
«
هذا الكتاب هو في الأصل رسالة جامعية تقدّم بها صاحبها لنيل درجة الماجستير في
الأدب العربي من كلية اللغات بجامعة اصفهان. وقد نوقشت صباح يوم الأربعاء ٢٤ / ٥ /
١٤١٩ هـ الموافق ١٦ / ٨ / ١٩٩٨ م. وقد نال بها صاحبها وبفضل من الله وتوفيقه درجة
الماجستير بمرتبة امتياز مع تقدير لجنة المناقشة والحكم ».
كلمة المكتبة الأدبيّة المختصّة
الحمد لله رب العالمين والصلاة على
عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
لمدرسة النجف الأشرف في الأدب ـ شأنَ كل
تكوينها العلمي الحضاري العتيد ـ حضورٌ طاغٍ يمتدُّ إلى أجيال متلاحقة ساهمت في
إشادة البُنية الفارهة للكلمة .. الكلمة التي اعتبرت ذاتَها امتداداً لإعجاز أمير
اللغة والبيان وإمام الفصاحة الفذّة علي بن ابي طالب 7
نشأ الأديبُ النجفيُّ في ظلّ وادي السلام المسكون بالعبقريّة حتى يتملّكَهُ هذا
الجنوح الغريب إلى فتق المفردات ومعالجة الأفكار .. ربّما للمغناطيسيّة الهائلة
التي أودعَها علي 7
واهبة إبداعاً ورؤيا يجذبان إليهما كلَّ رفيفِ شعورٍ ونديِّ قول..
وهكذا فالنجفيُّ مسكونٌ ـ أبداً ـ
بالشعريّة في الشعر والنثر كليهما على مرّ الف عام او يزيدون ، لا سيّما في قرنها
الحاضر الأخير.
ولا اراني مبالغاً لو قلت انّ مدرسة
النجف أفرزت ركاماً هائلاً من النتاج الأدبي يتعدّى حتى نتاجها العلمي الشاخص في
جهود علمائها الأفذاذ ، بل لصحَّ لو قرّرنا ان أيّة حاضرة علمية في التاريخ لم
تتلبَّسْها هذه الروح الفريدة كالغريّين.
وما برحت أصداء النديّ الخالد تتردّد في
شرق العالم وغربه .. وما برحت أشباح السمار تهوّم في الزمان والمكان تنأى لتقترب
وتغيب لتشرق مطلعَ كلِّ مصطبَح وأوانَ كلِّ مغتبق رغم الصمت والحزن والكبرياء
الجريحة في يومها المرير هذا ..
فلا غروَ ـ اذن ـ والحالُ هذه ان يمتدّ
الجذرُ الكبير حتى دوحة عبد المنعم الفرطوسي الوارفة التي طالما تفيَّأَ ظلالَها
كاتبُ هذه السطورِ المكلومةِ وغيرُه الكثيرون ـ من قبلُ ومن بعدُ ـ لتحضر النجف
بكلّ خُيَلائها وزبرجها في اللفظ والمعنى ..
ولقد كان الشيخُ الفرطوسيُّ ـ فيما
يمثِّلُ من صفاتِهِ الجمّة ـ واعيةَ الكلمة العلويّة
المقدّسة بشقشقتِهِ
التي هدَرَتْ فما قرّتْ حتى نصف قرنٍ من العطاءِ والجهاد والاستبسال بين يَدَي
أهدافها الكبيرة في نصرة الحقّ والانتصاف للهدى والامتياح من النبع السرمدي ..
وهو ـ ازاء ذلك ـ يشكّل ظاهرةً شعريّة
امتلكت زمام الفرادة في ثرائها وعنفوانها حق لها ـ لو كان ثمّةَ نُعمى للحق ـ ان
تُرصد ويُكتب عنها : بحثاً وتمحيصاً وتوثيقاً ، لكنّها بعد ان ادّت ما عليها من
ضريبة القول والموقف لم يشأ لها زمنها الذي عاشه شاعرُها إلاّ غمطاً وظلماً .. على
انَّ الفرطوسي كان وسيبقى حاضراً بكلّ جلالِه وحِدائه المميَّزَيْن في الذاكرة حتى
عند من لم يحضرْه أو يعاصرْه .. وكان من اولئك الذين شهدوه بعد زمنه ـ بقليلٍ ـ
فاكتَنَفَتْه روحُ الفرطوسي وإبداعُه : أحَدُ أبناء حاضرة النجف الباحث الجامعي
الدؤوب الاستاذ حيدر محلاّتي ( الخفّاف ) من خلال دراسة جادّةٍ موفّقةٍ رغم ندرة
المصادر والاحالات عن موضوع البحث ، شاءَ لها صبرُ صاحبها ومراسُه الفتيُّ ان
تتوافر على صفات النجاح والتوفيق بما يفتح الباب مشرَعاً على ارتياد عوالم
الفرطوسي الرحبة .. وكان خرج منها بحصيلةٍ وافرة قرّبت الصورة إلى مدياتها
الحقيقية عن العالم الشاعر الفرطوسي الموهوب ، والمكتبة الادبية المختصّة إذ تبادر
إلى نشر مثل هذه الدراسة الرائدة تجد نفسها معنيّةً بخدمة رموز الأدب الولائي
المبارك الذين مثَّل الفقيد الكبير ـ موضوع هذه الدراسة ـ واحداً من رموزه
الشاخصين ، كما تهيب بالأخوة الاُدباء والباحثين ان يرفدوا بعطائهم ونتاجهم مسيرة
هذه الكلمة الأدبيّة الطيّبة حتى تؤتي اُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها .. عسى أن
نكون نحن جميعاً من ذوي الزاد في مسيرة العروج إلى طهر أهل البيت : الدين وأتباعهم الخالدين.
|
مدير المكتبة الأدبية
المختصة
فرات الأسدي
غرّة ربيع الثاني / ١٤٢٠
هـ
|
المقدمة
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى ، وعلى
آله الطيّبين الطاهرين.
وبعد
:
فلم تزل مدرسة النجف في جميع أدوارها
التاريخية حافلة بمشاهير الشعراء وأكابر الأدباء والعلماء ممّن أسهموا مساهمة
فعّالة في إحياء التراث العربي ، وصيانته من اللغات الدخيلة.
ولهذه المدرسة سجل حافل بأسماء تلاميذها
الأذكياء والنوابغ ممن أثروا المكتبة العربية بروائع نتاجهم ، وأمدوا الثقافة
والمعرفة بجلائل آثارهم وعظيم أفكارهم وآرائهم.
ومن هؤلاء الشاعر الكبير الشيخ عبد
المنعم الفرطوسي الذي لم تعرف النجف على مرّ عصورها مثيلاً له من حيث غزارة الشعر
ووفرة النتاج الأدبي. فقد بلغت أبياته الشعرية التي نظمها طوال مسيرته الأدبية
خمسين ألف بيت ، الحدّ الذي لم ينازعه فيه شاعر لا من قديم ولا من حديث.
والغريب أنَّ شاعراً كالفرطوسي وبهذا
الكم الهائل من الإبداع الأدبي لم يعن باهتمام النقاد والمعنيين بشؤون الأدب ، الأمر
الذي دفعني إلى دراسة حياته ،
والتعمق في شعره على
الرغم من ضآلة المصادر وقلة المراجع المعنية بهذا الموضوع.
وقد ضمت الدراسة ثلاثة أبواب ، تناول
الباب الأول بيئة الشاعر أي مدينة النجف ، ومالها من معالم تاريخية ودينية ، بالاضافة
إلى واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي. وقد كان ضرورياً بحث هذه الجوانب من بيئة
الشاعر باعتبار انّ هذه البيئة لم تعد تشكل هاجساً عاطفياً لدى الشاعر لكونها مهد
طفولته وموطن نشأته فحسب ، بل ولأنها أصبحت تجسد في فكره مفهوماً حضارياً راقياً
وواقعاً تاريخياً هاماً كما سيتضح من خلال البحث.
أمّا الباب الثاني فقد سلط الضوء على
جوانب مختلفة مما يتصل بحياة الشاعر الخاصة من قبيل مولده ونشأته ، اُسرته وقبيلته
، سيرته وخلقه ، آثاره ومؤلفاته ، وأعماله ونشاطاته في الميادين السياسية
والإجتماعية والثقافيّة.
وفي الباب الثالث تركز الحديث على شعر
الشاعر فضم أربعة فصول :
الفصل الأول : في بدايات الفرطوسي
الشعرية ، والعوامل التي أثّرت في شعره ، بالإضافة إلى المراحل والأدوار التي مرّ
بها الشاعر طيلة عمله الأدبي.
الفصل الثاني : حول الموضوعات الشعرية
الرئيسية عند الشاعر ، وهي : السياسة ، والاجتماع ، والعقيدة.
الفصل الثالث : في الأغراض الشعرية
المتمثلة بشعر المديح ، والرثاء ، والوصف ، والغزل ، وشعر التأريخ.
الفصل الرابع : تناول بالتفصيل ملحمة
الشاعر الموسومة بملحمة أهل البيت :.
وفيه حديث مفصل ومطول عن أوليات الملحمة وتاريخها ، وكذلك ميزات ملحمة الشاعر ، وما
يتعلق بها من أحاديث وموضوعات.
وقد اعتمدت في اعداد البحث على عدة
مصادر تفاوتت من حيث الأهمية والموضوع. من أهمها : كتاب « ماضي النجف وحاضرها »
للشيخ جعفر آل محبوبة ، وكتاب « شعراء الغري » لعلي الخاقاني ، وكتاب « حركة الشعر
في النجف الأشرف وأطواره خلال القرن الرابع عشر الهجري » للدكتور عبد الصاحب
الموسوي. واضافة إلى هذه الكتب وكتب اخرى فقد بقي ديوان الشاعر وملحمته الشعرية
أهم مرجعين اعتمدتهما طوال البحث.
أمّا منهجية العمل فقد حرصت في بادئ
الأمر على أن يخرج البحث بموضوعية تامة ونزاهة كاملة بعيداً عن الأحكام التعسفية
والنقد اللاذع الذي من شأنه أن يُدخل البحث في متاهات لا تتماشى وروح البحث وصميم
الدراسة.
وجلّ عملي في البحث قائم على تحليل
النصوص الشعرية ودراستها من الناحية الموضوعية في استقصاء يهدف في الوهلة الأولى
الى تعيين مواطن اهتمام الشاعر ، ثم تقييم نتاجه الأدبي تقييماً علمياً يبرز مدى
قابليته وتفوقه في عالم الشعر والقريض.
ختاماً أتقدم بوافر شكري وجزيل امتناني
لاُستاذي المشرف الدكتور عبدالغني ايرواني زاده على ما بذله من جهد وما اسدى من
نصح خلال إعداد الرسالة. كما واشيد بالجهود والملاحظات القيمة التي أبداها
الاُستاذ المساعد الدكتور نصرالله شاملي عند اطلاعه على مسودات الرسالة.
أسأل الله أن يجعل عملي هذا مما ينتفع
به ، انّه وحده ولي التوفيق. والحمد لله ربّ العالمين.
حيدر محلاتي
البَابُ
الأَوَّلُ
البيئة
١ ـ النجف قديماً وحديثاً :
النَّجَفُ في اللغة : « مكان مستطيل
منقادٌ ولا يعلوه الماء ، والجمع نجاف. ويقال هي بطون من الأرض في أسافلها سُهولة
تنقاد إلى الأرض ، لها أودية تنصبُّ إلى لينٍ من الأَرض » .
وقال ياقوت الحموي : « النجف بالتحريك
... هو بظهر الكوفة كالمُسنّاة تمنع مسيل الماء أن يعلوَ الكوفة ومقابرها ... وبالقرب
من هذا الموضع قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ذكرته الشعراء
في أشعارها فأكثرت ... »
وللنجف جذور تاريخية عريقة يوم كانت
جزءاً من حاضرة الحيرة التي تربع على عرشها المناذرة ، وبنوا فيها منازلهم وقصورهم
لما كانت تتمتع هذه البقعة بطيب المناخ ، وحسن التربة ، واعتدال الهواء. وقديماً
قال فيها الشاعر
:
لم يَـنْزل الناسُ في سَهْـلٍ ولا
جَبل
|
|
أصفى هواءً ولا أعذى من النجفِ
|
__________________
وقد ورد لبقعة النجف عدة أسماء ، منها :
الغري
أو الغريان : وهو من الأسماء
المتداولة الشائعة لبقعة النجف. وقد ورد كثيراً في معاجم الحديث وقواميس اللغة
وكتب التاريخ والأدب. والغري أو الغريان : « تثنية الغري ، وهو المطلي. الغراء
ممدود : وهو الغراء الذي يُطلى به ... والغري نُصُب كان يذبح عليها العتائر والغريان : طِربالان وهما بناءان
كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه » .
وادي
السلام : من أسماء النجف المشهورة ، وقد ورد في
بعض الأحاديث الدينية وعن لسان بعض الأئمة : وهذا الأسم يطلق اليوم على مقبرة
النجف الشهيرة التي تضمّ بين ثناياها أجساداً من الأقاصي الإسلامية أمّت النجف
لتنال جوار أمير المؤمنين علي 7.
وفي هذه البقعة المقدسة يقول الفرطوسي من
__________________
قصيدة بعنوان « وادي
السلام » :
على الذكواتِ البيضِ من جانبِ الوادي
|
|
قِفـا ساعةً واستنطِقا الأثرَ البادي
|
إلى أن يقول :
ويا تربةً وادي السلامِ قـرارهـا
|
|
ومن حبّها في كل قلبٍ هوىً بادي
|
سقاكِ الحيا من تربةٍ قد ترعرعت
|
|
على حُبِّها نفسى بساعـةِ ميلادي
|
علقتُ بهـا طولَ الحيـاةِ وإنني
|
|
سأبعث مَقروناً بها يوم ميعادي
|
واكتسبت النجف أهمية وقداسة منذ أن
احتضنت بين دفتيها جثمان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7. فأصبحت ومنذ ذلك الحين مزاراً يُؤَمُّ
من كل حدب وصوب ، وتربة يستشفى بها على حدّ قول الشاعر :
يا صاحب القبة البيضاء في النجف
|
|
من زار قبرك واستشفى لديك شفي
|
زوروا أبـا الحسن الهـادي لعلكم
|
|
تحظـون بالأجر والإقبال والزلف
|
زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن
|
|
يـزره بالقبر ملهوفـاً لديه كفـي
|
إذا وصلـت فـأحرم قبل تدخلـه
|
|
ملبياً واسـع سعياً حـوله وطـف
|
حتى اذا طفت سبعـاً حول قبتـه
|
|
تـأمل الباب تلقى وجهه فقف
|
هذا ما كانت عليه النجف قديماً. أمّا
اليوم فهي مدينة واسعة تقع في سهل رملي على حافة الهضبة الغربية من العراق ، التي
عند نهايتها تقوم الحدود السعودية. يحدها من الشمال والشمال الشرقي مدينة كربلاء ،
ومن الجنوب والغرب منخفض بحر النجف ، ومن الشرق مدينة الكوفة .
__________________
أمّا عن مناخها فيقول جعفر آل محبوبة :
« هواء صيفها حار يابس وفي الشتاء بارد قارص وعندما يشتد الحر في الصيف يلتجىَ
أهلها إلى سراديب منحوتة في الأرض نحتاً بديعاً » ويقول في موضع آخر : « يهب الهواء
الناشف الساكن الهادىَ في فضاء النجف ولم يحمل معه ما تتركه المياه المتعفنة
والمستنقعات الوبيئة فتراه نسيماً خالصاً به ينتعش الحزين ويصبو الولهان ويستيقظ
المستهام فيثير عواطف الوداد ويهيج هواجس الشوق فتتفجر براكين أرباب الغرام فترمي
بقذائف الأفكار فتسبكها في بودقة الخيال فتنصب شعراً » .
وتعتبر النجف من أهم الحواضر الاسلامية
المقدسة بعد مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، والقدس الشريف. وهي اليوم جامعة
تربوية دينية ، انتهت اليها مسؤولية تدريس علوم أهل البيت : واحياء أمرهم ونشر مذهبهم ، اضافة الى
ريادتها التاريخية في الحفاظ على التراث الاسلامي وصونه من الضياع والتلف.
٢ ـ الحياة الاجتماعية :
ورثت النجف طبيعة قبلية كانت قد استفحلت
فيها القيم البدوية والأعراف السائدة في العشائر التي نزحت اليها. فسكان النجف
ينتمي بعضهم الى أعراب البوادي الرحالة القادمين من طوائف الحجاز ، وبعضهم ينتمي
إلى عشائر العراق القاطنة على ضفتي دجلة والفرات ، بالإضافة إلى بعض العناصر
المختلفة كالفارسي ، والهندي ، والتركي الذين تأثروا ببيئتهم الجديدة فأصبحوا
جزءاً منها في عاداتها وتقاليدها وسلوكها الاجتماعي.
__________________
وفي مثل هذا المزيج من العادات
والتقاليد والثقافات المتباينة كان لابد أن تظهر صراعات ونزاعات بين المحلات
المختلفة في المدينة الواحدة. ولعل العامل المحفز في تشديد هذه الصراعات هو روح
العصبية القبلية التي ورثتها النجف منذ القدم يوم كانت تقع على حافة الصحراء وقد
أصبحت موئلاً لتموين القبائل البدوية التي تتجول في الصحراء بالقرب منها. وكثيراً
ما كانت المشاحنات والمنازعات تقع بين أهل النجف وتلك القبائل. وهذا يجعل أهل
النجف يشعرون بضرورة وجود عصبية قوية بينهم لتساعدهم على مدافعة القبائل البدوية
عند الحاجة .
وفي هذا الصدد يقول علي الخاقاني : «
ومعظم أهالي النجف يعيشون الى اليوم بالعقلية القبلية وبطبيعة أهل البادية. والنجف
لم تتأثر بالحضارة الحديثة ولم تلتفت الى مقتضيات العصر كما يراد ، وان تجرد الفرد
من المسؤولية أدى به الى فقدان مجتمع صالح يتعاون معه للقضاء على الرذيلة ومقاومة
فاعلها ... ، لذا ترى التكتل الاجتماعي قائماً على قدم وساق ، يزيده وينميه ضعف
الوازع الديني والخلقي والنظامي ، ولذا تراه ينضوي تحت راية من يدعي القوة » .
والنجف بصحرائها القاحلة وبداوتها
الجافية لم تكن بلدة زراعية بطبيعة الحال ، فجفاف التربة وقلة الأمطار أعدم
الزراعة فيها الاّ القليل مما كان يزرع من الخضروات وبعض المحاصيل الزراعية التي
لم تكن تسد حاجة المدينة من المواد الغذائية. فلذا عمّ الفقر والجوع بين الناس الى
حد كان لا يجد الشخص رغيف الخبز الذي يقتات به ، وقد يقضي اليوم أو اليومين على
الطوى دون أن يأكل ما يحفظ رمقه ويقيم أوده. وللشعراء في هذا الشأن خطب جليل. فقد
أكثروا من شعر
__________________
الفقر وقصيد الجوع الذي
كان يعبر عن بؤسهم وشقائهم وما كانوا يعانون من آلام وأسقام. من ذلك قصيدة «
تنويمة الجياع » لمحمد مهدي الجواهري
الذي صوّر فيها حالة الجوع التي استشرت في البلاد عامة :
نامـي جياع الشعب نامي
|
|
حـرستك آلهـة الطعـام
|
نامـي فإن لـم تشبعـي
|
|
مـن يقظة فمـن المنـام
|
نامـي على زبد الوعـود
|
|
يـداف في عسـل الكلام
|
نامي تزرك عرائـس الأ
|
|
حلام فـي جنح الظـلام
|
تتنوري قـرص الـرغـ
|
|
ـيف كدورة البدر التمام
|
وتَـرَيْ زرائبـك الفسـ
|
|
ـاح مبلطات بالرخام
|
أمّا الصناعة فهي الاخرى لم تكن بأحسن حالاً
من الزراعة. فقد كانت قائمة على بعض الأعمال اليدوية والصناعات الخفيفة الأخرى.
وفي هذا الصدد يقول جعفر آل محبوبة : « ليس في النجف إلاّ الصناعات الوطنية التي
تتلقاها الأبناء عن الآباء تراثاً وأخصها نسيج العباء .. وقد اشتهرت النجف بنسج
العباء ، وفيها معامل يدوية كثيرة منتشرة في محلات النجف ... وفيها النجارة
والصياغة والدباغة ـ فيها مدبغة كبيرة خارج البلدة تدبغ الأدم على اختلافها ، ويصرف
أكثرها في حاجة السكان لعمل الأحذية ، والقرب ، والدلاء الصغيرة التي تستعمل لمتح
الماء من الآبار ، والدلاء الكبيرة التي تستعمل لسقي البساتين. وفيها لطرق النحاس
معامل يدوية تصنع الأوعية والمراجل وسائر الأدوات والأواني البيتية ـ فيها سوق خاص
للنحاسين ( الصفارين ) ومنه تجلب الأواني الى أكثر البلدان
__________________
العراقية. تصنع في
النجف النواعير الحديدية التي ترفع الماء من الأنهر بطريقة فنية لسقي المزارع ، وهذه
تصرف في ضواحي النجف .
وإن كانت النجف قد شهدت تدنياً في
الزراعة والصناعة فانها ازدهرت ازدهاراً ملحوظاً في علاقاتها التجارية مع البلاد
العربية ، وذلك بسبب موقعها الجغرافي ولتوسطها بين بادية الشام والجزيرة من جهة
وبين بغداد والبصرة من جهة اخرى. فقديماً كان التجار القادمون من الشام
والحجازيأتون ببضائعهم الى النجف ليجدوا أمامهم بضائع الهند القادمة من البصرة
وبضائع البلاد الأخرى القادمة من بغداد.
وعن موقع النجف التجاري يقول الدكتور
مصطفى جمال الدين : « تقع [ النجف ] بين الريف العراقي المنتشر على ضفاف الفرات ، وبين
البادية الممتدة من العراق الى الحجاز ، وهي السوق المشتركة بين عشائر الريف
وعشائر البادية ، فمنتوجات ( المشخاب ) و ( الشامية ) و ( العباسية ) و ( الكوفة )
وغيرها من الثمر ، والحنطة ، والشعير ، والرزّ ، تتجمع في ( خانات ) النجف
لتُصدَّر بعد ذلك إلى بغداد ، والبصرة ، والموصل ، ومنتوجات البادية من ( القادسية
) و ( الحيرة ) ... من الغنم والصوف والوبر ، والسمن ، والجلود ، ترد الى ( مَناخة
) النجف لتصدَّر الى مناطق العراق الاخرى » .
وظلّت النجف على هذه الحال بالرغم من
التطورات التي شهدتها في أوائل القرن العشرين من انهيار نظام الحكم العثماني
واستبداله بالحكم البريطاني وما رافقه من تطور في شتى مرافق الحياة. فكان لابد من
الاتصال بالعالم الجديد
__________________
والحضارة الجديدة ، وكان
لابد من التطلع الى إنماء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية واللحاق بالركب
الحضاري الجديد. الاّ أن ذلك لم يحصل في النجف ولم يلق ترحيباً من قبل أبنائها ، وذلك
لأنها كانت ولا تزال مدينة شديدة المحافظة والانغلاق ، وقد ساعد على تأصيل هذه
الميزة فيها محيطها الضيق ، ومناخها الصحراوي القاسي ، ومركزها الديني الهام.
ويفصّل الدكتور مصطفى جمال الدين الحياة
الاجتماعية في هذه المدينة المحافظة فيصفها بأنها ؛ « مدينة متحفظة أشدّ أنواع
التحفّظ ، فالتزمّت هو السِمَةُ البارزة في المجتمع النجفي ، فلا يوجد في هذه
المدينة ما كان يوجد في غيرها من المدن ، كالمسارح ، والنوادي ، والسينمات وأمثال
ذلك ممّا يلهي الشباب عن دراستهم ، أو يُخرجهم عن تحفّظهم ، بل حتى ( المقاهي )
الصغيرة المبثوثة في بعض أنحاء المدينة ـ وهي خالية من كل شيء عدا الشاي ، والقهوة
، والنرجيلة ، وبعض المرطبات ـ يمتنع علينا ، نحن شباب الدراسات الدينية ، الجلوس
فيها. وأذكر أنه لا يوجد فينا من يملك جهاز ( راديو ) مثلاً ، لذلك كنا في
الأربعينات ننزوي في صالة جمعية ( الرابطة الأدبية ) لنستمع أخبار الحرب العالمية
الثانية من ( الراديو ) الذي أهداه لها الملك غازي مع المكتبة الثمينة » .
وبغضّ النظر عن السلبيات التي قد تبعثها
مثل هذه البيئة المقيدة ، فإنّ الجانب الايجابي قد يطغى عليها في كثير من الأحيان.
فقد عرف النجفي بصفات كريمة مثل حسن الضيافة وكرم الطبع وسخاء النفس التي اصبحت
جزءاً من طبيعته لا يمكن له الفكاك عنها. وهذه صفات قلّما نجدها في المدن الكبرى.
وكذلك اتصف النجفي ـ ولكثرة احتكاكه بالآخرين ـ بسرعة التعرف وقوة
__________________
الامتزاج التي تحصل
عادة من رحابة الصدر ، ودماثة الخلق المتصفة برقة الطبع وخفة الروح. وثمة خصيصة
اخرى تجلّت وبوضوح في طبع النجفي وهي نخوته وفتوته وسرعة اجابته في النجدة. وقد
انعكست هذه الظاهرة على حياته الاجتماعية وتجسدت في تعامله وسلوكه مع أبناء وطنه .
والطريف أنّ مجتمعاً منغلقاً ومحافظاً
كالنجف كان من أكثر المجتمعات انفتاحاً في تقبّله النقد السليم والفكرة السليمة ، ولعل
ذلك يعود إلى عاملين ، كما يقول الدكتور مصطفى جمال الدين ، هما : القراءات
المتنوعة للكتب والصحف والمجلات التي كانت ترد النجف من مختلف البلدان كمجلة
العرفان والمقتطف والمقطم والهلال وغيرها من صحف العالم الاسلامي ، بالاضافة الى
الصحف والمجلات التي كانت تنشر في النجف .. وثقافات الوافدين على النجف من مختلف
الأقطار الاسلامية للتحصيل في مدارس النجف الدينية .. فقد ساعد هذان العاملان على
بث روح المنطق والدرك المتقابل بالاضافة الى الجرأة والشجاعة في ابداء الرأي
الصريح والنقد البنّاء مما يندر تحققه في المجتمعات المنغلقة والمتزمتة. والشواهد
في هذا الصدد كثيرة ، أذكر على سبيل المثال موقف الشيخ صالح الجعفري الذي وجه نقداً لاذعاً لوفود المسلمين
المجتمعين في مكة لاداء مناسك الحج ، مذكراً إيّاهم بصمود الزعيم الهندي ( غاندي )
في تحديه الاستعمار الذي قاد الى تحرير الهند. يقول مخاطباً :
قِفْ في ( مِنىً ) واهتفْ بمز
|
|
دحم القبـائلِ والـوفـودِ
|
حُجّـوا فلستم بـالغـين
|
|
بحجّكم شَـرَفَ الهنـودِ !
|
__________________
حَجُّـوا الى استقـلالـهم
|
|
وَحَجَجتُـم خوفَ الوعيد
|
وعبـادة الأحــرار أفـ
|
|
ـضلُ من إطاعاتِ العبيد !
|
ولدى حديثنا عن الحياة الاجتماعية في
النجف لابد أن نشير الى المرأة وموقعها الاجتماعي في هذه البيئة المحافظة. فالذي
يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى هو أنّ المرأة في المجتمع الاسلامي المحافظ ملتزمة
بأحكام التشريع الاسلامي في حياتها الخاصة والعامـة. ولعل المرأة النجفية اكثر
نساء العراق التزاماً بأحكام الشريعة الاسلامية ، وذلك لرسوخ العقيدة الدينية في
أوساط المجتمع النجفي وحرص أبنائه على توظيف الأحكام الإسلامية في شؤون الحياة
كافّة.
كانت المرأة النجفية تشكل جزءاً من
بيتها ، قلّما تختلط بغير ذويها الاّ في المناسبات الدينية والمآتـم الحسينية التي
تقيمها النساء ، أو فـي حفلات الأعراس. وكانت إذا أرادت الخروج من بيتها عند
اقتضاء الحاجة لبست عباءة طويلة تستر تمام بدنها دون أن تُظهِر زينةً أو تحدِث
إثارة. فهي تحرص على حجابها أشدّ الحرص وترى فيه سلامة دينها وكمال شخصيتها وتمام
تربيتها وأخلاقها.
وحين ظهرت الدعوة إلى تعليم المرأة
وإنشاء مدارس للبنات ، جوبهت في بادىء الأمر بمعارضة شديدة ورد فعلٍ عنيف من قِبَل
الناس ، لأنهم كانوا يعتقدون بانّ خروج المرأة من بيتها وممارسة التعليم في الخارج
يُبعدها عن القيم الأخلاقية السائدة والأعراف الاجتماعية الموروثة ممّا قد يؤدي في
النهاية إلى
__________________
فسادها وخروجها عن
طريق العفّة والحياء.
ومع مرور الزمان انشق الناس في امر
تعليم المرأة الى فريقين. فريق ايّد فكرة التعليم من خلال التمسك بالشريعة
الاسلامية والمحافظة على الشؤون الدينية ، وفريق دعا الى التعليم من خلال تبرّج
المرأة وسفورها. وقد لعب الشعراء دوراً هاماً فـي قيادة الفريقين. ففي النجف اهتم
شعـراؤهـا بفكرة التعليم من خـلال محافظة المرأة على سترها وحجابها ، بينما راح
بعض الشعراء كالرصافي والزهاوي يدعون الى فكرة التعليم من خلال تبرج المرأة
وسفورها.
والجدير بالذكر انّ بعض علماء النجف
أيّدوا مسألة تعليم المرأة وتحمسوا لهذه الفكرة شريطة أن تكون ضمن اطار التعاليم
الاسلامية والأعراف الاجتماعية السائدة ، ومن اولئك الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي ضجّ من تفشي الجهل والخمول بين
الفتيان والفتيات :
كم فتىً في العراقِ أضحى مُقلاًّ
|
|
مـن كمـالٍ وكم فتـاة مُقلَّه
|
ركسا في غيـابة الجهل حتـى
|
|
لم يسـع جهلها المحيـط وجهله
|
قـد تربّـى عن النهـى مستقلاًّ
|
|
وتربت عـن الحجا مستقلّه
|
وكذلك فعل الشيخ صالح الجعفري حين دعا
الى تعليم المرأة ومناصرتها في إحقاق حقوقها المشروعة في المجتمع. يقول من قصيدة :
هذّبوها فانها بشر
|
|
لكمال الحياة تفتقر
|
__________________
النـواميس بينكم شـرع
|
|
فهـي انثـى وآخر ذكـر
|
الكـي تستحيـل حامضة
|
|
فـي زوايا البيـوت تدخر
|
كيـف يعطي ثماره شجر
|
|
في الحصى والتراب منقبر
|
وأدوهـا وحقها غمطـوا
|
|
ربي رحماك انّهـم كفروا
|
زعمـوا انهم بهـا ربحوا
|
|
لا وعينيـك إنهم خسـروا
|
حواست جمع كن
|
|
أهملوها لو أنهم شعروا
|
وقد
تبارى غير واحد من الشعراء في هذا الشأن وطالبوا بتعليم المرأة واصلاح بعض النظم
الاجتماعية. من بينهم الشاعر عبد المنعم الفرطوسي الذي راح ينتهز كل فرصة ليعلن
ثورته على التقاليد السقيمة التي تجرّ البلاد والأمة الى الضياع والتهلكة :
أفيقوا يـا بني وطني عجالا
|
|
فما يجدي الرقـادُ النائمينا
|
وهبّوا فيه للاصلاح كيمـا
|
|
نراكم للتمـدن نـاهضينا
|
أليس ثقافة الجنسيـن فرضاً
|
|
تقوم به الرجـال المصلحونا
|
وفي نور المعارف خير هادٍ
|
|
طريـق يقتفيـه السالكونا
|
جمالُ الشعب يوماً أن نراه
|
|
يسير الـى الثقافـة مستبينا
|
وانّ ثقافـةَ الاحلام نـورٌ
|
|
به يُهدى الشبابُ الواثبونا
|
وفي هذا الشأن أيضاً يقول الشاعر محمد
مهدي الجواهري الذي طالب بفتح مدرسة رسمية للبنات وذلك عام ١٩٢٩ م :
علّمـوها فقد كفـاكم شنارا
|
|
وكفاها أن تحسب العلم عارا
|
__________________
وكفـانـا مـن التقهقر أنّــا
|
|
لم نعالج حتى الأمـور الصغارا
|
هـذه حالنـا على حين كادت
|
|
أمم الغرب تسبـق الأقـدارا
|
أنجب الشرق جامداً يحسب المـر
|
|
أة عاراً ، وأنـجبت طيــارا
|
تحكم ( البرلمان ) من أمم الدنيـ
|
|
ـا نسـاء تمثـل الأقطـارا
|
ونسـاء العـراق تمنـع أن تـر
|
|
سم خطاً أو تقـرأ الأسفارا
|
وهكذا استمرت الدعوات والمطالبات ردحاً
من الزمن حتى أصبح تعليم المرأة أمراً أساسياً ، وحقاً من حقوقها المشروعة ، وجزءاً
لا يتجزأ من بناء المجتمع المتحضر الذي يصبو إلى الكمال والحياة الفضلى.
٣ ـ الحياة السياسية :
شهد العراق منذ مطلع القرن العشرين
ثلاثة من أنظمة الحكم : الحكم العثماني ، والحكم الملكي ، والحكم الجمهوري. والذي
يهمنا في هذا البحث هو تسليط الضوء على الأجواء السياسية التي مرّ بها العراق في
كل من العهدين الملكي والجمهوري ، حيث الفترة التي عاشها الشاعر وتأثر بأحداثها
وتقلباتها السياسية. وتمهيداً للبحث لابد من الاشارة الى الخلفيات التاريخية
للأحداث التي أطاحت بالنظام العثماني وأقامت على أنقاضه حكماً ملكياً في العراق.
خضع العراق منذ عام ١٥٣٤ م للهيمنة
العثمانية مدة تقارب الأربعمائة سنة. وقد استمرت هذه الهيمنة حتى عام ١٩١٨ م حين
اندلعت نيران الحرب العالمية الاولى ودخل الأتراك طرفاً مواجهاً للأنجليز وحلفائهم.
فانجرّ العراق دون أن
__________________
يشاء الى مواجهة المستعمر الجديد الذي
راح يقتطع جزءاً فجزءاً من أراضيه ليعلنها مستعمرة له. وقد انبرى علماء الشيعة في
النجف لهذا الاحتلال السافر وعاضدوا الأتراك بالرغم من الاضطهاد العنصري والطائفي
الذي أعمله العثمانيون بحق الشيعة ، الاّ أنّ علماء الدين رأوا في الغزو البريطاني
خطراً اكبر يهدد الاسلام والأمة الاسلامية ، فافتوا بوجوب الدفاع عن بيضة الاسلام
والوقوف بجانب الأتراك ضد المحتل الانجليزي .
فاشتركت جموع غفيرة من مجاهدي النجف مع الجيش العثماني بقيادة علماء الدين ، أمثال
السيد محمد سعيد الحبوبي
؟ الذي قاد جيشاً جرّاراً الى جبهة ( الشعيبة ) بالبصرة ، حيث أبلى بلاءً حسناً في
مجابهة المحتل الغاصب.
لكن الأتراك لم يحفظوا هذا الصنيع لأهل
النجف ، بل راحوا يطاردون الفارّين من الخدمة العسكرية ، ويوسعون الأهالي ظلماً
وتنكيلاً ، بالاضافة إلى أنّهم قرروا مصادرة محتويات « الخزائن » الموجودة في
العتبة المقدسة للانفاق على شؤون الحرب ، واجبار الشباب على الخدمة في الجيش.
فبدأوا بتفتيش البيوت ليلاً وتعرضوا للنساء بحجة انّ الرجال كانوا يختفون بزي
النساء تهرباً من الجندية. فضاق النجفيون ذرعاً بهذه الأعمال الشنيعة ، وهبّوا
غاضبين ضد الأتراك ، وقاتلوهم قتالاً عنيفاً حتى استتب لهم الحكم في نهاية الأمر .
وظل الأتراك مطاردين من قبل الناس حتى
انحسر ظلهم عن العراق تماماً
__________________
يوم اعلنت الهدنة في الأول من تشرين الثاني عام
١٩١٨ م
وهكذا تم تقويض السلطة العثمانية لتحل محلها سلطة الانجليز التي لم تكن هي الأخرى
بأقل من سابقتها ظلماً وعدواناً.
وعن هذه الفترة الانتقالية التي عاشها
العراق يذكر الشيخ محمد رضا الشبيبي في قصيدة له بعنوان « شكوى وعتاب » سياسة
الأتراك التعسفية ضد العراق وأبنائه ، وما آلت اليه هذه السياسة من تفشي الجهل
والفساد في أوساط المجتمع :
لا الجبـن ثـار فأطغانا ولا البخل
|
|
الثائـر الحقـد بالأقـوام والدخـل
|
لو كان مابهم جبناً لمـا انتقمـوا
|
|
وفي طـريق بلوغ النقمة الأجـل
|
السيـف قـرّب منا كل قـاصية
|
|
لا المنطق الفصل من قوم ولا الجدل
|
مـاذا نؤمل فـي ادراك غـايتنـا
|
|
مـن السيـاسة كـلاّ إنهـا حيـل
|
يـا من يعـز علينا أن نـؤنبهـم
|
|
فـي حيث لا ينفع التـأنيب والعذل
|
جفـوتمونا وقلتم : نحـن ساستكم
|
|
مُنىً مطيتهـا الإخفـاق والفشـل
|
كـم تنبـذون لنا ذنباً فنعذركـم
|
|
لقد تـقطعت الأعـذار والعلـل
|
أما صفحنا عن الماضـي لأعينكم
|
|
أمـا أديلت لكـم أيـامنـا الأول
|
أما استجيشت كما شئتم كتـائبنا
|
|
حتى تفايض منهـا السهل والجبـل
|
أما مشت تذرع الدنيا أما انقطعت
|
|
بهـا المتايـه والغيطـان والسبـل
|
أما أطاعوا أمـا برّوا أما عطفوا
|
|
أمـا احتفوا بمواليهم أمـا احتفلـوا
|
بالله لا تجـرحوا أكبادنا ودعـوا
|
|
جراح ( برقة ) و ( البلقان ) تندمل
|
ويتابع الشاعر سرد ممارسات العثمانيين
حتى يصل الى قومه فيتحدث
__________________
عنهم قائلاً :
قوم من العرب وخز النحل حظهم
|
|
وحظ قوم سوانا الأري والعسل
|
عند المغـانم لا ندعى ، ويفدحنا
|
|
مـن المغارم ثقـل ليـس يحتمـل
|
تـأبى الحوادث إلاّ أن نملكـم
|
|
ولا ـ ودين التآخي ـ مـا بنا ملل
|
أيـن الرهين بأموال لنا ذهبت
|
|
ومـن يُقيـد بإخوان لنـا قتلوا
|
إمّـا شهيد معلَّى فـوق مشنقة
|
|
أو مـوثق بحبـال الأسـر معتقـل
|
يا من بظل بنـي عثمان قد نشأوا
|
|
أضحيتم ، انّ ظل القوم منتقل
|
وأخذ النفوذ البريطاني يتسع شيئاً
فشيئاً في ربوع العراق بعد أن سقط الجنوب وتمت السيطرة على بغداد. أمّا النجف
فبقيت بأيدي أهلها سنتين كاملتين لم يتدخل البريطانيون في شؤونها. الاّ انهم عمدوا
بعدها إلى ارسال ( الكابتن مارشال ) حاكماً على النجف مع عدد من الحراس والجنود.
وقد كان هذا الحاكم سيّء المعاملة ، شديد التنكيل بأهالي النجف ، لم يترك اسلوباً
في العنف والاضطهاد الاّ اقترفه. مما حدا بالنجفيين الى التفكير في الدفاع عن
بلدهم والتخلص من أسر المحتل. فألّفوا ( جمعية سرية ) باشراف ثلة من علماء الدين
على رأسهم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ محمد جواد الجزائري وقد أسهمت هذه الجمعية مساهمة كبرى في
إضرام نار الثورة وإشعال فتيلها ضد الغازي المحتل.
وفي ليلة يوم الثلاثاء الموافق ٦ جمادى
الآخرة سنة ١٣٦٦ هـ / ٩ آذار سنة ١٩١٨ م اجتمع عدد من ثوار الجمعية وقرروا القيام
بعملية قتل الكابتن مارشال ،
__________________
وتم لهم ما ارادوا.
وعلى اثر هذا الحادث تحركت حكومة بغداد فأرسلت جيشاً جراراً يضم خمساً وأربعين ألف
جندي يقوده ( الكابتن بلفور ). فطوق المدينة بالجنود ، وحفر الخنادق ، وقطع عنها
الماء ، وحاصرها من جميع الجهات. فدارت بين الثوار وجنود المحتلين معارك طاحنة
حصدت من الطرفين نفراً كثيراً.
واستمر الحصار على البلدة أكثر من
أربعين يوماً ، وأشرف الأهلون على مجاعة ، فطالبوا السلطة بفك الحصار والعفو عن
الثوار ، الاّ انّ السلطة المحتلة فرضت لفك الحصار شروطاً لم يجد النجفيون بُداً
من تنفيذها. وبذلك تم للبريطانيين الغلبة فقبضوا على قادة الثورة واعدموا منهم
عدداً ونفوا آخرين.
وعن هذه الثورة وما ترتب عليها من
معطيات ثمينة يقول جعفر آل محبوبة : « ونستطيع أن نقول بلا مجازفة إنّ ثورة النجف
هذه هي الخطوة الأولى للقضية العراقية والبذرة الوحيدة لنتاج الفكرة الفراتية
واتجاهها نحو استقلال العراق. إذ النجف هو المركز الروحي والعاصمة الكبرى لعموم
الشيعة وقد أعطت بموقفها هذا درساً شافياً ومنهجاً واضحاً نفعها في نيل مآربها
وتحقيق رغائبها في فك شعبها من رق الاستعمار. ومما ساعد على ذلك أن فكرة الحرية
والاستقلال وإحياء المجد العربي قد تغلغلت في الأدمغة ونضجت وشعر بها أكثر
العراقيين فلذلك نجحت نجاحاً باهراً وتقدمت تقدماً غريباً » .
وقد وصف الشيخ محمد جواد الجزائري ثورة النجف بقصيدة رائعة قال فيها :
مددنا بصائـرنا لا العيونـا
|
|
وفزنا غـداة عشقنا المنونـا
|
__________________
عشقنــا المنـون وهمنـا بهـا
|
|
وعفنا أبـاطحنـا والحجـونـا
|
وقمنـا بهـا عزمـات مضـات
|
|
أبت أن نسيس الردى أو نـلينا
|
هي الهمم الغر لم تـرض بالسـ
|
|
ـماكين مهما استفزت قرينا
|
رعينـا بهـا سنـة الهـاشمـي
|
|
نبـي الدى ، والكتـاب المبينـا
|
وصنـا كرامـة شعب العـراق
|
|
وكـان لعليـاه حصناً مصـونا
|
وخضنـا المعامع وهـي الحمام
|
|
ندافع عن حوزة المسلمينا
|
وجحفـل أعـدائــنا الانجليـز
|
|
يمـلأ سهـل الفـلا والحزونـا
|
إلى أن يقول :
وجزناكما شـاء تلك الحـزو
|
|
ن ننتظر الفتك حينـاً فحينـا
|
وأرجلنا طوع قيـد الحديـد
|
|
تسيـل دماً يستفـز الرصينـا
|
ولـم نلو للدهر جيد الذليـل
|
|
وإن يكن الدهر حرباً زبوناً
|
وماضامنـا الأسر فـي موقف
|
|
أطعنـا عليه الرسول الأمينـا
|
وما ضامنـا ثقل ذاك الحـديد
|
|
ونحن بحسن الثنـا ظافـرونا
|
ولـم يُزْر بالحر غِلُّ اليديـن
|
|
إذا ما قضى للعلاء الديونا
|
واستمر وهج الثورة في التأجج بالرغم من
فشل ثورة النجف عام ١٩١٨. فكانت فكرة التحرر تأخذ مكانها يوماً بعد آخر في أذهان
الناس. وبدأ العمل بالتمهيد لثورة عارمة تعم العراق كله ويشارك فيه الشعب بجميع
شرائحه. ودائماً كانت النجف مركز انطلاق الثورة والفتيل الملتهب لجميع الانتفاضات.
__________________
والنجف كما وصفها المؤرخ عبد الرزاق
الحسني : « كانت قذىً في عين السياسة البريطانية ... بسبب مركزها الديني الواسع
النطاق ، وتأثير علمائها في جماهير الشعب ، فقد كانت أول بلدة أحسّت بثقل السلطة
الأجنبية ، وأول مدينة عراقية فكرت بالتخلص من الاستعمار البريطاني ، بالنظر الى
ما كانت قد تشبعت به من روح الحرية والنزوع الى الديمقراطية ، وبسبب ما كانت تلقاه
من دروس متواصلة عن فلسفة نهضة الامام أبي عبد الله الحسين بن علي 8 ، وبسبب كونها مهد العلماء ومركز
الروحانية » .
وبدأ التحرك السياسي للشعب بالمطالبة
بحقوقه واستقلال بلاده وذلك عن طريق تنظيم المضابط والرسائل وارسالها الى سوريا
والحجاز للنظر في الامر. الاّ أن ذلك لم يجد نفعاً ، فقررت الجهات العاملة في
الحقل الوطني بمظاهرات سلمية تحت شعار الدين ، بمعنى أن تكون المناسبات الدينية
وحفلات المولد النبوي اجتماعات سياسية لبحث القضية الوطنية والمطالبة بالحقوق
المشروعة. واستمر هذا الغليان حتى كانت محاولة القبض على الزعماء السياسيين في
بغداد في الثاني عشر من آب عام ١٩٢٠ م ، فتقرر القيام بالحركة المضادة .
وهكذا أخذ العمل السياسي ضد الانجليز
يسير نحو التصعيد ، وبتوجيه من علماء الدين ، وخاصة بعد فتوى الامام محمد تقي
الشيرازي التي جاء فيها : « المطالبة بالحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في
ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن ، ويجوز لهم التوسل بالقوة إذا امتنع الانجليز عن
قبول مطالبهم » .
واندلعت الثورة العراقية الكبرى في
الثلاثين من حزيران عام ١٩٢٠ والتي
__________________
عرفت فيما بعد بثورة
العشرين ، يقودها علماء الدين ورؤساء العشائر والزعماء السياسيون ومن خلفهم كافة
شرائح المجتمع. وقد ساهم الشعراء والادباء وخاصة شعراء النجف مساهمة فعالة في
إشعال لهب الثورة في أرجاء الوطن ، وتشجيع الأمة على المضي في ثورتها حتى النصر
والظفر .
ويعزو المؤرخ عبد الرزاق الحسني قيام
ثورة العشرين الى عوامل خارجية وداخلية : فالمشروطية في ايران ( ١٩٠٥ م ) ، والانتفاضة
الدستورية في تركية ( ١٩٠٨ م ) ، والثورة الحجازية عام ١٩١٦ م ، والوثبة المصرية
في عام ١٩١٩ م ، وقيام الحكومة الفيصلية في الشام عام ١٩٢٠ م ، وعبث الحلفاء قبلئذ
بالعهود التي قطعوها للعرب ، كانت كل هذه من المؤثرات الخارجية في الثورة
العراقية. أمّا عواملها الداخلية فتكاد تنحصر بسوء الادارة المحتلة باضطهادها
الشعب ، واحتياجات الجيش المحلية من جمع الطعام واستخدام وسائل النقل وتقييد
التجوال والأسفار وتشغيل عمال المزارع في الجيش ، ومعاملة الناس بالخشونة ، وتولي
العسكريين مهام رجال السياسة ورجال الادارة ، وسلب ثروة البلاد المعاشية .
وأدرك الانجليز خطورة الوضع وتفاقم
الأزمة ، فعمدوا الى ضرب الثورة من الداخل عن طريق أساليب الغدر والخيانة وشراء
الضمائر بالمال والمناصب. ولاشك ان عدم التكافؤ بين الطرفين في النواحي الاقتصادية
والتكنيكية والعسكرية أدى إلى فشل الثورة ـ ان جاز لنا التعبير ـ لأن ثورة العشرين
كما عبر عنها المؤرخ عبد الرزاق الحسني : « على الرغم من فشلها عسكرياً ـ نظراً
الى
__________________
التفوق البريطاني
بما يملكه من أسلحة وجيش منظم وتجارب قتالية ـ اضافة الى عوامل الضعف في الحركات
الوطنية العراقية ، قد نجحت سياسياً لايقاظها وعي الشعب بمختلف طبقاته وعلى مختلف
الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما دفع بالانجليز الى اعطاء العراق
حكماً شبه وطني بعد تأمين مصالحهم الرئيسية فيه » .
وانتهت ثورة العشرين بعد مفاوضات طويلة
استمرت بين الجانب الانجليزي وعلماء الدين الشيعة في النجف آلت في النهاية الى
اقامة الحكم الوطني واختيار ملك عربي يحكم العراق. وقد وقع الأختيار على فيصل ابن
الشريف حسين ليكون أول ملك للعراق وذلك في الثالث والعشرين من آب عام ١٩٢١ م .
الاّ ان الاضطرابات لم تخمد في عهد فيصل
على الرغم من محاولاته إجراء الانتخابات وتشكيل المجلس التأسيسي ومن ثم المجلس
النيابي ومجلس الوزراء بسبب الهيمنة البريطانيه على قرار العراق السياسي. فمنذ أن
تسلَّم الملك الحكم وحتى وفاته في أيلول سنة ١٩٣٣ تم تشكيل عدة وزارات لم تدم سوى
اشهر قلائل بسبب التدخل البريطاني في الشؤون الحكومية. وقد شهد العراق في العهد
الفيصلي أحداثاً كبيرة يأتي في طليعتها انضمام العراق الى عصبة الامم سنة ١٩٣٢ م
حيث انحسر ظل الانتداب ـ بالظاهر ـ ومنح العراق استقلاله .
وبعد وفاة الملك فيصل تُوّج نجله غازي
ملكاً على العراق وذلك في الثامن
__________________
من أيلول سنة ١٩٣٣ م
. الاّ انّ
هذا التتويج لم يلق ارتياحاً من قبل البريطانيين لما كانوا يعهدون في هذا الملك
الشاب من تطلع نحو تحرر العراق الكامل من النفوذ الأجنبي.
وقد أكسبت طموحات الملك الشاب الوطنية
والقومية التي جاءت منسجمة مع تطلعات الرأي العام العراقي ، تأثيراً شعبياً واسع
النطاق ، ولكن من جانب آخر نال جفاء الانجليز وبعض الساسة العملاء الذين تضررت
مصالحهم بسبب سياسة الملك الذي أراد ممارسة سلطاته الدستورية بصورة نظرية وواقعية .
وعندما أحست بريطانيا اصطدام مصالحها
بسياسة الملك الوطنية والقومية حاولت التخلص منه بشتى الوسائل. وقد تسنى لها ذلك
بمصرع الملك في حادث سير مدبر وذلك في الرابع من نسيان عام ١٩٣٩ م .
وبعد رحيل الملك غازي ، تُوّج نجله فيصل
الثاني فأصبح ثالث ملك على العراق. ولصغر سنه تسلّم خاله الأمير عبد الاله مقاليد
الحكم بالوصاية حتى سنة ١٩٥٣ م حيث تم تفويض السلطات الدستورية الى الملك.
وفي عهد الأمير عبد الاله عاش العراق
فترة عسيرة من حياته. فقد كثرت فيها الاضطرابات وعلت صيحات الغضب الشعبي من جرّاء
أساليب القمع والاضطهاد التي بلغت حداً لا يطاق. واستمرت هذه الحال حتى تم القضاء
على الحكم الملكي في العراق وذلك في الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ م بالثورة التي
قادها عبد الكريم قاسم .
__________________
انهى عبد الكريم قاسم بثورته سبعاً وثلاثين
سنة من الحكم الملكي. وقد عوّل الشعب آمالاً كبيرة على هذه الثورة الاّ انها آلت
في النهاية الى صراعات حادة واشتباكات عنيفة بين ضباط الثورة من جهة ، وبين
الحركات السياسية التي ظهرت في عهد قاسم كحركة القوميين وحركة الشيوعيين من جهة
اخرى. ولم يصمد عبد الكريم قاسم في سدّة الحكم سوى خمس سنين حيث تم القضاء عليه
بانقلاب عسكري قام به عبد السلام عارف في الثامن من شباط عام ١٩٦٣ م .
ولم يهدأ العراق بعد انقلاب عارف. فقد
زج في دوامة من الانقلابات والصراعات العسكرية التي آلت في النهاية إلى مصرع عارف
سنة ١٩٦٦ م وتسلّم أخيه عبد الرحمن عارف زمام السلطة. وقد بقي هذا الأخير في سدّة
الحكم سنتين ثم اُجلي عن منصبه بعد أن تسلّم حزب البعث مقاليد الحكم في السابع عشر
من تموز عام ١٩٦٨ م .
٤ ـ الحياة الثقافية :
احتلّت النجف مكانة علمية مرموقة ، وشهدت
ازدهاراً ثقافياً متمّيزاً منذ أن حلَّ بها الشيخ الطوسي ـ في أواسط القرن الخامس الهجري ـ وأسس
فيها جامعته الدينية الكبرى. ومن يومها ذاك أصبحت مدينة العلم التي يَؤمُّها
الطلاب
__________________
من كل حدب وصوب ، ويتقاطر
عليها الوافدون من شتى أقطار العالم. وهي اليوم لا تزال مركزاً هاماً للدراسات
الاسلامية وخاصة في علوم الفقه ، والاصول ، والفلسفة الاسلامية ، وتفسير القرآن
الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، وكل ما يتعلق بقضايا العقيدة الاسلامية ، وشؤون
الفكر الاسلامي.
واستمرت الحركة العلمية في هذه المدينة
وأخذت تنشط وتتطور بفضل الجهود التي بذلها الشيخ الطوسي في تنسيق العلوم الدينية ،
وتأليف الكتب الدراسية المختصة بها ، وتهذيب رجال اكفّاء تكون لهم القدرة الكافية
على تدريس هذه العلوم ونشرها في أوساط المجتمع الاسلامي. وكم حفظت هذه المدينة
وعبر مسيرتها العلمية الطويلة من أسماء لعلماء ومفكرين عظام كان لهم الدور الأكبر
في بث الوعي الاسلامي وإثراء المكتبة الاسلامية بجلائل الكتب والمؤلفات.
ولم تكن جامعة النجف تتقيد بمحل خاص
للدراسة ، فكثيراً ما كانت العلوم الدينية تدرّس في غرف الصحن العلوي وإيواناته ، بالإضافة
الى حلقات الدرس التي كانت تشكل في المساجد والجوامع الكثيرة المنتشرة هنا وهناك
والتي اتخذ طلاب العلوم الدينية من بعضها مركزاً للبحث والتدريس. ومن اهم هذه
المساجد : مسجد الخضراء
ومسجد الهندي
ومسجد الشيخ الطوسي .
__________________
ومع اتساع المدينة وازدياد الطلاب
الوافدين عليها باتت الحاجة ملحة الى بناء المدارس الدينية والمعاهد العلمية فكانت
اوّل مدرسة دينية تبنى في النجف هي مدرسة « المقداد السيوري » التي يعود تأسيسها الى أوائل القرن
التاسع الهجري. وقد تغيّر اسمها بعد ذلك واصبحت تُعرف بالمدرسة السليمية نسبةً إلى
بانيها سليم خان .
وعلى مرّ السنين والأيام كثرت المدارس
الدينية في النجف وأخذت تنتشر انتشاراً واسعاً في أنحاء المدينة . ومن أشهر المدارس الدينية التي حظت
بشهرة واسعة ولا تزال قائمة الى يومنا هذا : مدرسة الشربياني ، ومدرسة الاخوند الخراساني ، ومدرسة السيد محمّد كاظم اليزدي ، ومدرسة السيد البروجردي .
__________________
ولم تكن الدراسة الدينية حينها وكذلك هي
الحال اليوم تسير وفق نظام معيّن ومنهج تعليمي منسق كما في المدارس الحديثة « اذ
لم تكن لمدارسها صفوف مرتبة يتدرج فيها الطالب ولا كتب مخصوصة مقررة للتدريس يلزم
التلميذ بقراءتها بل هناك كتب قديمة وحديثة من كل فن يقرأُها الطالب بحسب ما
تستجيده فكرة الاساتذة البارعين وترغب اليه طباعه وطباعهم من حيث الاتقان والتدرج
من سهل الى صعب
».
واستعراضاً للطريقة المتبعة في التعليم
بالمدارس الدينية ، فإنّ الطالب كان يمّر من خلال دراسته بثلاث مراحل هي :
١ ـ المقدمات : ويدرس الطالب في هذه
المرحلة الصرف ، والنحو ، والبلاغة ، والمنطق ، وكذلك مقدمات الفقه واصوله. أمّا
أهم المواد المقررة للتدريس في هذه المرحلة ، ففي الصرف والنحو « شرح قطر الندى »
لابن هشام ، و « شرح ابن عقيل » على ألفية ابن مالك. وفي البلاغة « المختصر » و «
المطول » للتفتازاني ، وكذلك « جواهر البلاغة » للسيد احمد الهاشمي. وفي المنطق «
حاشية ملا عبد الله » ، و « المنطق » للشيخ محمّد رضا المظفر. وفي الفقه « تبصرة
المتعلمين » للعلامة الحلي ، و « شرائع الاسلام » للمحقق الحلي. وفي اصول الفقه
كتاب « المعالم » للحسن بن زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ، وكتاب « اصول الفقه
» للشيخ محمّد رضا المظفر.
والطالب في هذه المرحلة يقضي فترة غير
محدودة تمتد الى عدة سنوات يهيء نفسه الى الدخول في المرحلة الثانية وهي مرحلة
التخصص في الفقه والأصول.
__________________
٢ ـ السطوح : وفي هذه المرحلة يدرس
الطالب الكتب الموضوعة في الفقه الاستدلالي ، ومتون اصول الفقه التي تتضمن عرض
الآراء الفقهية والعلمية ومناقشتها بتوسع وحرية مطلقة.
٣ ـ بحث الخارج : وهي آخر مراحل الدارسة
الدينية ، حيث يحضر فيها الطالب دروس اعلام المجتهدين وكبار العلماء في الفقه
والاصول وتمتاز هذه المرحلة بحرية الطالب المطلقة في المناقشة وابداء الرأي اثناء
المحاضرة وبعدها. وفي هذه المرحلة يداوم الطالب على حضور دورة كاملة أو عدة دورات
في الفقه والاصول ثم يقدم كتاباته أو تقريراته لاستاذه فاذا نالت قبوله ورضاه
يمنحه شهادة يقال لها ( الاجازة ) وعندها يصبح الطالب مجازاً للاجتهاد ومؤهلاً
لاستنباط الأحكام الشرعية .
وبالرغم من التطور الذي شهده نظام
التعليم في النصف الثاني من القرن العشرين فإنّ الاسلوب الدراسي والمنهج التعليمي
في الجامعة النجفية لم يطرأ عليه من التغيير والتطور شيء يذكر اللهم الاّ بعض
المحاولات الحديثة التي قام بها بعض العلماء النابهين ممن اطلعوا على أساليب
الدراسة الحديثة ونالوا قسطاً وافراً من العلوم والفنون المعاصرة.
ومن هذا المنطلق بدأت فكرة التجديد في
المناهج الدراسية تتفاعل وتشغل فكر المجددين من طلاب العلوم الدينية الذين حرصوا
كل الحرص على أن تبقى المدرسة الدينية مواكبة لمسيرة التطور العلمي غير متخلفة
عنه. وقد لعب الطلاب وخاصة الشعراء منهم دوراً ريادياً في بث الدعوة الاصلاحية
والحث على التجديد والتطوير في المناهج الدراسية. ومن هؤلاء الشعراء يأتي السيد
مصطفى
__________________
جمال الدين في طليعة شعراء الاصلاح ، وكان قد سدد
نقدات لاذعة وجريئة للمناهج الدراسية القديمة ، منها ما يقول من قصيدة :
هذي ( المناهج ) أطمـارٌ مُهَلهَلـةٌ
|
|
مَرَّتْ على نسجها الأحداثُ والعُصُرُ
|
وسوف يأتـي زمانٌ لا تـرونَ بها
|
|
الاّ خيـوطاً لهمسِ الريحِ تنتثرُ
|
وما فتيء الشاعر في سورته ضد المناهج
القائمة يصعّد من حملاته ويدعو علماء الدين الى مراجعتها وتعديلها وفقاً لمتطلبات
العصر حتى قال قصيدته بعنوان ( صونوا مناهجكم تصونوا دينكم ) :
يا قومُ حسبكُم الخمولُ فقد مضى
|
|
زَمـنٌ بفِطْـرتها تَشِـبُّ الـرُضَّع
|
والعصـرُ عصرٌ لا يَشِـبُّ وليدُه
|
|
إلاّ ليُعجِبَــهُ المِفَــنُّ
المُبِـدع
|
( عصرُ المدارسِ ) عَذْبها وأُجاجها
|
|
تبني العقـول بمـا يضرُّ وينفع
|
لا عصرُ ( كُتّابٍ ) قُصارى جُهده
|
|
صُحفٌ مباركة ، وآيٌ مُمتِـع
|
صونوا ( مناهجكم ) تصونوا دينكم
|
|
وابنوا العقـولَ ، يَقُم عليها مجمع
|
فالديـن ليـس يَرُبُّـهُ ويسـوسُه
|
|
شيـخ بمحرابِ الدجى يتضـرَّع
|
ولقد عَهِـدنـا الدينَ عنـدَ محمدٍ
|
|
سيفـاً بحالكـةِ المنـايـا يَلمَـع
|
ومنابـراً طَلَعـت على آفاقهـا
|
|
خُطَبٌ مـن الصُبحِ المنـوَّر أنصَعُ
|
ومُبشرّيـن سَـرَوْا بِهَـدي كتابِهِ
|
|
كالريحِ تَسري بالشذى وتَضَـوَّع
|
أنّى سـرى الداعـي فثمةَ معهـدٌ
|
|
يَـرتـادُ مِنبَـره اللبيـبُ الأروع
|
__________________
وإذا فَخرتُم بـالمساجدِ أنّكُـم
|
|
عُمّارُها ، فهُمُ السُجودُ
الرُكَّـعُ
|
هذا الجهادُ ، فأيـنَ من عليائِـهِ
|
|
جُبَبٌ مُخرَّقَةٌ وشيخٌ مُهطِعُ
|
وقد لاقت هذه الدعوة قبولاً حسناً من
قبل جيل الشباب على الرغم من معارضة المحافظين ومخالفتهم لتعديل النظام الدراسي.
فدخلت مواد جديدة الى الدروس الدينية مثل الفلسفة الحديثة ، والفقه المقارن ، وعلم
الاجتماع ، وعلم النفس ، واللغة الانجليزية واُلّفت كتب حديثة الاسلوب في مختلف
العلوم الدينية كـ « اصول الفقه » و « الفلسفة الاسلامية » و « المنطق » للشيخ
محمّد رضا المظفر ، و « دروس في الفقه الاستدلالي » للشيخ محمّد تقي الايرواني ، وغيرها
من المؤلفات الحديثة الاخرى. هذا بالنسبة الى المدارس الدينية ، أمّا المدارس
الحكومية العامة التي كانت تعنى بالعلوم العصرية فقد كان في النجف قبل الاحتلال
البريطاني وعلى عهد حكومة الأتراك مدرسة ابتدائية تشرف عليها الحكومة بدأ تشكيلها
سنة ١٣٠٠ هـ. واضافة الى هذه المدرسة فقد كان للايرانيين مدرستان في النجف مدرسة
تسمى « العلوي » أُسست سنة ١٣٢٦ هـ ، ومدرسة اخرى تسمى « المدرسة الرضوية » . ومع تطور الحياة وشمولية التعليم
انتشرت المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية في النجف حتى ناهز عددها اليوم
العشرات.
وفي معرض الحديث عن المرافق الثقافية في
النجف لابد من الإشارة الى مؤسسة دينية هامة ـ عدا الحوزة العلمية ـ وهي كلية
الفقه التي أسسها الشيخ محمّد رضا المظفر
سنة ١٩٥٨ م ، والتي عُنيت بتخريج المختصين بالعلوم الاسلامية
__________________
واللغة العربية.
ولهذه الكلية مساهمة كبرى في تطوير الدراسة
الدينية في النجف من خلال ضمها العلوم الحديثة في نظام الدراسة الدينية وتطبيق
النظام الاكاديمي في التعليم الديني وإدخال نظام الدراسة الصفية ، ونظام
الامتحانات الدورية ، ونظام منح الشهادة الرسمية التي تؤهل الطالب الديني لمواصلة
دراساته العليا.
امّا العلوم التي تدرّس فيها فهي :
الفقه الامامي ، والفقه المقارن ، وأصول الفقه ، والتفسير ، والحديث ، والمنطق ، والفلسفة
الاسلامية ، والفلسفة الحديثة ، والتاريخ الاسلامي ، والنحو والصرف ، والبلاغة ، والعروض
، وتاريخ الادب العربي ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس ، والتربية ، واصول التدريس ،
واللغة الانجليزية .
وقد رفدت الحركة العلمية والثقافية في
النجف كثرة المكتبات العامة والخاصة فيها. فالنجف وعلى الرغم من حدودها الجغرافية
الضيقة كانت غنيّة بنفائس المكتبات والخزائن الثمينة. ولم تكن للحكومة يد في إنشاء
هذه المكتبات فهي من صنع العلماء ومساعيهم الفردية. ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة
الشيخ علي آل كاشف الغطاء
، ومكتبة الامام أمير المؤمنين 7
__________________
العامة ، ومكتبة السيد الحكيم العامة .
ومن العوامل المهمة التي ساعدت على
توسيع المكتبات واثرائها بانواع الكتب والمؤلفات ظهور المطابع ودور النشر. فقد
اسست اول مطبعة في العراق سنة ١٨٥٦ م ثم تلتها مطبعة اخرى في سنة ١٨٦١ م امّا في النجف فكانت اول مطبعة جُلبت
اليها هي « مطبعة حبل المتين » طبعت فيها بعض الكتب العربية والفارسية الدينية
بالاضافة الى بعض المجلات والجرائد .
وانتشرت في النجف عدة مطابع ساهمت مساهمة فعالة في إحياء التراث الاسلامي ، ونشر
العلوم والمعارف ، منها المطبعة العلمية
، ومطبعة النجف
، ومطبعة النعمان .
ومع انتشار المطابع وازدياد دور النشر
في النجف ازدهرت الصحافة ازدهاراً باهراً ، وأقبل الأُدباء على هذا الرافد المعرفي
الهام إقبالاً منقطع النظير. ولعل ذلك يعود الى تناول الصحافة قضايا الفكر والادب
والسياسة والاجتماع
__________________
بواقعية وموضوعية لم
يألفها النجفيون آنذاك. ومن أقدم مطبوعات النجف مجلة « العلم » التي أصدرها السيد
محمّد علي هبة الدين الشهرستاني
سنة ١٣٢٨ هـ وكانت مجلة علمية دينية .
ومن المجلات التي لاقت شهرة وذيوعاً بين
المثقفين مجلة « الاعتدال » لصاحبها محمّد علي البلاغي ، وكانت مجلة شهرية مصورة تبحث في
العلم والأدب والأخلاق والاجتماع صدر أول عدد منها سنة ١٣٥١ هـ ، وانقطعت عن
الصدور بعد أن دخلت عامها السادس .
وقد صدرت في النجف صحف ومجلات كثيرة لا يزال بعضها مستمراً في الصدور .
وقد اشتهر في النجف صحفيون كبار يأتي في
مقدمتهم الأديب جعفر الخليلي
الذي تعد صحفه من ركائز النهضة الصحافية الحديثة في العراق. واول جريدة أصدرها في
النجف كانت جريدة « الفجر الصادق » وذلك في عام ١٩٣٠ م ، وكانت اسبوعية استمرت في
الصدور عاماً واحداً. ثم أصدر سنة ١٩٣٤ جريدة « الراعي » لم تدم الاّ سنة واحدة
حيث اغلقتها الحكومة لدوافع سياسية. وفي عام
__________________
١٩٣٥ م أصدر الخليلي
جريدة « الهاتف » ثم انتقل بها الى بغداد عام ١٩٤٨ م. وقد استمرت في الصدور ما
يناهز عشرين عاماً ثم اغلقت عام ١٩٥٤ م .
وثمة ظاهرة ثقافية اخرى امتازت بها
النجف عن سائر البلدان العراقية وهي كثرة ادبائها وشعرائها اضافة الى وفرة مفكريها
وعلمائها. فقد نبغ في النجف على مرّ العصور شعراء كثيرون كانت لهم مكانة شامخة
ومنزلة عليا في عالم الشعر والأدب. وإذا ما استعلمنا مؤثرات واسباب هذه الميزة
الفريدة فإننا سنقف على عوامل دينية واجتماعية وسياسية دخيلة جعلت النجف بيئة
فكرية وادبية مميزة لم تحظ بها سائر المدن العراقية « فالى النجف يتجه اكثر
العراقيين في الحركة الفكرية ، والبورصة الفكرية لأكثر مدن العراق وقراه المهمة في
النجف. فانّ للأفكار النجفية هيمنة على العراقيين ولها سعراً ولها قيمة ليست
للأفكار البغدادية ، وللمقال أو العقيدة النجفية أو الرأي النجفي ميزة خاصة عند
العراقيين ... » .
