دليل الكتاب

تصدير......................................................................... ٧

مقدّمة التحقيق

الباب الأوّل

الفصل الأوّل : الشهيد الأوّل.............................................. ١١

الفصل الثاني : الرسالتان................................................... ١٢

الباب الثاني

الفصل الأوّل : العلاّمة البياضي............................................. ١٦

الفصل الثاني : الشرحان................................................... ٢٠

الخاتمة

عملنا في الكتاب.......................................................... ٢٢

شكر وثناء............................................................... ٢٣

نماذج مصوّرة من المخطوطات.............................................. ٢٤

أربع رسائل كلاميّة

(١) المقالة التكليفيّة............................................................ ٣٥


الفصل الأوّل في ماهيّة التكليف وتوابعها........................................ ٣٧

الفصل الثاني في متعلّق التكليف................................................ ٤١

الفصل الثالث في غاية التكليف................................................ ٤٥

الفصل الرابع في الترغيب..................................................... ٥٧

الفصل الخامس في الترهيب................................................... ٧٧

(٢) الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة..................................... ٨٧

المقدّمة...................................................................... ٨٩

الفصل الأوّل في ماهيّة التكليف وتوابعها...................................... ١٠١

الفصل الثاني في متعلّق التكليف.............................................. ١٢١

الفصل الثالث في غاية التكليف.............................................. ١٣٧

الفصل الرابع في الترغيب................................................... ١٨٩

الفصل الخامس في الترهيب.................................................. ٢١٥

(٣) الباقيات الصالحات....................................................... ٢٣٣

(٤) الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات.............................. ٢٣٧

المرصد الأوّل في معنى « سبحان الله »........................................ ٢٤١

المرصد الثاني في معنى « الحمد لله ».......................................... ٢٥٣

المرصد الثالث في معنى « لا إله إلاّ الله »..................................... ٢٦٣

المرصد الرابع في معنى « الله أكبر ».......................................... ٢٧١

الفهارس..................................................................... ٢٨١


تصدير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

وبعد ، يقدّم مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة للمكتبة الإسلاميّة أربع رسائل كلاميّة من تراثنا العلمي الشامخ ورّثنا إيّاها اثنان من كبار علمائنا من السلف الصالح من الذين بذلوا مهجهم من أجل إبلاغ ما أنزل الله سبحانه وتعالى على الرسول محمّد 6 والذبّ عن حرم أهل البيت : ، فجاهدوا بأقلامهم وألسنتهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

فللشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي الجزيني رسالتان : المقالة التكليفية والباقيات الصالحات ، وللعلاّمة البياضي عليّ بن يونس العاملي النباطي رسالتان :الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة والكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات وهما شرح لرسالتي الشهيد الأوّل ;.

ولمّا كانت هذه الرسائل بعيدة عن أيدي الطالبين وأنظار المشتاقين ، عزمنا على تحقيقها وإصدارها ، وبما أنّها متّحدة الموضوع وبمجموعها تتضح عقائد الشيعة الإماميّة ، فقد جعلناها في مجلّد واحد متوخّين بذلك تسهيل المطالعة والاستفادة منها متنا وشرحا.


وقد تمّ إنجازها على أيدي محقّقينا في قسم إحياء التراث الإسلامي بعد ما بذلوا جهدهم للعثور على المخطوطات واستنساخها ومقابلتها واستخراج مصادرها وتقويم نصّها. نرجو من البارئ تعالى قبول جهدهم وجعله ذخرا لهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

وختاما ندعو الله سبحانه أن يوفّقنا لتحقيق ونشر المزيد من التراث الإسلامي الخالد ، ونسأله تعالى أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة


مقدّمة التحقيق

وفيها بابان وخاتمة

الباب الأوّل : الشهيد الأوّل ورسالتاه :

الباقيات الصالحات والمقالة التكليفيّة.

الباب الثاني : العلاّمة البياضي والشرحان.

الخاتمة : عملنا في الكتاب.



الباب الأوّل

وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : الشهيد الأوّل (١) في سطور

هو الشيخ الشهيد السعيد أبو عبد الله شمس الدين محمّد بن مكّي الجزيني العاملي الشهير بالشهيد الأوّل. ولد في « جزّين » سنة ٧٣٤ ه‍ ، واستشهد ; مظلوما بعد أن قضى سنة في السجن ، ثمّ ضربت رقبته بالسيف ، وأحرق جسده الطاهر بالنار يوم الخميس تاسع جمادى الأولى سنة ٧٨٦ ه‍.

قرأ أوّلا على علماء جبل عامل ، ثمّ هاجر إلى العراق سنة ٧٥٠ ه‍ وعمره ستّ عشرة سنة ، وقرأ على فخر المحقّقين في داره بالحلّة ، وأجازه سنة ٧٥١ ه‍ ، وقرأ على السيّد عليّ عميد الدين وابن نما الحلّي وتاج الدين ابن معيّة وغيرهم من علماء الحلّة خلال خمس سنوات ، وجاور المشاهد المشرّفة في كربلاء المقدّسة سنة كاملة ، وفيها أجازه السيّد عميد الدين ، وفيها أجاز لابن الخازن خازن المشهد الحائري ، وكذا قرأ وروى على نحو من أربعين شيخا من علماء العامّة بمكّة والمدينة ودار السلام ( بغداد ) ودمشق وبيت المقدّس ومقام الخليل إبراهيم 7.

اهتمّ ; بترويج مذهب الشيعة الإماميّة ، فقد كان كثير التردّد إلى دمشق لتعليم وإرشاد الشيعة المقيمين فيها ، وقد أقام مدّة بين ظهرانيهم.

__________________

(١) وقد كفانا المئونة الشيخ رضا المختاري في مقدّمة التحقيق لغاية المراد ١ : ٦٩ ـ ٢٥٩.


هذا وبيت الشهيد يقصده مختلف الطبقات من علماء وتجّار وكسبة وغيرهم شيعة وسنّة ؛ إذ كان ; الجامع لشمل كلمة المسلمين والداعي لوحدتهم في ظروف حرجة.

ومن نشاطه السياسي والاجتماعي مكاتبته للسلطان الشيعي العلوي عليّ بن مؤيّد حليف تيمور. وقد ألّف كتاب اللمعة الدمشقية له بمقصد تفقيهه في المذهب الإمامي وتنظيم دولته على أساس فقه شيعي.

وبهذا يبدو أنّ سبب استشهاده ; خطواته السياسيّة والاجتماعيّة هي التي أدّت إلى قتله من قبل الحكّام ، وما الاتّهامات التي ساقها له بعض علماء العامّة إلاّ لتبرير عمليّة قتله الفجيعة ، فعليه سلام الله يوم ولد ويوم عاش ويوم مات شهيدا.

وقد خلّف الشهيد ; رسائل وكتب في مختلف الموضوعات لا تزال المورد الصافي للاستفادة منها في الحوزات العلميّة. وقد غلبت على آثاره مدرسته الفقهيّة الشيعيّة التي استشهد من أجلها ، وقد أحصى له الشيخ رضا المختاري (١) سبعة وعشرين مصنّفا ورتّبها على حروف المعجم مميّزا المطبوع منها والمخطوط.

الفصل الثاني : في تعريف الرسالتين اللتين للشهيد الأوّل

الرسالة الأولى : المقالة التكليفيّة

هي رسالة في العقائد والكلام على خمسة فصول. قال الشهيد في مقدّمتها.

الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبثا ، ولم يدعهم هملا ، بل كلّفهم بالمشاقّ علما وعملا ، لينزجروا عن قبائح الأعمال ، وينبعثوا على محاسن الحلال والحرام ... وبعد ، فهذه المقالة التكليفية مرتبة على خمسة فصول : الفصل الأوّل في ماهيّته وتوابعها ، الفصل الثاني في متعلّقه ، الفصل الثالث في غايته ، الفصل الرابع في الترغيب ، الفصل الخامس في الترهيب ... فالفصل الأوّل يبحث فيه عن الثلاثة الأول ، وهي : ما التكليف؟ والبحث فيه عن مفهومه بحسب الاصطلاح ، وهل يجب في حكمته تعالى أم لا؟ ومن المكلّف والمكلّف؟ والفصل الثاني يبحث فيه عن

__________________

(١) غاية المراد ١ : ١٠٥ ـ ١٠٦ ، ( مقدّمة التحقيق ).


مدلول كيف التكليف ، أي على أيّ صفة يكون. والفصل الثالث يبحث فيه عن مدلول لم يجب التكليف مثلا؟ وهو السؤال عن غايته. والفصلان الأخيران من مكمّلات هذا الفصل.

جاء في مقدّمة غاية المراد :

وذكرها الشهيد في إجازته لابن نجدة في عاشر شهر رمضان عام ٧٧٠ ، وعبّر عنها برسالة التكليف ، وذكرها أيضا في إجازته لابن الخازن في ثاني عشر شهر رمضان عام ٧٨٤ ، فقال : « ... ومن ذلك رسالة في التكليف وفروعه ». فيعلم من ذكرها في إجازته لابن نجدة أنّه ألّفها قبل عاشر شهر رمضان عام ٧٧٠ ه‍ ؛ ومن جهة أخرى ذكرها الشهيد في رسالته منسك الحجّ ، حيث قال :

... السادس : « الوجوب الجميع ». وبه يمتاز عن الندب ، ووجه الوجوب هو اللطف في التكليف العقلي أو شكر النعمة ، على اختلاف الرأيين ، كما بيّنّاه في رسالة التكليف.

وأيضا أن الشهيد أشار إلى منسك الحجّ في غاية المراد بقوله : « وقد كنت ذكرت في رسالة ... ». وقال الشيخ آقا بزرگ الطهراني عند التعريف بهذه الرسالة :

التكليفية ... وفي آخرها : « سوّد ذلك في هزيع ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى ٧٦٩ ه‍ » (١).

ومن مخطوطاتها :

١ ـ مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي النجفي طاب ثراه ، المرقّمة ٢ / ١١٧٦ ، المذكورة في فهرسها ( ٣ : ٣٤٧ ). نسخت عام ١٠٣٦ ه‍.

ورمزنا لها بـ « ن ».

٢ ـ مخطوطة مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة في مشهد المقدّسة ، المرقّمة ٨٢٨٩. نسخت عام ٩٨٦ ه‍ (٢).

__________________

(١) غاية المراد ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، ( مقدّمة التحقيق ).

(٢) فهرست الفبائى كتب خطّى كتابخانه مركزى آستان قدس رضوى ١٣ : ١٤٤.


ورمزنا لها بـ « ق ».

٣ ـ مخطوطة مكتبة العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي بأصفهان ، ضمن الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة. وهي التي ذكرها العلاّمة آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ( ٢٥ : ٣٠٨ ) : « ونسخة أخرى ... عند السيّد محمّد علي الروضاتي بأصفهان معها الكلمات النافعات ».

وتميزت المقالة بـ « قال » واليونسيّة بـ « أقول ».

الرسالة الثانية : الباقيات الصالحات

هي شرح مختصر للتسبيحات الأربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر. قال الشهيد في آخرها :

« فهذه الكلمات الأربع تشتمل على الأصول الخمسة : التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، فمن حصّلها حصّل الإيمان ، وهي الباقيات الصالحات ».

ولأهمّيّة الرسالة قام بشرحها العلاّمة البياضي وسمّاها باسم : الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات وسوف نعرّفها إن شاء الله.

ومن مخطوطاتها :

١ ـ مخطوطة مكتبة الفاضل المعاصر فخر الدين النصيري الخاصّة ، ضمن مجموعة من رسائل الشيخ المفيد والسيّد المرتضى ، عليها علامة تملّك حفيد الشهيد شرف الدين محمّد مكّي بأصفهان عام ١١٦٩ ه‍ ، جاء في أوّلها :

ما نقل عن مولانا الشيخ العالم العامل الفاضل المحقّق المدقّق ، شيخ الملّة والحقّ والدين ، السعيد الشهيد أبي عبد الله محمّد بن مكّي ، ; عليه ورضوانه ، وحشره مع من تولاه وحشرنا في زمرتهم بحقّ محمّد وآله الطاهرين في تفسير الباقيات الصالحات.

٢ ـ مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي النجفي ; ، المرقّمة ٧ / ٣٦٩٤ ، لم تذكر في فهرسها. نسخت عام ١٠٥٦ ه‍ ظاهرا.


٣ ـ مخطوطة المكتبة المركزية بجامعة طهران ، المرقّمة ٤ / ٨٨١ ، المذكورة في فهرسها ( ١ : ٢٠ ) نسخ المجموعة ـ التي بضمنها هذه الرسالة ـ محمّد بن فتح الله البسطامي تلميذ شيخنا البهائي رحمهما الله في ١٠٠٣ ه‍ ـ ١٠٠٤ ه‍ في قزوين. وجاء في أوّلها :

ما نقل عن الشيخ الفاضل ... الشهيد أبي عبد الله محمّد بن ... مكّي في تفسير الباقيات الصالحات.

٤ ـ مخطوطة المكتبة المركزية بجامعة طهران ، ضمن المجموعة ، المرقّمة ١٩ / ٢١٤٤ ، المذكورة في فهرسها ( ٩ : ٨٢٤ ) ، أوّلها كأوّل المخطوطة السابقة.

٥ ـ مخطوطة الأستاذ العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي بأصفهان بخطّ جعفر بن محمّد ... بن زهرة الحسيني في ٢٥ صفر سنة ٩٠٢ ه‍ وهي ضمن مجموعة معها الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات للبياضي.

وأوردها الشيخ رضا المختاري في مقدّمة غاية المراد ( ١ : ١٢٣ ) وقد حقّقها اعتمادا على مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي ، ومخطوطة مكتبة فخر الدين النصيري ، ومخطوطة مكتبة جامعة طهران ، ضمن المجموعة المرقّمة ١٩ / ٢١٤٤ ، والطبعة الحجريّة ضمن المصباح للكفعمي في حاشية الفصل الثامن والعشرين ( ص ٢٧٧ ).


الباب الثاني

وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : العلاّمة البياضي (١)

هو الشيخ أبو محمّد زين الدين عليّ بن محمّد بن يونس العاملي النباطي العنفجوري البقاعي ، المشهور بالبياضي. ولد في النباطيّة من قرى جبل عامل لأربع مضين من شهر الله رمضان المبارك سنة ٧٩١ ه‍. وتوفّي 1 سنة ٨٧٧ ه‍ وكانت وفاته في النباطيّة من قرى جبل عامل وبها دفن.

عاش المؤلّف في القرن التاسع الهجري في جبل عامل بلد العلم والعلماء ، نحو ثمانين سنة في فترة عمّها الاضطهاد ، وقد سبّب ذلك إلى ضياع حياته العلميّة.

هذا وقد عاصر شيخنا العلاّمة البياضي عددا من فحول العلم وأساطين الدين وأعلام الشريعة وعمد المذهب في جبل عامل والحلّة والنجف الأشرف وغيرها من عواصم العلم الشيعيّة. نذكر منهم على سبيل المثال :

١ ـ الفاضل المقداد السيوري ، المتوفّى سنة ٨٢٦ ه‍.

٢ ـ الشيخ حسن بن راشد الحلّي تلميذ المقداد.

__________________

(١) مقتبس بإيجاز عن مقدّمة الصراط المستقيم ، من أراد التفصيل فليراجع الصراط المستقيم ١ : ٣ ـ ١٠ و ٢ : ٣ ـ ٣٤ ، ( مقدّمة التحقيق ).


٣ ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن فهد الحلّي ، المتوفّى سنة ٨٤١ ه‍.

٤ ـ الشيخ يوسف بن محمّد بن إبراهيم الميسي.

٥ ـ الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمّد بن صالح اللويزي ، المتوفّى سنة ٨٦١ ه‍ ، والد الشيخ شمس الدين محمّد الجبعي ، المتوفّى سنة ٨٨٦ ه‍.

٦ ـ الشيخ عزّ الدين الحسن بن يوسف الكركي الشهير بابن العشرة ، المتوفّى سنة ٨٦٢ ه‍.

٧ ـ السيّد حسين العالم الصارمي.

٨ ـ الشيخ محمّد بن العجمي.

٩ ـ الشيخ يوسف بن الإسكاف.

١٠ ـ الشيخ محمّد السميطاري سبط العلاّمة الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد العلي بن نجدة ، وهؤلاء الأربعة كلّهم من علماء جبل عامل ، وقد توفّوا جميعا سنة ٨٧٤ ه‍.

مشايخ روايته

١ ـ السيّد زين الدين عليّ بن دقماق ، وقد وصفه في الإجازة بقوله : « ربّ الفضائل بالإطلاق ، المبرّز على الكائنات في الآفاق ، السيّد زين الدين علي بن دقماق ».

٢ ـ الشيخ جمال الدين بن المطهّر ، وقد وصفه في الإجازة بقوله : « الشيخ المعظم ، والبحر المفعم والعلم المفتخر ، والنفس المتعطّر ، الشيخ جمال الدين أحمد بن الحسين بن مطهّر ».

الراوون عنه

١ ـ الشيخ ناصر البويهي ، المتوفّى سنة ٨٥٣ ه‍ ، وقال في أوّل الإجازة ما لفظه : « التمس منّي الشيخ الطاهر ، ذو الفضل الظاهر ... المولى الأجل الشيخ ناصر الدين بن إبراهيم البويهي الحساوي ».


٢ ـ الشيخ تقي الدين إبراهيم بن عليّ بن محمّد بن صالح الكفعمي ، المتوفّى سنة ٩٠٥ ه‍.

٣ ـ الشيخ شرف الدين بن جمال الدين بن شمس الدين بن سليمان ، وقد كتب هذا الشيخ بخطّه الرسالة اليونسية للبياضي في حياته ، وقابلها وصحّحها مع الأصل ، وفرغ منها في سنة ٨٦٤ ه‍. فالمقابلة والتصحيح مع أصل الكتاب قبل وفاة مؤلّفه بثلاثة عشر عاما يدلاّن على تناول الكاتب لأصل الكتاب من مؤلّفه وأخذه منه.

أقوال العلماء فيه

١ ـ الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي ، عبّر عنه : « جامع كمالات المتقدّمين والمتأخّرين ... الشيخ زين الملّة والحقّ والدين علي بن يونس » (١).

٢ ـ الشيخ الحرّ العاملي ، فقد وصفه بقوله : « الشيخ زين الدين عليّ بن يونس العاملي النباطي البياضي ، كان عالما فاضلا محقّقا مدقّقا ثقة متكلّما شاعرا أديبا متبحّرا » (٢).

٣ ـ الميرزا عبد الله الأصفهاني ، قال : « الفاضل العالم الفقيه ، الأديب الشاعر الجامع ، وكان معاصرا للكفعمي ، بل كان عصره قريبا من عصر الشيخ ابن فهد الحلّي » (٣).

٤ ـ الشيخ محمّد علي المدرّس ، قال ما ترجمته : « عالم فاضل ، فقيه محدث ، متكلّم ماهر متبحّر من أكابر مشايخ الشيعة » (٤).

٥ ـ قال العلاّمة آقا بزرگ الطهراني فيه : « من فقهاء جبل عامل في المائة التاسعة ، ومن أفذاذ العلماء وجهابذة الكلام وأساطين الشريعة وأفاضل الرجال ، ألّف في

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ : ١٧ ، ( مقدّمة التحقيق ).

(٢) أمل الآمل ١ : ١٣٥.

(٣) رياض العلماء ٤ : ٢٥٥.

(٤) ريحانة الأدب ١ : ٢٩٩.


الحكمة والكلام ، والتاريخ واللغة ، والعقائد والفقه ، والتفسير وغيرها كتبا دلّت على خبرته وتبحّره وعلوّ قدره ومكانته » (١).

آثاره العلميّة

عبّر العلاّمة آقا بزرگ الطهراني في مقدّمته على الصراط المستقيم عن آثاره العلمية بأنّها ثروة فكرية كبيرة وتراث علميّ خالد وآثار قيّمة في مختلف العلوم تدلّ على مكانته السامية ومقامه الرفيع.

ولا شكّ أنّ بعض آثاره قد ذهبت وتلفت كما تلفت ألوف المصنّفات والأسفار ، وإليك أسماء ما وصل إلينا من آثاره :

١ ـ إجازته للشيخ ناصر البويهي ، وقد أثبتها العلاّمة المجلسي في الإجازات.

٢ ـ الباب المفتوح إلى ما قبل في النفس والروح ، مختصر في مقصدين : أوّلهما في النفس ، وثانيهما في الروح. وقد نقله العلاّمة المجلسي بتمامه في مجلّد السماء والعالم.

٣ ـ خطبة بليغة ، أثبتها الشيخ الكفعمي في فصل الخطب من كتابه المصباح.

٤ ـ ذخيرة الإيمان ، أرجوزة في علم الكلام.

٥ ـ رسالة في الكلام.

٦ ـ زبدة البيان وإنسان الإنسان في تفسير القرآن ، نقل عنه الشيخ الكفعمي في المصباح وغيره من مؤلّفاته. وقال : « إنّه منتزع من مجمع البيان للطبرسي ».

٧ ـ الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم ، في الخلافة وإثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر : ، هو أهمّ آثار المؤلّف ، ومن أنفس الأسفار وأحسن ما كتب في مبحث الإمامة. الكتاب مطبوع بثلاث مجلّدات.

٨ ـ عصرة المنجود ، في علم كلام ، وقد ألّف البياضي هذا الكتاب بعد الصراط المستقيم.

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ : ١٨ ، ( مقدّمة التحقيق ).


٩ ـ فاتح الكنوز المحروزة في ضمن الأرجوزة ، شرح فيه أرجوزته الكلامية ـ المذكورة ـ ذخيرة الإيمان.

١٠ ـ الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات ، وهي إحدى الرسائل المحقّقة في هذه المجموعة.

١١ ـ اللمعة في المنطق ، ألّفه سنة ٨٣٨ ه‍.

١٢ ـ المقام الأسنى في تفسير أسماء الله الحسنى.

١٣ ـ منخل الفلاح ، ذكره الشيخ الكفعمي في المصباح.

١٤ ـ نجد الفلاح في مختصر الصحاح.

١٥ ـ الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة (١). وهي إحدى الرسائل المحقّقة في هذه المجموعة.

الفصل الثاني : الشرحان

الأوّل : الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة

ذكرها من المترجمين للمؤلّف صاحب رياض العلماء بقوله : « ومن مؤلّفاته شرح الرسالة التكليفية » (٢).

وصاحب الروضات بقوله : « والرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفية للشيخ الشهيد ; » (٣).

وقال المرحوم الشيخ آقا بزرگ في الذريعة : « اليونسيّة شرح للرسالة التكليفية للشهيد الأوّل ، والشارح زين الدين أبو محمّد عليّ بن محمّد بن يونس النباطي البياضي العاملي صاحب الصراط المستقيم الذي أحال فيه إلى شرحه للتكليفية » (٤).

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ : ٢٢ ـ ٢٨ ، ( مقدّمة التحقيق ) ؛ المصباح للكفعمي : ٧٧٢ ـ ٧٧٣ ؛ بحار الأنوار ٥٨ : ٩٠ و ١٠٤ : ٢٢١ ؛ الذريعة ١٥ : ٢٧٢ ؛ رياض العلماء ٤ : ٢٥٩ ؛ أمل الآمل ١ : ١٣٥ ؛ روضات الجنّات ٤ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

(٢) رياض العلماء ٤ : ٢٥٧.

(٣) روضات الجنّات ٤ : ٣٥٤.

(٤) الذريعة ٢٥ : ٣٠٨.


وقال في مقدّمته على كتاب الصراط المستقيم : « اليونسيّة في شرح التكليفية ، شرح فيه المقالة التكليفية ... وهذا الشرح من الآثار القيّمة والكتب الجليلة المهمّة ، وقد يقال له : الرسالة اليونسيّة » (١).

الثاني : الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات

ذكرها صاحب رياض العلماء بقوله : « وكتاب الكلمات النافعات في تفسير الباقيات الصالحات وهو توضيح للرسالة التي ألّفها شيخنا الشهيد في تفسير الكلمات الأربع » (٢).

وقال الخوانساري في الروضات : « الكلمات النافعات في تفسير الباقيات الصالحات ، وهو توضيح للرسالة التي ألّفها شيخنا الشهيد في تفسير الكلمات » (٣).

وقال صاحب الذريعة : « الكلمات النافعات في تفسير الباقيات الصالحات ، وتوضيح هذه الرسالة التي ألّفها شيخنا الشهيد في تفسير الكلمات الأربع ، للشيخ زين الدين عليّ بن محمّد البياضي صاحب الصراط المستقيم » (٤).

وهما شرحان مبسوطان وممزوجان بـ « قوله ـ أقول » وقد سلك الشارح فيهما منهجا مفصّلا ومستوعبا لكلّ متطلّبات الشرح ، تناول فيهما شرح المفردات وتوضيح الآراء واستيفاء المعنى الذي أراده الشهيد ;.

فالقارئ للشرحين يجد شخصيّة الشيخ البياضي بارزة فيهما ، فوجهة نظره تأتي مباشرة عقب استكماله شرح الفكرة مستدلاّ على الآراء التي يطرحها بأدلّة منطقيّة أو تشريعيّة أو لغويّة ولكلّ مقال ، ولم يقتصر في منهجه الاستدلالي لتعزيز آرائه فقط ، بل لدعم آراء الشهيد أيضا.

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ : ٢٨ ، ( مقدّمة التحقيق ).

(٢) رياض العلماء ٤ : ٢٥٩.

(٣) روضات الجنّات ٤ : ٣٥٤.

(٤) الذريعة ١٨ : ١٢٠.


وقد كشف الشارح عن غوامض كلمات الماتن وأزاح الأستار عن الألطاف فيها ، وأضاف إليها فوائد التقطها من سائر الكتب واستنبطها بفكره الفاطر ، وفصّل في مجملاتها ، وأحال من يريد المزيد إلى مصادر من تأليفه أو من تأليف غيره ، وأضاف إليها ملاحظات لتوضيح النكات والدقائق وزيادة الفوائد ، فسدّ الثغرات وأتمّ النقص ووضّح المطلوب.

الخاتمة : عملنا في الكتاب

الرسالة الأولى : المقالة التكليفيّة تقدّم التعريف بنسخها ، واعتمدنا في التحقيق على نسخة السيّد الروضاتي التي هي ضمن اليونسيّة في شرح المقالة التكليفية.

الرسالة الثانية : اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة تقدّم التعريف بنسختها ، وهي النسخة الوحيدة الموجودة بين أيدينا ، وهي نسخة السيّد الروضاتي التي سبق ذكرها ، وتميّز الشرح والمتن بقوله ( قال ـ أقول ) ، نسخت عام ٩٠٢ ه‍ بخط السيّد تاج الدين بن زهرة الحسيني الحلبي.

الرسالة الثالثة : الباقيات الصالحات تقدّم التعريف بنسخها ، وقد قابلنا النسخة المحقّقة من قبل الشيخ رضا المختاري مع نسخة الأستاذ العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي التي هي ضمن الكلمات النافعات.

الرسالة الرابعة : الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات

تقدّم التعريف بنسختها ، وهي النسخة الوحيدة الموجودة عند الأستاذ العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي ( حفظه الله ) ضمن المجموعة النفيسة ؛ وهي بخطّ تاج الدين محمّد بن حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي الفوعي بقرية نامطي ، وكان تأريخ الفراغ من كتابتها في بكرة نهار الخميس سلخ ذي القعدة الحرام سنة ٨٩٣ ه‍ بخطّ النسخ.

وفي جميع هذه الرسائل الأربع تمّ استنساخ النسخ المعتمدة ومقابلة النسخ المتعدّدة إن وجدت ، وتمّ تخريج الآيات والأحاديث والأقوال والمفردات اللغويّة من مصادرها


الأصليّة إن وجدت ، وإلاّ فمن المصادر التي تقدّمت على المؤلّف ، سواء كان الشهيد الأوّل أو الشيخ البياضي.

وفي مرحلة تقويم النصّ ـ في حالة اختلاف الموارد ـ أثبتنا الصحيح الذي يقتضيه السياق.

فقد عملنا فهارس عامّة للكتاب ، تسهيلا لمهمّة الباحثين والمراجعين ، وتحتوي على فهرس الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والموضوعات ومصادر التحقيق ، وألحقناها في نهاية الكتاب.

شكر وثناء

وفي نهاية المطاف نحمد الله على ما وفّق ويسّر لنا من إنجاز لهذا السفر النفيس ، فله الشكر أوّلا وآخرا.

ونرى لزاما علينا أن نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل إلى مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة التابع لمكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم المقدّسة ، حيث أتاحوا لنا فرصة إنجاز هذا العمل المبارك ، وإلى كلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب ونخصّ بالذكر : العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي ( حفظه الله ) ؛ لما تفضّل علينا بالنسخة النفيسة ، والإخوة المحقّقين الذين ساعدونا على إنجاز هذا المشروع ، وهم كلّ من السادة الفضلاء وحجج الإسلام : الشيخ عليّ أوسط الناطقي ، الشيخ غلامحسين قيصريه ها ، الشيخ محمّد الإسلامي ، الأستاذ أسعد طيّب ، الأخ الفاضل لطيف فرادى ، الشيخ ولي الله القرباني ، الأخ ناظم شاكر ، الشيخ محسن النوروزي.

والله تعالى هو المسئول أن يجعل هذا خالصا لوجهه الكريم ، فإنّه أرحم الراحمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قسم إحياء التراث الإسلامي

مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة

محرّم الحرام ١٤٢١ ق ـ قم المقدّسة











(١)

المقالة التكليفيّة

للشهيد الأوّل



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبثا ، ولم يدعهم هملا ، بل كلّفهم بالمشاقّ علما وعملا ؛ لينزجروا عن قبائح الأفعال ، وينبعثوا على محاسن الخلال ، ويفوزوا بشكر ذي العزّة والجلال.

والصلاة على من أيّد الله ببعثهم العقل الصريح ، وخصوصا نبيّنا محمّدا البليغ الفصيح ، وعلى أهل بيته وأرومته المساميح ، والطيّبين من عترته وذرّيّته المراجيح.

وبعد ، فهذه المقالة التكليفيّة مرتّبة على خمسة فصول سنيّة :

الفصل الأوّل في ماهيّته وتوابعها.

الفصل الثاني في متعلّقه.

الفصل الثالث في غايته.

الفصل الرابع في الترغيب.

الفصل الخامس في الترهيب.

ومدار هذه الفصول على خمس كلمات مفردة ، وهي : « ما » و « هل » و « من » و « كيف » و « لم ».


الفصل الأوّل : يبحث فيه عن الثلاثة الأول ، وهي :

ما التكليف؟ ـ ويبحث فيه عن مفهومه بحسب الاصطلاح ـ وهل يجب في حكمة الله أم لا؟ ومن المكلّف والمكلّف؟.

الفصل الثاني : يبحث فيه عن مدلول كيف التكليف؟ أي على أيّ صفة يكون؟.

الفصل الثالث : يبحث فيه عن مدلول لم يجب التكليف مثلا؟ وهو السؤال عن غايته.

والفصلان الأخيران من مكمّلات هذا الفصل.


[ الفصل الأوّل

في ماهيّة التكليف وتوابعها ]

أمّا الأوّل : فالتكليف تفعيل من الكلفة أعني المشقّة. وعرفا : إرادة واجب الطاعة شاقّا ابتداء معلما.

وفيه نظر ؛ لأنّ الإرادة سبب التكليف لا عينه ، ولهذا يقال : أراد الله تعالى الطاعة فكلّف بها ؛ ولانتقاضه في عكسه بالتكليف باجتناب المنهيّات فإنّه كراهة لا إرادة ؛ ولأنّه يخرج منه التكليف بالمشتهى طبعا ، كأكل لحم الهدي ، ونكاح الحليلة ، وما لا مشقّة فيه أصلا كتسبيحة وتحميدة.

وأيضا الإعلام إنّما هو شرط في تكليف واقع لا في مطلق التكليف.

فالأولى أن يقال : التكليف هو بعث عقلي أو سمعي على فعل ، أو كفّ ابتداء للتعريض للثواب.

والكلام إمّا في حسنه ، وهو ظاهر من حدّه ؛ ولأنّ الإنسان مدنيّ بطبعه لا يستقلّ بأمر معاشه ، فلا بدّ من التعاضد بالاجتماع المفضي إلى التنازع فلا بدّ من نبيّ مبعوث بقانون كلّي يعد على طاعته بالثواب ، ويوعد على معصيته بالعقاب ؛ ليحمل النوع على تجشّم المشاقّ ، ولزوم الميثاق ، وذلك ممتنع بدون معرفة الصانع ، وما يثبت له وينفى عنه ، وتعظيمه وإجلاله مؤكّد لذلك.


والطريق إليه التكرار الموجب للتذكار ، بنصب عبادات معهودة في أوقات مخصوصة يذكر فيها الخالق بصفات جلاله وكماله ، والانقياد لسنّته ، فيحصل من ذلك (١) غايات ثلاث :

الأولى : رياضة القوى النفسانيّة ؛ بمنعها عن مقتضى الشهوة والغضب ، وعن الأسباب المثيرة لهما من التخيّل والتوهّم والإحساس ، والفعل المانع عن توجّه النفس الناطقة إلى جناب القدس ومحلّ الأنس.

الثانية : دوام النظر في الأمور العالية المطهّرة عن العوارض المادّيّة والكدورات الحسّيّة ، المؤدّية إلى ملاحظة الملكوت ، ومعاينة الجبروت.

الثالثة : دوام تذكّر إنذار الشارع ، ووعده للمطيع ، ووعيده للعاصي ، المستلزم لإقامة العدل ، ونظام النوع مع زيادة الأجر الجزيل والثواب العظيم.

وإمّا في وجوبه (٢) ، فهو واجب على الله تعالى ، بناء على قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، وعلى أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يخلّ بالواجب ؛ لعلمه بقبحه ، وغنائه عنه ؛ لثبوت علمه بجميع المعلومات ، لاستواء نسبة ذاته ، وتساوي الجميع في صحّة المعلوميّة ، واستفادة علمه على الجملة من أحكام الأفعال ، وغنائه من وجوب وجوده مطلقا قطعا ؛ للدور والتسلسل لو كان ممكنا.

إذا تمهّد ذلك ، فلو لم يجب التكليف على الله تعالى لزم عدم وجوب الزجر عن القبائح بل كان مغريا بها. والتالي باطل ؛ لاستحالة فعل القبيح ، والإخلال بالواجب عليه تعالى ، فكذا المقدّم.

ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ؛ لأنّهما مخصوصان بما يستقلّ العقل بدركه ، لا بباقي السمعيّات.

__________________

(١) يعني من تكرار تلك العبادات.

(٢) عطف على قوله قبيل هذا : « إمّا في حسنه ».


ومع ذلك فكثير من العقلاء لا يعبأ بهما ، ويفعل بمقتضى الشهوة والغضب فيتحقّق الإغراء بالقبيح حينئذ.

وأمّا المكلّف ، فهو الباعث ، إمّا بخلق العقل الدالّ ، أو بنصب النبيّ المخبر.

وأمّا المكلّف ، فهو الكامل العقل. وتسمية الصبيّ بالمكلّف مجاز.

وحسنه مشروط بأربعة :

الأوّل : ما يتعلّق به ، وهو أمور ثلاثة :

أ : الإعلام به أو التمكين منه.

ب : تقدّمه على الفعل زمانا يمكن المكلّف فيه الاطّلاع عليه.

ج : انتفاء المفسدة فيه.

ومنه يعلم اشتراط نصب اللطف في كلّ فعل أو ترك لا يقع امتثاله إلاّ به ؛ إذ لولاه لزمت المفسدة المنفيّة.

الثاني : الراجع إلى المتعلّق ، وهو ثلاثة أيضا.

أ : إمكانه ؛ لاستحالة التكليف بالمحال عند العدليّة.

ب : حسنه ؛ لاستحالة التكليف بالقبيح.

ج : رجحانه بحيث يستحقّ به الثواب كفعل الواجب والندب ، وترك الحرام والمكروه.

الثالث : العائد إلى المكلّف تعالى وهو أربعة :

أ : العلم بصفة الفعل ؛ لئلاّ يكلّف بغير المتعلّق.

ب : العلم بقدر المستحقّ عليه من الثواب ؛ حذرا من النقص.

ج : قدرته على إيصاله ؛ ليثق المكلّف بوصوله إليه.

د : امتناع القبيح عليه ؛ لئلاّ يخلّ بالواجب.

الرابع : ما يعود إلى المكلّف ، وهو أمران :

أ : أن يكون قادرا على الفعل ؛ لامتناع التكليف بالمحال.


ب : علمه به أو تمكّنه من العلم كما ذكر.

ولا يشترط إسلامه ؛ لعموم علّة الحسن. والفساد من سوء اختيار الكافر.

ووجوبه مشروط بكمال العقل ، وبعلم (١) ما نصبه الشارع من الأمارات.

ولا يلزم توقّف العقلي على السمع ؛ لأنّه لا يلزم من علمه بالأمارات السمعيّة انحصار علمه ؛ لجواز حصوله بسبب آخر ، ولعلّه إدراكه الأوّليّات والضروريّات ، والاقتدار على التصرّف فيهما لاقتناص النظريّات.

__________________

(١) في « ن » : « ويعلم » بدل « وبعلم » وعلّق عليه : أي كمال العقل.


الفصل الثاني

في متعلّقه وهو المسئول عنه بـ « كيف » باعتبار « ما »

فهو إمّا أن يستقلّ العقل بدركه ، أو لا.

والأوّل : العقلي ، فإمّا أن يكون بلا وسط وهو الضروري ، أو بوسط وهو النظري.

والثاني : هو السمعي.

ثمّ إمّا أن يكون التكليف بمجرّد الاعتقاد علما أو ظنّا ، أو به وبالعمل. وكلّ واحد منهما إمّا فعل يستحقّ بتركه الذمّ وهو الواجب ، أو لا يستحقّ. فإمّا أن يستحقّ بفعله المدح وهو الندب ، أو لا وهو المباح.

أو ترك يستحقّ بفعله الذمّ ، وهو الحرام ، أو لا يستحقّ ، فإن استحقّ بتركه المدح فهو المكروه ، أو لا ، وهو المباح.

ولنذكر هنا أقسامها الأوّليّة :

فالأوّل : العلم العقلي الضروري بكلّ من الأحكام الخمسة.

فبالواجب : كالصدق ، والإنصاف ، وشكر النعمة ، والعلم بوجوب ردّ الوديعة ، وقضاء الدين ، ودفع الخوف ، والعزم على الواجب. والعملي منه فعل مقتضى ذلك كلّه.

وبالندب : كالعلم بابتداء الإحسان ، وحسن الخلق ، والصمت ، والاستماع ،


واللين ، والأناة ، والحلم ، والرفق ، والعفّة ، والنصيحة ، وحسن الجوار ، والصحبة ، والمبالغة في صلة الرحم ، وصدق الودّ ، والصبر ، والرضى ، واليأس عن الناس ، وتعليم الجاهل ، وتنبيه الغافل ، والإغاثة ، والإرشاد حيث يمكن بدونه ، وإجابة الشفاعة وقبول المعذرة ، والمنافسة في الفضائل ، ومصاحبة الأفاضل ، ومجانبة السفهاء ، والإعراض عن الجهّال ، والتواضع للأخيار ، والتكبّر على الأشرار إذا كان طريقا إلى الحسبة ، والفكر في العاقبة ، وتجنّب المريب ، والمكافأة على المعروف ، والعفو عن المظلمة ، وشرف النفس ، وعلوّ الهمّة ، واحتمال الأذى ، ومداراة النّاس ، والأمر بالحسن والترغيب فيه ، والنهي عن المكروه ، والفحص عن الأمور ، وغير ذلك.

والعملي فعل مقتضاها.

وبالحرام : كالعلم بقبح الكذب والظلم ، والتصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، والإغراء بالقبيح ، والإخلال بالواجب ، وتكليف المحال ، وإرادة القبيح والعبث.

والعملي مباشرة مقتضاها.

وبالمكروه ـ وهو مقابل الندب ـ : كالبخل ، وسوء الخلق ، والهذر. وعمليّه فعله.

والمباح من الفعل والترك ، ما لا رجحان فيه البتّة.

الثاني : العقلي النظري ، كالعلم بحدوث العالم ، ووجود الصانع ، وإثبات صفات كماله وعدله ، ونبوّة الأنبياء ، وإمامة الأوصياء. وعمليّه فعل مقتضى النظري.

الثالث : العلم السمعي الضروري ، كالعلم بضروريّات الدين ، كوجوب الطهارة والصلاة ، وندب إتيان المساجد ، وحرمة الزنى والسكر ، وكراهة استقبال القمرين عند الحاجة ، وإباحة تزويج الأربع.

الرابع : النظري منه ، كالعلم بوجوب قراءة الحمد في الصلاة ، وتسبيح الركوع ، وندب القنوت ، وحرمة الأرنب وذي الناب ، وكراهة الحمر الأهليّة. والعملي مباشرة ذلك.

الخامس : الظنّي ، كظنّ القبلة ، وطهارة الثوب ، وعدد الركعات. والعملي فعل مقتضاه.


تنبيه :

كلّ هذه الأمور يجب اعتقادها على ما هي عليه إجمالا ، وعلى من كلّف بها تفصيلا. ويمكن خلوّ المكلّف من أكثرها إلاّ دفع الخوف الحاصل من ترك معرفة المكلّف سبحانه ، وما يتعلّق باعتقاد التروك ، وتركها.

واعلم أنّ العلماء شرطوا في استحقاق المدح والثواب بها إيقاعها لوجوبها مثلا ، أو وجه وجوبها ، وهما متلازمان ، وتركها لحرمتها مثلا أو وجه حرمتها ، وهما أيضا متلازمان ، فلنذكر الوجه في ذلك.



الفصل الثالث

في غايته الحاصلة بالامتثال ، وهي المسئول عنها بـ « لم »

وهي أربع :

الأولى : التقرّب إلى الله سبحانه والزلفى لديه ـ ومعناه موافقة إرادة الله تعالى ، وفعل ما يرضيه تعالى عن المكلّف ـ قرب الشرف ، لا الزمان والمكان.

الثانية : المدح من العقلاء ، والثواب من الله تعالى ، والخلاص من العقاب. وهاتان غايتا حسنه.

الثالثة : القرب من الطاعة والبعد من المعصية العقليّين ، وهو المعبّر عنه باللطف. وهذه الغاية حاصلة في امتثال السمعيّات لا العقليّات.

الرابعة : الفوز بتعظيم المكلّف سبحانه ، والثناء عليه ، والاعتراف بنعمه ، وهو المعبّر عنه بالشكر. وهاتان الغايتان تصلحان لما عدا المباح.

ثمّ لمّا كان بعض المعارف العقليّة سببا لدفع الخوف الواجب أمكن أيضا جعله غاية لها.

ولمّا كان السمعي إنّما يعلم بالأمر والنهي على لسان النبيّ 6 ، وكان ترك الواجب مستلزما للمفسدة غالبا ، وترك القبيح مستلزما للمصلحة كذلك ، ظنّ أنّهما وجهان أيضا.


وتحقيق القول في ذلك يتوقّف على مقدّمتين :

أنّ العقل يحكم بحسن أشياء وقبح أشياء كما مرّ ، والعلم بذلك ضروري. والمنازع إن لم يكن مكابرا فقد خفي عليه التصوّر ؛ ولأنّهما لو انتفيا عقلا لانتفيا سمعا ؛ لانسداد باب إثبات النبوّة.

الثانية : هل حسن الأشياء وقبحها للذات ، أو للوجه اللاحق للذات؟ البصريّون من العدليّة على الأوّل ، والبغداديّون على الثاني ؛ لتعليل كلّ منهما بعلل عارضة ؛ ومن ثمّ أمكن كون الشيء الواحد بالشخص حسنا وقبيحا باعتبارين ، كضرب اليتيم ؛ وعلى هذا يترتّب النسخ.

إذا لحظ ذلك فنقول : لو لا الوجه المخصوص لكان ترجيح الواجب بخصوصه على الحرام ليس أولى من عكسه ، وبطلان التالي ظاهر ، فحينئذ نشرع في بيان الوجه مفصّلا في ثلاثة مباحث :

[ المبحث ] الأوّل :

وجه الضروري هو اشتماله على المنافع والمضارّ التي لا يمكن مفارقتها إيّاه ، كالصدق ، والانصاف. ومن جعلها لذاته علّلها بنفس كونها صدقا وإنصافا إلى آخره ؛ لدوران العلم بأحكام تلك الأفعال والتروك مع العلم بها وجودا وعدما. فلو كان هناك وجه آخر امتنع ذلك بالنسبة إلى الجاهل بذلك الوجه ؛ ولأنّه لو كان غير ذاتي لأمكن الانقلاب في الأحكام ، وإنّه محال.

المبحث الثاني في النظري

ولوجوبه وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّه شرط في العلم بالثواب والعقاب على الضروري ، وشرط الواجب المطلق واجب.

أمّا الصغرى : فلأنّ العلم بالجزاء موقوف على معرفة المجازي ، ومعرفة قدرته


الذاتيّة العامّة ؛ لتوقّف المجازاة عليها. ومعرفة علمه كذلك ؛ حذرا من النقص ، أو الإيفاء لغير الفاعل ، ومعرفة حياته ؛ ليصحّ عليه الوصفان ، ومعرفة قدمه ووجوب وجوده ؛ ليمتنع عدمه وعدم صفاته ، وتمتنع الحاجة عليه ؛ حذرا من أخذ المستحقّ ، ويمتنع شبهه للحوادث ، ومعرفة وحدته ؛ لامتناع اجتماع واجبين ، ومعرفة عدله ؛ ليؤمن إخلاله بالواجب ، ويحكم بحسن أفعاله. وتعليلها بالأغراض ، وبعث الأنبياء ، ونصب الأوصياء ؛ لتوقّف التكليف (١) بالسمعي عليه.

وهنالك يعلم كيفيّة الجزاء ، وما يمكن إسقاطه منه كعقاب الفاسق وثواب المرتدّ.

والجزاء موقوف على المعاد. وهذا القدر وما يتعلّق به هو المبحوث عنه في المعارف العقليّة.

وأمّا الكبرى : فلأنّه لو لاه لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا ، أو التكليف بالمحال.

الثاني : أنّ كلاّ من شكر المنعم ودفع الخوف واجب ، ولا يتمّ إلاّ بالمعرفة على الوجه المذكور ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

أمّا وجوب الشكر والدفع فضروريّ.

وأمّا توقّفه على المعرفة ؛ فلأنّ تلك الآثار الحاصلة من الحياة والقدرة وتوابعهما من المنافع ، إمّا أن تكون نعمة فيجب الشكر ، أو نقمة فيجب الدفع ؛ وذلك محال معرفته بدون المعارف المذكورة.

وأمّا الثالث فظاهر.

الثالث : أنّ المعرفة دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ، ودفع الخوف واجب بالبديهة.

تنبيه :

علم من ذلك وجوب النظر ؛ لأنّ المعرفة واجبة ، والنظر طريق إليها ليس إلاّ ، وما

__________________

(١) في « ن » و « ق » : لتوقّف العلم بالسمعي.


لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

أمّا الأوّل ، فقد تقدّم.

وأمّا الثاني : فلأنّ النظر مولّد للعلم ؛ لحصوله عقيبه وبحسبه وكمّيّته ، وتخلّف العلم النظري عن تاركه ، ولو لا ذلك لجاز تخلّفه عن فاعله ، وحصوله لتاركه ، وهو باطل ضرورة ، فثبت أنّه طريق إليها. وأمّا انتفاء غيره من الطرق ؛ فلأنّ المعرفة ليست شيئا من أقسام الضروري ، وما ليس بضروري نظري قطعا.

وأمّا الثالث ، فقد مرّ.

ومن زعم حصول المعرفة بغير نظر فهو كمن رام بناء من غير آلات ، وكتابة من دون أدوات.

المبحث الثالث في وجه السمعي

لا ريب أنّ بعض السمعيّات قد يكون وجوبه وجها لوجوب بعض آخر ، كالصلاة الموجبة للطهارة ، فجاز أن يطلق على ذلك أنّه وجهه. فالكلام في مطلق الواجبات والسنن والقبائح والمكروهات السمعيّة.

والمراد بالوجه هنا ، الغاية التي لأجلها كان ذلك الحكم. وقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال ـ مأخذها ما سلف ـ :

[ المذهب ] الأوّل ـ مذهب جمهور العدليّة من الإماميّة والمعتزلة ـ : أنّه اللطف في التكليف العقلي مطلقا انبعاثا أو انزجارا (١).

والغاية في الواجب السمعي اللطف في الواجب العقلي ، وفي الندب السمعي الندب العقلي ، أو زيادة اللطف في الواجب العقلي ؛ فإنّ الزّيادة توصف بالندب ، وفي ترك القبيح السمعي ترك القبيح العقلي ، وفي ترك المكروه السمعي ترك المكروه العقلي ، أو زيادة اللطف في ترك القبيح.

__________________

(١) شرح الأصول الخمسة : ٦٤.


بمعنى أنّ الممتثل للسمعي أقرب من العقلي ، وغيره أبعد ، ولا نعني بذلك أنّ اللطف في العقلي منحصر في السمعيّات ؛ فإنّ النبوّة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد بل جميع الآلام يصلح للألطاف في العقليّات أيضا ، وإنّما هو نوع من الألطاف الواجبة يكاد أن يكون ملاكها ؛ فإنّ النبيّ 6 والإمام والعالم إنّما يدعون إليه ، والوعد والوعيد إنّما يتوجّهان عليه.

فإن قلت : فإذن يقوم غيره من الألطاف مقامه ، فلا يجب.

قلت : ظهر ممّا بيّنّاه أنّ جميع الألطاف متعلّقة به ومردّها إليه ، فيمتنع قيام غيره مقامه. ومن هنا يعلم السرّ في الواجب والمستحبّ المخيّرين ؛ فإنّه لمّا كان المقصود اللطف ، وهو حاصل في كلّ من الخصال بلا مزية لإحداهما على الأخرى ، لم يكن لإيجاب الجميع معنى ، ولا لترك إيجاب شيء سبيل ، فتعيّن التكليف على طريق التخيير.

[ المذهب ] الثاني : مذهب أبي القاسم الكعبي ، وهو أنّه الشكر لنعم الله سبحانه (١). ولا نعني به انحصار طريق الشكر فيه ، بل على معنى أنّه نوع من الشكر ، بل أشرف أنواعه ؛ فإنّ الشّكر يطلق على الاعتقاد المتعلّق بأنّ جميع النعم من الله سبحانه كلّيّاتها وجزئيّاتها. ويلزمه أمور ثلاثة :

[ اللازم ] الأوّل : شغل النفس بالفكر في عظمته ، والتصوّر لجلائل نعمته ، والعزم والانبعاث الدائم إلى طاعته ، وابتغاء مرضاته ، وصيانة السرّ عن الاشتغال بتصوّر غيره فضلا عن التصديق به إلاّ من جهة أنّه منسوب إليه وفائض عنه.

وهنالك يستوعب جلال الله سبحانه الفكر بحيث يصير مقصورا عليه ليس إلاّ ، ويصير همّ العاقل شيئا واحدا ، وغايته ذلك الشيء ، فينظر فيه ، وبه ، ومنه ، وإليه ، وعليه ، ويحذف غيره من درجات الاعتبار حتّى الجنّة والنار.

ومن هنا قال العالم الربّاني القدسي عليّ أمير المؤمنين وارث النبيّ عليهما أفضل

__________________

(١) انظر مناهج اليقين : ٢٨٦ ـ ٢٨٧.


الصلاة والسلام : « ما عبدتك طمعا في ثوابك ، ولا خوفا من عقابك ، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك » (١).

قال الله تعالى : ( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) (٢) وقال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) (٣).

وروى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق 8 أنّه قال : « العبّاد ثلاثة : قوم عبدوا الله تبارك وتعالى خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّا له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة » (٤).

اللازم الثاني : وهو مسبّب عن اللازم الأوّل ، وهو شغل اللسان بتنزيه الله تعالى عمّا وصفه الظالمون ، وتحميده بما حمده الحامدون بحيث لا يفتر عن ذكر الله باللسان كما لم يفتر عن ذكره بالجنان.

قال سبحانه : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) (٥) وصف الملائكة بهذا الوصف الشريف ؛ لينبّه البشر على اقتفائه ، ويتشرّفوا باصطفائه ، فهنالك تصير ألسنتهم مخزونة إلاّ عن ذكره ، وألفاظهم موزونة إلاّ فيما يتعلّق به ، وهو السرّ في الأمر بالصمت إلاّ عن ذكر الله تعالى.

اللازم الثالث : استخدام القوى والأركان فيما أمر به من عبادته بحيث لا يكون لها انقطاع ولا اضمحلال.

فيشغل العين بالنظر في عجائب مصنوعاته ، والبكاء من خشيته ؛ لما يراه من التقصير في طاعته.

والأذن بسماع كلامه العزيز لتلقّي أوامره ونواهيه ، والتفهّم لمقاصده ومعانيه.

__________________

(١) بحار الأنوار ٤١ : ١٤.

(٢) النور (٢٤) : ٣٧.

(٣) المنافقون (٦٣) : ٩.

(٤) الكافي ٢ : ٨٤ / ٥ ، باب العبادة.

(٥) الأنبياء (٢١) : ٢٠.


واليد بالبطش فيما خلقها له من أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، أو جهاد في سبيله ، أو إعانة ضعيف ، أو إغاثة ملهوف ، أو وضع في محالّها من هيئات المصلّي.

والرجل بالسعي في بقاعه التي أمر بالسعي إليها ، ورغّب بالعكوف عليها. وأشرفها بيته الحرام وكعبته المقدّسة ، وحرم نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام ، ومشاهد الأنبياء والأئمّة : ، والجوامع والمساجد ، ومجالس العلم ، وزيارة الإخوان في الله تعالى.

وإن لم يكن هناك ما يحتاج إلى البطش والتنقّل ، شغلها بالسكينة والوقار مستشعرا في جميع ذلك عظمة بارئه وكمال منشئه ، معتقدا أنّ جميع ذلك من أعظم نعمه وأكبر مننه ، فحينئذ يحتاج أن يشكره على حسن توفيقه لشكره ، وهلمّ جرّا. ولمّا خطر هذا لداود على نبيّنا وعليه السلام وناجى به ربّه أجابه : « إذا علمت أنّ ذلك منّي فقد شكرتني » (١).

وحينئذ نقول : هذه العبادات وخصوصا الصلاة فإنّها مشتملة على اللوازم الثلاثة المنبعثة عن الاعتقاد القلبي ، ولا معنى للشكر عند الخاصّة إلاّ ذلك ، أو نقول : إنّ الشكر يكون بفعل هذه الأمور أقرب إلى الوقوع وأبعد من الارتفاع ، وهو معنى اللطف في الشكر. ولعلّ القائل عنى ذلك ، وهو في الحقيقة شعبة من المذهب الأوّل ؛ فإنّ الأوّل زعم أنّها لطف في التكليف العقلي مطلقا ، وهذا يقول بأنّها لطف في نوع منه ، وهو الشكر ، وإن لم يكن الشكر بعينه على المصطلح العامّي.

وبهذا التوجيه يعرف حال بقيّة الأحكام من حيث إنّ الندب كالتكملة للفرض ، واجتناب الحرام والمكروه يوجب صيانة اللوازم عن تطرّق النقص. وهو مذهب حسن.

المذهب الثالث : لجمهور الأشعريّة وهو أنّ الأحكام إنّما شرّعت لمجرّد الأمر والنهي ، لا لغاية أخرى ، بناء على هدم قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، وأنّ أفعال البارئ جلّ ذكره معلّلة بالأغراض ، بل على عدم الحاجة إلى العبادة أصلا.

ولعلّ الباعث على هذا القول ليس هو هذا البناء ، وإنّما نظر إلى القول بالشكر

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٣٦.


فاستحقر جميع العبادات بالنظر إلى عظمة الله سبحانه وتعالى ، وأنّها لا توازي ذرّة من جبال نعمه ، ولا قطرة من بحار كرمه.

ونظر إلى القول باللطف فوجده غير مطّرد في حقّ من ثبتت عصمته ، أو ظنّ قيام غيره من الألطاف مقامه ، وسمع قوله تعالى : ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) (١).

أو تكافأ عنده الوجهان المذكوران ، فرجع بصره خاسئا وفكره حسيرا ، فاقتصر على مجرّد الأمر والنهي اللذين لا يعلم غايتهما.

ويمكن أيضا أن يشير بهما إلى قصر العبادة على التوجّه إلى المعبود ؛ فإنّ اللطف والشكر وإن كانا للقرب إليه إلاّ أنّ إسقاط الوسائط من البين أقرب.

المذهب الرابع : لبعض المعتزلة ، أنّ الوجه هو ما تضمّن ترك الفعل من المفسدة ، وترك القبيح من المصلحة ؛ وذلك لأنّ ترك العبادات مقرّب إلى المعاصي ومبعّد من الطاعات العقليّة ، ولا نعني بالمفسدة إلاّ ذلك. وترك القبيح بالعكس ، وهو معنى المصلحة.

ولمّا كان الترك مستلزما للمفسدة ، وترك المفسدة واجب ، ولا يتمّ إلاّ بزوال الترك الحاصل بالفعل أو عند الفعل ، وجب الفعل.

وكذلك نقول : ترك القبيح لطف ، وكلّ لطف واجب ، فيكون الترك واجبا ، فيلزمه تحريم الفعل ؛ لأنّه لا يحصل الترك الواجب عنده ، لتنافيهما ، وهو في الحقيقة ضغث من المذهب الأوّل ، إلاّ أنّه لم يجعل نفس فعل الواجب لطفا ، بل به يحصل اللطف ، وفعل القبيح ليس لطفا في القبائح العقليّة (٢) ، بل تركه لطف في الواجبات العقليّة.

ولعلّه نظر إلى مذهب الشكر بعين من قبله ، وإلى مذهب الأمر والنهي بعين الهدم ، ورأى غلبة القوى الشهويّة والغضبيّة على نوع الإنسان بحيث لو خلّي وطبعه لجمح به في المهالك باتّباع مقتضى الشهوة والغضب المعبّر عنهما بالحرام والمكروه.

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٢٣.

(٢) قال البياضي في شرح هذا الكلام : « الذي أظنّه فيه أنّه وقع من غلط الكتّاب ، فإنّ أصحاب اللطف لم يجعلوا فعل القبيح لطفا ، بل تركه لطفا في ترك الحرام ».


وترك الأفعال الحسنة معدّ لذلك ، ومسلّط عليه ، فجعل تلك الأفعال قيودا له ، لئلاّ يرتطم في الهلكات ويقتحم في التبعات ، فكان الغرض الذاتي عنده ترك مقتضى الطبع ، وترك العبادات ينافيه ، فكان الترك منافيا للغرض ، فوجب أو ندب الاشتغال بالفعل المحصّل للترك المذكور.

ولعلّ صاحب هذا الرأي ممّن يرى أنّ المطلوب في النهي إنّما هو إيجاد الضدّ ؛ بناء على أنّ الترك غير مقدور ، وهذا القدر يصلح أن يكون متمسّك أصحاب هذين المذهبين الأخيرين.

فلنذكر حجّة من قبلهما. فقد احتجّ الأوّلون بوجهين :

الأوّل : أنّ معنى اللطف حاصل فيها فيكون لطفا.

أمّا الصغرى ؛ فللعلم الضروري بقرب المتّصف بها من الطاعة وبعده من المعصية.

والكبرى ظاهرة. وعليه نبّه البارئ جلّ وعزّ في قوله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (١) و ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٢) و ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٣) و ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٤) و ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٥) و ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) ـ إلى قوله ـ ( لِلْعُسْرى ) (٦) و ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ) (٧) و ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٨).

__________________

(١) هود (١١) : ١١٤.

(٢) العنكبوت (٢٩) : ٤٥.

(٣) البقرة (٢) : ١٨٣.

(٤) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٥) المائدة (٥) : ٦.

(٦) الليل (٩٢) : ٥ ـ ١٠.

(٧) المائدة (٥) : ٩١.

(٨) آل عمران (٣) : ٢٠٠.


الثاني : إبطال كلّ من الأقوال الأخيرة.

أمّا مذهب الأمر والنهي ؛ فلأنّه بناء على ما سلف ، وعلى فقد وجه الفعل.

ونحن نقول : إنّهما فرع الوجه فلا يكونان مؤثّرين فيه وإلاّ لجاز الأمر بالقبيح فينقلب حسنا ، والنهي عن الحسن فينقلب قبيحا ، وإنّه باطل.

وأمّا الترك ؛ فلتوجّه الخطاب بالأفعال ، ولا شعور بالترك البتّة ؛ ولأنّه لو اعتبر لوجب بيانه قبل بيان الواجب والقبيح ، ضرورة تقدّم العلّة الغائيّة في التصوّر ، ولكان لا يفرّق بين الساهي والمصلّي ، وبين الساهي عن الشرب والشارب إذا لم يفعلا تركا.

وأمّا الشكر ؛ فلأنّه لغة طمأنينة النفس على تعظيم المنعم كما نقله بعض المتكلّمين ، أو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف كما ذكره اللغوي (١).

وعرفا الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ؛ لدوران الشكر معه وجودا وعدما.

وظاهره مغايرة العبادة للمعنيين.

ولأنّ مجرّد الاعتراف القلبي كاف في معرفة الله سبحانه شكر العبد ، وإنّما احتيج إلى اللسان لإشعار المشكور ، فلا معنى لوجوب الزائد على الاعتراف.

ولأنّ الشكر يمتنع الخلوّ من وجوبه بخلاف العبادة ، فإنّها قد يقبح واجبها كصلاة الحائض ، ويجب قبيحها كأكل الميتة ، ومن ثمّ تطرّق النسخ إلى السمعيّات. ولقبح الإلزام بشكر النعمة شاهدا فكذا غائبا.

وفي الجميع نظر.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه وارد في كلّ عبادة ، عقليّة كانت أو نقليّة فإنّ فعلها مقرّب من عبادة أخرى ، وتركها مبعّد ، مع أنّ وجوبها لا يكون معلّلا بها ، فلو صحّ هذا لزم تعليل كلّ عبادة بالأخرى ، وهم لا يقولون به.

وأمّا الآيات الكريمة ؛ فإنّها تدلّ على حصول هذه الغايات عندها.

وأمّا أنّ تلك الغايات هي العلّة الموجبة لأصلها فلا. والنزاع إنّما هو فيه.

__________________

(١) لسان العرب ٤ : ٤٢٤ ، « ش. ك. ر ».


وأمّا الثاني ؛ فلجواز إرادة القائل بالأمر والنهي ما فسّرناه ، فلا يرد عليه ما ذكروه.

وأما الترك فلا يلزم من المخاطبة بالأفعال أن لا يكون الوجوب لأجل ما يتضمّن الترك من المفسدة. ووجوب سبق البيان ممنوع ، والساهي غير مكلّف. ونمنع شمول التفسيرين لما يصدق عليه اسم الشكر. ونحن قد بيّنّا أنّ الشكر الخاصّ شامل للعبادات. سلّمنا ، لكنّ العبادة مشتملة عليهما.

قوله : بخلاف العبادة فإنّها قد تقبح.

قلنا : المعتبر هو كيفيّة خاصّة للعبادة التي هي شكر ، وأصلها قائم ، ولم لا يكون البارئ جلّ اسمه جعل للشكر وظائف مختلفة بحسب الأشخاص والأزمنة والأحوال والأمكنة؟ مع أنّ الشكر في الشاهد يختلف بحسب المقام وحينئذ يتطرّق إليه النسخ والتخصيص وغيرهما ، ولا قبح في الإلزام بالشكر ، ولهذا يحسن ذمّ كافر النعمة.

سلّمنا قبحه شاهدا ، لكن لعدم استتباع عوض ، وفي الغائب يستتبع الثواب الجزيل فلا قبح ؛ لأنّه تعالى أمر بشكر نعمه بقوله : ( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) (١) و ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ) (٢).

واحتجّ أصحاب الشكر بثلاثة أوجه :

الأوّل : أنّ نعم الله تعالى لا تحصى ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (٣) فيجب أبلغ أقسام الشكر ، والعبادة صالحة لذلك ، فصرفها إليه أولى.

الثاني : أنّ العبادة ـ فعالة ـ من التعبّد الذي هو الخضوع ، وهو معنى الشكر.

الثالث : ما اشتهر من قول كثير من المتكلّمين : إنّ العبادة كيفيّة في الشكر.

وأجيب بتسليم مقدّمات الأولى ، ولا يلزم صرف العبادة إليه ؛ ولأنّه لو وجب الأبلغ لم يقف على حدّ العبادة ، لإمكان ما هو أبلغ منها.

ونمنع كون الخضوع شكرا وإن اشتمل عليه اشتمال العامّ على الخاصّ ، فلا يكون

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٥٢.

(٢) لقمان (٣١) : ١٤.

(٣) إبراهيم (١٤) : ٣٤.


مسمّى العبادة شكرا وإن كان الشكر واقعا فيها.

وفي التحقيق : الخضوع للمعبود شرط صحّة العبادة ، والشرط قبل المشروط في الوجود ، والعلّة الغائيّة قبله في التصوّر وبعده في الوجود ، فلا يكون أحدهما عين الآخر.

والشهرة ممنوعة ، ولو سلّمت فليست حجّة ، ولو سلّمت حجّيّتها ، فإطلاق اسم العبادة على الشكر لاشتمالها عليه كما مرّ ، والمجاز يصار إليه للقرينة. وإنّما يطلق عليه اسم العبادة عند بلوغه الغاية ؛ لأجل بلوغ النعمة الغاية ، ومن ثمّ لم يطلق على شكر بعض نعمه بعض اسم العبادة ؛ لعدم بلوغ الإنعام الغاية.

واعلم أنّ تجويز كلّ من الوجوه قائم ، ولا قاطع هنا على التعيين وإن كان مذهب اللطف قريبا ، وكذا مذهب اللطف في الشكر. ولا يمتنع أن يكون اللطف والشكر علّة تامّة في الوجوب.

إمّا باعتبار كون كلّ واحد منهما جزءا ، أو باعتبار كون أحدهما شرطا للآخر ، لأنّ مجرّد اللطف إذا علم أمكن أن يقال : يجوز قيام غيره مقامه. ومجرّد الشكر إذا لم يشتمل على لطف يمكن إجزاء بعض أفراده عن بعض.

أمّا إذا اشتمل اللطف على الشكر ولم يكن في غيره من الألطاف ذلك ، أو اشتمل الشكر على اللطف ولم يكن في مجرّد الاعتراف ذلك ، أمكن استناد الوجوب إليهما.

ولو قدّر أنّ أحدا من المكلّفين اعتقد واحدا من الأمور الأربعة لموجب ، لم يكن مخطئا (١) ؛ ولو قدّر أنّه فعل الواجب لوجوبه مثلا ، وترك الحرام لقبحه معرضا عن النظر في الوجه لم يكن مؤاخذا إن شاء الله تعالى ؛ فإنّها مسألة دقيقة يعسر على العوام تحقيق الحال فيها ، فتكليفهم بها نوع عسر منفيّ ؛ لقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢). والله الموفّق.

__________________

(١) في « ق » : « لم يكن عبادته خارجة من الاعتبار » بدل « لم يكن مخطئا ».

(٢) البقرة (٢) : ١٨٥.


الفصل الرابع

في الترغيب

[١] عن رسول الله 6 : « اجتهدوا في العمل فإن قصّر بكم ضعف فكفّوا عن المعاصي » (١).

[٢] وروينا عن محمّد بن يعقوب بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق 8 قال : « قال رسول الله 6 : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها ، وأحبّها بقلبه ، وباشرها بجسده ، وتفرّغ لها ، وهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أو يسر » (٢).

[٣] وعن الصادق 7 قال : « جاء رجل إلى رسول الله 6 فقال : يا رسول الله ما حقّ العلم؟ قال : الإنصات. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : الاستماع له. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : الحفظ. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : العمل به. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : نشره » (٣).

[٤] وروينا عن الصدوق أبي جعفر محمّد بن بابويه ; بإسناده إلى

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٤ : ١٧١ ، نقلا عن كنز الكراجكي.

(٢) الكافي ٢ : ٨٣ / ٣ ، باب العبادة.

(٣) الكافي ١ : ٤٨ / ٤ ، باب النوادر من كتاب فضل العلم.


يونس بن ظبيان عن الصادق جعفر بن محمّد 8 أنّه قال : « الاشتهار بالعبادة ريبة. إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عليهم الصلاة والسلام أنّ رسول الله 6 قال : أعبد النّاس من أقام الفرائض ، وأسخى النّاس من أدّى زكاة ماله ، وأزهد الناس من اجتنب الحرام ، وأتقى الناس من قال الحقّ فيما له وعليه ، وأعدل النّاس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشدّ ذكرا للموت ، وأغبط الناس من كانت تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب ، وأغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه ، وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علما ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علما ، وأقلّ الناس لذّة الحسود ، وأقلّ الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما أفترض الله عزّ وجلّ عليه ، وأولى الناس بالحقّ أعلمهم به ، وأقلّ الناس حرمة الفاسق ، وأقلّ الناس وفاء الملوك ، وأقلّ الناس صديقا الملك ، وأفقر الناس الطامع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا ، وأفضل الناس إيمانا أحسنهم خلقا ، وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقّا ، وأقلّ الناس مروءة من كان كاذبا ، وأشقى الناس الملوك ، وأمقت الناس المتكبّر ، وأشدّ الناس اجتهادا من ترك الذنوب ، وأحكم الناس من فرّ من جهّال الناس ، وأسعد الناس من خالط كرام الناس ، وأعقل الناس أشدّهم مداراة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحقّ الناس بالذنب السفيه المغتاب ، وأذلّ الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس » (١).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ / ٨٣٦.


