ماذا قال رسول الله آنفا ، ولكن قالوا ماذا قال آنفا ، وهم يعنون أن ما قاله الرسول صلىاللهعليهوسلم ليس بشيء مفيد يرجع إليه. قال تعالى (أُولئِكَ) أي البعداء في الشر والنفاق (الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي بالكفر والنفاق وذلك لكثرة تلوثهم بأوضار الكفر والنفاق حتى ران على قلوبهم ذلك فكان ختما وطابعا على قلوبهم ، (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) فهما علتان الأولى الطبع المانع من طلب الهداية والثانية اتباع الهوى وهو يعمي ويصم ، فلذا هم لا يهتدون ، وقوله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) إلى الإيمان الصحيح والعمل الصالح زادهم الله هدى حسب سنته في نماء الأشياء وزكاتها وزيادتها ، (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (١) أي ألهمهم ما يتقون وأعانهم على ذلك فهم يتقون مساخط الله تعالى ومن أعظمها الشرك والمعاصي. وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (١٨) (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) أي كفار قريش (٢) من زعماء الكفر في مكة إلا الساعة أي ما ينتظرون إلا الساعة أي القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي فجأة إن كانوا ما ينظرون بإيمانهم إلا الساعة فالساعة قد جاء أشراطها وأول أشراطها بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وثانيها الدخان ، وثالثها انشقاق القمر. وقوله تعالى (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) (٣) أي أنى لهم التذكر الذي ينفعهم إذا جاءت الساعة بل شروطها أي بظهور علاماتها الكبرى (٤) لا تقبل التوبة من أحد لم يكن مؤمنا لقوله تعالى من سورة الأنعام (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). على كل حال فالآية تستبطئ إيمان كفار مكة وتنكر عليهم تأخر إيمانهم الذي لا داعي له مع ظهور أدلة العقل والنقل ووضوح الحجج والبراهين الدالة على توحيد الله ووجوب عبادته وحده دون من سواه ولذا قال تعالى (فَاعْلَمْ (٥) أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (٦) وَالْمُؤْمِناتِ) أي فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين والمؤمنات ، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صلىاللهعليهوسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صلىاللهعليهوسلم فكأنما قال تعالى يا عباد الله أيها الناس والرسول على
__________________
(١) مما ذكر في هذه الزيادة أنه آتاهم ثواب تقواهم في الآخرة وأنه بيّن لهم ما يتقون وأنه وفقهم للأخذ بالعزائم وترك الرخص وما في التفسير أشمل وأوضح.
(٢) يبدو أنه ما هناك حاجة إلى تخصيص كفار قريش بهذا الخطاب وإن كانوا داخلين فيه لأنّ السورة مدنية.
(٣) أي : من أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة.
(٤) في صحيح مسلم عن حذيفة والبراء قالا : كنا نتذاكر الساعة إذا أشرف علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (بما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر الساعة. قال : إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، : الدخان ودابة الأرض وخسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب ، والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ونارا تخرج من عدن).
(٥) هذه الآية من أدلة وجوب العلم قبل القول والعمل ، وهو ما بوّب به البخاري رحمهالله تعالى.
(٦) لا ذنب للرسول صلىاللهعليهوسلم لعصمته ، وإنما هو من باب قوله صلىاللهعليهوسلم (إنه ليغان على قلبي وإني استغفر الله في اليوم مائة مرة). ومعنى يغان : يغام ويغشى ، وقيل إنه غين أنوار لا غين أغيار.