ولمركزية النجف العلمية والدينية ودورها
الريادي في تعميم العلوم الاسلامية باعث هام في ازدهار الشعر والادب في هذه
المدينة. فقد ظهر من علمائها نوابغ في الشعر والأدب اختط كل منهم مدرسة في عالم
النظم والقصيد. ولا يعني هذا ان الشعر أصبح حكراً على طبقة خاصة من الناس بل
بالعكس فان الشعر قد تفشى بين جميع الطبقات حتى أصبح من طبيعة الفرد النجفي. وفي هذا
الخصوص يقول جعفر آل محبوبه : « الشعر في النجف طبيعي في نفوس أكثر أبنائه لاكسبي
وغريزي ، لا تعلمي.فترى الشاعر النجفي من حين ما يشب يتغذى لبان الآداب ويرضع
أخلاف النبوغ والعبقرية ولذا ترى أن الشعر ... فاش في أكثرهم.
__________________
فيشترك في صوغ الشعر
ونظمه الطبقتان ( العليا ) : وهم العلماء وحملة العلم ، و ( السفلى ) : وهم سائر
الناس من أهل الحرف والصناعات الدارجة ممن لم يتحلّ بالعلم ولم يسلك منهجه ... ».
أمّا عن طبيعة الأدب النجفي فقد بقي حتى
مستهل القرن العشرين مقلداً أدب العصور الغابرة يحاكيها في الأسلوب والبناء
والموضوع ، بعيداً كلّ البعد عن تمثيل الحياة الاجتماعية والسياسية. الاّ انّ
مظاهر البعث والتجدد أخذت طريقها اليه مع إطلالة النهضة الحديثة فظهرت بوادر
الأبداع تتجلى في ألفاظ الشعر ومعانيه ، وأوزانه وقوافيه ، وأساليبه واخيلته ، مما
دعا الى ظهور طبقات متعددة من الشعراء يمكن تصنيفهم كالآتي :
الطبقة الأُولى : طبقة العلماء
المحافظين ممن غلبت عليهم الصبغة الروحية ، والنزعة العلمية ، من مثل الشيخ جواد
الشبيبي
، والسيد رضا الهندي
، والشيخ محمّد السماوي .
الطبقة الثانية : طبقة الرعيل الأول من
الشعراء المجددين الذين أدخلوا التجدد الحديث في شعرهم ، وأبدعوا في موضوعاته
وأساليبه ، أمثال الشيخ محمّد
__________________
رضا الشبيبي ، والشيخ
علي الشرقي .
الطبقة الثالثة : وهم
شعراءالتجديدالحديث ممن غلب الطابع السياسي والاجتماعي على شعرهم. من هؤلاء : محمد
مهدي الجواهري ، والسيد محمد صالح بحر العلوم
، والسيد احمد الصافي النجفي .
الطبقة الرابعة : وهي طبقة الشعراء
المتحررين الذين دعوا الى مواكبة المسيرة الحضارية الحديثة بأشعارهم الصريحة
والجريئة. ومن شعراء هذه الطبقة : صالح الجعفري ، والدكتور عبد الرزاق محيي الدين ، والسيد محمود الحبوبي .
الطبقة الخامسة : وهي طبقة الجيل الجديد
من العلماء الشعراء الذين طوروا الشعر الاسلامي وعملوا في توظيفه في شتى شؤون
الحياة. ومن أعلام هذه الطبقة :
__________________
السيد محمد جمال
الدين الهاشمي
، والشيخ عبد المنعم الفرطوسي ، والشيخ علي الصغير .
الطبقة السادسة : وهي الطبقة التي عُرفت
آنذاك بطبقة الشباب الناهض
وقد امتاز روّادها بآرائهم النهضوية وأفكارهم التجددية. وفي مقدمة هذه الطبقة :
محمد صادق القاموسي
، والدكتور مصطفى جمال الدين ، والدكتور احمد الوائلي .
ويزداد الشعراء تفاعلاً بازدياد
الاحتفالات والمهرجانات العامة التي كانت تقام في النجف وخاصة في الأعياد
والمناسبات الدينية. وقد تركت هذه الاحتفالات أثراً واضحاً في حركة الشعر النجفي
بوجه خاص والشعر العراقي بوجه عام. واضافة الى هذه الاحتفالات العامة فقد كانت
المجالس الخاصة والندوات الأدبية التي كانت تعقد في دور وجهاء البلد وبيوت
الشخصيات السياسية والعلمية والأدبية من العوامل المؤثرة في تنشيط حركة الشعر
والادب
__________________
في النجف. وقد عرفت
النجف قديماً بندواتها ومجالسها الكثيرة ، وفي هذا الشأن يقول جعفر الخليلي : «
والمجالس كانت عنوان النجف منذ كان تأريخ النجف ، وهي تمثل النجف تمثيلاً فيه
الكثير من واقع البلد وحقيقته وأهدافه ، وفي هذه المجالس كانوا يتبادلون الآراء
والأفكار السياسية ، وفي هذه المجالس كانت توضع الخطط ، وتعد المناهج العامة ثم هي
بعد ذلك أشبه بقاعات المحاضرات ، والدرس ، والمباراة الشعرية ، بل كثيراً ما قامت
هذه المجالس بمهمة المحكمة ففصلت بين المتشاكين ، وتوسطت في حل المشاكل على قدر ما
لصاحب المجلس من لياقة وقابلية ، والمرتادون لهذه المجالس وإن كانوا من طبقات
مختلفة ولكنهم كانوا عيون البلد ووجوههم لا يصلح غيرهم أن يمثل النجف تمثيلاً
واقعياً في أفكاره وآرائه وما هي عليه من مواهب أدبيه فنية ، والى مثل هذه المجالس
يعود الفضل الأول في بذرة الاستقلال ، ووضع أول خطة لكيفية المطالبة باستقلال
العراق ، ومن هذه المجالس انبعثت فكرة ثورة النجف الأولى في وجه الانجليز ، والى
مثل هذه المجالس يعود الفضل في تضييق دائرة الحروب القبلية ».
وعن هذه المجالس نشأت جمعيات ونوادي
كثيرة اهتمت في الدرجة الاولى بالشعر والادب ، وبنشر العلوم والفنون في الدرجة
الثانية. ومن هذه الجمعيات ما كانت على شكل تجمعات إخوانية لم تحمل طابعاً رسمياً
كـ « أسرة الأدب اليقظ
» ، ومنها جمعيات رسمية تأسست بإذن حكومي وبنظام داخلي
__________________
مقرر كجمعية «
الرابطة العلمية الادبية
» التي تأسست سنة ١٥٣١ هـ. و « جمعية منتدى النشر » ، و « جمعية التحرير الثقافي » .
__________________
البَابُ
الثَّاني
السيرة
١ـ اسمه ومولده ونشأته:
هو الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ حسين ابن
الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى ابن الشيخ حسن الفرطوسي المعروف بالفرطوسي الكبير .
ولد سنة ١٣٣٥ هـ ، في قرية تسمى « الرقاصة » من أعمال «
المجر الكبير
بمحافظة العمارة في جنوب العراق .
وكان ذلك ابّان رحيل والده الشيخ حسين مع أفراد عائلته من النجف الى العمارة إثر
الأضطرابات والحوادث التي نشبت بسبب الاحتلال البريطاني للعراق. ولم يلبث الوالد
أن عاد ثانية الى النجف ومعه ابنه الصبي بعد أن قضى مدة في القرية المذكورة.
نشأ الفرطوسي في مدينة النجف المعروفة
بمحيطها الديني وبيئتها المحافظة ، وقد أحبّ مدينته حبّا جمّا طالما حَنّ إليها
وعبّر عن اشتياقه اليها في
__________________
جملة من قصائده وفي
اكثر من مناسبة. يقول من قصيدة:
أحنُّ لتربة بحمـى ( علي )
|
|
يفوح بطيب نفحتهـا الرغام
|
وأشتاق المرابع مـن ثراها
|
|
يطيب بهـا لمشتاق مقام
|
ويقول ايضاً :
مدينـة النجف الغـرّاء يا أُفقـا
|
|
يوحى ويا تربـة تحيي بما خصبا
|
كم احتضنت وكم خرّجت نابغـة
|
|
فذاً وشيخاً على أسفاره حدِبـا
|
فأنت مـدرسة للعلم جـامعـة
|
|
تقري العقول وترويها بما عذباً
|
قرأ عبد المنعم في بدايات دراسته على
والده الذي عني بتربيته واهتم بتنشئته تنشئةً دينية صالحة. وقد تركت هذه العناية
الأبوية آثارها في توجيه الصبي توجيها علمياً صحيحياً. الاّ انّ نعمة الأبوة لم
تدم طويلاً على الصبي فقد فجع بفقد والده وهو في سن الثانية عشرة ، فكفله عمه
الشيخ علي
الذي أولاه من عنايته وعطفه ما أولاه ، فكان يجمع ما بقي لأخيه من نتاج الأرض
الزراعي القليل ويدفعه الى والدة الصبي التي بذلت هي الأخرى جهوداً جبارة في تربية
ولدها عبد المنعم وتربية أشقائه في ظروف قاسية وحياة ضيقة صعبة.
وفي الخامسة عشرة من عمره يبلغ عبد
المنعم منعطفاً تاريخياً هاماً من مسيرة حياته. ففي هذه السن يلبس العمامة البيضاء
ويصبح شيخاً روحانياً يشعر
__________________
بالمسؤولية ويدرك
ثقل العبء الملقى على عاتقه. يقول عن نفسه : « ... وفي الخامسة عشرة لبست العمامة
( الشعار الديني ) وأصبحت اشعر بالمسؤولية في تنظيم حياة عائلتي التي يبلغ عددها
خمسة أفراد فأثقلت كاهلي بعبء السفر وكانت المنطقة التي اقصدها من ريف العراق هي (
ناحية المجر الكبير ) حيث منحت قطعة من الأرض الزراعية أعيش من نتاجها الضئيل حسب
صلتنا بمشايخها الموروثة من الآباء » .
وهكذا بدأت حياة الفرطوسي الفتى تأخذ
مسيرها صوب تحمل المسؤوليات الجسام ، والتعامل بموضوعية مع الواقع المر الذي فرض
عليه وهو في سن مبكرة. ولم تنل من عزيمة الفتى الصعاب التي كانت تعترض مسيرة حياته
والمشاكل التي كانت تحدق به من كل حدب وصوب. فقد واصل طريقه ـ بالرغم من انشغاله
بتوفير لقمة العيش ـ في طلب العلم وتحصيل المعارف من خلال مثابرته واجتهاده في
البحث والدراسة حتى بلغ القمة في التدريس واصبح في وعي المجتمع النجفي ، وفي
الحوزة العلمية « الفاضل الذي يعترف الجميع بعلمه لاسيما علوم العربية التي كان
مدرسها البارز الذي يتهافت عليه الطلاب هناك ليستفيدوا من إحاطته الشاملة ، ومن
أسلوبه الأدبّي المشرق
».
ومع تقدمه في مجال العلم والمعرفة بدأ
نجم الفرطوسي يتألق في سماء الأدب وخاصة في محافل الشعر وحلبات الأدب التي كانت
تقام دائماً وبدون انقطاع في النجف. وبفضل موهبته الشعرية ونبوغه الخارق في ارتجال
الشعر ونظم القصيد تصدر الشاعر مجالس الأدب وتربع على عرش حلباته حتى أصبح
__________________
شاعرها الأوحد بلا
منازع ، واشتهر بـ « شاعر الحلبات الاسلامية
».
٢ ـ أسرته وقبيلته :
ينحدر الشيخ عبد المنعم من عشيرة ( آل
فرطوس ) احدى العشائر العربية العريقة في جنوب العراق. نزحت من الحجاز الى العراق
في العهد العثماني لتسكن في بداية الأمر في مناطق « الناصرية » ، وكان يرأسها أيام
هجرتها الشيخ « غزي بن فضل » الذي سكن في محلة « الفضل » من بغداد وأخذت عنه اسمها
الحالي. ويبدو انّ الحادث الذي راح ضحيته الشيخ « چليب » شيخ آل فرطوس ، إبّان
العهد العثماني دفع آل فرطوس الى التفرق ، فاتجهت مجاميع منها الى « البصرة »
واُخرى الى « العمارة » وبقي منها من بقي في « الناصرية ».
وعشيرة آل فرطوس هي من عشائر « الغزي » الطائية. وقد ذكر المؤرخ عباس
العزاوي انّ آل فرطوس فخذ من « الغزي » من « بني لام » بالعراق يسكن في أراضي «
العبد » في « الچبايش » ومنه في محافظة « العمارة » ، وفروعه : « آل عطاس » ، و «
البوزبارة » ، و « البوارسي » ، و « العبادة » ، و « آل سلمة ».
ويشير العزاوي في موضع آخر الى انّ آل
فرطوس فخذ من « آل خزيّم » من « آل شبل » بالعراق. وقد عدّ بعضهم أصله من « خفاجة
» وآخرون من
__________________
« غزي ».
ومن المؤرخين من يعزو نسب الفرطوسيين
الى « الظوالم » وهي عشيرة من « فزارة » تتفرع الى : « العكش » ، و « الحسان » ، و
« الهزي » ، و « الهديان » ، و « المحايطة » ، و « الحمود » ، و « الشموط » ، و «
الشنشول
».
ومهما يكن من أمر فان الصحيح من نسب هذه
العشيرة انّها تنتسب الى « آل غزي » حسبما اكده الشاعر في مقدمة ديوانه حيث ذكر
انّه من الفرع الذي يسكن « العمارة
». والى ذلك يشير المؤرخ جعفر آل محبوبة لدى حديثه عن اسرة « آل الفرطوسي » في
النجف حيث قال : « ... جُلّ آل فرطوس يقطنون في « العمارة » ومنها نزحوا الى بعض
الانحاء الأخرى كـ « الناصرية » و « الشنافية » وغيرهما من الأنحاء ولهم بيت مشهور
في النجف معروف بهذه النسبة « آل الفرطوسي ». نزحوا الى النجف في أواخر القرن
الثاني عشر وهم من البيوت العربية المحتفظة بمكانتها العلمية والمحافظة على سمعتها
واعتبارها. أول من هاجر من هذه الاسرة الى النجف جدها الأعلى الشيخ حسن على عهد
الشيخ صاحب كشف الغطاء » .
__________________
٣ ـ جـدّه :
هو الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى ابن الشيخ حسن الفرطوسي. قال عنه الشيخ محمد حرز
الدين : « فقيه عالم محقق ، اشتهر بالفقاهة وحسن الاستنباط بين معاصريه. جليل
القدر ، رفيع المنزلة معظماً عند الأكابر. صار مرجعاً للتقليد في أواخر أيامه عند
سواد العراق
».
هاجر الى النجف الأشرف ، وتلمذ للشيخ
مرتضى الأنصاري ، والشيخ راضي النجفي ، والشيخ مهدي كاشف الغطاء ، والشيخ محمد
حسين الكاظمي ، والسيد المجدد الشيرازي .
له « الفقه الاستدلالي » شرح فيه كتاب
شرائع الاسلام للمحقق الحلي. ألّف منه تسع مجلدات ، من أول الطهارة الى آخر التيمم
، وأخرجه الى البياض ولداه الشيخ علي والشيخ حسين في ثلاث مجلدات كبار وضخام . توفي في النجف سنة ١٣٢١ هـ ، ودفن
بايوان العلماء خلف الحرم العلوي الشريف .
__________________
٤ ـ والده:
هوالشيخ حسين الفرطوسي. كان من فضلاء
عصره ورجال اسرته الأعلام. هاجر الى سامراء وأقام فيها ما يقرب من عشر سنين. تلمذ
فيها للشيخ باقر حيدر ، والسيد محمد الاصفهاني ، وغيرهما من تلاميذ المجدد
الشيرازي. وبعد وفاة السيد المجدد عاد الى النجف وحضر بحث العلامة الشربياني ، والشيخ
محمد طه نجف ، والشيخ محمد كاظم الخراساني « صاحب الكفاية ».
قال عنه الشيخ الطهراني : « هو من
الفقهاء الصلحاء والأتقياء الأخيار ، رأيته كثيراً وجالسته مراراً ، وكان يسافر
الى قبيلته آل فرطوس في لواء العمارة كل عام للهداية والارشاد ونشر الاحكام ».
توفي سنة ١٣٤٨ هـ ، ودفن في الصحن
العلوي الشريف قرب مرقد السيد الداماد بالقرب من ايوان العلماء ، وأعقب خمسة
أولاد.
٥ ـ إخوته :
أعقب الشيخ حسين ـ والد الشاعر ـ خمسة
من البنين ، أشهرهم الشاعر عبد المنعم. أما أشقاء الشاعر فهم:
١ ـ الشيخ عبد الزهراء ، ولد سنة ١٣٢٢
هـ ، وهو من أهل العلم والفضل. حضر دروس أعلام عصره ، وقد توفي سنة ١٣٧٢ هـ . رثاه الشاعر بقصيدة يقول فيها :
__________________
رَمَتكَ فأردتكَ كـالأجدلِ
|
|
سهام المَنيَّـةِ فـي المقتـلِ
|
وما كنت أحسب أنّ الكميَّ
|
|
يروَّع من سطـوة الأعزل
|
وأن الرصينَ من الشاهقات
|
|
يـزلزل من نسمـة الشمأل
|
وأنّ الخضم من الزاخرات
|
|
يجفف مـن لفحة تصطلي
|
ولكنـه القـدر المستبـدّ
|
|
وصاعقة الأجل المنزل
|
٢ ـ مجيد ، وهو شقيق الشاعر الذي أصيب
بعطل في جهازه الذهني فأصبح متخلفاً عقلياً. وقد أثّر ذلك في نفسية الشاعر وأثار
في نفسه لواعج الحزن والأسى وزاده لوعة وكآبة .
٣ ـ جبار ، ولد سنة ١٣٤٣ هـ ، وهو يصغر
الشاعر بثماني سنين. توفي سنة ١٣٦١ هـ وهو في ريعان شبابه. ولجبار قصة اليمة مع
أخيه الشاعر ، فقد زاره وهو في « الكاظمية » عندما كان الفرطوسي مريضاً. وفي
الليلة التي جاءه فيها أصيب بالزائدة الدودية فاضطر الشاعر الى ادخاله المستشفى
واجريت له عمليه جراحية لم تكلل بالنجاح واذا به يموت وليس مع شاعرنا من يساعده مع
ما به من المرض .
وقد صوّر الشاعر هذا الحادث المروّع
بقطعة نثرية تقطر حزناً والماً ، يقول فيها : « صمت كئيب في مصرع رهيب ، عينان
شاخصتان مغرورقتان بالدموع ، قد ارتسم عليهما شبح الموت ، وأطبقت ظلمة اليأس فغار
فيهما شفق الأمل ، بلبل جريح أجهز عليه القدر فجمدت الحانه على شفتيه الذابلتين
فأصبح جثة هامدة ، شمعه تلفظ آخر نفس من الحياة وتودع أحلامها بالزفرات والحسرات
هبّت عليها
__________________
عاصفة القضاء فطوت
روعتها وأخمدت شعلتها. هذا هو مصرع أخي جبار على مجزرة الطب القاسية وهو في ريعان
شبابه ولم يتجاوز العشرين من عمره ، أطبقت عينيه بيدي وطبعت على شفتيه آخر قبلة
للأخوة
».
وللشاعر قصيدة في رثاء أخيه جبار
عنوانها « يا شقيقي » يقول في جملة من أبياتها:
تشـاطر الحزن وجداً فيك والألما
|
|
قلبـي وطرفي ففاضا لوعة ودما
|
وعبَّـرت أدمعي مذ خانني قلمي
|
|
عـن الأسى فأبانت بعض ما كتما
|
وربمـا فُلَّ من عظـم المصـاب
|
|
فعـاد منطقة بالحـزن ملتجمـا
|
وأفصحت بجليـل الخطب معربة
|
|
عن الأسى أدمـع انسانها كُلما
|
٤ ـ محمد حسين ، ولد في مدينة النجف سنة
١٣٤٤ هـ من رجال القانون ، وأحد الادباء المبدعين. قال عنه المؤرخ جعفر آل محبوبة
: « أديب لوذعي ، وشاعر مبدع يتفجر شعره حماساً وشعوراً ، متقد الذهن ذكي يحسن
اللغة الفارسية والأنجليزية والفرنسية اضافة الى لغته العربية ».
قرأ في المدارس الحكومية ، وانتقل الى
بغداد حيث اكمل دراسته في كلية الحقوق. غادر العراق أواخر سنة ١٩٥١ م الى « سويسرا
» وحصل على الدكتوراه في القانون سنة ١٩٥٧ م. وقبيل ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ عاد الى
العراق وعمل محامياً حتى سنة ١٩٦٦ م حيث غادر العراق نهائياً ولم تسنح له الفرصة
بالعودة ثانية. عمل ضمن الوفد الدائم لجامعة الدول العربية في « جنيف » ، وارتبط
من سنة ١٩٨١ م بعقود مؤقتة مع مؤسسات الأمم المتحدة.
__________________
الّف في مجال تخصصه كتباً بالانجليزية ،
وله ديوان شعر سبق ان نشر قسماً منه في الصحف والمجلات ، اضافة الى البحوث
القانونية والأدبية .
٦ ـ أولاده :
خلّف الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ستة من
البنين :
١ ـ عبد الرزاق ، وهو ولده الأكبر ، توفي
سنة ١٣٦٢ هـ وقد رثاه بقصيدة عنوانها « وتر العواطف » يقول في مطلعها:
جريح ليس يصلحـه ضماد
|
|
وكيف به وقد رحل الفؤاد
|
٢ ـ علي ، مات طفلاً إثر ضربة أصيب بها
من أحد الأطفال عندما كان يمرح في ملعب الطفولة ، وقد رثاه الشاعر بقصيدة لامية ، يقول
في جملة من أبياتها :
شفتاك فـي عـلٍ وفي نهـل
|
|
أشهى الى نفسي من العسل
|
يـاقوتتـان على فم عـذب
|
|
يفترُّ عن سمطين من خضل
|
قـد ذابتا صهـرا على كبدي
|
|
وانبتَّ عقدهما مـن الغلل
|
وقد صدّر الشاعر قصيدته هذه بكلمة حزينة
صوّر فيها عمق لوعته وفادح المصيبة التي حلّت عليه ، يقول : « عينان هما مصباح
الأمل ، شفتان هما منبع العسل ،
__________________
خدّان هما مرآة
الجذل ، طفل وديع يمرح ويرفرف كالفراشة في ملعب الطفولة ، شمعة متقدة تشرق كالنجم
اللامع في الصبا ، طائر غريد ترقص أهازيجه على مسرح الاحلام ، هذا هو ولدي « علي »
وقد صرع بغتة في ملعب الطفولة فأصبح جثة هامدة من جرّاء صدمة قاسيه أصابت قلبه من
بعض لداته وها انا أرثي قلبي بهذا النشيد الحزين ، وهذه العواطف المحترقة وهذه
القطعة الدامية التي صعدتها زفراتي فذرفتها دمعة حزينة وما هي الاّ رسول من القلب
الى القلب
».
٣ ـ الشيخ حسين ، ولد في مدينة النجف
بمحلة « العمارة » سنة ١٩٤٩ م ، درس في المدارس الرسمية ثم دخل الحوزة العلمية سنة
١٩٦١ م. كان الساعد الأيمن لوالده ، وكان يرافقه دائماً وخاصة بعدما فقد بصره. كتب
عن أبيه « ملحمة أهل البيت :
» كاملة وعمل على طبعها ونشرها .
أمّا باقي أولاد الشيخ عبدالمنعم فهم :
حيدر ، والشيخ حسن ، والمهندس محمد .
٧ ـ خلقه وسيرته :
احتفظ الشيخ الفرطوسي لنفسه من الخصال
الحميدة والسجايا القويمة مالانجدها الاّ في سيرة السلف الصالح ـ رضوان الله
عليهم. فقد تجسدت في شخصيته المثالية ، وسلوكه الاخلاقي الرفيع تعاليم الاسلام
السمحاء وقيمه المثلى المستوحاة من روح التربية القرآنية.
__________________
لقد كان ؛ شديد التواضع مع سمو مكانته
العلمية ، وكان « صاحب الخلق الرفيع في ابتسامته المشرقة ، وفي احتضانه الشعوري
للناس الذين يلتقيهم ، وفي اقباله على محدثيه .. وفي الدقة الروحية في مراعاة
شعورهم وعواطفهم .. وفي تواضعه الذي يخجل كل إخوانه وتلامذته وعارفيه » .
وتواضع الشيخ لم يكن عن تكلف وتصنع ، فهو
« مترسل إلى أبعد حد في سيره وجلسته وتواضعه وحسن خلقه وميوعته الاجتماعية ، الميوعة
التي حدته على أن يساير نفراً تفوَّق عليه بجميع القوى والفضائل ، ولكنه لوداعته
وعدم شعوره بشخصيته ، أو بتعبير أصح نكرانه لذاته نكراناً غريباً حداه على هذه
المشايعة ، غير انه في الوقت نفسه احتفظ باتزان نفسي وعزة وإباء جعلته محترماً في
نفوس الناس وبالأخص في نفس من اطلع على غرائزه » .
والى جانب التواضع الذي عرف به ، كان ـ
رضوان الله تعالى عليه ـ شديد الإباء والانفة حتى انه كانت تهدى اليه الهدايا
إعجاباً به وبشاعريته الاّ أنه لم يكن يقبلها مع احتياجه الشديد اليها .
اضافة إلى ما سبق فقد كانت تعلوه رحمه
الله هالة من الصفاء والهيبة ، وتتجسد في سيماه البساطة المتناهية الى جانب الوقار
والاتزان. وكان اذا حدّث تراه كالنسيم الهادئ يدفع شراع المركب دون أن يغرق
السفينة. وهو الى ذلك سريع البديهة ، قوي الحافظة ، وافر العقل والنباهة ، حاد
الفطنة والذكاء ، صادق في قوله وعمله.
كما وعرف الشيخ بحسن السيرة وطيب النفس
، والترفع عن الدنايا والزهد
__________________
عما في أيدي الناس.
أما عن ورعه وتقواه فقد كان مثالاً يحتذى به في الزهد والصلاح واُسوة طيبة في
الهداية والاقتداء.
٨ ـ أسفاره ورحلاته :
شغل السفر حيّزاً من حياة الشاعر ومنذ
سنيه الأولى. فما ان بلغ الخامسة عشرة من عمره حتى أُلقي على كاهله مسؤولية ادارة
عائلته وتنظيم حياته وحياة اسرته. فكان يقصد باستمرار منطقة ريفية من ناحية «
المجر الكبير » بجنوب العراق لأستحصال نتاج الأرض التي كانت لهم في تلك المنطقة . وبعد أن بلغ شأواً في العلم والمعرفة
أخذ يتردد على تلك المناطق وخاصة أرياف « العمارة » و « الناصرية » للوعظ والارشاد
وتسلم الحقوق الشرعية.
واضافة الى واجبه الديني وعمله التوجيهي
الذي كان يحتم عليه السفر الى مناطق مختلفة من العراق ، وكذلك زياراته للعتبات
المقدسة في كربلاء والكاظمية وسامراء ، فانّ المناسبات الدينية والمهرجانات
الأدبية التي كانت تقام بين الحين والآخر في مدن مختلفة دفعته الى تحمل عبء السفر
والمشاركة الفاعلة في إحياء تلك المناسبات.
فمن تلك المناسبات التي ساهم فيها
الشاعر بابداع شعري رائع ، الحفل الذي أقامته الهيئة العلمية في كربلاء ليلة مولد
الامام المهدي 7
سنة ١٣٦٩ هـ ( ١٩٥٠ م ). وقد انشد الفرطوسي في هذه المناسبة قصيدة هي غاية في
الروعة والجمال ، يقول في جملة من أبياتها :
__________________
عطّـرتُ باسمك هـذه الالحانا
|
|
ونشرتُ ذكرك من فمي قرآنا
|
وبعثت من شفتـي حين لثمتـه
|
|
قبساً ينير العقل والـوجدانـا
|
ورأيته في النفس حيـن طويته
|
|
بيـن الجـوانح جنة وأمانـا
|
كحّلت جفنـي بالمنى في مولد
|
|
بالنـور كحل هذه الأجفانا
|
وتكثر رحلات الشيخ بمشاركته الفاعلة في
المناسبات والحفلات. فمن تلك المناسبات ، الحفل الذي أقيم في مدينة « الحلّة » عند
افتتاح مستشفى آل مرجان سنة ١٣٧٦ هـ ( ١٩٥٧ م ) . وكذلك الاحتفال البهيج الذي أقيم في «
خان الخنيني » بمدينة « البصرة » يوم العاشر من شعبان سنة ١٣٨٣ هـ ( ١٩٦٤ م )
بمناسبة مولد الامام الحسين 7
، وأيضاً
المهرجان الذي أقيم في مدينة « كربلاء » في مولد الامام علي 7 ، سنة ١٣٨٣ هـ ( ١٩٦٣ م ) ، وكذلك الحفلة التأبينية التي اقيمت
في مسجد براثا ببغداد بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الشيخ محمد رضا الشبيبي
سنة ١٣٨٥ هـ ( ١٩٦٦ م ) .
وغيرها من الحفلات والمناسبات.
ولم تقتصر رحلات الشيخ على البلدان
العراقية فقط بل كانت له عدة رحلات الى خارج البلاد ، الاّ انّ طابع هذه الرحلات
تختلف بعض الشيء عن رحلاته الداخلية. فقد كانت رحلاته الخارجية غالباً للعلاج
والاستجمام اضافة الى زيارة العتبات المقدسة في تلك البلدان.
ففي سنة ١٣٧١ هـ ( ١٩٥٢ م ) سافر الشيخ
الى ايران لزيارة مرقد الامام
__________________
الرضا 7 ، في مدينة مشهد المقدسة. وقد أثاره
منظر القبة الذهبية وما شاهده من مظاهر العظمة والجلال لذلك المرقد المطهر ، فجادت
قريحته بقصيدة رائعة ، يقول في أبيات منها:
تفجّـر أيّها الطـرفُ القـريحُ
|
|
بما يوحي لك القلـب الجـريحُ
|
وصغ من دمعك القانـي وقلبي
|
|
نشيـداً كـلُّ مـافيـه ينـوح
|
فما هـذا الجمود وكـل شيءٍ
|
|
أراه لـلعـواطـف فيـه روح
|
فهـذا مشهدٌ قد كنت شجـواً
|
|
علـى ذكراه بالنجوى تبـوح
|
وهذي القبةُ الحمـراءُ تكسـو
|
|
بروعتها العـواطفَ اذ تلـوح
|
وهذا مهبط الأمـلاك فاخشـع
|
|
على أعتابه ـ وهـو الضريح
|
وهـذي تربـةٌ في كـلّ حِينٍ
|
|
بطيب أبي الجواد لنا تفوح
|
وعندما حجّ الشيخ بيت الله الحرام سنة
١٣٧٦ هـ ( ١٩٥٧ م ) عرّج على المدينة المنورة فزار مسجد الرسول الأكرم 9 ومراقد ائمة أهل البيت : في البقيع. وقد أثاره منظر البقيع
كثيراً حتى قال عنه : « سكون رهيب في مشهد حزين تستعرض منظره الكئيب بطرفك الباكي
فيمد سحابة سوداء من الشجون على عينيك ويفرق بموجة الأسى شفتيك وتتغلغل في أعماق
نفسك من سورة الالم زفرات تضيق بها الضلوع وتحترق الدموع. هذا هو مشهد البقيع
التربة المقدسة التي غربت وراء صعيدها الطاهر من شمس الرسالة بضعته الصديقة فاطمة
الزهراء 3 وأربعة نجوم
من سلالتها الطاهرة هم أئمة البقيع :
» .
وفي سنة ١٣٨٤ هـ ( ١٩٦٥ م ) سافر الشيخ
إلى « سويسرا » لعلاج بصره فمكث مدة في العاصمة « جنيف » ثم انتقل الى مدينة «
لوزان » لتلقي العلاج في
__________________
جامعتها الطبية.
وبعد فترة قضاها في « سويسرا » قرر الذهاب الى لبنان فبقي مدة هناك ثم توجه بعدها الى سوريا
حيث كانت محطته الأخيرة في هذه الرحلة توجه بعدها الى العراق.
وفي أواخر السبعينات وإثر الأزمات
السياسية التي شهدها العراق في تلك الفترة غادر الشيخ العراق نهائياً وأقام في
لبنان. وبعد مدة توجه الى « جنيف » في « سويسرا » لمعالجة بصره حيث نزل عند أخيه
الدكتور محمد حسين الفرطوسي وذلك في سنة ١٩٨٠ م. مكث الشيخ ستة أشهر في « جنيف »
قضاها بين العلاج الطبي والانصراف الى التعبد وعقد المجالس العلمية. وبعد هذه
الفترة انقطع أمله بالتوصل الى أعادة بصيص من بصره فعزم على الرحيل الى بيروت
والاقامة هناك. وفي عام ١٩٨٢ م عاد الشيخ الى « جنيف » ثانية وبعدها قرر الانتقال
الى الامارات العربية المتحدة فأقام في « أبو ظبي » حتى أيامه الأخيرة .
٩ ـ شخصيته العلمية :
عرف الشيخ الفرطوسي في الأوساط العلمية
والمحافل الأدبية عالماً فاضلاً وأديباً مبرزاً له اجتهاده المستدل ورأيه الصائب
في المسائل العلمية والأدبية. وبالرغم من شهرته كشاعر مرموق وأديب مبدع فانّ ذلك
لم يفقده مكانته العلمية ومنزلته الشامخة بين أساتذة الحوزة العلمية في النجف.
فالشخصية العلمية التي تمتع بها الفرطوسي استهوت الكثير من طلبة العلم وروّاد
المعرفة. وقد تظافرت
__________________
على تكوين هذه
الشخصية عدة عوامل ، هي :
أولاً
: عامل البيئة
ولعامل البيئة الأثر الأعمق في تكوين
شخصية الفرد وبلورة مواهبه الفطرية. وقد شاء الله أنْ ينمي غرس الفرطوسي الموهوب
في مدينة النجف التي كانت ولا تزال جامعة علمية كبرى تخرّج منها غير واحد من
عمالقة الفكر وأساطين العلم والأدب. والمعروف انّ النجف لم تكن مهداً للعلم
والمعرفة فقط بل كانت أيضاً مؤسسة تربوية امتازت بأجوائها الروحية التي اقتبست
أنوارها من الإشعاع المعنوي لمرقد الامام علي 7.
وكان تأثر الفرطوسي بهذه الأجواء تأثراً
واضحاً وعميقاً. فقد تجلّت في شخصيته الفذة ملامح الايمان ، ومعالم الرسوخ في
العقيدة ، والثبات على خطى الرسول الأكرم 9
، ونهج الأئمة من أهل البيت :.
ثانياً
: عامل الوراثة
ويأتي هذا العامل ضمن العوامل المحفّزة
على اقتفاء آثار الآباء ، والسير في خطاهم ، والتأسي بمآثرهم ، والسعي على امتثال
نهجهم الذي سلكوه في طلب العلم واقتباس المعرفة. وقد انعكس هذا العامل بكل ما يحمل
من مؤثرات ومحفزات على شخصية الفرطوسي ، وهو الذي ينتمي الى عائلة انحدر منها
علماء كثيرون عبر قرن من الزمن. فجد الشيخ الفرطوسي وهو الشيخ حسن كان من العلماء
الأعلام ومراجع الدين العظام. وامّا ابنه الشيخ حسين ـ والد الشاعر ـ
فكان من أهل العلم
والفضل تخرّج على كبار اساتذة عصره. وكذلك الشيخ علي ـ عمّ الشاعر ـ كان من فضلاء
عصره وأعلام اسرته. وغير هؤلاء مما يضيق المجال بذكرهم هنا .
ثالثاً
: عامل الفطرة
لقد مَنَّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ على
الشيخ الفرطوسي بنعمة الذكاء المفرط ، والذاكرة القوية. فقد كان رحمه الله يستظهر
الدواوين الشعرية والكتب الأدبية بمدة قصيرة. وفوق هذا انّه كان ينظم القصيدة
الطويلة التي تتجاوز المئة بيت في ذهنه وعن ظهر قلب ثم يصلح أبياتها وينشدها على
الحضور ، ثم يعيدها مرات دون ان يغفل عن بيت واحد منها .
والى ذلك أيضاً كان يناقش في مسائل تطرح
عليه في الفقه والاصول والصرف والنحو والمعاني والبيان دون مطالعة مسبقة ، فكان
يبسط الكلام في تلك المسائل ولا يترك شاردة ولا واردة في الموضوع إلاّ ويأتي بها
كاملة.
١٠ ـ دراسته وأساتذته :
أخذ الشيخ الفرطوسي مقدمات العلوم عن
والده الشيخ حسين ، وكان قد أتقن القراءة والكتابة في سن التاسعة على معلمه «
الشيخ عطية » .
وبعد وفاة والده شمله عمه الشيخ علي بعنايته ورعايته الأبوية فحرص على تعليمه
وتهذيبه.
__________________
وما ان بلغ الخامسة
عشرة من عمره حتى انظمّ الى سلك التعليم في الحوزة العلمية بالنجف ، وأخذ يدرس علم
النحو ، والصرف ، والعروض ، والمعاني والبيان ، والمنطق ، والأصول ، والفقه ، والكلام
، وقد تقدم في دراسة هذه العلوم حتى أتقنها ودرّس اكثرها ، وتخصص في تدريس علم
المعاني والبيان.
وبعد ما أتم الشيخ دروسه في الآداب
والعلوم العربية وغيرها من العلوم أخذ يدرس سطوح الفقه واصوله حتى برع فيها وتقدم
على أقرانه. وما ان أتمّ هذه المرحلة حتى بدأ بالحضور في بحوث علمية خارجية في
الفقه والاصول لكبار علماء عصره.
وقد درس الشيخ طوال هذه المدة على
أساتذة أجلاّء كان لهم الدور الفاعل في إنماء مواهبه وتوجيهه توجيهاً صحيحاً نحو
التقدم والكمال. ومن هؤلاء الأساتذة الذين أخذ عنهم العلم وتلمذ لهم وأفاد منهم :
١ ـ السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني
( ١٢٨٤ ـ ١٣٦٥ هـ )
وهو من العلماء الاعلام والفقهاء
العظام. استقل بالزعامة الدينية والمرجعية الكبرى وأصبح مفتي الشيعة في كافة
الأقطار الاسلامية من غير منازع .
تابع الشيخ الفرطوسي الحضور في بحوث
استاذه الامام الذي كان يؤثره بمحبة خاصة ويخاطبه في رسائله اليه بـ « ولدنا
العلامة الشيخ عبد المنعم .. » .
٢ ـ السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي
( ١٣٠٥ ـ ١٣٨٢ هـ )
من المجتهدين الأعلام. كان في عداد
المراجع الذين انتهت اليهم أمور التقليد بعد وفاة السيد أبي الحسن الأصفهاني. وبعد
وفاة السيد البروجردي انتقلت
__________________
اليه الزعامة
الدينية والمرجعية الشيعية ، فكان من أعظم الفقهاء والمجتهدين في النصف الثاني من
القرن الرابع عشر الهجري .
٣ ـ السيد محسن الحكيم ( ١٣٠٦ ـ ١٣٩٠ هـ
)
زعيم الطائفة الشيعية في عصره ، وأحد
أبرز مراجع التقليد والفتيا. « كانت له الزعامة الدينية العامة ، والمرجعية
الروحية المطلقة ، والرئاسة العلمية. قام بمشاريع ومآثر خالدة ، وتصدى للتدريس
والتأليف والامامة ... ازدهرت الحوزة النجفية ، ونشطت الحركة الفكرية في عهده » .
كان الشيخ الفرطوسي تربطه علاقة خاصة
بالسيد محسن الحكيم ، فقد كان من مريديه وخاصة أتباعه. وقد مدحه في أكثر من مناسبة
، من ذلك قصيدته « ذكريات » التي يقول في بعض أبياتها :
أبـا المهدي أنـت لنا إمام
|
|
ومجد العلم مجـدك لا يُرام
|
أتتك طلائع الأحكام تسعى
|
|
لقائـدها وفي يـدك الزمام
|
فقدها حلقة من بعد اخرى
|
|
بغيـرك لا يتم لهـا انتظام
|
اذا ماروضة العرفان جفت
|
|
منابعهـا فانت لها غمـام
|
وان رفعت أكاليل المعالي
|
|
فأنت لكلّ اكليل وسام
|
٤ ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ( ١٣١٧
ـ ١٤١٣ هـ ).
من كبار مراجع التقليد ، وأساتذة الحوزة
العلمية في النجف. توسّع في تدريس العلوم الاسلامية ، وألقى محاضرات قيمة في الفقه
والاصول والتفسير.
__________________
ووفّقَ الى تأليف
كتب كثيرة .
حضر الشيخ الفرطوسي بحوث السيد الخوئي
في الأصول ، وكان يتشوق كثيراً الى دروس استاذه ، وكان يذكره بأنه « منبع من العلم
لا ينضب معينه ، يتحدر من ذهن متفجر بالحكمة. وهبه الله من المعارف ما شاء ان يهبه
لمثله من أوليائه الأبرار » ..
٥ ـ الشيخ مهدي الظالمي ( ١٣١٠ ـ ١٣٥٩ هـ
).
عالم فاضل من أساتذة الفقه والأصول ، وهو
أيضاً شاعر جليل وأديب مرموق. « كان مظهراً من مظاهر التقى والورع لم تشبه شائبة
من رياء ولا تدجيل كأنما هو على ثقة تامة من آخرته وما تفرضه عليه من طهر وصدق
وايمان ، وكان نمطاً عالياً من أنماط العلم والادب. ما عرف العارفون ضعفاً في
تفكيره ، ولا قصوراً في تعبيره ، ولا ثقلاً في روحه » .
درس الشيخ الفرطوسي على استاذه الشيخ
الظالمي كتاب « كفاية الاصول » للمحقق الخراساني. كما وأنجز أبحاثاً قيمة بإشرافه.
وعند وفاته رثاه الشيخ الفرطوسي بقصيدة لم يثبتها في ديوانه ، يقول في أبياتها
الاولى :
أصاب ناعيك قلب المجد فانصدعا
|
|
وأدرك الغـرض المقصود حين نعى
|
وأنفـذ السهم في قلبي وحكمه
|
|
في أضلعي فاستحالت أضلعي قطعا
|
فصـرت أجمع هاتي في يد ويد
|
|
مسكت فيها فؤادي خوف أن يقعا
|
وعدت كالطائر المذبوح قد علقت
|
|
في حبل نفسي مدى الآلام فانقطعا
|
_________________
٦ ـ السيد محمد باقر الشخص الأحسائي (
١٣١٦ ـ ١٣٨١ هـ )
من المدرسين البارزين في الحوزة العلمية
في النجف. كان على جانب من التواضع والورع والخلق الرفيع والسلوك المتين. حاز على
مرتبة الاجتهاد والاستنباط ، وواصل التدريس حتى أصبح من أعلامه المبرزين .
درس الشيخ الفرطوسي على أستاذه الأحسائي
كتابي « الرسائل » و « المكاسب » للشيخ الأنصاري. وعند وفاة استاذه رثاه بقصيدة
قال في جملة من أبياتها :
ايهاً حماة الشـرع لاربع العلى
|
|
ربعٌ ولا النجـوى يرتلهـا فم
|
خمدت مصابيح الدراية منكم
|
|
شعـلاً وغارت للهـداية أنجم
|
خلت الكنـانة من بنيها بعدما
|
|
غبتـم وأنتـم للكنانـة أسهم
|
واريقت الصهباء من قدح العلى
|
|
فهوى وهـاهو هيكل متحطم
|
واُميتت الانغـام فاستولى على
|
|
أوتارها خـرس وصمت ملجم
|
مـا قيمة الشبـح المجرد انّـه
|
|
عرض بغيـر الروح لا يتقـوم
|
فالعود بالنفحـات يعرف طيبه
|
|
والعود بالنغمـات اذ يترنم
|
١١ ـ آثاره ومؤلفاته :
ساهم الشيخ الفرطوسي بالاضافة الى نشاطه
الأدبي في حقول معرفية متنوعة جلّها في العلوم الدينية. فقد ألّف في مجال الفقه
والأصول والمنطق والعلوم
__________________
العربية كتباً قيمة
لا تزال مخطوطة. والمطالع لهذه الآثار يتلمس بوضوح السيطرة التامة والمقدرة الفائقة
التي امتاز بها الشيخ الفرطوسي في ابداعه العلمي ونتاجه الأدبي. وحسب المعلومات
المتوفرة فان النتاج العلمي والأدبي للشيخ الفرطوسي ينحصر في المؤلفات التالية :
١ ـ ديوان الفرطوسي : وهو في جزئين ، طبع
للمرة الاولى في مطبعة الغري الحديثة بالنجف سنة ١٩٥٧ م ، وأُعيد طبعه ثانية سنة
١٩٦٦ م .
وقد عبّر الشاعر عن ديوانه بأنّه «
إضمامة متناثرة من العواطف انسقها في هذه الألواح ، وجمرات ملتهبة من الشعور
أنثرها على هذه الصفحات هي جهود نشاطي الأدبي وغرس خمسة وعشرين عاماً من حياة
عواطفي. ولقد مرّ على هذه الحياة الأدبية ربيع من الشعر كان الطموح الأدبي فيه
بمنتهى الفتوة والنشاط وثورة العاطفة كهجوم العاصفة. أتخيل شبح الزهرة فأصافحه
واحلم بأغاريد البلبل فأطارحه. أهب مع النسمة وأذوب في النغمة. أطرب لمنظر الوتر
وأهيم في بسمات القمر. يسحرني المنظر الرائع فلا اجتازه حتى اصفه واتحرى بنفسي
بواعث النظم لأقول الشعر وفي هذا الفصل الخصيب تجمعت أكثر زهرات هذا الحقل وها انا
اعرض قلبي وعقلي عليك حين اعرضها في هذه الألواح » .
ويبلغ عدد أبيات الديوان بجزئيه مع
أبيات الإهداء ٧٣٨٥ بيتاً توزعت على أكثر من مئة وثمانين قصيدة ومقطوعة شعرية. والديوان
هو ليس جميع منظوم الشاعر فقد اقتطف الشيخ الفرطوسي من نتاجه الشعري الضخم هذه
القصائد المثبتة في الديوان بينما تناثرت قصائده الاخرى في الصحف والمجلات
__________________
واخذ بعضها طريقه
الى الضياع والتلف .
جمع الشاعر ديوانه بنفسه وكتب مقدمة له
تناول فيها أدوار نشأته ومراحل دراسته ، واوليات نظمه الى جانب آثاره العلمية. وقد
قدّم الديوان في طبعته الاولى محمد علي البلاغي صاحب مجلة « الاعتدال » النجفية.
كما وقدمت جمعية الرابطة الأدبية في النجف الديوان في طبعته الثانية.
نسق الشاعر ديوانه في سبعة أبواب :
الباب الأول : « من وحي العقيدة »
ويشتمل على قصائده الدينية وأشعاره الولائية لأهل البيت :.
الباب الثاني : « صور من المجتمع » ويضم هذا الباب قصائد الشاعر الوطنية
والسياسية والاجتماعية التي أنشدها في مناسبات مختلفة.
الباب الثالث : « دروس » وهي مجموعة
قصائد في الاخلاق والتوجيه والآثار والعبر.
الباب الرابع : « في محراب الطبيعة »
وهي قصائد وصفية صوّر فيها الشاعر مشاهد الطبيعة وحياة القرية ومافيها من صور
رائعة ومناظر خلابة.
الباب الخامس : « طلائع الآمال » وهي
قصائد ترحيبية أنشدها الشاعر في استقبال وفود العلم والادب ورجال الاصلاح والدين.
الباب السادس : « الحب والجمال » وهو
حقل الشعر الوجداني الذي عبّر فيه
__________________
الشاعر عن خلجات
نفسه وبعض ما أوحته عاطفته من قريض الشعر والغزل.
الباب السابع : « دموع وعواطف » وهي
قصائد في رثاء رجال العلم والادب ومن ارتبط بهم روحياً وعاطفياً.
علّق الشاعر على معظم قصائده تعليقات
موجزة ذكر فيها الغرض من انشادها ، وتاريخ نظمها ، والمناسبة التي القيت فيها. كما
وشرح بعض المفردات اللغوية وترجم للاعلام الواردة فيها.
٢ ـ ملحمة أهل البيت :
: وهي ملحمة شعرية تقع في ٢٨٢٠٤ بيتاً طبعت للمرة الاولى سنة ١٣٩٧ هـ ( ١٩٧٧ م )
في ثلاثة أجزاء وقد قدّمها السيد محمد باقر الصدر. وفي سنة ١٤٠٧ هـ ( ١٩٨٦ م ) أي
بعد وفاة الشاعر بثلاث سنين طبعت الملحمة بكامل أجزائها الثمانية وقد قدم لجزئها الثامن
السيد محمد حسين فضل الله.
٣ ـ الوجدانيات : مجموعة شعرية لا تزال مخطوطة تحتوي
على ألوان وصفية وغزلية من شعر الفرطوسي.
٤ ـ الفضيلة : رواية شعرية من الأدب الحزين نظمها
الفرطوسي في ثمانين صفحة وبلغ عدد أبياتها ستمئة بيت. وأصل الرواية للكاتب الفرنسي
برناردين دي سان بيار ( ١٧٣٧ ـ ١٨١٤ م ) ونقلها الى العربية الأديب المصري مصطفى
لطفي المنفلوطي ( ١٨٧٦ ـ ١٩٢٤ م ). وقد فرغ الفرطوسي من نظمها سنة ١٣٦٦ هـ .
__________________
٥ ـ أرجوزة شعرية في المنطق :وهي منظومة في الاشكال والضابطة في
علم المنطق من « الحاشية » التي وضعها المولى نجم الدين عبدالله اليزدي المتوفى
سنة ٩٨١ هـ على كتاب « تهذيب المنطق والكلام » لسعد الدين التفتازاني المتوفى سنة
٧٩٢ هـ. وتقع الأرجوزة في مئتي بيت تقريباً .
٦ ـ شرح موجز « لحاشية ملا عبد الله »
في علم المنطق .
٧ ـ شرح شواهد « مختصر المعاني »
للتفتازاني
: وقد توسع الشيخ الفرطوسي في شرحه على طريقة كتاب « معاهد التنصيص » لعبد الرحيم
بن احمد العباسي المتوفى سنة ٩٦٣ هـ ويقع الشرح في خمسين صفحة بالقطع الكبير ، ويتضمن
شرحاً للآيات الكريمة الواردة في المختصر مع اعرابها وتفسير الشاهد فيها.
٨ ـ شرح « كفاية الأصول » : وهو الشرح الذي كتبه الشيخ الفرطوسي
على الجزء الاول من كتاب « كفاية الاصول » للشيخ محمد كاظم الخراساني المتوفى سنة
١٣٢٩ هـ. ويقع هذا الشرح في ثمانمئة صفحة .
٩ ـ شرح « الرسائل الأصولية » للشيخ مرتضى الانصاري المتوفى سنة ١٢٨١
هـ. وهذا الشرح هو نتيجة المدة التي قضاها الشيخ الفرطوسي تحت اشراف استاذه السيد
محمد باقر الشخص.
__________________
١٠ ـ شرح « رسالة الاستصحاب » من رسائل الشيخ مرتضى الانصاري يقع في
١٠٠٠ صفحة.
١١ ـ شرح مقدمة البيع من كتاب « المكاسب
» للشيخ مرتضى الانصاري وصل به الى كتاب المعاطاة .
١٢ ـ شرح « المطالب » .
١٢ ـ نشاطه الثقافي والأدبي :
اتسع نطاق العمل الأدبي للشاعر وأخذ
يتجه الى التنشيط والتفاعل أكثر فأكثر منذ أن انتظم في « جمعية الرابطة الادبية ».
وتعتبر الجمعية أول مؤسسة تأسست للأدب في النجف بصفة رسمية. فقد تشكلت سنة ١٣٥١ هـ
وضمت اكبر الأسماء الشعرية في العقد الثالث من القرن العشرين. ويُعد الشيخ
الفرطوسي أحد أعمدتها وواضعي لبناتها الأولى .
تبلورت فكرة الرابطة في ذهن الشاعر ، وأخذت
تلقي بظلالها على معظم نشاطاته وأعماله الأدبية ، حتى ان ديوانه الذي جاوز السبعة
آلاف بيت يعد ثمرة
__________________
من ثمار ذلك التفاعل
الحي والعمل الدؤوب في هذه المؤسسة الأدبية.
وكان الشيخ ممن يعول عليه في جميع
المناسبات التي كانت تقيمها الجمعية فكان شاعرها الذي يشدو باسمها ، والناطق بلسان
أعضائها وخاصة في الحفلات التكريمية التي كانت تقيمها الجمعية احتفاءً بالهيئات
العلمية والأدبية الوافدة على النجف كالحفل الذي أقامته الجمعية تكريماً للوفد
العلمي الذي ترأسه الدكتور حامد زكي عميد كلية الحقوق في مصر ، وكذلك حفلة تكريم
الدكتور زكي مبارك لدى زيارته للنجف ، وحفلات كثيرة اخرى .
ومن النشاطات الثقافية التي اضطلع بها
الشاعر وبلغ فيها شأواً بعيداً ، تدريسه العلوم الدينية والعربية ، وخاصة تخصصه في
تدريس علم المعاني والبيان .
فقد عرف الشيخ الفرطوسي اُستاذاً ماهراً ، ومدرساً بارعاً ضمّت حلقات درسه عدداً
غفيراً من طلاب العلوم الدينية الذين أصبحوا فيما بعد من كبار العلماء وأعلام
المجتهدين. وغالباً ما كانت تعقد مجالس بحثه ودرسه في المسجد الهندي ، بالاضافة الى دروسه الخاصة التي كان
يشكّلها في داره.
ولمّا كان الشيخ الفرطوسي من الناشطين
في حقل الثقافة والمعرفة ، والمهتمين بأمر التدريس ونشر العلوم الدينية ، فإنّنا
نجده قد طرق باب التأليف والكتابة حتى برع فيه ، والّف كتباً قيمة انحصرت
موضوعاتها في الفقه والاصول والأدب والبلاغة والمنطق.
__________________
١٣ ـ مواقفه الوطنية والسياسية :
سجّل الفرطوسي مع الثائرين من أبناء
أمته حضوراً فاعلاً وتواجداً حيّاً في ميادين النضال والكفاح الشعبي. ففي الوقت
الذي حمل المجاهدون أسلحتهم للدفاع عن شعبهم ووطنهم راح الفرطوسي يؤجج لهيب الحماس
في نفوس أبناء جلدته ويشعل جذوة الثورة في قلوبهم بقصائده الحماسية الرائعة
وأشعاره الثورية الجياشة. وقد حدا بهذه الروح الحماسية العالية التي بثّها
الفرطوسي في نفوس الناس أن راح الكثير منهم يطالبون في تظاهراتهم ومسيراتهم بقراءة
قصائد الفرطوسي الثورية واعادتها مرات ومرات .
لقد كان الفرطوسي ، المجاهد الذي حمل
قلمه ولسانه ذوداً عن وطنه ومبادئه ، وكان « الثائر الذي يتحسس مشاكل الظلم في الأمة فيما يتمثل في
واقعها من حكم ظالم ، واستعمار غاشم ، وانحراف في دائرة التحرك السياسي ، لدى
المحاور السياسية التي تتحرك في خط الإنحراف .. وكان يعبر عن ذلك بشعره الثائر
الذي ينتهز كل فرصة جماهيرية ليخاطب الجماهير بآلامها ومشاكلها وليحتج على كل
القوى التي تتحدى طموحاتها ، وتأكل حريتها وعزتها واستقلالها .. » .
اهتم الفرطوسي بالأحداث السياسية التي
كانت تحدث في العالم الاسلامي اهتماماً بليغاً. فكان يتابع عن كثب ما يجري في
البلاد الاسلامية من تحولات
وتغييرات ليشاطر
أبناءها أحزانهم وآلامهم بشعره الحماسي وأدبه اليقظ. والشؤون السياسية التي
تناولها الفرطوسي في شعره كثيرة ، منها : القضية الفلسطينية ، وقد انشد فيها قصائد
كثيرة عبّر فيها عن مآسي الشعب الفلسطيني وما كابد من محن وويلات في صموده أمام
المحتل الغاصب. وكذلك القضية الجزائرية ونضال الشعب الجزائري في مواجهته المستعمر
الفرنسي .
ومنها ايضاً العدوان الثلاثي على مصر سنة ١٩٥٦ م وتأميم قناة السويس بالإضافة الى
العديد من القضايا السياسية الأخرى.
كان الفرطوسي يتحرك سياسياً على صُعُدٍ
مختلفة ، وكانت له علاقات وثيقة بشخصيات سياسية بارزة لعبت دوراً هاماً في الحياة
السياسية في العراق. ومن تلك الشخصيات عبد الوهاب مرجان رئيس الوزراء الأسبق الذي
أوصى بأن يكون الشيخ أحد زواره القلائل في مرضه الذي توفي فيه. وكذلك الشيخ محمد
رضا الشبيبي وزير المعارف الذي كان يلتقيه بمنزله ومقره في مجلس الأعيان .
لقد حرص الفرطوسي من خلال نشاطه السياسي
على تحقيق الحرية والاستقلال لأبناء وطنه ، فهو يرى « انّ مجد الاستقلال من أعزّ
الأمجاد العالية التي تبذل في سبيل تحقيقها دماء أحرار البلاد الثمينة. والحرية
عروس عذراء لا مهر لها الاّ الدم الحر والغرض من الاستقلال صيانة كيان الوطن وحفظ
حقوقه وحرية التصرف بها وإنقاذه من براثن المستعمرين الطغاة فإن تحقق هذا الهدف
السامي تحقق الاستقلال » .
والرؤية السياسية للفرطوسي تمنح الشعب
حقه في تقرير مصيره ، والسيادة
__________________
على أراضيه وحماية
مصالحه ، لأنه « لا يضيع حق وراءه شعب ، ولا يقوم بناء على غير اساس العدل ، ولا
يقرر مصير الشعب الاّ الشعب ، وإرادة الأمة من سطوة القضاء تمحو وتثبت ما تشاء » .
أمّا المواقف الوطنية التي وقفها
الفرطوسي ضد الاستعمار الغاشم وحركاته الهدامة فهي أكثر من أن تعد. فمن تلك
المواقف تصديه مع ثلة من علماء الدين في النجف للفكرة الاشتراكية التي ظهرت في
الستينات في العراق كما يتضح من الوثيقة التالية :
بسم الله الرحمن الرحيم
بغداد
السيد رئيس الجمهورية
السيد رئيس الوزراء
السيد الحاكم العسكري العام
في هذا الوقت الذي تتطلع فيه الأمة الى
أفضل وتنتظر من المسؤولين أن يقولوا كلمة الاسلام في حلّ المشاكل الاجتماعية ترى
كارثة الانحراف عن الاسلام تشتد وتنمو ويطلع علينا وضع جديد تستقطب فيه مبادىء
غريبة عن مباديء الاسلام تسمى بالاشتراكية.
والهيئة العلمية في النجف الأشرف إذ
تستنكر هذا الوضع
__________________
الجديد تلفت نظر
الحكومة الى الوضع غير المستقر الذي تمرّ به البلاد ، وتطالب بإلغاء ما أسمته
بقوانين التأميم ، والله من وراء القصد.
عن الهيئة العلمية في النجف الاشرف
محمد الحسيني الحلي ، محمد علي اليعقوبي
، عبد المهدي الدجيلي ، محمد علي الخمايسي ، محمد صادق الصدر ، محسن علي خان ، جعفر
آل بحر العلوم ، عبد
المنعم الفرطوسي ، محمد الشيخ عبد
الله القرشي ، كاظم الشيخ حبيب ، محمد علي الشيخ عبد المهدي مظفر ، علي البكّاء ، عبد
الهادي الصافي ، جواد شبر ، علاء الدين بحر العلوم ، باقر الظالمي ، عبد الحميد
الصغير ، عز الدين بحر العلوم ، محمد باقر الحكيم ، عبد المحسن زاير دهام ، محمد
سعيد محمد علي الحكيم.
النجف الاشرف ١٩ / ٣ / ١٣٨٤ هـ ـ ٢٩ / ٧
/ ١٩٦٤ م
لقد وقف الفرطوسي مواقف جريئة في مواجهة
حكام الجور وتحدى ظلمهم واضطهادهم. فكانت أشعاره الحماسية وقصائده الثورية توسعهم
قرعاً وتجريحاً ، وتكيل لهم المثالب والهوان. وما أروع قول الشاعر جعفر الهلالي حين عبر عن مواقف الفرطوسي السياسية
قائلاً :
والساسـة العملاء كنت عليهم
|
|
سوطـاً تزيد عذابهـا وهوانها
|
ألمستهم من حرِّ قـولك جمره
|
|
مثل الصواعق أرسلت نيرانهـا
|
أنكرت ما قد أحدثوا من منكر
|
|
بفعالهم فـي كلِّ مـا قد شانها
|
وبذاك قد جاهدت شرّ عصابة
|
|
ورميت بالسهم المصيب جنانها
|
__________________
ما أقعدتك لضعفهـا شيخوخـة
|
|
عـن وقفة فرض الاله مكانها
|
ولعل كلمة الأديب ضياء موسى بحق الشيخ ومواقفه الوطنية والسياسية
تكون مناسبة هنا حيث تصور وببيان أدبي رائع عمق الدور الذي لعبه الشيخ الفرطوسي في
مجال العمل الوطني والنشاط السياسي في العراق : « الفرطوسي ينشد للشهداء ، يقول
انهم سيورقون في الصباح ، سيتحولون إلى براعم تهتف للحياة ، تغرد عندها بلابل
المستقبل ، كان يصنع من جليد الغربة لهيباً يتوقد ، يرمي ذرات السموم على حشرات
الخريف ، الحشرات الملتصقة بأشجار النخيل ، الحشرات المتطفلة على سنابل قمح
الرافدين ، الحشرات التي تعيش على امتصاص دم الشعوب ، على خيرات الشعوب » .
١٤ ـ دوره الاصلاحي والاجتماعي :
اتجه الفرطوسي في نشاطه الاصلاحي والاجتماعي
الى تحديد مواطن الفساد في مجتمعه والوقوف على مشاكله ومعضلاته وذلك عبر قصائده
المعبرة والانتقادية ومن خلال تواجده الفاعل والمستمر في الاجتماعات والأندية
المختلفة.
ومن المشاكل الاجتماعية التي عالجها
الشاعر في عديد من قصائده مشكلة الدراسة والتعليم وما كان يواجهه الطالب في مسيرة
دراسته من هزّات وأزمات بسبب الفقر وانعدام الضمان المالي التي تقوم عليه حياته
العلمية. ولم
__________________
يكن التعليم حينئذٍ
عاماً ليشمل جميع شرائح المجتمع بل كان مقتصراً على أبناء الاقطاعيين ومن كانت له
صلة بزعماء العشائر الذين انحسر عددهم وتقلص ظلهم بعد ان استبدلوا حياة القرية
بالمدينة فأنستهم مغريات المدينة ومباهجها ، الاخلاق الكريمة والوشائج الاجتماعية
القويمة التي كانوا عليها في القرية.
هذا ما كان عليه التعليم بشكل عام ، امّا
التعليم الديني الذي انضمّ اليه الشاعر فكان ينوء تحت وطأة الانسياب والفوضى
وانعدام النظم والمنهجية. وفي هذا الخصوص يشير علي الخاقاني الى موقف الفرطوسي من
هذا الوضع قائلاً : « ولإرهاف حسه وقوة العقيدة الدينية فيه أصبح متألماً من الوضع
الديني الحاضر وارتباك سير الدراسة والفوضوية الشاملة لها وتسيب الطلاب وعدم وجود
زعيم ديني مسؤول عن معرفة الصحيح منهم لانعاشه والسقيم لاقصائه ، وشعر بقيده
الاجتماعي فراح يناشد حرية الفكر المضاعة وأسلمه الزمان الى مصاحبة مجموعة من
الاقطاعيين في لواء العمارة جرياً على عادة آبائه الذين كان لهم الأمر والنهي في
تلك الربوع فأصبح وهو يشاهد الاستهتار والتبذل والاسراف والبذخ وامتصاص دماء
الضعفاء واستغلال أقوات الفقراء من أبناء الريف ، وبهذا الحس أصبح لا يقوى على
الجهر برأيه خوفاً من مغبة المصير الذي قد يصدمه به المتنفذون من زعماء الاقطاع
هناك ، كما لا يقوى على السكوت وفي قلبه شعل ، وفي ضميره حياة ».
ومن هذا المنطلق راح الفرطوسي وبلسانه
الشاعري الفياض يهيب بمبرّات الخيّرين من أبناء جلدته ويستنهض هممهم العالية من
أجل رفع مستوى الحياة في المجتمع ومعالجة مشاكله وقضاياه من خلال تأسيس المرافق
الاجتماعية
__________________
الضرورية وبناء
المؤسسات الخيرية. فكانت لا تقوم لمؤسسة خيرية قائمة الاّ وللفرطوسي فيها موقف
وكلمة. ومن هذه المواقف قصيدته الرائعة التي ألقاها في مدينة الحلة عند افتتاح
مستشفى آل مرجان سنة ١٣٧٦ هـ ( ١٩٥٧ م ) والتي قدمها بكلمة قال فيها : « الثروة
كثيرة ولكن رجال الخير قليلون ، وتتكثر تلك القلة اذا وقع البر في مواقعه. وانّك
اذا نظرت هذه المؤسسة الخيرية التي هي كلها اسعاف والطاف فهي تبني الحياة من رمق
الحياة ، وتنقذ الصحة من براثن المرض وتستخلص السعادة من كدر الشقاء ، عرفت
لمنشئها الفضل العميم على الانسانية المعذبة فان خير الناس من نفع الناس ، وان قيم
الرجال توزن بالأعمال ، فسارعوا يا رجال الثروة على عمل الخير فان نقصانها في سبيل
البر هي الثروة الكاملة
».
١٥ ـ وفاته ومدفنه :
عانى الشيخ في أواخر عمره داءً عضالاً
في صدره وتدهوراً في جهازه التنفسي. وقد أُدخل المستشفى الأميري في « أبو ظبي »
بالأمارات العربية المتحدة ومكث فيها عدة أشهر حتى وافته المنية وذلك فى الرابع
عشر من شهر صفر سنة ١٤٠٤ هـ المصادف الثامن عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنة
١٩٨٣ م عن عمر ناهز السبعين عاماً. وقد نقل جثمانه الى العراق ودفن في مدينة النجف
الأشرف.
وكان لنبأ وفاته وقع اليم وأثر عميق في
نفوس العلماء والادباء في العالم الاسلامي. فقد تقاطرت من كل حدب وصوب كلمات
التأبين واشعار الرثاء التي
__________________
راحت تردد مناقب
الفقيد وتشيد بمآثره الخالدة وما قدّمه من أعمال جليلة في خدمة الدين الاسلامي
ومذهب أهل البيت :
.
ومن هذه الكلمات كلمة السيد حسين الصدر
الذي قال في تأبينه : « لقد انطوت شخصيته الفذة على أبعاد شامخة من العلم والعبادة
، والخشوع والزهادة والذود عن العقيدة والرسالة ، بلآليء البيان ، وكنوز البلاغة ،
وباهر الألوان ، ورائق الافكار والمفاهيم ، ونقي المشاعر والعواطف ... ومن هنا
كانت وفاته خسارة فادحة ، التاعت لها القلوب ، واهتزت لها الاعماق ، فسلام عليه في
الخالدين
... ».
كما ونعته المحطة العربية بالاذاعة
البريطانية على لسان الأديب حسن سعيد الكرمي الذي قال راثياً : « كانت ـ وفاة
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ـ عندي بمقام الكارثة لما عهدت فيه من خلال اشعاره من
ايمان وعقيدة ورسوخ قدم بالادب والشعر والبلاغة ، وكنت قبل مدّة عازماً على ذكره
بمناسبة الكلام عن الشعر والشعراء واصحاب الملحمات ، وقد عاجلني القدر اليه ولا
حول ولا قوة الاّ بالله ، وكنت ايضاً عازماً على زيارة الخليج وعقدت النية على
زيارة المرحوم وهو ممن يزار وتشد اليه الرحال وعاجلني القدر اليه في هذا ايضاً ... ».