باب :

[٥] وبإسناده إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : « كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة : من كانت الآخرة همّه كفاه الله همّه من الدنيا والآخرة ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ أصلح الله فيما بينه وبين الناس » (١).

[٦] وعنه 7 : « ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم : أنا يوم جديد ، وأنا عليك شهيد ، فقل واعمل فيّ خيرا ، أشهد لك به يوم القيامة ، فإنّك لن تراني بعدها أبدا » (٢).

[٧] وروى عبد الله بن عباس عن رسول الله 6 أنّه قال : « أشراف أمّتي حملة القرآن وأصحاب الليل » (٣).

[٨] وبإسناده عن الصادق 7 : « ما ضعف البدن عمّا قويت عليه النفس » (٤).

[٩] وعنه 7 : « أوحى الله عزّ وجلّ إلى آدم 7 : يا آدم ، إنّي أجمع لك الخير كلّه في أربع كلمات : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس. فأمّا التي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئا ، وأمّا التي لك فأجازيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا التي فيما بيني وبينك فعليك الدعاء وعليّ الإجابة ، وأمّا التي فيما بينك وبين النّاس فترضى للناس ما ترضى لنفسك » (٥).

[١٠] وبإسناده إلى الإمام زين العابدين 7 ، قال : « ألا إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملا ، وإنّ أعظمكم عند الله حظّا أعظمكم فيما عند الله رغبة ، وإنّ أنجى الناس من عذاب الله أشدّهم لله خشية ، وإنّ أقربكم من الله أوسعكم خلقا ، وإنّ

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٣ / ٨٤١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٤ / ٨٤٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٨٥ / ٨٥١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٨٦ / ٨٥٥ ، وفيه « النيّة » بدل « النفس ».

(٥) الفقيه ٤ : ٢٩٠ / ٨٧٣.


أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله ، وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم » (١).

[١١] وبإسناده أنّ النبيّ 6 أوصى عليّا عليه الصلاة والسلام : « يا عليّ ، سبعة من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبواب الجنّة مفتّحة له : من أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته ، وأدّى زكاة ماله ، وكفّ غضبه ، وسجن لسانه ، واستغفر الله لذنبه ، وأدّى النصيحة لأهل بيتي (٢).

يا عليّ ، سر سنتين برّ والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلا عد مريضا ، سر ميلين شيّع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوة ، سر أربعة أميال زر أخا في الله ، سر خمسة أميال أجب الملهوف ، سر ستّة أميال انصر المظلوم (٣).

يا عليّ ، الإسلام عريان فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروءته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت » (٤).

باب :

« يا عليّ ، السواك من السنّة ، ومطهرة للفمّ ، ويجلو البصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب بالحفر ، ويشدّ اللثة ، ويشهّي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة » (٥).

[١٢] وعن رسول الله 6 : « ما زال جبرئيل 7 يوصيني بالسواك حتّى خشيت أن أحفى أو أدرد » (٦).

[١٣] وعن الصادق والباقر 8 : « صلاة ركعتين بسواك أفضل عند الله من سبعين ركعة بغير سواك » (٧).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٢ / ٨٨١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٥٩ / ٨٢٤.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٦٠ / ٨٢٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٦٣ / ٨٢٤.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٦٤ / ٨٢٤.

(٦) الفقيه ١ : ٣٢ / ١٠٨. الكافي ٣ : ٢٣ / ٣ ، باب السواك ؛ و ٦ : ٤٩٥ / ٣ ، باب السواك.

(٧) الفقيه ١ : ٣٣ / ١١٨. الكافي ٣ : ٢٢ / ١ ، باب السواك.


باب :

[١٤] وبإسناده إلى أبي الحسن موسى بن جعفر 7 : « من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلاّ الكبائر ، ومن توضّأ لصلاة المغرب كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في نهاره خلا الكبائر » (١).

باب :

[١٥] وعن الصادق 7 : « من اغتسل للجمعة فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين كان ذلك طهرا من الجمعة إلى الجمعة » (٢).

[١٦] وعنه 7 : « غسل يوم الجمعة طهور وكفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة » (٣).

[١٧] وعنه 7 : « غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ، ويزيد في الرزق » (٤).

[١٨] و « [ غسل الرأس بالخطمي ] في كلّ جمعة أمان من البرص والجنون » (٥).

[١٩] « اغسلوا رءوسكم بورق السدر ؛ فإنّه قدّسه كلّ ملك مقرّب ، وكلّ نبيّ مرسل. ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما ، ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص الله ، ومن لم يعص الله دخل الجنّة » (٦).

[٢٠] وعن أمير المؤمنين 7 : « أنّ رسول الله 6 اغتمّ ، فأمره جبرئيل 7 بغسل رأسه بالسدر ، وكان ذلك السدر من سدرة المنتهى » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١ / ١٠٣ ؛ الكافي ٣ : ٧٠ / ٥ ، باب النوادر من كتاب الطهارة.

(٢) الفقيه ١ : ٦١ / ٢٢٨ ؛ التهذيب ٣ : ١٠ / ٣١.

(٣) الفقيه ١ : ٦١ ـ ٦٢ / ٢٢٩.

(٤) الفقيه ١ : ٧١ / ٢٩١ ؛ الكافي ٦ : ٥٠٤ / ١ ، باب غسل الرأس.

(٥) الفقيه ١ : ٧١ / ٢٩٠ ؛ الكافي ٦ : ٥٠٤ / ٢ ، باب غسل الرأس.

(٦) الفقيه ١ : ٧٢ / ٢٩٦.

(٧) الفقيه ١ : ٧٢ / ٢٩٤.


[٢١] وعن أبي جعفر الباقر 7 : « من أخذ من أظفاره وشاربه كلّ جمعة ، وقال حين يأخذه : باسم الله وبالله وعلى سنّة رسول الله محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم ، لم تسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب الله عز وجلّ له بها عتق نسمة ، ولم يمرض إلاّ مرضه الذي يموت فيه » (١).

[٢٢] وعنه 7 : « من أخذ من أظفاره كلّ خميس لم يرمد ولده » (٢).

[٢٣] وعن رسول الله 6 : « من قلّم أظفاره يوم السبت ويوم الخميس ، وأخذ من شاربه ، عوفي من وجع الضرس ووجع العين » (٣).

باب الفرائض

[٢٤] وبإسناده إلى الصادق 7 لمّا سأله سليمان بن خالد عن الفرائض فقال :

« شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، والولاية ، فمن أقامهنّ وسدّد وقارب واجتنب كلّ منكر دخل الجنّة » (٤).

[٢٥] وعنه 7 : « إنّ طاعة الله عزّ وجلّ خدمته ، وليس شيء من خدمته يعدل الصلاة » (٥).

[٢٦] وعنه 7 : أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة ، وهي آخر وصايا الأنبياء : » (٦).

[٢٧] وعن النبيّ 6 : « ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي الناس :

__________________

(١) الفقيه ١ : ٧٣ / ٣٠٤ ؛ الكافي ٦ : ٤٩١ / ٩ ، باب قصّ الأظفار ؛ التهذيب ٣ : ٢٣٧ / ٦٢٧.

(٢) الفقيه ١ : ٧٤ / ٣١٢ ؛ ورواه في الكافي ٦ : ٤٩١ / ١٤ ، باب قصّ الأظفار ، إلاّ أنّ فيه : « لم ترمد عينه » بدل « لم يرمد ولده ».

(٣) الفقيه ١ : ٧٤ / ٣١٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٣١ / ٦١٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٣٣ / ٦٢٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٣٦ / ٦٣٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٦٤ / ٢ ، باب فضل الصلاة.


أيّها النّاس ، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم » (١).

[٢٨] وعن الصادق 7 : « صلاة فريضة خير من عشرين حجة ـ وفي رواية سبعين حجة (٢) ـ وحجّة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدّق منه حتّى يفنى » (٣).

[٢٩] وروينا بالإسناد المتّصل إلى يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « حجّة أفضل من الدنيا وما فيها ، وصلاة فريضة أفضل من ألف حجّة » (٤).

[٣٠] وعنه 7 : « إذا قام العبد إلى الصلاة فخفّف صلاته ، قال الله تعالى لملائكته : أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى أنّ قضاء حوائجه بيد غيري؟! أما يعلم أنّ قضاء حوائجه بيديّ؟! » (٥).

[٣١] وعن رسول الله 6 : « الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام ، فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي » (٦).

[٣٢] وروينا عن ابن بابويه ; بإسناده إلى خالد القلانسي عن الصادق 7 أنّه قال : « مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب 8 ، والصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم الله وحرم رسوله 6 وحرم علي بن أبي طالب 7 ، والصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب 8 ، والصلاة فيها بألف صلاة ». وسكت عن الدرهم (٧).

[٣٣] وعن أبي جعفر 7 : « من صلّى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٣٣ / ٦٢٤ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٨ / ٩٤٤ ، وفيه : « بين يدي الله » بدل « بين يدي الناس ».

(٢) لم نعثر عليها.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٤ / ٦٣٠ ؛ الكافي ٣ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٧ ، باب فضل الصلاة ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ / ٩٣٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦٩ / ١٠ ، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها ؛ التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٠.

(٦) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٨١ ؛ التهذيب ٦ : ١٤ ـ ١٥ / ٣٠.

(٧) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٧٩ ؛ الكافي ٤ : ٥٨٦ / ١ ، باب ـ بدون العنوان ـ من كتاب الحجّ ؛ التهذيب ٦ : ٣١ ـ ٣٢ / ٥٨ ، وفيهما في آخر الحديث : « والدرهم فيها بألف درهم ».


بها كلّ صلاة صلاّها منذ يوم وجبت عليه الصلاة ، وكلّ صلاة يصلّيها إلى أن يموت » (١).

[٣٤] وعنه 7 : « المساجد أربعة : المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله 6 ، ومسجد بيت المقدّس ، ومسجد الكوفة ، الفريضة فيها تعدل حجّة ، والنافلة تعدل عمرة » (٢).

[٣٥] وعن الصادق 7 : « كان مسجد رسول الله 6 ثلاثة آلاف وستّمائة ذراع مكسّرا » (٣).

[٣٦] وعن عليّ 7 : « صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة » (٤).

[٣٧] وروى الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر 7 : « لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلاّ مريض أو مشغول » (٥).

[٣٨] وعن رسول الله 6 أنّه قال لقوم : « لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم » (٦).

[٣٩] وعن الصادق 7 : « من مشى إلى المسجد لم يضع رجليه على رطب ولا يابس إلاّ سبّح له إلى الأرض السابعة » (٧).

[٤٠] وعن رسول الله 6 : « من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة ، فأخرج

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٨٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٨ / ٦٨٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٦٨٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٣ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٨.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٥ / ١٠٩١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ١٠٩٢.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٥ / ٧٠٦.


منه من التراب ما يذرّ في العين غفر الله تعالى له » (١).

[٤١] وعن أبي جعفر 7 : « أوّل ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسّرها ، ويأمر بها فيجعل عريشا كعريش موسى » (٢).

[٤٢] وعن عليّ 7 : « إنّ الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعا حتّى لا يحاشي منهم أحدا ، فإذا نظر إلى الشّيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلّمون القرآن أخّر ذلك عنهم » (٣).

[٤٣] وعنه 7 « إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب ، قال :

لو لا الذين يتحابّون لجلالي ، ويعمرون مساجدي ، ويستغفرون بالأسحار لأنزلت عذابي » (٤).

[٤٤] وروى الصدوق عن مولانا وسيّدنا أبي عبد الله 7 : « أنّ السجود على طين قبر الحسين 7 ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين 7 كتب مسبّحا وإن لم يسبّح بها ، والتسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها ؛ لأنّها مسئولات يوم القيامة » (٥).

باب :

[٤٥] روى الصدوق عن مولانا وسيّدنا رسول الله 6 أنّه قال : « من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة » (٦).

[٤٦] وعن أبي جعفر 7 : « المؤذّن يغفر الله له مدّ بصره ، ومدّ صوته في السماء ، ويصدّقه كلّ رطب ويابس يسمعه ، وله من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم ، وله بكلّ من يصلّي بصوته حسنة » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠١ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧٠٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٣.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٨٣ / ١١٢٦.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٨٨٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١١٣١.


باب :

[٤٧] وروى عن النبيّ 6 : « من صلّى الصلوات الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير » (١).

[٤٨] وعنه 6 : « من صلّى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة الله عزّ وجلّ ، ومن ظلمه فإنّما يظلم الله ، ومن أخفره فإنّما يخفر الله عزّ وجلّ » (٢).

باب :

[٤٩] بالإسناد إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي آجره الله بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب 7 قال : « قيام الليل مصحّة البدن ، ورضى الربّ ، وتمسّك بأخلاق النبيّين » (٣).

[٥٠] وإلى أبي عبد الله 7 : « صلاة الليل تحسّن الوجه ، وتذهب بالهمّ ، وتجلو البصر » (٤).

[٥١] وإلى النبيّ 6 في وصيّته لأبي ذر ( رض ) : « من ختم له بقيام الليل ثمّ مات فله الجنّة » (٥).

[٥٢] وإلى بحر السّقا بطريق الصدوق عن أبي عبد الله 7 قال : « إنّ من روح الله عزّ وجلّ ثلاثة : التهجّد بالليل ، وإفطار الصائم ، ولقاء الإخوان » (٦).

[٥٣] وإلى جابر بن إسماعيل بطريق الصدوق أيضا عن جعفر بن محمّد عن أبيه 8 : « أنّ رجلا سأل عليّ بن أبي طالب 7 عن قيام الليل بالقرآن فقال له : أبشر من صلّى عشر ليلة لله مخلصا ابتغاء رضوان الله ، قال الله تبارك وتعالى لملائكته : اكتبوا لعبدي هذا من الحسنات عدد ما أنبت في الليل من حبّة وورقة وشجرة ، وعدد كلّ قصبة وخوط ومرعى. ومن صلّى تسع ليلة أعطاه الله عشر دعوات مستجابات ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٣ ؛ الكافي ٣ : ٣٧١ / ٣ ، باب فضل الصلاة في الجماعة.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٨ ؛ فيه : « ومن حقّره فإنّما يحقّر الله عزّ وجلّ ».

(٣) التهذيب ٢ : ١٢١ / ٤٥٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ / ٤٦١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢٢ / ٤٦٥ ؛ الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٩٨ / ١٣٦٤.


وأعطاه الله كتابه بيمينه ، ومن صلّى ثمن ليلة أعطاه الله أجر شهيد صابر صادق النيّة ، وشفّع في أهل بيته. ومن صلّى سبع ليلة خرج من قبره يوم يبعث ، ووجهه كالقمر ليلة البدر حتّى يمرّ على الصراط مع الآمنين ، ومن صلّى سدس ليلة كتب من الأوّابين ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه ، ومن صلّى خمس ليلة زاحم إبراهيم خليل الرحمن في قبّته. ومن صلّى ربع ليلة كان في أوّل الفائزين حتّى يمرّ على الصراط كالريح العاصف ، فيدخل الجنّة بغير حساب. ومن صلّى ثلث ليلة لم يبق ملك إلاّ غبطه بمنزلته من الله عزّ وجلّ ، وقيل له : ادخل من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شئت. ومن صلّى نصف ليلة ، فلو أعطي ملء الأرض ذهبا سبعين مرّة لم يعدل جزاءه ، وكان له بذلك عند الله عزّ وجلّ أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل. ومن صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات عند الله قدر رمل عالج أدناها حسنة مثل جبل أحد ، عشر مرّات. ومن صلّى ليلة تامّة تاليا لكتاب الله عزّ وجلّ راكعا وساجدا وذاكرا أعطي من الثواب ما أدناه يخرج من الذنوب كيوم ولدته أمّه ، ويكتب له عدد ما خلق الله عزّ وجلّ من الحسنات ، ومثلها درجات ، وينبت النور في قبره ، وينزع الإثم والحسد من قلبه ، ويجار من عذاب القبر ، ويعطي براءة من النار ، ويبعث في الآمنين ، ويقول الربّ تبارك وتعالى لملائكته : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أحيا ليلة ابتغاء مرضاتي ، أسكنوه الفردوس ، وله فيها مائة ألف مدينة ، في كلّ مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة والمزيد والقربة » (١).

[٥٤] وروى الشيخ بإسناده عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر وتكتب له صلاة الليل؟ » (٢).

[٥٥] وعن هشام بن سالم عن أبي جعفر 7 قال : « إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها ، فما يرفع له إلاّ ما أقبل منها بقلبه ، وإنّما أمروا بالنوافل

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩١.


ليتمّ لهم ما نقصوا من الفريضة » (١).

باب :

[٥٦] روى الشيخ بإسناده إلى الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله 7 قال : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » (٢).

[٥٧] وعن منصور بن يونس عمّن ذكره عن أبي عبد الله 7 : « من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى فهو ضيف الله ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه » (٣).

[٥٨] وعن زرارة عن أبي جعفر 7 : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلا » (٤).

[٥٩] وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله 7 : « من سبّح تسبيح فاطمة 3 قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له ، ويبدأ بالتكبير » (٥).

[٦٠] وعن صالح بن عقبة عن أبي جعفر 7 : « ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء 3 ، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله 6 فاطمة 3 » (٦).

[٦١] وروي عن الباقر 7 : « لتسبيح فاطمة 3 في كلّ يوم دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم » (٧).

[٦٢] وروى الصدوق عن الإمام الصادق 7 : « المؤمن معقّب ما دام على وضوء » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤١ / ١٤١٣ ؛ الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٢ ، باب ما يقبل من صلاة الساهي.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٤ / ٣٩١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤١ / ٣ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٩ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٥ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء ؛ الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٥ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٦ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٦) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٤ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٧) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٩ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٥ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء. والرواية فيهما عن أبي عبد الله 7.

(٨) الفقيه ١ : ٣٥٩ / ١٥٧٦.


[٦٣] وروى معناه الشيخ بإسناده إلى هشام بن سالم عن الصادق 7 (١).

[٦٤] وبإسناد الشيخ في التهذيب إلى صفوان الجمّال قال : رأيت أبا عبد الله 7 إذا صلّى وفرغ من صلاته رفع يديه جميعا فوق رأسه (٢).

[٦٥] وإلى أبي بصير عن أبي عبد الله 7 أنّ رسول الله 6 قال لأصحابه ذات يوم : « أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ثمّ وضعتم بعضه على بعض ، أترونه يبلغ السماء؟! » قالوا : لا يا رسول الله ، فقال 6 : « يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة ، وهنّ يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردّي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبليّة التي نزلت على العبد في ذلك اليوم » (٣).

[٦٦] وإلى زرارة عن أبي جعفر 7 قال : « لا تنسوا الموجبتين ـ أو قال : عليكم بالموجبتين ـ في دبر كلّ صلاة » ، فسأله عنهما فقال : 7 : « تسأل الله الجنّة ، وتعوذ بالله من النار » (٤).

[٦٧] وإلى الحسن بن عليّ 8 : « من صلّى فجلس في مصلاّه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار » (٥).

[٦٨] ورواه ابن بابويه عن رسول الله 6 (٦).

[٦٩] وفي حديث آخر عن النبيّ 6 : « إنّ المعقّب حتّى تطلع الشمس كحاجّ رسول الله 6 وغفر له ، فإن جلس فيه حتّى تكون ساعة تحلّ فيها الصلاة فصلّى ركعتين

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٨ ؛ ورواه أيضا في الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٦ / ٤٠٣ ؛ الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٨ / ٤٠٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ / ١٩ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢١ / ١٣١٠.

(٦) الفقيه ١ : ٣١٩ / ١٤٥٦ ؛ ورواه أيضا عن رسول الله في التهذيب ٢ : ١٣٩ / ٥٤٢ ، ولفظ الحديث فيهما : « من جلس في مصلاّه من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ستره الله من النار ».


أو أربعا غفر له ما سلف ، وكان له من الأجر كحاجّ بيت الله » (١).

[٧٠] وروى ابن بابويه عن الصادق 7 أنّه قال : « الجلوس بعد صلاة الغداة والتعقيب والدعاء حتّى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض » (٢).

[٧١] وعن مرازم عن أبي عبد الله 7 قال : « سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ، تتمّ بها صلاتك ، وترضي بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك » (٣).

باب :

[٧٢] وروى الشيخ بإسناده إلى زرارة عن أبي عبد الله 7 قال : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كالصلاة على النبيّ وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له » (٤).

[٧٣] وعن محمّد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « أحسنوا جوار النعم » قلت : وما حسن جوار النعم؟ قال : « الشكر لمن أنعم بها ، وأداء حقوقها » (٥).

[٧٤] وعن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله 7 قال : « من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى إشباع جوعة المؤمن ، وتنفيس كربته ، وقضاء دينه » (٦).

[٧٥] وعن مسمع عن أبي عبد الله 7 قال : « أفضل الصدقة إبراد كبد حرّى » (٧).

[٧٦] وعن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله 7 : « داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنّها تفكّ من بين لحيي سبعمائة شيطان ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٥. مع تفاوت في صدر الحديث.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٧ / ٩٦٥ ؛ التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٠ / ٩٧٨ ؛ التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٥ ، و ٤ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٣١٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٠٩ / ٣١٥ ؛ الكافي ٤ : ٣٨ / ٢ ، باب حسن جوار النعم.

(٦) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣١٨ ؛ الكافي ٤ : ٥١ / ٧ ، باب فضل إطعام الطعام.

(٧) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣١٩ ؛ الكافي ٤ : ٧٥ / ٢ ، باب سقي الماء.

(٨) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣١ ؛ الكافي ٤ : ٣ / ٥ ، باب فضل الصدقة ؛ الفقيه ٢ : ٣٧ / ١٥٦.


[٧٧] وعن الصادق 7 : « من منع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي » (١).

[٧٨] وعن أبي الحسن الأوّل 7 ، قال : « من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا ، ومن لم يستطع أن يزور قبورنا فليزر صلحاء إخواننا » (٢).

[٧٩] وعن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله 7 ، قال : « قال رسول الله 6 : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته يوم القيامة » (٣).

باب :

[٨٠] روى الصدوق عن النبيّ 6 أنّه قال : « الصوم جنّة من النار » (٤).

[٨١] وقال 7 : « قال الله تعالى : الصوم لي وأنا أجزي به » (٥).

[٨٢] وقال 7 : « إنّ الله وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين. وأخبرني جبرئيل 7 عن ربّه تعالى ذكره أنّه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلاّ استجبت لهم فيه » (٦).

[٨٣] وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : « ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما يتباعد المشرق من المغرب؟ » قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله عزّ وجلّ والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه. ولكلّ شيء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣٠ ؛ الكافي ٣ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥ / ١٢ ، باب منع الزكاة ؛ الفقيه ٢ : ٧ / ٢٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١١١ / ٣٢٤ ؛ الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٧ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ؛ الفقيه ٢ : ٤٣ / ١٩١.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣٢٢ ؛ الكافي ٤ : ٦٠ / ٨ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ؛ الفقيه ٢ : ٣٦ / ١٥٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٦ ؛ الكافي ٤ : ٦٢ / ١ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٥١ / ٤١٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٨ ؛ الكافي ٤ : ٦٣ / ٦ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ٥٢ / ٤٢٠. وفي الكافي : « أجزي عليه » بدل « أجزي به ».

(٦) الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٢ ؛ الكافي ٤ : ٦٤ / ١١ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم.

(٧) الفقيه ٢ : ٤٥ / ١٩٩ ؛ الكافي ٤ : ٦٢ / ٢ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٩١ / ٥٤٢.


[٨٤] وعن الصادق 7 : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب » (١).

[٨٥] وروي عن جميل بن درّاج عن الصادق 7 ، أنّه قال : « من دخل على أخيه وهو صائم ، فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٢).

[٨٦] وعن عليّ 7 قال : « قال رسول الله 6 : من صام يوما تطوّعا أدخله الله عزّ وجلّ الجنّة » (٣).

[٨٧] وعن أبي الحسن موسى 7 : « رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيّئات ، من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام ثلاثة أيّام وجبت له الجنّة » (٤).

[٨٨] وعن أبي عبد الله 7 : « من صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة البتّة » (٥).

[٨٩] وعن أبي الحسن موسى 7 : « من صام أوّل يوم من عشر ذي الحجّة كتب الله له صوم ثمانين شهرا ، فإن صام التسع كتب الله عزّ وجلّ له صوم الدهر » (٦).

[٩٠] وعن الصادق 7 : « صوم يوم التروية كفّارة سنة ، ويوم عرفة كفّارة سنتين » (٧).

[٩١] وروى المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله 7 : « صوم يوم غدير خمّ كفّارة ستّين سنة » (٨).

[٩٢] وعن أبي عبد الله 7 : « لا تدع صوم يوم سبعة وعشرين من رجب ، فإنّه

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢٢ ؛ الكافي ٤ : ١٥٠ / ٣ ، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٦ / ٢٤٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٦ / ٢٤٧.

(٦) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣٠.

(٧) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣١.

(٨) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤١.


اليوم الذي أنزلت فيه النبوّة على محمّد 6 ، وثوابه مثل ستّين شهرا لكم » (١).

[٩٣] وعن الرضا 7 : « صوم يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة كصوم ستّين شهرا ـ قال ـ : وهو مولد الخليل ، وعيسى بن مريم 8 ، ودحيت فيه الأرض » (٢).

[٩٤] قال الصدوق : وروي : « أنّ الكعبة أنزلت في تسع وعشرين من ذي القعدة ، وهي أوّل رحمة نزلت ، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة » (٣).

[٩٥] وعن الصادق 7 : « من تطيّب بطيب أوّل النهار وهو صائم لم يفقد عقله » (٤).

[٩٦] وعن النبيّ 6 : « ما من صائم يحضر قوما وهم يطعمون إلاّ سبّحت له أعضاؤه ، وكانت صلاة الملائكة عليه ، وكانت صلاتهم استغفارا » (٥).

باب :

[٩٧] قال ابن بابويه ; تعالى ، قال الصادق 7 : « من أمّ هذا البيت حاجّا أو معتمرا مبرّأ من الكبر رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه » (٦).

[٩٨] وقال الصادق 7 : « من أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمر الله به ، وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا ، كان آمنا في الدنيا والآخرة » (٧). ذكره في تفسير قوله تعالى : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٨).

[٩٩] وقال 7 : « ومن قدم حاجّا فطاف بالبيت ، وصلّى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٤ / ٢٣٨. بتفاوت في الألفاظ.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٤ / ٢٣٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٩.

(٦) الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٥٩ ؛ الكافي ٤ : ٢٥٢ / ٢ ، باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهما ؛ التهذيب ٥ : ٢٣ / ٦٩.

(٧) الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٦٠ ؛ التهذيب ٥ : ٤٥٢ / ١٥٧٩.

(٨) آل عمران (٣) : ٩٧.


في سبعين ألف حاجة ، وكتب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم » (١).

[١٠٠] وقال الصادق 7 : « إنّ لله تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة رحمة منها ستون للطائفين ، وأربعون للمصلّين ، وعشرون للناظرين » (٢).

[١٠١] وقال أبو جعفر 7 : « من صلّى عند المقام ركعتين عدلتا عتق ستّ نسمات. وطواف قبل الحجّ أفضل من سبعين طوافا بعد الحجّ » (٣).

[١٠٢] وقال الصادق 7 : « ما من رجل من أهل كورة وقف بعرفة من المؤمنين إلاّ غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين » (٤).

[١٠٣] وقال الصادق 7 : « لا يزال العبد في حدّ الطائف بالكعبة ما دام شعر الحلق عليه » (٥).

[١٠٤] وروي « أنّ الحاجّ من حين يخرج من منزله حتّى يرجع بمنزلة الطائف للكعبة » (٦).

[١٠٥] وروي : « أنّه ما تقرّب إلى الله عزّ وجلّ بشيء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين ، وأنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة » (٧).

[١٠٦] وقال رسول الله 6 : « كلّ نعيم مسئول عنه صاحبه إلاّ ما كان في غزو ، أو حجّ » (٨).

[١٠٧] وروي : « أنّ الحجّ أفضل من الصلاة والصيام » (٩).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١١ / ١ ، باب فضل الطواف ؛ الفقيه ٢ : ١٣٢ / ٥٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٠ / ٢ ، باب فضل النظر إلى الكعبة ؛ الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٥.

(٣) الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٣٦ / ٥٨٤.

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠١.

(٦) الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠٢.

(٧) الفقيه ٢ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٦٠٩.

(٨) الفقيه ٢ : ١٤٢ / ٦٢١.

(٩) الفقيه ٢ : ١٤٣ / ٦٢٦.


فالجمع بينه وبين ما تقدّم ، من أنّ صلاة الفريضة خير من عشرين حجّة ، أن تكون الحجّة مجرّدة عن الصلاة.

[١٠٨] وقال الصادق 7 : « من أنفق درهما في الحجّ كان خيرا له من مائة ألف درهم ينفقها في حقّ » (١).

[١٠٩] وروي : « أنّ درهما في الحجّ خير من ألف ألف درهم في غيره ، ودرهم يصل إلى الإمام مثل ألف ألف درهم في حجّ » (٢).

[١١٠] وروي : « أنّ هديّة الحاجّ من نفقة الحجّ » (٣).

[١١١] وقال أبو جعفر 7 : « أتى آدم 7 هذا البيت ألف أتية على قدميه ، منهما سبعمائة حجّة ، وثلاثمائة عمرة ، وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحجّ على ثور » (٤).

باب :

قال الله تعالى : ( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (٥).

[١١٢] وعن النبيّ 6 : « والذي نفسي بيده ، لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها » (٦).

[١١٣] وعنه 6 : « فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ. وفوق كلّ عقوق عقوق حتّى يقتل والديه ، فإذا قتل والديه فليس فوقه عقوق » (٧).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٨.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٦٥١.

(٥) النساء (٤) : ٩٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢٨ ـ ١٠٢٩ / ٢٦٣٩ ـ ٢٦٤١ ، كتاب الجهاد ؛ صحيح مسلم ٣ : ١٤٩٩ ـ ١٥٠٠ / ١١٢ ـ ١١٥ ، كتاب الإمارة.

(٧) التهذيب ٦ : ١٢٢ / ٢٠٩ ؛ وأورد صدره في الكافي ٥ : ٥٣ / ٢ ، باب فضل الشهادة.


[١١٤] وعنه 6 : « الجنّة تحت ظلال السيوف » (١).

[١١٥] وقال علي 7 : « الجنّة تحت أطراف العوالي » (٢).

[١١٦] وعن النبيّ 6 : « رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه » (٣).

[١١٧] وروي عن الصادق 7 ، قال : « جاء رجل من خثعم إلى رسول الله 6 وقال : يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال : الإيمان بالله. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : صلة الرحم. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال ، فقال الرجل : فأيّ الأعمال أبغض إلى الله عزّ وجلّ؟ قال : الشرك بالله ، قال : ثمّ ما ذا؟ قال : قطيعة الرحم. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (٤).

[١١٨] وعن النبيّ 6 : « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء » (٥).

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٧ : ١٣ / ٢٧ ، نقلا عن صحيفة الإمام الرضا 7.

(٢) نهج البلاغة : ٢٣٧ ، الخطبة ١٢٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٥٢٠ / ١٦٣ ، كتاب الإمارة.

(٤) الكافي ٥ : ٥٨ / ٩ ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ التهذيب ٦ : ١٧٦ / ٣٥٥. في المصدرين : « الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف » بدل « ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».

(٥) التهذيب ٦ : ١٨١ / ٣٧٣.


الفصل الخامس

في الترهيب

[١] روى الصدوق عن رسول الله 6 ، قال : « قال الله جلّ جلاله : أيّما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري ، وأيّما عبد عصاني وكلته إلى نفسه ، ثمّ لم أبال في أيّ واد هلك » (١).

[٢] وعن أبي جعفر الباقر 7 : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه » (٢).

[٣] وقال رسول الله 6 : « قال الله جلّ جلاله : إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلّطت عليه من خلقي من لا يعرفني » (٣).

[٤] وعن أبي الحسن موسى بن جعفر 8 أنّه قال لبعض ولده : « يا بنيّ إيّاك أن يراك الله عزّ وجلّ في معصية نهاك عنها ، وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، وعليك بالجدّ ، ولا تخرجنّ نفسك من التقصير عن عبادة الله ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ لا يعبد حقّ عبادته ، وإيّاك والمزاح ؛ فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ بمروءتك ، وإيّاك والكسل والضجر ؛ فإنّهما يمنعانك حظّك من الدنيا والآخرة » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٥.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٧.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٢.


[٥] وعن الصادق 7 : « من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك شيطان ، ومن لم يبال أن يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان ، ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان ، ومن شغف بمحبّة الحرام وشهوة الزنى فهو شرك شيطان » (١).

[٦] وعن النبيّ 6 : « من تأمّل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك ، ومن حلف بغير الله فليس من الله في شيء ، ونهى أن يقول الرجل للرجل : لا وحياتك وحياة فلان » (٢).

[٧] وقال 7 : « المؤمن لا يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام ، فمن كان مهاجرا لأخيه أكثر من ذلك كانت النار أولى به » (٣).

[٨] وقال 7 : « من مدح سلطانا جائرا ، أو تحفّف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار » (٤).

[٩] وقال 7 : « من بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار تشتعل ، ثمّ يطوّق في عنقه ويلقى في النار ، ولا يحبسه شيء دون قعرها إلاّ أن يتوب. قيل يا رسول الله : كيف يبني رياء وسمعة؟ قال : يبني فضلا عمّا يكفيه استطالة منه على جيرانه ومباهاة لإخوانه » (٥).

[١٠] وقال 7 : « من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله يوم القيامة مغلولا ، يسلّط الله عليه بكلّ آية منه حيّة تكون قرينه إلى النار إلاّ أن يغفر له » (٦).

[١١] وقال 7 : « من قرأ القرآن ثمّ شرب عليه حراما ، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها استوجب عليه سخط الله إلاّ أن يتوب » (٧).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٩ / ٩٠٥.

(٢) الفقيه ٤ : ٥ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٥ / ١ ، بتفاوت.

(٤) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٧) الفقيه ٤ : ٦ / ١.


[١٢] وقال 7 : « من زنى بامرأة ثمّ لم يتب منه فتح الله له في قبره ثلاثمائة باب يخرج منها عقارب وحيّات وثعبان النار ، فهو يحرق إلى يوم القيامة ، فإذا بعث من قبره تأذّى الناس من نتن ريحه ، فيعرف بذلك » (١).

باب :

[١٣] وقال 7 : « من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان » (٢).

[١٤] وقال 7 في الخمر : « من شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما ، فإن مات وفي بطنه شيء من ذلك كان حقّا على الله أن يسقيه من طينة خبال ، وهي صديد أهل النار ، وما يخرج من فروج الزناة » (٣).

[١٥] وقال 7 : « ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ، والله يستخفّ به يوم القيامة إلاّ أن يتوب » (٤).

[١٦] وقال 7 : « من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار إلاّ أن يتوب ويرجع » (٥).

[١٧] وقال 7 : « من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكله الله إلى نفسه ، ومن وكله الله إلى نفسه فما أسوأ حاله! » (٦).

[١٨] وقال 7 : « أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله عزّ وجلّ منها صرفا ، ولا عدلا (٧) ، ولا حسنة من عملها حتّى ترضيه وإن صامت نهارها وقامت ليلها ، وكانت أوّل من ترد النار. وكذلك الرجل إذا كان لها ظالما » (٨).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٧ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٤ / ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٧ / ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٧) في حاشية « ق » : « من إملائه ، قيل : الصرف : التوبة ، والعدل : العلم. وقيل : الصرف : الفريضة ، والعدل : النافلة ».

(٨) الفقيه ٤ : ٨ / ١.


[١٩] وقال 7 : « من بات وفي قلبه غشّ لأخيه المسلم بات في سخط الله ، وأصبح كذلك حتّى يتوب » (١).

[٢٠] وقال 7 : « من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه ، ونقض وضوؤه ، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة ، يتأذّى بها أهل الموقف » (٢).

[٢١] وقال 7 : « من خان أمانة في الدنيا ولم يردّها إلى أهلها ، ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي ، ويلق الله وهو عليه غضبان » (٣).

[٢٢] وقال 7 : « من شهد شهادة زور على أحد من الناس علّق بلسانه مع المنافقين في الدرك الاسفل من النار » (٤).

[٢٣] وقال 7 : « من سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها » (٥).

[٢٤] وقال 7 : « من احتاج إليه أخوه المسلم في قرض ، وهو يقدر عليه فلم يفعل حرّم الله عليه ريح الجنّة » (٦).

[٢٥] وقال 7 : « أيّما امرأة لم ترفق بزوجها وحمّلته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم يقبل الله منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان » (٧).

باب :

[٢٦] روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى النبيّ 6 قال : « لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن هائبا له ما حافظ على الصلوات الخمس ، فإذا ضيّعهنّ اجترأ عليه » (٨).

[٢٧] وعن أبي عبد الله 7 أنّه قال : « ليس من عبد إلاّ يوقظ في كلّ ليلة مرّة أو

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٧) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٣٦ / ٩٣٣.


مرتين أو مرارا فإن قام كان ذلك وإلاّ فحّج الشيطان فبال في أذنه » (١).

[٢٨] وعن أبي حمزة الثمالي قال : رأيت عليّ بن الحسين 7 يصلّي فسقط رداؤه عن منكبه ، فلم يسوّه حتّى فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلك فقال 7 : « ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل منه من صلاته إلاّ ما أقبل منها بقلبه ». فقلت : جعلت فداك هلكنا ، فقال : « كلاّ إنّ الله يتمّ ذلك بالنوافل » (٢).

[٢٩] وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 أنّهما قالا : « إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها ، فإن أوهمها كلّها ، أو غفل عن أدائها لفّت فضرب بها وجه صاحبها » (٣).

[٣٠] وعن عبد الله الحلبي قال : سألت أبا عبد الله 7 عن السهو ، فإنّه يكثر عليّ ، فقال : « أدرج صلاتك إدراجا ». قلت : وأيّ شيء الإدراج؟ قال : « ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود » (٤).

[٣١] وروى محمّد بن يعقوب بإسناده إلى أبي عبد الله 7 قال : « قال رسول الله 6 : اتّقوا الظلم ؛ فإنّه ظلمات يوم القيامة » (٥).

[٣٢] وعن أبي جعفر 7 : « ما من أحد يظلم بمظلمة إلاّ أخذ الله عزّ وجلّ بها في نفسه ، أو من ماله » (٦).

[٣٣] وعن أبي عبد الله 7 : « من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه ، أو على عقب عقبه ». قال الراوي ـ وهو عبد الأعلى ، مولى آل سام ـ : يظلم هو فيسلّط على عقبه أو على عقب عقبه؟ فقال : « إنّ الله تعالى يقول : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٤ / ١٣٧٨ ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ١ : ٣٠٣ / ١٣٨٥ ، وليس فيه : « أو مرارا ».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١٤١٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٢ / ١٤١٧ ؛ الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٤ ، باب ما يقبل من صلاة الساهي.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٥ ؛ الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٩ ، باب من شكّ في صلاته كلّها و ... في المصدرين : « عبيد الله » بدل عبد الله ».

(٥) الكافي ٢ : ٣٣٢ / ١٠ و ١١ ، باب الظلم.

(٦) الكافي ٢ : ٣٣٢ / ١٢ ، باب الظلم.


ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) » (١).

[٣٤] وعن أبي عبد الله 7 : « إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّ من الأنبياء ـ وكان في مملكة جبّار من الجبابرة ـ أن ائت هذا الجبّار فقل له : إنّي لم أستعملك على سفك الدماء ، واتّخاذ الأموال ، وإنّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين ؛ فإنّي لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّارا » (٢).

[٣٥] وعن أبي جعفر 7 قال : « إنّ الله عزّ وجلّ ، جعل للشرّ أقفالا ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب » (٣).

[٣٦] وعن أبي جعفر 7 : « إنّ الكذب هو خراب الإيمان » (٤).

[٣٧] وعن أبي عبد الله 7 : « من لقي المسلمين بوجهين ولسانين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار » (٥).

باب :

[٣٨] وعنه 7 : « لا يفترق رجلان على الهجران إلاّ استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استوجب ذلك كلاهما ». قال معتّب : جعلت فداك هذا الظالم فما بال المظلوم؟ قال : « لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته » (٦).

[٣٩] وعنه 7 قال ، قال رسول الله 6 : « لا هجرة فوق ثلاث » (٧).

[٤٠] وعن داود بن كثير ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « قال أبي 7 ، قال رسول الله 6 : أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلاّ كانا خارجين من

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٣٢ / ١٣ ، باب الظلم والآية في النساء (٤) : ٩.

(٢) الكافي ٢ : ٣٣٣ / ١٤ ، باب الظلم.

(٣) الكافي ٢ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ / ٣ ، باب الكذب ، ورواه عن أبي عبد الله بتفاوت في ٦ : ٤٠٣ / ٥ ، باب أنّ الخمر رأس كلّ إثم وشرّ.

(٤) الكافي ٢ : ٣٣٩ / ٤ ، باب الكذب.

(٥) الكافي ٢ : ٣٤٣ / ١ ، باب ذي اللسانين.

(٦) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ١ ، باب الهجرة.

(٧) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ٢ ، باب الهجرة.


الإسلام ، ولم يكن بينهما ولاية ، فأيّهما سبق إلى كلام صاحبه كان السابق إلى الجنّة يوم القيامة » (١).

[٤١] وعن زرارة عن أبي جعفر 7 ، قال : « إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهما عن دينه ، فإذا فعلا ذلك استلقى على قفاه ومدّ يده ، ثمّ قال : فزت ، فرحم الله امرأ ألّف بين وليّين لنا. يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا » (٢).

[٤٢] وعن أبي بصير عن أبي عبد الله 7 : « لا يزال إبليس فرحا ما تهاجر المسلمان ، فإذا التقيا اصطكّت ركبتاه ، وتخلّعت أوصاله ، ونادى : يا ويله ما لقي من الثبور » (٣).

[٤٣] وعنه 7 قال : « قال رسول الله 6 : ألا وإنّ التباغض الحالقة ، لا أعني حالقة الشعر ، ولكن حالقة الدين » (٤).

[٤٤] وعنه 7 : « اتّقوا الحالقة ؛ فإنّها تميت الرجال ». قلت : وما الحالقة؟ قال : « قطيعة الرحم » (٥).

[٤٥] وعن أبي جعفر 7 قال : « في كتاب عليّ 7 ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبدا حتّى يرى وبالهنّ : البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة ، يبارز الله بها. وإنّ أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّارا فيتواصلون فتنمو أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة ، وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها » (٦).

[٤٦] وعن أبي الحسن 7 قال : « قال رسول الله 6 : كن بارّا واقتصر على الجنّة ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٥ ، باب الهجرة.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٦ ، باب الهجرة.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٧ ، باب الهجرة.

(٤) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ١ ، باب قطيعة الرحم.

(٥) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٢ ، باب قطيعة الرحم.

(٦) الكافي ٢ : ٣٤٧ / ٤ ، باب قطيعة الرحم.


فإن كنت عاقّا فظّا غليظا فاقتصر على النار » (١).

[٤٧] وعن أبي عبد الله 7 قال : « إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنّة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام إلاّ صنفا واحدا ، وهم العاقّ لوالديه » (٢).

[٤٨] وعن أبان بن تغلب عن أبي جعفر 7 قال : « ليلة أسري بالنبيّ 6 قال : يا ربّ ، ما حال المؤمنين عندك؟ قال : يا محمّد ، من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة ، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي. وما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي عن وفاة عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته. وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلح له إلاّ الغنى ، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك. وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلح له إلاّ الفقر ، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك. وما يتقرّب عبدي إليّ بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه ، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته » (٣).

باب :

[٤٩] روى الصدوق (٤) أيضا بإسناده إلى إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « قال رسول الله 6 : يا معشر من أسلم بلسانه ، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه ، لا تذمّوا المسلمين ، ولا تتّبعوا عوراتهم ، فإنّ من اتّبع عوراتهم تتبّع الله عزّ وجلّ عورته ، ومن تتبّع الله عزّ وجلّ عورته يفضحه ولو في بيته » (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٨ / ٢ ، باب العقوق.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٨ / ٣ ، باب العقوق.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥٢ / ٨ ، باب من أذى المسلمين واحتقرهم.

(٤) لعلّ هذا من سبق القلم والصحيح : « روى الكليني أيضا » لأنّ ما قبله من الروايات برواية الكليني ؛ ولم نعثر في أحاديث هذا الباب على رواية الصدوق إلاّ الحديث الأوّل والثاني ، والأوّل بسند آخر.

(٥) الكافي ٢ : ٣٥٤ / ٢ ، باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم ؛ ورواه الصدوق بسند آخر في عقاب الأعمال : ٢٨٨ / ١.


[٥٠] وعن أبي عبد الله 7 قال : « قال رسول الله 6 : من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ، ومن عيّر مؤمنا بشيء لم يمت حتّى يرتكبه » (١).

[٥١] وعن أبي عبد الله 7 : « من لقي أخاه بما يؤنّبه أنّبه الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة » (٢).

باب :

[٥٢] وبإسناد الصدوق إلى رسول الله 6 قال : « الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث ». قيل : يا رسول الله ، وما الحدث؟ قال : « الاغتياب » (٣).

[٥٣] وعن أبي عبد الله 7 قال : « من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) » (٤).

[٥٤] وعن أبي عبد الله 7 قال : « سئل النبيّ 6 : ما كفّارة الاغتياب؟ قال : تستغفر لمن اغتبته كلّما ذكرته » (٥).

[٥٥] وعن أبي عبد الله 7 : « الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه » (٦).

[٥٦] وعن المفضّل بن عمر قال ، قال أبو عبد الله 7 : « من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه ، وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله عزّ وجلّ من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان » (٧).

__________________

(١) عقاب الأعمال : ٢٩٥ / ٢ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٦ / ٢ ، باب التعيير.

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٦ / ١ ، باب التعيير.

(٣) أمالي الصدوق : ٣٤٢ / ١١ ، المجلس ٦٥ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ / ١ ، باب الغيبة والبهت.

(٤) أمالي الصدوق : ٢٧٦ / ١٦ ، المجلس ٥٤ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٧ / ٢ ، باب الغيبة والبهت. والآية في النور (٢٤) : ١٩.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢٤ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٧ / ٤ ، باب الغيبة والبهت.

(٦) أمالي الصدوق : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ / ١٧ ، المجلس ٥٤ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٨ / ٧ ، باب الغيبة والبهت.

(٧) أمالي الصدوق : ٣٩٣ / ١٧ ، المجلس ٧٣ ، وليس فيه : « فلا يقبله الشيطان » ؛ الكافي ٢ : ٣٥٨ / ١ ، باب الرواية على المؤمن.


[٥٧] وعن أبي عبد الله 7 : « لا تبدي الشماتة لأخيك في; عزّ وجلّ ويحلّها بك ». وقال : « من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتّى تصيبه » (١).

[٥٨] وعن أبي حمزة عن أحدهما 8 قال : سمعته يقول : « إنّ اللعنة إذا خرجت من في صاحبها تردّدت ، فإن وجدت مساغا وإلاّ رجعت على صاحبها » (٢).

[٥٩] وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله 7 ، قال : « إنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل » (٣).

[٦٠] وعن معروف بن خرّبوذ عن أبي جعفر 7 قال : « صلّى أمير المؤمنين 7 بالناس الصبح بالعراق ، فلمّا انصرف وعظهم وبكى وأبكاهم من خوف الله عزّ وجلّ ، ثمّ قال : أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله 6 وإنّهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا ، بين أعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربّهم سجّدا وقياما ، يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، يناجون ربّهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار. والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون » (٤).

تمّت الرسالة والحمد لله ربّ الأرباب ، ومذلّل الصعاب ، ومالك الرقاب ، والصلاة والسلام على نبيّ الأمّة ، وآله خير آل ، وأصحابه خير الأصحاب ، و [ سوّد ] ذلك هزيع ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة خلت في جمادى الأولى سنة سبع وستّين وسبعمائة.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٥٩ / ١ ، باب الشماتة.

(٢) عقاب الأعمال : ٣٢٠ / ١ ؛ الكافي ٢ : ٣٦٠ / ٦ ، باب السباب.

(٣) الكافي ٢ : ٣٢١ / ١ ، باب سوء الخلق.

(٤) الكافي ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٢١ ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.


(٢)

الرسالة اليونسيّة

في

شرح المقالة التكليفيّة

للعلاّمة البياضي



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي تفضّل بوجود خليقته لمعرفته وعبادته ، وتطوّل بوجود شريعته لإنفاذ إرادته على أيدي سفرته ، وجعل الغاية إلى ذلك لطف تذكرته وشكر نعمته والتعريض لجنّته ، وصلواته على من استدارت رحى العالمين على رءوسهم ، واستنارت دجى العالمين بتكميل نفوسهم ، وخصوصا سيّد النبيّين وخاتمهم وآله المنيبين وقائمهم صلاة تقوم بقرضهم ، ومدحة تدوم بفرضهم.

وبعد : فلمّا وضع الشيخ السعيد أبو عبد الله الشهيد ـ زاد الله في درجته ، وأسكنه بحبوحة جنّته ـ المقالة الموسومة بـ « التكليفيّة » دائرة على خمسة فصول سنيّة ، فيها مباحث جليّة ، ومن الإسهاب خليّة ، وإشارات وتلويحات خفيّة ، وترغيبات وترهيبات حفيّة. أشار إليّ من ظنّ طاقتي بحلّها ونهضتي لفلّها ، ولم يدر فاقتي على أقلّها ، وبهظتي بقلّها ؛ فشرعت فيه ملتمسا من الرحمن الغفران والإحسان ، ومن نوع الإنسان ستر النقصان والنسيان ، وبالله [ نستمدّ ] الطول.

قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ).

أقول : في [ البدء ] بالبسملة وجوه مشهورة ، قد أوردنا منها طرفا في شرح الأسماء. وأشهرها ما روي عن النبي 6 ، قال : « كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه ب ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فهو أبتر » (١).

__________________

(١) تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري 7 : ٢٥ / ٧ ؛ الكشّاف ١ : ٣ ـ ٤ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٥ / ٢٤٩١.


واعلم أنّ هذا [ الحكم ] مخصوص بمنفصل عقلي ؛ فإنّ البسملة كلام ولا يفتقر إلى بسملة ؛ لامتناع التسلسل [ بأن يبتدئ ] غيرها بها ، فهو فيها بنفسها.

ووجدنا بخطّ المصنّف ( قدّس الله سرّه ) : قال بعض العلماء : البسملة قول من ربّنا أنزله عند رأس كلّ سورة يقسم لعباده أنّ [ هذا الذي ] وضعت لكم ـ يا عبادي ـ حقّ بأنّي أوفي بجميع ما ضمّنته في هذه السورة من وعدي ولطفي وبرّي (١).

وعن عليّ ( كرّم الله وجهه ) : « هي شفاء من كلّ داء ، وعون على كلّ دواء ، وهي أمان » (٢).

وعن الزهري : أنّها كلمة التقوى التي كانوا أحقّ بها (٣).

وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة : أنّ كلمة التقوى كلمة الوحدة (٤).

وفي كتاب الدرّ النظيم في مناقب الغرّ اللهاميم (٥) ما رواه الإمام الصادق 7 عن رسول الله 6 : « أنّ الله جلّ وعزّ قال له ليلة الإسراء : « إنّ كلمة التقوى علي بن أبي طالب ».

قال : ( الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبثا ، ولم يدعهم هملا ، بل كلّفهم بالمشاقّ علما وعملا ).

أقول : الحمد : هو وصف المنسوب إليه بالقبول على جميل كماله وجزيل نواله.

ونفي العبث ، يدلّ [ عليه ] بفائدتين :

أحدهما : الاقتباس بالآية الكريمة : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (٦) وفيه توبيخ لمن نفى الغرض عن أفعاله تعالى ، وقد عرف من ذلك معنى العبث.

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٦٥ ، ( مقدّمة المؤلّف ).

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٧٥ ، ( مقدّمة المؤلّف ).

(٣) كشف الأسرار ٩ : ٢٢٩.

(٤) كشف الأسرار ٩ : ٢٢٩.

(٥) هذا الكتاب للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي تلميذ المحقّق الحلّي ، وهو مخطوط لم يتيسّر لنا التخريج عنه. ولكن روي عن رسول الله 6 في كتاب سليم بن قيس الهلالي ٢ : ٦٨٦ / ١٤ و ٨٥٧ / ٤٥.

(٦) المؤمنون (٢٣) : ١١٥.


وثانيهما : افتتاح الكتاب بما يدلّ على المأتيّ به في الكتاب ويسمّى ذلك في فنّ البديع براعة الاستهلال ؛ لقول عمرو بن مسعدة حين كتب إلى الخليفة (١) يعلمه أنّ بقرة ولدت عجلا بوجه إنسان : الحمد لله الذي خلق الأنام في بطون الأنعام (٢).

ونفي الهمل : نوع تأكيد وتكميل ، وفيه ردّ على من نفى التكليف (٣). والهامل : الذي لم يؤمر ولم ينه ولم ينظر له في جلب سدى ولا [ ... ] وأصله البهيمة الهاملة إذا أرسلت للرعي أنّى شاءت.

بل كلّفهم. « بل » حرف عطف. و « كلّفهم » حمّلهم. و « المشاقّ » جمع واحده مشقّ (٤) أو مشقّة ، وتقييده بالمشاقّ [ حمل على ] الأغلب إذ لا يدلّ الشاقّ على نفي غيره إلاّ بمفهوم الخطاب ، وليس حجّة على ما علم في الأصول ، ولهذا لم يأت المصنّف في تحديده للتكليف بقيد المشقّة.

والعلم : المراد به هنا [ غير الضروري ] ؛ لامتناع التكليف بالضروري ، والقصد بالعلم الراجح منع من نقيضه [ إذ لا علم يتعيّن ] بالظنّ.

واعلم أنّ قومنا منعوا من كون المعارف مقدورة لنا ، واستدلّوا [ بروايات ] كان منها :

« ومننت على عبادك بمعرفتك » (٥) ولا يحسن المنّ بغير المفعول ؛ [ لأنّ ] المنّ وقع بخلق الآلات كالحياة والعقل والمستدلّ به. وأخّر « العمل » وذلك لتأخّره طبعا ، وليكن ذلك سجعا.

قال : ( لينزجروا عن قبائح الأفعال ، وينبعثوا على محاسن الخلال ، ويفوزوا بشكر ذي العزّة والجلال ).

أقول : « اللام » في لينزجروا مقدّرة على الفقرتين الأخيرتين وهي لام الغرض

__________________

(١) الخليفة هو المأمون ، وعمرو بن مسعدة كاتبه.

(٢) شرح الكافية البديعيّة : ٥٩.

(٣) هم الجبريّة.

(٤) كذا في المخطوطة ، والصواب : شاق.

(٥) مصباح المتهجّد : ٥١٢ ، أدعية الساعات.


الذي هو غاية التكليف وهي الوجه.

وفي ينزجروا وينبعثوا ضمير اللّطف ، وفي ويفوزوا إلى آخره ضمير الشكر ؛ أعني أنّ الشكر هو الوجه.

وفي المفاتح الثلاثة إلمام بأنّ أفعال العبيد منهم.

والانزجار والانبعاث متقابلان ، وكذا القبائح والمحاسن ، وهذا نوع من البديع يسمّى « المطابقة » كأنّه طابق الضدّ لضدّه ، ومنه قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا ) (١).

أمّا الأفعال والخلال فبينهما عموم ، إذ كلّ فعل خلّة ، أي خصلة وصفة ، وقد لا تكون الخلّة فعلا.

والخلّة ـ بالضمّ ـ الخصلة ، وتقال على المودّة والحلو من المرعى. تقول العرب :

الخلّة خبز الإبل والحمض فاكهتها ، وجمعها خلال بالكسر ، والخلّة ـ بالفتح : الحاجة ، والخليل : الفقير ، قال زهير :

وإن أتاه خليل يوم مسغبة

يقول : لا غائب مالي ولا حرم (٢)

وبالفقر إلى الله ومودّته فسّرت خلّة إبراهيم 7 (٣).

وفي تفسير الإمام العسكري 7 عن رسول الله 6 ، قال : « سمّاه خليله ؛ لأنّه تخلّل معانيه ، ووقف على أسراره » (٤).

هذا وقد جمع المصنّف ( أحلّه الله المحلّ الرفيع ) في الخلال والجلال نوعين من البديع :

التصحيف : وهو الاختلاف بالنقط ، ومنه قوله تعالى : ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (٥).

__________________

(١) النجم (٥٣) : ٤٣ ، ٤٤.

(٢) الصحاح ٣ : ١٦٨٨.

(٣) مجمع البيان ٢ : ١١٦ ذيل الآية ١٢٥ من البقرة (٢).

(٤) تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري 7 : ٥٣٣.

(٥) الكهف (١٨) : ١٠٤.


والتحريف : وهو الاختلاف بالحركات.

وهو هنا كسر الخاء وفتح الجيم.

ومنه قول رسولنا 6 : « اللهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي » (١).

وإنّما قدّم ينزجروا على ينبعثوا ؛ لأنّ الأوّل دفع والثاني نفع ، وسلب الضرّاء أقدم من جلب السرّاء.

فعلى هذا كان الأولى تقديم الترهيب الآتي ذكره أخيرا على مقابله ، ويمكن أن يقال : إنّما قدّم الترغيب لتعلّقه بمفهومات وجوديّة ومفهومات مقابله عدميّة.

أو أنّ إرادة الضدّ وملازمته تستلزم كراهة الآخر ومجانبته ، أو أنّ المصنّف لفّ ونشر لا على الترتيب ، وهو جائز عندهم ، ومنه ( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ) (٢).

وبالجملة لا [ ... من ] بعد بيان أنّ الواو لا تفيد الترتيب.

ثمّ نرجع ونقول : الفوز : قطع المخيف ، والمفازة : المهلكة على معنى أنّ من قطعها فاز وسمّيت مفازة تطيّرا.

ولمّا كان الشكر سببا للخلوص من المخافة والعقاب والحصول على السلامة والثواب ، كان فوزا على ما عرفت.

والشكر لله الكريم المنعم بالجسيم اعتقاد أنّ النعم منه مع ضرب من التعظيم والعزّة والمنعة (٣) والجلال والرفعة.

وتندرج في هذا اللفظ القليل صفات الثبوت والسلب على الجمع والتفصيل.

قال : ( والصلاة على من أيّد الله ببعثهم العقل الصريح ، وخصوصا نبيّنا محمّدا البليغ الفصيح ، وعلى أهل بيته وأرومته المساميح ، والطيّبين من عترته وذرّيّته المراجيح ).

أقول : الصلاة هنا الرحمة. والتأييد : التقوية ، ومنه ( داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ) (٤) يعني ذا

__________________

(١) تحف العقول : ١٦.

(٢) آل عمران (٣) : ١٠٦.

(٣) المنعة : العزّ والقوّة. المعجم الوسيط : ٨٨٨ ، « م. ن. ع ».

(٤) ص (٣٨) : ١٧.


القوّة ، إمّا على العبادة كقول ابن عباس ، أو على الأعداء كقول غيره ، فإنّه رمى رجلا بحجر من مقلاعه في صدره فأنفذه من ظهره (١).

وفيما ذكر إشارة إلى الإقرار بنبوّة الرسل السالفين إلى الأمم الماضين ، وأنّهم جاءوا بتفصيل ما حكم به العقل إجمالا ، وبه يبطل قول ـ برهام (٢) ، حيث جعل بعث الأنبياء محالا.

والعقل : غريزة في قلب الإنسان. وهل هو العلم؟ قيل به ؛ للملازمة ، وهي ممنوعة ، ومع تسليمها لا يلزم منها الاتّحاد كما في المتضايفين.

ثمّ خصّ بالصلاة نبيّنا محمّدا 6 مع دخوله في جملتهم أوّلا. ولأجل فضيلته عليهم أفرده بالمقال كالملائكة وجبرئيل وميكال.

هذا ، ولمّا ولد قال رجال قريش لعبد المطلب : ما سمّيت ابنك؟ قال : محمّد قالوا : هذا ما هو من أسماء آبائك ، قال : أردت أن يحمد في السماء وفي الأرض (٣). حكى ذلك شارح المفصّل عن ابن دريد. ويمكن أن يكون ذلك بإخبار آمنة إيّاه ، فإنّ ابن طاوس ذكر في مهجه مسندا إليها : أنّه أتاها آت في منامها حملت بسيّد البريّة فسمّيه محمّدا ، اسمه في التوراة أحمد (٤).

وقد سمّيت رجال في الجاهليّة بمحمد منهم : ابن بلال بن أحيحة ، ومحمّد بن حمران الجعفي ، ومحمّد بن هلال بن دارم ، ومحمّد بن خولي الهمداني ، ومحمّد بن مسلمة الأنصاري (٥).

والبلاغة : وصول المتكلّم في تأدية المعاني إلى حدّ له اختصاص بتوفية خواصّ التراكيب حقّها ، وإيراد أنواع الكناية والمجاز والتشبيه على وجهها.

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٤٦٩ ذيل الآية ١٧ من سورة ص (٣٨).

(٢) هكذا في المخطوطة ، وهو تحريف « براهم » الذي ينسب إليه البراهمة. للوقوف على آرائهم راجع الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥٥.

(٣) السيرة الحلبيّة ١ : ١٢٨.

(٤) مهج الدعوات : ٤.

(٥) لسان العرب ٣ : ١٥٧ ، « ح. م. د ».


والفصاحة : خلوص الكلام عن التعقيد بألفاظ عربيّة أصليّة دائرة على ألسنة الموثوق بعربيّتهم ، جارية على قانون لغتهم. وأصلها الإظهار والإبانة : من أفصح اللبن إذا أخذت رغوته ، وفصح الأعجميّ إذا خلصت من لكنته لغته.

والذين نقلت عنهم اللغة العربية ، وبهم اقتدي : قيس وتميم وأسد ، ثمّ هذيل ، وبعض كنانة وبعض الطائيّين ، ولم تؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم ممّن سكن أطراف بلادهم.

وقيل : البلاغة والفصاحة مترادفان.

وقال السكّاكي في تلخيص المفتاح : الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلّم ، فيقال : كلمة فصيحة ، وقصيدة فصيحة ، وشاعر فصيح. والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط (١).

إذا عرفت هذا ، فوصف النبيّ 6 بهما ظاهر في كتابه وسنّته لمن تدبّرهما.

أمّا الكتاب : فباعتبار آدابه وتلاوته.

وأمّا السنّة : فباعتبار تلويحاته وهدايته ، مثل « لا يغلق الرهن » (٢) و « المنحة مردودة » (٣).

وقد تمدّح النبي 6 بذلك في قوله : « أوتيت جوامع الكلم » (٤) « واختصر لي [ الكلام ] اختصارا » (٥).

ثمّ عطف بالصلاة على أهل بيته ، وهم آله وأرومته ، وهم أصله وشجرته.

والطيّبين من عترته وذرّيّته ، إشارة منه إلى المعصومين ، ووصفهم بالمساميح ؛ لما ذاع من كرمهم ، وبالمراجيح ؛ لما شاع من فضلهم.

__________________

(١) المطوّل للتفتازاني : ١٥.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٦ / ٢٤٤١.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٣٩٨.

(٤) كنز العمّال ١١ : ٤٤٠ / ٣٢٠٦٨.

(٥) سنن الدارمي ١ : ٢٩ باب ما أعطي النبي 6 من الفضل.


فائدة إيمانيّة

إنّما عنى بالطيّبين عليّا وأولاده الأحد عشر ، وقد تدخل فيهم فاطمة 3 لطهارتها ، لا لإمامتها ؛ لأنّهم يدخلون الألفاظ الثلاثة على اختلاف تفاسيرها ، فصار مقطوعا بأنّهم آله دون غيرهم.

فقد قيل : آل الرجل من دان بدينه ؛ لقوله تعالى : ( إِلاَّ آلَ لُوطٍ ) (١). قال المفسرون : هم من تبعه في دينه (٢). وقيل : من حرمت عليهم الصدقات ؛ لإبعادهم عن الأوساخ ؛ لما خرّجه الإمامان : مسلم بن الحجّاج القشيري وأبو داود النسائي (٣) ، يسندانه في صحيحيهما إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال : سمعت رسول الله 6 يقول : « هذه الزكاة أوساخ لا لمحمّد ولا لآل محمّد » (٤).

وأمّا العترة : فقيل : هم العشيرة وهم الأهل الأدنون (٥).

وقيل : هم الذرّيّة (٦). والمذكورون كذلك ، فدخلوا في ذرّيّته بفاطمة 3 ، كما دخل عيسى بأمّه في ذرّيّة النبيّين على ما نطق به الكتاب المبين (٧).

وبهذا كان جواب الشعبي ، لمّا بلغ الحجّاج أنّه يميل إليهم فأحضر له علماء المصرين (٨) ، وقال : بلغني أنّك تقول : أبناء عليّ أبناء الرسول وذرّيّته ، والنسب لا يكون إلاّ بالآباء ، فسكت الشعبي عنه حتّى زاد في تعنيفه. ثمّ قال : هذا كلام من يجهل كلام الله ورسوله ، هؤلاء حملة الكتاب من أهل المصرين ، ما منهم إلاّ من يعلم

__________________

(١) الحجر (١٥) : ٥٩.

(٢) معجم مفردات ألفاظ القرآن : ٢٦.

(٣) هكذا في النسخة والصحيح : « أبو داود السجستاني ».

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٣ / ١٠٧٢ ؛ سنن النسائي ٣ : ١٠٦.

(٥) لسان العرب ٤ : ٥٣٨ ؛ الصحاح ٢ : ٧٣٥ ، « ع. ت. ر ».

(٦) لسان العرب ٤ : ٥٣٨ ؛ الصحاح ٢ : ٧٣٥ ، « ع. ت. ر ».

(٧) الأنعام (٦) : ٨٤ ـ ٨٥.

(٨) هما الكوفة والبصرة.


ما أقول ، ثمّ قرأ : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) ـ إلى أن قال ـ ( وَعِيسى ) (١) وقال النبيّ 6 : « ابني هذا سيّد » فخجل الحجّاج من الحاضرين ، وتلطّف بالشعبي (٢).

وأمّا وجه الحصر في العدد المذكور ، فالاعتماد فيه على الأحاديث القدسيّة والسنن النبويّة المشتملة على عددهم وأسمائهم وصفاتهم ، وقد دوّنها العلماء رضوان الله عليهم في كتبهم ، كعيون الرضا ، وكتاب الأوصياء ونهج الإيمان وغيرهم ، بالغة إلى حدّ لم يترك لذي فطنة فتنة ، ولا لذي إحنة طعنة.

قال : ( وبعد ، فهذه المقالة التكليفيّة مرتّبة على خمسة فصول سنيّة ).

أقول : هذه كلمة وضعت لفصل الخطاب. وقيل : هي أداة له. وفصل الخطاب بالتنبيه [ واليمين ] ، وهي لفظة بنيت ؛ لقطعها عن الإضافة ، فلو قلت : [ قمت من ] بعدك ، كسرت دالها.

واختلف في أوّل من أوتيها ، فقيل : داود النبيّ 7 للآية الكريمة (٣) ، وهو منقول عن ابن عبّاس 2. وقيل : كعب بن لؤيّ (٤).

قال أكثر أهل التفسير : إنّ فصل الخطاب الشهود والأيمان ؛ لأنّ الخصوم لا تنفصل إلاّ بذينك (٥).

وعن ابن مسعود وقتادة ومقاتل والحسن : إنّ فصل الخطاب هو العلم بالقضاء (٦).

وعلى القولين لا دلالة في الآية على موضع الخلاف.

وقيل : أوّل ناطق بها حكيم العرب قسّ بن ساعدة رحمة الله عليه ، وقد روي ذلك في حديث عن النبيّ 6.

ووجدنا بيتا ينسب إليه ، فيه دعوى ذلك.

__________________

(١) الأنعام (٦) : ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٣٣٠ ؛ الدرّ المنثور في التفسير المأثور ٣ : ٣١١.

(٣) سورة ص (٣٨) : ٢٠. ( وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ).

(٤) مجمع البيان ٨ : ٤٦٩ ؛ الدرّ المنثور في التفسير المأثور ٧ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٥) مجمع البيان ٨ : ٤٦٩ ؛ الدرّ المنثور في التفسير المأثور ٧ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٦) مجمع البيان ٨ : ٤٦٩ ؛ الدرّ المنثور في التفسير المأثور ٧ : ١٥٤ ـ ١٥٥.


لقد علم الحيّ اليمانيّ أنني

إذا قيل : أمّا بعد أني خطيبها

يعني الخاطب بها أوّلا ، وإلاّ ذهب التمدّح.

وقال الإمام فخر الدين في كتابه جامع الفوائد : إنّ أوّل من تكلّم بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب 7.

