمليه لهم. وخير ، مرفوع لأنه خبر (أن) ، وأن وما عملت فيه سدّت مسد المفعولين. ومن قرأ إنما ، بالكسر ، فإنه يعلق يحسبن ، ويقدر القسم كما يفعل بلام الابتداء فى قولك : لا يحسبنّ زيد لأبوه (٢) خير من عمرو. وكأنك قلت : والله لأبوه خير من عمرو. ومن قرأ بالتاء كان الذين مفعولا أول ، و (أنما) وما بعدها بدلا من (الذين) وسدّ مسد المفعولين كما قدمنا. وما ، بمعنى الذى. والهاء العائد من نملى محذوفة ، ولا يجوز أن نجعل (أن) مفعولا ثانيا لأن المفعول الثانى فى هذا ، فى حسبت وأخوانها هو الأول فى المعنى ولا يجوز ههنا إلا أن نقدر محذوفا والتقدير ، ولا تحسبن شأن الذين كفروا أنما نملى لهم. وتكون ما ونملى مصدرا.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١٨٠).

__________________

(١) (المضارعة) فى ب.

(٢) (لا أبوه) فى أ.

يحسبن ، قرئ بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء فموضع (الذين يبخلون) رفع لأنه فاعل حسب ، وحذف المفعول الأول لدلالة الكلام عليه.

و (هو) ، فصل عند البصريين وعماد عند الكوفيين.

وخيرا ، منصوب لأنه المفعول الثانى وتقديره ، ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل خيرا لهم.

ومن قرأ بالتاء فموضع (الذين يبخلون) نصب لأنه مفعول أول على تقدير حذف مضاف وإقامة (الذين) مقامه وتقديره ، ولا تحسبن بخل الذين يبخلون. و (هو) فصل. وخيرا لهم ، هو المفعول الثانى ، ويجوز أن يكون (هو) كناية عن البخل.

قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ) (١٨١).

سنكتب ، قرئ بالنون على ما سمى فاعله ، وسيكتب ، بالياء على ما لم يسم فاعله ، فمن قرأ بالنون على ما سمى فاعله كان (ما) فى موضع نصب به. وقتلهم ، منصوب لأنه معطوف على (ما). ومن قرأ بالياء على ما لم يسمّ فاعله كان (ما) مرفوعا لأنه مفعول ما لم يسم فاعله. وقتلهم ، مرفوع لأنه معطوف على (ما) وهى فى موضع رفع. والأنبياء ، منصوب بالمصدر المضاف وهو (قتلهم).

قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١٨٨).

قرئ يحسبن بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء جعل (الذين يفرحون) فى موضع رفع لأنه فاعل ، والذين ، اسم موصول ، ويفرحون ، صلته ، وتمامها عند قوله تعالى : (لَمْ يَفْعَلُوا) وحين طال كرر فقال : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) ،) وهو ، بدل من (الذين يفرحون) على قراءة من قرأ بالياء. والفاء ، زائدة فلا تمنع من البدل. وفى يحسبن ، ضمير الذين. و (هم) المفعول الأول. وبمفازة من العذاب ، فى موضع المفعول الثانى

وتقديره ، فلا يحسبن أنفسهم بمفازة من العذاب أى فائزين ، واكتفى بذكر المفعولين فى الثانى عن ذكرهما فى الأول.

ومن قرأ الأول بالياء والثانى بالتاء فلا يجوز فيه البدل لاختلاف فاعليهما ولكن يكون مفعولا الأول قد حذفا لدلالة مفعولى الثانى عليهما.

وأما قراءة من قرأ : لا تحسبن الذين يفرحون ، بالتاء فإنه جعل (الذين يفرحون) فى موضع نصب لأنه المفعول الأول وحذف المفعول الثانى لدلالة ما بعده عليه وهو قوله : (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ).

وقد قيل : إن قوله : (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) المفعول الثانى (لحسب) الأول ، وهو فى تقدير التقديم ، ويكون المفعول الثانى (لحسب) الثانى محذوفا لدلالة الأول عليه وتقديره ، ولا تحسبن يا محمد الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب. ثم حذف الثانى.

ويجوز أن يكون (فلا تحسبنهم) فى قراءة من قرأ بالتاء بدلا من (لا تحسبن الذين يفرحون) فى قراءة من قرأ بالتاء كما قدمنا فيمن قرأهما بالياء. والفاء ، زيادة فى القراءة كلها لأنه ليس بموضع عطف ولا موضع شرط وجزاء فلا تمنع البدل أيضا ، ولا يجوز البدل على قراءة من قرأ الأول بالتاء والثانى بالياء لاختلاف فاعليهما ولكن يكون المفعول الثانى لحسب الأول محذوفا لدلالة ما بعده عليه ، أو يكون (بمفازة من العذاب) هو المفعول الثانى له ، ويكون المفعول الثانى لحسب الثانى محذوفا على ما قدمنا.

قوله تعالى : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١٨٥).

ما فى إنما ، كافة ولا يجوز أن تكون بمعنى الذى لأنها لو كانت بمعنى الذى لكان ينبغى أن يكون (أجوركم) مرفوعا لأنه يكون التقدير فيه ، إن الذى توفّونه أجوركم. وفى وقوع الإجماع على أنه لم يقرأ بالرفع دليل على أنها ليست بمعنى الذى.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١).

الذين ، يجوز أن يكون فى موضع جر لأنه صفة (لأولى الألباب) ويجوز أن يكون فى موضع رفع لأنه مبتدأ وخبره قوله تعالى : (ربّنا) على تقدير ، يقولون ربنا. فحذف القول وهو كثير فى كلامهم. وفى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف.

ويجوز أن يكون فى موضع نصب على ما قدمنا. وقياما ، منصوب على الحال من الضمير المرفوع فى (يذكرون). وعلى جنوبهم ، فى موضع نصب على الحال من الضمير أيضا. كأنه قال : ومضطجعين. ويتفكرون ، معطوف على يذكرون فهو داخل فى صلة الذين. وباطلا ، منصوب لأنه مفعول له. سبحانك ، منصوب انتصاب المصادر وهو اسم أقيم مقام المصدر.

وقيل مصدر ، والأكثرون على الأول.

وقنا عذاب النار ، أجمع أصحاب الإمالة على إمالة النار لكسرة الراء فى حالة الوصل ، واختلفوا فى حالة الوقف ، فمنهم من لم يمل وقال : إن الإمالة إنما كانت لأجل الكسرة وقد زالت الكسرة فى حال الوقف فينبغى أن تزول الإمالة ، ومنهم من أمال وقال : إن الكسرة وإن كانت قد زالت لفظا فى حالة الوقف إلّا أنها فى تقدير الإثبات.

وقد حكى سيبويه عن العرب أنهم قالوا : هذا ماش بالإمالة إذا أرادوا الوقف على (ماشى) من قولك : هذا ماش يافتى. لأن الكسرة فى تقدير الإثبات.

قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) (١٩٣).

ينادى ، جملة فعلية فى موضع نصب لأنه صفة (مناديا). وللإيمان ، فى لامه الأولى وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى (إلى) أى ، إلى الإيمان.

والثانى : أن تكون من صلة مناديا أى ، سمعنا مناديا للإيمان ينادى. وأن آمنوا ، فى موضع نصب بينادى وتقديره ، ينادى بأن آمنوا. فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به وقد قدّمنا الخلاف فى نظائره.

قوله تعالى : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (١٩٣).

أى ، أبرارا مع الأبرار. كقول الشاعر :

٥٣ ـ كأنك من جمال بنى أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (١)

أى ، كأنك جمل من جمال بنى أقيش. والأبرار ، جمع بارّ ، ويجوز أن يكون جمع برّ وأصله ، برر على وزن كتف فحذفت الكسرة من الراء الأولى وأدغمت فى الثانية.

قوله تعالى : (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (١٩٤).

أى على ألسنة رسلك ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) (١٩٥).

أنى ، قرئ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن فتحها كان التقدير فيه ، فاستجاب لهم

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ، «هذا باب يحذف المستثنى فيه استخفافا» وهو للنابغة الذبيانى. الكتاب ١ ـ ٣٧٥.

ربهم بأنى لا أضيع ، فحذف حرف الجر ، ومن قرأ بالكسر كان التقدير فيه ، فقال لهم إنى لا أضيع ، وهى بعد القول مكسورة.

قوله تعالى : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) (١٩٥).

فالذين هاجروا ، مبتدأ. وخبره (لأكفرن). وقاتلوا وقتلوا ، عطف على عطف.

وقرئ : وقتلوا وقاتلوا ، هذه القراءة تدل على أن الواو تدل على الجمع دون الترتيب فلذلك لم يبال قدّم أو أخرّ وإلا فيستحيل أن تكون المقاتلة بعد القتل ، وقد يجوز أن يراد يقتلوا البعض ويقاتلوا الباقى وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥).

ثوابا ، منصوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا على المصدر المؤكد لما قبله لأنه لما قال : لأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار. كأنه قال : لأثيبنّهم ثوابا (١).

والثانى : أن يكون منصوبا على القطع وهى عبارة الكوفيين وهو الحال عند البصريين.

والثالث : أن يكون منصوبا على التمييز.

والوجه الأول أوجه الأوجه.

والله ، مبتدأ. وحسن الثواب ، مبتدأ ثان. وعند ، خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول وهو اسم الله تعالى.

__________________

(١) (بثواب) فى أ.

قوله تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) (١٩٧).

خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، تقلبهم متاع قليل. فحذف تقلبهم لدلالة ما تقدم وهو قوله : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا).

قوله تعالى : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (١٩٨).

تجرى ، جملة فعلية وفى موضعها وجهان :

أحدهما : أن تكون فى موضع رفع لأنها صفة لجنات. والثانى : أن تكون فى موضع نصب على الحال من المضمر المرفوع فى (لهم) لأنه كالفعل المتأخر بعد الفاعل إن رفعت جنات بالابتداء ، وإن رفعتها باستقر لم يكن فيه ضمير مرفوع لأنه بمنزلة الفعل المتقدم على فاعله.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١٩٨).

خالدين ، منصوب على الحال من المضمر المجرور فى (لهم) والعامل فى الحال العامل فى ذى الحال لأنها هو فى المعنى. ونزلا ، منصوب على المصدر والكلام عليه بمنزله الكلام على قوله ثوابا.

قوله تعالى : (خاشِعِينَ لِلَّهِ) (١٩٩).

منصوب على الحال ، وفى ذى الحال ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون حالا من المضمر المرفوع فى (يؤمن).

والثانى : أن يكون حالا من المضمر المجرور فى (إليهم).

والثالث : أن يكون حالا من المضمر المرفوع فى (لا يشترون) أى ، لا يشترون خاشعين.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا) (٢٠٠).

لا يجوز أن تدغم هذه الواو الساكنة فى الواو المفتوحة التى بعدها لأنها واو الضمير ، وهى تتنزل منزلة الألف فى التثنية.

قال سيبويه : لم يدغموا (ظلموا واقدا) كما لم يدغموا (ظلما واقدا) لأن الواو غير لازمة وهى جارية مجرى الألف ، وجاز فى :

(عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)(١)

لأنه متصل ، ولم يجز فى (اصبروا وصابروا) لأنه منفصل ، وليس من ضرورة ثبوت الإدغام فى المتصل ثبوته فى المنفصل.

قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠).

جملة فعلية فى موضع رفع لأنها خبر (لعل).

__________________

(١) ٢١ سورة الفرقان. والآية (عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) وهو لا يعنيها لأنه ليس فيها إدغام وقد أورد سيبويه المثلين (ظلموا واقدا) و (ظلما واقدا) ولم يذكر المثال الثالث ـ سيبويه ٢ / ٤٠٤ باب الإدغام.

غريب إعراب سورة النساء

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (١).

قرئ (تسّاءلون) بالتشديد. و (تساءلون) بالتخفيف.

فمن قرأ (تسّاءلون) بالتشديد أدغم التاء فى السين لقربهما فى المخرج ، وأدغمت التاء فى السين ولم تدغم السين فى التاء لأن فى السين زيادة صوت لأنها من حروف الصفير وهى ، الصاد والسين والزاى. وإنما يدغم الأنقص صوتا فيما هو الأزيد صوتا ، ولا يدغم الأزيد صوتا فيما هو الأنقص صوتا ، لأنه يؤدى إلى الإجحاف به ، ويبطل ماله من الفضل على مقاربه.

ومن قرأ ، تساءلون به بالتخفيف فإنه حذف إحدى الياءين وقد بينا الخلاف فى المحذوفة منهما.

والأرحام ، قرئ بالنصب والجر.

فمن قرأ بالنصب جعله معطوفا على اسم الله تعالى وتقديره ، واتقوا الله واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

ومن قرأه بالجر فقد قال الكوفيون : إنه معطوف على الهاء فى (به) ، وأباه البصريون وقالوا : ولا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار ، لأن المضمر المجرور يتنزل منزلة التنوين لأنه يعاقب التنوين فى مثل ، غلامى ، ولأنهم يحذفون الياء فى النداء فى نحو (يا غلامى) كما يحذف منه التنوين فلا يعطف عليه ، كما لا يعطف على التنوين.

ومنهم من قال إنه مجرور بباء مقدرة لدلالة الأولى عليها.

كقول الشاعر :

٥٤ ـ وما بينها والكعب غوط نفانف (١)

أراد بينها وبين الكعب. فحذف (بين) لدلالة الأولى عليها. وكقول الآخر :

٥٥ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرأ

ونار توقّد باللّيل نارا (٢)

أراد وكل نار ، فحذف لما ذكرنا ، فكذلك ههنا ومنهم من ذهب إلى أن (الأرحام) مجرور بالقسم وتقديره ، أقسم بالأرحام ، وجوابه : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

والقراءة الأولى أولى وقد بينا هذا مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٣).

قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٣).

فى اليتامى ، أى فى نكاح اليتامى فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ومثنى وثلاث ورباع ، منصوب على البدل من (ما) للعدل والوصف.

وقيل : للعدل عن اللفظ والمعنى لأنه معدول عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة /

__________________

(١) والبيت فى الإنصاف ٢ ـ ٢٧٣ وصدره :

تعلّق فى مثل السّوارى سيوفنا

وهو من شواهد الأشمونى رقم ٦٥٨ ـ ح ٣ ص ١١٥ (حاشية الصبان على شرح الأشمونى) مطبعة عيسى البابى الحلبى.

(٢) البيت من شواهد سيبويه ، الكتاب ح ١ ص ٣٣ ، وقد نسبه إلى أبى داود ، وهو من شواهد الإنصاف أيضا ح ٢ ص ٢٧٨.

(٣) المسألة ٦٥ ح ٢ ص ٢٧٢ ـ الإنصاف.

أربعة فعدل فى اللفظ والمعنى ، والأكثرون على الأول. فواحدة ، قرأ بالنصب والرفع فأما من قرأ بالنصب فلأن التقدير فيه ، فانكحوا واحدة ، وهو جواب الشرط فى قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا).

ومن قرأ بالرفع ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فهى واحدة.

والثانى : أن يكون مبتدأ محذوف الخبر وتقديره ، فامرأة واحدة تقنع.

والأولى أولى.

قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤).

نحلة ، منصوب على المصدر.

وقيل هو مصدر فى موضع الحال. ونفسا ، منصوب على التمييز.

وهنيئا مريئا ، حالان من الهاء فى (فكلوه) وهى تعود على (شىء) والواو فى (فكلوه) ، تعود على الأولياء أو على الأزواج.

قوله تعالى : (أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) (٥).

إنما قال : التى على لفظ المفرد ولم يقل اللائى على لفظ الجمع ، لأنها جمع مالا يعقل ، فجرى على لفظ المفرد كقوله تعالى :

(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ)(١)

وقوله تعالى :

(فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ)(٢)

__________________

(١) سورة مريم ٦١.

(٢) سورة هود ١٠١.

ولو كان جمع من يعقل لقال : اللاتى كقوله تعالى :

(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي)(١).

وقد تجىء (التى) فى جمع من يعقل ، واللاتى فى جمع ما لا يعقل وقد قرئ : أموالكم اللاتى. وقياما وقيما ، مصدران ، وأصل (قياما) قوام فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

وحكى أبو الحسن الأخفش ثلاث لغات : القوام والقيام والقيم. بمعنى واحد.

وقيل : قيما جمع قيمة والمعنى أنها قيم الأشياء.

قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) (٦).

إسرافا وبدارا ، فى نصبهما وجهان :

أحدهما : أن يكونا منصوبين لأنهما مفعولان له.

والثانى : أن يكونا منصوبين لأنهما مصدران فى موضع الحال ، أى ، لا تأكلوها مسرفين مبادرين. وأن يكبروا ، (أن) المصدرية وصلتها فى موضع نصب (ببدار) أى ، مبادرين كبرهم.

قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٦).

أى ، كفاك الله حسيبا. فالكاف المفعول محذوفة. والياء ، زائدة. والجار والمجرور فى موضع رفع بأنه فاعل كفى ، كقولهم : ما جاءنى من أحد. والتقدير : كفى الله حسيبا ، وما جاءنى أحد. وحسيبا ، منصوب من وجهين.

أحدهما : / أن يكون منصوبا على التمييز.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال. وقال أبو إسحق : إنما دخلت الباء فى (بالله) لأنه خبر فى معنى الأمر ، ومعناه : اكتف بالله. والأكثرون على الأول.

__________________

(١) سورة النور ٦٠.

قوله تعالى : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧).

منصوب بفعل مقدر دل عليه الكلام لأن قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) ، معناه ، جعل الله لهم نصيبا مفروضا ، وهو أقوى ما قيل فيه من الأقاويل.

قوله تعالى : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) (٨).

الهاء فى (منه) تعود إلى القسمة وإن كانت القسمة مؤنثة لأنها بمعنى المقسوم فلهذا عاد إليها الضمير بالتذكير حملا على المعنى وهذا كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) (١١).

كن نساء ، كان واسمها وخبرها ، وتقديره ، إن كانت المتروكات نساء فوق اثنتين ، وإنما ثبت للبنتين الثلثان بالسنّة ودلالة النص على أن الأختين لهما الثلثان فى قوله تعالى : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ)(١).

إذ ليس ههنا فى الآية نص يدل على ذلك.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) (١١).

قرئ : واحدة بالنصب والرفع ، فالنصب على أنه خبر كان الناقصة (٢) أيضا وتقديره ، فإن كان المتروك واحدة. والرفع على أنه فاعل كان التامة وهى بمعنى حدث ووقع ، فلا تفتقر إلى خبر.

قوله تعالى : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) (١١).

قرئ بضم الهمزة وكسرها ، فمن ضمها فعلى الأصل ومن كسرها فعلى الإتباع كقولهم : منتن فى منتن والمغيرة فى المغيرة ومنحر فى منحر إلى غير ذلك.

__________________

(١) سورة النساء ١٧٦.

(٢) زيادة فى ب.

قوله تعالى : (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) (١١).

نفعا ، منصوب على التمييز. وفريضة ، منصوب على المصدر وتقديره ، فرض الله ذلك فريضة.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) (١٢).

كان ههنا التامة. ورجل ، فاعله ، كحدث زيد ووقع عمرو. ويورث ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة لرجل. وكلالة ، منصوب من أربعة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا على الحال من الضمير فى (يورث) ، أى ، يورث فى هذه الحالة.

والثانى : أن يكون منصوبا على التمييز. والمراد بالكلالة فى هذين الوجهين الميت.

والثالث : أن يكون منصوبا لأنه صفة مصدر محذوف وتقديره ، يورث وراثة كلالة ، والمراد بالكلالة فى هذا الوجه هو المال.

والرابع : أن يكون منصوبا لأنه خبر كان ، والمراد بالكلالة فى هذا الوجه اسم الورثة والتقدير فيه ، ذا كلالة.

/ ومن قرأ يورث بكسر الراء ، كان كلالة ، منصوبا لأنه مفعول.

وقد قرئ ، كلالة بالرفع ، أى ، وإن كان رجل كلالة يورث أى يورث الوارث المال ، فحذف المفعولين. وقال : (له) ، ولم يقل : (لهما) لأن المعنى ، وإن كان أحد هذين وورث كلالة ، (فله) يعود إلى معنى الكلام لا إليهما ، وهذا لأن (أو) لأحد الشيئين ، ألا ترى أنهم يقولون : زيد أو عمرو قام. ولم يقولوا : قاما وقد بيّنا ذلك مستوفى فى كتابنا الموسوم : بعدة السؤّال فى عمدة السؤال.

قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) (١٢).

غير مضار ، منصوب على الحال من المضمر فى (يوصى). ووصية ، منصوب على المصدر.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) (١٣).

منصوب على الحال من الهاء فى (يدخله). والهاء ، تعود على (من). ومن ، تصلح للواحد والجمع ، وإنما جمع حملا على المعنى.

قوله تعالى : (خالِداً فِيها) (١٤).

منصوب على الحال من الهاء فى (يدخله). والهاء ، تعود على (من) ووحّد خالدا حملا على لفظ (من) وهم تارة يحملون على اللفظ وتارة على المعنى.

قوله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) (١٦).

قرئ بتخفيف النون وتشديدها فمن قرأ بالتخفيف فعلى الأصل كقولك : الزيدان والعمران ، ومن قرأ بالتشديد فلأن الأسماء المبهمة يسقط منها حرف فى التثنية. ألا ترى أنك تقول فى التثنية : اللذان. والأصل أن يقال فى التثنية اللّذيان ، فلما حذفت الياء زادوا نونا وأدغمت فى النون عوضا عن المحذوف ، وفرقا بين الاسم المبهم وغيره ونظيره قراءة من قرأ :

(فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ)(١).

بالتشديد لما بيّنا ، والأجود عند سيبويه فى (اللذان) الرفع بالابتداء ، وخبره ، فآذوهما. وإن كان فى الكلام معنى الأمر لأنه لمّا وقعت الجملة الفعلية فى صلته تمكن الشرط والإبهام فيه ، لأنه لا يدل على شىء بعينه فجرى مجرى الشرط ، والشرط لا يعمل فيه ما قبله لأن الشرط له صدر الكلام كالاستفهام ، فكذلك ههنا لا يعمل

__________________

(١) سورة القصص ٣٢.

فيه الإضمار ، كما لا يعمل فى الشرط ما قبله ، إلا أنه يجوز فيه النصب لأن المشبه بالشىء يكون دون المشبّه به فى ذلك الحكم.

قوله تعالى : (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) (١٨).

موضع الذين ، جر بالعطف على قوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ) وتقديره ، وليست التوبة للذين يعملون السيئات ولا للذين يموتون وهم كفار.

ومن قرأ : وللّذين يموتون وهم كفار. جعل اللام لام الابتداء / والذين فى موضع رفع به ، والخبر ، أولئك أعتدنا لهم.

قوله تعالى : (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) (١) (١٩).

أن وصلتها ، فى موضع رفع لأنها فاعل (يحل). وكرها ، منصوب على المصدر فى موضع الحال. ولا تعضلوهن ، فيه وجهان.

أحدهما : أن تكون (لا) نفيا فيكون تعضلوهن منصوبا بالعطف على (أن ترثوا) وتقديره ، لا يحل لكم أن ترثوا وأن تعضلوا. وتكون (لا) تأكيدا للنفى غير عاملة.

والثانى : أن تكون (لا) نهيا فيكون تعضلوهن مجزوما (بلا).

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) (١٩).

أن يأتين ، فى موضع نصب لأنه استثناء منقطع. وفعسى أن تكرهوا شيئا ، أن وصلتها فى موضع رفع بعسى لأن معناه قربت كراهتكم لشىء.

__________________

(١) (ولا تعضلوهن) ساقطة من أ.

قوله تعالى : (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً) (٢٠).

بهتانا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال من الواو فى (تأخذونه) وتقديره ، تأخذونه مباهتين.

قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (٢٢).

ما قد سلف ، فى موضع نصب لأنه استثناء منقطع. فالبصريون يقدرون ، إلا بلكنّ ، والكوفيون يقدرونه ، بسوى.

قوله تعالى : (وَساءَ سَبِيلاً) (٢٢).

سبيلا ، منصوب على التمييز والتفسير.

قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) (٢٤).

كتاب الله ، منصوب على المصدر بفعل دل عليه قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) لأن معناه : كتب ذلك كتابا الله. ثم أضيف المصدر إلى الفاعل. وهذا كقوله تعالى :

(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ)(١)

فصنع الله منصوب على المصدر بما دل عليه الكلام الذى قبله وتقديره ، صنع ذلك صنعا الله. ثم أضيف المصدر إلى الفاعل. وقال الشاعر :

٥٦ ـ دأبت إلى أن ينبت الظّلّ بعد ما

تقاصر حتى كاد فى الآل يمصح

__________________

(١) سورة النمل ٨٨.

وجيف المطايا ثم قلت لصحبتى

ولم ينزلوا أبردتّم فتروّحوا (١)

فنصب وجيف المطايا على المصدر بما دل عليه ، دأبت. وقال الآخر :

٥٧ ـ ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب

منه وحرف السّاق طىّ المحمل (٢)

فنصب طىّ المحمل ، بما دل عليه ، (ما إن يمس الأرض إلا منكب منه) ، فكأنه قال : (طوى طىّ المحمل) وزعم الكوفيون أنه منصوب بعليكم وتقديره ، عليكم كتاب الله (أى الزموا كتاب الله (٣)). وهذا القول ليس بمرض ، لأن عليك فرع على الفعل فى العمل فلا يتصرف تصرفه ، فلا يعمل فيما قبله / وقد بينا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٤). وأحل لكم ، قرئ بفتح الهمزة على ما سمى فاعله و (ما) فى موضع نصب لأنها مفعول (أحل). وقرئ أحل بضم الهمزة. و (ما) فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله. وأن تبتغوا ، فى موضعه وجهان : النصب والرفع.

فالنصب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على البدل من (ما) إذا كانت فى موضع نصب على المفعول.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له وتقديره ، وأحل لكم ما وراء ذلكم

__________________

(١) البيتان من شواهد سيبويه «باب ما يكون المصدر فيه توكيدا لنفسه نصبا» وقد عزاهما إلى الراعى ، الكتاب ح ١ ص ١٩١ ، ١٩٢.

(٢) الشاهد من الرجز ، من شواهد سيبويه «باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره» وقد نسبه إلى أبى كبير الهذلى. الكتاب ح ١ ص ١٨٠.

(٣) ساقطة من ب.

(٤) المسألة ٢٧ ح ٢ ص ١٤٠ الإنصاف.

لأن تبتغوا بأموالكم. فلما حذفت اللام اتصل الفعل به ، فوجب أن يكون فى موضع النصب.

والرفع على البدل من (ما) إذا كانت فى موضع رفع لأنها مفعول ما لم يسم فاعله.

ومحصنين ، منصوب على الحال من المضمر فى (تبتغوا) وكذلك ، غير مسافحين.

قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (٢٤).

(ما) شرطية فى موضع رفع لأنها مبتدأة وجواب الشرط (فآتوهن) وهو خبر المبتدأ. وفريضة ، منصوب لوجهين.

أحدهما : أن يكون حالا.

والثانى : أن يكون مصدرا فى موضع الحال.

قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ) (٢٥).

أن ينكح ، فى موضع نصب بطول انتصاب المفعول به ؛ وكما ينتصب طولا بيستطع انتصاب المفعول به. والطول مصدر ، طلت القوم أى علوتهم. قال الشاعر :

٥٨ ـ إن الفرزدق صخرة عادية

طالت فليس ينالها الأوعالا (١)

أى ، طالت الأوعال ، أى علتها. ولا يجوز أن يكون (ينكح) منصوبا بيستطع ، لإحالة المعنى لأنه يصيّر المعنى ، ومن لم يستطع أن ينكح المحصنات طولا أى للطول

__________________

(١) وجاء فى شرح الشنتمرى المسمى «تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب فى علم مجازات العرب» وهو شرح شواهد سيبويه ، بأسفل صفحات الكتاب : «ومما أنشد المازنى فى باب ما الياء والواو فيه ثانية» البيت. الكتاب ح ٢ ص ٣٥٦. وقد نسبه أبو البقاء إلى الفرزدق ح ١ ص ٩٨ (إعراب القرآن) المطبعة اليمنية ١٣٠٦ ه‍.

فيصير الطّول علة فى عدم نكاح الحرائر ، وهذا خلاف المعنى ، لأن الطول به يستطاع نكاح الحرائر ، فبطل أن يكون منصوبا بيستطع فثبت أنه منصوب بالطّول.

قوله تعالى : (مُحْصَناتٍ) (٢٥).

منصوب على الحال من الهاء والنون فى (وآتوهن) (١) وكذلك قوله تعالى :

(غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ).

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) (٢٩).

قرئ ، تجارة بالرفع والنصب.

فالرفع على أنها فاعل (تكون) وهى التامة ولا تفتقر إلى خبر.

والنصب على أنها خبر (تكون) وهى الناقصة وهى تفتقر إلى اسم وخبر ، واسمها مضمر فيها والتقدير فيه ، إلا أن تكون التجارة تجارة. وأن فى قوله : (إلا أن) فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) (٣٠).

عدوانا وظلما ، منصوبان على المصدر / فى موضع الحال ، كأنه قال : ومن يفعل ذلك متعديا وظالما.

قوله تعالى : (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١).

قرئ ، مدخلا بضم الميم وفتحها. فمن قرأ بالضم جعله مصدر أدخل ، يقال : أدخل يدخل مدخلا ، ويدل عليه قوله (وندخلكم). ومن قرأ بالفتح جعله مصدر دخل ، يقال : دخل يدخل مدخلا ودخولا.

ويجوز أن يكون مدخلا اسم المكان المدخول ، والمراد به ههنا الجنة.

__________________

(١) (منهن) فى أ ، ب.

قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) (٣٣).

تقديره ، ولكل أحد جعلنا موالى ، فحذف المضاف إليه وهو فى تقدير الإثبات ، ولو لا ذلك لكان مبنيا كما بنى قبل وبعد لمّا اقتطعا عن الإضافة.

وقيل التقدير ، ولكل شىء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالى. أى ، وارثا له.

قوله تعالى : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ) (٣٤).

ما ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون مصدرية وتقديره ، بحفظ الله لهن.

والثانى : أن تكون بمعنى الذى ، أى ، الشىء الذى حفظه الله. وقرئ : بما حفظ الله ، بالنصب و (ما) على هذه القراءة بمعنى الذى وتقديره ، بالشىء الذى حفظ طاعة الله تعالى. وفى حفظ ، ضمير مرفوع هو فاعل يعود إلى (الذى) ، ولا يجوز أن تكون مصدرية على تقدير ، بحفظهن الله ، وإن كان صحيحا فى المعنى إلا أنه فاسد من جهة الصناعة اللفظية ، لأن ما المصدرية حرف ، وإذا كانت حرفا لم يكن فى (حفظ) ضمير عائد إليها لأنه لا حظّ للحرف فى عود الضمير فيبقى (حفظ) بلا فاعل والفعل لا بد له من فاعل ، وذلك محال ، فوجب أن تكون بمعنى (الذى) على ما بيّنا.

قوله تعالى : (وَاهْجُرُوهُنَ (١) فِي الْمَضاجِعِ) (٣٤).

قيل معناه ، من أجل تخلفهن عن المضاجعة معكم. كما تقول : هجرته فى الله. أى ، من أجل الله. فلا يكون (فى المضاجع) ظرفا للهجران لأنهن يردن ذلك ، ولا يمتنع أن يكون ظرفا له ، لأن النشوز يكون بترك المضاجعة وغيرها.

__________________

(١) (فاهجروهن) فى أ. ب.

وقيل : معنى اهجروهن أى ، اربطوهن بالهجار وهو الحبل ، واختاره بعض العلماء.

قال : ولا يصح أن يكون بمعنى الهجر وهو الهذيان وإكثار الكلام لأن الفعل من ذلك لازم غير متعد. واهجروهن متعد إلى ضمير النساء ولا يصلح أيضا أن يكون من الهجر بمعنى الفحش لأنه يقال منه ، أهجر إهجارا ، فتأويله على هذا : فعظوهن فإن رجعن وإلا فشدوهن بالهجار ، وهو أشبه بمعنى الضرب ، ولا يكون بمعنى القطيعة لأنه قد نهى عنها فى الشرع فوق ثلاث.

وعندى أن هذا لا يمتنع أن يكون بمعنى القطيعة لأنه قد يجوز أن يكون المأمور به الهجر فى الثلاث فما / دونها فلا يكون منهيّا عنه فى الشرع.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (٣٧).

الذين يبخلون ، فى موضع نصب على البدل من (من) فى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ)

وقد قدمنا فى نظائره ما يجوز فيه من الأوجه.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) (٣٧).

رئاء الناس ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له وتقديره ، لرئاء الناس. فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مصدر فى موضع الحال من (الذين) فيكون (ولا يؤمنون بالله) مستأنفا غير معطوف على (ينفقون) لأن الحال من (الذين) غير داخلة فى صلته ، فلو جعل (ولا يؤمنون بالله) معطوفا على (ينفقون) لأدّى إلى الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبى وذلك لا يجوز ، فإن جعلته حالا من المضمر فى (ينفقون)

جاز أن يكون (ولا يؤمنون) معطوفا على (ينفقون) داخلا فى الصلة ، لأن الحال داخلة فى الصلة لأنها حال لما هو فى الصلة.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) (٤٠).

قرئ ، حسنة بالرفع والنصب فالرفع على أنها فاعل (تك) وهى التامة ، وأصل (تك) تكون بالرفع إلّا أنه حذفت الضمة للجزم فبقيت النون ساكنة والواو ساكنة فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وكان حذف الواو أولى لأنها حرف معتل والنون حرف صحيح ، فلما وجب حذف أحدهما كان حذف المعتل أولى من الحرف الصحيح إلى غير ذلك من الأوجه ، فبقى (تكن) فحذفت النون لكثرة الاستعمال وذلك كثير فى كلامهم فبقى (تك) ووزنه تف. والنصب على أنها خبر تكن وهى الناقصة وتقديره ، وإن تكن الذرة حسنة.

قوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٤١).

شهيدا ، منصوب على الحال من الضمير المجرور فى (بك) وهو الكاف وتقديره ، جئنا بك شهيدا على هؤلاء. وعلى هؤلاء ، فى موضع نصب لأنه يتعلق بشهيد.

قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٤٢).

يومئذ ، فى موضع نصب والعامل فيه (يود). وكذلك ، ولو تسوى بهم الأرض ، فى موضع نصب (بيود) أيضا.

وقرئ : تسّوّى بتشديد السين والواو وفتح التاء ، وتسوّى بتخفيف السين وفتح التاء.

فمن قرأ بتشديد / السين والواو كان التقدير فيه ، تتسوى ، فأبدلت التاء الثانية سينا لقرب مخرجهما وأدغمت السين فى السين.

ومن قرأ ، تسوّى بتخفيف السين حذف إحدى التاءين وقد قدمنا الخلاف فيه. ولا يكتمون الله حديثا ، فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (تسوى) فيكون داخلا فى التمنى ، أى ، ودّوا تسوية الأرض وكتمان الحديث من الله تعالى ، وتكون (لا) زائدة.

والثانى : أن تكون الواو فيه واو الحال ، والجملة فى موضع نصب على الحال وتقديره ، ودّوا التسوية غير كاتمين الحديث من الله تعالى.

قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٤٣).

الواو فى (وأنتم) واو الحال ، والجملة بعدها من المبتدأ والخبر فى موضع نصب على الحال بتقربوا أى ، لا تقربوها فى هذه الحالة ، والدليل على أن الواو ههنا واو الحال قوله تعالى : (وَلا جُنُباً) أى : ولا تصلوا جنبا إلا عابرى سبيل ، استثناه من قوله : (جنبا) والمراد بعابرى سبيل ، المسافرين لأنه يجوز للجنب أن يتيم فى السفر عند عدم الماء.

وقيل : لا تقربوا الصلاة أى مواضع الصلاة وهى المساجد. ولا جنبا ، أى ولا تقربوا منها جنبا إلا عابرى سبيل ، فيجوز للجنب العبور فى المساجد عند الحاجة.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) (٤٤).

يشترون الضلالة ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الواو فى (أوتوا) (١) ومثله : (ويريدون أن تضلوا).

قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (٢) (٤٦).

__________________

(١) (يشترون) فى أ ، ب.

(٢) (مواضعه) ناقصة من أ.

فيما تتعلق به (من) ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون تفسيرا لقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) (مِنَ الَّذِينَ هادُوا).

والثانى : أن تكون متعلقا بمحذوف وتقديره ، من الذين هادوا قوم يحرفون. وقوم ، مبتدأ. ويحرفون ، جملة فعلية فى موضع الصفة للمبتدأ ، وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، وخبره (من الذين هادوا) مقدم عليه.

والثالث : أن يكون متعلقا بقوله : نصيرا على حد قوله : فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا.

قوله تعالى : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) (٤٦).

غير ، منصوب على الحال من المضمر فى (واسمع) ومرادهم ونياتهم فى قولهم : واسمع أى لا سمعت ، ويظهرون أنهم إنما يريدون بهذا اللفظ واسمع غير مسمع مكروها.