وقد أرّخ الشاعر الشيخ عبد الغفار
الأنصاري وفاة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي بمقطوعتين شعريتين ، الأولى :
قد قلت ( عبد المنعم ) المتقي
|
|
هـو الزكي الزاهـد الخيّـرُ
|
لقد جـزاه الله خيـر الجـزا
|
|
مع النبـي المصطفى يُحشـر
|
__________________
وآلـه الأطهـار أهـل العبا
|
|
مَن كــان في مدحهم يشعـر
|
في جنة الخلد لـه أرخـوا :
|
|
( بها المنى شرابه الكوثر )
|
٨ + ١٣١ + ٥٠٨ + ٧٥٧
= ١٤٠٤ هـ
والثانية :
لم يمض ( عبد المنعــم ) المتقي
|
|
وخِـدْنُ علمِ اللهِ في رحمهـا
|
وسـاد بالآداب فـي عصـره
|
|
مـن عجمها طُراً ومن عربهـا
|
وأمـة الخـيـر لـه سجلـت
|
|
أعمـاله بـالتبر فـي كتبها
|
وفي ( الجهات الست ) تأريخـه
|
|
( تراثه العلمي باقٍ بهـا )
|
٦+ ١١٠٦ + ١٨١ + ١٠٣ + ٨
= ١٤٠٤ هـ
رحم الله الفرطوسي الشاعر الولائي الذي
ولد على الولاء ومات ولم يزل لسانه يلهج بذكر العترة الطاهرة ، وقلبه ينبض بحب اهل
البيت :. حشره الله
معهم بشهادة قوله :
ولدت على الولاء وسوف اطوى
|
|
واُنشر فهـو بدئـي والختام
|
__________________
الباب الثالث
الشـعـر
الفَصْلُ الأَوَّلُ
شعر الفرطوسي وشاعريته
شاعرية الفرطوسي :
الشعر عند الفرطوسي طبيعة وسجية لا تكلف
وصنعة. فهو لا يمارس النظم بل يجري النظم على لسانه بصورة عفوية وتلقائية حين
تنطلق قريحته الوقادة لتصور المشاعر والأحاسيس والأخيلة التي لا تلتقط الاّ بعدسة
الشاعر الفنية. فالشاعر كما يراه الفرطوسي : « مصور الخواطر النفسية الذي يلتقط
الصور المعنوية من حياة المجتمع بريشة ذهنه المتوقد وخياله العبقري وإنّ الاضمامات
المتنوعة التي يعرضها في حقله الشعري ليست هي الاّ تلك الصور الاجتماعية التي
انتزعها من صميم المجتمع عندما تغلغل في أعماقه فوقف على آماله وآلامه ونعيمه
وشقائه وهواجسه وخواطره
».
وإذا كان الشاعر يرى مالا يراه الناس أو
بعبارة اخرى ينظر الى أسرار الأشياء لا الى الأشياء ذاتها ، فهذا يعني أنّ طبيعة
الشاعر تختلف اختلافاً واضحاً عن طبائع الناس بسبب قدارته المتميزة ، وخياله الخصب
، واستعداده الفطري ، ومواهبه الشعورية الفذة.
ومن الطبيعي أن تكون هذه العوامل أساساً
لبلورة الشاعرية الاّ انّها غير قادرة بحد ذاتها على ترجمة الصور والاخيلة الى
ألفاظ شعرية مالم تتوفر لدى
__________________
الشاعر آليّة بيانية
تساعده على نقل الأفكار من عالم الذهن الى عالم اللفظ والكلمة. وإذا كانت العوامل
السابقة حصيلة مواهب فطرية بحتة فانّ الآلية البيانية لا تحصل الاّ بصورة اكتسابية
ومن خلال الثقافة الواعية والأحتكاك الدائم والمستمر بطبقات الأدباء والشعراء.
وقد تحققت هذه العوامل عند الفرطوسي
بنبوغه الشعري المبكر ، ونشأته الأدبية في بيئة النجف الشعرية ، واتصاله الحثيث
بمشاهير الشعراء وأعلام الفكر والأدب ، ومطالعاته ودراساته في حقول الشعر والأدب.
ولا يخفى ما لبيئة النجف الأدبية من أثر
كبير في تكوين شاعرية الفرطوسي تلك البيئة التي خرّجت ولا تزال الفطاحل من الشعراء
والنوابغ من الأدباء والمفكرين ممن تزخر العربية ببنات أفكارهم ونتاج عقولهم
وآثارهم.
وفي ظل هذه الظروف ترعرعت شاعرية
الفرطوسي ، وأخذت طريقها الى السمو والتألق ، وأخذ صوت الشاعر يجلجل في كل حفل
ومناسبة ، يطرب الأسماع بروائع انشوداته ، ويملأ النفس بجلائل أفكاره وآرائه. حتى
أصبح في المجتمع الأدبي « الشاعر المبدع الذي تهتز المنابر لموقفه وتنطلق الحناجر
بالاستحسان والاستعادة ، في المحافل لروعة شعره الذي كان يتميز بالابداع ، في
اللفتة واللمحة والكلمة ، والعمق والوضوح .. وكان إلقاؤه المميّز يدفع بالجماهير
ألى أن تفهم معنى شعره ، من خلال نبرات صوته ، ونبضات ملامحه وتعابير وجهه .. وبذلك
كانت هناك علاقة حبّ وتفاعل بينه وبين جمهوره
».
وهكذا أخذ الشاعر مكانته في الأوساط
الأدبية ، واحتل منزلة شامخة ومرموقة بين المشاهير من شعراء وادباء عصره. فكانت
المحافل الأدبية.
__________________
والمهرجانات الشعرية
تعج بالوافدين لسماع قصائده والتزود من معين أدبه. ويكفيه منزلة أنّه أنشد ذات يوم
قصيدة في محضر الامام محمد الحسين آل كاشف الغطاء فآلى الامام على نفسه أن لا يسمعها
الاّ وهو واقف تكريماً لقوتها ومتانة اسلوبها ، والشيخ الامام أعرف الناس بالشعر
وأخبرهم بقيمته .
وعن شاعرية الشيخ عبد المنعم يتحدث
الأديب علي الخاقاني عن بعض جوانبها ويقول : « الفرطوسي في شعره لا يحتاج الى ثناء
كثير فقد حاز على اعجاب كل من سمعه وما أكثر من سمعه ، فقد نحا فيه منا حي قربت
الى الواقع ، وعالجت كثيراً من المشاكل الأجتماعية التي ينشدها كل مصلح تسرب حب
وطنه له فشعر بضرورة الاصلاح ، وشاعريته ينبوعاً ثراً ومعيناً لم يعتره النضوب ولا
أحس بعطل في الانتاج. قوي اللفظ جزله ، مليح المعنى رقيقة ، حسن السبك والايقاع ، قد
تخللت عناصر الحياة فيه فأوجدت منه نغماً ملذاً ، ونبضاً حياً ، ومشاعر حساسة
مشفوعة بحسن العرض والمران وقد طرق فيه كثيراً من الأنواع والفنون ».
والمطالع لديوان الفرطوسي يقف عند روائع
وغرر تفصح عن شاعرية فذة ، ومنزلة أدبية رفيعة تدل على نضج في التفكير ، وسلامة في
الرأي ، وقوة في الأداء ، وانتقاء مميز للّفظ ، وسمو للقصد رصين.
ولكي تظهر شاعرية الفرطوسي واضحة
المعالم ناصعة الشكل والصورة كان لابد من دراسة الموارد التالية من شعره :
__________________
اولاً : البدايات
يقول الفرطوسي في هذا الخصوص : « أول
نظمي قطعات من الشعر في الحب والروض موشحة وغير موشحة ، منها :
سلمى الى الشاطي معي
|
|
فيـه تروق لنـا الحياة
|
حيث الطبيعة أودعـت
|
|
أسرارها بين النبـات
|
لنعـش مـا بين الحقول
في رغدة العيش الجميل
* * *
شـفّ قلبـي الشغـف
|
|
إدركيـه لقــد تلـف
|
لـك أشكو مـن الهوى
|
|
فخذي منك لي النصف
|
لـك قلبـي نصبتــه
|
|
في سبيل الهوى هـدف
|
***
كل صبـري لـم يكـن
|
|
في بحر حبي غير قطره
|
ويح قلبـي مـن معنى
|
|
قـابـل الطـود بـذره
|
***
ها هي الشمس عن الكون توارت
|
|
في الجبال
|
من وراء الأفق الصافي تراءت
|
|
كالخيـال
|
***
فانظري كيف استحالت لشحوب
|
|
واصفـرار
|
وانظري كيف كساها الليل ثوب
|
|
الاستتــار
|
وانظري كيف تلاشى بعدها ضوء
|
|
ضوء النهار
|
هكذا كالنور تفنى
كل أحلامك لبنى
فخذي حظك من دنياك قبل الارتحال
وهكذا كانت بدايات الشاعر. أشعار عاطفية
وأبيات في الوجد والحب تفصح عن شعور صادق ، أحاسيس جياشة تبثها نفس الشاعر الشاب
في فترة هي من أجمل فترات العمر المفعمة بالحركة والنشاط والحيوية.
وبدأ الوعي الفكري ينمو في شعور الشاعر
، وأخذت الأفكار تستحوذ على أدبه ، فبدأ ينظم قصائد رصينة المعنى ، محكمة البناء ،
قويمة المحتوى والمضمون وهو في سن التاسعة عشرة من عمره. وتستوقفنا أربع قصائد
نظمها الشاعر في هذه السن ، الاولى : قصيدة « التقاليد » التي قال في مطلعها :
تقـاليدٌ تجرّ لك الشجـونا
|
|
واوضاع تجرعك المنونا
|
وقد نقد الشاعر في هذه القصيدة التقاليد
السقيمة التي كانت تجور على نظم الاصلاح الدينية والاجتماعية وتحول دون تقدم
المجتمع ورقيّه.
أمّا القصيدة الثانية فهي قصيدة « وادي
السلام » ، وفيها وصف رائع ودقيق لمقبرة النجف الشهيرة. وتعد هذه القصيدة من أروع
قصائد الشاعر التي قالها وهو في هذه السن لما تحمل من أوصاف رائعة وأفكار فلسفية
تفصح عن نضج فكري مبكر تمتع به الشاعر ولما يزل في نضارة العمر. ومن أبيات هذه
القصيدة :
__________________
على الذكوت البيض من جانب الوادي
|
|
قفا ساعةً واستنطقا الأثَـر البادي
|
فكم فيـه معنىً لا يفي ببيانـه
|
|
لسان فصيح أو يراعةُ نُقّـاد
|
وكم عبرة خرسا بها نطـق البلى
|
|
فأفصح تبياناً على غير معتاد
|
الى
ان يقول :
فيا صفحة الوادي وأنت سجله
|
|
أتدرين كم مرّت قرون على الوادي
|
وكم قد تلاشت في ثراه مفـارق
|
|
وكم طويت فيه أكاليـل أسيـاد
|
وكم صولجـان قد تداعـى كيانه
|
|
بـه وعروش دكها الزمـن العادي
|
ورب لسـان مفصـح عاد أخرساً
|
|
وخانتــهُ للتعبيـر قـوّة ايجـاد
|
وكان محالاً عنده الصمت فاغتدى
|
|
لسلطانه الجبـار أطوع منقــاد
|
فهل طويت منه الفصاحة في الثرى
|
|
وهل أخمدت في أثرها روعة النادي
|
والقصيدة الثالثة قصيدة « العقل » وهي
كسابقتها من حيث متانة الأفكار ، وقوة المعاني والمضامين. يقول الشاعر في بعض
أبياته :
وازِن بعقلك فـالحجى ميـزان
|
|
وزنـت به عـرفانهـا الأذهـان
|
وانهج علـى منهاجه كيما ترى
|
|
حججـاً عليها ينهض الـوجدان
|
فيه فلاسفـةُ الوجود تمكنـوا
|
|
مـن حـد مالا يـدركُ الأنسان
|
عرفـوا بـه كنه الأثير فحللوا
|
|
ذّراتـه فـي ذاتهـا وأبـانـوا
|
واستخرجـوا روح النبات وماله
|
|
من جـوهر ينمـو بـه الحيوان
|
حتى أرونـا للـذوات حقائقـاً
|
|
كشف الغطا عن نورها البرهان
|
__________________
أمّا القصيدة الرابعة فهي بعنوان « بلبل
الروض » وقد بث فيها الشاعر حسراته على أيام الطفولة التي كان ينعم بهنائها
وصفائها مبتعداً عن الأحزان والآلام :
والهفتـاهُ على عصر مضى هدراً
|
|
عصر الطفولة أنـت اليوم مفقود
|
اذ كنـت فيك عن الآلام مبتعداً
|
|
واليوم قلبـي من الآلام محشـود
|
فلا أرى سولة لـي عنك تنعشنى
|
|
وكيف يسلو معنّىً وهو معمود
|
وأول قصيدة بدأ يسطع نجم الشاعر من
أفقها هي قصيدة « الحقيقة » التي نظمها عام ١٩٣٨ م ، وألقاها في الحفلة التي عقدها
السيد محمد رضا الصافي
في بيته احتفاءً بزفاف الأديب السيد محمد علي البلاغي صاحب مجلة الاعتدال. وقد
نالت تشجيعاً أدبياً قيماً في حفل محتشد برجال العلم والادب. وفي القصيدة اشارة
الى مواطن التخلف والجهل التي شقي بها الشرق ، ودعوة الى النهوض واليقظة لمسايرة
ركب المدنية والحضارة :
أما آن عن وجه الحقيقة ينجاب
|
|
سجاف عليها قـد أذيل وجلباب
|
ألا ينجلي هذا الظلامُ بـمشعلٍ
|
|
لتهدى عقـول تائهاتٌ وألبـاب
|
الى كم بهذا الجهل تشقى عقولنا
|
|
ويخدعنا مـن خلّب الغي جذاب
|
وحتامَ نبقـى والقشور نـصيبنا
|
|
وقد اوصدت فوق الحقيقة أبواب
|
لقد ضللت تلك العقول فلم تجد
|
|
سناً تهتدي فيـه اذا هـي تنتاب
|
__________________
وكيف ترى نهج الحقيقة والهدى
|
|
وقد جللتـه للأضاليـل أثواب
|
وحتى متى تنجو من الجهل أمة
|
|
بها علقت من آفة الجهل أنياب
|
أما عن طريقة النظم التي تَميّز بها
الشاعر عن سائر شعراء عصره ، فيقول عنها : « نظمت الشعر في العقد الثاني من عمري ،
وطريقتي في نظم الشعر نادرة إذ اني أنظم القصيدة الطويلة على لوحة خاطري وتبقى
أياماً مرتسمة في حافظتي ثم اكبتها واصلح ما يلزم إصلاحه منها. وبسبب هذه المنحة
التي منّ بها المنعم أصبح من السهل على إلقاء قصائدي في الاحتفالات بدون ورق شبه
المرتجل وإعادة مواردها مراراً من أي موضع يطلبه المستعيد وإن كنت في آخر القصيدة
كأنها مرسومة في ورقة أمام ناظري
».
__________________
ثانياً : المؤثرات
لا يخفى أنّ الشاعر بحكم احساسه المرهف
وروحه الرقيقة يتأثر بعوامل عديدة تنعكس على عواطفه وخواطره وتلقي بظلالها على
شعره وأدبه. وتشكل هذه العوامل الحدر الاساس في بناء أدب الشاعر وتكوين هيكليته
وأساسه. والشيخ الفرطوسي وهو الشاعر الذي حمل بين حنايا ضلوعه قلباً حساساً وروحاً
شاعرة وعاطفة ثائرة كان لا بد ان يتأثر بالعوامل المحيطة به وأن يعكسها على مرآة
شعره وأدبه. ومن هذه العوامل :
١ ـ المحيط* :
لا شك أنّ للمحيط الأثر الأكبر في بلورة
شاعرية الشاعر وتحديد معالم أدبه وشعره. وكما قال الفرطوسي : « إنّ للمحيط الذي
يتشبع ذهن الانسان بخواطره وتملأ عينه بمناظره. والحياة التي يعيش في رغد نعيمها
أو نكد جحيمها. والنكبات التي تفاجئه بها الحوادت فيتلقاها بالثبات او يستسلم
لسلطانها. والاتجاهات العاطفية التي تسير بالنفس الى شواطيء رغباتها. كل هذه
العوامل لها أثر واقعي في توجيه أدب الشاعر وتكييفه لان الأدب موهبة من مواهب
النفس ، والنفس تتأثر بهذه الدواعي فلابد وأن يظهر لونها على الأدب ».
ولون الأدب عند الفرطوسي هو لون الحزن
والألم بل قل لون العذاب
__________________
والشقاء فقلما أحس
الشاعر ساعة هناء أو استساغ فمه طعم نعيم خلال العقود السبعة التي عاشها وما
أصعبها من عقود. وعن أسباب هذا الحزن يقول الشاعر : « أعيش في زوايا مظلمة من بيت
قديم متداعي لا تجد الشمس فيه مدخلاً سهلاً لأشعتها ومتى ضاقت النفس من سجن هذا
القفص وطلبت التمتع بالفضاء الرحب والنسيم الطلق ذهبت الى « وادي السلام » وماذا
بالوادي غير قبور بالية ومناظر حزينة باكية تستعرضها فتمر في ذهنك ذكريات عشرات من
القرون الغابرة طويت أجيالها في صفحاتها ويهيمن على نفسك وأنت تستطلع الطريق بين
أرمالها سكون ذلك الوادي الرهيب وروعته وجلاله. كما أني أرتاد في كل عام بعض
المناطق القروية وهي طافحة بصور الفقر والبأساء متحشدة بمناظر الحزن والألم فتطبع
في القروية وهي طافحة بصور الفقر والبأساء محتشدة بمناظر الحزن والألم فتطبع في
نفسي من هذه وتلك ألوان من الصور الكئيبة وتحز في قلبي مدى من آلامها ».
ويستشف من شعر الفرطوسي الكثير الكثير
من ضروب البؤس والشقاء التي تقاطرت على الشاعر من كل حدب وصوب وبحلقات متسلسلة
ومتواصلة :
حياتُك واليـأس صُنوٌ لها
|
|
ومنها الـرّدى فَرقاً يفزع
|
حياة الجحيم علـى ما بها
|
|
الـى جنبها رغـدٌ ممتع
|
حيـاةٌ ترقُ لها الحادثات
|
|
ويرثـي لها الألم الموجع
|
عجبـت لقلبك يحيى بها
|
|
وفي كلّ آن لـه مصرع
|
حياتُك يا منبعَ العاطفات
|
|
ضروبُ الشقـاء بها تنبع
|
له ألفُ مطلع حزن يُرى
|
|
ومـا للسرور بهـا مطلع
|
وأنت على ما بها من عناً
|
|
يقض له الجنب والمضجع
|
أراك ولـوعـاً بـآلامها
|
|
فرفقاً بنفسك يـا مولـع
|
__________________
فهـل عندك الألـم الموجع
|
|
هو الأملُ الباسم الممرع
|
وقصيدة « قلبي » التي نظمها الشاعر عام
١٩٥٢ م تصور وبكل وضوح وشفافية حياة البؤس والنكد التي واكبت مسيرة الشاعر في
مختلف أدوار حياته :
قلبي لمستك جمرة في أضلعـي
|
|
صعّدتها لفمـي فكانت مطلعي
|
ولمحت نورك موجة في ناظري
|
|
طفحت فسالت في شقائق أدمعي
|
ولقد عهدتك بلبلاً يهفـو على
|
|
نغم بقيثار الشعـور مــوقـع
|
يهتز للألم الحزيـن كـأنـه
|
|
أمـلٌ يسـامره بـلحن ممتع
|
ويطيـر من اُفق خصيب كيفما
|
|
يهـوى الى افـق خصيب المرتع
|
وأراك في افق الخيال وقد دجا
|
|
شبحـاً ضئيلاً هامـداً في بلقع
|
فعلمت انك من جمـودك جثة
|
|
اضحى لها قفص هامداً كمصرع
|
واضافة الى القصيدة ذاتها فأنّ تعبير
الشاعر في مقدمة القصيدة يفصح عن عمق الحزن الذي تخلل قلب الشاعر ولم يترك فيه
فسحة للنعيم والهناء :
« غارس يزرع الأمل ويحصد الألم ، حقل
ينبت الورد ويجتني الشوك. جدول يروي الظماء من معين الحياة ويموت ملتهباً ظامئاً.
بلبل سجين في قفص مظلم يطرب السامع من الحانه الكئيبة وهو باك حزين. روح يوحي
السعادة ويعيش بشقاء. هذا هو قلبي فأين السعادة والنعيم من هذا الشقي المعذب ».
ولم يحن لمسلسل البؤس ان ينتهي. فقد نكب
الشاعر بحشد من النوائب وافواج من المصائب بددت أعز أفراد أسرته ، وأجهزت على خيرة
أهله وأحبائه.
__________________
ففي عام ١٣٦١ هـ نكب
الشاعر بمصرع أخيه الشاب « جبار » إثر عملية جراحية فاشلة. ولم تمض سنة حتى نعي
بوفاة ولده « عبدالرزاق » وذلك عام ١٣٦٢ هـ وما هي الاّ سنوات ويفقد الشاعر طفله «
علي » عندما كان يمرح مع أترابه في ملعب الطفولة. ثم يأتي عام ١٣٧٢ هـ ليفجعه
بأخيه الأكبر الشيخ عبدالزهراء.
وعلى الرغم من كل ما قاسى الشاعر من
مصاعب وآلام ، وما تحمل من شقاء وعذاب ، فانه بقي صلب العود ، قوي الايمان ، راضياً
بقضاء الله ، غير قانط من رحمته ، متحلياً بالصبر في كل حال من احواله :
لقد شهد الـدهر المحددُ نابـهُ
|
|
علي بأني قـد أبنت به الكسرا
|
وما أنكرت مني الصروف صلابة
|
|
تعودتها مـا اقبلت زمراً تترى
|
وكنت اذا جازت مساحة اصبع
|
|
إلي صروف الدهر جاوزتها شبرا
|
تتـوق لانغام الخطوب صبابـة
|
|
وتهتز نفسي مـن تقاطيعها بشرا
|
وتنعـم عينـي بالظلام كـأنما
|
|
سواد الدجى كحل لمقلتها العبرى
|
تأملت في هذي الحياة فلم أجد
|
|
بها لي الاّ مسلكاً مـوحشاً وعرا
|
كأن خطوب الدهر آلت وأقسمت
|
|
على نفسها أن ترغم الفطن الحرا
|
رضيً بقضاء الله إن كان قد قضى
|
|
علي بأن اشقى وطوعاً لما اجرى
|
وصبـراً يـراعَ الحـر انّك مثلُهُ
|
|
غريب فلا تستعظم الخطب والأمرا
|
تروم بـأن تحيا مـن الدهر مطلقاً
|
|
ويحكم إلاّ أن تموت بـه أسرا
|
ولا ننسى ونحن نستعرض ألوان الشقاء التي
اصطبغت بها حياة الشاعر أن نذكر نكبته ببصره حيث حرم النور ولما يبلغ الخمسين من
عمره. وقد كان وقع هذا الخطب على نفسه عظيماً حيث أثار لواعج احزانه وجدد قديم
آلامه وأشجانه.
__________________
ومن أليم قوله في هذا الشأن : « أفق
حزين أطبقت عليه ظلمة اليأس وهو منبع النور والأمل يقتات من بقايا الصور الخيالية
المرتسمة على مرآة الذهن فهو مصباحه ، ويستاف من زفرات قلبه المحترقة عبيره
ونفحاته ، فهو حقله ومجمره. ويستمد من وعي الروح المنطلق قوته ونشاطه فهو حياته
يحدق في النجم فلا يرى غير الضئيل من شعاعه ويرمق الزهرة فلا يدرك سوى اللون
الواضح من جمالها يرنو للوجه الحسن فلا يحس بغيرالروعة البارزة من قسماته. هذا هو
بصري وهذه صور من الألم أرسمها على صفحات هذا اللوح الكئيب :
ربيعَ العمر والآمـال تـجلـى
|
|
وأنت الخصب قد أجدبت محـلا
|
ويا أفـق الحياة ظلمت نـجما
|
|
أشـاب اليأس مـن عينيه طفلا
|
أهـذا الجـو للغربان مـلـك
|
|
فحيـث تحل منـه لهـا أحـلا
|
وأقفاص البـلابل وهـي تشدو
|
|
لها قـد أصبحت سجناً وغـلا
|
أحـدق بالنجوم دجـى فتخفى
|
|
علـى طرف بداج الاُفق ضلا
|
كـأن الليل مدّ عليـه سجفـاً
|
|
وألقـاه عـلى عينـي ظـلا
|
فـلا نجـم يلوح ولا شعـاع
|
|
لعيـن بـافتقـاد النـور ثكلـى
|
أرى الوجـه الجميـل ولا أراه
|
|
وأسلوه وكيف الـحسن يُسلـى
|
وأمتـع بالشذى الفياح شـوقاً
|
|
الى النفحـات حين أرود حقـلا
|
وألـمس ورده بيـديّ لمــا
|
|
حُرمت جماله لوناً وشكلا »
|
ومن
هنا أصبح لون الحزن والألم مميزاً في شعر الفرطوسي يتجلى في معظم نظمه ويشيع في أغلب
قصائده. ولا غرو في ذلك فمن يمّر بمثل ما مّر به الفرطوسي ، ويتجرع الغصص التي
تجرعها لحقيق بأن تظهر عليه آثار الحزن ومظاهر الألم.
__________________
٢ ـ العقيدة :
للعقيدة الدينية مكانتها الخاصة في شعر
الفرطوسي. فقد اهتم الشاعر في منهجه الأدبي بالجانب العقائدي اهتماماً كبيراً هيمن
على جلّ نتاجه الشعري. ويشكل هذا الأهتمام اتجاهاً واضحاً في مسيرة الشاعر. فقد
دأب الشيخ في الألتزام وحرص على توظيف أدبه في خدمة الدين ونشر الثقافة الاسلامية
المتمثلة بمبادىء الرسالة المحمدية ، ومعارف أهل البيت :.
ومن المعروف أنّ التزام الشيخ الفرطوسي
هو التزام ديني قبل ان يكون التزاماً أدبياً. فقد عرف الشيخ في الأوساط الدينية بـ
« الانسان التقي الذي تعيش التقوى في كل مواقع حياته وفي كل دوائر علاقاته .. وفي
حسن العبادة وخشوعها وابتهالها ، وفي كل آفاق الالتزام الديني الذي يجعله يحتاط
فيه ، ويحتاط له حتى يشتدد على نفسه ليتأكد انّه قد أدّى واجبه امام الله بشكل
كامل غير منقوص
».
ويبرز الالتزام العقائدي عند الشاعر
اكثر فأكثر حين ينظم قصائد المديح والرثاء في النبي ـ 9 ـ وأهل بيته :. وقد اكثر الشاعر النظم في هذا المجال
حتى شمل ثلث ديوانه ، هذا بالاضافة الى موسوعته الشعرية الكبرى ـ ملحمة أهل البيت : ـ التي تجاوزت الأربعين ألف بيت.
ومرجع هذا التفاني في احياء الفكر
الاسلامي ونشر معارف أهل البيت :
انما يعود الى التربية الاسلامية التي نشأ عليها الشاعر وتربى في احضانها وترعرع
في ظلها الوارف.
وتتجسد العقيدة الدينية في شعر الفرطوسي
من خلال رؤيته الواضحة
__________________
ومعرفته الدقيقة
للدين الاسلامي. فهو من هذا المنظار يعرف جيداً كيف يلقي الضوء على العقائد
الاسلامية ، ويصورها في شعره من الزاوية التي يجب أن تصور وفي الاتجاه الصحيح
والسليم.
ومن مميزات الصورة التي يرسمها الشاعر
في شعره العقائدي انّه عندما يتناول موضوعاً في هذا المجال يمهد له في باديء الأمر
بمقدمات تكون ضرورية في الغالب لبسط الموضوع ودرك فحواه. وبعد أن يستوفي الغرض في
المقدمات يعرج على ذكر البراهين والحجج التي يمكن عن طريقها التوصل الى الحقيقة
المنشودة ، والغاية التي من اجلها أنشد قصيده. وفي مثل هذه المواضع يكثر الشاعر من
ايراد الشواهد والأمثلة التي من شأنها أن تساعد على استيعاب الموضوع بأسهل صورة
ممكنة.
فمثلاً عندما يتناول الشاعر موضوع ولاية
الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7
، يذكر في البداية مقدمات في مناقب الامام وفضله وكذلك مواقفه 7 التي حفظت للدين الاسلامي عزته وكرامته
:
لك بالامامة واضحات دلائـل
|
|
بنهارها يُمحى ظـلام الباطل
|
كالسيف تشهر وهي أعظم سطوة
|
|
فـي وجه كل معانـد ومجادل
|
يـا واحدَ الدنيـا المخّلدَ ذكـرُه
|
|
بخلائـق قـدسيَّـةٍ وشمـائـل
|
خلّـدت للاسلام مـجداً باذخـاً
|
|
يربو علـى افق السما المتطاول
|
وأشدت للـدين الحنيف منـازلاً
|
|
لولا حسامُك لم تكن بأواهـل
|
وبنور نهجك وهـو منبع حكمة
|
|
متـدفـق اوضحت ايَّ مشاكل
|
أوردتنـا فيـه نميـراً صافيـاً
|
|
يمنـى لخير مـوارد ومنـاهل
|
أحكمته بقـواعـد حكميـة
|
|
كفلت بيان اصول كـل مسائل
|
تقف العقولُ أمـامه مسحورة
|
|
ببيانـه وبنسقـه المتـواصل
|
انـت المحيطُ معـارفاً لكنما
|
|
لم تحوِ غيرَ جواهر وفضائل
|
ومن ثم ينتقل الشاعر الى اثبات ولاية
الامام 7 بالحجج
القاطعة والبراهين الساطعة مستشهداً بأحاديث الرسول 9
في هذا الخصوص :
عيد الغديـر وأنت أعظم شاهد
|
|
بانت به للحق خيرُ دلائـل
|
يـومٌ بـه قـام النبـيّ مبلغـاً
|
|
من ربّه نصّ البلاغ النـازل
|
والناس بعضهـم غدا متواصلاً
|
|
بالبعض في حشد عظيم حافل
|
نـادى بهم والحـق يشهد انّـه
|
|
لولا الحقيقة لم يكـن بالقائل
|
مـن كنـت مولاه فهذا حيدر
|
|
مولاهُ بـالنص الجلـيّ الكامل
|
هذا اميرُ المـؤمنينَ اميرُكـم
|
|
وخليفتي فيكـم بقول شامل
|
لكنما غشيت عمـيً وضلالة
|
|
تلك البصائـر بالضلال الحائل
|
نبذوا الكتاب وراءهم وتنكبوا
|
|
عن منهج الحق الصريح الفاصل
|
عدلوا عـن الحبل المتين غواية
|
|
وتمسكوا مـن غيّهم بحبـائل
|
ويواصل الشعر ردّه على شبهات المعاندين
بكثير من المناقب والفضائل التي خص بها الامام دون غيره من الصحابة والتابعين :
قـل للمعاند قـد ضللت جهالة
|
|
سفهاً لعقلك من عنود جاهـل
|
أعماك غيك أن ترى نور الهدى
|
|
فتسير في نهج البصير العـاقل
|
أمن العدالـة أن يؤخـرَ سابقٌ
|
|
ويقدَم المفضـولُ دون الفاضل
|
هذي فضائلـه وذي آثـاره
|
|
سطعت بـآفاق الهدى كمشاعل
|
فتصفح التـأريخ فهي بـوجهه
|
|
غرر صبـاح نظّمت كسلاسل
|
ينبئـك من واسى الـنبيّ محمداً
|
|
بمواقف مشهـورة وغـوائـل
|
وفداه عنـد مبيتـه بفـراشـه
|
|
في نفسه فـوقاه شـر البـاطل
|
ومن الذي اردى الـوليد وشيبـة
|
|
في يوم بدر بالحمـام العـاجل
|
وبيـوم احد من طغت عزمـاتـه
|
|
فرست جبالاً في الزحـام الهائل
|
من فرق الأحزاب حيـن تجمعت
|
|
فرقـاً وما في القوم غيـر الناكل
|
ورمى على وجـه الثرى اصنامها
|
|
لما رقى من فوق أشـرف كاهل
|
وبكفـه حصن اليهود قد اغتـدى
|
|
متلاطماً كالموج فـوق الساحل
|
ومـن الذي ردت له شمس الضحى
|
|
لما أشـار لها ارجعي فـي بابل
|
وفضائل ليست تعد و« هـل اتى »
|
|
و« النجم » و« النبأ العظيم » دلائلي
|
عميت عيون لا ترى شمس الضحـى
|
|
عنـد استقامة كلِ ظل مـائـل
|
عيـد الغـدير وأنت اكرم وافـد
|
|
وافى من البشريـة بخير رسائـل
|
عيـد به الاسلام اضحى حافـلاً
|
|
فرحـاً بتتـويج الامام العـادل
|
عيـدٌ بـه شمس الحقيقة أشـرقت
|
|
والحق اطلق من شبـاك الباطـل
|
ما جـادت الدنيـا لنا في مثلـه
|
|
أبداً ولا تـأتي لـه بممـاثـل
|
حقّـاً يُخلَّـد ذكرهُ وعــلاؤهُ
|
|
وبه يُخلَّـد ما تخط أنـاملي
|
وعلى هذا النحو تتمثل العقيدة الاسلامية
في شعر الفرطوسي بأوضح صورها وأتم معالمها ، مما لا تدع مجالاً للشك في اخلاص
الشاعر تجاه دينه ومعتقده الذي حرص على أدائه بأكمل ما يمكن من وجوه الدقة
والكمال.
__________________
٣ ـ التاريخ :
لم يغفل الشيخ الفرطوسي عن مكانة
التاريخ في التعبير الشعري ومدى تأثيره في حياة الناس. فقد استخدم الشاعر هذا
العامل المحفز للإشادة بأمجاد السلف وتذكار تراثهم العريق الحافل بالمفاخر
والبطولات ليستنهض همم أبناء جلدته ، ويثير في نفوسهم الحماس والحمية من أجل
الدفاع عن مبادئ الدين القويم ، والحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله.
وكثيراً ما أشاد الشاعر بالماضي القديم
ليستعيد من وهجه المضيء قبساً ينير درب المستقبل الذي اظلمته الحروب والويلات
وعكّرت صفوه النوائب والأزمات :
عزائم العرب ثوري وانضي فينـا
|
|
الى الوغـى وأعيدي مجـد ماضينا
|
ورفرفي يـا بنودَ الحـقِّ خافقةً
|
|
بالنصر واستقبلي دنيـا أمانينـا
|
قـد آن أن تملأ الدنيا عـزائمنا
|
|
ناراً مـوقـدة تُصلـي أعـادينا
|
فتلك أوطاننـا أضحت بها علناً
|
|
بشائـرُ النهضــة الـكبرى تحيّينـا
|
ثارت فلم يبق في دنيا الفخار فـمٌ
|
|
للعـرب إلاّ ولبّـاهـا تــلاحينـا
|
وطاف في الشرق صوت الحق فابتهجت
|
|
لـه النفـوسُ ولبّتــه مـواضينـا
|
واستنهـض المجد من أبناء نجدته
|
|
عزائمـاً بعثت روح الإبـا فينـا
|
ويلح الشاعر على تصفح التأريخ المجيد
ليقرأ في صحائفه الوضّاءة أمجاد أمّته الخالدة التي حققت النصر والغلبة تحت راية
الأسلام وبنصر من الله مؤزّر :
يا أمـة خانها في الشرق طالعهـا
|
|
فعاد فـي صفقة الخسران مغبونـا
|
سلي الحوادث عن تأريخ نهضتنـا
|
|
«واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا»
|
____________
كم نهضة فـي سبيل المجد خالدةٍ
|
|
جبـارة قـد أقامتهـا مواضينا
|
هاتيك « أندلس » للآن ما برحت
|
|
آثارنـا في ضـواحيها تنادينا
|
غـداة سرنا ونصر الله يصحبنا
|
|
ورايـة الحق والاسـلام تعلونا
|
« فما انثنينا ولا فلت عزائُمنا »
|
|
حتى فتحنا وأمست طوع أيدينا
|
وكيف نثنى ولـم يُرفع لنـا علمٌ
|
|
إلاّ وعاد بنصـر الله مقرونا
|
ولم يكتف الشاعر بتذكار الماضي البعيد ،
بل راح يشيد بأحداث قريبة العهد من مثل ثورة العشرين التي فجرها الشعب ضد المحتل
الأنجليزي في مطلع هذا القرن :
يـا ثورة العشـرين يوُمكِ غُرةٌ
|
|
في جبهة التـاريخ لا تتغيـر
|
ميلاد نجمك بين أحضان الضحى
|
|
والشمس مولدها الصباح المسفر
|
أفق الفرات ومهده قـد أنجبـا
|
|
فية وهـا هو بالارومة يفخـر
|
حملتـه وهو المجد بيـن ضلوعها
|
|
اُمٌ ولـودٌ كالعفـرنى تـزأر
|
حتـى اذا وضعته في لجج الدِما
|
|
كـرها وعـاصفة المنيـة تجأر
|
حضنته جارتُها وأضحت تـدعي
|
|
فيه وهـل تلـد العقيمُ وتثمر
|
وتفيـأت منـه الظلالَ وامّـه
|
|
تصلى برابعـة الهجير وتُصهر
|
واستثمـرته كأنما هـو غـرسةٌ
|
|
منها اجتناها الغارس المستثمر
|
وهكذا ينفذ التاريخ إلى شعر الفرطوسي
عبر أحداثه المتفاوتة وأزمانه المختلفة ليشكل منعطفاً هاماً وجزءاً كبيراً من نتاج
الشاعر وخاصة نتاجه في حقل السياسة والعمل الوطني.
__________________
ثالثاً : الخصائص
١ ـ التوظيف والألتزام :
لعل من أهم الخصائص التي امتاز بها
الشاعر الفرطوسي في منظوماته وأشعاره ، الهدفية والألتزام التي واكبت مسيرة شعره
اكثر من خمسة عقود. ونعني بالألتزام هنا ، الألتزام بمعنييه العام والخاص. فالاول
وهو أن يتناول الشاعر مشكلة اقتصادية أو سياسية تتصل بالهموم العامة للأنسان في
محاولة منه لمعالجتها وايجاد سبل لحلها من خلال المعيار الاجتماعي والفردي .
أمّا الألتزام بالمعنى الخاص فنقصد به
الأدب الذي جسّد الاسلام في حقيقته وتناول في أغراضه المختلفة سيرة ومعارف أهل
البيت : .
وفي كلا المعنيين نجد الفرطوسي يوظف
شعره في الاتجاهين المذكورين سواء الاتجاه الاجتماعي والسياسي أو الاتجاه الديني
المتمثل بنشر حقيقة الاسلام ومعارف وعلوم أهل البيت :.
ففي المعنى الاول يتجه الفرطوسي اتجاهاً
واضحاً لا غبار عليه محاولاً من خلاله معالجة قضايا المجتمع والأخذ بعين الاعتبار
سبل الأصلاح والتوعية. ولا تمضي سنة من عمر الشاعر إلاّ ونقرأ له شعراً في هذا
الخصوص. ففي سن التاسعة عشرة مثلاً ينظم الشاعر قصيدة « التقاليد » التي دعا فيها
أبناء جلدته الى اليقظة والنهوض من أجل الاصلاح والتعليم وخاصة تعليم الجنسين
وتربيتهما ترتبية صالحة وسليمة :
__________________
أفيقـوا يابنـي وطني عجالا
|
|
فما يجدي الـرقادُ النائمينـا
|
وهبّـوا فيه للاصـلاح كيما
|
|
نـراكـم للتمـدن ناهضينا
|
أليس ثقافـة الجنسين فرضاً
|
|
تقوم به الـرجال المصلحونا
|
وفي نور المعارف خير هادٍ
|
|
طريـق يقتفيـه السالـكونا
|
جمال الشعب يوماً أن نـراه
|
|
يسيـر الـى الثقافـة مستبينا
|
وان ثقـافة الأحـلام نـورٌ
|
|
به يُهدى الشبابُ الواثبونا
|
وفي سن العشرين ينشد قصيدة « غارس الورد
» التي أشار فيها الى مآسي الفلاحين وما يعانون من شظف في العيش وضيق في الحياة :
يا غارس الورد حاول أن تنسّقـه
|
|
في خير سلك من التنظيم مـوزون
|
ايّاك ايّاك أن تسعى بتفـرقة
|
|
بين الشقيقين من تلك الـريـاحين
|
فضمّ مـا عشت ورد الاقحوان الى
|
|
ورد الشقيـق خدود الخـرد العيـن
|
واشفق على النرجس الذاوي بجنبهما
|
|
انـي لأخشـى عليه ساعـة الهون
|
هذي الازاهير وهي الحسن أجمـعه
|
|
فيهـا تمتـع من حين الـى حيـن
|
وخلّ عنك أعاصـير الهـموم فقد
|
|
أفنيـت عمرك فـي تلك الميـادين
|
مـا أنصفت أممٌ جـبارةٌ غصبت
|
|
منـك الحياة بظلـم غيـر مسنون
|
هـل العدالـة تقضي أن تضـام بها
|
|
أم تلك حكمـة هـاتيك القوانين
|
وهكذا دواليك في باقي قصائده الاجتماعية
والسياسية الكثيرة من مثل « الحقيقة » و« فلسطين » ، و« الى الاغنياء » ، و« مآسي
الحرب » ، و« اليتيم » ، و« السعادة ». وهذه الأخيرة تعد من خيرة قصائد الشاعر
الاجتماعية التي تناول فيها الفوارق الكبيرة بين طبقتي الاغنياء والفقراء مصوراً
فيها حياة البؤس والشقاء
__________________
التي كان يحياها
معظم الناس دون الاقلية من الاغنياء.
هذا على الصعيد الأجتماعي والسياسي ، أمّا
على الصعيد الديني فقد اهتم الشاعر بهذا الجانب اهتماماً كبيراً بلغ فيه أن خصص
قسماً كبيراً من نتاجه الأدبي لهذا الغرض. فثلث ديوانه المكوّن من جزئين يختص بذكر
أهل البيت : ، وموسوعته
الشعرية الكبرى ـ ملحمة أهل البيت :
ـ التي جاوزت الأربعين الف بيت تندرج في الإطار ذاته. ولهذا عرف الشيخ الفرطوسي في
الأوساط الادبية والدينية بشاعر أهل البيت لغزارة شعره وكثرة نظمه فيهم :.
ومنشأ هذا الألتزام بشعر وأدب أهل البيت
: انّما يعود
الى التربية الاسلامية المبتنية على حب أهل البيت :
والتي ترعرع الشاعر في ظلها واستضاء بقبس نورها وضياء هدايتها. وقد عبر الشاعر عن
هذا الحب المتأصل في ذاته في مواقع كثيرة ، منها قوله:
على حبّكم يـا آل بيـت محمدٍ
|
|
ترعرعت في مهد الطُفولة ناشيا
|
وعندي من وحي الولاء عواطف
|
|
عـرفت بهـا حبّي لكم وولائيا
|
صهرت بها روحي هدى وعقيدة
|
|
وأفعمت بـالايمان منهـا فؤاديا
|
فؤادٌ بكم غالى هـوىً وصبابةً
|
|
فأصبـح فيكـم مغـرماً متفانيا
|
أغذيه عذباً من غـدير ولائكم
|
|
يعـب به عبـاً ويصدر ظـاميا
|
وأعجبُ من قلب يعب معينـه
|
|
ويصدر ريّاناً من الحب راويا
|
ومهما يكن من أمر فأن الشاعر من جهة حرص
كل الحرص على أن يوظف شعره وأدبه في خدمة المجتمع ليعالج من خلاله شؤونه
الاقتصادية والسياسية والثقافية. ومن جهة اخرى تبنى موقفاً دينياً واضحاً يهدف الى
خدمة الدين الاسلامي ونشر معارف أهل البيت :.
__________________
٢ ـ الواقعية
والموضوعية :
سيطر الواقع الاجتماعي والسياسي على شعر
الفرطوسي سيطرة بعثت فيه روح الاندفاع نحو الأصلاح والنهوض بوجه الأمر الواقع الذي
يفرضه المستعمر الغاشم بشتى حيله الاقتصادية والسياسية والثقافية. فكان الشاعر
يدرك هذا الواقع المر من خلال حسه الشعوري المرهف وتواجده الفاعل والمستمر في
الساحة. وكان مواظباً في تصويره للواقع الاجتماعي والسياسي مبتعداً عن حالة الغموض
والرمزية مستخدماً الطريقة المباشرة في التعبير ليتسنى لعامة الشعب فهم رسالته
واستيعابها بسهولة.
وكان الشاعر يعيش مع الأحداث ويواكب
مسيرتها خطوة بخطوة ، ويحاول الالتفات الى منعطفاتها الخطيرة التي تذهب بالأمة الى
هاوية الانزلاق والسقوط. فنلحظه مثلاً عندما نشبت الحرب العالمية الثانية يصرخ
مندداً بهذه الطامة العظمى التي أضرمتها نار الأحقاد والضغينة لتحيل نعمة الأرض
وخيرها نقمة وشقاءً :
إنّها الحـرب أضرمتها سعيراً
|
|
بلظاهـا الأحقـاد والبغضـاء
|
قد أشابت حتى الجمادات هولاً
|
|
وهــي بكـرٌ فتيّـةٌ عـذراء
|
تخذوها الـى المطامـع جسراً
|
|
كونتـه الأغـراض والأهـواء
|
ظلموا العـالَم الوديعَ اغتصاباً
|
|
ليفوزوا بهـا فخاب الـرجـاء
|
ألقحوها وهم شقـوا بلظاهـا
|
|
ويظنّـون أنّهــم سعــداء
|
كم أساؤا الـى الحضارة فيها
|
|
ليتهم أحسنوا كما قـد أساؤا
|
__________________
وما ان وضعت الحرب أوزارها حتى بدأ
التأزم الاقتصادي يتفاقم ، وبدأت المشاكل تتوالى الواحدة بعد الاُخرى ، وبدأ
الفساد يدب في المجتمع دون رادع ومانع. فعزّ على الشاعر أن يرى أبناء شعبه وهم
يتخبطون في البؤس والشقاء ، فأشاد بالاصلاح ودعا المصلحين إلى العمل من أجل خلاص
الشعب من ربقة العناء والألم :
رُحماك يا مصلح الأخلاق بالبشر
|
|
لم يبق فيه لقوس الصبر من وتـر
|
انّ الفضيلةَ لـم نبصر لها وضحاً
|
|
وهل تُحسُّ بلا عين ولا أثـر
|
ومنبتُ الخير قد غاضت منـابعهُ
|
|
وموقد الشر يطغى من لظى الشرر
|
والكون مجزرةٌ تبـدو لنـاظرها
|
|
مـن الضحايـا بها آلاف محتضر
|
ومعرض حاشد بالبؤس قد مثلت
|
|
به الفضائعُ أشكـالاً على صور
|
ضاعت مقاييس إصلاح منظمـة
|
|
لكـلّ وضـعٍ من الإفساد منتثر
|
فأختلّ منّـا نظـامُ الاجتماعِ لها
|
|
حتـى بدا فيه نقصٌ غيرُ مستتر
|
وأُبعـد النبلُ عـن قوم به عرفوا
|
|
وقرّبـوا بعد عـرف الحق للنكر
|
وكل شيء على عكس المرام بدا
|
|
مشـوه الشكل بعـد المنظر النضر
|
ولا نحسّ لهـذا النقص من سببٍ
|
|
سوى اختلال نظام العالم البشري
|
ولم تقتصر نداءات الشاعر ومناشداته
الاصلاحية على عصر أو حكم. فكما طالب بالاصلاحات في العهد الملكي نراه يطالب بها
وباندفاع أكبر في العهد الجمهوري. ومواقفه في هذا الخصوص كثيرة ، منها قصيدته
اللاذعة التي ألقاها في المهرجان الكبير الذي اُقيم في مدينة النجف عام ١٩٦٣ م
بمناسبة مولد الامام الحسين 7
والتي قال فيها :
__________________
ياساسة الوطن المفدى أصلحوا
|
|
وضع البلاد فوضعها متـأزم
|
وطن هو الثكلـى فكل مفوّه
|
|
فيه ينـوحُ وكـل حفل مأتم
|
إلى أن يقول :
ماذا أبث من الشجون وبعض ما
|
|
في القلب من ألم يضيق به الفم
|
ماذا أخط والـف لونٍ للأسـى
|
|
في لوحة النفس الحـزينة يُرسم
|
فاستعرضوا وضع البلاد فوضعها
|
|
من كل ناحية يسـئ ويـؤلـم
|
حريـة الأفكار رهـنُ رقـابة
|
|
سوداء يفرضهـا نظـام مظلـم
|
والحكم بالارهـاب يوصدُ بابه
|
|
فـاذا تنفسَ فهـو صلٌّ أرقـم
|
وأماتت الفوضى النظـام بمهده
|
|
فـالأمـن للعنقـاء فيهـا توأم
|
وتقهقـرت للاقتصـاد زراعة
|
|
وصناعـة خـططٌ بهـا يتقـدم
|
ورؤوس أموالِ البـلاد تمَـزّقت
|
|
بيـدِ الضرائبِ والجمودُ يـخيمُ
|
وجرت جروح الشعب حتى اغرقت
|
|
جثث الضحايا والسيول هي الدم
|
وخلاصة الأحـداث لا وطـنيةٌ
|
|
فيهـا ولا وعي بهـا متقــدم
|
انّ المناصب غـايـة منشـودة
|
|
وطريقهـا هذا الصراع المؤلـم
|
وطـن يباع وأمّة منكوبــةٌ
|
|
فيـه تراعُ وفيئ شعب يقسم
|
هكذا كانت الواقعية والموضوعية تفرض
ارادتها على أدب الشاعر ونتاجه دون أن ترهبه عواقب نقداته اللاذعة وآرائه الصريحة
التي كانت بطبيعة الحال تضع الشاعر في مواقف خطيرة ومواقع لا يجني منها سوى
المضايقة والاضطهاد. ولكن الشاعر وبغض النظر عن كل ما يعترض طريقه من شوك وقذى حرص
على أن يكون لسان حال شعبه ومتنفسه الوحيد الذي منه يستنشق الحرية والاستقلال.
__________________
٣ ـ التجديد والإِبداع :
ونقصد بالتجديد ، التجديد في اللغة
والفكرة لا في الوزن والقافية. فالشاعر كما تستوضحنا أشعاره شاعر مقلّد شديد
المحافظة على أشكال الشعر الموروثة وقوالب النظم القديمة. وهو من هذا المنظار شاعر
تقليدي أو كما يسمونه اليوم شاعر كلاسيكي يدرج في نظمه على أسلافه الماضين.
أمّا التجديد المنظور في شعر الفرطوسي
فمنه التجديد في اللغة الشعرية والأُسلوب البياني. فقد وفق الشاعر وبالرجوع إلى
منابع اللغة العربية الصافية إلى بيان شعري متميز يتصف بسلامة اللغة ونقائها ، ونصاعة
العبارة ووضوحها ، وبالتخلص من الاستعمالات البديعية المسرفة سوى التي تأتي مرسلة
وعن سبيل العفوية.
وقد حرص الشاعر على أن تكون لغته
الشعرية قريبة المتناول ، يسيرة الفهم تأخذ طريقها إلى قلوب الناس عامة وخاصة على
السواء. فكان ينتقي الألفاظ الأكثر شيوعاً في اللغة ذات الصلة باللغة الحوارية بين
الناس ليتسنى للمتلقي استيعاب المضمون وفهم رسالة الشاعر.
فمثلاً يفضل الشاعر استخدام كلمة «
الوضع » بدلاً من « الواقع العام » أو « العرف السائد » وغيرها من المصطلحات التي
تشيع غالباً عند الطبقة المثقفة والمتعلمة من الناس . فهو يؤثر كلمة « الوضع » على سائر
مرادفاتها العصرية لتداولها بين العامة وتقبّلها من قبل الخاصة.
يقول الشيخ الفرطوسي عن موقع الشاعر
الطموح من « الوضع »
__________________
الاجتماعي المتخلّف
:
يريد لك « الوضعُ » أن تنزوي
|
|
بحيـث خيـالـك لا يطلـع
|
وأن تغتـدي هيكلاً مـا لـه
|
|
شعورٌ يـحس بمـا يفجـع
|
فمـا لك قـلبٌ ولا مقـولٌ
|
|
ومـا لك طـرفٌ ولا مسمع
|
كأنك طبـلٌ بـأجـوائـه
|
|
يدوي إلـى كل مـن يقرع
|
فإن قيـل للخبِّ ذا مـاجـدٌ
|
|
فقـل إنّـه الماجـدُ الأروع
|
وللظالـم المعتـدي عـادلٌ
|
|
فقل هـو للعـدل مستـودع
|
وفي السياق ذاته تتكرر مفردة « الوضع »
في بيتين تاليين والخطاب لا يزال موجهاً للشاعر الطموح :
فكـن خاملاً مثلمـا يرتضـي
|
|
لك « الوضع » والزمن الأفظع
|
يروم لك « الوضع » ما يرتئي
|
|
وان كان يصنع مـا يصنع
|
ومن معالم التجديد في شعر الشيخ
الفرطوسي ، التجديد في الأفكار والأغراض الشعرية. وتبرز هذه الظاهرة في جميع
الأغراض التي طرقها الشاعر. ففي المديح مثلاً نجد الفرطوسي يجدد في شكل القصيدة
ومضمونها. فهو لا يقلد القدامى في تقديم القصيدة بالغزل والنسيب وذكر الأطلال
وغيرها ، بل يدخل إلى صلب الموضوع بدون مقدمات وممهدات.
امّا من ناحية المضمون فيتخذ الشاعر من
المديح ذريعة لبث الأفكار السامية والمضامين القيمة التي تعود على المجتمع بالخير
والمنفعة. فنراه مثلاً عندما ينظم قصيدة في المدح كالقصيدة التي مدح فيها الشيخ
محمد الحسين الكاشف الغطاء عند عودته من المؤتمر الاسلامي في الباكستان عام ١٩٥١ م
__________________
يدخل في المدح
مباشرة ومن البيت الأول :
للفتح آيـاتٌ بوجهك تُعـرف
|
|
هـل أن طلعتك السعيدة مصحف
|
شعّت على قسمات وجهك مثلما
|
|
شعت بقلبي مـن ولائـك أحرف
|
هي أحرفٌ ذهبيةٌ خُطت علـى
|
|
قلبـي وريشتها فــمٌ مـتلهف
|
أبصرت قلبي ظلمـة مـن يأسـه
|
|
ورأيتُهـا فجـر المنـى اذ يكشف
|
أجللتهـا من أن تُمسَ قـداسـة
|
|
واسم ( الحسين ) مقدس ومشرف
|
فغرستُها في تربـة أزكى ثـرىً
|
|
في الطهر من قلب الوليد وانظف
|
ويستمر الشاعر في ذكر أوصاف الممدوح
وعدّ خصاله الحميدة مشيراً إلى مواقفه الاصلاحية وأعماله الجليلة التي قام بها
خدمةً للاسلام والمسلمين ، لينتقل في النهاية إلى غرضه الأصلي وهو الاشادة
بالمطالب الحقة التي توخاها الشاعر من مديحه وغالباً ما تكون مطالب اصلاحية
وتربوية :
إنـا لنبغـي للجهـاد قيـادة
|
|
يرتاع منها المستبـد ويرجـف
|
ونريد افئـدةً علـى اضـلاعها
|
|
تطغـى عزائمُها وحينـاً تعصف
|
وأناملاً يهـوي علـى تقبيلهـا
|
|
في حين تلطمـه فـم مـتكلف
|
ونريـد اصـلاحاً لأنظمـة بهـا
|
|
لعب الغريم وعاث فيها المجحف
|
ونريـد أفكـاراً مثقفـة بهـا
|
|
نسمـو ومن عرفانهـا نتثقـف
|
وعقــائـداً دينيـة ميمونـة
|
|
في النشء يغرسها أب مـتعطف
|
إنـا لننشد مصلحين نفـوسهـم
|
|
عن حمل ما قد حُمِّلوا لا تضعف
|
__________________
وعلى هذا النحو تتبين معالم التجديد في
سائر أغراض الشاعر كالرثاء والغزل والوصف والشعر الوطني والحماسي. وفي هذا الأخير
نلحظ بوادر تجديدية للشاعر من خلال تناوله لشخصية البطل التي عليها مدار القصيدة
الحماسية. فالفرطوسي يعمد إلى ذكر البطل من أجل الاشادة ببطولاته وبث روح الحماس
في قلوب الناس والاهتمام برسالته التي تحمل في طيّاتها مُثلاً سامية ومبادئ قيمة
مثل الدفاع عن الوطن والذود عن سيادته واستقلاله. فالهدف مبادئ البطل لا البطل
ذاته .
وللفرطوسي في هذا الشأن منظومات كثيرة ،
منها ما قاله مخاطباً أبطال سوريا ولبنان إثر سقوط القدس القديمة بيد الجيوش
العربية في حرب فلسطين عام ١٩٤٨ م :
أبطال ( سوريـا ) و( لبنـان ) ردوا
|
|
حوض المنـايا أو يُـردُّ ما سلـب
|
فأنتم السـراةُ فـي كلّ وغـىً
|
|
وأنتـم الغـزاة فـي كـل لجب
|
كـم سبحت بكم خيـول وهفت
|
|
علـى رؤوسكـم بنـودٌ وعذب
|
للآن فـي ( الروم ) لكم وقـائـع
|
|
بمسمـع الدهر لوقعهـا صخـب
|
فـاجتهدوا وشيدوا مـن العلى
|
|
« لآل حمـدان » عـروشاً وقبب
|
تقـدموا إلى الـوغى لتـرجعـوا
|
|
أعـداءكم نـاكصةً على الـعقب
|
وكيـف تُثنـون وألـفُ قـائـدٍ
|
|
مثل «أبي فراس» منكم في (حلب)
|
ولم يكتف الشاعر بالتجديد في الموضوعات
والأغراض فحسب بل دعا الشعراء إلى النهوض بالشعر والتجديد في مواضيعه ومضامينه حسب
مقتضيات
__________________
العصر ومتطلبات
الحياة :
هبّـو شباب القوافي إنها عُقدت
|
|
على عواطفكـم للشعـر آمال
|
واستنقذوه من البلوى فما بقيت
|
|
في الكأس إلاّ صبابـات وأوشال
|
دعـوا الأقاويلَ والأهواءَ ناحيةً
|
|
فليس ينفعنـا قيـلٌ ولا قـال
|
خذوا اللّباب وخلّوا القشر واجتهدوا
|
|
أن تقتفـي منكم الأقوالَ أفعال
|
وجددوهـا ميـاديناً تثـور بهـا
|
|
مـن العـواطف أمواجٌ وأهوال
|
فهـاهنا حلبـاتُ الشعر رنّ لهـا
|
|
صوت على مسمع التأريخ جوال
|
وهـاهنا الأدب العالـي بكم رُفعت
|
|
أعلامُهُ فغدت تـزهو وتـختال
|
وهاهنا نمت الفصحى وقد زهرت
|
|
فيهـا بكورٌ أنيقـاتٌ وآصـال
|
فالخـزيُ والعارُ أن يبنو لنا شرفاً
|
|
ونحن نهدمُ مـا شادته أجيال
|
٤ ـ براعة التصوير :
تتجسد براعة التصوير عند الشيخ الفرطوسي
من خلال قدرته الفائقة على تصوير الأشياء مفصلة سواء المرئية منها أم غير المرئية.
فهو عندما يصف الطبيعة مثلاً يحلّق في أجوائها ويلتقط بعدسته الشعرية صوراً رائعة
ودقيقة يستحيل التقاطها إلاّ عن طريق ارادة الشاعر الفنية.
ولا يخفى ما للطبيعة من تأثير خاص ووقع
هام في ازدهار وتنمية القدرة التصويرية عند الشاعر. فالفرطوسي يرى أنّ الشاعر هو :
« من عشاق الطبيعة. ويمتاز بادراكه أسرار جمالها وعظمة جلالها وتجسيم صورها
الرائعة في
__________________
تصاويره الشعرية
كأنها ماثلة أمام عينيك ، يصف الزهرة فينشقك نفحتها ويلمسك رقتها ، والغصن فيميل
بقده الأهيف عليك كأنك تهصره بيدك وتعطفه بأناملك. والبلبل فيجس أوتار قلبك
بأغاريده الراقصة ويطلق نفسك في أفق من حياة الحرية. والجدول فيفرغ في سمعك عربدة
أمواجه وخرير سواقيه. والعاصفة فيطلع عليك عملاقاً جباراً من مردة الجان يتطاير
الشرر من مقلتيه ويجلجل الرعد في شفتيه ، والسحاب فيغشاك بظلمات من الاهوال تشق
حجبها البروق وتصطرع بها الصواعق والرعود. والقمر فيملأ عينك باشراق هالته وجمال
طلعته وجلال روعته. وهكذا يرسم لك مختلف صور الطبيعة على ألواحه ويعرضها عليك وأنت
في زاوية مكتبك أو مجلس سمرك ما لو قدر لك أن تراها بعينك لما كنت تقدر على ادراك
بعض ما قرأته من التصوير في صفحات ديوانه » .
فللطبيعة دور هام في تصوير الواقع
المعاش والحقائق الملموسة. وقد عرف الشاعر هذه الخصوصية الهامة فأحسن الاستفادة
منها في تصوير الاحداث والوقائع التي عاصرها والتي لم يعاصرها. وكثيراً ما نجد
مفردات الطبيعة تشغل حيّزاً واسعاً من شعر الشاعر وخاصة الوصفي منه حيث الرسم
والتصوير قائم على قدم وساق. فنلحظ مثلاً عندما يصور لنا وقائع الحرب العالمية
الثانية يستخدم مفردات مثل « التلول » ، و « الجبال » ، و « الهضب » ، و « الصحراء
» ، ومفردات مماثلة اُخرى :
أسيـولٌ موّارةٌ أم دمـاءُ
|
|
سفكتها من مثلها الأبرياءُ
|
وقـلاع رصينةٌ أم تلولٌ
|
|
كونتها من حولها الأشلاءُ
|
غمرتها مدامع اليتم شجواً
|
|
بنجيع ذابت بـه الأحشاءُ
|
__________________
وتعـالت من حولهـا للأيـامى
|
|
شهقات حـزينـةٌ وبكـاءُ
|
ودُخـانٌ يغشى السماء فيمتـدّ
|
|
علـى صحوها الجميـل غشاءُ
|
أم قتـام سـدّ الفضا فتـوارت
|
|
بـدجـاه عـن العيـون ذكاءُ
|
ودوي الـرعـد المجلجل يتلـوه
|
|
دويّ تعيــــده الأصـداءُ
|
وجبال الصحراء زعزعها القصف
|
|
ومـادت من حـولها الصحراءُ
|
فتهـاوت على المفـاوز منهـا
|
|
قطعات ضاقت بهـا الحصباءُ
|
أم حصـونٌ سيارةٌ من حديـد
|
|
هـي والهضب في الثبات سواءُ
|
وجمـوع من الدَّبى أو من النمل
|
|
على الارض أمطرتها السماءُ
|
أم جنـود قد أمّت الارض غزواً
|
|
حين ضـاقت بعزمهـا الأجواءُ
|
تتهـاوى علـى سعيـر المنايـا
|
|
كلّمـا لاح لـلأمـانـي ضياءُ
|
لا تبالـي ان افلحت في منـاها
|
|
أخلـودٌ مصيـرُها أم فنـاء
|
وتتبلور
خصوصية هامة أُخرى في صور الشاعر وهي الحركة والحيوية. فالشاعر لا يعرض صوره جامدة
ثابتة تبعث الملل في نفس المتلقي ، بل ينفخ فيها الحركة التي تبعث في النفس
الحيوية والنشاط. وهي لا شك تجعل المتلقي يعيش أجواء القصيدة ويساير أبياتها بيتاً
بيتاً. ومن نماذج هذه الحركة قصيدته التي نظمها عند سفره من بغداد إلى سويسرا عام
١٩٦٥ م ، والتي وصف فيها الطائرة وصفاً دقيقاً وجميلاً :
طارت بنا مجلجله
|
|
مدبــرة ومقبلـه
|
__________________
تقطع أجواء الفضا
|
|
مـرحلة فمـرحله
|
وتسبق الـريح اذا
|
|
ما استبقت مهروله
|
تشقــه كــلجة
|
|
تعبرها فـي عجله
|
صرح على قوائم
|
|
من ذا أقـام هيكله
|
سفينـة جـاثمـة
|
|
على الهوا مشتمله
|
ثم يتابع الشاعر في هذا الوصف تواصل
الحركة بمزيد من التفصيل والدقة :
خفّت بنـا شـاهقـة
|
|
إلـى الفضا محملـه
|
كـريشـةٍ طـائـرة
|
|
ووزنهـا مـا اثقلـه
|
تطوى المسافاتُ بهـا
|
|
كـأنهـا متصلــه
|
توصل فـي أطرافها
|
|
وان تكـن منفصلـه
|
كأنما فـواصـل الأ
|
|
بعـاد فيها مـوصله
|
فـكل ناءٍ عنـدهـا
|
|
دان كقيــد سلسلـه
|
نفّـاثــة كطلقــة
|
|
نـاريـة مـستعجله
|
تطيـر فـي أجنحـة
|
|
خفيفـة مُطــولـه
|
تـوازن السيـر بهـا
|
|
صانعها قد عدّله
|
وعلى هذا النحو من الوصف الدقيق
والتصوير الأدق يمضي الشاعر في قصائده الوصفية والتصويرية معتمداً على حسه المرهف
وذوقه السليم وقدراته الشعرية الهائلة.
__________________
٥ ـ براعة الأساليب :
للشيخ الفرطوسي نفَسه الخاص واسلوبه
المتميّز في لغته الشعرية. اللغة التي اتسمت بوضوح المعاني ، وشفافية المفاهيم ، وتسلسل
الأفكار ، وانسجام الالفاظ ، ومتانة التركيب. وقد بات واضحاً على المهتمين بالشعر
التمييز بين شعر الفرطوسي وشعر أقرانه ولداته من الشعراء النجفيين ، لما في
اُسلوبه من مميزات اختص بها دون غيره من الشعراء.
ومن هذه الخصائص تعمّد الشاعر إلى ايراد
المفاهيم والمضامين بصورة واضحة وشفافة وبشكل منتظم ومسلسل بحيث يسهل على المتلقي
تجسيدها في مخيلته واستيعابها بسهولة ويسر. فلو أخذنا مثلاً قصيدة « مآسي الجسر »
التي نظمها الشاعر في الانتفاضة الوطنية عام ١٩٤٨ م ، لتجسدت أمامنا أحداث تلك
الواقعة بكل وضوح وشفافية :
سل الجسر عن بحر عبيط من الـدم
|
|
طغا فوقـه لجـاً بوجـه جهنم
|
وعن جثث القتلى وكيف تراكمت
|
|
علـى جـانبيه كـالحطام المهشم
|
وعن عدد الجرحى اذا كان عنـده
|
|
سجـل إلى احصـائها كالمترجم
|
وعن فوهة الرشـاش طبقت الفضا
|
|
دوِّياً باطلاق الـرصـاص المخيم
|
فكـم طلقة ناريـة منه صُـوّبت
|
|
لـقلب بريء مـن انامـل مجرم
|
***
فمن يافع غض الصبا متــرعرع
|
|
يحيّيـه من آماله خير مبسم
|
مشى نحوه كالسهم غير محايــد
|
|
وليس بهيّاب ولا متـبـرم
|
يصافح تيار الرصـاص بصدره
|
|
ويرنـو له في طرفه كالمسلِّــم
|
إلى أن غدا للقاذفات ضحية
|
|
مبعثـرة كالهيكـل المتحطم
|
***
وكم زهرة فـي ميعة العمر بضة
|
|
إلى أُمّهـا العذراء بالطهر تنتمي
|
تهـاوت على نيرانه وهـي جمرة
|
|
مسعرة من عزمها المتـضـرم
|
إلى أن قضت صبراً بحصد رصاصه
|
|
فعطل منها خيـر جيد ومعصم
|
***
وكم طفلة تبكي دموعاً وحسرة
|
|
أباها مـن اليتم الفضيع المذَّمم
|
وأم رؤوم القلب تنعى وحيدها
|
|
بقلب حـزين بالكآبـة مضرم
|
ترق لها حتى الجمادات رحمة
|
|
وتأسى بـقلب خاشع متـرحم
|
فمـا بالكـم ياقادة الشر قسوة
|
|
أهبتم بشعب بـائس متظلم
|
وثمة خصوصية اُخرى تظهر بوضوح في اُسلوب
الشاعر ، وهي حسن اختيار الوزن والموسيقى الشعرية في المناسبات المختلفة. فعندما
يقتضي الموقف إلى تعظيم الصورة وتهويلها كتصوير مآسي الحرب مثلاً ، يعمد الشاعر
إلى تبني أوزان وقوافي شديدة الوقع على السمع عظيمة الأثر في النفس تؤدي الغرض
وتعطي الموضوع حقه من التعظيم.