ويجوز الجمع بين هذه الأقوال بكون كلّ منهما نطق بها جاهلا بغيره ؛ ولا يضرّ جهل الإمام بذلك ؛ إذ ليس مسألة دينيّة ، وهذا من توافق الخاطرين (١) المذكورين في البديع.

فهذه « الفاء » للتعقيب على حسب ما يمكن ، و « الهاء » للتنبيه ، وبقيّتها للإشارة.

والمقالة : جمع فيه مبالغة واحدة.

قوله : التكليفيّة نسبة لها إلى التكليف ، نسبة الموصوف إلى الصفة ، فيتبعه في إعرابه.

مرتّبة ، الترتيب : جعل كلّ شيء في مرتبته كالبناء بوضع أكبر آلاته في قاعدته ، وأصغرها في ذروته ، وحشو ما لا وجه له منها في وسطه فلو عكس ذلك لم يكن ترتيبا بل تأليفا.

والفصول : جمع واحده فصل. والفصل لغة : القطع ، ( فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ ) (٢) أي قطعهم وسار بهم ، وفصل الصبيّ : قطعه عن الرضاعة. ويقال في عرف المنطقيّين على المميّز الذاتي. واصطلاحا : الجامع لمسائل متّحدة صنفا مختلفة شخصا.

والسنيّة : إمّا من السناء الممدود وهو الرفعة ، أو المقصور وهو الضوء ، ( يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ ) (٣) ، والجمع بينهما صالح.

قال : ( الفصل الأوّل في ماهيّته وتوابعها. الفصل الثاني في متعلّقه.

__________________

(١) توارد الخواطر : اتّفاق القائلين في اللفظ والمعنى جميعا ، أو في المعنى وحده. المطوّل للتفتازاني : ٤٧٠.

(٢) البقرة (٢) : ٢٤٩.

(٣) النور (٢٤) : ٤٣.


الفصل الثالث في غايته. الفصل الرابع في الترغيب. الفصل الخامس في الترهيب ).

أقول : ماهيّة الشيء هي ما به ذلك الشيء هو هو.

وهل هي الحقيقة؟ قيل : نعم. وقيل : الحقيقة ما دخلت في الوجود الخارجي.

والفرق بينها وبين الهويّة ، أنّ الماهيّة كلّية ، والهويّة شخصيّة ، يقال : ماهيّة الإنسان وهويّة زيد.

والتوابع : جمع تابع ، وهو ما كان مقصودا بالقصد الثاني ، ويتأخّر حصوله في نفسه عن متبوعه. واحترزنا بهذا القيد عن المقدّم ، فإنّه وإن كان مقصودا بالقصد الثاني ، إلاّ أنّه متقدّم الحصول في نفسه.

والتابع هنا هو المبحوث عنه في مطلبي « هل » و « من ».

والمراد بالمتعلّق : العلم أو الظنّ أو العمل ؛ فإنّ التكليف له تعلّق بموجبه ، وتعلّق بمن سقط الوجوب عليه.

والأوّل : تعلّق المعلول بعلّته. والثاني : تعلّق الحال بمحلّه ، وليسا مرادين هنا ؛ لما صرّح به في موضعه.

وغاية الشيء : هي ما يفعل لأجلها ، وهي إحدى علله ، فإنّها علّة لغاية الفاعل.

والترغيب : كلّ قول أو فعل بعثا على قول أو فعل أوجبا محبوبا.

والترهيب : كلّ قول [ أو فعل ] حثّا على ترك قول ، أو فعل نفى مكروها.

قال : ( ومدار هذه الفصول على خمس كلمات مفردة ، وهي : « ما » و « هل » و « من » و « كيف » و « لم ». الفصل الأوّل : يبحث فيه عن الثلاثة الأول ، وهي : ما التكليف؟ ـ ويبحث فيه عن مفهومه بحسب الاصطلاح ـ وهل يجب في حكمة الله أم لا؟. ومن المكلّف والمكلّف؟. والفصل الثاني : يبحث فيه عن مدلول كيف التكليف؟ أي على أيّ صفة يكون؟.


والفصل الثالث : يبحث فيه عن مدلول لم يجب التكليف مثلا؟ وهو السؤال عن غايته. والفصلان الأخيران من مكمّلات هذا الفصل ).

أقول : قد جرت عادة أهل البحث بوضع تلك الكلمات الخمس ، وكأنّهم نظروا فوجدوا كلّ واحدة منها كالقطب لرحاه ، فجعلوها كالموضع الذي هو مرجع لمسائله.

وهذه ـ أعني لفظة « ما » ـ يستكشف بها عن الحقيقة ـ كما قرّر في اللغة ـ فلهذا قال عن مفهومه : يعني عاريا عمّا يلحقه من الاعتبارات.

والاصطلاح : عبارة عن اجتماع قوم في معنى عن اتّفاق. و « القوم » هنا يحتمل كونهم أهل العرف ، أو أهل هذه الصنعة.

وهذا الفصل قد اشتمل من الكلمات على مطلب « ما » و « هل » و « من ».

وقوله : يبحث فيه عن مدلول « كيف » ومدلول « لم ».

اعلم أنّ « كيف » و « لم » ليستا دليلين على ثبوت ما ذكره وإنّما قصد بقوله : مدلول ، المعنى الموضوع له اللفظ ؛ لأنّ اللفظ يدلّ عليه ، وإلاّ لكان مهملا.

وفي جعله الترغيب والترهيب مكمّلين لهذا الفصل ميل إلى مذهب اللّطف.


[ الفصل الأوّل

في ماهيّة التكليف وتوابعها ]

قال : ( أمّا الأوّل : فالتكليف تفعيل من الكلفة أعني المشقّة ).

أقول : يعني بالأوّل القسم الأوّل من الفصل الأوّل وهو مدلول « ما ».

قال : ( وعرفا : إرادة واجب الطاعة شاقّا ابتداء معلما. وفيه نظر ؛ لأنّ الإرادة سبب التكليف لا عينه ، ولهذا يقال : أراد الله تعالى الطاعة فكلّف بها ؛ ولانتقاضه في عكسه بالتكليف باجتناب المنهيّات فإنّه كراهة لا إرادة ؛ ولأنّه يخرج منه التكليف بالمشتهى طبعا كأكل لحم الهدي ، ونكاح الحليلة ، وما لا مشقّة فيه أصلا ، كتسبيحة وتحميدة ، وأيضا الإعلام إنّما هو شرط في تكليف واقع لا مطلق التكليف ).

أقول : ما ذكر من وجوه حلّ لأحد طرفي النظر ، والطرف الآخر يظهر بما نضعه من الاعتذارات.

قوله : ولانتقاضه في عكسه إلى آخره.

قلت : إذا أرادوا تطريد حدّ تركوه على ترتيبه ، وأدخلوا عليه حرف « كلّ » ، أو غيره من صيغ العموم ، ونظروا فإن وجدوا شيئا خرج من الكلّية ، حكموا بانتقاضه في


طرده ، كما لو عرّف الحيوان بالإنسان ، فإنّ الكلّيّة كاذبة ، وإن أرادوا تعكيسه قدّموا مؤخّره وأدخلوا عليه الحرف ـ كما عرفت ـ فإن سلّم انعكس وإلاّ فلا ، كما لو عرّف الإنسان بالحيوان وحده.

وقد ذكر المنطقيّون انعكاس الموجبة الكليّة إلى الموجبة الجزئيّة ، وليس هو المراد هنا ، ومع ذلك فيجوز انعكاسها كنفسها بدليل خارجي ، وأشار إليه في منتهى الوصول (١).

والدليل هنا ـ وهو وجوب إدخال ما من المحدود فيه وإخراج ما ليس منه عنه ـ قائم ، فنسخت كلّية العكس في الحدود اجمع. وما ذكره في نقض عكسه ـ بأنّه كراهة فيه ـ توقّف ، فإنّ الإرادة كافية عنها ، إذ لا طريق إلى إثباتها سوى الافتقار إلى الترجيح ، والإرادة صالحة له ، فإن رجّحت الفعل كانت إرادة الفعل ، وإن رجّحت التّرك كانت إرادة الترك ، فلا أمر معقول سواها ، نعم يسمّى ذلك كراهة اصطلاحا ، وهو غير ضائر هنا.

وما ذكر من المشتهى طبعا ونحوه فذلك صحيح ، غير أنّه يعتذر لهم بأنّهم أجروا النادر مجرى المعدوم.

أو أنّ المراد بالمشقّ (٢) ما كان في جنسه مشقّة ولو في بعض الأحيان أو على بعض الأعيان ، فإنّا نعلم أنّ من التكاليف الشاقّة ما ترتفع المشقّة عنه لذلك ، ولا يخرج من كونه تكليفا شاقّا ؛ لوجود ذلك في جنسه.

نعم ما ذكر من شرط الإعلام لا محيص عنه إلاّ بأنّ الإعلام لا يجب ذكره في تعريف الماهيّة ؛ لخروجه عنها بكونه شرطا لها ، فتركه غير مخلّ بشيء منها ، ولو وجب الشروط في التعاريف نقص هذا التعريف ؛ لعدم اشتماله على باقي شروط التكليف.

وما ذكر من اشتراط الواقع من التكليف دون غيره بالإعلام. فلقائل أن يمنع من تسميته قبل الوقوع تكليفا إلاّ على سبيل المجاز ؛ تسمية للشيء بما يؤول إليه مثل

__________________

(١) مخطوطة ولم توجد لدينا.

(٢) كذا في المخطوطة والصواب : بالشاقّ.


( إِنَّكَ مَيِّتٌ ) (١) لصحّة السلب قبل الوقوع ، وتخصيص الإعلام من بين الشروط بالذكر ، لأنّه جزء من مفهوم حقيقة التكليف ، ولا يبعد ذكره في الشروط وإن كان جزءا ، فإنّ كلاّ من أجزاء الماهيّة مشروط بالآخر اشتراط معيّة.

قال : ( فالأولى أن يقال : التكليف هو بعث عقلي أو سمعي على فعل أو كفّ ابتداء للتعريض بالثواب ).

أقول : البعث : جنس يشمل القول والفعل ، ويشمل الإلزام كما في الواجب والحرام ، وعدمه كبقيّة الأقسام. وفي ذكره للعقلي والسمعي تنبيه على تقسّمه إليهما.

وعلى أنّ العقلي بعث منه سبحانه ولو بواسطة.

وفي قوله : على فعل أو كفّ التفات إلى جانب الكراهة المتعلّق بالترك. والابتداء يخرج بعث النهي ونحوه ، فإنّه لا يسمّى تكليفا.

وفي البعث إشارة إلى مادّة التكليف ، وفي العقلي والسمعي إلى صورته ، والباعث دخل التزاما. وقد يراد بالباعث العقل والسمع ، فيكون الفاعل منطوقا لا مفهوما ، وعلى هذا تكون الصورة في الفعل والكفّ المذكورين ، وفي التعريض بالثواب إلى غايته.

هذا ما اختاره رحمة الله عليه. وأرى فيه نظرا من وجهين :

الأوّل : أنّ الفعل والكفّ قسمي المكلّف به لا قسما من التكليف ؛ بل هما ما تعلّق به التكليف ؛ فإنّ التكليف إنّما هو مجرّد الأمر الوارد من الحكيم تعالى. وتسميته للأفعال تكليفا مجاز من باب تسمية المسبّب باسم السبب ، كما سمّيت أوامر ، على ما حقّق في الأصول ، فذكرها في التعريف لا موجب له.

الثاني : أنّ قوله : للتعريض بالثواب ، عليه نقض في عكسه بالمعرفة.

والنظر الأوّل المعرّف لوجوب النظر ؛ فإنّه لا يقع التقرّب الذي هو مناط الثواب بهذين ؛ لامتناع التقرّب قبلهما.

__________________

(١) الزمر (٣٩) : ٣٠.


قال : ( والكلام إمّا في حسنه ، وهو ظاهر من حدّه ؛ ولأنّ الإنسان مدني بطبعه لا يستقلّ بأمر معاشه ، فلا بدّ من التعاضد بالاجتماع المفضي إلى النزاع ، فلا بدّ من نبيّ مبعوث بقانون كلّي يعد على طاعته بالثواب ، ويوعد على معصيته بالعقاب ؛ ليحمل النوع على تجشّم المشاقّ ، ولزوم الميثاق ، وذلك ممتنع بدون معرفة الصانع وما يثبت له وينفى عنه ، وتعظيمه وإجلاله مؤكّد لذلك ، والطريق إليه التكرار الموجب للتذكار ، بنصب عبادات معهودة في أوقات مخصوصة يذكر فيها الخالق بصفات جلاله وكماله ، والانقياد لسنّته ).

أقول : أمّا قوله : ظاهر من حدّه. في تسمية ما ذكره حدّا نظر ؛ فإنّ الحدّ بالذاتيّات كما قرّر في المنطق ، والفعل والكفّ والتعريض عوارض على ما عرفت ، فيكون رسما ، إلاّ أن يكون ذلك تجوّزا ؛ لاشتراكهما في الحدّ اللغوي الذي هو مطلق المنع.

قوله : ولأنّ الإنسان إلى آخره. شروع في بيان علّة ثانية لحسنه ، وهي ما ذكر الأوائل من طريق وجوب بعث الأنبياء.

أنّ الإنسان مدنيّ بطبعه ، أي خلق لا كغيره من الحيوان لا ضرورة له تلجئه إلى الاجتماع ، وهذا ظاهر في الطير والوحش ، فإنّ إلف النوع بالنوع منها طبيعيّ لا ضروريّ ؛ لعدم احتياجه في تحصيل رزقه وإصلاحه إلى ظهير كما في الإنسان ، فإنّ رزقه وكسوته أمور صناعيّة لو صرف عمره في تحصيل آلات صناعتها نفد قبله ، ولضعف في زمان ذلك لعدم الرزق الموجب لضعف القوى الموجب لعدم التحصيل ، وذلك دور لتوقّف بقاء القوى على الرزق الموقوف عليها ، أمّا مع الاجتماع فالتوقّف يسير لا يخلّ بما ذكرناه.

فإذا عرفت ضرورة الاجتماع ـ ولا شكّ أنّه مجبول على الشهوة والغضب ـ فكلّ من أشخاصه يرى ما له حقّا وما لغيره باطلا ، ويحبّ الغبن ويكره الانغبان ، فأفضى


الاجتماع إلى النزاع ، فوقع الهرج الذي هو الفتنة ، والمرج الذي هو الاختلاط في الشرّ.

وروي أنّ النبيّ 6 قال : « سيكثر الهرج » قيل : يا رسول الله وما الهرج؟ قال : « القتل » (١).

إذا عرفت هذا فتركهم من قانون يرجعون إليه عند وقوعه مفسدة لا تصدر من الحكيم ، فيجب القانون وهو الشريعة ، وهو أمر كليّ ينطبق على جزئيّات تعرف منه أحكامها ، ويسمّى دستورا أيضا.

ولو فرض نصبه إلى مجموعهم لزم الفساد ؛ لعدم اجتماع قلوبهم ، وإلى بعضهم لزم الترجيح بلا مرجّح ، فلا بدّ من كونه من الجانب القدسي.

ولمّا كانت الإشارة الحسّيّة محالا عليه تعالى ، اقتضت حكمته خلق شخص ذي وجهين : إلهيّ يتلقّى به الوحي من ربّ العاملين ، وإنسانيّ يخاطب به المكلّفين ، وهو النبيّ 6 ولا بدّ من تمييزه عن بني نوعه بما يوجب قبول قوله ، وهو خرق العادة بمعجز على يده ، مطابق لدعوته ، يمتنع تعلّق قدرة البشر بمثله.

قوله : ليحمل النوع على تجشّم المشاقّ أي تكلّفها ، يقال : تجشّمت الأمر إذا تكلّفته.

ولزوم الميثاق : المداومة عليه ، والميثاق : العهد ، وهو الوصاة بحفظ المأمور وترك المزجور. ونعني به اللزوم الظاهر ، وهو اللساني ؛ فإنّ الاعتقادات القلبيّة لا يمكن الحمل عليها ؛ لظهور النفاق في كثير.

هذا إن فسّر الحمل بالجبر ، كما في الاستسلام حالة الحرب.

وإن فسّر بالحثّ والترغيب ـ ليقع المحمول عليه بالاختيار ـ عمّ الحمل القلب.

والحامل هو النبيّ 6 الموعد بالثواب على الطاعات والعقاب على الخطيئات.

فإن لم يعتقد المكلّف صانعا دائم الثبوت موصوفا بصفات الكمال منفيّا عنه

__________________

(١) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٧ : ٣١٠.


متعلّقات صفات الجلال لم يحصل تكلّف المشاقّ والدوام على الميثاق.

ثمّ إنّ تعظيم الربّ وإجلاله مؤكّد لذلك اللّزوم ، والطريق إلى التعظيم والإجلال هو التذكار المسبّب عن التكرار الذي هو بنصب عبادات ، فنصب العبادات موجب للتكرار الموجب للتذكار الموجب للزوم الميثاق المشروط بمعرفة الصانع ، وما يثبت له وينفى عنه.

وقوله : يذكر فيها الخالق بصفات جلاله وكماله إشارة إلى الأذكار اللسانيّة والقلبيّة في العبادات الواجبة والندبية.

قوله : والانقياد لسنّته عطف على قوله ليحمل النوع إلى آخره. والمعنى ليحمل النوع على تجشّم المشاقّ ولزوم الميثاق والانقياد لسنّته ، وفي ذلك ميل إلى مذهب اللطف أيضا.

تذنيب

التعظيم : كلّ قول أو فعل أو تركهما يوضّح عن ارتفاع حال الغير مع القصد إليه ، وهو هنا اعتقاد أو قول ونحوهما. إنّ الله لا تحيط العقول بكنه ذاته ولا بحقيقة صفاته.

والإجلال مرادف له ، فإنّ الجليل المرتفع عن مشابهة الممكنات ؛ ومن ثمّ قبح التعظيم أو التبجيل لغير المستحقّ لعدم المطابقة ، وفي معنى هذين مزيد كلام ذكرناه في شرح الأسماء.

قال : ( فيحصل من ذلك غايات ثلاث : الأولى : رياضة القوى النفسانيّة بمنعها عن مقتضى الشهوة والغضب ، وعن الأسباب المثيرة لهما من التخيّل والوهم والإحساس ، والفعل المانع عن توجّه النفس الناطقة إلى جناب القدس ومحلّ الأنس ).

أقول : الرياضة لغة : تمرين البهيمة على الحركات المناسبة وإذا كانت النفس في


ميدانها غير مسخّرة للقوّة العاقلة كانت كالبهيمة قبل روضها ، تقودها الشهوة تارة ، والغضب تارة لأجل إثارة الوهم والتخيّل لهما إلى ملائمهما ، فيختلف تحرّكها لأجل اختلاف دواعيها ، فتكون أمّارة بالسوء.

وأمّا بعد روضها بغلبة القوّة العاقلة العمليّة حتى صارت النفس مؤتمرة بأوامرها منتهية من زواجرها انتظمت حركاتها ، فتكون مطمئنّة.

وإن خرجت القوّة الحيوانيّة عن طاعة القوّة العاقلة في بعض الأحيان ، ثمّ فاءت ولامت نفسها على ذلك ، كانت لوّامة ، وقد أشار في الذكر الحكيم (١) إلى الثلاثة في مواضع.

فرياضة النفس نهيها عن هواها وأمرها بطاعة مولاها ، ( وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ) (٢).

وجناب القدس ومحلّ الأنس. إشارة إلى الالتفات إلى الحقّ تعالى ، فإنّ من قاد نفسه في تلك الطرائق وصرفها عن تلك العوائق ، طهرت عن الكدورات ، وأنست بمحبوبها في الخلوات.

بقي أن نعرف معنى الخيال والوهم والإحساس والعقل.

فالخيال قوّة مركوزة في التجويف الأوّل من الدماغ ، وفعلها حفظ الصورة المحسوسة بعد غيبتها عن الحسّ ، ويمكن أن يريد به المتخيّلة ، وهي قوّة مركوزة في التجويف الأوسط في الدماغ ، وفعلها التصرّف في ما في الوهم والحافظة ، وقد يستعين العقل بها في المعقولات ؛ لأنّها آلة الوهم الذي هو آلة العقل.

والوهم : قوّة مركوزة في آخر التجويف الأوسط من الدماغ ، وفعلها إدراك المعاني

__________________

(١) في قوله تعالى : ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ) يوسف (١٢) : ٥٣. وفي قوله تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) الفجر (٨٩) : ٢٧. وفي قوله تعالى : ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) القيامة : (٧٥) : ٢.

(٢) النازعات (٧٩) : ٤٠ ـ ٤١.


الجزئيّة غير المحسوسة ، كإدراك الحيوان معنى في المفترس يوجب الهرب ، وهي بمنزلة عقل الإنسان.

والإحساس : يمكن أن يريد به مطلقه من المدرك بالحسّ الظاهر كالآلات الخمس ، والباطن كالقوى الخمس ، وأن يريد به الحسّ المشترك خاصّة ، وهو قوّة مركوزة في الجزء الأوّل من التجويف الأوّل من الدماغ ، وفعلها إدراك المحسوسات التي تدركها الحواسّ الظاهرة.

أمّا الفعل : فهو مبدأ التغيير في آخر ، أو إخراج الشيء من الإمكان إلى الوجوب ، أو إيجاد الشيء بعد أن كان مقدورا ـ هكذا قيل ـ وفي الأوسط انقلاب الحقائق ، وفي الأخير التعريف بالمضايق ؛ لتعريفهم القادر بمن صحّ منه الفعل. وفعله منع القوى العقليّة ، فإنّ النفس إذا فعلت المشتهى مرّة بعد أخرى توطّنت عليه ويعسر انجذابها إلى مقابله.

[ فاصرف هواها وحاذر أن تولّيه ]

إنّ الهوى ما تولّى يصم أو يصم (١)

قال : ( الثانية : دوام النظر في الأمور العالية المطهّرة عن العوارض المادّية والكدورات الحسّيّة ، المؤدّية إلى ملاحظة الملكوت ، ومعاينة الجبروت ).

أقول : المراد بالأمور العالية البارئ سبحانه وصفات كماله وجلاله ، وتسمّى صفات كماله صفات جماله وفي الدعاء : « أسألك بجمالك وجلالك » (٢) وهذه موجبة ملاحظة الملكوت.

والملكوت : هو الملك ، بني كذلك للمبالغة. والجبروت : الجبر والكبر. والتاء في الموضعين زائدة.

قال : ( الثالثة : دوام تذكّر إنذار الشارع ، ووعده للمطيع ، ووعيده

__________________

(١) من قصيدة البردة في مدح الرسول 6 للبوصيري. انظر شرح قصيده برده : ٣٧.

(٢) الكافي ٢ : ٥٢٧ / ١٥ باب القول عند الإصباح والإمساء ، و ٥٧٩ / ٦ باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة.


للعاصي ، المستلزم لإقامة العدل ونظام النوع مع زيادة الأجر الجزيل والثواب العظيم ).

أقول : الإنذار : هو التخويف ، واستعمال الوعد هنا مجاز ؛ لوقوعه في صحّة الوعيد ، وهو فنّ من البديع ، ومنه ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ) (١) ، ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) (٢).

هذا إن جعلنا الوعد متعلّقا بالإنذار ، وإن جعلناه كلاما معترضا جرى على حقيقته فالإنذار هو بالوعد والوعيد المذكورين ، إلاّ أنّ ذلك تفصيل الإجمال ، وتذكّر ذلك يوجب الاستقامة على الطريق الموجبة لبقاء النوع المطلوب للخالق سبحانه.

وقوله : مع زيادة الأجر العظيم والثواب الجزيل ، متعلّق بـ « يحصل » ، أي يحصل من التكرار الموجب للتذكار بالعبادات تلك الغايات ، ويحصل معها الأجر العظيم والثواب الجزيل ، وهما مترادفان.

واعلم أنّ حصول ما ذكر معلوم في كلّ من لازم الشرعيّات واجتنب المنهيّات ، وأنّ أجلّ العبادات ما كان مشفوعا بالتذكّر المناسب ؛ لأنّ فائدتها تذكّر المعبود الحقّ والمجرّد من الملائكة ، وذلك لا يتهيّأ إلاّ بالفكر ، فوجب كونها مشفوعة به ، وقد يكون لها معينات خارجيّة كالوعظ من التقيّ المعتقد فيه ، والألحان البريئة عن مخالطة الأنذال وملاقاة الأرذال ، وكلّ ذلك ممّا يؤيّد القول باللّطف.

قال : ( وإمّا في وجوبه ، فهو واجب على الله تعالى ، بناء على قاعدة الحسن والقبح العقليين ، وعلى أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يخلّ بالواجب ؛ لعلمه بقبحه ، وغنائه عنه ؛ لثبوت علمه بجميع المعلومات ، لاستواء نسبة ذاته ، وتساوي الجميع في صحّة المعلوميّة ، واستفادة علمه

__________________

(١) الشورى (٤٢) : ٤٠.

(٢) البقرة (٢) : ١٩٤.


على الجملة من أحكام الأفعال وغنائه من وجوب وجوده مطلقا قطعا ؛ للدور والتسلسل لو كان ممكنا ).

أقول : أمّا وجوبه على الله تعالى ؛ فلأنّه لولاه لزم الإغراء بالقبيح ، حيث خلق العبيد والإماء وجمع بينهم في البسيطة وجعلهم ذوي شهوات ، فلو لم يرسل إليهم ما يمنعهم عن فعل مقتضياتها بل أهملهم كان مغريا لهم بالقبيح ، وهو قبيح لازم عن ترك التكليف ، فيجب فعله في حكمته ، لا أنّ فوقه آمر أوجبه عليه ، كما غالط به من لا تحصيل له. وذلك مبنيّ على تحسين العقل وتقبيحه ، إذ لولاه لجاز الإخلال بالتكليف ، فإذا قيل : هو قبيح ، قال الشارع الذي قبّح الأشياء : إنّي لم أجعل ذلك قبيحا.

أمّا في بيان بطلان شرعيّتهما بعد العلم الضروري بذلك ، فله وجوه : أمتنها لزوم الدور المضمر ؛ لتوقّف صدق الرسول على المعجز الموقوف على قبح إظهاره على كذّاب ، الموقوف ذلك القبح على صدقه ، فيلزم الدور وهو خلف فيثبت نقيضه ، وهو حكم العقل بهما ، وهو المطلوب ، وسيأتي في ذلك مزيد كلام إن شاء الله.

وأمّا أنّه تعالى منزّه عن الفعل والترك للقبيح والواجب فلعلمه بقبحه ؛ لعموم علمه لاستواء نسبة ذاته ونسبة ما عداه في صحّة معلوميّته المستفاد مطلقه من أحكام فعله.

قوله : وغناه ، أي منزّه عن القبيح لعلمه بقبحه ، ولغناه المستفاد من وجوبه ؛ للزوم الدور والتسلسل من إمكانه.

وقوله : مطلقا. يمكن عوده إلى وجوبه ، أي وجوبه مطلقا لا يتّصف بزوال في وقت أو في حال ، ويمكن عوده إلى غنائه يعني في ذاته وصفاته ، والحمل عليهما صالح في الاستخدام.

وقد استخدم المصنّف ـ والله أعلم ـ في قوله أوّلا : غنائه فإنّها تعطف على علمه ، أي لعلمه ولغنائه كما ذكرناه ، وتعطف على قبحه أي لعلمه بقبحه ، وتكون دلالة اللفظ على الغنى التزاميّة.

والموجب لما قلناه أنّ نفي القبيح موقوف على ثلاثة أشياء : العلم بقبحه ، والغنى


عنه ، والعلم بالغنى عنه ؛ فإنّ الجاهل بغنائه عن القبيح قد يفعله لاعتقاد حاجته.

قال : ( إذا تمهّد ذلك ، فلو لم يجب التكليف على الله تعالى ، لزم عدم وجوب الزجر عن القبائح بل كان مغريا بها. والتالي باطل ؛ لاستحالة فعل القبيح ، والإخلال بالواجب عليه تعالى ، فكذلك المقدّم ).

أقول : قد سلف منّا ما يغني عن إيضاح ذلك ، فليراجع.

ثمّ قال : ( ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ؛ لأنّهما مخصوصان بما يستقلّ العقل بدركه ، لا بباقي السمعيّات ، ومع ذلك فكثير من العقلاء لا يعبأ بهما ، ويفعل بمقتضى الشهوة والغضب فيتحقّق الإغراء حينئذ ).

أقول : قوله : ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ، جواب سؤال مقدّر ، تقريره :

أنّ العلم بالمدح على الحسن ، والذمّ على القبيح كاف في الإقدام على الأوّل ، والإحجام عن الثاني ، فيحصل الزجر بذلك العلم ، فتوسّط الأمر والنهي عار عن الفائدة. والجواب من طريقين :

[ الطريق ] الأوّل : أنّ ما ذكرت من العلم الباعث والزاجر لا يطّرد ، بل هو فيما يستقلّ العقل بدركه خاصّة ، فيبقى القسم الآخر خاليا عن ذلك ، فليكن الأمر والنهي له ؛ لئلاّ يلزم الإغراء فيه.

الطريق الثاني : أنّ كثيرا من العقلاء لا يلتفت إليهما ، ويفعل مقتضى شهوته من غير نظر فيهما ، وإن نظر قدّم قضاء وطره عليهما ، فلو لا التكليف السمعيّ وما يترتّب عليه من المثوبات والعقوبات لعدم الانزجار الموجب للبأس عن كثير من الناس ، فصدّقت الملازمة حينئذ.

واعلم أنّ في هذين الجوابين نظر ؛ من حيث استلزامهما خروج بعض الأشخاص من علّة التكليف السمعي ، وهم المكتفون بالعلم بالمدح والذمّ عن الأمر والنهي ، وكذا يخرج ما يستقلّ العقل بدركه على ما عرفت ، فلا يكون التكليف السمعيّ عامّا إلاّ أن يقال : ما يستقلّ العقل بدركه ، والمكتفون بالمدح والذمّ جاء السمع مؤكّدا له ، مع


اشتماله على الإعلام بالثواب والعقاب وتفاصيلهما ودوامهما ، وذلك لا يستقلّ العقل بدركه على رأي بعضهم في بعضهم.

قال : ( وأمّا المكلّف فهو الباعث ، إمّا بخلق العقل الدالّ ، أو بنصب النبيّ المخبر. وأمّا المكلّف ، فهو الكامل العقل. وتسمية الصبيّ بالمكلّف مجاز ).

أقول : هذان القسمان المختلفان من الأقسام الثلاثة الداخلة في الفصل الأوّل ، وهي البحث عن ماهيّة التكليف ، ومن الفاعل والقابل. فقوله : والبعث إمّا بخلق العقل الدالّ ، أي الدالّ على القسم العقلي من التكليف ، أو بنصب النبيّ المخبر ، إشارة إلى القسم السمعي الموقوف على النبيّ.

وقوله : وتسمية الصبيّ بالمكلّف مجاز ، جواب سؤال ، هو أن ما ذكرت منقوض في طرده بالصبيّ ؛ فإنّه مكلّف بالعقليّات على وجه الوجوب ، وكثير من السمعيّات على وجه الندب مع عدم كمال عقله.

وأجاب بأنّ إطلاق التكليف عليه مجاز ؛ بدليل صحّة السلب. وصدق التكليف أعمّ من كونه حقيقة أو مجازا.

ونحن نقول : نمنع من كون الصبيّ غير كامل العقل بالنسبة إلى ما كلّف به ، فإنّ العقل مناط التكليف لا يصحّ بدونه ، فتسميته بالنسبة إلى ما كلّف به حقيقة ؛ بدليل امتناع السلب بالنسبة إلى ذلك القدر.

قال : ( وحسنه مشروط بأربعة : الأوّل : ما يتعلّق به ، وهو أمور ثلاثة : أ : الإعلام به ، أو التمكين منه. ب : تقدّمه على الفعل زمانا يمكن المكلّف فيه الاطّلاع عليه. ج : انتفاء المفسدة فيه. ومنه يعلم اشتراط نصب اللطف في كلّ فعل أو ترك لا يقع امتثاله إلاّ به ؛ إذ لولاه لزمت المفسدة المنفيّة ).

أقول : هذه الأمور تتعلّق بالتكليف ، فالإعلام به شرط لئلاّ يلزم تكليف الغافل ، وهو محال عندنا.

وقوله : والتمكين منه يعني التمكين من العلم به ، فالضمير في « منه » يعود إلى


العلم ، وإن لم يجر له ذكر ـ مثل ( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (١) يعني الشمس عند جماعة من المفسّرين (٢) ـ لا إلى الإعلام ؛ فإنّ الإعلام من صفات فعله تعالى ، ولا قدرة للعبد عليه حتّى يعود التمكين إليه.

وقوله في الثاني : تقدّمه على الفعل زمانا يمكن المكلّف فيه الاطّلاع عليه. الضمير المستكن في تقدّمه هو التكليف ، ويحتمل أن يريد به تقدّم العلم به ؛ لقرينة الاطّلاع ، وحينئذ تذكّر أحد الأمرين مغن عن الآخر ، ومع ذلك فاشتراط حسنه بالإعلام إنّما هو في تكليف واقع كما ذكر الإمام الأفضل في الأبحاث المفيدة ، وكما ذكر هو فيما سلف ، فيكون التكليف غير الواقع ، أو الواقع قبل وصوله إلى المكلّف ، كما في زمان السفارة خاليا عن الحسن ، وكذا الكلام في انتفاء المفسدة إذا علم الحكيم حصولها زمان السفارة وانتفاءها زمان الوقوع.

ومن اشتراط انتفاء المفسدة يعلم وجوب اللطف في كلّ فعل أو ترك لا يمتثل إلاّ به ؛ لأنّ اللطف إذا كان مصلحة فعدمه مفسدة ، وقد اشترط في التكليف نفي المفسدة عن المكلّف وغيره ، لأنّ المفسدة تقتضي المنع منها ، ومصلحة التكليف تقتضي الأمر به فيجتمع المتقابلان ؛ لكون الفعل الواحد حينئذ مأمورا به من حيث المصلحة ممنوعا منه من حيث المفسدة.

قال : ( الثاني : الراجع إلى المتعلّق ، وهو ثلاثة أيضا : أ : إمكانه ؛ لاستحالة التكليف بالمحال عند العدليّة. ب : حسنه ؛ لاستحالة التكليف بالقبيح. ج : رجحانه بحيث يستحقّ به الثواب كفعل الواجب والندب وترك الحرام والمكروه ).

أقول : هذا الثاني من الأمور الأربعة المشروط بها حسن التكليف ، وهو راجع إلى المتعلّق ـ بنصب اللام ـ وهو التكليف نفسه ؛ لأنّ الأمور المتقدّمة في البحث الأول

__________________

(١) ص (٣٨) : ٣٢.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٧٥ ذيل الآية ٣٢ من سورة ص (٣٨).


تعلّقت بالتكليف ، فالتكليف متعلّق به.

ويحتمل أن يكون بكسر اللام لتعلّق التكليف بالمكلّفين ، لكنّ الأوّل أوجه.

وقوله : حسنه ، ينبئ على أنّ للأفعال وجوها تقع عليها ، لا يجوز الأمر منها بما ليس له وجه الحسن ، كما لا يجوز النهي عمّا له وجهه وبالعكس ، وربّما رجع ذلك إلى تحسين العقل وتقبيحه.

قوله في الثالث : رجحانه ، ليخرج به المباح ، فإنّه حسن لكن لا رجحان في فعله وتركه ، فلا ثواب ولا عقاب ، ولا المعلولان الآخران ؛ لعدم الطاعة والعصيان ، على أنّ ذكر الرجحان كاف عن ذكر الحسن ؛ لامتناع رجحان ما ليس بحسن.

وقوله : بحيث يستحقّ به الثواب ولم يذكر العقاب ؛ لأنّ التكليف من الحرام والمكروه بالهجران وهو مناط الثواب كفعل مقابلهما.

تنبيه :

ترك الحرام والمكروه إنّما يتعلّق به الثواب مع النيّة ، فلو جهل المكلّف تحريم شيء أو كراهته أو علمهما وغفل عن نيّة تركه لم يتعلّق به ثواب ؛ لعموم ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) (١) ، « وإنّما لكلّ امرئ ما نوى » (٢).

إذا عرفت هذا فهنا أقسام أربعة :

أ ـ فعل محض الواجب والمندوب ، ويقف على النيّة إجزاؤهما وثوابهما.

ب ـ ترك محض الحرام والمكروه ، ويقف عليها ثوابهما لا إجزاؤهما.

ج ـ ترك يشبه الفعل ، كالصيام والإحرام ، فيلحق بالفعل في توقّفه على النيّة فيهما ؛ لإلحاقهم الشيء بشبهه ، إمّا للنصّ عليه ، أو لاتّحاد طريق المسألتين فيه.

د ـ فعل يشبه [ الترك ] ، كإزالة النجاسة والطيب في موضعهما ، ولا يحتاج هذا إلى

__________________

(١) النجم (٥٣) : ٣٩.

(٢) التهذيب ١ : ٨٣ / ٢١٨ ؛ أمالي الطوسي : ٦١٨ ، المجلس ٢٩ ، ح ١٢٧٤ / ١٠ ؛ صحيح مسلم ١ : ١٥١٥ ـ ١٥١٦ / ١٩٠٧.


نيّة لما تلوناه من العلّة.

والضابط أنّ كلّ فعل أو ترك ليس بذي وجهين فالمعتبر في إجزائه مجرّد وقوعه. أمّا ذو الاعتبارين فلا بدّ في إجزائه من تخصيص وقوعه بالوجه المأمور به ، وذلك إنّما هو بالقصد إليه والتعويل عليه ، وهو النيّة المائزة بين الوجه المطلوب للشارع وغيره فلزمت ، وبالله التوفيق.

قال : ( الثالث : العائد إلى المكلّف تعالى وهو أربعة :).

أقول : هذا الثالث من الأربعة المشروط بها حسنه ، وفيه أمور أربعة :

قال : ( أ : العلم بصفة الفعل ؛ لئلاّ يكلّف بغير المتعلّق. ب : العلم بقدر المستحقّ عليه من الثواب ؛ حذرا من النقص. ج : قدرته على إيصاله ؛ ليثق المكلّف بوصوله إليه. د : امتناع القبيح عليه ؛ لئلاّ يخلّ بالواجب ).

أقول : ما مرّ من ذكر رجحانه في القسم الثالث من الشرط الثاني يدخل فيه العلم بصفة الفعل التزاما ، فإنّ تحقّق وقوعه لرجحانه يستلزم العلم بصفته الموجبة لرجحان وقوعه. ولكنّ المصنّف ; ردف المضمر بالمظهر بيانا وإيضاحا. والمتعلّق ـ مفتوح اللام ـ على الأوجه ، وقد سبق ، ويعني بالعلم بصفة الفعل وبقدر المستحقّ علم المكلّف تعالى.

واعلم أنّ القدرة على الإيصال شرط في نفس الأمر ، ولكن لا يحصل وثوق المكلّف بالوصول المذكور بذلك ما لم ينضمّ إلى حصولها في نفسها علم العبد به ؛ إذ الوثوق موقوف عليه لا على الحصول في نفس الأمر فيصير التقدير علم العبد بقدرة التكليف على إيصاله ، وذلك من إيجاز الحذف المشهور. وجوازه في البديع مذكور. وامتناع القبيح مبنيّ هنا أيضا على تقبيح العقل وقد سلف.

قال : ( الرابع : ما يعود إلى المكلّف ، وهو أمران : أ : أن يكون قادرا على الفعل ؛ لامتناع التكليف بالمحال. ب : علمه به ، أو تمكّنه من العلم كما ذكر ).


أقول : لا بدّ من كون الفعل مقدورا لمن خوطب به ؛ لما ذكر من العلّة ، ولم يكتف بذكر إمكانه السالف عن هذا ؛ لأنّه لا يلزم من كون الشيء ممكنا ، كونه للعبد مقدورا بخلاف العكس ، فإنّ المقدوريّة ملزومة لإمكانه ، بخلاف العكس ، فوجود الملزوم يستلزم وجود اللازم بخلاف العكس. فظهر من ذلك أنّ ذكر مقدوريّته مغن عن ذكر إمكانه ، بخلاف العكس.

والصواب أنّ ذكر أيّهما كان مغن عن الآخر ؛ لأنّ الإمكان المذكور إنّما هو بالنسبة إلى العبد ، ولهذا علّل باستحالة التكليف بالمحال ؛ لكونه ليس مقدورا ، فظهر تلازمهما ، فلا فائدة في تكرارهما سوى الإيضاح كما ترى.

وقوله : علمه به ، أو تمكّنه من العلم ؛ لما ذكر يعني به لامتناع التكليف بالمحال.

وليس المراد من قوله : لما ذكر ، ما ذكره في أوّل الشروط الأربعة من قوله : الإعلام به ، أو التمكين منه ؛ فإنّه ليس في ذلك دليل على صحّة هذا حتّى يعلّله به ، بل ذلك مجرّد دعوى ، وهو أمر مضاف إلى المكلّف تعالى وهذا مضاف إلى العبد ، ولهذا أتى بالباء الزائدة الدالّة على التعدية هناك ، وحذفها هنا ، وإنّما لم يقتصر على العلم ؛ لأنّ الجاهل بالله متمكّن من العلم به ، مع أنّه مكلّف به.

قال : ( ولا يشترط إسلامه ؛ لعموم علّة الحسن. والفساد من سوء اختيار الكافر ).

أقول : يتلخّص الكلام هنا في بحث ذي ثلاث شعب :

[ الشعبة ] الأولى : لا يشترط إسلام المكلّف ؛ لعموم علّة الحسن ، وهي التعريض للثواب الذي لا يحسن الابتداء به على ما قرّره الأصحاب ؛ ولعموم ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) (١) ونحوها ممّا يطول به الكتاب. ومنع من تكليف الكفّار بالفروع النعمان (٢) ، وهو محجوج بالمعقول (٣) والقرآن.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢١.

(٢) هو أبو حنيفة. راجع بدائع الصنائع ٢ : ٤ و ١٢٠ ؛ الفتاوى الهنديّة ١ : ١٧١ و ٢١٦.

(٣) راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٥٣ و ٢٥٤.


الشعبة الثانية : لا يشترط إسلامه ـ يعني المكلّف ـ مطلقا بالمعقولات أو المنقولات ، فإنّ اشتراط إسلامه يستلزم الدور في أحد القسمين ، فإنّه لا يصحّ على ذلك تكليفه مطلقا إلاّ إذا كان مسلما لكن إسلامه من جملة تكليفه ، ولا يصحّ إسلامه إلاّ إذا كان مسلما.

الشعبة الثالثة : جواب سؤال ورد ، وهو أنّ التكيف مشروط بعدم المفسدة ، وتكليف الكافر مفسدة ؛ لاستلزامه للعذاب الأليم بالخلود في طبقات الجحيم ، فينتظم هنا قياس من الشكل الأوّل ، هو تكليف الكافر مفسدة ، ولا شيء من المفسدة يصدر من الحكيم تعالى ، فلا شيء من تكليف الكافر يصدر من الحكيم تعالى.

والجواب : أنّ المفسدة قسمان :

مفسدة تنشأ من نفس التكليف وهذه هي المشروط نفيها.

ومفسدة تنشأ من سوء اختيار المكلّف ، وهو عدم قبوله ، وهذه ليست لازمة للتكليف ، وإلاّ لما قبل التكليف أحد ، فاشترك التكليفان في القائدة ، وهي التعريض للثواب ، على ما عرفت.

فظهر من ذلك عقم القياس المذكور ؛ لعدم اتّحاد أوسطه ؛ فإنّ المفسدة المحمولة في الأولى غير الموضوعة في الثانية فاعلم ذلك.

قال : ( ووجوبه مشروط بكمال العقل ، وبعلم ما نصبه الشارع من الأمارات ).

أقول : الضمير في وجوبه عائد إلى التكليف بنوعيه ، واشتراطه بكمال العقل ظاهر الصواب ؛ لقبح تكليف ما لا يفهم الخطاب ، وهذا يلتفت إلى تحسين العقل وتقبيحه وإلى قدرة العبد على قبيح الفعل ومليحه.

قوله : وبعلم ما نصبه الشارع من الأمارات.

اعلم أنّ الأمارات الشرعيّة من جملة النوع السمعي ، فإن لم يشترط علم وجوبهما بأمارات أخرى لم تكن القضيّة كلّية ، لخروج بعض السمعيّ من اشتراطه بأمارات سمعيّة ، وهو الأمارات أنفسها ، وإن اشترطت بأمارات أخر دار أو تسلسل ، وإن


اشترطت بعلم صدق الرسول المستند إلى كمال المرسل فهو عقليّ. فظهر من ذلك عدم توقّف الشرعيّ عليها ، إلاّ أن يقال : لم يعن المصنّف بالأمارات المنسوبة من الشارع أنّها أوامر شرعيّة ، بل عنى أنّه نصب أمورا في عقل المكلّف دلّت على ذلك ، إمّا نوع إلهام ، أو خطور خاطر ، أو كلام ملك ، أو نحو ذلك. فالعلوم جامعة ، والقدرة واسعة.

قلت : هذا مقبول ، غير أنّه عائد إلى كمال العقل فذكره كاف.

قال : ( ولا يلزم توقّف العقلي على السمع ؛ لأنّه لا يلزم من علمه بالأمارات السمعيّة انحصار علمه ؛ لجواز حصوله بسبب آخر ).

أقول : لمّا شرط المصنّف نوعي التكليف بكمال العقل ونصب الأمارات استشعر لزوم الدور بأنّ العقلي لو شرط بالأمارات الشرعيّة ـ ولا شكّ أنّها مشروطة بالعقلي لأجل مجيء الرسول الثابت من العقل صدقه بها ـ لزم اشتراط كلّ واحد بالآخر وذلك دور ظاهر.

وعلم من هنا أنّه قصد بالأمارات أنّها أوامر شرعيّة ، ولو قصد بها الإلهام وأخويه لم يتوجّه الدور المذكور. فأجاب عن الدور : أنّه لا يلزم من علمه ـ أي علم النوع العقلي بالأمارات السمعيّة ـ انحصار علمه ؛ لجواز حصوله بسبب آخر أي حصول العلم بالعقليّ بشيء آخر غير السمعي. أمّا لو لم يكن إلى العلم بالعقلي سبيل سوى السمعي لزم الدور.

ونحن نقول : لا يلزم من وجود سبيل غيره نفي الدور ؛ لأنّ السمع إن أفاد شيئا في العقل لزم الدور فيه. وإن لم يفد سقطت شرطيّته ، إلاّ أن يقال : العقل دلّ عليه عقل آخر ، وجاء السمع مؤكّدا له.

فنقول : هذا مسلّم ، لكنّ المؤكّد ليس بشرط لحصول المشروط قبله بالسبب العقلي.

قال : ( ولعلّه إدراكه الأوّليّات والضروريّات ، والاقتدار على التصرّف فيهما لاقتناص النظريّات ).


أقول : هذا إشارة إلى السبب الآخر. وإنّما عنونه بلعلّ المشعرة بعدم الجزم ؛ لأنّ الأسباب التي ذكرناها آنفا صالحة لذلك أيضا ، ولكن ما ذكر أكثر فعلا وأعمّ نفعا وذلك أنّ العلوم النظريّة بأسرها تنتهي إلى مقدّمات ضروريّة.

وأراد بالأوّليّات ما لا يتوقّف حصوله للعاقل على اعتقاده بحسن باطن أو ظاهر.

وأراد بالضروريّات ما يتوقّف على ذلك ، وهو الخمسة الأخر.

والاقتدار على التصرّف فيها ، يعني الضروريّات والأوّليّات والتّصرّف باستعمال القوّة المفكّرة والمتخيّلة ونحوهما ؛ ليصطاد بذلك العلوم النظرية لاحتياجها إليها وانتهائها بها على ما عرفت.



[ الفصل الثاني

في متعلّق التكليف ]

قال : ( الفصل الثاني في متعلّقه ، وهو المسئول عنه بـ « كيف » باعتبار « ما » ).

أقول : « اللام » في متعلّقه مكسورة ، أي ما يتعلّق بالتكليف ، وهو المسئول عنه بلفظة « كيف » أي ، كيف التكليف؟

واعلم أنّ الكيفيّة لغة : هي الصفة والحال التي عليها الشيء. واصطلاحا : هيئة قارّة في محلّ لا يوجب اعتبارها نسبة إلى أمر خارج عنه. وأنواع الكيف أربعة مذكورة في المطوّلات.

والمراد بكيفيّة التكليف التي هي صفته ، التي يقع عليها من الوجوب والتحريم ومقابلهما.

وفي كون الإباحة تكليفا خلاف ينشأ من أنّ المباح هو المأمور بفعله وتركه على سبيل التخيير ، أو الذي خلا عنه الأمر والنهي ، فعلى الأوّل هو من الأحكام الشرعيّة ، وعلى الثاني لا. وتتفرّع أفعال البهائم ، فتوصف بالإباحة على الثاني دون الأوّل.

واعلم أنّ المصنّف لم يبحث عن المفهومات الخمسة أنفسها مجرّدة عن اعتبار معروضاتها ، بل جعل البحث في الصفة التي هي أحد الخمسة باعتبار الموصوف الذي


هو نفس التكليف. وهذا هو معنى قوله : المسئول عنه بـ « كيف » باعتبار « ما » ، ولهذا لمّا قسّم ذكر الواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح.

وعنى بالندب المندوب ، وهو مصدر أقيم مقام الفعل مثل : ( هذا خَلْقُ اللهِ ) (١) أي مخلوقه. ولم يفرد بالذكر الصفة التي هي الوجوب والتحريم وغيرهما ، فذكر المفروضات مقصود بالقصد الثاني ، ولهذا قال في متعلّقه : باعتبار « ما » ولم يقل : فيما التكليف ، باعتبار متعلّقه ، فافهم ذلك.

قال : ( فهو إمّا أن يستقلّ العقل بدركه ، أو لا. والأوّل : العقلي ، فإمّا أن يكون بلا وسط وهو الضروري ، أو بوسط وهو النظري. والثاني : هو السمعي. ثمّ إمّا أن يكون التكليف بمجرّد الاعتقاد علما أو ظنّا ، أو به وبالعمل. وكلّ واحد منهما إمّا فعل يستحقّ بتركه الذمّ ، وهو الواجب ، أو لا يستحقّ ، فإمّا أن يستحقّ بفعله المدح وهو الندب ، أو لا ، وهو المباح. أو ترك يستحقّ بفعله الذمّ ، وهو الحرام ، أو لا يستحقّ ، فإن استحقّ بتركه المدح فهو المكروه ، أو لا ، وهو المباح ).

أقول : هذا حصر متعلّق التكليف في الأقسام المذكورة.

واعلم أنّ أقسام الاعتقاد المجرّد عن العمل خمسة ، وهي الأوّليّة الآتي ذكرها على الظاهر.

وأمّا أقسام الاعتقاد المنضمّ إلى العمل فخمسة وعشرون حاصلة من ضرب أقسام الفعل الخمسة في الاعتقادات الخمسة ، فإنّ الواجب مثلا تارة يكون سببه علما عقليّا ضروريّا ، وتارة عقليّا نظريّا ، وتارة سمعيّا ضروريّا ، وتارة سمعيّا نظريّا ، وتارة ظنّا ، وكذا سائرها ، وسنتلوها عليك مفصّلة إن شاء الله.

__________________

(١) لقمان (٣١) : ١١.


إذا عرفت هذا ففي دخول القسم الأوّل ـ وهو مجرّد الاعتقاد العقلي الضروري في التكليف ـ منع ؛ فإنّ العلوم الضروريّة من فعل الله فينا على وجه لا يمكننا دفعه عنّا بشكّ ولا شبهة ، وما هذا شأنه يمتنع التكليف به ، والباقي من الكلام ليس فيه سوى رسوم تلك الأحكام.

قال : ( فلنذكر هنا أقسامها الأوّليّة : فالأوّل : العلم العقلي الضروري بكلّ من الأحكام الخمسة. فبالواجب : كالصدق والإنصاف ، وشكر النعمة ، والعلم بوجوب ردّ الوديعة ، وقضاء الدين ، ودفع الخوف ، والعزم على الواجب. والعملي منه فعل مقتضى ذلك كلّه ).

أقول : يمكن أن يراد بأقسامها الأوّليّة الخمسة المذكورة التي أشرنا إليها أوّلا ، وستسمع ذلك واضحا قريبا إن شاء الله.

ويمكن أن يراد بالأقسام الأوليّة كلّ فرد فرد ممّا أدرجه في الخمسة المذكورة ، من الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة.

وقوله : فالأوّل العلم العقليّ الضروريّ بكلّ من الأحكام الخمسة ، يعضد الاحتمال الأوّل.

وقوله : فبالواجب ، كالصدق ، يريد بالصدق هنا الصدق النافع ، فإنّه ضروريّ الوجوب ، بخلاف الصدق الضارّ.

والعلم بالانصاف إن تعلّق بضروري كشكر النعمة ودفع الخوف وشبههما فضروري ، وإن تعلّق بنظريّ فنظريّ. والعلم بوجوب العزم على الواجب إنّما يجب العلم بوقوع وجوبه وحضور وقته وتضييقه.

أمّا قبل ذلك فلا يجب العزم فيه على الأقوى خلافا للسيّد المرتضى 2 في الموسّع ، وقد حقّق في الأصول (١).

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٥٨.


[ قوله : ] والعملي منه فعل مقتضى ذلك كلّه ، يعني به العملي من العقلي الضروري ، فالمقتضى ـ بالفتح ـ وهو فعل الصدق وفعل الانصاف وفعل الشكر ، وأخواتها ؛ لأنّ العلم بوجوبها اقتضى فعلها.

تنبيه :

الاقتضاء : صفة مفعولة لازمة لما أضيفت إليه لا فاعل لها ، كصفات القديم الذاتيّة ، فإنّ ذاته المقدّسة ليست مؤثّرة فيها ولا غيرها ، وكذا إمكان الممكن ، وزوجيّة الاثنين إلى غير ذلك ، ممّا يجري هذا المجرى. وهنا العلم بوجوب تلك المعدودات لزمه الإتيان.

قال : ( وبالندب ، كالعلم بابتداء الإحسان ، وحسن الخلق ، والصمت ، والاستماع ، واللين ، والأناة ، والحلم ، والرفق ، والعفّة ، والنصيحة ، وحسن الجوار ، والصحبة ، والمبالغة في صلة الرحم ، وصدق الودّ ، والصبر ، والرضى ، واليأس عن الناس ، وتعليم الجاهل ، وتنبيه الغافل ، والإغاثة ، والإرشاد حيث يمكن بدونه ، وإجابة الشفاعة ، وقبول المعذرة ، والمنافسة في الفضائل ، ومصاحبة الأفاضل ، ومجانبة السفهاء ، والإعراض عن الجهّال ، والتواضع للأخيار ، والتكبّر على الأشرار إذا كان طريقا إلى الحسبة ، والفكر في العاقبة ، وتجنّب المريب ، والمكافأة على المعروف ، والعفو عن المظلمة ، وشرف النفس ، وعلوّ الهمّة ، واحتمال الأذى ، ومداراة الناس ، والأمر بالحسن والترغيب فيه ، والنهي عن المكروه ، والفحص عن الأمور ، وغير ذلك. والعملي فعل مقتضاها ).

أقول : هذا هو الحكم الثاني من الأحكام المندرجة في القسم الأوّل من الأقسام الخمسة ، وهو العلم العقليّ الضروري ، فالعلم بالابتداء بالإحسان ندب قضت به


ضرورة العقل ، وكذا سائر ما ذكر. بقي أن نشير إلى معاني هذه الكلمات بما بلغ فهمنا إليه ـ وإن كانت أو بعضها في غنى عن ذلك ـ زيادة في الإيضاح. ولنقيّد فيها ما لا يمكن إجراؤه على عمومه منها.

فابتداء الإحسان : كلّ أمر نفع أو دفع سوء رجا عليه عوضا من المسدى إليه ، كالقرض ، أو كالهبة المجرّدة عنه.

وحسن الخلق : ملازمة ما يكمّله نفسا ، كالتحلية بالضمائر القدسيّة ، وبدنا ، كاستعمال المندوب من الشرائع الصحيحة ، والآداب العقليّة المتعلّقة بالبدن ، فإنّ الخلق ملكة نفسانيّة ، تصدر الأفعال عنها بسهولة من غير رويّة.

والصمت : الكفّ عن الكلام في مواضع كراهته ، كهذره وخوف عثراته إذا لم يبلغ به ضررا.

قال أمير المؤمنين 7 : « من كثر كلامه كثر خطؤه » (١).

والاستماع : يراد به هنا الإصغاء ، وهو الميل القلبي الواصل إليه سببه بالإدراك الأدنى ، وذلك في الأمور المندوب إلى فعلها ندبا لا يبلغ إلى وجوبها.

واللين : ضدّ الصعوبة ، وهو لبعض الأشخاص ، وفي بعض الأحوال ، ويكون في الأفعال والأقوال.

والأناة : الصبر في الأمور التي لا تحمد العجلة فيها.

والحلم : عدم إعمال الغضب في النفس مع القدرة على الانتقام ، وإلاّ فهو نوع ذلّ واهتضام.

والرفق : قريب من اللين ، وهو حسن الانقياد لما يؤدّي الجميل.

والعفّة : الانزجار عمّا يوافق اللذّة من المحرّمات والمكروهات ، والانجذاب إلى ما يوافقها أيضا من الواجبات والمندوبات ، ويقابل الطرف الأوّل اللذة ، والثاني الجمود ، وهما مذمومان.

__________________

(١) نهج البلاغة : ٧٢٧ ، الحكمة ٣٤٩.


وللعفّة شعب : منها : الصبر ، والحياء ، والورع ، والسخاء ، والدعة ، والوقار ، والنزاهة ، وحسن السمت ، والانتظام ، والقناعة.

وأمّا حسن الجوار والصحبة : فهما بكفّ الأذى واحتمال الأذى ، والذكر الجميل ، والبرّ ولو بالقليل ، والمبالغة في صلة الأرحام ولو بإرسال السلام وبالنفس والإهداء والثناء الجميل والدعاء ، كلّ ذلك فيما زاد على القدر الواجب.

وصدق الودّ : بموافقة القلب واللسان.

والصبر : أمّا في باب الشجاعة فقوّته على الآلام والأهوال.

وفي باب العفّة حبس النفس عن متابعة الهوى.

والرضى : طيب النفس فيما يصيبه ويفوته مع عدم التغيّر ، وهما هنا فيما لا يلزم فعله.

واليأس عن الناس : بترك الطمع فإنّ رقّه أذلّ من رقّ العبوديّة.

وتعليم الجاهل وتنبيه الغافل : وهما أيضا ممّا تكمل النفس به علما وعملا فيما دون الواجب.

والإغاثة : إغاثة الملهوف بدفع المخوف.

والإرشاد : يدخل في تعليم الجاهل.

وإجابة الشفاعة : موافقة مطلوب الشافع ، ويقرب منه قبول المعذرة. ويمكن الفرق بين الشفاعة والمعذرة بأنّ في الشفاعة نوع التزام بالذنب ، وفي المعذرة نوع حيلة لدفع الذنب.

والمنافسة في الفاضل : وهي طلب النفيس منها بالترقّي في مراتبها.

ومصاحبة الأفاضل : تثمر حصول الفضائل.

ومجانبة السفهاء والإعراض عن الجهّال : متلازمان أو متقاربان. والسفه :

الخفّة ، من قولهم : خطام سفيه.

والتواضع للأخيار : وهو استعظام ذوي الفضائل ومن دونه في الجاه والمال اعتقادا وقولا وفعلا.


والتكبّر على الأشرار إذا كان طريقا إلى الحسبة. فالتكبّر : مقابل التواضع ، وهو استحقار الصغار والكبار من الأشرار ، والحسبة هنا ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسمّيت حسبة ؛ لأنّها تفعل احتسابا لله وتقرّبا إليه.

والتواضع والتكبّر هنا متعلّقان بالمندوب والمكروه ؛ إذ لو تعلّقا بالواجب والحرام لزم عدّهما في الواجب ؛ لأنّ وسيلة الشيء تكتسي صفته.

والنظر في العاقبة : وهي ما يعقب الشيء ويلزمه من حسن أو قبيح ، وهو يوجب التحرّز.

وتجنّب المريب : فإنّ ملاقاة بسرقة مثلا ، أو زنى أو غيبة توجب الريبة.

لا تصحب النطف المريب

فقربه إحدى الريب

واعلم بأنّ ذنوبه

تعدي كما يعدي الجرب

والمكافأة على المعروف : معروف.

والعفو عن المظلمة : يدخل في قبول الشفاعة والمعذرة ، إلاّ أنّه هنا قد يكون ابتداء بغير توسّط ذينك.

وشرف النفس : ارتفاعها عن الرذائل.

وعلوّ الهمّة : التوطين على عدم الرضى لنفسه بدون الغاية.

واحتمال الأذى : الصبر عليه مع القدرة على زواله ، إذا لم يؤدّ ذلك إلى الهوان.

ومداراة الناس : التلطّف بهم قولا وفعلا ، ومنه انقيادهم له ، وكفّ أذاهم عنه ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (١).

والأمر بالحسن والترغيب فيه ، والنهي عن المكروه ، وهذان فيما لم يبلغ الواجب كما عرفت.

والفحص عن الأمور : هو التفتيش ، وفائدته معرفة ما يتمّ به معاشه ومعاده ، وهو قريب من الفكر في العاقبة.

والعمليّ فعل مقتضاها : يعني إدخال تلك الأمور في الوجود الخارجي.

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٥٩.


تنبيه :

العلم بجميع ما ذكر عقليّ ضروريّ على ما وضع.

واعلم أنّ في بعضها خلافا ، فإنّ العفو عن المظلمة ، قيل : جائز ، وقيل : ممنوع.

والأمر والنهي ، قيل : طريقهما العقل (١) ، وقيل : السمع (٢). وعلى كلّ تقدير فالعلم بذلك نظري عقلي أو سمعي لا ضروري.

قال : ( وبالحرام : كالعلم بقبح الكذب والظلم ، والتصرّف في ملك الغير بغير إذنه والإغراء بالقبيح ، والإخلال بالواجب ، وتكليف المحال ، وإرادة القبيح والعبث. والعملي مباشرة مقتضاها ).

أقول : هذا هو الحكم الثالث من الأحكام الخمسة المندرجة في القسم الأوّل من الأقسام ، وهو العلم العقلي الضروري.

فقبح الكذب : إشارة إلى الكذب الضارّ ، كما سلف في حسن الصدق.

وقبح الظلم : ظاهر.

والتصرّف في ملك الغير بغير إذنه : يعني بالمالك هنا ما عدا الواجب. أمّا الربّ تعالى ، فيجوز التصرّف في ملكه ما لم ينهه عنه ؛ لأنّه قد تقرّر في الأصول إباحته قبل ورود الشرع على الأقوى.

والإغراء بالقبيح : هو جذب الغير إليه وترغيبه فيه.

والإخلال بالواجب ، وتكليف المحال : وهذا عند العدليّة.

وإرادة القبيح : وهي صرف العزم الجازم إلى فعله منه أو من غيره.

والعبث : فعل لا غرض فيه. فالعلم بتحريم هذه الأشياء ضروري عقلي.

إن قلت : فإرادة القبيح غير مؤاخذ بها ، فلا تكون حراما ، فلا يكون العلم بتحريمها

__________________

(١) نسبه الفاضل المقداد في شرح الباب الحادي عشر : ٥٨ إلى الشيخ الطوسي ;.

(٢) كالسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل : ٤٢.


علما ؛ لعدم المطابقة فضلا عن كونه ضروريّا.

قلت : غير المؤاخذ به منها ، إنّما هو ما يخطر بالنفس من الوساوس والهواجس المتعلّقة بالمعاصي ، أمّا إذا صمّم العزم على القبيح ، وعقد القلب عليه ، مع إمكان التحفّظ منه ، فلا نسلّم أنّه غير مؤاخذ به ، بل عليه جزاء لصيرورته حينئذ من أفعال القلوب ، كما اختاره صاحب مجمع البيان فيه عند تفسير ( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) (١) الآية.

وأقول : يعضد ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٢) أي يسأل عمّا يفعل بهذه الجوارح من الاستماع والإبصار لما لا يحلّ ، والإرادة لما يقبح.

هكذا ذكره الشيخ ; في تبيانه (٣) ، على أنّ عدم المؤاخذة لا يدلّ على عدم التحريم ؛ لجواز العفو عندنا ، كما هو ظاهر الحديث : « إنّ الله تجاوز لهذه الأمّة عن نسيانها وما حدّثت به أنفسها » (٤).

قال : ( وبالمكروه ـ وهو ما قابل الندب ـ كالبخل ، وسوء الخلق ، والهذر.

وعمليّه فعله. والمباح من الفعل والترك ما لا رجحان فيه البتّة ).

أقول : هذان تمام الأحكام الخمسة المندرجة في القسم الأوّل الذي هو الضروري العقلي ، وليس فيه موضع بحث على ما ترى.

قال : ( الثاني : العقلي النظري ).

أقول : هذا هو القسم الثاني من الأقسام الخمسة الأوّل ، فقال فيه :

( كالعلم بحدوث العالم ، ووجود الصانع ، وإثبات صفات كماله

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٠١ ذيل الآية ٢٨٤ من البقرة (٢).

(٢) الإسراء (١٧) : ٣٦.

(٣) التبيان ٦ : ٤٧٧ ذيل الآية ٣٦ من سورة الإسراء (١٧).

(٤) التبيان ٢ : ٣٨٢.


وعدله ، ونبوّة الأنبياء ، وإمامة الأوصياء. وعمليّه فعل مقتضى النظري ).

فنقول : دليل حدوث العالم تغيّره ، ووجود الصانع حدوثه ، وإثبات صفات كماله : وجوبه ، وعدله : غناؤه ، ونصب الأنبياء والأوصياء : عدله. ونعني بحدوث العالم الذي هو نظري ما لم نشاهد حدوثه وتجدّده ؛ لأنّ في أجزاء العالم ما علم حدوثه ضرورة.

وعمليّة فعل مقتضى النظري : يعني أنّ النظر اقتضى كون هذه المذكورات بهذه الحال ، فإذا اعتقدها كذلك فقد عمل بمقتضى النظر. والعمل هنا قلبي لا غير.

إذا عرفت هذا ، فالمصنّف ذكر في هذا القسم من الأحكام الخمسة الواجب ، ولم يذكر قسيميه من الندب والحرام والكراهة والإباحة ، كما استوفى تقاسيم الأحكام في الماضي والغابر من الأقسام.

فبالمندوب : كالعلم بالآداب العقليّة المؤدّية إلى تثقيف النفس.

وبالحرام : كالعلم بتعليم السحر والميسر.

وبالمكروه : ما يقابل المندوب ، كالتخلّق بالأخلاق المذمومة ذمّا لا ينتهي إلى التحريم ، كالحمق والرذالة والحسد والبطالة.

والعمليّ فعل مقتضى ذلك.

وبالمباح : كالكون في أحد المكانين المتساويين ، والصلاة فيه ، ونحو ذلك. وعمليّة فعله.

قال : ( الثالث : العلم السمعي الضروري ، كالعلم بضروريات الدين ، كوجوب الطهارة والصلاة ، وندب إتيان المساجد ، وحرمة الزنى والسكر ، وكراهية استقبال القمرين عند الحاجة ، وإباحة تزويج الأربع ).

أقول : هذا هو القسم الثالث من الأقسام الخمسة السالفة إلاّ أنّ في ضروريّة كراهة استقبال القمرين نظرا.

ولم يذكر المصنّف عمليّ هذا القسم. والظاهر أنّه أدرجه في تاليه ، وهو النظريّ من السمعي ؛ لكونهما فرعي أرومة واحدة.


قال : ( الرابع : النظري منه ، كالعلم بوجوب قراءة الحمد في الصلاة ، وتسبيح الركوع ، وندب القنوت ، وحرمة الأرنب وذي الناب ، وكراهية الحمر الأهليّة. والعملي مباشرة ذلك ).

أقول : هذا هو القسم الرابع من الأقسام الخمسة وهو النظريّ من السمعي ، فدليل العمل بوجوب القراءة قوله 6 : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (١) وتسبيح الركوع « ضعوها في ركوعكم » (٢). وندب القنوت : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) (٣) على ما قيل (٤) ، أو فعله 6. وحرمة الأرنب (٥) وذي الناب (٦) وكراهة الحمر ، الروايات (٧).

وقد وردت روايات في فحواها تحريم الخيل والبغال والحمير (٨) ، عورضت بأصرح منها وأشهر (٩) ، مع أصل الإباحة ، وعموم : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ ) (١٠) الآية. ولم يذكر المصنّف ; الإباحة في هذا الباب ، وأظنّه لظهوره ، أو من سهو الكتّاب ، وهو كثير ، كالعلم بإباحة المعاملات ، وأكل الحيوانات ، وغير ذلك من المباحات.

قال : ( الخامس : الظنّي ، كظنّ القبلة ، وطهارة الثوب ، وعدد الركعات. والعملي فعل مقتضاه ).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٩٥ / ٣٩٤ ؛ صحيح البخاري ١ : ٢٦٣ / ٧٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٣ / ٨٣٧ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٦٣ / ٩٢٤٥ ؛ نصب الراية ١ : ٣٦٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ٩٣٢ ؛ التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٣.

(٣) البقرة (٢) : ٢٣٨.

(٤) التذكرة ٣ : ٢٥٥ ذيل المسألة ٣٠٧.