وقيل : إنهم يريدون واسمع غير مسمع أى غير مجاب. وليّا بألسنتهم وطعنا ، منصوبان على المصدر وتقديره : يلوون بألسنتهم ليّا ويطعنون طعنا وليّا ، أصله لويا على فعل من لويت ، إلا أنّه اجتمعت الواو / والياء والسابق منهما ساكن فقلبوا الواو ياء وجعلتا ياء مشددة فصار (ليّا). وألسنتهم ، جمع لسان ويجوز فيه التذكير والتأنيث ويجمع على ألسنة وألسن ، فمن جمعه على ألسنة جعله مذكرا ، ومن جمعه على ألسن جعله مؤنثا ، لأن ما كان على فعال مذكرا فإنه يجمع على أفعلة نحو إزار وآزرة. وما كان على فعال مؤنثا فإنه يجمع على أفعل نحو شمال وأشمل.

قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (٤٦).

لو ، حرف يمتنع له (١) الشىء لامتناع غيره كقولك : لو جئتنى لأكرمتك ، فيكون

__________________

(١) (به) فى ب.

عدم الإكرام لعدم المجىء. وأنهم ، فى موضع رفع بفعل مقدر وتقديره ، ولو وقع قولهم سمعنا وأطعنا. فإن (لو) إنما يأتى بعدها الفعل ولا يقع بعدها المبتدأ.

وزعم قوم أن (لو) يقع بعدها المبتدأ إذا كان أنّ وصلتها خاصة. ويرتفع بعدها بالابتداء وهذا مجرد دعوى والوجه هو الأول.

قوله تعالى : (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤٦)

قليلا ، منصوب لأنه صفة مصدر محذوف وتقديره ، إيمانا قليلا. وإنما كان قليلا لأنهم لا يدومون عليه ، ولو كان منصوبا على الاستثناء لكان الوجه هو الرفع على البدل من المضمر فى (يؤمنون) ولا يجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء من الهاء والميم من (لعنهم الله) لأن كل من كفر ملعون لا يستثنى منهم أحد.

قوله تعالى : (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) (٤٧).

الكاف فى (كما) فى موضع نصب لأنها صفة لمصدر محذوف وتقديره ، لعنا مثل لعننا أصحاب السبت.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها (١) أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) (٥٧).

خالدين ، منصوب على الحال من الهاء والميم فى (سندخلهم). وأبدا ، منصوب لأنه ظرف زمان. ولهم فيها أزواج ، مبتدأ وخبر ، ويجوز فيه من الإعراب ما جاز فى (خالدين فيها).

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (٥٨).

__________________

(١) ساقطة من ب.

أن تؤدوا ، وأن تحكموا ، فى موضع نصب لأن التقدير ، بأن تؤدوا وبأن تحكموا فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل به فاستحق النصب.

قوله تعالى : (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٦١).

صدودا ، منصوب انتصاب المصادر وهو اسم أقيم مقام المصدر ، والمصدر فى الحقيقة هو الصدّ.

قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (٦٥).

تقديره ، فلا يؤمنون وربك لا يؤمنون ؛ فأخبر / أوّلا وكرره بالقسم ثانيا فاستغنى بذكر الفعل فى الثانى عن ذكره فى الأول.

قوله تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (٦٦).

قرئ ، قليل بالرفع والنصب ، فالرفع على البدل من الواو فى (فعلوه) وتقديره ، ما فعله إلا قليل منهم. والنصب على الأصل فى الاستثناء والأصل فى الاستثناء النصب.

والرفع على البدل أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٦٨).

(صراطا مستقيما (١)) ، منصوب لأنه مفعول ثان لهديناهم ، يقال : هديته الطريق هداية ، وهديت فى الدين هدى ، وفعل فى المصادر قليل.

قوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٦٩).

رفيقا ، منصوب وفى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على التمييز ويراد به ههنا الجمع فوحّد كما وحّد فى نحو ، عشرون رجلا ، وقد يقام الواحد المنكور مقام جنسه.

والثانى : أنه منصوب على الحال.

__________________

(١) ساقطة من ب.

قوله تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (٧١).

ثبات ، منصوب على الحال من الواو فى (انفروا) الأولى. وجميعا ، منصوب على الحال من الواو فى (انفروا) الثانية ، وكل واحد من الفعلين هو العامل فى الحال الذى يليه.

قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) (٧٢).

اللام الأولى فى (لمن) هى لام الابتداء التى تدخل مع (إن) وهى ههنا داخلة على اسم (إن). وخبرها منكم وقد تقدم على اسمها ، واللام الثانية فى (ليبطئن) هى اللام التى تقع فى جواب القسم وهو ههنا محذوف وتقديره ، لمن والله ليبطئن. ولام (١) القسم فى صلة (من).

قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (٧٣).

يا ليتنى ، المنادى محذوف وتقديره ، يا هذا ليتنى. كقوله تعالى :

(ألا يا اسجدوا لله) (٢)

أراد ، يا هؤلاء اسجدوا ، فحذف ، وحذف المنادى كثير فى كلامهم. وأفوز فوزا ، تقرأ بالرفع والنصب ، فالرفع على تقدير ، فأنا أفوز. والنصب على جواب التمنى بالفاء بتقدير (أن) وتقديره ، فأن أفوز. ومودّة ، مرفوع لأنه اسم يكن. وبينكم وبينه ، خبرها مقدم على اسمها ولا يجوز أن تكون التامة لأن الكلام لا يتم معناه بدون (بينكم وبينه) فهو الخبر وتتم به الفائدة.

قوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) (٧٥).

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) ٢٥ سورة النمل ، (أَلَّا يَسْجُدُوا). «والتخفيف قراءة يزيد وعلى. وتقديره ، (ألا يا هؤلاء اسجدوا)» النسفى المجلد الثانى ص ٦٠٥ ، المطبعة الأميرية ١٩٣٩ م.

ما / ، مبتدأ. ولكم ، خبره. ولا تقاتلون ، فى موضع نصب على الحال من الكاف والميم فى (لكم) وتقديره ، أىّ شىء استقر لكم غير مقاتلين كقوله تعالى :

(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(١).

والمستضعفين مجرور بالعطف على اسم الله تعالى.

وقيل على سبيل قوله :

(الظَّالِمِ أَهْلُها).

الظالم مجرور لأنه وصف للقرية ، وجاز أن يجرى وصفا للقرية وإن لم يكن الظلم لها لعود الضمير العائد إليها من (أهلها) ولا ضمير فى (الظالم (٢)) لأنه لو كان فيه ضمير لوجب إبرازه لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له وصفا أو خبرا أو حالا وجب إبرازه ، نعنى الضمير بخلاف الفعل فإنه لا يجب إبراز الضمير فى هذه المواضع كلها لقوته ، لأن الفعل هو الأصل فى تحمل الضمير (٣) واسم الفاعل فرع والأصل أقوى من الفرع والفروع أبدا تنحط عن درجات الأصول.

قوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ) (٧٧).

فريق منهم ، مبتدأ وحسن أن يكون فريق مبتدأ لأنه وصفه (بمنهم) فتخصص فحسن أن يكون مبتدأ. ويخشون ، خبر المبتدأ.

قوله تعالى : (كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) (٧٧).

الكاف فى (كخشية الله) فى موضع نصب لأنها صفة مصدر محذوف وتقديره ، يخشون الناس خشية كخشية الله. أى ، مثل خشية الله. أو أشدّ ، منصوب لأنه معطوف على الكاف.

__________________

(١) سورة النساء ٨٨.

(٢) (الظلم) فى ـ أ ـ

(٣) ساقطة من ب.

قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) (٧٨).

أين ، ظرف مكان فيه معنى الشرط والاستفهام ودخلت (ما) ليتمكن الشرط ويحسن. وتكونوا ، مجزوم بأينما. وأينما ، متعلق بتكونوا. ويدرككم ، مجزوم لأنه جواب الشرط ، وفى العامل فى جواب الشرط مذاهب ذكرناها فى مواضعها مستوفاة فى كتاب الأسرار وكتاب الإنصاف (١) وغيرهما.

قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٧٩).

ما ، فى موضع رفع لأنها مبتدأ وهى بمعنى الذى. وأصابك ، صلته. وفمن الله ، خبر المبتدأ ودخلت الفاء فى خبر المبتدأ لما فى (ما) من الإبهام مع أنّ صلتها فعل فأشبهت الشرطية التى تقتضى الفاء ، وليست ههنا شرطية لأنها نزلت فى شىء بعينه وهو الخصب والجدب وهما المراد بالحسنة والسيئة ولهذا قال : ما أصابك ، ولم يقل : ما أصبت ، والشرط لا يكون إلا مبهما.

ويجوز / أن يوجد ويجوز ألّا يوجد إلا أنها دخلت لوجود الشبه بينهما لا لأنها شرطية لما بيّنا.

قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (٧٩).

رسولا ، مصدر مؤكد بمعنى إرسال.

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) (٨١).

طاعة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، أمرنا طاعة. قال الشاعر :

٥٩ ـ فقالت على اسم الله أمرك طاعة

وإن كنت قد كلفت ما لم أعوّد (٢)

__________________

(١) مسألة ٨٤ ح ٢ ص ٣٥٢ الإنصاف.

(٢) الشاهد لعمر بن أبى ربيعة ذكره ابن هشام فى (مغنى اللبيب) باب (حذف الخبر) ح ٢ ص ١٦٩. والشاهد فى (أمرك طاعة) حيث أبرز المبتدأ وهو (أمرك).

قوله تعالى : (بَيَّتَ طائِفَةٌ) قرئ بيت طائفة بسكون التاء والإدغام ، وبيّت بتاء مفتوحة غير مدغمة.

فأما من قرأ : بيت طائفة بسكون التاء مدغمة فأصلها بيّتت بتاءين ، تاء التأنيث ، وتاء هى لام الكلمة فحذفت التاء التى هى لام الكلمة كراهية لاجتماع المثلين.

ومن قرأ : بيّت بفتح التاء جعلها لام الكلمة ولم يأت بعلامة التأنيث ، وذكّر الفعل لتقدمه وأن تأنيث الفاعل غير حقيقى.

قوله تعالى : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣).

فى هذا الاستثناء ستة أوجه :

أحدها : أن يكون استثناء من قوله تعالى : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ).

والثانى : أن يكون استثناء من الواو فى قوله تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.)

والثالث : أن يكون استثناء من الواو فى قوله تعالى : (أَذاعُوا بِهِ) أى ، أذاعوا بالخبر.

والرابع : أن يكون استثناء من الهاء فى (به).

والخامس : أن يكون استثناء من الهاء والميم فى (جاءهم).

والسادس : أن يكون استثناء من الكاف والميم فى (عليكم).

وقيل : إن قليلا ، منصوب لأنه صفة مصدر محذوف وتقديره ، إلا اتّباعا قليلا فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) (٨٨).

فئتين ، منصوب على الحال من الكاف والميم فى (لكم) أى ، ما لكم فى المنافقين مختلفين.

قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) (٩٠).

إلّا الذين يصلون ، استثناء من الهاء والميم فى (واقتلوهم) وهو استثناء موجب. وحصرت صدورهم ، جملة فعلية وفى موضعها وجهان :

أحدهما : أن يكون فى موضع جر لأنها صفة لمجرور فى أوّل الآية وهو قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ).

والثانى : أن يكون فى موضع نصب لأنها صفة لقوم مقدر وتقديره ، أو جاءوكم / قوما حصرت صدورهم ، والفعل الماضى إذا وقع صفة لموصوف محذوف جاز أن يقع حالا بالإجماع.

وذهب الكوفيون والأخفش من البصريين إلى أن الماضى يجوز أن يقع حالا على الإطلاق وقد بيّنا فساده وما فى الآية من الأوجه فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

ومن قرأ ، حصرة ، جعله اسما منصوبا على الحال من الواو فى (جاءوكم). وأن يقاتلوكم ، فى موضع نصب لأنه مفعول له.

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ) (٩٠).

اللام فى (لسلطهم) جواب (لو) ، واللام فى لقاتلوكم ، تأكيد لجواب (لو) فى (لسلطهم) لأنها حوذيت بها ، وإلا فالمعنى فسلطهم عليكم فيقاتلوكم ، فزيدت للمحاذاة والازدواج ، ومن هذا قوله تعالى :

(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ)(٢).

__________________

(١) المسألة ٣٢ ح ١ ص ١٦٠ الإنصاف.

(٢) سورة النمل ٢١.

فاللامان فيهما لاما قسم. واللام فى ليأتينى بسلطان مبين ، ليس بلام قسم لأنه موضع عذر الهدهد فلم يكن ليقسم على أنه يأتى بعذر الهدهد ، إلّا أنه لما أتى به فى إثر ما يجوز فيه القسم أجراه مجراه ، فكذلك اللام ههنا لما أتى به فى إثر جواب (لو) وقرنه به أجراه مجراه فأتى باللام تأكيدا له وهذا النحو يسمى المحاذاة.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) (٩٢).

أن يقتل ، أن المصدرية وصلتها فى موضع رفع لأنها اسم كان. ولمؤمن ، خبرها مقدم على الاسم. وإلّا خطأ ، استثناء منقطع ومثله قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا).

قوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (٩٢).

تحرير ، مبتدأ ، وخبره محذوف وتقديره ، فعليه تحرير رقبة ودية مسلمة ، وكذلك فصيام شهرين. أى ، فعليه صيام شهرين.

قوله تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) (٩٢).

توبة ، منصوب على المصدر وإن شئت على المفعول له.

قوله تعالى : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٩٤).

تبتغون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الضمير المرفوع فى (تقولوا) أى ، لا تقولوا ذلك مبتغين.

قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (٩٥).

قرئ ، غير بالرفع والنصب والجر.

فالرفع على أنه بدل من (القاعدين) أو وصف لهم لأنهم غير معينين فجاز أن يوصفوا بغير.

والنصب على الاستثناء أو على الحال من (القاعدين).

والجر / ، على أنه بدل من المؤمنين أو وصف لهم.

قوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (٩٥).

كلّا ، منصوب بوعد وكذلك الحسنى ، منصوب به لأن (وعد) يتعدى إلى مفعولين. تقول : وعدت زيدا خيرا وشرا. قال الله تعالى :

(النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١).

قوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ) (٩٦).

أجرا ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا بفضّل.

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر. ودرجات منه ، منصوب على البدل من (أجر) وتقديره ، أجر درجات. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ومغفرة ورحمة ، مصدران منصوبان بفعلين مقدرين والتقدير ، وغفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة. وقدر الفعلين لذكر المصدرين.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (٩٧).

ظالمى ، منصوب لأنه حال من الهاء والميم فى (توفاهم) وأصله ، ظالمين أنفسهم.

فحذفت النون للإضافة.

قوله تعالى : (فِيمَ كُنْتُمْ) (٩٧).

__________________

(١) سورة الحج ٧٢.

فيم ، جار ومجرور فى موضع نصب لأنه خبر كنتم. و (ما) ههنا ، استفهامية ولهذا حذفت الألف منها لدخول حرف الجر عليها لأن (ما) إذا دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها تخفيفا لكثرة الاستعمال وليفرق بينها وبين (ما) التى بمعنى الذى ، ليفرق بين الخبر والاستفهام ولم يحذفوا الألف من (ما) فى الخبر إلا فى موضع واحد وهو قولهم : ادع بم شئت. أى ، بالذى شئت. وما عداه فلا يحذف منه الألف.

قوله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) (٩٨).

المستضعفين ، منصوب لأنه مستثنى من قوله تعالى : (الذين توفاهم) وهو استثناء من موجب ، فلهذا وجب فيه النصب.

قوله تعالى : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (١٠١).

إنما قال : عدوّا بلفظ المفرد وإن كان ما قبله جمعا لأنه بمعنى المصدر ، كأنه قال : كانوا لكم ذوى عداوة ، وهذا كقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ)(١).

قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) (١٠٣).

قياما وقعودا ، منصوبان على الحال من الواو فى (اذكروا) وكذلك قوله تعالى : (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) ، فى موضع نصب على الحال لأنه فى موضع مضطجعين.

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (١٠٥).

بالحق ، فى موضع / نصب على الحال من الكاف ، وهى حال مؤكدة. وبما أراك الله : أى أراكه الله. فالكاف المفعول الأول ، والهاء المحذوفة المفعول الثانى لأن أرى ههنا تتعدى إلى مفعولين وهو من قولهم : رأى فلان رأى فلان أى اعتقد اعتقاده ،

__________________

(١) سورة الشعراء ٧٧.

ولا يجوز أن تكون من (أرى) بمعنى أعلم ، لأن أعلم يتعدى إلى ثلاثة مفعولين وليس فى الآية إلا مفعولان الكاف وهو ظاهر والهاء وهو مقدر.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) (١١٢).

قال : ثم يرم به بريئا. ولم يقل : بهما ، لأن معنى قوله : ومن يكسب خطيئة أو إثما ، ومن يكسب أحد هذين الشيئين ثم يرم به ، لأن (أو) لأحد الشيئين ولهذا تقول : زيد أو عمرو قام ، ولا يقال : زيد أو عمرو قاما لما ذكرنا.

قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) (١١٤).

إن جعلت النجوى بمعنى المناجاة ، كان (من أمر) فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، وإن جعلت بمعنى الجماعة الذين يتناجون كان (من) فى موضع جر على البدل من الهاء والميم فى (نجواهم) وهو بدل بعض من كل.

قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) (١٢٧).

ما يتلى ، فى موضع رفع لأنه معطوف على اسم الله تعالى. ولا يجوز أن يكون معطوفا على المضمر فى (فيهن) لأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور ، وأجازه الكوفيون ، وقد بيّنا فساده فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١). وقوله : فى الكتاب ، من صلة يتلى وكذلك : فى يتامى النساء اللاتى ، فى موضع جرّ صفة ليتامى. ولا تؤتونهن

__________________

(١) الإنصاف ح ٢ ص ٢٧٢ المسألة ٦٥.

إلى قوله : أن تنكحوهن ، فى صلة اللاتى. والمستضعفين من الولدان ، مجرور لأنه معطوف على (يتامى النساء) وكذلك قوله تعالى :

(وَأَنْ تَقُومُوا)

فى موضع جر بالعطف على (المستضعفين). والتقدير ، يفتيكم فى يتامى النساء وفى المستضعفين وفى أن تقوموا لليتامى بالقسط.

قوله تعالى : (أَنْ يُصْلِحا (١) بَيْنَهُما صُلْحاً) (١٢٨).

وقرئ : يصّالحا. والأصل فى يصّالحا يتصالحا ، فأبدلت التاء صادا وأدغمت فى الصاد ، وأصل (يصّلحا يصتلحا) فأبدلت التاء صادا وأدغمت فى الصاد ، وأدغمت التاء فى الصاد ولم تدغم الصاد فى التاء لأن فى الصاد زيادة صوت لأنها من حروف الصفير ، وإذا وجب إدغام أحد الحرفين فى الآخر كان إدغام الأنقص صوتا فى الأزيد صوتا أولى. وصلحا ، منصوب على المصدر على تقدير ، فيصلح الأمر صلحا ، وإن شئت لأن صلحا قام مقام تصالحا على قراءة من قرأ ، يصّالحا ، وقيامه مقام إصلاحا على قراءة من قرأ ، يصلحا ، لأن مصدر يصّالحا تصالح ، ويصّلحا إصلاح ، فلما أقيم (صلح) مقامهما أعطى حكمهما.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) (١٣١).

وإياكم ، ضمير المنصوب المنفصل وهو عطف على الذين وهو مفعول وصينا. والتقدير ، ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب وإياكم بأن اتقوا الله. وحذف حرف الجر من (أن) لطول (أن) المصدرية بصلتها ولو جعلت مع صلتها مصدرا لما جاز حذف حرف الجر.

__________________

(١) (يصّالحا) فى أ ، ب.

قوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) (١٣٥).

شهداء ، منصوب وذلك من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه صفة لقوّامين.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من المضمر فى قوامين. وإن يكن غنيّا أو فقيرا فالله أولى بهما. إنما قال : أولى بهما ولم يقل : به لأن (أو) لأحد الشيئين وذلك لأربعة أوجه :

الأول : أنه محمول على المعنى فلما كان المعنى ، إن يكن الخصمان غنيين أو فقيرين قال : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما).

والثانى : أنه لما كان المعنى ، فالله أولى بغنى الغنى وفقر الفقير ردّ الضمير إليهما.

والثالث : إنما ردّ الضمير إليهما لأنه لم يقصد قصد غنىّ بعينه ولا فقير بعينه.

والرابع : أن (أو) بمعنى الواو والواو لإيجاب الجمع بين الشيئين أو الأشياء فلهذا قال : أولى بهما. وأو بمعنى الواو فى مذهب أبى الحسن الأخفش والكوفيين.

قوله تعالى : (أَنْ تَعْدِلُوا).

أن ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر وتقديره ، لئلا تعدلوا ، و (لا) مرادة ، أو تكون فى موضع نصب على تقدير ، كراهة أن تعدلوا. كقوله تعالى :

(يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(١)

أى لئلا تضلوا.

وقيل تقديره ، كراهة أن تضلوا وإن تلووا ، قرئ ، تلووا بواوين. وأصله

__________________

(١) سورة النساء ١٧٦.

تلويوا على وزن تفعلوا من لويت ، فنقلت الضمة من الياء إلى ما قبلها فبقيت الياء ساكنة ، وواو الجمع ساكنة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فبقى تلووا ووزنه تفعوا.

وقرئ : تلوا بواو واحدة ويحتمل / وجهين :

أحدهما : أن يكون من لويت وأصله تلويوا على ما بيّنا فى القراءة الأولى إلّا أنه لما نقلت الضمّة من الياء إلى الواو حذفت الياء لالتقاء الساكنين ونقلت الضمة على الواو فقلبت همزة وحذفت ونقلت حركتها إلى اللام فبقيت تلوا.

والثانى : أن يكون تلوا أصله توليوا من وليت إلا أنه حذفت الواو الأولى التى هى الفاء لوقوعها بين تاء وكسرة حملا للتاء على الياء كما تحذف من نعد حملا على يعد ، حملا لبعض حروف المضارعة على بعض طلبا للتشاكل وفرارا من نفرة الاختلاف ليجرى الباب على سنن واحد ولا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، فلما حذفت الواو الأولى بقى تليوا فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى اللام قبلها ، وحذفت الياء لسكونها وسكون واو الجمع بعدها ، وكانت أولى بالحذف لأن واو الجمع دخلت لمعنى والياء لم تدخل لمعنى فكان حذفها أولى. وصار (تلوا) على وزن (تعوا) لذهاب الفاء واللام.

قوله تعالى : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (١٣٩).

إنما قال جميعا بالتذكير ، ولم يأت بها على لفظ (العزة) بالتأنيث فيقول : جمعاء لأن العزة فى معنى العزّ. وجميعا ، منصوب على الحال. والتقدير ، فإن العزة لله تعالى كائنة فى حال اجتماعها. والعائد فى الحال المضمر الذى تعلقت به اللام التى فى (لله).

قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) (١٤٠).

أن ، مخففة من الثقيلة وهى مع الفعل فى تأويل المصدر ، وهو فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله على قراءة من قرأ نزّل بضم النون والتشديد ، وهو فى موضع نصب لأنه مفعول على قراءة من قرأ نزل بالفتح.

قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (١٤٠).

أى ، أمثالهم وقد يأتى مثل أيضا للاثنين والجماعة : كما يأتى للواحد قال الله تعالى :

(أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا)(١).

قوله تعالى : (قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٤٢).

كسالى ، جمع كسلان وهو فى موضع نصب على الحال من الواو فى (قاموا) وكذلك قوله : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ).

قوله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) (١٤٣).

منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على الذم بفعل مقدر وتقديره ، أذم مذبذبين.

والثانى أن يكون منصوبا على الحال من الواو فى (يذكرون) ، وأصل مذبذبين : مذبّبين. إلا أنه / لما اجتمعت ثلاث باءات أبدلت من الباء الوسطى ذالا من جنس الذال الأولى كما قالوا : حثحثت وأصله حثّثت وتكمكم بالكمه وأصله تكمّم وتغلغل فى الأمر وأصله تغلّل وكبكب وأصله كبّب إلا أنه لما اجتمع فى هذه المواضع ثلاثة أحرف متماثلة أبدلوا من الحرف الأوسط حرفا من جنس الحرف الأول ونظائر هذا كثير.

قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١٤٧).

ما ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون استفهامية فى موضع نصب بيفعل وتقديره ، أىّ شىء يفعل بعذابكم.

__________________

(١) سورة المؤمنون ٤٧.

والثانى : أن تكون (ما) نفيا فلا يكون لها موضع من الإعراب.

والوجه الأول أوجه لوجهين.

قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (١٤٨).

بالسوء ، فى موضع نصب لأنه يتعلق بالجهر وهو مصدر جهر بالقول يجهر جهرا ، وإعمال المصدر وفيه الألف واللام قليل وليس فى التنزيل إعماله إلا فى هذا الموضع ، ولم يعمل فى اللفظ وإنما عمل فى الموضع وقد أنشدوا فى إعماله فى اللفظ قول الشاعر :

٦٠ ـ ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل (١)

وإلّا من ظلم ، (من) فى موضع نصب لأن الاستثناء منقطع.

وقول من قال : إن (إلّا) بمعنى الواو ضعيف وذلك لأن الواو للجمع ، وإلا لإخراج الثانى من معنى الأول ، والأصل ألّا يقام أحدهما مقام الآخر.

قوله تعالى : (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) (١٥٤).

لا تعدوا ، فيه ثلاث قراءات الأولى : لا تعدوا بسكون العين مع تخفيف الدال.

والثانية : بسكون العين مع تشديد الدال.

والثالثة : بفتح العين مع تشديد الدال. فمن قرأ ، لا تعدوا بسكون العين مع تخفيف الدال فأصله لا تعدووا من العدوان فاستثقلت الضمة على الواو الأولى فحذفت فبقيت الواو التى هى لام ساكنة وواو الجمع ساكنة فحذفت الواو التى هى اللام لالتقاء الساكنين فبقى لا تعدوا ووزنه تفعوا.

__________________

(١) من أبيات سيبويه التى لم يعرفوا لها قائلا معينا. الكتاب ح ١ ص ١٩٩ والشاهد فيه ، فى نصب الأعداء بالنكاية ، لمنع الألف واللام من الإضافة ومعاقبتهما للتنوين الموجب للنصب.

ومن قرأ : لا تعدّوا بسكون العين وتشديد الدال فأصله تعتدوا فحذف فتحة التاء وأبدل منها دالا وأدغم الدال فى الدال وبقى العين على سكونها فاجتمع ساكنان العين والدال الأولى ، وهذه القراءة ضعيفة فى القياس لما أدت إليه من الاجتماع بين الساكنين / على غير (حدّه).

ومن قرأ بفتح العين وتشديد الدال فأصله تعتدوا فنقل فتحة التاء إلى العين لئلا يجتمع ساكنان وأبدل من التاء دالا وأدغم الدال فى الدال ، وهذه القراءة أقيس من تسكين العين مع تشديد الدال.

قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (١٥٥).

ما ، زائدة للتوكيد ، وزعم بعضهم أنها اسم نكرة. ونقضهم ، بدل منه ، وليس بشىء لأن إدخال (ما) وإخراجها واحد ، ولو كانت اسما لوجب أن يزيد فى الكلام معنى لم يكن فيه قبل دخولها وإذا كان دخولها كخروجها فالأولى أن تكون حرفا زائدا على ما ذهب إليه الأكثرون.

قوله تعالى : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) (١٥٦).

بهتانا عظيما ، منصوب بالمصدر على حد قولهم : قلت شعرا وخطبة لأن القول يعمل فيما كان من جنسه وتحكى بعده الجملة.

قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) (١٥٧).

عيسى ، منصوب على البدل من المسيح ، وفى نصب ابن مريم وجهان :

أحدهما : على الوصف.

والثانى : على البدل.

قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) (١٥٧).

اتباع الظن. منصوب لأنه استثناء منقطع من غير الجنس ويجوز رفعه على البدل من (علم) على الموضع وموضعه رفع لأن تقديره ، ما لهم به علم. كقوله تعالى :

(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(١).

وتقديره ، ما لكم إله غيره. ويقينا ، منصوب وذلك من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا على الحال من الواو فى (قتلوه) أى ، ما قتلوه متيقّنين.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من الهاء فى (قتلوه) أى ، ما قتلوه متيقنا بل مشكوكا فيه.

والثالث : أن يكون منصوبا لأنه صفة مصدر محذوف وتقديره ، وما قتلوه قتلا متيقّنا. والهاء فى قتلوه ، يجوز أن تكون لعيسى كما كانت فى قوله :

(وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ)(٢).

ويجوز أن تكون الهاء للعلم والمعنى وما قتلوه علمهم به يقينا. كما يقال : قد قتلت الشىء علما ، أى ، قد علمته علما يأتى على جميعه ، واستعير القتل هنا لأن القتل هو الإتيان على جميع نفس المقتول وهذا العلم قد أتى على جميع المعلوم.

قوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) (١٥٨).

قرئ بإدغام اللام فى الراء وهى قراءة أكثر القراء ، ومنهم من لم يدغم ، فمن أدغم فلقرب مخرج اللام من الراء وكان إدغام اللام / فى الراء أولى من إدغام الراء فى اللام لأن الراء أقوى من اللام لأنها حرف تكرير واللام أضعف فلما كانت الراء أقوى واللام أضعف أدغموا اللام فى الراء لأنهم يدغمون الأضعف فى الأقوى ، وقد قدمنا القول فيه.

قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (١٥٩).

__________________

(١) ٥٩ ، ٦٥ ، ٧٣ ، ٨٥ سورة الأعراف ـ ٥٠ ، ٦١ ، ٨٤ سورة هود ـ ٣٢ سورة المؤمنون.

(٢) ١٥٧ سورة النساء.

إن ، هنا للنفى ومعناه ، ما من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ به. أى بعيسى ، وأما الهاء فى قوله : قبل موته. ففيه وجهان.

أحدهما : أن يكون المراد به كل واحد من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم فمن كان لا يؤمن به. والمعنى ، إن كلّ واحد منهم يؤمن بعيسى قبل خروج روحه ، لأن الكافر يطهر له عند موته ما كان مكذبا به فيؤمن به.

والثانى : أن تكون الهاء لعيسى فى قول بعض المفسّرين لأنه ينزل فى آخر الزمان إلى الأرض فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويصلى خلف المهدى ويموت ويقبر فيؤمن به حينئذ من كان مكذبا له من اليهود وغيرهم وهذا الوجه مخالف لظاهر الآية لأن الله تعالى أعلمنا أن كلا منهم يؤمن به قبل موته ولا شك أن الذين يكونون فى آخر الزمان قليل منهم.

والوجه الأول أوجه الوجهين وأصحهما.

قوله تعالى : (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) (١٦٠).

كثيرا ، منصوب لأنه صفة مصدر محذوف وتقديره ، صدّا كثيرا.

قوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (١٦٢).

والمقيمين ، فى إعرابه وجهان : النصب والجر.

فالنصب على المدح بتقدير أعنى وأمدح كقول الخرنق : امرأة من العرب :

٦١ ـ لا يبعدن قومى الّذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر

النازلين بكلّ معترك

والطّيّبون معاقد الأزر (١)

فنصب النازلين على المدح.

وأما الجر فيجوز من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون معطوفا على (ما) وتقديره ، يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة من الأنبياء ، وأن يكون معطوفا على الكاف فى (إليك) وتقديره ، بما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة.

والثالث : أن يكون معطوفا على الكاف فى (قبلك) وتقديره ، ومن قبلك وقبل القيمين الصلاة من أمتك ، والعطف على الكاف فى إليك ، والكاف فى قبلك لا يجوز عند البصريين لأن العطف على الضمير المجرور لا يجوز وأجازه الكوفيون / والمؤتون الزكاة ، مرفوع وذلك من خمسة أوجه.

الأول : أن يكون مرفوعا على الابتداء وخبره أولئك سنؤتيهم.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، وهم المؤتون.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه معطوف على المضمر فى (المقيمين).

والرابع : أن يكون معطوفا على المضمر فى (يؤمنون).

والخامس : أن يكون معطوفا على قوله : (الراسخون).

قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٤).

__________________

(١) شاهدان استشهد بهما سيبويه فى موضعين من كتابه : الأول : «هذا باب الصنعة المشبّهة بالفاعل فيما عملت فيه» وكتب (النازلون) ح ١ ص ١٠٤. الثانى : «هذا باب ما ينصب فيه الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة» وكتب (النازلين) ح ١ ص ٢٤٦.

واستشهد بهما ابن الأنبارى فى الإنصاف برفع (النازلون) ونصب (الطيبين) ح ٢ ص ٢٧٦ وهما للخرنق ، أخت طرفة بن العبد البكرى لأمه ، من قيس بن ثعلبة.

تكليما : مصدر كلّم ، وفعّل يجىء مصدره على التفعيل ، كرتّل ترتيلا وقتّل تقتيلا. قال الله تعالى :

(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(١).

وقال تعالى :

(وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)(٢).

وفى ذكر هذا المصدر تأكيد للفعل ودليل على أنه كلمه حقيقة لا مجازا لأن الفعل المجازى لا يؤكد بالمصدر. ألا ترى أنه لا يقال : قال برأسه قولا ، وإنما يؤكد الفعل الحقيقى فيقال : قال بلسانه قولا.

قوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) (١٦٥).

رسلا ، منصوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا على المدح بفعل مقدر وتقديره ، وأمدح رسلا مبشرين ومنذرين.

والثانى : أن يكون منصوبا على البدل من قوله تعالى :

(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ).

والثالث : أن يكون منصوبا على الحال من أحد المنصوبين قبله وهما قوله تعالى :

(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ (٣) وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ).

__________________

(١) سورة المزمل ٤.

(٢) سورة الأحزاب ٦١.

(٣) ساقطة من أ. ب.

والأول هو الأولى ، وهو أن يعنى بالرسل جميع من تقدم ذكره فينتصب على المدح بتقدير فعل ، واللام فى (لئلا) فيما يتعلق به وجهان :

أحدهما : أن تكون متعلقة بقوله تعالى :

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)

وتقديره ، إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى الأنبياء لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

والثانى : أن تكون متعلقة بفعل مقدّر يشار به إلى جميع ما تقدم ، وتقديره ، فعلنا ذلك لئلا يكون للناس.

قوله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (١٦٦).

الباء ، للحال أى ، أنزله معلوما ، كما تقول : خرج زيد بسلاحه أى خرج متسلحا.

قوله تعالى : (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (١٦٩).

خالدين ، منصوب على الحال والعامل فيها يهديهم ، ومعناه : ما يهديهم إلا طريق جهنم فى حال خلودهم.

قوله تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) (١٧٠).

خيرا ، منصوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا بفعل مقدر دل عليه (آمنوا) لأن قوله : آمنوا دلّ على إخراجهم من أمر وإدخالهم / فيما هو خير لهم فكأنه قال : ائتوا خيرا لكم. وكذلك.

قوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (١٧١).

لأنه لما نهاهم عن الشر فقد أمرهم بإتيان الخير فكأنه قال : ائتوا خيرا لكم وهذا كقول الشاعر :

٦٢ ـ تروّحى أجدر أن تقيلى

غدا بجنبى بارد ظليل (١)

وتقديره ، ائتى مكانا أجدر. وكقول الآخر :

٦٣ ـ فواعديه سرحتى مالك

أو الرّبا بينهما أسهلا (٢)

وتقديره ، وأنى مكانا أسهل.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه صفة لمصدر محذوف وتقديره : فآمنوا إيمانا خيرا لكم.

والثالث : أن يكون منصوبا لأنه خبر يكن مقدرة ، وتقديره ، فآمنوا يكن خيرا لكم ، وإنما جاز تقدير يكن ههنا ولم يجز فى قولهم : زرنا أخانا. على تقدير : تكن أخانا ، لأن من أمرك بالزيارة لا يوجب كون الأخوة ، بخلاف الأمر بالإيمان والانتهاء عن الشر فإنهما يدلان على الخير لمن آمن وانتهى ، فبان الفرق.

قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) (١٧١).

ثلاثة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة.

__________________

(١) شاهد من كلام أحيسحة بن الجلاح ، يخاطب نخلة :

تأبّرى يا خيرة الفسيل

تأبّرى من حنذ فشولى

إن ضن أهل النّخل بالفحول

تروّحى أجدر أن تقيلى

غدا بجنبى بارد ظليل

ومشرب يشربها رسيل

أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك ٢ ح ص ٢٩٧ مطبعة السعادة ، الطبعة الثالثة ١٣٦٨ ه‍ ـ ١٩٤٩ م.

(٢) من شواهد سيبويه ، الكتاب ح ١ ص ١٤٣ قال الشنتمرى : «سرحتا مالك ، موضع بعينه ...» أسفل الصفحة ح ١ ص ١٤٣.

قوله تعالى : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) (١٧١).

أن المصدرية وصلتها ، فى موضع نصب لحذف حرف الجر وتقديره ، سبحانه عن أن يكون له ولد ومن أن يكون له ولد.

وكذلك قوله تعالى : (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) (١٧٢).

فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر وتقديره ، من أن يكون عبدا لله.

قوله تعالى : (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (١٧٥).

صراطا ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير فعل وتقديره ، يعرّفهم صراطا ، ودل يهديهم على المحذوف.

والثانى : أن يكون مفعولا ثانيا ليهدى وتقديره ، ويهديهم صراطا مستقيما إلى ثوابه.

قوله تعالى : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) (١٧٦).