فمثلاً عندما يتناول الشاعر حرباً هوجاء
كالحرب العالمية الثانية يختار لها بحراً ثقيلاً وكلمات أكثر ثقلاً لتصور ويلات
الحرب ومآسيه بأعظم ما يمكن من الشدة والقوة :
ثـارت فطبَّق نقعها الأفـاقـا
|
|
حرب بها قـد أسسوا الارهـاقا
|
فـوهاء تلتهـم الفضا نيـرانها
|
|
عصفت فضاق بها الزمان خناقا
|
__________________
ألقـى على القمرين نقع مغارها
|
|
حـجباً فـغيّب منهما الاشـراقا
|
ومشت على كرة الوجود فأحرقت
|
|
مـن كل ناحية بهـا احـداقـا
|
قد أرخصوا فيها النفوس فعمروا
|
|
للمـوت في ميـدانها أسـواقـا
|
واستخـدموها للمطامع سُلَّمـا
|
|
بـلغت نفوسُهُم بهـا ما راقا
|
وعلى العكس من هذه الصورة المرعبة
والمثيرة ، نجد الشاعر يحلق في سماء الكلمات الرقيقة والأوزان الراقصة الخفيفة
عندما يتناول موضوعاً عاطفياً رقيقاً ، وغرضاً شعرياً جميلاً كالغزل والنسيب. من
ذلك قوله في قصيدة « مليكة » التي نظمها عام ١٩٦٥ م ، وفيها يقول :
مليكـةٌ مملكةُ الحسـ
|
|
ـنِ بهـا معتـد له
|
وشعـرُهـا أكليلُـهـا
|
|
في حين تُعلي خصله
|
كأنهـا العروس مـن
|
|
زينتهـا فـي حجله
|
انسانهـا جـار ولكـ
|
|
ـن قدها مـا أعدله
|
واللؤلؤ المنثـور من
|
|
حديثها مـا أفضلـه
|
زنبقــة بثغـرهـا
|
|
يـرشفها مـن قبّله
|
وخـدهـا سجنجـلٌ
|
|
يـرسم فيـه قُبلـه
|
كــأنهـا أراكــةٌ
|
|
مثمـرةٌ مذلّلـه
|
ومن مميزات اسلوب الشيخ الفرطوسي
استخدامه المكرر والمميز للنداء. وقد أكثر الشيخ من هذا الاسلوب لما فيه من مباشرة
خطابية تؤثر في نفس المتلقي وتجعله مسايراً لأحداث القصيدة ، ومتتبعاً لحيثياتها
المختلفة. ومن بديع
__________________
أمثلة النداء الباعث
على القوة والتأثير قول الشاعر من قصيدة بعنوان « مصر والاستعمار » حيث يقول في
أبياتها الأولى :
يا مصـر يـا أمَّ الصقورِ
|
|
ثوري على الطغيان ثوري
|
ثـوري علـى الشرِّ المبيد
|
|
وبـددي شمـلَ الشـرورِ
|
ثوري علـى الغدر الفظيع
|
|
وأنت طـاهـرةُ الضميـرِ
|
ثـوري لـحقّك قد تبلّج
|
|
فهو كـالصبح الـمنيرِ
|
فقد أورد الشاعر النداء مرتين في صدر البيت
الاول ليسترعي انتباه المتلقي إلى أهمية الموضوع ثم عززه بست جمل انشائية أمرية
خمس منها مكررة وهي « ثوري » وواحدة غير مكررة وهي « بددي ». ولا شك انّ في هذا
الحشد من الجمل الانشائية ما يجلب انتباه المستمع إلى خطورة الموضوع ومدى أهميته.
ولم يكتف الشاعر بهذا القدر من النداء
المؤكد بل راح يكثر منه في مواضع اُخرى من القصيدة :
يامصر ياغاب الأسود الشـ
|
|
ـوس يـاوكـرَ النسـور
|
يـامهد نـاشئة الفخـار
|
|
تصان فـي أزكى الحجور
|
يـامشعـل التحرير مـن
|
|
رقيـة الظلـم النكيــر
|
يارايـة الاصلاح لـلأجيـ
|
|
ـال تـنشر فـي العصـور
|
يانهضـة الشـرق المجيـد
|
|
طغـت بميـدان الشعــور
|
ياصرخـة الايمـان اسكتـ
|
|
ـت المـدافـع بـالـزئـير
|
يـا بنت فرعون بسوح البـ
|
|
ـطش والفتـك الـمبير
|
__________________
والتكرار ديدن
الشاعر في معظم قصائده. ولا يخفى ما له من أثر كبير في تأكيد الموضوع وتعزيز
أهميته. وقد تفنن الشاعر في هذا الأمر ، فتارة يكرر استخدام الجمل الفعلية ليؤكد
على استمرارية الحدث وامتداده في الزمان ، كما يتضح من الأبيات التالية :
أغـدق الأفق بـالبشائر حتى
|
|
أغرق الكون بـالشعاع البهي
|
وتجلّت عروسـه وهي ترمي
|
|
بنثـار من نـورها الذهبـي
|
وتمشّت علـى الربى نفحاتٌ
|
|
عـابقاتٌ بـكل نـشرٍ ذكي
|
وتنـاغت بـلابل راقصـات
|
|
فوق أعطاف كل غصن ندي
|
وتعـالت بين السمـا همسات
|
|
هـي أفـراح عـالم ملكـي
|
وأطلّت مـن أفقهـا قسماتٌ
|
|
للعذارى تـزهو بنـور جلي
|
وأفاقت مـن سكرها عاطفات
|
|
تتلقى البشرى بوحي خفي
|
وتارة يتم التكرار بموالاة جمل اسمية
تفصح عن الثبات والدوام والاستقرار. من ذلك الأبيات التالية من قصيدة « الحب » :
قطـرةٌ في قـرارة النفـس مـنها
|
|
تمـلأ النفس حين تـهبط عطفـا
|
جمـرةٌ تلـذع القلوبَ بـوقـد
|
|
مـن لظاها لكنها لـيس تطفـى
|
قـوةٌ تصـرع العقول لـديهـا
|
|
فتخـور العقول وهنـا وضعفـا
|
أيكـةٌ تثمرُ الحـنـانُ عليهــا
|
|
بجنـاحيـه طائـر الحـبّ رفّـا
|
خمـرةٌ تسكـر النفـوس اذا مـا
|
|
خالطتهـا منهـا اللذاذة صرفـا
|
سنـةٌ توقظ العواطف فـي النفـ
|
|
ـس التهاباً وترهف الحـس لطفا
|
نغمـةٌ تنطق القلـوب وتـحيي
|
|
ميت الروح حيـن تعزف عـزفا
|
نفحـةٌ من مواهب القدس تذكـو
|
|
في فضاء النفوس طيباً وعرفا
|
__________________
ومرة اُخرى يكون التكرار بحرف الجر
احترازاً من توالي الأفعال ، وتنبيهاً لفطنة المتلقي في استيعاب الفعل الرئيسي
للجملة. من ذلك قول الشاعر في قصيدة بعنوان « معاهد العلم » :
ياصـاحبي أعيرا مهجتي جلدا
|
|
ففي جناني من وقع الردى خور
|
إلى أن يقول :
خِفا إلى مهبط الألطاف والتهما
|
|
وحياً بليغاً بـه قد فاهت العبر
|
واستنطقا صفحة الوادي فصفحته
|
|
سِفر بـه خطت الأنباء والسير
|
عن ألف جيل وجيل في قرارتـه
|
|
ثووا ومـا طاف فينا منهم خبر
|
وعن مصارع أبطال جبـابـرة
|
|
كانت بهم جمرات العزم تستعر
|
وعـن مفارق أملاك غطارفـة
|
|
كانت بهم تفخر التيجان والسرر
|
وعـن شمائل أمجاد بها طويـت
|
|
من العلى صحف منشورة غرر
|
وعـن مواهب أفـذاذ وأنـدية
|
|
للفضل كانت بهم تزهو وتزدهر
|
وعن عواطف آبـاء مرفـرفة
|
|
على غصون بكف الموت تهتصر
|
وعن مواسيم أعياد بها احتفلت
|
|
دنيا الأماني وماجت حولها صور
|
وعن ثنايا ثغور ضـاع لؤلؤها
|
|
وكـان يحرسه من صونها الخفر
|
وعن أكاليل شعر حـولها نثرت
|
|
مدامع من جفون اليتم تُعتصر
|
ومهما يكن من أمر فأنّ التكرار اُسلوب
بياني استخدمه الشاعر في كثير من قصائده. وقد تبيّن من خلال البحث الأغراض
والأهداف التي اتضحت بواسطة التكرار ، وهي في طبيعة الحال أغراض تهدف إلى تأكيد
المضامين وتعزيز المحتوى والمفاهيم.
__________________
٦ ـ التنسيق
والتنقيح :
سبقت الاشارة إلى انّ الشاعر كان يعنى
بقصائده عناية خاصة ، ينسقها كيفما يقتضيه طبعه ويملي عليه ذوقه. وما ديوانه إلاّ
لون من الوان ذلك التنسيق الجميل. وخلافاً لما جرت عليه العادة من تصنيف القصائد
حسب أبجدية القوافي فانّ الشاعر فضّل أن ينظم قصائده حسب الموضوعات والأغراض. فوضع
على سبيل المثال قصائده الولائية في الرسول 9
وآل بيته : ، في باب
سمّاه « من وحي العقيدة » ، ثم عرّج على قصائده الوطنية والسياسية والاجتماعية
فضمّها إلى حقل دعاه « صور من المجتمع » ، وهكذا دواليك.
ومن موارد التنسيق والدقة التي امتاز
بها الشاعر في إنشاد ديوانه ، التعليقات القيمة التي علقها على معظم قصائده والتي
ذكر فيها الغرض من انشاد القصيدة ، والمناسبة التي القيت فيها ، وتاريخ الإلقاء
بالسنة الهجرية والميلادية. ولهذا الأمر قيمة فنية لا تخفى من حيث دراسة قصائد
الشاعر من الناحية التاريخية ، والأدوار والمراحل التي مرّ بها الشاعر وتأثر
بأجوائها وظروفها المختلفة.
وبالاضافة إلى التعليقات المذكورة فقد
شرح الشاعر قسماً من الألفاظ اللغوية الواردة في الديوان موضحاً بعض الأعلام
والأشخاص ليسهل على المطالع استيعاب المعاني بلا تعب وتفكير.
ومن جميل صنعه في الديوان أنّه قدّم
لبعض قصائده بعبارات نثرية جميلة تبين جدارته وطول باعه في حقل النثر الفني اضافة
إلى شاعريته الفذة. من ذلك مقدمته النثرية الجميلة لقصيدة « الباب الذهبي » التي
ألقاها في المهرجان الذي احتفلت به مدينة النجف عند افتتاح الباب الذهبي الذي
اُهدي لمرقد الامام أمير المؤمنين علي 7.
يقول في المقدمة : « عدل صارم لا تضام
في ظلّه نملة في حبة من رزقها ، ولا تطمع رحم بسوى حقها. حياة مخصبة من المعارف
مجدبة من المغريات. بيت بسيط ما فيه غير سرير وحصير ورحى وأقداح من الطين ومدرعة
بالية. يشيد الحق على أساسه صروحاً من الذهب ، وشموعاً تنافس الشهب. هذا عليٌّ
وتلك حياته وهذه عقباه وهي المثل الأعلى للأنسانية » .
ويلحظ المتتبع لشعر الشيخ الفرطوسي من
خلال ديوانه بعض القصائد المتجانسة من حيث الشكل والمضمون ، والمختلفة من حيث
العنوان. وهذه القصائد في الحقيقة هي جزء من قصيدة واحدة سبق أن نشرها الشاعر في
الصحف والمجلات ثم آثر تقطيعها على شكل قصائد متعددة لتنتظم في ديوانه. فقصيدة «
مولد الأنوار » و « وطن يباع » و « قادة التعليم » هي جزء من قصيدة واحدة ، وكذلك
قصيدة « آثار مجدك » ، و « بنت الفرات » ، و « راية الاسلام »
ومن الملاحظ أيضاً أنَّ الفرطوسي كان
شديد العناية بشعره يدأب في تهذيبه وتنقيحه قبل أن ينشره في ديوانه. فمثلاً قصيدة
« يا نجل مصر » التي نظمها ترحيباً بالدكتور زكي مبارك والتي يقول في مطلعها :
قومي اهتفي بحليف المزبر الخصب
|
|
بمـلء فيك معي يا حلبةَ الأدبِ
|
كانت في الأصل بعنوان « تحية الغري
لزائره العزيز » وبالمطلع التالي :
قومي اهتفي باسم محيي العلم والأدب
|
|
بـملء فيك معي يا أمة العـرب
|
وعلى أي حال فانّ الشاعر اهتم بنتاجه
الأدبي اهتماماً كبيراً ، وحرص على أن يكون ديوانه أثراً أدبياً قيماً ضمن الآثار
الأدبية الراقية.
__________________
٧ ـ أصالة الوزن والقافية :
على الرغم من تصاعد الدعوات التجديدية
في أوائل هذا القرن والتي رمت إلى الخروج على نظام القصيدة العربية ، والتخلص من
التزامات الوزن والقافية ، فقد ظل شعراء النجف ـ ومن بينهم الشيخ الفرطوسي ـ
محافظين على بحور الشعر المعروفة ينظمون فيها قصائدهم غير آبهين بالأنماط الأدبية
المستحدثة مثل الشعر الحر والشعر المنثور.
ولعل هذا يعود إلى الثقافة العربية
الأصيلة التي نهل شعراء النجف من معينها ، ونموا قرائحهم برائع نتاجها وجليل
آثارها حتى بات فرضاً على الشاعر النجفي أن يفي لهذه اللغة حقها ويحفظ لها صنعها
الجميل.
ولا شك أنّ استخدام الأوزان العربية
الموروثة تحكم نسيج القصيدة إحكاماً فنياً ، وتنسق جرس الألفاظ من حيث الموسيقى
الخارجية والداخلية ، وتمد القصيدة بالقوة والحركة ، وهذا ما أكد الشيخ الفرطوسي
على توفره في قصيده وشعره.
ومن الملاحظ أنّ الشاعر كان يكثر من
استخدام البحور الأكثر شيوعاً واستحكاماً في العربية كـ « الطويل » و « الكامل » و
« البسيط » و « الوافر » و « الخفيف » ، بينما ترك البحور المضطربة كالمتدارك وهو
« بالشكل الذي ذكره العروضيون ، وزن مضطرب ، لا يمكن أن تنظمه قاعدة ، ويغلب على
ظن بعضهم أنّ الخليل لم يجهله ، وانما أهمله ، فاذا صح ذلك فهو لموضع الاضطراب فيه
» .
وهذا لا يعني أنّ الشاعر صبّ اهتمامه
على الأوزان والبحور القديمة دون
__________________
أن يفسح المجال
لقريحته في أن تبدع وتجدد. فالفرطوسي لم ينظم الشعر لوجه الشعر ولم يتخذه صنعة
ومهنة ، بل صيّره وسيلة تعبيرية تفصح عن خواطره وعواطفه :
وما الشعر إلاّ منبع مـن عواطف
|
|
تـقدّسه منّـا عـقولٌ وألبـاب
|
وأجمله مـا جاء عفـواً سلاسلاً
|
|
وأعذبه سلس الأساليب خلاب
|
وقوله أيضاً :
هبوا شباب المعالي انهـا عقدت
|
|
علـى مساعيكمُ الآمال أوطـانُ
|
وجـددوا نهضـة الآداب في بلد
|
|
مقـدس هـو لـلآداب عنـوان
|
ورددوا الشعـر أنغاماً مـلحنة
|
|
فـانما الشعـر أنغـامٌ وألحـان
|
إنّ القريض من الأحشاء مقتطع
|
|
فلا تقولوا مـقاطيع وأوزان
|
وعلى هذا النحو أيضاً انصب اهتمام
الشاعر في مجال القوافي وخاصة القوافي المتداولة والشائعة لدى السلف من الشعراء.
ومن المعروف أنّ القدماء قسموا القوافي أقساماً ثلاثة « فالتي استحسنوها ليسرها
وسهولتها وإجادة الشعراء فيها سموها القوافي « الذلل » كالباء ، والتاء ، والدال ،
والراء ، والعين ، والميم ، والنون ، والياء حين تلحق بها ألف الاطلاق. وعلى العكس
منها ما سموه بالقوافي « الحوش » وهي الخاء ، والذال ، والثاء ، والشين ، والظاء ،
والغين ، وبين هذين الحدين من السهولة واليسر ، هناك القوافي : « النُفَّر »
والقصائد الجياد التي بنيت عليها قواف قليلة ، كقوافي السين ، والصاد ، والضاد ، والطاء
والواو » .
وقد انفرد الشيخ الفرطوسي عن شعراء
النجف الآخرين في تعامله مع
__________________
القافية ، « ذلك أنّ
أكثر من نصف قصائد ديوانه ، وبالتحديد ١٧ و٥٦% من القصائد يدور في فلك قواف أربع :
قافية الراء وقد استأثرت بنسبة ٥ و٢٢% من مجموع القصائد ، وقافية الميم ونسبتها ٣٦
و١٣% ثم النون ونسبتها ٧٦ و١١% وقافية العين ونسبتها ٥٥ و٨% ونظم على اثنتي عشرة
قافية ٨٣و٤٣% من قصائده أكثرها على قافيتي « اللام » و « الباء » وهجر باقي
القوافي ومنها « الحوش » جميعاً » .
وقد يرجع هذا الأمر إلى الحس الملحمي
الذي اتصف به الشاعر من خلال اختياره القوافي التي تصلح لنظم الوقائع والأحداث
التاريخية. وهذا مسلك سار عليه الفرطوسي دون غيره من شعراء النجف. وقد تبيّن لديه
هذا المنحى حين نظم موسوعته الشعرية الكبرى ـ ملحمة أهل البيت : ـ والتي تجاوزت الأربعين ألف بيت.
ومهما يكن من أمر فانّ الشاعر باستخدامه
الأوزان الشائعة والقوافي المستحسنة حرص على أن يكون شعره في درجة رفيعة من القوة
والمتانة بعيداً عن الضعف والهلهلة. ومع ذلك فقد يجد الشاعر نفسه في بعض الأحيان
مضطراً للوقوع في محذورات ومحظورات.
ومن هذه المحذورات تعدية الفعل بنفسه أو
بالحرف. ففي بعض المواضع يضطر الشاعر إلى تعدية الفعل بالحرف ليستقيم الوزن ، كما
في البيت التالي حيث عدى الفعل « يعرو » بالباء وهو يتعدى بنفسه إلى مفعوله :
صلب الـعقيدة لا يعـرو بـه نزق
|
|
ولا يخف به الإسفاف من بطر
|
ومن المحذورات الاُخرى التي وقع فيها
الشاعر والتي تعد من عيوب
__________________
القافية ، السناد.
والسناد « هو اختلاف ما يجب مراعاته قبل الروي من الحروف والحركات » . ومن أمثلة السناد الواردة في شعر
الفرطوسي قوله في فيضان « دجلة والفرات » :
فأصبحت تعجّ في ضجيجها
|
|
وتستغيث بالصراخ واللجَبْ
|
وكم بها من طفلة مذعورة
|
|
تبكي وطفلٍ مستريب ينتَحِبْ
|
إلى أن يقول :
وأرتـسم الشقـاء في طـابعها
|
|
وغُيرت منها السمات بالرُعُبْ
|
فالروي حرف الباء الساكنة ، إلاّ انّ
حركة ما قبل الروي تختلف في الأبيات الثلاثة. ففي البيت الأول حركة الفتحة ، وفي
البيت الثاني حركة الكسرة ، وفي البيت الثالث حركة الضمة. ويسمى هذا النوع من
السناد الذي يحصل في الروي المقيد ، سناد التوجيه .
ومثل هذه الموارد قليلة في شعر
الفرطوسي. فالصفة الغالبة على شعره قوة البناء ومتانة الأسلوب ، بالإضافة إلى جودة
البيان ونصاعة التعبير.
٨ ـ استخدام
المحسنات البديعية :
لم يمعن الشيخ الفرطوسي في السعي وراء
المحسنات البديعية واستخدام قوالبها المصطنعة والمقيدة. بل كانت تأتي في سياق
تعبيره عن أحاسيسه الحقيقية ومشاعره الصادقة مترسلةً من غير تعسف وتكلّف. وقد حرص الشيخ
على أن
__________________
يتبع ألفاظه إلى
معانيه ، وأن ينظر إلى المضمون قبل صياغة الشكل.
ومع ذلك فانّ في الديوان محسنات جميلة
وردت بصورة عفوية ومن خلال انسياب الكلمات المتناسقة في الشكل والحروف ، والمتناسبة
من جهة اللحن والايقاع. ومن هذه المحسنات :
أ ـ الجناس : « وهو تشابه لفظين في
النطق ، واختلافهما في المعنى » .
كالجناس بين كلمة « مطلع » بمعنى الابتداء ، و « مطلع » بمعنى طلوع الشمس في هذا
البيت :
نشيـدي وأنت لـه مطلـع
|
|
من الشمس يعنو له مطلع
|
والجناس بين كلمة « نضير » بمعنى الحسن
الناعم. و « نظير » بمعنى المثيل في البيت التالي :
حياة كـلّ مـا فيهـا نضير
|
|
ولكن لا تضاهى في نظير
|
والجناس بين كلمة « وردي » بمعنى شربي ،
و « وردي » بمعنى دعائي في قوله :
فيا وطني العـزيز وأنـت وردي
|
|
لدى ضمئي ووردي في دعائي
|
ب ـ الطباق : « وهو الجمع بين لفظين
مُقَابلين في المعنى » .
كالطباق بين كلمتي « رجائي » و « يأسي » في قوله :
يـا سماءَ الخيال أنتِ سمـائي
|
|
أنت دنيا يأسي ودنيا رجائي
|
__________________
والطباق بين فعلي « تجود » و « يضنّ »
في هذا البيت :
وتجود من كرم بما أوتيتـه
|
|
ويضنُّ غيرك أن تعيش قنوعا
|
والطباق بين « قريباً » و « بعيداً » في
البيت التالي :
ولا تنسوا أحبـائي قـريباً
|
|
بعيداً عن حنوّ الأقرباء
|
ج ـ التورية : وهي « أن يذكر المتكلم
لفظاً مفرداً له معنيان ؛ أحدهما قريب غير مقصود ودلالة اللفظ عليه ظاهرة ، والآخر
بعيد مقصود ودلالة اللفظ عليه خفيّة » .
كالتورية في هذا البيت :
إذا ما علا بالسيف قرم رأيته
|
|
هو الشفع مقسوماً وضربته وتر
|
فالظاهر من الشفع والوتر هو المعنى القرآني
الذي جاء في الآية الشريفة « والشفع والوتر » .
إلاّ انّ الشاعر أراد معناه اللغوي وهو الشفع بمعنى الزوج ، والوتر بمعنى الفرد.
د ـ رد العجز على الصدر : وهو أن يجعل
أحد اللفظين المكررين والمتجانسين في المصراع الأول ، والآخر في المصراع الثاني . كما جاء في البيت التالي :
ويصرعها العقل مـن بطشه
|
|
كما هو من بطشها يصرع
|
هـ ـ التضمين : « وهو أن يضمّن الشاعر
كلامه شيئاً من مشهور شعر الغير » .
كقوله :
__________________
سلي الحوادث عن تأريخ نهضتنا
|
|
«واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا»
|
وفيه تضمين لشعر صفي الدين الحلي من بيت يقول فيه :
سلي الرمـاحَ العوالي عن معالينا
|
|
واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
|
وكذلك التضمين في هذا البيت :
«لا خيل عندي اهديها» فاعقرها
|
|
على ثراك سوى شعري وتأبيني
|
وفيه اشارة إلى بيت مشهور من قول أبي
الطيّب المتنبي
:
لا خيل عنـدك تهديها ولا مال
|
|
فليُسعد النطق إن لم تُسعد الحال
|
ويمكن اعتبار البيت التالي نوعاً من
التضمين :
فالسيلُ قـد بلغ الزُّبى تياره
|
|
متدافعاً وتجاوز الطغيان
|
فقد أشار الشاعر إلى المثل المشهور «
بلغ السيلُ الزُّبى » ، وهو مثل يضرب لما جاوز الحد .
هذه إضمامة لبعض المحسنات البديعية
الواردة في شعر الفرطوسي. وهي قليلة لا يهتم الشاعر بها بقدر ما يهتم بسلامة
المعاني ، ونصاعة الأفكار ، وشفافية المضامين ، ووضوح المفاهيم.
__________________
رابعاً : الأدوار
مرّ الشيخ الفرطوسي من خلال تجربته
الشعرية الطويلة بأدوار ومراحل مختلفة تفاوتت من حيث العطاء الأدبي بتفاوت الظروف التي
عاشها الشاعر في ظل أنظمة الحكم في العراق. ولا شك أنّ الشاعر وباعتباره لسان جيله
المعبّر عن آماله وآلامه وأفراحه وأتراحه أوّل من يواجه الضغوط والاضطهاد من قبل
الأنظمة الاستبدادية التي دأبت في فرض منطق العنف ، وخنق الحريات الفردية
والاجتماعية.
وعلى ضوء هذا الواقع المرّ ، ومن خلال
المتابعة التاريخية لنتاج الشاعر يمكن حصر الأدوار الزمنية لشعر الفرطوسي في
المراحل التالية :
١
ـ مرحلة السمو والأزدهار ( ١٩٣٥ ـ ١٩٥٨ م )
تشكل هذه المرحلة من حياة الشاعر أعظم
فترات الأخصاب الشعري التي شهدها الشيخ الفرطوسي طوال عمله الأدبي. فقد شملت أكثر
من ثلثي قصائد ديوانه ، وبالتحديد ٤ و٦٧% من مجموع أشعار الديوان. وهذه الفترة
التي تمتد في العهد الملكي وتنتهي بثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ م تعد ـ وعلى الرغم من
ممارسات المحتل التعسفية ـ من أفضل فترات النشاط الأدبي للشاعر لظروفها الباعثة على
النظم والابداع.
وفي ظل تلك الظروف المساعدة والأجواء
الباعثة على النشاط والتفاعل استطاع الشاعر أن ينظم معظم قصائده السياسية
والاجتماعية ، وأن يطرق مختلف الأغراض الشعرية كالوصف والغزل والمديح والرثاء
وغيرها.
٢
ـ مرحلة الفتور الأولى ( ١٩٥٨ ـ ١٩٦٣ م )
بعد أن أطيح بالحكم الملكي في العراق
بالثورة التي قادها عبدالكريم قاسم عام ١٩٥٨ م ، تطلّع الشعب إلى هذه الثورة
والأمل يراودهم في استقلال بلادهم من هيمنة المحتل الأنجليزي وانتهاء عهد مظلم
تشبع بالظلم والاضطهاد. وقد راود هذا الأمل قلب الشاعر الذي استقبل الثورة بكل
حفاوة وترحيب :
بغـدادُ يــادارَ السلام تـحيةً
|
|
للفـاتحيـن تُـحفُّ بـالإكبار
|
صوغـي أهـازيجَ الكرامة نغمة
|
|
كالنـار تَلهبُ من فـمِ القيثار
|
وتطلعـي لـلاُفق ان نـجومـه
|
|
رَجمت شيـاطينَ العمى بشـرار
|
لشعور هذا الشعب كيف تدافعت
|
|
أفـراحُه كتـدافـعِ التيــار
|
لطلائـع الآمـال وهـي كتائبٌ
|
|
زَحفت مـع الثوار فـي مضمار
|
طولي على هـامِ المجـرّة رفعةً
|
|
وبطـولةً فـي جيشكِ الجرار
|
وبالرغم من التفاؤل الذي تطلع اليه
الشعب في اصلاح الوضع وتحسين المعيشة من خلال الثورة ، إلاّ انّ الوضع أخذ يتأزم
شيئاً فشيئاً ، وأخذت الفوضى تعمّ البلاد ، وأخذت الحركات الهدامة ذات المبادئ
المنحرفة تدسّ أفكارها المسمومة في الأوساط الثقافية والفكرية ، ممّا دعا الشاعر
إلى مطالبة السلطة بإيفاء وعودها من تضمين الحريات ، واحترام القانون ، واستتباب
الأمن والاستقرار في البلاد :
يا باعثَ الوعي حياً حين أرهقه
|
|
ظلمٌ فلـم يَبقَ مـن أنفاسه رمق
|
نريدُ حـريةً للشعب حيثُ بهـا
|
|
مـن كل رقيّـة سوداءَ يـنعتق
|
محـدودةً بنظـام لا يصيِّـرُها
|
|
فَوضى بها حرمةُ القانون تخترق
|
__________________
نريد للحكـم أفـذاذاً عبـاقـرةً
|
|
من تربة الخير والاصلاح قد خلقوا
|
يطبقـون بهـذا الشعب أنظمـة
|
|
للـحكم حيثُ نظامُ العدل ينطبق
|
فالحكم ميزانُ عـدل لا تميل بـه
|
|
عينٌ على اختها يطغى بها النزق
|
والحكم كالرأس ان الرأس ليس به
|
|
عيـنٌ تنامُ وعينٌ ملؤها أرق
|
وما لبثت أن تبدلت الآمال إلى آلام ، وراحت
الحريات التي طالما حلم بها الشعب وتطلع إليها بعين الأمل تأخذ مسيرها إلى الكبت
والخنق. وعادت ثانية ممارسات الظلم والتعسّف تنال المثقفين والمفكرين وتزري
بالأدباء والشعراء.
وفي مثل هذه الظروف ، وإثر الاضطهادات
والضغوط التي مارسها النظام آنذاك أخذ نتاج الشاعر يتضاءل ليصل إلى أدنى مستوى من
عمله الأدبي حيث بلغ ٧ و٤% من مجموع القصائد التي أنشدها في هذه الفترة.
٣
ـ مرحلة النهوض ( ١٩٦٣ ـ ١٩٦٨ م )
بعد أن أخفقت ثورة الرابع عشر من تموز
عام ١٩٥٨ م في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق ، قام عدد من الضباط بقيادة
عبدالسلام عارف بانقلاب عسكري في الثامن من شباط عام ١٩٦٣ م أطاح بحكومة عبدالكريم
قاسم التي دامت خمس سنوات.
وفي هذه الفترة أي من عام ١٩٦٣ م وحتى
عام ١٩٦٨ م نلحظ بعض مظاهر النهضة في نتاج الشاعر حيث وصل نظمه في هذه الفترة
قرابة الثلث من قصائد الديوان وتحديداً ٩ و٢٧% من مجموع القصائد.
ومنشأ هذه النهضة لم يكن الوضع السياسي
الجديد. فالاضطهادات لم تزل
__________________
قائمة ، ولم يزل
الأديب مغلول اليدين ، فاقد الحرية تمارس بحقه أنواع الضغوط والعنف من قبل السلطة
:
مـاذا يراد مـن الأديب وقلبُه
|
|
للناس ملكٌ وهو حر ( منعمُ )
|
ليس الأديب بضاعةً في سوقها
|
|
تشرى ويرفع مستواها الدرهم
|
انّ الأديب لسان جيل مـا لـه
|
|
في الخطب إلاّ وعيه المتضرمُ
|
ورسـالـة للعبقـريـة فـذة
|
|
توحـي فيرسمها الخيال الملهم
|
تهوى البساطـةَ نفسه وحياته
|
|
السوداءُ مـن تعقيدها تتجهم
|
انّ الأديب بجسمـه قيثـارة
|
|
وبـروحـه اغـرودة تترنّـم
|
هـو بلبل البشرى بأندية الهنا
|
|
وهـو الغراب إذا يـقام المأتمُ
|
الوضع يُرغمه بـأن يغدو لـه
|
|
عبداً وحر ضميره لا يرغم
|
ولكن النهضة الشعرية التي طرأت على نتاج
الشاعر تعود إلى خروج الشاعر من العراق وذهابه إلى « سويسرا » و« لبنان » من أجل
العلاج. وفي هذه الفترة القليلة التي ابتعد الشاعر عن جوّ العراق الخانق وذاق طعم
الحرية في بلاد الغربة نظم الفرطوسي قصائد كثيرة من بينها جلّ أشعار الغزل التي
حواها ديوانه.
ومن هنا تعتبر رحلة الشيخ إلى « سويسرا
» و « لبنان » منعطفاً هاماً في مسيرة الشاعر حيث تعاطى فيها نظم الغزل والنسيب
الذي لم يطرقه من ذي قبل بسبب القيود التي فرضت عليه من محيطه المقيد وبيئته
المحافظة.
٤
ـ مرحلة الفتور الثانية ( ١٩٦٨ ـ ١٩٨٣ م )
شهدت هذه الفترة فتوراً ملحوظاً في نتاج
الشاعر وخاصّةً في الشعر
__________________
السياسي والاجتماعي.
ومن المؤكّد انّ الظروف القاسية التي مرّ بها الشاعر آنذاك والضغوط التي كانت تُمارَس
بحقه بين الحين والآخر هي التي دعت الشاعر إلى إقلاعه عن نظم الشعر السياسي
والاجتماعي.
وفي هذه الفترة بالذات وتحديداً في
منتصف السبعينات خطرت ببال الشاعر فكرة نظم الملحمة فكانت عاملاً آخر في اقلاعه عن
نظم الشعر في المناسبات وتكريس جلّ اهتمامه في تأليف موسوعته المذكورة. وقد استمر
الشاعر في عمله هذا بعد مغادرته العراق عام ١٩٨٠ م وحتى وفاته بالأمارات العربية
المتحدة عام ١٩٨٣ م.
الفَصْلُ
الثُّانيْ
اتجاهات
الفرطوسي الشعرية
١ ـ الشعر السياسي :
اتجه الشيخ الفرطوسي إلى الشعر السياسي
اتجاهاً واضحاً اثر المستجدات من الأحداث التي عاشها ولامس واقعها المرير وأحسّ
بأثرها الأليم على شعبه وأبناء وطنه. ويعود اهتمام الشيخ بالشعر السياسي إلى بواعث
كثيرة ، منها تواجده الفاعل والمستمر في ميادين العمل السياسي والوطني ، بالاضافة
إلى النزعة الوجدانية والحبّ الفطري الذي تشبّع به قلب الشاعر تجاه وطنه وتجاه
حرية شعبه واستقلاله وازدهاره.
ولم يقتصر اهتمام الشاعر على الأحداث
السياسية في العراق فقط ، بل إهتمّ أيضاً بسائر الوقائع السياسية التي كانت تحدث
في البلدان العربية الاُخرى ، ممّا يدلّ على توجه الشاعر إلى الشعر القومي
وإهتمامه بشؤون وشجون أُمّته في شتّى الأقطار والبلاد العربية :
هذي بلاد العرب وهي مـراجلٌ
|
|
للعـزم تغـلي بـالـدم الفــوار
|
وطلائع الوعي المجلجل أنـذرت
|
|
جيش الغزاة بـجـيشها الجــرار
|
عصفت بها (مصر) وثارت (جلق )
|
|
وتدافعت ( بـغداد ) كـالإعصـار
|
ومشت بها ( عدن ) إلى أخـواتها
|
|
مشـي العفرنى للعفرنـى الضـاري
|
وطغت (عمان) مثل ( لبنان ) بـها
|
|
علقـاً يفـور على جحـيم النـار
|
وتفجـرت حمماً ( فلسطينٌ ) لها
|
|
من كـلّ بـركـان بهــا مـوار
|
ومن ( الجزائر ) والجزائرُ مرجل
|
|
يغلي على لهب السعير الـواري
|
ضجت قرابينُ الجهاد ونـددت
|
|
بـفضائع الـمستعمر الجـزار
|
شعب يسير إلـى الحياة وأُمـة
|
|
تهــوى الممـات بعزّة وفخار
|
وبشعب ( عمان ) ستلهب جمرة
|
|
منها العزائم تصطلي بشـرار
|
ومتـى يصان حمـاية ثغرٌ بـلا
|
|
شعـبٍ وسلطانٌ بـلا أنصار
|
ويمكن تحديد الموضوعات السياسية التي
تناولها الشاعر في ديوانه بالموارد التالية :
أ
ـ القضية الفلسطينية :
اهتم الشيخ الفرطوسي بقضية فلسطين
وشعبها المضطهد باعتبارها أهم قضية شغلت العالم العربي والإسلامي ، وهيمنت على
باقي القضايا والأحداث.
__________________
وقد نظم الشاعر في هذا الشأن قصائد
كثيرة اتّجه في بعضها اتجاهاً عربياً محضاً ، وفي البعض الآخر اتجه اتجاهاً إسلامياً
محضاً ، بينما نجد الروح العربية والإسلامية منصهرة معاً في قصائده الاُخرى التي
ظهر فيها الشاعر واضح المعالم باتجاهه العربي الإسلامي الموحّد .
ونلحظ الإتجاه العربي للشاعر في قصيدته
« فلسطين » التي نظمها عام ١٩٣٨ م ، والتي يقول في أبياتها الاُولى :
بالسيف اقسم لا بالطرس والقلـم
|
|
أنّ الأمانـي بحـد الصـارم الخذم
|
والحقّ يشهد أنّ السيف صاحبـه
|
|
وصاحب السيف قدماً صاحب الهمم
|
ولـيس تنهض بـالأمر الخطير يدٌ
|
|
وما لديهـا سوى القـرطاس والقلم
|
ولا تسود على أقـرانهـا أمـمٌ
|
|
بـدون رعد الظبـا أو خفقة العلـم
|
ومن ثم يتوجه إلى العرب ليثير نخوتهم ، ويستنهض
عزائمهم من أجل تخليص فلسطين من وطأة المستعمر المحتل الذي أذاق الشعب الفلسطيني
شتى ألوان الذل والهوان :
يـانخوة العـرب ثوري ياحميَّتها
|
|
توقدي بسعيـر منك مضطرم
|
ماذا القعود وقـد ساد الهوان بنا
|
|
وشيمة الحر تأبى الجبن ان تضم
|
وكيف قد طأطأت للضيم أرؤسها
|
|
وهـي الاُباةُ عـرانينٌ ذوو شمم
|
وكيف لذّلها الـورد الهنيَ وقـد
|
|
أديـف ذلك مـن أبنائهـا بدم
|
هبـي فتلك فلسطين بها سفكت
|
|
دماء يعرب حتـى سلن كالديم
|
جارت عليها يـد جبّارة حكمت
|
|
علـى فلسطين بالارهاق والعدم
|
خانت ضمائرها فيها فما حفظت
|
|
ولا رعت لذمام العدل من حرم
|
__________________
ما ضرّها خصمها لما به احتدمت
|
|
لكـن جـلَّ أذاهـا من يد الحكم
|
صبراً فلسطين فـالأحرار شيمتها
|
|
ثباتُهـا واحتفـاظاً ربّـة الشيـم
|
فعـن قريبٍ يبيـن الحقُّ متضحاً
|
|
وتنجلي عنه أستارٌ مـن الظلم
|
ومن قصائد الشاعر التي انصهرت فيها
الروح العربية والاسلامية قصيدته « تحية الجيوش العربية » التي نظمها اثر سقوط
القدس القديمة بيد الجيوش العربية في حرب عام ١٩٤٨ م :
طلائـعُ الفتـح ونـشوةُ الغَلبْ
|
|
تهتف بـالنصر لأمـة العــربْ
|
بـشائر تُـوصَل فـي بـشائر
|
|
كـأنهـا سلاسل مـن الذهـبْ
|
قـد رقصـت لهـا البلاد كـلها
|
|
وأصبحت تهتـز بشراً وطــربْ
|
واحتفـل الشرقُ بها مـحتضنـاً
|
|
لمهـدهـا من الحنو والحــدبْ
|
أما ترى (الأردن) و( القدس ) معاً
|
|
تعجّ بـالبشر ( كمصر) و(حلبْ)
|
و(دجلة) (كالنيل) حيث ( بردى )
|
|
بموعد الفتـح المبيـن المـرتـقبْ
|
نحن بنـي العـرب الكرام بيننا
|
|
ساد الـوئام وانجلت عنا الـريبْ
|
عناصر الوحدة فـي أوطـاننا
|
|
تـألّفـت وهـي شعور ونـسبْ
|
فنظمت أوضاعنا وهـي سـدىً
|
|
ووحدت شعـوبنا وهي شعـبْ
|
حتى غدا الجدب إلى الخصب أخـاً
|
|
وأصبـح السهل يعـانـق الحدبْ
|
ولـيس ذا بــدعاً فإنّـا أُمّـةٌ
|
|
تربطنـا الوحـدة في خيـر سببْ
|
وانّنـا مــن عنصر متّحــدٍ
|
|
ولا فــروق بيننـا سوى اللقبْ
|
لنا مـن الإسلام خيرُ جـامـع
|
|
وحسبُنـا أنّـا بنــو أمّ وأبْ
|
ويواصل الشاعر تأكيده على الوحدة من
خلال الاعتماد على النفس ونبذ
__________________
المواعيد السياسية
الكاذبة والقرارات الدولية الجائرة التي تسلب الشعب حقّه وتنتهك سيادته وكرامته :
تحـرقي يـاعزماتِ يعـرب
|
|
وصيّـري الـواتر للنار حطب
|
وأنـزلي الطاغوت مـن سمائه
|
|
إلى الحضيض جاثياً على الركب
|
دعي قـرار الأمن فـي ناحية
|
|
وفنّـدي كل اقتـراح وطلـب
|
فقـد ملكت الأمر أنت سطوة
|
|
فـي بَدئهِ بعـد جهـود وتعب
|
فقـرري أنت المصيـرَ كلـه
|
|
وليكـن الحكم لـدولة القضب
|
لا تغلبي اليوم على الأمر يـداً
|
|
( فإنّما الأمر غداً لـمن غلب )
|
ومن ثم يعرج الشاعر في قصيدته على
المحتل الغاصب ليكيل له الويل والثبور وليتوعده بسوء المنقلب والمصير :
أبناء صهيـون وتـلك نسبة
|
|
يقـرن بالخزي لها من انتسب
|
قـد ضُرب الذلُّ عليكم مثلما
|
|
بؤتم مـن الله بسخط وغضب
|
منّيتُم النفس عمـىً في أمل
|
|
مُنيتم بـالويل منـه والحرب
|
فـخيبت آمـالكم وآذنـت
|
|
أوضاعـكم لكم بسوء المنقلب
|
ويـاعبيد العجـل لا أفلحتُم
|
|
وكيف يفلح امرؤ أغضب رب
|
من علّم العبد بأن يسمو على
|
|
سيـده وهو بـأرفع الـرتب
|
أيصبـح الرأس مسوداً بيننا
|
|
ويصبح السيُد عندنـا الذنب
|
مهازلٌ بهـا الحياة احتشدت
|
|
فاحتشدت من المآسي والكرب
|
وقد غدا مـزمراً من سخف
|
|
لطبله الأجوف كل من ضرب
|
روايـةٌ وهميـةٌ قـد مثّلت
|
|
في مسرح من الخيال مقتضب
|
أمـة اسـرائيل فيها حملت
|
|
مـن بعد عقمها قروناً وحقب
|
لكنّها من شؤمها قد وضعت
|
|
جنينها ما بين أحضان العطب
|
ويجدد الشاعر أمله بتحقيق النصر ، وتخليص
فلسطين من أغلال الاحتلال والهيمنة الصهيونية بالصبر ، والمثابرة على مقاتلة
المحتل واجباره على التراجع من الأراضي الفلسطينية :
صبـراً فلسطيـن وان طال العنا
|
|
وجلجلت بك الخطوب والنوب
|
قـد آن تحـريـرك مـن رقيّة
|
|
قـد جلبت لك الشقـاء والنصب
|
بفوهة المـدفع حيـن قصّـرت
|
|
أقلامنا فمـا وفت بمـا وجـب
|
بمنطـق القـوة حيـن ألـجمت
|
|
أفـواه مـن قـال بنا ومن كتب
|
فهلهلـي للبشـريـات والمنـى
|
|
واستقبلـي الشرق بها فالشرق هب
|
وهذه الصحراء منـه احتشدت
|
|
فيـالقـاً طبقت الدنيـا لجب
|
فـالأرض وهي لجة مـن الدما
|
|
والأفق وهو مـرجل من اللهب
|
هـبّ لانقـاذك وهـو واهـب
|
|
بالنفس والفوز حليف من وهب
|
ويختم الشاعر قصيدته بتحية المقاتلين
والمجاهدين من أبناء مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق ممن شاركوا في الحرب
التحررية ، ويشيد بمواقفهم البطولية التي حققت جزءاً من أماني وآمال الشعب
الفلسطيني المسلم.
__________________
ب
ـ الثورة الجزائرية :
حين قامت الثورة الجزائرية ، وارتفعت
أعلامها ، كان الشعراء في كافة البلاد العربية يقفون إلى جانبها بقصائدهم المؤيدة
وأشعارهم الحماسية. وفي العراق كان الشعر النجفي في طليعة الشعر العراقي المؤيد
للثورة الجزائرية وشعبها الصامد. ولم يشأ الفرطوسي أن يتخلف عن ركب الشعراء
الثائرين بل واكب الثورة وبكل حماس منذ انطلاقتها الاُولى. فقد أنشد قصيدة «
الجزائر »
عام ١٩٥٦ م وقبل أن يتحقق استقلالها :
يـاأمـة الشـرف المـجيد
|
|
ذودي عـن الأوطان ذودي
|
هبّـي إلـى استقـلالك الـ
|
|
ـغالي مـرفرفـة البنـود
|
وخـذيه مخضـوب القـو
|
|
ادم من دم الشعب النجيد
|
__________________
تعلــوه أصــوات الـيـ
|
|
ـتامى فـي أهازيـج النشيـد
|
وتـرف تحــت ظـلالـه
|
|
مقـلُ الأيـامـى كـالـورود
|
مخضلـــةً بمــدامــع
|
|
صُهرت على ذهب الخدود
|
فـي تربـة ورث الجهــاد
|
|
بهـا البنـون مـن الجــدود
|
تـأريـخ مجـدك نـاصـعٌ
|
|
عبـقٌ من الـذكـر الحميـد
|
وجهــادك الجبّـار عـنـ
|
|
ـوانٌ لاسفــار الخلـــود
|
تهـوي جبـاهُ الظــالميـن
|
|
له وتعنــو بــالسجــود
|
وتطـول فيـه بطـولـة الـ
|
|
ـشهداء فـي درج الصعـود
|
ضــحيت فيـه بمـا غـلا
|
|
مـن طارف لـك أو تــليد
|
والمجـد غـرس التضحيـات
|
|
وصنـوها جيـداً لــجيد
|
والموت فـي سـوح الجهـاد
|
|
ألـذُّ مـن عــيش العبيــد
|
ويحمل الشاعر على المستعمر الفرنسي
ليذكره بمجازره التي ارتكبها بحقّ الإنسانية ، وبحقّ التأريخ وبحقّ الخُلق
والفضيلة :
يـاساسة الارهاق فـي الد
|
|
نيــا ويــابُقيـا ثمـود
|
شـوهتـم التـاريخ فـي
|
|
صحف من الارهاب سود
|
وأبدتـم الانصـاف فـي
|
|
نقـم مـن الظلـم المبيـد
|
وقتلتـم نبـلُ الضمـائـر
|
|
بـالضغـائـن والـحقود
|
وقبـرتـم الإنسـان فـي
|
|
أخـلاقـه بيـن اللحـود
|
ومحـوتمُ رسـم الـفضيلة
|
|
مـن سجـلات الوجـود
|
__________________
وذبحتمُ الرحمات فوق
|
|
مجازر العسف الشديد
|
ونسختـمُ نُظمَ الحيـاة
|
|
وكـلَّ قانـون سديـد
|
مـا أنتـم بفعـالكـم
|
|
بشرٌ فـردّوا للقـرود
|
وهنا يتساءل الشاعر عن الجريمة التي
ارتكبها الشعب الجزائري لينال بسببها كل هذا الظلم والتنكيل! فالجزائريون لم
يثوروا إلاّ لتحرير أرضهم وتطهيرها من دنس المستعمر الغاشم :
مـاذا جنــى بجهــاده
|
|
شعب يسيـر إلـى الخلـود
|
شعــب لحــريّـاتــه
|
|
يسعـى بتحطـيـم القيـود
|
شعـب جـريءٌ بـاسـل
|
|
يضرى على الخصم اللدود
|
صلـب العقيـدة مـؤمـن
|
|
بـالحـق إيمـانَ الشهيـد
|
ثبـت الجنــان مـن الـ
|
|
ـركـانة لا يروّعُ بالوعيد
|
متمــاسـك الحلقــات
|
|
يهـزأ بالبـوارق والرعود
|
لا النـار تخمد عزمه الـ
|
|
ـطاغـي ولا زجل الحديد
|
يسطو بصـاعقـة القضاء
|
|
وفتـك ضـارية الاُسـود
|
وإذا اصطلت نارُ الـوغى
|
|
نـادى بهـا هل من مزيد
|
وبعد أن عرض الشاعر تأريخ الجزائر
المشرق وإيمان شعبه الصلب راح يشيد ببطولات الجزائريين ومقاومتهم الفذّة ويبشرهم
بالنصر والغلبة ، وبدعم البلدان العربية التي هبّت لنجدة الجزائر وشعبها الصامد
الأبيّ :
شعب الجزائر ياأبا الـ
|
|
ـسطوات والفتك العنيد
|
رصعت إكليل المفاخر
|
|
من جهادك فـي عقود
|
وكسوت أمجاد الكـرا
|
|
مة من دمائك في برود
|
وفتحـت للأجيال مـدرسة
|
|
البطــولـة مـن جـديـد
|
ونشـرت درسـاً خـالـداً
|
|
للتضحيــات وللجهـــود
|
ورفعــت رايـة يعـربٍ
|
|
خفـاقـة فـوق البنـــود
|
حُييـت يـاشعـبَ الجهـاد
|
|
وطـاب مهـدك مـن صعيد
|
هــذي طـلائـع يعـربٍ
|
|
وافـتـك تـزخـر بالـجنود
|
بفيـالــق ومعـا مــعٍ
|
|
هي كـالصواعـق والـرعود
|
ومـراجـلٍ تغلــي دمـاً
|
|
بعزائـم هـي كـالـوقـود
|
فبكــل أُفــقٍ رايــة
|
|
منشـورةُ الظـلِ المـديــد
|
وبكــل ميــدان عـقيـ
|
|
ـدٌ يقتفـي إثــر العقيـد
|
وبكـلُ قُطــر نهضــةٌ
|
|
كبرى مـن الـوعـي الجديد
|
سطعـت بمصـر وسـوف
|
|
تسطـع مثلَ نيـران الـوعيد
|
بصعيد « سوريا » و« عمـ
|
|
ـانٍ » وفـي « بلد الرشيد »
|
وبـكل مهــد للعـروبـة
|
|
من شقيقات « الصعيد »
|
__________________
ج
ـ تأميم قناة السويس والغزو الثلاثي على مصر
:
عندما تمّ تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦ م
نظم الشيخ الفرطوسي في هذه المناسبة قصيدة « قنال مصر » وفيها رحّب بالعزيمة
المصرية وموقفها الشامخ الذي لم يهتز لتهديد الطامعين ووعيد الغزاة المعتدين :
يـاموكبَ المجـد الخطيرِ وللعلى
|
|
والمجد فـي دنيـا المفاخر موكب
|
قف حيِّ مصرَ وحـيِّ أبطالاً بها
|
|
مجـدُ البطولـةِ مثلهـم يـتطلبُ
|
صعدوا بمرقـاةِ الكرامة للعلى
|
|
وقنـالُ مصر للكـرامة مـركبُ
|
قالوا الجلاء فقال شعبٌ نـاهضٌ
|
|
انّ الجـلاءَ لشعب مصـر مذهبُ
|
وإذا بـوادي النيل وهـو مراجلٌ
|
|
تغلي دماً ومشـاعـلٌ تتلهـب
|
وبساحة (الفسطاط) وهي منابت
|
|
للعز فسطـاط المفـاخر يضربُ
|
وبمصـر أعظمُ مهـرجان رائع
|
|
وفـمُ القنال به لسـان يخطـب
|
وإذا قـوى المستعمـرين يمينها
|
|
مغلـوبـة ويسار مصـر تغلب
|
____________
فكأنّ ناصر مصر قسورة بها
|
|
وكـأنهم حمـرٌ تفـرُ وتهرب
|
ويتابع الشاعر التأكيد على قوّة مصر
وثبات قدمها في الملمات والحوادث الجسيمة ، داعياً الشعب المصري إلى الصبر وتحمّل
الضغوط والأزمات من أجل الحرية والاستقلال :
يـا مصـر يـادنيا الكرامة اُفقها
|
|
مجـدٌ وتـربتُها ابـاءٌ مـعشب
|
يـاقوة الايمـان قد عصفت فـلا
|
|
ترضى بغير البطش إذ هي تغضب
|
يـابثقة التحـرير مـن أشـراقها
|
|
ينشـق للـرق المخيـم غيهب
|
ياصرخة الحق المقـدس جلجلت
|
|
بالظلم من فمك المحرق تصخب
|
ثوري على الظلم الفظيع بعاصف
|
|
يردي عـروشَ الظالمين ويحطبُ
|
وتـدَّرعي بـالصبر ولـيتدرّعوا
|
|
بالغدر فهو سلاحهم اذ خُيبوا
|
ولم يرق للغزاة المستعمرين أداء مصر
بتأميم قناة السويس فأججوا عليها حرباً شعواء في عام التأميم ذاته قاده الثلاثي
المستعمر بريطانيا وفرنسا واسرائيل. وقد أثار هذا العدوان الغاشم غضب الجماهير في
جميع البلاد العربية ، ومنها العراق الذي هبّ جماهيره إلى الشوارع معلنين سخطهم
واستياءهم من سياسة المستعمرين الارهابية.
وكان لشعراء العراق عامة ، والنجف خاصة
، حماس منقطع النظير في التحامهم مع الشعب المصري وتأييدهم لمواقفه البطولية. ولم
يكن الفرطوسي ـ كما عهدناه ـ بعيداً عن هذا الحدث الخطير ، بل كان في مقدمة
الشعراء المتحمسين لنضال الشعب المصري وجهاده ضد المحتل الغاصب. فقد نظم قصيدة «
مصر والاستعمار » حيث صوّر فيها جهاد الشعب المصري ونضاله من أجل الاستقلال و
__________________
الذود عن سيادة بلده
وكرامته :
يـا مصـر يـاأمَّ الصقور
|
|
ثوري على الطغيان ثوري
|
ثوري علـى الشـر المبيد
|
|
وبـددي شمـلَ الشـرور
|
ثوري على الغـدر الفظيع
|
|
وأنـت طـاهرة الـضمير
|
ثـوري لحقك قـد تبلج
|
|
فهـو كـالصبـح المنيـر
|
لحمـايـة استقـلالك الـ
|
|
ـغالي مـن الظلـم المغير
|
لكرامـة تـأبـى الهـوان
|
|
تُسـام بـالضيم الـمريـر
|
لدمٍ تحـدّر في ثـرى الـ
|
|
ـصحـراء كالغيثِ المطير
|
لـمذابـح خـط الإِبــاء
|
|
خطوطَهـا بـدم النحـور
|
لمصـارع الشهـداء عـا
|
|
بقـةً بـأشــذاء العبيـر
|
ولنجـدة الـوطن المفـدى
|
|
وهـو يهتـف بـالمجيـر
|
يـا مصر يـااُمَّ الصقـور
|
|
ثوري على الطغيان ثوري
|
وقد دأب الشاعر في قصيدته هذه ـ كشأنه
في قصائده الوطنية والحماسية ـ في تصوير أحداث العدوان ووقائع الحرب تصويراً حيّاً
ودقيقاً ليسجل فيه بعناية فائقة تفاصيل الحدث وحيثيات الواقعة. فمثلاً عندما
يتناول الانزال الجوي الذي قام به العدو في « بور سعيد » تمهيداً للسيطرة على
القناة ، يرسم صورة دقيقة للأحداث الدامية التي جرت في تلك المعركة. يقول الفرطوسي
مخاطباً « بور سعيد » :
يـافذة التـأريـخ في الـ
|
|
ـبلوى وفي الشرف الكبير
|
يـاسطوة الـبطش الـعنيد
|
|
تثـور فـي وجـه الغرور
|
يالحـد عـاتيـةِ الطغـاة
|
|
هـوت بـأعمـاق القبـور
|
ياساحـة الموت الرهيب
|
|
يطـلُّ فـي اليوم العسير
|
حيث الفضاءُ هو الجحيم
|
|
مـن الشـرار المستطير
|
والأرض تسبـحُ بالدماء
|
|
مـن المناحـر والصدور
|
وكـأنها بحـرٌ وأشلاءُ
|
|
الضحايـا كـالجسـور
|
والطائـراتُ القاذفـاتُ
|
|
غدت كأسراب الطيـور
|
ومـدافع النيـران تقـ
|
|
ـذف بـالسعير المستثير
|
والجـو يـملأ بـالدَّبى
|
|
حشداً كـذرات الأثير
|
رجمت شياطينَ الضلال
|
|
بـه مـلائكـةُ السعيـر
|
تـأريخُ مجـدِكِ صفحةٌ
|
|
بيضاء داميـةُ السطـور
|
والنجدةُ الحمراءُ هبّـت
|
|
فيك من جرحـى النسور
|
والتضحيـات الغـاليات
|
|
تهـونُ للشرف الخطيـر
|
|
|
|
|
|
ويواصل الشاعر في تخليد هذا الحدث
بالاشادة بموقف قائد مصر « جمال عبدالناصر » الذي وقف موقفاً بطولياً تحدّى فيه
غزو المستعمرين بكل ما يملكون من عدّة وعدد ، وقاوم الضغوط التي كانت تتوجه إليه
من كل حدب وصوب.
ومن ثم يتوجه الشاعر بالخطاب إلى
الفرنسيين الغزاة الذين دأبوا في نهب خيرات الشعوب واستغلال ثرواته من خلال الحروب
والاحتلال :
ياسـاسة الظلـم الفظيع
|
|
ويازبانيـةَ السعيـر
|
يـاآكلي لحـم الشعوب
|
|
وشاربي دمهـا الطهور
|
ياغاصبي بيت الضعيف
|
|
ونـاهبـي قـوت الفقير
|
__________________
أنتم دعاةُ الحرب فـي
|
|
عهد السلام الـمستنير
|
ردوا بحكمكم إلى الغـ
|
|
ـابات أو عهـد البعير
|
ان الشعوب تحـررت
|
|
من رق داجية العصور
|
وبوادر الوعي الرهيب
|
|
بها لكم صـوتُ النذير
|
يعرج الشاعر بعد ذلك على اسرائيل بذرة
الشؤم التي غرسها المستعمر في قلب العالم الإسلامي لتعيث فساداً ودماراً في تلك
الأرض الطاهرة المقدسة :
ألقيطـةَ الخـزيِ الـتـي
|
|
وُلدت بـأحضان الفجـور
|
وحثـالـة الغـدر الملـو
|
|
ث بـالمـآثـم والشـرور
|
يـا تربـةَ المستعمـرين
|
|
لـغـرس فاتكـة الجـذور
|
يـابنتَ صهيـون ومثـ
|
|
ـلك مهـدهُ لـحد الـقبور
|
فمن الجرائم أن يعيش الأ
|
|
ثـم فـي مهـد طهــور
|
ومن ثم ينتقل الشاعر إلى بريطانيا
الشريك الثالث في العدوان ليذكرها بماضيها الأسود المليء بالحقد والضغينة تجاه
الشعوب المستضعفة والفقيرة :
ياأمة تضرى على الضـ
|
|
ـعفاء كـالوحش العقـور
|
صبّـي جحيـمَ الانتقـام
|
|
بـوابـل الظلــم المبيـر
|
شقـي الجـراحَ وأجهزي
|
|
حتـى علـى الشيخ الكبير
|
لا ترحمـي العذراءَ دامية
|
|
المعـاصــمِ والنحــور
|
لا تشفقــي بـالأمّ حـا
|
|
نيةً علـى الطفـل الكسير
|
لا تـرفقـي بـرضيعـة
|
|
ذبـحت علـى المهد الوثير
|
وبصبية صـرعـى بقـا
|
|
رعة الطريق من المـرور
|
ولتمليء الصحـراء مـن
|
|
جـثث الضحـايا بـالقبور
|
خـوضـي دمـاء الأبريـاء
|
|
كـأنهـا لجـج البحــور
|
وعلـى القـرى مكشـوفـةً
|
|
والمـدن بالعـدوان غيـري
|
قـري علـى ظلـم الـورى
|
|
وعلـى قرار العـدل جوري
|
مـا شئت بغيـاً فـاصنعـي
|
|
ستـرين عـاقبـة الشـرور
|
فـالظلـمُ والتـدميـرُ والا
|
|
رهـابُ مـن سـوء المصير
|
لـم يبقَ فـي مصـرٍ وفـي
|
|
أخواتهـا لـكِ مـن نـصير
|
غيـرُ الأجيرِ وسـوف ينـ
|
|
ـمو الوعـيُ حتى في الأجير
|
يـاأمـة إقبـالهـا فـي الـ
|
|
ـشـرق آذن بـالـدبـور
|
مهــلاً فقــد أرداك طيـ
|
|
ـشك في ميادين الغرور
|
ويختم الشاعر قصيدته بذكر النصر الذي
وعده الله لعباده الصالحين ، يوم لا يعلو على لسان الحق لسان ، والغلبة يومئذٍ
للمسلمين ، والذل والخسران لدعاة الكفر والمعتدين.
د
ـ ثورة النفط في ايران :
في عام ١٩٥٢ م نهض الشعب الايراني
المسلم بحكومة الدكتور مصدّق وبقيادة الزعيم الديني السيد أبي القاسم الكاشاني في
وجه المستغلين الأجانب ليعلن تأميم نفطه وسيادته على خيراته وثرواته. وقد واكب هذا
الحدث ردود فعل مؤيدة في العالم الاسلامي ومساندة لمساعي الشعب الايراني التحررية.
وفي العراق ارتفعت أصوات الشعراء
تأييداً للثورة الايرانية وقيادتها
__________________
الحكيمة التي تحدت
قوى الاستعمار الغاشمة من أجل احقاق حقها ، والدفاع عن منافعها ومصالحها القومية.
وكان الشيخ الفرطوسي واحداً من اولئك الشعراء الذين دفعهم الحس الاسلامي إلى
مناصرة اخوانهم في الدين من أبناء ايران المسلمة. فنظم في تلك الفترة قصيدة «
ايران والجلاء »
التي أشاد فيها بمواقف الشعب الايراني البطولية تجاه انتهاكات المستعمر المستبد :
باسم الدم الحر باسم العدل منصور
|
|
حـقٌ صريح وفتـح فيه تحـرير
|
قـد طال أفـق ايـران فطـالعها
|
|
فجـرٌ به مزّقت تـلك الديـاجير
|
إلى أن يقول :
شعبٌ جريء على الأحداث مهجته
|
|
تضرى وقادته صيدٌ مغـاوير
|
تساندت كل كف فيـه واتسمت
|
|
بطابـع الوحدة العظمى الأسارير
|
صف رصين إلـى صف يسانده
|
|
وكـلّ صـف إذا قـابلته سـور
|
كـأن داود مـن أحشائه نُسجت
|
|
دروعُـه وشظاياهـا المساميـر
|
قد هزّه لجهاد الكفر مـن طرب
|
|
صوت مـن الدين أوحته المزامير
|
وفي القصيدة تبجيل وتقدير لنواب المجلس
الايراني الذين منحوا الحكومة الصلاحيات المطلقة في تأميم شركات النفط الأجنبية ، وكذلك
تحية لرئيس الوزراء الدكتور مصدق لزعامته الحركة الوطنية ، وأيضاً تحية للشهداء
الذين بذلوا أنفسهم من أجل انتصار الثورة وتحقق أهدافها السامية :
__________________
حُييتـمُ شهـداءَ الحق إنكـم
|
|
سفر مـن المجد للتأريخ مسطور
|
ما قيمة الورد والأزهار تنثرها
|
|
على جنانكم الولـدانُ والحـور
|
هذي الـدموع نثار فوقها خضل
|
|
وكلّ قـلب ضريح فيـه محفور
|
أرخصتـم كلَّ غـال ما له ثمن
|
|
فـي مثله يتسامى المجد والخيـر
|
فللرصـاص صدور ملؤها أمـل
|
|
تفتحت مـن حناياها الأزاهيـر
|
وللحمام ثغور ملؤها جــذل
|
|
تزهو واشباحه منهـا مذاعيـر
|
وللحديد جسوم بعثرت قطعـاً
|
|
كـأنها لؤلؤٌ في التـرب منثـور
|
ماذا جنت هذه الأرواح يحصدها
|
|
وهـي البريئة باسم الأثم مغرور
|
وكـلُّ غايتها تحـريـر أمتهـا
|
|
وإن غايته القصوى الـدنانيـر
|
ياساسة الغدر والتغريـر حسبكم
|
|
سياسة كلها غـدر وتغـريـر
|
يا آمـرين بلا حـق علـى أمم
|
|
يسـوسها لهـمُ رقٌ ومأمـور
|
ماذا جنته شعوبٌ قد أهاب بهـا
|
|
باسم العدالة ارهـابٌ وتحذيـر
|
وأيُّ حكمٍ وقانون يقـرُّ لكـم
|
|
ظلم الضعيف وما في الظلم تبرير
|
بوءوا بخزيكم غبناً فقد فضحت
|
|
أسرارُكم وانجلى منهنَّ مستور
|
__________________
هـ
ـ مساندة الحركات الوطنية :
عايش الشيخ الفرطوسي كثيراً من الحركات
الشعبية والثورات الوطنية التي قامت في العهد الملكي ضد الاحتلال البريطاني. وقد
شارك فيها مشاركة فعّالة كسائر شعراء النجف ممّن أسهموا في إضرام لهيبها وتأجيج
نارها بأشعارهم الحماسية المجلجلة التي كانت كالصاعقة على قلوب الغزاة المحتلين.
ومن الحركات الوطنية التي شارك فيها
الشعراء ومنهم الشيخ الفرطوسي حركة رشيد عالي الكيلاني عام ١٩٤١ م الذي أخذ زمام
الحكم من يد البريطانيين وأقام حكومة وطنية لم تدم سوى أشهر قليلة.
وقد نظم الشيخ الفرطوسي في أحداث هذه
الحركة قصيدة « نهضة العراق » التي قال فيها :
عزائم العرب ثوري وانهضي فينا
|
|
إلـى الوغى وأعيدي مجد ماضينا
|
__________________
ورفرفي يابنودَ الحق خافقة
|
|
بالنصر واستقبلي دنيا أمانينا
|
قد آن أن تملأ الدنيا عزائمنا
|
|
نـاراً موقـدة تُصلي أعادينا
|
إلى أن يقول :
ياصرخة من فم الاخلاص صادرة
|
|
أضحى لها الوطن المحبوب يدعونا
|
لبيك بالسيف والاخلاص يعضده
|
|
وبالدما وهـي تجري مـن عوالينا
|
لبيك بالوحدة العظمى يلحنهـا
|
|
باسم التفادي فم الاخلاص تلحينا
|
لبيك بالنهضة الكبرى وقد جعلت
|
|
لهـا الجزيـرةُ والدنيـا ميادينا
|
حي العراق فقد أضحت عزائمه
|
|
تغلـي دماً شيدت فيـه معالينـا
|
هاجت عواصفه في وجـه طاغية
|
|
بالعسف والجور مـا زالت توافينا
|
فـزلزلـت بظباهـا أيَّ قـاعدة
|
|
للظلم عاد بهـا الالحاد موهونا
|
وعلى الرغم من اخفاق ثورة الكيلاني
وعودة الملكية ثانية إلى العراق ، فقد أخذت الانتفاضات الشعبية طريقها إلى التفاعل
والتصاعد ، وأخذ الشعب يتحدى المحتل البريطاني بكل ما يملك من قدرة وقوة.