(٥) الوسائل ٢٤ : ١٠٦ / ٧ و ١٠٩ / ١١ و ١١٠ / ١٤ باب ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٦) الوسائل ٢٤ : ١١٣ ـ ١١٧ باب ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٧) الوسائل ٢٤ : ١١٧ ـ ١٢١ باب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٨) الوسائل ٢٤ : ١١٨ / ٣ و ١٢٠ / ٩ باب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، و ١٢١ / ١ و ١٢٢ / ٥ و ١٢٤ / ٧ باب ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٩) الوسائل ٢٤ : ١١٧ ـ ١٢٤ باب ٤ و ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(١٠) الأنعام (٦) : ١٤٥.


أقول : إنّ اعتقاد جهة القبلة يكفي فيه الظنّ ، فيكون الظنّ نفس اعتقاد الاكتفاء في العمل بالظنّ ، وكذا طهارة الثوب وعدد الركعات ؛ للزوم تكليفه ما لا يطاق في من لا يتمكّن من مشاهدة الكعبة ، أو ما يقوم مقامها. والبناء على الأصل في الثاني ، والحرج في الثالث. واعلم أنّ جميع المسائل المستنبطة من الأدلّة داخل في هذا القسم.

وقد أطلق العلماء على اعتقادها العلم ، وإن كان طريقه الظنّ ؛ لعدم المنافاة بين ظنّيّة الطريق وعلميّة الحكم كما قرّر في الأصول (١).

والحكم هنا هو اعتقاد الاكتفاء في هذه الأشياء بالظنّ ، وقد عرفت أنّ الاعتقاد المذكور علم مجزوم به ، والظنّ الواقع في طريقه لا يخرجه إلى الظنّ ، فكيف يطلق المصنّف عليه الظنّ؟! نعم يجوز حمل كلامه على المجاز تسمية للمسبّب باسم سببه. هذا مع أنّ الطريق إلى الاكتفاء بظنّ القبلة علميّ ، وهو امتناع تكليف ما لا يطاق ، فكيف يكون اعتقاد الاكتفاء بالظنّ في العمل ظنّيّا؟!.

وليس لأحد أن يقول : المراد بالظنّ العمل به ؛ لأنّ ذلك مذكور في قوله : والعمليّ فعل مقتضاه ، فاعرف ذلك ، فإنّه موضع اشتباه.

ولم يذكر المصنّف في هذا سوى ظنّ الوجوب.

واعلم أنّ ظنّ الندب كما في عدد ركعات النافلة ، وظنّ الحرمة كما في ظنّ الضرر بنوع من المأكول ، وظنّ الكراهة كظنّ كراهة المالك حقّ المارّة ، وظنّ الإباحة كما في الصحاري ونحوها لشاهد حالها بإباحة مالكها. فهذه الخمسة والعشرون الموعود بذكرها ، ولله النعمة وبه العصمة.

قال : ( تنبيه : كلّ هذه الأمور يجب اعتقادها على ما هي عليه إجمالا ، وعلى من كلّف بها تفصيلا. ويمكن خلوّ المكلّف من أكثرها إلاّ دفع الخوف الحاصل من ترك معرفة المكلّف سبحانه ، وما يتعلّق باعتقاد التروك وتركها ).

أقول : هذه الأمور أعني أقسام الاعتقادات الخمسة ، وأقسام الأحكام الخمسة

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٢٤.


المندرجة في كلّ واحد منها ، يجب ربط القلب بها على وجوهها المذكورة إجمالا ، وكلّ من كلّف بشيء منها يجب عليه معرفته تفصيلا ، بحيث يميّزه عن مشاركيه في جنس أو نوع ؛ لامتناع إيقاعه منه بدون ذلك.

وعلّة وجوب اعتقادها ؛ كونها حقّا ، وكلّ حقّ يجب اعتقاده.

والمراد بإمكان الخلوّ الجواز العقلي أو السمعي لا الإمكان المتساوي الطرفين ؛ لأنّ باعتباره يمكن الخلوّ من الجميع.

إذا جاوزت هذا ، فاعلم أنّ في جواز الخلوّ من الأكثر المذكور دليلا على عدمه من الأقلّ ، فالمذكور في الاستثناء إن كان من الأكثر لزم المناقضة ، وإن كان من الأقلّ لزم التكرار.

نعم يجوز أن يكون المصنّف عدل عن المفهوم إلى المنطوق ، ويكون إفراد المذكورات بالذكر من باب ترجيح الخاصّ على العام مثل : ( فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) (١).

واعلم أيضا أنّ اعتقاد التروك يجوز الخلوّ منه ، ولم يكن بذلك آثما ، نعم لا يستحقّ مع الخلوّ منه على تركها ثوابا ، أمّا تركها الذي هو من باب العمل المجازي لا يصحّ الخلوّ منه.

قال : ( واعلم أنّ العلماء شرطوا في استحقاق المدح والثواب بها إيقاعها لوجوبها مثلا ، أو وجه وجوبها ، وهما متلازمان ، وتركها لحرمتها مثلا أو وجه حرمتها ، وهما أيضا متلازمان ، فلنذكر الوجه في ذلك ).

أقول : وجه الاشتراط الموضوع المعقول والمسموع.

أمّا الأوّل : فلأنّ من قال لغيره : افعل لي كذا لأجزيك به ، فإنّه يعلم ضرورة أنّه إذا فعله لغيره لم يجب الجزاء عليه منه ، فالآتي بالمأمور به مع الغفلة عن الوجوب أو وجهه ، أو مع إرادة الضدّ كالرياء والسمعة لا يستحقّ من الله ثوابا ، ولا من المخلوقين مدحا ، وكذا لو شاب التقرّب بغيره من المنافيات ؛ لعدم تحقّق معنى الإخلاص ؛ ولقوله

__________________

(١) الرحمن (٥٥) : ٦٨.


تعالى : ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١) ، ولما جاء في الحديث القدسي : « أنا خير شريك ما خولطت في شيء إلاّ تركته لشريكي » (٢).

وأمّا الثاني : فلما ذكرناه ، ولقوله : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٣). ومن السنّة « إنّما لكلّ امرئ ما نوى » (٤).

والمثل المذكور في الموضعين يشير به إلى المندوب والمكروه.

وقوله : لوجوبها أي لنفس الوجوب يوقعها من غير اعتبار ما وجبت له ، أو وجه وجوبها يوقعها للعلّة الغائيّة فيها ، وهي الوجه ، وسيأتي ذكره مفصّلا.

واعلم أنّ إتيان المصنّف هنا بـ « أو » تحتمل الترديد ؛ للشكّ فيه منه ، وتحتمل التخيير ؛ لأجل التلازم الذي ذكر ، فقصد أيّهما كان يلزمه الآخر. ووجه التلازم أنّ الوجه علّة في الوجوب ، فإن أوقعها للوجوب لزمته علّته التي هي الوجه ، وإن أوقعها للوجه لزمه معلوله الذي هو الوجوب ؛ لما عرف من التلازم بين المعلول وعلّته.

لكن يبقى الكلام في أيّهما يقصد بالقصد الأوّل ، لجواز الجهل بالتلازم الذهني المسبّب عن التلازم الخارجيّ ، أو الغفلة عنه حال الفعل ، فعلى هذا يتعيّن عليه قصد ما يستحضره منهما حال الغفلة عن التلازم المذكور ، ولكن الأشيع في الناس معرفة الوجه ، فقصده كاف على الأقوى. [ و ] في عجز الفصل الثالث من المصنّف ما يعضد ذلك.

ويمكن عدم الوجوب العيني على أحدهما ؛ لأنّه نوع حرج وعسر ، ولأنّ اللازم تابع ، فهو في نفس الأمر واقع.

ويحتمل الجمع بينهما على تقدير أن يكون « أو » بمعنى الواو العاطفة مثل ( وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) (٥) ولا شكّ أنّه أكمل ، فيضمّ إلى الوجوب أحد الوجوه الأربعة

__________________

(١) الكهف (١٨) : ١١٠.

(٢) فقه الرضا : ٣٨١ ، باب التفكّر.

(٣) البيّنة (٩٨) : ٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٣ / ١ ؛ صحيح مسلم ١ : ١٥١٥ ـ ١٥١٦ / ١٩٠٧ ؛ السنن الكبرى ٧ : ٣٤١.

(٥) الإنسان (٧٦) : ٢٤.


الآتي ذكرها ، إمّا تخييرا ؛ لتعارض الأدلّة ، أو تعيينا ؛ لاجتهاد أو تقليد. وأولى منه ضمّ المجموع إلى الوجوب ؛ ليدخل في الجملة المطلوب.

نعم لو انفرد بقصد وجه منها عاريا عن الوجوب أمكن عدم الإجزاء ؛ لجواز كون ذلك الوجه ليس بغاية في نفس الأمر ، فلا يلزمه الوجوب ؛ لعدم العليّة بينهما ، فيكون قد خرج عنهما ، ولا يتوجّه هذا المحذور في الانفراد بقصد الوجوب للملازمة المذكورة ، وهذا يؤيّد الاكتفاء به كما سلف منّا اختياره ، بل نذكر ما هو أبلغ من ذلك فنقول : ربّما كان ضمّ الوجه إلى الوجوب مخلاّ بالإجزاء ؛ لكونه مخلاّ بالإخلاص الذي هو شرط الإجزاء. وبيان ذلك : أنّ الوجه هو الغاية التي لأجلها كان ذلك الحكم كما ذكره ; فيما يأتي.

وذكر في الفصل التالي لهذا ـ بلا فصل ـ الغايات الأربع. ومنها : المدح والثواب والخلاص من العقاب على ما ذكر. وقد قطع العلماء بكون العبادة فاسدة بقصدها ، نعم قد قال ; في ذكراه : « وقد ظنّ قوم أنّ قصد الثواب يخرج عنه ـ يعني الإخلاص ـ وليس بذاك. ولا نسلّم أنّ قصد الثواب يخرج عن ابتغاء الله بالعمل ؛ لأنّ الثواب لمّا كان من عند الله فمبتغيه مبتغ وجه الله » (١).

ولقائل أن يقول : الانفراد بقصد الوجوب يخرج عن الاختلاف والنزاع إلى الائتلاف والإجماع ، وذلك كاف في الترجيح.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ١٠٤.



[ الفصل الثالث

في غاية التكليف ]

قال : ( الفصل الثالث : في غايته الحاصلة بالامتثال ، وهي المسئول عنها ب ( لم ) وهي أربع :).

أقول : غاية الشيء هي أحد علله الجاذبة إلى فعله ، فهي علّة لعليّة الفاعل ، فإذا فعل حصلت له الغاية المقصودة أوّلا ، ومن ثمّ قال الحكماء : أوّل الفكر آخر العمل.

وهي التي يسأل عنها بلفظة « لم » المكسورة اللام ، فإنّ هذه اللفظة تطلب بها العلّة.

قال : ( وهي أربع : ) يعني الغايات.

[ قال ] : ( الأولى : التقرّب إلى الله سبحانه والزلفى لديه ـ ومعناه موافقة إرادة الله تعالى ، وفعل ما يرضيه تعالى عن المكلّف ـ قرب الشرف ، لا الزمان والمكان ).

أقول : التقرّب والزلفى من المترادف ، يقال : أزلفه إذا قرّبه ، ومنه ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (١) أي ساعات متقاربة من الليل ، ومعناه التقرّب إلى

__________________

(١) هود (١١) : ١١٤.


رضاه قرب الشرف لا قرب الشرف ؛ لامتناع المكان والزمان عليه تعالى ؛ لاستلزامهما حدوث المصاحب لهما.

وقوله : وفعل ما يرضيه عن المكلّف فيه نظر ؛ فإنّ الكلام في وجه الفعل ـ الذي هو أحد الغايات المذكورة ـ لا في نفس الفعل ، فكان الأتمّ أن يقال : التقرّب إليه بفعل ما يرضيه ؛ ليكون معناه أنّه يوقع الفعل على الوجه المأمور به.

نعم يمكن الاعتذار له ، بأنّه لم يقصد بالفعل الواقع بمباشرة الجوارح ، بل جمع همّته والتوجّه إلى رضاه ، فيكون الفعل المذكور من أفعال القلوب ، إلاّ أنّ الفعل لا يطلق عليها حقيقة.

قال : ( الثانية : المدح من العقلاء ، والثواب من الله تعالى ، والخلاص من العقاب وهاتان غايتا حسنه ).

أقول : يعني بهاتين : التقرّب والمدح إلى آخره.

أمّا حصول التقرّب في الأولى ، ونيل الثواب والمدح في الثانية ، فكونهما غاية حسنه أمر ظاهر.

وأمّا الخلاص من العقاب ، ففي كونه غاية حسنه منع ؛ إذ بتقدير عدم التكليف لا يتوجّه على الإنسان عقاب حتى يتوجّه خلوصه منه بالتكليف ، فيكون ذلك غاية حسن التكليف ، وإلاّ لعوقب الطفل والمجنون والبهائم وغيرها.

نعم على تقدير عدمه لا يتوجّه تقرّب ولا مدح ولا ثواب ، فإنّه لو لا التكليف لعدمت عنه تلك الغايات.

ولا يقال : لو لا التكليف لعدم عنه الخلاص من العقاب ؛ للزوم الظلم حينئذ ، مع أنّ المباح من التكليف على القول بأنّه تكليف ليس القرب ولا المدح غاية حسنه ، فإنّه لا يعقل التقرّب والمدح بما لا رجحان فيه. وسيأتي فيه مزيد كلام إن شاء الله تعالى.

قال : ( الثالثة : القرب من الطاعة والبعد من المعصية العقليين ، وهو المعبّر عنه باللطف. وهذه الغاية حاصلة بامتثال السمعيّات لا العقليّات ).


أقول : القرب من الطاعة العقليّة والبعد من المعصية هما القرب إلى الله سبحانه ، فتندرج هذه في الغايات الأولى ، لكن اعتبر في القرب إلى الله واسطة هي القرب من طاعته ، وأسقطها هناك ، وهذا القرب هو المعبّر عنه باللطف ؛ لأنّهم أطلقوه على كلّ ما قرّب من طاعة أو بعّد من معصية.

قوله : وهذه الغاية : يعني القرب من العقليّات. حاصلة بامتثال السمعيّات :

يعني بفعل السمعيّات.

وقوله : لا العقليّات : يعني أنّ الواجبات العقليّة ليست غاية في نفسها ؛ لأنّ الشيء موقوف على غايته التي هي الغرض في الأمر به ، فلو كان شيئا غاية لنفسه لتوقّف على نفسه ، وهو محال.

وأقول : يمكن أن يكون العقليّ غاية في عقليّ آخر ؛ فإنّ العقل قد يقتضي بشيء يقرب إلى عقلي آخر ، كما أنّ السمعيّ كذلك ، فإنّه يقضي بالقدرة والعلم لله سبحانه ، ولزمهما الوجود والحياة ، فقد قربا إلى ذلك واستلزماه ، وهذا النوع كثير.

قال : ( الرابعة : الفوز بتعظيم المكلّف سبحانه ، والثناء عليه ، والاعتراف بنعمه ، وهو المعبّر عنه بالشكر. وهاتان الغايتان تصلحان لما عدا المباح ).

أقول : معنى الفوز قد عرفته في صدر الكتاب.

والتعظيم هنا إشارة إلى كبر الباري سبحانه في نفس عبده ، والخضوع له في تصرّفاته وأحواله ، والثناء عليه بجميل أفعاله ، والاعتراف له بجزيل نواله.

وهذه الأمور تحصل بملازمة التكليف ، وقد أشار في ذلك إلى محالّه الثلاثة ، فإلى خضوع الأركان بالتعظيم ، وإلى اللسان بالذكر الجسيم ، وإلى القلب بالاعتراف بالنعيم ، وهذه الغاية عبّروا عنها بالشكر. وفيها أيضا نوع رجوع إلى اللطف ؛ فإنّ الامتثال لمّا استلزمها كان لطفا لها.

وقوله : وهاتان الغايتان تصلحان لما عدا المباح. يعني بهما غايتي القرب والفوز ، وهما الثالثة والرابعة ، والمباح لمّا خلا عن الرجحان والمرجوحيّة لم يصلح شيء منهما غاية له.


واعلم أنّه لمّا حصرها بالنفي من كونهما غاية المباح دلّ بمفهومه على صلاحيّة الغاية من السالفين له.

والذي أراه أنّه لا يصلح شيء من الأربع غاية له.

فإنّه لا يعقل كون المباح سبيلا إلى التقرّب ولا إلى المدح والثواب ؛ إذ لا رضى للبارئ تعالى في فعله وتركه ، ولا سخط ولا مدح ولا ثواب في فعله وتركه ولا ما يقابلهما. وما هذا حاله كيف يكون ما ذكر غاية له؟!.

قال : ( ثمّ لمّا كان بعض المعارف العقليّة سببا لدفع الخوف الواجب أمكن أيضا جعله غاية لها. ولمّا كان السمعي إنّما يعلم بالأمر والنهي على لسان النبيّ 6 ، وكان ترك الواجب مستلزما للمفسدة غالبا ، وترك القبيح مستلزما للمصلحة كذلك ، ظنّ أنّهما وجهان أيضا ).

أقول : يمكن أن يكون دفع الخوف غاية لبعض المعارف العقليّة ، وذلك البعض هو ما يتوقّف عليه الموجب لدخول الجنان.

وترك الواجب المستلزم للمفسدة ، والقبيح المستلزم للمصلحة ، هو المذهب الرابع لبعض المعتزلة. وسيأتي.

وقيّد بـ « الغالب » ليخرج النادر ، فإنّ ترك الواجب قد لا تلزمه مفسدة ، كمن ترك شدّة في قراءته أو طمأنينة في ركوعه ونحو ذلك. وترك القبيح ربّما استلزم مفسدة كالإقرار بالدين المستخفي.

وفي قوله : ظنّ أنّهما وجهان دلالة على عدم حكمه بصواب ذلك ؛ ليكون الظنّ مطابقا فيكون علما ، وعدم حكمه بخطئه ليكون مخالفا فيكون جهلا.

قال : ( وتحقيق القول في ذلك يتوقّف على مقدّمتين : الأولى : أنّ العقل يحكم بحسن أشياء وقبح أشياء كما مرّ ، والعلم بذلك ضروري. والمنازع إن لم يكن مكابرا فقد خفي عليه التصوّر ؛ ولأنّهما لو انتفيا عقلا لانتفيا سمعا ؛


لانسداد باب إثبات النبوّة ).

أقول : وجه توقّف معرفة الوجه على حكم العقل بالحسن والقبح ، وعلى كون الحسن والقبح لذات الفعل ، أو لوجه يلحقها ظاهرا ، فإنّه لو لا ذلك لجاز إيجاب الفعل لا لغاية.

فإذا قيل : يكون عبثا قبيحا.

قلنا : جاز كون الشارع لا يقبّح ذلك ، والعقل لا يحكم له فيه ، فلا يطلب الوجه حينئذ. وكذا إذا قلنا : إنّ حسن الفعل وقبحه لذات الفعل لم تطلب الوجه. وإن قلنا :

له وجه يقع عليه فيحسن لأجله أو يقبح ، احتجنا إلى معرفة الوجه ، فظهر أنّ البحث في الوجه يتوقّف على هاتين.

إذا عرفت ذلك فنقول : حكم العقل بحسن بعض الأشياء كالصدق النافع ضروريّ ، ويقبح بعضها كالكذب الضارّ ضروري ، وببعضهما كالصدق الضارّ ، والكذب النافع نظري ؛ ومن ثمّ نكّر المصنّف أشياء لعدم عموم النكرة في الإثبات.

قوله : والمنازع إن لم يكن مكابرا إلى آخره.

جواب سؤال مقدّر ، هو أنّ العلم بذلك لو كان ضروريّا لما وقع النزاع فيه لكنّه وقع ، لزم من استثناء نقيض التالي نقيض المقدّم ، وهو أنّه ليس ضروريّا.

فأجاب ; بأنّ النزاع ليس بعدم ضروريّة حسن شيء أو قبحه ، بل لأحد أمرين : إمّا لمكابرة ومجاحدة لسانا ، مع اعتقاد صحّة ما قلناه إيقانا ، أو لعدم تصوّر الأكبر المحكوم به ، والأصغر المحكوم عليه ، فإنّ تصوّر الطرفين قد يكون خفيّا عن الذهن فيقف عن الحكم لذلك ، فإنّ من استفهم عن نصف ربع عشر العشرين يقف عن الجواب ، ولو استفهم عن نصف نصف الدرهم لسارع إليه.

قوله : ولأنّهما لو انتفيا عقلا لانتفيا سمعا ، لانسداد باب إثبات النبوّة ، لكنّهما لم ينتفيا سمعا اتّفاقا لم ينتفيا عقلا التزاما.

بيان الملازمة : أنّ الطريق إلى صحّة السمع صحة النبوّة ، والطريق إليها المعجز الحاكم بها ، والطريق إلى خلقه لتصديقه عدل الله وحكمته المستفاد من غنائه المستفاد


من وجوبه. فلو كان التحسين والتقبيح إنّما هما من الشارع حتّى صدّق بخلق المعجز من ليس بنبيّ ، فإذا قيل : تصديق الكاذب قبيح ؛ لأنّه كذب ، قال : إنّ تقبيح الأشياء بوضعي ، وأنا لم أضع القبيح على كذبي.

فإذا جوّز العاقل ذلك لم يبق له طريق إلى إثبات النبوّة ، فيبطل السمع المتوقّف عليهما.

قال : ( الثانية : هل حسن الأشياء وقبحها للذات ، أو للوجه اللاحق للذات؟ البصريّون من العدليّة على الأوّل ، والبغداديّون على الثاني ؛ لتعليل كلّ منهما بعلل عارضة ؛ ومن ثمّ أمكن كون الشيء الواحد بالشخص حسنا وقبيحا باعتبارين ، كضرب اليتيم ؛ وعلى هذا يترتّب النسخ ).

أقول : حجّة الأوّلين لم يذكرها المصنّف لكنّه أدرجها فيما يأتي. وملخّصها أنّا متى علمنا كون الشيء صدقا وإنصافا علمنا حسنه ، ومتى لا فلا ، فدلّ الدوران على أنّه لو كان له وجهة غير كونه صدقا لتخلّف العلم بحسنه عمّن جهل ذلك الوجه ، ولأمكن الانقلاب في الأحكام فيصير الحسن قبيحا وبالعكس.

والقبيل الآخر يلتزمون بهذا ولم يجعلوه محالا ، وسيأتي ذلك في حجّتهم.

حجّة الآخرين : أنّ الحسن والقبح يعلّلان بعلل عارضة ، فيعلّل حسن الخبر وقبحه بمطابقته وعدمها ، وهما عارضان. ولو كانا ذاتيّين امتنع تعليلهما بالعارض ، نتج من الشكل الثاني كونهما ليسا ذاتيّين ، ولأجل تعليلهما بالعوارض أمكن كون الشيء الواحد حسنا باعتبار قبيحا باعتبار ، فإنّ ضرب يتيم واحد في زمان واحد من ضارب واحد مع قصد التأديب مليح ، ومع قصد الإهانة قبيح. وإنّما قيّد الوحدة بالشخص كما ذكرناه ؛ لتخرج الوحدة بالجنس والنوع ، فإنّ جنس الفعل ينقسم إلى حسن وقبيح.

وكذا نوعه كالخبر ينقسم إلى مطابق فيحسن ، وإلى غيره فيقبح.

قوله : وعلى هذا يترتّب النسخ. شروع منه في حجّة أخرى للبغداديّين ، وهي أنّ النسخ هو تغيير الأحكام بتغيير المصالح ، فيكون الفعل حسنا في زمان دون آخر ،


ولمكلّف دون آخر ، فيجب على الحكيم تعالى تغيير الأحكام لذلك ، ولو كان الحسن والقبح ذاتيين لم يتوجّه النسخ ؛ لامتناع زوال الذاتي عمّا هو ذاتي.

قال : ( إذا لحظ ذلك فنقول : لو لا الوجه المخصوص لكان ترجيح الواجب بخصوصه على الحرام ليس أولى من عكسه ، وبطلان التالي ظاهر ، فحينئذ نشرع في بيان الوجه مفصّلا في ثلاثة مباحث ).

أقول : يريد باللحظ هنا مجازه ، وهو الفهم القلبي ؛ لأنّه حقيقة في نظر العين ، واللّحاظ ـ بفتح الفاء ـ مؤخّر العين ممّا يلي الصدغ ، وـ بكسرها ـ من لاحظته إذا رعيته.

والضمير في ذلك يعود إلى أنّ للأفعال وجوها ؛ إذ لولاها لكان تخصيص الواجب بالوجوب دون التحريم ، والحرام بالتحريم دون الوجوب ترجيحا من غير مرجّح ؛ لعدم الأولويّة. أمّا مع الوجوه فالأولويّة حاصلة.

وعنى بالتفصيل المذكور في الأبحاث الثلاثة وجه العملي العقلي الضروري ، والعملي العقلي النظري ، والعملي السمعي. وكان ينبغي أن يكون لها رابع ؛ لأنّ السمعي ينقسم إلى ضروري ونظري كما سلف منه ; ، ولكن لمّا كان الوجه فيهما واحدا لم يقسّمه إليهما.

قال : ( [ المبحث ] الأوّل : وجه الضروري ، هو اشتماله على المنافع والمضارّ التي لا يمكن مفارقتها إيّاه كالصدق والإنصاف. ومن جعلها لذاته علّلها بنفس كونها صدقا وإنصافا إلى آخره ؛ لدوران العلم بأحكام تلك الأفعال والتروك مع العلم بها وجودا وعدما. فلو كان هناك وجه آخر امتنع ذلك بالنسبة إلى الجاهل بذلك الوجه ؛ ولأنّه لو كان غير ذاتي لأمكن الانقلاب في الأحكام ، وإنّه محال ).

أقول : هذا ظاهر ، وقد أسلفنا فيه كلاما عند ذكر حجّة البصريّين ، وأسلفنا أن


البغداديّين لا يحكمون بمحاليّة الانقلاب المذكور ، كما في ضرب اليتيم.

نعم في قوله : لا يمكن مفارقتها إيّاه ، إلمام بمذهب البصريّين لكنّه ليس على الإطلاق ، بل كلامه في الضروري العقلي دون النظري منه ، فحينئذ ينشعب من ذلك مذهب ثالث هو أنّ الضروريّ حسنه وقبحه ذاتيّ ؛ لامتناع المفارقة ، والنظري غيري.

قال : ( المبحث الثاني في النظري. ولوجوبه وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّه شرط في العلم بالثواب والعقاب على الضروري ، وشرط الواجب المطلق واجب.

أمّا الصغرى : فلأنّ العلم بالجزاء موقوف على معرفة المجازي ، ومعرفة قدرته الذاتيّة العامّة ؛ لتوقّف المجازاة عليها. ومعرفة علمه كذلك ؛ حذرا من النقص ، أو الإيفاء لغير الفاعل. ومعرفة حياته ؛ ليصحّ عليه الوصفان.

ومعرفة قدمه ووجوب وجوده ؛ ليمتنع عدمه وعدم صفاته ، وتمتنع الحاجة عليه ؛ حذرا من أخذ المستحقّ ، ويمتنع شبهه للحوادث. ومعرفة وحدته ؛ لامتناع اجتماع واجبين ومعرفة عدله ؛ ليؤمن إخلاله بالواجب ، ويحكم بحسن أفعاله. وتعليلها بالأغراض ، وبعث الأنبياء ، ونصب الأوصياء ؛ لتوقّف التكليف بالسمعي عليه.

وهنالك يعلم كيفيّة الجزاء ، وما يمكن إسقاطه منه كعقاب الفاسق وثواب المرتدّ. والجزاء موقوف على المعاد. وهذا القدر وما يتعلّق به هو المبحوث عنه في المعارف العقليّة.

وأمّا الكبرى : فلأنّه لولاه لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا ، أو التكليف بالمحال ).

أقول : هذا هو المبحث الثاني من الثلاثة الموضوعة لتفصيل الوجه. وقد ذكر


لوجوب العملي من العقلي النظري ثلاثة أوجه :

[ الوجه ] الأوّل : أنّ وجه العلم العقلي النظري هو كونه شرطا في العلم بالجزاء على الضروريّ ، يعني على الفعل الذي حسنه أو قبحه ضروريّ لا على مجرّد العلم الضروريّ ؛ فإنّه لا جزاء للعبد عليه ؛ لكونه ليس من كسبه ، فالعلم بالجزاء موقوف على معرفة المجازي ، يعني بمعرفته وجوده ؛ لامتناع وقوع فعل بدون فاعل.

ومعرفة قدرته ؛ ليصحّ منه فعل الجزاء. وعمومها ؛ لئلا يخرج بعض أفراده عن الوقوع ؛ لعدم مقدوريّته.

ومعرفة علمه. وعمومه ؛ لئلا يقع النقص أو الإيفاء لغير المستحقّ بسبب الجهل الكلّي أو الجزئي.

هذا ولو اقتصر المصنّف على ذكر العمومين كفى عن ذكر أصل الصفتين ؛ إذ يلزم من وجود الملزوم وجود اللازم.

وظهر من هذا ، الاكتفاء بذكرهما عن ذكر الحياة.

ومعرفة قدمه ووجوب وجوده ؛ ليمتنع عدمه ، إذ لو جوّز عدمه جوّز عدم الجزاء ، وكذا عدم صفاته.

وامتناع الحاجة عليه حذرا من أخذ المستحقّ ، لكن ينبغي أن يقيّد امتناع الحاجة عليه إلى نوع المستحقّ لجوازها إلى غيره فلا يأخذه ، فهذا هو الشرط لامتناع مطلق الحاجة.

وامتناع شبهه للحوادث ، لا أنّ له مدخلا في الشرطيّة ؛ للعلم بصحّة وقوع الجزاء من الحوادث.

فإن قلت : لو شابه الحوادث جاز عدمه ، وعدم قدرته ، وعدم علمه قبل الجزاء ، فلا يثق بالجزاء.

قلت : قد ذكر مفصّلا فلا حاجة إلى الإجمال بعده.

وكذا معرفة وحدته ، لا [ أنّ ] لها مدخلا في الشرطيّة ؛ لأنّه إذا كان كلاّ من الإلهين موصوفا بما ذكر من الكمالات جزم المكلّف بوقع الجزاء ، ولا يضرّه التعدّد هنا ، نعم


يمكن عدم الجزاء إذا أوجب الفعل أحدهما ، وأوقعه المكلّف للآخر. أمّا المفعول له ؛ فلأنّه غير آمر به ، وأمّا الآمر ؛ فلأنّه غير مفعول له.

ومعرفة عدله ؛ ليؤمن إخلاله بالواجب ؛ وليحكم بحسن أفعاله ، ويلزم من حسنها كونها لغرض ؛ لقبح العبث ، وليحكم بنصب السفراء ؛ لأنّ التكليف بالسمعي موقوف عليه أي على العدل ؛ لأنّه موقوف على نصب السفراء الموقوف على العدل ، والموقوف على الموقوف على شيء ، موقوف على ذلك الشيء ، فالجزاء على السمعي موقوف عليه ، أي على السمعي الموقوف على السفراء الموقوف على العدل.

وبهذا يتّضح لك أنّ حسن أفعاله ونصب سفرائه موقوف عليه ، أي السمعي لا على العقلي الضروري كما طرّد الكلام فيه.

فإذا عرف العدل حكم بحسن التكليف السمعي ، وعلّة حسنه التعريض لثوابه ، وحسن نصب السفراء لتعريف كيفيّته. فهنالك تعلم كيفيّة الجزاء ، أي إذا علم العدل أنّ الجزاء كان ضررا لا يجب فعله ، بل يجوز إسقاطه إلاّ عقاب الكافر ؛ للإجماع ، و [ لقوله تعالى ] : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) (١).

وإن كان نفعا : فإمّا عوض ، فلا يجب دوامه ، ولا إشعار مستحقّه به ، ولا زيادته إلاّ إذا كان على الربّ تعالى.

وإمّا ثواب ، فيجب دوامه وإشعار مستحقّه به ؛ لوجوب مقارنته للتعظيم ، ولا يجوز نقل ثواب الواجب عن مستحقّه بعوض وغيره ـ وفي المندوب خلاف ـ ولا إسقاطه.

نعم ثواب المرتدّ يسقط به ؛ لاشتراط الموافاة فيه. ولمّا لم يكن الجزاء واقعا في دار التكليف ، كان لا بدّ من دار أخرى ، وهي المعاد. وكلّ هذه المعارف عقليّة نظريّة.

فهنا تقرير الصغرى ، وهي كون العملي النظري شرطا في العلم بالجزاء على الضروري.

وأمّا الكبرى ، وهي أنّ شرط الواجب المطلق واجب ، فظاهر بما ذكره طاب ثراه.

__________________

(١) النساء (٤) : ١١٦.


إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الواجب في الصغرى هو نفس الجزاء على الضروري.

أمّا العلم الذي جعل الشرط معلّقا به ففي وجوبه توقّف ، من أنّه لا يلزم من وجوب الجزاء وجوب العلم به ، ومن أنّ العلم بالجزاء شرط في وقوع الفعل ذي الجزاء ، ووقوع الفعل واجب ، وشرط الواجب واجب ، فالعلم بالجزاء واجب. ولا يلزم من إيقاع الفعل مشروطا بعلم الجزاء كون الإيقاع للجزاء حتّى يخرج به عن الإخلاص ، بل يكون العلم باعثا على الفعل كما في المرغّبات السمعيّة ، وعند فعله يقصد القربة التي هي موافقة الإرادة لا غيرها.

قال : ( الثاني : أنّ كلاّ من شكر المنعم ودفع الخوف واجب ، ولا يتمّ إلاّ بالمعرفة على الوجه المذكور ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

أمّا وجوب الشكر والدفع فضروري ، وأمّا توقّفه على المعرفة ؛ فلأنّ تلك الآثار الحاصلة من الحياة والقدرة وتوابعهما من المنافع ، إمّا أن تكون نعمة فيجب الشكر ، أو نقمة فيجب الدفع ، وذلك محال معرفته بدون المعارف المذكورة. وأمّا الثالث فظاهر ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المذكورة لوجوب العملي العقلي النظري.

أمّا وجوب الشكر والدفع فضروري كما ذكر.

وأمّا توقّفه على المعرفة المقدّم ذكرها ؛ فلأنّ ما قصده الفاعل بتلك الآثار من كونها نعما أو نقما لا يعلم إلاّ بها. فإذا عرف الباري تعالى وصفات كماله وتنزيهه عن القبيح وغير ذلك عرف أنّها نعم ، فيجب الشكر ضرورة. وإن عرض له وساوس شيطانيّة جذبته إلى اعتقاده تعالى على خلاف ذلك حتّى جوّز أنّه قصد بالآثار الإضرار ، وجب الدفع ضرورة ، فتجب المعرفة ، وهي نتيجة ما ذكر.

ولم يصرّح بها لظهورها لوجوب ما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به ، وهو الثالث المذكور.


وعدّ المصنّف من الآثار الحياة والقدرة وتوابعهما ، وعنى بالتوابع ما يتوقّف حصوله عليهما ، فإنّ من توابع الحياة الإدراكات الباطنة والظاهرة والانتفاعات الخارجة ؛ إذ لولاها لانتفى ذلك كلّه. ومن توابع القدرة منافع المعاش والمعاد ، مع أنّ القدرة من توابع الحياة.

إذا عرفت هذا. فيرد على قولهم : نقمة فيجب الدفع شكّ هو أنّ دفع هذه الآثار إذا اعتقدها نقمة لا يمكن إلاّ بضرر أكثر منها ، وذلك أنّه لا يقع إلاّ بقبل نفسه وإعلام حواسّه ، فكيف يدفع الضرر المؤجّل بضرر معجّل.

وحلّه أنّ ما ورد يلزم من وقوع الدفع لا من اعتقاد وجوبه ، فإذا نظر الإنسان بعين بصيرته ، فعرف كمال بارئه حقّ معرفته ، انتهى به النظر إلى وجوب الشكر ووقوعه ، لا إلى وقوع الدفع حتّى يلزم المحال المذكور.

وصاحب الوساوس المؤدّية خساسة عقله وغلبة جهله إلى ذلك لا التفات إليه ، بل يترك ، وشأنه إن كان غير مركّب جهله لا يلتوي ، وبإيضاح الطريق له لا يرعوي.

قال : ( الثالث : أنّ المعرفة دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ، ودفع الخوف واجب بالبديهية ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة المذكورة لوجوب العملي العقلي النظري ، وهو ظاهر ، فإنّ الإنسان إذا نشأ في الناس ورأى اختلافهم في الأديان عرض له لذلك الخوف ، فيجب دفعه. أمّا من نشأ في برّيّة وشبهها ، أو لم ينظر الاختلاف لغفلة أو اشتغال بمعيشة ، فلا بدّ أن يخطر الله سبحانه بباله الخوف الموجب للمعرفة. والخاطر إمّا بإلهام يخلقه الله فيه ، أو بكلام بعض الملائكة يبعثه إليه.

قال : ( تنبيه : علم من ذلك وجوب النظر ؛ لأنّ المعرفة واجبة ، والنظر طريق إليها ليس إلاّ ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب. أمّا الأوّل فقد تقدّم. وأمّا الثاني : فلأنّ النظر مولّد للعلم ؛ لحصوله عقيبه وبحسبه وكمّيّته ،


وتخلّف العلم النظري عن تاركه ، ولو لا ذلك لجاز تخلّفه عن فاعله ، وحصوله لتاركه ، وهو باطل ضرورة ، فثبت أنّه طريق إليها ).

أقول : ما ذكره ظاهر الصحّة.

وقوله : ليس إلاّ ، معناه لا غير ، وذلك فنّ من صناعة البديع يسمّى الاكتفاء ، وهو أن تكون في العقل دلالة على بقيّة الكلام ، فيكتفي المتكلّم بالدلالة العقليّة عن ذكره.

وقد جاء منه في الكتاب العزيز السماوي ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ) (١).

وفي الشعر :

لا أنتهي لا أنثني لا أرعوي

ما دمت في قيد الحياة ولا إذا (٢)

قوله : النظر مولّد ، هذا مذهب جماعة (٣). وقال آخرون : يحصل العلم عقيبه التزاما (٤) ، وآخرون : بالعادة ، ويجوز عدمه (٥). وقال فخر الدين : لا يجوز عدمه (٦).

واستدلّ المصنّف على التوليد بوجوه :

الأوّل : حصول العلم عقيبه ، وهذا كما يدلّ على التوليد يدلّ على الالتزام.

الثاني : حصول العلم بحسبه ، أي بحسب النظر وعلى وفقه ، وذلك أنّ من نظر في حدوث العالم حصل له دون علم الطبيعة وغيره ، وهذا أيضا يدلّ على الالتزام.

واعلم أنّ لفظة حسبه ـ مفتوحة السين ـ ومعناها ما ذكرناه ، والتي بسكون السين معناها

__________________

(١) الرعد (١٣) : ٣١.

(٢) شرح الكافية البديعيّة : ١٠٥.

(٣) كالمعتزلة ، راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٤٠ ؛ المحصّل للرازي : ١٣٦ ؛ شرح المواقف ١ : ٢٤١.

(٤) انظر شرح المواقف ١ : ٢٤٦.

(٥) كالأشاعرة ، راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٤٠ ؛ والمحصّل للرازي : ١٣٦ ؛ شرح المواقف ١ : ٢٤٣.

(٦) المحصّل للرازي : ١٣٦.


الاكتفاء ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ ) (١) أي كافيك.

الثالث : كمّيّته ، ونعني بها أنّ العلم يكثر بكثرة النظر ويقلّ بقلّته ، كالألم يكثر بكثرة الضرب ويقلّ بقلّته ، فعلم بالاستقراء تولّده له ، وهو أيضا دالّ على الالتزام.

الرابع : أنّ العلم النظري لا يحصل لمن ترك النظر ، ويحصل لمن نظر.

وفيه دلالة. على سببيّته ، ولو انتفت السببيّة لجاز العكس ، والبديهة تأباه ، وهذه الأدلّة علمت صحّتها بالاستقراء التامّ ، وهو حجّة.

فإنّ قيل : يجوز حصول العلم برياضة وشبهها ، فلا يكون الاستقراء تامّا فلا يكون حجّة.

قيل في الجواب : إنّ الحاصل بما ذكرت ليس علما نظريّا ، والكلام فيه ليس إلاّ ، وسيأتي نفي غيره من الطرق.

قال : ( وأمّا انتفاء غيره من الطرق ؛ فلأنّ المعرفة ليست شيئا من أقسام الضروري ، وما ليس بضروري نظري قطعا. وأمّا الثالث فقد مرّ.

ومن زعم حصول المعرفة بغير نظر فهو كمن رام بناء من غير آلات ، وكتابة من دون أدوات ).

أقول : المعارف منحصرة في الضروري والنظري ؛ لأنّها إن افتقرت إلى طلب فنظري ، وإلاّ فضروري. فكلّ علم أخرج من أحد القسمين دخل في الآخر ؛ للحصر المذكور ؛ فلهذا قال : قطعا.

والثالث : الذي مرّ ، هو وجوب ما لا يتمّ الواجب بدونه. ثمّ استظهر المصنّف على نفي غيره من الطرق بأن قال : من زعم حصول معرفة بغير نظر فهو كمن رام بناء من غير آلات ، وكتابة من دون أدوات ، فكما أنّه يستحيل بناء بغير أحجار وأخشاب ، وكتاب من غير كواغذ وأقلام ، ونحو ذلك من الصنائع ، فكذا يستحيل

__________________

(١) الأنفال (٨) : ٦٤.


حصول علم بغير نظر ؛ لأنّه من الأمور الصناعيّة المفتقرة إليه ، ولا أرى يعاجم في ذلك إلاّ من غالبه هواه وجانبه هداه.

قال : ( المبحث الثالث في وجه السمعي. ولا ريب أنّ بعض السمعيّات قد يكون وجوبه وجها لوجوب بعض آخر ، كالصلاة الموجبة للطهارة ، فجاز أن يطلق على ذلك أنّه وجهه. فالكلام في مطلق الواجبات والسنن والقبائح والمكروهات السمعيّة.

والمراد بالوجه هنا ، الغاية التي لأجلها كان ذلك الحكم. وقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال مأخذها ما سلف ).

أقول : هذا هو البحث الثالث الموضوع لتفصيل الوجه.

واعلم أنّ كلّ شيء وجب لغيره جاز إطلاق اسم الوجه على ذلك الغير كالطهارة الواجبة للصلاة ، وتصفية المغشوش للزكاة ، إلى غير ذلك.

والكلام هنا في الأحكام الأربعة السمعيّة.

وقيّد بلفظة هنا أي في وجه السمعي ؛ ليخرج وجه العقلي الضروري والنظري ، وقد عرفته ثمّة.

والأقوال الأربعة : اللطف ، والشكر ، والأمر ، واللطف في المصلحة والمفسدة ، وسيأتي إيضاح ذلك في بابه.

وقوله : مأخذها ما سلف ، يريد بما سلف ما تقدّم في الفصل الثالث في غايته.

فالقرب والبعد من الطاعة والمعصية العقليتين مأخذ اللطف ، والفوز بالاعتراف بالنعمة مأخذ الشكر ، وموافقة إرادة الله تعالى مأخذ الأمر.

ومأخذ الرابع قوله : ولمّا كان السمعي إلى آخره ، فليراجع من هناك.

قال : ( [ المذهب ] الأوّل ـ مذهب جمهور العدليّة من الإماميّة والمعتزلة ـ :


أنّه اللطف في التكليف العقلي مطلقا انبعاثا وانزجارا. فالغاية في الواجب السمعي اللطف في الواجب العقلي ، وفي الندب السمعي الندب العقلي ، أو زيادة اللطف في الواجب العقلي ؛ فإنّ الزيادة توصف بالندب ، وفي ترك القبيح السمعي ترك القبيح العقلي ، وفي ترك المكروه السمعي ترك المكروه العقلي ، أو زيادة اللطف في ترك القبيح ، بمعنى أنّ الممتثل (١) للسمعي أقرب من العقلي ، وغيره أبعد ).

أقول : المذهب : موضع الذهاب كالمسلك والمربط ، وقد اشتهر في السير القلبي.

ويراد فيه الوجه ، فيقال : أيّ الوجوه انتجعت أي أيّ المذاهب اعتقدت.

والجمهور ـ بضمّ الجيم ـ : هم الأكثرون ممّن أضيفوا إليه.

والعدليّة : كلّ من حكم بعدل الله وحكمته وتنزيهه عمّا لا يليق برحمته.

ومن : هنا للتبيين ، مثل ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) (٢).

والإماميّة : فرقة عظيمة من الشيعة ، وهم القائلون بإمامة عليّ بن أبي طالب 7.

والمعتزلة : ينسبون إلى واصل بن عطاء الغزّال ، اعتزل مجلس الحسن البصري عند مخالفته إيّاه في القول بالمنزلة بين المنزلتين.

واللطف : ما قرب من شيء وحثّ عليه ولم يكن ملجئا إليه.

إذا جاوزت هذا فذهب المذكورون إلى أنّ الوجه ـ أي الغاية ـ في التكليف السمعي هو التكليف العقلي مطلقا ، يعني الضروري منه والنظري ، وقد سلف تفصيلهما ، وليس المراد كون السمعي لطفا في وجوب الضروري حتّى يلزم الدور ، بل في العمل به ؛ فإنّ ملازمة السمعي مقرّبة إلى فعل الصدق والإنصاف وغيرها. وكذا الكلام في العقلي النظري.

وأشار بالانبعاث إلى الواجب منه والندب ، وبالانزجار إلى الحرام والمكروه ،

__________________

(١) في « ن » و « ق » : « المتمثّل ».

(٢) الحجّ (٢٢) : ٣٠.


فجعلوا لكلّ واحد من الأحكام الأربعة السمعيّة لطفا في مماثله من الأربعة.

نعم يمكن أن يكون الندب السمعي شرّع لزيادة التقرّب من الواجب العقلي ، ولمّا كانت تلك الزيادة غير واجبة على الحكيم تعالى ، بل هي تفضّل منه ، لم يوصف المقرّب إليها بالوجوب ، فكان مندوبا ، وكذا الكلام في شرعيّة ترك المكروه السمعي.

أقول : إنّ كلّ واحد من الأقسام السمعيّة المذكورة يجوز كونه لطفا لمماثله من الأقسام العقليّة ومخالفه ، فإنّ فعل الواجب جاز كونه لطفا لترك الحرام ، اعتبر قوله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) ونحوه.

وكذا يجوز كونه لطفا لفعل مندوب أو ترك مكروه.

نعم لا يكون هذان علّة في إيجابه ، فإنّ المتوسّل إليه إذا عرّاه عن الوجوب عريت وسيلته عنه بل يكون الوجه في إيجاب السمعي فعل الواجب أو ترك الحرام العقليّين وإن كان لطفا في المندوب والمكروه إلاّ أنّه بالتبعيّة فلا مدخل لهما في علّيّة وجوبه.

وكذا الكلام في ترك الحرام يكون لطفا في ترك حرام عقلي ، أو فعل واجب عقلي ، وإن تبعه الآخران.

ووجه الندب جاز أيضا كونه لطفا في فعل ندب عقلي ، أو ترك مكروه عقلي ، وكذا ترك المكروه.

ويجوز أيضا كون فعل المندوب وترك المكروه لطفين لفعل واجب وترك حرام.

نعم لا يجوز أن يكون الوجه في شرعيّتهما هو هذه اللّطفيّة ، وإلاّ لكانا واجبين ؛ لأنّ اللطف الواجب واجب فيرتفع المندوب والمكروه السمعيّان إذا عرفت هذا.

فقال هؤلاء : إنّا وجدنا من لازم السمعيّات المذكورة قرّبه ذلك إلى العقليّات الموضوعيّة ، ومن لا فلا ، بل الواقع له البعد عنها. ولمّا كان اللطف مقرّبا كانت السمعيّات منه ، لما عرفت.

__________________

(١) العنكبوت (٢٩) : ٤٥.


قال : ( ولا نعني بذلك أنّ اللطف في العقلي منحصر في السمعيّات ؛ فإنّ النبوّة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد بل جميع الآلام يصلح للألطاف في العقليّات أيضا ، وإنّما هو نوع من الألطاف الواجبة يكاد أن يكون ملاكها ؛ فإنّ النبيّ والإمام والعالم إنّما يدعون إليه ، والوعد والوعيد إنّما يتوجّهان عليه ).

أقول : ليس في كون السمعيّات لطفا نفيا لغيرها ؛ فإنّ تلك الأمور مقرّبة إليها ومحثّة عليها فتكون ألطافا فيها.

وملاك الشيء ما يندرج الشيء فيه ويرتبط به ويأتي عليه ، وهو كذروة الشيء وسنامه ، ولهذا فإنّ النبيّ 6 فيما رواه الترمذي لمّا عدّ لمعاذ خصال الخير قال : « ألا أخبرك بملاك ذلك؟ » قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه ، وقال « كفّ عليك هذا » (١).

والتكليف السمعي نوع من تلك الألطاف المذكورة يقارب أن يكون ملاكها أي شدّها ورباطها ، وبه يتمّ وصولها ، ويؤكّد حصولها ؛ فإنّ الأئمّة إنّما يدعون إليه ، فتكون لطيفيّتهم متفرّعة عليه.

والوعد والوعيد إنّما يتوجّهان على ترك امتثاله ، ويعني به في طرف الوعيد ترك امتثال ما منع من نقيضه.

وقوله : إنّما يدعون إليه ، وإنّما يتوجّهان عليه من الحصر المشار إليه بلفظة « إنّما » نظر ؛ فإنّ الآداب العقليّة النظريّة من مكارم الأخلاق ، وغيرها يدعون أيضا إليها ، وأكثر التوعّدات معلّق عليها ، فعلى المعارف العقليّة الخلود في جنّات النعيم ، وعلى أضدادها الخلود في طبقات الجحيم.

إن قلت على الأوّل : إنّهم لمّا دعوا إلى ما ذكرت صار بدعائهم في القسم السمعي ، وكذا الكلام في المعارف وأضدادها.

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ١١ / ٢٦١٦ ، باب ما جاء في حرمة الصلاة.


قلت : على الأوّل يلزم الدور حينئذ ؛ لأنّه إذا لم يصر سمعيّا إلاّ بدعائهم ، وهم لا يدعون إلاّ إلى سمعي لزم ذلك.

وعلى الثاني : يلزم نفي تعذيب من غفل ومات قبل السمع ؛ لكون العذاب معلّقا بالسمع لا به.

ولقد حقّق في أنّ وجوب النظر عقلي ، وهذا واضح لا غبار عليه ، ولا إشكال يعترى إليه.

قال : ( فإن قلت : فإذن يقوم غيره من الألطاف مقامه ، فلا يجب. قلت :

ظهر ممّا بيّنّا أنّ جميع الألطاف متعلّقة به ، ومردّها إليه ، فيمتنع قيام غيره مقامه ).

أقول : هذا ظاهر على ما بيّن ، وأنت قد عرفت أنّ وجود المرشدين والتوعّدات للفاعلين قد تعلّقا بغير السمعي فلا يستقيم بناؤه عليه ؛ لعدم الأساس فيه.

والأسدّ أن يقال : لو قام غيره مقامه لما تعيّن لكنّه تعيّن بالإجماع ، ولا دور.

ينتج أن لا يقوم غيره مقامه ، وذلك أنّ تعيينه إن كان له علّة فلا يعقل سوى عدم قيام غيره مقامه ، وإن كان لا لعلّة كان عبثا لا يصدر من الحكيم تعالى.

قال : ( ومن هنا يعلم السرّ في الواجب والمستحبّ المخيّرين ؛ فإنّه لمّا كان المقصود اللطف ، وهو حاصل في كلّ من الخصال بلا مزيّة لإحداهما على الأخرى ، لم يكن لإيجاب الجميع معنى ، ولا لترك إيجاب شيء سبيل ، فتعيّن التكليف على طريق التخيير ) (١).

أقول : ظهر من عدم قيام غير السمعي مقامه تعيينه ، ولسنا نبني عدم قيام غيره أيضا مقامه على تعيينه ليلزم الدور ، بل قد عرفت مبناه ؛ لأنّه لو كان له بدل لكان وجوبه تخييرا لا تعيينا لكنّه ليس تخييرا فلا يكون له بدل ، فإنّ البدل الاختياري يقوم

__________________

(١) وهذا العدم له وجود ذهنا ، لجواز تعليل التعيين به ؛ لكونه ذهنيّا أيضا ( هامش المخطوط ).


مقام المبدل بلا ضرورة ، فلا سبيل إلى تعيين المبدل ، كخصال بعض الكفّارات لمّا قام بعضها مقام بعض لم يجب الجميع ، ولم يسقط الجميع ؛ إذ لو وجب الجميع لزم العبث في الزائد ، ولو سقط الجميع خرج الواجب عن وجوبه.

إن قلت : فعلى هذا ينتفي الترتيب من بعض الكفّارات ، فإنّ كفّارة رمضان خصالها خصال كفّارة الظهار ، مع تخيير الأولى وترتيب الثانية ، فإن دلّت الرمضانيّة على تساوي الخصال الموجب للتخيير ، دلّت الظهاريّة على عدمه الموجب للترتيب ، فيكون الشيء الواحد مساويا لغيره ومخالفا له ، وهو جمع بين المتنافيين.

قلت : التساوي والاختلاف هنا ليسا ذاتيّين حتّى يكون جمعهما جمعا للمتناقضين ، بل من أحكام عارضة مستندة إلى اختيار الموجب ، فجاز أن يختار في أحد الموضعين الترتيب ، لعلمه بأنّه أثقل فيه فيكون أردع عنه ، مع أنّه يجوز أن يكون شيء مساويا لشيء من وجه ومخالفا له من آخر ، كجزء العلم المتعلّق بما تعلّق به العلم على ما قيل في موضعه ؛ فإنّ جزء العلم خالف جملته في الذات وساواها في التعلّق ، وهنا جاز أن يعلم للحكم أنّ الخصلة المتأخّرة في المرتبة لا تقوم في المصلحة مقام المتقدّمة إلاّ مع العجز عنها ، ويعلم في المخيّرة قيامها في المصلحة مقامها ، وإن كانت الأخرى مقدورة ، وليس للحصر اعتراض على التمام كما جرى لموسى 7 مع الخضر 7 حيث قبح في معرفته ما حسن للآخر في حكمته (١).

قال : ( [ المذهب ] الثاني : مذهب أبي القاسم الكعبي ، وهو أنّه الشكر لنعم الله سبحانه. ولا نعني به انحصار طريق الشكر فيه ، بل على معنى أنّه نوع من الشكر ، بل أشرف أنواعه ؛ فإنّ الشكر يطلق على الاعتقاد المتعلّق بأنّ جميع النعم من الله سبحانه كلّيّاتها وجزئيّاتها ).

أقول : هذا هو المذهب الثاني من الأربعة ، وهو أنّ الوجه في التكليف السمعي هو الشكر لنعم الله ، ومحالّ الشكر ثلاثة : الاعتراف الجناني ، والنطق اللساني ، والعمل

__________________

(١) الكهف (١٨) : ٦٤ ـ ٨٢.


الأركاني ، فلهذا لم ينحصر الشكر في السمعي.

وقوله : بل أشرف أنواعه فيه شكّ ؛ فإنّ الاعتراف بالنعم يلزمه اعتقاد وجود المنعم وحصوله على صفات الكمال ونعوت الجلال ، ومنها العدل المستلزم لنصب الرؤساء ووضع التكليف المؤدّي إلى أحسن الجزاء ، وذلك هو الإيمان الموجب لسكنى الجنان ، وعمل الجوارح موجب لارتفاع الدرجات.

ولمّا كان دخول الجنّة أصل النعم كان الموصل إليه ـ وهو الاعتراف ـ أحقّ بالشرف الجسيم ؛ فإنّ الأشرفيّة هنا ليست لذاتيهما ، بل لما هو مسبّب عنهما فكلّما كان الموصل إليه أجلّ وأعلى كان الموصل بالشرف أحجى وأولى.

وكلّيّات النعم : أنواعها وأجناسها ، وجزئيّاتها : أصنافها وأشخاصها ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١) ، فلا تقنطوا من رحمة الله ولا تقصوها.

قال : ( ويلزمه أمور ثلاثة : [ اللازم ] الأوّل : شغل النفس بالفكر في عظمته ، والتصوّر لجلائل نعمته ، والعزم والانبعاث الدائم إلى طاعته ، وابتغاء مرضاته ، وصيانة السرّ عن الاشتغال بتصوّر غيره فضلا عن التصديق به ، إلاّ من جهة أنّه منسوب إليه وفائض عنه ).

أقول : يلزم الشكر ـ وهو الاعتقاد القلبي لنعم الله ـ ثلاثة أشياء : هي شغل النفس بالفكر في عظمته ، وشغل اللسان بتنزيهه عمّا لا يليق به ، واستخدام القوى فيما أمر به ؛ فإنّه من لازم الاعتقاد المذكور ، ونظر في جمال ذاته المطلق ، وغنائه المطلق ، وعظم نعمه التي لا يقدر العادّون قدرها ، وعزم على طاعته متى حضرت ، وانبعث على فعلها إذ حصلت ، وابتغى بذلك رضاه ، وصان نفسه عن اشتغالها بتصوّر ما سواه فضلا عن التصديق بما سواه ، أي للحكم ببعض ما سواه على بعض. نعم ، يستثنى من ذلك أنّ ما سواه منسوب إليه بالعبوديّة ، وفائض عنه بالمخلوقيّة ، فإنّه يعلم أنّه إذا نظر إلى غيره

__________________

(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.


من هذين الوجهين لم يكن منصرفا عن النظر إليه تعالى ، بل ذلك من جملة العلم بربوبيّته وكمال إلهيّته.

ولهذا قال : ( وهنالك يستوعب جلال الله سبحانه الفكر بحيث يصير مقصورا عليه ليس إلاّ ، ويصير همّ العاقل شيئا واحدا ، وغايته ذلك الشيء ، فينظر فيه ، وبه ، ومنه ، وإليه ، وعليه ، ويحذف غيره من درجة الاعتبار حتّى الجنّة والنار ).

أقول : وهنالك يعني عند شغل النفس بالأمور المذكورة.

يستوعب جلال الله سبحانه الفكر ، بحيث يصير الفكر مقصورا على الجلال.

ويصير همّ العاقل شيئا واحدا ، على معنى أنّه يرجع عن تفصيل تصوّراتها إلى الجلال الموجب لها ، حتّى يكون الجلال هو الغاية المستحضرة والنهاية المعتبرة ، ولم يبق له همّ ولا همّة سواه ، ولم يوجّه فكره إلاّ إلى ذكراه ، فينظر فيه ليقف على مراتبه ؛ ليصل بذلك إلى أعلى مطالبه.

وليكن النظر في عظمته وجلاله سببا إلى التصديق بزيادة كماله.

وينظر بالجلال ، على معنى أنّه يجعله آلة في تحصيله إليه من حيث الإجمال والتحصيل ، لا من حيث التفصيل.

وينظر منه ، أي يجعل مبدأ نظره من الجلال على معنى الانتقال من المطالب إلى المبادئ معتقدا أنّما يظفر به صائر منه وفائض عنه.

وينظر إلى الجلال ، بمعنى ترجيع النظر كرّتين بعد تحصيل المنظور فيه ؛ ليرسخ في القوّة العاقلة.

وينظر عليه ، بمعنى معتمدا في نظره في الجلال عليه متبرّئا من الحول والقوّة إلاّ إليه.

ويحذف غيره من درجات اعتباره حتّى رجاء جنّته وخوف ناره ، اللذين هما سبيل العبد والأجير ، بل لا يوجّه ذلك إلاّ إلى العليّ الكبير سبحانه وتعالى عمّا يشركون.


قال : ( ومن هنا قال العالم الربّاني القدسي عليّ وارث النبيّ عليهما أفضل الصلاة والسلام : ما عبدتك طمعا في ثوابك ، ولا خوفا من عقابك ، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ) (١).

أقول : إنّما سمّى أمير المؤمنين 7 العالم الربّاني ؛ لأنّ أنهار الفضائل في الدنيا من بحور فضائله ، ورياض التوحيد والعدل من بساتين خطبه ورسائله ، وقد جمع ما تفرّق فيها وتشعّب منها في كلمتين وجيزتين فقال : « التوحيد ألاّ تتوهّمه ، والعدل ألاّ تتّهمه » (٢). ومن تتبّع كلامه في نهج البلاغة عثر منه على أصول الدراية الدينيّة ، وعبر عن الأقوال في الغواية الجاهليّة.

وقد اشتهر تمدّح الإمام عليّ بميراثه لعلوم النبيّ 6 بقوله : « علّمني رسول الله 6 ألف باب من العلم انفتح لي من كلّ باب ألف باب » (٣). وقد صرّح في كلامه بأنّ عبادته خالصة لوجهه لا يشوبها الطلب لثواب ، ولا الهرب من عقاب.

قال : ( قال الله تعالى : ( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) (٤) ، وقال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) (٥) ، وروى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله الصادق 7 أنّه قال : « العبّاد ثلاثة : قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ لطلب الثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّا له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة ) (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤١ : ١٤ / ٤.

(٢) نهج البلاغة : ٧٥٥ ، الحكمة ٤٧٠.

(٣) أمالي الصدوق : ٥٠٩ ، المجلس ٩٢ ، ح ٦.

(٤) النور (٢٤) : ٣٧.

(٥) المنافقون (٦٣) : ٩.

(٦) الكافي ٢ : ٨٤ / ٥ ، باب العبادة.


أقول : الآيتان فيهما حثّ على الذكر ، وترغيب عن المال والأهل.

واعلم أنّ الذكر يستعمل في معان :

منها : الذكر القلبي ، وهو استحضار جلال الله وعظمته في قلب عبده ، وهو المراد هنا.

ومنها : إذا عرض له طاعة ذكر الله ففعلها له ، وإذا عرض له معصية ذكر الله فتركها له.

ومنها : الذكر اللساني ، وهو ترطيبه بالتحميد والثناء والتمجيد والدعاء.

ومنها : القرآن : ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ ) (١).

ومنها : الرسول : ( قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً ) (٢).

ومنها : أمير المؤمنين 7 : ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) (٣).

ومعنى الحديث ظاهر ، غير أنّ القسم الثاني وهو عبادة الأجير يفهم منه ثبوت واسطة ليس عبدا ولا حرّا ، والحقّ نفيها ، بل الأجير كالعبد من وجهين :

الأوّل : أنّ رقّ الطمع أذلّ من رقّ العبوديّة لكنّه مجاز.

الثاني : أنّ الأجير مملوكة منافعه كالعبد.

إن قلت : فعلى هذا يكون ذكر العبد كافيا عنه.

قلت : لفظ العبد إنّما ينصرف عند الإطلاق إلى المملوك نفسه ، فهو حقيقة فيه ، وعبوديّة الأجير مجاز كما عرفت.

أو نقول : هو محذوف المضاف وتقديره [ عبادة ] العبيد كعبادة الأجراء ، وهذا هو الأظهر.

ولا شكّ أنّ عبادة الأحرار أفضل العبادة ؛ لعدم شائبيّة الإخلاص ، فهي من مراتب الخواصّ ، وقد سلف مزيد كلام في هذا الفصل أمام الفصل الثالث بغير فصل.

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٢.

(٢) الطلاق (٦٥) : ١٠ ـ ١١.

(٣) الفرقان (٢٥) : ٢٩.


قال : ( اللازم الثاني : وهو مسبّب عن اللازم الأوّل ، وهو شغل اللسان بتنزيه الله تعالى عمّا وصفه الظالمون ، وتحميد بما حمده الحامدون ؛ بحيث لا يفتر عن ذكر الله تعالى باللسان كما لم يفتر عن ذكره بالجنان. قال الله سبحانه : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) (١) وصف الملائكة بهذا الوصف الشريف ؛ لينبّه البشر على اقتفائه ، ويتشرّفوا باصطفائه ، فهنالك تصير ألسنتهم مخزونة إلاّ عن ذكره ، وألفاظهم موزونة إلاّ فيما يتعلّق به ، وهو السرّ في الأمر بالصمت إلاّ عن ذكر الله ).

أقول : هذا اللازم الثاني وهو مسبّب عن شغل النفس بالفكر في عظمته ، فإنّ من لازمه لزمه شغل لسانه في تنزيهه وتحميده.

ووجه الملازمة إنّما يحدث من اللسان وغيره من أفعال الجند الذين هم الجوارح ، مسبّب عن أمر السلطان الذي هو القلب المعنيّ به العقل.

نعم ربّما يتوقّف للجوارح عمل بدونه نادرا كالهذر والعبث الصادرين عن السهو والغفلة ، ويجب رفع « الراء » من « يفتر » ؛ لأنّه خبر لا نهي ، وشاهده « كما لم يفتر » ، ولو كان نهيا كان « كما لا يفتر ».

وقوله : فهنالك تصير ألسنتهم مخزونة إلى آخره نتيجته دوام شغل اللسان فيما ذكر ، وهي لازمه لزوما بيّنا.

قال : ( اللازم الثالث : استخدام القوى والأركان فيما أمر به من عبادته ، بحيث لا يكون لها انقطاع ولا اضمحلال ، فيشغل العين بالنظر في عجائب مصنوعاته ، والبكاء من خشيته ؛ لما يراه من التقصير في طاعته. والأذن بسماع كلامه العزيز لتلقّي أوامره ونواهيه ، والتفهّم لمقاصده ومعانيه. واليد

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٢٠.


بالبطش فيما خلقها له من أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو جهاد في سبيله ، أو إعانة ضعيف ، أو إغاثة ملهوف ، أو وضع في محالّها من هيئات المصلّي. والرجل بالسعي في بقاعه التي أمر بالسعي إليها ، ورغّب في العكوف عليها. وأشرفها بيته وكعبته المقدّسة ، وحرم نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام ، ومشاهد الأنبياء والأئمّة : ، والجوامع والمساجد ، ومجالس العلم ، وزيارة الإخوان في الله تعالى. وإن لم يكن هناك ما يحتاج إلى البطش والتنقّل ، شغلها بالسكينة والوقار ، مستشعرا في جميع ذلك عظمة بارئه وكمال منشئه ، معتقدا أنّ جميع ذلك من أعظم نعمه وأكبر مننه فحينئذ يحتاج إلى أن يشكره على حسن توفيقه لشكره ، وهلم جرّا. ولمّا خطر هذا لداود على نبيّنا وعليه السلام وناجى به ربّه ، أجابه : « إذا علمت أنّ ذلك منّي فقد شكرتني » (١) ).

أقول : هذا هو اللازم الثالث للشكر ، وهو أيضا مسبّب عن اللازم الأوّل ؛ لما علمت في اللازم الثاني من ترتّب أفعال الجوارح الخارجة على البواعث الباطنة.

والأركان هنا هي الجوارح لا العناصر. والقوى هنا المنافع المركوزة فيها بحيث لا يوصف الاستخدام بالارتفاع ، فتوصف العبادة بالانقطاع.

وقد قسّم الله سبحانه شعبا من مكتملات الإيمان على الجوارح. فكلّف العين بالزجر عن الحرام ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (٢) ، وبالنظر في آثار الأنام ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (٣).

وكلّف الأذن بالمنع من سماع كلام العاصين ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٣٦.

(٢) النور (٢٤) : ٣٠.

(٣) الروم (٣٠) : ٩.


الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (٢) ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) (٣).

وكلّف اليد بالبطش فيما خلقها له من التطهير للصلاة في قوله : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) (٤).

وبالأمر والنهي في قوله : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (٥).

وبالجهاد [ في قوله ] : ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (٦) الآية.

وبالإعانة والإغاثة في قوله : ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ) (٧) ونحوه.

وبالوضع من هيئات المصلّي كمحاذاة الأذنين في التكبير والسجود ، والركبتين في التشهّد والركوع.

وكلّف الرجل بالمشي في الطاعات دون المعصيات فقال : ( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) (٨) ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) (٩).

( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١٠) ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (١١).

وأمّا حرم النبيّ 6 ؛ فلقوله : « من حجّ ولم يزرني فقد جفاني ، ومن جفاني جفوته يوم القيامة » (١٢) ونحوه.

__________________

(١) الأنعام (٦) : ٦٨.

(٢) الزمر (٣٩) : ١٨.

(٣) المؤمنون (٢٣) : ١.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) آل عمران (٣) : ١٠٤.

(٦) محمّد 6 (٤٧) : ٤.

(٧) المائدة (٥) : ٢.

(٨) لقمان (٣١) : ١٨.

(٩) لقمان (٣١) : ١٩.

(١٠) الحجّ (٢٢) : ٢٩.

(١١) الجمعة (٦٢) : ٩.

(١٢) علل الشرائع ٢ : ١٧٠ ، باب ٢٢١ ، ح ٧.


ومشاهد الأنبياء والأئمة : ؛ فلما فيه من ذكر الله بذكر وسائطه ، ولقول النبيّ 6 لعليّ 7 : « يا أبا الحسن إنّ الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها ، وإنّ الله جعل قلوب أسخياء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ، ويكثرون زيارتها تقرّبا منهم إلى الله ومودّة لرسول الله أولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، وهم غدا زوّاري في الجنّة.

يا عليّ من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حين يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمّه.

فابشر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم كما تعيّر الزانية بزناها ، أولئك شرار أمّتي ، لا تنالهم شفاعتي ، ولا يردون حوضي » (١).

ومن تكليف الرجل زيارة الإخوان ؛ لقوله 7 : « لا تهاجروا ، ولا تناجشوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا » (٢).

وكلّف الوجه بالسجود في قوله : ( ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٣).

وسيأتي في الفصلين الأخيرين جانب من ذلك.

فهذه مراتب الإيمان ومكمّلاته ، فمن لقي الله موفيا كلّ جارحة بما فرض عليه فهو كامل الإيمان.