إنما قال : (اثنتين) ولم يقتصر على قوله (كانتا) لأنها تفيد التثنية لوجهين :

أحدهما : أنه لو اقتصر على قوله : كانتا ولم يقل اثنتين لاحتمل أن يريد بهما الصغيرتين أو الكبيرتين ، فلما قال : اثنتين أفاد العدد مجرّدا عن الصّغر والكبر فكأنه قال : فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين. فقام (اثنتان) مقام هذين الوصفين ، وأفاد فائدتهما فى رفع هذا الوهم والاحتمال فى أن الصغرى بخلاف الكبرى. فما روى عن النبى عليه‌السلام أنه قال : (لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها ، لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى (١)) فذكر الصغرى والكبرى / رفعا لهذا الوهم والاحتمال من اختلاف الحكم بين الصغرى والكبرى.

__________________

(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها» صحيح البخارى باب النكاح.

والثانى : أن يكون محمولا على المعنى. وتقديره ، فإن كان ممّن يرث اثنتين. فبنى الضمير على معنى (من) وهذا الوجه قول الأخفش.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (١٧٦).

تقديره ، كراهة أن تضلوا. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وهو مفعول له.

وقيل تقديره ، لئلا تضلوا. فحذف (اللام ولا) من الكلام لأن فيما أبقى دليلا على ما ألقى. والوجه الأول أوجه الوجهين (١) ، وقد قدمنا ذلك والخلاف فيه فيما سبق.

__________________

(١) ساقطة من ب.

غريب إعراب سورة المائدة

قوله تعالى : (إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي) (١).

ما ، فى موضعه وجهان : أحدهما : أن يكون منصوبا على الاستثناء من (بهيمة).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه صفة (بهيمة الأنعام) كما تقول : أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير ما يتلى ، فإذا أقيمت (إلّا وما) بعدها مقام (غير) رفعت ما بعد إلّا.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (٢).

غير ، منصوب على الحال من وجهين.

أحدهما : أن يكون حالا من الكاف والميم فى (لكم) والعامل فيه أحلت.

والثانى : أن يكون حالا من المضمر فى (أوفوا) والعامل فيه أوفوا (٢). و (محلّى) أصله محلّين ، وأصل محلّين محللين إلا أنه لما اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فى كلمة واحدة استثقلوا اجتماعهما فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى فصار محلّين ، وحذفت النون من محلين للإضافة. وأنتم حرم ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل فى (محلّى).

قوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) (٢).

__________________

(١) (غير محلى) ساقطة من ب.

(٢) (والعامل فيه أحلت) هكذا فى ب.

ولا القلائد : أى ذوات القلائد وهى جمع قلادة وهى ما قلّد البعير من لحاء الشجر وغيره. ولا آميّن ، أصله أممين جمع آمّ وهو القاصد ، إلا أنه اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد (فى كلمة واحدة) (١) فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى. ويبتغون جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (آمين) أى : لا يحلّوا من قصد البيت الحرام مبتغين فضلا من ربهم ، ولا يجوز أن يكون صفة لآمّين لأنه قد نصب البيت. واسم الفاعل إذا وصف لم يعمل لأنه يخرج بالوصف عن شبه الفعل لأن الفعل لا يوصف وإذا خرج بالوصف عن شبه الفعل فينبغى ألّا يعمل.

قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) (٢).

وشنآن : قرئ بسكون النون وفتحها. فشنآن بالسكون : اسم كعطشان. وشنآن بالفتح : مصدر كضربان. وأن صدوكم : قرئ بكسر الهمزة وفتحها ، فمن قرأ بالكسر كانت شرطية ، ولا يجرمنكم ، سد مسد الجواب. ومن قرأ بالفتح كانت مصدرية فى موضع نصب لأنه مفعول له وتقديره لأن صدوكم فحذف اللام فاتصل الفعل به. وأن تعتدوا ، فى موضع نصب (بيجرمنكم).

قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) (٣).

أن المصدرية مع صلتها : فى موضع رفع بالعطف على قوله تعالى : (الميتة) وتقديره ، حرّم عليكم الميتة والاستقسام بالأزلام. وهو قسمهم الجزور عشرة أقسام ، وكان ذلك فى الجاهلية.

قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).

__________________

(١) هكذا فى ب.

فمن اضطر : فى موضع رفع بالابتداء وهى شرطية والجواب (فإن الله غفور رحيم) وهو خبر المبتدأ ومعه مضمر محذوف وتقديره : فإن الله له غفور رحيم.

قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٤).

ما علّمتم ، فى موضع رفع بالعطف على (الطيبات) وهو مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وهو (أحلّ). ومكلبين : منصوب على الحال من التاء والميم فى (علمتم).

قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) (٥).

محصنين ، منصوب على الحال من المضمر المرفوع فى (آتيتموهنّ) ومثله ، غير مسافحين. ومثله ، ولا متخذى أخدان ، وهو معطوف على (غير مسافحين) لا على (محصنين) لدخول (لا) معه تأكيدا للنفى المتقدم ولا نفى مع محصنين ، ويجوز أن يجعل (غير مسافحين ولا متخذى أخدان) وصفا لمحصنين أو حالا من المضمر فيه.

قوله تعالى : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥).

فى الآخرة ، يتعلق بفعل مقدر دل عليه قوله تعالى : (من الخاسرين) وتقديره : وهو خاسر فى الآخرة ، وإنما وجب هذا التقدير لأن الألف واللام فى (الخاسرين) بمعنى الذين وما وقع فى صلة الذين لا يعمل فيما قبلها ، فإن جعلت الألف واللام لا بمعنى الذين ، جاز أن يكون الخاسرين عاملا فيه.

قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ) (٦).

قرئ بالنصب والجر فالنصب بالعطف على (أيديكم) والتقدير ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم. والجر بالعطف على (رءوسكم) وقدر ما يوجب الغسل كأنه قال : وأرجلكم غسلا.

وقيل : هو مجرور على الجوار / كقولهم : جحر ضبّ خرب. وهو قليل فى كلامهم.

وقيل : هو معطوف على الرءوس إلا أن التحديد دل على الغسل فإنه لما حد الغسل إلى الكعبين ، كما حد الغسل فى الأيدى إلى المرافق دل على أنه غسل كالأيدى وقيل المسح فى اللغة يقع على الغسل ومنه يقال : تمسحت للصلاة أى توضأت. وقال أبو زيد الأنصارى (*) ـ وكان من هذا الشأن بمكان ـ : المسح خفيف الغسل فبينت السنة أن المراد بالمسح فى الرجل هو الغسل.

قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٨).

هو : كناية عن العدل وهو المصدر ، لدلالة (اعدلوا) عليه كقول الشاعر :

٦٤ ـ إذا نهى السّفيه جرى إليه (١)

أى : إلى السفيه. وقد قدمنا نظائره. والتقوى : مؤنثة وأصلها وقيا لأنها من وقيت إلا أنهم أبدلوا من الواو تاء كما قالوا تجاه وتراث وتهمة وتخمة. فأبدلوا من الياء واوا لأن كل ما كان اسما ولامه ياء وهو على فعلى فإنه تقلب ياؤه واوا كالبقوى من بقيت والشروى من شريت والرعوى من رعيت. كما يقلبون ما كان وصفا على فعلى ولامه واو ياء ، كالدّنيا من دنوت والعليا من علوت ، وإنما فعلوا ذلك لضرب من التقاصّ والتعويض ، وحملوا بنات الياء على الواو وبنات الواو على الياء لما يجمعهما من النسب فى الإعلال ، والغنّة ، والألف فى التقوى للتأنيث كالألف فى سكرى وعطشى.

قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) (٩).

__________________

(*) أبو زيد سعيد بن أوس الأنصارى. من رواة الحديث الثقات ، وكذلك حاله فى اللغة. كان من أهل العدل والتشيع ت ٢١٥ ه‍.

(١) البيت فى ب وهو :

إذا نهى السفيه جرى إليه

وخالف والسفيه إلى خلاف

وهو من شواهد الإنصاف ح ١ ص ٨٩ ، ومن شواهد الخصائص ح ٣ ص ٤٩ ، وفى معانى القرآن ح ١ ص ١٠٤ ولم ينسب لقائل. وقد تقدم فى الشاهد ٢٩.

وعد ، يتعدى إلى مفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما وههنا لم يذكر إلا مفعولا واحدا وهو (الذين) وحذف المفعول الآخر ثم فسّره بقوله :

(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) (١٣).

يحرفون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (أصحاب القلوب) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ، فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون خائنة صفة لموصوف محذوف وتقديره : على فرقة خائنة. فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

والثانى : أن تكون خائنة بمعنى خيانة لأن فاعلة تأتى مصدرا. كالخالصة بمعنى الإخلاص (١). قال الله تعالى :

(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ)(٢)

وقال الله تعالى :

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ)(٣)

والطاغية بمعنى الطغيان ، والكاذبة بمعنى الكذب ، قال الله تعالى :

(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)(٤)

__________________

(١) (كالصالحة بمعنى الإصلاح) هكذا فى ب.

(٢) ٤٦ سورة ص.

(٣) ٥ سورة الحاقة.

(٤) ٢ سورة الواقعة.

أى : كذب وكقولهم : العافية والعاقبة إلى غير ذلك. وإلا قليلا : استثناء من الهاء والميم فى (منهم).

قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) (١٤).

من ، تتعلق بأخذنا حملا على قوله :

(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١)

لأن معناه : أخذنا ميثاقا من بنى إسرائيل فحملوا :

(مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى)

عليه. ولا ينوى بالذين التأخير بعد (ميثاقهم) لأنه يؤدى إلى أن يتقدم المضمر على المظهر ، وإنما ينوى به أن يكون بعد (أخذنا).

وقيل (ميثاقهم) وتقديره ، أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم.

وذهب الكوفيون إلى أن التقدير ، ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم. فالهاء والميم فى ميثاقهم تعود على (من) المحذوفة وهى مقدرة قبل المضمر ، وهم يجوزون حذف الاسم الموصول وبقاء الصلة ، والبصريون يأبون جوازه.

قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) (١٥).

يبيّن : جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (رسولنا). وتقديره ، قد جاءكم رسولنا مبيّنا لكم.

قوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) (١٦).

يهدى ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة ل (كتاب) ويجوز أن تكون فى موضع نصب على الحال من (كتاب) لأنه قد وصف بمبين.

__________________

(١) ٧٠ سورة المائدة ـ (ولقد أخذنا ..) بالواو فى أ. ب.

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ) (١٩).

أن وصلتها ، فى تأويل المصدر وهو فى موضع نصب لأنه مفعول له.

قوله تعالى : (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١).

خاسرين ، منصوب على الحال من الواو فى (تنقلبوا) وهو العامل فى الحال.

قوله تعالى : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) (٢٣).

من الذين ، فى موضع رفع لأنه صفة (رجلان) وكذلك قوله تعالى : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة لقوله تعالى : (رجلان).

قوله تعالى : (أَبَداً ما دامُوا فِيها) (٢٤).

أبدا ، منصوب لأنه ظرف زمان. و (ما) فى (ماداموا) ظرفية زمانية مصدرية ، وتقديره ، لن ندخلها أبدا مدة دوامهم فيها. وما داموا ، فى موضع نصب على البدل من قوله تعالى : (أبدا) وهو بدل بعض من كل.

قوله تعالى : (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) (٢٥).

أخى : يجوز أن يكون فى موضع نصب ، ويجوز أن يكون فى موضع رفع ، فأمّا النصب فمن وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (نفسى).

والثانى : أن يكون معطوفا على اسم (إنّ) ويحذف خبره لدلالة الأول عليه. وتقديره ، وإن أخى لا يملك إلا نفسه.

وأما الرفع فمن وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء لأنه معطوف على موضع إن وما / عملت فيه ويضمر الخبر كالأول.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه معطوف على المضمر فى (أملك) وحسن العطف على الضمير المرفوع لوجود الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه.

قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) (٢٦).

أربعين سنة ، منصوب على الظرف ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا (بيتيهون) وتقديره ، إنها محرمة عليهم يتيهون فى الأرض أربعين سنة ، فيكون التحريم مؤبدا.

والثانى : أن يكون متعلقا بمحرمة فلا يكون التحريم مؤبدا. ويتيهون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (عليهم).

قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ) (٢٩).

أصله إنّنى بثلاث نونات فحذفت الثانية لأنه أقل تغييرا من حذف الأولى والثالثة ، لأنّك لو حذفت الأولى لأدّى ذلك إلى إدغام الثانية فى الثالثة لأنه كان يجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فيؤدى إلى إسكان الأولى وإدغامها فى الثانية بعد حذف حركتها فيؤدى إلى حذفين ، ولو حذفت الثالثة لأدى إلى كسر النون فى (إنى) فيؤدى إلى حذف وتغيير ، وليس فى حذف الثانية إلا مجرد الحذف فقط ، فكان حذفها أولى ولأنها الحرف الأخير فكانت أولى بالحذف والتغيير ولهذا تحذف فى حالة التخفيف ، ولأنه لو كان المحذوف الثالثة لكان ذلك يؤدى إلى حذف الضمير فى نحو : إنّا ، وعلامة المضمر لا تحذف.

قوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ) (٣٢).

فساد ، مجرور بالعطف ، وقرئ فسادا ، بالنصب على المصدر.

قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) (٣٣).

(ما) من (إنما) كافة. وجزاء الذين ، مرفوع لأنه مبتدأ وخبره (أن يقتلوا). وفسادا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال. و (أو) فى قوله : (أو يصلّبوا) وما بعده من (أو) للتخيير ؛ للإمام على اجتهاده ؛ وفيه اختلاف بين العلماء.

قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) (٣٤).

الذين ، فى موضع نصب لأنه استثناء من موجب وهو استثناء من (الذين يحاربون).

قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) (٣٨).

السارق ، مبتدأ وفى خبره وجهان :

أحدهما : أن يكون خبره مقدرا وتقديره : وفيما يتلى عليكم السّارق والسارقة. ثم عطف عليه كما تقول : فيما أمرتك به فعل الخير فبادر إليه. هذا مذهب سيبويه ، وذهب أبو الحسن الأخفش ، وأبو العباس المبرد ، والكوفيون إلى أن خبر المبتدأ (فاقطعوا أيديهما) / ودخلت الفاء فى الخبر لأنه لم يرد سارقا بعينه وإنما أراد : كل من سرق فاقطعوا. فينزل السارق منزلة الذى سرق وهو يتضمّن معنى الشرط والجزاء ، والمبتدأ إذا تضمّن معنى الشرط والجزاء دخلت فى خبره الفاء. وإنما قال : أيديهما بالجمع لأنّه يريد أيمانهما وهى قراءة شاذة ، فإنّ ما كان فى البدن منه عضو واحد فإن تثنيته بلفظ الجمع ، وما كان فى البدن منه عضوان فإن تثنيته على لفظ التثنية ، فلما كان معنى أيديهما أيمانهم والإنسان ليس له إلّا يمين واحدة فنزل منزلة ما ليس فى البدن منه إلّا عضو واحد ، فأتى فى تثنيته بلفظ الجمع كقوله تعالى :

(فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(١)

__________________

(١) ٤ سورة التحريم.

وكأنهم فعلوا ذلك لعدم الالتباس ، وأن أصل التثنية لا يعرى عن معنى الجمع إذ أصل التثنية ضم واحد إلى واحد.

وقد يجوز أن يؤتى فى تثنية ما فى البدن منه عضو واحد بلفظ التثنية كقولك : رأيت وجهيهما ، ويجوز أيضا أن يؤتى فى تثنيته بلفظ المفرد كقولك : رأيت وجههما ، كقول الشاعر :

٦٥ ـ كأنّه وجه تركيّين (١)

وكأنه إنما جاز ذلك لعدم الالتباس ، لأن الوهم لا يسبق إلى أنّ لهما وجها واحدا كما لا يسبق فى لفظ الجمع أن لهما وجوها. وجزاء ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا نصب المصادر والعامل فيه معنى الكلام المتقدم فكأنه قال : جازوهما جزاء.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له والتقدير : فاقطعوا أيديهما لأجل الجزاء. ونكالا ، منصوب لأنه بدل من قوله : جزاء.

قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ)(٢) (٤١).

سمّاعون للكذب ، مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبره (من الذين هادوا). أو يكون (سمّاعون) صفة لموصوف محذوف وتقديره ، فريق سماعون.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : هم سماعون الكذب. وقد تزاد اللام فى المفعول كقوله تعالى :

__________________

(١) صدر بيت للفرزدق من قصيدة يهجو فيها جريرا. والبيت :

كأنه وجه تركيين قد غضبا

مستهدف لطعان غير منحجر

هامش شرح المفصل ٤ ـ ١٥٧.

(٢) أ ، ب (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ). وهى الآية ١٣ من سورة المائدة.

(لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(١)

وكقوله تعالى :

(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٢).

لم يأتوك ، جملة فعلية فى موضع جر صفة لقوم. ويحرّفون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (سمّاعون) وتكون هى الحال المقدرة ، أى ، يسمعون / مقدّرين للتحريف.

ويجوز أن يكون فى موضع رفع لأنه صفة لموصوف محذوف فى موضع رفع بالابتداء وتقديره ، وفريق يحرفون ، وهو عطف على (سماعون) وخبره (من الذين هادوا) على ما قدمنا.

قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) (٤٤).

الذين ، صفة للنبيين على معنى المدح لا على معنى الصفة التى تدخل للفرق بين الموصوف ومن ليس له صفة ، كذلك لأنه لا يحتمل أن يكون (نبيون) غير مسلمين كما يحتمل أن يكون قولك : رأيت زيدا العاقل ، فرّقت بالعاقل بينه وبين زيد آخر ليس له هذه الصفة.

قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (٤٥).

يقرأ والعين بالعين وما بعده بالنصب والرفع.

فالنصب بالعطف على اسم (أنّ) وهو (النفس). والرفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره (بالعين).

__________________

(١) ١٥٤ سورة الأعراف.

(٢) ٤٣ سورة يوسف.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله : (بالنفس) أى ، النفس مقتولة بالنفس ولم يؤكد كقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(١)) فآباؤنا ، معطوف على الضمير المرفوع فى (أشركنا) من غير تأكيد لأن (لا) جاءت بعد واو العطف ، وإذا جاءت بعد واو العطف فلا يكون تأكيدا.

وقوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (٤٥).

قرئ أيضا بالنصب والرفع.

فالنصب بالعطف على المنصوب (بأن) كأنه قال : وأن الجروح قصاص.

والرفع على أنه مبتدأ وخبره قصاص.

قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٦).

مصدقا الأوّل ، منصوب على الحال من (عيسى). ومصدقا الثانى ، منصوب على الحال من (الإنجيل) وهو عطف على موضع (فيه هدى) لأنه فى موضع الحال من (الإنجيل). وهدى ونور ، رفع بالظرف لأنه وقع حالا فارتفع ما بعده به ارتفاع الفاعل بفعله.

وقيل : مصدقا الثانى عطف على مصدقا الأول فيكون منصوبا على الحال من (عيسى) أيضا للتأكيد. وهدى وموعظة ، يقرأ بالنصب والرفع. فالنصب بالعطف على (مصدقا) ، والرفع بالعطف على (فيه هدى ونور).

__________________

(١) ١٤٨ سورة الأنعام.

قوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) (٤٧).

قرئ بكسر اللام وسكونها ، وفتح الميم وسكونها ، فمن قرأ بكسر اللام وفتح الميم فاللام فيه لام كى والفعل بعدها منصوب بتقدير (أن) لأن لام كى هى اللام الجارة ، وحرف الجر لا يعمل فى الفعل وهى تتعلق بقفينا وتقديره ، وقفينا على آثارهم ليحكم أهل الإنجيل.

ومن كسر اللام وجزم ، جعلها لام الأمر ، ولام الأمر أصلها الكسر وجزم بها الفعل.

ومن قرأ بسكون اللام سكنها تشبيها بما ثانيه مكسور ، نحو : كتف وكبد. وجزم بها الفعل لأنها لام الأمر.

قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٤٨).

مصدقا ومهيمنا ، منصوبان على الحال من (الكتاب) وأصل (مهيمنا) مؤيمن تصغير مؤمن فأبدل من الهمزة هاء كقولهم : هنرت الثوب فى أنرت الثوب ، وهرحت الدابة فى أرحت وهيّاك فى إياك. قال الشاعر :

٦٦ ـ فهيّاك والأمر الّذى إن توسّعت

موارده ضاقت عليك المصادر (١)

ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ (٢) بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٤٩).

__________________

(١) من شواهد الإنصاف ح ١ ص ١٣١ ، وأورده أبو تمام فى ديوان الحماسة ، ولم ينسبه لقائل. ح ٢ ص ٣٠ وقد مضى فى الشاهد رقم ٢.

(٢) (وانحكم) فى أ.

معطوف على قوله تعالى :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ).

وتقديره ، أنزلنا إليك بالحق وبأن احكم بينهم.

قوله تعالى : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) (٤٩).

أن يفتنوك ، فى موضع نصب على البدل من الهاء والميم فى (واحذرهم) وتقديره ، واحذر أن يفتنوك ، وهذا بدل الاشتمال. ويجوز أن يكون مفعولا له.

قوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (٤٩).

عطف على قوله : (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) وإنما كسر إن (١) فى (وإن كثيرا) لدخول اللام فى الخبر

كقوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٢).

فكسر (إن) فى هذه المواضع كلها لدخول اللام فى الخبر لأنها فى تقدير التقديم فعلّقت الفعل عن العمل.

قوله تعالى : (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) (٥٢).

أى ، فى إغوائهم وإفسادهم فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ونظائره كثيرة.

__________________

(١) (الألف) فى ب.

(٢) ١ سورة المنافقون.

قوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا)(١) (فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) (٥٢).

أن يأتى ، فى موضع نصب لأنه خبر عسى. و (فيصبحوا) عطف عليه فى الوجه الأول ، ولا يكون نصبه بتقدير أن بعد فاء الجواب فى نحو قوله تعالى :

(لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ)(٢).

فيمن نصب. لأن عسى من الله واجب وجواب الواجب لا يكون منصوبا وإنما يكون النصب فى جواب ما ليس بواجب كالأمر والنهى والاستفهام والدعاء والتمنى والعرض.

قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) (٥٣).

قرئ يقول بالرفع والنصب. فالرفع على الاستئناف. والنصب من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه عطف على المعنى كأنه قدّر تقديم (أن) بعد (عسى) وعطف عليه لأن المعنى فى (عسى الله أن يأتى بالفتح) وفى (عسى أن يأتى الله بالفتح) واحد ، ولو قال : فعسى أن يأتى الله بالفتح ، جار عطف (ويقول الذين آمنوا) عليه ، فكذلك إذا قال : فعسى الله أن يأتى بالفتح.

الثانى : أن يكون معطوفا على (الفتح) وهو مصدر فى تقدير : أن يفتح ، فلما عطف على اسم ، افتقر إلى تقدير (أن) ليكون مع يقول مصدرا فيكون قد عطف اسما على اسم. كقولها :

__________________

(١) (أسرفوا) فى ب.

(٢) ٣٦ ، ٣٧ سورة غافر.

٦٧ ـ للبس عباءة وتقرّ عينى

أحبّ إلىّ من لبس الشّفوف (١)

والثالث : أن يكون معطوفا على (يصبحوا) (٢) وفى هذا الوجه بعد وهو مع بعده جائز.

قوله تعالى : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٥٤).

من ، شرطية. ويرتد ، مجزوم بها ، ويجوز فى هذا النحو وجهان :

أحدهما : الإدغام لتحريك المجزوم لالتقاء الساكنين ، فأشبه المتحركين.

والثانى : ترك الإدغام لأن الأول متحرك والثانى ساكن ، ومن شرط الإدغام أن يكون الأول ساكنا والثانى متحركا وههنا بعكسه وهما لغتان معروفتان ، وقد جاء بهما القرآن.

ويحبهم ويحبونه ، فى موضع جر صفة لقوم وكذلك قوله تعالى :

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)

وأعزّة وكذلك : يجاهدون وصف لهم أيضا.

ويجوز أن يكون فى موضع نصب على الحال منهم.

وقوله تعالى : (وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥).

جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (يؤتون).

ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على (الصلاة) والواو ليست للحال ، فلا يكون لها موضع من الإعراب.

__________________

(١) من شواهد سيبويه ح ١ ص ٤٢٦ ، ولم ينسبه ولا نسبه الشنتمرى. وقد نسبه قوم إلى امرأة اسمها ميسون بنت بحدل ـ أوضح المسالك.

(٢) (فجعل جواب عسى) جملة فى (ب) ومضروب عليها فى (أ) وهو الصحيح.

قوله تعالى : (وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) (٥٧).

قرئ الكفار بالجر والنصب. فالجر بالعطف على (الذين) فى قوله : (من الذين أوتوا الكتاب) والنصب بالعطف على (الذين) فى قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً).

قوله تعالى : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) (٥٩).

أن آمنا بالله ، فى موضع نصب بتنقمون. وما ، فى الموضعين بمعنى الذى فى موضع جر بالعطف على اسم الله تعالى. (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) عطف على (بالله) وتقديره :

آمنا بالله وبأن أكثركم فاسقون ؛ ولا يجوز أن يكون عطفا على (أن آمنا) إلا بتقدير اللام التى هى لام العلة.

قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) (٦٠).

مثوبة ، منصوب على التمييز والعامل فيه (شرّ) وأصله (أشرر) على وزن أفعل إلا أنه حذفت الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال وأدغمت إحدى الراءين فى الأخرى لاجتماع حرفين متحركين من جنس واحد. ومن لعنه الله ، فى موضعه ثلاثة أوجه : الجر والرفع والنصب.

فالجر على البدل من (بشرّ) وهو بدل الشىء من الشىء وهو هو.

والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف مع حذف مضاف وتقديره : هو لعن من لعنه الله ، فحذف المبتدأ والمضاف. وقيل : على تقدير مبتدأ محذوف على تقدير : من هم؟ فقال : من لعنه الله. وقيل : هو مرفوع على الابتداء وخبره (أولئك).

والنصب على الذم بتقدير فعل وتقديره : أذكر أو أذمّ من لعنه الله. وجعل منهم القردة والخنازير ، معطوف على (لعنه) فى صلة (من) وكذلك (وعبد الطاغوت) فى صلته ، وفى عبد ضمير (من) فى قوله : (من لعنه الله) ولم يأت بضمير جمع فى (عبد) حملا على لفظ (من) وإن كان معناها الجمع كقوله : وجعل منهم. ومن قرأ : وعبد الطاغوت بضم الباء جعله اسما للجمع على فعل مبنيا على المبالغة فى عبادة الطاغوت كقولهم : رجل يقظ وفطن للذى تكثر منه اليقظة والفطنة. ولا يجوز أن يكون جمعا لأنه ليس من أوزان الجمع ، وهو ههنا منصوب لأنه معطوف على الخنازير ، أى ، وجعلهم عبد الطاغوت. أى عبدا لهم. ومكانا ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) (٦١).

فى موضع نصب على الحال. وكذلك ، (خرجوا به) أى ، دخلوا كافرين وخرجوا كافرين. والباء باء الحال كقولهم خرج زيد بسلاحه أى متسلحا.

قوله تعالى : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٦٤).

ما أنزل ، فى موضع رفع لأنه فاعل (وليزيدن) وتقديره ، وليزيدن ما أنزل إليك كثيرا منهم. أى الذى / أنزل إليك.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) (٦٩).

إنما رفع (الصابئون) لوجهين :

أحدهما : أن يكون فى الآية تقديم وتأخير والتقدير ، إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك.

كقول الشاعر :

٦٨ ـ غداة أحلّت لابن أصرم طعنة

حصين عبيطات السّدائف والخمر (١)

فرفع الخمر على الاستئناف ، فكأنه قال : والخمر كذلك.

والثانى : أن تجعل قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خبرا للصابئين والنصارى وتقدّر (للذين آمنوا والذين هادوا) خبرا مثل الذى أظهرت للصابئين والنصارى ، كقولك : زيد وعمرو قائم. فيجوز أن تجعل قائما خبرا لعمرو وتقدّر لزيد خبرا آخر مثل الذى أظهرته لعمرو ، ويجوز أن تجعله خبرا لزيد وتقدر لعمرو خبرا آخر. كقول الشاعر :

٦٩ ـ وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا فى شقاق (٢)

فقوله : بغاة يجوز أن يكون خبرا للثانى ويقدر للأول خبرا ويكون التقدير : وإلا فاعلموا أنّا بغاة ، وأنتم بغاة ، ويجوز أن يكون خبرا للأول ويقدّر للثانى خبرا على ما قدمنا.

وقيل : إن (إنّ) بمعنى نعم فلا تكون عاملة. فيكون (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) فى موضع رفع و (الصابئون) عطف عليه.

وقيل : إنه معطوف على المضمر المرفوع فى (هادوا) وهو ضعيف لأن العطف على المضمر المرفوع المتصل لا يجوز من غير فصل ولا تأكيد.

وكذلك قول من قال : إنما رفع (الصابئون) لأنه جاء على لغة بنى الحارث بن كعب. لأنهم يقولون : مررت برجلان وقبضت منه درهمان. فيقلبون الياء ألفا لانفتاح ما قبلها

__________________

(١) البيت للفرزدق. الإنصاف ح ١ ص ١٢١ ، وأوضح المسالك ح ١ ص ٣٤٤.

(٢) البيت من شواهد سيبويه ، وقد نسبه إلى بشر بن أبى حازم. الكتاب ح ١ ص ٢٩٠.

فقط ، ولا يعتبرون (١) حركتها فى نفسها فيكتفون فى القلب بأحد الشرطين لأنهم لا يعملون (إن) ، وهذا إنما حكى عنهم فى التثنية ، فأما الجمع الصحيح فلم يحك عنهم ولا يعتبرون لفظه.

وكذلك قول من قال : إنما رفع لأن (إنّ) لم يظهر عملها فى (الذين) لأنه مبنى لأن العطف على المبنى إنما يكون على الموضع لا على اللفظ.

وكذلك قول من قال : إنه معطوف على موضع (إنّ) قبل تمام الخبر لأن العطف على موضعها لا يجوز إلا بعد تمام الخبر وقد بينا ذلك / مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).

والذى أختاره من الأوجه الوجهان الأولان.

قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (٧١).

يجوز فى (تكون) الرفع والنصب. فالرفع على أن تجعل (أن) مخففة من الثقيلة ، وتقديره ، وحسبوا أنه لا تكون فتنة. فخففت أن وجعلت (لا) عوضا عن تشديدها وقد يعوّض أيضا بالسين وسوف وقد ، ولها مواضع تذكر فيها. والنصب على أن تجعل (أن) الخفيفة الناصبة للفعل المستقبل ، وإنما حسن ههنا أن تقع أن المخففة من الثقيلة ، والخفيفة لأن (حسب) فيه طرف من اليقين وطرف من الشك ، والمخففة من الثقيلة إنما تقع بعد فعل اليقين كعلمت وعرفت ، و (أن) الخفيفة إنما تقع بعد فعل الشك كرجوت وطمعت ، فلما كان فى (حسب) طرف من اليقين والشك جاز أن يقع كل واحد منهما بعدها. (وتكون) ههنا تامة بمعنى تقع ، فلا تفتقر إلى خبر.

قوله تعالى : (عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) (٧١).

كثير ، مرفوع لثلاثة أوجه :

الأول : لأنه مرفوع على البدل من الواو فى (عموا وصموا).

__________________

(١) (يغيرون) هكذا فى ب.

(٢) الإنصاف ح ١ ص ١١٩ المسألة ٢٣.

والثانى : أنه مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : العمى والصّم كثير منهم.

والثالث : أنه مرفوع لأنه فاعل (عموا وصمّوا) وتجعل الواو للجمعية لا للفاعل على لغة من قال : أكلونى البراغيث. وهذا ضعيف لأنها لغة غير فصيحة.

قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) (٧٢).

من : شرطية وجوابها (فقد حرّم الله) وهى وجوابها فى موضع رفع لأنه خبر (إن).

قوله تعالى : (ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (٧٣).

لا يجوز فيه ههنا إلا الإضافة لأنه بمعنى ، أحد ثلاثة. ولا معنى للفعل فيه ، بخلاف ، ثالث اثنين. لأن فيه معنى الفعل لأن معناه يصيّر (١) اثنين ثلاثة بنفسه. ولذلك جاز فيه التنوين كما يجوز فيه الإضافة. وما من إله إلا إله واحد ، إله مرفوع على البدل من موضع (من إله) وموضعه الرفع لأن من زائدة للتأكيد.

قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٧٩).

ما ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون نكرة موصوفة فى موضع نصب على التمييز وتقديره ، لبئس الشىء شيئا كانوا يفعلون. وكانوا يفعلون ، هو الصفة.

والثانى : أن يكون اسما موصولا بمعنى الذى فى موضع رفع وتقديره ، لبئس الشىء الذى كانوا يفعلون. وكانوا / يفعلون ، هو الصلة والعائد من الصفة إلى الموصوف ومن الصلة إلى الموصول محذوف وتقديره : كانوا يفعلونه ، فحذف الهاء التى هى العائد للتخفيف.

قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) (٨٠).

__________________

(١) (صيّر) هكذا فى ب.

أن وصلتها : فى موضعها وجهان : النصب والرفع.

فالنصب من وجهين :

أحدهما : على البدل من (ما) على أن (ما) نكرة.

والثانى على حذف اللام أى لأن سخط.

والرفع على البدل من (ما) فى (لبئس ما) على أنّ (ما) معرفة.

قوله تعالى : (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ) (٨٣).

تفيض ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (أعينهم) لأن ترى ههنا من رؤية العين.

قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) (٨٤).

لا نؤمن ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (لنا) كقولهم : مالك قائما.

قوله تعالى : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) (٨٥).

فأثابهم ، أصله (أثوبهم) على وزن أفعلهم من الثواب فنقلت حركة الواو إلى الثاء فتحركت الواو فى الأصل وانفتح ما قبلها الآن فانقلبت ألفا. و (بما قالوا) ما مصدرية وهى مع الفعل بعدها فى تقدير المصدر ، وتقديره ، بقولهم. وجنات ، مفعول ثان لأنابهم. وتجرى ، جملة فعلية فى موضع نصب على الوصف بجنات. وخالدين فيها ، حال من الهاء والميم فى (فأثابهم).

قوله تعالى : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) (٩٤).

ليبلونكم ، يبلونّ فعل مضارع مبنى وإنما بنى لاتصاله بنون التأكيد لأنها أكّدت فيه الفعلية فردّته إلى أصله والأصل فى الفعل البناء والواو ساكنة والنون الأولى من نونى التأكيد ساكنة فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان فوجب تحريك الواو لالتقاء

الساكنين ، وكان الفتح أولى لأنه أخف الحركات. وبشىء من الصيد ، (من) فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون للتبغيض لأن المحرّم صيد البر خاصة.

والثانى : أن يكون لبيان الجنس لأنه لما قال : ليبلونكم الله بشىء. لم يعلم من أىّ جنس هو ، فبيّن فقال : من الصيد. كقولهم : لأعطينّك شيئا من الذهب.

قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٩٥).

متعمدا ، منصوب على الحال من المضمر المرفوع فى (قتله). وجزاء ، مرفوع لأنّه مبتدأ وخبره محذوف وتقديره : فعليه جزاء.

وقرئ منوّنا / وغير منوّن ، فمن قرأ : (جزاء مثل) بالتنوين ، كان مثل صفة له. ومن قرأ : جزاء مثل بغير تنوين جعل الجزاء مضافا إلى مثل ، وأراد بمثل ما قتل ، ذات المقتول ، فإنه لا فرق بين أن يقول : جزاء مثل المقتول (١) وبين أن يقول : جزاء المقتول. لأن المثل يطلق ويراد ذات الشىء كقولهم : مثلى لا يفعل هذا ، أى ، أنا لا أفعل هذا. قال الشاعر :

٧٠ ـ يا عاذلى دعنى من عذلكا

مثلى لا يقبل من مثلكا (٢)

أى ، أنا لا أقبل منك.

ومن النعم ، صفة جزاء وتتعلق بالخبر المحذوف وهو (فعليه) ويجوز أن تتعلق (بيحكم).

__________________

(١) (مثل جزاء المقتول) هكذا فى ب.

(٢) لم أقف على صاحب هذا الشاهد.

ويجوز أن تتعلق بالمصدر وهو (جزاء) وتعدّى بمن إلى النّعم. ولا يجوز أن تتعلق بالمصدر على قراءة من قرأ : جزاء مثل بالتنوين ، لأن الصفة لا تكون إلا بعد تمام الموصوف بصلته ، فلو جعلت (من) متعلقة بجزاء لدخلت فى صلته وقد قدّمت (مثل) وهو صفة والصفة لا تجىء إلا بعد تمام الموصول بصلته لئلا يؤدى إلى الفصل بين الموصول والصلة بالصفة ، وليس هذا بمنزلة قوله تعالى :

(جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(١)

فى تعلق الباء بجزاء لأنه لم يوصف ، وإنما أضيف ، والمضاف إليه من تمام المضاف داخل فى الصلة فبان الفرق. وهديا ، منصوب على الحال من الهاء فى (به). وبالغ الكعبة ، صفة لهدى وهو نكرة لأن الإضافة فيه فى نية الانفصال لأن التنوين فيه مقدر وتقديره ، بالغا الكعبة. أو كفارة ، عطف على جزاء.

ويقرأ : كفارة بالتنوين وغير التنوين. فمن قرأ بالتنوين كان رفع (طعام مساكين) من وجهين :

أحدهما : على البدل من كفارة.

والثانى : على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : أو كفارة هى طعام.

ومن لم ينوّن كان (طعام مساكين) مجرورا بالإضافة. وصياما ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ) (٩٦).

منصوب على المصدر لآن :

قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ)

بمعنى ، أمتعتكم (٢) به إمتاعا. فأقيم متاعا مقامه لأنه فى معناه.