ومن أبرز هذه التحديات انتفاضة كانون
الثاني عام ١٩٤٨ م التي وثب فيها الشعب لإحباط معاهدة « بورتسموث » المجحفة ، واستطاع
القضاء عليها بعد أحداث دامية راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى. وقد نظم فيها الشيخ
الفرطوسي قصيدة « دم الحرية » التي خلّد فيها غلبة الشعب الثائر على طغيان
المستعمر المحتل :
دمٌ تحدر مصبـوباً على النار
|
|
فأخمد الظلم في تياره الجاري
|
ومنبع من شعور ثـار مندفعاً
|
|
في فيلق من جنود الحق جرّار
|
__________________
ثم يقول :
فحـق للوطن الغالي وقد سفكت
|
|
بـه دمـاءٌ بريئـاتٌ لأبـرار
|
أن يغتدي مـأثماً من أدمـع ودمٍ
|
|
إنّ الضحـايا بـه أرواحُ أحرار
|
يـاأيها الوطـن الدامي على رهج
|
|
من الرزايا به دوى كاعصار
|
نضـالك المـرّ تأريـخ يصوره
|
|
لك الخلود بـأسفـار وأسفـار
|
وتضحيـاتُك لـلأجيال مـدرسةٌ
|
|
تملي عليها دروسـاً عهد ذي قار
|
شـرفتـه بـدم الأحرار متقـداً
|
|
إنّ الدمَ الحـرّ بـركانٌ من النار
|
ورحت تمحو به نقضاً ( معاهدة )
|
|
قد أبرموها بـارهاق واجبار
|
ومن أشهر الأحداث التي تمخضت عن تلك
الانتفاضة « وقعة الجسر »
التي استشهد فيها عدد كبير من المجاهدين والثوار ، وفيها نظم الشاعر قصيدة « مآسي
الجسر » حيث جسّد فيها مشاهد تلك الوقعة المريعة وأحداثها الدامية والأليمة :
سل الجسر عن بحر عبيط من الدم
|
|
طغا فوقـه لجـاً بـوجه جهنـم
|
وعن جثث القتلى وكيف تراكمت
|
|
على جانبيه كـالحطـام المهشـم
|
وعن عدد الجرحى إذا كان عنده
|
|
سجـل إلى احصائهـا كالمتـرجم
|
وعـن فوهة الرشاش طبقت الفضا
|
|
دويّـاً باطـلاق الرصـاص المخيم
|
__________________
فكم طلقـة ناريـة منه صوَّبت
|
|
لـقلب بريَ مـن أنامـل مجرم
|
فمن يافع غض الصبا مترعرع
|
|
يحيّيـه مـن آمالـه خير مبسم
|
مشى نحوه كالسهم غيـر محايد
|
|
ولـيس بـهيَّـاب ولا متبــرم
|
يصافح تيار الرصاص بصدره
|
|
ويرنو لـه في طـرفه كالمسلّم
|
إلى أن غـدا للقاذفـات ضحية
|
|
مبعثـرة كـالهيكل المتحطم
|
ومن جملة التحركات الشعبية التي شارك
فيها الشاعر مشاركة فعّالة انتفاضة تشرين الأول عام ١٩٥٢ م والتي طالب فيها الشعب
بحقوقه المشروعة من حق تعيين المصير واجراء الانتخابات الحرّة. وقد نظم الشاعر في
هذه المناسبة قصيدة « الاستقلال » التي قال فيها :
يـاقادة الاسلام فـي نهضاته
|
|
والدهر يرعد بالخطوب ويبرق
|
ومحرقي وعي النفوس وفالقي
|
|
روح الجهاد وربّ روح يـفلق
|
ومحرري الأجيال مـن رقيةٍ
|
|
مـن ليلها ينشق فجـرٌ مشرق
|
أسستـم عرشـاً وشدتم دولةً
|
|
ورفعتـم علماً يـرفّ ويخفق
|
أنتـم بناةُ المجد فـي تأسيسه
|
|
والمجـدُ يُنسب للبنـاة ويلحق
|
إلى أن يقول :
وبلادنـا والشوك يدمي قلبهـا
|
|
وحقـولها في الغرب ورداً تعبق
|
مـاذا تؤمـل بعدما قـد عقّها
|
|
أبناؤهـا وقسى بها مـن يرفق
|
أحزابنـا وهي البـلاءُ وكلّهـا
|
|
صـورٌ لتفـريق البلاد تلفّـق
|
أم للصحافة وهي سوق تُشترى
|
|
فيهـا الضمائر بالنقود وتُنفـق
|
أم للرجـال المصلحين وهم بها
|
|
أصلُ البـلاء وفرعـه إذ يورق
|
__________________
قد أقحل الوادي فها هو بلقع
|
|
يبسٌ وغـاض نميرُهُ المتـرقرق
|
مـاذا وراءَك يا غمامُ أعارض
|
|
هو ممطرٌ أم عاصفٌ هو محرق
|
هذي البلاد إلى الـوراء تقهقرت
|
|
فمتـى بصف لداتها هـي تلحق
|
وشبابُها الحـيّ المثقف أُلحـدوا
|
|
وهـمُ حيـاة للبـلاد ورونـق
|
وفـم الصحافيِّ الـمحرر ملجمٌ
|
|
في ألف قيدٍ فهو بـابٌ مغلـق
|
والشاعر الموهوبُ عود عطلت
|
|
أوتارهُ وذُبـالــةٌ تتحــرق
|
والعامـلُ المكدودُ مـن إجهاده
|
|
خـارت قواه وفُل منـه المرفق
|
والـزارع المنكوب مـن انتاجه
|
|
صفر الأنامل وهـو ملك مطلق
|
فبمن يُـرجّى الخير مـن أبنائها
|
|
في حيـن أنّ الشر فيهـا محدق
|
لـم يبق إلاّ معجـزٌ يبدو بهـا
|
|
والمعجـزات لكل عـاد تخـرق
|
يـاليـل بغـداد وافقك كلّـه
|
|
بـالنيرات مـرصـعٌ ومطـوق
|
هـل في سمائك للعدالة كوكبٌ
|
|
يبـدو لهذا الشعب حيـن يحدّق
|
ضاق الخناق فكل فجـر ساطع
|
|
غلس عليه وكـل رحب مأزق
|
وسيـاسة الارهاب حتى نفسها
|
|
من قسوة الارهاب كادت تزهق
|
أفـلا يطلُّ على المدائن والقرى
|
|
فجر مـن الاصلاح فيهـا يفلق
|
أفلا تهب على العواصف نسمة
|
|
للعـدل تعبق فـي البلاد فتنشق
|
إنـا نـروم العـدل لا حـرية
|
|
فوضـى ولا رقيـة لا تعتق
|
__________________
و
ـ مناهضة الأنظمة الاستبدادية الحاكمة :
عرف الشيخ الفرطوسي من خلال نشاطه
الأدبي المكثّف ، وتواجده الدائم والمستمر في الساحة السياسية بمناهضته للحكومات
الاستبدادية وتحديه للسلطات الجائرة التي كانت تخضع الشعب تحت وطأة العنف
والاضطهاد وتوسعه ظلماً دون رحمة وشفقة.
وعلى الرغم من أساليب التعسف والتنكيل
التي كانت تمارس بحق الأدباء والشعراء من قبل الحكومات الطاغية ، فانّ الشيخ لم
تكن ترهبه مثل تلك الأساليب الوضيعة ، أو تبعده عن ساحة الجهاد والنضال. فقد كان
الشاعر واضح الرؤية صريح الموقف تجاه انتهاكات الأنظمة الاستبدادية التي حكمت
العراق في عهده.
فها هو الشاعر يصور الوضع السياسي القائم
في العهد الملكي بقصيدته « الغريب » التي نظمها عام ١٩٤٩ م دون أن يضفي عليها
طلاءً مزيفاً من المداهنة أو الممالأة تخوفاً من بطش الحاكم أو تعسفه :
فيـا أيها الحر الغريب بـأرضه
|
|
وإن يك في أحضان موطنه قرا
|
حذارَك مـن وضع مسيئ محتم
|
|
يجر لهذا الموطن اليأس والضرا
|
تناقضت الأحوال فيـه بكثـرة
|
|
فلم نحص للأضداد عداً ولا حصرا
|
وأضحت مقاييس الأمور عقيمة
|
|
فلـم نرَ مقياساً بها منتجاً أمــرا
|
شذوذ على حرية الشعب حاكم
|
|
ولم يعط هذا الشعب مـن حقه نزرا
|
يميت نبـوغ العبقـري بنفسه
|
|
ويقتل ما تـوحي مـواهبه صبـرا
|
وينعى على الفذ الأديب شعـوره
|
|
فيكتب فيـه كـل عـاطفة قسـرا
|
وينقم أن يسدي النصيحة مخلص
|
|
وإن كان لا يبغي على نصحه أجرا
|
يسر بأن ينعى على مصلح خيراً
|
|
ويغضب أن تنعى على مفسد شرا
|
ختمنا به أفـواهنا وعيـوننـا
|
|
ورحنـا إلى الأسماع نحشدها وقرا
|
فلم ينجنا من أسـره واضطهاده
|
|
ركـود قتلنا العاطفات بـه أسرا
|
وما عيشة الأحرار في ظل موطن
|
|
هو السجن والمنفى لهم وهم الأسرى
|
وماذا الذي نرجوه من مصلح به
|
|
إذا هو لا يسطيع نهياً ولا أمرا
|
وكثيرة هي المواقف التي وقفها الشيخ
الفرطوسي تجاه الأوضاع السياسية المتدهورة والأزمات الاقتصادية المتفاقمة في العهد
الملكي. وقد كان في جميع مواقفه واضحاً وصريحاً ـ كما مر ـ لا تثني عزمه الضغوط
والمضايقات :
ياساسةَ الشعب الهضيم بموطن
|
|
في كل حين بالحوادث ينكب
|
نظُم العراق من الشذوذ غريبة
|
|
والوضع فيه من التدهور أغرب
|
بلغ الفساد بحـالة لا يُـرتجى
|
|
اصلاحُـه فيها ولا يتـرقب
|
هذي البلاد جنوبها يبكي أسىً
|
|
ممّـا بـه وشمـالهـا يتنحب
|
الجهـل والفقر المخيم فيهمـا
|
|
ولدا ومات العلم وهو لها أب
|
وكأن مشكلة الضرائب أصبحت
|
|
مثلاً بها فـي كل حين يُضرب
|
ومنابـع الخيـرات فيهـا جمةٌ
|
|
وصعيدها من خصبها هو مجدب
|
فكأن تلك سيـاسة مقصـودة
|
|
من واضعيها في البـلاد ترتّب
|
فأعجب لهم من ساسة قد سيروا
|
|
بسياسة من وضعهم هي أعجب
|
فكـأنها كـرةٌ بأيـدي صبيـة
|
|
تلهـو بها وكأنّمـا هي ملعب
|
وسياسـة الارهاب حتى نفسها
|
|
من قسوة الارهاب كادت تذهب
|
كمت بهـا الأفواه حتـى خُلتها
|
|
خلقت وليس لها لسـان يعرب
|
|
|
|
|
|
__________________
لا بلبـل يشدو بهـا متـرّنمـاً
|
|
في الرافديـن ولا غـرابٌ ينعب
|
وفـم الصحافة ملجم بقيـوده
|
|
فكأنما هو نـاسكٌ متـرهـب
|
وكنانة الأحزاب من أوتـارها
|
|
قطعت وحـلَّ نظامها المتشعب
|
صونوا حقوق الشعب يا من حكموا
|
|
في الشعب فاضطهدوا الحقوق وأرهبوا
|
الشعب كـالليث الجريح على الأذى
|
|
يضـرى ومـن أجمـاته يتـوثـب
|
وإرادة الشعـب القـوية كـالقضا
|
|
في الحكم تمحو ما تشاء وتكتـب
|
وما ان أطلّت ثورة الرابع عشر من تموز
عام ١٩٥٨ م حتى راح الشاعر يفصح عن شجونه وآلامه ، وما شهده شعبه من ظلم واستبداد
في ظل الحكم الملكي وتحت هيمنة المحتل الانجليزي :
عهـدٌ من الارهاب قـام مدمراً
|
|
فينـا فـآبَ لخيبـةٍ ودمــار
|
قـد كُمّت الأفواه فيه وأرتجت
|
|
سحب على الأسماع والأبصار
|
وطغا الشذوذ على النظام فما به
|
|
لتـوازن الأشيـاء مـن معيـار
|
وتنـاقضت فيه الأمور فـرأسُه
|
|
ذنبٌ وغـاربُه علـى الأكوار
|
وعلى الرغم من تطلعات الشعب إلى هذه
الثورة وتفاؤله بانجازاتها ومعطياتها إلاّ انها لم تحقق بالشكل المطلوب طموحات
الأمة وآمالها من حرية وثبات وأمن واستقرار. وقد أحس الشاعر بهذا الهاجس الخطير
وحذر مراراً من عواقبه الوخيمة وأخطاره الجسيمة :
ياقـادة الاسلام فـي نهضاته
|
|
والأرض تلهب بالجحيم الواري
|
الثورة الكبـرى وقـد القحتُم
|
|
جمـراتهـا بمعـاقل الثـوار
|
__________________
وقـد حتم زند الجهاد فاضرمت
|
|
والزنـد لا يجـدي بغيـر اوار
|
حتى أقمتـم دولـةً ورفعتـم
|
|
علماً يرفُّ علـى جبين الغـار
|
هـا هم بقايا المجد مـن أبنائها
|
|
وتــراث آبـاءٍ لهـا أبـرار
|
حُرمـوا جنان مواطن كانوا بها
|
|
يتهافتـون علـى صعيـد النار
|
وتحلبت عـرقَ الجهـاد أناملٌ
|
|
بدمائهـم مخضوبـة الأظفـار
|
لم يُمنحوا حق المواطن في ثرى
|
|
هذي البـلاد ولا حقـوق الجار
|
فكـأنهم وهـم البنـاة رواتهـا
|
|
وكأنها خبـرٌ مـن الأخبار
|
وبالفعل فقد أخفقت الثورة وسقطت بانقلاب
عسكري قاده عبدالسلام عارف في الثامن من شباط عام ١٩٦٣ م. إلاّ انّ الوضع لم يستقر
والأمن لم يستتب. فقد عمّت الفوضى واستبدّ الظلم والإرهاق بالشعب. وهاهو الشاعر لا
يزال يحمل في فمه أشعار النهضة والثورة ضد سياسة الحكّام الارهابية :
... وعوامل الارهاب لا يُبنى بها
|
|
إلاّ ويُهدم قــائــم البنيــان
|
ومتـى تعيش سيـاسة نـاريـة
|
|
في ظلّ حكـم عسكـري جـاني
|
بـليت بلاد الشـرق بيـن لداتها
|
|
بسيـاسة هـي لعبـة الصبيـان
|
إلى أن يقول :
ضاعت مقاييس بها كان الحجى
|
|
يـزن الرجال بـكفتي ميـزان
|
وتقهقـرت أوضاعنـا وتبعثرت
|
|
حتـى غدت منثـورة الأوزان
|
واستعمـرت حتى المها أخواتها
|
|
فالضان يحكم فـي قطيع الضان
|
وتفرعنت حتى النعاج فأصبحت
|
|
منهـا تراع مخـالب الذؤبـان
|
خلـت المعـاقل والثغور وهذه
|
|
خيل الغزاة تغير في الأوطان
|
__________________
ز
ـ مجابهة الحركات الهدامة والأفكار المنحرفة :
بعد انهيار الحكم الملكي في العراق
وقيام ثورة ١٩٥٨ م ، ظهرت موجة عارمة من التكتلات السياسية والتجمعات الطائفية ذات
الأفكار المنحرفة والمبادئ الفاسدة مثل الحزب الشيوعي وأحزاب مماثلة اُخرى.
وقد تبنت معظم هذه الأحزاب موقفاً
مشتركاً ـ على الرغم من تفاوتها المبدئي والايديولوجي ـ يقضي بانتزاع الهوية
الدينية والاسلامية من الشعب وبثّ الطائفية والعداء المذهبي بين مختلف شرائحه
وطبقاته.
وقد وقف الشاعر وبنباهة وفطنة أمام هذه
التيارات المضللة وقاومها مقاومة شديدة بيّن اتجاهاتها المنحرفة وأفكارها الفاسدة.
وله في هذا الشأن قصائد كثيرة ، منها قصيدة « الشعب حر » التي نظمها عام ١٩٥٩ م
ابّان تصاعد تلك الحركات :
يا رائد الخير والاصلاح في وطن
|
|
ينوءُ بالشر مـن أوزار من سبقوا
|
هذي البلاد بها قد اطلعت ذنباً
|
|
من كيدها سلحفاةٌ ما لها عنق
|
فوسعت شقة التفـريق في وطن
|
|
مـوحدٍ هو صفٌّ ليس يفتـرق
|
وحمّلت هذه الأفكار ما اصطبغت
|
|
مـن المبادئ فيهـا وهـو مختلق
|
فاغلق عليهم من الأبواب ما فتحوا
|
|
وافتح علينا من الأبواب ما غلقوا
|
الشعب يـطلب شبعاً بعد مسغبة
|
|
للكادحيـن وأمناً ما بـه فـرق
|
بحيث تُـرعى بجنب الذئب آمنـة
|
|
شاةٌ ويحيا بـه مـن ساغب رمق
|
قـد أخـرتنا خلافات يقوم بهـا
|
|
مفرق عن صفوف الشعب مفترق
|
__________________
يـدسّها فيـه أفكـاراً مسممةً
|
|
النار تذكو بها والشعب يحترق
|
ياخـالقين بهـذا الشعب بلبلةً
|
|
بكل ما عملوا فيـه وما نطقوا
|
الشعبُ حرٌّ جريءٌ في إرادته
|
|
صلبُ العقيدة فـي أقواله ذلق
|
فـلا يديـن بأفكار مخـربة
|
|
حمراءَ يُهدَمُ منها الدينُ والخلق
|
فاننا أمةٌ فـي الديـن مسلمةٌ
|
|
بكل مـا جاءَ فـي قرآنها تثق
|
واننا عـربٌ والكـرد اخوتنا
|
|
جيداً لجيـد بهذا المهـد نعتنق
|
ويضع الشاعر اصبعه على مواضع الفتن التي
كانت تثار من قبل تلك الحركات ، ويحذر من تمزق الشعب وتفرقه إذا ما استمرت مثل هذه
الأحزاب في العمل دون رادع ومانع :
يامصلح الوضع ان الوضع أفسده
|
|
تشـاحنٌ مـن دجى رأيين ينبثق
|
همـا أقليةٌ فـي الشعب قد نجمت
|
|
كيما تفـرقه والشعـب متفـق
|
هـذي المبادئ تنأى عن مكاسبها
|
|
مكـاسبُ الثورة الكبرى وتفترق
|
أجهـز عليهـا ففي أهدافها خطرٌ
|
|
علـى البلاد وفي تشريعها فرق
|
تقهقـر الشعب من أهدافها خلقاً
|
|
ووحدة واقتصـاداً وهـو منطلق
|
فـأصبحت موبقات الأثم مدرجة
|
|
إلى الفضائل فيها يرتقـي الخلق
|
والسلـم مجزرة حمـراءُ مـظلمةٌ
|
|
إلـى الحمام بها الأرواح تستبق
|
وأضحت الوحدة الكبرى بنا غرضاً
|
|
للطامعيـن فشعب واحدٌ فـرق
|
وعـاد اصلاحنـا حقـلاً لمزرعة
|
|
مـن المفـاسدِ فيها يُزرع القلق
|
فـالأرض قفراء والفـلاح مفتقر
|
|
للقرض والشعب قد أودى به الملق
|
ولـيس يعلـم من سارت سفينته
|
|
ان الشـراع الذي يجـري بها خلق
|
|
|
|
|
|
وقد دأب الشيخ الشاعر لدى تحذيره من خطر
هذه الحركات في توجيه خطابه إلى قادة الأمة ، وحثهم على التمسك بمبادئ الدين
السديدة ، والعمل بتعاليم الاسلام الرشيدة التي طالما تجسّدت من خلالها الوحدة
والتآزر بين كافة شرائح المجتمع :
يـاقادة الديـن في الاسلام معذرة
|
|
ان ضاق في نفثات الصدر ما رحبا
|
الـديـن مجدكم ريعت معـاقله
|
|
من الغـزاة وفي أخـلاقه نُكبا
|
... لا فوضوية
في الاسلام ينشدها
|
|
مخـربٌ ينشـد التفريق والعطبـا
|
وغيرها مـن مبـادي الكفر يتبعها
|
|
فـي الكفر زندقـةً يا من إليه صبا
|
فانّنا أمّـة في الـديـن مسلمـةٌ
|
|
لا تـرتضي غيـر ديـن الله منقلبا
|
نظـامنـا وهو القـرآن نـرفعه
|
|
علـى الرؤوس شعاراً يَدرأ الريبا
|
إلى أن يقول :
لا طـائفية والاسـلام يـربطنـا
|
|
مـن الاخاء بقـربىً تفضل النسبا
|
فالطـائفيـة نـار مـن يؤججها
|
|
لابـدّ أن يغتـدي يوماً لها حطبا
|
وقـوةٌ بيـد المستعمـرين بهـا
|
|
تغزو البـلاد وتستولي بهـا غلبـا
|
وحربةٌ في صميم الشعب يغرسها
|
|
مفـرقٌ ينشد التضليـل والحـربا
|
لا طـائفيـة والتـوحيد جـامعة
|
|
أضحت بها الوحدة الكبرى لنا سببا
|
الدين والـدم والقـرآن معجـزنا
|
|
بهـا نعانق اخواناً لنـا عربا
|
__________________
٢ ـ الشعر الاجتماعي :
انصرف الشيخ الفرطوسي في جانب كبير من
شعره إلى الشؤون الاجتماعية وذلك لارتباطه الوثيق واحتكاكه الدائم والمستمر بشرائح
المجتمع المختلفة من قبيل أصحاب الحرف والمهنيين ، والعمال والفلاحين بالاضافة إلى
المثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء.
وقد دفع هذا الارتباط بالشاعر إلى الخوض
في ميادين الاجتماع من أجل التعرف على مشاكل الناس ومعالجة أوضاع المجتمع الذي
طالما استفحلت فيه المشاكل والمعضلات. وقد ساعدت الظروف الاجتماعية العصيبة التي
عصفت بالشاعر طوال حياته على تفهمه لهذا اللون من الشعر واقباله عليه في مناسبات
مختلفة.
ولا غرو فان الشاعر الذي ذاق في بداية
نشأته أنواع البؤس والشقاء وواكب الحرمان في شتى أدوار حياته لجدير بأن يكثر من
الشعر الاجتماعي ويسهب في الحديث عن المآسي والأتراح التي حفّت بأبناء وطنه وأعاقت
شعبه عن الرقي والتقدم.
وقد حاول الشاعر من خلال تناوله
الموضوعات الاجتماعية البحث عن حلول إصلاحية تكفل لمواطنيه حياة طيّبة لا يشوبها
الفقر والحرمان ولا تجد الرذيلة والمفسدة اليها طريقاً ومسلكاً.
وتتلخص محاولات الشيخ الاصلاحية التي
قام بها من خلال أشعاره الاجتماعية في الموارد التالية :
أ ـ محاربة الفقر
والفساد :
قبيل الحكم الجمهوري وفي عهد الاحتلال
البريطاني عاش الناس فقراً مدقعاً وحياة شظف ونكد لم يكن الفرد يجد لقمة الخبز
التي تقيم أوده وتحفظ رمقه. ولم يكن الفقر آنذاك قاصراً على طبقة دون اخرى بل كان
شائعاً بين أوسع طبقات المجتمع بلا استثناء.
وقد تناول الشاعر في كثير من قصائده
مأساة الفقر وما كان يعانيه الشعب من بؤس وحرمان نتيجة العوز وضيق اليد. ومن هذه
القصائد قصيدة « اليتيم » التي صور فيها جانباً من حياة الفقر والشقاء التي كان
يعيشها الناس في تلك الآونة :
طفل يتيم أقضّ الجـوعُ مضجعه
|
|
ملوّع القلب قد أودى به الخور
|
قـد مات والـده فاظلمّ مكتئباً
|
|
أفـق الرجاء عليـه مذخبا القمر
|
إلى أن يقول :
والهفتـاه لـه من ضارعٍ سغب
|
|
قد طأطأ الرأس منه الفقر والصغر
|
أودى به البؤس من جوع ومن شعث
|
|
فاغبـرّ منه المحيـا الطلـق والشعر
|
يستعطـف الناس ممّا قـد ألمّ بـه
|
|
وليس فيهـم لصـوت الحـق منتصر
|
ويسـأل القـوم إسعـافاً وحـاجتُه
|
|
قرصٌ يكـافح فيـه الجـوع أو كسر
|
وليس فـي القوم مـن يصغي لندبته
|
|
وهـي الحزينـة لـولا أنهـم صـور
|
يمـدّ إحـدى يديـه سائـلاً ويـدٌ
|
|
يصـون فيهـا محيّاً شأنـه الخفر
|
معطـل الجيــد لـولا أن جبهتـه
|
|
تنـدى حيـاً فتحلـي جيـده الـدرر
|
__________________
لا يسأل النـاس إلحافاً بحـاجته
|
|
ولس ينقم إن صدوا وإن بطروا
|
مطأطئ الرأس في رجليه قد جمدت
|
|
دماه من طول ما يرجو وينتظر
|
والشاعر نفسه لم يكن بمنأى عن هذه
المأساة ، فطالما مرّ بظروف قاسية يوم كان طالباً دينياً لا يصله من الحقوق
الشرعية إلاّ النزر القليل حيث لم يكن يكفيه لسد حاجاته وادارة شؤونه.
وقد حاول الشاعر مراراً معالجة هذه
الظاهرة الخطيرة في قصائد عديدة من شعره ، منها قصيدة « قادة العلم » التي أرسلها
صرخة مدوية يستنهض بها همم الولاة والقادة لدرء هذا الخطر المحدق بحياة الناس
وخاصة حياة طلاب العلم :
يا قـادة العلم والاصلاح مجدكم
|
|
والـدين مجدٌ عظيمٌ ثُـلَّ وأنثلمـا
|
...هذي الأزاهير وهي الغرس بعدكم
|
|
وكنتُـم قبلُ غرساً نـاشئاً فنمـا
|
تسد بـالترب أفـواها قـد التقطت
|
|
مسامع الفضل منها الدر منتظمـا
|
وتستقي مـن سراب اليـأس ظامئة
|
|
لأنفس فجرت أحشاؤها حكمـا
|
وترتـدي الخشن البـالي وتلحـدها
|
|
مـن البيوت سجون طبقت ظلما
|
لا تبتغـي رغداً فـي ظل نـاعمة
|
|
مـن الحياة تـدر الخير والنعمـا
|
ولا روىً مـن أبـاريـق لطـائشةٍ
|
|
من اللذائـذ اضحت تعبـد النغما
|
ولا قصـوراً هي الفـردوس غارقةً
|
|
من النعيم تضم الحـور والخـدما
|
لكنهـا تبتغـي قـوتـاً الى رمـقٍ
|
|
على الجهاد به تقوى وقد عُدما
|
وكان الشاعر في كثير من الأحيان يتوجه
في محاولاته الاصلاحية لظاهرة الفقر ، الى الأغنياء والموسرين ليستدر عطفهم ويجلب
اهتمامهم تجاه الفقراء
__________________
والمعوزين ، على أمل
أن يحيا الناس حياة يسيرة لا يشوبها الفقر والعوز :
تعطّف يـا غنيّ على الفقير
|
|
بمـا أُوتيتَ مـن خيـر كثير
|
وجـد فيما تجود به عليـه
|
|
ولو فـي قرص قمح أو شعير
|
لقـد أفنـاه بؤس ليس يفنـى
|
|
فأصبح فـي عداد ذوي القبور
|
فخـذ بيديـه إسعـافاً لتُحيي
|
|
بقـايا ذلـك القلب الكسيـر
|
ولـو انصفتـه لفـديت نفساً
|
|
لـه تفديك بـالنفس الأخيـر
|
الا يـدعـوك نبلُ النفس يوماً
|
|
الـى إسعاف خيـر أخ غيور
|
الا تدعوك نفسُـك للمعـالي
|
|
كما تـدعوه للشـرف الخطير
|
الا يدعـوك للإنصاف صوت
|
|
ينـاجيـه بـاعماق الضميـر
|
فجـد للبـائس العافـي بشيٍَ
|
|
كثير من حطامك أو يسير
|
وقد هالت الشاعر مظاهر الفساد والترف
التي خلفتها الطبقية الظالمة نتيجة انعدام العدالة الاجتماعية ، والفوضى
الأقتصادية السائدة آنذاك. ففي الوقت الذي لم يكن عامة الشعب يجد قوت يومه كانت
الأقلية من المتمولين والأقطاعيين تنعم في قصورها ومسارح لهوها غير آبهة بمعاناة
البؤساء وشقاء المعوزين والفقراء.
وقد عزّ على الشاعر أن يرى هذه الصور
الأليمة والمناظر المريعة دون أن يقف موقفاً حاسماً يسدد من خلاله نقداته اللاذعة
تجاه الوضع الاجتماعي المتأزم ، والتدهور الاقتصادي المتفاقم :
يـا موطناً عزّت عليه حماته
|
|
وهـم بنوه الـذادة الأطهـار
|
وقضت عليه سياسة مسمومة
|
|
هو جاء قد حفت بها الأخطار
|
_________________
بالـرغم أن تهنى لديك مـوارد
|
|
يحلوبهـا الايـراد والاصـدار
|
وينعـم المستعمرون بظلّهــا
|
|
وبهـا لهـم تستعـذب الأوطار
|
هـاتـيك دجلةُ وهي امٌ بـرّة
|
|
ولهـا بنـون مثلهــا أبـرار
|
تتـدفق الخيرات من أخـلافها
|
|
حتـى تضيق بـدرهـا أقطار
|
هي جنة طاف السلام مرفـرفاً
|
|
فيهـا وقـرَّ مـن النعيـم قرار
|
لكن يسوؤك أن تـرى أبنـاءها
|
|
حـرموا قليل الخير وهـو كثار
|
ولقد أثرن لي الشجون بـواعث
|
|
للشاعـرين بهـا الشجـون تثار
|
دنياً مـن اللـذات ما في عيشها
|
|
نكد ولا فـي صفـوها أكدار
|
للمغـريات بـها دواع جمـة
|
|
وبها لـرواد الهنــا أوطــار
|
تتسـابق الأحلام فيها والمنـى
|
|
والحب واللـذات والأسمــار
|
والعـزف تهبط بالنفوس وترتقي
|
|
أنغـامُـه ان حُرّك المـزمـار
|
... أفهكـذا
بـذخٌ الثراء بأهله
|
|
يطغى فتعشـو منهم الأبصـار
|
فـي حين أحرار البلاد قضوا بها
|
|
سغبـاً وهـم أبنـاؤها الأحرار
|
... بعداً
لأنظمة مراض صححت
|
|
ظلـمَ الفقيـرٍ وليتهـا تنهـار
|
وتهدمت اسس العدالة ان قضت
|
|
أن لا تعيش بظلّهـا الأحرار
|
__________________
ب ـ مكافحة الجهل
والأمية :
حرص الشيخ الفرطوسي على معالجة ظاهرة
الأمية التي كانت متفشية بين أصناف مختلفة من المجتمع من خلال دعوته الى بناء
المدارس ونشر التعليم والنظر بعين الاعتبار الى تثقيف الناشئة وصيانتهم من عدوى
الجهل والأمية :
ثقافـة الجيل فـرض أين عـامله
|
|
كيما يقوم ولو في بعض ما وجبا
|
ضلت عقول فلم تبصر هدى وطغا
|
|
ريب فما وجدت من يذهب الريبا
|
وأجدبت من حقول الفضل ناشئة
|
|
اذ لم تجـد منهلاً تـروى به عذبا
|
واُرهقـت عـاطفات بـرة قتلت
|
|
صبـراً ولا راحم يحنو بها حدبا
|
وحكم الجهل في الأوضاع وانقلبت
|
|
منـا الأمور فساء الوضع منقلبا
|
فمـن يسير بهـذا الركـب أخّره
|
|
انّ المسيّر ألقـى اللجـم والقتبا
|
وأين من يصلح الأوضـاع أفسدها
|
|
أنّ المربي لها لم يحسن الأدبا
|
وكثيراً ما كان الشيخ يضيق ذرعاً بالجهل
المستشري بين عامة الناس ، والخمول المطبق على أبناء مجتمعه ممن كان يأمل بهم رقي
البلاد واعتلاء الوطن من خلال اكتسابهم العلوم والفنون ، وسعيهم وراء الثقافة
والمعرفة :
الـى متى نبقـى على خمولنا
|
|
يغري بنا الجهلُ ويلهينا اللعب
|
ونحـن بيـن أمـم راقيــة
|
|
كيانُها العلـم ودينهـا الأدب
|
تعلم أنّ أمّهــا مـدرسـة
|
|
الاداب حقّاً ولها العرفان أب
|
قـد حشـدت أنديةً حـافلةً
|
|
بمـا لديها من قصيد وخطب
|
قد طبّق الكونَ صدى عرفانها
|
|
فكلّ سمـع وبـه منـه لجب
|
__________________
ومعشري علـى الجمود عاكف
|
|
لم يتخـذ الـى رقيـه سبب
|
من شيبة المصاب قد سرت الى
|
|
شبابـه الخامل حكـةُ الجرب
|
وهل بـدون العلم تُهـدى أمة
|
|
الى صوابها وتدرك الأرب
|
ولم يكن التعليم حينئذٍ بمستوى جيد
ومناسب بحيث يعول عليه في تنشأة الجيل وتربية النشء. فالمناهج التعليمية كانت
سقيمة وغير صالحة ، والمعلمون أنفسهم كانوا بحاجة الى تعليم وتثقيف.
وقد تناول الشاعر هذه المشكلة في مواضع
مختلفة من شعره ، منها قصيدة « السعادة » حيث اشار الى هذا الموضوع قائلاً :
وقصـدت المدارس اللاء فيها
|
|
قـد غـرسنـا قلوبنـا للنّماء
|
فـاذا بـي مـن الحنان أراها
|
|
كضلـوع تعطفت بـانحنـاء
|
واذا النشء كـالأزاهير ينمو
|
|
وهـي تزهو كـروضة غنّاء
|
... فتيقّنت
من صميم اعتقادي
|
|
أنّ فيهـا سعــادةَ الأبنــاء
|
واذا بـي ارى خيـالاً كـثيفاً
|
|
مطبقاً فـوق أرضهـا والسماء
|
فيقول الخيال :
أنـا ظلّ الجهل المخيم فيهـا
|
|
لم أزل عـاكفاً وهـذا خبائي
|
كيف يوحـي لها الكمال مرَبّ
|
|
نـاقص لـيس فيـه أيُّ غناء
|
كيف ينمو النشء الوديع وفيها
|
|
لقّنـوه الـدروسَ كـالببّغـاء
|
كيف تـوحي سعادة العلم فيها
|
|
لبنينـا مـن أنفس الجهلاء
|
ومن هنا تعيّن على الشاعر أن يتوجه
بخطابه الى رجال التعليم ليذكرهم
__________________
بواجباتهم تجاه
تعليم الجيل وتثقيفه تثقيفاً صحيحاً وسليماً يستطيع من خلاله بلوغ الكمال ونيل
الرقي :
يا رجال التعليم فـي المنشئات
|
|
أنتــم للعقـول خيـرُ بنـاة
|
هـذه المنشئات وهـي حقول
|
|
زاهرات والنشء كـالزهرات
|
أنتـم منبـع الفضيلـة فيهـا
|
|
وعقـول البنين شبـه النبـات
|
أحسنوا الغرس في ثراها لكيما
|
|
يجتنـى منه أحسـنُ الثمرات
|
وأجيـدوا رعـاية النشء فيها
|
|
يا رعاةَ العقول والعاطفات
|
وثمة موضوع هام وحساس في مجال التعليم تناوله
الشاعر كثيراً في شعره وهو تعليم المرأة وتثقيفها. فبالرغم من ردود الفعل
المتباينة التي صدرت من قبل علماء الدين في النجف بشأن تعليم المرأة فانّ موقف
الشيخ كان موقفاً واضحاً وصريحاً في هذا الخصوص :
أَفيقوا يـا بني وطنـي عجالا
|
|
فما يجـدي الرقـادُ النـائمينا
|
وهبّـوا فيه للاصلاح كيمـا
|
|
نـراكم للتمـدن نـاهضينـا
|
أليس ثقـافة الجنسين فـرضاً
|
|
تقوم بـه الرجال المصلحونـا
|
وفـي نور المعارف خير هادٍ
|
|
طـريق يقتفيـه السـالكونـا
|
جمـال الشعب يوماً أن نـراه
|
|
يسيـر الـى الثقافـة مستبينا
|
وان ثقـافـة الأحـلام نـورٌ
|
|
به يُهدى الشبابُ الواثبونا
|
|
|
|
|
|
وقد تركزت دعوة الشيخ الى تعليم المرأة
على أساس العقيدة الاسلامية الأكيدة والتعاليم الدينية الصريحة. ففي الوقت الذي حث
الشيخ الناس على
__________________
ارسال فتياتهم الى
دور التعليم ، دعا الى الفصل بين الجنسين في المدارس احترازاً من الفساد والانحطاط
الخلقي الذي قد ينتجه الاختلاط :
يـا قـادة التعليم أخلاقُ الفتـى
|
|
مرآة مـا فـي النفس مـن أسـرار
|
صونوا المنـاهج بالعقـائد تجتنـوا
|
|
مـن غـرس هـذا الحقل خير ثمار
|
هذا الشذوذ على العقيدة قد طغى
|
|
فمضـى بها فــي لُجـة التيـار
|
هذي الخلاعـةُ حفرةٌ وئدت بـها
|
|
روحُ الكـرامة فـي يـد الاقبـار
|
والبنـت ام والفتـى بعــد أبٌ
|
|
وهمــا الصعيـد لهـذه الانـوار
|
وثقـافـة الجنسين فرض يلتقـي
|
|
بثقـافـة الاسـلام فـي مضمـار
|
والجمع بينهما بصـف واحــدٍ
|
|
فــي المنشـأت مضنـة لشنـار
|
انـا لنـأمـل من مـربي نشئنـا
|
|
وهــم البنـاة لهــذه الأفكـار
|
أن يغرسـوا حب الفضيلـة والحيا
|
|
بيـد العقيدة فـي ثـرى الأزهار
|
ليـرف فـوق سماء جيل مسلـم
|
|
للـديـن والاخـلاق خيـرُ شعار
|
فتصـان عصمة ( يوسف ) في دينه
|
|
وتصـان عفـةُ ( مريم ) بأزار
|
|
|
|
|
|
__________________
ج ـ تعميم العلاج والخدمات الصحية :
لم تكن الخدمات الصحية في عهد الاحتلال
بأحسن حالاً من التعليم. فقد كانت هي الاخرى تتخبط في جهالة عمياء وتنوء تحت
التخلف والانعدام. وقد شهد العراق في تلك الفترة شيوع الأوبئة والأمراض الخطيرة
بسبب انعدام الخدمات الصحية المناسبة وعدم توفر الأطباء المعالجين وقلة الأدوية
المكافحة للأمراض.
وموضوع الصحة من المواضيع الرئيسية التي
تناولها الشاعر في شعره الاجتماعي لارتباطها الوثيق بسلامة المجتمع وسلامة أفراده.
فكان يتأثر تأثراً شديداً لتدهور الوضع الصحي العام ، ويتفجر أسىً وألماً حين يرى
أبناء وطنه يفقدون حياتهم نتيجة الجهل وانعدام العلاج الصحيح :
فيـا عصر التقدم قـد رجعنا
|
|
فأصبحانا نسير الـى الوراء
|
أنخبط في ظلام الجهل خبطاً
|
|
ونحن بظل عصـر الكهرباء
|
فأيـن الاكتشافُ وقـد علمنا
|
|
بـه أسـرار ذرّاتِ الهباء
|
أيقصـر عـن مكافحـة لداءٍ
|
|
يسيـر بنـا الـى دنيا الفناء
|
فقـد ذهبت ملايين الضحايا
|
|
قـرابينـاً لديه بـلا فـداء
|
وكم شقيت نفـوسٌ بائساتٌ
|
|
بـه نُكبت فباتت في شقـاء
|
فمـن طفل وديع كـان ينمو
|
|
بأحضـان الطفولة بـازدهاء
|
ذوى فتسـاقطت منه ذبـولاً
|
|
رؤىً نثرت كمنثور الغُثاء
|
وأم فيه قـد فجعت فأضحت
|
|
تـودّعُه حنـوّاً بـالبكـاء
|
__________________
وكـم مـن نـابهٍ كـانت تُرينا
|
|
شمـائــله نبــوغَ الأذكيـاء
|
ومـوهوب علـى عينيـه يبدو
|
|
ذكـاء العبقـري لكـل رائـي
|
... فمن
للبائسين وقـد تلاشت
|
|
نفـوس البـائسين مـن البـلاء
|
فسعياً يـا ذوي الاصلاح سعياً
|
|
لانقـاذ الحيـاة مــن الفنـاء
|
واشفـاقاً علـى الجنسين منّـا
|
|
فقـد عاثت بنـا كفّ العَفاء
|
وأين مضت يـد الاسعاف عنّا
|
|
فقد غلب القنوط على الرجاء
|
ومن أجل سلامة الناس واستتباب الخدمات
الصحيه في البلاد طالب الشاعر في مواضع كثيرة من شعره برفع مستوى الطب والعلاج في
البلاد من خلال تأسيس معاهد طبية حديثة ، وبناء مستشفيات صالحة للعلاج تضمن حياة
المريض وسلامته :
يا اسرة الطب الكريمة قدّسي
|
|
فـن الطبابة تُـرفعي اكـراما
|
ان الطبيب من القداسة راهب
|
|
متبتـل يستعظــم الآثـامـا
|
الى أن يقول :
إنّـا نـروم معـاهـداً طبيّـةً
|
|
يمسي لهـا العلم الحديث قـواما
|
تثـرى بـأجهزة تشق حقـائقاً
|
|
فتـزيل هذا الفقـر والأوهـاما
|
ونريـد تثقيف الأُساة معـارفاً
|
|
وتجـاربـاً لتنور الأفهامـا
|
لم تُبن هـذي المنشئات قواعداً
|
|
حربيـة حتى تُشـاد ضخامـا
|
لكنهـا بُـنيت لأهـداف متى
|
|
قد حُققت أضحت بها أعلاما
|
__________________
د ـ اصلاح النظام الزراعي :
عانى العراق في ظل الحكم الملكي مشكلة
الأقطاع الزراعي التى تأصلت في هذا البلد منذ غابر الأزمان. وقد تجرع الفلاح من
غصص الأقطاع ما تجرع. فالأرض التى يدأب في حرثها وزرعها وريّها وحصادها يسلب
نتاجها عنوة من قبل الجباة ، فلا يصله منها إلاّ النزر القليل.
وقد أشار الشيخ الفرطوسي الى نظام
الاقطاع الجائر في قصائد عديدة ، منها قصيدة « ابن القرية » التي خاطب فيها الفلاح
قائلاً :
وافى الحصاد إليـك فاعقد مأتماً
|
|
للحـزن واندب قلبك المفجوعا
|
قد كان عندك قبل يوم حصادها
|
|
أملٌ تـرجيه بهـا فـاضيعــا
|
وأتتك تـزدحم الجباة ولا أرى
|
|
لك ما يسد عتّـوها المـدفوعا
|
الـزرع والبقرات قوتك بعتهـا
|
|
إثـر الشياه ولم تف المجمـوعا
|
وأراك اجلـدَ من صفاة بينهـم
|
|
وأرى سواك على الرخاء جزوعا
|
مـاذا بكوخك من حطام يرتجى
|
|
من أجلـه تتجّشـمُ التقـريعـا
|
فاخرج من الكوخ الحقير الى العرا
|
|
واخلـع لديهم ثـوبك المرقوعا
|
فعسى يفـي بقيا الضريبة منهما
|
|
ثمن يصـون جبينـك المصفوعا
|
أشبالك الغرثـى بطوناً روّعـوا
|
|
قلب العفـرنـى بالبكاء فريعـا
|
ضجوا وقد فزعوا إليك من الطوى
|
|
هل في عيابك ما يسد الجوعـا
|
أتـراهُمُ يتهـافتون على النوى
|
|
شبـه الفراش إذا أحس سطـوعا
|
واذا هوت كسر الرغيف تدافعوا
|
|
وتسـابقوا طرباً لهـا وولوعـا
|
سـودُ الجسـوم عراتها فكـأنما
|
|
نسجت لهم كف الهجير دروعا
|
__________________
وقد صور الشاعر في كثير من قصائده حال
الفلاح وهو يرزح تحت وطأة الاقطاعيين دون رحمة ، في محاولة منه لاصلاح النظام
الزراعي ، وتحسين وضع الفلاح الذي طالما عانى من الاقطاع ونظامه التعسفي. ومن هذه
القصائد قصيدة « بنت الريف » التي نظمها عام ١٩٤٥ م حيث صور فيها جانباً من معاناة
الفلاح في الريف وهي صور منبثقة من واقع الحياة آنذاك :
وهنـاك شمرَّ كـادح عـن ساعد
|
|
كحسـامه ماضي الغـرار رهيف
|
يضرى علـى التعب الممض كأنه
|
|
ليثٌ أُهيـج وحقلـه كغريف
|
ويخف بـالعبء الثقيـل سنامـه
|
|
متجلـداً والعبءُ غيـرُ خفيـف
|
ويصـارع الآلامَ منــه بمهجـة
|
|
فتكت بهـا الآلام ذات قروف
|
يـروي الحقول بمقلة تُسقـى بها
|
|
عن مدمـع شبه العهاد وكوف
|
وبأختهـا يرعـى فراخـاً جوعا
|
|
جـرداً كأنهم غصـون خـريف
|
يتضـورون ويكتفـون قنـاعـةً
|
|
ان اطعمـوا في كسـرة ورغيف
|
ويعللـون نفوسهم فـي بـارق
|
|
من خلب شبه السـراب خطوف
|
أن سوف نشبع حين ينضج زرعنا
|
|
وسنكتسي بنسيج هذا الصوف
|
__________________
٣ ـ الشعر الولائي :
يشكل شعر الولاء لأهل البيت : محوراً هاماً في الابداع الأدبي للشيخ
الفرطوسي. فقد عرف الشيخ بشاعر أهل البيت لكثرة ما نظم في مناقبهم وسجاياهم
الكريمة. ومردّ هذا الحب والولاء انمّا يعود الى عمق تمسك الشاعر بالدين الاسلامي
القويم ، وتفانيه في محبة أهل البيت :
باعتبار ذلك معلماً من معالم التقرب الى الله تعالى ، ومنجاةً في يوم الحشر
العظيم.
لقد كان الشيخ الفرطوسي « الإنسان الذي
عاش الإسلام ، فاكتشف عظمة أهل البيت من خلال الإسلام ورأى من خلال خطهم الفكري
والروحي والعملي .. غنى الفكر الاسلامي وروحيته ومشاريع الإسلام للإنسان والحياة
.. فالتزم بهم خط ولاءٍ ومحبة لا يقترب من الغلو ، بل يتوازن في القاعدة الإسلامية
المثلى ، لما هو الحب للأشخاص على أساس أفكارهم وأعمالهم ، لا على أساس أشخاصهم ، والتزم
بنهجهم لأنه رأى فيه النهج الذي يستمد كل ملامح الفكر والشريعة والأسلوب من كتاب
الله وسنة نبيّة من أقرب طريق »
ولشدة ولائه وفرط تعلقه بآل البيت : دأب الشاعر في أن يفتتح ديوانه بقصائد
في مدح النبي 9
وأهل بيته :. وقد اتخذ
من قصيدة « الباب الذهبي » التي مدح فيها الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 مطلعاً لديوانه ، حيث قال في أبياتها
الأولى :
نشيـدي وأنت لـه مطلعٌ
|
|
من الشمس يعنو له مطلعُ
|
وقـدرك أرفعُ إنّ الثنـاءَ
|
|
وإن جلَّ قـدراً به يرفع
|
__________________
ومجدك جاوز أفقَ الخلود
|
|
سمـواً ونـفسك لا تقنـع
|
فقصّر عنه رفيفُ الطموح
|
|
وكـادت قوادمـه تنـزع
|
وأرجـع باليـأس روّاده
|
|
وفي مثل مجدك من يطمع
|
وأنّـى يطاول نجم عـلي
|
|
ختـامُ الخلود بـه يشرع
|
ومجـدُ الامامةِ وترٌ يضم
|
|
لمجـد النبوة إذ يشفع
|
وأبيات الأهداء التي قدّم بها الشاعر
ديوانه الى الامام أمير المؤمنين علي 7
تفصح هي الاخرى عن مدى اهتمام الشيخ الفرطوسي بشعر الولاء لأهل البيت : :
أمير اللّغى منك بَدءُ البيان
|
|
وفي غير نهجك لـم يختم
|
ومهد العدالة حيث الحقوق
|
|
بغير قضـائكَ لـم تحتـم
|
إلَه العـواطف انّ الشعور
|
|
تفجّر بركانه مـن فمـي
|
وبقيا فـؤادي وبقيا الفؤاد
|
|
جروح تُشقّ مـن البلسـم
|
شفعت بها أدمعي والزفير
|
|
وما رفّ منها على مبسمي
|
فكانت نشيد الهنا والأسى
|
|
يوقّع فـي العُرس والمأتم
|
وها أنـا أرفع ألـواحها
|
|
إليك ملّونة مـن دمي
|
ولم يترك الشيخ الفرطوسي مناسبة لتكريم
أهل البيت : إلاّ وشارك
فيها مشاركة فعالة رغبة منه في إحياء ذكرهم :
والاشادة بفضلهم وعلمهم ، والإبانة عن مواقفهم الرسالية الخالدة.
__________________
وما يزال النجفيون يحفظون روائع الشيخ
الولائية ، ويرددونها في مختلف المناسبات الدينية. ومن أشهر تلك الروائع قصيدة «
مولد الأنوار » التي نظمها الفرطوسي عام ١٩٦٣ م ، في ذكرى مولد الامام الحسين 7 حيث قال في مطلعها :
قـرآن فضلك فيـه يفتتح الفـمُ
|
|
حمداً وبـالاخلاص ذكـرك يـختم
|
وبأفق مهدك مـن جهادك أشرقت
|
|
للفتح آيـاتٌ بـوجهك تُـرسـم
|
أنت الحسينُ ودون مجدك في العلا
|
|
مجـد المسيـح ودونَ امك مـريم
|
فلقـد ولـدت مطهـراً في بردةٍ
|
|
من طهر فـاطمة تحـاك وتُلحـم
|
ولقـد قُتلت بمصـرع يسمو به
|
|
مجـد الممات علـى الحياة ويعظم
|
والحـق مـن عينيك ينبع نـوره
|
|
والصدق فـي شفتيك جمرٌ مضرم
|
وضحى جبينك وهو فرقان الهدى
|
|
بـدم الشهـادةِ والسعـادة يُوسَـم
|
الى أن يقول :
يا مـولد الأنوار مهـدك للهدى
|
|
أفـقٌ تمـوج بصفحتيه الأنجـم
|
مثلت شخصـك صـورة قدسية
|
|
فـي القلب يطبعها الولاء فترسم
|
وجلوت طلعتها وأنت خـواطـر
|
|
فـي مهدها بـرؤى الامامة تحلم
|
فتحـرقت شفتاي وقـداً من دم
|
|
حـر علـى شفتيك قبلـه الفـم
|
ولمحت فـي شفق الجبين غمامة
|
|
منهـا علـى عينيـك ظل معتم
|
ولمست من روح البطولة والابى
|
|
شممـا يثــور وعـزة تتقحـم
|
وقـرأت للفتح المبـارك سـورة
|
|
بالسهم فـي صفحات قلبك تـرقم
|
فخضبت نـاصيتي بمـذبح جثة
|
|
فـي نحرها الدامي يحـزُّ المخذم
|
وعلمت انـك هديُ آل محمـد
|
|
وعريش مهدك يوم خلقك مأتم
|
ومن رائع شعر الفرطوسي في أهل البيت : قصيدة « مولد الزكي » التي نظمها في
مولد الامام الحسن المجتبى 7
وهي من أجمل قصائده الولائية وأروعها ديباجةً وبياناً. يقول في مطلعها :
سموت بفكري فالتقطت الدراريا
|
|
ونسقتها في سلك شعري قوافيـا
|
وقطعـت أوتـار الفؤاد نوابضاً
|
|
ولطفتها حتى استحالت أغـانيـا
|
وأسرجت من روحي ذبال عواطف
|
|
أطلّت علـى الدنيا شموعـاً زواهيا
|
هنـالك بعثـرت الدراري فتـارةً
|
|
أرصـع ثغر الدهر فيهـا أمانيـا
|
وطـوراً أزف العاطفات عـرائساً
|
|
وأجعلها باسم الـولاء نثـاريـا
|
ورحت لهاتيك الأغاريد مـن فمي
|
|
وقـد عطّرته مـن شذاها غـواليا
|
أوقعها لحناً مـن القلب خـالصاً
|
|
واسكبهـا خمراً مـن الحب صافيا
|
وأنثرهـا في مـولد السبط بهجـةً
|
|
لآلـي أفـراحٍ تنيـر الليـاليـا
|
أزف بهـا للمرتضى خالص الولا
|
|
وأحمـل للزهـراء فيها التهـانيا
|
ثم يحلّق الشاعر في عالم خياله وسماء
فكره ليواصل تسجيل عواطفه الجياشية ، وتخليد أحاسيسه الفياضة في هذه المناسبة
العطرة :
تفتحت الأكمام عـن كل مبسـم
|
|
يعطّـر بالأنفـاس حتـى الأقاحيا
|
وأشرقت الأضواء مـن كل بسمة
|
|
تلاطف بالبشرى الضحى المتهاديـا
|
ورفرفـت الآمالُ فـوق خمـائل
|
|
من النفس أضحت للأماني مراعيـا
|
وأسفرت الأستار عـن كل جلوة
|
|
لبكر من الأشعار تسبي الغـوانيـا
|
وساد الهنا حتى اكتسى افق السما
|
|
ووجه الثرى برداً من اللطف ضافيا
|
__________________
وأزهـرت الدنيـا بنور مبـارك
|
|
أطـلّ عليهـا بالبشـائر زاهيـا
|
تلألأ فـي بيت النبـوة مشرقـاً
|
|
من الحسن الزاكـي ينير الدياجيا
|
إمام الهدى من ذروة العرش نوره
|
|
تنزّل كـالقرآن بـالحق هاديا
|
ولم يكتف الشيخ الفرطوسي بالمدح وذكر
المناقب فقط ، بل كان يتحدى الجاحدين لفضل أهل البيت :
وينبري للرد عليهم بجلائل الأدلة والبراهين. من ذلك قصيدته « علي والأمامة » التي
نظمها عام ١٩٣٧ م ، وفيها رد على المعاندين الذين أنكروا إمامة الامام علي 7 :
قـل للمعاند قـد ضللت جهـالة
|
|
سفهاً لعقلك مـن عنـود جاهـل
|
أعماك غيك أنتـرى نـور الهدى
|
|
فتسير فـي نهج البصيـر العـاقل
|
أمن العـدالة أن يـؤخر سابطـقٌ
|
|
ويقـدمَ المفضـولُ دون الفـاضل
|
هـذي فضـائلُـه وذي آثـاره
|
|
سطعـت بآفـاق الهـدى كمشاعل
|
فتصفـح التـأريخ فهـي بـوجه
|
|
غـرر صبـاح نُظّمـت كسلاسل
|
ينبئك مـن واسـى النبـي محمّداً
|
|
بمـواقـف مشهـودة وغـوائـل
|
وفـداه عنـد مبيتـه بفـراشـه
|
|
فـي نفسه فوقـاه شـرّ البـاطل
|
ومـن الذي أردى الـوليد وشيبة
|
|
فـي يوم بـدر بالحمـام العـاجل
|
وبيـوم احد من طغت عـزماته
|
|
فرست جبالاً فـي الزحـام الهائل
|
مـن فرق الأحزاب حين تجمعت
|
|
فرقاً ومـا في القـوم غير النـاكل
|
ورمى على وجـه الثرى أصنامها
|
|
لما رقى مـن فوق أشرف كـاهل
|
وبكفه حصـن اليهود قـد اغتدى
|
|
متلاطمـاً كالمـوج فوق السـاحل
|
ومن الذي ردت له شمس الضحى
|
|
لما اشار لها ارجعي فـي ( بابل )
|
__________________
وفضائل ليست تعـد و( هل أتى )
|
|
و( النجم ) و( النبأ العظيم ) دلائلي
|
عميت عيون لاترى شمس الضحى
|
|
عنـد استقامة كـل ظل مائل
|
وقد اشتهر الشيخ الفرطوسي ـ بالاضافة
الى مديحه الولائي ـ برثاء أهل البيت :
وخاصة رثاء الامام الحسين 7
ومن استشهد معه في وقعة الطف بكربلاء. ولشعر الفرطوسي في هذا الحدث الأليم وقع
مميز وجاذبية خاصة أقبل عليه خطباء المنابر الحسينية يرددونه في مجالسهم لما فيه
من تأثير شديد ووقع عظيم في قلوب الناس والمستمعين :
أفـدي حسيناً حيـن خفّ مودعاً
|
|
قبـراً بـه ثقـلُ النبـوة أودعـا
|
وافـى الـى تـوديعـه وفـؤادُه
|
|
بمـدى الفـراق يكـاد أن يتقطعا
|
وغـدا يبث لـه زفير شجـونه
|
|
بشكاته والطـرف يذري الأدمعـا
|
يـا جدّ حسبي مـا أكابد من عناً
|
|
فـي هـذه الدنيـا يُقضّ المضجعا
|
فأجابـه صبراً بنيَّ علـى الأذى
|
|
حتى تنالَ بـذا المقـام الأرفعـا
|
ولقـد حبـاك الله أمـراً لم يكن
|
|
بسـوى الشهادة ظهـره لك طيعا
|
وكـأنني بـك يـا بنيَّ بكـربلا
|
|
تمسي ذبيحاً بـالسيوف مبضعـا
|
ولقـد رآه بمشهـد من زينـب
|
|
هـو والوصي وأمهُ الزهـرا معا
|
ملقىً برمضاء الهجير على الثرى
|
|
تطـأ السنابـك صدره والأضلعا
|
فـي مصرع سفكت عليـه دماؤه
|
|
أفدي بنفسي منه ذاك المصرعا
|
وهكذا يسير الشاعر في اشعاره الولائية
بروح مفعمة بحب أهل البيت :
مشيراً بفضائلهم الكريمة ، وتضحياتهم الجسيمة من أجل اعلاء الاسلام والدفاع عنه
والذود عن قيمه العالية وتعاليمه العظيمة.
__________________
الفَصْلُ
الثَّالِثُ
الأَغراض
الشعرية
عند الفرطوسي
١ ـ شعر المديح :
لم يعد المديح في عصر الشيخ الفرطوسي
أداة فخر وتفاضل ، أو وسيلة كسب ومنالة كما كان سائداً في العصورة السابقة. فقد
طرأت عليه تغييرات حديثة ـ كما هو الحال في سائر أغراض الشعر ـ أخرجته من ماضيه
المقيد والمحدود الى حاضره الفاعل والمتجدد.
فشعر المديح الذي كان يعج سابقاً
بالصفات الشخصية الزائفة والألفاظ المتملقة الكاذبة أصبح اليوم متحلياً بصدق
الشعور والعاطفة ، قريباً الى سمع المتلقي ، بعيداً عن الغلو والمبالغة ، حافلاً
بمواهب الممدوح الكريمة ذات الصلة بماضي الأمة المجيد ، وتاريخها المشرق والعريق.
ومن هنا أصبح للمديح قيماً موضوعية
جديدة ، اضافة الى قيمه الفنية الموروثة ، من خلال تناوله شؤوناً انسانية رفيعة ، وموضوعات
اجتماعية هامة تتصل بواقع الانسان وبتراثه الحضاري الأصيل.
وقد دأب الشيخ الفرطوسي في ادخال
العناصر الحضارية في شعر المديح رغبة منه في توظيف هذا اللون من الشعر لصالح الوضع
العام والواقع المعاش. فهو يدخل في مديحه مواضيع اساسية ترتبط بواقع الأمة الحالي
ليجعل منه ضرباً من الشعر الملتزم الذي يتوخى منه هدفاً واضحاً ومعيناً.
فها هو يشيد بالمشاعر القومية والأحاسيس
الوطنية لدى ترحيبه بالدكتور
زكي مبارك الذي زار
النجف عام ١٩٣٧ م ، في الوقت الذي أمست الأمة بحاجة ماسة الى رص الصفوف ولمّ الشمل
تجاه غزو المعتدين وأطماع المستعمرين والمحتلين :
يا نجل مصر ومن في كل مفخرة
|
|
اليه تنسب كأس السبق والغلـب
|
هـذا العـراق الى مصـر تحيتُه
|
|
تُزفُ محفوفةً بـالشوق والعتـب
|
فقل لمصر بمـا يطوي العراق ثقي
|
|
من صبوة بسوى الاخلاص لم تثب
|
ما فـرقت بيننـا للأجنبي يـد
|
|
لو كان قد جمعتنا وحـدةُ العرب
|
إنـي ليحزننـي والحر يحزنـه
|
|
أنّ العروبة ما لاقت سوى النصب
|
كل البلاد بهـا ساد الوئام سوى
|
|
جزيرة العرب لم تهـدأ بلا شغب
|
أخذت عليها سياساتٌ منـوعةٌ
|
|
قد جرعتها كؤوس الضيم والعطب
|
وعاقهـا عن مناها أنهـا مُنعت
|
|
أن تقتفي أيّ مجـرى سائغ عذب
|
يا أمة العرب هبـي للوفاق معي
|
|
واستقبلـي زمـر الآمال والأرب
|
لتصلحي كـلَّ امرٍ منك منشعب
|
|
بالاتفاق بـلا جهـد ولا تـعب
|
قولي معي بفم الإخلاص هـاتفة
|
|
بوحدة الصف تحيا أمة العرب
|
|
|
|
|
|
وكثيراً ما تتجلى الصور الحضارية
والرسوم التراثية في مدائح الفرطوسي ، وخاصة المدائح العامة التي لا تقتصر على شخص
معين. فنلاحظ ذلك مثلاً في قصيدة الشاعر التي نظمها تكريماً للوفد العلمي المصري
الذي زار النجف في ٢١/٢/١٩٤٣ م ، حيث قال في مطلعها :
أقصر يراعيَ لست بالخل الوفي
|
|
ان لم تعبر عـن هواي بما يفي
|
وجفوت حدك ان نبوت فلم تُجد
|
|
تكريم مـن وافى وانت به حفي
|
__________________
هـذا ربيع الفضل قـد أهدى الى
|
|
واديـك مـن نفحاته مـا يصطفي
|
فانشق عبير الفضل منها واقتطف
|
|
منـه ثمـار العلـم حتـى تكتفـي
|
وانشر لواءَ الفضل خفاقاً على هذي
|
|
النفـوس وبـالحيـاة لهـا اهـتفِ
|
الى أن يقول مخاطباً الوفد :
يـا سادة غمروا النفوس بـروعة
|
|
أضحت بهـا زمر العـواطف تحتفي
|
طوفوا على (وادي الحمى) وتصفحوا
|
|
مـا فيـه من أثـر يـروق المقتفي
|
فبهذه الـربوات أو أخــواتهــا
|
|
قام ( الخورنق ) كـاليفاع المشـرف
|
وهنا ( المنـاذرة ) المخلد ذكـرهم
|
|
بمـآثر بسـوى العلى لم تـوصف
|
عقـدوا بنـود النصـر فوق أجادل
|
|
لسوى الفخار عيونها لـم تطـرف
|
فغدت بهـم دنيـا المفاخر والعلـى
|
|
تختـال بيـن محلـق ومـرفـرف
|
هـذي بقـايا مجـدكم فتـزودوا
|
|
منهـا ومن وادي الغري الاشـرف
|
ومتـى نفـوسكم بـه قد آنسـت
|
|
قبسـاً يضيء شعـاعه للمسـدف
|
فقعـوا هنـالك خاشعين فـقبلكم
|
|
موسى الكليـم هوى لهـول الموقف
|
فهنـا الامام المـرتـضى فتـزودوا
|
|
منـه ومن عـرفانـه المستطرف
|
ومن قصائد الشاعر التي سلك فيها المسلك
ذاته قصيدة « وفد المعارف » التي ألقاها في جمعية الرابطة الأدبية في النجف
إحتفاءً بوفد المعارف المؤلف من الأستاذ جوهر ورفقائه من الاساتذة المصريين وذلك
عام ١٩٤٣ م :
حييت يـا خير وفد آهل شرفا
|
|
لولاه نـادي المعالي غير مأهول
|
وعشتم يا حماة الضاد من مضر
|
|
مـمنّعيـن بعز غيـر مفلـول
|
فـأنتم الـمثل السامي لنهضتنا
|
|
بمـا لكم مـن مقام غير مجهول
|
__________________
وكم لكم في نوادي الفضل من أثر
|
|
مخلـد الذكر مـن جيل الى جيل
|
أجللت فيكم مزايـاً عزّ مفـردها
|
|
عـن المثيل ولـم تخضع لتمثيل
|
من كل عاطرة غرّاء قـد عُقدت
|
|
علـى جبين المعالي خيـر اكليل
|
طابت بنفحتها الافاق مـذ عبقت
|
|
منهـا شمائل هـاتيك البهاليل
|
وفي مجال المديح خاض الشاعر ضرباً
مميزاً منه وهو مديح علماء الدين لارتباطه بالعاطفة الدينية والأخلاق الاسلامية.
وقد استأثر هذا اللون من الشعر باهتمام الشاعر فنظم قصائد عديدة مدح فيها علماء
الدين العاملين الذين دأبوا في العمل الأسلامي ووقفوا مواقف مشرفة في الذود عن مهد
الدين وكرامة المسلمين.
ومن العلماء المجاهدين الذين خصهم
الشاعر بمدحه الحجة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء. فقط نظم قصيدة في مدحه عند
مجيئه من المؤتمر الاسلامي في الباكستان عام ١٩٥١ م ، قال في مطلعها :
للفتـح آيات بوجهك تُعـرف
|
|
هـل أن طلعتك السعيدة مصحف
|
شعت على قسمات وجهك مثلما
|
|
شعت بقلبي مـن ولائك أحـرف
|
هـي أحرف ذهبية خُطت علـى
|
|
قلبـي وريشتهـا فـم مـتلهف
|
أبصـرت قلبـي ظلمة من يأسه
|
|
ورأيتهـا فجـر المنى اذ يكشف
|
أجللتهـا مـن أن تـمسَ قداسةً
|
|
واسم ( الحسين ) مقدس ومشرف
|
فغرستها فـي تربة ازكى ثـرىً
|
|
في الطهر من قلب الوليد وانظف
|
الى أن يقول :
أأبا الفضائل والفضائل بعضها
|
|
للبعـض اُلاّف وأنـت المألف
|
__________________
لك كـل يوم نهضة جبـارة
|
|
منـها ميادين المفاخر ترجف
|
ومـواقف غـراء في أجوائها
|
|
للآن أصـداء الثنا بك تعصف
|
مـا غاب منها موقف إلاّ بدا
|
|
لك موقف هو للجهاد مشرف
|
كـسلاسل ذهبيـة موصولة
|
|
بسـلاسل أحداثها لا توصف
|
المسجد الأقصى يـردد ذكرها
|
|
والجامع الاموي فيهـا يهتف
|
ويتابع الشاعر سرد أوصاف ممدوحه مبيناً
خصائصه المميزة التي حقق من خلالها أهدافه السامية ومطالبه العالية والرفيعة :
إنّ الفصـاحة دولةٌ جبــارةٌ
|
|
تهوي العروش ومجدها لا ينسف
|
أنت المليك المستقل بعـرشها
|
|
والنصر اكليل عليك مرفـرف
|
ونـوافذ الكلم البليغ اجلّهـا
|
|
مـن أن يقال لها سهام تُرهف
|
تخطي السهام كما تصيب وانها
|
|
أبداً تـسدد كل ما تستهدف
|
ولسانـك الجبار لـولا اننـي
|
|
ظلما أجور عليه قلت المرهف
|
واذا استطلت على يراعك اعفني
|
|
قصـد اللسان فقلت فيه مثقف
|
وعصـاك ايتك الكريمة فـي يد
|
|
بيضـاء وهي لكل سحر تلقف
|
ويختم الشاعر قصيدته بقوله :
إنّـا لنبغـي للجهـاد قيـادة
|
|
يرتاعُ منها المستبد ويـرجف
|
ونريـد افئدةً علـى أضلاعهـا
|
|
تطغـى عزائمُها وحيناً تعصف
|
وأنـاملاً يهوي علـى تقبيلهـا
|
|
في حين تلطمه فـم مـتكلف
|
ونـروم اصلاحـاً لانظمـة بها
|
|
لعب الغريم وعاث فيها المجحف
|
ونـريـد أفكـارا مثقفة بهـا
|
|
نسمـو ومن عرفـانها نتثقف
|
__________________
وعقـائـداً دينيـة ميمـونـة
|
|
في النشء يغرسها أب متعطف
|
إنا لننشـد مصلحين نفوسهم
|
|
عن حمل ما قد حُمّلوا لاتضعف
|
وعلى هذا النحو يسير الشاعر في مدائحه
لعلماء الدين المجاهدين الذين تحمّلوا اشد أنواع الظلم والاضطهاد من أجل اعلاء
كلمة الله في الأرض ، وصيانة الدين الاسلامي من كيد المنحرفين والمبغضين.
٢ ـ شعر الرثاء :
أكثر الشيخ الفرطوسي من تناول شعر
الرثاء بسبب الظروف العصيبة التي مرّ بها ، والمصائب والنوائب التي حلّت عليه طيلة
حياته. وفي ديوانه حقل خاص بأشعار الرثاء دعاه « دموع » ، قال عنه : « يضم هذا
الحقل الحزين باقة من العواطف نظمت سلسلة نشائدها من نثارة الدموع وجمرات الضلوع.
غرستُ على ألواحها شقائق من قطعات قلبي وسقيتها من جداول دموعي ولاطفت أزهارها
بلفحات من زفرات صدري ، وطارحتها من قيثار فمي بأهازيج من الحنين والأنين تستعرض
مسرحها الكئيب فلاترى الاّ عيناً باكية ومهجة دامية وعاطفة ذاكية فهي صورة صادقة
من خواطري ولوحة منحوتة من قلبي ، طبعت على صفحاتها آلامي وعواطفي ونشرت صحائف
مطوية من ذكر يأتي
».
ومن أبرز مرثيات الشيخ قصائده في الرثاء
الخاص التي عبّر فيها عن معاناة شخصية مؤلمة تفاقمت إثر فقده لأعز افراد اسرته ، من
ابنيه « علي وعبدالرزاق » ، وأخويه « جبار وعبدالزهراء » وعمه « الشيخ علي
الفرطوسي ».