قال المصنّف : وإن لم يكن هناك ما يحتاج إلى البطش والتنقّل. يعني باليد والرجل. شغلها بالسكينة والوقار.

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٧ : ١٢١ ، ذيل الحديث ٢٢ ، نقلا عن فرحة الغرى.

(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٩٨٣ / ٢٥٥٩ ؛ صحيح البخاري ٥ : ٢٢٥٦ / ٥٧٢٦.

(٣) الحجّ (٢٢) : ٧٧.


اعلم أنّ السكينة هيئة جسمانيّة تقتضي إفاضة الدعة على موطّنيها.

والوقار هيئة نفسانيّة ، فلا تعطف هنا عليها إلاّ على القول بالترادف.

وقوله : مستشعرا في جميع ذلك عظمة بارئه وكمال منشئه ، أي مستدركا ذلك ؛ فإنّ الاستشعار هو طلب الإدراك الذي هو العلم ، فإذا اعتقد أنّ جميع ما حصل له في نفسه وجوارحه من أكبر نعمه احتاج إلى شكر جديد على هذا التوفيق بهذا الشكر ، فإذا شكره على هذه النعمة الثانية كان الشكر عليها نعمة ثالثة ؛ لتوفيقه وهكذا.

ويكفي في هذه المراتب اعتقاد أنّ النعم منه كما تضمّنه الحديث السالف.

قال : ( وحينئذ نقول : هذه العبادات وخصوصا الصلاة فإنّها مشتملة على اللوازم الثلاثة المنبعثة عن الاعتقاد القلبي ، ولا معنى للشكر عند الخاصّة إلاّ ذلك. أو نقول : إنّ الشكر يكون بفعل هذه الأمور أقرب إلى الوقوع وأبعد من الارتفاع ، وهو معنى اللطف في الشكر. ولعلّ القائل عنى ذلك ، وهو في الحقيقة شعبة من المذهب الأوّل ؛ فإنّ الأوّل يزعم أنّها لطف في التكليف العقلي مطلقا ، وهذا يقول بأنّها لطف في نوع منه ، وهو الشكر وإن لم يكن الشكر بعينه على المصطلح العامّي. وبهذا التوجيه يعرف حال بقيّة الأحكام من حيث إنّ الندب كالتكملة للفرض ، واجتناب الحرام والمكروه يوجب صيانة اللوازم عن تطرّق النقص. وهو مذهب حسن ).

أقول : قد عرفت أنّ اللوازم الثلاثة : شغل النفس بالفكر ، واللسان بالذكر ، والجوارح بالفعل. وظاهر أنّ العبادات مشتملة على اللوازم الثلاثة.

ولا معنى للشكر عند الخاصّة إلاّ ذلك ، يعني سوى اللوازم الثلاثة.

واعلم أنّ غاية الشيء من علله الخارجة عنه ، فكيف يكون بين هذه اللوازم شكرا؟

والخاصّة : هنا العلماء الشيعة وحدها ، فإنّ هذا المذهب مشهور عن الكعبي ، وهو معتزلي المذهب.


أو نقول : فعلى هذه اللوازم يقرب من وقوع الشكر ويبعد من عدمه فيكون لطفا فيه ، ولعلّ القائل ـ يعني الكعبي ـ عنى ذلك. وهذا شعبة من مذهب اللطف ؛ لأنّ صاحب اللطف جعل الوجه اللطف في العقلي مطلقا سواء كان شكر نعم أم لا ، وهذا جعله لطفا فيما هو شكر خاصّة.

والشكر في الاصطلاح العامّ : هو الاعتراف بالنعمة ، ولمّا كان فعل التكليف السمعي لازما له أطلق الكعبي عليه الشكر مجازا واتّساعا.

فإذا توجّه لك أنّ القيام بالواجب لطف في الشكر عرفت اللطف في الثلاثة الأخر ؛ فإنّ الندب كالتكملة للفرض فيكون لطفا مندوبا ، إذا حملنا التكملة على ما لا يجب كما سلف.

واجتناب الحرام والمكروه يوجب صيانة اللوازم الثلاثة القلبي واللساني والجوارحي عن تطرّق النقض ، وهذا المذهب استحسنه المصنّف ;.

وأقول : في الحكم بكونها لطفا في الشكر نظر ؛ للزومه الدور ، فإنّه لا ماهيّة معقولة هنا ، سوى الاعتقاد القلبي ـ الذي هو الاعتراف بالنعمة ـ ولوازمه الثلاثة ، فتكون اللوازم لطفا منه تستدعي سبقها عليه ، وكونها لوازم تستدعي تأخّرها عنه ، وهو دور ظاهر.

إن قلت : لا نسلّم أنّ تأخّر اللازم على الإطلاق للزوم الجزء للكلّ مع تقدّمه عليه.

قلت : هذا مسلّم في اللازم الداخل ، أمّا الخارج فلا ، واللوازم الثلاثة خارجة ، فاستمرّ الدور.

قال : ( المذهب الثالث لجمهور الأشعريّة ، وهو أنّ الأحكام إنّما شرّعت لمجرّد الأمر والنهي لا لغاية أخرى ، بناء على هدم قاعدة الحسن والقبح العقليين ، وأنّ أفعال البارئ جلّ ذكره معلّلة بالأغراض ، بل على عدم الحاجة إلى العبادة أصلا ).

أقول : هذا المذهب يمكن بناؤه على أصول أربعة :


الأوّل : أنّه لمّا اعتقد الأشعري أنّ حكم العقل لا حكم له في التحسين والتقبيح ، وأنّ البارئ يفعل لا لغرض ، وأنّ العباد لا حاجة بهم إلى العبادة ، بل جوّزوا مثوبة الجاحد وعقوبة العابد ؛ لم يمكنهم عند ذلك أن يجعلوا للعبادة وجها سوى الأمر والنهي ؛ لأنّهم أسقطوا العلل العقليّة ، ولم يجعلوا الأوامر معلّلة بشيء منها.

قال : ( ولعلّ الباعث على هذا القول ليس هو هذا البناء ، وإنّما نظر إلى القول بالشكر فاستحقر جميع العبادات بالنظر إلى عظمة الله سبحانه وتعالى ، وأنّها لا توازي ذرّة من جبال نعمه ، ولا قطرة من بحار كرمه.

ونظر إلى القول باللّطف فوجده غير مطّرد في حقّ من ثبتت عصمته ، أو ظنّ قيام غيره من الألطاف مقامه ، وسمع قوله تعالى : ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) (١) ).

أقول : هذا [ هو ] الأصل الثاني الذي عليه مذهب الأشعري ، وهو أنّه نظر إلى المذهبين السالفين فلم يرتض بهما ، بل وجّه الطعن إلى كلّ واحد منهما.

أمّا الشكر : فإنّه لا يوازي أقلّ نعمة ، ولا أصغر منه.

وأمّا اللّطف : فمن ثبتت عصمته ، أو ظنّ قيام غيره مقامه لا حاجة به إليه.

وسمع هذا القائل الآية الكريمة ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) ، فلو طلبنا لفعله وجها وغاية لكان ذلك في معنى السؤال ، ونحن نقول لا يلزم من عدم موازاة الشكر للنعم عدم كونه وجها ؛ ويكون بحسب المقدور والميسور ، وما خرج عن ذلك خصّ المقدور عنه بمنفصل عقلي ، والعصمة لمّا كانت لطفا يفعله الله بالمكلّف جاز كون العبادة سببا في ذلك اللطف ، أو قسما من السبب ، ومن ظنّ غناه عنه بغيره لا تنفعه الآية ؛ [ و ] لمّا لم يوصله إلى المطلوب فيه ، لم يعتقد الغنى عنه. وقد تقدّم حصر اللّطف فيه.

( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) ليس نهيا ؛ لعدم الجزم فيكون خبرا ، فإن تعلّق بدار الدنيا

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٢٣.


لزم الكذب في خبره تعالى ؛ لأنّ من جعل الأوامر وجها فقد سئل عندهم ، وإن تعلّق بدار الآخرة لم يدلّ على نفي السؤال ، فلا تنفعه الآية في إسقاط اعتبار.

قال : ( أو تكافأ عنده الوجهان المذكوران ، فرجع بصره خاسئا وفكره حسيرا ، فاقتصر على مجرّد الأمر والنهي اللذين لا يعلم غايتهما ).

أقول : هذا هو الأصل الثالث الذي يمكن بناء مذهب الأشعري عليه ، وهو أنّه لمّا لم يحكم ببطلان شيء من المذهبين السالفين ، بل قام كلّ منهما عنده في حيّز الرجحان اقتصر كذلك على مجرّد الأمر والنهي ؛ لعدم علمه لغايتهما ، لا لأنّه لا غاية في نفس الأمر لهما ، بل قصرت عنها بصيرته ، وحسرت لديهما فكرته ، فعظمت فيها حيرته. والفرق بين هذا الأصل وما قبله أنّ هذا مبنيّ على قيام كلّ من المذهبين ، والأوّل على القدح فيهما من الجانبين.

قال : ( ويمكن أيضا أن يشير بهما إلى قصر العبادة على التوجّه إلى المعبود ؛ فإنّ اللطف والشكر وإن كانا بالقرب إليه إلاّ أنّ إسقاط الوسائط من البين أقرب ).

أقول : هذا هو الأصل الرابع الذي يحتمل بناء مذهب الأشعري عليه ؛ فإنّه لمّا كانت العبادة تقرّب إلى اللطف على المذهب الأوّل ، وإلى الشكر على المذهب الثاني ، وهما يقرّبان إلى الله سبحانه وتعالى كان إسقاطهما من صرحة الاعتبار أولى ؛ لأنّه أقرب إليه تعالى ، ولهذا كانت عبادة الأوثان كفرا ، وإن تقرّبوا بها إليه كما حكاه الكتاب العزيز في قوله : ( ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ) (١).

ونحن نقول : على هذا إذا حكمنا بأنّ وجوب السمعيّات لمجرّد الأمر واعتبرنا مجرّد الأمر وجها فقد أدخلنا الواسطة. نعم ، لو قال الأشعري : وحيث لا لوجه البتّة ، أمر ولا غيره أمكن على أصله المتقدّم ذلك.

__________________

(١) الزمر (٣٩) : ٣.


تذنيب : وقوله : يشير بهما إلى قصر ، يريد أنّه يشير إليهما ، أي إلى إبطالهما ، فكلامه ; يشتمل على إيجاز الحذف ك ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (١) ، وعلى القلب كقول بعضهم :

وإذا انبذت به الحصاة رأيته

ينزو لوقعتها ، طمور الأخيل (٢)

قال : ( المذهب الرابع لبعض المعتزلة ، أنّ الوجه هو ما يتضمّن ترك الفعل من المفسدة ، وترك القبيح من المصلحة ؛ وذلك لأنّ ترك العبادات مقرّب إلى المعاصي ، ومبعّد من الطاعات العقليّة ، ولا نعني بالمفسدة إلاّ ذلك. وترك القبيح بالعكس ، وهو معنى المصلحة. ولمّا كان الترك مستلزما للمفسدة ، وترك المفسدة واجب ، ولا يتمّ إلاّ بزوال الترك الحاصل بالفعل أو عند الفعل ، وجب الفعل. وكذلك نقول : ترك القبيح لطف ، وكلّ لطف واجب ، فيكون الترك واجبا ، فيلزمه تحريم الفعل ؛ لأنّه لا يحصل الترك الواجب عنده ، لتنافيهما ).

أقول : هذا كلام مبين مستغن أكثره عن مبيّن. وإنّما قال : ولا يتمّ إلاّ بزوال الترك الحاصل بالفعل ، أو عند الفعل ؛ لأنّ حصول زوال الترك قد يكون مسبّبا عن الفعل كفعل العلّة الذي يلزمه المعلول ، وقد يحصل عنده ولم يكن سببه ـ كأحد المعلولين الحاصل عند الآخر ـ وليس سببا له ، وهنا زوال الترك حاصل بالفعل ، أو عند الفعل.

والمعنى أنّ ترك المفسدة لا يقع إلاّ بزوال ترك الفعل ، وزوال الترك لا يقع إلاّ بالفعل فيجب. وكذا الكلام في ترك القبيح ، فإنّه لمّا كان واجبا لكونه لطفا حرم نقيضه وهو الفعل.

قال : ( وهو في الحقيقة ضغث من المذهب الأوّل ، إلاّ أنّه لم يجعل نفس

__________________

(١) يوسف (١٢) : ٨٢.

(٢) لسان العرب ٤ : ٥٠٢ ، « ط. م. ر ».


فعل الواجب لطفا ، بل به يحصل اللطف ، وفعل القبيح ليس لطفا في القبائح العقليّة ، بل تركه لطف في الواجبات العقليّة ).

أقول : الضغث ملء الكفّ من حشيش أو شماريخ ونحوها ، ونعني به هنا بعضا من جملة.

وهذا القول نوع من اللطف ، لكنّ القائل باللطف جعل نفس فعل الواجب والندب وترك الحرام والمكروه لطفا في العقل. وهذا جعل الفعل سببا في اللطف الذي هو زوال الترك ، فإذا زال الترك حصل منه زوال المفسدة التي هي القرب من المعصية والبعد من الطاعة.

ولم يجعل هذا ترك القبيح السمعي لطفا في ترك القبيح العقلي ، بل جعله لطفا في الواجب العقلي ؛ لأنّه قال : ترك القبيح لطف في حصول القرب من الطاعة والبعد من المعصية العقليّين اللذين هما المصلحة المذكورة.

وقوله : وفعل القبيح ليس لطفا في القبائح العقليّة ، الذي أظنّه فيه أنّه وقع من غلط الكتّاب ، فإنّ أصحاب اللطف لم يجعلوا فعل القبيح لطفا ، بل تركه لطفا في ترك الحرام كما قرّر المصنّف ذلك عنهم.

قال : ( ولعلّه نظر إلى مذهب الشكر بعين من قبله ، وإلى مذهب الأمر والنهي بعين الهدم ، ورأى غلبة القوى الشهويّة والغضبيّة على نوع الإنسان بحيث لو خلّي وطبعه لجمح به في المهالك باتّباع مقتضى الشهوة والغضب المعبّر عنهما بالحرام والمكروه. وترك الأفعال الحسنة معدّ لذلك ، ومسلّط عليه ، فجعل تلك الأفعال قيودا له ، لئلاّ يرتطم في المهلكات ويقتحم في التبعات ، فكان الغرض الذاتي عنده ترك مقتضى الطبع ، وترك العبادات ينافيه ، فكان الترك منافيا للغرض ، فوجب أو ندب الاشتغال بالفعل المحصّل للترك المذكور ).


أقول : كأنّه نظر إلى مذهب الشكر بعين أهل اللطف ، وقد سلف كون هذا المذهب ضغثا من اللطف ، فلم يرتض الشكر.

ونظر إلى مذهب الأشعريّة فرآه مشتملا على هدم تحسين العقل وتقبيحه ، وهدم تعليل أفعال الباري بالأغراض ، وهدم كون الأفعال حسنت وقبحت لوجوه تقع عليها ، فلم يرتضه لفساد مبناه عنده.

وقوله : ورأى إلى آخره ، إشارة من المصنّف إلى أنّ هذا لم يرتض اللطف على الوجه المرتضى للأوّلين كما عرفت ، بل قال : القوّة الشهوية المؤدّية إلى مناسبة الحيوان الأعجم.

والغضبيّة المؤدّية إلى مناسبة السباع لو خلّي طبعه بهما أوقعه في الحرام والمكروه اللذين هما مقتضاهما.

ورأى ترك الأفعال الحسنة معدّا لذلك الاتّباع ومقوّيا عليه ، فجعل الربّ الحكيم تلك الأفعال قيودا لذي الطبع.

لئلاّ يرتطم في المهلكات ، أي يرتبك عليه أمره ، فلا يقدر على الخروج منه.

والاقتحام : الدخول على الشدّة. ونعني بالتبعات ذوات التبعات ، وهو من إيجاز الحذف ، وهو ما يتبع الإنسان عليه ليستوفى منه.

فالغرض الذاتي عند هذا القائل ترك أعمال الشهوة والغضب. وترك العبادات ينافي ذلك الترك ، والمنافي لا يجتمع مع منافيه ، وبفعل العبادات يحصل ذلك الترك ، فوجب الفعل أو ندب.

ونحن نقول هنا : إنّ مقتضى الطبع مرسل في المهالك ، وفعل العبادات موجب لدفع ذلك فيجب ؛ إذ آلة الواجب واجبة ، وسقط وجه الندب على ما قرّر صاحب هذا المذهب ، فإنّ المهلكات والتبعات لا تتصوّر عند ترك الندب حتّى تدفع بفعله. نعم يثبت وجهه على المذهب الأوّل أنّه لطف في فعل الندب العقلي.

قال : ( ولعلّ صاحب هذا الرأي ممّن يرى أنّ المطلوب في النهي إنّما هو إيجاد الضدّ ؛ بناء على أنّ الترك غير مقدور ، وهذا القدر يصلح أن يكون


متمسّك أصحاب هذين المذهبين الأخيرين. فلنذكر حجّة من قبلهما ).

أقول : لمّا كان المقصود بالذات ترك المقتضيات ، والترك لا يكون أثرا ، فكان الأثر فعل العبادات. والمانع من تعلّق القدرة بالأعدام المعتزلة (١) إلاّ أبا الهذيل منهم فإنّه يقول بجوازه (٢) ، وقد حقّق في الأصول.

واختلف البهشميان (٣) في جواز خلوّ القادر من الأخذ والترك ، فجوّزه أبو هاشم ، ومنعه أبوه (٤) ، فعلى جواز الخلوّ الأخذ والترك ضدّان ـ كما ذكر المصنّف ـ وعلى عدمه نقيضان.

قال : ( وقد احتجّ الأوّلون بوجهين : الأوّل : أنّ معنى اللطف حاصل فيها فيكون لطفا. أمّا الصغرى ؛ فللعلم الضروري بقرب المتّصف بها من الطاعة وبعده من المعصية. والكبرى ظاهرة ).

أقول : احتجّ القائلون باللطف بوجهين : أحدهما لميّ ، والآخر خلفي.

فالأوّل قال : معنى اللطف حاصل فيها ، وهذه صغرى دليل حذفت كبراه لظهورها ، وهي كلّ ما حصل فيه معنى اللطف فهو لطف.

ينتج من الشكل الأوّل أنّ العبادات لطف ، وبيّن الصغرى بأنّ الضرورة قضت بقرب من اتّصف بها من الطاعة وبعده من الطاعة وبعده من المعصية. والكبرى غنيّة عن البيان.

[ قال ] : ( وعليه نبّه البارئ جلّ ذكره بقوله :

( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٥)

__________________

(١) مناهج اليقين في أصول الدين : ٧٧.

(٢) مناهج اليقين في أصول الدين : ٧٨.

(٣) الجبائية والبهشميّة أصحاب أبي علي محمّد بن عبد الوهّاب الجبائي ، وابنه أبي هاشم عبد السلام ، وهما من معتزلة البصرة ، انفردا عن أصحابهما بمسائل وانفرد أحدهما عن صاحبه بمسائل. الملل والنحل ١ : ٧٨ ـ ٨٠.

(٤) مناهج اليقين في أصول الدين : ٨١ ـ ٨٢.

(٥) هود (١١) : ١١٤.


و ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١)

و ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٢)

و ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٣)

و ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٤)

و ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) ـ إلى قوله ـ ( لِلْعُسْرى ) (٥)

و ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ) (٦)

و ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٧) ).

قوله : وعليه نبّه ، الضمير المستكنّ في « عليه » يعود إلى اللطف ، أي نبّه على اشتمال الصغرى على اللّطف بالآيات المذكورة ، وإنّما أتى بلفظ « نبّه » لأنّ الضروري قد يكون تصوّر أطرافه خفيّا فيحتاج إلى كشف ، فإذا كشف جزم الذهن بثبوت محموله لموضوعه من غير احتياج إلى وسط ، واشتمال الآيات على اللطفيّة ظاهر بأدنى تأمّل.

قال : ( الثاني إبطال كلّ من الأقوال الأخيرة. أمّا مذهب الأمر والنهي ؛ فلأنّه بناء على ما سلف ، وعلى فقد وجه الفعل. ونحن نقول : إنّهما فرع الوجه فلا يكونان مؤثّرين فيه ، وإلاّ لجاز الأمر بالقبيح فينقلب حسنا ، والنهي عن الحسن فينقلب قبيحا ، وإنّه باطل ).

أقول : هذا شروع في إبطال كلّ من المذاهب الثلاثة ، فإذا بطلت ثبت المذهب

__________________

(١) العنكبوت (٢٩) : ٤٥.

(٢) البقرة (٢) : ١٨٣.

(٣) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) الليل (٩٢) : ٥ ـ ١٠.

(٦) المائدة (٥) : ٩١.

(٧) آل عمران (٣) : ٢٠٠.


الأوّل ، وهذا هو قياس الخلف الذي عرّفه المنطقيّون بأنّه : إثبات المطلوب بإبطال نقيضه. والخلف هو المحال. يقال : « سكت ألفا ونطق خلفا » (١).

وتقريره هنا : لو صحّ شيء من المذاهب الأخيرة لزم المحالات الآتية ذكرها ، وما استلزم المحال فهو محال ، فالمذاهب الأخيرة محال ، فإذا بطلت ثبت نقيضها وهو المطلوب.

وأنا أقول : إنّه لا تناقض بين المذاهب الأربعة ؛ لجواز الخلوّ منها أجمع ، ويكون الوجه شيئا آخر لا نعلمه ، ولا يلزم من عدم العلم به عدمه. ويجوز الجمع ؛ لعدم المنافاة بينها ؛ إذ يجوز اشتمال كلّ عبادة على كلّ واحد منها ، والنقيضان لا يجتمعان ، ولا يرتفعان.

وقد أبطلوا مذهب الأمر والنهي بأمرين اثنين :

[ الأمر ] الأوّل قولهم : مذهب الأمر والنهي بناء على ما سلف ، يعنون به هدم تحسين العقل وتقبيحه ، وهدم تعليل أفعاله تعالى بالأغراض ، وأنّه لا وجه للفعل يوجب حسنه أو قبحه.

قالوا : ونحن نقول : إنّهما فرع الوجه ، فلا يكونان مؤثّرين فيه ، يعنون الأمر والنهي فرع الوجه ، فإنّه لو لا اشتمال الواجب على الرجحان في نفسه والحرام على المرجوحيّة ، لمكان تعلّق الأمر بالأوّل والنهي بالثاني ترجيحا من غير مرجّح ، فظهر بذلك فرعيّتهما على الوجه فلو أثّر في إسقاطه لسقطا ؛ إذ كلّ فرع عاد على أصله بالإبطال عاد على نفسه به.

وأقول : للأشعري منع امتناع الترجيح بلا مرجّح من المختار ، فيسقط المبنى ، فيسقط الوجه ، فيسقط الفرع.

الأمر الثاني : لو لا الوجه لجاز الانقلاب المذكور أيضا ، وهو محال عندهم.

__________________

(١) في المستقصى في أمثال العرب ٢ : ١١٩ / ٤١٥ : « سكت ألفا ونطق خلفا : أي رديئا. أطال رجل الصمت عند الأحنف حتّى أعجبه ، ثمّ تكلّم فقال له : يا با بحر! أتقدر أن تمشي على شرف المسجد؟ فقال ذلك ».


ونحن نزيدهما ثالثا ، فنقول : لو كان الوجه مجرّد الأمر لوجب المندوب ، والتالي باطل ومثله المقدّم.

بيان الملازمة : وجود العلّة فيه.

وليس لأحد أن يقول : الأمر حقيقة في الوجوب ، مجاز في الندب ؛ لأنّا نقول :

إنّما اعتبرنا مجرّد الأمر لا سواه.

قال : ( وأمّا الترك ؛ فلتوجّه الخطاب بالأفعال ، ولا شعور بالترك البتّة ؛ ولأنّه لو اعتبر لوجب بيانه قبل بيان الواجب والقبيح ، ضرورة تقدّم العلّة الغائية في التصوّر ، ولكان لا يفرّق بين الساهي والمصلّي وبين الساهي عن الشرب والشارب إذا لم يفعلا تركا ).

أقول : هذا إبطالهم للمذهب الرابع ، وهو اللطف في الترك ، وقد ذكروا لإبطاله أمورا ثلاثة :

الأوّل : الخطاب بالفعل ورد على المكلّف من غير علم الترك.

الثاني : لو اعتبر الترك لوجب بيانه قبل بيان الواجب والقبيح ؛ ضرورة تقدّم العلّة الغائية في التصوّر.

وهذان الوجهان متّحدان أو متقاربان ، ومع ذلك فيهما نظر ، فإنّ كثيرا من غايات التكليف غير مشعور به للمكلّف ، كعدّة الصغيرة واليائسة ، ويكون الانقياد إلى الموجب سجيّة في ذلك أبلغ.

وقوله : ضرورة تقدّم العلّة الغائيّة في التصوّر ، إنّما هو في الربّ الملزم بالإقدام والإحجام ، لا فيمن سقطت عليه الأحكام ، وسيأتي المصنّف بالكلام في هذا المقام.

الثالث : لو اعتبر الترك لما وقع الفرق بين الساهي والمصلّي ؛ لأنّهما معا غير تاركين ، وفي رفع الفرق رفع وجوب الصلاة. ولما وقع الفرق أيضا بين الساهي عن شرب الخمر وشاربه ؛ لأنّهما لم يفعلا تركا ، وفي رفع الفرق رفع تحريم الشرب ، وهما باطلان ، فيبطل ملزومهما.


قال : ( وأمّا الشكر ؛ فلأنّه لغة طمأنينة النفس على تعظيم المنعم ، كما نقله بعض المتكلّمين ، أو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف كما ذكره اللغوي. وعرفا الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ؛ لدوران الشكر معه وجودا وعدما. وظاهر مغايرة العبادة للمعنيين ؛ ولأنّ مجرّد الاعتراف القلبي كاف في معرفته سبحانه شكر العبد ، وإنّما احتيج إلى اللسان لإشعار المشكور ، فلا معنى لوجوب الزائد على الاعتراف ؛ ولأنّ الشكر يمتنع الخلوّ من وجوبه بخلاف العبادة ، فإنّها قد يقبح واجبها كصلاة الحائض ، ويجب قبيحها كأكل الميتة ؛ ومن ثمّ تطرّق النسخ إلى السمعيّات ، ولقبح الإلزام بشكر النعمة شاهدا فكذا غائبا ).

أقول : هذا إبطالهم للمذهب الثاني وهو الشكر ، وقد ذكروا لإبطاله أمورا أربعة :

الأوّل : العبادة لا تدخل في تعريف الشكر ؛ لما عرفت من تعريفه لغة وعرفا ، وما لا يدخل في تعريف الشكر فليس بشكر ، فالعبادة ليست شكرا. وهذا شكل من سالبتين ـ كما تراه ـ وقد قرّر في الميزان أنّه لا يتركّب منهما قياس.

نعم قد يقال : إنّهما موجبتان ؛ لأنّ الاعتبار بإيجابهما أنواع النسبة فيهما ، وبسلبهما نزعها عنهما لا بصورتهما.

الثاني : أنّ مجرّد الاعتراف القلبي كاف في أن يعلم الله من العبد شكره لعلمه بما في الصدور. ولمّا كان اللسان لإشعار المشكور خلا عن الفائدة في هذا الموضع.

الثالث : أنّ الشكر يمتنع الخلوّ من وجوبه ، والعبادة لا يمتنع الخلوّ من وجوبها. ينتج من الشكل الثاني الشكر ليس عبادة ، فإذا انعكست حصل منها ، العبادة ليست شكرا ؛ لأنّ سلب الشيء عن آخر يلزم منه سلب الآخر عنه ، ثمّ نبيّن الكبرى ممّا هو أبلغ من الدعوى ؛ فإنّ الخلوّ من الشيء لا يلزم الإتيان بضدّه ، وقد أتى بالضدّ في صلاة الحائض المنتقلة من الوجوب إلى التحريم ، وأكل الميتة المنقلب من التحريم إلى الوجوب.


ومن ثمّ تطرّق النسخ إلى السمعيّات ، يعنون لأجل انتقال الوجه ينتقل الحكم.

الرابع : يقبح في الشاهد إلزام فاعل النعمة شكر قابلها ، فالبارئ سبحانه أولى ، وهذا راجع إلى تحسين العقل وتقبيحه.

قال المصنّف : ( وفي الجميع نظر. أمّا الأوّل ؛ فلأنّه وارد في كلّ عبادة عقليّة كانت أو نقليّة ؛ فإنّ فعلها مقرّب من عبادة أخرى ، وتركها مبعّد ، مع أنّ وجوبها لا يكون معلّلا بها ، فلو صحّ هذا لزم تعليل كلّ عبادة بالأخرى ، وهم لا يقولون به ).

أقول : قد أورد المصنّف ; على حجّة صاحب اللطف وعلى طعنه في باقي المذاهب إيرادات :

الإيراد الأوّل على الوجه الأوّل من وجهي اللطف : أنّ ما ذكرته من التقرير والتعبيد وارد في كلّ من أفراد العبادات العقليّة والنقليّة ، فإنّ كلّ واحد منها مقرّب من عبادة أخرى ، وتركه مبعّد كذلك ، مع أنّ وجوب كلّ فرد ليس معلّلا بالآخر ، فلو جعل التقريب والتعبيد علّة لزم تعليل كلّ فرد بآخر قال : وهم لا يقولون به.

واعلم أنّ هذا إلزام من المصنّف لأصحاب هذا المذهب وإلاّ فليس من البعيد تعليل كلّ عبادة بأخرى ، ومن تتّبع ذلك علمه.

قيل : لو كان السمعي لطفا في العقلي لزم تقدّمه عليه ؛ لوجوب تقدّم اللطف على الملطوف فيه ، والتالي باطل فالمقدّم مثله ، والملازمة ظاهرة.

وهذا الوجه رأيته في المنام بعد أن تجاوزت هذا المحلّ بأيّام ، وبعد ذلك وجدته وعليه جواب أعتقده صوابا ، هو أنّ السمعي لطف في وقوع العقلي من المكلّف ، لا في وقوعه عليه ، والمتقدّم على السمعي هو التالي لا الأوّل ، وقد سلف ذلك منّا أيضا عند ذكر اللطف.

قال : ( وأمّا الآيات الكريمة ؛ فإنّها تدلّ على حصول هذه الغايات عندها. وأمّا أنّ تلك الغايات هي العلّة الموجبة لأجلها فلا. والنزاع إنّما هو فيه ).


أقول : حصول الشيء مع غيره قد يكون عنه ؛ لحصول المعلول مع العلّة ومنه ( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) (١) وقد يكون عنده ولا أثر له فيه كحصول المعلولين مع الآخر ، والفوز عند النذير.

إذا عرفت هذا فحصول تلك الغايات عند العبادات بمقتضى الآيات المذكورات محتمل لكلّ من الأمرين ، فهو أعمّ منهما ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ المعيّن.

قال : ( وأمّا الثاني ؛ فلجواز إرادة القائل بالأمر والنهي ما فسّرناه ، فلا يرد عليه ما ذكروه ).

أقول : هذا الإيراد الثاني من المصنّف على الوجه الثاني المصحّح لمذهب اللطف بزعم أهله ، وهو إبطال ما عداه من الأقوال ليصحّ هو ، وقد أبطل صاحب اللطف مذهب الأمر والنهي بضعف مبناه ، وهو هدم قاعدة الحسن والقبح ، وهدم الغرض من فعله تعالى.

فقال المصنّف في الإيراد : جاز أن يكون الأشعري بنى ذلك على غير ما ذكرت ، بل على ما ذكرناه آنفا ، وهو إسقاط الوسائط والعجز عن إدراك الوجه وعدم صلاح اللطف والشكر له ، كما عرفت ذلك عند إيراد مذهب الأشعري ، فلا يرد عليه ضعف المبنى.

قال : ( وأمّا الترك فلا يلزم من المخاطبة بالأفعال أن لا يكون الوجوب لأجل ما يتضمّن الترك من المفسدة. ووجوب سبق البيان ممنوع ، والساهي غير مكلّف ).

أقول : هذا الإيراد الثالث على الوجه الثاني الذي أبطل به صاحب اللطف المذهب الرابع ، وهو اللطف في الترك ، فقال في إبطاله : كان يجب إعلام المكلّف بالترك أوّلا.

وقال المصنّف : ذلك غير لازم ، فإنّه لا يلزم من وجوب الشيء وجوب الإعلام بغايته ، بل عدم الإعلام أولى ؛ لكون الانقياد حينئذ أدلّ على التسليم ، وأخلص من

__________________

(١) الطور (٥٢) : ٢١.


الاعتراض على أفعال الحكيم. وقد سلف ذلك غير بعيد ، فليراجع إذا أريد.

وقال صاحب اللطف أيضا على هذا المذهب : لو كان الوجه ما ذكرتم لما وقع الفرق بين الساهي والمصلّي والساهي والشارب إذ لم يفعلا تركا.

فقال المصنّف في ذلك : الساهي غير مكلّف ، فلا يشمله الكلام ؛ لعدم تعلّقه بالأحكام.

قال : ( ونمنع شمول التفسيرين لما يصدق عليه اسم الشكر. ونحن قد بيّنّا أنّ الشكر الخاصّ شامل للعبادات. سلّمنا ، لكنّ العبادة مشتملة عليهما.

قوله : بخلاف العبادة فإنّها قد تقبح.

قلنا : المعتبر هو كيفيّة خاصّة للعبادة التي هي شكر ، وأصلها قائم ، ولم لا يكون الباري جلّ اسمه جعل للشكر وظائف مختلفة بحسب الأشخاص والأزمنة والأحوال والأمكنة؟ مع أنّ الشكر في الشاهد يختلف بحسب المقام ، وحينئذ يتطرّق إليه النسخ والتخصيص وغيرهما ).

أقول : هذا الإيراد الرابع من المصنّف على الوجه الثاني الذي أبطل به صاحب اللطف مذهب الشكر ، وذلك أنّه لمّا قال : إنّ العبادة لا تدخل في تفسيرين ، منع المصنّف شمولهما لما يصدق عليه الشكر ، بل جعل التفسيرين أخصّ من الشكر ، والأخصّ غير شامل كما عرف في الحدود.

ثمّ قال : ونحن قد بيّنا أنّ الشكر الخاصّ شامل لها ، ويعني بالشكر الخاصّ الاعتقاد القلبي بأنّ جميع النعم من الله سبحانه ، ويلزمه شغل اللسان والجنان والأركان كما سلف ، فعمل الأركان أحد أقسام الشكر الخاصّ. وليس المراد بالخاصّ أنّه نوع تحت جنس كالإنسان تحت الحيوان ؛ فإنّ الاعتقاد مع اللوازم الثلاثة ليس كذلك ، بل المراد أنّه أنفع أنواع الشكر ؛ لوجوده مع كلّ واحد منها ، وهو بهذا الاعتبار كالجنس.

ثمّ سلّم المصنّف شمول التفسيرين لما يصدق عليه الشكر ، وادّعى أنّ العبادة مشتملة على الشكر بالتفسيرين اللذين ذكرهما صاحب اللطف.


قال : فإنّ العبادة مشتملة على طمأنينة النفس الذي هو التفسير اللغوي ، وعلى الاعتراف بالنعمة الذي هو التفسير العرفي ، وزادت العبادة عليهما بعمل اللسان والأركان. والذي أرى أنّ التسليم من المصنّف عار عن الفائدة فإنّه هو [ الذي ] منع شمول التفسيرين المذكور [ ين ] أوّلا ، فإنّه متى لم يشملهما التفسيران كانا مشمولين لها.

قوله : بخلاف العبادة فإنّها قد تقبح.

قال المصنّف : أصل حسن العبادة قائم ، والقبح العارض هو الحيض والمخمصة في المثال المذكور ، فلا يزول الحسن به.

ثم استظهر المصنّف وقال : يجوز أن يكون الله سبحانه جعل الشكر وظائف إلى آخر ما ذكر ، فيكون ترك صلاة الحائض في الحال شكرا ، وكذا الكلام في أكل الميتة ونحوه. وعلى اختلاف المصالح تختلف الأحكام فيقع النسخ.

قال : ( ولا قبح في الإلزام بالشكر ، ولهذا يحسن ذمّ كافر النعمة. سلّمنا قبحه شاهدا ، لكن لعدم استتباع عوض ، وفي الغائب يستتبع الثواب الجزيل فلا قبح ؛ لأنّه تعالى أمر بشكر نعمه بقوله ( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) (١) و ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ) (٢) ).

أقول : هذا الإيراد الخامس من المصنّف على الوجه الثاني الذي أبطل به صاحب اللطف مذهب الشكر ، وذلك أنّه لمّا قال : يقبح في الشاهد الإلزام بشكر النعمة فكذا في الغائب منع المصنّف هذا القبح. قال : ولهذا يحسن ذمّ كافر النعمة.

وأورد بعضهم شعرا يدلّ بفحواه على ذلك ، وهو :

كلّ من عوّدته الخي

ر فلم يعرف مكانه

فاقطع العادة منه

عاجلا واطلب هوانه

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٥٢.

(٢) لقمان (٣١) : ١٤.


ثمّ سلّم المصنّف قبحه شاهدا تسليم جدل ، ومنعه غائبا ليبطل القياس بإظهار الفرق ، وهو الثواب الجزيل الذي هو أنفع من العوض ، فلا يقبح.

ثمّ أكّد المصنّف عدم قبحه بأنّ الله أمر به في كتابه ، والأمر حقيقة في الوجوب ، والقبيح لا يأمر به لحكمته ، ينتج في الشكل الثاني الأمر بالشكر ليس بقبيح ، وهو المطلوب.

قال : ( واحتجّ أصحاب الشكر بثلاثة أوجه : الأوّل : أنّ نعم الله سبحانه لا تحصى ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١). فيجب أبلغ أقسام الشكر ، والعبادة صالحة لذلك ، فصرفها إليه أولى ).

أقول : لمّا فرغ المصنّف ; من تقرير حجّة أصحاب اللّطف واعتراضهم على المذاهب الباقية وإيراداته على ذلك ما قد عرفته ، شرع في الحجّة لمذهب الشكر ، وقد أوردها عنهم من ثلاثة أوجه :

الأوّل : الله منعم بأجلّ النعم ، وهو ظاهر فيجب شكره بأبلغ الشكر ، وهو ضروريّ ، والعبادة صالحة لذلك فتصرف إليه.

قال : ( الثاني : أنّ العبادة ـ فعالة ـ من التعبّد الذي هو الخضوع ، وهو معنى الشكر ).

أقول : العبادة : هي الذلّة والخضوع ومنه طريق معبّد إذا كان مذلّلا بكثرة الوطء ، وبعير معبّد إذا كان مطليّا بالقطران.

وتقرير هذا الوجه : أنّ العبادة هي الخضوع ، والخضوع هو الشكر ، فالعبادة هي الشكر.

قال : ( الثالث : ما اشتهر من قول كثير من المتكلّمين : إنّ العبادة كيفيّة في الشكر ).

__________________

(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.


أقول : يعنون أنّ كيفيّة الشيء تفصيله ، والحال التي يقع عليها ، فهي جزء منه ، فهي شكر أو جزء شكر.

قال المصنّف : ( وأجيب بتسليم مقدّمات الأولى ، ولا يلزم صرف العبادة إليه ؛ ولأنّه لو وجب الأبلغ لم يقف على حدّ العبادة ، لإمكان ما هو أبلغ منها ).

أقول : هذا جواب أورده المصنّف على الوجه الأوّل من وجوه الشكر ، فقال : إنّ ما ذكرتم من النعمة وكثرتها ووجوب الشكر عليها صحيح ، لكنّ صرف العبادة إليه غير لازم. غايته أنّه أولى على ما ذكرت ، والأولويّة قد لا تبلغ اللزوم ؛ ولأنّه لو وجب الأبلغ من الشكر لوجبت الزيادة على العبادة الواقعة الآن ، فإنّه يمكن زيادة الفرائض وأيّام الصوم إلى غير ذلك ، ويلزم أيضا رفع الرخص من التكاليف.

قال : ( ونمنع كون الخضوع شكرا وإن اشتمل عليه اشتمال العامّ على الخاصّ ، فلا يكون مسمّى العبادة شكرا وإن كان الشكر واقعا فيها. وفي التحقيق : الخضوع للمعبود شرط صحّة العبادة ، والشرط قبل المشروط في الوجود ، والعلّة الغائيّة قبله في التصوّر وبعده في الوجود ، فلا يكون أحدهما عين الآخر ).

أقول : هذا جواب أورده المصنّف على الوجه الثاني من وجوه الشكر ؛ لأنّه لمّا قال صاحب الشكر : العبادة هي الخضوع الذي هو الشكر ، منع ذلك المصنّف بأنّا لا نسلّم كون الخضوع والشكر متّحدين لا متساويين حتّى لا يلزم من وجود أيّهما كان وجود الآخر ومن عدمه عدمه ، بل نقول : العبادة أعمّ من الشكر ، فلا يلزم من وجودها وجوده ؛ لعدم استلزام العامّ الخاصّ.

وأنا أقول : كون العبادة أعمّ من الشكر نظر ، بل الأمر بالعكس ، فإنّ من محالّ الشكر الاعتقاد القلبي ، وهو غير داخل في مسمّى العبادة ، ومن استقرأ أفراد العبادة


وجدها غير منعكسة عنه. نعم ، إلزام الدور متّجه ، وهو ما ذكره من قوله : والتحقيق إلى آخره.

بيانه : أنّ الخضوع متقدّم على العبادة لكونه شرطا لها ، وهي متقدّمة على الشكر الذي هو الوجه ، فإنّ الوجه هو الغاية ، وهي لا تحصل في الوجود إلاّ بعد المغيّا ، فتتوقّف الصلاة على الشرط ، فلو جعلناه في الوجود الغاية لتوقّف عليها ، وذلك دور ظاهر.

إن قلت : نمنع شرطيّة الخضوع ، ولهذا لو دخل الإنسان في الصلاة ثمّ عزب قلبه عنها فأتمّها كذلك صحّت ، ولو كان شرطا بطلت.

سلّمنا شرطيّته لكن نمنع تقدّمه ، بل هو مقارن ، واشتراط صحّة العبادة اشتراط معيّة ، كاشتراط صحّة بعض أجزاء الصلاة ببعض.

قلت : أمّا شرطيته فلا شكّ فيها ويكفي حضوره في بعض العبارة وأقلّه النيّة ، ونلتزم هنا بالبطلان ولو لم يخطر الشرط ، وأمّا جعله من شروط المعيّة فلا يضرّ ؛ لأنّ الخضوع إذا كان مصاحبا للعبادة المتقدّمة على الغاية كان متقدّما ؛ لوجوب تقدّم المصاحب للمتقدّم ، فإن كانت الغاية ـ التي هي الشكر ـ هي الخضوع لزم تقدّم الشيء على نفسه.

قال : ( والشهرة ممنوعة ، ولو سلّمت فليست حجّة ، ولو سلّمت حجّيّتها فإطلاق اسم العبادة على الشكر لاشتمالها عليه كما مرّ ، والمجاز يصار إليه للقرينة. وإنّما يطلق عليه اسم العبادة عند بلوغه الغاية ؛ لأجل بلوغ النعمة الغاية ، ومن ثمّ لم يطلق على شكر بعض نعمه بعض اسم العبادة ؛ لعدم بلوغ الإنعام الغاية ).

أقول : منع المصنّف الشهرة بين المتكلّمين من أنّ العبادة كيفيّة في الشكر ، وحقّ له ذلك ، ثمّ سلّمها جدلا ، وقال : إنّها ليست حجّة ، ولم يأت على ذلك هنا بدليل.

ونحن نقول : إنّ أشياء كثيرة تشتهر في العالم مع عدم مطابقتها لنفس الأمر


كمذاهب الخلاف ، مع أنّ القياس المركّب من مشهورات لا تفيد يقينا بل جدلا.

ثمّ سلّم المصنّف كون الشهرة حجّة ، وقال : إنّما أطلق المتكلّمون اسم العبادة على الشكر ؛ لأنّها مشتملة عليه. وقد مرّ ذلك منه في جوابه عن الوجه الثاني في قوله : وإن كان الشكر واقعا فيها.

قوله : والمجاز يصار إليه للقرينة. جواب سؤال مقدّر ، تقديره : أنّ ما ذكرت من إطلاق اسم العبادة على الشكر لأجل اشتمالها عليه مجاز من باب تسمية الكلّ باسم الجزء كتسمية الزنجي أسود ، والمجاز خلاف الأصل فلا يصار إليه.

فأجاب بأنّه لا يصار إليه إذا أمكن الحمل على الحقيقة ، أمّا إذا [ لم يمكن ] فلا.

والمانع ما ذكر من الأدلّة ، وهي القرينة الموجبة للحمل على المجاز.

ونحن نقول : ما ذكره المتكلّمون معارض بأشهر منه وهو أنّ الشكر هو الاعتراف القلبي ، فإن كان في الشهرة حجّة فهي لنا ، وإلاّ سقط كلامهم.

فإن قالوا : كون الاعتراف شكرا لا يمنع من كون العبادة شكرا.

قلنا : فالشكر إمّا حقيقته فيهما ويلزم الاشتراك ، أو في أحدهما ويلزم المجاز.

نعم يتمشّى إذا جعل للقدر المشترك ، وهو مطلق الرجحان فلا اشتراك ولا مجاز.

وقوله : إنّما يطلق اسم العبادة عند بلوغه الغاية إلى آخره. يريد بهذا الكلام : أنّ الشكر لا يسمّى عبادة إلاّ إذا بلغ الغاية لأجل بلوغ النعمة إليها.

واستدلّ على أنّ الشكر لا يسمّى عبادة قبل البلوغ المذكور ، بأنّ شكر بعض النعم لم يطلق عليه بعض اسم ، كالشكر على كلّ نعمة تصل إليه على يد غيره ونحو ذلك.

وغاية ذلك أنّ إطلاقهم اسم العبادة إنّما هو على بعض أجزاء الشكر ، فيكون أعمّ منها ، إذا نظرنا إلى التسمية التي احتجّوا بها.

قال : ( واعلم أنّ تجويز كلّ من الوجوه قائم ، ولا قاطع هنا على التعيين وإن كان مذهب اللطف قريبا. وكذا مذهب اللطف في الشكر ).

أقول : هذا ظاهر من الأدلّة السالفة ، يعلم من تدبّرها.


قال : ( ولا يمتنع أن يكون اللطف والشكر علّة تامّة في الوجوب. إمّا باعتبار كون كلّ واحد منهما جزءا ، أو باعتبار كون أحدهما شرطا للآخر ).

أقول : كونها علّة تقتضي أن يكون كلّ منهما جزءا.

أمّا إذا كان أحدهما شرطا فلا يطلق عليه اسم العلّة عرفا.

نعم ، إذا فسّرنا العلّة بكلّ ما يتوقّف المعلول عليه دخل الشرط فيهما.

إن قلت : لم لا يمكن أن يكون كلّ واحد من اللطف والشكر علّة تامّة؟ فإذا قيل : يلزم اجتماع علّتين تامّتين على معلول شخصي ، وهو محال كما تبيّن في الأصول.

قلت : ذلك في العلل المؤثّرات محال ، أمّا المعرّفات فلا ؛ لجواز اجتماع معرّفين وأكثر على واحد ، وعلل الشريعة معرّفات.

قلت : هذا الاحتمال ساقط ؛ لأنّ الدليل الذي يأتي ذكره لجواز الجمع يقتضي عدم الاجتزاء بأحدهما ، والمعرّفات يجتزأ بأحدهما ، فالناتج من الشكل الثاني عدم كون اللطف والشكر معرّفين ، فلا يكون كلّ منهما علّة تامّة ، ولو جاز ذلك لكان رجوعا إلى التخيير لا إلى الجمع.

قال : ( لأنّ مجرّد اللطف إذا علم أمكن أن يقال : يجوز قيام غيره مقامه ، ومجرّد الشكر إذا لم يشتمل على لطف يمكن إجزاء بعض أفراده عن بعض.

أمّا إذا اشتمل اللطف على الشكر ولم يكن في غيره من الألطاف ذلك ، أو اشتمل الشكر على اللطف ولم يكن في مجرّد الاعتراف ذلك ، أمكن استناد الوجوب إليهما ).

أقول : هذا شروع منه في الاستدلال على جواز جمع المذهبين. لأنّ اللطف وحده يمكن أن يقال بقيام غيره مقامه ، والشكر وحده يمكن أن يقال بإجزاء بعض أفراده عن بعض.

وأمّا إذا اشتمل اللطف على الشكر ولم يكن في غيره من الألطاف شكر تعيّن للطفيّة فلم يقم غيره مقامه ، وإذا اشتمل الشكر على اللطف ولم يكن في غيره من أفراد


الشكر لطف تعيّن لكونه شكرا ، ولم يقم بعض أفراده مقام بعض.

قال : ( ولو قدّر أنّ أحدا من المكلّفين اعتقد واحدا من الأمور الأربعة لموجب لم يكن مخطئا ).

أقول : الموجب هنا إمّا الدليل للمجتهد أو التقليد لأهله (١).

وفي قوله : لم يكن مخطئا التزام بشيئين أو أحدهما ، إمّا يكون كلّ مجتهد مصيبا ، أو بكون الجميع حقّا ؛ لما تقدّم في الماضي من جواز الجمع بينهما ، ولكن لم يقل به أحد ، ولعلّه قصد بنفي الخطإ نفي المؤاخذة ، وإلاّ فهو أجلّ من أن يخفى عليه ما يظهر لنا ، فهو أعلم بما قال منّا.

قال : ( ولو قدّر أنّه فعل الواجب لوجوبه مثلا ، وترك الحرام لقبحه معرضا عن النظر في الوجه لم يكن مؤاخذا إن شاء الله تعالى ؛ فإنّها مسألة دقيقة يعسر على العوام تحقيق الحال فيها ، فتكليفهم بها نوع عسر منفيّ ؛ لقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) والله الموفّق ).

أقول : قد سلف عنه ذكر التلازم بين الوجه وذي الوجه.

وما ذكر هنا فيه نوع التفات إليه ، بل هو أبلغ منه ؛ لأنّ السالف فيه اعتبار التلازم ، وهذا فيه الإعراض عن كلّ ما سوى الوجوب والتحريم. وقد قدّمنا أمام الفصل الثالث بلا فصل كلاما فيه تحقيق ذلك لا نرى عليه فريدا ، فليراجع من ثمّة ؛ فإنّه يعثر الناظر فيه على محض الحقّ ويرويه ، ويعبر الخاطر إلى عين الصدق ويرويه.

واعلم أنّ ذكر المشيئة لله تارة يكون للتبرّك ومنه : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ) (٣) وتارة يكون للشرط والتوقّف.

ومنه : لأدخلنّ إلاّ ان يشاء الله ، وعلى هذين يتفرّع جواز قول المسلم : أنا مسلم

__________________

(١) في هامش المخطوطة حاشية مبتورة هي : « قولنا : لأهله ، نوع استخدام فإنّ أهل التقليد يطّلعون على عدول العلماء ... ».

(٢) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٣) الفتح (٤٨) : ٢٧.


إن شاء الله. والأخير مقصود المصنّف ؛ لأنّه لا معنى للتبرّك في عدم المؤاخذة على رأيه. ويدلّ على التوقّف. قوله فيما مضى : تجويز كلّ من الوجوه قائم ولا قاطع هنا على التعيين.

وأقول : قد عرفت من تعارض الأدلّة عسر تحقيق الحال على العلماء العاقلين فضلا عن الجهلاء الغافلين. والعسر منفيّ بالآية والرواية (١) ، فينتفي ملزومه ، وبالله العصمة من الغواية ، وله الحمد على الهداية.

وهذا آخر ما اغتنينا بجمعه واعتنينا في وضعه متنكّبين من الإكثار سننه ، ومتنكّبين من الاختصار سننه.

ويتلو ذلك فصلا الترغيب والترهيب ، وليس فيهما موضوع بحث إلاّ الشاذّ النادر ، فلا بدّ من إيرادهما ؛ ليتنبّه على ذلك فيهما ، ولئلاّ يخلو الكتاب منهما ، فلا تعمّ فائدته العاملين كما عمّت فائدة ما تقدّم العالمين.

__________________

(١) على سبيل المثال راجع علل الشرائع ١ : ٣٠٧ ضمن الحديث ٧ ، باب ١٨٢.



[ الفصل الرابع

في الترغيب ]

قال : ( الفصل الرابع في الترغيب ).

عن رسول الله 6 : « اجتهدوا في العمل فإن قصّر بكم ضعف فكفّوا عن المعاصي » (١).

وروينا عن محمّد بن يعقوب بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق 8 قال : « قال رسول الله 6 : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها ، وأحبّها بقلبه ، وباشرها بجسده ، وتفرّغ لها ، وهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أو يسر » (٢).

وعن الصادق 7 قال : « جاء رجل إلى رسول الله 6 فقال : يا رسول الله ما حقّ العلم؟ قال : الإنصات. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : الاستماع له. قال ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : الحفظ. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : العمل به قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : نشره » (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٤ : ١٧١ ، نقلا عن كنز الكراجكي.

(٢) الكافي ٢ : ٨٣ / ٣ ، باب العبادة.

(٣) الكافي ١ : ٤٨ / ٤ ، باب النوادر من كتاب فضل العلم.


روينا عن الصدوق أبي جعفر محمد بن بابويه ; بإسناده إلى يونس بن ظبيان عن الصادق جعفر بن محمّد 8 أنّه قال : « الاشتهار بالعبادة ريبة. إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عليهم الصلاة والسلام أنّ رسول الله 6 قال : أعبد الناس من أقام الفرائض ، وأسخى الناس من أدّى زكاة ماله ، وأزهد الناس من اجتنب الحرام ، وأتقى الناس من قال الحقّ فيما له وعليه ، وأعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشدّ ذكرا للموت ، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب ، وأغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علما ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علما ، وأقلّ الناس لذّة الحسود ، وأقلّ الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عزّ وجلّ عليه ، وأولى الناس بالحقّ أعلمهم به ، وأقلّ الناس حرمة الفاسق ، وأقلّ الناس وفاء الملوك ، وأقلّ الناس صديقا الملك ، وأفقر الناس الطامع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا ، وأفضل الناس إيمانا أحسنهم خلقا ، وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقّا ، وأقلّ الناس مروءة من كان كاذبا ، وأشقى الناس الملوك ، وأمقت الناس المتكبّرون ، وأشدّ الناس اجتهادا من ترك الذنوب ، وأحكم الناس من فرّ من جهّال الناس ، وأسعد الناس من خالط كرام الناس ، وأعقل الناس أشدّهم مداراة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحقّ الناس بالذنب السفيه المغتاب ، وأذلّ الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس » (١).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ / ٨٣٦.


باب :

وبإسناده إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : « كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة : من كانت الآخرة همّه كفاه الله همّه من الدنيا والآخرة ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ أصلح الله فيما بينه وبين الناس » (١).

وعنه 7 : « ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم : أنا يوم جديد ، وأنا عليك شهيد ، فقل واعمل فيّ خيرا ، أشهد لك به يوم القيامة ، فإنّك لن تراني بعدها أبدا » (٢).

وروى عبد الله بن عباس عن رسول الله 6 أنّه قال : « أشرف أمّتي حملة القرآن وأصحاب الليل » (٣).

وبإسناده عن الصادق 7 : « ما ضعف البدن عمّا قويت عليه النفس » (٤).

وعنه 7 : « أوحى الله عزّ وجلّ إلى آدم 7 : يا آدم ، إنّي أجمع لك الخير كلّه في أربع كلمات : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس. فأمّا التي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئا ، وأمّا التي لك فأجازيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا التي فيما بيني وبينك فعليك الدعاء وعليّ الإجابة ، وأمّا التي فيما بينك وبين النّاس فترضى للناس ما ترضى لنفسك » (٥).

قلت : قوله : واحدة لي ، لا يدلّ على احتياجه إلى العبادة ؛ لما ثبت من غنائه الذاتي ، بل المعنى أن تتقرّب بالعبادة إليّ لا إلى غيري ليكون جزاءك منّي ولا إليّ مع غيري ؛ لقوله : « أنا خير شريك ، ما شوركت في شيء إلاّ تركته لشريكي » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٣ / ٨٤١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٤ / ٨٤٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٨٥ / ٨٥١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٨٦ / ٨٥٥ ، وفيه « النيّة » بدل « النفس ».

(٥) الفقيه ٤ : ٢٩٠ / ٨٧٣.

(٦) فقه الرضا : ٣٨١ ، باب التفكّر ... ؛ وقريب منه في عدّة الداعي : ٢٠٣ ؛ وكنز العمّال ٣ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ٧٥١١ ـ ٧٥١٢.


وبإسناده إلى الإمام زين العابدين 7 ، قال : « ألا إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملا ، وإنّ أعظمكم عند الله حظّا أعظمكم فيما عند الله رغبة ، وإنّ أنجى الناس من عذاب الله أشدّهم لله خشية ، وإنّ أقربكم من الله أوسعكم خلقا ، وإنّ أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله ، وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم » (١).

وبإسناده أنّ النبيّ 6 أوصى عليّا عليه الصلاة والسلام : « يا عليّ ، سبعة من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبواب الجنّة مفتّحة له : من أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته ، وأدّى زكاة ماله ، وكفّ غضبه ، وسجن لسانه ، واستغفر الله لذنبه ، وأدّى النصيحة لأهل بيتي (٢).

يا عليّ ، سر سنتين برّ والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلا عد مريضا ، سر ميلين شيّع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوة ، سر أربعة أميال زر أخا في الله ، سر خمسة أميال أجب الملهوف ، سر ستّة أميال انصر المظلوم (٣).

يا عليّ ، الإسلام عريان فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروءته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت » (٤).

قلت : إذا أبغض الإنسان محمّدا وآله الذين أتوا بالإسلام. ومن أبغض شيئا أبغض عمله ، والإسلام عملهم : ؛ ينتج أنّ من أبغضهم من الناس فقد رام بناء من غير أساس.

باب :

« يا عليّ ، السواك من السنّة ، ومطهرة للفمّ ، ويجلو البصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب بالحفر ، ويشدّ اللثة ، ويشهّي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٢ / ٨٨١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٥٩ / ٨٢٤.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٦٠ / ٨٢٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٦٣ / ٨٢٤.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٦٤ / ٨٢٤.


قلت : كونه مطهرة للفمّ محمول على الطهارة اللغوية ، أي منظفة للفمّ ؛ لعدم قبول الفم النجاسة الشرعيّة.

وجلاء البصر : لذهابه بالبخار الموجب للغشاوة.

والحفر : بسكون العين وفتحها وقال الخليل : هو سلاق يوجد في أصول الأسنان (١). وقال شارح الفصيح : هو صفرة تركب الأسنان فإن ركبتها خضرة فهي القلح (٢).

واللثة : بتخفيف الثاء المثلّثة لحم الأسنان.

وفرح الملائكة : لأجل مجاورتهم ذلك المكان.

وعن رسول الله 6 : « ما زال جبرئيل 7 يوصيني بالسواك حتّى خشيت أن أحفى أو أدرد » (٣).

قلت : الحفى هنا ، التلطيف ، أي رقّة الأسنان. وقد يقال : الحفى بمعنى العلم ، ومنه : ( إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ) (٤). وحفي فلان بفلان إذا برّه.

والدرد : سقوط الأسنان. والله أعلم.

وعن الصادق والباقر 8 : « صلاة ركعتين بسواك أفضل عند الله من سبعين ركعة بغير سواك » (٥).

باب :

وبإسناده إلى أبي الحسن موسى بن جعفر 8 : « من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلاّ الكبائر ، ومن توضّأ للمغرب كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في نهاره خلا الكبائر » (٦).

__________________

(١) العين ٣ : ٢١٢ ، « ح. ف. ر ».

(٢) لسان العرب ٤ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، « ح. ف. ر ».

(٣) الفقيه ١ : ٣٢ / ١٠٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٣ / ٣ ، باب السواك ، و ٦ : ٤٩٥ / ٣ ، باب السواك.

(٤) مريم (١٩) : ٤٧.

(٥) الفقيه ٤ : ٣٣ / ١١٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٢ / ١ ، باب السواك.

(٦) الفقيه ١ : ٣١ / ١٠٣ ؛ الكافي ٣ : ٧٠ / ٥ ، باب النوادر من كتاب الطهارة.


باب :

وعن الصادق 7 : « من اغتسل للجمعة فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين كان ذلك طهورا من الجمعة إلى الجمعة » (١).

وعنه 7 : « غسل يوم الجمعة طهور وكفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة » (٢).

قلت : المراد بالطهر هنا : الطهر من الذنوب. إمّا على معنى أنّ الله يلطف به فيتركها ، أو أنّه إن اقترفها عفا عنها.

وعنه 7 : « غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ، ويزيد في الرزق » (٣).

و « في كلّ جمعة أمان من البرص والجنون » (٤).

« اغسلوا رءوسكم بورق السدر ؛ فإنّه قدّسه كلّ ملك مقرّب ، وكلّ نبيّ مرسل.

ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما ، ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص الله ، ومن لم يعص الله دخل الجنّة » (٥).

قلت : ينتج من هذا القياس الناتج المنفصل ، أنّ من غسل رأسه به دخل الجنّة.

والخطمي : نبت مشهور له نور أحمر ، وقد يكون أبيض. قال ابن سينا : يطلى به البهق بالخلّ ، ويجلس في الشمس ينفع نفعا بيّنا (٦).

وعن أمير المؤمنين 7 : « أنّ رسول الله 6 اغتمّ ، فأمره جبرئيل 7 بغسل رأسه بالسدر ، وكان ذلك السدر من سدرة المنتهى » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦١ / ٢٢٨ ؛ التهذيب ٣ : ١٠ / ٣١.

(٢) الفقيه ١ : ٦١ ـ ٦٢ / ٢٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٧١ / ٢٩١ ؛ الكافي ٦ : ٥٠٤ / ١ ، باب غسل الرأس.

(٤) الفقيه ١ : ٧١ / ٢٩٠ ؛ الكافي ٦ : ٥٠٤ / ٢ ، باب غسل الرأس.

(٥) الفقيه ١ : ٧٢ / ٢٩٦.

(٦) القانون في الطبّ ١ : ٤٥٣.

(٧) الفقيه ١ : ٧٢ / ٢٩٤.


قلت : السدرة عن يمين العرش ، انتهى إليها علم كلّ أحد ، عن الكلبي ، وعن غيره أقوال أخر ، وهي فوق السماء السابعة. وقيل : السادسة (١).

وفي جواب النبيّ 6 لابن سلام : « إنّ عليها ألف ألف غصن ، وعلى كلّ غصن ألوف فرع ، تحت كلّ فرع ألوف من كراديس الملائكة ، كلّ كردوس ألوف ألوف » (٢).

وعن أبي جعفر الباقر 7 : « من أخذ من أظفاره وشاربه كلّ جمعة ، وقال حين يأخذه : باسم الله وبالله وعلى سنّة رسول الله محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم ، لم تسقط منه قلامة ولا جزازة إلاّ كتب الله عزّ وجلّ له بها عتق نسمة ، ولم يمرض إلاّ مرضه الذي يموت فيه » (٣).

وعنه 7 : « من أخذ من أظفاره كلّ خميس لم يرمد ولده » (٤).

وعن رسول الله 6 : « من قلّم أظفاره يوم السبت ويوم الخميس ، وأخذ من شاربه ، عوفي من وجع الضرس ووجع العين » (٥).

باب الفرائض

وبإسناده إلى الصادق 7 لمّا سأله سليمان بن خالد عن الفرائض فقال : « شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، والولاية ، فمن أقامهنّ وسدّد وقارب واجتنب كلّ منكر دخل الجنّة » (٦).

قلت : السديد ، العدل وإبانة الحقّ ، وهو السليم من خلل الفساد ، والمقصود هنا

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ١٧٥ ذيل الآية ١٥ من النجم (٥٣).

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) الفقيه ١ : ٧٣ / ٣٠٤ ؛ الكافي ٦ : ٤٩١ / ٩ ، باب قصّ الأظفار ؛ التهذيب ٣ : ٢٣٧ / ٦٢٧.

(٤) الفقيه ١ : ٧٤ / ٣١٢ ؛ ورواه في الكافي ٦ : ٤٩١ / ١٤ ، باب قصّ الأظفار ، إلاّ أنّ فيه : « لم ترمد عينه » بدل « لم يرمد ولده ».

(٥) الفقيه ١ : ٧٤ / ٣١٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٣١ / ٦١٢.


بالتسديد ـ والله أعلم ـ ارتكاب شرائط هذه المذكورات واجتناب موانعها التي هي بصحّتها مخلات ، كما أنّ تسديد المؤذّن الأعمى إرشاده إلى الأوقات.

والمقاربة : القيام بحقوق الله الواجبة ، وذلك ؛ لامتناع اشتراط دخول الجنّة بغير الواجب.

وعنه 7 : « إنّ طاعة الله عزّ وجلّ خدمته ، وليس شيء من خدمته يعدل الصلاة » (١).

وعنه 7 : « أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة ، وهي آخر وصايا الأنبياء : » (٢).

وعن النبيّ 6 : « ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي الناس : أيّها النّاس ، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم » (٣).

قلت : المراد بالنيران هنا ما يوجب النيران من أنواع العصيان ؛ إطلاقا لاسم المسبّب على السبب وإنّما خصّ الظهور بالذكر ؛ لأنّ الحمل غالبا عليها ؛ أو لأنّ الأثقال إنّما تحمل عليها ، قال الله سبحانه : ( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) (٤).

وعن الصادق 7 : « صلاة فريضة خير من عشرين حجّة ـ وفي رواية سبعين حجّة (٥) ـ وحجّة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدّق منه حتّى يفنى » (٦).

وروينا بالإسناد المتّصل إلى يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « حجّة أفضل من الدنيا وما فيها ، وصلاة فريضة أفضل من ألف حجّة » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٣٣ / ٦٢٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٣٦ / ٦٣٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٦٤ / ٢ ، باب فضل الصلاة.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٣ / ٦٢٤ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٨ / ٩٤٤ ، وفيه : « بين يدي الله » بدل « بين يدي الناس ».

(٤) الأنعام (٦) : ٣١.

(٥) لم نعثر عليها.

(٦) الفقيه ١ : ١٣٤ / ٦٣٠ ؛ الكافي ٣ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٧ ، باب فضل الصلاة ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ / ٩٣٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٣.


قلت : تتوجّه الخيريّة بأنّها خير من ألف حجّة مندوبة إذا لم تكن فيها صلاة ، أو وقعت في غير هذه الملّة ؛ فإنّ تضاعف الأعمال إنّما وقع في ملّة النبي 6.

فإذا عورض ذلك بقوله 6 : « أفضل الأعمال أحمزها » (١). قلنا : الظاهر أنّه أراد مع اتّحاد نوعها كصلاتين أو حجّتين ، للعلم الضروري بأنّ التلفّظ بالشهادتين أفضل من صلاة ركعتين ، وحينئذ فالصلاة والحجّ المذكوران متغايران فذهب الإشكال.

وعنه 7 : « إذا قام العبد إلى الصلاة فخفّف صلاته ، قال الله تعالى لملائكته : أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى أنّ قضاء حوائجه بيد غيري؟! أما يعلم أنّ قضاء حوائجه بيديّ؟! » (٢).

وعن رسول الله 6 : الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام ، فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي » (٣).

وروينا عن ابن بابويه ; بإسناده إلى خالد القلانسي عن الصادق 7 أنّه قال : « مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب 8 ، والصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم ، والمدينة حرم الله وحرم رسوله 6 وحرم عليّ بن أبي طالب 8 ، والصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب 8 ، والصلاة فيها بألف صلاة » (٤). وسكت عن الدرهم.

وعن أبي جعفر 7 : « من صلّى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كلّ صلاة صلاّها منذ يوم وجبت عليه الصلاة ، وكلّ صلاة يصلّيها إلى أن يموت » (٥).

وعنه 7 : « المساجد أربعة : المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله 6 ، ومسجد

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٢٩ ؛ النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٤٤٠ ؛ كشف الخفاء ١ : ١٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٩ / ١٠ ، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها ؛ التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٨١ ؛ التهذيب ٦ : ١٤ ـ ١٥ / ٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٧٩ ؛ الكافي ٤ : ٥٨٦ / ١ ، باب ـ بدون العنوان ـ من كتاب الحجّ ؛ التهذيب ٦ : ٣١ ـ ٣٢ / ٥٨ ، وفيهما في آخر الحديث : « والدرهم فيها بألف درهم ».

(٥) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٨٠.


بيت المقدّس ، ومسجد الكوفة ، الفريضة فيها تعدل حجّة ، والنافلة تعدل عمرة » (١).

وعن الصادق 7 : « كان مسجد رسول الله 6 ثلاثة آلاف وستّمائة ذراع مكسّرا » (٢).

قلت : فعلى هذا يكون كلّ واحد من طوله وعرضه ستّون ذراعا والله أعلم.

والراوي عبد الأعلى مولى آل سام عن الإمام 7.

وعن عليّ 7 : « صلاة في بيت المقدّس تعدل ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة » (٣).

وروى الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر 7 : « لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلاّ المريض أو مشغول » (٤).

وعن رسول الله 6 أنّه قال لقوم : « لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم » (٥).

وعن الصادق 7 : « من مشى إلى المسجد لم يضع رجليه على رطب ولا يابس إلاّ سبّح له إلى الأرض السابعة » (٦).

