بهذا المكان ، أو بالحضور والغيبة ، أو بأنّ هذا الجسم قدّاميّ أو خلفىّ أو تحتيّ أو فوقىّ ، من يقع وجوده في زمان معيّن أو مكان معيّن.
وعلمه بجميع الموجودات أتمّ العلوم وأكملها. وهذا هو المفسّر بالعلم بالجزئيّات على الوجه الكلىّ ، وإليه اشير بطىّ السّماوات التي هي جامعة الأمكنة والأزمنة ، كلّها ، كطىّ السّجلّ للكتب. فإنّ القارى للسجلّ يتعلّق [١٦٧ ظ] نظره بحرف حرف على الولاء ويغيب عنه ما تقدّم نظره إليه أو تأخّر عنه. أمّا الذي بيده السّجلّ مطويّا تكون نسبته إلى جميع الحروف نسبة واحدة ولا يفوته شيء منها.
وظاهر أنّ هذا النوع من الإدراك لا يمكن إلّا لمن يكون ذاته غير زمانىّ وغير مكانىّ ، ويدرك لا بآلة من الآلات ولا بتوسّط شيء من الصور ؛ ولا يمكن أن يكون شيء من الأشياء ، كليّا كان أو جزئيّا ، على أيّ وجه كان ، إلّا وهو عالم به ، فلا تسقط من ورقة إلّا يعلمها ، ولا حبّة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ، إلّا وجميعها مثبت عنده في الكتاب المبين ، الذي هو [١٦٧ ب] دفتر الوجود ، فإنّ وجود كلّ شيء ممّا مضى أو حضر أو يستقبل ، أو يوصف بهذه الصفات ، على أيّ وجه كان ، مثبت في جوهر عقلىّ يعبّر عنه بالكتاب المبين. أمّا العلم بالجزئيّات على الوجه الجزئىّ المذكور ، فهو لا يصحّ إلّا لمن يدرك إدراكا حسّيّا بآلة جسمانيّة في وقت معيّن ومكان معيّن.
وكما أنّ البارى تعالى ، يقال : إنّه عالم بالمذوقات والمشمومات والملموسات ، ولا يقال : إنّه ذائق أو شامّ أو لامس ، لأنّه منزّه عن أن تكون له حواسّ جسمانيّة ، ولا يثلم ذلك في تنزيه ، بل يؤكّده ؛ فكذا نفى العلم بالجزئيّات المشخّصة ، على الوجه المدرك بالآلات الجسمانيّة عنه ، لا يثلم في تنزيهه ، بل يؤكّده [١٦٨ ظ] ولا يوجب ذلك تغيّرا في ذاته ولا في صفاته الذاتيّة التي يدركها العقول. إنّما يوجب التغيّر في معلوماته ومعلولاته والإضافات التي بينه وبينها فقط. فهذا ما عندى من التحقيق في هذا الموضع» ، انتهى بعبارته.
[٢٦] إيهام وتبيين
ربّما يتوهّم أنّى ، بما حقّقت سابقا مستفيدا من الشيخ الرئيس ومن في طبقته ،