__________________

(١) ٢٧ سورة يونس.

(٢) (أمتعتم) فى ب

قوله تعالى : (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا) (٩٧).

ذلك ، يجوز فى موضعه النصب والرفع. فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، الأمر كذلك. والنصب على تقدير ، فعل ذلك لتعلموا.

قوله تعالى : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (١٠١).

أشياء ، أصلها عند الخليل وسيبويه (شيئاء) على وزن فعلاء ، فاستثقلوا اجتماع همزتين بينهما ألف ، فقدموا الهمزة التى هى اللام على الفاء التى هى الشين فقالوا : أشياء ووزنها بعد التقديم / (لفعاء) ولا ينصرف لأن الألف فى آخرها للتأنيث وهى اسم للجمع وليست بجمع شىء. وذهب الكسائى إلى أنها جمع شىء كبيت وأبيات وإنما ترك إجراءه تشبيها له بما فى آخره ألف التأنيث. وذهب الفراء (١) إلى أن أصلها أشيئاء على أفعلاء وهو جمع شىء على الأصل ، وأصل شىء شيّىء كهيّن وليّن فجمعوه على أفعلاء ، كهيّن وأهوناء ولين وأليناء ، فصار أشيئاء ، ثم إنهم استثقلوا اجتماع همزتين فحذفوا الهمزة التى هى اللام طلبا للتخفيف وذلك لأمرين :

أحدهما. لاجتماع همزتين بينهما ألف والألف حرف خفىّ زائد ساكن والحرف الساكن حاجز غير حصين فكأنه قد اجتمع فيه همزتان وذلك مستثقل.

والآخر لأن الكلمة جمع والجمع يستثقل فيه ما لا يستثقل فى الواحد ولهذا ألزموا (خطايا) القلب ، وأبدلوا فى (ذوائب) من الهمزة الأولى واوا ، كل ذلك لأنهم يستثقلون فى الجمع ما لا يستثقل فى الواحد فلما حذفت الهمزة التى هى اللام صار أشياء ووزنه بعد الحذف أفعاء.

وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه جمع شىء بالتخفيف وجمعوا فعلا على أفعلاء كما يجمعونه على فعلاء ، فيقولون : سمح وسمحاء ، وفعلاء نظير أفعلاء ، فكما جاز أن يجىء جمع فعل على فعلاء جاز أن يجىء على أفعلاء لأنه نظيره. ويدل على ذلك أنهم

__________________

(١) (القراء) فى ب.

قالوا : طبيب وأطباء ، والأصل فيه طبباء ، كشريف وشرفاء ، إلا أنهم لما كرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد نقلوه عن فعلاء إلى أفعلاء ، فكرهوا اجتماع الحرفين المتماثلين المتحركين ، فنقلوا حركة الحرف الأول إلى الساكن قبله فسكن وأدغموه فى الحرف الثانى ، وإذا كان نظيره جاز أن يجمع على أفعلاء فقالوا أشيئاء ، ثم فعل به من التخفيف ما فعل به فى قول الفراء فبقى وزنه بعد الحذف أفعاء ، ولكل مذهب من هذه المذاهب دليل ، وعليه كلام (١) طويل والمختار هو الأول. وبيّنا ذلك فى كتابنا الموسوم بالإنصاف فى مسائل الخلاف (٢). وإن تبد لكم تسؤكم ، جملة مركبة من شرط وجزاء فى موضع جر لأنها صفة لأشياء.

قوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ) (١٠٥).

أنفسكم ، منصوب على الإغراء ، أى ، احفظوا أنفسكم ، كما تقول : عليك زيدا. ولا يضركم ، فى موضع الجزم لأنه جواب عليكم : وكان ينبغى أن يفتح آخره إلا أنه أتى به / مضموما تبعا لضم ما قبله.

قوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ (٣) إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) (١٠٦).

شهادة بينكم ، مبتدأ. وإذا حضر ، ظرف له ومعمول له ، ولا يجوز أن يكون العامل فيه الوصية لوجهين :

__________________

(١) (إلزام) فى ب.

(٢) الإنصاف ح ٢ ص ٤٨١ المسألة ١١٨.

(٣) ساقطة من ب.

أحدهما : أنه مضاف إليه ، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف.

والثانى : أنه مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله. وحين الوصية ، بدل من (إذا) وقيل : العامل فيه (حضر). واثنان ، مرفوع لأنه خبر المبتدأ وتقديره ، شهادة بينكم شهادة اثنين ، ولا بد من هذا التقدير لأن شهادة لا تكون هى الاثنين. وقيل : اثنان ، ارتفعا لأنّهما فاعل شهادة ارتفاع الفاعل بفعله ، وتقديره ، أن يشهد بينكم اثنان ، ويكون خبر شهادة التى هى المبتدأ ، محذوفا ، وتقديره ، عليكم أن يشهد اثنان. وقيل : إذا حضر ، هو خبر شهادة. أو آخران من غيركم ، معطوف على قوله : (اثنان). تحبسونهما ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة (آخران).

وقوله : إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ، اعتراض بين الصفة والموصوف ، واستغنى عن جواب (إن) بما تقدم من الكلام لأن معنى (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) فى معنى الأمر بذلك ، وإن كان لفظه لفظ الخبر ، واستغنى عن جواب (إذا) أيضا بما تقدم من الكلام وهو قوله : شهادة بينكم. لأن معناه ، ينبغى أن يشهدوا إذا حضر أحدكم الموت. فيقسمان بالله ، الفاء فيه لعطف جملة على جملة ، ويجوز أن يكون جواب شرط ، لأن (تحبسونهما) فى معنى الأمر فهى جواب الأمر الذى دل عليه الكلام كأنه قال : إن حبستموهما أقسما. ومعنى إن (ارتبتم) أى ، شككتم فى قول الآخرين من غيركم. وقوله تعالى : (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) ، جواب لقوله : فيقسمان ، لأن أقسم يجاب بما يجاب به القسم. والهاء فى به : تعود على الشهادة ، إلّا أنه عاد الضمير بالتذكير لأنها فى المعنى قول ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

وقيل : يعود على محذوف مقدر لأن التقدير ، لا نشترى بتحريف شهادتنا ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وثمنا ، أى ذا ثمن لأن الثمن / لا يشترى وإنما يشترى ذو الثمن وهو المثمّن ، ولو كان ذا قربى ، اسم كان مضمر فيها وتقديره ، ولو كان المشهود له ذا قربى.

قوله تعالى : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) (١٠٧).

فآخران ، مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون خبر مبتدأ مقدر وهو الأوليان ، وتقديره ، فالأوليان آخران يقومان مقامهما ، فآخران ، خبر مقدم. ويقومان ، صفة (آخران).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فالشاهدان آخران. والأوليان ، بدل من الضمير فى (يقومان) ومعنى الأوليان ، الأقربان إلى الميت.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ ، ويقومان ، صفة له. والأوليان ، خبره. وقيل هو مفعول ما لم يسم فاعله لاستحقّ ، على قراءة من قرأ ، بضم التاء على تقدير مضاف. وتقديره ، من الذين استحق عليهم إثم الأوليين ، ويكون (عليهم) بمعنى فيهم ، وقام (على) مقام (فى) كما قامت (فى) مقام (على) فى قوله تعالى :

(وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(١)

أى ، على جذوع النخل ، ويجوز أن تكون (عليهم) بمعنى منهم كقوله تعالى :

(إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)(٢)

أى ، من الناس.

ومن قرأ : الأوّلين ، على جمع الأوّل فهو فى موضع جر على البدل من (الذين) أو من الضمير المجرور فى (عليهم).

قوله تعالى : (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) (١٠٧).

__________________

(١) ٧١ سورة طه.

(٢) ٢ سورة المطففين.

اللام ، جواب لقوله : (فيقسمان بالله) ، لأن أقسم يجاب بما يجاب به القسم.

قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ) (١٠٨).

أن يأتوا ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر وتقديره ، أدنى بأن يأتوا.

قوله تعالى : (فَتَنْفُخُ فِيها) (١١٠).

الضمير فى (فيها) فيه وجهان :

أحدهما : أن يعود على الهيئة وهى مصدر فى معنى (المهيّأ) لأن النفخ إنما يكون فى المهيّأ لا فى الهيئة.

والثانى : أن يعود على الطير لأنها تؤنث (١) ، ومن قرأ : طائرا ، جاز أن يكون جمعا كالباقر والحامل فيؤنث الضمير فى (فيها) لأنه يرجع إلى معنى الجماعة.

قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) (١١٢).

قرئ بالتاء والنصب ، والتقدير فيه ، هل تستطيع سؤال ربك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله تعالى :

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(٢) أى ، أهل القرية وأهل العير.

قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (١١٧).

أن ، فيها وجهان :

أحدهما أن تكون مفسرة بمعنى (أى) فلا يكون لها موضع من الإعراب.

__________________

(١) (لأنه يؤنث) فى ب.

(٢) ٨٢ سورة يوسف.

والثانى : أن تكون مصدرية فى موضع جر على البدل من (ما) فى قوله تعالى : (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ).

قوله تعالى : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) (١١٧).

ما دمت ، فى موضع نصب على الظرف ، والعامل فيه (شهيدا). و (ما) فى مادام ، مصدرية ظرفية زمانية وتقدير الآية ، وكنت عليهم شهيدا مدة دوامى فيهم.

قوله تعالى : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) (١١٩).

قرئ (يوم) بالرفع والنصب ، فالرفع على أنه خبر المبتدأ الذى هو (هذا) وهذا ، إشارة إلى يوم القيامة. والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع نصب بقال ، وتحكى بعده الجملة. وقد قال سيبويه : إنه يحكى به ما كان كلاما لا قولا. والنصب على الظرف وتقديره ، قال الله هذا القول فى يوم ينفع ، والعامل فيه (قال) ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف مقدر وتقديره ، هذا واقع يوم ينفع ، فحذف واقع ، ويجوز على قول الفراء : أن يكون مبنيا على الفتح لإضافته إلى (الفعل) (١) ، فعلى هذا يجوز أن يكون فى موضع رفع وأن يكون فى موضع نصب ، وهذا ضعيف لأن الظرف إنما يبنى إذا أضيف إلى مبنى كالفعل الماضى أو (إذ) كقوله تعالى :

(وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ)(٢)

وينفع ، فعل مضارع معرب فلا يبنى الظرف لإضافته إليه ، فلهذا كان هذا القول ضعيفا.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١١٩).

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ٦٦ سورة هود.

خالدين ، منصوب على الحال من الضمير المجرور فى (لهم). وأبدا ، منصوب لأنه ظرف زمان. ورضى ، أصله ، رضو ، لأنه من الرضوان ، إلّا أنه قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، ورضوا عنه ، أصله رضووا ثم قلبت الواو ياء للكسرة قبلها فصار رضيوا ، ثم إنهم استثقلوا الضمة على الياء فنقلوها إلى الضاد ، فبقيت الياء ساكنة وواو الجمع بعدها ساكنة ، فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين ، وكان حذف الياء أولى من الواو لما قدمنا ، فبقى رضوا ووزنه فعوا لذهاب اللام منه. والله أعلم.

غريب إعراب سورة الأنعام

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (١).

الظلمات ، مفعول (جعل) وهو يتعدى إلى مفعول واحد بمعنى خلق ، وله وجوه تذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (٢)

أجل ، مرفوع لأنه مبتدأ. ومسمّى ، صفته ، وخبره / عنده ، وجاز أن يكون مبتدأ وإن كان نكرة لأنه وصفه بمسمى ، والنكرة إذا وصفت (١) قربت من المعرفة فجاز أن يكون مبتدأ كالمعرفة.

قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (٣).

هو ، كناية عن الأمر والشأن. والله ، مبتدأ ، وخبره فيه وجهان :

أحدهما : يعلم ، وتقديره ، الله يعلم سركم وجهركم فى السموات وفى الأرض

الثانى : أن يكون خبره (فى السموات) ويكون المعنى ، هو المعبود فى السموات.

ويروى عن الكسائى أنه كان يقف على قوله : فى السموات ، ويبتدئ بقوله : وفى الأرض يعلم ، فكان يجعل (فى السموات) من صلة المعبود ، ويجعل قوله : (وَفِي الْأَرْضِ) من صلة يعلم.

__________________

(١) (أضيفت) فى أ.

قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ (١) مِنْ قَرْنٍ) (٦).

كم ، اسم للعدد فى موضع نصب بأهلكنا لا (بيروا) لأن الاستفهام وما يجرى مجراه له صدر الكلام فلا يعمل فيه ما قبله.

قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠)

ولقد استهزئ ، قرئ بكسر الدال وضمها ، فمن قرأ بالكسرة فعلى أصل التحريك لالتقاء الساكنين ، ومن قرأ بالضم فعلى اتباع ضمة التاء فى (استهزئ). وما كانوا ، فى موضع رفع لأنه فاعل (حاق) ، والتقدير فيه ، حاق بهم (٢) عقاب ما كانوا به يستهزئون. وما ، مصدرية أى ، عقاب استهزائهم.

قوله تعالى : (ثُمَّ انْظُرُوا (٣) كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١١).

عاقبة ، مرفوع لأنه اسم كان. وكيف ، فى موضع نصب لأنه خبر كان ، وقال : كان ، ولم يقل : كانت لوجهين :

أحدهما : لأن (عاقبة المكذبين) فى معنى ، مصيرهم ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والثانى : لأن تأنيث العاقبة غير حقيقى فجاز تذكير فعلها كقولهم : حسن دارك ، واضطرم نارك.

قوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) (١٢)

__________________

(١) (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم) هكذا فى ب.

(٢) (فحاق بالذين سخروا منهم عقاب ...) هكذا فى ب.

(٣) (فانظروا) هكذا فى ب.

اللام فى (ليجمعنكم) لام جواب القسم ، وهى جواب (كتب) لأنه بمعنى ، أوجب. ففيه معنى القسم. والذين خسروا ، فى موضعه وجهان :

أحدهما : الرفع بالابتداء ، وخبره (فهم لا يؤمنون) ودخلت الفاء فى خبر (الذين) لأن كل اسم موصول بجملة فعلية إذا وقع مبتدأ ، فإنه يجوز دخول الفاء فى خبره. كقولك : الذى يأتينى فله درهم.

والثانى : النصب على البدل من الكاف والميم فى (ليجمعنكم) وهو بدل الاشتمال ، وإليه ذهب الأخفش.

والوجه الأول أوجه الوجهين /.

قوله تعالى : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) (١٦).

قرئ : يصرف بضم الياء وفتح الراء ، ويصرف بفتح الياء وكسر الراء ، فمن قرأ يصرف بضم الياء وفتح الراء ، بنى الفعل لما لم يسمّ فاعله وأضمره ، وتقديره ، من يصرف عنه العذاب يومئذ.

ومن فتح الياء وكسر الراء ، بنى الفعل لفاعله وهو الله تعالى وأضمره فيه وحذف المفعول ، وتقديره ، من يصرف الله عنه العذاب يومئذ فقد رحمه.

والوجه الأول أوجه الوجهين ، لأنه أقل إضمارا ، وكلما كان الإضمار أقل كان أولى.

قوله تعالى : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١٩).

من بلغ ، فى موضع نصب لأنه معطوف على الكاف والميم فى (أنذركم) أى ، ولأنذر من بلغه القرآن. فحذف العائد كقوله تعالى :

(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(١).

أى ، بعثه الله. وقيل : ومن بلغ ، أى : بلغ الحكم (٢).

__________________

(١) ٤١ سورة الفرقان.

(٢) (الحلم) هكذا فى ب.

قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (٢١).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ وهى بمعنى الاستفهام متضمنة للتوبيخ والنفى ، والمعنى : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا. وأظلم ، خبر المبتدأ ، إلا أنه يفتقر إلى تمام ، وتمامه (ممن افترى على الله كذبا) لأن (من) المصاحبة لأفعل بمعنى التفضيل من تمامه ، وهى بمعنى ابتداء الغاية.

قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣).

قرئ : تكن بالتاء والياء ، وقرئ : فتنتهم بالرفع والنصب.

فمن قرأ : تكن فتنتهم. بالتاء ورفع فتنتهم ، كانت (فتنتهم) مرفوعة لأنها اسم تكن.

وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ قالُوا).

فى موضع نصب لأنه خبر تكن ، كأنه قال : لم تكن فتنتهم إلا مقالتهم.

ومن قرأ بالياء ونصب (فتنتهم) جعل اسم يكن (أن قالوا) كأنه قال : لم يكن فتنتهم إلا مقالتهم.

وأنّث يكن على المعنى لأن أن وما بعدها هو الفتنة فى المعنى لأن اسمها كان هو خبرها فى المعنى ، وجعل أن وصلتها اسم كان ، أجود لأنها لا تكون إلا معرفة ولا توصف فأشبهت المضمر ، والمضمر أعرف المعارف ، وكون الأعرف اسم كان أولى مما هو دونه فى التعريف.

ومن قرأ : يكن بالياء ورفع (فتنتهم) ذكّر لوجهين :

أحدهما : لأن تأنيث الفتنة غير حقيقى.

والثانى : لأن القول هو الفتنة فى المعنى والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والله ربّنا ، قرئ بكسر الباء وفتحها. فمن قرأ بالكسر فعلى / أن يكون (ربّنا)

وصفا لقوله تعالى : (والله) ومن قرأ بالنصب فعلى النداء المضاف ، وتقديره ، يا ربّنا. وما كنا مشركين ، جواب القسم ، وربنا اعتراض وقع بين القسم وجوابه.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) (٢٥).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. ومنهم ، خبره ، وقد تقدم على المبتدأ ، ووحد يستمع لأنه حمله على لفظ (من). ولو حمل على المعنى فجمع لكان جائزا (حسنا (١)) كقوله تعالى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٢).

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) (٢٥).

أكنة ، جمع كنان ، كعنان وأعنّة ، والأصل فيه أكننة إلا أنه اجتمع فيه حرفان متحركان من جنس واحد ، فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى ، ونظائره كثيرة. وأن يفقهوه ، تقديره ، كراهية أن يفقهوه ، فحذف المضاف ، وقيل تقديره ، لئلا تفقهوه.

قوله تعالى : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥).

قيل : واحدها أسطورة ، وقيل : إسطارة ، وقيل : هو جمع الجمع واحده أسطار ، وأسطار جمع سطر بفتح الطاء ، كجمل وأجمال ، وجيل وأجيال. ومن قال : سطر بسكون الطاء ، كان جمعه فى القلة على أسطر ، نحو فلس وأفلس ، وكعب وأكعب ، لأن ما كان على فعل بسكون العين من الصحيح فإنه يجمع فى القلة على أفعل ، كما يجمع ما كان على فعل بفتح العين فى القلة على أفعال.

قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧).

__________________

(١) زيادة فى أ.

(٢) ٤٢ سورة يونس.

يقرأ : نكذب ونكون ، بالنصب فيهما والرفع ، ويقرأ برفع نكذب ونصب نكون. فالنصب فيهما على أنه جواب التمنى بالواو ، لأن التمنى يتنزل منزلة الأمر والنهى والاستفهام فى أن الجواب منصوب بتقدير (أن) وقدرت (أن) لتكون مع الفعل مصدرا ، فتعطف بالواو مصدرا على مصدر ، وتقديره ، يا ليت لنا ردّا وانتفاء من التكذيب وكونا من المؤمنين. والرفع فيهما من وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (نرد) جعل كله مما يتمناه الكفار يوم القيامة ، فيكونون قد تمنوا ثلاثة أشياء وهى : أن يردّوا ، وأن / لا يكونوا قد كذبوا ، وأن يكونوا من المؤمنين.

ويجوز أن يكون الرفع فيهما على القطع والاستئناف ، فإنه يجوز فى جواب التمنى الرفع على العطف والاستئناف ، فلا يدخلان فى التمنى وتقديره ، يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب ونحن نكون من المؤمنين. كما حكى سيبويه : دعنى ولا أعود ، أى ، وأنا لا أعود.

ومن قرأ برفع نكذب ، ونصب نكون ، فإنه رفع نكذب على ما قدمنا من العطف على نرد ، فيكون داخلا فى التمنى بمعنى النصب ، أو على الاستئناف فلا يدخل فى التمنى ، وبنصب يكون على جواب التمنى على ما قدمنا فيكون داخلا فى التمنى.

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٣٠).

جواب (لو) محذوف وتقديره ، لعلمت حقيقة ما يصيرون إليه. وعلى ربهم ، أى ، على سؤال (١) ربّهم فحذف المضاف.

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) (٣١).

بغتة ، منصوب على المصدر فى موضع الحال ، ولا يقاس عليه عند سيبويه ،

__________________

(١) (سؤالهم) فى أ.

فلا يقال : جاء زيد سرعة. أى مسرعا. والهاء فى (فيها) تعود على (ما) لأنه يريد ب (ما) الأعمال ، كأنه قال : على الأعمال التى فرطنا فيها.

قوله تعالى : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١).

ما ، نكرة فى موضع نصب على التمييز بساء ، وفى ساء ، ضمير مرفوع يفسره ما بعده كنعم وبئس. وقيل : (ما) فى موضع رفع بساء.

قوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (٣٢).

ويقرأ :

(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) (٣٢).

فمن قرأ : ولدار الآخرة خير ، كان تقديره ، ولدار الساعة الآخرة خير ، ولا بد من هذا التقدير لأن الشىء لا يضاف إلى صفته ، فوجب تقدير موصوف محذوف ، وهذه الإضافة فى نية الانفصال ، ولا يكتسى المضاف من المضاف إليه التعريف.

ومن قرأ : وللدّار الآخرة. كانت الدار مبتدأ. والآخرة ، صفة له. وخير ، خبر المبتدأ.

قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (٣٣).

قرئ بالتشديد والتخفيف.

فمن قرأ بالتشديد فإنه أراد به ، لا ينسبونك إلى الكذب. يقال : كذّبت الرجل وفسقّته وجبّنته. إذا نسبته إلى الكذب والفسق والجبن ، فهم لا ينسبونك إلى الكذب لأنهم لا يعرفونك بذلك ، وإنما يعرفونك بالصدق ، وكانوا يسمونه محمّدا الأمين / قبل النبوة.

ومن قرأ : يكذبونك بالتخفيف فمعناه ، لا يصادفونك كاذبا ولا يجدونك كاذبا. من قولهم : أكذبت الرجل وأفسقته وأجبنته ، إذا صادفته ووجدته كاذبا فاسقا جبانا.

وقد يجوز أن يجىء (فعّلت وأفعلت) بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد ، كقولهم : قلّلت الشىء وأقللته وكثّرته وأكثرته.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤).

من ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره : ولقد جاءك مجىء من نبإ المرسلين ، ويكون الفعل وهو (جاءك) دالا على المصدر المحذوف ، ولا تكون زائدة فى الواجب ، وإنما تزاد فى النفى. هذا مذهب سيبويه.

والثانى : أن تكون زائدة ، وتقديره ، ولقد جاءك نبأ المرسلين. وهو مذهب أبى الحسن الأخفش. ويجوز زيادة (من) فى الواجب كما يجوز زيادتها فى النفى.

قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) (٣٥).

إن ، شرط ، وجوابه محذوف ، وتقديره ، إن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض فافعل ذلك.

قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) (٣٦).

الموتى (١) ، فى موضع نصب بفعل مقدر دل عليه (يبعثهم) وتقديره ، يبعث الله الموتى يبعثهم كقولهم : مررت بزيد وعمرا كلمته. أى وكلّمت عمرا كلّمته ، فتكون قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية ، فيكون معطوفا على قوله : (إنما يستجيب الذين). ولا يمتنع أن يكون (الموتى) فى موضع رفع. كقولهم : مررت بزيد وعمرو كلّمته. والنصب أوجه الوجهين :

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) (٤٠).

__________________

(١) (الذين) فى أ ، ب.

التاء ، ضمير المرفوع المتصل وهو فى موضع رفع بأنّه فاعل. والكاف والميم ، لمجرّد الخطاب ولا موضع لهما من الإعراب ، واستغنى بما يلحق الكاف من التثنية والجمع عن تثنية للتاء وجمعها وتأنيثها. تقول : أرأيتك زيدا ما صنع ، وأرأيتكم وأرأيتكما وأرأيتكن ، ولا تغيّر التاء ، فزيد هو المفعول الأول. وما صنع ، فى موضع المفعول الثانى ، واستغنى أيضا بها عنها فى الدلالة على الخطاب لئلا يجمعوا بين حرفى خطاب ، فخلع عن التاء معنى الخطاب ، واكتفى بالكاف عنها. وذهب الفرّاء إلى أن لفظ الكاف لفظ منصوب ومعناها معنى مرفوع ، وهذا فاسد لأن التاء هى الكاف فى (أرأيتك) فكان يؤدى إلى أن يكون فاعلان لفعل واحد ولكان يجب أن يكون قولك : أرأيتك زيدا ما صنع. / معناه ، أرأيت نفسك زيدا ما صنع. لأن الكاف هو المخاطب. وهذا فاسد ، لأنّك تستفهم عن نفسه فى صدر السؤال ثم ترد السؤال على غيره فى آخره وهذا فاسد.

قوله تعالى : (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) (٤٨).

من آمن ، مبتدأ. وخبره (فلا خوف عليهم) ، ودخلت الفاء فى خبر المبتدأ لأن (من) اسم موصول بالفعل بمنزلة الذى ، وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢).

إنما دخلت الألف واللام على (الغداة) لأنها نكرة عند جميع العرب ، وأمّا غدوة فأكثر العرب يجعلها معرفة فلا يصرفها. ومنهم من يجعلها نكرة ويصرفها ، والأكثرون على ما ذكرنا من التعريف وعدم الصرف. ما عليك من حسابهم من شىء ، من الأولى للتبعيض ، ومن الثانية زائدة. وشىء ، فى موضع رفع لأنه اسم (ما) ومثله (وما من حسابك عليهم من شىء) فتطردهم ، منصوب لأنه جواب النفى.

وفتكون ، جواب النهى ، والتقدير فيه ، ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه فتكون من الظالمين وما عليك من حسابهم من شىء فتطردهم.

قوله تعالى : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) (٥٣).

أهؤلاء ، فى موضع نصب بفعل مقدر يفسره (منّ الله عليهم من بيننا) ، كما تقول : أزيدا مررت به. فإن الاختيار فيه النصب لأن الاستفهام يقتضى الفعل ويطلبه وهو أولى به من الاسم.

قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤).

قرئ بفتح الهمزة من (إن) وكسرها فى (أنه من عمل) وفى (فأنه غفور رحيم). فمن قرأ بالفتح فيهما ، جعل الأولى بدلا من الرحمة وهو بدل الشىء من الشىء ، وهو هو ، وهى فى موضع نصب بكتب ، وجعل الثانية خبر (١) مبتدأ محذوف ، وتقديره ، فأمره أنه غفور رحيم. ويجوز أن يجعل مبتدأ ، ويقدّر لها خبر ، وتقديره ، فله أنه غفور رحيم ، أى ، فله غفران ربّه.

وقد قيل : إنّ (أن) الثانية تكرير فى موضع نصب ردّا على الأولى ، كأنها بدل من الأولى وهو باطل (٢) من وجهين :

أحدهما : أن (من) لا تخلو إما أن / تكون اسما موصولا أو شرطية فإن كانت اسما موصولا بمعنى الذى وجعلت (فأنه) بدلا من (أنّ) الأولى ، فإنه يبقى المبتدأ وهو (من) بلا خبر ، وإن كانت شرطية فإنه يبقى الشرط بلا جواب.

والثانى : أن وجود الفاء يمنع من البدل ، لأنه لا يجوز أن يحول بينهما شىء سوى

__________________

(١) (خبرا) فى أ.

(٢) (فاسد) فى ب.

الاعتراضات ، وليست الفاء من جملة الاعتراضات ولا يجوز أن تكون الفاء زائدة ، لأنه يؤدى إلى أن يبقى الشرط بلا جواب ، وذلك لا يجوز فبطل أن يكون بدلا. وأما الكسر فيهما فمن وجهين :

أحدهما : أن (كتب) تؤول إلى قال ، وتقديره ، قال إنه من عمل.

والثانى : على الاستئناف ، والكسر بعد الفاء أقيس ، لأن ما بعد الفاء يجوز أن يقع فيه الاسم والفعل ، وكل موضع يصلح أن يقع فيه الاسم والفعل فإنّ (إن) تكون فيه مكسورة. وكل موضع اختص بالفعل أو بالاسم ، كلو ولو لا فإن إن تكون فيه مفتوحة وما بعد الفاء يصلح لهما فكانت مكسورة.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥).

الواو فى (ولتستبين) ، عطف على فعل مقدر ، وتقديره ، ليفهموا ولتستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين إلا أنه حذف ، لأن فيما أبقى دليلا على ما ألقى.

كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(١)).

أى والبرد. وقرئ : ولتستبين بالتاء والياء. وسبيل : بالرفع والنصب ، فمن قرأ بالتاء والرفع جعل التاء لتأنيث السبيل لأنها مؤنثة ، كما قال الله تعالى :

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي)(٢).

ورفع (سبيل) لأنه فاعل (تستبين) ، ولا ضمير فيه ، ومن قرأ بالياء والرفع ، جعل السبيل مذكرا ، كما قال تعالى :

__________________

(١) ٨١ سورة النحل.

(٢) ١٠٨ سورة يوسف.

(وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)(١)).

ورفع (سبيل) لأنه فاعل (يستبين) ولا ضمير فيه ومن قرأ بالتاء ونصب سبيل كانت التاء للخطاب ، ونصب السبيل لأنه مفعول به ، وفى تستبين ضمير هو الفاعل ، وتقديره ، ولتستبين أنت سبيل المجرمين. ويقال : استبان الشىء واستبنته ، فيكون متعديا كما يكون لازما. ومن قرأ بالياء ونصب سبيل ، أضمر اسم النبي عليه‌السلام فى (يستبين) وهو الفاعل ، ونصب السبيل لأنه مفعول به.

قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ) (٥٦).

أن وصلتها ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، نهيت عن أن أعبد.

قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩).

من ، زائدة من وجه ، وغير زائدة من وجه ، لأنها قد أفادت معنى العموم. وورقة ، فى موضع رفع لأنه فاعل (تسقط). ولا حبة ، أى ولا تسقط من حبة فى ظلمات الأرض. (فى ظلمات الأرض) (٢) ، صفة لحبّة ، وتقديره ، كائنة فى ظلمات الأرض. وإلا فى كتاب مبين ، استثناء منقطع ، وتقديره ، إلا هو (كائن (٣)) فى كتاب مبين ، والجار والمجرور فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ ، ولا بد من هذا التقدير لأنه لو لا هذا التقدير لكان يجب أن لا يعلمها فى كتاب مبين ، وهو يعلمها فى كتاب مبين.

__________________

(١) ١٤٦ سورة الأعراف.

(٢) ساقطة من ب.

(٣) ساقطة من ب.

قوله تعالى : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٦١).

وقرئ ، توفّاه رسلنا بالتذكير ، فمن قرأ : توفته بالتأنيث فالتأنيث على تقدير جماعة رسلنا ، والتذكير على تقدير جمع رسلنا ، كقولك : قامت الرجال وقام الرجال. وكذلك لك فى كل جماعة تذكير فعلها وتأنيثه ، فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة.

قوله تعالى : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) (٦٢).

مولاهم ، فى موضع جر على البدل من اسم الله تعالى. والحق ، قرئ بالجر والنصب ، فالجر على أنه صفة لمولاهم ، والنصب لوجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا بتقدير أعنى.

قوله تعالى : (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٦٣).

فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال ، لأن معناه : ذوى تضرع ، وكذلك

قوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) (٦٥).

قوله تعالى : (وَلكِنْ ذِكْرى) (٦٩).

ذكرى ، يجوز فى موضعها النصب والرفع ، فالنصب على المصدر وتقديره ، ذكّركم ذكرى. والرفع على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف وتقديره ولكن عليهم ذكرى.

قوله تعالى : (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) (٧٠).

فى موضع نصب لأنه مفعول له ، وتقديره ، لئلا تبسل.

قوله تعالى : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) (٧١).

حيران ، منصوب على الحال من الهاء فى (استهوته) ولا ينصرف كعطشان ، وهذا النحو لا ينصرف معرفة ولا نكرة لأن فعلان فعلى أشبه ما فى آخره ألف التأنيث الممدودة ، وما فى آخره ألف التأنيث الممدودة لا ينصرف معرفة ولا نكرة ، فكذلك ما كان على فعلان فعلى.

قوله تعالى : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٧٢).

أن : فى موضع نصب بتقدير حذف / حرف جر وتقديره ، وبأن أقيموا.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) (٧٣).

يوم ، منصوب من أربعة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا لأنه معطوف على السموات ، وتقديره ، خلق السموات وخلق يوم يقول.

والثانى : أن يكون معطوفا على الهاء فى (واتقوه) ، وتقديره : واتقوه واتقوا يوم يقول.

والثالث : أن يكون منصوبا لأنه ظرف وقع خبرا عن مبتدأ وهو (قوله الحق) ، وتقديره ، قوله الحق يوم يقول. وقوله ، مبتدأ. والحق ، صفته. ويوم يقول ، خبره. وتقديره : مستقر يوم يقول. كما تقول : يوم الجمعة قولك الحق ، وتقديره ، يستقر يوم الجمعة.

والرابع : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، وتقديره ، واذكر يوم يقول. وكن فيكون ، أى ، فهو يكون ولهذا كان مرفوعا.

قوله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (٧٣).

يوم ينفخ ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون بدلا من قوله : (يوم يقول).

والثانى : أن يكون متعلقا بقوله : (وله الملك) أى ، وثبت له الملك يوم ينفخ. وعالم الغيب ، يقرأ بالرفع والجر ، فالرفع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنه صفة (الذى) فى قوله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ).

والثانى : أن يكون مرفوعا على تقدير مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو عالم الغيب.

والثالث : أن يكون مرفوعا حملا على المعنى ، وتقديره ، ينفخ فيه عالم الغيب. كأنه لما قال : يوم ينفخ.

وقيل : من ينفخ. قال : عالم الغيب. كما قال الشاعر :

٧١ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (١)

كأنه لما قال : ليبك يزيد. قيل : من يبكيه. فقال : ضارع لخصومة ، أى ، يبكيه ضارع. والجر على البدل من الهاء فى (له) (٢).

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) (٧٤).

يقرأ ، آزر بالجر والضم. فمن قرأ بالجر ، جعله بدلا من (أبيه) كأنه اسم له ، وهو لا ينصرف للعجمة والتعريف ، وهو أيضا على مثال أفعل ، نحو ، أحمد. ومن قرأ بالضم جعله منادى مفردا وتقديره ، يا آزر.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ح ١ ص ١٤٥ وقد نسبه إلى الحارث بن نهيك ، ونسبه الأعلم الشنتمرى إلى لبيد بن ربيعة العامرى ، وهو فى ديوان لبيد (طبعة ليدن ـ ٥٠) ضمن قطعة أولها :

لعمرى لئن أمسى يزيد بن نهشل

حشا جدث تسفى عليه الروائح

لقد كان ممّن يبسط الكفّ بالندى

إذا ضنّ بالخير الأكفّ الشحائح

(٢) من قوله تعالى (وَلَهُ الْمُلْكُ).

قوله تعالى : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٧٥).

وليكون ، معطوف على مقدّر ، وتقديره ، ليستدل وليكون من الموقنين. واللام ، تتعلق بفعل مقدر ، وتقديره ، ليستدل وليكون من الموقنين أريناه الملكوت.

وقيل : الواو زائدة والتقدير : وكذلك نرى / إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليكون. وزيادة الواو لا يجيزه البصريون ، وأجازه الكوفيون ، وقد بيّنا ذلك فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (أَتُحاجُّونِّي) (٨٠).

قرئ بتشديد النون وتخفيفها ، فمن قرأ بالتشديد فعلى الأصل ، لأن أصله (أتحاجوننى) فاجتمع نونان ، نون علامة الرفع ، ونون الوقاية ، فاجتمع حرفان متحركان من جنس واحد ، فاستثقلوا اجتماعهما فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى.

ومن قرأ بالتخفيف استثقل اجتماع النونين ، فحذف أحدهما تخفيفا لاجتماع المثلين وكثرة الاستعمال ، كقوله تعالى :

كقوله تعالى : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)(٢).

واختلفوا فى المحذوفة منهما ، فذهب الأكثرون إلى أن المحذوف منهما الثانية ، وكان حذف الثانية أولى من حذف الأولى ، لأن الأولى علامة الرفع ، فلا تحذف إلّا بعامل ناصب أو جازم ، ولأن الاستثقال إنما حصل بالثانية لا بالأولى ، فكان حذفها أولى ، وكسرت النون لمجاورة ياء المتكلم ، وإن كان من حقها الفتح ، لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلّا مكسورا ، ألا ترى أنك تقول : قام غلامى ورأيت غلامى فيكون ما قبلها مكسورا ، وإن كان (غلامى) فى موضع رفع أو نصب ، فوقع فى قراءة من قرأ بالتخفيف حذف وتغيير.

__________________

(١) المسألة ٦٤ ح ٢ ص ٢٦٨ الإنصاف.

(٢) ٥٤ سورة الحجر.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) (٨٠).

شيئا ، منصوب على المصدر ، كقولك إلا أن يشاء مشيئة. وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٨٠).

علما ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) (٨٢).

الذين آمنوا ، (مبتدأ (١)). وأولئك ، بدل من (الذين) أو مبتدأ ثان. والأمن ، مبتدأ ثالث أو ثان. ولهم ، خبر الأمن. والأمن وخبره خبر (أولئك). وأولئك وخبره خبر (الذين).