__________________
وأول قصيدة تطالعنا في حقل المراثي
قصيدة « قلب مظلم » التي نظمها الشاعر عام ١٣٦٩ هـ في رثاء ولده « علي » الذي مات
إثر صدمة قاسية أصابت قلبه من بعض أترابه حين كان يمرح في ملعب الطفولة. يقول
الشاعر في مطلع القصيدة :
شفتاك فـي علٍّ وفـي نهل
|
|
أشهى الى نفسي مـن العسل
|
يـاقوتتان عـلى فـم عذب
|
|
يفتر عن سمطين من خضل
|
قـد ذابتا صهراً على كبدي
|
|
وانبتَّ عقـدهما مـن الغلل
|
جرحان قـد حفّـا بـزنبقة
|
|
بيضاء كـالمراة في الصقل
|
فتحا لرشف النـور فانطبقا
|
|
وعليهمـا طبق مـن الظلل
|
قيثـارتان وقـد تحطمتـا
|
|
فـتحطمت دنياً مـن الزجل
|
قـارورة السلوى هما لفمي
|
|
وألـذُّ منهـا عنـده قُبلـي
|
ولطالمـا عاقـرت مرشفها
|
|
فتفجـرت مـن شهدة الأمل
|
سُكبت ومـا روّت سُلافتها
|
|
شفتيّ مـن عذب من النهل
|
وينتقل الشاعر الى تصوير عمق الفاجعة
التي الّمت به بعد أن أسهب في الحديث عن أوصاف ولده الذي طالما آنسه في وحشته ، وأذهب
عنه عناء الحياة وتعبها بابتساماته الجميلة وضحكاته الطفولية البريئة :
يـا زفرة في النفس عاصفةً
|
|
بزوابـع الآلام فـي زجـل
|
يـا صدمة للقلب قد هدمت
|
|
أركانه مـن حـادث جـلل
|
أنزلتِ صاعقة علـى كبدي
|
|
ونفذت سهماً قـط لـم يمل
|
قد كنت أحسب انـه جلـد
|
|
صلد على الأحداث كالجبل...
|
وارحمتـاه لبـائـس نـكدٍ
|
|
لأب شريد اللّـب منخـذل
|
فكأنـه مـن سقمـه قفـص
|
|
متحطـم الأضلاع مـن خلل
|
عينـان مظلمتان فـوقهمـا
|
|
جفنـان مـنطبقان كـالظلل
|
شفتـان جامدتان فـوق فـم
|
|
متلثـم بـالصمت مشتمـل
|
عقـلٌ بلا رشـد يسير بـه
|
|
فقد الصواب فعـاد بـالزلل
|
فكـرٌ بلا وعـي يـحس بـه
|
|
فقد السـداد فـآب بالخطل
|
جسـدٌ بـلا قـلب ينـوء به
|
|
كمحمّـل ينزو علـى وحل
|
يـا منـزل السلوى بـرحمته
|
|
أنزل به السلوى على عجل
|
وسوى هذه القصيدة قصائد اخرى في الرثاء
الخاص ، منها قصيدة « يا شقيقي » التي نظمها الشاعر عند مصرع أخيه « جبار » الذي
توفي وهو شاب إثر عملية جراحية فاشلة. وقد جاء في جانب من هذه القصيدة :
شقيق نفسي وكم في النفس من حُرق
|
|
موقودة عاد منها القلـب مضطرمـا
|
لو كان يجـدي الفدا أو يرتضى بدلاً
|
|
عنك الردى حينما في شخصك اصطدما
|
لكنت افديك فـي نفسي وما ملكت
|
|
كفـي واحسب انـي عدت مغتنمـا
|
أبكـي شبابك غضا مورقا قصفت
|
|
كف الردى عـوده الزاهـي وما رُحما
|
أرثيك فـي مدمع قـان قد امتزجت
|
|
سـوداء قلبـي به فـانهـل منسجما
|
أفديـك من مدنف والحزن يقلقـه
|
|
مروع القلب فـي أحشـائـه كلمـا
|
واهـي القـوى عاد مرهوناً بـعلته
|
|
قـد ضمدوا جرحه الدامي ومـا التئما
|
مضنى معنـىً من الآلام قد نسجت
|
|
لـه الحـوادث ثـوباً شـاحباً سقما
|
على سرير المنايا السـود مضطجـع
|
|
وهنـاً يصـارع جباراً بـه اصطدما
|
__________________
حيران في سكرة للموت مرهبة
|
|
وغمرة تستزل العزم والهمما
|
والى جانب الرثاء الخاص تناول الشيخ
الفرطوسي رثاء علماء الدين وكبار المصلحين ممن حازوا رهان السبق في الاصلاح
الاجتماعي والتوعية الدينية ، من أمثال الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، والشيخ
محمد رضا الشبيبي ، وآخرين من اعلام الفكر والدين.
ومن روائع مرثيات الشيخ لعلماء الدين ، قصيدته
التي ألقاها في الحفلة التأبينية التي اقيمت في مسجد براثا ببغداد بمناسبة مرور
أربعين يوماً على وفاة الشيخ محمد رضا الشبيبي عام ١٣٨٥ هـ ، حيث قال في مطلعها :
طُويت وأنت المصلح الـمتحرر
|
|
بـك للبـلاد رسالـة ومحـرر
|
أفهكذا تئـد الطـلائع حفـرةٌ
|
|
منهـا فيُطوى للفتوح معسكـر
|
ويُلف فـي أفق الجهاد لـواؤه
|
|
والنصر يخفـق حينما هـو ينشر
|
ويصاب قلب الشعب بين ضلوعه
|
|
والوعي ينبض والعـواطف تسعر
|
ويحف مـن عين الـرجاء معينها
|
|
في حين قلب اليأس أو شك يثمر
|
ويموت لحن المجـد ساعـة خلقه
|
|
ألماً على شفـة الخلـود فيقبـر
|
وتحطم الكأس التـي يـروى بها
|
|
ظمـأ الحياة ونبعهـا يتفجـر
|
رزئت بفقـدك في القيادة امـة
|
|
أنت اللسان لهـا وأنت المـزبر
|
وتـلفعت باليتم مـن نهضـاتها
|
|
بكرٌ تـدور بهـا وانت المحـور
|
والقصيدة طويلة احصى الشاعر من خلالها
فضائل الشيخ الشبيبي ومآثره العظيمة التي انجزها طيلة عمله السياسي ونشاطه الوطني.
وقد سلط الشاعر الضوء على جانب منها حين قال :
__________________
عـالجت أوضاع البلاد بخبرة
|
|
وتجـارب فيها يقـاس المخبر
|
وعرضت حـلاّ للمشاكل نافعاً
|
|
بمـداه أبعـاد السياسـة تسبر
|
أرشدت فيه الحاكمين لرشدهم
|
|
نصحاً ومثلك بـالنصيحة يجدر
|
ونقدت بنـاءً بنقـدك لافظـمٌ
|
|
يزري ولا قلـم يشيد فيؤجـر
|
فعـرضت مشكلة البلاد وحلها
|
|
في حين لـو بقيت تميت وتُفقر
|
وأبنت أنّ من الضرائب ماغدا
|
|
عبثاً تنوء بـه البـلاد وتـوقر
|
وفسـاد اصلاح الزراعـة آفةٌ
|
|
منهـا يموت الاقتصـاد ويقبر
|
والبرلمـان هـو الضمان لامةٍ
|
|
مـن سلطـة فـردية تتحـرر
|
حاولت تضميد الجـروح ببلسم
|
|
يوسى بـه قلب البـلاد ويجبر
|
وأردت تصحيحـاً لأخطاء بها
|
|
تـزري وأنظمـة بهـا تتقهقر
|
وسيـاسة الاصلاح تجبر كلما
|
|
بسياسة الارهاب أضحى يُكسر
|
ثم يختم الشاعر قصيدته مشيداً بمواقف
الشيخ الشبيبي البطولية التي قاوم بها قوى الاحتلال الغاشمة بكل حزم وصلابة :
لك فـي الجهاد مواقف جبـارة
|
|
بـك تستطيـل وكل مجد يقصر
|
هدرت لتحرير البلاد شقـاشق
|
|
منهـا وأشداق البطولـة تهـدر
|
والاحتـلال وقد تزلزل بـطشه
|
|
بصـواعـق من بطشها تتفجـر
|
جبت القفار على متون عزائـم
|
|
هـي كالبحار بها المخاطر تكثر
|
لم يلو عزمك ما يريع وأنت في
|
|
لجج المهالك والمفاوز تصحر...
|
ولم تقتصر مراثي الشيخ على علماء الدين
فقط بل شملت ايضاً السياسيين والزعماء الوطنيين ممن دأبوا في تحقيق مصالح الشعب
وتلبية مطالبه على قدر
__________________
استطاعتهم وفي مدار
صلاحياتهم المحدودة.
ومن هؤلاء الزعيم الوطني سعد صالح الذي عرف بمواقفه السياسية الجريئة
ومطالباته الاستقلالية المتكررة في عهد الاحتلال البريطاني. وقد رثاه الشيخ
الفرطوسي بقصيدة طويلة ، جاء في مطلعها :
أعرني جَنان الليث والمقول الحرا
|
|
وخذ من رثائي جمرة تلهب الذكرى
|
وماذا الذي يجدي الرثاء وان أكن
|
|
نظمت الدراري فـي نشائده شعرا
|
فلست كمن يُرثـى فيفخر بالثنا
|
|
وأنت الـذي يسمو الثناء به فخرا
|
ولكن مجد الرافدين «لسعـده»
|
|
تداعى فاذكى كل عاطفة جمرا
|
٣ ـ شعر الوصف :
من الأغراض الشعرية التي تناولها الشيخ
الفرطوسي في شعره كثيراً الوصف. ولا يخفى ما للوصف من قيمة فنية في العمل الأدبي
وخاصة في الشعر. فمن خلال الوصف يمكن تمثيل الحقيقة على هيئة صور ليلتقطها الحس
بلا قطتيه الفاعلتين؛ السمع والبصر. ومن خلال الوصف يمكن تجسيد الواقع المستتر
واللامرئي بحيث يسهل ادراكه عن طريق الحس الباطني ان لم يكن ميسراً عن طريق الحس
الظاهري.
وقد حرص الشيخ على توظيف الوصف توظيفاً
فاعلاً باعتباره أداة مؤثرة في نفس المتلقي ، تأخذه الى عالم من المناظر والمرئيات
لا يدركها إلاّ من خلال
__________________
حس الشاعر المرهف
الذي يستطيع بريشته الفنية أن يعبر عن غرضه الأسمى والأهم بواسطة الوصف والتصوير.
ومن هنا أصبح بإمكان المتلقي أن يرصد
أهداف الشاعر وأغراضه الأساسية في نهاية قصائده الوصفية ، باعتبار انّ الوصف ليس
غاية الشاعر المنشودة وانما وسيلة يصل بها الى المضامين الرفيعة التي توخاها
الشاعر من قصيدته.
فنجد مثلاً قصيدة « بنت الريف » التي
صور فيها الشاعر الطبيعة أجمل تصوير تبدأ بالتصاوير التقليدية والأوصاف المألوفة
التي حرص الشعراء على تصويرها في أشعارهم الوصفية :
طف بالقـرى واهبط بدنيا الريف
|
|
واستجل سر جمالها الـمكشوف
|
تجـد الطبيعة عنـدهـا مجلـوّةً
|
|
حيث الطبيعة من بنات الـريف
|
والحسن سطـرٌ والربوع صحائف
|
|
خطت بها الألطاف خير حروف
|
أنّى التفت وجـدت في جنباتهـا
|
|
مرأىً يروق لقلبـك المشغـوف
|
في الروض وهو منـسقٌ ومـؤلف
|
|
في أبدع التنسيـق والـتألـيف
|
في الشاطيء الزاهي وقد صفت على
|
|
حـافـاته أزهـاره كصفوف
|
فـي النهر وهو يجيش فـي طغيانه
|
|
متـدفقـاً يجري بغير وقـوف
|
فـي نغمة الشادي وقد مالت به
|
|
نفحات أعطاف الغصـون الهيف
|
فـي كل شيءٍ منه أسفر ضاحكاً
|
|
وجه الطبيعة من ربى وطفوف
|
ثم يواصل الشاعر وصف مظاهر الطبيعة في
الريف ، مفصلاً جمالها الخلاّب وصفاءها الرائع لكي يصل في النهاية الى مقصوده
الحقيقي من وصفه وهو تصوير
__________________
حياة البؤس والشقاء
التي كان يعانيها الفلاح آنذاك في ظل نظام الاقطاع الجائر :
وهنـاك شمَّـر كادح عـن ساعد
|
|
كحسامـه ماضي الغرار رهيف
|
... يروي
الحقول بمقلة تُسقى بها
|
|
عن مدمع شبه العهاد وكـوف
|
وبـأختهـا يـرعـى فـراخـاً
|
|
جوعاً جرداً كأنهم غصون خريف
|
يتضـورون ويكتفـون قنـاعـةً
|
|
ان اطعمـوا فـي كسرة ورغيف
|
إلى أن يقول :
حتـى اذا وافـى الحصاد وأقبلت
|
|
معـه الجباة السـود شبه حتوف
|
فـاذا الزروع وغيرهـا ما سددت
|
|
ديـن الغريـم ولاوفت بـطفيف
|
واذا بهـم يتضـرعـون لربـهم
|
|
عـن كـل قلب موجـع ملهوف
|
أفنعدم الستـر الـبسيطَ لعـورة
|
|
منّـا تصان بـه عـن التكشيف
|
أو بـرقعاً فيـه العـذارى تتقـي
|
|
نظـر المـريب اذا رنا لـصليف
|
وتـرى سوانـا رافـلاً متبختـراً
|
|
بـمطارف بـراقـة وشفـوف
|
أفهكـذا الانصاف أصبح حاكماً
|
|
ان يلهم الاجحاف كل ضعيف
|
والقصيدة مليئة بمثل هذه الصور الأليمة
والمناظر المريعة والحزينة. وقد حرص الشاعر على تجسيدها في شعره رغبة منه في توظيف
الوصف لصالح الأهداف والمطالب الاجتماعية.
ولم يكن هذا المسلك قاصراً على وصف
الطبيعة فقط. فقد شمل أيضاً وصف الأماكن التي عاش فيها الشاعر أو مرّ بها من خلال
أسفاره ورحلاته.
فها هو ينظم قصيدة في وصف « طاق كسرى »
لا لمجرد الوصف فقط بل لنيل العبر والدروس :
__________________
قف بالمدائن واستنطق بها العبرا
|
|
عن ألف جيل وجيل فوقها عبرا
|
واستعرض الدهر أشكالاً مصورة
|
|
فيها لتعرف مـن أحوالها صورا
|
واستخبر الرسم عنها حين تقرأه
|
|
فسوف يعطيك من تأريخها خبرا
|
فالرسم سفرٌ بليغ فيه قـد رسمت
|
|
لنا الحوادث مـن أخبارها سيرا
|
والعين ان تك قـد فاتتك رؤيتها
|
|
فلن يفوتك منهـا أن ترى الأثرا
|
ثم يبدأ الشاعر وصف مشاهداته قائلاً :
وقفت فيهـا فلم أنظر بها أثـراً
|
|
الاّ وروعته تستـوقف النظـرا
|
كأن روعة رب التاج قد خلعت
|
|
حتى على الرسم منها مطرفاً نظرا
|
فاعجب لمرأى تهز النفسَ روعته
|
|
ولم تجد منـه إلاّ الرسم والعفرا
|
فكيف لو شاهدتـه زاهياً ورأت
|
|
« كسرى » وايوانه بالزهو قد عمرا
|
وابصرت منه دنياً ملؤها صـورٌ
|
|
فتانةٌ تسحـر الالباب والفكــرا
|
وتتقارن المعاني الشعرية مع الأوصاف دون
انفصال وانقطاع مما يجعل الوصف جزءاً من المعاني التي توخاها الشاعر في قصيدته :
أنشـودةٌ أنت للأجيـال خالدة
|
|
لذاك أضحى فـم الدنيا لها وترا
|
وآيةٌ طأطأ الـدهر الخطيـر لها
|
|
لما تسامت على عليائه خطـرا
|
وفكرةٌ فـي دماغ الفن زاولهـا
|
|
قرناً فقـرناً ليبديها فما اقتـدرا
|
حتى اذا نضجت أفكاره ولدت
|
|
نتيجة ترهب الأجيال والعصرا
|
فأنت معجـزةٌ للفـن خالـدة
|
|
بها وجدنا نتـاجَ الفن مزدهـرا
|
وان للفـنّ اعجازاً يصــوره
|
|
لنا الخلود وقد شمنابك الصورا
|
__________________
والجدير ذكره ان الشاعر نهج المسلك ذاته
في وصف الأشياء أيضاً. فهو عندما يصف قلمه مثلاً يخاطبه وكأنه كائن ذو روح يتوخى
منه الخير والصلاح ، ويضع على عاتقه مهمة البناء والاصلاح :
يا رسول البيـان كم ذا أرتنا
|
|
معجزات البيان مـنك رسولا
|
تتلقى مواهبَ الـروح وحيـا
|
|
فتعـي كـل لحظـة انـجيلا
|
كم معان كشفت عنها غطـاءً
|
|
للخفا كان فـوقهـا مسـدولا
|
ورمـوز حللتها بـوضـوح
|
|
فأجدت الايضـاح والتحليـلا
|
أنـت سلك يمده العقل نـوراً
|
|
حين يُهـدى فيذهـبُ التضليلا
|
... أنت تبنـي
دنياً وتهدم دنياً
|
|
حين تُفني جيـلاً وتخلـق جيلا
|
أنـت أقوى من العفرنى جَناناً
|
|
حيـن تسطـو وان بدوت عليلا
|
أنت أشجـى من الحمامة لحناً
|
|
حين يغدو منـك الصرير هديلا
|
أنـت امضـى من المهند حدّاً
|
|
حين تنضو غرارك المصقولا
|
٤ ـ شعر الغزل :
تناول الشيخ الفرطوسي الغزل باعتباره
غرضاً من أغراض الشعر التقليدية وليس تعبيراً عن تجربة حب واقعية أو تبادل عاطفي
حقيقي. ففي بيئة متشددة كالنجف حيث القيود الصارمة المفروضة على اختلاط الجنسين ، والأعراف
التقليدية المتزمتة على المرأة ، لا مجال لبلورة مثل هذه الظواهر الاجتماعية على
الاطلاق.
__________________
ومن هنا أصبح التغزل الحسي شائعاً لدى
الشعراء ، يكثرون من إبراز المحاسن الجسدية للمرأة في محاولة منهم لمحاكاة شعراء
السلف ، والتعبير عن لواعج النفس التي طالما عانت كبت الغرائز الفطرية ، والحرمان
النفسي والعاطفي.
ولم يكن الفرطوسي بمنأى عن أترابه
الشعراء. فقد تطرق هو الآخر الى الغزل الحسي ، والتغني بمرئيات الجمال النسوي دون
أن يظهر فيه مجون أو نزول الى حضيض الشهوات :
علـى خديـك أجمل وردتين
|
|
قطافهمـا الشهـيُّ بقُبلتيـن
|
وفـي عينيك للعشـاق سحرٌ
|
|
ومبعثـه سـواد المقلتيــن
|
وفـي شفتيك للشفقين لـون
|
|
يخضب منـه فجر المبسمين
|
يمـوج الحسن بينهما شعاعاً
|
|
فيجلى منه ليل الخصلتين
|
ولكن ظاهره الغزل الحسي ظهرت متأخرة في
شعر الفرطوسي وتحديداً عند خروجه من العراق وإقامته مدة في « سويسرا » و « لبنان
». ففي مثل هذا المحيط المتحرر استطاع الشاعر أن يصف مشاهداته العينية بكل حرية
وبدون قيد أو شرط :
جُرح قلب المشوق من مقلتيك
|
|
قبلـة وقّعـت علـى شفتيـك
|
ورحيق الـرضاب منك شهيّا
|
|
هو خمري والكأس من مبسميك
|
انا أهوى سـود العيون لسحر
|
|
هـو معنى السواد فـي مقلتيك
|
الى أن يقول :
أعشق الورد لون خديك فيـه
|
|
ورقيـق الأديـم مـن وجنتيك
|
تعشق العين مـن جبينك شمساً
|
|
حين تهوى الهلال من حاجبيك
|
__________________
... أنت دنيا الهوى لقلب مشوق
|
|
كلُّ آمـالـه الحسـان لـديك
|
رفـرفـت كلها علـى شفتيك
|
|
كالفراشات وارتمت في يديك
|
أمّا غزل الشاعر قبل هذه الفترة فهو
أقرب الى التعبير العاطفي الصادق تجاه مفهوم الحب لا الى لوازمه وعناصره. ويظهر
هذا الاتجاه واضحاً في كثير من قصائد الفرطوسي كقصيدة « عواطف الحب » التي نظمها
عام ١٩٤٣ م :
شعلـةٌ أشرقت بظلمة نـفس
|
|
فأنارت منهـا فـؤاداً دجيّـا
|
صقلتـه مـن الصداءة حتّـى
|
|
أظهرت منـه معدنـاً ذهبيـا
|
لم يزل خامل العواطف حـتّى
|
|
خلق الحبُّ منـه حسّاً ذكيـا
|
واضاءت شمس الصبابـة فيـه
|
|
فـأرتنا مهـذّبـاً عبقـريّـا
|
حيـن أمسى جَمّ المواهب فذّاً
|
|
بعدما كـان جامـداً همجيـا
|
فتعالت عواطف الحب كم ذا
|
|
أيقظـت خاملاً وأدنـت قصيا
|
تنشر الروح حيـن تعلق فيها
|
|
فتــدب الحياةُ شيّـا فشيـا
|
أتراهُ بعد الجمـود زمـانـاً
|
|
كـان ميتاً وكيف أصبح حيّـا
|
ليس تستطيع أن تشف شعوراً
|
|
كلُّ نفس لم يكوها الحب كيا
|
وعلى الرغم من توسع الشاعر في وصفه
الحسي لمفاتن المرأة ومحاسنها الانثوية ، فقد التزم في نفس الوقت بمبادئ الشريعة
الاسلامية التي تدعو المرأة الى الحجاب والتعفف ، والابتعاد عن التحلل والابتذال.
وقد ذكّر الشاعر بهذه القيم في مواضع عدة ، منها هذه الرباعية :
الحب روح للنفـوس
|
|
ونشـره أرج وطيب
|
__________________
قبس بـأعماق الحشا الـ
|
|
ـدامي يشب لـه لهيب
|
سلك بـأحداق الحسـان
|
|
بـه تكهـربت القلـوب
|
الحب أن تـذكو القلوب
|
|
وأن تعفَّ به الجيوب
|
وكذلك في الثنائية التالية :
أفهكذا الحسنـاء اغـراء لنـا
|
|
وهي المصونة بالحيـا تتخلـع
|
حقّـاً بـأنك فتنةٌ يـا حبذا
|
|
لو كان عندك من عفافك برقع
|
وحصيلة الكلام انّ الغزل عند الفرطوسي
معظمه محكاة وتقليد ، وقليل منه شعور وعاطفة. وهو في الحالتين عفيف البيان ، نزيه
الوصف ، بعيد عن الابتذال والانحطاط البذيء.
__________________
٥ ـ شعر التأريخ
إن شعر التاريخ من الصناعات الأدبية
التي أولع بها المتأخرون. وشاع استعمالها كثيراً عند شعراء النجف لارتباطها الوثيق
بالمناسبات المختلفة التي يراد لتاريخها أن يذكر ويخلد.
ولا يخفى مالهذا الفن الشعري من تكلف
شديد وصنعة ظاهرة ، فهو « يتطلب مهارتين ، مهارة اعداد الجمل التي يكون حاصل جمعها
موافقاً للتاريخ المطلوب ، وهي مهارة حسابية لا شأن لفن الشعر فيها ، ومهارة
انتقاء تلك الجمل بحيث تحمل
__________________
خاصية العلوق في
الذاكرة ، كأن تكون اقتباساً مناسباً من القرآن الكريم ، أو اسم الشخص أو الشيء
المؤرخ له ، أو تكون في اختصارها وإصابتها المعنى كالتوقيعات المعروفة للملوك
والأمراء المسلمين. وهي مهارة تعتمد على ذكاء الشاعر وسرعة بديهته وسعة اطلاعه » .
والفرطوسي واحد من الشعراء الذين طرقوا
هذا الفن الشعري إلاّ انه لم يتوسع في تناوله لشدة تكلفه وابتعاده عن الطبع.
ومن مؤرخاته الشعرية تأريخه لعمارة
الروضة الحيدرية عام ١٣٧٠ هـ التي قال فيها :
روضـة قـد أشرقـت للمقل
|
|
فسقتها من شعاع الأمـلِ
|
جليت أعتابُهـا مـن غـرر
|
|
رصّعتها بـدراري القُبَـلِ
|
أرخـوها ( وهي عند الازلِ
|
|
جنة المأوى أعدت لعلي)
|
« ١٣٧٠ هـ »
وله أيضاً قصيدة في تجديد ضريح أبي
الفضل العباس 7
عام ١٣٨٣ هـ ، جاء فيها :
ضريحـك دون عـلاه الضراح
|
|
وأنت بـه القمـر الأعظـم
|
تصـاغ شبـابيكه بـاللجيـن
|
|
وبـالتبـر جبهتـه تُـرقـم
|
ومـن عسجد خـالص فوقهـا
|
|
قنـاديل أركانـه تنظـم...
|
( ضريحاً أبا
الفضل ) أرخ ( به
|
|
تشـع على القمر الأنجم )
|
« ١٩٦٤ م » «
١٣٨٣ هـ »
__________________
الفَصْلُ
الرّابِعُ
ملحمة أَهل
البيت :
أ ـ الملحمة لغةً ومصطلحاً :
الملحمة في اللغة بمعنى الحرب وانّما
سُمّيت بذلك لأمرين : أحدهما تلاحم الناس أي تداخلهم بعضهم في بعض ، والآخر أنّ
القتلى كاللحم الملقى .
وذكر ابن منظور أنّ : « الملحمة :
الوقعة العظيمة القتل ، وقيل موضع القتال. وألحَمْتُ القومَ إذا قتلتهم حتى صاروا
لحماً. وألحِمَ الرجلُ إلحاماً واستُلِحمَ اسْتِلحاماً إذا نشِب في الحرب فلم
يَجدْ مَخْلَصاً ... والجمع الملاحمُ مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطِهم فيها كاشْتِباك
لُحْمةِ الثوب بالسَّدى ، وقيل هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها ... والملحمة :
الحربُ ذات القتل الشديد ... والوقعة العظيمة في الفتنة ... » .
وقد وردت « الملحمة » ومشتقاتها في
الشعر كثيراً ، من ذلك قول الأخطل
:
حتّى يكونَ لهم بالطّفِ ملحمةٌ
|
|
وبالثَّويّةِ لم يُنَبضْ بهـا وتَرُ
|
__________________
وقول عُجير السَّلُولي :
ومُسْتَلْحَمٍ قـد صكَّه القومُ
صَكَّة
|
|
بعيد المَوالي ، نيلَ ماكان يَجْمَعُ
|
وقول القُطامي :
ولـم يستخبـر العلمـاءَ عَنّا
|
|
ومَن شَهد الملاحمَ والوقاعا
|
وكذلك ما ذكره أبو تمام عن لسان امرأة
من بني الحارث
:
فارسٌ مـا غـادَرُوهُ مُلْحَمـاً
|
|
غيّرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكْسٍ وَكَلْ
|
أمّا الملحمة في المصطلح الأدبي فهي : «
نوع خاص من الشعر القصصي البطولي ، الذي لم تعرف العربية شبيهاً له ، من حيث
البناء القصصي المكتمل ، ومن حيث الحجم العددي للأبيات الشعرية التي تبلغ الآلاف ،
ومن حيث الشخصيات التي تسمو فوق المستوى العادي للناس الأسوياء ، وتتصف بما هو من
سمات الأبطال الاسطوريين ، ومن سمات الآلهة ، أو أنصاف الآلهة ، في المعتقدات
الوثنية البدائية ، ومن حيث الأحداث والوقائع الخارقة التي تتخللها ، ومن حيث أنّ
الوقائع الحربية التي يخوض الأبطال الملحميون غمارها ، والمآثر الخارقة التي
يحققونها ، تدخل في صميم الصراع الوطني والقومي ، دفاعاً عن حقٍّ مغتصب ، وفي سبيل
أن تحيا الأمة التي يمثّلونها بحرية وكرامة وهناء » .
__________________
ب ـ الملحمة قديماً وحديثاً :
قسّم الغربيّون الشعر منذ أقدم عصوره
أربعة أقسام : شعر قصصي وتعليمي وغنائي وتمثيلي. وتدخل الملحمة بقصائدها القصصية
الطويلة في الضرب الأول كما تبيّن من تعريفها. « والشاعر في هذا الضرب القصصي لا
يتحدث عن عواطفه وأهوائه ، فهو شاعر موضوعي ينكر نفسه ، ويتحدث في قصته عن بطل
معتمداً على خياله ، ومستمدّاً في أثناء ذلك من تاريخ قومه ، وكل ماله أنّه يخلق
القصة ويرتب لها الأشخاص والأشياء ، ويجمع لها المعلومات ، ويكوّن من ذلك قصيدته ،
وعادة ينظمها من وزن واحد لا يخرج عنه
».
ويمكن حصر الشعر الملحمي تأريخياً في
ثلاث مراحل : « مرحلة التعبير عن أزمة وجودية بالنسبة الى ما وراء الوجود ، حيث
المزيج من روحانية ومادية ، من عقائد وخرافات ، ومن حقائق وأساطير. ومرحلة تعبير
عن أزمة اجتماعية في تنازع وجودي ، ثم مرحلة تعبير عن أزمة قومية ».
ومن هنا تميّز نوعان من الملاحم :
الملاحم الطبيعية والملاحم الأصطناعية. فالأولى وهي التي تظهر في المراحل البدائية
من حياة الأمم وتاريخ الشعوب ، وتصاغ بصورة تلقائية وعضوية ، ويكون ناظموها
ورواتها والذين يتداولونها ، مؤمنين بما تتضمنه من ذكر الخوارق ، وتدخّل الآلهة في
حياة البشر ، ايماناً مطلقاً لا تشوبه شائبة من الريبة والشك. والثانية وهي التي
يصنعها الشعراء في الأزمنة المتأخرة ، وينظمونها على نهج الملاحم الطبيعية ، ومحاكاة
لمضامينها واسلوبها من غير أن يكونوا بالضرورة مؤمنين بما يصفون من حوادث ، وينسجون
من خوارق ،
__________________
ويصورون من بطولات .
ومن النقّاد من قسّم الملحمة قسمين :
ملحمة أدبية وملحمة شعبية. ففي الأولى يعلن الشاعر في مستهلّ قصيدته عن موضوعها ، ثم
يبتهل لربة الشعر ويذكر القصة وأحداثها ، وتدخّل الآلهة في شؤون البشر ، مستخدماً
التشبيهات الطويلة والمعقدة ، وأسماء الأبطال والأشياء الهامة لحياة الأبطال
كالأسلحة والسفن وما الى ذلك ... أمّا الثانية فيتضح فيها النقل مشافهة والتكرار
وتجرؤ السرد ، الأمر الذي يدل على أنّها لم تكن نتاج زمن واحد أو قريحة واحدة .
ومن أبرز الملاحم الشعرية التي عرفها
التأريخ ملحمة « الألياذة » للشاعر الأغريقي هوميروس ، وقد نقلها الى العربية في مستهل هذا
القرن سليمان البستاني. والألياذة قصة شعرية طويلة تدور أحداثها حول معارك طاحنة
وحروب عظيمة وأساطير وأمور خارقة ، تنشب بين شعبين متصارعين دفاعاً عن مُثل
ومبادىء انسانية. ويبرز من كل جانب جماعة من القادة والأَبطال الأسطوريين ، وتدخل
الالهة في حوادثها ووقائعها الخارقة ، وقد ابدع هوميروس في صياغة ملحمته صياغة
فنية رائعة من حيث التسلسل القصصي المتناسق ، والتوالي المنتظم للأحداث ، والتعبير
المؤثر عن أغراضه ومراميه. وقد أشار أرسطو الى الميزة الرئيسية في الملحمة حيث قال
: « ومن بين
المناقب التي تجعل هوميروس خليقاً بالثناء أنّه كان الوحيد من بين الشعراء ، الذي
لا يجهل
__________________
متى يتدخل بنفسه في
القصيدة. فالحق أنّ الشاعر يجب أنْ لا يتكلم بنفسه ما استطاع الى ذلك سبيلاً ، لانه
لو فعل غير هذا لما كان محاكياً
».
ولما كان الشعر الملحمي من الفنون
الأدبية العريقة ذات الجذور التاريخية الطويلة ، فقد تداولته أمم وشعوب مختلفة غير
اليونان ، أمثال الرومان في ملحمة « الأنياذة » لفرجيليوس ، والهنود في ملاحم «
الأوبا نيشاد » و « الفيدا » و « الرمايانا » و « المهابهارتا » ، والفرس في ملحمة
« الشاهنامه » للشاعر الكبير الفردوسي ، والترك في « شاهنامه » الشاعر الفردوسي
الطويل ، واضافة الى الأمم القديمة فانّ الشعوب الحديثة قد تغنّت بهذا الفن الأدبي
وانتجت شعراً ملحمياً على غرار الملاحم القديمة ، منها أُنشودة رولان الفرنسي ، وأشعار
ملتون الأنجليزي ، ومنظومات هيلدبراند الألماني ، والكوميديا الالهية لدانتي
الايطالي ، وغيرها من الملاحم الحديثة .
وبالرغم من انتشار أدب الملحمة بين
مختلف الشعوب والأمم فإننا لانجد لهذا الفن أثراً في الشعر العربي سوى قصائد
معدودة ومقطوعات قصيرة ذات نفس ملحمي لا يمكن ضمها الى الملاحم العالمية المعروفة.
وقد شغل الباحثون في تعليل هذا الأمر وأوردوا أسباباً عدة. منها : قول من زعم «
أنّ العرب نظموا فيه كثيراً وضاع مانظموه ، فلم يبق لعهد التدوين والرواية إلاّ
القليل مما ذكرت فيه أخبار الحروب
؟ » وهو قول ترده الشواهد والدلائل التاريخية. ومنها : « أنّ خيال الجاهليين لم
يتسع للملاحم والقصص الطويلة لانحصاره في بادية متشابهة الصور ، محدودة المناظر ، ثم
لماديتهم وكثافة روحانيتهم ، ثم لفرديتهم وضعف
__________________
الروح القومية
والاجتماعية فيهم ، ثم لقلة خطر الدين في قلوبهم وقصر نظرهم عما بعد الطبيعة ، فلم
يلتفتوا الى أبعد من ذاتهم ، ولا الى عالم غير العالم المنظور ، ولا تولدت عندهم
الأساطير الخصيبة ، ولم يكن لأصنامهم من الفن والجمال ما يبعث الوحي في النفوس شأن
أصنام اليونان والرومان ، فقلّ من ذكر منهم أوثانه واستوحاها في شعره. ولم يساعدهم
مجتمعهم على التأمل الطويل وربط الأفكار وفسح آفاق الخيال ، لأضطراب حياتهم برحيل
مستمر ، فجاء نفَسهم قصيراً كإقامتهم ، وخيالهم متقطعاً كحياتهم ، صافياً واضحاً
كسمائهم ، داني التصور محدود الألوان كطبيعتهم. وكانت ثقافتهم الأدبية فطرية خالصة
يتغذى بعضهم من بعض ، ولا يقبلون لقاح الآداب الأجنبية الراقية لجهالتهم واعتزال
باديتهم وتمردها ، وكذلك كانت علومهم ساذجة لا تفتح نوافذ النور للنظر فيالنفس وما
بعد عالم الهيولى
».
وثمة تعليلات اخرى فسّرت انعدام الفن
الملحمي في الشعر العربي ، منها : « أنّ القصة في الشعر الجاهلي ضعيفة الفن
لأقتصارها على الخبر البسيط والسرد السريع ... ولا جرم ان الايجاز الذي درج عليه
الجاهلي كان يحول بينه وبين الاسهاب في أخباره ... فلم يتوفر له عمل الملاحم
والقصص الطويلة .
ومنها « أنّ الوثنية العربية في الجاهلية لم تكن تلك الوثنية المكتملة ، المعقدة
والمركبة بل كانت وثنية في أبسط أشكالها وكانت تتعايش مع مذاهب توحيدية ، كاليهودية
والنصرانية
…؟ ». ومنها « أنّ التقليد الشعري الأصولي السائد ، والمتمثل بسلطة القصيدة
الغنائية ذات القافية الواحدة والوزن الواحد لم يكن يسمح بنظم
__________________
المطولات القصصية
الملحمية
».
ومهما تكن العلل والأسباب فانّ الشعر
العربي قد افتقر الى الشعر الملحمي بشكله المتكامل في الملاحم المطولة. ولكن هذا
لا يعني أنّ الشاعر العربي لم يطرق المعاني التي تطرق اليها أصحاب الملاحم ، وخاصة
ما يتعلق بذكر البطولة والشجاعة ، والفخر والحماسة. فالمعروف عن الشعر
العربيغزارته بالمعاني المذكورة ، وشغف الشعراء بتداولها والاكثار من استعمالها.
ومن أبرز القصائد الملحمية العربية التي جسدت معاني البطولة والاقدام أروع تجسيد
المعلقات السبع ، وخاصة معلقة عمرو بن كلثوم
الذي يقول في مطلعها :
ألا هُبّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحينا
|
|
ولا تُبْقي خُمورَ الأندرينا
|
ومعلقة الحارث بن حلّزة الذي يستفتحها بقوله :
آذَنَتْنــا بِبَيْنِهَا أسمَــاءُ
|
|
رُبَّ ثاوٍ يُمَلّ منه الثَّواء
|
ومعلقة عنترة بن شداد الذي يستهلها قائلاً :
هَـلْ غادَرَ الشعراءُ من مُتَردَّمِ
|
|
أم هل عرفْتَ الدارَ بعدَ تَوَهّمِ
|
وإذا ما انتقلنا إلى الشعراء في العصر
الاسلامي فإننا نلمس بوضوح النفس الملحمي الصاعد من شعر تلك الفترة وخاصة ابّان
الغزوات والفتوح الاسلامية.
__________________
وقد اشتهرت في هذه
الفترة سبع قصائد طويلة عرفت بالملحمات
وهي من صنع : الفرزدق
، وجرير
والأخطل ، وعُبيد الراعي
وذي الرّمة
والكُمَيت
، والطِّرمَّاح .
وبعد هذه الفترة شهد الشعر العربي وعبر
أعصره المختلفة ألواناً من الشعر الحماسي والملحمي الّفت فيه دواوين خاصة عرفت بدواوين
الحماسة. ومن أشهرها : حماسة أبي تمام ، وحماسة البحتري ، وحماسة ابن الشجري ، والحماسة
المغربية والحماسة البصرية .
واستمرت محاولات الشعراء في طرق الشعر
الملحمي حتى مستهل القرن العشرين حيث ظهرت الملحمة ظهوراً ملفتاً للنظر وبثوب جديد
وبمواضيع قومية وعقائدية وتاريخية قلّما تطرّق إليها الشعراء في العصور السابقة.
وقد ردّ بعض الاُدباء هذه الظاهرة إلى يقظة العرب القومية منذ بدء هذا القرن
والتفاتهم إلى أمجادهم السالفة .
__________________
ولعلّ أوّل محاولة ملحمية ظهرت فـي هـذا
العصر هي ملحمة الشاعر الشيخ كاظم الأُزري
المعـروفة بـ « الأُزرية ».
والازرية ملحمة فـي مـدح الـرسول الأكرم
9 وذكـر مولده
ومعجزاته ، ومدح الإمـام علي 7
وذكر مناقبه والحـروب التي شـارك فيها والأحـداث التي عاصرها 7.
وتبلغ الملحمة ألـف بيت أكـلت الأرضـة
جملة مـن أبياتها وبقي منها ٥٨٠ بيتاً ، ومطلعها :
لمَـن الشمسُ فـي قِبابِ قِباهـا
|
|
شَفَّ جسمُ الدُّجى بروحِ ضياها
|
وقد تبارى غير واحد من الشعراء في
محاكاة هذه القصيدة والسير على نهجها ، منهم الشاعر محمد جواد الكربلائي ، المتوفى
سنة ١٢٨١ هـ ، وقد بلغت أبيات قصيدته ١٢٦٥ بيتاً. يقول في مطلع قصيدته :
أهـي الشمسُ فـي سماءِ عُلاهـا
|
|
أخَذَتْ كُـلَّ وجْهَـةٍ بِسَنـاها
|
وكـذلك الشاعـر عبد الحسين الحـويـزي (
١٢٨٧ ـ ١٣٧٤ هـ ) فـي ملحـمته المعـروفـة بـ « فريدة البيان » والتي تـربـو على
الألـف بيت ، ومطلعها :
لِمَنِ العيسُ فـي البطاح بَراها
|
|
مِثلَ بَرْي القِداحِ جذبُ بُراها
|
ومن الملاحم العربية المهمة التي ظهرت
في مستهل القرن العشرين القصيدة
__________________
العلوية المباركة
لعبد المسيح الأنطاكي
وقد قال عنها : « عنيت على نوع خاص أن أجعل القصيدة المباركة العلوية تاريخاً
شعرياً لصدر الإسلام ، لا يتخلله نثر أبداً. ويعرف الشعراء ما في ذلك من الوصب
ولكنّه وصب محبوب لقلب شغف بثاني الكاملين وأخي الرسول الأمين أحد سيدي الثقلين
سيدنا علي بن أبي طالب أبي الحسنين عليهم وعلى المصطفى الصلاة والسلام ... ولقد
دعوت هذه القصيدة المباركة باسم « ملحمة » اتباعاً للمغاربة الذين أطلقوا هذه
الكلمة على ما وضعوه نثراً أو نظماً من وقائعهم الحربية وقصصهم التاريخية ونوادرهم
الأدبية »
وقد بلغ عدد أبيات العلوية المباركة
٥٥٩٥ بيتاً انتهى الشاعر من نظمها سنة ١٣٣٨ هـ. ومطلع القصيدة :
أزِيـنُ ملحمتي الغرّا وأحلِيها
|
|
بحمد ربّي فليحَمْدهُ قاريها
|
والملاحم في هذا الخصوص كثيرة جداً إلاّ أنّ الباحثين والمحققين اهتموا
بملحمتين كبيرتين هما ملحمة الشاعر بولس سلامة
المعروفة بـ « عيد الغدير » وهي منظومة في ٣٠٨٥ بيتاً ، أوّلها :
يامـليكَ الحياة أنـزل عليَّـا
|
|
عزمة منك تبعث الصخر حيّا
|
وملحمة أهل البيت : للشاعر عبدالمنعم الفرطوسي حيث مدار
البحث عليها يدور.
__________________
ج ـ ملحمة أهل البيت : :
١ ـ البدايات :
غُرست النواة الاُولى للملحمة في
السبعينات يوم عقد الفرطوسي النية على نظم ألفية في مناقب الرسول 9 وأهل بيته :. وحينها كان الفرطوسي قد فقد بصره
بالكامل ولم يعد قادراً على المطالعة إلاّ عن طريق السماع وما يقرأ له من هنا
وهناك. فكان يملي ملحمته على تلميذيه الدكتور محمد حسين الصغير والشيخ محمد رضا آل صادق حتى أواخر السبعينات يوم عزم الخروج من
العراق فأكملها في « جنيف » بين عامي ١٩٨٠ و ١٩٨٢ على يد ولده ومرافقه الشيخ حسين .
وعن قصة الملحمة والدوافع والأسباب التي
دفعت الشيخ الفرطوسي إلى نظم ملحمته الخالدة يقول الشاعر الشيخ محمد رضا آل صادق :
« كُنّا ذات ليلة صيفية جلوساً في الصحن « الحيدري » المطهّر ، أنا والفرطوسي
ومحمّد حسين الشيخ علي الصغير ، فجرى ذكر الشعراء وغيرهم ، وعلّق الأخ الشاعر محمد
حسين الصغير قائلاً إننا مدينون لرسول الله 9
وأهل بيته : وتعاليمهم
وولايتهم ، فهلاّ كتبنا ألفية في شأنهم ليكون لنا ذكر في الدنيا وفخر في الآخرة ؟
__________________
فهذا ابن مالك كتب
ألفية في النحو ، وهذا فلان كتب منظومة في الكلام ، وهذا فلان ، وهذا فلان .. فما
بالنا لا نكتب في أهل البيت ونحن نروي : « انّ من قال فينا بيتاً بنى الله له
بيتاً في الجنة ». فتعاهدنا على أن نبدأ من ليلتها ، وكانت في منتصف السبعينات ، وكأن
الله سبحانه قد انتدب لذلك عبده الشيخ الفرطوسي ، فلم نوفّق لا أنا ولا الشيخ
الصغير إلى كتابة الألفية ، أمّا الفرطوسي فقد جاءني في اليوم التالي وأملى عليّ
أكثر من مئة وثمانين بيتاً موحدة الرويّ ، وهي من بحر الخفيف وقافيتها مكسورة
الهمزة. ثم صار كل يوم يأتيني بمثل ما جاء به في اليوم السابق وزيادة. وكان
المفروض أن تقع الملحمة في ألف بيت إلاّ أنّه تجاوز الألف وهو ما يزال في سيرة
النبي محمد 9 ومعاجزه ، فصمّم
على أن يكتب في أهل البيت ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، حتى وُفق إلى ما لم أحصه من
الشعر. وقد طبعت سبعة أجزاء من الملحمة في حياته ، وبقي جزء يحتوي على أكثر من
خمسة آلاف بيت ، وكان لا يزال غير مطبوع في العراق ... فنقله أحد أقاربه ... من
النجف إلى المغرب ، ومن المغرب إلى أبو ظبي حيث كان الفرطوسي ينتظر أن يصله هذا
الشعر ليعيد النظر فيه ويكمل به الملحمة. إلاّ انه أطبق عينيه وهو شبه الآيس من
وصوله ، فتولى ولده الشيخ حسين الفرطوسي نشره على ما هو عليه ، وتمت به الملحمة
ثمانية أجزاء » .
__________________
٢ ـ الموضوعات :
تعد الملحمة بحد ذاتها موسوعة ضخمة
ودائرة معارف كبرى تضمّ بين دفتيها ألواناً من المعارف الإسلامية الغنيّة
بالمضامين العقائدية والتاريخية والفلسفية والتربوية. وقد تجلّت عبقرية الشيخ
الفرطوسي في قدرته الفائقة على جمع وتنسيق عشرات المواضيع المختلفة وصبّها في قالب
شعري جميل واُسلوب أدبي رائع يمكّن القارئ من استيعابها بسهولة ويسر دون كبير جهد
وعناء.
وقد لخّص الشاعر مواضيع ملحمته في أبيات
الإِهداء التي قدمها إلى النبي المختار وأهل بيته الأطهار مفتتحاً بالقول :
هـاك قلبي مضـرجاً بدمـائي
|
|
قطعاً فـي سلاسل مـن ولائي
|
هـي مـن منبع العقيدة وحـيٌ
|
|
لم يكـدّر منه معيـن الصفـاء
|
وهـي أغلى من كلّ عقد نفيس
|
|
ذهبـيٍ مهما ارتقى فـي الغلاء
|
جوهر مـن معادن القدس باقٍ
|
|
أين منـه أعـراض دار الفناء
|
نفحـات من الهـداية تـذكو
|
|
عبَقـاً مـن شمائل الأزكيـاء
|
بدئت بالتوحيد وهـو أسـاسٌ
|
|
واستطالت بـالعدل خيـر بناء
|
وتجلّـت فيهـا نبـوة حــقٍّ
|
|
شُفعت فـي إمامة الأوصيـاء
|
وتلاهـا المعاد فهـي اُصـولٌ
|
|
خمسة فـي شريعـة الحنفـاء
|
ودليل الإعجـاز فـي ذكر طه
|
|
يقتفيهـا وعصمــة الأنبيـاء
|
وبإثر التفـويض والجبـر أمر
|
|
بين بينٍ يـأتي ومعنـى البداء
|
وسواهـا مـن التوابـع ممّـا
|
|
تقتفـي نهجهـا بخيـر اقتفاء
|
وجميع الأركان وهي فروع الـ
|
|
ـدين فيها بـانت بغيـر خفاء
|
وتـراءت كبائر الإثـم فيهـا
|
|
وسواهـا صغائـر الأخطـاء
|
وعليهـا باليمن رفـرف أمناً
|
|
مـن حيـاة النبـي خير لواء
|
وحيـاة السبطين بعد علـيّ
|
|
والبتـول الصديقة الـزهراء
|
وعلـيّ وباقـر العلـم والصا
|
|
دق قـولاً وكـاظم الصلحـاء
|
والرضـا والجـواد ثـم عليّ
|
|
وابنـه ثـم قـائـم الأُمنـاء
|
قـد تبدّت منها النجوم اهتداءً
|
|
وأمـانـاً لنـا بخيـر سمـاء
|
أهـل بيت الهدى أئمة حـق
|
|
ألسن الصدق خيرة الأوليـاء
|
والأدلاّء لا يحيــدون زيغـاً
|
|
بالبرايـا عـن منهج الإهتداء
|
ومصابيح حكمة قـد أضاءت
|
|
بسنـاهـا مـدارك الحكماء
|
كـل نجم للخلق منهم إمـامٌ
|
|
يقتدى فيـه أحسن الإقتـداء
|
أذهب الله عنهم الرجس طهراً
|
|
واصطفاهم بـأكرم الإصطفاء
|
أنـا مولىً لهـم محبٌ وهذي
|
|
آيـة الحبّ مـن كتاب ولائي
|
وهـي تُهـدى لفاطم وعليّ
|
|
وبنيها وخـاتم الأصفيـاء
|
ولكثرة المباحث وغزارة المطالب التي
تطرق إليها الشيخ الفرطوسي في ملحمته ، يبدو للوهلة الاُولى تصنيف مواضيع الملحمة
وتبويبها أمراً صعباً يستلزم الدقة والعناية الخاصة ، لأنّ الناظم قد طرق كثيراً
من الموضوعات الفلسفية والبحوث الكلامية والجدلية ، والعلوم والمعارف الدينية من
خلال حديثه عن سيرة النبي الأكرم 9
وأهل بيته الأطهار :
، واذا ما أخذنا بعين الاعتبار التسلسل التاريخي لحياة الأئمة : ، والأحداث والوقائع التي عاصروها ، بالإضافة
إلى الترتيب الموضوعي الذي نهجه الشاعر في نظم ملحمته ، أصبح من غير الممكن عزل
تلك المواضيع وفصلها عن مواضعها الأولية وتحديد أبواب جديدة خاصة
__________________
بها. وعلى كل حال
فانّ مواضيع الملحمة وبالرغم من تعددها وتنوعها يمكن توزيعها على المواضيع
الرئيسية التالية :
أ ـ العقائد
بدأ الشيخ الفرطوسي ملحمته بموضوع
العقائد. وقد تطرّق في بادئ الأمر إلى خالق الكون ـ جلّ جلاله ـ وذكر صفاته
وأسماءه الحسنى والآثار التي تدل عليه :
باسم ربّ العباد فضل ابتدائي
|
|
وإلى الله فـي المعاد انتهائي
|
فاطر الأرض والسموات فرد
|
|
واجب فـي وجوده والبقاء
|
كلّ آثـاره تـدلّ عليــه
|
|
فهو بادٍ بها بغير اختفاء
|
وقد تناول الشاعر في موضوع العقائد
مسائل شتى يمكن حصرها في موضوعين أساسيين هما اُصول الدين وفروعه :
أولاً
: اُصول الدين :
١
ـ التوحيد : تحدث الشاعر في
بداية هذا الفصل عن أوّل أصل من أصول الدين وهو التوحيد. فبدأ بتعريفه وتبيين
اُصوله ، ثم انتقل إلى أدلته العقلية والنقلية وذكر منها : حفظ النظام ، ووحدة
الرسل ، واجتماع الأنبياء على التوحيد ، ودلائل اُخرى.
٢
ـ العدل : انتقل الشاعر بعد
موضوع التوحيد إلى الأصل الثاني من اُصول الدين وهو العدل ، فذكر فيه أدلته
العقلية بشكل مختصر ومفيد.
__________________
٣
ـ النبوة : وفي هذا الموضوع ذكر
الناظم ضرورة النبوة وإرسال الرسل من جانب الله ـ جلّ جلاله ـ لهداية الناس
وإرشادهم الطريق الصحيح. وقد أثبت ذلك بأدلة عقلية من قبيل : وجوب اللطف الإلهي
بالناس ، وضرورة الواسطة ، واحتياج الخلق للنبي ، وضرورة الشريعة كنظام للبشر. ثم
انتقل الشاعر إلى ذكر الشرائط اللازمة في النبي كاحتياجه إلى المعجزة ، وتمتعه بالعصمة
، وامتناع النسيان والسهو منه.
٤
ـ الإمامة : أورد الشاعر أدلّة
الإمامة موزّعة على ثلاثة أقسام :
القسم
الأول : الإمامة والعقل ، وفيه ذكر أدلة الإمامة
العقلية وهي : احتياج الخلق للإمام ، وقاعدة اللطف الإلهي ، وانّ الإمام حفظ
للنظام ، والإمامة سنة الله في خلقه ، وانّ الإهمال بعد إرسال الرسل محال على الله
ـ جلّت قدرته.
وينتقل الشاعر بعد ذلك إلى موضوعين
آخرين هما كيفية اختيار الإمام ، والشروط التي يجب أن تتوفر فيه.
القسم
الثاني : الإمامة والقرآن. وفي هذا القسم ذكر
الشاعر الآيات القرآنية الواردة في موضوع الإمامة ، وكذلك الآيات النازلة في فضل
النبي 9 وأهل بيته : وقد بلغ عدد الآيات في هذا الشأن إحدى
وخمسين آية شريفة .
القسم
الثالث : الإمامة والحديث ، تناول الشاعر في هذا
القسم طائفة
__________________
كبيرة من الأحاديث
النبوية المعنية بالإمامة وفضل الإمام علي 7
، منها : حديث النور ، وحديث المؤاخاة ، وحديث الولاء ، وحديث المنزلة ، وحديث
المباهلة ، وحديث الغدير ، وحديث الحوض ، وحديث الفردوس ، وحديث البساط ، وحديث
النجوى ، وحديث البراءة ، وحديث السفينة ، وحديث الثقلين ، وأحاديث كثيرة اُخرى.
٥
ـ المعاد : خلص الشاعر في حديثه
عن اُصول الدين إلى الأصل الخامس وهو المعاد. فذكر ـ كما فعل في الاُصول الأربعة
السابقة ـ أدلة المعاد العقلية والنقلية ، كثبوت التكليف اللازم لثبوت المعاد ، وإجماع
أهل الأديان على المعاد ، وأنّ عدم المعاد هو ظلم للعباد ، مضمناً ذلك بالآيات
القرآنية والأخبار المتواترة في شأن المعاد.
وثمة مواضيع اُخرى تتعلق باُصول الدين
تطرق إليها الشاعر عرضاً في نهاية بحث المعاد. منها : إعجاز القرآن وما يتعلّق به
من مواضيع كاُسلوبه وأغراضه وخواصه وأخباره ، ومنها عصمة الأنبياء والأئمة وما جاء
فيها من أدلة ، ومنها مواضيع عقائدية وكلامية مثل البداء ، والجبر والتفويض ، والمعراج
الجسماني ، والولاية ، وعالم البرزخ والرجعة حيث ذكر فيها آراء المتكلمين على
مختلف مذاهبهم ثم درسها وناقشها طبقاً لمذهب أهل البيت : .
وجلّ اعتماد الشيخ الفرطوسي في مبحث
اُصول الدين كان على كتاب حقّ اليقين للسيد عبدالله شبّر ، بالإضافة إلى كتب اُخرى
اقتبس منها مضامين ملحمته.
__________________
ثانياً
: فروع الدين :
تحدّث الشاعر في هذا الفصل وبشكل
استعراضي عن فروع الدين وهي : الصلاة ، والصوم. والزكاة ، والخمس ، والحج ، والجهاد
، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والموالاة والبراءة. وقد تطرق في نهاية
البحث إلى ذكر كبائر الذنوب وصغائرها مبيناً ما في بعض تلك الذنوب مثل قتل النفس ،
وشرب الخمر ، والزنا ، والسرقة ، من آثام كبيرة ومفاسد اجتماعية تهدد المجتمع
الإسلامي بالسقوط والانحطاط.
وقد استند الشاعر في مبحثه هذا على كتب
مختلفة منها : كتاب العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي ، وكتاب وسيلة النجاة للسيد
أبي الحسن الاصفهاني ، وكتاب وسائل الشيعة للحر العاملي ، وكتاب منهاج الصالحين
للسيد الخوئي.
ب ـ السيرة
١
ـ حياة الرسول الأَعظم محمد 9 :
أوّلاً
: سيرته 9
: بدأ الشيخ الناظم هذا الفصل بذكر المولد
النبوي الشريف ، والعلائم والآيات التي رافقت مولده كانطفاء نار فارس ، وجفاف
بحيرة ساوه ، وانهدام ايوان كسرى وغيرها من الآيات الباهرة الاُخرى. وقال في جانب
من شعره متيمناً
:
ولد المصطفى محمد يمنـاً
|
|
ألف أهلاً بخاتم الأصفياء
|
وتجلّى والنور يشرق منـه
|
|
بجبين كـالكوكب الوضّاء
|
بيـن كتفيـه للنبوة ختـمٌ
|
|
وظهـور للشامة السوداء
|
قد رآه حبر اليهود فأفضى
|
|
لقـريش بـأعظم الأنباء
|
وبحيرا في الدير بشّر فيه
|
|
حين وافاه سيّد البطحاء
|
ويتابع الشاعر ذكر السيرة النبوية
الشريفة مستهلاً بنشأة النبي 9
طفلاً يتيماً فشاباً يافعاً في بيت عمّه أبي طالب 7
، ثم زواجه 9 بخديجة 3 بعد سفره للشام ، والظروف التي عاشتها
الدعوة الاسلامية آنذاك ، وما بذله أبو طالب من جهود لنصرة الإسلام ونجاح الرسالة
المحمدية. ومن خلال هذا البحث يتطرق الشاعر إلى إيمان أبي طالب الذي كثر فيه الجدل
والكلام فيتوسع فيه معتمداً بذلك على قول النبي 9
بشأن أبي طالب ، وأقوال سبعة من أئمة أهل البيت :
، وهم : الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والإمام علي بن الحسين والإمام محمد
الباقر والإمام جعفر الصادق والإمام موسى الكاظم والإمام الرضا والإمام الحسن
العسكري ـ عليهم أجمعين أفضل الصلاة والسلام.
وينتقل الشاعر من خلال حديثه عن سيرة
الرسول الأكرم 9
إلى المبعث النبوي الشريف فيقول منشداً :
نفحات الاصلاح هبّت بأرض
|
|
تصطلي بـالفساد والشحنـاء
|
وشعاع الرشاد ، والغيُّ ضافٍ
|
|
شقّ بـالنور بـردة الظلماء
|
واستفاضت من الهدى نبعات
|
|
لنفوس مـن الضلال ظمـاء
|
__________________
فازدهى الخصب والرسالة غرس
|
|
فـي ربـوع الجزيـرة الجرداء
|
بعث الصادق الأمين رسـولاً
|
|
للبـرايا مـن صفـوة الأمنـاء
|
حين وافـى الروح الأمين إليه
|
|
وهـو لله خـاشع فـي حـراء
|
وأتـاه النـداء بـالوحي إقرأ
|
|
باسم ربّ أوحى بهـذا النـداء
|
فأتـى والـجبين ينضـح منـه
|
|
عـرقاً يستفيض فـوق الـرداء
|
إنّمــا أنـت منذر وصفـيّ
|
|
ولكـلٍّ هـادٍ مـن الأصفيـاء
|
قد بعثناك شاهـداً ورسـولاً
|
|
قـم وأنذر وابدأ من الأقرباء
|
ومن ثمّ يتناول الشيخ الناظم معجزة
النبي الخالدة ـ القرآن الكريم ـ فيستعرض في بادئ الأمر مآثرها العظيمة ، وآثارها
على البرية ، منتهياً بالحديث عن ضلالة تفسير القرآن بالرأي ، وفساد تأويله من دون
علم ووعي بظاهر القرآن وباطنه.
ومن خلال حديثه عن السيرة النبوية
الشريفة يتطرق الشاعر إلى عدّة موضوعات في هذا الشأن ، منها : معجزات النبي 9 ، فيذكر منها ثلاثاً وعشرين معجزة ـ
عدا القرآن الكريم ـ من مثل انشقاق القمر وحنين الجذع وكلام الذراع واقتلاع الشجر.
ومن الموضوعات الاُخرى المعراج النبوي الشريف ، ونصرة اُم المؤمنين خديجة 3 للإسلام ، وعام الحزن الذي فقد فيه
الرسول 9 عمّه أبا
طالب 7 وزوجته
خديجة 3 ، وهجرة
الرسول إلى يثرب ، ومبيت علي 7
على فراش النبي 9
، واحتجاجاته 9
في المدينة على علماء الأديان والمذاهب كاحتجاجه على اليهود والنصارى وكذلك
احتجاجه على الدهريين والثنويين والمشركين
__________________
ومن ثمّ يعرج الشاعر
على غزوات النبي 9
فيذكر منها : غزوة بدر ، وغزوة اُحد ، وغزوة الخندق ، وغزوة خيبر ، وفتح مكة ، وغزوة
حنين. ثم يتناول بعد ذلك حجّة النبي الأخيرة المعروفة بحجّة الوداع فيقول فيها :
نفحـات للقـدس هبّت رويداً
|
|
فرويـداً فـي مشرق مـن بهاء
|
وضجيـج مـن التهاليـل يعلو
|
|
بـدَويّ يميـد بــالأرجـاء
|
وزحام ضاقت به الأرض صدراً
|
|
مـن سرايا الحجيج فـي البيداء
|
أيّ ركب أطلّ بالنور والخصب
|
|
مشعّـاً فـي مجـدب الغبـراء
|
هـو ركـب النبيّ وافـى مُغذّاً
|
|
بعـد حـج الـوداع بالصحراء
|
وإذا بـالأمين جبـريـل يتلو
|
|
بنـداء للـوحـي بعـد نـداء
|
أيهـا المصطفـى المهيمن بلّغ
|
|
كلّ أمـر وافـاك بـالإيحـاء
|
فأناخ الركاب فـي يوم ( خمّ )
|
|
عند وقت الهجير مـن غير ماء
|
وتـلاهـا والمسلمون شهـود
|
|
مـن جميع الأقطـار والأنحاء
|
حين نادى من كنت مولاه حقّاً
|
|
فعلـي مـولاه دون افتــراء
|
بايعـوه بإمـرة الحـقّ مـولىً
|
|
حينمـا بخبخـوا لـه بـالولاء
|
أيّ شـيء بـدا فحادوا ضلالاً
|
|
عنـد يوم السقيفـة السـوداء
|
وبيوم الشـورى الذي ابتـدعوه
|
|
كيف أضحـوا له مـن النظراء
|
فتنة السامري فـي قـوم موسى
|
|
فتنـة المسلمين بعـد البلاء
|
ويفرد
الشيخ الناظم بعد ذلك فصلاً طويلاً يتحدّث فيه عن أحاديث الرسول الكريم 9 في فضل الإمام علي 7 فيذكر ستة وتسعين حديثاً ، منها : حديث
إسلام علي ، وحديث الحوض ، وحديث الدوحة ، وحديث الوسيلة.
__________________
ويختم الشاعر حديثه عن سيرة النبي
الأكرم 9 ذاكراً بعض
خطبه الشريفة كخطبته 9
في حجّة الوداع ، وخطبته يوم الغدير ، وخطبته في فضل شهر رمضان ، وخطبته في مسجد
الخيف بمنى. ثم ينتهي به الكلام إلى ذكر وفاة الرسول الأعظم 9 فيقول مؤبناً :
هـذه جنّــة الخلود تجلّـت
|
|
وهـي تجلى بزينـة وازدهـاء
|
هـذه الحور بـالجنان ابتهاجـاً
|
|
تتهـادى بغبـطـة وهنــاء
|
هـذه زمـرة الملائك تُـكسى
|
|
حُـللاً من كـرامـة وبـهاء
|
تتهـادى أفراحها بين نـجوى
|
|
صلـوات وهينـمـات دعـاء
|
حيث يعلـو فوجٌ ويهبـط فوجٌ
|
|
فوق وجـه الثرى بأمـر السماء
|
وإذا بـالأميـن وهـو يناجـي
|
|
ملك الموت فـي رحيب الفضاء
|
هل قبضت الروح الزكية طهراً
|
|
روح طـه الأميـن قبـل اللقاء
|
قـال إني خيـرته حين وافـى
|
|
أمر ربّي بيـن البقـا والفنـاء
|
فتـوانى حتّـى يراك فـأهوى
|
|
جبـرئيل بـآيـة الإعـطـاء
|
سوف يعطيك مَن بَراك فترضى
|
|
إنّ خيـر الداريـن دار البقـاء
|
فـدنـا واضعاً بحجـر علـيّ
|
|
رأسـه راضياً بـحكم القضـاء
|
حينمـا علّـم الإمام عليّــاً
|
|
الـف بـاب للعلـم بالإيحـاء
|
فتـوفـاه ربّـه وهـو أزكـى
|
|
نبعـة مـن سلالـة الأزكيـاء
|
فخبـا للهـدى سراج منيــر
|
|
وانطـوى للجهاد خيـر لـواء
|
وتداعى للحـق حصـن منيـع
|
|
وهـوى للـرشـاد أسمى بنـاء
|
وأصيب القـرآن فهـو المعزّى
|
|
بـالنبيّ الكريـم أشجى عـزاء
|
أثكـلَ المسلمـون يُتماً وحزناً
|
|
لمصـاب الشـريعـة الثكـلاء
|
فإذا بـالقلوب نارُ شجونٍ
|
|
وإذا بالعيون ينبوع ماء
|
ثانياً
: ما نزل من القرآن في فضل أهل البيت : : ذكر
الشاعر في هذا الفصل مئتين وإحدى عشرة آية شريفة نزلت في فضل أهل البيت :. ومرجع اعتماد الشاعر في استخراج
الآيات المذكورة كان في الغالب على كتب أهل السنّة وقليل من كتب الشيعة .
٢
ـ حياة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7
:
أولاً
: سيرته 7
: تناول الشاعر في هذا الفصل عدّة مواضيع ، منها : مولده 7 ، فضائله ومناقبه ، زهده وعبادته ، زواجه
بالزهراء 3 ، معجزاته
وكراماته وهنا يذكر الشاعر أكثر من أربعين معجزة ومنقبة للإمام 7 من قبيل انقياد الحيوانات واستجابة
الجمادات له 7 ، ويخلص
الشاعر في هذا الفصل إلى الحديث عن بيعة الإمام وما جرى له 7 من أحداث وأخبار مع الناكثين والقاسطين
والمارقين. ثم يختم هذا الفصل باحتجاج الإمام في توحيد الخالق والاستدلال عليه
بمخلوقاته مشيراً إلى خلقة النملة والجراد والطاووس والخفاش .
ثانياً
احتجاجه 7 في أمر الخلافة
واثبات امامته :
توسع الشيخ الفرطوسي في هذا الفصل بالحديث
عن نشأة الخلاف بين المسلمين في شأن الخلافة بعد النبي 9 ، فتطرق في البداية إلى أحداث السقيفة
وما آلت إليه من نتائج وردود ، ثم استعرض النصوص النبوية في إمامة وخلافة
__________________
الإمام علي 7 وما دار من نقاش ونزاع بين المهاجرين
والأنصار انتهى إلى بيعة أبي بكر واحتجاج الإمام على ذلك ، وكذلك احتجاج اثني عشر
صحابياً على أبي بكر وهم : خالد بن سعيد بن العاص ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذر
الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وبريدة الأسلمي ، وعمّار بن ياسر ، وأُبيّ
بن كعب ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبي الهيثم بن التّيهان ، وسهل بن حنيف ،
وعثمان بن حنيف ، وأبي أيّوب الأنصاري.
ويواصل الناظم الحديث عن احتجاجات أمير
المؤمنين 7 ، فيذكر
منها احتجاجه 7
على أبي بكر عند منع الزهراء 3
عن فدك ، واحتجاجه على أهل الشورى ، واحتجاجه في بيعة الغدير. وقد احتجّ الإمام
بحديث الغدير كثيراً وفي مواضع عدّة منها يوم الجمل ويوم صفين. وقد أشار الشاعر في
ختام هذا الفصل برواة حديث الغدير من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين عبر
العصور منذ القرن الأوّل وحتى القرن الرابع عشر .
ثالثاً
: كلامه 7 :
نسق الشيخ الناظم في هذا الحقل إضمامة
من كلام الإمام 7
المفعم بالتعاليم الإسلامية والاجتماعية والخلقية. فذكر في البداية عهد أمير
المؤمنين 7 إلى مالك
الأشتر ; والتعاليم
القيمة التي حملها هذا العهد من توصيات سياسية واجتماعية واقتصادية تتعلّق بالحاكم
والرعية وحقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر. وأيضاً وصيته 7 الغنية بالمواعظ والعبر لولده الحسن 7 ، وكذلك وصيته للحسنين 8 قبيل رحيله ، وأيضاً كتابه 7 إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة ، ووصيته
لكميل بن زياد النخعي بشأن العلم
__________________
والعلماء ، وأخيراً
كلامه 7 لهمّام في
وصف المتقين .
رابعاً
: علمه 7 :
تناول الشاعر في هذا الفصل جانباً من
علم الإمام وأورد أمثلة في معرفته 7
لعلوم كثيرة كالنحو واللغة والأدب والرياضيات والطبّ والجغرافيا والصنعة والكيمياء
والفلك. كما وخصص قسماً لقضائه 7
مع نقل أمثلة كثيرة في هذا الخصوص .