وعن رسول الله 6 : « من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة ، فأخرج منه ما يذرّ في العين غفر له » (٧).

وعن أبي جعفر 7 : « أوّل ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسّرها ، ويأمر بها

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٨ / ٦٨٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٦٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٣ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٥ / ١٠٩١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ١٠٩٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٥ / ٧٠٦.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠١ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٣.


فيجعل عريشا كعريش موسى » (١).

وعن عليّ 7 : « إنّ الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعا حتّى لا يحاشي منهم أحدا ، فإذا نظر إلى الشّيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلّمون القرآن أخّر ذلك عنهم » (٢).

قلت : وليس في قوله : « إذا نظر » دليل على غيبة سبقت أو غفلة ، فإنّ النظر قد استعمل في معان ، منها الرحمة والنعمة ، وهي المراد هنا. والمعنى ، أنّه برحمته لهم ونعمته عليهم يؤخّر العذاب عن الباقين وفيه قوله تعالى : ( وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ) (٣) وقول الشاعر :

وانظر إليّ بعين مولى لم يزل

يولي الندى وتلاف قبل تلافي

وعنه 7 « إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب ، قال : لو لا الذين يتحابّون لجلالي ، ويعمرون مساجدي ، ويستغفرون بالأسحار لأنزلت عذابي » (٤).

وروى الصدوق عن مولانا أبي عبد الله 7 : « أنّ السجود على طين قبر الحسين 7 ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين 7 كتب مسبّحا وإن لم يسبّح بها ، والتسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها ؛ لأنّها مسئولات يوم القيامة » (٥).

باب :

روى الصدوق عن مولانا رسول الله 6 أنّه قال : « من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة » (٦).

وعن أبي جعفر 7 : « المؤذّن يغفر الله له مدّ بصره ، ومدّ صوته في السماء ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧٠٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٣.

(٣) آل عمران (٣) : ٧٧.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٨٣ / ١١٢٦.


ويصدّقه كلّ رطب ويابس يسمعه ، وله من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم ، وله من كلّ من يصلّي بصوته حسنة » (١).

قلت : والمراد ـ والله أعلم ـ بمدّ البصر والصوت ـ فيما لا يحلّ ؛ إذ لا غفران فيما سواه ، قال : إن مدّ بصره أو صوته في المحرّمات غفر له ذلك لأجل أذانه.

والسماء هنا قد يعني به الهواء.

وتصديق الرطب واليابس أعمّ من كونه عاقلا فيكون التصديق حقيقة لفظا أو اعتقادا ، أو غير عاقل فيكون التصديق مجازا بشهادة الحال. والتصديق في الأذان مخصوص بما يقبل التصديق. فتخرج منه الحيعلات الثلاثة ونحوها.

باب :

وروى عن النبيّ 6 : « من صلّى الصلوات الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير » (٢).

وعنه 6 : « من صلّى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة الله عزّ وجلّ ، ومن ظلمه فإنّما يظلم الله عزّ وجلّ ، ومن أخفره فإنّما يخفر الله عزّ وجلّ » (٣).

قلت : أخفره ـ بالخاء المعجمة والفاء ـ أي نقض عهده ، يقال : أخفرته إذا نقضت عهده ، أي من نقض عهده فإنّما ينقض عهد الله ؛ لأنّه بصلاته صار في ذمّة الله وجواره.

باب :

وبإسناده إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي آجره الله بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب 7 قال : « قيام الليل مصحّة البدن ، ورضى الربّ ، وتمسّك بأخلاق النبيّين » (٤).

وإلى أبي عبد الله 7 : « صلاة الليل تحسّن الوجه وتذهب بالهمّ وتجلو البصر » (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٨٨٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١١٣١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٣ ؛ الكافي ٣ : ٣٧١ / ٣ ، باب فضل الصلاة في الجماعة.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٨. فيه : « ومن حقّره فإنّما يحقّر الله عزّ وجلّ ».

(٤) التهذيب ٢ : ١٢١ / ٤٥٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ / ٤٦١.


وإلى النبيّ 6 في وصيّته لأبي ذر ( رض ) : « من ختم له بقيام الليل ثمّ مات فله الجنّة » (١).

وإلى بحر السّقا بطريق الصدوق عن أبي عبد الله 7 قال : « إنّ من روح الله عزّ وجلّ ثلاثة : التهجّد بالليل ، وإفطار الصائم ، ولقاء الإخوان » (٢).

قلت : التهجّد : التيقّظ بما ينفي النوم وقال المبرّد : التهجّد عند أهل اللغة : السهر للصلاة أو لذكر الله (٣).

وقال صاحب التبيان : وأصل الهجود النوم ؛ لقول لبيد :

قلت هجّدنا فقد طال السرى ...

وقال علقمة والأسود : التهجّد يكون بعد نومة (٤).

وأمّا قوله : وإفطار الصائم يحتمل معنيين : إفطار الصائم نفسه ليلا بوصل صومه ، وتفطير غيره لينال مثل أجره.

وأمّا لقاء الإخوان : فبالتحابب والتوادد والتناصح والتذاكر ، وقد روي « إذا تلاقى المؤمنان سقط بينهما مائة رحمة ، تسع وتسعون لأشدّهما حبّا لصاحبه ثمّ أقبل الله عليهما بوجهه ، وكان على أشدّهما حبّا لصاحبه أشدّ إقبالا » (٥).

واعلم أنّ الروح هنا ملاك الشيء ، وأشرف ما فيه ، كالخشوع روح الصلاة ، فكأنّه يقول : هذه الأعمال الثلاثة أفضل ما يتقرّب به إليه تعالى. ونسب الروح إليه ؛ لتعلّق الأفعال المذكورة به كما ينسب الحكم إلى المتحاكمين.

وإلى جابر بن إسماعيل بطريق الصدوق أيضا عن جعفر بن محمّد عن أبيه 8 : « أنّ رجلا سأل عليّ بن أبي طالب 7 عن قيام الليل بالقرآن فقال له : أبشر من صلّى عشر ليلة لله مخلصا ابتغاء رضوان الله ، قال الله تبارك وتعالى لملائكته : اكتبوا لعبدي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٢ / ٤٦٥ ؛ الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٨ / ١٣٦٤.

(٣) التبيان ٦ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٩ من سورة الإسراء (١٧).

(٤) التبيان ٦ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٩ من سورة الإسراء (١٧).

(٥) لم نعثر عليه. وقريب منه في الكافي ٢ : ١٨١ ـ ١٨٢ / ١٤ باب المصافحة.


هذا من الحسنات عدد ما أنبت في الليل من حبّة وورقة وشجرة ، وعدد كلّ قصبة وخوط ومرعى. ومن صلّى تسع ليلة أعطاه الله عشر دعوات مستجابات ، وأعطاه كتابه بيمينه ، ومن صلّى ثمن ليلة أعطاه الله أجر شهيد صابر صادق النيّة ، وشفّع في أهل بيته. ومن صلّى سبع ليلة خرج من قبره يوم يبعث ، ووجهه كالقمر ليلة البدر حتّى يمرّ على الصراط مع الآمنين. ومن صلّى سدس ليلة كتب من الأوّابين ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه. ومن صلّى خمس ليلة زاحم إبراهيم خليل الله في قبّته. ومن صلّى ربع ليلة كان في أوّل الفائزين حتّى يمرّ على الصراط كالريح العاصف ، فيدخل الجنّة بغير حساب. ومن صلّى ثلث ليلة لم يبق ملك إلاّ غبطه بمنزلته من الله عزّ وجلّ ، وقيل له : ادخل الجنّة من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شئت. ومن صلّى نصف ليلة ، فلو أعطي ملء الأرض ذهبا سبعين مرّة لم يعدل جزاءه ، وكان له بذلك عند الله عزّ وجلّ أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل. ومن صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات بقدر رمل عالج أدناها حسنة مثل جبل أحد عشر مرّات. ومن صلّى ليلة تامّة تاليا لكتاب الله عزّ وجلّ راكعا وساجدا وذاكرا أعطي من الثواب ما أدناه أن يخرج من الذنوب كيوم ولدته أمّه ، ويكتب له عدد ما خلق الله عزّ وجلّ من الحسنات ، ومثلها درجات ، وينبت النور في قبره ، وينزع الإثم والحسد من قلبه ، ويجار من عذاب القبر ، ويعطى براءة من النار ، ويبعث في الآمنين ، ويقول الربّ تبارك وتعالى لملائكته : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أحيا ليلة ابتغاء مرضاتي ، أسكنوه الفردوس ، وله فيها مائة ألف مدينة ، في كلّ مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة والمزيد والقربة » (١).

قلت : قوله في النيل : ويحتمل حمل « في » على معناها الحقيقي ، وهو كونها للظرف ويحتمل على المجازي ، وهو كونها بمعنى « على » مثل : ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) (٢) فيكون المعنى ما أنبت على النيل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٧.

(٢) طه (٢٠) : ٧١.


والخوط : هو ورق الكرّاث والبقل ، هكذا سمعته من بعض عرب الحجاز ، ويقرب منه قول الجوهري : إنّه الغصن الناعم لسنته (١).

وقال سلمة بن عياض لصبيّة من العرب : أعطيني خويطا ، فجاءته بغصن صغير من شجرة ، فقال : أردت خيطا ، فقالت : هلاّ قلت خييطا.

وقوله : أعطاه عشر دعوات مستجابات ، أي وفّقه لأن يدعو عشر دعوات فيستجيب له.

وقوله : زاحم إبراهيم في قبّته ، أي بلغت منزلته إلى قرب منزلته.

ودخول الجنّة من أيّ باب شاء دليل عظم المكانة وسعة المملكة ، فإنّ له من كلّ باب منها نصيبا.

والملك ـ بكسر الميم ـ المقدار ، أي مقدار ما يملأ الأرض ، وبالفتح المصدر.

وقوله : أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل ؛ وذلك أنّ حميرا غزاهم فأسرهم فكان من له خير يفاديه عنهم.

وروى الشيخ بإسناده عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول :

« أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر وتكتب له صلاة الليل؟ » (٢).

وعن هشام بن سالم عن أبي جعفر 7 ، قال : « إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها ، فما يرفع له إلاّ ما أقبل منها بقلبه ، وإنّما أمروا بالنوافل ليتمّ لهم ما نقصوا من الفريضة » (٣).

باب :

روى الشيخ بإسناده إلى الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله 7 قال : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » (٤).

__________________

(١) الصحاح ٢ : ١١٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤١ / ١٤١٣ ؛ الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٢ ، باب ما يقبل من صلاة الساهي.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٤ / ٣٩١.


وعن منصور بن يونس عمّن ذكره عن أبي عبد الله 7 : « من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى فهو ضيف الله ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه » (١).

قلت : الخلق كلّهم أضيافه فوجه تخصيص هذا صرف همّته ، وتوجيه كلّيته إليه ، فله بذلك مزيد استحقاق عليه.

وعن زرارة عن أبي جعفر 7 : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة » (٢).

قلت : هذا مختصّ بصلاة النافلة على معنى أنّ الدعاء بعد الفريضة أفضل عن الصلاة نافلة بدله ، وأنّ الدعاء بعد الصلاة أفضل من الصلاة المجرّدة عن الدعاء ، فتكون الأفضليّة لمجموع الصلاة والدعاء على الصلاة بغير دعاء. ولا يبعد أن يقال : إنّ أفضليّة الدعاء على الصلاة الواجبة من حيث إنّه متبرّع به ، ولا حرج ولا عقاب في تركه ، فكان مشكورا عند الله أكثر من الملزم به.

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله 7 : « من سبّح تسبيح فاطمة 3 قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له ، ويبدأ بالتكبير » (٣).

وعن صالح بن عقبة عن أبي جعفر 7 : « ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء 3 ، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله 6 فاطمة 3 » (٤).

وروي عن الباقر 7 : « لتسبيح فاطمة 3 في كلّ يوم دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم » (٥).

وروى الصدوق عن الإمام الصادق 7 : « المؤمن معقّب ما دام على وضوء » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤١ / ٣ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٩ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٥ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء. الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٥ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٦ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٤ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٩ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٥ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء. والرواية فيهما عن أبي عبد الله 7.

(٦) الفقيه ١ : ٣٥٩ / ١٥٧٦.


وروى معناه الشيخ بإسناده إلى هشام بن سالم عن الصادق 7 (١).

وبإسناد الشيخ في التهذيب إلى صفوان الجمّال قال : رأيت أبا عبد الله 7 ، إذا صلّى وفرغ من صلاته رفع يديه جميعا فوق رأسه (٢).

وإلى أبي بصير عن أبي عبد الله 7 أنّ رسول الله 6 قال لأصحابه ذات يوم : « أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ثمّ وضعتم بعضه على بعض ، أترونه يبلغ السماء؟! » قالوا : لا يا رسول الله ، فقال 6 : « يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة ، وهنّ يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردّي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبليّة التي نزلت على العبد في ذلك اليوم » (٣).

قلت : لمّا قال : أترونه يبلغ السماء؟ ظهر منه أنّ قول هذه الكلمات يبلغ السماء ، وهذا من الاكتفاء في فنّ البديع ؛ كقول بعضهم شعرا :

مسّني الضّرّ وحوشيته

والمشتكى أنت وحالي كما

وميتة السوء : الظاهر أنّها كلّ ميتة مشنأة ؛ لأنّ السوء هو القبيح الذي يسوء صاحبه ؛ ولقول الباقر 7 : « البرّ والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ، ويدفعان عن سبعين ميتة سوء » (٤).

وإلى زرارة عن أبي جعفر 7 قال : « لا تنسوا الموجبتين ـ أو قال : عليكم بالموجبتين ـ في دبر كلّ صلاة » ، فسأله عنهما فقال 7 : « تسأل الله الجنّة وتعوذ بالله من النار » (٥).

قلت : والجيم من الموجبتين يحتمل الفتح والكسر : فالأوّل : يراد به الجنّة والنار ، فإنّ الأعمال أوجبتهما ، ويكون سؤالهما مستلزما لسؤال الأعمال الموجبة للجنّة المبرئة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٨ ؛ ورواه أيضا في الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٦ / ٤٠٣ ؛ الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٦.

(٤) الكافي ٤ : ٢ / ٢ ، باب فضل الصدقة ؛ الفقيه ٢ : ٣٧ / ١٥٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٨ / ٤٠٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ / ١٩ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.


من النار ، وسؤال الأعمال مستلزما لطلب التوفيق من الله لها لا أنّها واقعة.

والثاني : يراد به الدعوتين الموجبتين للجنّة والبعد عن النار ، وهذا أشدّ مطابقة لمعنى لا تنسوا.

وإلى الحسن بن عليّ 8 : « من صلّى فجلس في مصلاّه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار » (١).

ورواه ابن بابويه عن رسول الله 6 (٢).

قلت : « كان » هنا يحتمل حملها على حقيقتها ، أي كان ذلك الجلوس له سترا ، ويحتمل أن يكون بمعنى حصل ، أي وجد له سترا من النار ، كما قال :

إذا كان الشتاء فأدفئوني

فإنّ الشيخ يهرمه الشتاء (٣)

وفي حديث آخر عن النبيّ 6 : « إنّ المعقّب حتّى تطلع الشمس كحاجّ رسول الله 6 وغفر له ، فإن جلس فيه حتّى تكون ساعة تحلّ فيها الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعا غفر له ما سلف ، وكان له من الأجر كحاجّ بيت الله » (٤).

وروى ابن بابويه عن الصادق 7 أنّه قال : « الجلوس بعد صلاة الغداة والتعقيب والدعاء حتّى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض » (٥).

وعن مرازم عن أبي عبد الله 7 قال : « سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ، تتمّ بها صلاتك ، وترضي بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك » (٦).

قلت : يحتمل أن يكون الوجوب هنا بمعنى السقوط ، ومنه : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢١ / ١٣١٠.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٩ / ١٤٥٦ ؛ ورواه أيضا عن رسول الله في التهذيب ٢ : ١٣٩ / ٥٤٢ ، ولفظ الحديث فيهما : « من جلس في مصلاّه من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ستره الله من النار ».

(٣) لسان العرب ١٣ : ٣٦٥ ، « ك. و. ن ».

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٥. مع تفاوت في صدر الحديث.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٧ / ٩٦٥ ؛ التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٠ / ٩٧٨ ؛ التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٥.

(٧) الحجّ (٢٢) : ٣٦.


وعجب الملائكة من حيث إنّه فعلها مع مجازية طبيعته إلى تركها والميل إلى الراحة عنها ، وعلمه بعدم المؤاخذة عليها.

باب :

وروى الشيخ بإسناده إلى زرارة عن أبي عبد الله 7 قال : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كالصلاة على النبيّ وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له » (١).

قلت : قد انعقد الإجماع على صحّة الإتيان بواجب دون آخر ، فيحمل توقّف الصوم على الزكاة على أنّه : إذا لم يزكّ منع اللطف الزائد على الواجب ، فلا يخلص لذلك في صومه ، فلا يقبل منه ، أو يكون تركه للزكاة استحلالا ، فإنّه كفر للإجماع ، والنصوص القرآنية والنبويّة على وجوبها ، ومع الكفر لا قبول لعمل صوم ولا غيره. وسيأتي في حديث « من منع الزكاة وقفت صلاته ».

وعن محمّد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « أحسنوا جوار النعم » قلت : وما حسن جوار النعم؟ قال : « الشكر لمن أنعم بها ، وأداء حقوقها » (٢).

قلت : أداء حقوقها ـ والله أعلم ـ إشارة إلى دفع الحقوق الواجبة من زكاة وغيرها ، وعلى أنّ ذلك من جملة شكر منعمها على أحد الأقوال السالفة.

وعن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله 7 قال : « من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى إشباع جوعة المؤمن ، وتنفيس كربته ، وقضاء دينه » (٣).

وعن مسمع عن أبي عبد الله 7 قال : « أفضل الصدقة إبراد كبد حرّى » (٤).

قلت : الإبراد : إشارة إلى زوال شدّة الفاقة ، فإنّ لها حرارة ناشئة عن همّ وهمّة ، وفي الدعاء : « أذقني برد عفوك » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٥ ، و ٤ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٣١٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٠٩ / ٣١٥ ؛ الكافي ٤ : ٣٨ / ٢ ، باب حسن جوار النعم.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣١٨ ؛ الكافي ٤ : ٥١ / ٧ ، باب فضل إطعام الطعام.

(٤) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣١٩ ؛ الكافي ٤ : ٥٧ / ٢ ، باب سقي الماء.

(٥) أمالي المفيد : ٩٢ / ٨ ؛ المجلس ١٠.


أي اصرف عنّي حرارة همّ عقوبتك.

وعن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله 7 : « داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنّها تفكّ من بين لحيي سبعمائة شيطان ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن » (١).

قلت : الصدقة ليست بين لحى الشياطين ، ولكنّهم لمّا منعوا منها بتسويلهم أشبهوا من أدخل شيئا في فمه ، وقبض عليه ممتنعا من فضه إلاّ بمشقّة شديدة لفرط أعدائه.

وعن الصادق 7 : « من منع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي » (٢).

وعن أبي الحسن الأوّل 7 ، قال : « من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا ، ومن لم يستطع أن يزور قبورنا فليزر صلحاء إخواننا » (٣).

وعن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله 7 ، قال : « قال رسول الله 6 : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته يوم القيامة » (٤).

باب :

روى الصدوق عن النبيّ 6 أنّه قال : « الصوم جنّة من النار » (٥).

وقال 7 : « قال الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به » (٦).

وقال 7 : « إنّ الله وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين. وأخبرني جبرئيل 7 عن ربّه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣١ ؛ الكافي ٤ : ٣ / ٥ ، باب فضل الصدقة ؛ الفقيه ٢ : ٣٧ / ١٥٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣٠ ؛ الكافي ٣ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥ / ١٢ ، باب منع الزكاة ؛ الفقيه ٢ : ٧ / ٢٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١١١ / ٣٢٤ ؛ الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٧ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ؛ الفقيه ٢ : ٤٣ / ١٩١.

(٤) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣٢٢ ؛ الكافي ٤ : ٦٠ / ٨ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ؛ الفقيه ٢ : ٣٦ / ١٥٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٦ ؛ الكافي ٤ : ٦٢ / ١ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٥١ / ٤١٨.

(٦) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٨ ؛ الكافي ٤ : ٦٣ / ٦ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٥٢ / ٤٢٠. وفي الكافي : « أجزي عليه » بدل « أجزي به ».


تعالى ذكره أنّه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلاّ استجبت لهم فيه » (١).

وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : « ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله عزّ وجلّ والمؤازرة في العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه. ولكلّ شيء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام » (٢).

قلت : قد ذكر المصنّف ; في قواعده وجوها من التراجيح (٣). وعليها إيرادات ، من وقف لها وقف عليها.

وأمّا قوله : يسوّد وجهه : تسويد الوجه هنا من الغيض من الصوم.

وكسر الظهر قد تكون عبارة عن انقطاع حيله.

والدابر : الأصل ، وقيل : الآخر ، وعقب الرجل ، دابره.

والوتين : عرق معلّق به القلب ، إذا قطع مات صاحبه.

وعن الصادق 7 : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب » (٤).

وروي عن جميل بن درّاج عن الصادق 7 ، أنّه قال : « من دخل على أخيه وهو صائم ، فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٥).

قوله : ولم يعلمه. قلت : فلو أراد بالإعلام سروره وبشارته بإفطاره لينال مثل ثوابه لم يكن من هذا الباب ، كما سمعناه من بعض الطلاّب. والظاهر من الحديث أنّ

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٢ ؛ الكافي ٤ : ٦٤ / ١١ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٥ / ١٩٩ ؛ الكافي ٤ : ٦٢ / ٢ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٩١ / ٥٤٢.

(٣) القواعد والفوائد ١ : ١٣٧ ـ ١٣٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢٢ ؛ الكافي ٤ : ١٥٠ / ٣ ، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله.


الكراهة متعلّقة بقصد المنّ عليه.

وعن عليّ 7 قال : « قال رسول الله 6 : من صام يوما تطوّعا أدخله الله عزّ وجلّ الجنّة » (١).

وعن أبي الحسن موسى 7 : « رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيّئات ، من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام ثلاثة أيّام وجبت له الجنّة » (٢).

وعن أبي عبد الله 7 : « من صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة البتّة » (٣).

وعن أبي الحسن موسى 7 : « من صام أوّل يوم من عشر ذي الحجّة كتب الله له صوم ثمانين شهرا ، فإن صام التسع كتب الله عزّ وجلّ له صوم الدهر » (٤).

وعن الصادق 7 : « صوم يوم التروية كفّارة سنة ، ويوم عرفة كفّارة سنتين » (٥).

وروى المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله 7 : « صوم يوم غدير خمّ كفارة ستّين سنة » (٦).

وعن أبي عبد الله 7 : « لا تدع صوم يوم سبعة وعشرين من رجب ، فإنّه اليوم الذي أنزلت فيه النبوّة على محمّد 6 ، وثوابه مثل ستّين شهرا لكم » (٧).

وعن الرضا 7 : « صوم يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة كصوم ستّين شهرا ـ قال ـ : وهو مولد الخليل 7 ، وعيسى بن مريم 8 ، ودحيت فيه الأرض » (٨).

قال الصدوق ، وروي : « أنّ الكعبة أنزلت في تسع وعشرين من ذي القعدة ، وهي

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٦ / ٢٤٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٦ / ٢٤٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣١.

(٦) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤١.

(٧) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤٠.

(٨) الفقيه ٢ : ٥٤ / ٢٣٨. بتفاوت في الألفاظ.


أوّل رحمة نزلت ، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة » (١).

وعن الصادق 7 : « من تطيّب بطيب أوّل النهار وهو صائم لم يفقد عقله » (٢).

وعن النبيّ 6 : « ما من صائم يحضر قوما وهم يطعمون إلاّ سبّحت أعضاؤه ، وكانت صلاة الملائكة عليه ، وكانت صلاتهم استغفارا » (٣).

باب :

قال ابن بابويه ; ، قال الصادق 7 : « من أمّ هذا البيت حاجّا أو معتمرا مبرّأ من الكبر ، وغمط الناس بطره ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه » (٤).

قلت : الكبر ، بطر الحقّ. وغمط الناس بطره : ردّه على قائله.

وغمص الناس : انتقاصهم ، وتقرأ « وغمط » بالغين المعجمة والطاء المهملة ، والأولى بالعين والصاد المهملتين.

وقال الصادق 7 : « من أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمر الله به ، وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا ، كان آمنا في الدنيا والآخرة » (٥).

ذكره في تفسير قوله تعالى : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٦).

قلت : ووجه الأمان في الدنيا بمعرفتهم أنّ من تمامها اعتقاد صحّة ما نهوا عنه ممّا يوجب حدّا يمنع من الإقدام عليه.

إن قلت : فقد رأينا العارف بهم في الدنيا مبغوضا مهضوما ومنغوصا مظلوما وخائفا مهموما ، ويعلم قطعا أن أكثر سبب ذلك معرفتهم.

قلت : الأمر المذكور لم يعيّن فيه زمان المأمون ، فجاز أن يكون الأمن الحاصل في

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٤ / ٢٣٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٥٩ ؛ الكافي ٤ : ٢٥٢ / ٢ ، باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهما ؛ التهذيب ٥ : ٢٣ / ٦٩. وليس في المصادر : « وغمط الناس بطره ».

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٦٠ ؛ التهذيب ٥ : ٤٥٢ / ١٥٧٩.

(٦) آل عمران (٣) : ٩٧.


الدنيا هو من عذاب الآخرة ، فإذا جاءت الآخرة لا يحزنهم الفزع الأكبر ، فتطابق الحالان ؛ ولأنّ من عرفهم حقّ معرفتهم التزم بطرائقهم ، ومن أكثر ما حثّوا عليه ورغّبوا فيه لزوم التقيّة ، فمن عمل بها وأخفى أمره عن أعدائهم أمنهم.

وقال 7 : « ومن قدم حاجّا فطاف بالبيت ، وصلّى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وكتب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم » (١).

وقال الصادق 7 : « إنّ لله تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة رحمة منها ستّون للطائفين ، وأربعون للمصلّين ، وعشرون للناظرين » (٢).

وقال أبو جعفر 7 : « من صلّى عند المقام ركعتين عدلتا عتق ستّ نسمات.

وطواف قبل الحجّ أفضل من سبعين طوافا بعد الحجّ » (٣).

وقال الصادق 7 : « ما من رجل من أهل كورة وقف بعرفة من المؤمنين إلاّ غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين » (٤).

قلت : الكورة هي المدينة والصقع ، وجمعها ، كور.

وقال الصادق 7 : « لا يزال العبد في حدّ الطائف بالكعبة ما دام شعر الحلق عليه » (٥).

قلت : المراد به الشعر النابت بعد الحلق ، أي ما لم يحلق ثانيا.

وروي « أنّ الحاجّ من حين يخرج من منزله حتّى يرجع ، بمنزلة الطائف بالكعبة » (٦).

وروي : « أنّه ما تقرّب إلى الله عزّ وجلّ بشيء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين ، وأنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١١ / ١ ، باب فضل الطواف ؛ الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٠ / ٢ ، باب فضل النظر إلى الكعبة ؛ الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٥.

(٣) الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٣٦ / ٥٨٤.

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠١.

(٦) الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠٢.

(٧) الفقيه ٢ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٦٠٩.


وقال رسول الله 6 : « كلّ نعيم مسئول عنه صاحبه إلاّ ما كان في غزو ، أو حجّ » (١).

وروي : « أنّ الحجّ أفضل من الصلاة والصيام » (٢).

فالجمع بينه وبين ما تقدّم ، من أنّ صلاة الفريضة خير من عشرين حجّة ، أن تكون الحجّة مجرّدة عن الصلاة.

وقال الصادق 7 : « من أنفق درهما في الحجّ كان خيرا له من مائة ألف درهم ينفقها في حقّ » (٣).

وروي : « أنّ درهما في الحجّ خير من ألف ألف درهم في غيره ، ودرهم يصل إلى الإمام مثل ألف ألف درهم في حجّ » (٤).

وروي : « أنّ هديّة الحاجّ من نفقة الحجّ » (٥).

وقال أبو جعفر 7 : « أتى آدم 7 هذا البيت ألف أتية على قدميه ، منها سبعمائة حجّة ، وثلاثمائة عمرة ، وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحجّ على ثور » (٦).

باب :

قال الله تعالى : ( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (٧).

وعن النبيّ 6 : « والذي نفسي بيده ، لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها » (٨).

وعنه 6 : « فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤٢ / ٦٢١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٤٣ / ٦٢٦.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٨.

(٥) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٩.

(٦) الفقيه ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٦٥١.

(٧) النساء (٤) : ٩٥.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢٨ ـ ١٠٢٩ / ٢٦٣٩ ، ٢٦٤١ كتاب الجهاد ؛ صحيح مسلم ٣ : ١٤٩٩ ـ ١٥٠٠ / ١١٢ ـ ١١٥ ، كتاب الإمارة.


فليس فوقه برّ. وفوق كلّ عقوق عقوق حتّى يقتل والديه ، فإذا قتل والديه فليس فوقه عقوق » (١).

وعنه 6 : « الجنّة تحت ظلال السيوف » (٢).

وقال علي 7 : « الجنّة تحت أطراف العوالي » (٣).

وعن النبيّ 6 : « رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه » (٤).

وروي عن الصادق 7 ، قال : « جاء رجل من خثعم إلى رسول الله 6 وقال : يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال : الإيمان بالله. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : صلة الرحم. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال ، فقال الرجل :

فأيّ الأعمال أبغض إلى الله عزّ وجلّ؟ قال : الشرك بالله. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : قطيعة الرحم. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (٥).

وعن النبيّ 6 : « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٢٢ / ٢٠٩ ؛ وأورد صدره في الكافي ٥ : ٥٣ / ٢ ، باب فضل الشهادة.

(٢) بحار الأنوار ٩٧ : ١٣ / ٢٧ ، نقلا عن صحيفة الإمام الرضا 7.

(٣) نهج البلاغة : ٢٣٧ ، الخطبة ١٢٤.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٥٢٠ / ١٦٣ ، كتاب الإمارة.

(٥) الكافي ٥ : ٥٨ / ٩ ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ التهذيب ٦ : ١٧٦ / ٣٥٥. في المصدرين : « الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف » بدل « ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».

(٦) التهذيب ٦ : ١٨١ / ٣٧٣.


الفصل الخامس

في الترهيب

روى الصدوق عن رسول الله 6 ، قال : « قال الله جلّ جلاله : أيّما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري ، وأيّما عبد عصاني وكلته إلى نفسه ، ثمّ لم أبال في أيّ واد هلك » (١).

وعن أبي جعفر الباقر 7 : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه » (٢).

وقال رسول الله 6 : « قال الله جلّ جلاله : إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلّطت عليه من خلقي من لا يعرفني » (٣).

وعن أبي الحسن موسى بن جعفر 7 أنّه قال لبعض ولده : « يا بنيّ إيّاك أن يراك الله عزّ وجلّ في معصية نهاك عنها ، وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، وعليك بالجدّ ، ولا تخرجنّ نفسك من التقصير عن عبادة الله ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ لا يعبد حقّ عبادته ، وإيّاك والمزاح ؛ فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ بمروءتك ، وإيّاك والكسل والضجر ؛ فإنّهما يمنعانك حظّك من الدنيا والآخرة » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٥.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٧.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٢.


قلت : سمّي المزاح مزاحا ؛ لأنّه أزيح عن الحقّ ، قال الشاعر :

لا يمزحنّ الرجال إن مزحوا

لم أر قوما تمازحوا سلموا

واعلم أنّه قد وجدت أحاديث في استحبابه لقول ابن عبّاس : مزح النبيّ 6 فصار المزح سنّة.

وقال 7 : « مزاح المؤمن عبادة ، وضحكه تسبيح » والجمع بينهما بكراهة الإفراط ، واستحباب غيره.

قال الأحنف : من ترك ممازحة أخيه فقد فارقه وإنّما يكره الإكثار منه وفي غير موضعه ومع الأعداء ، أمّا القليل مع الأحباب فسنّة.

وقال العيني : الإفراط في المزاح مجون ، والتفريط ندامة ، والاقتصاد تطرّف.

وعن الصادق 7 : « من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك شيطان ، ومن لم يبال أن يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان ، ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان ، ومن شغف بمحبّة الحرام وشهوة الزنى فهو شرك شيطان » (١).

قلت : شرك شيطان ، مخالطته في الجماع ، فيتولّد منهما ، ومن ثمّ استحبّت التسمية عنده.

والترة : البغض وأصلها القطع ، ومنه الوتر المنقطع بانفراده.

والشغف : بلوغ الحبّ إلى القلب. قال السدي : شغاف القلب غلافه. وقال الحسن : هو باطن القلب. وقال الجبّائي : هو وسط القلب (٢). وقال الأصمعي : هو داء يسيل من الصدر ، فيقال : إذا التقى بالطحال مات صاحبه (٣).

وروي بالعين المهملة ومعناه ، ذهب به الحبّ كلّ مذهب ، من شعف الجبال ، وهي رءوسها.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٩ / ٩٠٥.

(٢) التبيان ٦ : ١٢٩ ، ذيل الآية ٣٠ من يوسف (١٢).

(٣) لسان العرب ٩ : ١٧٩. « ش. غ. ف ».


وقال ابن زيد : وهو بالمعجمة الحبّ ، وبالمهملة البغض (١).

وإنّما كان بفعل هذه الأمور شرك شيطان لدلالتها على مهانته وخبث نفسه وسوء سريرته ، وذلك من خواصّ الشيطان.

وعن النبيّ 6 : « من تأمّل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك ، ومن حلف بغير الله فليس من الله في شيء. ونهى أن يقول الرجل للرجل : لا وحياتك وحياة فلان » (٢).

قلت : تأمّلها أي نظرها عن قصد.

ومن حلف بغير الله ، فقد أنزل ذلك الغير منزلة الله سبحانه ، وذلك نوع شرك ، ومنه الحلف بحياة فلان.

وقال 7 : « المؤمن لا يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام ، فمن كان مهاجرا لأخيه أكثر من ذلك كانت النار أولى به » (٣).

قلت : حمل الأخ هنا على أخ الولادة ، فإنّ مهاجرته قطيعة رحم ، وعلى ما هو أعمّ ؛ ليدخل فيه أخو الدين. ويكون ذكر الأولويّة فيه شديد في النهي عن المهاجرة ، أو تحمل المهاجرة على عدم الصلة بالنفس في موضع الدفع عنه ، أو بالمال في موضع وجوب بذله في فدائه من عطب أو سغب ، حيث لا وجه له سوى مال أخيه.

وقال 7 : « من مدح سلطانا جائرا ، أو تحفّف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار » (٤).

قلت : مدحه على جوره ، وذلك لرضائه ، والرضى بالجور قبيح ، أو مدحه مدحا لا يستحقّه لعدم اتّصافه بموجبه.

وتحفّف ـ بالحاء المهملة ـ أي تلطّف ، يقال : حفا فلان بفلان إذا برّه وألطفه. ومنه

__________________

(١) التبيان ٦ : ١٢٩ ، ذيل الآية ٣٠ من يوسف (١٢).

(٢) الفقيه ٤ : ٥ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٥ / ١ ، بتفاوت.

(٤) الفقيه ٤ : ٦ / ١.


( إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ) (١). فقيل : لطيفا ، وقيل : عالما (٢). ويحتمل كون التحفيف هنا بمعنى الإحداق والإحاطة ، ومنه ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) (٣). فعن قتادة والسدي يطوفون حوله (٤).

وتضعضع : تذلّل وتساقط عن منزلته ، وفي ذلك كلّه ترك التكبّر الواجب عليه.

قال أمير المؤمنين 7 : « أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة » (٥) وترك التكبّر على أهل المعاصي من الذنوب الكبار ؛ فلهذا كان قرينه في النار.

وقال 7 : « من بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار تشعل ، ثمّ يطوّق في عنقه ويلقى في النار ، ولا يحبسه شيء دون قعرها إلاّ أن يتوب.

قيل يا رسول الله : كيف يبني رياء وسمعة؟ قال : يبني فضلا عمّا يكفيه استطالة منه على جيرانه ومباهاة لإخوانه » (٦).

وقال 7 : « من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله يوم القيامة مغلولا ، يسلّط الله عليه بكلّ آية منه حيّة تكون قرينه إلى النار إلاّ أنّ يغفر له » (٧).

قلت : حفظ القرآن واجب على الكفاية فالنسيان هنا محمول على وقوعه اختيارا من ظنّ عدم قيام غيره مقامه. فيذهب التوعّد من النبيّ عند عدم أحد القيدين.

والمراد بالنسيان فعل سببه ، وهو عدم التكرار الموجب للنسيان ، فهو لازم لفعل العبد لكونه ليس مقدورا على الأصحّ ، ولهذا يقع للعبد وإن كرهه ، وينتفي عنه وإن أراده.

ولمّا كان فعل العبد تبعا لداعيه ، وليس النسيان تبعا لداعيه ، كان فعل العبد ليس

__________________

(١) مريم (١٩) : ٤٧.

(٢) التبيان ٧ : ١١٦ ـ ١١٧ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة مريم (١٩).

(٣) الزمر (٣٩) : ٧٥.

(٤) مجمع البيان ٨ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٥ من سورة الزمر (٣٩).

(٥) التهذيب ٦ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ٣٥٦.

(٦) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٧) الفقيه ٤ : ٦ / ١.


نسيانا ، وينعكس إلى [ أنّ ] النسيان ليس فعلا للعبد ، ومع ذلك يجوز أن يراد بنسيانه ترك العمل به ، فقد ورد في الحديث : « إنّ الله أنزل القرآن لتعملوا به فاتّخذوه علما » (١).

وقال 7 : « من قرأ القرآن ثمّ شرب عليه حراما ، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها استوجب عليه سخط الله إلاّ أن يتوب » (٢).

وقال 7 : « من زنى بامرأة ثمّ لم يتب منه فتح الله له في قبره ثلاثمائة باب يخرج منها عقارب وحيّات وثعبان النار ، فهو يحرق إلى يوم القيامة ، فإذا بعث من قبره تأذّى الناس من نتن ريحه ، فيعرف بذلك » (٣).

باب :

وقال 7 : « من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان » (٤).

قلت : عليه بظلمها ذلك عقاب الزناة في الآخرة. هذا ـ والله أعلم ـ هو المراد هنا ، ولا يحدّ على ذلك في الدنيا حدّ الزناة ، بل يعزّر إذا علم الناس ظلمه.

وقال 7 في الخمر : « من شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما ، فإن مات وفي بطنه شيء من ذلك كان حقّا على الله أن يسقيه من طينة خبال ، وهي صديد أهل النار ، وما يخرج من فروج الزناة » (٥).

قلت : قوله : حقّا على الله ، أي لله فإنّ « عليه » تأتي بمعنى « له » مثل : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (٦) ؛ لأنّ العفو عندنا عن الفاسق جائز ، فلو كان عقابه حقّا على الله لامتنع العفو عنه ، وهو باطل ، كما قرّر في الأصول.

أو تقول : ذكر ذلك تشديدا وتفخيما لحال الخمر ، أو يحمل على المستحلّ ، إلاّ أنّ

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٧ / ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٤ / ١.

(٦) المائدة (٥) : ٤.


قرينة عدم قبول صلاته أربعين يوما يضعّفه.

وقال 7 : « ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ، والله يستخفّ به يوم القيامة إلاّ أن يتوب » (١).

وقال 7 : « من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار إلاّ أن يتوب ويرجع » (٢).

وقال 7 : « من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكله الله إلى نفسه ، ومن وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله! » (٣).

قلت : قال الله سبحانه في معرض الوعيد بالويل ( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (٤).

فعن عليّ 7 وابن عمر وقتادة والضحّاك : هو الزكاة المفروضة (٥).

وعن ابن مسعود وابن عباس وابن جبير. هو ما يتعاور الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر ، وما لا يمنع كالماء والملح (٦) ، وهذا أشدّ مطابقة لمعنى الحديث لقرينة الجار ، ويكون محمولا على المنع من وجوب الدفع كحال الضرورة.

وقال 7 : « أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله عزّ وجلّ منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتى ترضيه وإن صامت نهارها وقامت ليلها ، وكانت أوّل من ترد النار. وكذلك الرجل إذا كان لها ظالما » (٧).

قلت : قال يونس : الصرف الحيلة ، والعدل ، الفداء (٨).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٧ / ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٤) الماعون (١٠٧) : ٦ و ٧.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٨ ذيل الآية ٧ من سورة الماعون (١٠٧).

(٦) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٨ ذيل الآية ٧ من سورة الماعون (١٠٧).

(٧) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٨) تاج العروس ٢٤ : ١٢ ، « ص. ر. ف ».


وقال 7 : « من بات وفي قلبه غشّ لأخيه المسلم بات في سخط الله ، وأصبح كذلك حتى يتوب » (١).

وقال 7 : « من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه ، ونقض وضوؤه ، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة ، يتأذّى بها أهل الموقف » (٢).

وقال 7 : « من خان أمانة في الدنيا ولم يردّها إلى أهلها ، ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي ، ويلقى الله وهو عليه غضبان » (٣).

قلت : لأنّ من ملّته 7 وجوب أداء الأمانة لقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٤).

فمن لم يؤدّها فقد أخلّ بشيء من الملّة. والظاهر من الملّة أنّه مات على غير الإسلام ، فيحمل على المستحلّ.

وقال 7 : « من شهد شهادة زور على أحد من الناس علّق بلسانه مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار » (٥).

وقال 7 : « من سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها » (٦).

قلت لاشتراكهما في إشاعتها ، أحدهما بفعلها ، والآخر بحكايتها ، فيدخل في عموم ( الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ ) (٧).

وقال 7 : « من احتاج إليه أخوه المسلم في قرض ، وهو يقدر عليه فلم يفعل حرّم الله عليه ريح الجنّة » (٨).

قلت : هو محمول على منع القرض في موضع الضرورة ، وقد سلف.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٤) النساء (٤) : ٥٨.

(٥) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٧) النور (٢٤) : ١٩.

(٨) الفقيه ٤ : ٩ / ١.


وقال : 7 : « أيّما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم يقبل الله منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان » (١).

باب :

روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى النبيّ 6 قال : « لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ، هائبا له ما حافظ على الصلوات الخمس ، فإذا ضيّعهنّ اجترأ عليه » (٢).

وعن أبي عبد الله 7 أنّه قال : « ليس من عبد إلاّ يوقظ في كلّ ليلة مرّة أو مرّتين أو مرارا ، فإن قام كان ذلك ، وإلاّ فحج الشيطان فبال في أذنه » (٣).

قلت : كان ذلك نوع اكتفاء ، أي كان ذلك القيام مسلبا عنه الشيطان ، أو مجلبا له الإحسان ونحوه. والله أعلم.

وعن أبي حمزة الثمالي قال : رأيت عليّ بن الحسين 7 يصلّي فسقط رداؤه عن منكبه فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلك فقال 7 : « ويحك ، أتدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل منه من صلاته إلاّ ما أقبل فيها بقلبه ».

فقلت : جعلت فداك هلكنا ، فقال : « كلاّ إنّ الله يتمّ ذلك بالنوافل » (٤).

وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 أنّهما قالا : « إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها ، فإنّ أوهمها كلّها ، أو غفل عن أدائها لفّت فضرب بها وجه صاحبها » (٥).

قلت : يمكن أن يراد بالملفوفة هنا ناقصة الثواب ، لا العارية عنه ؛ لإجزائها عند الفقهاء إلاّ من شذّ من العامّة وبعض الصوفية ، كيف؟ وقد حصلت بنيّة التقرّب المستلزمة للثواب مع تمام العمليّة.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٩ / ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٦ / ٩٣٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٤ / ١٣٧٨ ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ١ : ٣٠٣ / ١٣٨٥ ، وليس فيه : « أو مرارا ».

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١٤١٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٤٢ / ١٤١٧ ؛ الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٤ ، باب ما يقبل من صلاة الساهي.


وعن عبد الله الحلبي قال : سألت أبا عبد الله 7 عن السهو فإنّه يكثر عليّ ، فقال : « أدرج صلاتك إدراجا ». قلت : وأيّ شيء الإدراج؟ قال : « ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود » (١).

وروى محمد بن يعقوب بإسناده إلى أبي عبد الله 7 قال : « قال رسول الله : اتّقوا الظلم ؛ فإنّه ظلمات يوم القيامة » (٢).

وعن أبي جعفر 7 : « ما من أحد يظلم بمظلمة إلاّ أخذ الله عزّ وجلّ بها في نفسه ، أو من ماله » (٣).

وعن أبي عبد الله 7 : « من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه ، أو على عقب عقبه ». قال الراوي ـ وهو عبد الأعلى مولى آل سام ـ : يظلم هو فيسلّط على عقبه أو عقب عقبه؟ فقال : « إنّ الله تعالى يقول : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) » (٤).

قلت : قال الإمام موسى بن جعفر 7 : « معنى ليخش : إن أخلفه في ذرّيّته ، كما صنع بهؤلاء اليتامى » (٥).

وأقول : إنّ سؤال الراوي وارد على الآية أيضا ، فلا بدّ من التأويل بمنع الألطاف الزائدة على الواجب ، أو يكلهم إلى أنفسهم فلم يتوفّقوا لما يرفع ذلك عنهم. ولقائل أن يقول : الزائد من الألطاف على الواجب لا يجوز كونه لطفا في واجب ، فإنّ لطف الواجب واجب ، وإذا كان لطفا فيه ندب ، فتركوه ، فتركوا الندب ، لم يعاقبوا بالتسليط.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٥ ؛ الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٩ ، باب من شكّ في صلاته كلّها و .... في المصدرين : « عبيد الله » بدل عبد الله ».

(٢) الكافي ٢ : ٣٣٢ / ١٠ و ١١ ، باب الظلم.

(٣) الكافي ٢ : ٣٣٢ / ١٢ ، باب الظلم.

(٤) الكافي ٢ : ٣٣٢ / ١٣ ، باب الظلم ، والآية في سورة النساء (٤) : ٩.

(٥) مجمع البيان ٣ : ١٢ ذيل الآية ٩ من سورة النساء (٤) ورواه عن أبي عبد الله في الكافي ٥ : ١٢٨ / ١ ، باب أكل مال اليتيم ؛ ومرسلا في الفقيه ٣ : ٣٧٣ / ١٧٥٩.


قلنا : جاز كون التسليط منفردا ، إمّا بعوض من الظالم يوازي ظلمه ، وتكون العقوبة في تعجيل ألم الظالم ، فلا ظلم من الله سبحانه.

والقول السديد : هو المليح الصواب الخالي من الخلل المطابق للشرع.

وعن أبي عبد الله 7 : « إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّ من الأنبياء ـ وكان في مملكة جبّار من الجبابرة ـ أن ائت هذا الجبّار فقل له : إنّي لم أستعملك على سفك الدماء ، واتّخاذ الأموال ، وإنّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين ؛ فإنّي لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّارا » (١).

وعن أبي جعفر 7 قال : « إنّ الله عزّ وجلّ ، جعل للشرّ أقفالا ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب » (٢).

قلت : ويعضده ما روي عنه 7 : « شارب الخمر زمامه بيد الشيطان ، لو أمره أن يسجد للأوثان سجد » (٣).

وعن أبي جعفر 7 : « إنّ الكذب هو خراب الإيمان » (٤).

وعن أبي عبد الله 7 : « من لقي المسلمين بوجهين ولسانين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار » (٥).

باب :

وعنه 7 : « لا يفترق رجلان على الهجران إلاّ استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استوجب ذلك كلاهما ». قال معتّب : جعلت فداك ، هذا الظالم فما بال المظلوم؟ قال : « لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته » (٦).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٣٣ / ١٤ ، باب الظلم.

(٢) الكافي ٢ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ / ٣ ، باب الكذب ، ورواه عن أبي عبد الله بتفاوت في ٦ : ٤٠٣ / ٥ ، باب أنّ الخمر رأس كلّ إثم وشرّ.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٣٤٧. فيه : « والسكران زمامه » بدل « شارب الخمر زمامه ».

(٤) الكافي ٢ : ٣٣٩ / ٤ ، باب الكذب.

(٥) الكافي ٢ : ٣٤٣ / ١ ، باب ذي اللسانين.

(٦) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ١ ، باب الهجرة.


وعنه 7 قال ، قال رسول الله 6 : « لا هجرة فوق ثلاث » (١).

وعن داود بن كثير ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « قال أبي 7 ، قال رسول الله 6 : أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلاّ كانا خارجين من الإسلام ، ولم يكن بينهما ولاية ، فأيّهما سبق إلى كلام صاحبه كان السابق إلى الجنّة يوم القيامة » (٢).

قلت : يلزم من خروجهما من الإسلام خروجهما من الإيمان ؛ لأنّ الخارج من الأعمّ خارج من الأخصّ ، كما أنّ الداخل في الأخصّ داخل في الأعمّ ؛ لما علم من أنّ عدم الأعمّ أخصّ من عدم الأخصّ.

ويحمل خروجهما بذلك من الإسلام على الخروج من الإسلام الكامل ، أو على الاستحلال بأن يعتقد عدم مشروعيّة التواصل المجمع عليه ، ومن أنكر مجمعا عليه خرج من الإسلام.

وعن زرارة عن أبي جعفر 7 ، قال : « إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهما عن دينه ، فإذا فعلا ذلك استلقى على قفاه ومدّ يده ـ ثمّ قال ـ : فزت ، فرحم الله امرأ ألّف بين وليّين لنا. يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا » (٣).

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله 7 : « لا يزال إبليس فرحا ما تهاجر المسلمان ، فإذا التقيا اصطكّت ركبتاه ، وتخلّعت أوصاله ، ونادى : يا ويله ما لقي من الثبور » (٤).

قلت : الصكّ ، الضرب باعتماد شديد ، ومنه الصكك ، وهو أن تصطكّ ركبتا الرجل.

والويل : قيل : واد في جهنّم (٥). نعوذ بالله منهما.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ٢ ، باب الهجرة.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٥ ، باب الهجرة.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٦ ، باب الهجرة.

(٤) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٧ ، باب الهجرة.

(٥) مجمع البيان ١ : ١٤٦ ، ذيل الآية ٧٩ من سورة البقرة (٢).


والثبور : الهلاك. ومنه ( فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ) (١) أي هلاكا ، إذا قرأ كتابه فيقول :

وا ثبوراه وا هلاكاه.

وعنه 7 قال : « قال رسول الله 6 : ألا وإنّ التباغض الحالقة ، لا أعني حالقة الشعر ، ولكن حالقة الدين » (٢).

قلت : الظاهر أنّ الحالقة هي القاطعة المذهبة ، لقوله : لا أعني حالقة الشعر ، وهو من التحليق ، وهو الارتفاع كأنّها رفعت الأجل ونحوه.

وعنه 7 : « اتّقوا الحالقة ؛ فإنّها تميت الرجل ». قلت : وما الحالقة؟ قال : « قطيعة الرحم » (٣).

وعن أبي جعفر 7 قال : « في كتاب عليّ 7 ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبدا حتّى يرى وبالهنّ : البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة ، يبارز الله بها. وإنّ أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّارا فيتواصلون فتنمو أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة ، وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها » (٤).

قلت : الوبال : الثقل وكلّ ثقيل و ... وهو ما يغلظ على النفس.

والوبل ، المطر العظيم القطر.

والبغي : هو الطلب ، وهو هنا طلب الفساد والعمل به.

والثروة : الاتّساع في الأموال والآجال ، وأصله من عين ثرّة إذا كانت كثيرة الماء ، قال الأخطل :

لعمري لقد لاقت سليم وعامر

على جانب الثّرثار راغية البكر(٥)

والثرثار ، نهر معيّن.

وراغية البكر ، أراد أنّ بكر ثمود رغا فيهم فهلكوا ، فضربته العرب مثلا.

__________________

(١) الانشقاق (٨٤) : ١١.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ١ ، باب قطيعة الرحم.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٢ ، باب قطيعة الرحم.

(٤) الكافي ٢ : ٣٤٧ / ٤ ، باب قطيعة الرحم.

(٥) لسان العرب ٤ : ١٠٢ ، « ث. ر. ر ».


والبلقع ، الخراب.

وعن أبي الحسن 7 قال : « قال رسول الله 6 : كن بارّا واقتصر على الجنّة ، فإن كنت عاقّا فظّا غليظا فاقتصر على النار » (١).

قلت : الفظاظة : الجفوة وخشونة الكلام.

والغلظة ، قساوة القلب وعدم رحمته.

والظاهر من قوله : « واقتصر » في الموضعين ، أنّ هاتين الخصلتين يحصلان بهما.

وعن أبي عبد الله 7 قال : « إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنّة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام إلاّ صنفا واحدا ، وهم العاقّ لوالديه » (٢).

وعن أبان بن تغلب عن أبي جعفر 7 قال : « ليلة أسري بالنبيّ 6 قال : يا ربّ ، ما حال المؤمنين عندك؟ قال : يا محمّد ، من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة ، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي. وما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي عن وفاة عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته. وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلح له إلاّ الغنى ، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك. وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلح له إلاّ الفقر ، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك. وما يتقرّب عبدي إليّ بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه ، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن سكت ابتدأته » (٣).

قلت : وفي بعض النسخ زيادة : « إن شئت شاء ، وإن شاء شئت » والتردّد على الله سبحانه محال ؛ لأنّه ينشأ من عدم العلم بوجوه المصالح ، فيحمل على إضمار شيء

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٨ / ٢ ، باب العقوق.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٨ / ٣ ، باب العقوق.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥٢ / ٨ ، باب من أذى المسلمين واحتقرهم.


هو : « لو كنت ممّن يتردّد ونحوه ما تردّدت في شيء مثل تردّدي في وفاة المؤمن لعظم حاله عندي ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ، وهذان يوجبان التردّد في وفاته لو كنت ممّن يتردّد ».

ووجدنا بخطّ المصنّف ـ رفع الله درجته ـ عن الصادق 7 قال : « قال رسول الله 6 : لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عزّ وجلّ ريحين ، ريحا يقال لها : المنسية ، وريحا يقال لها : المسخية ، فالمنسية تنسيه أهله وماله ، والمسخية تسخي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند الله » (١).

وقوله : إنّ من عبادي إلى آخره يجري مجرى جواب سؤال مقدّر تقريره : لو كان للمؤمن عند الله منزلة لم يفقر بعضهم حتّى يذوق غصص الاحتياج ، ولم يغن بعضهم حتّى يطغى بسبب غنائه.

فالجواب : أنّ الله عالم بمصالح عباده ، فيعلم أنّه لو أغنى الفقير أو أفقر الغنيّ ، لزم منه الفساد أضعافا ، ذلك بأن يحدث من الفقر أنواع السرقات والخيانات ، ومن الغنى أنواع المعاصي والطغيانات.

وقوله : كنت سمعه وبصره ولسانه ويده هذه استعارة لجعل تصرّفات هذه الجوارح مخصوصة بالله تعالى ، إذ من المحال أن يكون البارئ عزّ وجلّ عبارة عن هذه الجوارح ، أو حالاّ فيها ، ولكن لمّا بذل العبد جهده في طاعة الله وفني عن كلّ ما سواه حتّى فني عن نفسه ، وعن كلّ مرام استحقّ من الله هذا المقام.

وحاصل المقصود ، أنّ المراد تخلية القلب من كلّ شيء سوى الله ، وذلك إنّما هو بالفناء عن كلّ ما عداه ، ولهذا الفناء قال بعض الصوفية : ما في الجبّة إلاّ الله ، وليس المراد الحلول والاتّحاد لامتناعهما ، بل لأنّ العبد فني عن كلّ شيء سوى الله حتّى فني عن نفسه فلا يشعر بها ، فصارت تصرّفاته بتلك الجوارح متوجّهة إليه ، وتردّداتها في

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، باب معنى الريح المنسية والمسخية.


مهمّاته مقصورة عليه ، ولهذا قال في النسخة الأخرى : « إن شئت شاء ، وإن شاء شئت » أي لا توجد من أحدهما مشيئة تخالف مشيئة الآخر ، بل لهم مرتبة أعلى من هذه ، وهي رفع مشيئة العبد بالإطلاق ؛ لأنّ له مع الأولى تصرّف بخلاف هذه.

ولهذا قيل لبعضهم : ما تريد؟ قال : أريد أن لا أريد ، يعني أريد أن تفني إرادتي ، فلا أريد شيئا البتّة ، وفي ذلك زوال الأمراض عن القلوب ، وترك الاعتراض بحكم الربّ المحبوب. أدرجنا الله في مراتب السالكين ، وأخرجنا من مذاهب الهالكين ، بمحمّد وآله وصحابته والتابعين ، سلام الله عليهم أجمعين.

باب :

روى الصدوق (١) أيضا بإسناده إلى إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « قال رسول الله 6 : يا معشر من أسلم بلسانه ، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه ، لا تذمّوا المسلمين ، ولا تتبّعوا عوراتهم ، فإنّ من اتّبع عوراتهم تتبّع الله عزّ وجلّ عورته ، ومن تتبّع الله عزّ وجلّ عورته يفضحه ولو في بيته » (٢).

وعن أبي عبد الله 7 قال : « قال رسول الله 6 : من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ، ومن عيّر مؤمنا بشيء لم يمت حتّى يرتكبه » (٣).

وعن أبي عبد الله 7 : « من لقي أخاه بما يؤنّبه أنّبه الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة » (٤).

قلت : أنّبه ، أي لامه وعنّفه وأزرى عليه وأعتبه. ومنه قول السيّد الحميري :

وعاذلة هبّت بليل تؤنّب ...

__________________

(١) لعلّ هذا من سبق القلم والصحيح : « روى الكليني أيضا » لأنّ ما قبله من الروايات برواية الكليني ؛ ولم نعثر في أحاديث هذا الباب على رواية الصدوق إلاّ الحديث الأوّل والثاني ، والأوّل بسند آخر.

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٤ / ٢ ، باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم ؛ ورواه الصدوق بسند آخر في عقاب الأعمال : ٢٨٨ / ١.

(٣) عقاب الأعمال : ٢٩٥ / ٢ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٦ / ٢ ، باب التعيير.

(٤) الكافي ٢ : ٣٥٦ / ١ ، باب التعيير.


يعني بالعاذلة : أمّه.

باب :

وبإسناد الصدوق إلى رسول الله 6 قال : « الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث ». قيل : يا رسول الله ، وما الحدث؟ قال : « الاغتياب » (١).

وعن أبي عبد الله 7 قال : « من قال في مؤمن ما رأته عيناه ، وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢) ».

وعن أبي عبد الله 7 ؛ قال « سئل النبيّ 6 ما كفّارة الاغتياب؟ قال : تستغفر لمن اغتبته كلّما ذكرته » (٣).

قلت : يحتمل كلّما اغتبته ؛ لقوله تعالى : ( سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ) (٤) أي يذكرهم بسوء أو يعيبهم. ويحتمل كلّما خطر ببالك أو بلسانك ، والأوّل أظهر ؛ لأن الخطور بذينيك لا يوجب كفّارة جديدة. إذا لم يستصحب غيبة.

نعم ، إن كان المقصود بالكفّارة هنا التوبة أمكن ، ويجب تجديدها كلّما ذكره ، كما هو مذهب أبي علي (٥) ، وعدمه كما هو مذهب أبي هاشم (٦).

وتشكّك النصير الطوسي ; في ذلك (٧).

وعن أبي عبد الله 7 : « الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، والبهتان أن

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٣٤٢ / ١١ ، المجلس ٦٥ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ / ١ ، باب الغيبة والبهت.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٧٦ / ١٦ ، المجلس ٥٤ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٧ / ٢ ، باب الغيبة والبهت. والآية في النور (٢٤) : ١٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢٤ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٧ / ٤ ، باب الغيبة والبهت.

(٤) الأنبياء (٢١) : ٦٠.

(٥) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٤٢٢.

(٦) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٤٢٢.

(٧) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٤٢٢. قال. « وفي الوجوب التجديد إشكال ».


تقول فيه ما ليس فيه » (١).

وعن المفضّل بن عمر قال ، قال أبو عبد الله 7 : « من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه ، وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله عزّ وجلّ من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان » (٢).

وعن أبي عبد الله 7 : « لا تبدي الشماتة لأخيك في; عزّ وجلّ ويحلّها بك. وقال : « من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتّى تصيبه » (٣).

وعن أبي حمزة عن أحدهما 8 قال : سمعته يقول : « إنّ اللعنة إذا خرجت من في صاحبها تردّدت ، فإن وجدت مساغا ، وإلاّ رجعت على صاحبها » (٤).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله 7 ، قال : « إنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل » (٥).

وعن معروف بن خرّبوذ عن أبي جعفر 7 قال : « صلّى أمير المؤمنين 7 بالناس الصبح بالعراق ، فلمّا انصرف وعظهم وبكى وأبكاهم من خوف الله عزّ وجلّ ، ثمّ قال : أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله 6 وإنّهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا ، بين أعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربّهم سجّدا وقياما ، يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، يناجون ربّهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار. والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون » (٦).

هذا آخر كلامه رحمة الله عليه ، ولعنة الله على من ظلمه.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ / ١٧ ، المجلس ٥٤ ؛ الكافي ٢ : ٣٥٨ / ٧ ، باب الغيبة والبهت.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٩٣ / ١٧ ، المجلس ٧٣ ، وليس فيه : « فلا يقبله الشيطان » ؛ الكافي ٢ : ٣٥٨ / ١ ، باب الرواية على المؤمن.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥٩ / ١ ، باب الشماتة.

(٤) عقاب الأعمال : ٣٢٠ / ١ ؛ الكافي ٢ : ٣٦٠ / ٦ ، باب السباب.

(٥) الكافي ٢ : ٣٢١ / ١ ، باب سوء الخلق.

(٦) الكافي ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٢١ ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.


قلت : الشعث ، في الرأس ، والغبرة في الوجه ، والخمص إخلاء الجوف.

وهذه غاية المقالة ونهاية الرسالة ، أدرج الله مؤلّفها في زمرة مصنّفها ، ونسأل العابرين على خصائصها ، والعاثرين على نقائصها ، التجاوز والإعراض عن الإرماض ، والنظر بعين الإغماض عن الأمراض ، فإنّي ألّفتها ، والمكان للحتوف غار [ كذا ] ، والزمان من الإنصاف عار ، ونسأل من الله الكريم ذي الفضل الجسيم أن يجعل ثوابها لدفع مقلوب اللّقى ، وإن كانت كالشيء اللّقى فإنّ الموصوف بالجليل الكبير. يجازي على القليل بالكثير.

وافق الفراغ من جمعها ضحوة الجمعة الفاخرة لعشر خلت من ربيع الآخرة سنة أربع وأربعين تزيد على ثمانمائة [٨٤٤] من هجرة سيّد المرسلين سلام الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين آمين. والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين (١).

__________________

(١) إنهاء النسخة الخطّيّة : « تمّت الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة ضحوة نهار الثلثاء خامس عشرين شهر صفر الخير سنة اثنين وتسعمائة [٩٠٢] بقلم العبد الفقير إلى رحمة ربّه العليم القدير جعفر بن محمّد بن حمزة بن عبد الله بن زهرة الحسيني غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ».


(٣)

الباقيات الصالحات

للشهيد الأوّل



بسم الله الرحمن الرحيم

معنى سبحان الله : تنزيهه سبحانه وتعالى عن السوء وبراءته من الفحشاء ، ويدخل في ذلك جميع صفاته السلبية كنفي الحدوث والإمكان والحاجة والعجز والجهل والجسميّة والعرضيّة والتحيّز والجوهرية والحلول في محلّ أو جهة والاتّحاد والصاحبة والولد.

ومعنى الحمدلله : الثناء على الله بذكر آلائه ونعمه التي لا تحدّ ولا تعدّ.

فمنها : خلق الخلق من سماء وأرض وفلك وملك وحيوان ؛ وخلق العقل الفارق به بين الصحيح والفاسد والحقّ والباطل ؛ وابتعاث الأنبياء والأوصياء : ، وختمهم بأوصياء نبيّنا محمّد المفتتحين بسيّد الوصيّين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : ، المختتمين بسيّد الأمناء أبي القاسم المهدي 7.

ثمّ خلق أصول النعم التي هي الحياة والقدرة والشهوة والنفرة والعقل والإدراك والإيجاد.

ثمّ خلق فروعها المشتهيات والملذّات ، حتّى أنّه ليس نفس يمضي إلاّ وفيه لله نعمة يجب شكرها ، حتّى أنّ شكر نعم الله من نعمه التى يجب شكرها.

ومن ذلك تصديق النبيّ 9 في جميع ما جاء به من الحشر والنشر والمعاد والجنّة والنار والصراط والميزان والحور والولدان.


ومعنى لا إله إلاّ الله : تنزيهه عن الشريك والمثل والضدّ والندّ والمناوي والمنافي ، وفيه بطلان قول اليهود والنصارى والثنويّة وعبّاد الأصنام والأوثان والصلبان والكواكب. وهي الشهادة التي من قالها مخلصا دخل الجنّة.

ومعنى الله أكبر : إثبات صفات الكمال له تعالى ، مثل : الوجود والوجوب والقدرة والعلم والأزليّة والأبديّة والبقاء والسرمديّة والسمع والبصر والإدراك ، وكونه عدلا حكيما جارية أفعاله على وفق الحكمة والصواب ، وأنّه لا يستطيع أحد الاطّلاع على كنه ذاته تعالى ولا على صفة من صفاته ؛ فهو أكبر من أن يوصف أو يبلغه وصف الواصفين ، فلا يعلم ما هو إلاّ هو.

وهذه الكلمات الأربع تشتمل على أصول الإيمان الخمسة : أعني : التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، فمن حصّلها حصّل الإيمان وهنّ الباقيات الصالحات.

والحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.


(٤)

الكلمات النافعات

في

شرح الباقيات الصالحات

للعلاّمة البياضي



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله واهب العقول والقدر ، المجري على خلقه القضاء والقدر ، والصلاة على أشرف المرسلين من لدن الطف المرسلين محمّد المبعوث إلى أوسط أمّة ، المنعوتة لكرامته عند الله باسم أمّه (١) ، وعلى ذرّيّته المنتجبين وعترته المنتخبين ، ما فسح الضياء غماما ونسخ الضياء ظلاما.

أمّا بعد : فلمّا وقفت على تفسير الكلمات الأربع ، وأينع حماي به وأربع من تصانيف علاّمة الزمان ، المبرز على جميع الأقران المترقّي عن حضيض المجاز إلى أوج الحقيقة ، المتمسّك من الدين القيّم بأوضح طريقة ، الشيخ السعيد أبي عبد الله الشهيد.

ولمّا كان مجملا يحتاج إلى البيان ، أشار إليّ بعض الإخوان ، أن أصنع له تفصيلا بحسب الإمكان ، فأجبته إليه مع علمي بقصور علمي ، وجزمي بضعف عزمي ؛ ملتمسا من الناظر فيه ستر العيوب ؛ لوجه علاّم الغيوب ، وسأضع لهذه الفائدة أربع مراصد : بعد أن أعتمد على العزيز الواحد.

__________________

(١) إشارة إلى ( النبيّ الأمّي ).



المرصد الأوّل

في معنى « سبحان الله »

قال : ( معنى « سبحان الله » : تنزيهه تعالى عن السوء وبراءته من الفحشاء ).

أقول : التنزيه لغة : التباعد عن المياه (١) ، يقال : سقيت إبلي ثمّ نزّهتها ، وهذا هو المراد هنا ، ولهذا أشفع المصنّف هذه اللفظة بقوله : « وبراءته » ؛ لأنّها أختها فإنّ البراءة من الشيء البعد عنه والتخلّص منه.

إن قلت : إنّ كلام المصنّف خرج مخرج المدح لله سبحانه ، وهو إنّما يكون متعلّقا بما يمكن إثباته للممدوح ، ثمّ لا يوصف به لكماله ، والسوء والفحشاء مستحيلان عليه تعالى ، ولا مدح بنفي المستحيل.

قلت : هذا مستحيل نظرا ، أي وقوعه ، وليس بمستحيل بالنظر إلى ذاته بل لعدم الداعي ؛ على أنّه يستعمل في الارتفاع عن المتنزّه عنه مطلقا ، سواء كان واجبا أو جائزا ، فإنّ الله تعالى تمدّح بنفي الرؤية في قوله : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (٢) ، مع

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٤٢٢ ؛ المصباح المنير ٢ : ٣٠٦ ، « ن. ز. ه‍ ».

(٢) الأنعام (٦) : ١٠٣.


استحالتها عليه على المذهب الحقّ.

إن قلت : السوء والفحشاء مؤدّيان بعود المعنى إلى كونه لا يفعل قبيحا ولا يخلّ بواجب ، فكان من حقّه أن يصفه بذكر ما يناسب العدل ، لا بما وصفه من السلوب.

قلت : هذه أكبر سوء من ذينك ، فإنّه لو لم يتنزّه عن هذه لزمته تلك ؛ فإنّه لو لا نفي الحدوث والإمكان والحاجة والعجز والجهل لما انفكّ من فعل القبيح غالبا ؛ لمكان الجهل والحاجة ، وكذلك سائرها ، على أنّ نفي الحاجة يستلزم نفي البواقي ، فلو اقتصر المصنّف ; عليه جاز ، غير أنّه يكون غاية في الإيجاز إلاّ أنّ إدراك الملزوم من لازمه لا يتفطّن له إلاّ الفكر المستقيم.