قوله تعالى : (نَرْفَعُ (٢) دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (٨٣).

يقرأ درجات بتنوين وغير تنوين ، فمن قرأ بالتنوين كان منصوبا (بنرفع) ، ودرجات منصوبا على الظرف ، أو بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، إلى درجات. ومن قرأ بغير تنوين ، كان درجات مفعولا به والعامل فيه نرفع ، وأضافها إلى (من).

قوله تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) (٨٤).

كلّا ، منصوب بهدينا ، وكذلك نوحا ، منصوب بهدينا ، وهو منصرف وإن كان قد اجتمع فيه العجمة والتعريف لخفة الوزن ، لأن خفة الوزن قام مقام أحد / السببين ، فكأنه بقى سبب واحد ، والسبب الواحد لا يمنع الصرف ، فانصرف. والهاء ، تعود على (٣) نوح ، ولا يجوز أن تعود على إبراهيم ، لأن بعده ولوطا ، ولم يكن من ذرية

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) (يرفع) بالياء فى ب.

(٣) (إلى) فى ب.

إبراهيم ، وإنما كان من ذرية نوح. وداود وسليمان ، منصوبان بهدينا ، وهما منصرفين للعجمة والتعريف.

قوله تعالى : (وَالْيَسَعَ) (٨٦).

قرئ بلام واحدة ، وقرئ بلامين. فمن قرأ اليسع بلام واحدة ، جعله اسما أعجميا ، ولهذا لا ينصرف للعجمة والتعريف.

وقيل : الأصل فى اليسع بلام واحدة يسع وهو فعل مضارع سمّى به ونكّر وأدخل عليه الألف واللام ، والأصل فى يسع يوسع ، وأصل يوسع يوسع لأنه مما جاء على فعل يفعل ، نحو : وطئ يطأ (١) ، وأصله يوطئ ، إلا أنه فتحت العين لمكان حرف الحلق ، وحذفت الواو منه على تقدير الأصل كما حذفت فى يعد ويزن ، وحذفت فى يعد ويزن لوقوعها بين ياء وكسرة ، وذلك مستثقل.

ومن قرأه : الليسع بلامين جعله اسما أعجميا ونكّره ، وأدخل عليه الألف واللام ، وأصله ، ليسع (ولا ينصرف أيضا للعجمة والتعريف) (٢).

قوله تعالى : (لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٨٩).

الباء فى (بها) تتعلق بكافرين ، والباء فى بكافرين ، زائدة لتأكيد النفى ، كأنه قال : ليسوا بها كافرين ، وهو خبر (ليس).

قوله تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٩٠).

قرئ بإثبات الهاء ساكنة ومكسورة ، وحذفها ، فمن أثبتها ساكنة جعل الهاء للسكت ودخلت بيانا للحركة وصيانة لها عن الحذف.

ومن قرأ بكسر الهاء جعلها كناية عن المصدر ، أى ، اقتد الاقتداء.

وقيل : إنه شبّه هاء السكت بهاء الضمير فكسرها ، وهو ضعيف جدا.

__________________

(١) (يطئ) فى ب.

(٢) ساقطة من ب.

قوله تعالى : (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) (٩١).

من ، زائدة للتأكيد والعموم. وشىء ، فى موضع نصب بأنزل. ونورا ، منصوب على الحال من الكتاب أو من الضمير المجرور فى (به). وهدى ، عطف عليه. وكذلك تجعلونه ، فى موضع نصب على الحال. وقراطيس ، منصوب بتجعلونه ، والتقدير فيه ، تجعلونه فى قراطيس. إلّا أنه لما حذف حرف الجر اتصل الفعل به فنصبه.

قوله تعالى : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١).

يلعبون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من ضمير المفعول / فى (ذرهم).

قوله تعالى : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) (٩٢).

اللام ، لام كى ، تتعلق بفعل مقدّر ، وتقديره ، ولتنذر أم القرى أنزلناه.

قوله تعالى : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ) (٩٣).

من ، فى موضع جر لأنه معطوف على (من) فى قوله : (ممن افترى).

قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) (٩٣).

والملائكة باسطو أيديهم ، (جملة اسمية) (١) فى موضع نصب على الحال من (الظالمين) ، والهاء والميم فى أيديهم ، تعود على الملائكة. وأخرجوا أنفسكم ، جملة فعلية فى موضع نصب بفعل مقدر ، وتقديره ، يقولون أخرجوا أنفسكم. فحذف (يقولون) وحذف القول كثير فى كلامهم. واليوم ، منصوب بأخرجوا.

وقيل : بتجزون.

__________________

(١) ساقطة من أ.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) (٩٤).

فرادى ، فى موضع نصب على الحال من الضمير المرفوع فى (جئتمونا) ، ولا ينصرف لأن فى آخره ألف التأنيث. والكاف فى (كما) فى موضع نصب لأنها وصف لمصدر محذوف ، وتقديره ، ولقد جئتمونا منفردين مثل حالكم أوّل مرة.

قوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (٩٤).

يقرأ بينكم بالرفع والنصب.

فالرفع على أنه فاعل (تقطع) ويكون معنى بينكم وصلكم ، فيكون معناه ، لقد تقطع وصلكم.

والنصب على الظرف وتقديره ، لقد تقطع ما بينكم. على أن تكون (ما) نكرة موصوفة ، ويكون (بينكم) صفته فحذف الموصوف ، ولا تكون موصولة على مذهب البصريين لأن الاسم الموصول لا يجوز حذفه ، وأجازه الكوفيون.

قوله تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) (٩٦).

قرئ جاعل الليل وجعل الليل.

فمن قرأ ، جاعل الليل ، أضاف اسم الفاعل إلى الليل ، ويكون سكنا ، منصوب بتقدير فعل مقدر ، وتقديره ، وجعل الليل سكنا. كالقراءة الأخرى. والليل ، على قراءة من قرأ ، وجعل مفعول أول. وسكنا ، مفعول ثان. والشمس والقمر ، منصوبان بتقدير (جعل) على قراءة من قرأ ، وجاعل. وبالعطف على الليل على قراءة من قرأ ، وجعل الليل. وحسبانا ، أى ، ذا حساب ، وهو مفعول ثان وهذا ظاهر.

قوله تعالى : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) (٩٨).

مرفوعان بالابتداء ، وخبرهما محذوف ، وتقديره ، فمنكم مستقر ومنكم مستودع ، مستقر فى الأرحام ومستودع فى الأصلاب.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) (٩٩).

أى : فاستقر من النخل ، ومن طلعها ، بدل منه ، أعنى ، من النخل. وقنوان ، مرفوع بقوله : من طلعها على قول من أعمل الثانى فى نحو ، قاما وقعد الزيدان وهو مذهب البصريين. وبقوله : (ومن النخل) على قول من أعمل الأول فى نحو : قام وقعدا الزيدان وهو مذهب / الكوفيين (١).

قوله تعالى : (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) (٩٩).

قرئ بالنصب والرفع ، فالنصب بالعطف على قوله (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً). والرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر. وتقديره ، ولهم جنات. وقيل : هو معطوف على قوله : (قنوان دانية) وأنكره قوم ، وقالوا : لا يجوز أن يكون معطوفا على (قنوان) لأن الجنات لا تكون من النخيل.

قوله تعالى : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ) (٩٩).

قرئ ، ثمره بفتح الثاء والميم وبضمهما (ثمره) ، فمن قرأ بالفتح جعله اسم جنس ، جمع ثمرة ، كشجرة وشجر ، وبقرة وبقر. ومن قرأه بالضم جعله جمع ثمار ، وثمار جمع ثمرة ، فجعله جمع الجمع.

قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ) (١٠٠).

شركاء ، منصوب لأنه مفعول أول. والجن ، مفعول ثان. واللام فى (لله) تتعلق بشركاء.

ويجوز أن نجعل الجن بدلا من (شركاء) واللام فى (لله) تتعلق ب (جعل).

وقرئ ، الجنّ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هم الجن.

قوله تعالى : (نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) (١٠٥).

__________________

(١) التنازع مسألة ١٣ ح ١ ص ٦١ الإنصاف.

وليقولوا ، معطوف على فعل مقدر ، والتقدير ، نصرف الآيات ليجحدوا وليقولوا ، أى ، ليصير عاقبة أمرهم إلى الجحود وإلى أن يقولوا هذا القول ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة عند البصريين ولام الصيرورة عند الكوفيين ونظير هذه اللام ، اللام فى :

قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(١)).

وما التقطوه ليكون لهم عدوا ، وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين ، ولكن صارت عاقبة التقاطهم إياه إلى العداوة والحزن.

قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩).

يقرأ بفتح الهمزة من (أنها) وبكسرها ، فمن قرأ (إنها) بالكسر ، جعلها مبتدأ ووقف على قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ) وجعل (ما) استفهامية ، وفى (يشعركم) ضمير يعود إلى (ما) ويقدر مفعولا ثانيا محذوفا ، وتقديره ، وما يشعركم إيمانهم ، ولا يجوز أن تكون (ما) نافية ههنا على تقدير ، وما يشعركم الله إيمانهم ، لأن الله تعالى قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون ، بقوله :

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٢)).

ومن قرأ (أنها) بالفتح ، ففيه وجهان :

الأول : أن تكون (أنّ) بمعنى لعل ، وتقديره ، وما يشعركم إيمانهم لعل الآيات إذا جاءت لا يؤمنون. وقد جاءت (أن) بمعنى لعل ، حكى الخليل عن العرب أنهم قالوا : اذهب إلى السوق أنك تشترى لنا شيئا ، أى لعلك.

__________________

(١) ٨ سورة القصص.

(٢) ١١١ سورة الأنعام.

والثانى : أنها فى موضع نصب بيشعركم ، ولا ، زائدة ، وتقديره ، وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت يؤمنون ، وهى المفعول الثانى ، ولا حذف مفعول فى الكلام /.

قوله تعالى : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (١١٠).

أول مرة ، منصوب لأنه ظرف زمان ، والمراد بأول مرة الدنيا.

قوله تعالى : (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١١١).

قبلا ، منصوب على الحال من (كل شىء). وكلّ ، مفعول حشرنا. وإلا أن يشاء الله ، أن وصلتها فى موضع نصب ، لأنه استثناء منقطع.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (١١٢).

شياطين ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على البدل من قوله : (عدوا).

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول ثان لجعلنا. وغرورا ، منصوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا على المصدر فى موضع الحال.

والثانى : أن يكون منصوبا على البدل من قوله : (زخرف القول) مفعول يوحى.

والثالث : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له ، أى ، لغرور.

قوله تعالى : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) (١١٣).

ولتصغى معطوف على فعل مقدر دل عليه قوله تعالى : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) ،

وتقديره ، ليغروه ولتصغى إليه ، فحمل على المعنى. وقيل : اللام لام قسم ، وتقديره ، ولتصغينّ إليه أفئدة الذين ، فلما كسرت اللام حذفت النون.

قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) (١١٤).

أفغير الله ، منصوب بأبتغى. وحكما ، منصوب من وجهين. أحدهما على الحال. والثانى على التمييز.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) (١١٤).

منزل ، فيه ضمير مرفوع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، يعود إلى الكتاب. ومن ربك ، فى موضع نصب لأنه يتعلق بمنزل. وبالحق ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (منزّل).

قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) (١١٥).

منصوبان على المصدر.

وقيل : يجوز أن يكونا مصدرين فى موضع الحال بمعنى صادقة وعادلة.

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) (١١٧).

من ، فى موضع نصب بفعل مقدر دل عليه (أعلم) ، وتقديره يعلم من يضل عن سبيله. كقول الشاعر :

٧٢ ـ وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا (١).

/ نصب القوانس بفعل دل عليه (اضرب) فكأنه قال : نضرب القوانس ولا يجوز أن يكون فى موضع جر لأنه يستحيل المعنى ويصير التقدير ، إن ربك هو أعلم الضّالين.

__________________

(١) الشاهد منسوب إلى العباس بن مرداس. لسان العرب مادة (قنس).

لأن أفعل إنما تضاف إلى ما هو بعض له ، وذلك كفر محال ، وكذلك القول فى قوله تعالى :

(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(١)

حيث ، فى موضع نصب بفعل مقدر ، دل عليه أعلم ، لأن حيث ههنا اسم محض وتقديره ، يعلم حيث يجعل رسالته ولا يجوز أن تكون حيث فى موضع جر ، لأنها بمعنى مكان ، فيكون التقدير ، الله أعلم أمكنة رسالاته ، وهذا أيضا كفر مستحيل.

قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) (١١٩).

أن ، فى موضع نصب بحذف حرف الجر. وما ، استفهامية فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وما بعدها خبرها ، وتقديره ، وأىّ شىء لكم فى ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه.

قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (١٢٢).

تقديره ، أو مثل من كان ميتا. فحذف المضاف ، ويدل على هذا الحذف قوله :

(كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ).

وقيل : مثل ، زائد.

والوجه الأول أوجه لأن حذف المضاف كثير فى كلامهم ، وليس كذلك زيادة مثل.

ومن ، اسم موصول فى موضع رفع لأنه مبتدأ. والكاف فى (كمن) خبره. وفى كان ضمير يعود إلى (من) وهو اسمها. وميتا ، خبرها. وكان واسمها وخبرها صلة

__________________

(١) ١٢٤ سورة الأنعام.

(من) وليس بخارج منها ، فى موضع نصب على الحال من الضمير المرفوع فى قوله : فى الظلمات.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) (١٢٣).

مجرميها ، مفعول أول لجعلنا. وأكابر ، مفعول ثان مقدم. ليمكروا ، اللام لام كى.

قوله تعالى : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (١٢٥).

قرئ ضيّقا بتشديد الياء وتخفيفها ، وحرجا بكسر الراء وفتحها. فمن قرأ ، ضيّقا بالتشديد أتى به على الأصل ، ومن قرأ ، ضيقا بالتخفيف حذف إحدى الياءين ، كما حذفوا فى نحو : سيّد وهيّن وميّت. فقالوا : سيد وهين وميت ، واختلفوا ، فمنهم من ذهب إلى أن المحذوف هى الياء الزائدة ، ومنهم من ذهب إلى أن المحذوفة الياء التى هى عين ، وهو منصوب لأنه مفعول ثان ليجعل.

ومن قرأ ، حرجا بفتح الراء جعله مصدرا مثل ، فزع وجزع.

ومن قرأ بكسرها جعله اسم فاعل كفزع وجزع ، وهو منصوب لأنه صفة لقوله : ضيّقا كأنما يصعد فى السماء. ويصعد ، أصله يتصعّد ، إلا أنه أبدل من التاء صادا وأدغمت فى الصاد ، وقد قدمنا نظائره.

ومن قرأ ، تصاعد أصله يتصاعد فأدغم أيضا.

ومن قرأ : يصعد فهو من صعد يصعد ، وكأنما يصعد فى السماء ، فى موضع الحال من الضمير فى حرج وضيق.

قوله تعالى : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) (١٢٦).

مستقيما ، منصوب على الحال المؤكّدة من (صراط) وإنما كانت مؤكدة لأن صراط الله تعالى لا يكون إلا مستقيما ، بخلاف الحال المنتقلة فى نحو ، جاء زيد راكبا / ألا ترى أنه يجوز أن يفارق زيد الركوب ، فجىء بها ليفرّق بين حاليه. وأما الحال المؤكدة فلا يجوز أن تكون مفارقة لذى الحال ، ألا ترى أن صراط الله لا يجوز أن يفارق الاستقامة ، كما يجوز أن يفارق زيد الركوب ، وكذلك تقول : هذا زيد قائما ، فيجوز أن يفارق زيد القيام ، وتقول هذا الحق مصدقا. فلا يجوز أن يفارق الحق التصديق كما يفارق زيد القيام.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) (١٢٨).

يوم ، منصوب بفعل مقدر ، وتقديره اذكر يوم نحشرهم. وجميعا ، منصوب على الحال من الهاء والميم فى (نحشرهم).

قوله تعالى : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (١٢٨).

المثوى ، يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الثّواء وهو الإقامة ، ويجوز أن يكون مكانا ، أى ، مكانا للإقامة ، فإذا كان مصدرا كان هو العامل فى الحال فى قوله : (خالدين فيها) ، ويكون المصدر مضافا إلى الفاعل ، أى ، النار مكان إقامتكم فى حال الخلود. وإذا كان مكانا لم يكن هو العامل فى الحال ، لأن المكان لا يعمل فى شىء ، وكان العامل فى الحال معنى الإضافة ، لأن معناه المضامّة والمماسّة (١). كقوله تعالى :

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً)(٢)

فإخوانا ، منصوب على الحال من الهاء والميم فى (صدورهم). والعامل فيها معنى الإضافة.

وكقوله تعالى : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)(٣)

__________________

(١) (المصاحبة الممازجة) هكذا فى ب.

(٢) ٤٧ سورة الحجر.

(٣) ٦٦ سورة الحجر.

فمصبحين ، منصوب على الحال من (هؤلاء) والعامل فيه معنى الإضافة ، وليس فى التنزيل حال عمل فيها الإضافة إلا هذه المواضع الثلاثة. وإلا ما شاء الله ، (ما) فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، فإن جعلت (ما) لمن يعقل لم يكن منقطعا.

قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) (١٣٠).

يقصون ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة لرسل ، وكذلك قوله تعالى : (وَيُنْذِرُونَكُمْ).

قوله تعالى : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) (١٣١).

ذلك ، فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، الأمر ذلك. وأن فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، لأن لم يكن ربك. فلما حذف حرف الجر انتصب ، ومنهم من ذهب إلى أنه فى موضع جر ، فأعمل حرف الجر مع الحذف ، والأكثرون على الأول.

قوله تعالى : (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (١٣٣).

من ، ههنا بمعنى البدل ، أى كما أنشأكم بدلا من ذرية قوم آخرين. كقوله تعالى :

(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)(١) ، أى ، بدلا منكم.

وكقوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ)(٢)

أى ، بدلا من الآخرة. وكقول الشاعر :

__________________

(١) ٦٠ سورة الزخرف.

(٢) ٣٨ سورة التوبة.

٧٣ ـ فليت لنا من ماء زمزم شربة /

مبرّدة باتت على الطّهيان (١)

أى : بدلا من ماء زمزم. وكقول الآخر :

٧٤ ـ أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة

قسرا ويكتب للأمير أفيلا (٢)

أى بدلا من الفصيل.

قوله تعالى : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) (١٣٤).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى فى موضع نصب. وتوعدون ، صلته ، والعائد إليه محذوف وتقديره ، إن الذى توعدونه لآت ، فحذف الهاء التى هى العائد للتخفيف كما حذف من قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٣)

أى ، بعثه ، وإنما حذف لأن الصلة والموصول تنزلا منزلة اسم واحد ، وكانت أولى لأن الاسم الموصول والصلة من المبتدأ والخبر ، أو الفعل والفاعل ، كل منهما أصل فى الجملة ، وأما الهاء التى هى العائد فإنها تقع فضلة فى الجملة فكان حذفها أولى ممّا كان لازما فى الجملة. ولآت ، خبر إن ، واللام لام التأكيد ، وزعم الكوفيون أنها جواب قسم مقدر ، والصحيح هو الأول.

قوله تعالى : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) (١٣٥).

__________________

(١) لسان العرب مادة (طها) «وأنشد الباهلى للأحول الكندى» ـ أول البيت : وليت .... الطهيان : اسم قلة الجبل ـ والطهيان : خشبة يبرد عليها الماء.

(٢) «مغنى اللبيب» لابن هشام ٢ ـ ١٦ ونسبه الشيخ محمد الأمير للراعى. المخاض : الحوامل من النوق ـ الفصيل : ولد الناقة بمجرد انفصاله عنها.

(٣) ٤١ سورة الفرقان.

من ، تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون استفهامية ، فتكون فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وما بعدها خبره ، والجملة فى موضع نصب بتعلمون.

والثانى : أن تكون بمعنى الذى خبرا فتكون فى موضع نصب بتعلمون.

قوله تعالى : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١٣٦).

ما ، فى موضع رفع لأنه فاعل ساء.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٧).

زين ، قرئ بفتح الزاى والياء ، وبضم الزاى وكسر الياء ، فمن قرأ زيّن فهو فعل سمّى فاعله ، وفاعله (شركاؤهم) ، وقيل : أولادهم مفعوله. وقتل مصدر أضيف إلى المفعول. ومن قرأ بضم الزاى وكسر الياء فهو فعل ما لم يسم فاعله ، وقتل ، مرفوع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وأما نصب (أولادهم) وجر (شركائهم) فهو ضعيف فى القياس جدا ، وتقديره ، زين قتل شركائهم أولادهم. فقدّم وأخّر ، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول. كقول الشاعر :

٧٥ ـ فزججتها بمزجّة

زجّ القلوص أبى مزاده (١)

أى : زج أبى مزادة القلوص. وكقول الآخر :

٧٦ ـ يطفن بحوزىّ المراتع لم يرع

بواديه من قرع القسىّ الكنائن (٢)

__________________

(١) أورده الشنتمرى فى شرح شواهد الكتاب هامش ٢ ـ ٨٨ قال «ومما أنشده الأخفش فى الباب» وجاء بالخصائص ٢ ـ ٤٠٦.

زجه : طعنه ـ المزجة : الرمح القصير ـ القلوص : الناقة الفتية.

(٢) نسبه ابن جنى للطرماح ـ الخصائص ٢ ـ ٤٠٦ ـ وفى اللسان مادة (حوز) يصف بقر الوحش ـ الحوزى : محلها ـ لم يرع : لم يفزع بواديه ـ من قرع القسى الكنائن : من تعرض الصياد له.

أى : قرع الكنائن القسىّ.

ومثل هذا لا يكون فى اختيار الكلام بالإجماع ، واختلفوا فى ضرورة الشعر ، فأجازه الكوفيون وأباه البصريون. وهذه القراءة ضعيفة فى القياس بالإجماع /.

وروى أيضا عن ابن عامر أنه قرأ : قتل أولادهم. بجر الأولاد والشركاء على أن يجعل الشركاء بدلا من الأولاد ، لأن الأولاد يشاركون أباهم فى الأموال والنسب والدين.

وقراءة ابن عامر هذه أشبه من قراءته الأولى وإن كانت لا تنفك من بعد (١).

قوله تعالى : (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) (١٣٨).

من نشاء ، فى موضع رفع لأنه فاعل يطعم.

قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) (١٣٩).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وفى بطون هذه الأنعام ، صلته. وخالصة ، تقرأ بالرفع والنصب.

فمن قرأ خالصة بالرفع كان مرفوعا من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ ، وأنث خالصة حملا على معنى (ما) لأن المراد بما فى بطون هذه الأنعام الأجنّة ، وذكّر محرّم حملا على لفظ (ما) ، وذهب بعضهم إلى أن الهاء فى خالصة للمبالغة كالهاء فى ، علّامة ونسّابة ، وزعم أنه لا يحسن الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى ، وهذا التعليل ليس عليه تعويل فإنه قد جاء الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى فى قوله تعالى :

(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ

__________________

(١) (معنى) فى ب

تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)(١).

فقال : خالدين حملا على معنى (من) ثم قال : قد أحسن الله له رزقا ، حملا على اللفظ بعد الحمل على المعنى ، وقد قرئ : خالصه بالتذكير حملا على لفظ (ما). وهو مرفوع لأنه مبتدأ ، وخبره لذكورنا.

والثانى : أن يكون خالصة مرفوعا لأنه بدل من (ما) وهو الشىء من الشىء ، وهو بعضه. ولذكورنا ، الخبر.

ومن قرأ خالصة بالنصب كان منصوبا على الحال من الضمير المرفوع فى قوله : (فى بطون) وخبر المبتدأ الذى هو (ما) لذكورنا ، ولا يجوز أن يكون الحال من الضمير المرفوع فى (لذكورنا) عند سيبويه لأنه لا يجوز أن تتقدم الحال على العامل فيها ، إذا لم يكن منصرفا ، وهذا غير منصرف ، ولا يجيز ، زيد قائما فى الدار ، وأجازه أبو الحسن الأخفش.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) (١٣٩).

قرئ تيكن بالتاء والياء ، وميتة ، بالرفع والنصب ، فمن قرأ بالتاء ، جعل كان تامة بمعنى حدث ووقع ، ورفع ميتة لأنه فاعل ، ولا تفتقر إلى خبر ، كقوله تعالى : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً)(٢)

فى قراءة من قرأ بالرفع ، فتكون التاء لتأنيث ميتة.

ويجوز أن تكون التاء لتأنيث الأجنة حملا على المعنى وتقديره ، وإن تكن الأجنة التى فى بطونها ميتة. فعلى هذا يكون ميتة منصوبا على / أنه خبر يكن ، واسمها مضمر فيها.

__________________

(١) ١١ سورة الطلاق.

(٢) ٤٠ سورة النساء.

ومن قرأ بالياء حمله على لفظ (ما) وأضمر فى تكن اسمها ونصب ميتة لأنه خبرها وتقديره ، وإن يكن ما فى بطون هذه الأنعام ميتة. ومن قرأ بالياء ورفع الميتة فلأن تأنيث الميتة ليس بحقيقى.

قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) (١٤٠).

سفها ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) (١٤١).

النخل والزرع ، منصوب بالعطف على جنات. وجنات ، منصوب بأنشأ. ومختلفا ، منصوب على الحال المقدرة ، أى ، سيكون كذلك. لأنها فى أول ما تخرج لا أكل فيها ، فتوصف باختلاف الأكل ، ولكن يكون اختلافه وقت إطعامها ، فهى حال مقدرة ، وهذا نحو قولك : رأيت زيدا مقيما غدا. فإنك لم تره فى حال إقامته إنما هو أمر تقدّره أن يكون غدا ، وقد قالوا : رأيت زيدا ومعه صقر صائدا به غدا. فصائدا منصوب على الحال المقدّرة على ما بيّنا.

قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) (١٤٢).

حمولة ، منصوب بالعطف على جنات ، وتقديره ، وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا.

قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) (١٤٣).

ثمانية ، منصوب من خمسة (١) أوجه :

__________________

(١) (من أربعة أوجه) هكذا فى ب.

لأول : أن يكون منصوبا بفعل مقدر ، وتقديره ، وأنشأ ثمانية أزواج وقيل : هو (١) منصوب بفعل مقدر ، وتقديره ، كلوا لحم ثمانية أزواج. فحذف الفعل والمضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه وهو (ثمانية) مقام المضاف وهو (لحم).

والثالث : أن يكون منصوبا على البدل من (ما) فى قوله : (كلوا مما رزقكم الله) على الموضع.

والرابع : أن يكون منصوبا على البدل من قوله : (حمولة وفرشا).

والخامس : أن يكون منصوبا على البدل من (ما) فى قوله : (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) أى ، حرّموا ثمانية أزواج. ومن الضأن اثنين ، بدل من (ثمانية أزواج) أى ، اثنتين من الضأن ، واثنتين من المعز ، واثنتين من الإبل ، واثنتين من البقر.

قوله تعالى : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا (٢) اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) (١٤٣).

الذّكرين (٣) ، منصوب بحرّم. والأنثيين ، معطوف بأم على الذكرين. وما اشتملت عليه ، معطوف بأم على الأنثيين ، و (أم) ههنا المتصلة لأنها معادلة للهمزة ، وتسمى ألف التسوية وهى بمعنى (أى) وقد قدمنا الكلام عليها.

قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) (١٤٥).

طاعم ، اسم فاعل من طعم يطعم ، وأكثر ما يجىء اسم الفاعل من فعل يفعل

__________________

(١) (والثانى أن يكون منصوبا) فى ب.

(٢) (أم ما) فى أ ، ب.

(٣) (الذين) فى «أ».

إذا كان لازما على فعل ، ويجىء على فاعل (إذا كان متعديا) (١) ، كعلم يعلم فهو عالم ، ويطعمه مضارع طعم. وقرئ ، يطّعمه بتشديد الطاء وكسر العين وأصله يطئعمه على وزن يفتعله إلا أنه أبدل من التاء طاء لأن التاء حرف مهموس والطاء حرف مطبق مجهور فاستثقل اجتماعهما فأبدل من التاء طاء لتوافق الطاء فى الإطباق ، وأدغم الطاء فى الطاء ، وأبدل من التاء طاء ولم يبدل من الطاء تاء لآن فى الطاء زيادة صوت على التاء ، فالطاء أزيد صوتا والتاء أنقص صوتا ، فأدغم الأنقص فى الأزيد ولم يدغم الأزيد فى الأنقص لأنه كان يؤدى إلى الإجحاف به وإبطال ماله من الفضل على مقاربه. وقد بيّنا ذلك فى مواضعه ، وإلا أن يكون ميتة ، أن وما بعدها فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع. وقرئ تكون بالتاء والياء. وميتة بالرفع والنصب.

فمن قرأ : تكون (٢) بالتاء ورفع ميتة جعل كان التامة ورفع ميتة بها ولا تفتقر إلى خبر ، وكان يلزم من قرأ ميتة بالرفع أن يقرأ أو دم مسفوح بالرفع وكذلك ما بعده ، إلا أنه عطفه على (أن) ولم يعطفه على ميتة. ومن قرأ بالياء ونصب ميتة أضمر فى كان مذكرا وجعله اسمها ، وتقديره ، إلا أن يكون المأكول ميتة. ومن قرأ بالتاء ونصب ميتة أضمر فى كان مؤنثا ، وتقديره ، وإن يكن المأكول ميتة. وقد قدمنا وجه قراءة التاء والياء والرفع والنصب فى قوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً)(٣). و (أو دما) وما بعده ، معطوف على ميتة فى قراءة من قرأها بالنصب. وقوله : فإنه رجس ، اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ، لأن قوله : أو فسقا ، معطوف على قوله : أو لحم خنزير.

قوله تعالى : (أَوِ الْحَوايا) (١٤٦).

جمع حويّة ، وقيل : حاوية ، وقيل : حاوياء ، مثل نافقاء. وفى موضعها وجهان :

__________________

(١) ساقطة من أ

والمعروف أن اسم الفاعل يحول عند قصد المبالغة إلى (فعّال ، مفعال ، مفعول ، فعيل ، فعل) وهذه الصيغ الخمس سماعية. وابن الانبارى يشير هنا إلى الصفة المشبهة.

(٢) أ ، ب (تكن) وهو خطأ.

(٣) (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ١٣٩ سورة الأنعام.

الرفع والنصب. فالرفع على أنه معطوف على قوله : ظهورها. والنصب من وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (ما) فى قوله : (إلّا ما حملت) و (ما) فى موضع نصب على الاستثناء من الشحوم ، وهو استثناء من موجب.

والثانى : أن يكون معطوفا على قوله : شحومهما. وتقديره ، حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما ، فعلى هذا التقدير فى الآية تقديم وتأخير / وتكون الحوايا محرمة عليهم بخلاف ما قبله.

قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) (١٤٦).

ذلك ، فى موضع نصب لأنه مفعول ثان لجزيناهم ، وتقديره ، جزيناهم ذلك ببغيهم ، ولا يجوز الرفع إلا على وجه ضعيف وهو أن يكون التقدير فيه ، جزيناهموه. فيكون كقولك : زيد ضربت. أى ، ضربته ، وهذا لا يجوز إلا على ضعف.

فأما قراءة ابن عامر :

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)(١)

بالرفع فإنما قوّاها أنه قد انضم إلى حذف الهاء ضم الكاف فى (كل) فاجتمع فيه سببان ، الحذف وطلب المشاكلة ، فقوى الرفع ، ويجوز أن يقوى الشىء بسببين ويضعف بسبب واحد كما لا ينصرف.

قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (١٥٠).

أصل هلم ، هاء المم ، فحذفت همزة الوصل من المم لأنها تسقط فى الدّرج فاجتمع ساكنان ألف هاء ولام المم ، فحذفت ألف (هاء) لالتقاء الساكنين ، وألقيت ضمة الميم الأولى على اللام وأدغمت الميم الأولى فى الثانية وحركت الثانية لالتقاء الساكنين بالفتح لأنه أخف الحركات فصار (هلم) وذهب الكوفيون إلى أن (هلم) مركبة من (هل) و (أمّ) ولم يريدوا بهل الاستفهامية كما غلط أبو على عليهم بقوله : ولا معنى

__________________

(١) ٩٥ سورة النساء ، ١٠ سورة الحديد.

للاستفهام ههنا ، وإنما أرادوا بها هل التى فى قولهم : حىّ هل ، أى أقبل. وأم بمعنى اقصد ثم حذفوا الهمزة من أمّ لكثرة الاستعمال وركبوها مع هل فصار هلم. والأول : أصح.

قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (١٥١).

ما ، يجوز أن تكون اسما موصولا وأن تكون استفهامية ، فإن كانت اسما موصولا كانت بمعنى الذى فى موضع نصب لأنها مفعول (اتل) و (حرّم ربكم) صلته ، والعائد محذوف وتقديره ، حرّمه ربكم ، فحذف الهاء العائدة للتخفيف. ويكون (ألا تشركوا به شيئا) ، فى موضع نصب على البدل من الهاء أو من (ما). ولا ، زائدة ، وتقديره ، حرّم أن تشركوا.

ويجوز أن تكون (ألا تشركوا) فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو ألا تشركوا. ولا زيادة فى هذا الوجه أيضا.

ويجوز أن تكون أن بمعنى أى ، و (لا) نهى وتقديره ، أى لا تشركوا ، وإن كانت (ما) استفهامية / كانت فى موضع نصب بحرّم. وتقديره ، أىّ شىء حرم ربكم.

ويجوز أن تقف على قوله : ربكم. ثم تبتدئ وتقرأ : عليكم ألّا تشركوا ، أى عليكم ترك الإشراك ، فيكون (ألا تشركوا) فى موضع نصب على الإغراء بعليكم.

قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) (١٥٣).

قرئ : أنّ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن قرأ بالفتح كان (أنّ) فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، ولأن هذا صراطى. ومن فتح وخفف النون جعلها مخففة من الثقيلة فى موضع نصب كقراءة من قرأها مثقّلة.

ومن قرأ بالكسر جعلها مبتدأة ومستقيما منصوب على الحال المؤكدة من صراطى ، وكانت مؤكدة لأن صراط الله تعالى لا يكون إلا مستقيما.

قوله تعالى : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (١٥٤).

تماما ، منصوب على المصدر أو على المفعول له. وأحسن ، قرئ بفتح النون والرفع. فمن قرأ : أحسن بالفتح جعل أحسن فعلا ماضيا وهو صلة الذى ، وفيه ضمير مقدر يعود على الذى ، وتقديره ، تماما على المحسن هو.

وقيل : العائد إلى الذى والفاعل مقدر ، والتقدير ، تماما على الذى أحسنه الله إلى موسى من الرسالة.

ومن قرأ : أحسن بالرفع كان أحسن مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، على الذى هو أحسن. والجملة من المبتدأ والخبر صلة الذى ، وحذف المبتدأ من الجملة إذا وقعت صلة الذى قليل.

قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) (١٥٥).

أنزلناه ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة كتاب. ومبارك ، وصف ثان.

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) (١٥٦).

أن تقولوا : يتعلق بأنزلناه ، وتقديره ، كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا. وإن كنا ، إن مخففه من الثقيلة عند البصريين ، وتقديره ، وإن كنا. وذهب الكوفيون إلى أنها بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا) وتقديره ، وما كنا عن دراستهم إلا غافلين. وقد ذكرنا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١٦٠).

يقرأ بالتنوين والإضافة ، فمن قرأ بالتنوين ، كان (عشر) مبتدأ وأمثالها ، صفة له ، و (له) خبر المبتدأ مقدم عليه. ومن قرأ بالإضافة كان فى حذف الهاء من عشر ثلاثة أوجه :

__________________

(١) مسألة ٢٤ ح ١ ص ١٢٣ الإنصاف.

الأول : أن يكون التقدير فيه ، عشر حسنات أمثالها. فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. هذا / مذهب سيبويه ، وإن كان لا يرى حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه فى نحو ، مررت بثلاثة صالحين ، إلّا أن المثل وإن كان وصفا فى الأصل إلا أنه أجرى مجرى الاسم فى نحو قولهم : مررت بمثلك. ولا يلزم ذكر الموصوف معه.

والثانى : أنه حمل أمثالها على المعنى لأن الأمثال فى معنى حسنات ، فكأنه قال : عشر حسنات.

والثالث : أن يكون اكتسى المضاف التأنيث من المضاف إليه

كقوله تعالى : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ)(١)

فى قراءة من قرأ بالتاء ، وكقولهم : ذهبت بعض أصابعه.

والأول أوجه.

قوله تعالى : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١٦١)

دينا ، منصوب بتقدير فعل دل عليه (هدانى) فى الأول ، والتقدير فيه ، هدانى دينا. وقيل : هو بدل من صراط على الموضع لأن هدانى إلى صراط ، وهدانى صراطا ، بمعنى واحد ، فحمله على المعنى ، وأبدل دينا من صراط.

وقيل : تقديره ، عرفنى صراطا. وقيل : هو منصوب بتقدير أعنى دينا. وقيّما ، بالتشديد أصله (قيوم) على وزن فيعل ، إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبت الواو ياء ، وجعلتا ياء مشددة.

ومن قرأ : قيّما بالتخفيف على فعل أى ، دينا ذا استقامة ، فكان القياس أن يأتى بالواو فيقول : قوما ، نحو : حول وعوض. إلا أنه جاء شاذا عن القياس ، ومن جعله جمع قيمة ، أى ، ذا قيمة لم يكن خارجا عن القياس. وقيّما ، منصوب لأنه وصف دينا.