خامساً
: شهادته 7 :
ختم الشاعر حديثه عن سيرة الإمام علي 7 بذكر شهادته فقال :
أي رزءٍ أراع شــرعة طــه
|
|
فاريـعت بصـرخـة وبكــاءِ
|
أثكـل المسلمين يتـماً وأدمـى
|
|
كل قـلب بطعنــة نجــلاءِ
|
حين أهوت شمس الهدى من علاها
|
|
وتـوارى للحـق خيـر ضيـاءِ
|
وأصــاب ابـن ملجـم مـن
|
|
عليٍّ فـي مـصلاه مفـرق العلياءِ
|
فبكـاه المحراب شجـواً وحـزناً
|
|
وهـو فيـه مضرج بـالدمـاء
|
ونعـاه الـروح الأمين فـأبكـى
|
|
كل عيـن مـن القـذى رمـداء
|
قتـل المـرتضى علـيٌ فـأوهى
|
|
عروة الديـن أخـبث الأشقيـاء
|
وتـداعى ركن الهـدى وتهـاوى
|
|
من منـار الإسـلام أسمـى بنـاء
|
ونبـا للجهـاد خيـر حســام
|
|
وانطـوى للرشـاد خير لـواء
|
وتعالى فـي ليلـة القدر ذكـر
|
|
حين أهوى للأرض ذكر السماء
|
__________________
٣
ـ حياة الصدّيقة فاطمة الزهراء 3
:
تضمن هذا الفصل عدة مواضيع ، منها :
مولدها 3 ، فضائلها
ومناقبها ، زواجها من الإمام علي 7
، ما جاء في الحديث الشريف بشأنها ، وما لها يوم القيامة من كرامة وفضل في شفاعة
شيعتها ومواليها ، والآيات القرآنية التي نزلت بحقها 3
.
وفي جانب آخر من هذا الفصل تحدث الشاعر
عن خطب الزهراء 3
واحتجاجاتها بشأن خلافة أمير المؤمنين 7
فذكر خطبتين لها 3
، الاُولى خطبتها في مسجد الرسول 9
والتي تناولت فيها موضوع الخلافة وبيعة الإمام علي 7
، والثانية خطبتها في نساء المهاجرين والأنصار واحتجاجها بحديث الغدير.
وينتهي الشاعر في ختام هذا الفصل إلى
ذكر وفاتها ودفنها ليلاً ووقوف أمير المؤمنين 7
على قبرها باكياً :
قد بكاهـا حتى تفجر وجـداً
|
|
وحنينـاً علـى نشيـج البكـاء
|
ورثـاها بالدمع مـن مقلتيـه
|
|
مـستهلاً والـدمـع خير رثـاء
|
حين وارى في تربة الأرض شمساً
|
|
عن علاها تنحط شمس السماء
|
__________________
٤
ـ حياة الإمام الحسن الزكي 7
:
أولاً
: سيرته 7 :
تحدّث الشاعر في هذا الفصل عن مواضيع
مختلفة ، منها : مولده 7
، فضله ومناقبه ، أخلاقه وسلوكه مع الناس ، سخاؤه وكرمه ، عبادته وتقواه ، وعلمه
وقضاؤه. وقد أفاض الشاعر في المواضيع المذكورة وذكر لكل منها أمثلة كثيرة.
ثانياً
: صلحه 7 :
تعرض الشيخ الفرطوسي بالتفصيل إلى صلح
الإمام الحسن 7
مع معاوية سنة إحدى وأربعين للهجرة ، فبيّن عوامله وأسبابه ، وشروطه ومبرراته ، ثم
ذكر خطبة الإمام 7
بعد الصلح واحتجاجه في الإمامة على معاوية ، وعمرو بن عثمان ، والوليد بن عقبة ، وعمرو
بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة.
وفي نهاية هذا الفصل تطرق الشاعر إلى
بعض كلام الإمام وخطبه فنقل شذرات وقبسات منها ثم انتهى به المطاف إلى ذكر شهادته 7 وفضل زيارته.
٥
ـ حياة الإمام الحسين سيد الشهداء 7
:
أولاً
: سيرته 7 :
تناول الشاعر في هذا الفصل المواضيع
التالية : مولده 7
، فضله ومنزلته عند رسول الله 9
، معاجزه ، كرمه وسخاؤه ، عبادته ، علمه ، شجاعته ، احتجاجه في الإمامة على عمر ، ومعاوية
، ومروان بن الحكم ، ومن ثم دواعي نهضته 7
ضد بني أمية.
__________________
ثانياً
: مقتله 7
:
بدأ الشاعر هذا الفصل الموسع ببيتين
خاطب بهما الإمام الحسين 7
قائلاً :
شاطرت جدّك في الرسالة إنها
|
|
ثمر لغـرس جهادك المتأخـر
|
ولدت بصدر محمد وتيتمت
|
|
فحضنتها في صدرك المتكسر
|
وقد صوّر الشيخ الفرطوسي في هذا الفصل
وقعة الطف الأليمة أروع تصوير وبأسلوب قصصي منتظم تتسلسل فيه الأحداث والوقائع
بشكل متناسق ومترابط. وتبدأ الأحداث بهلاك معاوية بن أبي سفيان وتسلّم يزيد مقاليد
الحكم بعد أبيه ومطالبته البيعة من الإمام الحسين 7
، ومن ثمّ امتناع الإمام عن البيعة.
وتتسلسل الأحداث بعد ذلك بخروج الإمام
من المدينة المنورة وذهابه إلى مكة المكرمة ، وهناك يلتقي وجهاء مكة ، وفيها تصله
من أهل الكوفة رسائل تدعوه إلى النهضة والجهاد. فيرسل الإمام مسلم بن عقيل سفيراً
له إلى الكوفة ليطلع عن كثب على نوايا الكوفيين ومقاصدهم. وفي الكوفة يقتل مسلم
ظلماً وغدراً. ويخرج الإمام من مكة متجهاً صوب العراق ، وفي الطريق يتلقى نبأ مقتل
مسلم فيواصل الإمام مسيره حتى يصل إلى أرض كربلاء أرض الفتنة والبلاء :
هـذه كربلاء دار البـلايـا
|
|
وهـي كـرب مشفوعة ببلاء
|
هاهنا هـا هنا تـحطّ رحالٌ
|
|
للمنـايا علـى صعيـد الفناء
|
هاهـنا تذبح الذراري فتروى
|
|
تربة الأرض من سيول الدماء
|
__________________
هـاهنا تقتل الرجـال وتسبى
|
|
بعد قتل الرجال خيـر نساء
|
هاهنـا تحرق الخيـام فتأوي
|
|
مـن خباءٍ مذعـورة لخبـاء
|
هاهنـا تنهب الملاحـف منها
|
|
وتعرّى من الحُلى فـي العراء
|
هاهنا يلهب الظما كـلّ قلب
|
|
يتلظّـى وقدّاً لبـرد الـرواء
|
فتموت الأطفال وهي عطاشى
|
|
والأواني تجفّ مـن كل مـاء
|
ويُجـرّ العليل من فوق نطع
|
|
سحبـوه بغلظــة وجفـاء
|
وتشـال الرؤوس فوق عوال
|
|
وتعاف الأجسام فـي الرمضاء
|
وصفايا الزهراء تحمل أسرى
|
|
فوق نوق عجف بغيـر وطاء
|
يوم عاشور أنت يـوم أُريعوا
|
|
بك آل الرسول في كربلاء
|
ويساير الشيخ الفرطوسي أحداث الطف حدثاً
بحدث وليلة بليلة مضمناً ذلك خطب الإمام ومناشداته ومحاوراته مع الكوفيين ، حتى
يصل إلى اليوم المشهود من وقعة الطف حيث مقتل خيرة أصحاب الإمام وشهادة صفوة أهل
بيته ، ثم شهادته 7.
وتتواصل الأحداث بعد وقعة الطف بمسير
السبايا إلى الكوفة ، ومن ثم خطبة زينب بنت الإمام علي 7 ، وفاطمة بنت الإمام الحسين 7 ، والإمام زين العابدين 7 في أهل الكوفة ، وبعد ذلك مسير السبايا
إلى الشام ودخولهم على يزيد ، وخطبة الحوراء زينب 3
، والإمام زين العابدين 7
في مجلس يزيد.
وينهي الناظم هذا الفصل بحديثه عن زينب
الكبرى 3 ، وعن علمها
وجهادها وقدسيّتها ، ومن ثم وفاتها 3.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن فضل زيارة الامام الحسين 7 ، والزيارات المأثورة كزيارة عاشوراء
وزيارة عرفة وزيارة ليلة النصف من شعبان وزيارات مأثورة اُخرى.
__________________
٦
ـ حياة الإمام علي بن الحسين زين العابدين 7
:
أوّلاً
: سيرته 7 :
بحث الشيخ الفرطوسي في هذا الفصل عدّة
مواضيع ، منها : مولده 7
، امامته وفضله ، عبادته وزهده ، صدقاته وحلمه ، معجزاته وعلمه ، واحتجاجاته في
شأن الخلافة والإمامة .
ثانياً
: رسالة الحقوق :
وهي رسالة دينية أخلاقية اجتماعية تناول
فيها الإمام 7 الحقوق
المتوجبة على الإنسان ، وهي : حق الله تعالى ، وحقّ النفس ، وحقّ اللسان ، وحقّ
السمع ، وحقّ البصر ، وحق اليد ، وحق الرجل ، وحق البطن ، وحق الصلاة ، وحق الحج ،
وحق الصوم ، وحق الصدقة ، وحق الهَدي ، وحق السلطان ، وحق الرعية بالسلطان ، وحق
الرعية في العلم ، وحق المعلم ، وحق المالك ، وحق الزوجة ، وحق المملوك ، وحق الأم
، وحق الأب ، وحق الولد ، وحق الأخ ، وحق المنعم بالولاء ، وحق العبد بعد العتق ، وحق
ذي المعروف ، وحق المؤذن ، وحق الإمام ، وحق الجليس ، وحق الجار ، وحق الصاحب ، وحق
الشريك ، وحق المال ، وحق الغريم ، وحق الخليط ، وحق الخصم المدَّعي ، وحق الخصم
المدّعى عليه ، وحق المستشير ، وحق المشير ، وحق الناصح ، وحق الكبير ، وحق الصغير
، وحق السائل ، وحق المسؤول ، وحق من سرّك ، وحق القضاء ، وحق أهل الملّة ، وحق
أهل الذمّة .
ثالثاً
: الصحيفة السجادية :
وهي مجموعة من الأدعية المأثورة عن
الإمام زين العابدين 7
وهي في
__________________
الحقيقة مجموعة من
الدروس التربوية والأخلاقية ابتهلها الامام لتهذيب الناس وحثّهم على مكارم
الأخلاق. وقد أبدع الشيخ الفرطوسي في نظم الصحيفة بالكامل منسقاً أدعيتها الأربعة
والخمسين دعاءً في قالب شعري رائع ، وأسلوب أدبي متميّز .
رابعاً
: كلامه 7 :
ضم هذا الفصل مجموعة من حكم الإمام
ونصائحه المأثورة. وقد ختمه الشاعر بـ « زيارة أمين الله » ، وذكر وفاة الإمام
السجاد 7 .
٧
ـ حياة الإمام محمد الباقر 7 :
أولاً
: سيرته 7 :
يمكن حصر الموضوعات التي تطرق إليها
الناظم في هذا الفصل في المواد التالية : مولد الإمام 7 ، نشأته وتربيته ، حلمه وعفوه ، عبادته
وزهده ، معاجزه وكراماته ، وصاياه ونصائحه ، حكمه ومواعظه ، ثم شهادته 7 .
ثانياً
: أحاديثه 7 :
فتح الشيخ الفرطوسي في هذا الحقل باباً
موسعاً لأصول وقواعد الحديث التي وضعها الإمام الباقر 7. وقد بيّن فيه طريقة الإمام في تقييم
الرواية والراوية وتحديد السليم منها والسقيم. وبعد ذلك تطرق الناظم إلى الأحاديث
التي رواها الإمام 7
عن النبي 9 ، وعن ابن
عبّاس ، وزيد بن أرقم ، والإمام
__________________
علي 7 والإمام الحسين 7 ، والإمام علي بن الحسين زين العابدين 7 .
ثالثاً
: علمه 7 :
خصص الشيخ الناظم فصلاً قائماً بذاته في
موضوع علم الإمام 7.
وقد تطرق فيه إلى مساهمات الإمام الباقر 7
في الموضوعات العلمية المتنوعة كعلوم القرآن ، وعلم الكلام وعلم الفقه واُصوله.
ومن ثم انتقل إلى احتجاجاته 7
بشأن الامامة والخلافة ، ومسائل علمية اُخرى .
٨
ـ حياة الإمام جعفر الصادق 7 :
أولاً
: سيرته 7 :
تناول الشيخ الفرطوسي في هذا الحقل عدّة
مواضيع ، منها : مولد الإمام 7
، دلائل إمامته ، عبادته وزهده ، حلمه وصبره ، سخاؤه وكرمه ، إخباره بالمغيبات
واستجابة دعائه ، معجزاته وكراماته ، مواعظه ووصاياه وحكمه ، ومن ثم شهادته 7 .
ثانياً
: علمه 7
:
أورد الشيخ الفرطوسي في هذا الفصل طائفة
من أقوال العلماء في الإمام الصادق 7
منذ عصر الإمام وحتى يومنا هذا. وقد انبرى بعد ذلك يتحدّث عن رؤساء المذاهب
الأربعة من تلامذة الإمام الصادق 7
، وهم : أبو حنيفة النعمان بن ثابت رئيس المذهب الحنفي ، ومالك بن أنس رئيس المذهب
المالكي ، ومحمّد
__________________
بن إدريس رئيس
المذهب الشافعي ، وأحمد بن حنبل رئيس المذهب الحنبلي.
ويتابع الشاعر حديثه في هذا الحقل عن
علم أهل البيت :
وخاصة علم الإمام الصادق 7
وآرائه في علم الحديث ، والفقه ، والجفر ، والنجوم ، والكيمياء ، والطب. وقد توسع
الشاعر في الحديث عن طبّ الإمام 7
وذكر مناظرته 7
مع الطبيب الهندي ، وآراءه في علاج بعض الأمراض ، وأقواله في خواص النباتات .
ويختم الشاعر هذا الفصل بنقل أربع آيات
قرآنية نزلت في أهل البيت :
يذكر من خلالها الأحاديث الشريفة المؤيدة لها والرواة الذين نقلوها. والآيات هي :
آية التطهير
وفيها خمسة وستون حديثاً ، وآية القربى
وفيها تسعة وعشرون حديثاً ، وآية السؤال عن ولاية أهل البيت :
وفيها أربعة عشرة حديثاً ، وآية التصدق بالخاتم وفيها ثلاثة وعشرون حديثاً .
ثالثاً
: توحيد المفضّل :
وهو ما أملاه الإمام الصادق 7 على تلميذه المفضّل بن عمر في إثبات
التوحيد ، ومعرفة وجوه الحكمة من إنشاء العالم السفلي وإظهار أسراره ، وفيما خلقه
الله ـ جلّ جلاله ـ من الآثار ، ورد الملحدين والجاحدين في إنكار الخالق بجلائل
الأدلة والبراهين.
__________________
وتوحيد المفضل كتاب في غاية الأهمية
تبارى غير واحد من العلماء في شرحه وتفسيره. وقد نظمه الشيخ الفرطوسي في هذا الفصل
نظماً متقناً وقويماً استوفى جميع معارفه الجليلة دون أن يفرط بصغيرة منها أو
كبيرة .
٩
ـ حياة الإمام موسى بن جعفر 7 :
تطرق الشيخ الناظم في هذا الفصل إلى
الموضوعات التالية : مولد الإمام الكاظم 7
وبعض مزاياه ، علمه ومعجزاته ، استجابة دعواته وإخباره بالمغيبات ، صدقاته
ومجالسته للفقراء ، حكمه ومواعظه ، وصاياه لأولاده ، وصاياه لهشام بن الحكم ، أدعيته
وكلماته القصار ، الإمام الكاظم وأبو حنيفة ، حديث الشيخ المفيد في مزايا الإمام
الكاظم 7 ، الإمام في
كتب : « ربيع الأبرار » للزمخشري ، و « تاريخ بغداد » للخطيب البغدادي ، و « عيون
الأخبار » للصدوق ، و « الأمالي » للسيد المرتضى ، ومن ثم وفاته 7 .
١٠
ـ حياة الإمام الرضا 7 :
من الموضوعات التي تناولها الشيخ في هذا
الحقل : مولد الإمام 7
، حديث السلسلة الذهبية ، مكارم أخلاقه ، احتجاجه في التوحيد ، احتجاجه في الإمامة
، احتجاجه على رؤساء الأديان ، احتجاجه على رأس الجالوت اليهودي ، احتجاجه على
عمران الصابئي ، أجوبته على أسئلة المأمون ورده على شبهاته ، علمه 7 ، أجوبته في علل الشرائع ، كلامه في
الجبر والتفويض ، إخباره بالمغيّبات ، معاجزه ، الرسالة الذهبية في الطبّ ، وفاته 7 .
__________________
١١
ـ حياة الإمام محمّد الجواد 7 :
في هذا الحقل تحدث الشيخ الفرطوسي عن :
مولد الإمام 7 ، نص الإمام
الرضا 7 على الإمام
الجواد 7 ، علمه 7 ، تزويجه من إبنة المأمون ، معجزاته ، احتجاجاته
، احتجاجاته على يحيى بن أكثم ، شهادته 7
.
١٢
ـ حياة الإمام علي الهادي 7 :
تناول الشاعر في هذا الفصل : مولد
الإمام 7 ، علمه ، أجوبته
على مسائل ابن السكيت ويحيى بن أكثم ، كلامه في الجبر والتفويض ، جوابه عن
متشابهات من القرآن ، معاجزه ، وشهادته 7
.
١٣
ـ حياة الإمام الحسن العسكري 7 :
استعرض الشيخ الفرطوسي في هذا الحقل
المواضيع التالية : مولد الإمام 7
، علمه ، نماذج من تفسيره ، وقد أورد تفسير قوله تعالى : « بسم الله الرحمن الرحيم
» وتفسير سبع آيات أُخر
، معاجزه ، وشهادته 7
.
١٤
ـ حياة الإمام المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف :
تطرق الشيخ الناظم في هذا الفصل إلى
مواضيع عدّة ، منها : مولد الإمام 7
، اسمه ونسبه وألقابه ، إمامته ، الآيات المؤولة في الإمام
__________________
المهدي :
، الأحاديث النبوية في الإمام المنتظر 7
، ما ورد عن أهل البيت :
في الإمام المهدي 7
، دلائل إمامته ، قول النبي 9
: « الأئمة اثنا عشر » من طرق أهل السنّة وبرواية ابن مسعود وابن عبّاس وعائشة
والعباس بن عبدالمطلب عمّ النبي 9
وأبي سعيد الخدري ، مصادر مئتين وثلاثة وسبعين حديثاً في أحوال الحجة المنتظر 7 ، معاجزه 7
، خروجه في آخر الزمان ، وأربعون من ثقاة علماء السنّة يعترفون بالإمام المهدي 7 وينقلون في ذلك أحاديث نبوية شريفة .
ج ـ علوم القرآن
في ثلاثة مواضع خصص الشيخ الفرطوسي
مساحات كبيرة من ملحمته لموضوع القرآن وما يتعلق بتفسيره وعلومه. وقد تطرق الشيخ
في تلك المواضع إلى معارف قرآنية جليلة وبحوث قيمة ومضامين هامة وخطيرة تستحق
العناية والبحث المعمق. والمواضع هي :
أولاً
: الموضع الذي تحدّث فيه الشيخ الناظم
عن رسالة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7
في علوم القرآن والتي شملت مواضيع قرآنية عدّة من قبيل : الناسخ والمنسوخ ، والمحكم
والمتشابه ، والعموم والخصوص ، والعزائم والرخص ، والجدال والاحتجاج ، والترغيب
والترهيب ، والقصص
__________________
والأمثال ، والتأويل
والتفسير ، والاستدلال والقياس ، ومفاهيم قرآنية اُخرى .
ثانياً
: الموضع الذي خصه الناظم لتفسير الإمام
الباقر 7 للقرآن الكريم.
وقد بدأه بمقدمات ، منها : الترجيع بقراءة القرآن ، وتنزيه القرآن من الباطل ، وذمّ
المحرِّفين للقرآن ، والاستعمالات المجازية في القرآن ، ومواضيع اُخرى. وقد تطرق
الناظم في جانب آخر من هذا الموضع إلى نماذج من تفسير الإمام 7 معتمداً على كتاب « البرهان في تفسير
القرآن » للسيد هاشم البحراني. وقد بلغ عدد الآيات المفسرة في هذا الموضع مئة
وخمساً وتسعين آية شريفة .
ثالثاً
: وهو فصل قائم بذاته ومستقل عن باقي
موضوعات الملحمة وضعه الشيخ الفرطوسي خصيصاً لتفسير القرآن الكريم حيث بلغت الآيات
المفسرة في هذا الفصل مئة وثلاثاً وستين آية شريفة .
__________________
٣ ـ الخصائص :
للملحمة خصائص وقيم فنية كثيرة ، أشار
إلى جملة منها السيد محمد باقر الصدر حين قدّم الملحمة قائلاً : « وجدت الملحمة
فريدة في بابها ملأت فراغاً لم يكن قد ملئ حتى الآن في تراثنا الفكري والأدبي وقد
استطاع الاستاذ المبدع الذي وضع هذه الملحمة أن يمزج فيها بين جلال العقيدة وقوة
البرهان ونصاعة الاستدلال ونزاهة العرض ودقة التصوير من ناحية وبين قوّة الابداع
وزخم الشعور وروعة الشعر وجمال التصوير من ناحية اُخرى ولئن كانت الملحمة تعبيراً
عن أمجاد خير أمة اخرجت للناس ومفاهيمها العامة وتاريخها العظيم بكل ما يحمل من
سمات الابداع والبطولة والايمان والتضحية والفداء فهي في نفس الوقت تعبير عن مدى
القدرات الهائلة في لغة القرآن التي مكّنتها من أن تصور كل تلك الأمجاد وكل ذلك
التاريخ الحافل بشعر ملتزم بكل ما يفرضه الشعر من التزامات الوزن والقافية ولم
يفقد بسبب ذلك روعة الشعر وجماله وهي بالتالي تجسيد لألمعية هذا الشاعر الجليل الذي
فجّر تلك القدرات بما أوتي من نبوغ في الشعر وتضلع في اللغة وعمق في الولاء وتفقه
في الدين والتاريخ » .
وللتوسع في الموضوع وتفصيل الكلام في
خصوصيات وقيم الملحمة لابدّ من الحديث عن الميّزات التي انفردت بها الملحمة ، والجوانب
المتعددة التي يمكن من خلالها تقييم الملحمة ونقدها. ومن الخصائص البارزة التي نقف
عندها في هذا الفصل :
أولاً : وحدة الوزن
والقافية
على الرغم من طول الملحمة التي جاوزت
الأربعين ألف بيت ، وتعدد مواضيعها وتنوع مضامينها ، فإننا نرى أنّ الشاعر يلتزم
فيها بحراً واحداً وهو الخفيف ، وقافية واحدة وهي الهمزة المكسورة. وقد أجاد
الشاعر في اختياره هذا. فكما هو معروف فانّ بحر الخفيف ـ كما يتضح من تسميته ـ
خفيف يتصف بالهدوء والرزانة ، الرزانة الباعثة على الحركة والتواصل لا على السكون
والانقطاع. « وأكثر ما استعمل الخفيف عند القدامى في أغراض قريبة من مواطن الأداء
النفسي كالتأمل والحكمة والرثاء ، كما استعمل لإبراز الحوار الداخلي ما بين الشاعر
وأعماقه ... » .
وأمّا القافية وهي الهمزة المكسورة
فانّها من أفضل القوافي التي يمكن استخدامها في القصائد المطولة ذات النفس الملحمي
المديد ، لكثرة مفرداتها وتنوع اشتقاقاتها اللغوية. فلذا كان التنوع اللغوي
مشهوداً وملحوظاً في تمام أبيات الملحمة. وكما مرّ سابقاً فانّ الشاعر قد استخدم
قافية واحدة فقط لم يحد عنها طوال أجزاء الملحمة الثمانية. ولعل ذلك يعود إلى
الإحكام الذي توخاه الشاعر في نسيج قصيدته ، والتناسب الحاصل عادة بين الموسيقى
الداخلية والخارجية في مثل هذا النوع من القصائد الموحدة القافية.
وهذا دأب شعراء النجف فانّهم ينظرون «
إلى وحدة القافية نظرة اعتزاز ، ويعدونها أصلاً من أُصول الإبداع في القصيدة ، ومظهراً
من مظاهر اكتمالها الفني ، ولا يحيدون عن وحدة القافية رغبة في التخلص منها ، بل
اتباعاً لنماذج من الشعر العربي وفنونه ، كالموشح والمزدوجات » .
__________________
ثانياً : الإسناد
والتوثيق
حرص الشاعر منذ بداية ملحمته وحتى
نهايتها على أن يدعم كلامه بالمصادر والمراجع المختلفة سواء مصادر أهل السنة أو
المصادر الشيعية. وقلّما نجد موضوعاً أو بحثاً في الملحمة دون إسناد أو توثيق.
فلذا امتازت الملحمة بقيمة علمية بالاضافة إلى قيمها الدينية والتاريخية والأدبية.
وتتنوع المصادر بتنوع الموضوعات التي
طرقها الشيخ الفرطوسي في موسوعته الشعرية. فقد شملت مصادر في القرآن وتفسيره ، والحديث
وروايته ، وكذلك مصادر في الفقه والاُصول ، والفلسفة والكلام ، والتاريخ والسيرة ،
والعلوم والفنون ، والشعر والأدب ، وموضوعات كثيرة اُخرى.
ومن أبرز كتب أهل السنّة التي اعتمد
عليها الشاعر في ملحمته يمكن الاشارة إلى المصادر التالية : في التفسير : تفسير
الكشّاف للزمخشري ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير الطبري ، وتفسير البيضاوي. وفي
التاريخ : تاريخ الطبري ، وتاريخ ابن كثير ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي. وفي الحديث :
صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وصحيح الترمذي ، ومسند ابن حنبل ، والمستدرك للحاكم ،
والمعجم الصغير للطبراني ، وكنز العمال للمتقي الهندي. وفي الرجال : تذكرة الحفاظ
للذهبي ، وأُسد الغابة لابن الأثير ، والطبقات الكبرى للشعراني. وفي الكلام :
رسالة الاعتقاد لأبي بكر الشيرازي ، وشرح تجريد الاعتقاد للسيوطي.
أما المصادر الشيعية فهي كثيرة ، ففي
التفسير : مجمع البيان للطبرسي ، والبرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني ، والبيان
للسيد الخوئي. وفي الحديث : الكافي للشيخ الكليني ، والتهذيب للشيخ الطوسي ، ومن
لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي. وفي الكلام
والاعتقاد :
الاحتجاج للطبرسي ، وإحقاق
الحق للسيد نور الله المرعشي التستري ، وحق اليقين للسيد عبدالله شبّر ، وعقائد
الإمامية للسيد إبراهيم الزنجاني ، والمراجعات للسيد شرف الدين.
ثالثاً : الوضوح والشفافية
من جملة ما يلاحظ على معاني الشاعر في
ملحمته أنّها معان واضحة ليس فيها تكلّف ولا تصنّع ، ولا إغراق في الخيال ولا
مبالغة في التعبير ، ولعلّ ذلك يعود إلى الهدف الذي ارتسمه الشاعر في ملحمته وهو
تأريخ حياة وفكر أهل البيت :
، والأحداث التي عاصروها لتكون وثيقة تاريخية قبل أن تكون وثيقة شعرية خالصة أو
أثراً أدبياً بحتاً.
ومن هذا المنطلق حرص الشاعر على نقل
الأحداث والوقائع نقلاً أميناً دون أن يفرض إرادته الفنية وقبل أن يستجيب لأحاسيسه
وعواطفه. ومن أجل ذلك كان شعره ـ عدا النزر القليل ـ وثيقة دقيقة لمن أراد أن يعرف
التأريخ الإسلامي ويطلّع على حياة أهل البيت :
وعلى أفكارهم ومعارفهم القيمة.
ويواصل الشاعر تأدية معانيه بهذه الصورة
الواضحة ومن غير تمويه وطلاء. فهو يهدف إلى سرد الحقائق سرداً واقعياً وحسيّاً دون
إعمال الخيال والعاطفة. وإن شاب بعض أشعاره خيال فإمعاناً في الوضوح وزيادة في
الجلاء. ومن هنا نرى الشاعر في كثير من المواضع يظهر ببزّة مؤرخ يروي الأحداث
والوقائع كما جاءت في المصادر المعنية لا كما يراها هو. فمثلاً عندما يتناول غزوة
من غزوات النبي 9
كغزوة بدر مثلاً نراه يتابع أحداثها ، ويلقي الضوء على وقائعها بموضوعية وأمانة
تامة :
إنّمـا المسلمون
فـي يوم بدر
|
|
أقويـاء فـي عـدّة
الضعفـاء
|
أقويـاء الإيمان
والـدين أقوى
|
|
شوكـةٍ تستهيـن
بـالأقويـاء
|
وقريـش وقد تمـادت
لطـه
|
|
في عداها أطغى مـن
الكبرياء
|
حيـن جاءت بعدّة
وعـديد
|
|
تتـبـارى بالخيـل
والخيـلاء
|
وأرادت عند
البــررجـالاً
|
|
مـن قريش هـمُ من
الأكفـاء
|
فتصـدى عبيـدة
وعلــي
|
|
لهـم بعـد سيــد
الشهـداء
|
والوليـد البـاغي
وعتبة يتلو
|
|
شيبة في الصمـود
عند اللقـاء
|
فتلاقى الأقران
مـن كلّ صفٍ
|
|
والمنايـا تضرى
مـن الغلواء
|
وإذا بـالطغـاة
بين صريـع
|
|
وقتيــل مقطـع
الأعضـاء
|
وعلـيّ هو
المجلّـي جهـاداً
|
|
وهو في الحرب فارس
الهيجاء
|
قتــل الله
نـوفلاً بيـديـه
|
|
بعد دعوىً من خاتم
الأنبياء
|
|
|
|
|
|
وهكذا دواليك في سائر أحداث الملحمة
وباقي موضوعاتها المختلفة. فالسمة البارزة في أشعار الملحمة وخاصة الأشعار
التاريخية تكمن في وضوح المعاني وشفافية المضامين والموضوعات.
رابعاً : سهولة البيان والألفاظ
اتجه الشاعر في لغته التعبيرية واُسلوبه
البياني إلى اختيار ألفاظ سهلة ومفردات متداولة يسهل فهمها وتتبادر إلى الذهن بيسر
وسرعة. وقد سار الشاعر في هذا الاتجاه في جميع الموضوعات التي تطرق إليها سواء
الموضوعات
__________________
المعقدة والصعبة أو
المسائل المبسطة واليسيرة. فنلحظ مثلاً عندما يتطرق الشاعر إلى موضوعات كلامية
عويصة كالجبر والتفويض مثلاً نجده ينهج المنهج السابق ويتناول الموضوع بكل بساطة
وسهولة. يقول في هذا الشأن :
هو أمرٌ مـا بين أمرين حـقٌ
|
|
عن ضلال التفويض والجبر نائي
|
قرّرتـه أئمـة الحـق منّـا
|
|
وهو يـعزى لخيرة الأوصيـاء
|
وهو عند التحقيق والحق يبدو
|
|
لك بالعيـن عند كشف الغطاء
|
انّ ربّ العباد أولـى امتنـاناً
|
|
كـلّ عبــد بمنّـة وعطـاء
|
وحـبـاه إرادةً واختيــاراً
|
|
فـي جميع الأفعال عنـد الحباء
|
وله قـدرة بترك المعـاصـي
|
|
وبفعـل الطاعات وقـت الأداء
|
طبق أصل يصـدّه بالنـواهي
|
|
عن إباحـات سائـر الأشيـاء
|
ولـربّ العبـاد أمـرٌ ونهـيٌ
|
|
وحدودٌ مـوضوعـةٌ للقضـاء
|
وأمور طبق المصـالح تجـري
|
|
في القضايا مـن عالم بالخفـاء
|
بعد تبييـن منهج الغي منهـا
|
|
للبـرايـا ومنهـج الإهتـداء
|
قد هداه النجدين إمّـا شكوراً
|
|
أو كفـوراً بهــذه النعمـاء
|
ويجازى المطيع من كل عبـد
|
|
عنـد فعل الطاعات خيـر جزاء
|
ويعاني العاصي بسوء اختيـار
|
|
عنـد عصيـانه أشـدّ البـلاء
|
وهو حكم يقرّه العقل جزمـاً
|
|
وقضـاء عدل بغير اعتـداء
|
وقضاء الإله وهـو مطـاعٌ
|
|
نافـذٌ حكمـه بكـلّ مُشـاء
|
في جميع الطاعـات أمرٌ وأجرٌ
|
|
ورضــاه والعـون للأوليـاء
|
والتخلّي والنهي والسخط منه
|
|
في المعاصي والـذم للأشقياء
|
__________________
وعلى هذه الشاكلة يسير الشاعر في لغته
الشعرية نحو الألفاظ القريبة إلى الذهن والتي يكثر استعمالها في لغة العرب. فهو
حريص أشدّ الحرص على أن يكون بيانه أسرع تناولاً وأيسر فهماً للقارىَ والمستمع.
وبالرغم من ذلك فإننا نجد بعض الألفاظ الغريبة والمفردات النادرة التي تحتاج إلى
الايضاح والتبيين من مثل « شراسيف »
في قوله يصف النملة :
وشراسيف بطنها كيف صفت
|
|
ومجاري طعامهـا والهواء
|
و « تُطامن » و « الطِّماح » في هذا البيت :
لتُطامـن منك الطِّماح ويدنُ
|
|
لك عقل عن الهدى مُتنائي
|
و « الطبين » في البيت التالي :
ورواسـي الايمان والعدل منّا
|
|
والطبين الخبير في كل داء
|
و « الصالقات » في قوله :
ومن الصَّالقات للخلق نهشاً
|
|
وهـي حيّاتها بدون وقاء
|
واستعمال مثل هذه المفردات في الملحمة
نزر قليل ، لا يعمد الناظم إلى ذكرها وإنّما تأتي عرضاً في سياق الكلام. ومع ذلك
فان الشاعر لا يتركها من غير توضيح بل يبيّن معانيها ويشرحها في الهامش.
__________________
خامساً : دقة التصوير وتعميق الفكرة
ثمة ميزة هامة تجلّت في شعر الملحمة
بوضوح وساعدت على إطالتها وازدياد أبياتها ، وهي تصوير الشاعر الدقيق الحاصل من
تعميق الفكرة وتوسيع المحتوى والمضمون للأحداث والوقائع التاريخية. وقد وفّق
الشاعر في هذا الشأن أيّما توفيق ، فقد استطاع أن يتغلّب على الإطالة المملة
الحاصلة من التلاعب اللفظي الذي يكثر غالباً في مثل هذه المواضع ، باختياره
الألفاظ الرشيقة والعبارات الرقيقة التي تنم عن ذوق رفيع وحس مرهف ودقيق امتاز به
الشاعر وأجاد استخدامه.
ولتبيين هذه الفكرة نضرب مثلاً قول
الشاعر في « دخول النبي 9
إلى مدينة يثرب ». فقد استرسل في نقل هذا الحدث مصوراً الفرح الذي غمر الناس ، والبهجة
التي عمّت الطيور والمروج والروابي احتفاءً بمقدم النبي الكريم 9 :
هـذه يثرب وهذا ثـراهـا
|
|
وهو مهـد الشريعـة الغـرّاء
|
والمروج الخضراء تزهو ابتهاجاً
|
|
والروابـي تضوع بالأشـذاء
|
وعـذارى النخيل تهتـزّ بشراً
|
|
مـن رفيف الجدائل الزرقـاء
|
والصبايا وهـي الأقاحي ثغوراً
|
|
تتهـادى بفـرحة وازدهـاء
|
والأغاريد بالمسّـرات تشـدو
|
|
فتعـجّ الأجـواء بالأصـداء
|
وبطاح الثرى تسيـل احتشاداً
|
|
وجمـوع الأنصار كـالأنواء
|
كلّ هذا بشـراً بمقـدم طـه
|
|
وابتهـاجـاً بخـاتـم الأنبيـاء
|
والنبـيّ الأُميّ خيـر سـراج
|
|
مستنيــر لـلأُمـة العميـاء
|
منبع العلم ، والحضـارة علماً
|
|
ورشـاداً مـن منبـع العلمـاء
|
مشـرق النور والهداية أُفـقٌ
|
|
شقّ بالنـور ظلمـة الصحـراء
|
مهبط الـوحي والأمين عليه
|
|
معـدنٌ للـرسالـة البيضاء
|
هـو فجر مـن الجهاد منير
|
|
وانطلاق من ربقة الأدعيـاء
|
ورسـول بالحق يحكم عدلاً
|
|
وحكيم يسمو على الحكماء
|
أبصر الأُفق بـالمدينة رحباً
|
|
فتجلى من الهدى بضياء
|
سادساً : استخدام المحسنات البديعية
لم يعمد الشاعر إلى وجوه التحسين اللفظي
والمعنوي التي تأتي غالباً لتزيين الكلام وتنميقه. فكما تبيّن سابقاً ومن خلال
القراءة الاُولى للملحمة أنَّ الشاعر أخذ على عاتقه رواية التأريخ الإسلامي وتسجيل
أحداثه ووقائعه. وفي مثل هذا الموضع لا مجال للمحسنات البديعية ما لم تأت بصورة
عفوية وتلقائية.
ومن هنا نجد في الملحمة بعض تلك
المحسنات التي لم يتكلّف الشاعر فرضها على نظمه ، بل جاءت مواكبة لنظام القصيدة
دون أن تحدث خرقاً في منهجيتها العامة. ومن هذه المحسنات يمكن الاشارة إلى (
الجناس )
وأنواعه المختلفة كالجناس بين « ناظرات » بمعنى مبصرات و « ناضرات » بمعنى ناعمات
في البيت التالي :
ووجـوه لـربّهـا ناظـرات
|
|
ناضراتٍ من نعمة وهناء
|
والجناس بين « غدير » و « غزير » في هذا
البيت :
وغديـر مـن العلـوم غزير
|
|
فيه ريّ الظما من العلماء
|
__________________
ومن المحسنات أيضاً ( الطباق ) . وقد استعمل كثيراً في الملحمة ، كالطباق
ما بين « الليل » و « النهار » و « الموت » و « الحياة » و « النار » و « الجنان »
و « عقاباً » و « ثواباً » في الأبيات التالية :
خلـق الليل والنهار احتفاظاً
|
|
بنظـام الأشياء دون ازدراء
|
خلـق الموت والحياة لتُبلى
|
|
كـل نفس بمـا لها من بلاء
|
خلـق النار والجنـان عقاباً
|
|
وثواباً أعظم به من جزاء
|
ومن المحسنات البديعية ( العكس ) كما يظهر من هذا البيت :
وخروج الأحياء من كلّ ميتٍ
|
|
وخروج الموتى من الأحياء
|
وإلى هذه المحسنات البديعية يمكن ضمّ
بعض الأساليب الأدبية التي طرقها الشاعر في مواضع عدّة من ملحمته ، كاقتباسه شيئاً
من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف أو الكلام المأثور عن أهل البيت :. ومثال ذلك ما اقتبسه الشاعر من القرآن
الكريم في هذين البيتين :
هو يحيي الموتـى ويكتب منهم
|
|
فـي كتاب ما قدّمـوا للجزاء
|
وهـو يحيي العظام وهي رميم
|
|
بعد خلق العظام في الابتداء
|
وقد أراد في البيت الأول الآية الشريفة
: ( إنّا نَحنُ نحيي الموتى
ونكتُبُ ما قدّموا وآثارَهُم ) .
وفي البيت الثاني الآية الشريفة : (
وضَرَبَ
لنا مَثلاً ونسيَ
__________________
خلقَه
قال من يُحيي العظامَ وهي رميم
) .
ومن الأساليب الأدبية أيضاً تكرار كلمة أو
جملة في صدر أو عجز عدّة أبيات متتالية. وهو اُسلوب يتبعه الشعراء غالباً لجلب
الانتباه حول موضوع معيّن يريد الشاعر التأكيد عليه والسبر فيه. كتكرار كلمة « مَن
» في الأبيات التالية :
من لـه قال أحمـد أنت منـي
|
|
مثـل هارون خيـرة الـوزراء
|
من بهم بـأهل النبي النصـارى
|
|
فـي بنين وأنفــس ونسـاء
|
من بنص التطهير من كل رجس
|
|
قد تزكّى وفي حديـث الكساء
|
من بهم « هل أتى » من الله جاءت
|
|
عند وقـت الإطعـام للفقـراء
|
من له مِـن مغيبها الشمس ردت
|
|
بـدعاء مـن خـاتـم الأنبياء
|
من به جبرئيل فـي أُحـد نادى
|
|
« لا فتـى » غير سيّد الأوصياء
|
من حباه فـي يـوم خيبـر طه
|
|
منكـم خيــر رايـة ولـواء
|
من بيوم الأحـزاب جندل عمراً
|
|
فسقـاه بـالسيف مـرّ الفنـاء
|
من بحـق للجن أرسـل طـه
|
|
حين أضحى له مـن الأمناء
|
__________________
٤ ـ مقارنة وتطبيق :
من جملة الملاحم الشعرية التي حظت بشهرة
واسعة في الأوساط الأدبية ـ إضافة إلى ملحمة الشيخ الفرطوسي ـ ملحمة الشاعر
اللبناني بولس سلامة الموسومة بـ« عيد الغدير » وتتناول هذه الملحمة أهم نواحي التاريخ
الإسلامي من الجاهلية إلى آخر دولة بني أمية. ولهذه الملحمة نقاط اشتراك واختلاف
مع ملحمة الشيخ الفرطوسي نذكرها للمناسبة.
من أهم المشتركات التي يمكن الاشارة
إليها هنا هو موضوع الملحمتين. فقد تناول كلّ من الشاعرين بولس وعبدالمنعم التاريخ
الاسلامي وما يدور في فلكه من شؤون وأحداث ، كلّ بطريقته الشعرية الخاصة واُسلوبه
الأدبي المتميز. ويبقى الفارق في أمرين :
الأوّل
: التوسع الموضوعي الذي اتبعه الشيخ
الفرطوسي في ملحمته حيث تناول موضوعات كثيرة مثل العقائد والسيرة والتاريخ وتفسير
القرآن لم يتطرق إليها الشاعر بولس سلامة وذلك لمقتضيات وضرورات منهاجه في ملحمته.
والثاني
: هو تعميق الفكرة وتوسيعها من حيث
المحتوى والمضمون وهو النهج الذي سار عليه الشيخ الفرطوسي في نظم ملحمته ، بينما
ذهب الشاعر بولس إلى نبذ الاسهاب والتطويل متخذاً من الإيجاز والاختصار المفيد
منهاجاً لملحمته.
ولتبيين هذه الفكرة نأخذ مثلاً حديث
الشاعرين عن أبي طالب 7
عمّ الرسول 9. فالفرطوسي
كدأبه في ملحمته يتجه نحو التوسيع فيبدأ كلامه بالحديث عن نصرة أبي طالب للإسلام :
__________________
يانصير الدين الحنيـف بصدق
|
|
والمحامي عـن خاتـم الأصفياء
|
قد نصرت الإسلام في خير سيفٍ
|
|
ولسانٍ من أبلـغ الفصحـاء
|
وتحملت صـابراً مـن قريـش
|
|
ودعـاة الإلحـاد كـل عنـاء
|
ولقـد كنت جُنّـةً من عـداها
|
|
وأذاها لـه وخير وقـاء ...
|
ثم يتناول إيمان أبي طالب الذي كثر فيه
الجدل والنقاش ، فيرد على المشككين بالحج والبراهين :
كيف ترمى بالكفر بعد جهادٍ
|
|
مستميـت عن ملّـة الحنفاء
|
ومقـال أبـديته بعـد علـمٍ
|
|
واعتقاد أظهـرتـه بـجلاء
|
إنّ ديـن النبي مـن خير دينٍ
|
|
للبرايا أوحـاهُ ربّ السمـاء
|
وأبـو بكر قـد تجلّـى علينا
|
|
في أبـي طالب بأبهى سنـاء
|
قال أدّى الشهادتين بصـدقٍ
|
|
قبل يـوم الممات خيـر أداء
|
وأخوه العبّاس أوحـى بهـذا
|
|
فـي صريح الكلام دون خفاء
|
وابن عبّاس وهـو حبرٌ جليل
|
|
من عيـون الأعـلام والعلماء
|
وأبو ذر من تزكّى عن الكذب
|
|
بنصّ من خاتم الأنبياء ...
|
ومن ثم ينتقل إلى ذكر قول النبي 9 وأقوال الأئمة : في أبي طالب. وقد تجاوزت أبيات
الفرطوسي في هذا الموضوع المئة. بينما اكتفى الشاعر بولس بنظم سبعة وعشرين بيتاً
تناول فيها نشأة النبي 9
في ظل أبي طالب وسفره مع عمّه إلى الشام :
مَن لهذا اليتيـم مـن للصغير
|
|
من لفرخ النسور غير النسور
|
__________________
(شيبـة الحمد) بـالحنان تولّى
|
|
بُرعمَ الورد فـي النبات الطرير
|
فنمــا أحمد بـظلّ كـريـم
|
|
كـانبـلاج الضحى وسري العبير
|
وقضى شيبـة العظيـم فمالت
|
|
دولـة الظل عـن يتيـم العطور
|
ومضت بعـد (شيبة) بنتُ وهبٍ
|
|
فغـدا الطفل زهـرة فـي الهجير
|
يـا أبا طالب فـدتك السجايا
|
|
من مجير سمح الجنان نصور ...
|
وثمة نقطة اشتراك اُخرى بين الملحمتين
من حيث الشكل والوزن. فكلا الشاعرين التزما بحر الخفيف ولم يخرجا عنه ، إلاّ
انّهما افترقا من جهة القافية. فالفرطوسي التزم قافية واحدة في تمام ملحمته وهي
قافية الهمزة المكسورة ، بينما آثر الشاعر بولس تنوع القافية فبدأ ملحمته بقافية
الياء المفتوحة :
يـامليك الحيـاة أنـزل عَلَيَّـا
|
|
عزمة منك تبعث الصخر حيّا
|
ثم انتقل إلى قافية الميم الساكنة :
كـان فـي ذلك الزمان القاتمْ
|
|
في رمال الحجاز شعب عارم
|
ومن ثم إلى الهمزة المكسورة :
قلت : يا رب يا اله السماء
|
|
استجبني يامنقذ الضعفاء
|
وهكذا دواليك حتى آخر الملحمة. ويعد هذا
الفارق ـ وحدة القافية عند الفرطوسي وتنوعها عند بولس سلامة ـ من مميزات الشعر
النجفي عن الشعر اللبناني. فقد سبقت الاشارة إلى أنّ شعراء النجف يؤثرون وحدة
القافية بغية
__________________
استحكام القصيدة
وانسجامها. بينما يتجه الشعراء اللبنانيون في الغالب إلى تنوع القافية وتعددها.
وما بين الملحمتين نقطة اشتراك اُخرى
تستوقفنا وهي جمالية التعبير عند الفرطوسي وسلامة. وقبل الدخول في خصائص
الجماليتين نضرب مثلاً على ذلك لتتبين معالم الجماليتين أكثر فأكثر. نأخذ على سبيل
المثال قول الفرطوسي في مولد الإمام علي بن أبي طالب 7
:
قبسـات مـن الهدايـة شقّت
|
|
ظلمات العمى بصبـح مُضاء
|
ولواء التـوحيد رفّ فـلفّت
|
|
عذبات الإلحـاد والكبريـاء
|
ويقيـن أهاب بـالشك حتّـى
|
|
أذهب الريب من ضمير الرياء
|
نفحات مـن الامـامة أوحت
|
|
بشـذاهـا شمائـل الأنبيـاء
|
حملتهـا أمانـة ورعتهــا
|
|
حين أدّت مـا عندها بوفـاء
|
خير أُمّ عـذراء قُدْساً وطهراً
|
|
هـي أسمى قدراً من العذراء
|
وضعتهـا يمناً بـأزكى مكان
|
|
فتجلّت كـالـدرّة البيضـاء
|
حين شُقّ البيت الحرام جلالاً
|
|
يـوم ميـلاد سيّـد الأوصياء
|
فـأقامـت بـه ثلاثـاً بأمنٍ
|
|
وثمـار الجنـان خيـر غذاء
|
وقريـش فـي حيـرة تتقرّى
|
|
غامض السر في ضمير الخفاء
|
وإذا بـالفضاء يزهـو بهـاء
|
|
بهاء مـن مُحيّاً مباركٍ وضّاء
|
وعلـي كالبـدر يشرق نوراً
|
|
وهي بشـراً تضيء كالجوزاء
|
حملته كـالذكر بيـن يديهـا
|
|
حيـن وافت لسيّـد البطحاء
|
فتجلّى والحـق فجـرٌ مبينٌ
|
|
دامغـاً كـل بـاطل وافتراء
|
ويقيناً يمحو الظنون وتمحو
|
|
آيـة النور آية الظلماء
|
ففي هذه الأبيات الجميلة تتجلّى بوضوح
جمالية التعبير من خلال نصاعة البيان ، وصدق العاطفة ، وعفوية الشعور والاحساس إلى
جانب تناسق النغم الشعري وتناسب موسيقاه. وهذه الخصائص تضفي على الشعر هالة من
الحسن والبهاء يجد المتلقي فيها متعة ولذة كبيرة.
امّا عن جمالية التعبير عند الشاعر بولس
سلامة فلنسمعه يقول في مولد الإمام 7
:
سمـع الليل فـي الظلام المديد
|
|
همسـة مثـل أنـة المفـؤود
|
مـن خفي الآلام والكبـت فيها
|
|
ومـن البشـر والرجاء السعيد
|
حُرَّةٌ ضامهـا المخاض فلاذت
|
|
بستـار البيـت العتيق الوطيد
|
كعبـة الله فـي الشدائد ترجى
|
|
فهـي جسـر العبيـد للمعبود
|
لا نسـاء ولا قوابـلُ حفَّـت
|
|
بابنة المجـد والعلى والجـود
|
صبرت فاطم على الضيم حتى
|
|
لهـث الليـل لهثـة المكـدود
|
وإذا نجمـة مـن الاُفق خفّت
|
|
تطعـن الليل بـالشعاع الجديد
|
وتدانت مـن الحطيم وقـرّت
|
|
وتـدلـت تـدلّـيَ العنقـود
|
سَكب الضوء فـي الأثير دفيقاً
|
|
فعلى الأرض وابل مـن سعود
|
واستفاق الحمـام يسجع سجعاً
|
|
فتهـش الأركـان للتغـريـد
|
بسـم المسجد الحـرام حبوراً
|
|
وتنـادت حجــاره للنشيـد
|
ذرّ فجـر ان ذلك اليـوم فجرٌ
|
|
لنهـار وآخـر للوليـد ...
|
_________________
فالجمالية هنا تبرز من خلال موضوعية
الشاعر وبراعة تصويره ، ووصفه الدقيق المزّين بالتشبيهات الرقيقة والاستعارات
الجميلة بالاضافة إلى الايقاع الموسيقي المنسجم للأبيات.
ومهما يكن من أمر الخصائص فانّ جمالية
التعبير تضفي على الملحمتين قيمة فنية اضافة إلى قيمها الاُخرى بحيث تجعلهما في
عداد الآثار الأدبية الراقية التي تستحق الدراسة والعناية الفائقة من قبل الباحثين
والمعنيين بشؤون الأدب العربي.
الخاتِمَةُ
تبيّن من خلال البحث انّ الشيخ الفرطوسي
كان من أبرز شعراء عصره في تناوله لقضايا المجتمع ، ومستجدات الأحداث التي كانت
تطرأ على الساحة سواء المحلية أو الاقليمية والعالمية. وقد كان في جميع مواقفه
واضح الرؤية ، صريح الموقف ، بعيداً كل البعد عن التعصب والعنصرية ، متميزاً في
تعامله الصادق والمحايد مع الوقائع والأحداث.
وقد تنوعت نشاطات الشيخ في عدة محاور
وعلى صعد مختلفة ، منها الصعيد السياسي حيث تركزت مساهماته في محورين رئيسيين
الأوّل محور النشاط الوطني حيث مواقف الشيخ المشهودة في مساندته للحركات الوطنية
الداعية إلى استقلال البلاد من الاحتلال البريطاني ، وكذلك مواقفه المناهضة لأنظمة
الحكم الاستبدادية ، ومحاربته للحركات الهدامة والأفكار المضللة. والمحور الثاني
نشاطه السياسي العام الذي تناول فيه قضايا سياسية مختلفة من مثل القضية الفلسطينية
والثورة الجزائرية ونحوها مـن القضايا السياسية الاُخـرى.
وعلى الصعيد الاجتماعي فقد تجلّت مواقف
الشيخ في مواضيع عدّة ، منها إصلاح النظم الزراعية واستئصال نظام الاقطاع الجائر ،
مكافحة الجهل والاُمية وحلّ مشكلة الدراسة والتعليم ، تعليم المرأة وتثقيفها
والحثّ على مشاركتها في مجالات الحياة ، توفير الخدمات الصحية والمطالبة بتعميم
العلاج في كافّة أنحاء البلاد ، وغير ذلك من شؤون المجتمع وشجونه.
أمّا على الصعيد الثقافي فقد مارس الشيخ
نشاطات عدّة ، منها دعوته الاصلاحية إلى تطوير المناهج الدراسية والتجديد في النظم
التعليمية ، مشاركته الفاعلة والمستمرة في المحافل الأدبية والمهرجانات الشعرية
وخاصة بعد انضمامه إلى « جمعية الرابطة الأدبية » ، تدريسه للعلوم الدينية
والعربية في الحوزة العلمية ، ونشاطه الواسع في حقل التأليف والكتابة.
وخلاصة القول ان الشاعر استطاع بنتاجه
الشعري الرائع الذي تميّز بقوة البناء ومتانة الاُسلوب وجودة البيان ونصاعة
التعبير أن يحقّق أهدافه السامية ومراميه العليا المتمثلة بإحياء التراث الإسلامي
والحفاظ على القيم الاجتماعية الرفيعة.