ثمّ اعلم : أنّ سلب هذه المذكورات عنه تعالى مبنيّ على إثبات الوجوب له ، فإنّ كلّ واحدة منها تنافي الوجوب الثابت له ، فيجب نفيها ، ضرورة أنّ ثبوت أحد المتنافيين لذات ما يستلزم نفي الآخر عنها من غير عكس.

فائدة :

لمّا نزل قوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ) (١) قالت اليهود : إنّ الله فقير يستقرض منّا ونحن أغنياء. عن الحسن ومجاهد (٢). فأنزل سبحانه : ( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا ) (٣).

وعن عكرمة والسدي ومقاتل ومحمّد بن إسحاق :

أنّ النبيّ 6 بعث أبا بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا ، فدخل مدراسهم فوجد ناسا كثيرا منهم قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال : فنحاص بن عازورا فدعاهم إلى الإسلام والصلاة والزكاة ، فقال فنحاص : إن كان ما تقول حقّا فإنّ الله إذا لفقير ونحن أغنياء ، ولو كان غنيّا لما استقرضنا أموالنا! فغضب أبو بكر وضرب وجهه فأنزل الله هذه الآية (٤).

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٤٥ ؛ الحديد (٥٧) : ١١.

(٢) حكاه عنهما في مجمع البيان ٢ : ٤٦٠ ؛ التبيان ٢ : ٢٨٧.

(٣) آل عمران (٣) : ١٨١.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٤٦٠.


وكلامهم هذا سخيف جدّا ، مردود عقلا وسمعا.

أمّا سمعا : فللآية المذكورة.

وأمّا عقلا : فلأنّه لو كان المراد وصول القرض إليه لاستحال الإقراض ؛ لاستحالة الإشارة الحسّيّة عليه ، فيكون الحثّ قد تعلّق بممتنع الحصول ، بل المراد ذوي الحاجات ، وأرباب الفاقات الذين فرضت لهم الصدقات ، واستحبّت لهم الصلات ؛ فإنّهم عيال الله سبحانه.

إن قلت : الخلق كلّهم عياله ، فما وجه تخصيصهم.

قلت : وجهه ثبوت الفرق بين القادر المأمور بالمشي والعاجز عن السلوك في مذاهبها.

قوله : ( والعجز والجهل ).

أقول : لأنّهما صفتا نقص ، وهو كاذب على الواجب.

فسلبهما عنه تعالى لازب وواجب ، ولنحسن الإشارة هنا إلى بيان سلب العجز والجهل على الإطلاق الذي لازمه في الأحياء عموم القدرة والعلم ، فهنا مطلبان :

المطلب الأوّل : في عموم القدرة

فنقول : ذات الله سبحانه مجرّدة لا تخصيص له بشيء دون آخر ، بل الأشياء إليه على السواء ؛ ولأنّ علّة تعلّق قدرته بالأشياء إمكانها ، فحيث وجدت العلّة وجد المعلول ؛ لامتناع تأخّر معلول الموجب عنه ، ولمّا شاعت العلّة التي هي الإمكان شاع التعلّق الذي هو المعلول وهو المطلوب.

هذا وقد ذهب [ الأوائل ] إلى نفي قدرته تعالى عمّا وراء مقدور واحد بالشخص (١). واحتجاجهم بدخول الصدورين المستلزم للتركيب ، أو خروجهما المستلزم للتسلسل ، معارض بمثله في الصدور الواحد.

__________________

(١) للمزيد راجع كشف المراد : ٢٨٣ ؛ الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ : ٣٧٥.


وذهب إبراهيم بن سيّار إلى نفي قدرته تعالى عن القبيح (١) ؛ لاستلزامه الجهل أو الحاجة لو فرضنا وقوعه ؛ إذ لا مجال فيه.

والجواب : أنّ من الممتنع إمّا امتناعه ذاتيّ وعدم القدرة عليه ظاهر ، ومنه ما هو غيريّ ، وهذا هو المراد هنا ، فإنّ الامتناع منه للصارف.

وذهب عبّاد إلى استحالة وجود ما علم الله عدمه ، واستحالة عدم ما علم وجوده ، ولا قدرة على مستحيل (٢).

والجواب : أنّ هذه الاستحالة عارضة فلا تزيل الإمكان الذاتي ؛ ولأنّه يلزم نفي قدرة كلّ مختار ، وهو ضروري البطلان.

وذهب الكعبي إلى نفي قدرته تعالى عن مثل مقدور العباد ؛ لأنّ فعلهم إمّا طاعة أو سفه أو عبث ، ويستحيل وقوع ما كان كذلك منه تعالى فلا قدرة (٣).

والجواب : أنّ هذه صفات عارضة تحصل بقصد الفاعل وليست لازمة للفعل بدليل انفكاكها عنه.

وأجاب نصير الدين القاشي ( رحمة الله عليه ) بأنّه :

إن أريد بالعبث ما ليس بطاعة منعنا عدم جوازه منه ، فإنّ أفعاله كلّها كذلك ؛ وإن أريد الفعل المنفيّ عنه الغاية الصحيحة عقلا وشرعا فالحكم ممنوع ، فإنّ المباحات جميعها خارجة عن الأقسام الثلاثة المذكورة بهذا التفسير (٤).

وذهب المرتضى والشيخ أبو جعفر والجبّائيان إلى نفي قدرته تعالى عن عين مقدور العبد ، وإلاّ لزم اجتماع قادرين على مقدور (٥).

والجواب : المنع من استحالة اللازم ؛ لأنّ قدرة الربّ متعلّقة بقدرة العبد حدوثا وبقاء ، وقدرة العبد متعلّقة بعين مقدوره ، فقدرة الربّ متعلقة بعين مقدور العبد ؛ إذ المتعلّق بالمتعلّق بشيء متعلّق بذلك الشيء.

__________________

(١) حكاه عنه في الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ : ٣٧٥.

(٢) حكاه عنه في اللوامع الإلهيّة : ١١٩ ؛ الفصل في الملل والأهواء والنحل ٥ : ٦٣.

(٣) حكاه عنه في اللوامع الإلهيّة : ١١٩ ؛ تلخيص المحصّل : ٣٠١.

(٤) حكاه عنه في إرشاد الطالبين : ١٩٢ ؛ اللوامع الإلهيّة : ١٢٠.

(٥) حكاه عنهم في إرشاد الطالبين : ١٩٢ ـ ١٩٣ ؛ تلخيص المحصّل : ٣٠١ ؛ اللوامع الإلهيّة : ١٢٠.


فائدة :

الفرق بين عين المقدور ومثله أنّ عينه هو أن يكون فعلا واحدا بالشخص تتعلّق إرادة الله والعبد به في وقت واحد ، وأمّا المثل فهو كون الفعل من جنس فعل العبد ، ولم تتعلّق إرادتاهما معا ، ولا إرادة أحدهما وكراهة الآخر به في الوقت الواحد.

المطلب الثاني : في عموم العلم

وبيانه : أنّه إن صحّ منه تعالى أن يعلم كلّ معلوم وجب له ذلك ؛ لأنّه حيّ وصفاته نفسيّة.

ونفى قوم من الأوائل علمه بذاته ، فالعالم والمعلوم متغايران ، ولمّا امتنع على الواجب التكثّر امتنع عليه العلم به (١).

جوابهم : الاكتفاء بالمغايرة ولو بوجه. والذات هنا من حيث عالميّتها مغايرة لمعلوميّتها ؛ ولأنّ العلم يعلم بنفسه.

ونفى قوم منهم علمه بغيره وإن كان عالما بذاته ؛ لأنّه يكون محلا للصور ؛ إذ العلم صورة مساوية للمعلوم حالّة في العالم (٢).

جوابهم : العلم نسبة وإضافة ، فسقط كلامهم.

ونفى بعضهم علمه بالمتغيّرات الشخصيّة ، وإلاّ لتغيّرت ذاته لتغيّر علمه بتغيّر معلومه (٣).

جوابهم : أنّه تعالى فاعلها أو أسبابها بالاختيار فوجب علمه بها.

ونقل الكعبي عن هشام : أنّه تعالى لا يعلم الحوادث قبل وجودها ؛ لأنّه يلزم الجبر ونفي قدرة الربّ ، إذ لو علمها بالوجوب أو العدم فواجب وممتنع ، كما قال عبّاد في القدرة.

__________________

(١) للمزيد راجع إرشاد الطالبين : ٢٠٠ ؛ اللوامع الإلهيّة : ١٢٢.

(٢) حكاه عنهم في إرشاد الطالبين : ٢٠٠ ؛ اللوامع الإلهيّة : ١٢٣.

(٣) للمزيد راجع تلخيص المحصّل : ٢٩٥ ـ ٢٩٨.


وجوابه : جوابه.

إن قلت : قوله تعالى : ( إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ) (١) وقوله : ( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ) (٢) ونحوهما ، يدلّ على أنّه لا يعلم الشيء إلاّ بعد وقوعه.

قلت : الاستقبال يأتي بمعنى الماضي كقوله : ( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ ) (٣) أي قتلتم ، هذا.

وقد روى الحسين بن بشار قال : سألت الرضا 7 : أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أو لا يعلم إلاّ ما يكون؟ فقال : « إنّ الله هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٤) » (٥).

ومنهم : نفى علمه بالمعدوم إلاّ لتميّز ، فيكون ثابتا وهو محال (٦).

جوابهم : لو لم يكن معلوما لاستحال منه تعالى إيجاده على وجه الإتقان.

ومنهم : من نفى علمه بما لا يتناهى لوجوب تعدّد العلوم بتعدّد المعلوم ، والمعلوم غير متناه فكذلك العلوم (٧).

جوابهم : العلم إضافة يجوز عدم التناهي فيها أيضا ، على أنّ العلم الواحد يجوز تعلّقه بمعلومات.

ومنهم : من نفى علمه بجميع الأشياء وإلاّ لعلم بعلمه وعلم علمه فيتسلسل (٨).

جوابهم : علمه بعلمه بالذات نفس علمه ، وبنوع من الاعتبار غير علمه.

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٤٣.

(٢) محمّد (٤٧) : ٣١.

(٣) البقرة (٢) : ٩١.

(٤) الجاثية (٤٥) : ٢٩.

(٥) عيون أخبار الرضا 7 ١ : ١٠٨ / ٨.

(٦) تلخيص المحصّل : ٢٩٦.

(٧) المباحث المشرقيّة ٢ : ٤٩٧.

(٨) حكاه عنهم في تلخيص المحصّل : ٢٩٨.


[ ما يستحيل عليه تعالى ]

قوله : ( والجسميّة والعرضيّة ).

أقول : ذهبت الحشويّة إلى تجسيمه تعالى (١).

فمنهم : من جعله جسما ذا أبعاد ثلاثة حتّى وصفوه بالرّجلين حيث قالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السماء! ووصفوه بالأنامل حيث قالوا ، إنّ محمّدا قال : وجدت برد أنامله على قلبي (٢).

وعن بعضهم : أنّ له جوارح من لسان وعين وأذن حتّى قالوا : اشتكت عيناه فعادته الملائكة ، وبكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه (٣).

وعن داود الظاهري : أعفوني عن الفرج واللحية وسلوني عن ما وراء ذلك (٤).

وحكى الأشعري عن محمّد بن قيس أنّه حكى عن مضر وكهمس وأحمد الجهيمي : أنّهم أجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة (٥).

ورووا عن النبيّ 6 أنّه قال : « لقيني ربّي فصافحني وكافحني » (٦).

وزعمت طائفة من المقاربة أنّ الله خاطب الأنبياء بواسطة ملك اختاره وقدّمه على جميع الخلق واستخلفه عليهم (٧).

وما روي من البكاء المذكور ومن أنّه ضحك الجبّار حتّى بانت نواجذه ، وأنّه كتب التوراة بيده ـ إلى غير ذلك ـ محمول على ذلك الملك ، ويجوز في العادة أن يبعث ملكا واحدا من جملة خواصّه ويلقي عليه اسمه ويقول : مكان هذا فيكم مكاني (٨).

__________________

(١) حكاه عنهم في الملل والنحل ١ : ١٠٦.

(٢) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ١٠٥ و ١٠٦.

(٣) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ١٠٦.

(٤) حكاه عنه في الملل والنحل ١ : ١٠٥ و ١٠٦.

(٥) حكاه عنهم في الملل والنحل ١ : ١٠٤.

(٦) رواه في الملل والنحل ١ : ١٠٦.

(٧) الملل والنحل ١ : ٢١٧.

(٨) الملل والنحل ١ : ٢١٧.


وقيل : إنّ صاحب هذه المقالة بنيامين النهاوندي (١).

وبالجملة فهذا القول وإن لم يكن صوابا في نفسه فهو أسوأ ممّا مرّ قبله.

حجّتهم : الأجسام والعلم صورة مساوية للمعلوم حالّة في ذات العالم فتحصل صورة الأجسام فيه فيكون جسما (٢).

والجواب : المنع من كون العلم صورة ، على أنّه لو كان جسما لاستلزم التركيب المستلزم للافتقار المستلزم للإمكان المنافي للوجوب الذاتي الثابت له تعالى.

هذا مع ورود السمع المطابق للعقل المؤكّد له في ذلك عن سادات العلماء :.

فمنه عن محمّد بن حكيم قال : وصفت لأبي الحسن ما يقول هشام الجواليقي ، وهشام بن الحكم فقال : « إنّ الله لا يشبهه شيء » (٣).

وعن محمّد بن الفرج ، قال : كتبت إلى أبي الحسن 7 أسأله عمّا قال هشام بن الحكم في الجسم ، وما قال هشام بن سالم في الصورة ، فكتب 7 : « دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، ليس القول ما قال الهشامان » (٤).

والخبر المروي لو صحّ لزم جهل النبيّ 6 بربّه لما صحّ عنه 7 « والله جلّ جلاله قال : ما آمن بي من فسّر كلامي برأيه ، وما عرفني من شبّهني بخلقي » (٥).

قال صاحب الملل والنحل : « وهذه الأخبار أكثرها مقتبسة من اليهود ، فإنّ التشبيه فيهم طباع » (٦).

ومنهم من قال : إنّه جسم لا كالأجسام (٧) ، وكأنّهم لمّا قالوا : إنّه قائم بذاته ،

__________________

(١) الملل والنحل ١ : ٢١٧.

(٢) راجع تلخيص المحصّل : ٢٩٤.

(٣) الكافي ١ : ١٠٥ / ٤ ، باب النهي عن الجسم والصورة ؛ التوحيد : ٩٧ / ١ ، باب أنّه عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة.

(٤) الكافي ١ : ١٠٥ / ٥ ، باب النهي عن الجسم والصورة ؛ أمالي الصدوق : ٢٢٨ / ١ ، المجلس السابع والأربعون.

(٥) الاحتجاج ٢ : ٤١٠ ، باب أجوبة الإمام الرضا 7 لأسئلة أبي الصلت.

(٦) الملل والنحل ١ : ١٠٦.

(٧) حكاه عنهم في تلخيص المحصّل : ٤٥.


اعتقدوا أنّ كلّ قائم بذاته جسم ، وحينئذ فالمنازعة لفظيّة.

قوله : ( والجوهريّة ).

أقول : الجوهر إما مادّيّ وهو المتحيّز المستحيل عليه القسمة ، وإمّا مجرّد وهو الذي إذا وجد كان لا في موضوع ، وهو بكلا التعريفين غير صادق عليه تعالى لوجوب وجوده واستحالة تحيّزه.

قوله : ( والتحيّز ).

أقول : جماعة المشبّهة قالوا بتحيّزه ؛ لأنّه يستحيل في العقول وجود مجرّد عن الأحياز (١).

جوابهم : تحيّز الباري إمّا واجب فالحيّز قديم ، أو ممكن فالباري متغيّر.

قوله : ( والحلول في محلّ ).

أقول : ذهبت الغلاة إلى حلوله في أمير المؤمنين (٢). ومن الصوفيّة من أحلّه بقلوب العارفين (٣). وأحلّه بعض النصارى بعيسى بن مريم 8 (٤).

والدليل على نفيه عنه : أنّه لو حلّ فإمّا في محلّ واحد فيكون أصغر الأشياء ، أو في محالّ متعددة فيكون مركبا.

قوله : ( أو جهة ).

أقول : اتّفقت المجسّمة على كونه في جهة (٥). والكراميّة خصّصوه بجهة فوق (٦).

والدليل على نفيها عنه تعالى : أنّ الجهة لمّا كانت مقصد التحرّك ومتعلّق الإشارة فلا بدّ أن تكون موجودة ، فهي إمّا قديمة ويتعدّد القديم ، أو حادثة. فإن كان حلول الباري

__________________

(١) حكاه عنهم في الملل والنحل ١ : ١٠٣ ؛ تلخيص المحصّل : ٤٥٠ و ٢٦١.

(٢) راجع الملل والنحل ١ : ١٧٣ و ١٧٦.

(٣) راجع تلخيص المحصّل : ٢٦١.

(٤) راجع تلخيص المحصّل : ٢٦١.

(٥) للمزيد راجع تلخيص المحصّل : ٢٦٣ ؛ الملل والنحل ١ : ١٠٨.

(٦) للمزيد راجع تلخيص المحصّل : ٢٦٣ ؛ الملل والنحل ١ : ١٠٨.


تعالى فيها صفة كمال لزمه النقص قبل إحداثها ، وإن كان صفة نقص استحال اتّصاف الواجب تعالى به.

استدلّت الكراميّة بعروج النبيّ 6 إلى الجهة العليا ، ولو لا اختصاصه تعالى بها لانتفت الفائدة (١).

قلنا : لا نسلّم نفي الفائدة على تقدير عدم الاختصاص ؛ لما رواه يونس بن عبد الرحمن ، قلت لموسى الكاظم 7 : لأيّ علّة عرج الله بنبيّه إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور وخاطبه وناجاه هناك والله لا يوصف بمكان؟ قال 7 :

إنّ الله لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنّه جلّ وعزّ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ويكرمهم بمشاهدته ويريه من عظمته ما يخبر به بعد هبوطه (٢).

قوله : ( والاتّحاد ).

أقول : ذهب قوم من الأوائل إليه والنصارى ، وهو أيضا مذهب لبعض الصوفيّة ، فإنّ العارف عندهم إذا وصل نهاية مراتبه انتفت هويّته ، وصار الموجود هو الله وحده ، ويسمّون تلك المرتبة : الفناء في التوحيد (٣).

والدليل على امتناعه : أنّ الذات ـ المتّحد الله سبحانه بها ـ لا جائز أن تكون واجبة ؛ لما مرّ غير مرّة ، فهي إذن ممكنة. فإمّا أن توصف ذاته تعالى بعد الاتّحاد بالوجود خاصّة ، فلا أثر حينئذ للذات الممكنة معها ، وإلاّ لما تخلّف الإمكان عنها لو كانت موجودة ، أو توصف بالإمكان خاصّة ، فينعكس الاستدلال ويلزم زوال وجوب الواجب عنه ، وهو محال ؛ أو توصف بهما فيجتمع المتقابلان ؛ أو لا توصف بشيء منهما فيلزم عدمها ؛ لاستحالة وجود ذات خارجا لا يوصف بأحدهما.

__________________

(١) راجع تلخيص المحصّل : ٢٦٣.

(٢) علل الشرائع ١ : ١٦٠ / ٢ ، باب ١١٢.

(٣) للمزيد راجع تلخيص المحصّل : ٢٦٠.


قوله : ( والولد والصاحبة ).

أقول : ذهب اليهود إلى أنّ العزيز ابن الله ، والنصارى إلى أنّ المسيح 7 ابنه أيضا بل قالوا : إنّهم هم أبناؤه (١) ، كما حكاه القرآن المجيد عنهم في قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) (٢) فأجابهم بقوله ( فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ) (٣) ولو كنتم أبناءه وأحباءه لما عذّبكم ، إذ الوالد والحبيب لا يعذّب ولده وحبيبه ، كذا قاله الإمام الطبرسي رحمة الله عليه (٤).

قال قوم : إنّ الملائكة بناته.

والدليل على نفي الولد عنه قوله : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (٥) وقوله سبحانه : ( وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً * وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ) (٦).

وقوله : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) (٧).

وعلى نفي الصاحبة والولد أيضا قوله : ( تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (٨).

ولقد قال العالم الربّاني أمير المؤمنين 7 في هذا المعنى « لم يلد فيكون مولودا ولم يولد فيصير محدودا ، جلّ عن اتّخاذ الأبناء ، وطهر عن ملامسة النساء » (٩).

__________________

(١) راجع الملل والنحل ١ : ٢٢٧.

(٢) المائدة (٥) : ١٨.

(٣) المائدة (٥) : ١٨.

(٤) مجمع البيان ٣ : ٣٠٤.

(٥) الإخلاص (١١٢) : ٣.

(٦) مريم (١٩) : ٨٨ ـ ٩٣.

(٧) النساء (٤) : ١٧٢.

(٨) الجنّ (٧٢) : ٣.

(٩) نهج البلاغة : ٣٦٧ ، الخطبة ١٨٦.



المرصد الثاني

في معنى « الحمد لله »

قال : ( ومعنى « الحمد لله » : الثناء على الله عزّ وجلّ بذكر نعمه وآلائه ).

أقول : النعماء في الاصطلاح ، منهم من يطلقها على الظاهرة ويخصّ الباطن باسم الآلاء ، ومنهم من عكس.

وفي اللغة هما مترادفان (١).

ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) (٢).

وقول أعشى بكر بن وائل :

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحما ولا يخون إلا (٣)

أي لا يخون نعمة.

قوله : ( التي لا تعدّ ).

أقول : ليس المراد بنفي العدّ عنها امتناع العدّ عليها ؛ لأنّها من الأعداد قطعا ، ولا نفي العدّ عنها مطلقا ، فإنّ الله تعالى يحصيها ، بل المراد نفي العادّ ؛ لقوله تعالى :

__________________

(١) الصحاح ٤ : ٢٢٧٠ ، « ألا ».

(٢) لقمان (٣١) : ٢٠.

(٣) حكاه عنه في لسان العرب ١٤ : ٤٣ ، « ألا ».


( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١). ويومئ إلى ذلك بقوله : « ولا تحدّ » أي لا تقف عند حدّ ، بل منها ما هو دائم ، ومنها ما هو مترادف ، ومنها ما هو متواتر ؛ وليس المقصود نفي الحدّ عنها في عرف المنطق ، وهو المشتمل على الجنس والفصل فإنّ كثيرا من النعوت يحدّ بهذا المعنى.

قوله : ( فمنها : خلق الخلق من سماء وأرض وملك وفلك ).

أقول : أمّا وجه أنّ السماء نعمة فكون الرزق والجنّة فيها ؛ لقوله تعالى : ( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) (٢) ؛ ولأنّها مقرّ النجوم التي يهتدى بها ، قال الله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (٣). ومحلّ الشمس المدبّرة للزروع والمنتفع بها في كثير من الأمور.

وأمّا أنّ الأرض نعمة فظاهر ؛ إذ عليها مستقرّنا وبناء بيوتنا الواقية لنا من الحرّ والبرد ، وهي منبت معظم أرزاقنا وسبب في سائرها ، وفيها ستر موتانا.

فقد روى ابن بابويه عن الرضا 7 عن آبائه عن عليّ بن الحسين : في قوله عزّ وجلّ : ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً ) (٤). قال :

جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم ، لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرد فتجمدكم ، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنّه عزّ وجلّ جعل بها من المتانة ما تنتفعون به ... (٥) إلى آخر الحديث.

هذا. ووجه النعم في « الملك » أنّ الملائكة تستغفر لنا بقوله تعالى : ( وَيَسْتَغْفِرُونَ

__________________

(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.

(٢) الذاريات (٥١) : ٢٢.

(٣) الأنعام (٦) : ٩٧.

(٤) البقرة (٢) : ٢٢.

(٥) عيون أخبار الرضا 7 ١ : ١٢٥ / ٣٦.


لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) (١). وتدعو أيضا ؛ لقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (٢).

ومنهم : « السفرة » بين الله جلّ وعلا وأنبيائه الذين بهم تكمّلت الهدايات ، وعرّفونا كيفيّات العبادة.

ومنهم : « الحفظة لنا » فقد روي عن سعد بن وهب عن أمير المؤمنين 7 :

إنّه ليس من عبد إلاّ وله من الله حافظ وواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه وبين كلّ شيء (٣).

ومنهم : « حفظة أعمالنا » ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) (٤).

ووجهه في حصر العمل أمّا الخير ، فلأنّ المكلّف إذا علم أنّ عمله محفوظ غير مضيّع رغب في الاستزادة منه ، وأمّا الشرّ فلأنّه إذا علم أنّ عمله غير مفرّط فيه ولا مهمل كان ذلك صارفا له عن الدوام عليه ، أو الإكثار منه.

قوله : ( وفلك ).

أقول : الفلك أعمّ من السماء ؛ لأنّه شامل لها ولما عداها ، واسم السماء مختصّ بالسبع ، فحينئذ يمكن عود الفلك إلى ما عداها تفصّيا من التكرار ، فإنّ الأفلاك كثيرة كالفلكين العظيمين ، أعني فلك الثوابت ، والفلك الأطلس ، وكالأفلاك الثابتة لكلّ كوكب من السبعة ، وغيرها من فلك جو زهر القمر ، وفلكي عطارد اللذين أحدهما : الحامل والآخر : المدير ، إلى غير ذلك ، فإنّ جملة الفلك أربعة وعشرون فلكا ، ذكر ذلك الإمام الأعظم نصير الدين ( تغمّده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنّته ) (٥).

قوله : ( وخلق العقل الفارق به بين الصحيح والفاسد والحقّ والباطل ).

__________________

(١) الشورى (٤٢) : ٥.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٤٣.

(٣) الكافي ٢ : ٥٩ / ٨ باب فضل اليقين.

(٤) الانفطار (٨٢) : ١٠ ـ ١٢.

(٥) كشف المراد : ١٥٧.


أقول : العقل غريزة في قلب الإنسان ، والعلم لازم له ، وليس هو هو كما ذهب إليه بعضهم ، وإنّما سمّي عقلا تشبيها بعقال الناقة ، ووجه المشابهة أنّ الحاصل له العقل يمتنع من القبائح كما يمتنع البعير المعقول من السير ، وقد ظهر من هذا أنّه تعالى لا يوصف بالعقل إذ لا يعقله شيء من فعل القبيح ، بل تركه اختيارا منه لعلمه بقبحه وبفنائه عنه ، هذا.

والفارق هو القاسم ، ومنه فرق الشعر ، ومنه الفرقان أيضا.

والظاهر أنّ الصحيح والصدق مترادفان.

وقد قال الفاضل ( رضوان الله عليه ) في كتاب الأسرار :

إنّ الصدق ما إذا نسبته إلى المخبر عنه طابقه ، والحقّ ما إذا نسب المخبر عنه إليه طابقه ، فعلى هذا الحقّ والصحيح في الإضافة متقابلان ، والمتبادر إلى الفهم أنّهما مترادفان (١).

قال الشيخ أبو جعفر : والصحيح هو الحقّ بعينه ، أمّا الفاسد والباطل فعند المحقّقين أنّهما مترادفان. وعند الحنفيّة هما غيران (٢).

قوله : ( وابتعاث الأنبياء والأوصياء : ).

أقول : الابتعاث ـ بالباء الموحدة تحت ، والتاء المثناة فوق ـ أخذا من قول العالم بالبلاغة أمير المؤمنين في الموعود بالشفاعة سيّد المرسلين : « ابتعثه بالنور المضيء ، والبرهان الجليّ ، والمنهاج البادي ، والكتاب الهادي » (٣) يعني ـ صلّى الله عليه ـ بالنور نور النبوّة ، وبالبرهان المعجزات ، وبالمنهاج الشريعة ، وبالكتاب القرآن.

وأمّا كون الأنبياء والأوصياء نعمة فيجري مجرى إيضاح الواضحات.

إن قلت : إن لفظة « ابتعاث » لا تنطبق على الأوصياء ، بل على الأنبياء خاصّة.

قلت : الخاصّة ممنوعة ، فانّ النبيّ كما بعث من الله سبحانه بواسطة الملك ، بعث

__________________

(١) الأسرار الخفيّة ، قسم الإلهيات ، المقالة الأولى ، المبحث الرابع في أحكام الجواهر.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) نهج البلاغة : ٣٠١ ، الخطبة ١٦١.


الوصيّ منه بواسطة النبيّ ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) (١).

وقد قال الثعلبي في تفسيره : لمّا نزلت ( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (٢) الآية ، أخذ النبيّ بيد عليّ وقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » (٣).

فلمّا شاع ذلك بلغ الحرث بن النعمان الفهري (٤) فأتى النبيّ 6 وقال ـ بعد كلام ـ هذا شيء منك أم من الله؟ فقال النبيّ 6 : « والذي لا إله إلاّ هو إنّه من أمر الله » فولّى الحرث وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فرماه الله بحجر على هامته فخرج من دبره. وأنزل الله سبحانه ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) (٥) ـ (٦) الآية.

قوله : ( وختمهم ).

أقول : هذه اللفظة تحتمل أن تكون مفتوحة التاء فتكون إخبارا ، أو أن تكون ساكنة فتكون عطفا على ابتعاث الأنبياء المعطوفين على خلق العقل المعطوف على خلق الخلق ، أمّا على تقدير الإخبار فلا كلام فيه ، وأمّا على تقدير العطف فتحتاج إلى بيان النعمة في الختم المذكور.

فنقول : وجه النعمة في ختم الأنبياء تقريب المكلّف إلى ما وعد به وتوعّد فيكون له بذلك باعثا وزاجرا ، وفيما نقل أن الله تعالى أوحى إلى نبيّه 6 « إنّي مننت عليك بعشر خصال : منها : أنّي جعلتهم ـ يعني أمّته 7 ـ آخر الأمم كيلا يطول مكثهم تحت التراب » (٧).

__________________

(١) النجم (٥٣) : ٣ ـ ٥.

(٢) المائدة (٥) : ٦٧.

(٣) حكاه عن الثعلبي في مجمع البيان ٣ : ٣٨٢ و ٣٨٣.

(٤) كذا في الأصل ولكن في المصدر : « النعمان بن الحرث ».

(٥) المعارج (٧٠) : ١.

(٦) مجمع البيان ١٠ : ١١٩.

(٧) لم نعثر عليه.


قوله : ( المفتتحين بسيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب 7 ، المختتمين بسيّد الأمناء أبي القاسم المهدي 7 ).

أقول : هنا مقدّمة ، هي أنّ الأمناء أعمّ من الأوصياء لوجود الأمانة بدون الوصاية كما في الأنبياء والأولياء بخلاف الوصاية ؛ لأنّ كلّ وصيّ أمين ، فحينئذ يلزم من قوله ; في أمير المؤمنين 7 : أنّه « سيّد الوصيّين » وقوله في المهدي 7 : « إنّه سيّد الأمناء » أن يكون كلّ منهما 8 سيّدا للآخر ومسوّدا.

وقد يجاب : بأنّه لمّا كان السيّد هو الكبير المطاع ، ولا شكّ أنّ كلاّ منهما كبير ومطاع ، إذ لا خلاف بينهما في شيء من الأحكام ، بل كلّ ما قضى به أحدهما التزمه الآخر ؛ لعلمه بأنّه الحقّ ؛ ولأنّ كلاّ منهما يجوز أن يكون سيّدا باعتبار ؛ ولأنّ إثبات السيّدية للإمام قائم الزمان 7 قد لا يدخل فيه أمير المؤمنين ، بل من الجائز أن يخصّص العموم بولد الحسين 7.

تنبيه :

لمّا كانت أسماء الأئمّة : وعددهم مشهورة عند الشيعة ، اكتفى المصنّف ( رضوان الله عليه ) بذكر أوّلهم وآخرهم طلبا للاختصار ؛ ولأنّ كلّ من دان من الفرق بإمامة القائم 7 دان بإمامة آبائه : ، ومن خرج عن واحد منهم : خروجا كلّيا لم يقل بإمامته 7 فلا جرم لم يكن الاكتفاء بذكر الطرفين مغنيا ؛ لتجهيل الواسطة ، بل لتعريفها.

قوله : ( ثمّ خلق أصول النعم التي هي الحياة والقدرة والشهوة والنفرة والعقل والإدراك والإيجاد ).

أقول : أمّا كون هذه السبعة نعما فأمر جليّ ، وأمّا كونها أصولا ؛ فلأنّك متى اعتبرت وجدت سائر النعم مترتّبا عليها وجودا وعدما ، وليس المراد به ترتّبها على كلّ واحدة منها ، بل منها ما هو مترتّب على بعضها ، والبعض الآخر على الآخر ، بدليل أنّ الشهوة والنفرة لمّا كانتا كيفيّتين متضادّتين فمتى وجدت إحداهما اقتضت ما يتبعها ، وانتفت الأخرى وما يتبعها ، فلا توجد نعمة تترتّب عليهما معا.


لطيفة :

هذه الأصول منها ما هو أصل لسائر الأصول أيضا ، فإنّ الوجود أصل للحياة ، فإنّها لمّا كانت عرضا يفتقر إلى محلّ موجود ؛ لامتناع قيام الموجود بالمعدوم ، ووجوده سابق لوجودها ؛ لوجوب سبق المحلّ على الحالّ فيه ، فتبيّن أنّ الوجود أصل لها ، هذا.

والحياة أصل للخمسة الباقية ؛ ضرورة كونها من الأعراض المشترطة بالحياة ، والإدراك أصل للشهوة والنفرة ؛ لأنّه ما لم يدرك الحيوان الملائم والمنافي ـ ولو بوجه ما ـ لم يشته الأوّل وينفر عن الثاني.

تنبيه :

الإيجاد الذي هو أحد الأصول المراد به الوجود ، إطلاقا لاسم السبب على المسبّب ؛ لأنّ الإيجاد هو نفس تأثير المؤثّر المتقدّم على الوجود بالعلّيّة ، والشيء قبل وجوده لا يكون منعما عليه ؛ لامتناع تعلّق النعمة بالمعدوم ؛ لأنّها المنفعة الواصلة إلى الغير على وجه الإحسان إليه ، ولا تصل إلى معدوم منفعة بالضرورة.

قوله : ( ثمّ خلق فروعها المشتهيات والملذّات ، حتّى أنّه ليس نفس يمضي إلاّ وفيه لله نعمة يجب شكرها ).

أقول : إنّما أتى المصنّف ; بذكر النفس ـ وإن كان سائر نعم الله سبحانه مترادفا ـ لاشتهاره وتتاليه وسرعة مجيئه وذهابه.

إن قلت : فهلاّ ذكر « الآن » الذي هو أقصر من زمان النفس المذكور.

قلت : « الآن » غير متصوّر لكثر من الناس ، على أنّه مفهوم من النفس المذكور ، فإنّه لمروره على المسافة دائما أو أكثريّا طابق جزؤه جزء الزمان الذي هو الآن.

وقوله : ( يمضي ) يحتمل أن يكون بمعنى مضى ؛ إذ النفس المستقبل لا يعدّ نعمة ، والمستقبل يأتي بمعنى الماضي ، وشاهده قوله تعالى : ( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ ) (١). أي قتلتم.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٩١.


ويحتمل أن يكون للمستقبل حقيقة من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود ، ويعضد هذا الاحتمال أنّ المصنّف ( رفع الله درجته ) أتى بلفظة « يجب » المستقبلة ، وحينئذ فيحتمل أنّ المصنّف وضعها للمعنيين معا.

ويحتمل أن يكون للحاضر خاصّة ؛ لأنّ كلاّ من الماضي والمستقبل معدوم ، والمعدوم لا ينطبق عليه تعريف النعم.

وهذا أقوى ، إلاّ أن يقال : الماضي وإن كان معدوما فإنّ وجوب الشكر عليه باق فيلحقه حكم الموجود.

قوله : ( حتّى أنّ شكر نعم الله تعالى من نعمه التي يجب شكرها ).

أقول : هذا منزّل على الحديث : « إنّ الله أوحى إلى داود 7 أن اشكرني على قدر نعمتي ، قال : يا ربّ كيف أشكرك والشكر نعمة منك يجب شكرها؟ قال : الآن قد شكرتني » (١).

وحكى المازندراني في تفسير قوله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) (٢) : أن داود جزّأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن ساعة إلاّ وإنسان من أولاده في الصلاة (٣).

وجاء في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ) (٤) يعني نوحا 7 كان كثير الشكر (٥).

عن الباقر والصادق : :

إنّ نوحا كان إذا أصبح وأمسى قال : اللهمّ إنّي أشهدك أنّ ما أصبح وأمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ حتّى ترضى وبعد الرضا ، وهذا كان شكره (٦).

__________________

(١) إرشاد القلوب ١ : ٢٤٢ ، الباب السابع والثلاثون.

(٢) سبأ (٣٤) : ١٣.

(٣) غرائب القرآن ( بهامش تفسير الطبري ) ٢٢ : ٤٨.

(٤) الإسراء (١٧) : ٣.

(٥) مجمع البيان ٦ : ٢١٨.

(٦) مجمع البيان ٦ : ٢١٨.


قوله : ( ومن ذلك تصديق النبيّ 6 في جميع ما جاء به من الحشر والنشر والمعاد ، والجنّة والنار ، والصراط والميزان والحور والولدان ).

أقول : أمّا أنّ هذه المعدودات نعما فبيّن ، ويزيده وضوحا ما مرّ به من كلامنا عند ذكر الملك.

وأمّا لفظة « التصديق » فيحتمل أن يكون المراد تصديقنا لدعواه الذي هو سبب في حصول السعادة الأبديّة والخلوص عن [ الشقاوة ] السرمديّة ؛ فهو من أجلى النعم.

ويحتمل أن يكون المراد تصديق الله جلّ وعزّ له بإظهار المعاجز ، وهذا أشدّ مطابقة لمعنى الشكر ، فإنّه لمّا كان بمحض فعله استحقّ الشكر عليه ، بخلاف ما وقع منّا ؛ إذ الإنسان لا يستحقّ الشكر على نفسه ، فحينئذ يضعّف الأوّل.

إلاّ أن يقال : الشكر هناك على أسباب التّصديق التي هي من فعله تعالى كالعقل ، ونصب طرق الاستدلال ، والتوفيق إلى غير ذلك.

ويؤيّده قول داود 7 فيما مرّ : « كيف أشكرك والشكر نعمة منك » (١).

وهنا لطيفة تحسن الإشارة إليها ، هي أنّ البارئ سبحانه لا يصحّ أن يشكر نفسه ولا غيره لعدم النفع والضرر في حقّه.

إن قلت : أليس يوصف به تعالى : ( لَغَفُورٌ شَكُورٌ )؟ (٢).

قلت : سلّمت ، ولكن قد قيل إنّ معناه مجازاة العبد على طاعته من غير أن ينقصه شيئا من حقّه ، فجعل المجازاة على الشكر شكرا في مجاز اللغة توسّعا ، أنظر إلى قوله تعالى : ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) (٣) ونحو ذلك والله ولي التوفيق.

__________________

(١) مرّ في الصفحة ٢٦٠.

(٢) فاطر (٣٥) : ٣٤.

(٣) الشورى (٤٢) : ٤٠.



المرصد الثالث

في معنى « لا إله إلاّ الله »

قال : ( ومعنى « لا إله إلاّ الله ». تنزيهه عن الشريك والمثل والضدّ والندّ والمناوئ والمنافي ).

الإله من تحقّ [ له ] العبادة.

وقال عليّ بن عيسى الرمّانيّ : هو المستحقّ للعبادة (١) ، وأبطله العلاّمة الطبرسيّ بأنّه لو كان كذلك لما كان سبحانه إلها في الأزل ؛ لأنّه لم يفعل في الأزل ما يستحقّ به العبادة. قال :

ومعنى قولنا : « تحقّ له العبادة » أنّه قادر على ما إذا فعله استحقّ به العبادة ، كخلق الجسم والحياة ، والقدرة والشهوة وغيرها من أصول النعم التي لا يقدر عليها غيره (٢).

هذا و « الشريك » هو المشارك للبارئ تعالى في وجوب الوجود ، أو في استحقاق العبادة. ونفيه من (٣) قوله سبحانه : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) (٤). وأمثاله.

__________________

(١) حكاه عنه بلفظة : « من قال ... » في مجمع البيان ١ : ٥٤.

(٢) مجمع البيان ١ : ٥٤ ـ ٥٥ ؛ جوامع الجامع ١ : ٥.

(٣) أي « ونستفيد نفي الشريك من ».

(٤) محمّد (٤٧) : ١٩.


و « المثل » هو المساوي في الحقيقة.

والدليل على نفيه مخالفة ذاته المقدّسة لسائر الذوات ، ويدلّ على المخالفة أنّ ذاته لو ماثلت ذاتا فلا بدّ من كونها ممكنة ، وحينئذ يلزمه ما يلزمها أو بالعكس ، وهو محال ، ولقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (١).

وأمّا « الضدّ » فعرض يعاقبه عرض آخر في محلّه وينافيه ، ونفي العرض والمحلّ عنه تعالى يستلزم نفيه (٢).

و « الندّ » هو المساوي في الرتبة ، ومثله « النظير » ، ونفيه مفهوم ممّا مرّ.

و « المناوئ » هو المنازع والممانع ، ونفي المساوي عنه تعالى يستلزم نفي المناوئ لوجوب وجوده المستلزم قصور كلّ ما عداه عنه سبحانه.

و « المنافي » ما خالف الطبيعة اللازمة للجسم الممتنعة عنه تعالى.

قوله : ( وفيه بطلان قول النصارى واليهود والثنوية وعبّاد الأصنام والأوثان والصلبان والكواكب ).

أقول : الضمير المستكنّ في « فيه » يمكن أن يتعلّق بتنزيهه ، والأظهر تعلّقه بنفي الإلهيّة عن غير الله سبحانه.

وأمّا النصارى فقالوا : إنّ الله تعالى واحد بالجوهريّة ثلاثة بالأقنوميّة ، وهم القائلون باتّحاد البارئ سبحانه مع المسيح 7 ، وهم فرق :

منها : « الملكائيّة » أصحاب ( ملكا ) الذي ظهر بالروم ، وأكثر الروم على دينه.

ومنها : « النسطوريّة » أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون.

ومنها : « اليعقوبيّة » أصحاب يعقوب الذي قال بانقلاب الكلمة لحما ودما ، فصار الإله هو المسيح.

__________________

(١) الشورى (٤٢) : ١١.

(٢) أي نفي الضدّ.


ولهم اختلافات في كيفيّة اتّحاد البارئ تعالى بالمسيح 7 (١) ، هي بالمطوّلات أنسب وقد حكم الله ( جلّ وعلا ) بكفرهم في قوله : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) (٢).

وأمّا اليهود فقولهم بالولد يستلزم الاثنينيّة ، وهم على نيّف وسبعين.

من رؤسائها : « العنانيّة » أتباع عنان بن داود رأس الجالوت ، يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد ، ويقتصرون على أكل الطير والسمك ، ويصدّقون عيسى في مواعظه لا في نبوّته.

ومنها : « العيسويّة » وهم أتباع أبي عيسى بن إسحاق بن يعقوب الأصفهاني ، وكان في زمن المنصور.

ومنها : « اليوذعانيّة » أصحاب يوذعان الهمذاني ، ومن هؤلاء فرقة تسمّى الموشكانيّة أصحاب موشكان ، إلاّ أنّه قاتل اليوذعان وقتل بقمّ ؛ والموشكانية أثبتوا نبوّة المصطفى إلى سائر الناس ما خلا اليهود (٣).

ومنها : « السامرة » وظهر فيهم رجل يقال له : الألفان ادّعى النبوّة ، وزعم أنّه الكوكب المضيء الذي تشرق الأرض بنوره واليهود على انتظاره ، وهو الذي بشّرت به التوراة ؛ وافترقت السامرة إلى دوستانية ومعناها الفرقة المفترية الكاذبة ، وإلى كوستانيّة وهي الجماعة الصادقة.

ومن هذه الأربع فرق انشعبت طوائف اليهود ، وأجمعوا بأسرهم على أنّ في التوراة بشارة بواحد بعد موسى ، وافتراقهم إمّا في تعيينه أو في الزيادة عليه (٤).

تنبيه : إنّما لزم هؤلاء اللقب أعني اليهود ؛ لقول موسى 7 : ( إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ) (٥) أي رجعنا فإنّه يقال : هاد الرجل إذا رجع وتاب.

__________________

(١) لمزيد التوضيح راجع الملل والنحل ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢٨.

(٢) المائدة (٥) : ٧٣.

(٣) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ٢١٥ ـ ٢١٧.

(٤) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ٢١٧ ـ ٢١٩.

(٥) الأعراف (٧) : ١٥٦.


وأمّا الثنويّة : فهم الذين أثبتوا أصلين قديمين هما : النور والظلمة ، والمجوس وإن كانوا من الثنويّة إلاّ أنّهم قالوا بحدوث الظلام (١).

فمن الثنويّة « المانوية » أصحاب ماني بن قاين الذي ظهر بعد عيسى 7 ، وكان يقول بنبوّته.

ومنها : « المزدكيّة » أصحاب مزدك ، وحكي : أنّ قولهم كقول المانويّة إلاّ أنّهم يقولون : النور يفعل بالقصد والاختيار ، والظلمة بالخبط والاتّفاق ، بخلاف المانوية.

وكان مزدك ينهى عن المباغضة والقتال ، ولمّا كان أكثر ذلك يقع بسبب النساء والأموال جعل الناس فيها سواء كما في الماء والكلأ (٢).

ومنها : « الديصانيّة » أصحاب ديصان ، و « المرقونيّة » و « الكيونيّة » و « الصاميّة » وهؤلاء هم الذين عبدوا النار. و « التناسخيّة » (٣) وتفصيل مذاهبهم لا تحتمله هذه اللمعة.

وأمّا عابدي الأصنام والأوثان والصلبان.

فقال الشهرستاني :

وضع الأصنام إنّما هو على معبود غائب حتّى يكون الصنم على هيبته وشكله قائما مقامه ، وإلاّ فيعلم قطعا أنّ عاقلا لا ينحت خشبا بيده صورة ، ثمّ يعتقده إلهه وإله الكلّ ، ووجوده مسبوق بوجود صانعه ، لكنّهم لمّا عكفوا على التوجّه إليها وربطوا حوائجهم بها من غير حجّة وإذن من الله عزّ وجلّ ، كان عكوفهم ذلك عبادة ، وطلبهم الحوائج منها إثبات الإلهيّة لها ، وعن هذا كانوا يقولون : ( ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ) (٤) ـ (٥).

فمنهم : « المهاكالية » ، لهم صنم يدعى « مهاكال » كبير الرأس ، له أربع أيد ، يزعمون أنّه عفريت يستحقّ العبادة العظيمة ، ويطلبون منه حاجات الدنيا ، حتّى أن الرجل يقول : زوّجني فلانة وأعطني كذا.

__________________

(١) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٢) لاحظ الملل والنحل ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٩.

(٣) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ٢٥٠ ـ ٢٥٣.

(٤) الزمر (٣٩) : ٣.

(٥) الملل والنحل ٢ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.


ومنهم : « البركسهيكيّة » فيتّخذون صنما ، ويطلبون أحسن الشجر وأطولها ، فيجعلونه موضع تعبّدهم.

ومنهم : « الدهكينيّة » يتّخذون صنما على صورة امرأة ، وعيدهم من السنة استواء الليل والنهار ، عند دخول الشمس الميزان ، ويقرّبون فيه القرابين من غير ذبح ، بل يضربون أعناقها بين يديه ، ويقرب من ذلك ما حكاه أبو عيسى الورّاق في كتابه كتاب المقالات (١).

وقال الإمام السيّد المرتضى ( رضوان الله عليه ) :

حكى قوم ممّن يعرف أمور العالم ويبحث عن قصصهم : أنّ كثيرا من أهل الهند والصين كانوا يتقرّبون إلى الله بعبادة الكواكب ، فلمّا رأوا أفولها في بعض الأوقات أشار عليهم بعض رؤسائهم أن يجعلوا أصناما يرونها في كلّ وقت ، فاتّخذوا سبعة على عدد سبعة الكواكب التي هي سيّارة مشهورة ، وجعلوا لكلّ صنم بيتا سمّوه باسم الكوكب ، فجعلوا بيتا على رأس جبل بأصبهان ، وبيتا بمولتان وبسدوسان وكلاهما من الهند ، وبيتا بمدينة بلخ ، وبيتا بمدينة فرغانة وكلاهما من خراسان ، وبيتا بمدينة صنعاء من اليمن ، وزعم بعضهم أنّ بيت الله الحرام كان بيت زحل ، ثمّ نشأ عمرو بن لحي فساد قومه بمكّة ، واستولى على البيت ، وصار إلى مدينة البلقاء بالشام ، فرأى هناك قوما يعبدون الأصنام فسألهم عنها ، فقالوا : أربابا نتّخذها ، نستنصر بها فننصر ونستشفي بها فنشفى ، وطلب منها صنما فدفعوا إليه « هبل » ، فوضعه في الكعبة ، ودعا الناس إليها (٢).

وذكر المازندراني في تفسير قوله تعالى : ( وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ) (٣) : أنّ هذه أصنامهم في الأوّلين ، وجرى على وجه التشبيه في الآخرين (٤).

يقال : كان نوح 7 يحرس تربة آدم 7 على جبل بالهند ، وكان المسلمون يطوفون بقبره ، وحيل بين المشركين وبين الطواف فقال الشيطان للكفّار : إنّما هذا جسد ، فأنا

__________________

(١) راجع الملل والنحل ٢ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٢٢٩ ـ ٢٣١.

(٣) نوح (٧١) : ٢٣.

(٤) تفسير الطبري ٢٩ : ٦٢ ؛ وانظر غرائب القرآن ( بهامش تفسير الطبري ) ٢٩ : ٥٢.


أصنع لكم مثله ؛ كيما يفتخرون عليكم ، فنحت لهم خمسة أصنام يعبدونها ، فلمّا جاء الغرق اندفنت ، فأخرجها الشيطان لمشركي العرب ، فامّا « ودّ » فلكلب بدومة الجندل ، و « سواع » لهذيل بساحل البحر ، و « يغوث » لمراد ، و « يعوق » لهمدان ، و « نسر » لذي الكلاع بأرض حمير ، و « لات » لثقيف بالطائف ، و « العزّى » شجرة لسليم ، و « مناة » بقديد للأوس والخزرج وغسان (١).

وأمّا عابدي الكواكب :

منهم من فرق الصابئة ، وهؤلاء فزعوا إلى الأشخاص والهياكل التي هي السيّارات السبعة ، فعرفوا منازلها ومطالعها واتّصالاتها ، وتقسيم الساعات عليها ، ويسمّونها أربابا وأنّ الله ربّ الأرباب (٢).

ومنهم : من زعم أنّ الشمس إله الآلهة وعن هذا قال الخليل 7 : ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ ) (٣).

ومنهم : من زعم أنّها ملك ، لها عقل ، وتستحقّ السجود والتعظيم (٤).

ومنهم : عبدة القمر ، زعموا أنّه ملك أيضا ، وإليه تدبير هذا العالم السفلي (٥).

قالت الصابئة : وإنّما أرشدنا إلى هذا معلّمنا الأوّل : عاديمون وهرمس ، فنحن نتقرّب إليهم ـ يعنون الكواكب ـ ونتوكّل عليهم ، وهم أربابنا ووسائلنا وشفعاؤنا عند ربّ الأرباب (٦).

ويدلّ على نفي ربوبيّتها مع العقل آيات الأنعام حيث قال تعالى عن إبراهيم 7 : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ *

__________________

(١) للمزيد راجع الملل والنحل ٢ : ٢٣٧ ؛ ومعجم البلدان ٥ : ٢٠٤ « مناة ».

(٢) راجع الملل والنحل ٢ : ٢٥٨.

(٣) الأنعام (٦) : ٧٨.

(٤) راجع الملل والنحل ٢ : ٢٥٨.

(٥) راجع الملل والنحل ٢ : ٢٥٨.

(٦) حكاه عنهم في الملل والنحل ٢ : ٦.


فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١).

فقرّر مذهب الحنفاء ، وأبطل مذهب الصابئة ؛ لأنّهما طائفتان متقابلتان ، وبيّن أنّ الفطرة هي الحنيفيّة ، وأنّ النجاة متعلّقة بها ، والرسل مبعوثة بتقريرها ( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٢).

قال ( قدّس الله روحه ) : ( وهي الشهادة التي من قالها مخلصا دخل الجنّة ).

أقول : الشهادة لغة : إمّا من شهد بمعنى حضر (٣) ومنه قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٤) ، أو من العلم (٥) وعلى هذا يسمّى البارئ سبحانه شهيدا.

وشرعا : إخبار عن علم المخبر بثبوت حقّ لغيره ، أو نفيه عنه لا على جهة الدعوى ، هذا.

وقد روى ابن بابويه ( رحمة الله عليه ) في كتابه المسمّى بالدرّ النضيد عن جابر بن عبد الله عن النبيّ 6 قال : « الموجبتان من مات يشهد أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ومن مات يشرك بالله دخل النار » (٦).

وعن الرضا عن أبيه عن آبائه : قال : « قال رسول الله 6 : ما جزاء من أنعم الله عليه بالتوحيد إلاّ الجنّة » (٧).

وقال : « لا إله إلاّ الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزّ وجلّ من قالها مخلصا

__________________

(١) الأنعام (٦) : ٧٦ ـ ٧٩.

(٢) الروم (٣٠) : ٣٠.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٥٨٨ ، « ش. ه‍. د ».

(٤) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٥) القاموس المحيط ١ : ٥٨٨ ، « ش. ه‍. د ».

(٦) التوحيد : ٢٠ / ٨ ، باب ثواب الموحّدين والعارفين.

(٧) التوحيد : ٢٢ / ١٧ ، باب ثواب الموحّدين والعارفين.


استوجب الجنّة ، وكاذبا عصمت ماله ودمه ، وكان مصيره إلى النار » (١).

وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الإخلاص المذكور هو الصدق لمقابلته بالكذب.

إن قلت : إنّ الكذب لا يتصوّر في هذه الكلمة أعني : « لا إله إلاّ الله » ، فإنّها مطابقة لما في نفس الأمر ولا شيء من الكاذب بمطابق ، فلا شيء من هذه الكلمة بكاذب.

قلت : سلّمت ما ذكرته ، ولكنّ المراد بالكاذب غير المعتقد لحقيقتها ، بل هو تلفّظ بها بلسانه وقلبه يخالف مقتضاها كما قال تعالى : ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) (٢). انظر إلى قوله سبحانه : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) (٣). فقد حكم البارئ ( عزّ وعلا ) بكذبهم مع مطابقة ما قالوه في نفس الأمر ، وإيّاه نستعين.

__________________

(١) التوحيد : ٢٣ / ١٨ ، باب ثواب الموحّدين والعارفين.

(٢) الفتح (٤٨) : ١١.

(٣) المنافقون (٦٣) : ١.


المرصد الرابع

في معنى « الله أكبر »

قال : ( ومعنى « الله أكبر » : إثبات صفات الكمال له تعالى ).

أقول : أمّا إثباتها فيدلّ عليه ما مرّ عند ذكر عموم القدرة والعلم ، وأمّا كون هذه المعدودات كمالات فظاهرة ، والمراد أنّ البارئ سبحانه كامل لذات ؛ لا أنّه مكمل بهذه ، فإنّ هذه أمور اعتباريّة ذهنيّة لا تحقّق لها خارجا على المذهب الصحيح.

قوله : ( مثل الوجود والوجوب والقدرة والعلم والأزليّة والأبديّة والبقاء والسرمديّة والسمع والبصر والإدراك ).

أقول : أمّا تصوّر « الوجود » فضروريّ ، على خلاف فيه.

وأمّا « الوجوب » فإن نسب إلى موجود فهو تأكّد الوجود ، وإن نسب إلى معدوم فهو تأكّد العدم.

والدليل على ثبوتهما له تعالى حدوث العالم المفتقر بالضرورة إلى محدث ؛ لامتناع صدور فعل عن معدوم ، ولزوم التسلسل المحال لو كان ممكنا ؛ فثبت وجوده ووجوبه.

وأمّا « القدرة » و « العلم » فقد تقدّم إثباتهما.

وأمّا « الأزليّة » و « الأبديّة » و « البقاء » و « السرمديّة » فثبوتها له تعالى مستغن عن


الكشف بعد بيان وجوبه ؛ فإنّ هذه لوازم له.

بقي أن نوضّح معنى هذه الكلمات.

فنقول : « الأزليّة » نفي العدم السابق ، و « الأبديّة » نفي اللاحق ، وفسّر « البقاء » بأنّه عبارة عن خروج الذات الثابتة عن ثباتها ، و « السرمديّة » صفة له.

وقال المصنّف في قواعده : البقاء نسبة بين الوجود والأزمنة ؛ إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة (١).

« والأبديّ » هو المستمرّ مع جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه.

و « الأزليّ » هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة.

وأمّا « السمع » و « البصر » و « الإدراك » فيدلّ عليهنّ القرآن العزيز ، ومعناها في حقّه العلم بمتعلّقاتها.

قوله : ( وكونه عدلا حكيما جارية أفعاله على وفق الحكمة والصواب ).

أقول : « العدل » لغة : التسوية (٢) ؛ واصطلاحا : تنزيه البارئ سبحانه عن فعل القبيح والإخلال بالواجب.

و « الحكيم » : واضع الأشياء مواضعها.

وفي قوله : « جارية أفعاله على وفق الحكمة والصواب » إشارة إلى أنّه تعالى يفعل لغرض ، وردّا على الأوائل حيث خالفوا في ذلك محتجّين بأنّ الفاعل لغرض مستكمل به فيكون ناقصا ، والبارئ ليس بناقص فلا يفعل لغرض.

وجوابهم : المنع من كون كلّ فاعل لغرض مستكمل.

وعلى الأشاعرة حيث نفوا الغرض عنه تعالى وعن جميع الممكنات ، وأسقطوا سائر العلل الغائيّة ، وأبطلوا علم الطبّ ومنافع الأعضاء ؛ محتجّين بأنّ الغرض إن كان قديما لزم قدم الفعل ذي الغرض ، وإن كان حادثا فهو من فعله تعالى ؛ لما ثبت من أنّه لا

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) المصباح المنير ٢ : ٥٢ ، « ع. د. ل ».


فاعل سواه ، وحينئذ فإن فعله لغرض آخر تسلسل ، وإلاّ لزم العبث.

وجوابهم : المنع من التسلسل ؛ لأنّ الأغراض اعتباريّة تنقطع بانقطاع المضاف إليه.

لنا ـ نحن على أنّه يفعل لغرض ـ المعقول والمنقول :

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه لو لا ذلك لزم العبث ، وهو نقص ، فيتنزّه الله عنه. ويلزم الظلم أيضا ؛ لأنّه إذا ألزم العباد مشاقّ التكليف لا لغرض ومنفعة في الدنيا والآخرة كان ظالما ضرورة.

وأمّا الثاني ؛ فالقرآن المجيد مشحون بذلك نحو قوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) ، وقوله : ( لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) (٢) ، وقوله :

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (٣) وقوله : ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٤).

قال صاحب المحصّل « فبيّن الله تعالى أنّ بعثة الرسل لقطع الحجّة » (٥) مع أنّ مذهبه أنّه لا غرض فيها.

[ فإن ] قالوا : يلزم من الاستدلال بالسمع هنا الدور ؛ لأنّه فرع عندكم على هذه المسألة.

قلنا : ذكرناه إلزاما ؛ لأنّكم ترون السمع لا يتوقّف عليها.

إن قلت : لم لا يكون « اللام » في قوله : ( لِيَعْبُدُونِ ) للعاقبة لا للغرض.

قلت : « لام » الغرض قد لا يحصل الغرض عقيبها ، كمن قال : « جئتك لتكرمني » ، فإنّه قد لا يحصل له الإكرام ، و « لام » العاقبة لا بدّ من حصول ما تعلّقت به ، كما قال

__________________

(١) الذاريات (٥١) : ٥٦.

(٢) الإسراء (١٧) : ١٢.

(٣) المؤمنون (٢٣) : ١١٥.

(٤) النساء (٤) : ١٦٥.

(٥) المحصّل : ٥١٣.


تعالى : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا ) (١). وقال الشاعر : « لدوا للموت وابنوا للخراب » (٢).

فلو كانت تلك « لام » العاقبة لما خرج أحد من الدنيا إلاّ عابد ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ( وإنّه لا يستطيع أحد الاطّلاع على ذاته ولا على صفة من صفاته ).

أقول : ذهب الجمهور من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ حقيقته تعالى معلومة للبشر ؛ لأنّ وجوده معلوم ونفس حقيقته ، ولأنّا نحكم على ذاته بالصفات وهو بدون تصوّرها محال (٣).

وجواب الأولى : أنّ وجوده المعلوم هو المشترك مع أنّه ليس بمعلوم بالكنه.

وجواب الثانية : أنّا لا نسلّم أنّ الحكم بدون التصوّر محال ؛ لوجهين :

الأوّل : أنّا نحكم على الأغذية والأدوية بأنّ لها خواصّا وآثارا مع جهلنا بحقائقها.

الثاني : أنّ الحكم لو استحال على غير المتصوّر لاستحال الحكم عليه.

سلّمنا استحالة الحكم بدون تصوّر لكن يكفي التصوّر العارضيّ ؛ فإنّا إذا علمنا أنّ العالم ممكن علمنا أنّ له مؤثرا ما ، ونحن نعقل حقيقة المؤثّر في الشاهد ، فلمّا كان مطلق المؤثّر معلوما موصوفا فيكون داخلا تحت مطلق المؤثّر ، وهذا جواب رصين.

أمّا الأوائل وضرار والجويني وأبو الحسين البصري والغزالي فقد وافقوا على أنّها غير معلومة.

والدليل على ذلك أنّ العلم بها إمّا ضروري وبطلانه ضروري ، أو كسبي وهو في التصوّرات إمّا بالحدّ المشتمل على الجنس والفصل المنفيّين عنه ، أو بالرسم وهو

__________________

(١) القصص (٢٨) : ٨.

(٢) نهج البلاغة : ٦٨٢ ، الحكمة ١٣٢. وفيه قال الإمام علي 7 : « إنّ لله ملكا ينادي في كلّ يوم : لدوا للموت ، واجمعوا للفناء ، وابنوا للخراب ».

(٣) حكاه عنهم في تلخيص المحصّل : ٣١٤ ؛ المباحث المشرقيّة ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٢.


بالجوارح فلا يفيد الاطّلاع على الحقيقة (١). ولهذا أنّ موسى 7 سئل بـ « ما » (٢) الدالّة على طلب الحقيقة ، أجاب بذكر خواصّه وصفاته ، فنسب إلى الجنون ، فذكر صفات أبين وقال : ( إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) (٣) ، ثبّتها لهم على استحالة الاطّلاع على حقيقته.

ولأنّه لو كانت ذاته معلومة لم يكن إلها كما أشار إليه أمير المؤمنين 7 في قوله : « كلّ معروف بنفسه مصنوع » (٤) وهذه مقدّمة دليل حذفت كبراه ، تقديرها : وكلّ مصنوع ليس بإله العالم ، فالناتج أنّ كلّ معروف بنفسه ليس بإله العالم ، بل نقول : صفاته الحقيقيّة غير معلومة لنا بالكنه ، فإنّا لا نعلم من قدرته إلاّ أنّها مبدأ الفعل على سبيل الصحّة ، ولا من علمه إلاّ أنّه مبدأ الإحكام والإتقان ، وذلك عنى المصنّف بقوله : ( ولا على صفة من صفاته ).

قوله : ( فهو أكبر من أن يوصف ).

أقول : أطلق المصنّف هنا العامّ وأراد الخاصّ ، فإنّه قد وصف بالصفات الثبوتيّة وغيرها ، والمراد بالوصف الدالّ على الإمكان المستلزم لمطلق النقصان ، كما وضّحه أخطب الخطباء أمير المؤمنين 7 حيث قال :

لا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه؟ إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزّأ كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولكان له وراء إذ وجد له أمام ، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان ، وإذا لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحوّل دليلا بعد أن كان مدلولا عليه (٥).

[ تنبيه ] هذه الكلمة أعني : « الله أكبر » كما دلّت على صفات الكمال ، دلّت على صفات الجلال ، كما ذكره المصنّف ( رضوان الله عليه ).

ويطابقه ما قال في رسالة النفل عند ذكر التكبيرات السبع : انّه : أوّل في الرواية ،

__________________

(١) حكاه عنهم في تلخيص المحصّل : ٣١٤ و ٣١٥.

(٢) أشار إلى الآية ٢٣ من سورة الشعراء (٢٦) : ( قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ).

(٣) الشعراء (٢٦) : ٢٨.

(٤) نهج البلاغة : ٣٦٥ ، الخطبة ١٨٦.

(٥) نهج البلاغة : ٣٦٦ ، الخطبة ١٨٦.


يعني رواية أحمد بن عبد الله عن عليّ 7 :

إنّ التكبير الأوّل : أن يلمس بالأخماس ، أو يدرك بالحواسّ ، أو أن يوصف بقيام أو قعود.

والثاني : أن يوصف بحركة أو جمود.

والثالث : أن يوصف بجسم أو يشبه بشبه.

والرابع : أن تحلّه الأعراض ، أو تؤلمه الأمراض.

والخامس : أن يوصف بجوهر أو عرض ، أو يحلّ في شيء.

والسادس : أن يجوز عليه الزوال ، أو الانتقال ، أو التغيير من حال إلى حال.

والسابع : أن تحلّه الخمس الحواسّ (١).

فقد ظهر اشتمال هذه الكلمة العظيمة على صفتي الجلال والإكرام.

قوله : ( أو يبلغه وصف الواصفين ).

أقول : كلّ وصف وصف الله سبحانه ممّا يدلّ على الإمكان لا يصل إليه تعالى ؛ لأنّ ذاته سبحانه لمّا خالفت سائر الذوات كان كلّ وصف انطبق على شيء منها انتفى عنه تعالى للمخالفة المذكورة.

والواصفون قد ذكرناهم وطرفا من كلامهم عند نفي الجسميّة عنه تعالى.

قوله : ( فلا يعلم ما هو إلاّ هو ).

أقول : هذه نتيجة ما مرّ ، ولهذا عقّب المصنّف ذلك بـ « الفاء ».

وعلى هذا قال ضرار بن عمرو : إنّ لله تعالى ماهيّة لا يعلمها إلاّ هو.

قال سلطان المجتهدين جمال الدين ـ جزاه الله عن الإسلام وأهله أفضل جزاء المحسنين وخصّه الله من وظائف فضله بأكمل ما أعدّه لعباده الصالحين ـ : وقول ضرار عندي قويّ (٢).

فإن عنى بالماهيّة الذات والحقيقة فهو حقّ وصواب ، وإن عنى شيئا آخر فهو جهالة.

__________________

(١) الألفية والنفلية : ١١١ و ١١٢ ، الفصل الثاني في سنن المقارنات ؛ وانظر الرواية في علل الشرائع ٢ : ٢٨ ، الباب ٣٠ ، ح ٥.

(٢) حكاه عنهما في مناهج اليقين : ١٩٨ ـ ١٩٩.


قوله : ( فهذه الكلمات الأربعة تشتمل على أصول الإيمان الخمسة أعني : التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ).

أقول : أمّا « الاشتمال » وكون هذه أصولا فبيّن ، وأمّا « الإيمان » فقد اختلف العلماء فيه ، والمحرر مذهبان :

[ المذهب ] الأوّل : أنّه اعتقاد بالقلب ونطق باللسان ، أو حكمه ، وهذا اختيار المحقّق نصير الدين في تجريده (١) ، وسديد [ الدين ] سالم بن محفوظ في منهاجه (٢) ، والسيّد ضياء الدين في رسالته (٣) ، وجمال المحقّقين في كثير من كتبه (٤).

ويدلّ على أنّ الاعتقاد وحده غير كاف قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (٥) فاستيقانهم بتلك الآيات لما أنكروها بألسنتهم لم يزل كفرهم ، ويدلّ على أنّ اللسان غير كاف أيضا قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (٦) فوجب أن يكون الإيمان عبارة عنهما معا.

المذهب الثاني : أنّه التصديق القلبي فقط ؛ لأنّه لغة كذلك (٧) ، لقوله تعالى : ( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) (٨) أي بمصدّق ، والأصل عدم النقل. وهذا مذهب الأشعرية (٩) ، واختيار كمال الدين ميثم في قواعده (١٠) ، وابن نوبخت ، واستقر به المقداد (١١).

ويدلّ على [ أنّ ] اللسان لا مدخل له فيه : أنّ الإيمان عرض لا بدّ له من محلّ ،

__________________

(١) كشف المراد : ٤٢٦ ، المسألة ١٥.

(٢) لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٠ و ٤٤١.

(٣) لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٠ و ٤٤١.

(٤) مناهج اليقين : ٣٦٧.

(٥) النمل (٢٧) : ١٤.

(٦) البقرة (٢) : ٨.

(٧) العين ٨ : ٣٨٩ « أ. م. ن ».

(٨) يوسف (١٢) : ١٧.

(٩) لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٢.

(١٠) لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٢.

(١١) لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٢.


ولا شكّ أنّ الله جلّ وعزّ لمّا أضافه إلى محلّه أضافه إلى القلب ، في قوله : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (١) ، وفي قوله : ( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (٢) ، وفي قوله : ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) (٣).