قوله تعالى : (مَحْيايَ). (١٦٢).

__________________

(١) ١٠ سورة يوسف.

قرئ بفتح الياء وسكونها ، فمن قرأ بالتحريك (والفتح) (١) فلوجهين :

أحدهما : أنه أتى به على الأصل لأن من حق الياء أن تكون متحركة مفتوحة كالكاف فى (أكرمتك) وإنما كان الأصل فى الكاف أن تكون متحركة لأنه اسم مضمر على حرف واحد ، فينبغى أن يبنى على حركة تقوية له ، وكانت الفتحة أولى لأنها أخف الحركات. والثانى : أنها ساكنة قبلها ساكن واجتمع ساكنان ، وساكنان لا يجتمعان فوجب التحريك لالتقاء الساكنين ، والفتح أولى لما ذكرنا ، ومن قرأ بسكون الياء فلأن حرف العلة يستثقل عليه حركات البناء ، وجمع بين ساكنين لأنّ الألف فيها فرط مدّ ولهذا اختصت بالتأسيس والرّدف ، فتنزل المد الذى فيها بمنزلة الحركة ، وقد حكى عنهم أنهم قالوا : (التقت حلقتا البطان. وله ثلثا المال) ولهذا أجاز الكوفيون إلحاق نون التوكيد الخفيفة فى فعل الاثنين ، نحو يفعلان ، وفعل جماعة النسوة / فى نحو : إفعلنان ، وإن كان يؤدى إلى اجتماع الساكنين لما فى الألف من فرط المد ، وأما البصريون فيأبون ذلك كله ويضعّفون قراءة نافع (محياى) بالسكون ويحملون السكون على نية الوقف وقد بيّنا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).

قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) (١٦٤).

غير الله ، منصوب لأنه مفعول (أبغى). وربّا ، منصوب على التمييز ، والتقدير ، أأبغى غير الله من ربّ. فحذف من ، فانتصب على التمييز.

قوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) (١٦٥).

درجات ، منصوب لأنه مفعول رفع ، بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، ورفع بعضكم فوق بعض إلى درجات ، فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل به فنصبه. والله أعلم.

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) المسألة ٩٤ الإنصاف ٢ ـ ٣٨١.

غريب إعراب سورة الأعراف

قوله تعالى : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٢).

كتاب ، مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه خبر (المص) على قول من جعله مبتدأ.

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هذا كتاب.

قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢).

اللام ، متعلقة بأنزل ، وتقديره : كتاب أنزل إليك لتنذر به. وفصل بينهما بقوله :

(فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) (٢)

وذكرى ، يجوز أن تكون فى موضع رفع ونصب وجر. فالرفع من وجهين :

أحدهما : الرفع بالعطف على كتاب.

والثانى : على تقدير مبتدأ ، والتقدير ، هذه ذكرى. والنصب من وجهين :

أحدهما : بالعطف على موضع (لتنذر به) أى ، إنذارا وذكرى.

والثانى : بالعطف على موضع الهاء فى (به).

والجر بالعطف على (لتنذر) لأن معناه ، للإنذار. فكأنه قال : للإنذار والذكرى.

قوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(١) (٣).

قليلا ، منصوب بالفعل الذى بعده. وما ، زائدة ، وتقديره ، قليلا تذكّرون.

وتقدير النصب فيه من وجهين :

__________________

(١) (يذكرون) بالياء فى أ ، ب.

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه صفة لمصدر محذوف ، وتقديره : تذكرون تذكرا قليلا.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه صفة لظرف زمان محذوف ، وتقديره ، زمانا قليلا. فإن جعلت (ما) مصدرية لم يجز أن تنصب قليلا بالفعل الذى بعده ، لما يؤدّى إليه من تقديم الصلة على الموصول.

قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤).

كم ، فى موضع رفع بالابتداء. وأهلكناها (١) ، جملة فعلية فى موضع جر صفة لقرية. وفجاءها بأسنا ، خبر المبتدأ ، ومعنى أهلكناها ، قارب إهلاكنا إيّاها. ولا بدّ من هذا التقدير / ليصح قوله : فجاءها بأسنا ، لأن الإهلاك إذا وجد وجد البأس ، فلم يكن فيه فائدة بخلاف ما إذا حملته على المقاربة ، فإنه يصح المعنى ويتضح ، ويجوز أن تكون (كم) فى موضع نصب بفعل مقدر دل عليه (جاءها بأسنا) لا (أهلكنا) لأن (أهلكنا) صفة ، والصفة لا تعمل فى الموصوف ولا تكون تفسيرا لفعل مقدّر يعمل فى الموصوف. وبياتا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال وهم قائلون ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من أهل القرية.

قوله تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) (٨).

الوزن ، مرفوع لأنه مبتدأ. ويومئذ ، خبره. والحق مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنه صفة للوزن ، ولا يجوز تقديمه عليه لأن الصفة لا يجوز أن تتقدم على الموصوف.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه بدل من المضمر المرفوع فى الظرف الذى وقع خبرا للمبتدأ ، ولا يجوز تقديمه على الظرف لأن البدل لا يجوز أن يتقدم على المبدل منه.

__________________

(١) (أهلنا) فى أ.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه خبر عن الوزن ، ويومئذ ، ظرف ملغى منصوب بالوزن ، أو مفعول على السّعة ، ويجوز فى مثل هذا تقديم الحق على الوزن لأنه يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه ، ولا يجوز تقديمه على يومئذ ، لأنه لا يجوز أن يفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ ، كما لا يجوز أن يفصل بين الموصول وصلته بخبر المبتدأ ، ويجوز أن تنصب (الحق) على المصدر ، ويومئذ خبر الوزن ، ويجوز تقديم يومئذ على الوزن فى هذا النحو لأنه وقع خبرا له ، ولو وقع صلة لم يجز تقديمه عليه ، لأن ما وقع فى صلة المصدر لا يتقدم عليه.

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) (١٠).

معايش جمع معيشة ، وأصل معيشة معيشة على وزن مفعلة ، إلا أنه نقلت كسرة الياء إلى العين ، والميم فيها زائدة ، لأنها مفعلة من العيش ، ولا يجوز همزها لأن فيها الياء أصلية ، وأصلها فى الواحد أن تكون متحركة ، ولو كانت زائدة أصلها فى الواحد السكون ، نحو ، كتيبة على فعيلة لهمزت فى الجمع ، نحو : كتائب ، وقد قرئ : معائش بالهمز على تشبيه الأصلية بالزائدة ، وهى قراءة ضعيفة فى القياس.

قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١٢).

ما ، استفهامية فى موضع رفع بالابتداء. ومنعك ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها خبر المبتدأ. وألّا تسجد ، فى موضع نصب بمنعك. ولا ، زائدة وتقديره ، ما منعك أن تسجد. كقوله تعالى فى موضع آخر :

(ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(١)

وتزاد (٢) كثيرا فى كلامهم. قال الشاعر :

__________________

(١) ٧٥ سورة ص.

(٢) (ولا تزاد) فى ب.

٧٧ ـ ولا ألوم البيض ألّا تسخرا

إذا رأين الشّمط القفندرا (١)

أراد : [أن] يسخر. وقال الآخر :

٧٨ ـ فى بئر لاحور سرى وما شعر (٢)

أراد : فى بئر حور. وقال الآخر :

قد يكسب المال الهدان الجافى

بغير لاعصف ولا اصطراف (٣)

أراد : بغير عصف. والشواهد على هذا كثيرة جدا. وإذ أمرتك ، ظرف زمان والعامل فيه (تسجد).

قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦).

صراطك ، منصوب (بلأقعدن) على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره لأقعدن لهم على صراطك. فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه ، وهذا كقولهم : ضرب زيد البطن والظهر ، أى ، على البطن والظهر. وقول الشاعر :

٧٩ ـ آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والبرّ يأكله فى القرية السّوس (٤)

أى : على حب العراق ، والشواهد على هذا النحو كثيرة.

__________________

(١) هذا الشاهد نسبه ابن جنى فى الخصائص إلى أبى النجم ٢ ـ ٢٨٣ ، والشمط : العجوز. والقفندر : القبيح المنظر.

(٢) نسبه ابن يعيش إلى العجاج. شرح المفصل ٨ ـ ١٣٦.

(٣) ونسب ابن جنى هذا الشاهد إلى العجاج. الخصائص ٢ ـ ٢٨٣. الهدان : الأحمق الثقيل ـ العصف : الكسب ـ اصطراف : افتعال من الصرف. أى التصرف فى وجوه الكسب.

(٤) سبق الحديث عنه فى الشاهد رقم

قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) (١٨).

مذءوما ، نصب على الحال من المضمر المرفوع فى (اخرج) والعامل فيه (اخرج).

قوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) (٢٠).

ما ، نافية. ونهاكما ، أصله نهيكما ، لأنه من النهى ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. وهذه ، أصلها (هاذى) بالياء التى تدل على التأنيث فقلبت هاء لأنها خفيّة ، كما أنها خفية فلاشتراكهما فى الخفاء قلبت منها ، ونظيرها قلبهم الياء هاء قولهم فى هنيّة ، هنيهة ، وأصل هنيّة هنيوة إلا أنه لما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشددة ، وأبدلوا من الياء التى هى لام ، هاء ، فقالوا هنيهة ، وحركت الهاء (١) فى هذه تشبيها لها بهاء الإضمار ومن العرب من يسكنها كما كانت الياء التى انقلبت عنها ساكنة. والشجرة ، صفة لهذه ، وهى (٢) اسم جنس واحدته شجرة ، وأسماء الإشارة توصف بالأجناس.

قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢١).

لكما ، متعلق بمحذوف ، وتقديره ، ناصح لكما لمن الناصحين. ولا يجوز أن يكون متعلقا بالناصحين لأن الألف واللام فيه بمنزلة الاسم الموصول ، واسم الفاعل صلة له والصلة لا تعمل فى الموصول ، ولا فيما قبله ، فإن جعلت الألف واللام للتعريف لا بمعنى الذين جاز / أن يتعلق بالناصحين وهو قول أبى عثمان المازنى.

قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا) (٢٣).

دخلت إن الشرطية على لم لتردّ الفعل إلى أصله وهو الاستقبال ، لأن (لم) تردّ الفعل المستقبل إلى معنى الماضى. ألا ترى أنك تقول : لم أقم ، أى ، ما قمت. وإن الشرطية تردّ الماضى إلى معنى الاستقبال ، ألا ترى أنك تقول : إن قمت قمت ، أى ،

__________________

(١) (الياء) فى ب.

(٢) اسم الجنس (شجر).

إن تقم أقم ، فلما صار لفظ الفعل المستقبل بعد (لم) بمعنى الماضى ردّتها إلى الاستقبال لأنها ترد الماضى إلى الاستقبال.

قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٢٦).

قرئ : لباس بالنصب والرفع ، فالنصب بالعطف على قوله : وريشا ، أى : أنزلنا ريشا ولباس التقوى. والرفع على أنه مبتدأ ، وفى ذلك خمسة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا على أنه مبتدأ ثان. وخير ، خبره. والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول.

والثانى : أن يكون (ذلك) فصلا ، وخير ، خبر المبتدأ الذى هو (لباس التقوى).

والثالث : أن يكون (ذلك) وصفا للباس التقوى.

والرابع : أن يكون بدلا.

والخامس : أن يكون عطف بيان ، كأنه قال : ولباس التقوى المشار إليه خير ، كما تقول : زيد هذا ذاهب.

قوله تعالى : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) (٢٧).

ينزع ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (أخرج).

قوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (٢٧).

حيث ، مبنية على الضم ، وإنما بنيت لوجهين :

أحدهما : أنها اقتطعت عن الإضافة إلى المفرد لأنها لا يجوز إضافتها إلا إلى الجمل ، فلما اقتطعت عن الإضافة إلى المفرد وهو الأصل تنزل منزلة بعض الكلمة ، لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة ، فلما تنزلت منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنى.

والثانى : إنما كان مبنيا لأنه أشبه الحرف ، لأنه لا يفيد مع كلمة واحدة ، كما أن الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة ، لأنه يلزم إضافته إلى الجمل ، والجملة أقل ما تكون مركبة من كلمتين ، مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل ، فلما أشبه الحرف والحرف مبنى فكذلك ما أشبهه ، وبنيت على حركة لالتقاء الساكنين ، وفيها ست لغات :

بالياء مع الضم والفتح والكسر ، وبالواو مع الضم والفتح والكسر ، وهى :

حيث وحيث وحيث ، وحوث وحوث وحوث.

فمن بناها على الضم فلأنها أقوى الحركات تعويضا عمّا منعته من الإضافة إلى المفرد / ، ومن بناها على الفتح فلأنه أخف الحركات ، ومن بناها على الكسر فلأنه الأصل فى التقاء الساكنين وبناؤها على الضم أفصح اللغات ، وهى اللغة التى نزل بها القرآن.

قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢٩).

الكاف فى (كما) فى موضع نصب لأنها صفة مصدر محذوف وتقديره ، تعودون عودا مثل ما بدأكم ، وقيل تقديره ، تخرجون خروجا مثل ما بدأكم.

قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (٣٠).

فريقا الأول ، منصوب بهدى. وفريقا الثانى منصوب بتقدير فعل دل عليه ما بعده ، وتقديره ، وأضل فريقا حق عليهم الضلالة. ويجوز أن يكون منصوبا على الحال من المضمر فى (تعودون) ، وتقديره ، كما بدأكم تعودون فى هذه الحالة ، ويؤيد هذا قراءة أبىّ : تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة.

قوله تعالى : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٣٢).

خالصة ، قرئ بالرفع والنصب ، فالرفع على أنه خبر ثان للمبتدأ وهو (هى) وهى ، مبتدأ. وللذين آمنوا ، خبره. وخالصة ، خبر ثان. والنصب على الحال من الضمير الذى

فى (للذين) الذى هو الخبر ، وهو العامل فى الحال ، والعامل فى الحال على الحقيقة هو الفعل الذى قام (للذين آمنوا) مقامه ، وتقديره ، قل هى استقرت للذين آمنوا فى حال خلوصها يوم القيامة. وإنما لما حذف الفعل ، وأقيم (للذين) مقامه وانتقل الضمير الذى كان فيه إليه ، ارتفع به كما يرتفع بالفعل ، وجعل هو العامل فى الحال كالفعل. وفى الحياة الدنيا ، يجوز أن يكون ظرفا للخبر الذى هو (للذين آمنوا) ، ويجوز أن يكون خبرا ، ولا يجوز أن يتعلق فى الحياة الدنيا بزينة الله ، لأن زينة مصدر وقد وصف بقوله : (التى أخرج لعباده) والمصدر إذا وصف لا يعمل لأنه يخرج عن شبه الفعل ، ولأنه يقع به الفصل بين الموصول وصلته ، وذلك لأن معمول المصدر فى صلته ، ووصفه ليس فى صلته ، وإذا قدّمت صفة المصدر على معموله قدّمت ما ليس فى صلته على ما فى صلته ، وذلك لا يجوز ، ولهذا لا يجوز أن يتعلق بإخراج لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول ، ويبعد أن يعلق بحرّم ، لما فيه من الفصل بين الحال وصاحبه ، فيمن نصب خالصة ، وبين الخبرين فيمن رفعها.

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ) (٣٣).

ما ، فى موضع نصب على البدل من الفواحش ، وأن تشركوا ، فى موضع نصب بالعطف على الفواحش ، وكذلك قوله : (وأن تقولوا على الله).

قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) (٣٨).

إدّاركوا أصله تداركوا على وزن تفاعلوا ، إلا أنه أبدلت التاء دالا وأدغمت الدال فى الدال فسكنت الدال الأولى ، والابتداء بالساكن محال فاجتلبت ألف الوصل لئلا يبتدأ بالساكن ، ونظيره (إدّارأتم ، واطّيرنا) ولا يجوز أن يوزن مع ألف الوصل فتقول : افّاعلوا ، لأنه يصير الزائد أصليا لأن التاء الزائدة صارت فاء الفعل لإدغامها فيها ، وذلك لا يجوز. وجميعا ، منصوب على الحال من الضمير الذى فى (ادّاركوا).

قوله تعالى : (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) (٤١).

غواش ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. ومن فوقهم ، خبره ، وأصل غواش ألا ينصرف لأنه جمع بعد ألفه حرفان على وزن فواعل ، وهو جمع غاشية ، إلا أن التنوين دخلها عوضا عن حذف الياء ، وقيل : بل حذفت الياء حذفا للطول فلما نقص البناء عن وزن فواعل دخله التنوين على الأصل.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٤٢).

الذين آمنوا ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره ، أولئك أصحاب الجنة. ولا نكلف نفسا إلا وسعها ، اعتراض وقع بين المبتدأ وخبره ، ويجوز أن يكون التقدير فيه ، لا نكلف نفسا منهم. فحذف (منهم) كقوله تعالى :

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١)

أى ، ذلك الصبر منه ، أى ، من الصابر.

قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) (٤٣).

تجرى ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (صدورهم).

قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٤٣).

أن وصلتها ، فى موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، أى ، لو لا هداية الله موجودة لهلكنا أو لشقينا ، ولا يجوز إظهار خبر المبتدأ بعد لو لا لطول الكلام بها ، كما لا يجوز إظهاره بعد القسم فى قوله تعالى :

__________________

(١) ٤٣ سورة الشورى.

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١)

أى ، لعمرك قسمى ، ولا يجوز إظهاره لطول الكلام بجواب القسم.

قوله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ) (٤٤).

قرئ : أن بالتشديد والتخفيف مع الفتح ، وقرئ : إنّ بالتشديد مع الكسر.

فمن قرأ بالتشديد نصب اللعنة بها ، ومن قرأ بالتخفيف رفع اللعنة وجعلها مخففة من الثقيلة وتقديره ، أنه لعنه الله. فخفف وحذف اسمها وإحدى / النونين وهى الأخيرة لأنها الطّرف ، وموضع أن المفتوحة بالتشديد والتخفيف نصب بأذّن أو بمؤذن على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، بأن ، ويجوز أن تكون (أن) إذا خففت بمعنى (أى) مفسرة ولا موضع لها من الإعراب. ومن قرأ : إنّ بكسر الهمزة مع التشديد فإنه قدّر القول كأنه قال : إنّ لعنة الله. وبينهم ، منصوب على الظّرف ، والعامل أذّن أو مؤذّن على اختلاف بين النحويين ، فالبصريون يختارون أن يكون متعلقا بمؤذن لأنه أقرب إليه من (أذّن) ، والكوفيون يختارون (أذّن) لأنه الأول والعناية (٢) به أكثر ، فإن جعلت بينهم وصفا لمؤذن جاز ، ولكن لا يجوز أن يعمل فى (أنّ) لأن اسم الفاعل إذا وصفته بطل عمله ، ولأنه يخرج بذلك عن شبه الفعل.

قوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (٤٦).

يعرفون كلّا ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة لرجال.

قوله تعالى : (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (٤٦).

هم ، مبتدأ. ويطمعون جملة فعلية فى موضع خبر المبتدأ ، والمبتدأ وخبره فى موضع نصب على الحال من الضمير المرفوع فى (يدخلوها) ومعناه ، أنهم يئسوا من الدخول فلم يكن لهم طمع فيه ولكنهم دخلوا وهم على يأس من ذلك. ويجوز أن يكون معناه ،

__________________

(١) ٧٢ سورة الحجر.

(٢) (والعنا) فى أ. والنص فى الإنصاف ١ ـ ٦٢.

لم يدخلوها بعد ولكنهم يطمعون فى الدخول بعد ذلك ، ولكن على هذا الوجه لا يكون للجملة موضع من الإعراب.

قوله تعالى : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) (٤٩).

الهمزة فى أهؤلاء ، همزة الاستفهام. وهؤلاء ، مبتدأ. والذين ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، أهؤلاء [هم] الذين أقسمتم عليهم. فحذف عليهم. ولا ينالهم الله برحمة ، جواب أقسمتم والقسم وجوابه فى صلة الذين.

قوله تعالى : (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما) (٥٠).

ولم يقل ، حرّمه ، وإن كان التقدير ، أفيضوا علينا أحد هذين لأن أو ههنا للإباحة ، وهى لتجويز الجمع كقولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين. فيجوز أن يجمع بينهما ، فأشبهت الواو التى للجمع فحملت عليها ، وإن كانت أو لتجويز الجمع ، والواو لإيجاب الجمع ، والدليل على أنهم يقيمونها مقامها قول الشاعر :

٨٠ ـ وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما

أو يسرحوه بها واغبرّت السوح (١)

فقال ، سيان ، ثم جاء بأو ، وإنما يقال : سيان زيد وعمرو ، فحمل أو على الواو لاشتراكهما فى الجمع وإن وجد فى (أو) بصفة الجواز وفى الواو بصفة الوجوب.

قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٥١).

__________________

(١) الشاهد من شواهد المغنى ج ١٠ ص ٦١ ونسبه الشيخ الأمير إلى أبى ذؤيب. يسرحوا : يستعمل متعديا ولازما ـ والضمير فى (بها) للسنة المجدية ـ وسو ح ج ساحة. واغبرارها : كناية عن عدم النبات بها ـ وورد فى الخصائص ١ / ٣٤٨ ، ٢ / ٤٦٥.

ما الأولى ، وما التى بعدها ، فى تأويل المصدر وهى فى موضع جر بالكاف وتقديره ، فاليوم ننساهم كنسيانهم لقاء يومهم هذا. وما الثانية ، فى موضع جر بالعطف على (ما) الأولى.

قوله تعالى : (هُدىً وَرَحْمَةً) (٥٢).

منصوبان على الحال من الهاء فى (فصلناه) والتقدير ، فصلناه هاديا ذا رحمة.

قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) (٥٣).

يوم ، منصوب على الظرف والعامل فيه (يقول).

قوله تعالى : (فَهَلْ (١) لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ) (٥٣).

فيشفعوا ، منصوب بتقدير أن بعد فاء الجواب. أو نردّ ، مرفوع لأنه معطوف على الاستفهام قبله على تقدير : أو هل نردّ : لأن معنى : هل لنا من شفعاء ، هل يشفع لنا أحد أو هل نرد. فعطفه على المعنى. فنعمل ، منصوب على جواب التمنى بالفاء بتقدير (أن) حملا على مصدر ما قبله ، فالفاء فى المعنى تعطف مصدرا على مصدر ، وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) (٥٤).

حثيثا منصوب لوجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال أى حاثا.

__________________

(١) (هل) بدون الفاء فى أ ، ب.

والثانى أن يكون منصوبا صفة لمصدر محذوف ، وتقديره : يطلبه طلبا حثيثا.

والشمس والقمر ، يقرأ بالنصب والرفع ، فالنصب بالعطف على (السموات والأرض) فى قوله : إنّ ربكم الله الذى خلق السموات والأرض. والرفع على الابتداء. ومسخرات ، الخبر.

قوله تعالى : (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٥٥).

منصوبان من وجهين :

أحدهما : أن يكونا منصوبين على المصدر.

والثانى : أن يكونا منصوبين على الحال على معنى ذوى تضرع وخفية.

قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) (٥٦).

إنما قال : قريب ، بالتذكير لثلاثة أوجه :

الأول : أنه ذكره حملا على المعنى ، لأن الرحمة بمعنى الرحم وهو مذكر.

والثانى : أنه ذكّره لأن المراد بالرحمة المطر وهو مذكر.

والثالث : أنه ذكره على النسب ، أى ، ذات قرب ، كقولهم : امرأة طالق وطامث وحائض ، أى ، ذات طلاق وطمث وحيض.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (٥٧).

قرئ : نشرا بفتح النون وسكون الشين ، ونشرا بضم النون والشين ، ونشرا بضم النون وسكون الشين ؛ وبشرا بضم الباء والشين ، وبشرا بضم الباء وسكون الشين. فمن قرأ : نشرا بفتح النون وسكون الشين فإنه جعله مصدرا فى موضع الحال من قوله :

(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً)(١)

ومن قرأ : نشرا بضم النون والشين فإنه جعله جمع نشور بمعنى منشرة للأرض ، أى محببة ، كطهور بمعنى مطهر (٢) وفعول يجمع على فعل ، كصبور وصبر ، وغفور وغفر. ومن / قرأ بضم النون وسكون الشين جعله مخففا من نشر كرسل من رسل ، وهو منصوب على الحال. ومن قرأ : بشرا بضم الباء والشين فإنه جعله من قوله تعالى :

(يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) ، (٣)

أى ، يبشر بالمطر ، ويجعل بشرا جمع بشير. ومن قرأ بضم الباء وسكون الشين سكن الشين تخفيفا. وأصله : بشر بضم الباء والشين ، لأن فعيلا يجمع على فعل كرغيف ورغف ، وإلا أنه يجوز تخفيفه فيقال : رغف وكذلك كل جمع جاء على فعل فإنه يجوز أن يخفف فيقال فيه : فعل ، نحو ، كتب وكتب وأزر وأزر ، وما أشبه ذلك. وبشرا ، منصوب أيضا على الحال.

قوله تعالى : (وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) (٥٨).

يقرأ : نكدا بفتح النون وكسر الكاف ، ونكدا بفتح النون وسكون الكاف ، ونكدا بفتح النون والكاف. فمن قرأ نكدا بفتح النون وكسر الكاف جعله منصوبا على الحال من المضمر فى (يخرج). ومن قرأ بفتح النون وسكون الكاف فإنه حذف الكسرة من نكد لأن كل ما كان على فعل بفتح الفاء وكسر العين فإنه يجوز فيه حذف الكسرة ، كقولهم فى كتف كتف. ومن قرأ نكدا بفتح النون والكاف جعله منصوبا على المصدر.

قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) (٥٩).

__________________

(١) ٣ سورة المرسلات

(٢) (طاهر ، مطهر) فى أو المناسب ما أثبتنا.

(٣) ٤٦ سورة الروم.

قرئ : غيره بالرفع والجر. فالرفع على الوصف لإله على الموضع ، لأن موضعه رفع. والجر بالوصف لإله على اللفظ.

قوله تعالى : (آلاءَ اللهِ) (٦٩).

نعماؤه. واحدها : إلى ، وألى ، وإلى. وهى بمنزلة : آناء الليل وهى ساعاته.

قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (٧٥).

آمن منهم ، بدل من قوله : (للذين استضعفوا) بإعادة العامل ، كقوله تعالى :

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ)(١)

فقوله : لبيوتهم بدل من قوله : لمن يكفر بالرحمن ، وهذا يدل على أن العامل فى البدل غير العامل فى المبدل منه.

قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) (٨٠).

لوطا ، منصوب بتقدير فعل ، وتقديره ، واذكروا لوطا ، أو أرسلنا لوطا.

وقوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) (٨١).

تقرأ بهمزتين محققتين ، وتقرأ بتحقيق الأولى وتليين الثانية بغير مدّ ، (وتقرأ بتليين الثانية بعد مدّه (٢)) ، وتقرأ بحذف همزة الاستفهام. فمن قرأ بهمزتين محققتين فعلى الأصل الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة (إن). ومن قرأ بتحقيق الأولى وتليين الثانية بغير مدّه فإنه استثقل اجتماع همزتين وليّن / الثانية لأنه بها وقع الاستثقال ، ولهذا أجمعوا على تغييرها فى نحو : آدم وآخر. ومن قرأ بتليين الثانية بعد

__________________

(١) ٣٣ سورة الزخرف.

(٢) ساقطة من ب.

مدّه فإنه أراد التخفيف من جهتين ، إدخال المدّة وجعل الهمزة بين بين. ومن قرأ بحذف همزة الاستفهام فللتخفيف. وحذف همزة الاستفهام ليس بقوى فى القياس. وقد قدمنا ذكره.

قوله تعالى : (وَما يَكُونُ (١) لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٨٩).

أن وصلتها ، فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، وقيل تقديره ، وما يكون لنا أن نعود فيها إلا بمشيئة الله. وقوله : نعود فيها ، أى نصير ولا يريد به أن يرجع ، لأنه لم يكن فى ملة الكفر فخرج منها حتى يعود. قال الشاعر :

٨١ ـ فإن تكن الأيّام أحسن مرة

إلىّ فقد عادت لهنّ ذنوب (٢)

أى : صارت. وكقول الآخر :

٨٢ ـ وعاد الرأس منى كالثّغام (٣)

أى ، صار.

قوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) (٩٢).

الذين ، فى موضع رفع لأنه صفة أو بدل من الذين كفروا من قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ويجوز أن يكون فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره (كأن

__________________

(١) (وما كان) فى أ ، ب.

(٢) جاء هذا البيت فى شرح ديوان الحماسة ، ولم يذكر القائل ١ ـ ١٥٢. والمعنى أنه إذا كان الدهر أحسن لى مرة فطا لما أسخطنى وأبكانى.

(٣) لم أقف على صاحب هذا الشاهد. والثغام : مثل سلام ، نبت يكون بالجبال غالبا ، إذا يبس أبيض ويشبه به الشيب. المصباح المنير (ث غ م).

لم يغنوا). ويجوز أن يكون خبره (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) و (كأن لم يغنوا فيها) فى موضع نصب على الحال.

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ) (١٠٠).

أن لو نشاء ، فى موضع رفع لأنه فاعل يهد. وقرئ نهد بالنون فيكون ، أن لو نشاء ، فى موضع نصب بنهد.

قوله تعالى : (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) (٩٨) (١).

إذا فتحت الواو ، كانت الهمزة للاستفهام والواو حرف عطف ، وإذا قرأتها بإسكان الواو ، كانت الهمزة والواو أصليتين ، وكانت أو التى يراد بها أحد الشيئين ، وكان المعنى : أو كان الأمر من أحد هذين الشيئين من إتيان العذاب ليلا أو ضحى.

قوله تعالى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) (١٠٥).

قرئ بتشديد الياء وتخفيفها ، فمن قرأ بالتشديد كان قوله : ألا أقول ، فى موضع رفع بالابتداء ، وما قبله خبره. ومن قرأ بالتخفيف كان (أن) فى موضع جر بعلى بمعنى الباء ، وتقديره ، حقيق بأن لا أقول.

قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (١٠٧).

إذا ، للمفاجأة وهى مبتدأ. وثعبان ، خبره. كقولك : دخلت فإذا زيد جالس. فزيد مبتدأ ، وجالس خبره ، ويجوز أن تكون (إذا) خبره ، وتنصب جالسا على الحال ، فإن قلت : فكيف يجوز أن تقع إذا وهى ظرف زمان خبرا عن زيد وهو جثة ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث ، قلنا : الجواب من وجهين :

أحدهما : أنا لا نسلم أن (إذا) التى للمفاجأة ظرف زمان / وإنما هى ظرف مكان ،

__________________

(١) الآية ٩٨ وضعت هكذا فى أ ، ب وكان ينبغى أن تسبق الآية ١٠٠.

وإليه ذهب أبو العباس المبرد وجماعة من النحويين ، وظروف المكان يجوز أن تكون أخبارا عن الجثث.

والثانى : لو سلمنا أنها ظرف زمان ، إلا أن التقدير فى قولك : فإذا زيد (فإذا (١)) حدوث زيد ووجود زيد. أو نحوه من المصادر ، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، كقولهم : الليلة الهلال ، أى ، حدوث الهلال أو طلوع الهلال ، ثم حذف المضاف وهو المصدر ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وظروف الزمان تكون أخبارا عن المصادر ، كقولك : الصلح يوم الجمعة ، والقتال يوم السبت. ومثله :

(فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)(٢).

قوله تعالى : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ) (١١٥).

أن ، فيهما ، فى موضع نصب على تقدير ، إما أن تفعل الإلقاء وإما أن نفعل الإلقاء. كقول الشاعر :

٨٣ ـ قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا (٣)

فنصب الركوب بتقدير فعل فكذلك ههنا.

قوله تعالى : (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) (١١٧).

فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون مصدرية فى موضع نصب ، وتقديره : بأن ألق عصاك. فحذف حرف الجر فاتصل الفعل بها.

والثانى : أن تكون مفسرة بمعنى أى ، فلا يكون لها موضع من الإعراب

__________________

(١) زيادة فى ب.

(٢) ١٠٨ سورة الأعراف ـ ٣٣ سورة الشعراء.

(٣) الشطر الأول من بيت ، وعجزه :

(أو تنزلون فإنا معشر نزل)

وهو لأعشى قيس ـ ديوانه ص ٦٣.

كقوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا)(١) أى ، أى امشوا.

قوله تعالى : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ) (١٣٢).

مهما ، فيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون أصلها (ماما) (وما) فيها للشرط زيدت الثانية للتأكيد وركبت إحداهما مع الأخرى ، فاستثقل اجتماعهما بلفظ واحد ، فأبدل من ألف (ما) الأولى (هاء).

والثانى : أن يكون أصلها (مه) بمعنى اكفف واسكت ، زيدت عليها (ما) التى الشرط ، وقيل : حدث فيها معنى الشرط بالتركيب.

والثالث : ألّا تكون مركبة ، بل هى حرف واحد ، لأن الأصل عدم التركيب ولا مانع أن تكون موضوعة على هذا المعنى من غير تركيب.

والوجهان الأولان أشهر من هذا الوجه.

ومهما ، اسم والدليل على أنه اسم عود الضمير إليه من قوله تعالى : (تأتنا به) وهو فى موضع نصب بتأتنا على قول من قال : زيدا ضربته ، ويجوز أن يكون فى موضع رفع على قول من قال : زيد ضربته. وتأتنا ، مجزوم بمهما لأنه شرط ، وجواب الشرط قوله تعالى : (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).

قوله تعالى : (آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) (١٣٣).

منصوب على الحال مما قبله من الأشياء التى ذكرها فى قوله تعالى :

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ)

__________________

(١) ٦ سورة ص.

والعامل فيها أرسلنا.

قوله تعالى : (إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) (١٣٥).

هم بالغوه ، جملة اسمية فى موضع جر صفة (أجل).

قوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها) (١٣٧).

مشارق الأرض ومغاربها ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على أنه مفعول والعامل فيه (أورثنا) أى ، جعلناهم ملوك الشام ومصر.

والثانى : أن يكون منصوبا على الظرف والعامل (يستضعفون) ، وفى موضع (التى) وجهان :

أحدهما : أن يكون فى موضع نصب على الوصف لمشارق الأرض ومغاربها.

والثانى : أن يكون فى موضع جر على الوصف للأرض. والضمير فى فيها ، فيه وجهان :

أحدهما : أنه يعود إلى مشارق الأرض ومغاربها.

والثانى : أنه يعود إلى الأرض ، وتقديره ، مشارق الأرض التى باركنا فيها ومغاربها. ففصل بين الصفة والموصوف بالمعطوف على المضاف إلى الموصوف ، وهذا كقولك : أكرمت صاحب زيد وجاريته العاقل فإنك فصلت بين الصفة التى هى (العاقل) وبين الموصوف الذى هو (زيد) بالمعطوف على المضاف الذى هو (صاحب) إلى الموصوف الذى هو (زيد).

قوله تعالى : (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ) (١٣٧).

اسم كان مضمر فيها وهو يعود على (ما). ويصنع ، خبرها. والهاء منه ،

محذوفة ، وتقديره ، يصنعه ، وهو يعود على اسم كان المضمر العائد على (ما) ، وقيل : إن كان زائدة ، وتقديره ، ودمّرنا ما يصنع فرعون. وقد جاء زيادة كان فى كلامهم ، فقد قالوا : زيد كان قائم ، أى : زيد قائم. وقال الشاعر :

٨٤ ـ سراة بنى أبى بكر تسامى

على كان المسوّمة العراب (١)

أى على المسومة العراب ، إلى غير ذلك من الشواهد. وقد أجاز بعض النحويين أن يكون فرعون ، اسم كان. ويصنع ، خبر كان مقدم على اسمها ، وفيه بعد عند البصريين لأن إعمال الفعل الثانى أولى من الأوّل.

قوله تعالى : (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (١٣٨).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى ، ولهم ، صلته. وفى (لهم) ضمير يعود إليه ، وآلهة ، مرفوع ، وفى رفعه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون مرفوعا على البدل من الضمير المرفوع فى (لهم).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى آلهة.

والثالث : أن يكون مرفوعا بلهم على تقدير ، كما استقر لهم آلهة.

قوله تعالى : (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) (١٤٠).

والتقدير فيه ، أبغى لكم إلها غير الله. وغير الله ، منصوب على الحال لأن صفة النكرة إذا تقدمت عليها انتصب على الحال ، وقيل : إلها ، منصوب على التفسير.

قوله تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها

__________________

(١) هذا الشاهد لم يعرف العلماء له قائلا. واستشهد به فى جميع كتب النحو على زيادة (كان) وجاء فى (فرائد القلائد فى مختصر شرح الشواهد) ص ٩٣ : لا يعرف هذا إلا من قبل الفراء.

بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (١٤٢).

ووعدنا موسى ثلاثين ليلة ، أى تمام ثلاثين ليلة ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وهو فى موضع المفعول الثانى لوعدنا ، ولا يجوز أن يكون (ثلاثين) منصوبا على الظرف لأن الوعد لم يكن فى الثلاثين ، فتم ميقات ربه أربعين ليلة. وأربعين ليلة ، منصوب على الحال كأنه قال : فتم ميقات ربه معدودا أربعين ليلة ، وقال موسى لأخيه هرون ، هرون مجرور على البدل من أخيه أو على عطف البيان ، وقرئ هرون بالضم على أنه منادى مفرد ، وحذف حرف النداء ، وتقديره ، يا هرون ، والمنادى المفرد مبنى على الضم.