الملاحق
الملحق رقم (١)
شجرة آل الفرطوسي
الملحق رقم (٢)
من صور الفرطوسي



الملحق رقم (٣)
الفرطوسي في الشعر
أخي
|
السيد محمد جمال الدين
الهاشمي
|
يرف إليـك قلـب مستهـام
|
|
كما رفت على الأيك الحمـام
|
وتلتفت العواطف وهي حسرى
|
|
لعهـد قد نمـا فيـه الغـرام
|
ويندفـع النشيـد إليه شوقـاً
|
|
فـللأنغـام حشد وازدحـام
|
تحن إلى ليـال قـد تـوالت
|
|
علينـا ، والخطوب بهـا نيام
|
تـدور بها العواطف جائشات
|
|
كما دارت على الشرب المدام
|
بهـا نعـم الشباب بما اشتهاه
|
|
وحاشـا لـم يدنسـه الحرام
|
إلـى أن شاخ عمر الدهر فينا
|
|
ولفـت عـن مـرابعنا الخيام
|
هرمنا وانزوت عنا الأمانـي
|
|
وجفّ الحقـل وانطفأ الهيـام
|
وأمست تعبث الأحـداث فينا
|
|
وعدنا لا نسيـم ولا نسـام
|
قنعنا بـالحيـاد نلـوذ فيـه
|
|
فليس لنـا اصطراع واصطدام
|
ولكن الزمـان أبى علينـا
|
|
هدوء يستكـن بـه السـلام
|
فشق علـى بقايا العزم حرباً
|
|
من الأعصاب ليس لهـا نظام
|
فاقعدنـي ، وأطفأ منك فجراً
|
|
به قـد كان ينجـاب الظلام
|
__________________
وسرت إلى «السويس» وان قلبي
|
|
على بلد حواك لـه حيــام
|
* * *
اخَيَّ أثـرت احسـاسي بشعر
|
|
يفوح هوى كما فـاح البشام
|
عواطف منك قد دمعت فادمت
|
|
كلومي فهي مـن ألم كـلام
|
وقد يبري الـكلام بشفرتيـه
|
|
أسى مـا ليس يبريـه الحسام
|
ندبت به « أبا المهدي » كهفاً
|
|
به للدين حرز واعتصـام
|
إمـام المؤمنين هـدىً وعلماً
|
|
وللإسـلام حصـن لا يـرام
|
أبو الغـرر العظـام تزل عنه
|
|
إذا اصطدمت به النوب الجسام
|
بــراه الله لـلإيمـان ظـلاً
|
|
تلـوذ به المجـاهدة الكـرام
|
ودام علـى الهدى منه لـواء
|
|
بـه للنصـر سعـي واقتحام
|
* * *
فزعت إلى أبي الحسنين حـبّاً
|
|
به ينجـو المحـبّ المستظـام
|
وصي المصطفى من فيه قامت
|
|
شريعتـه وطـال لهـا مقـام
|
يجلّ عن القياس بمـن سـواه
|
|
ويعظم أن يقاس بـه الأنـام
|
إذا ذكـر اسمـه رفـت عليه
|
|
من الله التحيــة والسـلام
|
به تقضى الحوائج حين تعصي
|
|
على أحـد وتنكشف العظام
|
ولايتـه لنـا حـرز وأرجـو
|
|
بهـا لك أن يفـارقك السقام
|
* * *
تبلغك التحـايا الغر صحب
|
|
على ما عاهـدوك به أقاموا
|
إليك هفت عـواطفهم ظماء
|
|
وفـي النجوى يبل لهم أوام
|
فطب نفساً فـانّك في سماء
|
|
من الذكرى يجللها احتشام
|
__________________
أخي منعم
|
السيد محمد جمال الدين الهاشمي
|
قفا واغمر الحفل آلاماً واشجانا
|
|
وثُر على الوضع طـوفاناً وبركانا
|
وخاطب المـربع المهجور أنّ به
|
|
روحاً تقمّصها التاريخ جثمـانا
|
في ذمـة الفن آيـات يـرددها
|
|
فـم الزمان على الأجيـال قرآنا
|
كانت بها حفلات الروح عامرة
|
|
بالسحر ما يهتز منها الدهر نشوانا
|
من أخرس الوتر المـرنان فانبعث
|
|
تمنـه الأغـاريد أعوالاً وارنـانا
|
أيـن الاُولى رفعوا للشعر أخبية
|
|
يرتاح فـي ظلها الوجدان جذلانا
|
صـانت بـه لغـة القرآن رافعة
|
|
لـها كياناً يهـز الـدهر عنـوانا
|
وأرهفت قابليات جرت فشأت
|
|
مواهبـاً خطت التـاريخ ميـدانا
|
كم فـي الغري رعاه الله محتفـلاً
|
|
في ذمـة الـذوق نرعـاه ويرعانا
|
مـدارس الوحي كم ربّت عباقرة
|
|
يعنو لها الفن اخـلاصاً وإيمـانا
|
عـجّت بها حلبات الشعر بـاكية
|
|
حينـاً وبـاسمة بـالشدو أحيانا
|
فـان هـوى علم للمجـد ترفعه
|
|
شعـراً يـرفرف تأبينـاً وتحنانا
|
تكـرم الشعـر فـي تكريم رفعته
|
|
وترفع الشعر فـي تـرفيعه شانا
|
__________________
حتى نما الوحي افناناً وذاق بـه
|
|
وادي الغري من الامتاع افنانا
|
أواه صوح ذاك الحقل وانتثرت
|
|
أزهاره وذوى حسنـاً واحسانا
|
* * *
اُخَيَّ منعم هاك الكأس فاض بها
|
|
قلبي كمـا تشتهي حبّاً ووجدانا
|
وقد يسوؤك أن أغفى النديم ولم
|
|
يستقبل السمر السكران سكرانا
|
فقد تغيّر لـون الحبّ واختلفت
|
|
قيثارة الـروح أوتـاراً والحانا
|
لـم يبق للحب كِنٌّ نستظل بـه
|
|
فقـد تبعثـر أكنـاناً وأوكـانا
|
* * *
منـي السلام على عهد ومجتمع
|
|
عشنا به في ظلال الحب اخوانا
|
وللقلـوب صفاء لا يكــدره
|
|
تفـاوت الجنس اقداراً واثمـانا
|
المجـد ما شادت التقوى قواعده
|
|
والنصر ما حازه الإيمان اذعانا
|
* * *
على الفقيد سقى الغفران تـربته
|
|
نثرت دمعي مقاطيعـاً وأوزانـا
|
شيخ أناف على السبعين ما انحرفت
|
|
أيامـه الغر عن نهج الهدى آنـا
|
جارى الحوادث حتى فاتها فهوت
|
|
ترجوه لو ترتجى الأحداث غفرانا
|
لم يشك من نوب الدنيا ولو عثرت
|
|
بالبحر يوماً لهاج البحر طـوفانا
|
انّ الرضـا بقضـاء الله منـزلـة
|
|
يسمو لها من سمـا بالله عـرفانا
|
يقضي النهار وذكر الله يعمـره
|
|
وبالمناجاة يقضي الليل سهـرانا
|
يهنيه عمـر مضى والخير يصحبه
|
|
والخلد سجله للمجـد برهانـا
|
كالفجر زال وأبقى اللطف يعرضه
|
|
للذوق ما شاء أوصـافاً وألوانـا
|
عمر كما شاءه الإيمان ما تركت
|
|
بـه الحوادث أو ضاراً وأدرانـا
|
في ذمـة الفضل والإيمـان سيرته
|
|
تبقى لترشـد أجيالاً وأزمـانا
|
صبراً ذويه على ما نابكم فبكـم
|
|
قد أنزل الصبر قبل اليوم فرقانا
|
__________________
يافارس الحمى
الشيخ
محمد حيدر
ضـاربَ العود أنت في كل نفس
|
|
وتـرٌ غـارقٌ بأحلام عُـرس
|
قـد تعاليت في طباعك حتـى
|
|
قيل بعض الطباع من غير جنس
|
عبـرٌ قد عبـرتهـا لاهثـات
|
|
وتقحمت نـارها فـي دمقس
|
نشوة العمرـ والشباب طريٌ ـ
|
|
أنـت غنيتهـا بآيـات قـدس
|
وتعرفت ـ والمعارف شتى ـ
|
|
( بـالخليلين من يراع وطرس )
|
أنت فـي مطلع السعـادة نجم
|
|
كيـف تشقى وما أغيم بنحس
|
ألـف درس من الحـوادث يُتلى
|
|
أنـت أوجـزت محتواها بدرس
|
* * *
شعلةُ الفكـر ما تـزال تغـذي
|
|
فحمة الليـل بين يومـي وأمسـي
|
تتحدى الأبعاد ـ والنجم غاف ـ
|
|
بسنـاها فـي كـل تيـه ولبـس
|
لست فـي ناظريـك أنت مُدلٌ
|
|
إنّمـا أنـت بـانـطلاقـة حـسّ
|
لست يافارس الحمى ـ والكفاح الـ
|
|
ـمر يضري تجول من غير ترس
|
__________________
(فسلاح الإيمان أمضى سلاح)
|
|
أنت فيـه علـى سلامة نفس
|
حلمــك العبقري يمتار فـينا
|
|
عاطفات ما بين عـود وكأس
|
شاعر أنـت أي بستان حـب
|
|
ليس فيه لديك أجمل غـرس
|
بضّعت قـلبك التجاربُ حتـى
|
|
أنهلت منـه كل رطب ويبس
|
لا تقل ـ والضحى وليد أمانيـ
|
|
ـك ودنياك في مطالع اُنس :
|
( ان ليلي البهيم مـن غير نجم
|
|
ونهاري المغيم مـن غير شمس )
|
لك يا فـارس الحمى وثبـاتٌ
|
|
وثبـاتٌ ما بين عـرب وفرس
|
أنت الف الضمير عن كـل الف
|
|
وطليق الشعور من غيـر حبس
|
وكتـاب الحيـاة أنت معـانيه
|
|
النشـاوى وأنـت أبلغ درس
|
أنت بالفكر ـ لا بعينيك ـ فذٌ
|
|
تسبـر الحادثات طرداً لعكس
|
كم على الدرب عبقري طموحٌ
|
|
يتحـدى الدُنـا بقوة حدس
|
وعلى أيكـة الهوى كم تغنّـى
|
|
عنـدليب بألسن لك خـرس
|
ان تعـريت من يراع وطـرس
|
|
لا عدمت الشعاع من امّ رأس
|
مكتب النفس ما يضـمّ فـؤادٌ
|
|
من علوم ـ لا ما يُضم بطرس
|
قيم الورد بالعطورـ ومعنى اللفظ
|
|
لا اللفظ ـ من بحوثي ودرسي
|
أنـا أنكـر الحقيقـة فيمـا
|
|
تدعيه ان كنت أعرفُ نفسـي
|
انّ للعيـن فـي الحيـاة مجـالاً
|
|
غيـر ما للسماع في كل جنس
|
فهماـ ان صدقتُ ـ نبعا شعور
|
|
وجناحاه في مجـالات حـس
|
غيـر انّ القضـاءَ وهو حـكيمٌ
|
|
عـادلٌ ، منصفٌ ، بكل مجسِّ
|
لستَ فـي محنةِ الظـلامِ وحيداً
|
|
يا مديرَ الكؤوس من غير كأس
|
ألف نـفس لـم تدرِ أينَ هداها
|
|
وعلى الأُفق ألفُ شمس وشمس
|
|
|
|
|
|
* * *
ضارب العـود أنت في كل دورٍ
|
|
مرهفُ الحس حيثُ تغدو وتمسي
|
القوافـي اللطافُ منبت طهـر
|
|
لا اُصيبَ الرجـاءُ منهـا بيأس
|
لحظـةٌ تـوقظ المشـاعر فيهـا
|
|
هـي دنيـاك عنـد شيخ وقس
|
واعتـدادٌ فـي النفس أبلغ زادٍ
|
|
فـي طريـق الحياة للمتـأسي
|
انّ أضـلاع كوخك المتـداعي
|
|
دونه القصر مـن حديد وكلس
|
خـل عنك العتاب فهو شجون
|
|
كل فـرد منـا مصـاب بمس
|
وقلـيلٌ مـا هم أخلاء صـدق
|
|
جُبل الناس مـن صخور وجبس
|
وضحـايا الوفاء تُـرمى بعشـرٍ
|
|
حين ترمى ان كنت تُرمى بخمس
|
زرعوا صبرهم وخـاطوا ثيـاباً
|
|
من حنانٍ وعـاشرونـا بأنـس
|
ياعريشاً قد اعتصرنـا زمـانـا
|
|
من عنـاقيده حُميّـا التـأسي
|
تحت أغصـانـه تفيـأ قـلبٌ
|
|
حائرٌ ينشـدُ الـرجاء بـهمس
|
لغـة الروح كم تحـدّر عنهـا
|
|
(كلُ معنىً من العواطف سلس)
|
في سماء الخيـال لـحظةُ فـكرٍ
|
|
يبحث السر بيـن سعد ونحس
|
وكما قلتَ ـ فالسعادة وهمٌ ـ
|
|
طالعته العيون مـن غيـر لمس
|
كيـف تُرجى سعـادة لأُنـاس
|
|
بين نـابٍ مـن الشقاء وضرس
|
وإذا كنت فـي خصوبة ذهـن
|
|
( وجَنان صلد القوى غير نكس )
|
وإذا قـلت في لسـان القـوافي
|
|
( ان يومي بالأجر يفضل أمسي )
|
فــعلامَ البكـاء والليـل زاهٍ
|
|
وعـلامَ الـرثاء من غيـر تعس
|
انّ قلبـاً يـعيش غرّ المعـانـي
|
|
كيـف تطوي علاهُ ظلمةُ رمس
|
عش مع الفجر في جناح الأماني
|
|
ومع الشهب بـابتسامـة عرس
|
وإذا اظـلم الفضـاءُ بعيــن
|
|
لك فالقلبُ مُستهـلٌ بشمس
|
__________________
البصر والبصيرة
صائغَ اللفظ انّ حبسك حبسي
|
|
أنتَ مـا بيننا ولست بمنسي
|
أنت فينا فكرٌ يُنيـر الديـاجي
|
|
ويراعٌ يجـري على كل طرس
|
أنت فينا شعـر يفيض حمـاساً
|
|
هو خلوٌ مـن كـل عيب ولبس
|
كنت في أحلك الظروف جريئاً
|
|
لم تكن خائفاً ولـست بنكـس
|
يا سجيناً في المحبسين وقاك الله
|
|
من كـلِّ مـا يجـرُ ليــأس
|
مـا عهدناك في الخطوب جزوعاً
|
|
أنتَ في الحادثات صاحب بأس
|
فتفاءل ولا تقـولن : (عنـدي
|
|
ألف بابٍ قد دقّ بالشؤم جرسي)
|
وغـريبٌ منـكَ التشـاؤم حتى
|
|
لـو تنقلت بين حـزنٍ وبـؤس
|
و لست الـذي تسلحت بالإيمان
|
|
والصبـر قلت درعـي وترسي
|
أين هـذا مـن ذاك يا من تغنّى
|
|
بالقوافي تـزهو على كلِّ غرس
|
فاجتماع الضديـن ذاك محـالٌ
|
|
أثبتته الأحداث مـن غير درس
|
أفتنسى بـأن دنيـاك كانـت
|
|
وستبقى مـا بين سعدٍ ونـحس
|
كن شكوراً إذا أصـابك سعـدٌ
|
|
وصبـوراً إذا ابـتليت بـتعس
|
إنْ ليـل الأحزان يفضي لصبحٍ
|
|
وسفيـن الهموم لابُـدّ تـرسي
|
__________________
إنّ هذا الذي تـراهُ غـريباً
|
|
وجديداً مـن صابر متـأسي
|
سلبتـك الأيـام أثمن شـيءٍ
|
|
ثم أبقت لـديك أرهـف حسِّ
|
كم بصير تراه أعمى ، وأعمى
|
|
هو هادي سواه يضحي ويُمسي
|
ربما عـاش مـبصرٌ بشقاءٍ
|
|
ويبيت الأعمـى بـراحة نفس
|
أو ما تسمع المنـادي يناديك
|
|
بصوتٍ شقّ الدجى لا بهمس
|
(أنـت بالفكـر لا بعينيك فذٌ
|
|
تسبر الحادثات طرداً لعكس )
|
إنّما هذه الحيـاة استقامـت
|
|
لأنـاس لا يشتـرون بـفلس
|
أنت من معـدنٍ ثمين كـريم
|
|
وسـواك الـذي يبـاع ببخس
|
فعقيـق هـذا وذاك رخـامٌ
|
|
ولجينٌ هـذا وذا مـحض كلس
|
كثر الزيف ( والـوفاء قليـل
|
|
في زمانٍ خالٍ من النبل جبس )
|
وحديث الوفـاء فيه شـؤون
|
|
ان تخضها فقد تصـاب بمسّ
|
ان تحدث عنـه يجبك حـكيم
|
|
( أنا جربت مـا تقول بنفسي )
|
منذ عشر هذا مـصاب بهجر
|
|
ويعـاني منـه وذا منـذ خمس
|
* * *
صائغ اللفظ أنت تسكن بيتـاً
|
|
قد تسامى فخراً على كل رجس
|
( فوق مهدٍ من
الخشونة بـالٍ
|
|
وتـراه أريكة مـن دمقس )
|
هذه منتهى السعـادة عنـدي
|
|
لا تقـل انني أعـيش ببـؤس
|
راهب الدار أنـت فوق حصير
|
|
هو عندي أجلّ من ألف كرسي
|
وأعـد قولك الجميل علينـا
|
|
فله في نفـوسنا خيـر جـرس
|
إن ذهني خصبٌ وذوقي سليمٌ
|
|
وجناني صلد القوى غير نكس
|
__________________
الفرطوسي شاعر الفضي
نعت الفضيلة للـورى انسانَها
|
|
وغدت تقرِّح بالأَسى أجفـانها
|
وتجاوبت دنيا الصلاح بصولةٍ
|
|
مذ غادرت كفُّ الردى عنوانَها
|
ومرابع التقوى تكـدّر صفوها
|
|
لمـا تغيّبَ من يـزين مكـانها
|
ومعاهد العلم اكتست حلل الأسى
|
|
وعـرى المصاب بهوله سكانها
|
خطبٌ تصـدَّعت القلوب لوقعه
|
|
ألمـاً فأبـدت عنده أشجـانها
|
فـي كلِّ آونـةٍ نـؤبنُ مـاجداً
|
|
حُـرّاً أشاد مـن العلى أركانها
|
وكـذاك شـأن الحـادثات فإنها
|
|
حـربٌ تُصوِّب للكمـي طعانها
|
* * *
( أأبا الحسين ) لنا بذكرك لوعة
|
|
تبقى توجِّج في الحشى نيرانها
|
مـا زلت حيّاً فـي علاك مخلّداً
|
|
ستعيد فيك لنا الحيـاة جُمانها
|
والمـرءُ تحييه الخصالُ حميدةً
|
|
وتشيـد في العقبى له بنيانهـا
|
قد كنت فيما بيننا حسنَ اللقا
|
|
سهـل الخليقة قد كسبت رهانها
|
عشت الطهارة والعفاف سجية
|
|
مـا غيّرت مـدد لهـا ألـوانها
|
متواضع وهي الحصيلة للأُولى
|
|
علمـوا ولـم يتطلبوا عنـوانها
|
ومهذب فـي القول تألف صدقه
|
|
والنفس يظهـر صِدقُهـا إيمانها
|
__________________
فختمت عمرك والصـلاح قرينه
|
|
وهناك في الاُخرى تحـلّ جنانها
|
* * *
يا شاعراً مـحضَ الولاء لأحمدٍ
|
|
ولآلـه يرجو به رضـوانَـها
|
كم قد نظمت فريدة يحدو بهـا
|
|
حـبٌّ لآل المصطفى قـد زانها
|
غرر تقطّعُ مـن فؤادك صغتها
|
|
درراً تعيـد علـى الورى ألحانها
|
وخلاصة الأعمال (ملحمة) أتت
|
|
في عدِّهـا نشأت بـه أقرانـها
|
ضمنتهـا سيراً لهـم ومنـاقباً
|
|
ومآثراً فيهـا جلـوت بيـانهـا
|
ولتلك منك ( الباقيات ) ذخيرةً
|
|
أعددتهـا توفـي بهـا ميـزانها
|
لله دَرُّك بـاسمها أحــرزتـه
|
|
فخراً يطاول في العلى كيـوانها
|
* * *
والشعر يسمو عنـدما يسمو به
|
|
قصد يحقّـق للنفـوس ضمـانها
|
وأراه ان فقـد الـولاء فـإنّـه
|
|
زبـد البحار رمت به شطـآنها
|
ما الشعر إلاّ في الألى سبقوا الورى
|
|
بفضائـل ألفت لها اذعـانهـا
|
(آل الرسول )
وخير من وطأ الثرى
|
|
من صاغها ربُّ العباد وصانهـا
|
تمضـي السنون وذكرها متشعشع
|
|
كالنيرات استوعبت أزمـانهـا
|
هتفت بفضلهم السماء وكبّـرت
|
|
عِظماً وفيهم أنـزلـت قـرآنهـا
|
سعد (الكميت) و (دعبل) في مدحهم
|
|
فحبتهما الاُخرى بهـا رضـوانهـا
|
يا ربِّ زدنـا فـي الولاء محبّـة
|
|
فيها ترينـا عِـزَّهـا وأمـانهـا
|
* * *
والساسة العملاء كنت عليهم
|
|
سـوطاً تـزيد عذابها وهوانها
|
ألمستهم من حرِّ قولك جمـره
|
|
مـثل الصواعق أرسلت نيرانها
|
أنكرت مـا قـد أحدثوا من منكرٍ
|
|
بفعالهم فـي كلِّ ما قـد شانها
|
وبذاك قـد جاهدت شـرّ عصابة
|
|
ورميت بـالسهم المصيب جنانها
|
ما أقعدتك لضعفهـا شيخوخـة
|
|
عن وقفة فرضَ الاله مكانها
|
__________________
الغربة
على رؤاك خيالٌ صـادقٌ عذبُ
|
|
وفي خطاك لهاثٌ نـازفٌ تعِبُ
|
وبين جنبيك صوتٌ رحت تحبسه
|
|
ما استوعبته السطور الحمر والكتبُ
|
وفي ضلوعـك أشياءً تضيق بها
|
|
أرضٌ وأنت عليها الحملُ والطلبُ
|
فبيـن دنياً تراها وهـي كاشفةٌ
|
|
أمام عينيك مـا يخفـى ويحتجب
|
وبين مـا كنت تصبو نحو وافره
|
|
من الحيـاة بمـا تعطي وما تهبُ
|
لألف دُنيـاً تراهـا وهي عامرةٌ
|
|
لفيض روحك ، تدعوها فتنجذبُ
|
حتى تلّمستَ وجه الحق ترسم من
|
|
خُطـاهُ وَثْبَتَهُ الكبرى وتحتـرب
|
ياشاغل الناس والدنيا تضيق بـه
|
|
بحـراً من الأدب الفوّار يضطرب
|
أنّـى تلفّتُّ ألقـى منك بارقـة
|
|
تخافُهـا الظُلمُ الخـرقاءُ والحجبُ
|
وما تجلجل في سمعي صدى أدبٍ
|
|
حـرٍّ تـردده الأجيال والحِقَـبُ
|
إلاّ وكنت علـى أوتاره نغمـاً
|
|
عذباً ومنـك على أكوابـه حَبَبُ
|
|
|
|
|
|
* * *
ياملتقى الرافدين الخصب منبتُهُ
|
|
له علـى جـدب مطلعٌ خصبُ
|
نظمت عقد عيون الشعر فانطفأت
|
|
عيناك إذ رفّ من إيحائها الهُدُبُ
|
__________________
وعدت أبصرَ ممّا كنت يقدحُ في
|
|
عيونك الشرر الأخّاذُ والشهُـبُ
|
حتى أذبْتَ من الأوزان معـدنها
|
|
وصغتهـا حليةً ما مسّها عطبُ
|
وخضعتَ قعرَ بحار الشعر لا حذرٌ
|
|
أودى بما كنت تـأتيه ولا تَعَبُ
|
لتصطفي من عيونِ الدُّرِّ أروعها
|
|
حتى تُصاغ عليها الحليـةُ العَجبُ
|
لئـن فقدتَ بريق الدرِّ في بصرٍ
|
|
وأُسـدلتْ دونَ ما تختارُهُ حُجُبُ
|
ففي يراعك قـد أوقدتها شُعـلاً
|
|
من كلّ حرف يفيض النور واللهبُ
|
أغاضك الدهرُ فاستشرى بك الغضب
|
|
أم ضاقَ ذرعاً بما تُعطي له الأدبُ
|
أم الـزمان الذي ما كـنت تأمُنهُ
|
|
سمّاً تقطّر منـه الـرأس والذَنَـبُ
|
إني عهدتُك لا تلوي على مضَضٍ
|
|
جيداً وإن نَفَحَتْ أوداجُهـا النَوبُ
|
ولا تلوذُ بظلّ العمـر تحـرص أنْ
|
|
ترى سنينـك لا يغتالُها النصـبُ
|
وبعد ما ضاقَ وجه الأرض واختنقت
|
|
صدور قومٍ غزا أحشاءهـا النهبُ
|
ولم تعد أنت من قيسٍ وقد بـرئتْ
|
|
منه الذمام وحُـلّ العقـد والنسب
|
أبيت يغرف من شطيك ما قصرت
|
|
عنـه الجـداول سقياً حين تُحتَلبُ
|
* * *
ما للغريب أراه ضاع فـي زمن
|
|
فجّ يصول به مَنْ لونُـه الوشب
|
غامت بعينيه آفاق ففـاض بهـا
|
|
روحاً يلاحقا الاعصار والسُحُبُ
|
نأى عن الوطن المأسـور تمسكه
|
|
يـدُ الحنيـن فتدنيـه ويقترب
|
وان ترحّل عن أرضٍ يرفّ بهـا
|
|
جُنحاه مُذ بان في أطرافه الزَغَبُ
|
أو غاب عن أرضه في غربة بدناً
|
|
فروحـه كجذور النخل تنجذب
|
إلى العراق إلى الأرض التي ولدت
|
|
من بعد عسر مخاضٍ كلَّ من وهبوا
|
* * *
ما كنت أعجبُ من
كفٍّ تجود بها
|
|
ودونهـا البحر إذ
يُدعى ويُنتَدب
|
ومـا أثار شجـوني أنّ غـائمـةً
|
|
مرّت بعينيك قد حلّت بها الكرَبُ
|
لكنّ أغـرب مـا دوّنت من ألـمٍ
|
|
على القلوب وما غصّت به النُدُبُ
|
بأنّ ما صغت مـن وحيٍ ومن أدبٍ
|
|
جـمٍّ تضجّ بـه مـن حُرقةٍ كتب
|
ما عـاد يكفيك من أوصالـه كفناً
|
|
إذ لامستك صفاحُ القبر والتـرُبُ
|
ولا نعتك حروف الشعر أو صرخت
|
|
لك القوافي ولا غنّـى لك القصبُ
|
فمتَّ وحدك لا الأرض التي وسعت
|
|
خطاك ضمك منها صدرها الرحبُ
|
ولا الذين وهبـت النـور أعينهم
|
|
سعـوا إليك ولا أندى لهم هدب
|
يالوعـة الأدب المفجوع فـي زمن
|
|
أرقُّ مـا فـي رؤاه أنهـا خشبُ
|
إنـي تيقّنت لمـا عـدتَ مغتـرباً
|
|
أن كلُّ فـادٍ بهذا العصر مغتـربُ
|
يـا واهباً لعصـارات الندى ألقـاً
|
|
يفيض من دمه القانـي وينسكبُ
|
ويا منيـراً دروبـاً شُـحَّ سالكهـا
|
|
وقد تردّم فيهـا الحـاذق الأربُ
|
ويـا خدين غبـار الحـرب تحسبه
|
|
ليل الهوى حينما تزهو بـه شهب
|
أرِح ركابك أنّى شئت مـن تعب
|
|
أما يـريحيك إلاّ الحـزن والتعب
|
ولا تـروّيك إلاّ الكـاس مترعـةً
|
|
من الأسى واللظى المهراق والنوبُ
|
وما وجدت إلـى جمر الهوى سبباً
|
|
إلاّ وجـرحك في اطفائـه سببُ
|
لمن بسطت يداً تكتال عـن جـدةٍ
|
|
وما يـزيد ففيه الكيـل ينقلـبُ
|
الشُحُّ أكـرم إذ يُعطى لمـن جحدوا
|
|
والترب أولى لمن لم يغنـه الذهب
|
والنخـل إن عميتْ عيـنْ لمنبتـه
|
|
فكيف يقطف منه العذق والرطبُ
|
* * *
ما قيمة الأدب الهدّار يـرفل في
|
|
ثوبٍ حريرٍ زهت ألوانه القُشُبُ
|
تُثيره مـن قيانِ الدلِّ راقصـةٌ
|
|
وفوق شدقيه كأس للهوى عذبُ
|
أو قيمة الأدب الأخّـاذ تُلقمــه
|
|
يـد السـلاطين لا يدنو لـه سغبُ
|
يُلقي عصا السحر كي تعشى بصائرها
|
|
قوم فتصنع مـن أشكالهـا لعـبُ
|
بـل قيمـة الأدب المعطاء تلفظـه
|
|
أسنـةٌ في الوغـى كالجمر تلتهبُ
|
وقيمــة الأدب الهـدار يحبسـه
|
|
ثقل القيـود تثنّت تحتهـا الـرُكَبُ
|
وقيمـة الأدب الـفادي يـلاحقـه
|
|
سوط الحكومات وهو الجمر والغضبُ
|
عيونـه كعيـون الليث سـاهـرةٌ
|
|
حتى وإن نـام لا يغفو لـه هـدب
|
وقيمـة الأدب الأخّــاذ ملبسـه
|
|
دمـاؤه كخضاب السيـف تختضب
|
وحيـثُ تنهـالُ أصـواتٌ مزورةٌ
|
|
يشرّع الزيـف من أصدائها صخبُ
|
نضـا كرفةِ سيف بـارق رعـدتْ
|
|
بـه قوائمه فـانجابـت الـحجبُ
|
يأتي كمـا الوحـي يُعطي من نبوئته
|
|
نـوراً فتنثـر أضـواء وتـنسكبُ
|
وإن تردد وحـيٌ فــي مهمتـه
|
|
فمـا هنالك لا وحـيٌ ولا أدب
|
|
|
|
|
|
__________________
رثاء اُمّة
|
الاستاذ فرات الاسدي
( ضياء الدين فرج الله )
|
كُتبتْ هذه القصيدة التي اُثبِتَ بعضُها
ـ هنا ـ رثاءً لاُمّةٍ من الشعر كان الفرطوسي يختصرها ، وقد حاول شاعرها ابّان ذلك
عام ١٤٠٤ هـ ان يرسلها الى النجف الأشرف عزاءً لأحد أصفياء الفرطوسي المعدودين
ممّن يعتبرونه ( ذخراً مذخوراً للنجف والتشيّع ) على حدّ ما سمعتُه منه كراراً
عديدة ، ذلك هو خالهُ الفقيد العلاّمة الأديب الشيخ عبد الرحيم فرج الله ( غير
عالمٍ حينها انّه سبقه إلى لقاء ربّه ) .. فإلى ذكراهما العطرة مجتمِعَين هذا
الهديل الموجوع :
حلبـةَ الشعرِ والمـدى مستثيرُ
|
|
كيف يكبـو بكِ الجـوادُ المُغيرُ
|
كيف يُدمي خطاه شوطٌ ويهوي
|
|
فـإذا المجـدُ والحفـاظُ عفيـرُ
|
وهو ما زال ـ صاعداً ـ كرؤى
|
|
النجم ـ مُغذّاً ـ كما يغذُّ النورُ
|
قـابساً من يـد الضحى عنفواناً
|
|
شدَّ جنحيهِ مشـرقٌ مسحـورُ
|
ولقـد أعجَـبَ الميـادينَ منـهُ
|
|
مطمـحٌ ثائرُ العنـان جسـورُ
|
فاتَ كلَّ الجيادِ فـي السبق حتى
|
|
ملأ الأمـسَ رَهْجُـهُ المستطيرُ
|
ومضـى ينهـبُ السنينَ أصيلاً
|
|
والقـوافي جنـاحُـهُ المنشـورُ
|
ثـمّ غالتْهُ ـ ويلَها ـ غـربـةُ
|
|
العمـرِ وألوى به المطافُ الأخيرُ
|
__________________
والمروءاتُ بعضُ مـا حملتْها
|
|
غـايـةٌ حـرّةٌ وروحٌ كبيـرُ
|
واصطبـارٌ على الهموم وقد أطبقَ
|
|
يأسٌ وارتاعَ ـ ثَمَّ ـ مصيرُ
|
غمـرةٌ تنجلـي واُخرى يكـادُ
|
|
النوءُ يُلقي ـ ما حُمّلتْ ـ ويثورُ
|
وحكـايـا هي النهـارُ وإن
|
|
أطفـأَ ـ خزياً ـ لألاءها شرّيرُ
|
خطرتْ في فم المغيبِ وسالتْ
|
|
فتنـدّى ضـوءٌ وشـعَّ عبيرُ
|
* * *
يا أبا الفكرةِ الجـريئة ، والصبوة
|
|
، والحب ، والشجا إذ يمورُ..
|
طافَ في كلّ خاطرٍ منك لحنٌ
|
|
عبقريٌّ واختالَ حرفٌ نضيرُ
|
وهمـى مـن مواسـمِ الشعـر
|
|
شلاّلُ قـوافٍ فَيْنـانةٍ .. وغديرُ
|
وتهـادى السمّارُ يستـرقـونَ
|
|
الكـأسَ إذ كلُّ رشفـةٍ إكسيرُ
|
و( عليٌّ ) يمدُّ صوتك بالنُعمـى
|
|
ليلقـاه وجهُـك المحبـورُ
|
ويفيءَ النبوغُ تـحت ظـلالِ
|
|
الخلد ِ ، والخلدُ حُلْمُـهُ مـأسورُ
|
أطلقتْهُ عينـاكَ إذ آنَس الطـورَ
|
|
جَنـانٌ ، وتـاهَ طرفٌ بصيرُ!
|
* * *
نازحَ الدارِ .. هل تلَمَّستَ حزناً
|
|
وجهَها .. إنَّ وجهَـها مذعـورُ
|
والحمـى المستباحُ أودعتَ فيه
|
|
جمـرةَ الشوق أم لظاهـا نثيرُ
|
أمطرتْـهُ على الفـراتين كفٌّ
|
|
لـكَ شاءتْ ان تستقيها البحورُ
|
وعلـى كـل نخلـةٍ بَوْحُ لُقيا
|
|
وطيوفٌ وسنـى وهمسٌ كثيرُ
|
والصدى خلف غابةِ الدمع ينأى
|
|
وهو في القلب منك نبضٌ جهيرُ
|
كـم وعتْه الأسماع ذكرى حداءٍ
|
|
بدويٍّ .. وكـم رعتْه الصدورُ
|
وفدتْهُ لـو انَّ بالعمـرِ يُفـدى
|
|
اُمّـةٌ مـن نـشيـدهِ تستنيـرُ
|
ثم منّتْ به المحـافلُ أهـليهـا
|
|
وقالت : عـلَّ الـزمانَ يـدور
|
واستفاق الغريُّ يوماً وطـرفُ
|
|
الشعر عن (راحلِ الخليج) حسيرُ
|
* * *
فـإذا إلفُـهُ يعـود إليــهِ
|
|
ذاتَ يومٍ .. وتصطفيه القبـورُ
|
نَـمْ هنيئاً كالنبعِ يـا خِدْنَـه
|
|
الأوفى فقـد طابَ مبدأٌ ومصيرُ
|
وترشَّفْ .. فكـوثرُ الحبّ أدنى
|
|
لك أقداحَهُ الـولاءُ الطهـورُ
|
أيَّ مأوى جـوار ( حيـدر )
|
|
يشتـاقُ ثراه المبـرَّح المهجورُ
|
الغريبُ .. الذي أرابَتْـهُ أرضٌ
|
|
أنكرتْ نبتَهـا .. وطال النكيرُ!
|
فبها كـل مرتعٍ عـادَ جدباً
|
|
بعد ان غاله اللظـى والهجيرُ
|
وعزاءً يا (خالُ) في نجف الحزنِ
|
|
فقد ماتَ (ذخرُكَ المذخورُ )!
|
__________________
اذهب إلى عزّ الجنان
أشجـى القلوب بحرقةٍ وتـألّم
|
|
وأسال دمع العين ( عبدالمنعـمِ )
|
جبل هوى فأثار عـاصفة الشجا
|
|
لله مـن قلب ثـوى في أعظُـمِ
|
لله من نبع تـدفّـق سـاقيـاً
|
|
جيلَ النهوض بسلسل بْردِ الظمي
|
لله إيمـان يعــانقـه العـلا
|
|
قد شيّعــوه بحسرة وتضـرّمِ
|
حمل المصائب وهـي جدُّ عظيمة
|
|
في خير خـافقة وصبر أعظـمِ
|
إيمـانـه الوضاء كـان دليلـه
|
|
نحو الصراط المنقـذِ المتقــدمِ
|
قد سار في درب الهدى متبصّراً
|
|
لم يلتفـت يوماً لنهـزَة مغنـمِ
|
ومقدِّماً بين اليدين ذخــائـراً
|
|
للـحشر يوم الامتحان المعلـمِ
|
ولقد أبـى إلاّ الوقوف مع الإبا
|
|
والحقِّ وقفـةَ مستنيـر مُقـدمِ
|
وأنـار إيمــان التقـاة بهمّـةٍ
|
|
متجاوزاً درب القتـاد المـؤلـمِ
|
وشـدا لآلِ المصطفـى متقلّـداً
|
|
آتي الـولاء مُطـوِّفـاً كمتيـمِ
|
ان قال شعراً فالقلوب خـواشعٌ
|
|
نشوى لهـذا المنشد المتـرنّـم
|
أو قال نثراً فـالنفوس بـواسم
|
|
تهفو لهـذا المـؤمـن المتكلّـمِ
|
وأطار فيهم نيّـراتِ نجـومـه
|
|
سحراً وما كلّ النجوم بـأنجـمِ
|
آياتـه فيهم بملحمـة الهـدى
|
|
مفتـاح جنّـات النعيم المُلهـمِ
|
هي من عيون الشعر ، صيغَ نسيجُها
|
|
مـن مـاء قلب بالمحبّة مُفعَـمِ
|
__________________
كم قد حوت علماً وجاء دواؤها
|
|
كرداء تقـواه ، بعـزم مصمِّـمِ
|
وجنت بلا شكٍّ رضـاءَ محمّـدٍ
|
|
والآلِ إذ هي للأطايـب تنتمـي
|
ياعيـنُ جودي بالبكاء لفقـده
|
|
جـوداً ينهنـه عن عظيم تألمي
|
فلقد أُصبنا في الصميـم بيـومه
|
|
والحزن واصل مأتـماً فـي مأتـم
|
لم لا نصبّ الدمع حزنـاً بعده
|
|
لم لا يفيض القلب من طفح الـدمِ
|
و (أبو الحسين) حبيب أطياب الورى
|
|
فـي صمتـه ومقـاله المتفهّــمِ
|
لم يبتعد عنـه التواضع لحظـةً
|
|
كلاّ ولم يعـرف خصـال تبـرّمِ
|
خُلُـق الكريم سلوكـه ومبـادئ
|
|
للعلم والأدب النـديِّ الأقَــومِ
|
قد جاءني نعـي علـى بعد المدى
|
|
مـا خلته إلاّ التبـاس تـوهّـمِ
|
قد حزّ في نفسي رحيلك واغتـدى
|
|
كالطـود ظل في الخواطر يرتمـي
|
وتبادرت صور حفـرت جذورها
|
|
في القلب ، تعثر بالخيـال المؤلـمِ
|
ولأنـت أكبـر من رثـائي إنّمـا
|
|
حمل الرثـاءُ تصدّعـي وتضـرّمي
|
ماضيك أحلـى ان ألـم بـوصفه
|
|
في طهره وجـلالـه المتسنّــمِ
|
ولئـن تنقّص جاهل من قـدركـم
|
|
فالشمس ليست في يـدي متهجّمِ
|
أو إن تجاهلكم طغـاة زمـانكـم
|
|
فـالحقد يودي بالحقـود المجـرمِ
|
أنتم على رغم البغـاة مكـانكـم
|
|
شرف القلـوب وقَبْسَـةُ المتعلّـمِ
|
من عطركـم فـاضت محـافل عزّة
|
|
هي في الضمائر كالضحى المتبسّمِ
|
تلـك العهود مـع الزمان مسيـرها
|
|
ضوءٌ بأحنـاءِ الطـريـق المُعتـمِ
|
تـرنيمـة بفــم التقـاة لأنهـا
|
|
مـن صُنـع قومٍ قـائمين وصُوَّمِ
|
لا الدهـر يسلينـا مواجـع فقدكم
|
|
كـلاّ ولا آسٍ بــرقية بَلْسَـمِ
|
فاذهب إلى عـزّ الجنـان وسحرها
|
|
حيـث الخلود ويـالعظم المغنـمِ
|
يلقـاك بــالبشـر النبيّ وآلُـه
|
|
فيهـا ، جزاء ولائــك المتقـدّمِ
|
وتقرّ عينـاك اللتـان تقـرّحا
|
|
فيهم ، بـكل تلـذّذ وتنعّـمِ
|
وترود فيهـا مجلسـاً لمحمّـدٍ
|
|
والمرتضى والآل نعـم الأنجمِ
|
وتكون فيها فـي جـوار أحبّةٍ
|
|
كانوا أمـاناً للمحـبّ المُغـرمِ
|
هـذا جزاء الصالحين ففز بـه
|
|
ما فزت إلاّ بالنعيم الأعظـمِ
|
__________________
الملحق رقم (٤)
مستدرك أشعار الفرطوسي
الأديب
بنت الضحى انتظمي بسلك نشيدي
|
|
كـي استطيـل لاُفقـه بقصيـدي
|
وتـنفسي أرجـاً أزاهيـر الربـى
|
|
متضـوعـاً عـن خلقـه المحمود
|
وترقرقي ريح الصبا كـي تنشري
|
|
فينـا لطـافـة طبعـه وتعيـدي
|
وتـألقـي شهب السماء وذكـري
|
|
هـذي الجموع بفضلـه المشهـود
|
حـق علـى الأدب الرفيـع وفاؤه
|
|
تـخليد ذكـر أديبــه المفقـود
|
العبقـري وللعبــاقـر عـالـم
|
|
في معزل عـن عالـم الموجـود
|
والألمعـيُّ الفـذ فــي تفكـيره
|
|
وبفكـره الموهـوب بـالتسديـد
|
والنابــغ الفنـي فـي تصويـره
|
|
وخيالـه السامـي عـن التحـديد
|
يـا دولة الأدب المجيـد تطاولـي
|
|
بفنـاك واحتفلـي بكـل مجيــد
|
لك مجده الأدبـي مهما قـد سمـا
|
|
فابنـي المفاخـر باسمـه واشيدي
|
* * *
أمثقف الأجيـال فـي تفكيره
|
|
ومنور الأفكـار بـالتجديـد
|
تبني العقول وأنت تهدم عنوة
|
|
منـك الفـؤاد بـذلك التشييد
|
رفقاً فقد حمّلت نفسك وسعها
|
|
جهداً وما أبقيت مـن مجهود
|
__________________
أسـرجت قلبك كالذبالة شمعـة
|
|
لسواك حتـى آذنت بخمــود
|
وذوت ورود الروح منك وما اجتنت
|
|
كفـاك غير الشوك والتسهيـد
|
أعظم بشخصك من مـرب للحجى
|
|
والعقل قبل صلاحـه كـوليـد
|
إنّ الأديب الحـرّ مجـد وحــده
|
|
متطاول لا يرتقـي بصعــود
|
انّ الأديـب لسان جيـل لـم يجد
|
|
في الخطب غير لسانـه المحـدود
|
وروايـة فيمـا حوتـه حزينـة
|
|
ولكـم حوت صوراً من التنكيد
|
تهوى الوداعـة والبسـاطـة نفسه
|
|
وحياته ضرب مــن التعقيـد
|
لـو أنـصف التـاريخ قلّـد جيده
|
|
فيه كعقد جمـانـة فـي جيـد
|
ولصاغ تمثـالاً لـه من سـؤدد
|
|
سيزهـو على ألق الضحى الممدود
|
* * *
سقيـا أبـا موسى لأفضل تربة
|
|
حـضنتك أفضـل بلبل غريـد
|
عام وأعـوام تمـر جـديـدة
|
|
والحزن في الأحشاء غيـر جديد
|
ذهب الوفـاء فـليس يـرجى
|
|
عوده في ظلّ اخوان له وعهـود
|
لغة العواطف والعواطف جمـرة
|
|
مشبوبة فـي النفس ذات وقـود
|
وجـم البيـان فمـا وفى برثائه
|
|
لأبي الوفاء الحر عـن مقصودي
|
فـتكلمي فلأنت أفصح مـنطقاً
|
|
من مقولي في مصدري وورودي
|
وأجـل مـن قطع النشيد نشائد
|
|
مقطوعة من مهجتـي ووريدي
|
إنّ الأديب من الأديب بـروحه
|
|
وشعوره الفيـاض غيـر بعيـد
|
أخـوان فـي نسب به جمعتهما
|
|
للفضل ( رابطة ) بـلا تبديـد
|
إنّ الأديـب بجسمـه قيثـارة
|
|
وبـروحه الهامـة مـن عـود
|
وحياته وهـي النبوغ مصيـرها
|
|
بعـد الفنـاء إلى حياة خلـود
|
|
|
|
|
|
إنّ الأديـب رسـالة مطـوية
|
|
بالموت ينشرها فـم التمجيـد
|
أأبا ( الذخائر ) والـرثاء عواطف
|
|
ممزوجة مـن أدمعـي ونشيدي
|
أنعاك للأدب الرفيع لقـد هـوى
|
|
من بيته العـربي خيـر عمـود
|
لخمائل ( الإيمان ) بعدك قد ذوت
|
|
مـن روضها المزهو خير ورود
|
لخمـائـل هي للنبوغ وللـذكا
|
|
مخلـوقـة تجتـاح كـل جمود
|
لصنـاعة جليت فـي حلبـاتها
|
|
مـا بين طرف سابـح وشرود
|
ليــراعة جبـارة حـررتهـا
|
|
من رق ارهـاق وذلّ قيــود
|
للخلـق للفضل العميم مـجلجلاً
|
|
فـي طـارف من مجـده وتليد
|
للفن بعد ( ابن العميد ) أهالـه
|
|
فقدان خيـر أب لـه وعميـد
|
أرثيـك للقلم الـذي أيتمتــه
|
|
بـأب لـه ولـع بذا المـولود
|
لعـرائس الأفكار عطل جيـدها
|
|
من كـل عقـد للبيـان فريـد
|
لروائع الوصف البليغ تصـوغها
|
|
عربية مـن ذهـنك المحشـود
|
لمنـابر كـانت عليك عزيـزة
|
|
كرمـا فـكنتَ لها أعزّ فقيـد
|
لمحـافـل أدبيـة أوحشتهــا
|
|
فقداً وكنت بهـا هـلال العيد
|
ولثـورة الفكر المجيـدة أثكلـت
|
|
في خير مغـوار لهـا ونجيـد
|
لجهـادك الـدينـي وهـو رسالة
|
|
أديتهـا للــواجب المنشـود
|
أكبرت منك مـواقفـاً وطنيـة
|
|
مشفوعـة بالفـوز والتسديـد
|
ياأمة الحق المجيـد إلـى الهـدى
|
|
سيـري مظللـة بخيـر بنـود
|
انّ الجهـاد فريضـة لا يكتفـى
|
|
بأداء واجبهـا بغيـر جهــود
|
والدين غـرس مثمـر يزهـو به
|
|
مـن تربـة الإيمان خيـر صعيد
|
ويـد العقيدة خيـر ما يبنى بها
|
|
جيل يغـذيه فـم التـوحيـد
|
|
|
|
|
|
هذا أبو المهدي مصباح الهدى
|
|
فـي طارف من فضله وتليد
|
سيـري موفقة علـى منهاجه
|
|
واسترشدي هدياً بخير رشيد
|
وخـذي تعاليـم الحكيم رسالة
|
|
مقرونة بالنصـر والتأييـد
|
وتمسكي بالحق فـي مستمسك
|
|
للعروة الوثقى لديه سديد
|
__________________
العلامة الخالد
خلّـد لنفسك مجداً فيـه تُدّكـرُ
|
|
فالعين تفنـى ويبقى بعـدها الأثرُ
|
والنفس ينشر بالأعمال جوهـرها
|
|
إذا انطوت هذه الأعراض والصورُ
|
ولا تطيب بغير الخلـق تربتهـا
|
|
وهـل تطيب بغير النفحـة الزهرُ
|
والعلم أطيب بـذر أنت تغرسـه
|
|
بتربـة النفس كيمـا يحسن الثمرُ
|
ومورد كـالنمير العـذب منهلـه
|
|
للنفس يعذب منه الـورد والصدرُ
|
العلم نور بـه تهـدى النفوس إذا
|
|
أضلهـا غلـس للجهـل معتكرُ
|
وموجة فـي فضاء النفس ثائـرة
|
|
علـى العقول بفيض الحـق تنفجرُ
|
وقوّة في مجاري الروح مودعـة
|
|
بهـا تنـورت الآراء والفكــرُ
|
العلم أفضل ما يسمو بـه رجـل
|
|
بحيـث تنحط عنه الأنجم الـزهرُ
|
يثقـف العقـل في أدوار نشأتـه
|
|
والعقـل كالطفـل للتثقيف مفتقرُ
|
وينقذ النفس مـن جهل يهددهـا
|
|
حتى يحيط بهـا مـن فتكه الخطرُ
|
فـأيـن غيّب قـارون وزينتـه
|
|
وأيـن منـه كنـوز ليس تنحصرُ
|
وأين فرعون ذو الأوتاد من خضعت
|
|
له الملوك وحيّـا تـاجـه الظفـرُ
|
فها همـا ذهبـا طي الرياح هبا
|
|
كلاهما حينمـا وافاهمـا القـدرُ
|
__________________
في حيـن خلد لقمان بحكمتـه
|
|
وأظهرت فضلـه الآيات والسور
|
فلتعتبر أيها الإنسان مـوعضـة
|
|
في كل شيء بـه الإنسان يعتبرُ
|
فـليس يخلـد إلاّ « ماجد » ورع
|
|
مهذب فيه يسمـو المجد والخطرُ
|
مفضّـل كامل في كل مفخـرة
|
|
به عيون العلى والفضل تفتخـرُ
|
مقدّم سابق فـي الفضل ان قصرت
|
|
بغيره قدم يعتـاقهـا الخــورُ
|
مفـوه ان يفـه يـوماً بمحتفـلٍ
|
|
تناثرت مـن لئالـي ثغره الدررُ
|
واسكرتك أحاديـث مقـدسـة
|
|
بخمرة من شعـاع الروح تعتصرُ
|
يوحـي لروّاده من سحر منطقه
|
|
بلاغة ما بهـا عـي ولا حصـرُ
|
فرائد مـن بيـان كلّهـا مُلَـحٌ
|
|
يسبيـك منتظم منهـا ومنتثـرُ
|
لو أنَّ ( قساً ) وعاها لم يفه وعرا
|
|
لسانـه بعد طول في اللغى قصرُ
|
ولو تناهت إلـى لقمان حكمتهـا
|
|
لقال سبحان من انشاك يـا مضرُ
|
منزّه لم تـدنس قط فـي وضـر
|
|
منه شبيبته يـومـاً ولا الكبـرُ
|
بَرٌّ على البـر والخيـرات منطبـع
|
|
شهم عى عمل المعـروف مفتطرُ
|
قد روضت نفسه الطاعات من ورع
|
|
فلا يطيش بها زهـو ولا بطـرُ
|
مخلّـد بجميـل الـذكر منتشـر
|
|
والمرء بالأثـر المحمـود ينتشرُ
|
__________________
ميلاد الرسول الأعظم 9
شع بـالفتح فحيّـاه فمـي
|
|
فجر ميلاد الرسـول الأعظـمِ
|
وأطل النور مـن اُمّ القـرى
|
|
فمحـا للشـرك أدجـى الظلمِ
|
وانجلى من أحمد فـي مهـده
|
|
لضحـى الإسلام أبهـى مبسمِ
|
مـرسل بـالمثل العليـا إلـى
|
|
دعوة الديـن الحنيـف القيـمِ
|
والجهـاد المـر فـي نهضته
|
|
والاخـا والصـدق رمز العلمِ
|
وفـم التوحيد فيهـا هاتـف
|
|
وحـدة الصـف شعار المسلمِ
|
فيـد تحمـل قـرآن الهـدى
|
|
ويـد تحمـل حـد المخـذمِ
|
أيها الـرافـع فـي نهضتـه
|
|
رايـة الحـق لا علـى القممِ
|
أيهـا الباعث فـي أخلاقـه
|
|
كـل مـا قـد وأدوا من حرمِ
|
أيهـا المرشد فـي أحكامـه
|
|
أمـم الدنـيـا بخيـر الحكـمِ
|
يـا رسول الله يـا من بالهدى
|
|
علـم الإنسان مـا لـم يعلمِ
|
التعـاليـم التـي جئت بهـا
|
|
عطلـت منها عقـود الكلـمِ
|
والـرسـالات التي أوحيتها
|
|
مـا تعدّى وحيهـا مجرى الفمِ
|
محكم القرآن يشكـو هجـره
|
|
لـك والسنــة لـم تحتشـمِ
|
قد طوى الشر على الخير وقد
|
|
عاثـت الفوضى بكـل النظمِ
|
ومتــى تدرك مـا تنشـده
|
|
أمـة تنـبــذ كـل القيـم
|
__________________
لـو تمسكنا بقرآن الهدى
|
|
وتعاليـم النبـي الأكرمِ
|
لبلغنا قمـة النصر بهـا
|
|
وانتقمنا من عبيد الصنمِ
|
أمة العرب :
أمة العرب بيمناك ارسمي
|
|
خطة الفتـح بميدان الدمِ
|
قلمي بالسيف أظفار العدى
|
|
ودعي عنـك حديث القلم
|
ان كفاً تفرض الحق على
|
|
خصمها الباغي بحكم القدمِ
|
لا تضاهى بيـد ضارعة
|
|
تسأل الرحمة من منتقمِ !
|
ومتى تغرس أزهار المنى
|
|
بيد تغـرس شوك الألـمِ
|
وقـرار الأمن في أوطاننا
|
|
ليس يبنـى بقـرار الأممِ
|
فلسطين :
يـا فلسطين وهذي صرخة
|
|
من فم الإسلام أوحاها فمي
|
لك يا أرض البطولات وفي
|
|
مهدك الثائر مهـد الشممِ
|
لوحة أنت من البلوى سوى
|
|
أحرف النار بهـا لم ترقـمِ
|
للضحايا في ثراهـا هضبة
|
|
وبنـاء شامخ لـم يهـدمِ
|
للأهـازيج على مسرحها
|
|
مـن انين اليتم أشجى النغمِ
|
للدم الحر على حصبـائها
|
|
لجج قـد أغرقـت بالضرمِ
|
كل هـاتيك القرابين فدىً
|
|
لك من حجاج هذا الموسمِ
|
يوم انقـاذك عيـد بـدؤه
|
|
بسوى التحرير لـم يختتمِ
|
أرض سيناء :
أرض سيناء ومـا أفظعها
|
|
من خطوب عصفت بالهممِ
|
يا شموخ المجد فـي عزّته
|
|
كيف ذلّت كبريـاء الهرمِ
|
يا صمود الشعب في ثورته
|
|
كيف زلّت بك أرسى قدمِ
|
هذه التربـة مـا دنسهـا
|
|
قبل هذا الغزو خزي المآثمِ
|
وجيـوش النصر لولا انّها
|
|
فجئت فـي غدرهم لم تهزمِ
|
ونسور الجو لو حـامت به
|
|
لاستكانت لفراخ الـرخمِ
|
والدم الفوار مـا جفّ لـه
|
|
وابل لولا انصبـاب الرجمِ
|
لا تقولوا لف مـن نهضتنا
|
|
علـم المجد ومجـد العلـمِ
|
إنّهـا ثورة شعب نـاهضٍ
|
|
يقحم الموت بقلب الضيغمِ
|
انّهـا تجـربـة قـاسيـة
|
|
علمتنا كـل درس مؤلـمِ
|
وليوث الغاب تضرى كلما
|
|
خدشت فـي غابها من شممِ
|
الأردن والقدس :
سائـل الاردن والقدس معـاً
|
|
تـربة العزّ ومهـد العصـمِ
|
عن بطـــولات بهــا
|
|
ليل بها رفعت أمجـادنا للقممِ
|
عن ضحايا الغدر حين انتصرت
|
|
سطوة اللـؤم بمهـد الكـرمِ
|
وصبايـا كالقطا قـد ذعرت
|
|
بـالوغى واحتـرقت كالحممِ
|
وعذارىً وهي فـي مأمنهـا
|
|
روعت فـاعتصمت في مريمِ
|
وشيـوخ لم يصـن أرواحهم
|
|
مـن دمار المـوت سن الهرمِ
|
ويتـامـى جلجل اليتم بهـا
|
|
فذوت أفواههـا كـالبرعـمِ
|
وأيامـىً أثكلـت آمـالهـا
|
|
أيّـمٌ تندب جنــب الأيّـمِ
|
وهنـا ألـف قتيل هـامـدٍ
|
|
وهنا ألف جـريـح مـكلمِ
|
ومآت مـن الـوف نزحـوا
|
|
دون جـرم مـن عذاب المجرمِ
|
بنت صهيـون وهـذي نسبة
|
|
دنست حتى خبيـث المأثـمِ
|
نشـوة النصر ذعـاف قاتـل
|
|
لك مـن مستعمرٍ منهــزمِ
|
سوف يبدو الفجر في روعتـه
|
|
سـوف ينشق ستـار العتـمِ
|
فيرى الظالم عقبى بغيه
|
|
حينمـا يقـرع سن الندمِ
|
مهد سوريا :
مهـد سوريـا سلام عـاطر
|
|
لك مـن روح الابـا والشيمِ
|
من دم الأحرار يجري صببا
|
|
في ميادين الـوغى كـالديمِ
|
مـن أغاريد العلـى راقصة
|
|
فـوق أشلاء ضحـايا الشممِ
|
من عرانين الابا قد ارغمت
|
|
خصمها العاتي ولمـا تـرغمِ
|
يانضال الشعب فـي نهضته
|
|
ثار في قلب الجحيم المضرمِ
|
حيث أفواه الصواريخ علـى
|
|
رأسه تنصب صـب الغمـمِ
|
والسمـا والأرض نـار ودم
|
|
ودخان مطبــق بـالنقـمِ
|
ودوي القصف يهمي بـالبلا
|
|
والمنايا كـالسحاب المـرزمِ
|
وجناح النسر قـد سد الفضا
|
|
ويـد العملاق فـوق الأنجمِ
|
يـومك الخـالد تأريخ على
|
|
مـن مواضي عزمةٍ لـم تثلمِ
|
سيف حمدان سما في ضربة
|
|
للضحـايا والـدماء الحـرمِ
|
جيوش الرافدين :
يـا جيوش الرافدين اضطرمي
|
|
فـي ميـادين الوغى واحتدمي
|
ثـورة العشـرين يـا أبطالها
|
|
تنـدب الأرقـم اثـر الأرقـمِ
|
نخوة العـرب انهضي ضارية
|
|
بعـراك ثـائــر مضطـرمِ
|
حكمي الجرح على الجرح دماً
|
|
وبــأرواح بنيـك احتكمـي
|
نظمي الصف إلى الصف وغىً
|
|
وانثـريهـا تحـت ظلّ العلمِ
|
نشـوة الفتح بـلا تضحيـة
|
|
هـي مـن دنيا الرؤى والحلمِ
|
ليس يحسـو شهدة النصر فم
|
|
لـم يذق في الحرب مرّ العلقمِ
|
فيد تحرق من نار الوغى
|
|
ويد تغرق من فيض الدمِ
|
المستعمر :
يـا دعاة الحـرب لا أفلحتـم
|
|
مـن دعـاة للفنـاء المبـرمِ
|
أنتم الأعـداء فـي أعمـالكم
|
|
للسلام الحــر بيـن الأمـمِ
|
غدر « واشنطن » قد بانت له
|
|
سور مفضـوحة لـم تكتـمِ
|
وعدى « لندن » قـد شقّ لنا
|
|
فجـره الصادق لـيل التهـمِ
|
ولقـد بـان « ببون » حقدها
|
|
ومـدى أبعـاده لـم تعلـمِ
|
أيهـا المستعمر الضـاري بلا
|
|
رحمة فـي بطشـه المنتقـمِ
|
قـد تحديت الفـنا فـي رمية
|
|
لم تدع فـي قوسها من أسهمِ
|
وقتلـت العـدل والنبل معـاً
|
|
منك في وحشيـة لم ترحـمِ
|
وذبحت النـوع فـي مجزرة
|
|
تئـد الحـس بقبـر العـدمِ
|
ضجّـت الدنيـا لإنسـانيـة
|
|
منيت منكـم بوحش مجـرمِ
|
يشبـع المـوت وأطماعكـم
|
|
تنهش المـوت بسـن التهـمِ
|
|
|
|
|
|
أمة الإسلام :
أمـة الإسلام مـا أبقت لنـا
|
|
أمة الكفر حمـىً لـم يقحمِ
|
لعبيد العجـل فـي أوطاننـا
|
|
أصبحـت أحـرارنا كالمغنمِ
|
ملكوا مـن أرضنا مهد الهدى
|
|
واستباحـوا حرمـات الحرمِ
|
ليس في الميدان دنيـا عرب
|
|
ويهود فـي صـراع مقتـمِ
|
إنّمـا الإسلام لاقـى حملـةً
|
|
هي من جيش الصليب الأقدم
|
فـاستعـدوا وأعـدوا لهـم
|
|
قـوّة البـأس وبطش الهممِ
|
واهزموا بالوحدة الكبرى وفي
|
|
قـوّة التوحيد جـيش الصنمِ
|
وسـلاح النفط فـي ضربته
|
|
لحيـاة الغرب أمضى مخذمِ
|
وقنـال النيـل سـد محكـم
|
|
قام في وجـه العدو المجرمِ
|
وحدوا الأوطان فـي جامعة
|
|
للتآخي كـالأساس المحكـمِ
|
وحـدة الإسلام أقـوى جبهة
|
|
تجمع المسلم جنـب المسلمِ
|
أمـة الضاد ارفعـي ترتفعي
|
|
رايـة القـرآن بيـن الأممِ
|
وخـذي مـن قائد الدين يداً
|
|
للهدى بيضاء فيها اعتصمي
|
حجّة الإسلام مصبـاح النهى
|
|
الحكيم الفذ مهـد الحكمِ
|
__________________
المـصـادر والمـراجـع
أ ـ المصادر المطبوعة
١ ـ آل محبوبة ، جعفر باقر : ماضي النجف
وحاضرها ، الطبعة الثانية ، دار الأضواء ، بيروت ، ١٩٨٦ م.
٢ ـ ابن فارس ، أحمد بن فارس : معجم
مقاييس اللغة. بتحقيق وضبط عبدالسلام محمد هارون. مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ١٤٠٤
هـ.
٣ ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان
العرب. نسقه وعلّق عليه ووضع فهارسه علي شيري. الطبعة الاُولى ، دار احياء التراث
العربي ، بيروت ، ١٩٨٨ م.
٤ ـ أبو تمام ، حبيب بن أوس : ديوان
الحماسة. تحقيق الدكتور عبدالمنعم أحمد صالح. دار الرشيد للنشر ، بغداد ، ١٩٨٠ م.
٥ ـ الأخطل ، غياث بن غوث : ديوان
الأخطل. شرحه وصنّف قوافيه وقدّم له مهدي محمد ناصر الدين. الطبعة الاُولى ، دار
الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٦ م.
٦ ـ ارسطو طاليس : فن الشعر. ترجمه عن
اليونانية وشرحه وحقّق نصوصه عبدالرحمن بدوي. الطبعة الثانية ، دار الثقافة ، بيروت
، ١٩٧٣ م.
٧ ـ أسود ، عبدالرزاق محمد : موسوعة
العراق السياسية ، الطبعة الاُولى ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت ، ١٩٨٦ م.
٨ ـ الاصفهاني ، أبو الفرج : الأغاني.
شرحه وكتب هوامشه عبدالأمير علي مهنّا وسمير جابر. الطبعة الثالثة ، دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، ١٩٩٥ م.
٩ ـ الأمين ، حسن : مستدركات أعيان
الشيعة ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
١٠ ـ الأمين ، محسن : أعيان الشيعة.
حقّقه وأخرجه حسن الأمين. دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، ١٩٨٣ م.
١١ ـ الأميني ، محمد هادي : معجم رجال
الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام ، الطبعة الثانية ، ١٩٩٢ م.
١٢ ـ انطاكي ، عبدالمسيح : القصيدة
العلوية المباركة ، مطبعة رعمسيس ، مصر ، ١٩٢٠ م.
١٣ ـ بابان ، جمال : اُصول أسماء المدن
والمواقع العراقية ، الطبعة الثانية ، بغداد ، ١٩٨٩ م.
١٤ ـ بحر العلوم ، محمد : حصاد الأيام ،
الطبعة الاُولى ، دار الزهراء ، بيروت ، ١٩٩١ م.
١٥ ـ بروكلمان ، كارل : تاريخ الأدب
العربي. نقله إلى العربية الدكتور عبدالحليم النجار. الطبعة الثانية ، دار الكتاب
الإسلامي ، قم ، بدون تاريخ.
١٦ ـ البستاني ، بطرس : أدباء العرب في
الجاهلية وصدر الإسلام ، دار نضير عبود ، بيروت ، ١٩٨٩ م.
١٧ ـ البستاني ، سليمان : الياذة
هوميروس ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، بدون تاريخ.
١٨ ـ البستاني ، محمود : الاسلام والفن
، الطبعة الاُولى ، مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد ، ١٤٠٩ هـ.
١٩ ـ البستاني ، محمود : تاريخ الأدب
العربي في ضوء المنهج الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد ،
١٤١٣ هـ.
٢٠ ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد ،
الطبعة الاُولى ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٨١ م.
٢١ ـ الجزائري ، محمد جواد : ديوان
الجزائري ، مؤسسة خليفة للمطبوعات ، بيروت ، ١٩٧٠ م.
٢٢ ـ جمال الدين ، مصطفى : الايقاع في
الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة ، مطبعة النعمان ، النجف ، ١٩٧٠ م.
٢٣ ـ جمال الدين ، مصطفى : الديوان ، الطبعة
الاُولى ، دار المؤرخ العربي ، بيروت ، ١٩٩٥ م.
٢٤ ـ الجواهري ، محمد مهدي : ديوان
الجواهري ، مطبعة الأديب ، بغداد ، ١٩٧٣ م.
٢٥ ـ حرز الدين ، محمّد : معارف الرجال
في تراجم العلماء والأدباء. علّق عليه محمّد حسين حرز الدين. مكتبة آية الله
العظمى المرعشي النجفي ، قم ، ١٤٠٥ هـ.
٢٦ ـ الحسني ، عبدالرزاق : الثورة
العراقية الكبرى ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ١٩٩٢ م.
٢٧ ـ الحسني ، عبدالرزاق : العراق
قديماً وحديثاً ، الطبعة السادسة ، دار الكتب ، بيروت ، ١٩٨٠ م.
٢٨ ـ الحلي ، صفي الدين : ديوان صفي
الدين الحلي ، دار صادر ، بيروت ، بدون تاريخ.
٢٩ ـ الحموي ، ياقوت : معجم البلدان.
تحقيق فريد عبدالعزيز الجندي. الطبعة الاُولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٩٠
م.
٣٠ ـ الخاقاني ، علي : شعراء الغري ، المطبعة
الحيدرية ، النجف ، ١٩٥٤ م.
٣١ ـ الخليلي ، جعفر : موسوعة العتبات
المقدسة ، الطبعة الثانية ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ١٩٨٧ م.
٣٢ ـ الخليلي ، جعفر : هكذا عرفتهم ، انتشارات
الشريف الرضي ، قم ، ١٤١٢ هـ.
٣٣ ـ الخوانساري ، محمد باقر : روضات
الجنّات في أحوال العلماء والسادات ، مكتبة اسماعيليان ، قم ، ١٣٩١ هـ.
٣٤ ـ داغر ، يوسف أسعد : مصادر الدراسة
الأدبية ، منشورات الجامعة اللبنانية ، بيروت ، ١٩٨٣ م.
٣٥ ـ الدجيلي ، جعفر : موسوعة النجف
الأشرف ، الطبعة الاُولى ، دار الأضواء ، بيروت ، ١٩٩٣ م.
٣٦ ـ الرافعي ، مصطفى صادق : تاريخ آداب
العرب ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٧٤ م.
٣٧ ـ الزبيدي الدجيلي ، عبّاس محمد :
الدرر البهيّة في أنساب عشائر النجف العربية ، الطبعة الاُولى ، ١٩٨٨ م.
٣٨ ـ الزركلي ، خير الدين : الأعلام ، الطبعة
الثالثة ، بيروت ، ١٩٧٤ م.
٣٩ ـ الزوزني ، الحسين بن أحمد : شرح
المعلّقات السبع ، منشورات ارومية ، قم ، ١٤٠٥ هـ.
٤٠ ـ زيدان ، جرجي : تاريخ آداب اللغة
العربية ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت ، ١٩٦٧ م.
٤١ ـ سعدي ، عثمان : الثورة الجزائرية
في الشعر العراقي ، الدار الوطنية ، بغداد ، ١٩٨١ م.
٤٢ ـ سلامة ، بولس : عيد الغدير ، الطبعة
الثالثة ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ١٩٧٣ م.
٤٣ ـ الشبيبي ، محمد رضا : ديوان
الشبيبي ، مطبعة لجنة التأليف ، القاهرة ، ١٩٤٠ م.
٤٤ ـ الشرقي ، علي : موسوعة الشيخ علي
الشرقي النثرية. جمع وتحقيق موسى الكرباسي. مطبعة العمال المركزية ، بغداد ، ١٩٨٩
م.
٤٥ ـ الصغير ، محمد حسين : فلسطين في
الشعر النجفي المعاصر ، الطبعة الثانية ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ، ١٩٨٤ م.
٤٦ ـ ضيف ، شوقي : العصر الجاهلي ، الطبعة
الثامنة ، دار المعارف ، القاهرة ، ١٩٧٧ م.
٤٧ ـ الطاهر ، عبدالجليل : العشائر
العراقية ، [ بغداد ] ، ١٩٧٢ م.
٤٨ ـ الطهراني ، آقا بزرك : الذريعة إلى
تصانيف الشيعة ، مؤسسة اسماعيليان ، قم ، ١٣٥٥ هـ.
٤٩ ـ الطهراني ، آقا بزرك : نقباء البشر
في القرن الرابع عشر ، الطبعة الثانية ، دار المرتضى للنشر ، مشهد ، ١٤٠٤ هـ.
٥٠ ـ الطهراني ، آقا بزرك : هدية الرازي
إلى الامام المجدد الشيرازي ، ١٣٨٦ هـ.
٥١ ـ طهراني ، نادر نظام : العروض
العربي ، الطبعة الاُولى ، جامعة العلامة الطباطبائي ، طهران ، ١٩٩٢ م.
٥٢ ـ العامري ، ثامر عبدالحسن : موسوعة
العشائر العراقية ، الطبعة الاُولى ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ١٩٩٢ م.
٥٣ ـ العزاوي ، عباس : عشائر العراق ، شركة
التجارة والطباعة المحدودة ، بغداد ، ١٩٥٥ م.
٥٤ ـ علوان ، علي عباس : تطور الشعر
العربي الحديث في العراق ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، بدون تاريخ.
٥٥ ـ عواد ، كوركيس : معجم المؤلفين
العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، ١٩٦٩ م.
٥٦ ـ غريّب ، جورج : الشعر الملحمي
تاريخه وأعلامه ، دار الثقافة ، بيروت ، بدون تاريخ.
٥٧ ـ فرج ، لطفي جعفر : الملك غازي
ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخارجي ( ١٩٣٣ ـ ١٩٣٩ م ) ، منشورات
مكتبة اليقظة العربية ، بغداد ، ١٩٨٧ م.
ئ٥٨ ـ الفرطوسي ، عبدالمنعم : ديوان
الفرطوسي ، الطبعة الثانية ، مطبعة الغري الحديثة ، النجف ، ١٩٦٦ م.
٥٩ ـ الفرطوسي ، عبدالمنعم : ملحمة أهل
البيت : الطبعة الثانية ، مؤسسة أهل البيت :
بيروت ، ١٩٨٦ م.
٦٠ ـ الفضلي ، عبدالهادي : دليل النجف
الأشرف ، منشورات مكتبة التربية ، النجف ، [ ١٣٨٥ هـ ].
٦١ ـ القرشي ، أبو زيد محمد بن أبي
الخطاب : جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والاسلام. حقّقه وزاد في شرحه علي محمد
البجاوي. بدون تاريخ.
٦٢ ـ القطامي ، عمير بن شييم : ديوان
القطامي. تحقيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتور إبراهيم السامرائي. بيروت ، ١٩٦٠ م.
٦٣ ـ الكبيسي ، عناد إسماعيل : الأدب في
صحافة العراق منذ بداية القرن العشرين ، مطبعة النعمان ، النجف ، ١٩٧٢ م.
٦٤ ـ الكيالي ، عبدالوهاب : موسوعة
السياسة ، الطبعة الاُولى ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ١٩٨٦ م.
٦٥ ـ المبارك ، عبدالحسين : ثورة ١٩٢٠
في الشعر العراقي ، الطبعة الاُولى ، مطبعة دار البصري ، بغداد ، ١٩٧٠ م.
٦٦ ـ المتنبي ، أحمد بن الحسين : ديوان
أبي الطيب المتنبي. تحقيق الدكتور عبدالوهاب عزام. دار الزهراء ، بيروت ، ١٩٧٨ م.
٦٧ ـ مردان ، جمال مصطفى : عبدالكريم
قاسم البداية والسقوط ، المكتبة الشرقية ، [ بغداد ] ، بدون تاريخ.
٦٨ ـ المطبعي ، حميد : موسوعة اعلام
العراق في القرن العشرين ، الطبعة الاُولى ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ،
١٩٩٥ م.
٦٩ ـ معتوق ، أحمد : شرح الازرية ، الطبعة
الاُولى ، دار السلام للتراث ، بيروت ، ١٩٩٦ م.
٧٠ ـ المقدسي ، أنيس : الاتجاهات
الأدبية في العالم العربي الحديث ، الطبعة الخامسة ، دار العلم للملايين ، بيروت ،
١٩٧٣ م.
٧١ ـ موسى ، ضياء : قرنفلة الصباح ، انتشارات
المكتبة الحيدرية ، قم ، ١٩٩٨ م.
٧٢ ـ الموسوي ، عبدالصاحب : حركة الشعر
في النجف الأشرف وأطواره خلال القرن الرابع عشر الهجري ، الطبعة الاُولى ، دار
الزهراء ، بيروت ، ١٩٨٨ م.
٧٣ ـ الموسوي عبدالصاحب : الشيخ
اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، منشورات مركز البحوث العربية الإسلامية ، كندا ، ١٩٩٥
م.
٧٤ ـ الموسوي ، مدين : كان لي وطن ، دار
نداء الرافدين ، بيروت ، ١٩٩٢ م.
٧٥ ـ الميداني ، أحمد بن محمد : مجمع
الأمثال. قدم له وعلّق عليه نعيم حسين زرزور. الطبعة الاُولى. دار الكتب العلمية ،
بيروت ، ١٩٨٨ م.
٧٦ ـ الناهي ، غالب : دراسات أدبية ، مطبعة
دار النشر والتأليف ، النجف ، ١٩٥٤ م.
٧٧ ـ الهاشمي ، أحمد : جواهر البلاغة في
المعاني والبيان والبديع. اشراف صدقي محمد جميل. دار الفكر ، بيروت ، ١٩٩٤ م.
٧٨ ـ الهلالي ، عبدالرزاق : زكي مبارك
في العراق ، الطبعة الاُولى ، المكتبة العصرية ، صيدا ـ بيروت ، ١٩٦٩ م.
٧٩ ـ الوردي ، علي : دراسة في طبيعة
المجتمع العراقي ، انتشارات الشريف الرضي ، قم ، ١٤١٣ هـ.
٨٠ ـ وهبة ، مجدي وكامل المهندس : معجم
المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، الطبعة الثانية ، مكتبة لبنان ، بيروت ، ١٩٨٤
م.
٨١ ـ يعقوب ، اميل بديع وميشال عاصي :
المعجم المفصل في اللغة والأدب ، الطبعة الاُولى ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٨٧
م.
ب ـ المصادر المخطوطة
١ ـ الهاشمي ، محمد جمال الدين : ديوان
الهاشمي ، مخطوطة محفوظة عند نجل الشاعر السيد هاشم الهاشمي.
٢ ـ الهاشمي ، محمد جمال الدين : ديوان
وحي الشعور ، مخطوطة محفوظة عند نجل الشاعر السيد هاشم الهاشمي.
٣ ـ الهلالي ، جعفر : ديوان الهلالي ، مخطوطة
محفوظة عند الشاعر.
ج ـ المجلات
١ ـ الزين ، أحمد عارف : مجلة العرفان ،
بيروت ـ لبنان ، سنة ١٩٦٥ م.
٢ ـ الطريحي ، محمد سعيد : مجلة الموسم
، بيروت ـ لبنان ، سنة ١٩٨٩ م وما بعدها.
٣ ـ منظمة الاعلام الاسلامي : مجلة
التوحيد ، طهران ـ ايران ، سنة ١٤٠٨ هـ.
٤ ـ مؤسسة آل البيت : لاحياء التراث : مجلة تراثنا ، قم ـ
ايران ، سنة ١٤٠٨ هـ.
٥ ـ اليعقوبي ، موسى : مجلة الايمان ، النجف
ـ العراق ، سنة ١٩٦٣ م وما بعدها.
المحتويات
كلمة المكتبة الأدبيّة المختصّة............................ ......................... ٥
المقدمة.............................................. .......................... ٧
البَابُ الأَوَّلُ : البيئة
١ ـ النجف قديماً وحديثاً............................. ........................ ١٣
٢ ـ الحياة الاجتماعية............................... ......................... ١٦
٣ ـ الحياة السياسية................................. ......................... ٢٥
٤ ـ الحياة الثقافية................................... ........................ ٣٥
البَابُ الثَّاني : السيرة
١ـ اسمه ومولده ونشأته....................................... ............... ٥٣
٢ ـ أسرته وقبيلته.................................. ..........................٥٦
٣ ـ جـدّه.......................................................... ....... ٥٨
٤ ـ والده............................................................ ...... ٥٩
٥ ـ إخوته.....................................................
...... ...... ٥٩
٦ ـ أولاده.......................................................... ...... ٦٢
٧ ـ خلقه وسيرته.................................................... ...... ٦٣
٨ ـ أسفاره ورحلاته................................................. ...... ٦٥
٩ ـ شخصيته العلمية................................................. ...... ٦٨
١٠ ـ دراسته وأساتذته.............................................. . ...... ٧٠
١١ ـ آثاره ومؤلفاته.......................................... ........
...... ٧٤
١٢ ـ نشاطه الثقافي والأدبي................................... ........ ...... ٧٩
١٣ ـ مواقفه الوطنية والسياسية................................ ........ ...... ٨١
١٤ ـ دوره الاصلاحي والاجتماعي............................ ........ ...... ٨٥
١٥ ـ وفاته ومدفنه........................................... ........ ...... ٨٧
الباب الثالث : الشـعـر
الفَصْلُ الأَوَّلُ :
شعر الفرطوسي وشاعريته
شاعرية الفرطوسي............................................. ........ ...... ٩٥
اولاً : البدايات............................................ ......... ...... ٩٨
ثانياً : المؤثرات............................................. ....... ...... ١٠٣
١ ـ المحيط............................................. ....... ...... ١٠٣
٢ ـ العقيدة............................................ ....... ...... ١٠٨
٣ ـ التاريخ............................................ ....... ...... ١١٢
ثالثاً : الخصائص.......................................... ........ ...... ١١٤
١ ـ التوظيف والألتزام.................................. ....... ...... ١١٤
٢ ـ الواقعية
والموضوعية................................ ........
...... ١١٧
٣ ـ التجديد والإِبداع.................................. ....... ...... ١٢٠
٤ ـ براعة التصوير.................................... ........ ...... ١٢٤
٥ ـ براعة الأساليب................................... ........ ...... ١٢٨
٦ ـ التنسيق والتنقيح.................................. ........ ...... ١٣٤
٧ ـ أصالة الوزن
والقافية............................... ........
...... ١٣٦
٨ ـ استخدام المحسنات
البديعية.......................... .......
...... ١٣٩
الفَصْلُ الثُّانيْ : اتجاهات
الفرطوسي الشعرية
١ ـ الشعر السياسي........................................ ........ ...... ١٥١
٢ ـ الشعر الاجتماعي....................................... ........ ...... ١٨١
أ ـ محاربة الفقر
والفساد................................. .........
...... ١٨٢
ب ـ مكافحة الجهل
والأمية............................... ........
...... ١٨٦
ج ـ تعميم العلاج
والخدمات الصحية...................... ........
...... ١٩٠
د ـ اصلاح النظام
الزراعي................................ ........
...... ١٩٢
٣ ـ الشعر الولائي.......................................... ........ ...... ١٩٤
الفَصْلُ الثَّالِثُ : الأَغراض الشعرية عند الفرطوسي
١ ـ شعر المديح............................................ ........ ...... ٢٠٣
٢ ـ شعر الرثاء............................................. ........ ...... ٢٠٨
٣ ـ شعر الوصف........................................... ........ ...... ٢١٣
٤ ـ شعر الغزل............................................. ........ ...... ٢١٧
٥ ـ شعر التأريخ.......................................... ......... ...... ٢٢١
الفَصْلُ الرّابِعُ : ملحمة أَهل البيت :
أ ـ الملحمة لغةً ومصطلحاً................................. ........... ...... ٢٢٥
ب ـ الملحمة قديماً وحديثاً................................. .......... ...... ٢٢٧
ج ـ ملحمة أهل البيت :..................................... ...
...... ٢٣٥
١ ـ البدايات................................................. ... ...... ٢٣٥
٢ ـ الموضوعات............................................... ......... ٢٣٧
أ ـ العقائد................................................. ... ...... ٢٣٩
ب ـ السيرة...................................... ............. ...... ٢٤٢
ج ـ علوم القرآن........................................
...... ...... ٢٦٠
٣ ـ الخصائص.............................................
...... ...... ٢٦٢
أولاً : وحدة الوزن
والقافية................................ ...... ......
٢٦٣
ثانياً : الإسناد
والتوثيق.................................... ...... ......
٢٦٤
ثالثاً : الوضوح
والشفافية.................................. ...... ......
٢٦٥
رابعاً : سهولة البيان
والألفاظ.............................. ...... ......
٢٦٦
خامساً : دقة التصوير
وتعميق الفكرة....................... ...... ......
٢٦٩
سادساً : استخدام
المحسنات البديعية........................ ....... .....
٢٧٠
٤ ـ مقارنة وتطبيق.........................................
....... ..... ٢٧٣
الخاتِمَةُ................................................. ............. ...... ٢٧٩
الملاحق
الملحق رقم (١) : شجرة
آل الفرطوسي....................... ........ ....
٢٨٣
الملحق رقم (٢) : من
صور الفرطوسي........................ ......... ...
٢٨٧
الملحق رقم (٣) : الفرطوسي
في الشعر........................ ......... ...
٢٩٣
الملحق رقم (٤) : مستدرك
أشعار الفرطوسي.................. .......... ..
٣١٩
المـصادر والمراجع.............................................
.......... .. ٣٣٣
المحتويات......................................................
.......... .. ٣٤١
|