والمراد بالصدر القلب لحلوله فيه ، ولمّا كان لغة التصديق ، ومحلّ التصديق القلب ، وأنّه سبحانه أضافه إليه أيضا ، علمنا أنّ اللسان ليس من الإيمان في شيء ، ولا يحمل عليهما معا دفعا للاشتراك والمجاز ، بل نقول : النطق باللسان مظهر له ، والأعمال الصالحة ثمرات تؤكّده.

قوله : ( فمن حصّلها حصّل الإيمان ).

أقول : يحتمل أن يكون المراد الأصول ، أي من حصّل أصول الإيمان حصّله ، والأقوى أنّ المراد به الكلمات ولهذا عقّب بقوله : « وهنّ الباقيات الصالحات » ولا ريب أنّ من حصّلهنّ حصّل الأصول لاشتمالهنّ عليها ، ومن حصّل أصول الإيمان حصّل الإيمان ، فنتج من هاتين المقدّمتين أنّ من حصّلهنّ حصّل الإيمان ، فيكون بتحصيلهنّ العلم بمعانيهنّ المذكورة ، وإثبات كلّ واحد منها بالأدلّة المشهورة ؛ ولأنّ سياق كلام المصنّف الحثّ على هذه الكلمات ، والترغيب في إدراك معانيها ، ومن جملة ذلك :

قوله : ( وهنّ الباقيات الصالحات ).

أقول : إنّما اقتصر المصنّف ـ والله العالم ـ على ذلك لاشتهار شرفهنّ ؛ ولأنّ الكتاب الإلهي ناطق بأفضليّتهنّ. قال الله ( عزّ وعلا ) : ( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) (٤) ، وقال من بالكبرياء تردّى : ( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ

__________________

(١) النحل (١٦) : ١٠٦.

(٢) المجادلة (٥٨) : ٢٢.

(٣) الأنعام (٦) : ١٢٥.

(٤) الكهف (١٨) : ٤٦.


عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) (١).

وليكن هذا منتهى ما أمليناه على هذه الكلمات ، ونسأل الناظر فيه الجبر عند العبور على الهفوات ، والستر عند المرور على الخطيئات.

ونصلّي على محمّد أشرف البريّات وعلى آله المنتجبين بالكرامات ، وأصحابه ذوي السعادات صلاة نامية البركات ما تعاقبت اللحظات وتصرّمت الآنات ، وسلّم تسليما.

والحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم. (٢)

__________________

(١) مريم (١٩) : ٧٦.

(٢) إنهاء النسخة الخطّيّة : « وقع الفراغ من كتابتها بكرة نهار الخميس سلخ ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة [٨٩٣] بقلم العبد الفقير الخائف المستجير ، المؤمّل من ربّه مغفرة تنجيه يوم يشغل كلّ عن فصيلته وبنيه ؛ تاج الدين بن محمّد بن حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي الفوعي عفا الله عنه بمنّه وكرمه ، آمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، وذلك بقرية نامطي ».



الفهارس

١. فهرس الآيات الكريمة

٢. فهرس الأحاديث الشريفة

٣. فهرس مصادر التحقيق

٤. فهرس الموضوعات



١ ـ فهرس الآيات الكريمة

سورة البقرة (٢)

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ ) (٨)........................................ ٢٧٧

( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) (٢١)......................................... ١١٦

( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً ) (٢٢)...................................... ٢٥٤

( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ ) (٩١)....................................... ٢٤٦ ، ٢٥٩

( إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ) (١٤٣)........................................ ٢٤٦

( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) (١٥٢).................................. ٥٥ ، ١٨٠

( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) (١٨٣)....................................... ٥٣ ، ١٧٣

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (١٨٥)................................... ٢٦٩

( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (١٨٥).................... ٥٦ ، ١٨٦

( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) (١٩٤).................................. ١٠٩

( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) (٢٣٨)................................................ ١٣١

( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ) (٢٤٥)............................... ٢٤٢

( فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ ) (٢٤٩)......................................... ٩٨

( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ) (٢٨٤)................................ ١٢٩


سورة آل عمران (٣)

( وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ) (٧٧).................................................... ١٩٩

( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٩٧)......................................... ٧٣ ، ٢١١

( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ) (١٠٤)................................ ١٦٣

( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ) (١٠٦)....................................... ٩٣

( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ) (١٥٩)....................................... ١٢٧

( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا ) (١٨١).................................... ٢٤٢

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) (٢٠٠)......................... ٥٣ ، ١٧٣

سورة النساء (٤)

( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ) (٩)........................ ٨١ ، ٢٢٣

( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ ) (٥٨)................................... ٢٢١

( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (٩٥).............. ٧٥ ، ٢١٣

( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) (١١٦)....................................... ١٤٦

( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ ) (١٦٥)................................... ٢٧٣

( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ) (١٧٢)........................... ٢٥١

سورة المائدة (٥)

( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ) (٢).................................................. ١٦٣

( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (٤)........................................... ٢١٩

( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (٦)............................... ١٦٣

( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) (٦)........................ ٥٣ ، ١٧٣


( وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ ) (١٨).............................. ٢٥١

( فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ) (١٨).............................................. ٢٥١

( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (٦٧)................................................. ٢٥٧

( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) (٧٣).............................. ٢٦٥

( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ ) (٩١)..................... ٥٣ ، ١٧٣

سورة الأنعام (٦)

( إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ ... الظَّالِمِينَ ) (٦٨).......................... ١٦٣

( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ ) (٣١)................................ ١٩٦

( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ... مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( ٧٦ ـ ٧٩ ).......... ٢٦٩

( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) (٧٨)............................... ٢٦٨

( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ... وَعِيسى ) ( ٨٤ ـ ٨٥ )..................................... ٩٧

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها ) (٩٧).............................. ٢٥٤

( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (١٠٣)............................................... ٢٤١

( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) (١٢٥)............................................ ٢٧٨

( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ ) (١٤٥)..................... ١٣١

سورة الأعراف (٧)

( إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ) (١٥٦)................................................... ٢٦٥

سورة الأنفال (٨)

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ ) (٦٤)........................................... ١٤٩


سورة التوبة (٩)

( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) (١٠٣)............................. ٥٣ ، ١٧٣

سورة هود (١١)

( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (١١٤)............. ٥٣ ، ١٣٧ ، ١٧٢

سورة يوسف (١٢)

( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) (١٧)................................................ ٢٧٧

( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (٨٢)..................................................... ١٦٩

سورة الرعد (١٣)

( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ) (٣١)..................................... ١٤٩

سورة إبراهيم (١٤)

( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (٣٤).............. ٥٥ ، ١٥٧ ، ١٨١ ، ٢٥٤

سورة الحجر (١٥)

( إِلاَّ آلَ لُوطٍ ) (٥٩)........................................................ ٩٦

سورة النحل (١٦)

( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (١٠٦)................................. ٢٧٨


سورة الإسراء (١٧)

( إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ) (٣)............................................... ٢٦٠

( لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) (١٢) ٢٧٣

( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٣٦)................ ١٢٩

سورة الكهف (١٨)

( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ ... أَمَلاً ) (٤٦)................................. ٢٧٨

( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (١٠٤) ٩٢

( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١١٠)....................................... ١٣٤

سورة مريم (١٩)

( إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ) (٤٧).......................................... ١٩٣ ، ٢١٨

( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ ... مَرَدًّا ) (٧٦) ٢٧٩

( وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً ... إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ) ( ٨٨ ـ ٩٣ )......... ٢٥١

سورة طه (٢٠)

( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) (٧١)...................................... ٢٠٢

سورة الأنبياء (٢١)

( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ ) (٢).......................................... ١٦٠

( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) (٢٠)............................. ٥٠ ، ١٦١

( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) (٢٣).............................. ٥٢ ، ١٦٧


( سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ) (٦٠)................................. ٢٣٠

سورة الحجّ (٢٢)

( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢٩)............................................ ١٦٣

( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) (٣٠)........................................ ١٥٢

( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (٣٦)................................................ ٢٠٦

( ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ) (٧٧).................................... ١٦٤

سورة المؤمنون (٢٣)

( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) (١)..................... ١٦٣

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (١١٥)................................ ٩٠ ، ٢٧٣

سورة النور (٢٤)

( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ ) (١٩).................... ٨٥ ، ٢٢١ ، ٢٣٠

( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (٣٠)................................... ١٦٢

( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) (٣٧)................... ٥٠ ، ١٥٩

( يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ ) (٤٣)....................................... ٩٨

سورة الفرقان (٢٥)

( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) (٢٩)................................ ١٦٠

سورة الشعراء (٢٦)

( إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) (٢٨).................................................. ٢٧٥


سورة النمل (٢٧)

( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (١٤).................................... ٢٧٧

سورة القصص (٢٨)

( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا ) (٨).................................. ٢٧٤

سورة العنكبوت (٢٩)

( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٤٥)................ ٥٣ ، ١٥٣ ، ١٧٣

سورة الروم (٣٠)

( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا ) (٩)...................................... ١٦٢

( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٣٠)....................... ٢٦٩

سورة لقمان (٣١)

( هذا خَلْقُ اللهِ ) (١١)..................................................... ١٢٢

( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ) (١٤)...................................... ٥٥ ، ١٨١

( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) (١٨)......................................... ١٦٣

( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) (١٩)............................. ١٦٣

( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) (٢٠)................................... ٢٥٣


سورة الأحزاب (٣٣)

( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (٤٣)................................... ٢٥٥

سورة سبأ (٣٤)

( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) (١٣)............................................ ٢٦٠

سورة فاطر (٣٥)

( لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٤)..................................................... ٢٦١

سورة ص (٣٨)

( داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ) (١٧)....................................................... ٩٣

( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (٣٢)............................................ ١١٣

سورة الزمر (٣٩)

( ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ) (٣)........................... ١٦٨ ، ٢٦٦

( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ) (١٨)................................... ١٦٣

( إِنَّكَ مَيِّتٌ ) (٣٠)........................................................ ١٠٣

( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) (٧٥).............................. ٢١٨

سورة الشورى (٤٢)

( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) (٥).......................................... ٢٥٥

( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (١١)................................................. ٢٦٤


( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) (٤٠).................................... ١٠٩ ، ٢٦١

سورة الجاثية (٤٥)

( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٢٩).................................... ٢٤٦

سورة محمّد ٦ (٤٧)

( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (٤)............................... ١٦٣

( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) (١٩)............................................ ٢٦٣

( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ) (٣١).............................. ٢٤٦

سورة الفتح (٤٨)

( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) (١١)................................. ٢٧٠

( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ) (٢٧)........................... ١٨٦

سورة الذاريات (٥١)

( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) (٢٢)................................... ٢٥٤

( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٥٦)............................... ٢٧٣

سورة الطور (٥٢)

( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) (٢١)......................................... ١٧٨

سورة النجم (٥٣)

( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ... عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) ( ٣ ـ ٥ ).................... ٢٥٧


( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) (٣٩)...................................... ١١٤

( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا ) ( ٤٣ ـ ٤٤ ).................. ٩٢

سورة الرحمن (٥٥)

( فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) (٦٨)............................................... ١٣٣

سورة الحديد (٥٧)

( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ) (١١)................................. ٢٤٢

سورة المجادلة (٥٨)

( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (٢٢)............................................ ٢٧٨

سورة الجمعة (٦٢)

( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٩)................................................. ١٦٣

سورة المنافقون (٦٣)

( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا ) (١)............................................ ٢٧٠

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ ... عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) (٩)........... ٥٠ ، ١٥٩

سورة الطلاق (٦٥)

( قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً ) ( ١٠ ـ ١١ )............................ ١٦٠


سورة المعارج (٧٠)

( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) (١)............................................. ٢٥٧

سورة نوح (٧١)

( وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً ) (٢٣).......................................... ٢٦٧

سورة الجنّ (٧٢)

( تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (٣)............................... ٢٥١

سورة الإنسان (٧٦)

( وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) (٢٤)....................................... ١٣٤

سورة النازعات (٧٩)

( وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ ) ( ٤٠ ـ ٤١ )....................... ١٠٧

سورة الانفطار (٨٢)

( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ... يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) ( ١٠ ـ ١٢ )................. ٢٥٥

سورة الانشقاق (٨٤)

( فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ) (١١)............................................... ٢٢٦

سورة الليل (٩٢)

( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ... لِلْعُسْرى ) ( ٥ ـ ١٠ )..... ٥٣ ، ١٧٣


سورة البيّنة (٩٨)

( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٥)............................ ١٣٤

سورة الماعون (١٠٧)

( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) ( ٦ ـ ٧ )............................ ٢٢٠

سورة الإخلاص (١١٢)

( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (٣).................................................... ٢٥١


٢ ـ فهرس الأحاديث الشريفة

« أ »

ابتعثه بالنور المضيء ، والبرهان الجليّ........................................... ٢٥٦

ابني هذا سيّد.................................................................. ٩٧

أتى آدم 7 هذا البيت ألف أتية........................................ ٧٥ ، ٢١٣

اتّقوا الحالقة ؛ فإنّها تميت الرجال ........................................ ٨٣ ، ٢٢٦

اجتهدوا في العمل فإن قصّر بكم ضعف فكفّوا ............................ ٥٧ ، ١٨٩

أحبّ الأعمال إلى الله ( عزّ ) الصلاة .................................... ٦٢ ، ١٩٦

أحسنوا جوار النعم .................................................... ٧٠ ، ٢٠٧

أدرج صلاتك إدراجا .................................................. ٨١ ، ٢٢٣

أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه ...................................... ٢١٨

إذا تلاقى المؤمنان سقط بينهما مائة رحمة ....................................... ٢٠١

إذا علمت أنّ ذلك منّي فقد شكرتني .................................... ٥١ ، ١٦٢

إذا قام العبد إلى الصلاة فخفّف صلاته ................................... ٦٣ ، ١٩٧

إذا كان يوم القيامة كشف غطاء ........................................ ٨٤ ، ٢٢٧

أذقني برد عفوك ............................................................. ٢٠٧

أرأيتم لو جمعتم ما عندكم .............................................. ٦٩ ، ٢٠٥

أسألك بجمالك وجلالك ..................................................... ١٠٨


الاشتهار بالعبادة ريبة .................................................. ٥٨ ، ١٩٠

أشراف أمّتي حملة القرآن ............................................... ٥٩ ، ١٩١

اغسلوا رءوسكم بورق السدر .......................................... ٦١ ، ١٩٤

أفضل الأعمال أحمزها ....................................................... ١٩٧

أفضل الصدقة إبراد كبد حرّى .......................................... ٧٠ ، ٢٠٧

ألا أخبرك بملاك ذلك؟ ....................................................... ١٥٤

ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان ............................. ٧١ ، ٢٠٩

ألا إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملا ..................................... ٥٩ ، ١٩٢

ألا وإنّ التباغض الحالقة ...................................................... ٢٢٦

ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ........................ ٧٩ ، ٢٢٠

اللهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي .......................................... ٩٣

أما يرضى أحدكم أن يقوم ... ويصلّي .................................. ٦٧ ، ٢٠٣

إنّ التكبير الأوّل : أن يلمس بالأخماس ......................................... ٢٧٦

أنّ الحاج من حين يخرج ... بمنزلة الطائف ............................... ٧٤ ، ٢١٢

أنّ الحجّ أفضل من الصلاة والصيام ...................................... ٧٤ ، ٢١٣

أنّ درهما في الحجّ خير من ألف ألف درهم ............................... ٧٥ ، ٢١٣

أنّ رجلا سأل عليّ ... عن قيام الليل .................................... ٦٦ ، ٢٠١

أنّ رسول الله 6 اغتمّ ، فأمره جبرئيل بغسل رأسه..................... ٦١ ، ١٩٤

أنّ رسول الله 6قال لأصحابه ذات يوم..................................... ٢٠٥

أنّ السجود على طين قبر الحسين7ينوّر................................ ٦٥ ، ١٩٩

إنّ سوء الخلق ليفسد العمل ............................................. ٨٦ ، ٢٣١

إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع ................................ ٨٣ ، ٢٢٥

إنّ طاعة الله ( عزّ ) خدمته ............................................. ٦٢ ، ١٩٦

إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها ...................................... ٦٧ ، ٢٠٣

إنّ عليها ألف ألف غصن .................................................... ١٩٥

إنّ الكذب هو خراب الإيمان ............................................ ٨٢ ، ٢٢٤


إنّ الكعبة أنزلت في تسع وعشرين من ذي القعدة ......................... ٧٣ ، ٢١٠

إنّ اللعنة إذا خرجت من في صاحبها تردّدت .............................. ٨٦ ، ٢٣١

إنّ الله ( تع ) إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب قال : ................ ٦٥ ، ١٩٩

إنّ الله أنزل القرآن لتعملوا به ................................................. ٢١٩

إنّ الله أوحى إلى داود 7 أن اشكرني......................................... ٢٦٠

إنّ الله ( عزّ ) أوحى إلى نبي من الأنبياء .................................. ٨٢ ، ٢٢٤

إنّ الله ( عزّ ) جعل للشرّ أقفالا ......................................... ٨٢ ، ٢٢٤

أنّ الله ( جلّ ) قال له ليلة الإسراء : إنّ كلمة التقوى عليّ بن أبي طالب ............ ٩٠

إنّ الله لا يشبهه شيء ........................................................ ٢٤٨

إنّ الله لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ................................... ٢٥٠

إنّ الله ( تع ) ليريد عذاب أهل الأرض جميعا ............................. ٦٥ ، ١٩٩

إنّ الله هو العالم بالأشياء ...................................................... ٢٤٦

إنّ الله وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين ................................... ٧١ ، ٢٠٨

إنّ الله ( تع ) حول الكعبة عشرين ومائة رحمة ............................ ٧٤ ، ٢١٢

إنّ المعقّب حتّى تطلع الشمس كحاجّ رسول الله ........................... ٦٩ ، ٢٠٦

إنّ من روح الله ( عزّ ) ثلاثة : التهجّد بالليل ............................. ٦٦ ، ٢٠١

إنّ نوحا كان إذا أصبح وأمسى قال ........................................... ٢٦٠

أنّ هديّة الحاجّ من نفقة الحجّ ............................................ ٧٥ ، ٢١٣

أنا خير شريك ما خولطت في شيء .................................... ١٣٤ ، ١٩١

إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها .................................. ٨١ ، ٢٢٢

إنّما لكلّ امرئ ما نوى ............................................... ١١٤ ، ١٣٤

إنّه ليس من عبد إلاّ وله من الله حافظ ......................................... ٢٥٥

أنّه ما تقرّب إلى الله ( عزّ ) بشيء ....................................... ٧٤ ، ٢١٢

إنّي مننت عليك بعشر خصال ................................................ ٢٥٧

أوتيت جوامع الكلم ........................................................... ٩٥

أوحى الله ( عزّ ) إلى آدم 7 : يا آدم ، إنّي أجمع........................ ٥٩ ، ١٩١


أوّل ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسّرها ........................... ٦٥ ، ١٩٨

أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله ................................ ٧٩ ، ٢٢٠

أيّما امرأة لم ترفق بزوجها ... لم يقبل الله منها ............................ ٨٠ ، ٢٢٢

« ب »

البرّ والصدقة ينفيان الفقر ..................................................... ٢٠٥

« ت »

التعقيب أبلغ في طلب الرزق ............................................ ٦٨ ، ٢٠٣

التوحيد ألاّ تتوهّمه .......................................................... ١٥٩

« ج »

جاء رجل إلى رسول الله 6 فقال : ... ما حقّ العلم؟.................. ٥٧ ، ١٨٩

جاء رجل من خثعم إلى رسول الله 6 وقال :.......................... ٧٦ ، ٢١٤

جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم ..................................... ٢٥٤

الجلوس بعد صلاة الغداة ... أبلغ في طلب الرزق .......................... ٧٠ ، ٢٠٦

الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ................................... ٨٥ ، ٢٣٠

الجنّة تحت ظلال السيوف .............................................. ٧٦ ، ٢١٤

الجنّة تحت أطراف العوالي .............................................. ٧٦ ، ٢١٤

« ح »

حجّة أفضل من الدنيا وما فيها .......................................... ٦٣ ، ١٩٦

« د »

داووا مرضاكم بالصدقة ................................................ ٧٠ ، ٢٠٨

دع عنك حيرة الحيران ....................................................... ٢٤٨


الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة .................................... ٦٨ ، ٢٠٤

« ر »

رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر ................................ ٧٦ ، ٢١٤

رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات .............................. ٧٢ ، ٢١٠

« س »

سئل النبي 6 ما كفّارة الاغتياب؟.................................... ٨٥ ، ٢٣٠

سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ..................................... ٧٠ ، ٢٠٦

سمّاه خليله ؛ لأنّه تخلّل معانيه .................................................... ٩٢

سيكثر الهرج ................................................................ ١٠٥

« ش »

شارب الخمر زمامه بيد الشيطان .............................................. ٢٢٤

شهادة أن لا إله إلاّ الله ................................................. ٦٢ ، ١٩٥

« ص »

صلّى أمير المؤمنين 7 بالناس الصبح بالعراق............................. ٨٦ ، ٢٣١

صلاة ركعتين بسواك أفضل عند الله ..................................... ٦٠ ، ١٩٣

صلاة فريضة خير من عشرين حجّة ...................................... ٦٣ ، ١٩٦

صلاة في بيت المقدّس تعدل ألف صلاة ................................... ٦٤ ، ١٩٨

الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة .................................... ٦٣ ، ١٩٧

صلاة الليل تحسّن الوجه ................................................ ٦٦ ، ٢٠٠

الصوم جنّة من النار .................................................... ٧١ ، ٢٠٨

صوم يوم التروية كفّارة سنة ............................................ ٧٢ ، ٢١٠

صوم يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة .................................. ٧٣ ، ٢١٠


صوم يوم غدير خمّ كفّارة ستّين سنة ..................................... ٧٢ ، ٢١٠

« ض »

ضعوها في ركوعكم ......................................................... ١٣١

« ع »

العبّاد ثلاثة : قوم عبدوا الله تعالى خوفا ................................... ٥٠ ، ١٥٩

علّمني رسول الله 6 ألف باب من العلم.................................... ١٥٩

« غ »

غسل الرأس بالخطمي في كلّ جمعة أمان ......................................... ٦١

غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ........................................ ٦١ ، ١٩٤

غسل يوم الجمعة طهور وكفّارة ......................................... ٦١ ، ١٩٤

الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله ..................................... ٨٥ ، ٢٣٠

« ف »

فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله ............................. ٧٥ ، ٢١٣

في كتاب علي7 ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ ....................... ٨٣ ، ٢٢٦

في كلّ جمعة أمان من البرص والجنون .......................................... ١٩٤

« ق »

قال أبي 7 ، قال رسول الله6 : أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا...... ٨٢ ، ٢٢٥

قال رسول الله 6 : اتّقوا الظلم ..................................... ٨١ ، ٢٢٣

قال رسول الله 6 : أفضل الناس من عشق العبادة ..................... ٥٧ ، ١٨٩

قال رسول الله6 : ألا وإنّ التباغض٨٣.................................. ، ٢٢٦

قال رسول الله6 : كن بارّا......................................... ٨٣ ، ٢٢٧


قال رسول الله6 : لا هجرة فوق ثلاث ............................. ٨٢ ، ٢٢٥

قال رسول الله6 : لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه .............................. ٢٢٨

قال رسول الله6 : ما جزاء من أنعم الله عليه ............................... ٢٦٩

قال رسول الله6 : من أذاع فاحشة كان ............................ ٨٥ ، ٢٢٩

قال رسول الله6 : من صنع إلى أحد من أهل بيتي ..................... ٧١ ، ٢٠٨

قال رسول الله6 : يا معشر من أسلم بلسانه ......................... ٨٤ ، ٢٢٩

قال الله ( جلّ ) إذا عصاني ... سلّطت عليه .............................. ٧٧ ، ٢١٥

قال الله ( جلّ ) أيّما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري ........................ ٧٧ ، ٢١٥

قال الله ( تع ) الصوم لي وأنا أجزي به ................................... ٧١ ، ٢٠٨

قيام الليل مصحّة البدن ................................................. ٦٦ ، ٢٠٠

« ك‍ »

كان مسجد رسول الله6 ثلاثة آلاف ............................... ٦٤ ، ١٩٨

كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا .......................... ٥٩ ، ١٩١

كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بـ « بسم الله ....................................... ٨٩

كلّ معروف بنفسه مصنوع ................................................... ٢٧٥

كلّ نعيم مسئول عنه صاحبه إلاّ ......................................... ٧٤ ، ٢١٣

كيف أشكرك والشكر نعمة منك ............................................. ٢٦١

« ل »

لا إله إلاّ الله كلمة عظيمة .................................................... ٢٦٩

لا تبدي الشماتة لأخيك ............................................... ٨٦ ، ٢٣١

لا تدع صوم يوم سبعة وعشرين من رجب ............................... ٧٢ ، ٢١٠

لا تنسوا الموجبتين ..................................................... ٦٩ ، ٢٠٥

لا تهاجروا ، ولا تناجشوا ، ولا تقاطعوا ........................................ ١٦٤

لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب .................................................... ١٣١


لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة ............................................ ٦٤ ، ١٩٨

لا يجري عليه السكون والحركة ............................................... ٢٧٥

لا يزال إبليس فرحا ما تهاجر المسلمان ................................... ٨٣ ، ٢٢٥

لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ......................................... ٨٠ ، ٢٢٢

لا يزال العبد في حدّ الطائف بالكعبة ..................................... ٧٤ ، ٢١٢

لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف .................................... ٧٦ ، ٢١٤

لا يغلق الرهن ................................................................. ٩٥

لا يفترق رجلان على الهجران إلاّ ....................................... ٨٢ ، ٢٢٤

لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم ............................. ٦٤ ، ١٩٨

لتسبيح فاطمة3 ... أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة .................... ٦٨ ، ٢٠٤

لقيني ربّي فصافحني وكافحني ................................................. ٢٤٧

لم يلد فيكون مولودا ولم يولد ................................................. ٢٥١

ليلة أسري بالنبيّ6 قال : يا ربّ..................................... ٨٤ ، ٢٢٧

ليس من عبد إلاّ يوقظ في كلّ ليلة مرّة ................................... ٨٠ ، ٢٢٢

« م »

ما زال جبرئيل٧ يوصيني بالسواك حتّى ................................... ٦٠ ، ١٩٣

ما ضعف البدن عمّا قويت عليه النفس ................................... ٥٩ ، ١٩١

ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح ........................... ٦٨ ، ٢٠٤

ما عبدتك طمعا في ثوابك .............................................. ٥٠ ، ١٥٩

ما من أحد يظلم بمظلمة إلاّ أخذ الله ..................................... ٨١ ، ٢٢٣

ما من رجل من أهل كورة وقف بعرفة ................................... ٧٤ ، ٢١٢

ما من صائم يحضر قوما وهم يطعمون .................................... ٧٣ ، ٢١١

ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك .................................. ٦٢ ، ١٩٦

ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم .......................... ٥٩ ، ١٩١

المنحة مردودة ................................................................. ٩٥


مزاح المؤمن عبادة ........................................................... ٢١٦

المساجد أربعة : المسجد الحرام و......................................... ٦٤ ، ١٩٧

معنى ليخش : إن أخلفه في ذرّيته .............................................. ٢٢٣

مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ ................................... ٦٣ ، ١٩٧

من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى إشباع ................................... ٧٠ ، ٢٠٧

من احتاج إليه أخوه ... فلم يفعل حرّم الله عليه ........................... ٨٠ ، ٢٢١

من أخذ من أظفاره كلّ خميس لم يرمد ولده .............................. ٦٢ ، ١٩٥

من أخذ من أظفاره وشاربه كلّ جمعة .................................... ٦٢ ، ١٩٥

من أذّن في مصر من أمصار المسلمين ..................................... ٦٥ ، ١٩٩

من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه ....................................... ٨٠ ، ٢٢١

من اغتسل للجمعة فقال : أشهد ........................................ ٦١ ، ١٩٤

من أمّ هذا البيت حاجّا أو معتمرا مبرّأ .................................... ٧٣ ، ٢١١

من أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه .......................................... ٧٣ ، ٢١١

من أنفق درهما في الحجّ كان خيرا له ..................................... ٧٥ ، ٢١٣

من بات وفي قلبه غشّ لأخيه المسلم بات ................................. ٨٠ ، ٢٢١

من بنى بنيانا رياء وسمعة حمله ............................................ ٧٨ ، ٢١٨

من تأمّل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك ............................... ٧٨ ، ٢١٧

من تطيّب بطيب ... وهو صائم لم يفقد عقله ............................. ٧٣ ، ٢١١

من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله ......................................... ٧٨ ، ٢١٨

من تمام الصوم إعطاء الزكاة ............................................ ٧٠ ، ٢٠٧

من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ..................................... ٦١ ، ١٩٣

من حجّ ولم يزرني فقد جفاني ................................................. ١٦٣

من خان أمانة في الدنيا ولم يردّها ........................................ ٨٠ ، ٢٢١

من ختم له بقيام الليل ثمّ مات فله الجنّة ................................... ٦٦ ، ٢٠١

من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر .................................... ٧٢ ، ٢٠٩

من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه .................................. ٨٥ ، ٢٣١


من زنى بامرأة ثمّ لم يتب منه فتح الله له ................................... ٧٩ ، ٢١٩

من سبّح تسبيح فاطمة3 ............................................. ٦٨ ، ٢٠٤

من سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها ................................ ٨٠ ، ٢٢١

من شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما ................................... ٧٩ ، ٢١٩

من شمت بمصيبة ... لم يخرج من الدنيا ................................... ٨٦ ، ٢٣١

من شهد شهادة زور على أحد من الناس ................................. ٨٠ ، ٢٢١

من صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة ............................... ٧٢ ، ٢١٠

من صام أوّل يوم من عشر ذي الحجّة .................................... ٧٢ ، ٢١٠

من صام يوما تطوّعا أدخله الله ( عزّ ) الجنّة ............................... ٧٢ ، ٢١٠

من صلّى صلاة فريضة وعقّب ........................................... ٦٨ ، ٢٠٤

من صلّى الصلوات الخمس في جماعة ..................................... ٦٦ ، ٢٠٠

من صلّى عند المقام ركعتين عدلتا عتق ستّ .............................. ٧٤ ، ٢١٢

من صلّى الغداة والعشاء ... فهو في ذمّة الله ............................... ٦٦ ، ٢٠٠

من صلّى فجلس في مصلاّه .............................................. ٦٩ ، ٢٠٦

من صلّى في المسجد الحرام صلاة ........................................ ٦٣ ، ١٩٧

من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان .................................... ٧٩ ، ٢١٩

من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه ........................................ ٨١ ، ٢٢٣

من قال في مؤمن ما رأته عيناه ........................................... ٨٥ ، ٢٣٠

من قرأ القرآن ثمّ شرب عليه حراما ...................................... ٧٨ ، ٢١٩

من قلّم أظفاره يوم السبت .............................................. ٦٢ ، ١٩٥

من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه .............................. ٧٧ ، ٢١٥

من كثر كلامه كثر خطؤه .................................................... ١٢٥

من كنت مولاه فعليّ مولاه ................................................... ٢٥٧

من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة ................................ ٦٤ ، ١٩٨

من لقي أخاه بما يؤنّبه أنّبه الله ........................................... ٨٥ ، ٢٢٩

من لقي المسلمين بوجهين ولسانين جاء ................................... ٨٢ ، ٢٢٤


من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك .................................. ٧٨ ، ٢١٦

من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا ............................... ٧١ ، ٢٠٨

من مدح سلطانا جائرا .................................................. ٧٨ ، ٢١٧

من مشى إلى المسجد لم يضع رجليه ...................................... ٦٤ ، ١٩٨

من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه ....................................... ٧٩ ، ٢٢٠

من منع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي ................................. ٧١ ، ٢٠٨

من منع الماعون جاره منعه الله خيره ...................................... ٧٩ ، ٢٢٠

المؤذّن يغفر الله له مدّ بصره ............................................. ٦٥ ، ١٩٩

المؤمن لا يهجر أخاه أكثر من ثلاثة ...................................... ٧٨ ، ٢١٧

المؤمن معقّب ما دام على وضوء ......................................... ٦٨ ، ٢٠٤

الموجبتان من مات يشهد أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ............................. ٢٦٩

« ن »

نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح ......................................... ٧٢ ، ٢٠٩

« هـ »

هذه الزكاة أوساخ لا لمحمّد ولا لآل محمّد ........................................ ٩٦

« و»

والله جلّ جلاله قال : ما آمن بي من فسّر كلامي ................................ ٢٤٨

والذي لا إله إلاّ هو إنّه من أمر الله ............................................ ٢٥٧

والذي نفسي بيده ، لغدوة في سبيل الله .................................. ٧٥ ، ٢١٣

ومن قدم حاجّا فطاف بالبيت ........................................... ٧٣ ، ٢١٢

ومننت على عبادك بمعرفتك .................................................... ٩١

ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ ....................................... ٨١ ، ٢٢٢


« ى »

يا أبا الحسن إنّ الله جعل قبرك ... بقاعا من بقاع الجنّة ... ...................... ١٦٤

يا بنيّ إيّاك أن يراك الله ( عزّ ) في معصية ................................. ٧٧ ، ٢١٥

يا عليّ الإسلام عريان فلباسه الحياء ...................................... ٦٠ ، ١٩٢

يا عليّ سبعة من كنّ فيه فقد استكمل ... ................................ ٦٠ ، ١٩٢

يا عليّ سر سنتين برّ والديك .................................................. ١٩٢

يا عليّ السواك من السنّة ............................................... ٦٠ ، ١٩٢


٣ ـ فهرس مصادر التحقيق

« أ »

١ ـ الاحتجاج. لأبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي ( من أعلام القرن السادس ). تحقيق السيّد محمّد باقر الموسوي الخرسان. الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م.

٢ ـ إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين. لجمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي ( م ٨٢٦ ). تحقيق السيّد مهدي الرجائي. قم ، مكتبة آية الله المرعشي العامّة ، ١٤٠٥ ه‍.

٣ ـ إرشاد القلوب. لحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي ( من أعلام القرن الثامن ). تحقيق السيّد هاشم الميلاني. الطبعة الأولى ، مجلّدان ، طهران ، دار الأسوة للطباعة والنشر ، ١٣٧٥ ش / ١٤١٧ ه‍.

٤ ـ الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة. للعلاّمة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ). تحقيق قسم إحياء التراث الإسلامي مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة. الطبعة الأولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، ١٤٢١ ه‍.

٥ ـ الألفية والنفلية. للشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ). تحقيق عليّ الفاضل القائيني النجفي. الطبعة الأولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، ١٤٠٨ ه‍.

٦ ـ أمالي الصدوق. لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ


الصدوق ( م ٣٨١ ). تقديم الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، ١٤١٠ ه‍ / ١٩٩٠ م.

٧ ـ أمالي الطوسي. لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ). تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة ـ مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأولى ، قم ، دار الثقافة ، ١٤١٤ ه‍.

٨ ـ أمالي المفيد. لأبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ ). تحقيق علي أكبر الغفّاري وحسين أستاد ولي. قم ، جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة ، ١٤٠٣ ه‍.

٩ ـ أمل الآمل في علماء جبل عامل. للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤ ).

إعداد السيّد أحمد الحسيني. الطبعة الأولى ، مجلّدان ، بغداد ، مكتبة الأندلس ، ١٣٨٥ ه‍.

« ب »

١٠ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار :. للعلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١٠ ). إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الثالثة ، ١١٠ مجلّدا ( إلاّ ٦ مجلّدات ، من المجلّد ٢٩ ـ ٣٤ ) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م. [ بالأوفست عن طبعة إيران ].

١١ ـ بدائع الصنائع ( كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ). لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الملقّب بملك العلماء ( م ٥٨٧ ). الطبعة الثانية ، ٧ مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٤ م.

« ت »

١٢. تاج العروس من جواهر القاموس. للسيّد محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( ١١٤٥ ـ ١٢٠٥ ). تحقيق عدّة من الفضلاء. صدر منه حتّى الآن ٢٥ جزءا [ بيروت ] دار الهداية.

١٣ ـ التبيان في تفسير القرآن. لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ


الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ). إعداد أحمد حبيب قصير العاملي. ١٠ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

١٤ ـ تحف العقول عن آل الرسول 6. لشيخ أبي محمّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني ( من أعلام القرن الرابع ). تقديم الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة السادسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، ١٤١٧ ه‍ / ١٩٩٦ م.

١٥ ـ تذكرة الفقهاء. للعلاّمة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ).

تحقيق مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ، صدر منه حتّى الآن ١١ مجلّدا ، قم ، مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ، ١٤١٤ ه‍ ـ ١٤٢١ ه‍.

١٦ ـ تفسير الإمام العسكري 7. المنسوب إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري 7. تحقيق مدرسة الإمام المهدي 7. الطبعة الأولى ، قم ، مدرسة الإمام المهدي 7 ، ١٤٠٩ ه‍.

١٧ ـ تفسير الطبري ( جامع البيان في تفسير القرآن ). لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ( م ٣١٠ ). الطبعة الأولى ، ١٢ مجلّدا في ٣٠ جزءا ، بيروت ، دار المعرفة ، ١٤٠٩ ه‍ / ١٩٨٩ م.

١٨ ـ تلخيص المحصّل. للخواجه نصير الدين محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ( ٥٩٧ ـ ٦٧٢ ). باهتمام عبد الله نوراني. الطبعة الأولى ، جامعة طهران ، ١٣٥٩ ه‍ ـ ش.

١٩ ـ تهذيب الأحكام. لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ). إعداد السيّد حسن الموسوي الخراسان. الطبعة الثالثة ، ١٠ مجلّدات ، طهران ، دار الكتاب الإسلاميّة ، ١٣٦٤ ه‍ ـ ش.

٢٠ ـ التوحيد. لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ المعروف بالشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ). تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني. قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، ١٣٩٨ ه‍.

« ث »

٢١ ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال. لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القميّ


المعروف بالشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ). تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، ١٣٩١ ه‍.

« ج »

٢٢ ـ الجامع لأحكام القرآن. لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( م ٦٧١ ).

الطبعة الأولى ، ٢٠ جزءا في ١٠ مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م.

٢٣ ـ جمل العلم والعمل. لأبي القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ). إعداد رشيد الصفّار. الطبعة الأولى ، النجف الأشرف ، مطبعة النعمان ، ١٣٧٨ ه‍ / ١٩٦٧ م.

٢٤ ـ جوامع الجامع. لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ( حوالي ٤٧٠ ـ ٥٤٨ ). تحقيق أبو القاسم گرجي. الطبعة الثانية ، صدر مجلّدان حتّى الآن ، قم ، شورى مديرية الحوزة العلميّة ، ١٤٠٩ ه‍ / ١٣٦٧ ش.

« خ » ٢٥ ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال. للعلاّمة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ). تحقيق الشيخ جواد القيّومي. الطبعة الأولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، ١٤١٧ ه‍.

« د »

٢٦ ـ الدرّ المنثور في التفسير المأثور. لعبد الرحمن جلال الدين السيوطي ( ٨٤٩ ـ ٩١١ ).

٨ مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤١٤ ه‍ / ١٩٩٣ م.

« ذ »

٢٧ ـ الذريعة إلى أصول الشريعة. لأبي القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف


المرتضى وعلم الهدى ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ). تحقيق أبو القاسم گرجي. الطبعة الثانية ، مجلّدان ، طهران ، جامعة طهران ، ١٣٦٣ ه‍ ـ ش.

٢٨ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة. للشيخ محمّد محسن آقا بزرگ الطهراني ( ١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ ).

الطبعة الثانية ، ٢٥ جزءا في ٢٨ مجلّدا ( الجزء ٩ في ٤ مجلّدات ) ، بيروت ، دار الأضواء ، ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م.

٢٩ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة. للشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ). تحقيق مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث. الطبعة الأولى ، ٤ مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ، ١٤١٩ ه‍.

« ر »

٣٠ ـ رسائل الشريف المرتضى. لأبي القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ). إعداد السيّد مهدي الرجائي ، ٤ مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة النور للمطبوعات.

٣١ ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات. للسيّد محمّد باقر الخوانساري الأصفهاني ( ١٢٢٦ ـ ١٣١٣ ). إعداد أسد الله إسماعيليان. ٨ مجلّدات ، قم ، إسماعيليان ، ١٣٩٠ ه‍.

٣٢ ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء. للميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني ( ١٠٦٧ ـ حوالي ١١٣٤ ). إعداد السيّد أحمد الحسيني. الطبعة الأولى ، ٦ مجلّدات ، قم ، مكتبة آية الله المرعشي ، ١٤٠١ ه‍.

٣٣ ـ ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية واللقب. للميرزا محمّد علي بن محمّد طاهر المدرّس التبريزي ( ١٢٩٦ ـ ١٣٧٣ ). الطبعة الثالثة ، ٨ مجلّدات ، تبريز ، مكتبة الخيّام.

« س »

٣٤ ـ سنن ابن ماجة. لأبي عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني ( ٢٠٧ / ٢٠٩ ـ ٢٧٣ / ٢٧٥ ). تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي. مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ،


١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م.

٣٥ ـ سنن الترمذي. لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ( ٢٠٩ ـ ٢٧٩ ). تحقيق أحمد محمّد شاكر. ٥ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

٣٦ ـ سنن الدارمي. لأبي محمّد عبد الله بن بهرام الدارمي ( ١٨١ ـ ٢٥٥ ). مجلّدان ، [ بيروت ] ، دار الفكر ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م.

٣٧ ـ السنن الكبرى ( سنن البيهقي ). لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ( ٣٨٤ ـ ٤٥٨ ).

١٠ مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة [ بالأوفست عن طبعة حيدرآباد الدكن ].

٣٨ ـ سنن النسائي. لأبي عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي ( ٢١٥ ـ ٣٠٣ ). ٨ أجزاء في ٤ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

٣٩ ـ السيرة الحلبيّة. لأبي الفرج نور الدين عليّ بن إبراهيم بن أحمد الحلبي ( م ١٠٤٤ ). ٣ مجلّدات ، بيروت ، المكتبة الإسلاميّة.

« ش »

٤٠ ـ شرح الأصول الخمسة. لعبد الجبّار بن أحمد ( ٣٢٠ ـ ٤١٥ ). تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، مكتبة وهبة ، ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م.

٤١ ـ شرح الباب الحادي عشر العلاّمة الحلّي. لمقداد بن عبد الله السيوري ( م ٨٢٦ ) وأبي الفتح بن مخدوم الحسيني ( م ٩٧٢ ). تحقيق الدكتور مهدي المحقّق. مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوي ، ١٣٦٨ ش.

٤٢ ـ شرح قصيده برده. لشرف الدين أبي عبد الله محمّد بن سعيد البوصيري ( ٦٠٨ ـ ٦٩٤ ).

تصحيح علي محدّث. مركز انتشارات علمى وفرهنگى ، ١٣٦١ ش.

٤٣ ـ شرح الكافية البديعيّة. لصفيّ الدين الحلّي ( ٦٧٧ ـ ٧٥٠ ) ، تحقيق الدكتور نسيب نشاوي. دمشق ، مطبوعات مجمع اللغة العربيّة ، ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م.

٤٤ ـ شرح المواقف. للسيّد الشريف عليّ بن محمّد الجرجاني ( ٧٤٠ ـ ٨١٢ ). تصحيح السيّد محمّد بدر الدين النعساني. الطبعة الأولى ، ٨ أجزاء في ٤ مجلّدات ، قم ، انتشارات الشريف الرضي ، ١٤١٢ ه‍ / ١٣٧٠ ش.


« ص »

٤٥ ـ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة. لإسماعيل بن حمّاد الجوهري ( م ٣٩٣ ). تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار. الطبعة الأولى ، ٤ مجلّدات ، طهران ، انتشارات أميري ، ١٣٦٨ ش [ بالأوفست عن طبعة بيروت ، دار العلم للملايين ].

٤٦ ـ صحيح البخاري. لأبي عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري ( ١٩٤ ـ ٢٥٦ ). تحقيق مصطفى ديب البغا. الطبعة الرابعة ، ٦ مجلّدات + الفهرس ، دمشق وبيروت ، دار ابن كثير واليمامة للطباعة والنشر والتوزيع ، ١٤١٠ ه‍ / ١٩٩٠ م.

٤٧ ـ صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري ( ٢٠٦ ـ ٢٦١ ).

تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي. الطبعة الأولى ، ٥ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٣٧٤ ه‍ / ١٩٥٥ م.

٤٨ ـ الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم. للشيخ زين الدين أبي محمّد عليّ بن يونس العاملي النباطي البياضي ( ٧٩١ ـ ٨٧٧ ). تحقيق محمّد الباقر البهبودي. الطبعة الأولى ، ٣ مجلّدات ، المكتبة المرتضويّة ، ١٣٨٤ ه‍.

« ع »

٤٩ ـ عدّة الداعي ونجاح الساعي. لأحمد بن فهد الحلّي ( م ٨٤١ ). تصحيح وتعليق أحمد الموحّدي القميّ. قم ، مكتبة الوجداني.

٥٠ ـ عقاب الأعمال ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال.

٥١ ـ علل الشرائع. لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ المعروف بالشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ه‍ ). الطبعة الأولى ، جزءان في مجلّد واحد ، مؤسّسة دار الحجّة للثقافة ، ١٤١٦ ه‍.

٥٢ ـ العين. لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ١٠٠ ـ ١٧٥ ). تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. الطبعة الأولى ، ٨ مجلّدات + الفهرس ، قم ، مؤسّسة دار الهجرة ، ١٤٠٥ ه‍.


٥٣ ـ عيون أخبار الرضا 7. لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المعروف بالشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ). تصحيح الشيخ حسين الأعلمي. الطبعة الأولى ، مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م.

« غ »

٥٤ ـ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد. لأبي عبد الله شمس الدين محمّد بن مكّي المعروف بالشهيد الأوّل ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ). تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة ، الطبعة الأولى ، ٤ مجلّدات ، قم ، مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة ، ١٤١٤ ه‍.

٥٥ ـ غرائب القرآن. لحسن بن محمّد بن حسين القميّ النيسابوري ، نظام النيسابوري. المطبوع بهامش تفسير الطبري.

« ف »

٥٦ ـ الفتاوى الهنديّة. لفخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني ( م ٢٩٥ ). الطبعة الثانية ، ٦ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م.

٥٧ ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل. لأبي محمّد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهري ( م ٤٥٦ ). تحقيق محمّد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة. ٥ مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل.

٥٨ ـ فقه الرضا ( الفقه المنسوب للإمام الرضا 7 ). تحقيق مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث.

الطبعة الأولى. مشهد ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا 7 ، ١٤٠٦ ه‍.

٥٩ ـ الفقيه ( كتاب من لا يحضره الفقيه ). لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ه‍ ). إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان. الطبعة السادسة ، ٤ مجلّدات ، بيروت ، دار الأضواء ، ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م.

٦٠ ـ فهرست الفبائي كتب خطّي كتابخانه مركزي آستان قدس رضوي. لمحمّد آصف فكرت ومحمّد وفادار مرادي. الطبعة الأولى ، مشهد ، مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة ، ١٣٦٩ ه‍ ش.


« ق »

٦١ ـ القاموس المحيط. لأبي طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ( ٧٢٩ ـ ٨١٧ ).

٤ مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل.

٦٢ ـ القانون في الطب. للشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عليّ بن سينا ( ٣٧٠ ـ ٤٢٨ ). ٣ مجلّدات ، بيروت ، دار صادر.

٦٣ ـ القواعد والفوائد. للشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ).

تحقيق السيّد عبد الهادي الحكيم. الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة المفيد.

« ك‍ »

٦٤ ـ الكافي. لأبي جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ( م ٣٢٩ ه‍ ). تحقيق علي أكبر الغفّاري. الطبعة الرابعة ، ٨ مجلّدات ، بيروت ، دار صعب ودار التعارف ، ١٤٠١ ه‍ [ بالأوفست عن طبعة دار الكتب الإسلاميّة بطهران ].

٦٥ ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي. لأبي صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي ( م ٧٦ ). تحقيق محمّد باقر الأنصاري الزنجاني الخوئيني. الطبعة الأولى ، ٣ مجلّدات ، قم ، نشر الهادي ، ١٤١٥ ه‍ / ١٣٧٣ ش.

٦٦ ـ الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل. لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ( ٤٦٧ ـ ٥٣٨ ). تصحيح مصطفى حسين أحمد. ٤ مجلّدات ، بيروت دار الكتاب العربي.

٦٧ ـ كشف الخفاء ومزيل الإلباس. للشيخ إسماعيل بن محمّد العجلوني الجرّاحي ( م ١١٦٢ ).

تحقيق أحمد القلاش. الطبعة الخامسة ، مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م.

٦٨ ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد. للعلاّمة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ). تحقيق الأستاذ حسن زاده الآملي. قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، ١٤٠٧ ه‍.


٦٩ ـ كشف الأسرار وعدة الأبرار ( المعروف بالتفسير خواجه عبد الله الأنصاري ). لأبي الفضل رشيد الدين الميبدي ( من أعلام القرن السادس ). تحقيق علي أصغر حكمت. الطبعة الثالثة ، ١٠ مجلّدات + الفهرس ، طهران ، مؤسّسة انتشارات أمير كبير ، ١٣٦١ ش.

٧٠ ـ كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال. لعلاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي ( ٨٨٨ ـ ٩٧٥ ). إعداد بكري حياني وصفوة السقا. الطبعة الخامسة ، ١٦ مجلّدا ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م.

« ل »

٧١ ـ لسان العرب. لجمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري ( ٦٣٠ ـ ٧١١ ).

١٥ مجلّدا ، قم ، نشر أدب الحوزة ، ١٤٠٥ ه‍.

٧٢ ـ اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة. لجمال الدين مقداد بن عبد الله الأسدي السيوري الحلّي ( م ٨٢٦ ). تحقيق السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي. تبريز ، مطبعة شفق ، ١٣٩٧ ه‍.

« م »

٧٣ ـ المباحث المشرقيّة. لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي ( ٥٤٤ ـ ٦٠٦ ). تحقيق محمّد المعتصم بالله البغدادي. الطبعة الأولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٤١٠ ه‍ / ١٩٩٠ م.

٧٤ ـ مجمع البيان لعلوم القرآن. لأبي عليّ أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ( حوالي ٤٧٠ ـ ٥٤٨ ). تحقيق الميرزا أبو الحسن الشعراني. الطبعة الخامسة ، ١٠ أجزاء في ٥ مجلّدات ، طهران ، المكتبة الإسلاميّة ، ١٣٩٥ ه‍.

٧٥ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ( م ٨٠٧ ). بتحرير العراقي وابن حجر. الطبعة الثالثة ، ١٠ مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م.

٧٦ ـ المحصّل ( محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين ). لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي ( ٥٤٤ ـ ٦٠٦ ). تحقيق الدكتور حسين آتاي ، الطبعة الأولى ، القاهرة ، مكتبة


دار التراث ، ١٤١١ ه‍ / ١٩٩١ م.

٧٧ ـ المستقصى في أمثال العرب. لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ( م ٥٣٨ ).

الطبعة الثانية ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، ١٣٩٧ ه‍ / ١٩٧٧ م.

٧٨ ـ مسند أحمد. لأحمد بن محمّد بن حنبل ( ١٦٤ ـ ٢٤١ ). الطبعة الأولى ، ٩ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤١٢ ه‍ / ١٩٩١ م.

٧٩ ـ المصباح ( جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية ). للشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن العاملي الكفعمي ( ٨٤٠ ـ ٩٠٥ ). الطبعة الثانية ، طهران ، مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان ، ١٣٤٩ ش.

٨٠ ـ مصباح المتهجّد. لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ). تحقيق علي أصغر مرواريد. الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسّسة فقه الشيعة ، ١٤١١ ه‍ / ١٩٩١ م.

٨١ ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. لأحمد بن محمّد بن علي الفيّومي ( م حوالي ٧٧٠ ). جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، ١٤٠٥ ه‍.

٨٢ ـ المطوّل في شرح تلخيص المفتاح. لسعد الدين مسعود التفتازاني الهروي ( ٧٢٢ ـ ٧٩٢ ).

قم ، مكتبة آية الله المرعشي ، ١٤٠٧ ه‍.

٨٣ ـ معاني الأخبار. لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ه‍ ). تحقيق علي أكبر الغفّاري. قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، ١٣٦١ ش.

٨٤ ـ معجم البلدان. لشهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي ( ٥٧٤ ـ ٦٢٦ ). ٥ مجلّدات ، بيروت ، دار صادر ، ١٣٩٧ ه‍ / ١٩٧٧ م.

٨٥ ـ معجم مفردات ألفاظ القرآن. لأبي القاسم حسين بن محمّد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني ( م ٥٠٣ ). تحقيق نديم مرعشلي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م.

٨٦ ـ المعجم الوسيط. لدكتور إبراهيم أنيس ، الدكتور عبد الحليم منتصر ، عطية الصوالحي ، محمّد خلف الله أحمد ، الطبعة الخامسة ، طهران ، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة ،


١٤١٦ ه‍ / ١٣٧٤ ش.

٨٧ ـ الملل والنحل. لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني ( ٤٧٩ ـ ٥٤٨ ). تحقيق محمّد سيّد كيلاني. مجلّدان ، القاهرة ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٧ م.

٨٨ ـ مناهج اليقين في أصول الدين. للعلاّمة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ). تحقيق محمّد رضا الأنصاري القميّ. الطبعة الأولى ، مطبعة ياران ، ١٤١٦ ه‍ / ١٣٧٤ ش.

٨٩ ـ مهج الدعوات ومنهج العبادات. لأبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاوس الحسني الحلّي ( ٥٨٩ ـ ٦٦٤ ). الطبعة الأولى ، قم ، منشورات دار الذخائر ، ١٤١١ ه‍ / ١٣٧٠ ش.

« ن »

٩٠ ـ نصب الراية لأحاديث الهداية. لجمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي ( م ٧٦٢ ).

الطبعة الثالثة ، ٤ مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م.

٩١ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر. لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمّد بن محمّد المعروف بابن الأثير الجزري ( ٥٤٤ ـ ٦٠٦ ). تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي. الطبعة الرابعة ، ٥ مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، ١٣٦٤ ش.

٩٢ ـ نهج البلاغة. لأبي الحسن الشريف الرضيّ محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي ( ٣٥٩ ـ ٤٠٦ ). تحقيق صبحي الصالح. الطبعة الأولى ، طهران ، دار الأسوة للطباعة والنشر ، ١٤١٥ ه‍.


٤. فهرس الموضوعات

تصدير......................................................................... ٧

مقدّمة التحقيق

الباب الأوّل

الفصل الأوّل : الشهيد الأوّل في سطور........................................ ١١

الفصل الثاني : في تعريف الرسالتين............................................ ١٢

الرسالة الأولى : المقالة التكليفيّة............................................ ١٢

الرسالة الثانية : الباقيات الصالحات......................................... ١٤

الباب الثاني

الفصل الأوّل : العلاّمة البياضي................................................ ١٦

مشايخه.................................................................. ١٧

الراوون عنه.............................................................. ١٧

أقوال العلماء فيه.......................................................... ١٨

آثاره العلميّة.............................................................. ١٩

الفصل الثاني : الشرحان...................................................... ٢٠


الأوّل : الرسالة اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة............................. ٢٠

الثاني : الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات........................ ٢١

الخاتمة : عملنا في الكتاب..................................................... ٢٢

شكر وثناء............................................................... ٢٣

نماذج مصوّرة من المخطوطات.............................................. ٢٤

أربع رسائل كلاميّة

(١) المقالة التكليفيّة

مقدّمة المؤلّف الشهيد ، ترتيب الرسالة وبيان فصوله إجمالا....................... ٣٥

الفصل الأوّل : في ماهيّة التكليف

معنى التكليف والكلام في حسنه............................................... ٣٧

في غايات الحاصلة من تكرار العبادات.......................................... ٣٨

الكلام في وجوب التكليف على الله تعالى بناء على قاعدة الحسن والقبح............ ٣٨

في المكلّف والمكلّف.......................................................... ٣٩

حسن التكليف مشروط بأربعة................................................ ٣٩

الفصل الثاني : في متعلّق التكليف

أقسام التكليف باعتبار استقلال العقل بدركه ، أولا............................. ٤١

أقسامها الأوليّة :............................................................ ٤١

العلم العقلي الضروري بالأحكام الخمسة....................................... ٤١

العلم العقلي النظري بالأحكام الخمسة......................................... ٤٢

العلم السمعي الضروري بالأحكام الخمسة...................................... ٤٢


الطريق الظنّي بالأحكام الخمسة............................................... ٤٢

العلم السمعي النظري بالأحكام الخمسة........................................ ٤٢

تنبيه : في وجوب الاعتقاد بالتكليف إجمالا وتفصيلا............................. ٤٣

الفصل الثالث : في غاية الحاصلة بامتثال التكليف وهي أربع :

التقرّب إلى الله سبحانه ... ، والمدح من العقلاء ... ، والقرب من الطاعة ... ، والفوز بتعظيم المكلّف سبحانه ٤٥

تحقيق القول في كون الترك الواجب مستلزما للمفسدة وترك القبيح................ ٤٥

حكم العقل بحسن الأشياء وقبح الأشياء ضروريّ................................ ٤٦

هل حسن الأشياء وقبحها للذّات أو للوجه اللاحق للذات؟....................... ٤٦

بيان وجه كون حسن الأشياء وقبحها للذّات في مباحث :........................ ٤٦

المبحث الأوّل : وجه الضروري............................................... ٤٦

المبحث الثاني : في وجه النظري ، ولوجوبه وجوه :.............................. ٤٦

الأوّل : أنّه شرط في العلم بالثواب والعقاب وشرط الواجب واجب............... ٤٦

الثاني : أنّ كلاّ من شكر المنعم ودفع الخوف واجب............................. ٤٧

الثالث : أنّ المعرفة دافعة للخوف ودفع الخوف واجب بالبديهة................... ٤٧

المبحث الثالث : في وجه السمعي ، والمراد بالوجه هنا........................... ٤٨

اختلف العلماء في غاية الأحكام على أربعة أقوال :.............................. ٤٨

مذهب جمهور العدليّة : أنّه اللطف في التكليف................................. ٤٨

مذهب أبي القاسم الكعبي : أنّه الشكر لنعم الله................................. ٤٩

لوازم القول بالشكر.......................................................... ٤٩

مذهب جمهور الأشعريّة : أنّ الأحكام إنّما شرّعت لمجرّد الأمر والنهي............. ٥١

مذهب بعض المعتزلة : أنّ الوجه ما تضمّن ترك الفعل من المفسدة وترك القبيح من المصلحة ٥٢


الاحتجاج للمذهب الأوّل بوجهين :........................................... ٥٣

الوجه الأوّل : أنّ معنى اللطف حاصل فيها فيكون لطفا.......................... ٥٣

الوجه الثاني : إبطال الأقوال الأخيرة........................................... ٥٤

في وجوه إبطال الأقوال نظر................................................... ٥٤

احتجاج أصحاب الشكر بثلاثة وجوه والجواب عنها............................. ٥٥

الفصل الرابع : في الترغيب

الأحاديث الواردة في الترغيب إلى طاعة الله..................................... ٥٧

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى الخيرات............................... ٥٩

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى السواك................................ ٦٠

بابان : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى تحصيل الطهارة والتنظيف............... ٦١

باب الفرائض............................................................... ٦٢

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى الواجب............................... ٦٢

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى الأذان................................. ٦٥

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى صلاة الجماعة.......................... ٦٦

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى قيام الليل وعبادته....................... ٦٦

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى التعقيب والتسبيح والدعاء بعد الصلاة.... ٦٨

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى إعطاء الزكاة........................... ٧٠

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى الصيام................................. ٧١

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى حجّ بيت الله الحرام..................... ٧٣

باب : الأحاديث الواردة في الترغيب إلى الجهاد ، والأمر بالمعروف................ ٧٥

الفصل الخامس : في الترهيب

باب : الأحاديث الواردة في الترهيب عن ارتكاب المحرّمات....................... ٧٧


باب : الأحاديث الواردة في الترهيب عن تضييع الحقوق......................... ٧٩

باب : الأحاديث الواردة في الترهيب عن تضييع أوقات الصلوات وعبادة الله سبحانه ٨٠

باب : الأحاديث الواردة في الترهيب عن الهجران وقطيعة الرحم.................. ٨٢

باب : الأحاديث الواردة في الترهيب عن إذاعة الفاحشة......................... ٨٥

باب : الأحاديث الواردة في الترهيب عن الغيبة وهدم مروءة المؤمن................ ٨٥

(٢) الرسالة اليونسيّة

مقدّمة الشارح ، العلاّمة البياضي................................................. ٨٩

شرح البسملة............................................................... ٨٩

شرح الخطبة................................................................ ٩٠

وجه اختصاص الصلاة بالنبيّ 6 ، ومن يسمّى في الجاهلية بمحمّد............. ٩٤

معنى البلاغة والفصاحة ، ووجه وصف النبيّ 6 بهما......................... ٩٤

المقصودين بالطيّبين والعترة.................................................... ٩٦

شرح الفصول الخمسة إجمالا.................................................. ٩٧

الفصل الأوّل : في ماهيّة التكليف وتوابعها

معنى التكليف لغة وشرعا................................................... ١٠١

بيان مراد المصنّف بقوله : « ولانتقاضه في عكسه »........................... ١٠١

بيان مراد المصنّف من قوله : « على فعل وكفّ » والنظر فيه من وجهين........ ١٠٣

في ضرورة وجوب القانون ـ الشريعة ـ ولزوم بعث النبيّ 6.............. ١٠٤

الغايات الحاصلة من العبادات................................................ ١٠٦

معنى رياضة القوى النفسانيّة................................................. ١٠٦

المراد بالأمور العالية : البارئ سبحانه وصفات كماله وجلاله................... ١٠٨


معنى الإنذار............................................................... ١٠٩

لو لم يجب البعث والتكليف لزم الإغراء بالقبيح............................... ١١٠

حسن التكليف مشروط بأربعة أمور......................................... ١١٢

أقسام التكليف باعتبار الفعل والترك.......................................... ١١٤

الثالث من شروط حسن التكليف : العائد إلى المكلّف تعالى..................... ١١٥

الرابع من شروط حسن التكليف : ما يعود إلى المكلّف......................... ١١٥

في عدم اشتراط إسلام المكلّف بالحكم........................................ ١١٦

بيان شرائط وجوب التكليف................................................ ١١٧

الفصل الثاني : في متعلّق التكليف

هل الإباحة تكليف......................................................... ١٢١

أقسام الاعتقاد المجرّد عن العمل ، والمنضمّ إلى العمل............................ ١٢٢

بيان وجه اشتراط استحقاق المدح والثواب بإيقاع التكليف لوجوبها.............. ١٣٣

الفصل الثالث : في الغاية الحاصلة بامتثال التكليف

الغايات الحاصلة بامتثال التكليف أربعة :...................................... ١٣٧

غايات أخرى غير ما مرّ مثل : دفع الخوف غاية لبعض المعارف................. ١٣٩

بيان وجه توقّف معرفة الوجه على حكم العقل بالحسن والقبح.................. ١٤٠

هل حسن الأشياء وقبحها للذّات أو للوجه اللاحق للذّات؟ والأقوال فيه.......... ١٤٢

حجّة القول بأنّ حسن الأشياء وقبحها للذّات................................. ١٤٢

حجّة القول الآخرين بأن حسن الأشياء ... للوجه اللاحق للذّات................ ١٤٢

بيان وجه كون حسن الأشياء و ... للذات تفصيلا طيّ مباحث :............... ١٤٣

تنبيه : في وجوب النظر وبيان علل وجوبه..................................... ١٤٨

حصول المعرفة منحصرة في وجه الضروري والنظري ، وهو لا يحصل بغير نظر.... ١٥٠


في وجه السمعي ، والكلام هنا في الأحكام الأربعة السمعيّة..................... ١٥١

الأقوال في غاية التكليف والتشريع........................................... ١٥١

مذهب جمهور العدليّة : أنّه اللطف........................................... ١٥١

مذهب أبي القاسم الكعبي : أنّه الشكر لنعم الله سبحانه........................ ١٥٦

لوازم القول بالشكر ثلاثة :................................................. ١٥٧

وجه تسمية أمير المؤمنين 7 بـ « العالم الربّاني »........................... ١٥٩

في أنّ الذكر يستعمل في معان :............................................. ١٦٠

معنى الشكر عن الخاصّة : شغل النفس بالفكر و............................... ١٦٥

مذهب الكعبي شعبة من مذهب اللطف....................................... ١٦٦

مذهب جمهور الأشعريّة : أنّ الأحكام شرّعت لمجرّد الأمر والنهي لا لغاية أخرى.. ١٦٦

بيان الأصول التي يمكن بناء مذهب الأشعري عليها............................. ١٦٧

مذهب بعض المعتزلة : أنّ الوجه هو ما يتضمّن ترك الفعل...................... ١٦٩

الحقيقة أنّ المذهب الرابع ضغث من المذهب الأوّل............................. ١٦٩

احتجّ القائلون باللطف بوجهين : لمّي ، وخلفي................................ ١٧٢

الأوّل : معنى اللطف حاصل في الأمر والنهي.................................. ١٧٢

الثاني : إبطال كلّ من الأقوال الأخيرة........................................ ١٧٣

إبطال مذهب الأمر والنهي.................................................. ١٧٤

إبطال المذهب الرابع........................................................ ١٧٥

إبطال المذهب الثاني ـ وهو الشكر ـ بأمور أربعة............................ ١٧٦

إيرادات المصنّف على حجّة صاحب اللطف وعلى طعنه في باقي المذاهب......... ١٧٧

أدلّة القائلين بالشكر وأجوبتها............................................... ١٨١

تفسير وبيان : « أن الشهرة بين المتكلّمين لو كان ليس بحجّة »................. ١٨٣


أنّ كون اللطف والشكر علّة تامّة في الوجود ، هل هي باعتبار كونها جزءا أو شرطا ١٨٥

الفصل الرابع : في الترغيب

الأحاديث الواردة في الترغيب............................................... ١٨٩

باب الفرائض ـ الأحاديث الواردة فيه....................................... ١٩٥

الفصل الخامس : في الترهيب

الأحاديث الواردة في الترهيب............................................... ٢١٥

(٣) الباقيات الصالحات

شرح الكلمات الباقيات الصالحات........................................... ٢٣٥

(٤) الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات

مقدّمة الشارح............................................................... ٢٣٩

المرصد الأوّل : في معنى « سبحان الله »

معنى تنزيهه تعالى عن السوء وبراءته من الفحشاء............................... ٢٤١

تفسير قوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ).................... ٢٤٢

في عموم قدرته تعالى وذكر الأقوال في المسألة................................. ٢٤٣

الفرق بين عين القدرة ومثله................................................. ٢٤٥

في عموم علمه تعالى وذكر الأقوال........................................... ٢٤٦

في نفي الجسمية والعرضيّة عنه تعالى.......................................... ٢٤٧

في نفي الجوهريّة والتحيّز عنه تعالى........................................... ٢٤٩

في نفي الحلول في محلّ أو كونه تعالى في جهة.................................. ٢٤٩

في نفي الاتّحاد والولد والصاحبة عنه تعالى.................................... ٢٥٠


المرصد الثاني : في معنى « الحمد لله »

في بيان معنى نعم الله تعالى وعدّ بعضها........................................ ٢٥٣

أصول النعم : الحياة والقدرة والشهوة والنفرة والعقل........................... ٢٥٨

لطيفة : في أنّ بعض بعض هذه الأصول أصل لسائر الأصول.................... ٢٥٩

تنبيه : المراد من أصل الإيجاد الوجود......................................... ٢٥٩

فروع النعم................................................................ ٢٥٩

المرصد الثالث : في معنى « لا إله إلاّ الله »

معنى « الإله » وتنزيهه تعالى عن الشريك والمثل والضدّ والندّ والمناوئ والمنافي..... ٢٦٣

في بطلان رأي النصارى : القائلون باتّحاد البارئ مع المسيح 7............... ٢٦٤

في بطلان القول بالولد وذكر فرق اليهود..................................... ٢٦٥

في بطلان مذهب الثنويّة الذين أثبتوا : النور والظلمة........................... ٢٦٦

في ذكر فرق عابدي الأصنام والأوثان والصلبان وعقائدهم...................... ٢٦٦

في ذكر فرق عابدي الكواكب وبطلان عقائدهم.............................. ٢٦٨

معنى الشهادة لغة وشرعا.................................................... ٢٦٩

المرصد الرابع : في معنى « الله أكبر »

إثبات صفات الكمال لله تعالى وبيانها إجمالا................................... ٢٧١

في إثبات كونه تعالى حكيما ، جارية أفعاله على وفق الحكمة والصواب.......... ٢٧٢

في إثبات عدم استطاعة أحد الاطّلاع على كنه ذاته وصفة من صفاته............ ٢٧٤

ما قال المصنّف عند ذكر التكبيرات السبع في الصلاة........................... ٢٧٦

في معنى الإيمان وهل هو : اعتقاد بالقلب ونطق باللسان ، أو أنّه التصديق القلبي فقط ٢٧٧


الفهارس

فهرس الآيات الكريمة....................................................... ٢٨٣

فهرس الأحاديث الشريفة................................................... ٢٩٥

فهرس مصادر التحقيق...................................................... ٣٠٧

فهرس الموضوعات.......................................................... ٣١٩

أربع رسائل كلاميّة

المؤلف:
الصفحات: 328