قوله تعالى : (جَعَلَهُ دَكًّا) (١٤٣).

يقرأ : دكّا بتنوين من غير مدّ ، ودكّا بمد من غير تنوين. فمن قرأ بتنوين من غير مد فهو منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر من : دككت الأرض دكّا ، إذا جعلتها مستوية.

والثانى : أن يكون منصوبا على المفعول وفيه حذف مضاف لأن الفعل الذى قبله ليس من لفظه وهو (جعل) ، وتقديره ، فجعله ذا دكّ ، أى ، ذا استواء. ومن قرأ : دكاء بالمد من غير تنوين ، فالتقدير فيه : فجعله مثل أرض دكاء ، أى ، مستوية ، ولم ينصرف لأنه مثل (حمراء) فى آخره ألف التأنيث الممدودة ، وألف التأنيث تقوم مقام سببين فى منع الصرف ، سواء كانت ممدودة أو مقصورة ، لأنها صيغت عليها الكلمة فى أول أحوالها فصار التأنيث ولزومه قائما مقام سببين ، وليست كذلك التاء فى نحو : طلحة وحمزة.

قوله تعالى : (مِنْ حُلِيِّهِمْ) (١٤٨).

حلّى : جمع حلى وأصله حلوى على فعول ، نحو : فلس وفلوس. فاجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن فقلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشددة وأبدل من الضمة كسرة لمكان الياء ، وبقيت الحاء على حالها ، ومنهم من كسر الحاء إتباعا لكسرة اللام.

قوله تعالى : (قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا) (١٥٠).

يقرأ بكسر الميم وفتحها من (أم) فمن كسر الميم فعلى الأصل ، لأن الأصل فيه : أمّى فاجتزأ بالكسرة عن الياء وهو كثير فى كلامهم. وفتحه (ابن) فتحة إعراب لأنه منادى مضاف ، ومن فتح الميم بنى ابن مع أمّ وجعلهما بمنزلة اسم واحد ، كخمسة عشر ، والفتحة فى (ابن) فتحة بناء وليست بإعراب. وقيل : أصله (ابن أمّى) ، بفتح الياء ، فأبدل من الكسرة فتحة / ، ومن الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الألف ، وهذا ضعيف ، لأن الألف لا تحذف فى هذا النوع إلّا قليلا.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٥٣).

موضع (والذين) رفع بالابتداء. وإن واسمها وخبرها ، فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ.

قوله تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً) (١٥٤).

لمّا ، ظرف زمان ، ويفتقر إلى جواب وجوابها (أخذ الألواح) وهو العامل فيها. وفى نسختها هدى ، مبتدأ وخبر فى موضع نصب على الحال من (الألواح) والعامل فيه (أخذ).

قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) (١٥٥).

قومه ، وسبعين : منصوبان مفعولان باختار ، إلا أنه تعدى إلى سبعين من غير تقدير حذف حرف جر ، وتعدى إلى قومه بتقدير حذف حرف جر ، والتقدير فيه ، واختار موسى من قومه سبعين رجلا. فحذف حرف الجر فتعدى الفعل إليه.

قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) (١٦٠).

إنما أنث اثنتى عشرة على تقدير أمة ، وتقديره ، اثنتا عشرة أمة. وأسباطا ، منصوب على البدل من (اثنتى عشرة) ولا يجوز أن يكون أسباطا منصوبا على التمييز ، لأنه جمع ، والتمييز فى هذا النحو إنما يكون مفردا. وأمما ، وصف لقوله : أسباطا.

قوله تعالى : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ) (١٦١).

قرئ : نغفر بالنون ، ويغفر بالياء وفتح الفاء ، وبالتاء وفتح الفاء. فمن قرأ : نغفر نصب خطيئاتكم لأنه مفعول ، ومن قرأ يغفر وتغفر رفع خطيئاتكم على أنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وكان مرفوعا لقيامه مقام الفاعل. ومن قرأ : يغفر بالياء بالتذكير فلوجود الفصل بلكم ، ومن قرأ بالتاء بالتأنيث فعلى الأصل ولم يعتبر الفصل.

قوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) (١٦٣).

إذ يعدون ، يتعلق بسأل ، وتقديره ، سلهم عن وقت عدوهم فى السبت. وإذ نأتيهم ، بدل من (إذ) الأولى. وشرّعا ، منصوب على الحال من حيتانهم ، والعامل فيه تأتيهم.

قوله تعالى : (قالُوا مَعْذِرَةً) (١٦٤).

قرئ : معذرة بالرفع والنصب ، فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، موعظتنا معذرة. والنصب على أنه مفعول له ، فكأنهم لما قالوا : لم تعظون؟ قالوا : معذرة إلى ربكم ، أى ، لمعذرة إلى ربكم.

قوله تعالى : (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) (١٦٥).

قرئ بيس بغير همز / ، وبئيس بالهمز على فعيل ، وبيأس (١) على فيعل بفتح الهمزة ، وبيئس على فيعل بكسرها. فمن قرأه بيس بغير همز فأصله : بئس على فعل ، ثم أسكنت الهمزة بعد كسر الباء للإتباع كما قالوا فى شهد شهد ، ثم أبدلت الهمزة ياء.

وقيل : إنه فعل ماض نقل إلى الاسمية ، كما جاء فى الحديث عن النبى عليه‌السلام ، أنه نهى عن قيل وقال. ثم وصف به بعد النقل.

ومن قرأ : بئيس بالهمز على وزن فعيل فإنه جعله مصدر (بيس) بياء من (بيسا) وتقديره بعذاب ذى بيس أى ، دى بوس فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

ومن قرأ : بيأس على وزن فيعل بفتح الهمزة ، فإنه جعله صفة للعذاب كضيغم وحيدر. ومن قرأ بكسر الهمزة على فيعل جعله وصفا على فيعل ، وهو بناء نادر لا يكون إلا فى المعتل عند البصريين ، نحو : سيد وميت. فأما الكوفيون فلا يبنونه (٢) فى صحيح ولا معتل ؛ ونحو سيّد وميت ، ووزنه فى الأصل على فعيل ، نحو : طويل وقصير ، وأصله سويد ومويت ثم قدمت الياء على الواو وأدغم وقد قدمنا ذكره.

قوله تعالى : (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) (١٦٨).

دون صفة لموصوف محذوف ، وتقديره ، ومنهم جماعة دون ذلك. فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، وزعم الأخفش أن (دون) فى موضع رفع إلا أنه جاء منصوبا لتمكنه فى الظرفية كما زعم فى قوله تعالى :

(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)(٣).

__________________

(١) (بياءيس) فى أ.

(٢) (لا يثبتونه) فى ب.

(٣) ٩٤ سورة الأنعام. ومكانها بياض فى ب.

أن (بينكم) فى موضع رفع لأنه فاعل ، إلا أنه جاء منصوبا لتمكنه فى الظرفية ، وهذا ضعيف ليس بمرض ، لأن دون قد جاء مرفوعا فى قول الشاعر :

٨٥ ـ وبعض القوم دون (١)

وقول الآخر :

٨٦ ـ وغبراء يحمى دونها ما وراءها (٢)

فرفع دونها بيحمى ، وهذا كثير.

قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ (٣) أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ) (١٦٩).

ورثوا الكتاب جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة (خلف). ويأخذون عرض هذا الأدنى ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الواو فى (ورثوا). ويقولون سيغفر لنا ، معطوف على (يأخذون). ودرسوا ، معطوف على (ورثوا الكتاب). وألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألّا يقولوا على الله إلا الحق ، اعتراض وقع بين (ورثوا ودرسوا).

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (١٧٠).

__________________

(١) (١ ، ٢) لم أقف على هذين الشاهدين ، وقد استشهد الأشمونى ببيت آخر :

ألم تريا أنى حميت حقيقتى

وباشرت حد الموت والموت دونها

برفع (دون) ـ حاشية الصبان على الأشمونى ٢ ـ ١٣١.

(٣) ساقط من أ.

الذين يمسكون بالكتاب فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره / إنا لا نضيع أجر المصلحين ، وتقديره ، إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم. ليعود من الخبر إلى المبتدأ عائد ، ويجوز أن يكون وضع المظهر موضع المضمر ، كقول الشاعر :

٨٧ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شىء (١)

أراد ، يسبقه شىء ، فوضع المظهر موضع المضمر.

قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (١٧١).

وإذ ، فى موضع نصب بتقدير فعل ، وتقديره ، واذكر إذ نتقنا. وكأنه ظلة ، فى موضع نصب على الحال من (الجبل) ، وقيل : فى موضع رفع بتقدير مبتدأ محذوف.

قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١٧٢).

إذ ، فى موضع نصب لأنه يتعلق بقولهم : (قالُوا بَلى) ، وقيل بتقدير ، اذكر. ومن ظهورهم ، بدل من (بنى آدم) بإعادة الجار ، وهو بدل البعض من الكل ، وتقديره ، وإذ أخذ ربك من ظهورهم من بنى آدم ذرياتهم.

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١٧٢).

أن وصلتها ، فى موضع نصب على المفعول له ، وتقديره ، لئلا يقولوا أو كراهة أن تقولوا.

قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا) (١٧٧).

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٣٠ وهو لسواد بن عدى. وهو بتمامه :

لا أرى الموت يسبق الموت شىء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا

فاعل (ساء) مقدر فيها ، وتقديره ، ساء المثل مثلا. والقوم ، أى ، مثل القوم : فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وارتفع بما كان يرتفع به (مثل) وهو يرتفع من وجهين :

أحدهما : أن يرتفع لأنه مبتدأ وما قبله خبره.

والثانى : أن يرتفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، كقولهم : بئس رجلا زيد ، أى ، هو زيد. ومثلا ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) (١٨٦).

يقرأ : يذرهم بالرفع والجزم ، فالرفع على تقدير مبتدأ ، وتقديره هو يذرهم. والجزم بالعطف على موضع الفاء فى (فلا هادى له) ، وموضعه الجزم على جواب الشرط ، ويجوز العطف على الموضع ، كما يجوز على اللفظ. قال الشاعر :

٨٨ ـ فأبلونى بليّتكم لعلىّ

أصالحكم واستدرج نويّا (١)

فجزم استدرج بالعطف على موضع (لعلى أصالحكم) لأن موضعه جزم لأنه جواب شرط مقدر وقد دل عليه فعل الأمر وهو (أبلونى).

قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) (١٨٧).

الكاف ، فى موضع نصب لأنه المفعول الأول. وعن الساعة ، فى موضع المفعول الثانى. وأيان مرساها ، مبتدأ وخبر. مرساها ، مبتدأ ، وأيان ، خبره ، وهو ظرف مبنى لأنه تضمن معنى حرف الاستفهام ، وبنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وكان الفتح أولى لأنه أخف الحركات ، وموضع الجملة من المبتدأ و/ الخبر نصب لأنه يتعلق بمدلول السؤال ، والتقدير ، قائلين أيان مرساها.

__________________

(١) الخصائص ١ ـ ١٧٦ ـ ٢ ـ ٣٤١ والبيت منسوب إلى أبى داود ـ ونسبه ابن هشام إلى الهندلى (المغنى) ٢ ـ ٩٧. فأبلونى ، يقال ؛ أبلاه إذا صنع به جميلا ، والبلية اسم منه و (نويّا) يريد نواى ، والنوى النية (واستدرج) ، أرجع أدراجى من حيث كنت.

قوله تعالى : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) (١٨٧).

بغتة ، منصوب على المصدر فى موضع الحال.

قوله تعالى : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) (١٨٩).

منصوب لأنه صفة المفعول الثانى المحذوف ، وتقديره ، ابنا صالحا ، والمفعول الأول (نا) فى (آتيتنا).

قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) (١٩٠).

قرئ : شركاء وشركا. فمن قرأ شركا ، أى ، جعلا لغيره شركا ، يعنى إبليس ، فحذف المضاف ، ولا بد من تقدير هذا الحذف لأنك لو لم تقدر هذا الحذف فيه لا نقلب المعنى وصار الذم مدحا لأنه يصير المعنى ، أنهما جعلا لله نصيبا فيما آتاهما من مال وغيره ، وهذا مدح لا ذم ، ومن قرأ : شركاء فهو جمع شريك ، وفعيل يجمع على فعلاء كظريف وظرفاء وشريف وشرفاء.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) (١٩٤).

عباد ، مرفوع لأنه خبر إن ، وقرئ (فى الشواذ) (١) : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) بنصب (عبادا أمثالكم) وتخفيف إن ، بجعل إن بمعنى (ما). والذين وصلته ، فى موضع رفع اسم (ما). وعبادا ، خبرها. وأمثالكم ، صفة (عبادا) وجاز أن يكون وصفا للنكرة ، وإن كان مضافا إلى المعرفة لأن الإضافة فى نية الانفصال وأنه لا يتعرف بالإضافة للشياع الذى فيه. واختلف العرب فى إعمال (إن) إذا كانت بمعنى (ما) فمنهم من أعملها ، ومنهم من أهملها ، فمن أعملها فلأنها بمنزلة (ما) وفى معناها وإليه ذهب المبرد ، ومن أهملها فلأنها أضعف منها وإليه ذهب سيبويه.

__________________

(١) زيادة فى ب.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) (٢٠١).

قرئ : طيف وطائف ، فمن قرأ (١) طيف جعله مخففا من طيّف وهو فعل من طاف ، كما خفف سيّد وميّت. ومن قرأ : طائف جعله اسم فاعل من طاف أيضا.

قوله تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ) (٢٠٢).

قرئ : يمدونهم بفتح الياء وبضمها ، فمن قرأ بالفتح جعله مضارع مدّ وهو ثلاثى ، ومن قرأ بالضم جعله مضارع أمدّ وهو رباعى ، وقيل مدّ فى الخير والشر ، وأمدّ فى الشر خاصة.

قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) (٢٠٥).

تضرعا ، منصوب على المصدر ، وقيل : هو فى موضع الحال.

قوله تعالى : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (٢٠٥).

الآصال ، جمع أصل ، وأصل جمع أصيل وهو العشىّ ، وقيل : أصل واحد كطنب. وقرئ فى الشواذ : والإيصال ، بكسر الهمزة ، مصدر أصلنا ، إذا دخلنا فى الأصيل. كما يقال : أصبحنا أى دخلنا فى الصباح ، وأظهرنا أى دخلنا فى وقت الظهر.

__________________

(١) ابتداء من هنا سقطت صفحات من ب وتقدر بعشر صفحات من حجم صفحات المخطوط (أ).

غريب إعراب سورة الأنفال

قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) (١).

ذات ، أصلها ذوية فحذفوا اللام التى هى الياء كما حذفت من المذكر فى (ذو) فإن أصله : ذوى ، فلما حذفت / الياء من ذوية فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار ذات ، والوقف عليها بالتاء عند أكثر العلماء والقراء ، إلا ما روى عن أبى على قطرب وأبى حاتم السجستانى (١) من جواز الوقف عليها بالهاء لأنها هاء تأنيث ذى مال.

قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) (٥).

الكاف ، للتشبيه ، وفيها ثلاثة أوجه :

الأول : أنها فى موضع نصب صفة لمصدر محذوف دل عليه الكلام ، وتقديره ، قل الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا كما أخرجك ربك.

والثانى : أن تكون صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، يجادلونك جدالا كما أخرجك. والثالث : أن يكون وصفا لقوله : حقا ، وتقديره ، أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك.

قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ) (٦).

إذ ، تتعلق بفعل مقدر ، وتقديره ، واذكر يا محمد إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم. وإحدى الطائفتين ، فى موضع نصب لأنه مفعول ثان ليعد ، والمفعول الأول الكاف [والميم فى] يعدكم. وأنها لكم ، بدل من قوله : إحدى ، وهو بدل الاشتمال ،

__________________

(١) أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى. كان عالما ثقة بعلم اللغة والشعر (ت ٢٥٥ ه‍).

وتقديره ، وإذ يعدكم الله أن ملك إحدى الطائفتين لكم. ولا بد من تقدير حذف المضاف لأن الوعد إنما يقع على الأحداث لا على الأعيان.

قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩).

إذ تستغيثون ، بدل من (إذ) فى قوله : إذ يعدكم. وبألف ، فى موضع نصب بممدكم ، وقرئ : بآلف جمع ألف لأن فعلا يجمع على أفعل ، نحو فلس وأفلس ، وكلب وأكلب ، ويؤيد هذه القراءة قوله تعالى : ((بِخَمْسَةِ آلافٍ)(١)) وآلف جمع ألف لما دون العشرة ، ويقع على خمسة آلاف. ومن الملائكة ، صفة للألف.

ومردفين ، قرئ بالفتح والكسر مع التخفيف ، وقرئ : مردّفين بفتح الراء وتشديد الدال وكسرها ، وقرئ : مردفين بضم الراء مع تشديد الدال مع الكسر. فمن قرأه بالفتح فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال من الكاف والميم فى (ممدكم).

والثانى : أن يكون (مردفين) فى موضع جر لأنه صفة لألف أى متبعين بألف.

ومن قرأه بالكسر جعله وصفا لألف على أنهم أردفوا غيرهم ، أى ، أردف كل ملك ملكا. ومن قرأه مردّفين بفتح الراء وتشديد الدال وكسرها فكان أصله مرتدفين ، فنقل فتحة التاء إلى الراء الساكنة قبلها وأبدل من الياء دالا وأدغم الدال فى الدال. ومن قرأ مردّفين بضم الراء مع تشديد الدال والكسر فإن أصله أيضا مرتدفين فحذف فتحة التاء ، وأبدل منها دالا وأدغم الدال فى الدال ، فبقيت الدال الأولى ساكنة والراء قبلها ساكنة فحركت الراء لالتقاء الساكنين وضمت الراء إتباعا لضمة / الميم ، ولو كسرت لكان وجها فى القياس كقولهم فى (مقتتل مقتّل (٢)) بكسر القاف لالتقاء الساكنين بعد حذف الحركة والإدغام.

__________________

(١) ١٢٥ سورة آل عمران.

(٢) ١٢٥ سورة آل عمران.

قوله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) (١١).

أمنة ، منصوب على أنه مفعول له.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) (١٣).

ذلك ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، أو خبر مبتدأ ، وتقديره ، ذلك الأمر ، أو الأمر ذلك.

قوله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) (١٤).

ذلكم ، خبر مبتدأ مقدر ، وتقديره ، والأمر ذلكم. وأن للكافرين ، عطف على (ذلكم) وتقديره ، والأمر أن للكافرين عذاب النار.

وكذلك قوله تعالى : (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ) (١٨) وتقديره ، الأمر ذلكم ، والأمر أن الله موهن.

وكذلك قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩).

فى قراءة من قرأ بفتح الهمزة ، وتقديره ، والأمر أن الله مع المؤمنين. ومن كسرها فعلى الابتداء والاستثناف.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٢٥).

تقديره ، ولا تصيبن ، فحذف الواو كقوله تعالى :

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١).

أى ، وهم فيها خالدون. فحذف الواو. وقال الفراء : لا تصيبن فى موضع الجزم لأنه جواب الأمر ، أى ، اتقوا فتنة لم تصب الذين ظلموا منكم خاصة بل عمّت الناس

__________________

(١) ٤٢ سورة الأعراف. ٢٦ سورة يونس. ٢٣ سورة هود.

عامة. وفى هذا الجواب طرف من النهى ، كما تقول : لا أرينّك ههنا ، أى : لا تكن ههنا فأراك. فكذلك ههنا ، النهى للفتنة ، والمراد به الذين ظلموا ، إلا أن جواب الأمر بمنزلة جواب الشرط ، والنون الثقيلة لا تستعمل فى جواب الشرط إلا فى ضرورة الشعر.

قوله تعالى : (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) (٢٧).

فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مجزوما بالعطف على قوله تعالى :

(لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ).

والثانى : أن يكون منصوبا على جواب النهى بالواو كقول الشاعر :

٨٩ ـ لا تنه عن خلق وتأتى مثله (١)

ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) (٣٢).

يقرأ : الحق بالنصب والرفع ، فالنصب لأنه خبر كان ، ودخل (هو) فصلا بين الوصف والخبر ، ويسمى فصلا عند البصريين ، وعمادا عند الكوفيين. والرفع على أن (هو) مبتدأ ، والحق ، خبره. والمبتدأ وخبره فى موضع نصب لأنهما خبر كان.

قوله تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ) (٣٤).

أن ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، من ألّا يعذبهم الله.

__________________

(١) من شواهد سيبويه ١ ـ ٤٢٤ ، وقد نسبه للأخطل ـ وهو لأبى الأسود الدؤلى ، وعجزه عار عليك إذا فعلت عظيم وقيل : للمتوكل الكنانى. وقد سبق الكلام عليه.

والثانى : أن تكون زائدة.

والأول أوجه الوجهين.

وهم يصدون ، فى موضع نصب على الحال من الضمير المنصوب فى (يعذبهم).

قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) (٣٥).

مكاء ، منصوب لأنه خبر كان ، والهمزة فى (مكاء) بدل من الواو وأصله مكاو لأنه من مكا يمكو مكاء إذا صفر ، والمكاء الصفير ، إلا أنه لما وقعت الواو طرفا وقبلها ألف زائدة قلبت همزة.

وقيل : قلبت ألفا ، ثم قلبت الألف همزة لئلا يلتقى ساكنان ، وقلبت همزة لأنها أقرب الحروف إليها ، وقد قدمنا ذكرها. وتصدية ، معطوف على مكاء.

وفى أصل تصدية وجهان :

أحدهما : أن يكون أصله تصدده ، وهو من صدّى إذا امتنع ، فأبدلوا من الدال الثانية ياء ، ومعنى التصدية التصفيق.

والثانى : أن يكون من الصّدى وهو الصوت الذى يعارض الصوت ، فعلى هذا تكون الياء أصلية لا منقلبة.

وقرئ فى الشواذ بنصب صلاتهم ورفع مكاء وتصدية ، جعل اسم كان النكرة وخبرها المعرفة ، وهذا إنما يجوز فى الشعر لا فى اختيار الكلام.

قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٤١).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى. وغنمتم ، صلته ، والعائد إليه محذوف ، وتقديره ، غنمتموه. فإن لله خمسه ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فحكمه أن لله خمسه. وقيل : إن (أن) مؤكدة للأولى ، وهذا فاسد لأنه كان يؤدى إلى أن ننفى أن الأولى بلا خبر ، ولأن الفاء تحول بين المؤكّد والمؤكّد ، ولا يحسن أن تزاد فى مثل هذا الموضع.

قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) (٤٢).

إذ ، بدل من قوله : (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) والعدوة ، قرئ بضم العين وكسرها وهما لغتان. والقصوى ، حقها أن يقال : القصيا مثل الدنيا ، إلا أنه جاء شاذا. والركب أسفل منكم. والركب ، اسم للجمع ، وليس بجمع تكسير (لراكب) بدليل قولهم فى تصغيره ركيب. قال الشاعر :

٩٠ ـ بنيته بعصبة من ماليا

أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا (١)

ولو كان جمع تكسير لراكب لكان يقول : رويكبون ، كما يقال فى تكسير شاعر : شويعرون ، يرده إلى الواحد ثم يصغره ، ثم يأتى بعلامة الجمع. والركب ، مبتدأ. وأسفل ، خبره ، وهو وصف لظرف محذوف ، وتقديره ، والركب مكانا أسفل منكم ، وأجاز قوم (أسفل) بالرفع على تقدير محذوف من أوّل الكلام ، وتقديره ، وموضع الركب أسفل منكم.

قوله تعالى : (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (٤٢).

قرئ : حيى بالإظهار والإدغام. فالإظهار إجراء للماضى على المستقبل ، والمستقبل لا يجوز فيه الإدغام ، لا تقول فيه : يحيّا ، لأن حركته غير لازمة ، فكذلك الماضى ، والإدغام للفرق بين ما تلزم لامه حركة / كالماضى ، وما لا تلزم لامه حركة كالمستقبل ، وأجاز الفراء وحده الإدغام فى المستقبل ولم يجزه غيره.

قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) (٤٣).

إذ ، فى موضع نصب بفعل مقدر ، وتقديره ، واذكر إذ يريكهم الله.

وقوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) (٤٤).

__________________

(١) اللسان مادة (رجل) ، خزانة الأدب ٢ ـ ٢٢٠ طبعة بولاق.

إذ ، معطوف على (إذ) الأولى وردّت الواو ميم الجمع مع المضمر ، لأن الضمائر ترد المحذوفات إلى أصولها ، وقد جاء عن بعض العرب حذفها مع الضمير وهى لغيّة رديئة ، واللغة الفصيحة إثباتها وهى لغة القرآن.

قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (٤٧).

بطرا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال.

قوله تعالى : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) (٤٨).

لكم ، فى موضع رفع لأنه خبر (لا) ، وتقديره ، لا غالب كائن لكم. واليوم ، منصوب على الظرف ، والعامل فيه (لكم) ، ولا يجوز أن يكون اليوم خبر غالب لأن اليوم ظرف زمان ، وغالب جثة ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : زيد يوم الجمعة ، لأنه لا فائدة فيه ، ولا يتعلق اليوم بغالب ، وإن كان فيه فائدة ، لأن تعليقه به يوجب تنوينه فيقال : لا غالبا ، لأنه يصير مشبها بالمضاف ، والمشبه بالمضاف يدخله الإعراب والتنوين ، كقولك : لا خيرا من زيد لك.

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٥٠).

يضربون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (الملائكة) ، ولو جعل حالا من (الذين كفروا) لكان جائزا ، ولو كان فى مكان يضربون (ضاربين) لم يجز حتى يبرز الضمير الذى كان فيه ، لأن اسم الفاعل إذا جرى حالا على غير من هو له أو وصفا أو خبرا وجب إبراز الضمير الذى كان فيه. (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أى ، يقولون ذوقوا عذاب الحريق. فحذف القول ، وحذف القول كثير فى كتاب الله تعالى وكلام العرب.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٥١).

إنما قال : ذلك على خطاب الواحد ، ولم يقل : ذلكم على قياس اللغة الأخرى فى قوله : ذلكم بما قدمت أيديكم. فإن قياس هذه اللغة أن تجعل أول كلامك للمشار إليه الغائب ، وتؤخره للحاضر المخاطب وتأتى فى كل واحد منهما بعلامة التثنية والجمع والتأنيث ، إلا أنه أتى به ههنا بلفظ الواحد لأنه أراد به الجمع فكأنه قال : ذلك أيها الجمع. والجمع / بلفظ الواحد ، وهما لغتان جيدتان نزل بهما القرآن. وأن الله ، يجوز أن يكون فى موضع جر ونصب ورفع ، فالجر بالعطف على (ما) فى قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، والنصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، وبأن الله. والرفع بالعطف على (ذلك) أو على تقدير (ذلك).

قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) (٥٢).

الكاف فى (كدأب) صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، فعلنا ذلك بهم فعلا مثل عادتنا فى آل فرعون.

قوله تعالى : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) (٥٨).

تقديره ، فانبذ إليهم العهد وقابلهم على إعلام منك لهم. فحذف. وفى هذه الآية من لطيف الحذف والاختصار ما يدل على فصاحة القرآن وبلاغته.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩).

يحسبن ، قرئ بالتاء والياء ، فمن قرأ بالتاء كان (الذين كفروا) المفعول الأول ، وسبقوا المفعول الثانى ، كأنه قال : ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا سابقين. ومن قرأ بالياء كان (الذين كفروا) فى موضع رفع لأنه الفاعل ، وسبقوا ، تقديره ، أنهم سبقوا.

فسدّا مسدّ المفعولين. وأنهم لا يعجزون ، تقرأ (أن) بكسر الهمزة وفتحها ، فالكسر على الابتداء ، والفتح على تقدير ، لأنهم.

قوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (٦٠).

الهاء فى (به) فيها ثلاثة أوجه :

الأول : أنها تعود على (ما).

والثانى : أنها تعود على (الرّباط).

والثالث : أنها تعود على الإعداد الذى دل عليه (وأعدوا). وآخرين من دونهم ، وآخرين ، منصوب بالعطف على (عدو الله) أى ، ترهبون آخرين من دونهم.

قوله تعالى : (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤).

من ، فى موضعها وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع بالعطف على لفظ (الله) أى ، حسبك الله وتابعوك. والثانى : على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، وتقديره ، ومن اتبعك من المؤمنين كذلك. والنصب بالحمل فى العطف على المعنى ، ومعنى (حسبك الله) يكفيك الله ، فكأنه قال : يكفيك الله وتابعك.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) (٦٥).

(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (٦٦).

يقرأ : يكن ، بالتاء والياء ، فمن قرأ بالياء على التذكير فللفصل بين الفعل والفاعل ، ومن قرأ بالتاء فلتأنيث المائة ولم يعتدّ بالفصل. وقد فضّل (١) أبو عمرو : فإن تكن منكم مائة صابرة بالتاء لتأكيد التأنيث بالوصف.

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ) (٦٨).

كتاب ، مرفوع بالابتداء. ومن الله ، صفة له ، وتقديره ، ثابت من الله. وسبق

__________________

(١) (خصّر) فى أ.

فيه وجهان ، الرفع والنصب ، فالرفع على أنه صفة أخرى لكتاب. والنصب على أنه حال من المضمر الذى فى الظرف. وخبر المبتدأ الذى هو كتاب محذوف ، وتقديره ، لو لا كتاب بهذه الصفة تدارككم لمسكم. ولا يجوز أن يكون (سبق) خبرا للمبتدأ ، لأن خبر المبتدأ بعد لو لا لا يجوز إظهاره.

قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٦٩).

حلالا طيبا ، نصب على الحال من (ما).

قوله تعالى : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ) (٧٣).

الهاء فى (تفعلوه) فيها وجهان :

أحدهما : أن تعود على الوارث.

والثانى : أن تعود على التناصر. وتكن ، تامة بمعنى : تقع لا تفتقر إلى خبر. وفتنة ، مرفوعة به ارتفاع الفاعل بفعله ، وقد قدمنا نظائره.

غريب إعراب سورة براءة (*)

قوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١).

فى رفع (براءة) وجهان :

أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هذه براءة. ويكون (من الله) فى موضع رفع لأنه وصف براءة ، وتقديره ، براءة كائنة من الله.

والثانى : أن يكون مبتدأ وخبره (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) ولا يجعل (إلى) معمول الوصف.

قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٣).

وأذان ، معطوف على براءة ، ورفعه من الوجهين اللذين ذكرناهما فى براءة من أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو أنه مبتدأ ، ويكون خبره (إلى الناس يوم الحجّ).

وقيل : الأجود أن يكون خبره (أنّ الله برئ) أى ، أذان بهذه الصفة فى هذا الوقت كائنة بأن الله برىء. وإذا جعلته خبر مبتدأ مقدر ، بقى (أنّ) لا عامل فيه. ومن الله ، وصف لأذان كما كان وصفا لبراءة. ويوم الحج ، العامل فيه الصفة ، وقيل : محزى ، فى قوله تعالى :

(مُخْزِي الْكافِرِينَ) ، ولا يجوز أن يكون (أذان) لأنك قد وصفته ، والمصدر إذا وصف لم يعمل عمل الفعل.

قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (٣).

قرئ بالفتح فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، على ما قدمنا. ورسوله ، قرئ بالرفع والنصب ، فالرفع من وجهين :

__________________

(*) سورة التوبة.

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف ، وتقديره ، ورسوله برىء. فحذف / لدلالة الأول عليه ، ونظائره كثيرة.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على الضمير المرفوع فى (برىء) وجاز العطف على الضمير المرفوع وإن لم يؤكد ، لوجود الفصل بالجار والمجرور لأنه يقوم مقامه. وقيل : إنه معطوف على موضع اسم الله تعالى قبل دخول (أنّ) وهو الابتداء ، وذلك غير جائز ، لأن (أنّ) قد غيرت معنى الابتداء لأنها مع ما بعدها فى تأويل المصدر ، فليست ك (إنّ) المكسورة التى لا تدل على غير التأكيد فلا يغير دخولها معنى الابتداء. والنصب بالعطف على اللفظ وهذا ظاهر.

قوله تعالى : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (٥).

كل ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير حذف حرف الجر. وتقديره ، على كل مرصد. فلما حذف حرف الجر نصب.

والثانى : أن يكون منصوبا على الظرف.

قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (٦).

ارتفع (أحد) بفعل مقدر دل عليه الظاهر ، وتقديره ، وإن استجارك أحد من المشركين استجارك. لأن (إن) أمّ حروف الشرط فاقتضت الفعل ، فوجب تقديره فارتفع الاسم بعده لأنه فاعله.

قوله تعالى : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (١٢).

أئمة ، جمع إمام ، وأصله (أأممة) على أفعلة ، فألقيت حركة الميم الأولى على الهمزة الساكنة قبلها وأدغمت الميم الأولى فى الثانية ، وأبدل من الهمزة المكسورة ياء

مكسورة ، ومن حقها قبل الإدغام أن تبدل ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ، إذ أصلها السكون ، فأصلها البدل ، فكذلك أبدلت بعد نقل الحركة إليها ، ولا يجوز أن تجعل بين بين كالمكسورة فى (أئذا) لأن الحركة فى همزة أئذا أصلية لازمة غير منقولة ، بخلاف الحركة فى همزة أئمة ، فأبدلت فى أئمة لأن أصلها فى السكون البدل ، وجعلت الهمزة فى أئذا بين بين لأن أصلها فى الحركة أن تجعل بين بين ، ومعنى جعل الهمزة فى التخفيف بين بين ، أن تجعل بين الهمزة والحرف الذى حركتها منه ، فجعلت فى أئذا ، بين الهمزة والياء لأن حركة الهمزة الكسرة ، وهى من الياء. ولا أيمان لهم ، يقرأ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن قرأ بالفتح فهو جمع يمين ، أى ، لا عهود لهم. ومن قرأ : لا إيمان بالكسر ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مصدر أمنته إيمانا من الأمن. لئلا يكون تكرارا لقوله (أئمة الكفر (١)).

والثانى : أن يكون من الإيمان بمعنى التصديق تأكيدا لقوله تعالى / : (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.)

قوله تعالى : (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) (١٣).

فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون (الله) مرفوعا لأنه مبتدأ. وأن تخشوه ، بدل منه. وأحق ، خبر المبتدأ.

والثانى : أن يكون (الله) مبتدأ. وأحق ، خبره. وأن تخشوه ، فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، فالله أحق من غيره بأن تخشوه. أى ، بالخشية. والثالث : أن يكون (الله) مرفوعا بالابتداء. وأن تخشوه ، مبتدأ ثان. وأحق ، خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر المبتدأ الأول.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) (١٦).

__________________

(١) (لله الكفر) فى أ.

أن وصلتها ، فى موضع نصب بحسب ، وسدت مع الصلة مسد المفعولين ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أنها مع الصلة مفعول أول ، والمفعول الثانى مقدر.

قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١٩).

فى هذا الكلام حذف مضاف ، وفى الحذف وجهان :

أحدهما : أن يكون الحذف من أول الكلام وتقديره ، أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وأصحاب عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله.

والثانى : أن يكون الحذف من آخره ، وتقديره ، أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله. وإنما وجب تقدير الحذف ليصح المعنى.

قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) (٢٥).

يوم ، منصوب بالعطف على موضع (فى موا طن) وتقديره ، ونصركم يوم حنين.

قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) (٢١).

نعيم مقيم ، مرفوع لأنه مبتدأ. ولهم ، خبر المبتدأ. والجملة فى موضع جر صفة (لجنات) والضمير فى (فيها) يعود على (الجنات) ، وقيل : يعود على (الرحمة) ، وقيل : يعود إلى (البشرى) ودل عليها يبشرهم ، وكذلك الضمير فى (فيها) الثانية ، يحتمل أن يعود إلى ما عادت إليه الأولى.

قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (٣٠).

يقرأ عزير بتنوين وغير تنوين ، فمن قرأ بالتنوين كان (عزير) مبتدأ. وابن ، خبره. ولا تحذف الألف فى (ابن) من الخط ، ويكسر التنوين لالتقاء الساكنين ومن قرأه بغير تنوين ففيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون (عزير) مبتدأ. وابن خبره ، وحذف التنوين لسكونه وسكون الباء من (ابن) كقراءة من قرأ :

(أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ)(١).

فحذف التنوين لسكونه وسكون اللام وكقول الشاعر :

٩٠ ـ غطيف الذى أمج داره

أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع (٢) /

فحذف التنوين من غطيف.

والثانى : أن يكون جعل قوله : (ابن الله) صفة (لعزير) وابن إذا كان صفة لعلم مضافا إلى علم حذف التنوين من الأول ، كقولك : زيد بن عمرو. فعلى هذا يكون عزير ، مبتدأ ، وابن ، صفته ؛ وخبر المبتدأ محذوف وتقديره ، وقالت اليهود عزير ابن الله معبودهم. وحذف الخبر للعلم به كما يحذف المبتدأ للعلم به.

والثالث : أن يكون (عزير) غير منصرف للعجمة والتعريف كإبراهيم وإسماعيل ، وهذا أضعف الوجوه ، لأنه عند المحققين عربى مشتق من (عزّره) إذا عظّمه ووقّره.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) (٣٤).

إنما قال : ينفقونها ، لأن عادتهم أن يخبروا عن أحد الشيئين وهو لهما ، وإذا كان هناك دليل يدل على اشتراك بينهما كقوله تعالى :

__________________

(١) ١ ، ٢ سورة الإخلاص.

(٢) الإنصاف ٢ ـ ٣٨٨ ـ لسان العرب مادة (أمج) ـ وأول البيت فيهما (حميد) ـ الأمج : حر شديد ـ وأمج : موضع بين مكة والمدينة. وانظر الكامل ١ ـ ١٤٨ ، ولم يذكر قائله.

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(١)

ولم يقل إليهما. وكقوله تعالى :

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ)(٢)

وكقوله تعالى :

(وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٣)

وكقول الشاعر :

٩١ ـ (٤) إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسود

ما لم يعاض كان جنونا (٥)

فقال : يعاض ، ولم يقل يعاضيا (٦) ، وهذا كثير فى كلامهم. وقيل : الهاء والألف تعود على الكنوز لدلالة يكنزون عليها. وقيل : يعود على الأموال لأن الذهب والفضة أموال. وقيل : يعود على الذهب لأنه يذكر ويؤنث. وقيل : يعود على الفضة لدلالة قوله : ينفقونها عليها.

قوله تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) (٣٥).

يوم ، منصوب وذلك من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يوم يحمى.

__________________

(١) ١١ سورة الجمعة.

(٢) ٤٥ سورة البقرة.

(٣) ٦٢ سورة التوبة.

(٤) من هنا ابتدأ ناسخ (ب) بعد سقوط الأوراق التى أشرت إليها ص ٣٨٢.

(٥) اللسان مادة (شرخ) ولم يذكر قائله.

(٦) فى الأصل (يعاضيا).

والثانى : أن يكون التقدير ، يوم يحمى عليها فى نار جهنم فيقال لهم : هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فيكون منصوبا بيقال ، أى يقال لهم هذا فى يوم يحمى.

والثالث : أن يكون بدلا من قوله تعالى : (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، أى ، عذاب يوم يحمى. فحذف المضاف فانتصب على الموضع لا على اللفظ كما انتصب قوله تعالى : (دِيناً قِيَماً).

بالبدل على موضع :

(إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (٣٦).

اثنا عشر ، خبر (إن). وشهرا ، منصوب على التمييز /. وفى ، متعلقة بمحذوف وهى صفة لاثنى عشر ، وتقديره ، إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا كائنة فى كتاب الله. ولا يجوز أن تكون (فى) متعلقة بعدة لأنه يؤدى إلى الفصل بين الصلة والموصول بالخبر وهو اثنا عشر. وكتاب ، مصدر. ويوم ، منصوب به ، ولا يجوز أن يكون اسما للقرآن ولا لغيره من الكتب ، لأن الأسماء التى تدل على الأعيان لا تعمل فى الظروف ، لأنها ليس فيها معنى الفعل. وقيل : يوم ، منصوب على البدل من موضع قوله :

(فِي كِتابِ اللهِ)

ولا يجوز أن يتعلق بعدة لما قدمنا من أنه يؤدى إلى الفصل بين الصلة والموصول بالخبر وهو اثنا عشر. والضمير فى منها ، يعود إلى الاثنى عشر. والضمير فى فيهن ، يعود إلى الأربعة ، لأن (ها) تكون لجمع الكثرة ، وهن لجمع القلة ، وقد بينا تحقيق ذلك فى المسائل السنجارية.

قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٣٦).

كافة ، منصوب على المصدر فى موضع الجار ، كقولهم : عافاه الله عافية ، ورأيتهم عامة وخاصة.

قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) (٤٠).

إذ أخرجه ، منصوب بنصرة الله. وثانى اثنين ، أى ، أحد اثنين ، وهو منصوب على الحال من الهاء فى (أخرجه) ويراد به النبى عليه‌السلام. وقيل : هو حال من مضمر محذوف وتقديره ، فخرج ثانى اثنين. إذ هما فى الغار ، منصوب على البدل من قوله تعالى : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا).

وهو بدل الاشتمال. إذ يقول لصاحبه ، بدل من قوله : إذ هما فى الغار. لا تحزن ، جملة فعلية فى موضع نصب بيقول. والهاء فى (عليه) يراد بها أبو بكر عليه‌السلام. والهاء (أيّده) يراد بها النبى عليه‌السلام. وكلمة الله ، مرفوعة لأنها مبتدأ. وهى العليا ، خبره.

وقد قرئ : كلمة الله / بالنصب بالعطف على كلمة (الذين كفروا) وفيه بعد ، لأن كلمة الله لم تزل عالية فيبعد نصبها بجعل ، لما فيه من إبهام أنها صارت عالية بعد أن لم تكن ، والذى عليه جماهير القراء هو الرفع.

قوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (٤١).

منصوب على الحال من الواو فى (انفروا).

قوله تعالى : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) (٤٧).

جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الواو فى :

(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ).

قوله تعالى : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (١) (٦١).

أذن خير ، خبر مبتدأ مقدر ، وتقديره ، هو أذن خير ، أى ، هو مستمع خير وصلاح ، لا مستمع شر وفساد ، والمراد بالأذن جملة صاحب الأذن. ورحمة ، قرئ بالرفع والجر ، فمن قرأه بالرفع كان مرفوعا بالعطف على قوله : (أذن) ومن قرأه بالجر كان مجرورا على (خير) ، أى ، وهو أذن رحمة ، فكما أضاف أذنا إلى الخير أضافه إلى الرحمة ، لأن الرحمة من الخير والخير من الرحمة.

قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٦٢).

تقديره ، والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه. فحذف خبر الأول لدلالة خبر الثانى عليه. وهذا مذهب سيبويه.

وذهب أبو العباس المبرد إلى أنه لا حذف فى الكلام ولكن فيه تقديم وتأخير ، وتقديره عنده ، والله أحق أن يرضوه ورسوله. فالهاء على قول المبرد تعود إلى الله تعالى. والله ، مبتدأ. وأن يرضوه ، بدل منه. وأحق ، خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون : الله ، مبتدأ. وأن يرضوه ، مبتدأ ثان. وأحق ، خبره. والمبتدأ الثانى وخبره ، خبر عن [المبتدأ] الأول ، وقد قدمنا هذا فى :

__________________

(١) (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) هكذا فى أ ، ب.

(فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ)(١).

قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٦٣).

فأن له ، فيه أربعة أوجه :

الأول : أن يكون فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، فالواجب أنّ له نار جهنم ، وإليه ذهب على بن سليمان الأخفش.

والثانى : أن يكون فى موضع رفع بالاستقرار على تقدير محذوف بين الفاء وأنّ ، وتقديره ، فله أنّ له نار / جهنم ، وإليه ذهب أبو على الفارسى.

والثالث : أن (أنّ) مبدلة من (أنّ) الأولى فى موضع نصب بيعلموا ، وهذا مذهب سيبويه.

والرابع : أنها مؤكّدة للأولى فى موضع نصب ، والفاء ، زائدة ، وهذا مذهب أبى عمر الجرمى وأبى العباس المبرد ، ويلزم على الوجهين الأخيرين جواز البدل والتأكيد قبل تمام المبدل منه والمؤكّد ، ولم يوجد ههنا ، لأن (أن) من قوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ) لم يتم قبل الفاء ، فكيف تبدل منها أو تؤكّد قبل تمامها وتمامها إنما يكون بتمام خبرها ، وهو الشرط وجوابه ، وإذا لم يتم فكيف تبدل منها أو تؤكد.

قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) (٦٤).

أن وصلتها ، فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، من أن تنزل. ويجوز أن تكون فى موضع جر على إرادة حرف الجر ، لأن حرف الجر يكثر حذفه معها دون غيرها ، وقد قدمنا العلة فى ذلك.

قوله تعالى : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ

__________________

(١) ١٣ سورة التوبة.

قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ (١) كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (٦٩).

الكاف فى (كالذين) فى موضع نصب لأنها صفة مصدر محذوف ، وتقديره ، وعدا كما وعد الذين من قبلكم. ودل على تقدير هذا المصدر قوله تعالى قبل هذه الآية :

(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ)

فالكاف فى

(كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ)

فى موضع نصب أيضا صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، استمتاعا كاستمتاع الذين من قبلكم. والكاف فى كالذى خاضوا ، فى موضع نصب أيضا صفة مصدر محذوف ، وتقديره وخضتم خوضا كالخوض الذى خاضوا.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) (٧٩).

الذين ، اسم موصول. ويلمزون ، صلته ، وهو فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وفى الصدقات ، من صلة يلمزون. وما بين (يلمزون) و (فى الصدقات) داخل فى صلة الذين.

والذين لا يجدون إلا جهدهم ، عطف على (الذين يلمزون). وخبر المبتدأ الذى هو (الذين) فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون (فيسخرون منهم سخر الله منهم).

والثانى : أن يكون مقدرا ، وتقديره ، ومنهم الذين يلمزون.

__________________

(١) (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) جملة ساقطة من أ.

قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) (٨١).

خلاف / ، منسوب لأنه مفعول له ، وقيل : لأنه مصدر.

قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) (٨٣).

الكاف ، فى موضع نصب برجع ، وهو يكون متعديا كما يكون لازما. يقال : رجع ورجعته ، نحو : زاد وزدته ، ونقص ونقصته (فى أفعال تزيد على ثمانين فعلا (١).

قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) (٨٧).

الخوالف : جمع خالفة ، فإن فاعلة يجمع على فواعل ، كقاتلة وقواتل ، وضاربة وضوارب ، والخوالف النساء.

قوله تعالى : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) (٩٤).

نبّأ ، بمعنى أعلم ، وهو يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، ويجوز أن يقتصر على واحد ، ولا يجوز أن يقتصر على اثنين دون الثالث ، ولهذا لا يجوز أن يكون (من) فى قوله : (مِنْ أَخْبارِكُمْ) زائدة ، لأنها لو كانت زائدة ، لكانت قد اقتصرت على مفعولين دون الثالث ، وذلك لا يجوز ، وإنما تعدّى إلى مفعول واحد ثم تعدّى بحرف جر.

قوله تعالى : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) (٩٨).

يقرأ بضم السين وفتحها ، فمن قرأه بالضم فمعناه الضرر والمكروه ، ومن فتحها فمعناه الفساد والرداءة. والدائرة ، ما يحيط بالإنسان حتى لا يجد له منه مخلصا ، وأضيف إلى السّوء والسّوء على جهة التأكيد والبيان ، كقولهم : شمس النهار ، ولو لم يذكر الإضافة لكان المعنى مفهوما.

قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (١٠١).

__________________

(١) ساقطة من ب.

تقديره ، قوم مردوا على النفاق ، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه.

قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١٠٣).

تطهّرهم وتزكيهم ، جملتان فعليتان فى موضع نصب ، وفى النصب وجهان :

أحدهما : أنه انتصب على الحال من المضمر فى (خذ) والتاء فى أول الفعل للخطاب.

والثانى : أن يكون (تطهرهم) وصفا لصدقة (وتزكيهم) حالا من الضمير فى (خذ) كالوجه الأول ، والتاء فى (تطهرهم) لتأنيث الصدقة ، والتاء فى (تزكيهم) للخطاب.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) (١٠٧).

والذين اتخذوا ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ /. والخبر (لا يزال بنيانهم). وضرارا ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول به ، وما بعده من المنصوبات عطف عليه فى كلا الوجهين ، فنصبها لأنها مصادر أو مفعولات.

قوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (١٠٨).

تقديره ، من تأسيس أول يوم. فحذف المضاف ، لأن (من) لا تدحل على ظروف الزمان ، وذهب الكوفيون إلى أنها تدخل على ظروف الزمان ، فلا تفتقر إلى تقدير حذف يضاف.

قوله تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) (١٠٩).

أصل هار ، هائر فقلب ، كما قالوا : لاث فى لائث ، وشاك فى شائك ، ووزنه فالع فحذفت الياء كما حذفت فى نحو قاض ورام ، فى الرفع والجر ، وقد يجوز ألا تقدر المحذوف لكثرة الاستعمال ويجرى مجرى الصحيح كقولهم : يوم راح وكبش ضاف.

قوله تعالى : (التَّائِبُونَ) (١١٢).

فى رفعه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون بدلا من الواو فى قولهم : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هم التائبون.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ وخبره (الآمرون) وما بعده.

قوله تعالى : (كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (١١٧).

فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون فى (كاد) ضمير الشأن والحديث وهو اسمها. ويزيغ قلوب ، جملة مركبة من فعل وفاعل فى موضع نصب لأنه خبر كاد ، وهى تفسير لضمير الشأن ، وجاز إضمار الشأن فى (كاد) دون (عسى) لأنها أشبهت كان الناقصة ، فإنها لا تستغنى عن الخبر بخلاف عسى فإنها قد (١) تستغنى عن الخبر إذا وقعت (أن) بعدها.

والثانى : أن القلوب رفع بكاد لأنه اسمها. ويزيغ ، خبرها ، وتقديره. كاد قلوب فريق يزيغ ، وهو قول أبى العباس المبرد.

والثالث : أن يكون فى (كاد) ضمير القبيل ، لتقدم ذكر أصحاب النبى عليه‌السلام ، فى قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ، وتقديره ، كاد قبيل يزيغ قلوب فريق منهم. وهذا قول أبى الحسن الأخفش.

والوجه الأول أوجه الأوجه.

__________________

(١) ساقطة من ب.

قوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (١١٨).

معطوف على النبى فى الآية السابقة (١). وتقديره ، لقد تاب الله على النبى وعلى الثلاثة الذين خلّفوا.

قوله تعالى : (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) (١٢١).

اسم منقوص كقاض ، ودخلته الفتحة فى النصب لخفتها ، وجمعه أودية ، وليس فى كلامهم فاعل جمع على أفعلة غيره.

قوله تعالى : (عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) (١٢٨).

ما ، مصدرية وهى مع عنتم فى تأويل المصدر ، وتقديره ، عزيز عليه عنتكم ، وهو مرفوع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بعزيز لأنه وقع صفة لرسول.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ. وعزيز ، خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها صفة رسول.

__________________

(١) أى (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ ...) الآية ١١٧ التوبة.

غريب إعراب سورة يونس

قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ) (٢).

أن مع صلتها فى تأويل المصدر وهو فى موضع رفع لأنه اسم كان. وعجبا ، خبره. واللام فى للناس ، متعلقة بمحذوف لأنه صفة لعجب ، فلما تقدم صار حالا ، ولأن صفة النكرة إذا تقدمت عليها انتصبت على الحال. قال الشاعر :

٩٢ ـ والصالحات عليها مغلقا باب (١)

أى ، باب مغلق. فلما قدم صفة النكرة نصبها على الحال ، ولا يجوز أن تتعلق اللام بكان ، لأنها لمجرد الزمان ، ولا تدل على الحدث الذى هو المصدر فضعفت ، فلم يتعلق بها حرف الجر.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) (٥).

مفعول ثان لجعل ، وقرئ : ضئاء بهمزتين على قلب اللام إلى موضع العين ، فصارت العين بعد الألف ، فانقلبت همزة ، لأنا إن قلنا : إن العين نقلت إلى موضع اللام وهى الياء ، فالياء إذا وقعت طرفا وقبلها ألف زائدة قلبت همزة نحو رداء. وقيل : قلبت ألفا لأن الألف خفية زائدة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين ، فكأنها قد تحركت وانفتح ما قبلها ، والياء إذا تحركت وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم قلبت الألف همزة لالتقاء الساكنين.

وإن قلنا : إن الياء عادت إلى أضلها وهى الواو فقد وقعت الواو طرفا وقبلها ألف زائدة نحو كساء قلبت همزة ، وقيل قلبت ألفا على ما بينا فى الياء.

__________________

(١) لم أقف على صاحب هذا الشطر من البيت.

قوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) (١١).

استعجالهم ، منصوب على المصدر ، وتقديره ، استعجالا مثل استعجالهم. فحذف المصدر وصفته وأقام ما أضيفت الصفة إليه مقامه.

قوله تعالى : (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) (١٢).

لجنبه ، فى موضع نصب على الحال والعامل فى الحال (دعانا) ، ومنهم / من ذهب إلى أن العامل فيها (مسّ) أى مس الإنسان مضطجعا أو قاعدا أو قائما. والذى عليه الأكثرون هو الأول.

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) (١٨).

هؤلاء ، إشارة إلى (ما) من قوله تعالى :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ)

حملا على معنى (ما) لأنها ههنا فى معنى الجمع ، وإن كان لفظها مفردا ، كما أن (من) تقع على الجمع وإن كان لفظها مفردا وقد قدمنا ذكره.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢٣).

بغيكم ، مبتدأ. وعلى أنفسكم ، خبره. ومتاع ، يقرأ بالرفع والنصب والجر وليس من المشهور. فالرفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون خبرا بعد خبر لقوله : (بَغْيُكُمْ).

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو متاع الحياة الدنيا. والنصب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا بفعل مقدر ، وتقديره ، يبتغون متاع الحياة الدنيا.

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر بفعل مقدر ، وتقديره ، تمتعوا متاع الحياة الدنيا. والجر على البدل من الكاف والميم من قوله : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، وتقديره ، إنما بغيكم على متاع الحياة الدنيا.

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) (٢٤).

أصل (ازينت) تزينت فأدغمت التاء فى الزاى بعد قلبها زايا ، وقلبت التاء زايا ولم تقلب الزاى تاء لأن فيها زيادة صوت وهى من حروف الصفير ، فلما أدغمت فيها سكن الأول عند الإدغام ، لأن الحرف المدغم بحرفين ، الأول ساكن والثانى متحرك ، فلما سكن الأول افتقر إلى إدخال همزة الوصل لئلا يبتدأ بالساكن فصار (ازّينت).

وقد قرئ وازّاينت وأصله تزاينت فأدغمت التاء فى الزاى على قياس ما قدمنا. وقرئ : ازّينت على وزن افتعلت ، وكان القياس أن تعل الياء فتقلب ألفا كقولهم : أرانت من الرّين وهو الغطاء ، وأسارت من السير ، إلا أنه أتى به على الأصل ولم يعله كما أتى : اطيبت واطولت على الأصل.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (٢٧).

ترهقهم ذلة : معطوف على (كسبوا) ، وجاز أن يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه لأنها جملة مبينة للأول وليست أجنبية منه. والباء فى (بمثلها) زائدة ، وتقديره ، وجزاء سيئة سيئة مثلها. كما جاء فى موضع آخر ((وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(١)).

قوله / تعالى : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) (٢٧).

__________________

(١) ٤٠ سورة الشورى.

قرئ قطعا بفتح الطاء وإسكانها. فمن قرأ بفتح الطاء كان جمع قطعة ويكون (مظلما) منصوبا (١) على الحال من (الليل) ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على الوصف لقطع لأنه كان يجب أن يقال : مظلمة. ومن قرأ بإسكان الطاء جاز أن يكون (مظلما) منصوبا على الوصف لقوله : قطعا ، وجاز أيضا أن يكون منصوبا على الحال من (الليل).

قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) (٢٨).

مكانكم ههنا اسم من أسماء الأفعال ، وهى اسم لالزموا ، كما أن (مه) اسم لاكفف ، و (صه) اسم لاسكت ، وفتحة النون فتحة بناء لقيامه مقام فعل الأمر ، وقيل : لتضمنه معنى لام الأمر. وأنتم ، توكيد للمضمر فى (مكانكم). وشركاؤكم ، معطوف عليه لوجود التوكيد ، كقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٢) وفزيلنا بينهم ، من زيّلت الشىء من الشىء إذا نحيته ، ولا يجوز أن يكون فعّلنا (٣) من زال يزول ، لأنه يلزم فيه الواو ، فيقال : زوّلنا.

قوله تعالى : (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣).

أن وصلتها ، يجوز أن يكون فى موضع نصب وجر ورفع ، فالنصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، بأنهم أو لأنهم ، فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل به فنصبه. والجر بأن يجعل حرف الجر فى نية الإثبات ، وإنما حذف للتخفيف.

والرفع على أن يكون بدلا من (كلمة).

قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) (٣٥).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وأحق ، خبره ، وفى الكلام محذوف ، وتقديره ،

__________________

(١) (منصوب) فى أ. ب.

(٢) ٣٥ سورة البقرة. ١٩ سورة الأعراف.

(٣) (فعليا) فى ب.

أحق ممن لا يهدى. وأن يتبع ، فى موضعه وجهان : النصب والرفع.

فالنصب على تقدير حذف حرف الجر.

والرفع على البدل من (من) وهو بدل الاشتمال. وأحق ، الخبر.

ويحتمل أن يجعل (أن) مبتدأ ثانيا. وأحق ، خبره مقدم عليه ، والجملة من المبتدأ والخبر ، خبر عن المبتدأ الأول وهو (من).

ويهدّى ، أصله يهتدى ، وفيها أربع قراءات :

الأولى يهدّى بفتح الهاء وتشديد الدال.

والثانية يهدّى بسكون الهاء وتشديد الدال.

والثالثة بكسر الهاء وتشديد الدال.

والرابعة بكسر الهاء والياء وتشديد الدال. فمن قرأ يهدّى بفتح الهاء فأصله يهتدى فنقل فتحة التاء إلى الهاء وأبدل من التاء دالا وأدغم الدال فى الدال.

ومن / قرأ بسكون الهاء حذف فتحة التاء ولم ينقلها إلى الهاء فبقيت الهاء ساكنة على أصلها ، وأشار بعض القراء إلى فتحها ولم يخلصها ساكنة فرارا من التقاء الساكنين.

ومن قرأ بكسر الهاء ففرارا من التقاء الساكنين لأنه الأصل فى التقاء الساكنين. ومن قرأ بكسر الهاء والياء كسر الياء إتباعا لكسرة الهاء ، وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥).

ما ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. ولكم ، خبره. وكيف ، فى موضع نصب بتحكمون.

قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣٦).

شيئا ، منصوب لأنه فى موضع المصدر ، أى ، غناء ، كقوله :

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(١)

__________________

(١) ٣٦ سورة النساء.

أى ، إشراكا.

قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (٣٧).

تصديق ، منصوب لأنه خبر كان مقدرة ، وتقديره ، ولكن كان هو تصديق ، أى القرآن.

وأجاز الكسائى الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، ولكن هو.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (٤٢).

إنما قال : يستمعون حملا على المعنى ، لأن معناها الجمع.

وقوله تعالى : (مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) (٤٣).

إنما قال (ينظر) حملا على اللفظ لأن لفظها مفرد.

قوله تعالى : (وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) (٤٤)

ذهب جماعة من النحويين إلى أنّ الاختيار فى (لكن) إذا جاءت معها الواو أن تكون مشددة ، وإذا جاءت بغير واو أن تكون مخففة. قال الفراء : لأنها إذا كانت بغير واو وأشبهت (بل) فخففت لتكون مثلها فى الاستدراك ، وإذا جاءت بالواو خالفت فشددت ، فمن شدّدها ، كان ما بعدها منصوبا لأنه اسمها ، ومن خففها رفع ما بعدها على الابتداء ، وما بعده الخبر.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) (٤٥).

يوم ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير اذكر.

__________________

(١) (ولكن الناس كانوا) هكذا فى ب.

والثانى : أن يكون منصوبا على الظرف والعامل فيه يتعارفون.

والكاف فى (كأن) فى موضع نصب وذلك من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (يحشرهم) ، وتقديره ، يوم يحشرهم متشابهين.

والثانى : أن يكون صفة مصدر محذوف ، وتقديره ، يحشرهم حشرا مشابها لحشر يوم لم يلبثوا قبله.

والثالث : أن يكون صفة (ليوم) على تقدير محذوف أيضا وتقديره ، كأن لم يلبثوا قبله. فحذف قبله فصارت الهاء متصلة بيلبثوا ، فحذفت للطول (١) / كما تحذف من الصلات. وكأن مخففة من الثقيلة ، وتقديره ، كأنهم لم يلبثوا. والواو فى (يلبثوا) عائدة إلى الهاء والميم فى (يحشرهم). ويتعارفون ، جملة فعلية ، يجوز أن تكون فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (لم يلبثوا) ، ويجوز أن تكون فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هم يتعارفون.

قوله تعالى : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٥٠).

فى (ماذا) وجهان ، قدمنا ذكرهما وجوّز بعض النحويين وجها ثالثا.

على أن تكون (ما) مبتدأ ، ويستعجل ، خبره على حد قولهم : زيد ضربت ، أى ضربته ، وأنكر جوازه بعض النحويين ، وقال هذا إنما يجوز فى ضرورة الشعر.

كقول الشاعر :

٩٣ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع (٢)

__________________

(١) (للطرف) فى أ.

(٢) البيت من شواهد الكتاب ١ ـ ٤٤ ، وقد نسبه سيبويه إلى أبى النجم العجلى.

أى ، لم أصنعه. ولا يجوز مثله فى اختيار الكلام. ومثله قراءة ابن عامر فى سورة الحديد :

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)(١)

أى ، وعده. فدل على جوازه ، وإن كان هذا الحذف قليلا فى اختيار الكلام.

قوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) (٥٣).

يستنبئونك ، يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون بمعنى ، يستخبرونك ، فيتعدى إلى مفعولين ، فالمفعول الأول الكاف ، وقوله (أحق) هو جملة اسمية فى موضع المفعول الثانى.

والثانى : أن يكون بمعنى يستعلمونك فيتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، فتكون الجملة الاسمية قد سدّت مسدّ المفعولين.

قل إى وربى : (إى) حرف يكون مع القسم بمعنى نعم ، ومنه قولهم. إيها الله. بمعنى إى والله. وجواب القسم (إنه لحق).

قوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) (٦١).

الهاء فى (منه) تعود على (الشأن) على تقدير حذف المضاف ، وتقديره ، وما (٢) تتلو من أجل الشأن من قرآن ، أى ، يحدث لك شأن فتتلو القرآن من أجله.

قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي

__________________

(١) ١٠ سورة الحديد.

(٢) (وإن) فى أ.

الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١).

يقرأ : لا أصغر ولا أكبر ، بالرفع بالعطف على موضع (من) وتقديره ، وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر ولا أكبر.

ويقرأ : ولا أصغر ولا أكبر بالجر فى صورة النصب ، فإنه اعتبر اللفظ ، لأن مثقال ذرة ، فى اللفظ مجرور. وفى كتاب مبين ، موضعه الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو فى كتاب مبين.

قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرى) (٦٣ ، ٦٤).

الذين آمنوا ، يجوز أن يكون فى موضع نصب على الوصف لاسم (إن) أو للبدل منه فى قوله تعالى :

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) ، ويجوز / النصب على تقدير ، أعنى ، ويجوز الرفع لأنه مبتدأ. ولهم البشرى ، خبره ، والبشرى ، مرتفع بلهم فى قول سيبويه ، كقول أبى الحسن ، لأنه وقع خبرا عن المبتدأ ، ويجوز أن تكون البشرى ، مبتدأ. ولهم ، خبره ، والجملة فى موضع رفع لأنها خبر (الذين) وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) (٦٦).

ما ، يحتمل أن تكون بمعنى الذى ، وبمعنى النفى ، وبمعنى الاستفهام والمراد به الإنكار. فإن كانت بمعنى الذى كانت فى موضع نصب بالعطف على (من) وتقديره ، ألا إن لله تعالى الأصنام الذين تدعونهم من دون الله شركاء. فحذف العائد من الصلة.

وشركاء. منصوب على الحال من ذلك المحذوف. وإن كانت نفيا كانت حرفا وكان التقدير ، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إلا الظن. وانتصب شركاء بيدعون. والعائد إلى الذين الواو فى يدعون ومفعول (يتبع) قام مقامه (١) إن يتبعون إلا الظن. ولا ينتصب الشركاء بيتبع لأنك تنفى عنهم ذلك. والله تعالى قد أخبر به عنهم.

وإن كانت (ما) بمعنى الاستفهام والمراد به الإنكار والتوبيخ ، كانت اسما فى موضع نصب بيتبع ، وتقديره ، وأى شىء يتبع الذين يدعون.

قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) (٧١).

شركاءكم ، منصوب لوجهين :

أحدهما : أنه منصوب لأنه مفعول معه ، وتقديره ، فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، لأنه يقال : أجمعت مع الشركاء ، ولا يقال : أجمعت الشركاء ، لأنه بمعنى عزمت.

والثانى : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، والتقدير ، فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم. وقيل التقدير ، وادعوا شركاءكم. وكذلك هى فى قراءة ابن مسعود (٢). والنصب على تقدير الفعل فى هذا النحو قول الشاعر :

٩٤ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا (٣)

وتقديره ، وكحلن العيون ، لأن العيون لا تزجج. وكقول الآخر :

__________________

(١) (يتبع قام مقامه) مكانه بياض فى أ.

(٢) عبد الله بن مسعود ، كان من أحفظ الصحابة لكتاب الله ، وأحد الستة الذين انتهى إليهم علم الصحابة. ت ٣٢ ه‍.

(٣) البيت للراعى النميرى ، واسمه عبيد بن حصين ، ويستشهد به فى العطف بالواو حيث عطف عاملا محذوفا قد بقى معموله ، والتقدير : وزججن الحواجب وكحلن العيون.

٩٥ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (١)

وتقديره ، ويفقأ عينيه ، لأن العين لا تجدع ، والشواهد على هذا النحو كثيرة جدا.

وقد قرئ : فاجمعوا أمركم. بألف وصل ، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الشركاء منصوبا بالعطف على الأمر ، ويجوز أيضا أن يكون منصوبا على أنه مفعول معه.

وقد قرئ : وشركاؤكم بالرفع على أنه معطوف على الضمير المرفوع فى (فأجمعوا) لوجود الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهو (أمركم) لأنّ الفصل يتنزل منزلة التوكيد ، كقوله تعالى :

(مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ)(٢).

قوله تعالى : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (٧٤).

الضمير فى (كذبوا) يعود على قوم نوح ، أى فما كان قوم الأنبياء الذين أرسلوا بعد نوح ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح بل كذبوا كتكذيب قوم نوح.

قوله تعالى : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) (٨١).

ما ، يحتمل أن تكون اسما موصولا بمعنى الذى ، ويحتمل أن يكون استفهاما ، فإذا كانت اسما موصولا كانت مع الصلة فى موضع رفع بالابتداء. والسحر ، خبره. وإذا كانت استفهاما كانت أيضا فى موضع رفع بالابتداء. وجئتم به الخبر. والسحر ، خبر مبتدأ مقدر ، وتقديره ، هو السحر. ويجوز أن تكون (ما) فى موضع نصب

__________________

(١) البيت من مقطوعة لخالد بن الطيفان يذكر فيها مولى له ، الخصائص ٢ ـ ٤٣١.

وقبله :

ومولى كمولى الزبرقان دملته

كما دملت ساق تهاض بها كسر

(٢) ٢٨ سورة يونس.

على تقدير فعل بعد (ما) ، وتقديره : أى شىء جئتم به. والسحر. خبر مبتدأ مقدر على ما قدمنا فيما إذا كانت (ما) فى موضع رفع.

ولا يجوز أن تكون (ما) فى موضع نصب إذا كانت بمعنى الذى ، لأن ما بعدها صلتها والصلة لا تعمل فى الاسم الموصول ، ولا تكون تفسيرا للعامل الذى تعمل فيه.

وقد قرأ بعض القراء : السحر. بالمد ، فعلى هذه القراءة يجب أن تكون (ما) للاستفهام ، ولا يجوز أن تكون (ما) بمعنى الذى لأنها تبقى بلا خبر. ويجوز أن يكون السحر مرفوعا على البدل من (ما) وخبره خبر المبدل منه لأنه بدل من استفهام ، ويستوى البدل والمبدل منه فى لفظ الاستفهام ، ألا ترى أنك تقول : كم مالك أخمسون أم ستون ، فتجعل (خمسون) بدلا من (كم) وتدخل ألف الاستفهام على (خمسون) لأن المبدل منه وهو (كم) استفهام ، والاستفهام فى هذه الآية بمعنى التوبيخ لا بمعنى الاستخبار ، لأن موسى لم يستخبرهم لأنه قد علم أن ما جاءوا به سحر ، وإنما وبخهم على ذلك.

قوله تعالى : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (٨٣).

ما جمع الضمير فى (ملئهم) لخمسة أوجه :

الأول : أنه إذا ذكر علم أن معه غيره ، فعاد الضمير إليه وإلى من معه.

والثانى : أنه إخبار عن جبّار والجبار مخبر عن نفسه بلفظ الجمع ، فيقول : نحن فعلنا. ومن هذا قوله : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)(١)).

والثالث : أنّ فى الكلام حذف مضاف ، وتقديره ، على خوف من آل فرعون. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

والرابع : أن جمع الضمير يعود على الذرية التى تقدم ذكرها.

__________________

(١) ٩٩ سورة المؤمنون.

والخامس : أنه يعود على القوم الذين تقدم ذكرهم ؛ قوله : أن يفتنهم ، فى موضع جر على البدل من فرعون وهو بدل الاشتمال.

قوله تعالى : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) (٨٧).

قال أبو على (*) : اللام فى قوله : (لقومكما) مقحمة ، وجعل تبوّءا متعديا مثل بوّأ ، يقال : بوّأته وتبوّأته ، كقولهم : علّقته وتعلّقته.

قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨).

فلا يؤمنوا ، يجوز أن يكون منصوبا ومجزوما ، فالنصب على وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه معطوف على (ليضلوا عن سبيلك).

والثانى : أن يكون منصوبا على جواب الدعاء بالفاء بتقدير أن. والجزم على أنه دعاء عليهم.

قوله تعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩).

يقرأ : ولا تتبعان بتشديد النون وتخفيفها. فمن قرأ بتشديد النون جعله نهيا بعد أمر. ومن قرأ بتخفيفها كان قوله : ولا يتبعان فى موضع نصب على الحال ، أى ، استقيما غير متبعين ، فتكون (لا) نافية لا ناهية.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) (٩٨).

قوم يونس ، منصوب من وجهين :

أحدهما : لأنه استثناء منقطع ليس من الأول.

__________________

(*) أبو على الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسى النحوى. له مؤلفات هامة فى النحو والقراءات أوفاها الحجة. ت ٣٧٧ ه‍.

والثانى : أن يكون منصوبا على الاستثناء غير المنقطع بأن يقدر فى الكلام حذف مضاف ، تقديره ، فلو لا كان أهل قرية آمنوا إلّا قوم يونس. ومن رفعه حمله على البدل. كقول الشاعر :

٩٦ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس (١)

والبدل من غير الجنس لغة بنى تميم. ويونس ، لا ينصرف للتعريف والعجمة ، وقرئ : يونس بكسر النون وفتحها ، فمن قرأ بكسر النون ، فيجوز أن يكون (غير منصرف (٢)) لما ذكرنا ، ويجوز أن يكون غير منصرف للتعريف ووزن الفعل الذى سمّى فاعله. ومن قرأ بفتحها فيجوز أن يكون غير منصرف للتعريف ووزن الفعل الذى ما سمّى فاعله.

قوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ (٣) الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٣).

الكاف فى كذلك ، صفة مصدر محذوف ، وتقديره ، ننجى رسلنا والذين آمنوا ننجيهم مثل ذلك. وحقّا ، يجوز أن يكون من صلة قوله : (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ، أى ، ننجى المؤمنين حقّا. ويجوز أن يكون (حقّا) بدلا من كذلك. ولا يجوز أن ينصب كذلك وحقّا بننجى ، لأن الفعل الواحد لا يعمل فى مصدرين ، ولا فى حالين ، ولا فى استثناءين ، ولا فى مفعولين معهما. والله أعلم.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ١ ـ ١٣٣ ، ٣٦٥ ولم ينسبه لقائل. وينسب إلى عامر بن الحارث المعروف بجران العود ، شذور الذهب ـ ٢٦٥.

(٢) ساقطة من أ.

(٣) (ننجى) هكذا فى أ ، ب.

المحتوى

١ ـ غريب إعراب سورة الفاتحة.............................................. ٣١ ـ ٤٢

٢ ـ غريب إعراب سورة البقرة.............................................. ٤٣ ـ ١٨٨

٣ ـ غريب إعراب سورة آل عمران........................................ ١٨٩ ـ ٢٣٩

٤ ـ غريب إعراب سورة النساء........................................... ٢٤٠ ـ ٢٨١

٥ ـ غريب إعراب سورة المائدة............................................ ٢٨٢ ـ ٣١٢

٦ ـ غريب إعراب سورة الأنعام........................................... ٣١٣ ـ ٣٥٢

٧ ـ غريب إعراب سورة الأعراف......................................... ٣٥٣ ـ ٣٨٢

٨ ـ غريب إعراب سورة الأنفال........................................... ٣٨٣ ـ ٣٩٢

٩ ـ غريب إعراب سورة براءة............................................. ٣٩٣ ـ ٤٠٧

١٠ ـ غريب إعراب سورة يونس.......................................... ٤٠٨ ـ ٤٢١

البيان في غريب إعراب القرآن - ١

المؤلف: أبو البركات بن الأنباري
الصفحات: 423
ISBN: 977-419-176-5
  • 1 ـ غريب إعراب سورة الفاتحة 31 ـ 42
  • 2 ـ غريب إعراب سورة البقرة 43 ـ 188
  • 3 ـ غريب إعراب سورة آل عمران 189 ـ 239
  • 4 ـ غريب إعراب سورة النساء 240 ـ 281
  • 5 ـ غريب إعراب سورة المائدة 282 ـ 312
  • 6 ـ غريب إعراب سورة الأنعام 313 ـ 352
  • 7 ـ غريب إعراب سورة الأعراف 353 ـ 382
  • 8 ـ غريب إعراب سورة الأنفال 383 ـ 392
  • 9 ـ غريب إعراب سورة براءة 393 ـ 407
  • 10 ـ غريب إعراب سورة يونس 408 ـ 421